تفسير القمي المجلد 2

هویة الکتاب

تفسير القمي

نويسنده: القمي، علي بن ابراهیم

مقدمه نویس و مصحح: الجزایري، طیب

مصحح و مقدمه نویس: الجزایري، طیب

تصحيح و تنظيم:الجزایري، طیب

تعداد جلد: 2

زبان: العربية

ناشر: منشورات مکتبة الهدي - مطبعة النجف 1387 ه

ص: 1

اشارة

ص: 2

الرموز

1 «م» إشارة إلى نسخة مكتبة آية الله الحكيم.

2 «ك» إشارة إلى نسخة مكتبة آية الله كاشف الغطاء.

3 «ط » إشارة إلى نسخة مطبوعة سنة 1313 في إيران.

4 «خ» أو «خ ل» إ شارة إلى «نسخة بدل».

5 «ق» لقاموس اللغة.

6 «ج. ز» مخفف «الجزائري» المحشى.

17- (سورة بني إسرائيل مكية) و آياتها مائة و إحدى عشرة 111

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ سُبْحٰانَ الَّذِي أَسْرىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ اَلْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ

إِلَى اَلْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بٰارَكْنٰا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيٰاتِنٰا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»

ص: 3

صَلَّيْتَ فَقُلْتُ لاَ، فَقَالَ صَلَّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ حَيْثُ «كَلَّمَ اللّٰهُ مُوسىٰ تَكْلِيماً» ثُمَّ رَكِبْتُ فَمَضَيْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ لِي انْزِلْ فَصَلِّ فَنَزَلْتُ وَ صَلَّيْتُ فَقَالَ لِي أَ تَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ فَقُلْتُ لاَ، قَالَ صَلَّيْتَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ بِنَاحِيَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ رَكِبْتُ فَمَضَيْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَرَبَطْتُ اَلْبُرَاقَ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَرْبِطُ بِهَا فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَ مَعِي جَبْرَئِيلُ إِلَى جَنْبَيِ فَوَجَدْنَا إِبْرَاهِيمَ وَ مُوسَى وَ عِيسَى فِيمَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ قَدْ جُمِعُوا إِلَيَّ وَ أَقَمْتُ الصَّلاَةَ وَ لاَ أَشُكُّ إِلاَّ وَ جَبْرَئِيلُ اسْتَقْدَمَنَا، فَلَمَّا اسْتَوَوْا أَخَذَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِعَضُدِي فَقَدَّمَنِي فَأَمَّمْتُهُمْ وَ لاَ فَخْرَ، ثُمَّ أَتَانِي الْخَازِنُ بِثَلاَثِ أَوَانِي، إِنَاءٌ فِيهِ لَبَنٌ وَ إِنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ وَ إِنَاءٌ فِيهِ خَمْرٌ، فَسَمِعْتُ قَائِلاً يَقُولُ إِنْ أَخَذَ الْمَاءَ غَرِقَ وَ غَرِقَتْ أُمَّتُهُ ، وَ إِنْ أَخَذَ الْخَمْرَ غَوَى وَ غَوَتْ أُمَّتُهُ وَ إِنْ أَخَذَ اللَّبَنَ هُدِيَ وَ هُدِيَتْ أُمَّتُهُ ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُ مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ هُدِيتَ وَ هُدِيَتْ أُمَّتُكَ ثُمَّ قَالَ لِي مَا ذَا رَأَيْتَ فِي مَسِيرِكَ فَقُلْتُ نَادَانِي مُنَادٍ عَنْ يَمِينِي فَقَالَ لِي أَ وَ أَجَبْتَهُ فَقُلْتُ لاَ وَ لَمْ أَلْتَفِتْ إِلَيْهِ ، فَقَالَ ذَاكَ دَاعِي اَلْيَهُودِ لَوْ أَجَبْتَهُ لَتَهَوَّدَتْ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ ثُمَّ قَالَ مَا ذَا رَأَيْتَ فَقُلْتُ نَادَانِي مُنَادٍ عَنْ يَسَارِي فَقَالَ أَ وَ أَجَبْتَهُ فَقُلْتُ لاَ وَ لَمْ أَلْتَفِتْ إِلَيْهِ ، فَقَالَ ذَاكَ دَاعِي اَلنَّصَارَى لَوْ أَجَبْتَهُ لَتَنَصَّرَتْ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ ثُمَّ قَالَ مَا ذَا اسْتَقْبَلَكَ فَقُلْتُ لَقِيتُ امْرَأَةً كَاشِفَةً عَنْ ذِرَاعَيْهَا عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينَةٍ فَقَالَتْ يَا مُحَمَّدُ انْظُرْنِي حَتَّى أُكَلِّمَكَ ، فَقَالَ لِي أَ فَكَلَّمْتَهَا فَقُلْتُ لَمْ أُكَلِّمْهَا وَ لَمْ أَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَقَالَ تِلْكَ الدُّنْيَا وَ لَوْ كَلَّمْتَهَا لاَخْتَارَتْ أُمَّتُكَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ ، ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتاً أَفْزَعَنِي فَقَالَ جَبْرَئِيلُ أَ تَسْمَعُ يَا مُحَمَّدُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ هَذِهِ صَخْرَةٌ قَذَفْتُهَا عَنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ مُنْذُ سَبْعِينَ عَاماً فَهَذَا حِينَ اسْتَقَرَّتْ ، قَالُوا فَمَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَتَّى قُبِضَ قَالَ فَصَعِدَ جَبْرَئِيلُ وَ صَعِدْتُ مَعَهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَ عَلَيْهَا مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ

ص: 4

وَ هُوَ صَاحِبُ الْخَطْفَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «إِلاّٰ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهٰابٌ ثٰاقِبٌ »

وَ تَحْتَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ تَحْتَ كُلِّ مَلَكٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ، فَقَالَ يَا جَبْرَئِيلُ مَنْ هَذَا مَعَكَ فَقَالَ : مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ أَ وَ قَدْ بُعِثَ قَالَ نَعَمْ فَفَتَحَ الْبَابَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَلَيَّ وَ اسْتَغْفَرْتُ لَهُ وَ اسْتَغْفَرَ لِي وَ قَالَ مَرْحَباً بِالْأَخِ النَّاصِحِ وَ النَّبِيِّ الصَّالِحِ وَ تَلَقَّتْنِي الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى دَخَلْتُ سَمَاءَ الدُّنْيَا فَمَا لَقِيَنِي مَلَكٌ إِلاَّ كَانَ ضَاحِكاً مُسْتَبْشِراً حَتَّى لَقِيَنِي مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ لَمْ أَرَ أَعْظَمَ خَلْقاً مِنْهُ كَرِيهَ الْمَنْظَرِ ظَاهِرَ الْغَضَبِ ، فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالُوا مِنَ الدُّعَاءِ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَضْحَكْ وَ لَمْ أَرَ فِيهِ مِنَ الاِسْتِبْشَارِ وَ مَا رَأَيْتُ مِمَّنْ ضَحِكَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ فَإِنِّي قَدْ فَزِعْتُ فَقَالَ يَجُوزُ أَنْ تَفْزَعَ مِنْهُ ، وَ كُلُّنَا نَفْزَعُ مِنْهُ هَذَا مَالِكٌ خَازِنُ اَلنَّارِ لَمْ يَضْحَكْ قَطُّ وَ لَمْ يَزَلْ مُنْذُ وَلاَّهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ يَزْدَادُ كُلَّ يَوْمٍ غَضَباً وَ غَيْظاً عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ وَ لَوْ ضَحِكَ إِلَى أَحَدٍ قَبْلَكَ أَوْ كَانَ ضَاحِكاً لِأَحَدٍ بَعْدَكَ لَضَحِكَ إِلَيْكَ وَ لَكِنَّهُ لاَ يَضْحَكُ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ وَ بَشَّرَنِي بِالْجَنَّةِ ، فَقُلْتُ لِجَبْرَئِيلَ وَ جَبْرَئِيلُ بِالْمَكَانِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ «مُطٰاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » ، أَ لاَ تَأْمُرُهُ أَنْ يُرِيَنِي اَلنَّارَ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ يَا مَالِكُ أَرِ مُحَمَّداً اَلنَّارَ، فَكَشَفَ عَنْهَا غِطَاءَهَا وَ فَتَحَ بَاباً مِنْهَا، فَخَرَجَ مِنْهَا لَهَبٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ وَ فَارَتْ فَارْتَعَدَتْ حَتَّى ظَنَنْتُ لَيَتَنَاوَلُنِي مِمَّا رَأَيْتُ ، فَقُلْتُ لَهُ يَا جَبْرَئِيلُ قُلْ لَهُ فَلْيَرُدَّ عَلَيْهَا غِطَاءَهَا فَأَمَرَهَا، فَقَالَ لَهَا ارْجِعِي فَرَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ .

ص: 5

الصَّالِحِ وَ النَّبِيِّ الصَّالِحِ وَ الْمَبْعُوثِ فِي الزَّمَنِ الصَّالِحِ .

ثُمَّ مَرَرْتُ بِمَلَكٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ وَ هُوَ جَالِسٌ وَ إِذَا جَمِيعُ الدُّنْيَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَ إِذَا بِيَدِهِ لَوْحٌ مِنْ نُورٍ فِيهِ كِتَابٌ يَنْظُرُ فِيهِ وَ لاَ يَلْتَفِتُ يَمِيناً وَ لاَ شِمَالاً مُقْبِلاً عَلَيْهِ كَهَيْئَةِ الْحَزِينِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ

دَائِبٌ فِي قَبْضِ الْأَرْوَاحِ فَقُلْتُ يَا جَبْرَئِيلُ أَدْنِنِي مِنْهُ حَتَّى أُكَلِّمَهُ ، فَأَدْنَانِي مِنْهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، وَ قَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ هَذَا مُحَمَّدٌ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَى الْعِبَادِ فَرَحَّبَ بِي وَ حَيَّانِي بِالسَّلاَمِ وَ قَالَ أَبْشِرْ يَا مُحَمَّدُ فَإِنِّي أَرَى الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي أُمَّتِكَ فَقُلْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَنَّانِ ذِي النِّعَمِ عَلَى عِبَادِهِ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ رَبِّي وَ رَحْمَتِهِ عَلَيَّ ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ

هُوَ أَشَدُّ الْمَلاَئِكَةِ عَمَلاً فَقُلْتُ أَ كُلُّ مَنْ مَاتَ أَوْ هُوَ مَيِّتٌ فِيمَا بَعْدَ هَذَا تَقْبِضُ رُوحَهُ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ تَرَاهُمْ حَيْثُ كَانُوا وَ تَشْهَدُهُمْ بِنَفْسِكَ فَقَالَ نَعَمْ ، فَقَالَ مَلَكُ الْمَوْتِ مَا الدُّنْيَا كُلُّهَا عِنْدِي فِيمَا سَخَّرَهَا اللَّهُ لِي وَ مَكَّنَنِي مِنْهَا إِلاَّ كَالدِّرْهَمِ فِي كَفِّ الرَّجُلِ يُقَلِّبُهُ كَيْفَ يَشَاءُ وَ مَا مِنْ دَارٍ إِلاَّ وَ أَنَا أَتَصَفَّحُهَا كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ وَ أَقُولُ إِذَا بَكَى أَهْلُ الْمَيِّتِ عَلَى مَيِّتِهِمْ لاَ تَبْكُوا عَلَيْهِ فَإِنَّ لِي فِيكُمْ عَوْدَةً وَ عَوْدَةً حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْكُمْ أَحَدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَفَى بِالْمَوْتِ طَامَّةً يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ إِنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَطَمُّ وَ أَطَمُّ مِنَ الْمَوْتِ .

قَالَ ثُمَّ مَضَيْتُ فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مَوَائِدُ مِنْ لَحْمٍ طَيِّبٍ وَ لَحْمٍ خَبِيثٍ يَأْكُلُونَ الْخَبِيثَ وَ يَدَعُونَ الطَّيِّبَ ، فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الْحَرَامَ وَ يَدَعُونَ الْحَلاَلَ وَ هُمْ مِنْ أُمَّتِكَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 6

الْمُؤْمِنِينَ ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَذَا مَلَكٌ وَكَّلَهُ اللَّهُ بِأَكْنَافِ السَّمَاوَاتِ وَ أَطْرَافِ الْأَرَضِينَ وَ هُوَ أَنْصَحُ مَلاَئِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُو لَهُمْ بِمَا تَسْمَعُ مُنْذُ خُلِقَ ، وَ مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ فِي السَّمَاءِ أَحَدُهُمَا يَقُولُ اللَّهُمَّ أَعْطِ كُلَّ مُنْفِقٍ خَلَفاً وَ الْآخَرُ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَعْطِ كُلَّ مُمْسِكٍ تَلَفاً.

ثُمَّ مَضَيْتُ فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ لَهُمْ مَشَافِرُ كَمَشَافِرِ الْإِبِلِ يُقْرِضُ اللَّحْمَ مِنْ جَنُوبِهِمْ وَ يُلْقَى فِي أَفْوَاهِهِمْ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَؤُلاَءِ الْهَمَّازُونَ اللَّمَّازُونَ ثُمَّ مَضَيْتُ فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ تُرْضَخُ رُءُوسُهُمْ بِالصَّخْرِ، فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَنَامُونَ عَنْ صَلاَةِ الْعِشَاءِ ثُمَّ مَضَيْتُ فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ تُقْذَفُ النَّارُ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَ تَخْرُجُ مِنْ أَدْبَارِهِمْ ، فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَؤُلاَءِ «اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ الْيَتٰامىٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً» ، ثُمَّ مَضَيْتُ فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ يُرِيدُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَقُومَ فَلاَ يَقْدِرُ مِنْ عِظَمِ بَطْنِهِ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جَبْرَئِيلُ قَالَ هَؤُلاَءِ «اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبٰا لاٰ يَقُومُونَ إِلاّٰ كَمٰا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ اَلشَّيْطٰانُ مِنَ الْمَسِّ » فَإِذَا هُمْ مِثْلُ آلِ فِرْعَوْنَ يُعْرَضُونَ عَلَى اَلنَّارِ «غُدُوًّا وَ عَشِيًّا» يَقُولُونَ رَبَّنَا مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ قَالَ ثُمَّ مَضَيْتُ فَإِذَا أَنَا بِنِسْوَانٍ مُعَلَّقَاتٍ بِثَدْيِهِنَّ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَؤُلاَءِ اللَّوَاتِي يُوَرِّثْنَ أَمْوَالَ أَزْوَاجِهِنَّ أَوْلاَدَ غَيْرِهِمْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ فِي نَسَبِهِمْ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَاطَّلَعَ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ وَ أَكَلَ خَزَائِنَهُمْ .

ص: 7

اللَّهِ خُشُوعاً فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا عَلَيَّ إِيمَاءً بِرُءُوسِهُمْ لاَ يَنْظُرُونَ إِلَيَّ مِنَ الْخُشُوعِ فَقَالَ لَهُمْ جَبْرَئِيلُ هَذَا مُحَمَّدٌ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَى الْعِبَادِ رَسُولاً وَ نَبِيّاً وَ هُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَ سَيِّدُهُمْ أَ فَلاَ تُكَلِّمُونَهُ قَالَ فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ جَبْرَئِيلَ أَقْبَلُوا عَلَيَّ بِالسَّلاَمِ وَ أَكْرَمُونِي وَ بَشَّرُونِي بِالْخَيْرِ لِي وَ لِأُمَّتِي.

قَالَ ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا فِيهَا رَجُلاَنِ مُتَشَابِهَانِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَانِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ لِي ابْنَا الْخَالَةِ يَحْيَى وَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمَا وَ سَلَّمَا عَلَيَّ وَ اسْتَغْفَرْتُ لَهُمَا وَ اسْتَغْفَرَا لِي وَ قَالاَ مَرْحَباً بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَ النَّبِيِّ الصَّالِحِ وَ إِذَا فِيهَا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مِثْلُ مَا فِي السَّمَاءِ الْأُولَى وَ عَلَيْهِمُ الْخُشُوعُ قَدْ وَضَعَ اللَّهُ وُجُوهَهُمْ كَيْفَ شَاءَ لَيْسَ مِنْهُمْ مَلَكٌ إِلاَّ يُسَبِّحُ لِلَّهِ وَ يُحَمِّدُهُ بِأَصْوَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ .

ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ فَضْلُ حُسْنِهِ عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ النُّجُومِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَذَا أَخُوكَ يُوسُفُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَلَيَّ وَ اسْتَغْفَرْتُ لَهُ وَ اسْتَغْفَرَ لِي وَ قَالَ مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَ الْأَخِ الصَّالِحِ وَ الْمَبْعُوثِ فِي الزَّمَنِ الصَّالِحِ ، وَ إِذَا فِيهَا مَلاَئِكَةٌ عَلَيْهِمْ مِنَ الْخُشُوعِ مِثْلُ مَا وَصَفْتُ فِي السَّمَاءِ الْأُولَى وَ الثَّانِيَةِ ، وَ قَالَ لَهُمْ جَبْرَائِيلُ فِي أَمْرِي مَا قَالَ لِلْآخَرِينَ وَ صَنَعُوا بِي مِثْلَ مَا صَنَعَ الْآخَرُونَ .

ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَ إِذَا فِيهَا رَجُلٌ ، قُلْتُ مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ

ص: 8

فَأَعْجَبَتْنِي كَثْرَتُهُمْ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ ، قَالَ هَذَا الْمُحَبَّبُ فِي قَوْمِهِ هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَلَيَّ وَ اسْتَغْفَرْتُ لَهُ وَ اسْتَغْفَرَ لِي وَ إِذَا فِيهَا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ الْخُشُوعِ مِثْلُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ .

ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ وَ إِذَا فِيهَا رَجُلٌ آدَمُ طَوِيلٌ عَلَيْهِ سُمْرَةٌ وَ لَوْ لاَ أَنَّ عَلَيْهِ قَمِيصَيْنِ لَنَفَذَ شَعْرُهُ مِنْهُمَا فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ تَزْعُمُ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنِّي أَكْرَمُ وُلْدِ آدَمَ عَلَى اللَّهِ وَ هَذَا رَجُلٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنِّي فَقُلْتُ مَنْ هَذَا يَا جَبْرَائِيلُ قَالَ هَذَا أَخُوكَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَلَيَّ وَ اسْتَغْفَرْتُ لَهُ وَ اسْتَغْفَرَ لِي وَ إِذَا فِيهَا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ الْخُشُوعِ مِثْلُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ .

ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَمَا مَرَرْتُ بِمَلَكٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ قَالُوا يَا مُحَمَّدُ

احْتَجِمْ وَ أْمُرْ أُمَّتَكَ بِالْحِجَامَةِ ، وَ إِذَا فِيهَا رَجُلٌ أَشْمَطُ الرَّأْسِ (1) وَ اللِّحْيَةِ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ فَقُلْتُ يَا جَبْرَئِيلُ مَنْ هَذَا الَّذِي فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى بَابِ اَلْبَيْتِ الْمَعْمُورِ

فِي جِوَارِ اللَّهِ فَقَالَ هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ وَ هَذَا مَحَلُّكَ وَ مَحَلُّ مَنِ اتَّقَى مِنْ أُمَّتِكَ ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «إِنَّ أَوْلَى النّٰاسِ بِإِبْرٰاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هٰذَا النَّبِيُّ

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللّٰهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ » قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَلَيَّ وَ قَالَ مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَ الاِبْنِ الصَّالِحِ وَ الْمَبْعُوثِ فِي الزَّمَنِ الصَّالِحِ وَ إِذَا فِيهَا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ الْخُشُوعِ مِثْلُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ، فَبَشَّرُونِي بِالْخَيْرِ لِي وَ لِأُمَّتِي.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ رَأَيْتُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بِحَاراً مِنْ نُورٍ يَتَلَأْلَأُ يَكَادُ تَلَأْلُؤُهَا يَخْطَفُ بِالْأَبْصَارِ وَ فِيهَا بِحَارٌ مُظْلِمَةٌ وَ بِحَارُ ثَلْجٍ وَ رَعْدٌ فَلَمَّا فَزِعْتُ وَ رَأَيْتُ هَؤُلاَءِ سَأَلْتُ جَبْرَئِيلَ فَقَالَ أَبْشِرْ يَا مُحَمَّدُ وَ اشْكُرْ كَرَامَةَ رَبِّكَ وَ اشْكُرِ اللَّهَ بِمَا صَنَعَ إِلَيْكَ قَالَ فَثَبَّتَنِيَ اللَّهُ بِقُوَّتِهِ وَ عَوْنِهِ حَتَّى كَثُرَ قَوْلِي لِجَبْرَئِيلَ

ص: 9


1- خَالَطَ بَيَاضَ رَأْسِهِ سَوَادٌ فَهُوَ أَشْمَطُ . ج. ز.

وَ تَعَجُّبِي، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ يَا مُحَمَّدُ أَ تُعَظِّمُ مَا تَرَى إِنَّمَا هَذَا خَلْقٌ مِنْ رَبِّكَ فَكَيْفَ بِالْخَالِقِ الَّذِي خَلَقَ مَا تَرَى، وَ مَا لاَ تَرَى أَعْظَمُ مِنْ هَذَا مِنْ خَلْقِ رَبِّكَ ، إِنَّ بَيْنَ اللَّهِ وَ بَيْنَ خَلْقِهِ سَبْعُونَ [تِسْعُونَ ] أَلْفَ حِجَابٍ وَ أَقْرَبُ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ أَنَا وَ إِسْرَافِيلُ وَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ أَرْبَعَةُ حُجُبٍ حِجَابٌ مِنْ نُورٍ وَ حِجَابٌ مِنْ ظُلْمَةٍ وَ حِجَابٌ مِنَ الْغَمَامِ وَ حِجَابٌ مِنَ الْمَاءِ، قَالَ وَ رَأَيْتُ مِنَ الْعَجَائِبِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ سَخَّرَ بِهِ عَلَى مَا أَرَادَهُ دِيكاً رِجْلاَهُ فِي تُخُومِ الْأَرَضِينَ السَّابِعَةِ وَ رَأْسُهُ عِنْدَ اَلْعَرْشِ

وَ مَلَكاً مِنْ مَلاَئِكَةِ اللَّهِ خَلَقَهُ كَمَا أَرَادَ رِجْلاَهُ فِي تُخُومِ الْأَرَضِينَ السَّابِعَةِ ثُمَّ أَقْبَلَ مُصْعِداً حَتَّى خَرَجَ فِي الْهَوَاءِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَ انْتَهَى فِيهَا مُصْعِداً حَتَّى اسْتَقَرَّ قَرْنُهُ إِلَى قُرْبِ اَلْعَرْشِ وَ هُوَ يَقُولُ : سُبْحَانَ رَبِّي حَيْثُ مَا كُنْتَ لاَ تَدْرِي أَيْنَ رَبُّكَ مِنْ عِظَمِ شَأْنِهِ وَ لَهُ جَنَاحَانِ فِي مَنْكِبَيْهِ إِذَا نَشَرَهُمَا جَاوَزَا الْمَشْرِقَ وَ الْمَغْرِبَ فَإِذَا كَانَ فِي السَّحَرِ ذَلِكَ الدِّيكُ نَشَرَ جَنَاحَيْهِ وَ خَفَقَ بِهِمَا وَ صَرَخَ بِالتَّسْبِيحِ يَقُولُ : سُبْحَانَ اللَّهِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، وَ إِذَا قَالَ ذَلِكَ سَبَّحَتْ دُيُوكُ الْأَرْضِ كُلُّهَا وَ خَفَقَتْ بِأَجْنِحَتِهَا وَ أَخَذَتْ فِي الصُّرَاخِ فَإِذَا سَكَتَ ذَلِكَ الدِّيكُ فِي السَّمَاءِ سَكَتَتْ دُيُوكُ الْأَرْضِ كُلُّهَا وَ لِذَلِكَ الدِّيكِ زَغَبٌ أَخْضَرُ وَ رِيشٌ أَبْيَضُ كَأَشَدِّ بَيَاضِ مَا رَأَيْتُهُ قَطُّ وَ لَهُ زَغَبٌ أَخْضَرُ أَيْضاً تَحْتَ رِيشِهِ الْأَبْيَضِ كَأَشَدِّ خُضْرَةِ مَا رَأَيْتُهَا.

ص: 10

بْنِ حَارِثَةَ فَبَشَّرْتُهُ بِهَا حِينَ أَصْبَحْتُ ، وَ إِذَا بِطَيْرِهَا كَالْبُخْتِ (1) وَ إِذَا رُمَّانُهَا مِثْلُ الدِّلاَءِ الْعِظَامِ ، وَ إِذَا شَجَرَةٌ لَوْ أَرْسَلَ طَائِرٌ فِي أَصْلِهَا مَا دَارَهَا تِسْعَمِائَةِ سَنَةٍ ، وَ لَيْسَ فِي اَلْجَنَّةِ مَنْزِلٌ إِلاَّ وَ فِيهَا فَرْعٌ مِنْهَا فَقُلْتُ مَا هَذِهِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَذِهِ شَجَرَةُ طُوبَى، قَالَ اللَّهُ «طُوبىٰ لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ » ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَلَمَّا دَخَلْتُ اَلْجَنَّةَ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي فَسَأَلْتُ جَبْرَئِيلَ عَنْ تِلْكَ الْبِحَارِ وَ هَوْلِهَا وَ أَعَاجِيبِهَا قَالَ هِيَ سُرَادِقَاتُ الْحُجُبِ الَّتِي احْتَجَبَ اللَّهُ بِهَا وَ لَوْ لاَ تِلْكَ الْحُجُبُ لَهَتَكَ نُورُ اَلْعَرْشِ

كُلَّ شَيْ ءٍ فِيهِ ، وَ انْتَهَيْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَإِذَا الْوَرَقَةُ مِنْهَا تَظَلُّ بِهِ أُمَّةٌّ مِنَ الْأُمَمِ فَكُنْتُ مِنْهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى:«قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ »

فَنَادَانِي «آمَنَ الرَّسُولُ بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ » وَ قَدْ كَتَبْنَا ذَلِكَ فِي سُورَةِ اَلْبَقَرَةِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَا رَبِّ أَعْطَيْتَ أَنْبِيَاءَكَ فَضَائِلَ فَأَعْطِنِي، فَقَالَ اللَّهُ قَدْ أَعْطَيْتُكَ فِيمَا أَعْطَيْتُكَ كَلِمَتَيْنِ مِنْ تَحْتِ عَرْشِي: «لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَ لاَ مَنْجَى مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ » قَالَ وَ عَلَّمَتْنِي الْمَلاَئِكَةُ قَوْلاً أَقُولُهُ إِذَا أَصْبَحْتُ وَ أَمْسَيْتُ :

ص: 11


1- الْبُخْتُ بِالضَّمِّ الْإِبِلُ الْخُرَاسَانِيَّةُ وَ الْجَمْعُ بَخَاتِيٌّ ق.

رَاغِباً فِيهَا مُحْتَسِباً كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ ، فَقَالَ : حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ فَقَالَ اللَّهُ هِيَ الصَّلاَحُ وَ النَّجَاحُ وَ الْفَلاَحُ ، ثُمَّ أَمَمْتُ الْمَلاَئِكَةَ فِي السَّمَاءِ كَمَا أَمَمْتُ الْأَنْبِيَاءَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، قَالَ ثُمَّ غَشِيَتْنِي صَبَابَةٌ فَخَرَرْتُ سَاجِداً فَنَادَانِي رَبِّي إِنِّي قَدْ فَرَضْتُ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ كَانَ قَبْلَكَ خَمْسِينَ صَلاَةً وَ فَرَضْتُهَا عَلَيْكَ وَ عَلَى أُمَّتِكَ فَقُمْ بِهَا أَنْتَ فِي أُمَّتِكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَانْحَدَرْتُ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَلَمْ يَسْأَلْنِي عَنْ شَيْ ءٍ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مَا صَنَعْتَ يَا مُحَمَّدُ فَقُلْتُ قَالَ رَبِّي فَرَضْتُ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ كَانَ قَبْلَكَ خَمْسِينَ صَلاَةً وَ فَرَضْتُهَا عَلَيْكَ وَ عَلَى أُمَّتِكَ فَقَالَ مُوسَى يَا مُحَمَّدُ إِنَّ أُمَّتَكَ آخِرُ الْأُمَمِ وَ أَضْعَفُهَا وَ إِنَّ رَبَّكَ لاَ يَرُدُّ عَلَيْكَ شَيْئاً وَ إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُومَ بِهَا فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَخَرَرْتُ سَاجِداً ثُمَّ قُلْتُ فَرَضْتَ عَلَيَّ وَ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً وَ لاَ أُطِيقُ ذَلِكَ وَ لاَ أُمَّتِي فَخَفِّفْ عَنِّي فَوَضَعَ عَنِّي عَشْراً فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ارْجِعْ لاَ تُطِيقُ فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَوَضَعَ عَنِّي عَشْراً فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ارْجِعْ وَ فِي كُلِّ رَجْعَةٍ أَرْجِعُ إِلَيْهِ أَخِرُّ سَاجِداً حَتَّى رَجَعَ إِلَى عَشْرِ صَلَوَاتٍ فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ لاَ تُطِيقُ فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَوَضَعَ عَنِّي خَمْساً فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ لاَ تُطِيقُ فَقُلْتُ قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي وَ لَكِنْ أَصْبِرُ عَلَيْهَا فَنَادَانِي مُنَادٍ كَمَا صَبَرْتَ عَلَيْهَا فَهَذِهِ الْخَمْسُ . بِخَمْسِينَ كُلُّ صَلاَةٍ بِعَشْرٍ، مَنْ هَمَّ مِنْ أُمَّتِكَ بِحَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا كَتَبْتُ لَهُ عَشَرَةً وَ إِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَتَبْتُ وَاحِدَةً (1) وَ مَنْ هَمَّ مِنْ أُمَّتِكَ بِسَيِّئَةٍ فَعَمِلَهَا كَتَبْتُ عَلَيْهِ وَاحِدَةً وَ إِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ أَكْتُبْ عَلَيْهِ شَيْئاً فَقَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ جَزَى اللَّهُ مُوسَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَيْراً وَ هَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللَّهِ :«سُبْحٰانَ الَّذِي أَسْرىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ اَلْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ » الْآيَةَ .

ص: 12


1- أَيْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى فِعْلِهَا وَ هَذَا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ . ج ز.

وَ رَوَى الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ قَالَ : بَيْنَا أَنَا رَاقِدٌ بِالْأَبْطَحِ

وَ عَلِيٌّ عَنْ يَمِينِي وَ جَعْفَرٌ عَنْ يَسَارِي وَ حَمْزَةُ بَيْنَ يَدَيَّ وَ إِذَا أَنَا بِخَفْقِ أَجْنِحَةِ الْمَلاَئِكَةِ وَ قَائِلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ إِلَى أَيِّهِمْ بُعِثْتَ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ إِلَى هَذَا وَ أَشَارَ إِلَيَّ ثُمَّ قَالَ هُوَ سَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ وَ حَوَّاءَ وَ هَذَا وَصِيُّهُ وَ وَزِيرُهُ وَ خَتَنُهُ وَ خَلِيفَتُهُ فِي أُمَّتِهِ وَ هَذَا عَمُّهُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ وَ هَذَا ابْنُ عَمِّهِ جَعْفَرٌ لَهُ جَنَاحَانِ خصيبان [خَضِيبَانِ ] يَطِيرُ بِهِمَا فِي اَلْجَنَّةِ مَعَ الْمَلاَئِكَةِ دَعْهُ فَلْتَنَمْ عَيْنَاهُ وَ لْتَسْمَعْ أُذُنَاهُ وَ ليعي [يَعِي] قَلْبُهُ وَ اضْرِبُوا لَهُ مَثَلاً مَلِكٌ بَنَى دَاراً وَ اتَّخَذَ مَأْدُبَةً وَ بَعَثَ دَاعِياً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَالْمَلِكُ اللَّهُ وَ الدَّارُ الدُّنْيَا وَ الْمَأْدُبَةُ اَلْجَنَّةُ وَ الدَّاعِي أَنَا، قَالَ ثُمَّ أَدْرَكَهُ جَبْرَائِيلُ بِالْبُرَاقِ وَ أَسْرَى بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَ عَرَضَ عَلَيْهِ مَحَارِيبَ الْأَنْبِيَاءِ وَ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ فَصَلَّى فِيهَا وَ رَدَّهُ مِنْ لَيْلَتِهِ إِلَى مَكَّةَ فَمَرَّ فِي رُجُوعِهِ بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ وَ إِذَا لَهُمْ مَاءٌ فِي آنِيَةٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَ أَهْرَقَ بَاقِيَ ذَلِكَ وَ قَدْ كَانُوا أَضَلُّوا بَعِيراً لَهُمْ وَ كَانُوا يَطْلُبُونَهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لِقُرَيْشٍ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَسْرَى بِي فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَعَرَضَ عَلَيَّ مَحَارِيبَ الْأَنْبِيَاءِ وَ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَ إِنِّي مَرَرْتُ بِعِيرٍ لَكُمْ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا وَ إِذَا لَهُمْ مَاءٌ فِي آنِيَةٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ وَ أَهْرَقْتُ بَاقِيَ ذَلِكَ وَ قَدْ كَانُوا أَضَلُّوا بَعِيراً لَهُمْ ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ قَدْ أَمْكَنَكُمُ الْفُرْصَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ سَلُوهُ كَمِ الْأَسَاطِينُ فِيهَا وَ الْقَنَادِيلُ ، فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَاهُنَا مَنْ قَدْ دَخَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصِفْ لَنَا كَمْ أَسَاطِينُهُ وَ قَنَادِيلُهُ وَ مَحَارِيبُهُ فَجَاءَ جَبْرَئِيلُ فَعَلَّقَ صُورَةَ اَلْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ تُجَاهَ وَجْهِهِ فَجَعَلَ يُخْبِرُهُمْ بِمَا سَأَلُوهُ فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ قَالُوا حَتَّى تَجِيءَ الْعِيرُ وَ نَسْأَلَهُمْ عَمَّا قُلْتَ ، فَقَالَ لَهُمْ وَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ أَنَّ الْعِيرَ تَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَقْدُمُهَا جَمَلٌ أَحْمَرُ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَ أَقْبَلَ يَنْظُرُونَ إِلَى اَلْعَقَبَةِ

وَ يَقُولُونَ هَذِهِ الشَّمْسُ تَطْلُعُ السَّاعَةَ فَبَيْنَاهُمْ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَتِ الْعِيرُ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَقْدُمُهَا جَمَلٌ أَحْمَرُ فَسَأَلُوهُمْ عَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالُوا لَقَدْ كَانَ هَذَا، ضَلَّ جَمَلٌ لَنَا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا وَ وَضَعْنَا مَاءً وَ أَصْبَحْنَا وَ قَدْ أُهَرِيقَ الْمَاءُ فَلَمْ يَزِدْهُمْ ذَلِكَ إِلاَّ عُتُوّاً .

و قوله:«ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنٰا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كٰانَ عَبْداً شَكُوراً»

ص: 13

عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : كَانَ نُوحٌ إِذَا أَمْسَى وَ أَصْبَحَ يَقُولُ أَمْسَيْتُ أَشْهَدُ أَنَّهُ مَا أَمْسَى بِي مِنْ نِعْمَةٍ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا فَإِنَّهَا مِنَ اللَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْحَمْدُ عَلَيَّ بِهَا كَثِيراً وَ الشُّكْرُ كَثِيراً فَأَنْزَلَ اللَّهُ «إِنَّهُ كٰانَ عَبْداً شَكُوراً» فَهَذَا كَانَ شُكْرَهُ .

و أما قوله «وَ قَضَيْنٰا إِلىٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ فِي الْكِتٰابِ » أي أعلمناهم ثم انقطعت مخاطبة بني إسرائيل

و خاطب أمة محمد صلّى اللّه عليه و آله فقال «لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ » يعني فلانا و فلانا و أصحابهما و نقضهم العهد «وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً» يعني ما ادعوه من الخلافة «فَإِذٰا جٰاءَ وَعْدُ أُولاٰهُمٰا»

يعني يوم الجمل «بَعَثْنٰا عَلَيْكُمْ عِبٰاداً لَنٰا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ» يعني أمير المؤمنين عليه السّلام و أصحابه «فَجٰاسُوا خِلاٰلَ الدِّيٰارِ» أي طلبوكم و قتلوكم «وَ كٰانَ وَعْداً مَفْعُولاً» يعني يتم و يكون «ثُمَّ رَدَدْنٰا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ » يعني بني أمية على آل محمد «وَ أَمْدَدْنٰاكُمْ بِأَمْوٰالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْنٰاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً» من الحسن و الحسين ابنا علي و أصحابهما فقتلوا الحسين بن علي و سبوا نساء آل محمد «إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهٰا فَإِذٰا جٰاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ » يعني القائم

و أصحابه( «لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ » ) يعني يسودون وجوههم «وَ لِيَدْخُلُوا اَلْمَسْجِدَ كَمٰا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ » يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه و أمير المؤمنين عليه السّلام و أصحابه «وَ لِيُتَبِّرُوا مٰا عَلَوْا تَتْبِيراً» أي يعلوا عليكم فيقتلوكم ثم عطف على آل محمد عليهم السّلام فقال «عَسىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ » أي ينصركم على عدوكم ثم خاطب بني أمية فقال «وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنٰا» يعني عدتم بالسفياني عدنا بالقائم من آل محمد عليهم السّلام «وَ جَعَلْنٰا جَهَنَّمَ لِلْكٰافِرِينَ حَصِيراً» أي حبسا يحصرون فيها ثم قال عز و جل «إِنَّ هٰذَا اَلْقُرْآنَ يَهْدِي» أي يبين «لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ » يعني آل محمد عليهم السّلام «اَلَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّٰالِحٰاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً» ثم عطف على بني أمية فقال «وَ أَنَّ الَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنٰا لَهُمْ عَذٰاباً أَلِيماً» و قوله «وَ يَدْعُ الْإِنْسٰانُ بِالشَّرِّ دُعٰاءَهُ بِالْخَيْرِ وَ كٰانَ الْإِنْسٰانُ عَجُولاً» قال يدعو على أعدائه بالشر كما يدعو لنفسه بالخير و يستعجل الله بالعذاب و هو قوله «وَ كٰانَ الْإِنْسٰانُ عَجُولاً»

و قوله:«وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنٰا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنٰا آيَةَ النَّهٰارِ مُبْصِرَةً » قال المحو في القمر

ص: 14

لِلنَّاسِ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ الْبَحْرَ الَّذِي خَلَقَ اللَّهُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ إِنَّ اللَّهَ قَدَّرَ فِيهِ مَجَارِيَ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ النُّجُومِ وَ الْكَوَاكِبِ ثُمَّ قَدَّرَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى الْفَلَكِ ثُمَّ وَكَّلَ بِالْفَلَكِ مَلَكاً مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يُدِيرُونَ الْفَلَكَ فَإِذَا دَارَتِ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْكَوَاكِبُ مَعَهُ نَزَلَتْ فِي مَنَازِلِهَا الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّهُ فِيهَا لِيَوْمِهَا وَ لَيْلَتِهَا وَ إِذَا كَثُرَتْ ذُنُوبُ الْعِبَادِ وَ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَهُمْ بِآيَةٍ مِنْ آيَاتِهِ أَمَرَ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِالْفَلَكِ أَنْ يُزِيلَ الْفَلَكَ الَّذِي عَلَيْهِ مَجَارِي الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ النُّجُومِ وَ الْكَوَاكِبِ ، فَيَأْمُرُ الْمَلَكُ أُولَئِكَ السَّبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ أَنْ يُزِيلُوا الْفَلَكَ عَنْ مَجَارِيهِ قَالَ فَيُزِيلُونَهُ فَتَصِيرُ الشَّمْسُ فِي الْبَحْرِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْفَلَكُ فَيُطْمَسُ حَرُّهَا وَ يُغَيَّرُ لَوْنُهَا فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَظِّمَ الْآيَةَ طُمِسَتِ الشَّمْسُ فِي الْبَحْرِ عَلَى مَا يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يُخَوِّفَ خَلْقَهُ بِالْآيَةِ فَذَلِكَ عِنْدَ شِدَّةِ انْكِسَافِ الشَّمْسِ وَ كَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالْقَمَرِ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُخْرِجَهُمَا وَ يَرُدَّهُمَا إِلَى مَجْرَاهُمَا أَمَرَ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِالْفَلَكِ أَنْ يَرُدَّ الشَّمْسَ إِلَى مَجْرَاهَا فَيَرُدُّ الْمَلَكُ الْفَلَكَ إِلَى مَجْرَاهُ فَتَخْرُجُ مِنَ الْمَاءِ(1) وَ هِيَ كَدِرَةٌ وَ الْقَمَرُ مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ

ص: 15


1- لاَ يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَ إِنْ كَانَ غَيْرَ مُطَابِقٍ ظَاهِراً لِلتَّحْقِيقَاتِ الْعَصْرِيَّةِ لِأَنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ عَلَى مَا حَقَّقُوهُ عِبَارَةٌ عَنْ حَيْلُولَةِ الْقَمَرِ بَيْنَ الشَّمْسِ وَ الْأَرْضِ وَ خُسُوفَ الْقَمَرِ عِبَارَةٌ عَنْ حَيْلُولَةِ الْأَرْضِ بَيْنَهَا وَ بَيْنَ الْقَمَرِ، مَعَ أَنَّهُ لاَ وُجُودَ لِلْمَاءِ فِي الْفَضَاءِ فَلاَ مَعْنَى لِطَمْسِ الشَّمْسِ فِيهِ ، إِلاَّ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي مَقَامِ التَّوْفِيقِ إِنَّهُ لِلْكُسُوفَيْنِ سَبَبَانِ الْأَوَّلُ : الْحَيْلُولَةُ وَ الثَّانِي: طَمْسُهَا فِي الْمَاءِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي ذَكَرَ فِي الرِّوَايَةِ ، وَ وُجُودُ الْمَاءِ فِي الْفَضَاءِ غَيْرُ مُحَالٍ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ الشَّرِيفَةُ «هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ وَ كٰانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمٰاءِ» وَ يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَ هُوَ: أَنَّ الْأَرْضَ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعٍ مِنْهَا أَوْ أَزْيَدُ مُغَطَّاةٌ بِالْمَاءِ فَلَمَّا تَكُونُ حَائِلَةً بَيْنَ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ يَصِيرُ ظِلُّ الْمَاءِ وَاقِعاً عَلَى الْقَمَرِ لِأَنَّ ثَخَنَ الْمَاءِ الْمُلْتَفَّ عَلَيْهَا زَائِداً جِدّاً، فَإِذَا فَرَضْنَا الشَّمْسَ إِلَى جَانِبٍ وَ الْقَمَرَ إِلَى جَانِبٍ آخَرَ وَ فِي وَسَطِهِمَا مِنَ الْأَرْضِ قِسْمَةِ مِنْهَا عَلَيْهَا الْمَاءَ وَ سَطْحِهِ محدب لِأَجْلِ كروية الْأَرْضِ فَيَكُونُ الْحَدَبِ المائي مَانِعاً عَنْ وُصُولِ ضَوْءِ الشَّمْسُ إِلَى الْقَمَرِ لِكَوْنِهِ حَائِلاً بَيْنَهُمَا فَيَقَعُ ظِلِّ ثخن الْمَاءِ عَلَى الْقَمَرِ فينخسف تَمَاماً أَوْ نَاقِصاً حَسَبَ مِقْدَارَ حيلولة الْمَاءِ فَيَصْدُقُ عَلَى الْقَمَرِ أَنَّهُ انْطَمَسَ فِي الْمَاءِ وَ لَوْ مَجَازاً (أَيُّ فِي ظِلِّ الْمَاءِ). وَ كَذَا نَقُولُ فِي انْكِسَافَ الشَّمْسُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْحَائِلِ بَيْنَهَا وَ بَيْنَ الْأَرْضِ نَفْسٍ السَّيَّارَةَ بَلْ قِسْمَةِ مِنْ الْمَاءِ الْمَوْجُودِ فِيهِ وَ لَوْ فِي الزَّمَانِ السَّابِقِ لِإِمْكَانِ الْمَاءِ فِيهِ سَابِقاً كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضِ محققي عصرنا، وَ يُؤَيِّدُهُ مَا عَثَرْنَا عَلَيْهِ أَخِيراً فِي كِتَابِ «مَاهْ » تَأْلِيفِ فَارِسِيٌّ للفاضل الْمُحَقِّقُ السَّيِّدُ جَلاَلِ إِمَامٍ جُمُعَةٍ الْجَزَائِرِيُّ مَا مَا خلاصته مترجما بِالْعَرَبِيَّةِ : «أَنْ التَّصَاوِيرِ الَّتِي أَخَذَتْ أَخِيراً بِوَاسِطَةٍ سبوتنك الأمريكي أوربيتر الرقم 4-5 مِنْ كَرَّةً الْقَمَرِ انعكست فِيهَا أشكال لَهَا شباهة تَامَّةٌ بِالْأَنْهَارِ الأرضية وَ هَذَا صَارَ سَبَباً لاعتقاد بَعْضِ محققي الْعَصْرِ بِأَنْ الْقَمَرِ كَانَ فِيهِ سَابِقاً كَمِّيَّةِ وَافِرَةٍ مِنْ الْمَاءِ وَ أَنْ الفلكي الأمريكائي بروفيسر يوري قَالَ فِي مجلة الطَّبِيعَةِ الرقم 216، إِنْ حَاصِلٌ الرَّسُومُ الْجَدِيدَةِ (أوربيتر 4-5) بُرْهَانٌ سَاطِعٌ عَلَى أَنَّ الْمَاءِ كَانَ مَوْجُوداً فِي الْقَمَرِ بكمية كَثِيرَةٌ وَ أَعْلاَمِ جِرْيَانُهُ وَاضِحَةٌ فِي هَذِهِ التَّصَاوِيرِ، لَكِنَّهُ بِمُرُورِ الزَّمَانِ وَ حَرَارَةٌ الشَّمْسُ تُبَدِّلِ بشكل البخار وَ لِكَوْنِ قِلَّةَ جاذبية الْقَمَرِ لَمْ يَرْجِعْ وَ انْتَشَرَ فِي الْفَضَاءِ إِلَى أَنْ قَالَ بَلْ إِنَّهُ مَوْجُودٌ الْآنَ أَيْضاً فِي طَبَقَاتٍ الْقَمَرِ منجمدا بشكل الثَّلْجِ فمفاد هَذَا الْكَشْفِ أَنْ كَرَّةً الْقَمَرِ متركب مِنْ أَجْزَاءٍ مَائِيَّةٍ وَ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْحَدِيثِ الْآتِي الَّذِي قَالَ فِيهِ الْإِمَامِ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْقَمَرَ مِنْ ضَوْءِ النَّارِ وَ صَفْوِ الْمَاءِ طَبَقاً مِنْ هَذَا وَ طَبَقاً مِنْ هَذَا الْحَدِيثَ ، فَتَبِينُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِمَّا دَلَّ عَلَى الْعِلْمِ الحيوي لِأَهْلِ بَيْتِ الْعِصْمَةَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَ رسوخهم فِي الْعُلُومِ بأرجهائها زَمَانٌ لَمْ يَكُنْ لِتِلْكَ التحقيقات الْجَدِيدَةِ أَثَرِ وَ لاَ خَبَرٍ نَعَمْ هُنَا شَيْ ءٌ ذَكَرَهُ الْإِمَامِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ «بُطُونَهُمَا يضيئان لِأَهْلِ السَّمَاءِ وَ ظُهُورِهِمَا يضيئان لِأَهْلِ الْأَرْضِ » وَ مَعْنَاهُ أَنْ الشمسين لاَ تديران وجهيهما إِلَى الْأَرْضِ بَلْ إِلَيْنَا طَرَفِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَ هَذَا مِمَّا بَلَغَهُ الْيَوْمَ الْعُلَمَاءِ العصريون مَعَ أَنْ الْفَضْلِ للمخبر بِهِ قَبْلَ أَلْفَ عَامٍ . وَ فِي الْكَافِي وَ الْبِحَارُ أَنَّهُ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ لَهُ : إِنْ الشَّمْسُ لَوْ كَانَ وَجْهُهَا لِأَهْلِ الْأَرْضِ لاَحْتَرَقَتِ الْأَرْضُ وَ مَنْ عَلَيْهَا مِنْ شِدَّةِ حَرَّهَا (الْهَيْئَةِ وَ الْإِسْلاَمِ ص 231). ج. ز.

إِنَّهُ لاَ يَفْزَعُ لَهُمَا وَ لاَ يَرْهَبُ إِلاَّ مَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى اللَّهِ وَ ارْجِعُوا.

ص: 16

قَالَ وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : الْأَرْضُ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ الْخَرَابُ مِنْهَا مَسِيرَةُ أَرْبَعِمِائَةِ عَامٍ وَ الْعُمْرَانُ مِنْهَا مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ وَ الشَّمْسُ سِتُّونَ فَرْسَخاً فِي سِتِّينَ فَرْسَخاً وَ الْقَمَرُ أَرْبَعُونَ فَرْسَخاً فِي أَرْبَعِينَ فَرْسَخاً بُطُونُهُمَا يُضِيئَانِ لِأَهْلِ السَّمَاءِ وَ ظُهُورُهُمَا يُضِيئَانِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ وَ الْكَوَاكِبُ كَأَعْظَمِ جَبَلٍ عَلَى الْأَرْضِ وَ خَلْقُ الشَّمْسِ قَبْلَ الْقَمَرِ.

وَ قَالَ سَلاَّمُ بْنُ الْمُسْتَنِيرِ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِمَ صَارَتِ الشَّمْسُ أَحَرَّ مِنَ الْقَمَرِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الشَّمْسَ مِنْ نُورِ اَلنَّارِ وَ صَفْوِ الْمَاءِ طَبَقاً مِنْ هَذَا وَ طَبَقاً مِنْ هَذَا حَتَّى إِذَا صَارَتْ سَبْعَةَ أَطْبَاقٍ أَلْبَسَهَا اللَّهُ لِبَاساً مِنْ نَارٍ فَمِنْ هُنَالِكَ صَارَتِ الشَّمْسُ أَحَرَّ مِنَ الْقَمَرِ، قُلْتُ فَالْقَمَرُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْقَمَرَ مِنْ ضَوْءِ اَلنَّارِ وَ صَفْوِ الْمَاءِ طَبَقاً مِنْ هَذَا وَ طَبَقاً مِنْ هَذَا حَتَّى إِذَا صَارَتْ سَبْعَةَ أَطْبَاقٍ أَلْبَسَهَا اللَّهُ لِبَاساً مِنْ مَاءٍ فَمِنْ هُنَاكَ صَارَ الْقَمَرُ أَبْرَدَ مِنَ الشَّمْسِ .

و قوله:«وَ كُلَّ إِنسٰانٍ أَلْزَمْنٰاهُ طٰائِرَهُ فِي عُنُقِهِ » قال قدره الذي قدره عليه «وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ كِتٰاباً يَلْقٰاهُ مَنْشُوراً اِقْرَأْ كِتٰابَكَ كَفىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً» إلى قوله «حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولاً» فإنه محكم

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ كُلَّ إِنسٰانٍ أَلْزَمْنٰاهُ طٰائِرَهُ فِي عُنُقِهِ » يَقُولُ خَيْرُهُ وَ شَرُّهُ مَعَهُ حَيْثُ كَانَ لاَ يَسْتَطِيعُ فِرَاقَهُ حَتَّى يُعْطَى كِتَابَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا عَمِلَ . و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ إِذٰا أَرَدْنٰا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنٰا مُتْرَفِيهٰا»

أي كثرنا جبابرتها «فَفَسَقُوا فِيهٰا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنٰاهٰا تَدْمِيراً»

و قوله:

«مَنْ كٰانَ يُرِيدُ الْعٰاجِلَةَ » يعني أموال الدنيا «عَجَّلْنٰا لَهُ فِيهٰا مٰا نَشٰاءُ لِمَنْ نُرِيدُ»

ص: 17

في الدنيا «ثُمَّ جَعَلْنٰا لَهُ جَهَنَّمَ » في الآخرة «يَصْلاٰهٰا مَذْمُوماً مَدْحُوراً» يعني يلقى في النار ثم ذكر من عمل للآخرة فقال:«وَ مَنْ أَرٰادَ الْآخِرَةَ وَ سَعىٰ لَهٰا سَعْيَهٰا وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولٰئِكَ كٰانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً» ثم قال «كُلاًّ نُمِدُّ هٰؤُلاٰءِ وَ هَؤُلاٰءِ مِنْ عَطٰاءِ رَبِّكَ » يعني من أراد الدنيا من الآخرة و معنى نمد أي نعطي «وَ مٰا كٰانَ عَطٰاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً» أي ممنوعا

و قوله:«لاٰ تَجْعَلْ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً» أي في النار و هو مخاطبة للنبي و المعنى للناس

وَ هُوَ قَوْلُ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ نَبِيَّهُ بِإِيَّاكِ أَعْنِي وَ اسْمَعِي يَا جَارَةُ . و قوله:«وَ قَضىٰ رَبُّكَ أَلاّٰ تَعْبُدُوا إِلاّٰ إِيّٰاهُ وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً إِمّٰا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمٰا أَوْ كِلاٰهُمٰا فَلاٰ تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ » قال لو علم أن شيئا أقل من أف لقاله «وَ لاٰ تَنْهَرْهُمٰا»

أي لا تخاصمهما و في حديث آخر أفا بالألف أي و لا تقل لهما أفا «وَ قُلْ لَهُمٰا قَوْلاً كَرِيماً» أي حسنا «وَ اخْفِضْ لَهُمٰا جَنٰاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ » فقال تذلل لهما و لا تتجبر عليهما «وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمٰا كَمٰا رَبَّيٰانِي صَغِيراً رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمٰا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صٰالِحِينَ فَإِنَّهُ كٰانَ لِلْأَوّٰابِينَ » يعني للتوابين «غَفُوراً»

و قوله «وَ آتِ ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ » يعني قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنزلت في فاطمة عليها السّلام فجعل لها فدك و المسكين من ولد فاطمة و ابن السبيل من آل محمد

و ولد فاطمة «وَ لاٰ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً» أي لا تنفق المال في غير طاعة الله «إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كٰانُوا إِخْوٰانَ الشَّيٰاطِينِ » و المخاطبة للنبي و المعنى للناس ثم عطف بالمخاطبة على الوالدين فقال «وَ إِمّٰا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ » يعني عن الوالدين إذا كان لك عيال أو كنت عليلا أو فقيرا «فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً» أي حسنا إذا لم تقدر على برهم و خدمتهم فارج لهم من الله الرحمة.

ص: 18

فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي قَمِيصَكَ وَ كَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لاَ يَرُدُّ أَحَداً عَمَّا عِنْدَهُ فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «وَ لاٰ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلىٰ عُنُقِكَ » . إلخ» فَنَهَاهُ أَنْ يَبْخَلَ أَوْ يُسْرِفَ وَ يَقْعُدَ مَحْسُوراً مِنَ الثِّيَابِ فَقَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الْمُحْسُورُ الْعُرْيَانُ .

و قوله:

«وَ لاٰ تَقْتُلُوا أَوْلاٰدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاٰقٍ » يعني مخافة الفقر و الجوع فإن العرب كانوا يقتلون أولادهم لذلك فقال الله عز و جل «نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيّٰاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كٰانَ خِطْأً كَبِيراً» و قوله:«وَ لاٰ تَقْرَبُوا الزِّنىٰ إِنَّهُ كٰانَ فٰاحِشَةً وَ سٰاءَ سَبِيلاً» فإنه محكم

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ لاٰ تَقْرَبُوا الزِّنىٰ إِنَّهُ كٰانَ فٰاحِشَةً » يَقُولُ مَعْصِيَةً وَ مَقْتاً فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُهُ وَ يُبْغِضُهُ . قوله «وَ سٰاءَ سَبِيلاً» و هو أشد النار عذابا و الزنا من أكبر الكبائر، و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ لاٰ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّٰهُ إِلاّٰ بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً» أي سلطانا على القاتل «فَلاٰ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كٰانَ مَنْصُوراً» يعني ينصر ولد المقتول على القاتل

و قوله:«وَ لاٰ تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلاّٰ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » يعني بالمعروف و لا يسرف و قوله:«وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ» يعني إذا عاهدت إنسانا فأوف له «إِنَّ الْعَهْدَ كٰانَ مَسْؤُلاً» يعني يوم القيامة

و قوله:«وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ إِذٰا كِلْتُمْ وَ زِنُوا بِالْقِسْطٰاسِ الْمُسْتَقِيمِ » أي بالسواء

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ :

الْقِسْطَاسُ الْمُسْتَقِيمُ فَهُوَ الْمِيزَانُ الَّذِي لَهُ لِسَانٌ .

و قوله:«وَ لاٰ تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ » قال لا ترم أحدا بما ليس لك به علم

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : مَنْ بَهَتَ مُؤْمِناً أَوْ مُؤْمِنَةً أُقِيمَ فِي طِينَةِ خَبَالٍ أَوْ يَخْرُجُ مِمَّا قَالَ .، و قال علي بن إبراهيم في قوله:

«وَ لاٰ تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ » أي لا تقل «إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً» قال يسأل السمع عما سمع و البصر عما نظر و الفؤاد عما اعتقد عليه.

وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ص: 19

قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : لاَ يَزُولُ قَدَمُ عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ اللَّهِ حَتَّى يَسْأَلَهُ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ عُمُرِكَ فِيمَا أَفْنَيْتَهُ وَ جَسَدِكَ فِيمَا أَبْلَيْتَهُ وَ مَالِكَ مِنْ أَيْنَ كَسَبْتَهُ وَ أَيْنَ وَضَعْتَهُ وَ عَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ .

و قوله «وَ لاٰ تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً» أي بطرا أو فرحا «إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ » أي لم تبلغها كلها «وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبٰالَ طُولاً»

أي لا تقدر أن تبلغ قلل الجبال

و قوله:«ذٰلِكَ مِمّٰا أَوْحىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ »

يعني القرآن و ما فيه من الأنباء ثم قال:«وَ لاٰ تَجْعَلْ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ فَتُلْقىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً» فالمخاطبة للنبي و المعنى للناس

و قوله «أَ فَأَصْفٰاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلاٰئِكَةِ إِنٰاثاً» هو رد على قريش فيما قالوا إن الملائكة هن بنات الله

و قوله «وَ مٰا يَزِيدُهُمْ إِلاّٰ نُفُوراً» قال إذا سمعوا القرآن ينفروا عنه و يكذبوه ثم احتج عز و جل على الكفار الذين يعبدون الأوثان فقال «قُلْ » لهم يا محمد «لَوْ كٰانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمٰا يَقُولُونَ إِذاً لاَبْتَغَوْا إِلىٰ ذِي اَلْعَرْشِ سَبِيلاً» قال لو كانت الأصنام آلهة كما يزعمون لصعدوا إلى العرش ثم قال الله لذلك «سُبْحٰانَهُ وَ تَعٰالىٰ عَمّٰا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً»

و قوله:«وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ » فحركة كل شيء تسبيح الله عز و جل

و قوله:«وَ إِذٰا قَرَأْتَ اَلْقُرْآنَ جَعَلْنٰا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجٰاباً مَسْتُوراً» يعني يحجب الله عنك الشياطين «وَ جَعَلْنٰا عَلىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً » أي غشاوة «أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذٰانِهِمْ وَقْراً» أي صمما و قوله:

«وَ إِذٰا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي اَلْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلىٰ أَدْبٰارِهِمْ نُفُوراً»

قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

إِذَا تَهَجَّدَ بِالْقُرْآنِ تَسْمَعُ لَهُ قُرَيْشٌ بِحُسْنِ صَوْتِهِ وَ كَانَ إِذَا قَرَأَ «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ » فَرُّوا عَنْهُ .

ص: 20

«قُلْ كُونُوا حِجٰارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمّٰا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنٰا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ » و النغض تحريك الرأس «وَ يَقُولُونَ مَتىٰ هُوَ قُلْ عَسىٰ أَنْ يَكُونَ قَرِيباً»

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ :

الْخَلْقُ الَّذِي يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ الْمَوْتُ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ قُلْ لِعِبٰادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ اَلشَّيْطٰانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ » أي يدخل بينهم يحثهم على المعاصي و قوله:«رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ » إلى قوله «زَبُوراً» فهو محكم قوله «وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاّٰ نَحْنُ مُهْلِكُوهٰا» أي أهلها «قَبْلَ يَوْمِ الْقِيٰامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهٰا عَذٰاباً شَدِيداً» يعني بالخسف و الموت و الهلاك «كٰانَ ذٰلِكَ فِي الْكِتٰابِ مَسْطُوراً» أي مكتوبا

و قوله:

«وَ مٰا مَنَعَنٰا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيٰاتِ إِلاّٰ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ » نزلت في قريش

«وَ آتَيْنٰا ثَمُودَ النّٰاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهٰا وَ مٰا نُرْسِلُ بِالْآيٰاتِ إِلاّٰ تَخْوِيفاً» فعطف على قوله «وَ مٰا مَنَعَنٰا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيٰاتِ » .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ مٰا مَنَعَنٰا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيٰاتِ » وَ ذَلِكَ أَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سَأَلَهُ قَوْمَهُ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ

قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ «وَ مٰا مَنَعَنٰا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيٰاتِ » إِلَى قَوْمِكَ «إِلاّٰ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ » وَ كُنَّا إِذَا أَرْسَلْنَا إِلَى قَرْيَةٍ آيَةً فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا أَهْلَكْنَاهُمْ فَلِذَلِكَ أَخَّرْنَا عَنْ قَوْمِكَ الْآيَاتِ .، و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ مٰا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنٰاكَ إِلاّٰ فِتْنَةً لِلنّٰاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي اَلْقُرْآنِ »

قَالَ : نَزَلَتْ لَمَّا رَأَى النَّبِيُّ فِي نَوْمِهِ كَأَنَّ قُرُوداً تَصْعَدُ مِنْبَرَهُ فَسَاءَهُ ذَلِكَ وَ غَمَّهُ غَمّاً شَدِيداً فَأَنْزَلَ اللَّهُ «وَ مٰا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنٰاكَ إِلاّٰ فِتْنَةً » لَهُمْ لِيَعْمَهُوا فِيهَا «وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي اَلْقُرْآنِ » .

كذا نزلت و هم بنو أمية ثم حكى عز و جل خبر إبليس فقال:«وَ إِذْ قُلْنٰا لِلْمَلاٰئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّٰ إِبْلِيسَ » إلى قوله «لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّٰ قَلِيلاً»

ص: 21

أي لأفسدنهم إلا قليلا فقال الله عز و جل «اِذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ

جَزٰاؤُكُمْ جَزٰاءً مَوْفُوراً» و هو محكم

«وَ اسْتَفْزِزْ» أي أخدع «مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ وَ شٰارِكْهُمْ فِي الْأَمْوٰالِ وَ الْأَوْلاٰدِ» قَالَ مَا كَانَ مِنْ مَالٍ حَرَامٍ فَهُوَ شِرْكُ اَلشَّيْطَانِ فَإِذَا اشْتَرَى بِهِ الْإِمَاءَ وَ نَكَحَهُنَّ وَ وُلِدَ لَهُ فَهُوَ شِرْكُ اَلشَّيْطَانِ كَمَا تَلِدُ يَلْزَمُهُ مِنْهُ وَ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ إِذَا جَامَعَ فَيَكُونُ الْوَلَدُ مِنْ نُطْفَتِهِ وَ نُطْفَةِ الرَّجُلِ إِذَا كَانَ حَرَاماً

وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَ لَمْ يُسَمِّ شَارَكَهُ اَلشَّيْطَانُ . ثم قال:«رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ » أي السفن «فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كٰانَ بِكُمْ رَحِيماً وَ إِذٰا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّٰ إِيّٰاهُ » أي بطل من تدعون غير الله «فَلَمّٰا نَجّٰاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَ كٰانَ الْإِنْسٰانُ كَفُوراً» ثم أرهبهم فقال:«أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جٰانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حٰاصِباً» أي عذابا و هلاكا «ثُمَّ لاٰ تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تٰارَةً أُخْرىٰ » أي مرة أخرى «فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قٰاصِفاً مِنَ الرِّيحِ » أي تجيء من كل جانب «فَيُغْرِقَكُمْ بِمٰا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاٰ تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنٰا بِهِ تَبِيعاً»

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«قٰاصِفاً مِنَ الرِّيحِ » قَالَ هِيَ الْعَاصِفُ . و قوله «تَبِيعاً»

يقول وكيلا و يقال كفيلا و يقال ثائرا.

قال علي بن إبراهيم ثم ذكر بني آدم فقال:«وَ لَقَدْ كَرَّمْنٰا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْنٰاهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنٰاهُمْ مِنَ الطَّيِّبٰاتِ وَ فَضَّلْنٰاهُمْ عَلىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنٰا تَفْضِيلاً»

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ [أَحْمَدَ] قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ لاَ يُكْرِمُ رُوحَ كَافِرٍ وَ لَكِنْ يُكْرِمُ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِنَّمَا كَرَامَةُ النَّفْسِ وَ الدَّمِ بِالرُّوحِ وَ الرِّزْقُ الطَّيِّبُ هُوَ الْعِلْمُ .

ص: 22

سَعِيدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ [سَيَّارٍ] عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

: فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:«يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ » قَالَ يَجِيءُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي فِرْقَةٍ وَ عَلِيٌّ فِي فِرْقَةٍ وَ الْحَسَنُ فِي فِرْقَةٍ وَ الْحُسَيْنُ فِي فِرْقَةٍ وَ كُلُّ مَنْ مَاتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ جَاءُوا مَعَهُ . و قال علي بن إبراهيم في قوله «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ » قال ذلك يوم القيامة ينادي مناد ليقم فلان و شيعته و فلان و شيعته و فلان و شيعته و علي و شيعته و قوله:«وَ لاٰ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً» قال الجلدة التي في ظهر النواة.

و أما قوله «وَ مَنْ كٰانَ فِي هٰذِهِ أَعْمىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمىٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلاً»

ص: 23

لَمْ يَخْلُقْ قَبْلَهُ إِلاَّ ثَلاَثَةَ أَشْيَاءَ الْهَوَاءَ وَ الْقَلَمَ وَ النُّورَ، ثُمَّ خَلَقَهُ مِنْ أَلْوَانِ أَنْوَارٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وَ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ نُورٌ أَخْضَرُ وَ مِنْهُ اخْضَرَّتِ الْخُضْرَةُ وَ نُورٌ أَصْفَرُ مِنْهُ اصْفَرَّتِ الصُّفْرَةُ ، وَ نُورٌ أَحْمَرُ مِنْهُ احْمَرَّتِ الْحُمْرَةُ ، وَ نُورٌ أَبْيَضُ وَ هُوَ نُورُ الْأَنْوَارِ، وَ مِنْهُ ضَوْءُ النَّهَارِ ثُمَّ جَعَلَهُ سَبْعِينَ أَلْفَ طَبَقٍ غِلَظُ كُلِّ طَبَقٍ لأول [كَأَوَّلِ ] اَلْعَرْشِ

إِلَى أَسْفَلِ السَّافِلِينَ وَ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ طَبَقٌ إِلاَّ وَ يُسَبِّحُ بِحَمْدِ رَبِّهِ وَ يُقَدِّسُهُ بِأَصْوَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَ أَلْسِنَةٍ غَيْرِ مُشْتَبِهَةٍ لَوْ أُذِنَ لِلِسَانٍ وَاحِدٍ فَأَسْمَعَ شَيْئاً مِمَّا فِي تَحْتِهِ لَهُدِمَ الْجِبَالُ وَ الْمَدَائِنُ وَ الْحُصُونُ وَ كَشْفُ الْبِحَارِ وَ لَهَلَكَ مَا دُونَهُ ، لَهُ ثَمَانِيَةُ أَرْكَانٍ يَحْمِلُ كُلَّ رُكْنٍ مِنْهَا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مَا لاَ يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلاَّ اللَّهُ «يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ لاٰ يَفْتُرُونَ »

وَ لَوْ أَحَسَّ حِسٌّ [وَ لَوْ أَحْسَرَ] شَيْ ءٌ مِمَّا فَوْقَهُ مَا قَامَ لِذَلِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْإِحْسَاسِ الْجَبَرُوتُ وَ الْكِبْرِيَاءُ وَ الْعَظَمَةُ وَ الْقُدُسُ وَ الرَّحْمَةُ وَ الْعِلْمُ وَ لَيْسَ وَرَاءَ هَذَا مَقَالٌ لَقَدْ طَمَعَ الْحَائِرُ فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ أَمَا إِنَّ فِي صُلْبِهِ وَدِيعَةً قَدْ ذُرِئَتْ لِنَارِ جَهَنَّمَ

فَيَخْرُجُونَ أَقْوَاماً مِنْ دِينِ اللَّهِ وَ سَتُصْبَغُ الْأَرْضُ بِدِمَاءِ فِرَاخٍ مِنْ أَفْرَاخِ مُحَمَّدٍ

تَنْهَضُ تِلْكَ الْفِرَاخُ فِي غَيْرِ وَقْتٍ وَ تَطْلُبُ غَيْرَ مُدْرَكٍ وَ تَرَابَطَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَصْبِرُونَ وَ يُصَابِرُونَ «حَتّٰى يَحْكُمَ اللّٰهُ بَيْنَنٰا وَ هُوَ خَيْرُ الْحٰاكِمِينَ » .

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَيْضاً: «وَ مَنْ كٰانَ فِي هٰذِهِ أَعْمىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمىٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلاً» قَالَ نَزَلَتْ فِيمَنْ يُسَوِّفُ الْحَجَّ حَتَّى مَاتَ وَ لَمْ يَحُجَّ فَهُوَ أَعْمَى فَعَمِيَ عَنْ فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ . قوله «وَ إِنْ كٰادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنٰا غَيْرَهُ » قال يعني أمير المؤمنين عليه السّلام «إِذاً لاَتَّخَذُوكَ خَلِيلاً» أي صديقا لو أقمت غيره

ص: 24

و أما قوله:«أَقِمِ الصَّلاٰةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ » قال: دلوكها زوالها و غسق الليل انتصافه «وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ» صلاة الغداة «إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كٰانَ مَشْهُوداً» قال: تشهده ملائكة الليل و ملائكة النهار ثم قال:«وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نٰافِلَةً لَكَ » قال: صلاة الليل و قال: سبب النور في القيامة الصلاة في جوف الليل و أما قوله:«عَسىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقٰاماً مَحْمُوداً»

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ زِرَاعَةَ [زُرْعَةَ ] عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ شَفَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ : يُلْجَمُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَرَقَ (1).

فَيَقُولُونَ : انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى آدَمَ يَشْفَعُ لَنَا عِنْدَ رَبِّنَا فَيَأْتُونَ آدَمَ ، فَيَقُولُونَ : يَا آدَمُ

اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ فَيَقُولُ : إِنَّ لِي ذَنْباً وَ خَطِيئَةً فَعَلَيْكُمْ بِنُوحٍ فَيَأْتُونَ نُوحاً

فَيَرُدُّهُمْ إِلَى مَنْ يَلِيهِ وَ يَرُدُّهُمْ كُلُّ نَبِيٍّ إِلَى مَنْ يَلِيهِ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى عِيسَى فَيَقُولُ :

عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ فَيَعْرِضُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِ وَ يَسْأَلُونَهُ ، فَيَقُولُ : انْطَلِقُوا فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ إِلَى بَابِ اَلْجَنَّةِ وَ يَسْتَقْبِلُ بَابَ الرَّحْمَةِ وَ يَخِرُّ سَاجِداً فَيَمْكُثُ مَا شَاءَ اللَّهُ فَيَقُولُ اللَّهُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَ اشْفَعْ تُشَفَّعْ وَ اسْأَلْ تُعْطَ وَ ذَلِكَ هُوَ قَوْلُهُ :«عَسىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقٰاماً مَحْمُوداً» .»

وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَ هِشَامٍ

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : لَوْ قَدْ قُمْتُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ لَشَفَعْتُ فِي أَبِي وَ أُمِّي وَ عَمِّي وَ أَخٍ كَانَ لِي فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ (2). و قوله «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هٰذَا اَلْقُرْآنِ لاٰ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كٰانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً»

ص: 25


1- أَيْ يَبْلُغُ عَرَقُهُمْ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ أَوِ التَّعَبِ .
2- قاله لسد ألسنة المعترضين و إلا المستفاد من الأدلة هو إيمان أبيه و أمه و عمه و هو أبو طالب كأنه جواب تنزيلي يعني إذا بلغت مقاما محمودا و شفعت عدد الرمل و الحصى كيف لا أشفع في أبي و أمي و عمي الذين أحسنوا إلي. ج ز.

أي معينا «وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطٰاناً نَصِيراً»

فَإِنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ دُخُولَهَا أَنْزَلَ اللَّهُ قُلْ يَا مُحَمَّدُ «أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ » الْآيَةَ وَ قَوْلُهُ :«سُلْطٰاناً نَصِيراً» أَيْ مُعِيناً «وَ قُلْ جٰاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْبٰاطِلُ إِنَّ الْبٰاطِلَ كٰانَ زَهُوقاً» فَارْتَجَّتْ مَكَّةُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ :«جٰاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْبٰاطِلُ إِنَّ الْبٰاطِلَ كٰانَ زَهُوقاً» .

و قوله:«قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلىٰ شٰاكِلَتِهِ » قال: على نيته «فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدىٰ سَبِيلاً»

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ

قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُوقِفَ الْمُؤْمِنُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَكُونُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى حِسَابَهُ فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ عَمَلُهُ فَيَنْظُرُ فِي صَحِيفَتِهِ ، فَأَوَّلُ مَا يَرَى سَيِّئَاتِهِ فَيَتَغَيَّرُ لِذَلِكَ لَوْنُهُ وَ تَرْتَعِشُ فَرَائِصُهُ وَ تَفْزَعُ نَفْسُهُ ، ثُمَّ يَرَى حَسَنَاتِهِ فَتَقَرُّ عَيْنُهُ وَ تُسَرُّ نَفْسُهُ وَ تَفْرَحُ رُوحُهُ ، ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الثَّوَابِ فَيَشْتَدُّ فَرَحُهُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ لِلْمَلاَئِكَةِ هَلُمُّوا الصُّحُفَ الَّتِي فِيهَا الْأَعْمَالُ الَّتِي لَمْ يَعْمَلُوهَا، قَالَ : فَيَقْرَءُونَهَا ثُمَّ يَقُولُونَ وَ عِزَّتِكَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّا لَمْ نَعْمَلْ مِنْهَا شَيْئاً، فَيَقُولُ : صَدَقْتُمْ نَوَيْتُمُوهَا فَكَتَبْنَاهَا لَكُمْ ثُمَّ يُثَابُونَ عَلَيْهَا.

و أما قوله:«وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلرُّوحِ قُلِ اَلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي»

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : هُوَ مَلَكٌ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ وَ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ مَعَ اَلْأَئِمَّةِ .

وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ: هُوَ مِنَ الْمَلَكُوتِ .

و أما قوله:«وَ قٰالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى تَفْجُرَ لَنٰا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً»

فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهَا وَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا لِرَسُولِ اللَّهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ اَلْهِجْرَةِ ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ اسْتَقْبَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَ لَمْ يُجِبْهُ بِشَيْ ءٍ وَ كَانَتْ أُخْتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 26

عَلَيَّ إِسْلاَمِي وَ لَيْسَ يَقْبَلُنِي كَمَا قَبِلَ غَيْرِي فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ

قَالَتْ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سَعِدَ بِكَ جَمِيعُ النَّاسِ إِلاَّ أَخِي مِنْ بَيْنِ قُرَيْشٍ وَ اَلْعَرَبِ رَدَدْتَ إِسْلاَمَهُ وَ قَبِلْتَ إِسْلاَمَ النَّاسِ كُلِّهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ :

يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّ أَخَاكِ كَذَّبَنِي تَكْذِيباً لَمْ يُكَذِّبْنِي أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ هُوَ الَّذِي قَالَ لِي:

«لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى تَفْجُرَ لَنٰا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهٰارَ خِلاٰلَهٰا تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّمٰاءَ كَمٰا زَعَمْتَ عَلَيْنٰا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّٰهِ وَ الْمَلاٰئِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقىٰ فِي السَّمٰاءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّٰى تُنَزِّلَ عَلَيْنٰا كِتٰاباً نَقْرَؤُهُ » قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ

أَ لَمْ تَقُلْ إِنَّ اَلْإِسْلاَمَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ قَالَ : نَعَمْ فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِسْلاَمَهُ .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«حَتّٰى تَفْجُرَ لَنٰا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً» يَعْنِي عَيْناً «أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ » يَعْنِي بُسْتَاناً «مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهٰارَ خِلاٰلَهٰا تَفْجِيراً» مِنْ تِلْكَ الْعُيُونِ «أَوْ تُسْقِطَ السَّمٰاءَ كَمٰا زَعَمْتَ عَلَيْنٰا كِسَفاً» وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ إِنَّهُ يَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ كِسَفاً. لقوله «وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمٰاءِ سٰاقِطاً يَقُولُوا سَحٰابٌ مَرْكُومٌ » و قوله:«أَوْ تَأْتِيَ بِاللّٰهِ وَ الْمَلاٰئِكَةِ قَبِيلاً» و القبيل أي الكثير «أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ » أي المزخرف بالذهب «أَوْ تَرْقىٰ فِي السَّمٰاءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّٰى تُنَزِّلَ عَلَيْنٰا كِتٰاباً نَقْرَؤُهُ » يقول من الله إلى عبد الله بن أبي أمية أن محمدا صادق و إني أنا بعثته و يجيء معه أربعة من الملائكة يشهدون أن الله هو كتبه فأنزل الله عز و جل «قُلْ سُبْحٰانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاّٰ بَشَراً رَسُولاً» .

و قوله:«قُلْ لَوْ كٰانَ فِي الْأَرْضِ مَلاٰئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنٰا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمٰاءِ مَلَكاً رَسُولاً»

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ

ص: 27

مِنْ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَظْرَةٌ قَبْلَ السَّمَاءِ فَامْتَقَعَ لَوْنُهُ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ كَرُكْمَةٍ (1). ثُمَّ لاَذَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى حَيْثُ نَظَرَ جَبْرَئِيلُ فَإِذَا شَيْ ءٌ قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ مُقْبِلاً حَتَّى كَانَ كَقَابٍ مِنَ الْأَرْضِ (2). ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ أُخْبِرُكَ أَنْ تَكُونَ مَلَكاً رَسُولاً أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ تَكُونَ عَبْداً رَسُولاً فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى جَبْرَئِيلَ وَ قَدْ رَجَعَ إِلَيْهِ لَوْنُهُ ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ : بَلْ كُنْ عَبْداً رَسُولاً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَلْ أَكُونُ عَبْداً رَسُولاً فَرَفَعَ الْمَلَكُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فَوَضَعَهَا فِي كَبَدِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ رَفَعَ الْأُخْرَى فَوَضَعَهَا فِي الثَّانِيَةِ ثُمَّ رَفَعَ الْيُمْنَى فَوَضَعَهَا فِي الثَّالِثَةِ ثُمَّ هَكَذَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ كُلُّ سَمَاءٍ خُطْوَةٌ وَ كُلَّمَا ارْتَفَعَ صَغُرَ حَتَّى صَارَ آخِرُ ذَلِكَ مِثْلَ الذَّرِّ [الصِّرِّ] فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

إِلَى جَبْرَئِيلَ فَقَالَ : لَقَدْ رَأَيْتُكَ ذَعِراً وَ مَا رَأَيْتُ شَيْئاً كَانَ أَذْعَرَ لِي مِنْ تَغَيُّرِ لَوْنِكَ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ لاَ تَلُمْنِي أَ تَدْرِي مَنْ هَذَا قَالَ : لاَ، قَالَ : هَذَا إِسْرَافِيلُ حَاجِبُ الرَّبِّ وَ لَمْ يَنْزِلْ مِنْ مَكَانِهِ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُنْحَطّاً ظَنَنْتُ أَنَّهُ جَاءَ بِقِيَامِ السَّاعَةِ ، فَكَانَ الَّذِي رَأَيْتَ مِنْ تَغَيُّرِ لَوْنِي لِذَلِكَ ، فَلَمَّا رَأَيْتَ مَا اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِهِ رَجَعَ إِلَيَّ لَوْنِي وَ نَفْسِي أَ مَا رَأَيْتَهُ كُلَّمَا ارْتَفَعَ صَغُرَ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْ ءٌ يَدْنُو مِنَ الرَّبِّ إِلاَّ صَغُرَ لِعَظَمَتِهِ إِنَّ هَذَا حَاجِبُ الرَّبِّ وَ أَقْرَبُ خَلْقِ اللَّهِ مِنْهُ وَ اللَّوْحُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ فَإِذَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بِالْوَحْيِ ضَرَبَ اللَّوْحُ جَبِينَهُ فَنَظَرَ فِيهِ ثُمَّ يُلْقِيهِ إِلَيْنَا فَنَسْعَى بِهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَأَدْنَى خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْهُ وَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُ سَبْعُونَ حِجَاباً مِنْ نُورٍ تُقْطَعُ دُونَهَا الْأَبْصَارُ مَا لاَ يُعَدُّ وَ لاَ يُوصَفُ وَ إِنِّي لَأَقْرَبُ الْخَلْقِ مِنْهُ وَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ مَسِيرَةُ أَلْفِ عَامٍ . و قوله:«وَ مٰا مَنَعَ النّٰاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جٰاءَهُمُ الْهُدىٰ إِلاّٰ أَنْ قٰالُوا أَ بَعَثَ اللّٰهُ بَشَراً رَسُولاً» قال

ص: 28


1- كَرُكْمٍ : الْعِلْكُ ق م.
2- أَيْ مِقْدَارُ نِصْفِ الْقَوْسِ . ج. ز.

قال الكفار: لم لم يبعث الله إلينا الملائكة فقال الله عز و جل: و لو بعثنا إليهم ملكا لما آمنوا و لهلكوا و لو كانت الملائكة في الأرض «يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنٰا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمٰاءِ مَلَكاً رَسُولاً»

و قوله:«وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ عَلىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا» قال: على جباههم «مَأْوٰاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمٰا خَبَتْ زِدْنٰاهُمْ سَعِيراً» أي كلما انطفت

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ يَرْفَعُهُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ

قَالَ : إِنَّ فِي جَهَنَّمَ وَادِياً يُقَالُ لَهُ سَعِيرٌ إِذَا خَبَتْ جَهَنَّمُ فُتِحَ سَعِيرُهَا وَ هُوَ قَوْلُهُ :«كُلَّمٰا خَبَتْ زِدْنٰاهُمْ سَعِيراً» . أي كلما انطفت

و قوله:«قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزٰائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفٰاقِ وَ كٰانَ الْإِنْسٰانُ قَتُوراً» قال: لو كانت الأموال بيد الناس لما أعطوا الناس شيئا مخافة النفاد «وَ كٰانَ الْإِنْسٰانُ قَتُوراً» أي بخيلا

و أما قوله:«وَ لَقَدْ آتَيْنٰا مُوسىٰ تِسْعَ آيٰاتٍ بَيِّنٰاتٍ » فقال:

الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و الحجر و العصا و يده و البحر

و قوله يحكي قول موسى «وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يٰا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً» أي هالكا تدعو بالثبور

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ: فِي قَوْلِهِ :«فَأَرٰادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ » أَيْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ قَدْ عَلِمَ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ مَا أَنْزَلَ تِلْكَ الْآيَاتِ إِلاَّ اللَّهُ . و أما قوله:«فَإِذٰا جٰاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنٰا بِكُمْ لَفِيفاً» يقول جميعا و في رواية علي بن إبراهيم «فَأَرٰادَ»

يعني فرعون «أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ » أي يخرجهم من مصر «فَأَغْرَقْنٰاهُ وَ مَنْ مَعَهُ جَمِيعاً وَ قُلْنٰا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرٰائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذٰا جٰاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنٰا بِكُمْ لَفِيفاً» أي من كل ناحية

ص: 29

و هم قوم من أهل الكتاب آمنوا بالله

وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلصَّبَّاحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ لاٰ تَجْهَرْ بِصَلاٰتِكَ وَ لاٰ تُخٰافِتْ بِهٰا» قَالَ :

الْجَهْرُ بِهَا رَفْعُ الصَّوْتِ وَ التَّخَافُتُ مَا لَمْ تَسْمَعْ بِأُذُنِكَ وَ اقْرَأْ مَا بَيْنَ ذَلِكَ .

وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلصَّبَّاحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ لاٰ تَجْهَرْ بِصَلاٰتِكَ وَ لاٰ تُخٰافِتْ بِهٰا» قَالَ : رَفْعُ الصَّوْتِ عَالِياً وَ تَخَافُتُهُ مَا لَمْ تَسْمَعْ نَفْسُكَ ، قَالَ قُلْتُ لَهُ : رَجُلٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ قَرْحَةٌ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهَا قَالَ : يَسْجُدُ مَا بَيْنَ طَرَفِ شَعْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ سَجَدَ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْسَرِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَى ذَقَنِهِ قُلْتُ : عَلَى ذَقَنِهِ قَالَ : نَعَمْ أَ مَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «يَخِرُّونَ لِلْأَذْقٰانِ سُجَّداً» .»

وَ رُوِيَ أَيْضاً عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :

«وَ لاٰ تَجْهَرْ بِصَلاٰتِكَ وَ لاٰ تُخٰافِتْ بِهٰا» قَالَ : الْإِجْهَارُ أَنْ تَرْفَعَ صَوْتَكَ تُسْمِعُهُ مَنْ بَعُدَ عَنْكَ وَ الْإِخْفَاتُ أَنْ لاَ تُسْمِعَ مَنْ مَعَكَ إِلاَّ يَسِيراً.

ثُمَّ قَالَ :«وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً» قَالَ : لَمْ يَذِلَّ فَيَحْتَاجَ إِلَى وَلِيٍّ فَيَنْصُرَهُ .

18- سورة الكهف مكية و آياتها مائة و عشر (120)

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلىٰ عَبْدِهِ اَلْكِتٰابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً» قال: هذا مقدم و مؤخر لأن معناه الذي أنزل على عبده الكتاب

قيما و لم يجعل له عوجا، فقد قدم حرف على حرف «لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ » يعني يخوف و يحذرهم عذاب الله عز و جل «وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّٰالِحٰاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً مٰاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً» يعني في الجنة «وَ يُنْذِرَ الَّذِينَ قٰالُوا اتَّخَذَ اللّٰهُ وَلَداً مٰا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ » ما قالت قريش حين زعموا أن الملائكة بنات

ص: 30

الله و ما قالت اليهود و النصارى في قولهم «عُزَيْرٌ ابْنُ اللّٰهِ » و «اَلْمَسِيحُ ابْنُ اللّٰهِ » فرد الله عليهم فقال:«مٰا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَ لاٰ لِآبٰائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوٰاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّٰ كَذِباً» ثم قال:«فَلَعَلَّكَ » يا محمد «بٰاخِعٌ نَفْسَكَ عَلىٰ آثٰارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً»

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «فَلَعَلَّكَ بٰاخِعٌ نَفْسَكَ » يَقُولُ قَاتِلٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ وَ أَمَّا أَسَفاً يَقُولُ حُزْناً. و قال علي بن إبراهيم في قوله:«إِنّٰا جَعَلْنٰا مٰا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهٰا» يعني الشجر و النبات و كلما خلقه الله في الأرض «لِنَبْلُوَهُمْ » أي نختبرهم «أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَ إِنّٰا لَجٰاعِلُونَ مٰا عَلَيْهٰا صَعِيداً جُرُزاً» يعني خرابا

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى «صَعِيداً جُرُزاً» أَيْ لاَ نَبَاتَ فِيهَا.

و قوله:«أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحٰابَ الْكَهْفِ وَ اَلرَّقِيمِ كٰانُوا مِنْ آيٰاتِنٰا عَجَباً»

يقول قد آتيناك من الآيات ما هو أعجب منه، و هم فتية كانوا في الفترة بين عيسى ابن مريم و محمد صلّى اللّه عليه و آله، و أما الرقيم فهما لوحان من نحاس مرقوم أي مكتوب فيهما أمر الفتية و أمر إسلامهم و ما أراد منهم دقيانوس الملك و كيف كان أمرهم و حالهم

ص: 31

يَتْبَعَ الْعَالِمَ وَ يَتَعَلَّمَ مِنْهُ مَنْ هُوَ وَ كَيْفَ تَبِعَهُ وَ مَا كَانَ قِصَّتُهُ مَعَهُ وَ اسْأَلُوهُ عَنْ طَائِفٍ طَافَ مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ وَ مَطْلَعِهَا حَتَّى بَلَغَ سَدَّ يَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ مَنْ هُوَ وَ كَيْفَ كَانَ قِصَّتُهُ ثُمَّ أَمْلَوْا عَلَيْهِمْ أَخْبَارَ هَذِهِ الثَّلاَثِ مَسَائِلَ وَ قَالُوا لَهُمْ إِنْ أَجَابَكُمْ بِمَا قَدْ أَمْلَيْنَا عَلَيْكُمْ فَهُوَ صَادِقٌ وَ إِنْ أَخْبَرَكُمْ بِخِلاَفِ ذَلِكَ فَلاَ تُصَدِّقُوهُ قَالُوا: فَمَا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَالَ : سَلُوهُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ فَإِنِ ادَّعَى عِلْمَهَا فَهُوَ كَاذِبٌ فَإِنَّ قِيَامَ السَّاعَةِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى.

فَرَجَعُوا إِلَى مَكَّةَ وَ اجْتَمَعُوا إِلَى أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ يَزْعُمُ أَنَّ خَبَرَ السَّمَاءِ يَأْتِيهِ وَ نَحْنُ نَسْأَلُهُ عَنْ مَسَائِلَ فَإِنْ أَجَابَنَا عَنْهَا عَلِمْنَا أَنَّهُ صَادِقٌ وَ إِنْ لَمْ يُجِبْنَا عَلِمْنَا أَنَّهُ كَاذِبٌ ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : سَلُوهُ عَمَّا بَدَا لَكُمْ فَسَأَلُوهُ عَنِ الثَّلاَثِ مَسَائِلَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : غَداً أُخْبِرُكُمْ وَ لَمْ يَسْتَثْنِ (1)

فَاحْتُبِسَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً حَتَّى اغْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ شَكَّ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ كَانُوا آمَنُوا بِهِ وَ فَرِحَتْ قُرَيْشٌ وَ اسْتَهْزَءُوا وَ آذَوُا وَ حَزِنَ أَبُو طَالِبٍ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً نَزَلَ عَلَيْهِ بِسُورَةِ الْكَهْفِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : يَا جَبْرَئِيلُ لَقَدْ أَبْطَأْتَ فَقَالَ : إِنَّا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَنْزِلَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَأَنْزَلَ «أَمْ حَسِبْتَ » يَا مُحَمَّدُ

ص: 32


1- أَيْ لَمْ يَقُلْ لَفْظَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . ج. ز.

طَرِيقِهِمْ فَدَعُوهُ إِلَى أَمْرِهِمْ فَلَمْ يُجِبْهُمْ وَ كَانَ مَعَ الرَّاعِي كَلْبٌ فَأَجَابَهُمُ الْكَلْبُ وَ خَرَجَ مَعَهُمْ فَقَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فَلاَ يَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ مِنَ الْبَهَائِمِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ ، حِمَارُ بَلْعَمَ بْنِ بَاعُورَاءَ وَ ذِئْبُ يُوسُفَ وَ كَلْبُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، فَخَرَجَ أَصْحَابُ الْكَهْفِ مِنَ الْمَدِينَةِ بِحِيلَةِ الصَّيْدِ هَرَباً مِنْ دِينِ ذَلِكَ الْمَلِكِ ، فَلَمَّا أَمْسَوْا دَخَلُوا ذَلِكَ الْكَهْفَ وَ الْكَلْبَ مَعَهُمْ فَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمُ النُّعَاسَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «فَضَرَبْنٰا عَلَى آذٰانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً» ، فَنَامُوا حَتَّى أَهْلَكَ اللَّهُ ذَلِكَ الْمَلِكَ وَ أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ وَ ذَهَبَ ذَلِكَ الزَّمَانُ وَ جَاءَ زَمَانٌ آخَرُ وَ قَوْمٌ آخَرُونَ ثُمَّ انْتَبَهُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : كَمْ نَمْنَا هَاهُنَا فَنَظَرُوا إِلَى الشَّمْسِ قَدِ ارْتَفَعَتْ فَقَالُوا: نَمْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ثُمَّ قَالُوا لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ خُذْ هَذَا الْوَرِقَ وَ ادْخُلِ الْمَدِينَةَ مُتَنَكِّراً لاَ يَعْرِفُوكَ فَاشْتَرِ لَنَا طَعَاماً فَإِنَّهُمْ إِنْ عَلِمُوا بِنَا وَ عَرَفُونَا يَقْتُلُونَا أَوْ يَرُدُّونَا فِي دِينِهِمْ ، فَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَرَأَى مَدِينَةً بِخِلاَفِ الَّذِي عَهِدَهَا وَ رَأَى قَوْماً بِخِلاَفِ أُولَئِكَ لَمْ يَعْرِفْهُمْ وَ لَمْ يَعْرِفُوا لُغَتَهُ وَ لَمْ يَعْرِفْ لُغَتَهُمْ ، فَقَالُوا لَهُ : مَنْ أَنْتَ وَ مِنْ أَيْنَ جِئْتَ فَأَخْبَرَهُمْ فَخَرَجَ مَلِكُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ مَعَ أَصْحَابِهِ وَ الرَّجُلُ مَعَهُمْ حَتَّى وَقَفُوا عَلَى بَابِ الْكَهْفِ وَ أَقْبَلُوا يَتَطَلَّعُونَ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هَؤُلاَءِ ثَلاَثَةٌ وَ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَ قَالَ بَعْضُهُمْ : خَمْسَةٌ وَ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ وَ قَالَ بَعْضُهُمْ : هُمْ سَبْعَةٌ وَ ثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ وَ حَجَبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِحِجَابٍ مِنَ الرُّعْبِ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُقَدَّمُ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِمْ غَيْرُ صَاحِبِهِمْ فَإِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ إِلَيْهِمْ وَجَدَهُمْ خَائِفِينَ أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ دَقْيَانُوسَ شَعَرُوا بِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ صَاحِبُهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا نَائِمِينَ هَذَا الزَّمَنَ الطَّوِيلَ وَ أَنَّهُمْ آيَةٌ لِلنَّاسِ فَبَكَوْا وَ سَأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعِيدَهُمْ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ نَائِمِينَ كَمَا كَانُوا ثُمَّ قَالَ الْمَلِكُ يَنْبَغِي أَنْ نَبْنِيَ هَاهُنَا مَسْجِداً وَ نَزُورَهُ فَإِنَّ هَؤُلاَءِ قَوْمٌ مُؤْمِنُونَ ، فَلَهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ نَقْلَتَانِ يَنَامُونَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ عَلَى جُنُوبِهِمُ الْيُمْنَى وَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ عَلَى جُنُوبِهِمُ الْيُسْرَى وَ الْكَلْبُ مَعَهُمْ قَدْ بَسَطَ ذِرَاعَيْهِ بِفِنَاءِ الْكَهْفِ .

ص: 33

و هم الذين ذهبوا إلى باب الكهف

قوله:«سَبْعَةٌ وَ ثٰامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ » فقال الله لنبيه،«قُلْ » لهم «رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مٰا يَعْلَمُهُمْ إِلاّٰ قَلِيلٌ » ثم انقطع خبرهم فقال:

«فَلاٰ تُمٰارِ فِيهِمْ إِلاّٰ مِرٰاءً ظٰاهِراً وَ لاٰ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً وَ لاٰ تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فٰاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اللّٰهُ » أخبره أنه إنما حبس الوحي عنه أربعين صباحا لأنه قال لقريش غدا أخبركم بجواب مسائلكم و لم يستثن فقال الله:«وَ لاٰ تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فٰاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اللّٰهُ » إلى قوله «رَشَداً» ثم عطف على الخبر الأول الذي حكى عنهم أنهم يقولون ثلاثة رابعهم كلبهم فقال «وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاٰثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً» و هو حكاية عنهم و لفظه خبر و الدليل على أنه حكاية عنهم قوله:«قُلِ اللّٰهُ أَعْلَمُ بِمٰا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ »

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلٰهاً لَقَدْ قُلْنٰا إِذاً شَطَطاً» يَعْنِي جَوْراً عَلَى اللَّهِ إِنْ قُلْنَا إِنَّ لَهُ شَرِيكاً. و قوله «لَوْ لاٰ يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطٰانٍ بَيِّنٍ » يعني بحجة بينة أن معه شريكا و قوله:«وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقٰاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ» يقول ترى أعينهم مفتوحة و هم رقود يعني نيام «وَ نُقَلِّبُهُمْ ذٰاتَ الْيَمِينِ وَ ذٰاتَ الشِّمٰالِ » في كل عام مرتين لئلا تأكلهم الأرض و قوله:«فَلْيَنْظُرْ أَيُّهٰا أَزْكىٰ طَعٰاماً» يقول أيها أطيب طعاما «فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ » إلى قوله «وَ كَذٰلِكَ أَعْثَرْنٰا عَلَيْهِمْ » يعني اطلعنا على الفتية «لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ » في البعث و «اَلسّٰاعَةَ لاٰ رَيْبَ فِيهٰا» يعني لا شك فيها بأنها كائنة و قوله «رَجْماً» يعني ظنا «بِالْغَيْبِ »

ما يستفتونهم و قوله «فَلاٰ تُمٰارِ فِيهِمْ إِلاّٰ مِرٰاءً ظٰاهِراً» يقول حسبك ما قصصنا عليك من أمرهم «وَ لاٰ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً» يقول لا تسأل عن أصحاب الكهف

أحدا من أهل الكتاب

ص: 34

الْفَارِسِيِّ كَانَ عَلَيْهِ كِسَاءٌ فِيهِ يَكُونُ طَعَامُهُ وَ هُوَ دِثَارُهُ وَ رِدَاؤُهُ وَ كَانَ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ فَدَخَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حُصَيْنٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلْمَانُ عِنْدَهُ ، فَتَأَذَّى عُيَيْنَةُ بِرِيحِ كِسَاءِ سَلْمَانَ وَ قَدْ كَانَ عَرِقَ فِيهِ وَ كَانَ يَوْمٌ شَدِيدُ الْحَرِّ فَعَرِقَ فِي الْكِسَاءِ، فَقَالَ :

يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا نَحْنُ دَخَلْنَا عَلَيْكَ فَأَخْرِجْ هَذَا وَ اصْرِفْهُ مِنْ عِنْدِكَ فَإِذَا نَحْنُ خَرَجْنَا فَأَدْخِلْ مَنْ شِئْتَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «وَ لاٰ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنٰا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنٰا» وَ هُوَ عُيَيْنَةُ بْنُ حُصَيْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ . و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شٰاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شٰاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنّٰا أَعْتَدْنٰا لِلظّٰالِمِينَ نٰاراً أَحٰاطَ بِهِمْ سُرٰادِقُهٰا»

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ هَكَذَا «وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ »

يَعْنِي وَلاَيَةَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «فَمَنْ شٰاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شٰاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنّٰا أَعْتَدْنٰا لِلظّٰالِمِينَ » آلَ مُحَمَّدِ

«نٰاراً أَحٰاطَ بِهِمْ سُرٰادِقُهٰا وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغٰاثُوا بِمٰاءٍ كَالْمُهْلِ » قَالَ الْمُهْلُ الَّذِي يَبْقَى فِي أَصْلِ الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ . «يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرٰابُ وَ سٰاءَتْ مُرْتَفَقاً» ثم ذكر ما أعد الله للمؤمنين فقال:«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ » إلى قوله «وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً» و قوله «وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنٰا لِأَحَدِهِمٰا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنٰابٍ وَ حَفَفْنٰاهُمٰا بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنٰا بَيْنَهُمٰا زَرْعاً» قال: نزلت في رجل كان له بستانان كبيران عظيمان كثيرا الثمار كما حكى الله عز و جل و فيهما نخل و زرع و كان له جار فقير فافتخر الغني على ذلك الفقير و قال له «أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مٰالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ »

أي بستانه و قال «مٰا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هٰذِهِ أَبَداً وَ مٰا أَظُنُّ السّٰاعَةَ قٰائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهٰا مُنْقَلَباً» فقال له الفقير:«أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّٰاكَ رَجُلاً لٰكِنَّا هُوَ اللّٰهُ رَبِّي وَ لاٰ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً» ثم قال الفقير للغني:«وَ لَوْ لاٰ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مٰا شٰاءَ اللّٰهُ لاٰ قُوَّةَ إِلاّٰ بِاللّٰهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مٰالاً وَ وَلَداً» ثم قال الفقير «فَعَسىٰ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَ يُرْسِلَ عَلَيْهٰا حُسْبٰاناً مِنَ السَّمٰاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً» أي محترقا

ص: 35

«أَوْ يُصْبِحَ مٰاؤُهٰا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً» فوقع فيها ما قال الفقير في تلك الليلة و أصبح الغني «يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلىٰ مٰا أَنْفَقَ فِيهٰا وَ هِيَ خٰاوِيَةٌ عَلىٰ عُرُوشِهٰا وَ يَقُولُ يٰا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَ مٰا كٰانَ مُنْتَصِراً» فهذه عقوبة البغي

و قوله:«وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا كَمٰاءٍ أَنْزَلْنٰاهُ مِنَ السَّمٰاءِ» إلى قوله «وَ خَيْرٌ أَمَلاً»

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ آمروا [اُومُرُوا] بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ لَمْ يُقَرِّبَا أَجَلاً وَ لَمْ يُبَاعِدَا رِزْقاً فَإِنَّ الْأَمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ كَقَطْرِ الْمَطَرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا قَدَّرَ اللَّهُ لَهَا مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ فِي أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ وَ إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فِي مَالٍ أَوْ نَفْسٍ وَ رَأَى عِنْدَ أَخِيهِ عَفْوَةً (1). فَلاَ يَكُونَنَّ لَهُ فِتْنَةً فَإِنَّ الْمَرْءَ اَلْمُسْلِمَ مَا لَمْ يَغْشَ دَنَاءَةً تَظْهَرُ وَ يَخْشَعُ لَهَا إِذَا ذُكِرَتْ وَ يُغْرَى بِهَا لِئَامُ النَّاسِ كَالْيَاسِرِ الْفَالِجِ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزٍ مِنْ قِدَاحِهِ يُوجِبُ لَهُ بِهَا الْمَغْنَمَ وَ يُدْفَعُ عَنْهُ الْمَغْرَمُ كَذَلِكَ الْمَرْءُ اَلْمُسْلِمُ

الْبَرِيءُ مِنَ الْخِيَانَةِ وَ الْكَذِبِ يَنْتَظِرُ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إِمَّا دَاعِياً مِنَ اللَّهِ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لَهُ وَ إِمَّا رِزْقاً مِنَ اللَّهِ فَهُوَ ذُو أَهْلٍ وَ مَالٍ وَ مَعَهُ دِينُهُ وَ حَسَبُهُ وَ الْمَالُ وَ الْبَنُونَ وَ هُوَ حَرْثُ الدُّنْيَا وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ حَرْثُ الْآخِرَةِ وَ قَدْ يَجْمَعُهُمَا اللَّهُ لِأَقْوَامٍ .

و قوله:«وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبٰالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بٰارِزَةً وَ حَشَرْنٰاهُمْ فَلَمْ نُغٰادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً»

فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ «وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً» فَقَالَ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا قُلْتُ يَقُولُونَ إِنَّهَا فِي الْقِيَامَةِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَحْشُرُ اللَّهُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً وَ يَذَرُ الْبَاقِينَ إِنَّمَا ذَلِكَ فِي اَلرَّجْعَةِ فَأَمَّا آيَةُ الْقِيَامَةِ فَهَذِهِ «وَ حَشَرْنٰاهُمْ فَلَمْ نُغٰادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً وَ عُرِضُوا عَلىٰ رَبِّكَ صَفًّا» إِلَى قَوْلِهِ «مَوْعِداً» .

ص: 36


1- عَفْوَةُ الشَّيْ ءِ صَفْوَتُهُ مجمع.

فهو محكم قال «وَ وُضِعَ الْكِتٰابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ » إلى قوله «وَ لاٰ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً» قال يجدون كلما عملوا مكتوبا و قوله «وَ مٰا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً»

أي ناصرا و قوله «وَ جَعَلْنٰا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً» أي سترا و قوله «وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ اَلنّٰارَ

فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوٰاقِعُوهٰا» أي علموا فهذا ظن يقين و قوله «وَ مٰا مَنَعَ النّٰاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جٰاءَهُمُ الْهُدىٰ » إلى قوله «وَ يُجٰادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبٰاطِلِ » أي يخاصمون بالباطل «لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ » أي يدفعوه «وَ اتَّخَذُوا آيٰاتِي» إلى قوله «لَوْ يُؤٰاخِذُهُمْ بِمٰا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذٰابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ» فهو محكم و قوله «لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً» أي ملجأ «وَ تِلْكَ الْقُرىٰ » أي أهل القرى «أَهْلَكْنٰاهُمْ لَمّٰا ظَلَمُوا وَ جَعَلْنٰا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً» أي يوم القيامة يدخلون النار

فَلَمَّا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قُرَيْشاً بِخَبَرِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ قَالُوا أَخْبِرْنَا عَنِ الْعَالِمِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ

أَنْ يَتَّبِعَهُ وَ مَا قِصَّتُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِفَتٰاهُ لاٰ أَبْرَحُ حَتّٰى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً» قَالَ وَ كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا «كَلَّمَ اللّٰهُ مُوسىٰ

تَكْلِيماً» وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ اَلْأَلْوَاحَ وَ فِيهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «وَ كَتَبْنٰا لَهُ فِي اَلْأَلْوٰاحِ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْ ءٍ» رَجَعَ مُوسَى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ عَلَيْهِ اَلتَّوْرَاةَ وَ كَلَّمَهُ قَالَ فِي نَفْسِهِ مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً أَعْلَمَ مِنِّي فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ أَنْ أَدْرِكْ مُوسَى فَقَدْ هَلَكَ وَ أَعْلِمْهُ أَنَّ عِنْدَ مُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ رَجُلاً أَعْلَمَ مِنْكَ فَصِرْ إِلَيْهِ وَ تَعَلَّمْ مِنْ عِلْمِهِ فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ص: 37

مُوسَى وَ يُوشَعُ مَعَهُ حَتَّى عشيا [عَيِيَا] فَقَالَ مُوسَى لِوَصِيِّهِ «آتِنٰا غَدٰاءَنٰا لَقَدْ لَقِينٰا مِنْ سَفَرِنٰا هٰذٰا نَصَباً» أَيْ عَنَاءً فَذَكَرَ وَصِيُّهُ السَّمَكَ فَقَالَ لِمُوسَى إِنِّي «نَسِيتُ الْحُوتَ »

عَلَى الصَّخْرَةِ فَقَالَ مُوسَى: ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْنَاهُ عِنْدَ الصَّخْرَةِ هُوَ الَّذِي نُرِيدُهُ فَرَجَعَا «عَلىٰ آثٰارِهِمٰا قَصَصاً» أَيْ عِنْدَ الرَّجُلِ وَ هُوَ فِي صَلاَتِهِ فَقَعَدَ مُوسَى حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا.

فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بِلاَلٍ عَنْ يُونُسَ قَالَ : اخْتَلَفَ يُونُسُ وَ هِشَامُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالِمِ الَّذِي أَتَاهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَيُّهُمَا كَانَ أَعْلَمَ وَ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوسَى حُجَّةً فِي وَقْتِهِ وَ هُوَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ فَقَالَ قَاسِمٌ الصَّيْقَلُ : فَكَتَبُوا ذَلِكَ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَسْأَلُونَهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ فِي الْجَوَابِ : أَتَى مُوسَى الْعَالِمَ فَأَصَابَهُ وَ هُوَ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ إِمَّا جَالِساً وَ إِمَّا مُتَّكِئاً فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى

فَأَنْكَرَ السَّلاَمَ إِذْ كَانَ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا سَلاَمٌ قَالَ : مَنْ أَنْتَ قَالَ : أَنَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ، قَالَ : أَنْتَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيماً قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ :

فَمَا حَاجَتُكَ قَالَ : جِئْتُ «أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّٰا عُلِّمْتَ رُشْداً» قَالَ : إِنِّي وُكِّلْتُ بِأَمْرٍ لاَ تُطِيقُهُ وَ وُكِّلْتَ أَنْتَ بِأَمْرٍ لاَ أُطِيقُهُ ، ثُمَّ حَدَّثَهُ الْعَالِمُ بِمَا يُصِيبُ آلَ مُحَمَّدٍ مِنَ الْبَلاَءِ وَ كَيْدِ الْأَعْدَاءِ حَتَّى اشْتَدَّ بُكَاؤُهُمَا ثُمَّ حَدَّثَهُ الْعَالِمُ عَنْ فَضْلِ آلِ مُحَمَّدٍ حَتَّى جَعَلَ مُوسَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ حَتَّى ذَكَرَ فُلاَناً وَ فُلاَناً وَ فُلاَناً وَ مَبْعَثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى قَوْمِهِ وَ مَا يَلْقَى مِنْهُمْ وَ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ وَ ذَكَرَ لَهُ مِنْ تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ «وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصٰارَهُمْ كَمٰا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ » حِينَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُ مُوسَى «هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّٰا عُلِّمْتَ رُشْداً» فَقَالَ اَلْخَضِرُ:«إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلىٰ مٰا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً»

فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ :«سَتَجِدُنِي إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ صٰابِراً وَ لاٰ أَعْصِي لَكَ أَمْراً قٰالَ »

ص: 38

لاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْ ءٍ أَفْعَلُهُ وَ لاَ تُنْكِرْهُ عَلَيَّ حَتَّى أَنَا أُخْبِرُكَ بِخَبَرِهِ قَالَ : نَعَمْ ، فَمَرُّوا ثَلاَثَتُهُمْ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ وَ قَدْ شُحِنَتْ سَفِينَةٌ وَ هِيَ تُرِيدُ أَنْ تَعْبُرَ فَقَالَ لأرباب [أَرْبَابُ ] السَّفِينَةِ : تحملوا [نَحْمِلُ ] هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةَ نَفَرٍ فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ صَالِحُونَ ، فَحَمَلُوهُمْ فَلَمَّا جَنَحَتِ السَّفِينَةُ فِي الْبَحْرِ قَامَ اَلْخَضِرُ إِلَى جَوَانِبِ السَّفِينَةِ فَكَسَرَهَا وَ أَحْشَاهَا بِالْخِرَقِ وَ الطِّينِ ، فَغَضِبَ مُوسَى غَضَباً شَدِيداً وَ قَالَ لِلْخَضِرِ:«أَ خَرَقْتَهٰا لِتُغْرِقَ أَهْلَهٰا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً» فَقَالَ لَهُ اَلْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :«أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قٰالَ » مُوسَى:«لاٰ تُؤٰاخِذْنِي بِمٰا نَسِيتُ وَ لاٰ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً»

فَخَرَجُوا مِنَ السَّفِينَةِ فَمَرُّوا فَنَظَرَ اَلْخَضِرُ إِلَى غُلاَمٍ يَلْعَبُ بَيْنَ الصِّبْيَانِ حَسَنِ الْوَجْهِ كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ فِي أُذُنَيْهِ دُرَّتَانِ ، فَتَأَمَّلَهُ اَلْخَضِرُ ثُمَّ أَخَذَهُ فَقَتَلَهُ ، فَوَثَبَ مُوسَى

عَلَى اَلْخَضِرِ وَ جَلَدَ بِهِ الْأَرْضَ فَقَالَ :«أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً» فَقَالَ اَلْخَضِرُ:«أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً» قَالَ مُوسَى:«إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْ ءٍ بَعْدَهٰا فَلاٰ تُصٰاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً فَانْطَلَقٰا حَتّٰى إِذٰا أَتَيٰا أَهْلَ قَرْيَةٍ » بِالْعَشِيِّ تُسَمَّى اَلنَّاصِرَةَ وَ إِلَيْهَا يَنْتَسِبُ اَلنَّصَارَى

ص: 39

«فَخَشِينٰا أَنْ يُرْهِقَهُمٰا طُغْيٰاناً وَ كُفْراً فَأَرَدْنٰا أَنْ يُبْدِلَهُمٰا رَبُّهُمٰا خَيْراً مِنْهُ زَكٰاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً» فَأَبْدَلَ اللَّهُ لِوَالِدَيْهِ بِنْتاً وَ وَلَدَتْ سَبْعِينَ نَبِيّاً،«وَ أَمَّا الْجِدٰارُ» الَّذِي أَقَمْتُهُ «فَكٰانَ لِغُلاٰمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كٰانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمٰا وَ كٰانَ أَبُوهُمٰا صٰالِحاً فَأَرٰادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغٰا أَشُدَّهُمٰا» إِلَى قَوْلِهِ «ذٰلِكَ تَأْوِيلُ مٰا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً» .

حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

أَنَّهُ قَالَ : كَانَ ذَلِكَ الْكَنْزُ لَوْحاً مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ مَكْتُوبٌ بِسْمِ اللَّهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ

رَسُولُ اللَّهِ وَ اَلْأَئِمَّةُ حُجَجُ اللَّهِ عَجَبٌ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ كَيْفَ يَفْرَحُ ، عَجَبٌ لِمَنْ يُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ كَيْفَ يَفْرَقُ (1) ، عَجَبٌ لِمَنْ يَذْكُرُ اَلنَّارَ كَيْفَ يَضْحَكُ ، عَجَبٌ لِمَنْ يَرَى الدُّنْيَا وَ تَصَرُّفَ أَهْلِهَا حَالاً بَعْدَ حَالٍ كَيْفَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا.

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

فِي قَوْلِهِ :«وَ إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِفَتٰاهُ » وَ هُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَ قَوْلُهُ :«لاٰ أَبْرَحُ » يَقُولُ لاَ أَزَالُ «حَتّٰى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً» قَالَ الْحُقُبُ ثَمَانُونَ سَنَةً . و قوله:«لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً» هو النكر و كان موسى ينكر الظلم فأعظم ما رأى.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : فَلَمَّا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِخَبَرِ مُوسَى وَ فَتَاهُ وَ اَلْخَضِرِ قَالُوا فَأَخْبِرْنَا عَنْ طَائِفٍ طَافَ الْمَشْرِقَ وَ الْمَغْرِبَ مَنْ هُوَ وَ مَا قِصَّتُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً إِنّٰا مَكَّنّٰا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْنٰاهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ سَبَباً» أَيْ دَلِيلاً «فَأَتْبَعَ سَبَباً» .

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ [ابْنِ ] أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ :«يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ

قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً» قَالَ إِنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى قَوْمِهِ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْمَنِ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْسَرِ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَلَّكَهُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا مِنْ حَيْثُ تَطْلُعُ الشَّمْسُ إِلَى حَيْثُ تَغْرُبُ فَهُوَ قَوْلُهُ «حَتّٰى إِذٰا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهٰا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ »

ص: 40


1- فَرِقَ كَفَرِحَ فَزِعَ . ق:

إِلَى قَوْلِهِ «عَذٰاباً نُكْراً» قَالَ فِي اَلنَّارِ فَجَعَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ بَيْنَهُمْ بَاباً مِنْ نُحَاسٍ وَ حَدِيدٍ وَ زِفْتٍ (1). وَ قَطِرَانٍ (2). فَحَالَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْخُرُوجِ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لَيْسَ مِنْهُمْ رَجُلٌ يَمُوتُ حَتَّى يُولَدَ لَهُ مِنْ صُلْبِهِ أَلْفُ وَلَدٍ ذَكَرٍ ثُمَّ قَالَ هُمْ أَكْثَرُ خَلْقٍ خُلِقُوا بَعْدَ الْمَلاَئِكَةِ .

وَ سُئِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ

نَبِيّاً كَانَ أَمْ مَلَكاً فَقَالَ : لاَ نَبِيٌّ وَ لاَ مَلَكٌ بَلْ إِنَّمَا هُوَ عَبْدٌ أَحَبَّ اللَّهَ فَأَحَبَّهُ وَ نَصَحَ لِلَّهِ فَنَصَحَ لَهُ ، فَبَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى قَوْمِهِ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْمَنِ فَغَابَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَغِيبَ ثُمَّ بَعَثَهُ الثَّانِيَةَ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْسَرِ فَغَابَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَغِيبَ ثُمَّ بَعَثَهُ ثَالِثَةً فَمَكَّنَ اللَّهُ لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ فِيكُمْ مِثْلُهُ يَعْنِي نَفْسَهُ . «حَتّٰى إِذٰا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهٰا تَطْلُعُ عَلىٰ قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهٰا سِتْراً» قال لم يعلموا صنعة الثياب «ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً» أي دليلا «حَتّٰى إِذٰا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمٰا قَوْماً لاٰ يَكٰادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً» إلى قوله «آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ» فأمرهم أن يأتوه بالحديد فأتوا به فوضعه بين الصدفين يعني بين الجبلين حتى سوى بينهما ثم أمرهم أن يأتوا بالنار فأتوا بها فنفخوا فأشعلوا تحت الحديد حتى صار الحديد مثل النار ثم صب عليه القطر و هو الصفر حتى سده و هو قوله:«حَتّٰى إِذٰا سٰاوىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قٰالَ انْفُخُوا» إلى قوله «نَقْباً» فقال ذو القرنين:«هٰذٰا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذٰا جٰاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكّٰاءَ وَ كٰانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا» قال إذا كان قبل يوم القيامة

في آخر الزمان انهدم ذلك السد و خرج يأجوج و مأجوج إلى الدنيا و أكلوا الناس و هو قوله:«حَتّٰى إِذٰا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ »

ص: 41


1- نَوْعٌ مِنَ الْقِيرِ.
2- بِفَتْحِ الْقَافِ وَ كَسْرِ الطَّاءِ أَوْ سُكُونِهَا أَوْ بِكَسْرِ الْقَافِ وَ سُكُونِ الطَّاءِ: مَادَّةٌ يُطَّلَى بِهَا جَرَبُ الْإِبِلِ فَيُحْرِقُهُ . مجمع.

قَالَ : فَسَارَ ذُو الْقَرْنَيْنِ إِلَى نَاحِيَةِ الْمَغْرِبِ فَكَانَ إِذَا مَرَّ بِقَرْيَةٍ زَأَرَ فِيهَا كَمَا يَزْأَرُ الْأَسَدُ الْمُغْضَبُ ، فَيَنْبَعِثُ فِي الْقَرْيَةِ ظُلُمَاتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ وَ صَوَاعِقُ تُهْلِكُ مَنْ نَاوَاهُ وَ خَالَفَهُ ، فَلَمْ يَبْلُغْ مَغْرِبَ الشَّمْسِ حَتَّى دَانَ لَهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ :«إِنّٰا مَكَّنّٰا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْنٰاهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ سَبَباً» أَيْ دَلِيلاً.

فَقِيلَ لَهُ إِنَّ لِلَّهِ فِي أَرْضِهِ عَيْناً يُقَالُ لَهَا عَيْنُ الْحَيَاةِ لاَ يَشْرَبُ مِنْهَا ذُو رُوحٍ إِلاَّ لَمْ يَمُتْ حَتَّى الصَّيْحَةِ ، فَدَعَا ذُو الْقَرْنَيْنِ اَلْخَضِرَ وَ كَانَ أَفْضَلَ أَصْحَابِهِ عِنْدَهُ وَ دَعَا بِثَلاَثِمِائَةٍ وَ ثَلاَثِينَ [وَ سِتِّينَ ] رَجُلاً وَ دَفَعَ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَمَكَةً وَ قَالَ لَهُمْ اذْهَبُوا إِلَى مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا فَإِنَّ هُنَاكَ ثَلاَثَمِائَةٍ وَ ثَلاَثِينَ عَيْناً فَلْيَغْسِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ سَمَكَتَهُ فِي عَيْنٍ غَيْرِ عَيْنِ صَاحِبِهِ ، فَذَهَبُوا يَغْسِلُونَ وَ قَعَدَ اَلْخَضِرُ يَغْسِلُ فَانْسَابَتِ السَّمَكَةُ مِنْهُ فِي الْعَيْنِ وَ بَقِيَ اَلْخَضِرُ مُتَعَجِّباً مِمَّا رَأَى وَ قَالَ فِي نَفْسِهِ مَا أَقُولُ لِذِي الْقَرْنَيْنِ ثُمَّ نَزَعَ ثِيَابَهُ يَطْلُبُ السَّمَكَةَ فَشَرِبَ مِنْ مَائِهَا وَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى السَّمَكَةِ فَرَجَعُوا إِلَى ذِي الْقَرْنَيْنِ فَأَمَرَ ذُو الْقَرْنَيْنِ بِقَبْضِ السَّمَكِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى اَلْخَضِرِ لَمْ يَجِدُوا مَعَهُ شَيْئاً، فَدَعَاهُ وَ قَالَ لَهُ : مَا حَالُ السَّمَكَةِ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ لَهُ : فَصَنَعْتَ مَا ذَا قَالَ : اغْتَمَسْتُ فِيهَا فَجَعَلْتُ أَغُوصُ وَ أَطْلُبُهَا فَلَمْ أَجِدْهَا، قَالَ : فَشَرِبْتَ مِنْ مَائِهَا قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ فَطَلَبَ ذُو الْقَرْنَيْنِ الْعَيْنَ فَلَمْ يَجِدْهَا فَقَالَ لِلْخَضِرِ: كُنْتَ أَنْتَ صَاحِبَهَا.

ص: 42

إِلَيْهَا فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَالَ لَهَا تَكْتُمِينَ عَلَيَّ أَمْرِي فَقَالَتْ : نَعَمْ قَالَ لَهَا:

إِنْ سَأَلَكِ أَبِي هَلْ كَانَ مِنِّي إِلَيْكِ مَا يَكُونُ مِنَ الرِّجَالِ إِلَى النِّسَاءِ فَقُولِي نَعَمْ ، فَقَالَتْ أَفْعَلُ فَسَأَلَهَا الْمَلِكُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ نَعَمْ وَ أَشَارَ عَلَيْهِ النَّاسُ أَنْ يَأْمُرَ النِّسَاءَ أَنْ يُفَتِّشْنَهَا فَأَمَرَ بِذَلِكَ فَكَانَتْ عَلَى حَالِهَا فَقَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ زَوَّجْتَ الْغِرَّ مِنَ الْغِرَّةِ (1) زَوِّجْهُ امْرَأَةً ثَيِّباً فَزَوَّجَهُ فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ سَأَلَهَا اَلْخَضِرُ أَنْ تَكْتُمَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ فَقَالَتْ : نَعَمْ فَلَمَّا أَنْ سَأَلَهَا الْمَلِكُ قَالَتْ لَهُ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّ ابْنَكَ امْرَأَةٌ فَهَلْ تَلِدُ الْمَرْأَةُ مِنَ الْمَرْأَةِ ، فَغَضِبَ عَلَيْهِ وَ أَمَرَ بِرَدْمِ الْبَابِ عَلَيْهِ فَرُدِمَ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ حَرَّكَتْهُ رِقَّةُ الْآبَاءِ فَأَمَرَ بِفَتْحِ الْبَابِ فَفُتِحَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فِيهِ وَ أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْقُوَّةِ أَنَّهُ يَتَصَوَّرُ كَيْفَ يَشَاءُ ثُمَّ كَانَ عَلَى مُقَدِّمَةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَ شَرِبَ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي مَنْ شَرِبَ مِنْهُ بَقِيَ إِلَى الصَّيْحَةِ .

ص: 43


1- أَيْ مَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ لِصِغَرِ سِنِّهِ . ج. ز.

فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ وَ جَعَلَ مَدِينَتَهُمْ عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَ ابْتَدَرَتِ الْجَارِيَةُ الَّتِي كَتَمَتْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَ الرَّجُلُ الَّذِي كَتَمَ عَلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَاحِيَةً مِنَ الْمَدِينَةِ فَلَمَّا أَصْبَحَا الْتَقَيَا فَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا صَاحِبَهُ بِخَبَرِهِ فَقَالاَ مَا نَجَوْنَا إِلاَّ بِذَلِكَ فَآمَنَا بِرَبِّ اَلْخَضِرِ وَ حَسُنَ إِيمَانُهُمَا وَ تَزَوَّجَ بِهَا الرَّجُلُ وَ وَقَعَا إِلَى مَمْلَكَةِ مَلِكٍ آخَرَ وَ تَوَصَّلَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى بَيْتِ الْمَلِكِ وَ كَانَتْ تُزَيِّنُ بِنْتَ الْمَلِكِ فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشُطُهَا يَوْماً إِذْ سَقَطَ مِنْ يَدِهَا الْمَشْطُ فَقَالَتْ : لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ فَقَالَتْ لَهَا بِنْتُ الْمَلِكِ : مَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ فَقَالَتْ لَهَا إِنَّ لِي إِلَهاً تَجْرِي الْأُمُورُ كُلُّهَا بِحَوْلِهِ وَ قُوَّتِهِ فَقَالَتْ لَهَا بِنْتُ الْمَلِكِ أَ لَكِ إِلَهٌ غَيْرُ أَبِي قَالَتْ : نَعَمْ وَ هُوَ إِلَهُكَ وَ إِلَهُ أَبِيكَ فَدَخَلَتْ بِنْتُ الْمَلِكِ عَلَى أَبِيهَا فَأَخْبَرَتْ أَبَاهَا مَا سَمِعَتْ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَدَعَاهَا الْمَلِكُ فَسَأَلَهَا عَنْ خَبَرِهَا، فَأَخْبَرَتْهُ فَقَالَ لَهَا مَنْ عَلَى دِينِكَ قَالَتْ زَوْجِي وَ وُلْدِي فَدَعَاهُمَا الْمَلِكُ فَأَمَرَهُمَا بِالرُّجُوعِ عَنِ التَّوْحِيدِ فَأَبَوْا عَنْ ذَلِكَ فَدَعَا بِمِرْجَلٍ مِنْ مَاءٍ فَأَسْخَنَهُ وَ أَلْقَاهُمْ فِيهِ فَأَدْخَلَهُمْ بَيْتاً وَ هَدَمَ عَلَيْهِمُ الْبَيْتَ ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَهَذِهِ الرَّائِحَةُ الَّتِي شَمِمْتَهَا مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ .

وَ عَنْهُ قَالَ : أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَوْماً وَ يَدُهُ عَلَى عَاتِقِ سَلْمَانَ وَ مَعَهُ الْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ص: 44

مَنْ يُشْبِهُ أَبَاهُ وَ أَعْمَامَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يُشْبِهُ أُمَّهُ وَ أَخْوَالَهُ فَكَيْفَ هَذَا فَقَالَ الْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

: نَعَمْ أَمَّا الرَّجُلُ إِذَا نَامَ فَإِنَّ رُوحَهُ تَخْرُجُ مِثْلَ شُعَاعِ الشَّمْسِ فَتَعَلَّقُ بِالرِّيحِ وَ الرِّيحُ بِالْهَوَى فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ تَرْجِعَ جَذَبَ الْهَوَى الرِّيحَ وَ جَذَبَ الرِّيحُ الرُّوحَ فَرَجَعَتْ إِلَى الْبَدَنِ وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْبِضَهَا جَذَبَ الْهَوَى الرِّيحَ وَ جَذَبَتِ الرِّيحُ الرُّوحَ فَيَقْبِضُهَا إِلَيْهِ وَ أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يَنْسَى الشَّيْ ءَ ثُمَّ يَذْكُرُهُ فَمَا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ عَلَى رَأْسِ فُؤَادِهِ حُقَّةٌ مَفْتُوحَةُ الرَّأْسِ فَإِذَا سَمِعَ الشَّيْ ءَ وَقَعَ فِيهَا فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُنْسِيَهَا أَطْبَقَ عَلَيْهَا وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَذْكُرَهُ فَتَحَهَا وَ هَذَا دَلِيلُ الْإِلَهِيَّةِ ، وَ أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يَلِدُ لَهُ أَوْلاَدٌ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ الْوَلَدَ يُشْبِهُ أَبَاهُ وَ عُمُومَتَهُ وَ إِذَا سَبَقَتْ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ يُشْبِهُ أُمَّهُ وَ أَخْوَالَهُ فَالْتَفَتَ الرَّجُلُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ لَمْ أَزَلْ أَقُولُهَا وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ لَمْ أَزَلْ أَقُولُهَا وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّ مُحَمَّدٍ وَ خَلِيفَتُهُ فِي أُمَّتِهِ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقّاً حَقّاً وَ أَنَّ الْحَسَنَ الْقَائِمَ بِأَمْرِكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَنَّ الْحُسَيْنَ الْقَائِمَ مِنْ بَعْدِهِ بِأَمْرِهِ وَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ الْقَائِمَ بِأَمْرِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ وَ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى وَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ وَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَ وَصِيَّ الْحَسَنِ بْنَ عَلِيٍّ الْقَائِمَ بِالْقِسْطِ الْمُنْتَظَرَ الَّذِي يَمْلَؤُهَا قِسْطاً وَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً ثُمَّ قَامَ وَ خَرَجَ مِنْ بَابِ اَلْمَسْجِدِ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِلْحَسَنِ : هَذَا أَخِي اَلْخَضِرُ.

قَالَ : فَلَمَّا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قُرَيْشاً بِخَبَرِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَ خَبَرِ اَلْخَضِرِ

وَ مُوسَى وَ خَبَرِ ذِي الْقَرْنَيْنِ قَالُوا قَدْ بَقِيَتْ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ :

مَا هِيَ قَالُوا: مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى «يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّٰاعَةِ أَيّٰانَ مُرْسٰاهٰا قُلْ إِنَّمٰا عِلْمُهٰا عِنْدَ رَبِّي...» إلخ. فهذا كان سبب نزول سورة الكهف و هذه الآية «يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّٰاعَةِ أَيّٰانَ مُرْسٰاهٰا» في سورة الأعراف و كان الواجب أن تكون في هذه السورة

ص: 45

يختلطون «وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنٰاهُمْ جَمْعاً وَ عَرَضْنٰا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكٰافِرِينَ عَرْضاً اَلَّذِينَ كٰانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطٰاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَ كٰانُوا لاٰ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً» قال: كانوا لا ينظرون إلى ما خلق الله من الآيات و السماوات و الأرض و قوله: «أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ » إلى قوله «إِنّٰا أَعْتَدْنٰا جَهَنَّمَ لِلْكٰافِرِينَ نُزُلاً» أي منزلا

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمٰالاً اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً» قَالَ : هُمُ اَلنَّصَارَى

وَ الْقِسِّيسُونَ وَ الرُّهْبَانُ وَ أَهْلُ الشُّبُهَاتِ وَ الْأَهْوَاءِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَ اَلْحَرُورِيَّةُ وَ أَهْلُ الْبِدَعِ . و قال علي بن إبراهيم نزلت في اليهود و جرت في الخوارج «أُولٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيٰاتِ رَبِّهِمْ وَ لِقٰائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ فَلاٰ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَزْناً» قال:

أي حسنة «ذٰلِكَ جَزٰاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمٰا كَفَرُوا وَ اتَّخَذُوا آيٰاتِي وَ رُسُلِي هُزُواً» يعني بالآيات الأوصياء اتخذوها هزوا ثم ذكر المؤمنين بهذه الآيات فقال «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ كٰانَتْ لَهُمْ جَنّٰاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خٰالِدِينَ فِيهٰا لاٰ يَبْغُونَ عَنْهٰا حِوَلاً» أي لا يحولون و لا يسألون التحويل عنها و أما قوله:«قُلْ لَوْ كٰانَ الْبَحْرُ مِدٰاداً لِكَلِمٰاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمٰاتُ رَبِّي وَ لَوْ جِئْنٰا بِمِثْلِهِ مَدَداً»

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ [جَعْفَرٍ] أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [عُبَيْدِ اللَّهِ ] بْنِ مُوسَى عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«خٰالِدِينَ فِيهٰا لاٰ يَبْغُونَ عَنْهٰا حِوَلاً» قَالَ : خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَ لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً قَالَ : لاَ يُرِيدُونَ بِهَا بَدَلاً قُلْتُ قَوْلُهُ «قُلْ لَوْ كٰانَ الْبَحْرُ مِدٰاداً لِكَلِمٰاتِ رَبِّي» إلخ»

قَالَ : قَدْ أُخْبِرُكَ أَنَّ كَلاَمَ اللَّهِ لَيْسَ لَهُ آخَرُ وَ لاَ غَايَةٌ وَ لاَ يَنْقَطِعُ أَبَداً قُلْتُ قَوْلُهُ :

ص: 46

«إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحىٰ إِلَيَّ أَنَّمٰا إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صٰالِحاً وَ لاٰ يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» فَهَذَا الشِّرْكُ شِرْكُ رِيَاءٍ.

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَنْ تَفْسِيرِ قَوْلِ اللَّهِ «فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ ...» إلخ» فَقَالَ : مَنْ صَلَّى مُرَاءَاةَ النَّاسِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَ مَنْ زَكَّى مُرَاءَاةَ النَّاسِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَ مَنْ صَامَ مُرَاءَاةَ النَّاسِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَ مَنْ حَجَّ مُرَاءَاةَ النَّاسِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مُرَاءَاةَ النَّاسِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَ لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ عَمَلَ مُرَاءَاةٍ .

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ [عَبْدِ اللَّهِ ] بْنِ مُوسَى عَنِ اَلْحَسَنِ [بْنِ حَمْزَةَ ] بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ

عَنْ أَبِيهِ وَ اَلْحُسَيْنِ [الْحَسَنِ ] بْنِ أَبِي الْعَلاَءِ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَضَّاحٍ وَ شُعَيْبٍ الْعَقَرْقُوفِيِّ جَمِيعِهِمْ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ » قَالَ : يَعْنِي فِي الْخَلْقِ أَنَّهُ مِثْلُهُمْ مَخْلُوقٌ «يُوحىٰ إِلَيَّ » إِلَى قَوْلِهِ «بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» قَالَ : لاَ يَتَّخِذْ مَعَ وَلاَيَةِ آلِ مُحَمَّدِ وَلاَيَةَ غَيْرِهِمْ وَ وَلاَيَتُهُمُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فَمَنْ أَشْرَكَ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ بِوَلاَيَتِنَا وَ كَفَرَ بِهَا وَ جَحَدَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَقَّهُ وَ وَلاَيَتَهُ قُلْتُ قَوْلُهُ :«اَلَّذِينَ كٰانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطٰاءٍ عَنْ ذِكْرِي» قَالَ : يَعْنِي بِالذِّكْرِ وَلاَيَةَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ قَوْلُهُ «ذِكْرِي» ، قُلْتُ قَوْلُهُ «لاٰ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً» قَالَ : كَانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ إِذَا ذُكِرَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا ذِكْرَهُ لِشِدَّةِ بُغْضٍ لَهُ وَ عَدَاوَةٍ مِنْهُمْ لَهُ وَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ قُلْتُ قَوْلُهُ «أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبٰادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيٰاءَ إِنّٰا أَعْتَدْنٰا جَهَنَّمَ لِلْكٰافِرِينَ نُزُلاً» قَالَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ ): يَعْنِيهِمَا وَ أَشْيَاعَهُمَا الَّذَيْنِ اتَّخَذُوهُمَا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ بِحُبِّهِمْ إِيَّاهُمَا أَنَّهُمَا يُنْجِيَانِهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَ كَانُوا بِحُبِّهِمَا كَافِرِينَ قُلْتُ قَوْلُهُ «إِنّٰا أَعْتَدْنٰا جَهَنَّمَ لِلْكٰافِرِينَ نُزُلاً» أَيْ مَنْزِلاً فَهِيَ لَهُمَا وَ لِأَشْيَاعِهِمَا عَتِيدَةٌ عِنْدَ اللَّهِ ، قُلْتُ قَوْلُهُ :«نُزُلاً» قَالَ : مَأْوَى وَ مَنْزِلاً.

ص: 47

19- سورة مريم مكية و آياتها ثمان و تسعون 98

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ كهيعص»

قَالَ : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ [مُحَمَّدٍ] عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ [عَبْدِ اللَّهِ ]

عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : هَذِهِ «كهيعص»

أَسْمَاءُ اللَّهِ مُقَطَّعَةً وَ أَمَّا قَوْلُهُ «كهيعص» قَالَ اللَّهُ هُوَ الْكَافِي الْهَادِي الْعَالِمُ ذُو الْأَيَادِي الصَّابِرُ عَلَى الْأَعَادِي الصَّادِقُ ذُو الْأَيَادِي الْعِظَامِ وَ هُوَ قَوْلُهُ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى.

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّٰا» يَقُولُ ذَكَرَ رَبُّكَ زَكَرِيَّا فَرَحِمَهُ «إِذْ نٰادىٰ رَبَّهُ نِدٰاءً خَفِيًّا قٰالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي» يَقُولُ الضَّعْفُ «وَ لَمْ أَكُنْ بِدُعٰائِكَ رَبِّ شَقِيًّا» يَقُولُ لَمْ يَكُنْ دُعَائِي خَائِباً عِنْدَكَ «وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوٰالِيَ مِنْ وَرٰائِي» يَقُولُ خِفْتُ الْوَرَثَةَ مِنْ بَعْدِي «وَ كٰانَتِ امْرَأَتِي عٰاقِراً» وَ لَمْ يَكُنْ لِزَكَرِيَّا يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ يَقُومُ مَقَامَهُ وَ يَرِثُهُ وَ كَانَتْ هَدَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ نُذُورُهُمْ لِلْأَحْبَارِ وَ كَانَ زَكَرِيَّا رَئِيسَ الْأَحْبَارِ وَ كَانَتِ امْرَأَةُ زَكَرِيَّا أُخْتَ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ بْنِ مَاثَانَ ، وَ بَنُو مَاثَانَ إِذْ ذَاكَ رُؤَسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ بَنُو مُلُوكِهِمْ وَ هُمْ مِنْ وُلْدِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَقَالَ زَكَرِيَّا «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا يٰا زَكَرِيّٰا إِنّٰا نُبَشِّرُكَ بِغُلاٰمٍ اسْمُهُ يَحْيىٰ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا» يَقُولُ لَمْ يُسَمَّ بِاسْمِ يَحْيَى أَحَدٌ قَبْلَهُ «قٰالَ رَبِّ أَنّٰى يَكُونُ لِي غُلاٰمٌ وَ كٰانَتِ امْرَأَتِي عٰاقِراً وَ قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا» فَهُوَ الْيَئُوسُ «قٰالَ كَذٰلِكَ قٰالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً قٰالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قٰالَ آيَتُكَ أَلاّٰ تُكَلِّمَ النّٰاسَ ثَلاٰثَ لَيٰالٍ سَوِيًّا» صَحِيحاً مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ .

وَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : ثُمَّ قَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خَبَرَ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ فَقَالَ :

ص: 48

النَّخْلَةِ الْيَابِسَةِ «فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجٰاباً» قَالَ فِي مِحْرَابِهَا «فَأَرْسَلْنٰا إِلَيْهٰا رُوحَنٰا»

يَعْنِي جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «فَتَمَثَّلَ لَهٰا بَشَراً سَوِيًّا قٰالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمٰنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا» يَعْنِي إِنْ كُنْتَ مَنْ يَتَّقِي اللَّهَ «قٰالَ » لَهَا جَبْرَئِيلُ «إِنَّمٰا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاٰماً زَكِيًّا» فَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَادَةِ أَنْ تَحْمِلَ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ فَقَالَتْ «أَنّٰى يَكُونُ لِي غُلاٰمٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا» وَ لَمْ يَعْلَمْ جَبْرَئِيلُ أَيْضاً كَيْفِيَّةَ الْقُدْرَةِ فَقَالَ لَهَا «كَذٰلِكِ قٰالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَ لِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّٰاسِ وَ رَحْمَةً مِنّٰا وَ كٰانَ أَمْراً مَقْضِيًّا»

قَالَ فَنَفَخَ فِي جَيْبِهَا فَحَمَلَتْ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِاللَّيْلِ فَوَضَعَتْهُ بِالْغَدَاةِ وَ كَانَ حَمْلُهَا تِسْعَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ جَعَلَ اللَّهُ لَهَا الشُّهُورَ سَاعَاتٍ ثُمَّ نَادَاهَا جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ » أَيْ هُزِّي النَّخْلَةَ الْيَابِسَةَ فَهَزَّتْ ، وَ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُوقٌ فَاسْتَقْبَلَهَا الْحَاكَةُ وَ كَانَتِ الْحِيَاكَةُ أَنْبَلَ صِنَاعَةٍ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَأَقْبَلُوا عَلَى بِغَالٍ شُهْبٍ فَقَالَتْ لَهُمْ مَرْيَمُ أَيْنَ النَّخْلَةُ الْيَابِسَةُ فَاسَتَهْزَءُوا بِهَا وَ زَجَرُوهَا فَقَالَتْ لَهُمْ جَعَلَ اللَّهُ كَسْبَكُمْ بَوْراً وَ جَعَلَكُمْ فِي النَّاسِ عَاراً ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا قَوْمٌ مِنَ التُّجَّارِ فَدَلُّوهَا عَلَى النَّخْلَةِ الْيَابِسَةِ فَقَالَتْ لَهُمْ مَرْيَمُ جَعَلَ اللَّهُ الْبَرَكَةَ فِي كَسْبِكُمْ وَ أَحْوَجَ النَّاسَ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا بَلَغَتِ النَّخْلَةَ أَخَذَهَا الْمَخَاضُ فَوَضَعَتْ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهِ «قٰالَتْ يٰا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هٰذٰا وَ كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا» مَا ذَا أَقُولُ لِخَالِي وَ مَا ذَا أَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ

«فَنٰادٰاهٰا» عِيسَى «مِنْ تَحْتِهٰا أَلاّٰ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا» أَيْ نَهَراً «وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ » أَيْ حَرِّكِي النَّخْلَةَ «تُسٰاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا» أَيْ طَيِّباً وَ كَانَتِ النَّخْلَةُ قَدْ يَبِسَتْ مُنْذُ دَهْرٍ طَوِيلٍ ، فَمَدَّتْ يَدَهَا إِلَى النَّخْلَةِ فَأَوْرَقَتْ وَ أَثْمَرَتْ وَ سَقَطَ عَلَيْهَا الرُّطَبُ الطَّرِيُّ فَطَابَتْ نَفْسُهَا فَقَالَ لَهَا عِيسَى قَمِّطِينِي وَ سَوِّينِي ثُمَّ افْعَلِي كَذَا وَ كَذَا فَقَمَّطَتْهُ وَ سَوَّتْهُ وَ قَالَ لَهَا عِيسَى «فَكُلِي وَ اشْرَبِي وَ قَرِّي عَيْناً فَإِمّٰا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمٰنِ صَوْماً» وَ صَمْتاً كَذَا نَزَلَتْ «فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا» .

ص: 49

زَكَرِيَّا فَأَقْبَلَتْ وَ هُوَ فِي صَدْرِهَا وَ أَقْبَلْنَ مُؤْمِنَاتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَبْزُقْنَ فِي وَجْهِهَا فَلَمْ تُكَلِّمْهُنَّ حَتَّى دَخَلَتْ فِي مِحْرَابِهَا فَجَاءَ إِلَيْهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ وَ زَكَرِيَّا فَقَالُوا لَهَا «يٰا مَرْيَمُ

لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا» أَيْ عَظِيماً مِنَ الْمَنَاهِي «يٰا أُخْتَ هٰارُونَ مٰا كٰانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَ مٰا كٰانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا»

وَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ : يَا أُخْتَ هَارُونَ أَنَّ هَارُونَ كَانَ رَجُلاً فَاسِقاً زَانِياً فَشَبَّهُوهَا بِهِ مِنْ أَيْنَ هَذَا الْبَلاَءُ الَّذِي جِئْتِ بِهِ وَ الْعَارُ الَّذِي أَلْزَمْتِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَأَشَارَتْ إِلَى عِيسَى فِي الْمَهْدِ فَقَالُوا لَهَا «كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كٰانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا» فَأَنْطَقَ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ :«إِنِّي عَبْدُ اللّٰهِ آتٰانِيَ الْكِتٰابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا» إِلَى قَوْلِهِ «ذٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ » أَيْ يُخَاصِمُونَ .

فَقَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

: فِي قَوْلِهِ «وَ أَوْصٰانِي بِالصَّلاٰةِ وَ الزَّكٰاةِ » قَالَ زَكَاةُ الرُّءُوسِ لِأَنَّ كُلَّ النَّاسِ لَيْسَ لَهُمْ أَمْوَالٌ وَ إِنَّمَا الْفِطْرَةُ عَلَى الْفَقِيرِ وَ الْغَنِيِّ وَ الصَّغِيرِ وَ الْكَبِيرِ.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ صَلَوَاتُ الَّلهُ عَلَيهِ : فِي قَوْلِهِ «وَ جَعَلَنِي مُبٰارَكاً أَيْنَ مٰا كُنْتُ » قَالَ نَفَّاعاً.

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ وَ هُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي وَلاَّدٍ الْحَنَّاطِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ «وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ » قَالَ :

يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا صَارَ أَهْلُ اَلْجَنَّةِ فِي اَلْجَنَّةِ وَ أَهْلُ اَلنَّارِ فِي اَلنَّارِ

يَا أَهْلَ اَلْجَنَّةِ وَ يَا أَهْلَ اَلنَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ الْمَوْتَ فِي صُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ فَيَقُولُونَ لاَ فَيُؤْتَى بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُوقَفُ بَيْنَ اَلْجَنَّةِ وَ اَلنَّارِ ثُمَّ يُنَادَوْنَ جَمِيعاً أَشْرِفُوا وَ انْظُرُوا إِلَى الْمَوْتِ فَيُشْرِفُونَ ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ فَيُذْبَحُ ثُمَّ يُقَالُ يَا أَهْلَ اَلْجَنَّةِ

خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ أَبَداً يَا أَهْلَ اَلنَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ أَبَداً. و هو قوله «وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ » أي قضي على أهل الجنة بالخلود و على أهل

ص: 50

النار بالخلود فيها و

قوله «إِنّٰا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَيْهٰا» قال كل شيء خلقه الله يرثه الله يوم القيامة ثم قص عز و جل قصة إبراهيم عليه السّلام فقال:«يٰا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مٰا لاٰ يَسْمَعُ وَ لاٰ يُبْصِرُ وَ لاٰ يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً» إلى قوله «عَسىٰ أَلاّٰ أَكُونَ بِدُعٰاءِ رَبِّي شَقِيًّا فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ » يعني إبراهيم عليه السّلام «وَ مٰا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ كُلاًّ جَعَلْنٰا نَبِيًّا وَ وَهَبْنٰا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنٰا» يعني لإبراهيم و إسحاق

و يعقوب من رحمتنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

«وَ جَعَلْنٰا لَهُمْ لِسٰانَ صِدْقٍ عَلِيًّا» يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبِي عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ . ثم ذكر موسى ثم ذكر إسماعيل عليه السّلام فقال:«وَ اذْكُرْ فِي الْكِتٰابِ إِسْمٰاعِيلَ إِنَّهُ كٰانَ صٰادِقَ الْوَعْدِ» قال: وعد وعدا فانتظر صاحبه سنة و هو إسماعيل بن حزقيل عليه السّلام.

و قوله:«وَ اذْكُرْ فِي الْكِتٰابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كٰانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا وَ رَفَعْنٰاهُ مَكٰاناً عَلِيًّا»

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ :

ص: 51

الرَّابِعَةِ وَ الْخَامِسَةِ وَ هُوَ قَوْلُهُ «وَ رَفَعْنٰاهُ مَكٰاناً عَلِيًّا» قَالَ : وَ سُمِّيَ إِدْرِيسَ لِكَثْرَةِ دِرَاسَتِهِ الْكُتُبَ .

و قوله «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ » و هو الدني [الردي] و الدليل على ذلك قوله «أَضٰاعُوا الصَّلاٰةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَوٰاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا»

ثم استثنى عز و جل فقال:«إِلاّٰ مَنْ تٰابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صٰالِحاً» إلى قوله «لاٰ يَسْمَعُونَ فِيهٰا» يعني في الجنة «لَغْواً إِلاّٰ سَلاٰماً وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهٰا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا»

قال ذلك في جنات الدنيا قبل القيامة و الدليل على ذلك قوله:«بُكْرَةً وَ عَشِيًّا» فالبكرة و العشي لا تكون في الآخرة في جنات الخلد و إنما يكون الغدو و العشي في جنات الدنيا التي تنتقل إليها أرواح المؤمنين و تطلع فيها الشمس و القمر.

و قوله عز و جل يحكي قول الدهرية الذين أنكروا البعث فقال:«وَ يَقُولُ الْإِنْسٰانُ أَ إِذٰا مٰا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَ وَ لاٰ يَذْكُرُ الْإِنْسٰانُ أَنّٰا خَلَقْنٰاهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً» أي لم يكن ثم ذكره و قوله «وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّٰ وٰارِدُهٰا كٰانَ عَلىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظّٰالِمِينَ فِيهٰا جِثِيًّا» يعني في البحار إذا تحولت نيرانا يوم القيامة

وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنىٰ أُولٰئِكَ عَنْهٰا مُبْعَدُونَ » .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ [أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ] بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلاَءِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّٰ وٰارِدُهٰا» قَالَ : أَ مَا تَسْمَعُ الرَّجُلَ يَقُولُ وَرَدْنَا مَاءَ بَنِي فُلاَنٍ فَهُوَ الْوُرُودُ وَ لَمْ يَدْخُلْهُ . و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ كَمْ أَهْلَكْنٰا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثٰاثاً وَ رِءْياً» قال: عنى به الثياب و الأكل و الشرب

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : الْأَثَاثُ الْمَتَاعُ وَ أَمَّا «رِءْياً» فَالْجَمَالُ وَ الْمَنْظَرُ الْحَسَنُ . و قال علي بن إبراهيم في قوله «حَتّٰى إِذٰا رَأَوْا مٰا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذٰابَ وَ إِمَّا السّٰاعَةَ » قال العذاب القتل و الساعة الموت و قوله:

«وَ يَزِيدُ اللّٰهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً » رد على من زعم أن الإيمان لا يزيد و لا ينقص

ص: 52

وَ قَوْلُهُ :«وَ الْبٰاقِيٰاتُ الصّٰالِحٰاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوٰاباً وَ خَيْرٌ مَرَدًّا» قَالَ : الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ هُوَ قَوْلُ الْمُؤْمِنِ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ اللَّهُ أَكْبَرُ.

وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ دَخَلْتُ اَلْجَنَّةَ فَرَأَيْتُهَا قيعان [قِيعَاناً] يقق [يَقَقاً](1) وَ رَأَيْتُ فِيهَا مَلاَئِكَةً يَبْنُونَ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَ لَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ وَ رُبَّمَا أَمْسَكُوا فَقُلْتُ لَهُمْ مَا لَكُمْ رُبَّمَا بَنَيْتُمْ وَ رُبَّمَا أَمْسَكْتُمْ فَقَالُوا: حَتَّى تَجِيئَنَا النَّفَقَةُ قُلْتُ لَهُمْ وَ مَا نَفَقَتُكُمْ فَقَالُوا قَوْلُ الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا: (سُبْحَانَ اللَّهِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ اللَّهُ أَكْبَرُ) فَإِذَا قَالَ بَنَيْنَا وَ إِذَا أَمْسَكَ أَمْسَكْنَا. و قوله «أَ لَمْ تَرَ أَنّٰا أَرْسَلْنَا الشَّيٰاطِينَ عَلَى اَلْكٰافِرِينَ

تَؤُزُّهُمْ أَزًّا» قال: نزلت في مانعي الخمس و الزكاة و المعروف يبعث الله عليهم سلطانا أو شيطانا فينفق ما يجب عليه من الزكاة و الخمس في غير طاعة الله و يعذبه الله على ذلك و قوله «فَلاٰ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمٰا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا» فقال لي ما هو عندك قلت: عدد الأيام، قال: لا إن الآباء و الأمهات ليحصون ذلك و لكن عدد الأنفاس و أما قوله «يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمٰنِ وَفْداً وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلىٰ جَهَنَّمَ

وِرْداً»

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَنْ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ «يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمٰنِ وَفْداً» قَالَ : يَا عَلِيُّ إِنَّ الْوَفْدَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ رُكْبَاناً أُولَئِكَ رِجَالٌ اتَّقَوُا اللَّهَ فَأَحَبَّهُمُ اللَّهُ وَ اخْتَصَّهُمْ وَ رَضِيَ أَعْمَالَهُمْ فَسَمَّاهُمُ اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ثُمَّ قَالَ :

يَا عَلِيُّ أَمَا وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُمْ لَيَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ وَ بَيَاضُ وُجُوهِهِمْ كَبَيَاضِ الثَّلْجِ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بَيَاضُهَا كَبَيَاضِ اللَّبَنِ عَلَيْهِمْ نِعَالُ الذَّهَبِ شِرَاكُهَا مِنْ لُؤْلُؤٍ يَتَلَأْلَأُ.

ص: 53


1- قِيعَانٌ جَمْعُ قَاعٍ أَرْضٌ سَهْلَةٌ . يَقِقٌ مُحَرَّكَةً كَكَتِفٍ شَدِيدُ الْبَيَاضِ ج. ز.

الْأُرْجُوَانِ (1) وَ أَزِمَّتُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ فَتَطِيرُ بِهِمْ إِلَى الْمَحْشَرِ، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَلْفُ مَلَكٍ مِنْ قُدَّامِهِ وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ يَزُفُّونَهُمْ زَفّاً حَتَّى يَنْتَهُوا بِهِمْ إِلَى بَابِ اَلْجَنَّةِ الْأَعْظَمِ وَ عَلَى بَابِ اَلْجَنَّةِ شَجَرَةٌ ، الْوَرَقَةُ مِنْهَا يَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا مِائَةُ أَلْفٍ مِنَ النَّاسِ وَ عَنْ يَمِينِ الشَّجَرَةِ عَيْنٌ مُطَهِّرَةٌ مُزَكِّيَةٌ فَيُسْقَوْنَ مِنْهَا شَرْبَةً فَيُطَهِّرُ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ مِنَ الْحَسَدِ وَ يُسْقِطُ عَنْ أَبْشَارِهِمُ الشَّعْرَ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ :«وَ سَقٰاهُمْ رَبُّهُمْ شَرٰاباً طَهُوراً» مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ الْمُطَهِّرَةِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى عَيْنٍ أُخْرَى عَنْ يَسَارِ الشَّجَرَةِ فَيَغْتَسِلُونَ مِنْهَا وَ هِيَ عَيْنُ الْحَيَاةِ فَلاَ يَمُوتُونَ أَبَداً ثُمَّ يُوقَفُ بِهِمْ قُدَّامَ اَلْعَرْشِ وَ قَدْ سَلِمُوا مِنَ الْآفَاتِ وَ الْأَسْقَامِ وَ الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ أَبَداً، قَالَ : فَيَقُولُ الْجَبَّارُ لِلْمَلاَئِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمُ احْشُرُوا أَوْلِيَائِي إِلَى اَلْجَنَّةِ وَ لاَ تَقِفُوهُمْ مَعَ الْخَلاَئِقِ فَقَدْ سَبَقَ رِضَائِي عَنْهُمْ وَ وَجَبَتْ رَحْمَتِي لَهُمْ فَكَيْفَ أُرِيدُ أَنْ أُوقِفَهُمْ مَعَ أَصْحَابِ الْحَسَنَاتِ وَ السَّيِّئَاتِ فَتَسُوقُهُمُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى اَلْجَنَّةِ فَإِذَا انْتَهَوْا إِلَى بَابِ اَلْجَنَّةِ الْأَعْظَمِ ضَرَبُوا الْمَلاَئِكَةُ الْحَلْقَةَ ضَرْبَةً فَتَصِرُّ صَرِيراً فَيَبْلُغُ صَوْتُ صَرِيرِهَا كُلَّ حَوْرَاءَ خَلَقَهَا اللَّهُ وَ أَعَدَّهَا لِأَوْلِيَائِهِ فَيَتَبَاشَرْنَ إِذَا سَمِعْنَ صَرِيرَ الْحَلَقَةِ وَ يَقُولُ بَعْضُهُنَّ لِبَعْضٍ قَدْ جَاءَنَا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَيُفْتَحُ لَهُمُ الْبَابُ فَيَدْخُلُونَ اَلْجَنَّةَ فَيُشْرِفُ عَلَيْهِمْ أَزْوَاجُهُمْ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَ الْآدَمِيِّينَ فَيَقُلْنَ مَرْحَباً بِكُمْ فَمَا كَانَ أَشَدَّ شَوْقَنَا إِلَيْكُمْ ، وَ يَقُولُ لَهُنَّ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : مَنْ هَؤُلاَءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : يَا عَلِيُّ هَؤُلاَءِ شِيعَتُكَ

وَ شِيعَتُنَا الْمُخْلِصُونَ [لِوَلاَيَتِكَ ] وَ أَنْتَ إِمَامُهُمْ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ :«يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمٰنِ وَفْداً وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً» .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

ص: 54


1- الْجُدُلُ : كَصُحُفٍ جَمْعُ الْجَدِيلِ وَ هُوَ الْحَبْلُ الْمَفْتُولُ ، وَ الْأُرْجُوَانُ : شَجَرَةٌ طَيِّبَةُ الرَّائِحَةِ زَهْرُهَا وَرْدِيٌّ تَظْهَرُ فِي مَطْلَعِ الرَّبِيعِ . ج. ز.

بْنَ وَائِلِ بْنِ هِشَامٍ الْقُرَشِيَّ ثُمَّ السَّهْمِيَّ وَ هُوَ أَحَدُ الْمُسْتَهْزِءِينَ وَ كَانَ لِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ عَلَى اَلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ حَقٌّ فَأَتَاهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ لَهُ اَلْعَاصُ : أَ لَسْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ فِي اَلْجَنَّةِ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ الْحَرِيرَ قَالَ بَلَى قَالَ فَمَوْعِدُ مَا بَيْنِي وَ بَيْنَكَ اَلْجَنَّةُ فَوَ اللَّهِ لَأُوتَيَنَّ فِيهَا خَيْراً مِمَّا أُوتِيتُ فِي الدُّنْيَا «كَلاّٰ سَيَكْفُرُونَ بِعِبٰادَتِهِمْ وَ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا» الضِّدُّ الْقَرِينُ الَّذِي يَقْتَرِنُ بِهِ .

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ [عَبْدُ اللَّهِ ] بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :

«وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلاّٰ سَيَكْفُرُونَ بِعِبٰادَتِهِمْ وَ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا» يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْ يَكُونُونَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُمْ آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ضِدّاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ يَتَبَرَّءُونَ مِنْهُمْ وَ مِنْ عِبَادَتِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ قَالَ :

لَيْسَتِ الْعِبَادَةُ هِيَ السُّجُودَ وَ لاَ الرُّكُوعَ وَ إِنَّمَا هِيَ طَاعَةُ الرِّجَالِ ، مَنْ أَطَاعَ مَخْلُوقاً فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ فَقَدْ عَبَدَهُ . و قوله «أَنّٰا أَرْسَلْنَا الشَّيٰاطِينَ عَلَى اَلْكٰافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا»

قال: لما طغوا فيها و في فتنتها و في طاعتهم مد لهم في طغيانهم و ضلالهم أرسل عليهم شياطين الإنس و الجن «تَؤُزُّهُمْ أَزًّا» أي تنخسهم نخسا(1) و تحضهم على طاعتهم و عبادتهم فقال الله:«فَلاٰ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمٰا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا» أي في طغيانهم و فتنهم و كفرهم.

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«لاٰ يَمْلِكُونَ الشَّفٰاعَةَ إِلاّٰ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمٰنِ عَهْداً»

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ

ص: 55


1- نخس الدابة أي غرز جنبها بعود و نحوه فهاجت. ج. ز.

الْمَيِّتُ عِنْدَ الْمَوْتِ قَالَ : إِذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَ اجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ قَالَ :«اَللّٰهُمَّ فٰاطِرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ عٰالِمَ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ » الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ إِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ فِي دَارِ الدُّنْيَا أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَ رَسُولُكَ وَ أَنَّ اَلْجَنَّةَ حَقٌّ وَ أَنَّ اَلنَّارَ حَقٌّ وَ أَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ وَ الْحِسَابَ حَقٌّ وَ الْقَدَرَ وَ الْمِيزَانَ حَقٌّ وَ أَنَّ الدِّينَ كَمَا وَصَفْتَ وَ أَنَّ اَلْإِسْلاَمَ كَمَا شَرَعْتَ وَ أَنَّ الْقَوْلَ كَمَا حَدَّثْتَ وَ أَنَّ اَلْقُرْآنَ كَمَا أَنْزَلْتَ وَ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ جَزَى اللَّهُ مُحَمَّداً خَيْرَ الْجَزَاءِ وَ حي [حَيَّا] اللَّهُ مُحَمَّداً وَ آلَهُ بِالسَّلاَمِ اللَّهُمَّ يَا عُدَّتِي عِنْدَ كُرْبَتِي وَ يَا صَاحِبِي عِنْدَ شِدَّتِي وَ يَا وَلِيِّي فِي نِعْمَتِي يَا إِلَهِي وَ إِلَهَ آبَائِي لاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ فَإِنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي كُنْتُ أَقْرَبَ مِنَ الشَّرِّ وَ أَبْعَدَ مِنَ الْخَيْرِ وَ أَسْرَى فِي الْفِتَنِ وَحْدِي فَآنِسْ فِي الْقَبْرِ وَحْشَتِي وَ اجْعَلْ لِي عَهْداً يَوْمَ أَلْقَاكَ مَنْشُوراً ثُمَّ يُوصِي بِحَاجَتِهِ وَ تَصْدِيقُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ فِي قَوْلِهِ «لاٰ يَمْلِكُونَ الشَّفٰاعَةَ إِلاّٰ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمٰنِ عَهْداً» فَهَذَا عَهْدُ الْمَيِّتِ وَ الْوَصِيَّةُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَحْفَظَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ وَ يَتَعَلَّمَهَا وَ قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : عَلَّمَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَالَ : عَلَّمَنِيهَا جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

و قوله: «لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا» أي ظلما و أما قوله: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمٰنُ وُدًّا»

فَإِنَّهُ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : كَانَ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ جَالِساً بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لَهُ قُلْ يَا عَلِيُّ «اَللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وُدّاً فَأَنْزَلَ اللَّهُ :«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمٰنُ وُدًّا» . ثم خاطب الله عز و جل نبيه فقال:«فَإِنَّمٰا يَسَّرْنٰاهُ بِلِسٰانِكَ » يعني القرآن «لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا» قال أصحاب الكلام و الخصومة ثم ذكر الفرق الهالكة فقال:«وَ كَمْ أَهْلَكْنٰا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً» أي حسا.

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ [عَبْدِ اللَّهِ ] بْنِ مُوسَى عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ

ص: 56

أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«لاٰ يَمْلِكُونَ الشَّفٰاعَةَ إِلاّٰ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمٰنِ عَهْداً» قَالَ لاَ يَشْفَعُ وَ لاَ يُشَفَّعُ لَهُمْ وَ لاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ بِوَلاَيَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ

مِنْ بَعْدِهِ فَهُوَ الْعَهْدُ عِنْدَ اللَّهِ قُلْتُ قَوْلُهُ «وَ قٰالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمٰنُ وَلَداً»

قَالَ : هَذَا حَيْثُ قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ لِلَّهِ وَلَداً وَ إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ إِنَاثٌ ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى رَدّاً عَلَيْهِمْ «لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا» أَيْ عَظِيماً «تَكٰادُ السَّمٰاوٰاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ » يَعْنِي مِمَّا قَالُوهُ وَ مِمَّا مَوَّهُوا بِهِ [رَمَوْهُ بِهِ ]«وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبٰالُ هَدًّا» مِمَّا قَالُوا «أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمٰنِ وَلَداً» فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى «وَ مٰا يَنْبَغِي لِلرَّحْمٰنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ إِلاّٰ آتِي الرَّحْمٰنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصٰاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ فَرْداً» وَاحِداً وَاحِداً، قُلْتُ قَوْلُهُ «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمٰنُ وُدًّا» قَالَ : وَلاَيَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هِيَ الْوُدُّ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ ، قُلْتُ قَوْلُهُ «فَإِنَّمٰا يَسَّرْنٰاهُ بِلِسٰانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا» قَالَ إِنَّمَا يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَتَّى أَقَامَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَماً فَبَشَّرَ بِهِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ أَنْذَرَ بِهِ اَلْكَافِرِينَ وَ هُمُ الْقَوْمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ «قَوْماً لُدًّا» أَيْ كُفَّاراً، قُلْتُ قَوْلُهُ «وَ كَمْ أَهْلَكْنٰا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً» قَالَ أَهْلَكَ اللَّهُ مِنَ الْأُمَمِ مَا لاَ يُحْصُونَ لَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ «هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً» أَيْ ذِكْراً.

20- سورة طه مكية و آياتها مائة و خمس و ثلاثون 35

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ طه مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لِتَشْقىٰ »

ص: 57

قَالاَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِذَا صَلَّى قَامَ عَلَى أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ حَتَّى تَوَرَّمَتْ [تَبَرَّمَ ] فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى «طه» بِلُغَةِ طَيٍّ يَا مُحَمَّدُ «مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ

لِتَشْقىٰ إِلاّٰ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشىٰ » .

و قوله:«لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا وَ مٰا تَحْتَ الثَّرىٰ »

ص: 58

أَيِّ شَيْ ءٍ هُوَ قَالَ عَلَى الثَّرَى، قِيلَ لَهُ فَالثَّرَى عَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ هُوَ قَالَ : عِنْدَ ذَلِكَ انْقَضَى عِلْمُ الْعُلَمَاءِ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَارِدٍ: أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ اسْمُهُ «اَلرَّحْمٰنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اسْتَوىٰ » قَالَ اسْتَوَى مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ فَلَيْسَ شَيْ ءٌ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ شَيْ ءٍ.

وَ عَنْهُ عَنْ سَهْلٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنِ الْأَرْضِ عَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ هِيَ قَالَ : عَلَى الْحُوتِ قُلْتُ فَالْحُوتُ عَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ هُوَ قَالَ : عَلَى الْمَاءِ قُلْتُ فَالْمَاءُ عَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ هُوَ قَالَ عَلَى الصَّخْرَةِ قُلْتُ فَعَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ الصَّخْرَةُ قَالَ عَلَى قَرْنِ ثَوْرٍ أَمْلَسَ قُلْتُ فَعَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ الثَّوْرُ قَالَ عَلَى الثَّرَى قُلْتُ فَعَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ الثَّرَى فَقَالَ هَيْهَاتَ عِنْدَ ذَلِكَ ضَلَّ عِلْمُ الْعُلَمَاءِ.

ص: 59

القصص و قوله «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ » قال: كانتا من جلد حمار ميت «أَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمٰا يُوحىٰ إِنَّنِي أَنَا اللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ الصَّلاٰةَ لِذِكْرِي» قال: إذا نسيتها ثم ذكرتها فصلها

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «آتِيكُمْ مِنْهٰا بِقَبَسٍ » يَقُولُ آتِيكُمْ بِقَبَسٍ مِنَ النَّارِ تَصْطَلُونَ مِنَ الْبَرْدِ. و قوله «أَوْ أَجِدُ عَلَى النّٰارِ هُدىً » كان قد أخطأ الطريق يقول أو أجد على النار طريقا و قوله «أَهُشُّ بِهٰا عَلىٰ غَنَمِي» يقول أخبط بها الشجر لغنمي «وَ لِيَ فِيهٰا مَآرِبُ أُخْرىٰ »

فمن الفرق لم يستطع الكلام فجمع كلامه فقال «وَ لِيَ فِيهٰا مَآرِبُ أُخْرىٰ » يقول حوائج أخرى

قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : فِي قَوْلِهِ «إِنَّ السّٰاعَةَ آتِيَةٌ أَكٰادُ أُخْفِيهٰا» قَالَ مِنْ نَفْسِي هَكَذَا نَزَلَتْ قِيلَ كَيْفَ يُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِهِ قَالَ جَعَلَهَا مِنْ غَيْرِ وَقْتٍ .

و قوله «وَ فَتَنّٰاكَ فُتُوناً» أي اختبرناك اختبارا «فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ » يعني عند شعيب و قوله «اِصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي» أي اخترتك «اِذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوكَ بِآيٰاتِي وَ لاٰ تَنِيٰا فِي ذِكْرِي» أي لا تضعفا «اِذْهَبٰا إِلىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغىٰ فَقُولاٰ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشىٰ » و قد ذهب بعض المعتزلة في قوله:«لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشىٰ » أنه لم يعلم عز و جل أن فرعون لا يتذكر و لا يخشى و قد ضلوا في تأويلهم و اعلم أن الله قال لموسى عليه السّلام حين أرسله إلى فرعون ائتياه «فَقُولاٰ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشىٰ » و قد علم أنه لا يتذكر و لا يخشى و لكن ليكون أحرص لموسى

على الذهاب و آكد في الحجة على فرعون.

وَ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ

ص: 60

عَلَى مَا قُلْتَ ثُمَّ اسْتَثْنَيْتَ فَمَا أَرَدْتَ بِذَلِكَ فَقَالَ : إِنَّ الْحَرْبَ خَدِيعَةٌ وَ أَنَا عِنْدَ أَصْحَابِي صَدُوقٌ فَأَرَدْتُ أَنْ أَطْمَعَ أَصْحَابِي فِي قَوْلِي كَيْ لاَ يَفْشَلُوا وَ لاَ يَفِرُّوا فَافْهَمْ فَإِنَّكَ تَنْتَفِعُ بِهَا بَعْدَ الْيَوْمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .

و أما قوله «إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِأُولِي النُّهىٰ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِأُولِي النُّهىٰ » قَالَ : نَحْنُ وَ اللَّهِ أُولُو النُّهَى فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا مَعْنَى أُولِي النُّهَى قَالَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مِمَّا يَكُونُ بَعْدَهُ مِنِ ادِّعَاءِ فُلاَنٍ الْخِلاَفَةَ وَ الْقِيَامِ بِهَا وَ الْآخَرِ مِنْ بَعْدِهِ وَ الثَّالِثِ مِنْ بَعْدِهِمَا وَ بَنِي أُمَيَّةَ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

وَ كَانَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ وَ كَمَا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيّاً وَ كَمَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ عَلِيٍّ فِيمَا يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ مِنَ الْمُلْكِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ وَ غَيْرِهِمْ فَهَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي اَلْكِتَابِ :«إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِأُولِي النُّهىٰ » الَّذِي انْتَهَى إِلَيْنَا عِلْمُ هَذَا كُلِّهِ فَصَبَرْنَا لِأَمْرِ اللَّهِ فَنَحْنُ قُوَّامُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَ خُزَّانُهُ عَلَى دِينِهِ نَخْزُنُهُ وَ نُسِرُّهُ وَ نَكْتَتِمُ بِهِ مِنْ عَدُوِّنَا كَمَا اكْتَتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِي الْهِجْرَةِ وَ جَاهَدَ اَلْمُشْرِكِينَ

فَنَحْنُ عَلَى مِنْهَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ لَنَا فِي إِظْهَارِ دِينِهِ بِالسَّيْفِ وَ نَدْعُو النَّاسَ إِلَيْهِ فَنَضْرِبُهُمْ عَلَيْهِ عَوْداً كَمَا ضَرَبَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَدْءاً .

قوله:

«وَ إِنِّي لَغَفّٰارٌ لِمَنْ تٰابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صٰالِحاً ثُمَّ اهْتَدىٰ » قال: إلى الولاية

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [الْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ] عَنِ اَلسِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبَانٍ عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ :«وَ إِنِّي لَغَفّٰارٌ لِمَنْ تٰابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صٰالِحاً ثُمَّ اهْتَدىٰ » قَالَ أَ لاَ تَرَى كَيْفَ اشْتَرَطَ وَ لَمْ يَنْفَعْهُ التَّوْبَةُ وَ الْإِيمَانُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ حَتَّى اهْتَدَى وَ اللَّهِ لَوْ جَهَدَ أَنْ يَعْمَلَ بِعَمَلٍ مَا قُبِلَ مِنْهُ حَتَّى يَهْتَدِيَ ، قُلْتُ إِلَى مَنْ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ قَالَ إِلَيْنَا.،

ص: 61

الْمِيقَاتِ وَ خَلَّفَ هَارُونَ عَلَى قَوْمِهِ فَلَمَّا جَاءَتِ الثَّلاَثُونَ يَوْماً وَ لَمْ يَرْجِعْ مُوسَى إِلَيْهِمْ غَضِبُوا وَ أَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُوا هَارُونَ ، قَالُوا: إِنَّ مُوسَى كَذَبَنَا وَ هَرَبَ مِنَّا فَجَاءَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ فَقَالَ لَهُمْ : إِنَّ مُوسَى قَدْ هَرَبَ مِنْكُمْ وَ لاَ يَرْجِعُ إِلَيْكُمْ أَبَداً فَاجْمَعُوا لِي حُلِيَّكُمْ حَتَّى أَتَّخِذَ لَكُمْ إِلَهاً تَعْبُدُونَهُ وَ كَانَ اَلسَّامِرِيُّ عَلَى مُقَدِّمَةِ مُوسَى

يَوْمَ أَغْرَقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَ أَصْحَابَهُ فَنَظَرَ إِلَى جَبْرَئِيلَ وَ كَانَ عَلَى حَيَوَانٍ فِي صُورَةِ رَمَكَةٍ (1) فَكَانَتْ كُلَّمَا وَضَعَتْ حَافِرَهَا عَلَى مَوْضِعٍ مِنَ الْأَرْضِ تَحَرَّكَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ اَلسَّامِرِيُّ وَ كَانَ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِ مُوسَى فَأَخَذَ التُّرَابَ مِنْ تَحْتِ حَافِرِ رَمَكَةِ جَبْرَئِيلَ وَ كَانَ يَتَحَرَّكُ فَصَرَّهُ فِي صُرَّةٍ وَ كَانَ عِنْدَهُ يَفْتَخِرُ بِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ

فَلَمَّا جَاءَهُمْ إِبْلِيسُ وَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ قَالَ لِلسَّامِرِيِّ هَاتِ التُّرَابَ الَّذِي مَعَكَ فَجَاءَ بِهِ اَلسَّامِرِيُّ فَأَلْقَاهُ إِبْلِيسُ فِي جَوْفِ الْعِجْلِ فَلَمَّا وَقَعَ التُّرَابُ فِي جَوْفِهِ تَحَرَّكَ وَ خَارَ وَ نَبَتَ عَلَيْهِ الْوَبَرُ وَ الشَّعْرُ، فَسَجَدَ لَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ سَجَدُوا سَبْعِينَ أَلْفاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ كَمَا حَكَى اللَّهُ «يٰا قَوْمِ إِنَّمٰا فُتِنْتُمْ بِهِ وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي قٰالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عٰاكِفِينَ حَتّٰى يَرْجِعَ إِلَيْنٰا مُوسىٰ » فَهَمُّوا بِهَارُونَ حَتَّى هَرَبَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَ بَقُوا فِي ذَلِكَ حَتَّى تَمَّ مِيقَاتُ مُوسَى

«أَرْبَعِينَ لَيْلَةً » ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَشَرَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ اَلْأَلْوَاحَ فِيهَا اَلتَّوْرَاةُ

وَ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ السِّيَرِ وَ الْقِصَصِ ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: إِنَّا «قَدْ فَتَنّٰا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ اَلسّٰامِرِيُّ » وَ عَبَدُوا الْعِجْلَ وَ «لَهُ خُوٰارٌ» فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ

يَا رَبِّ الْعِجْلُ مِنَ اَلسَّامِرِيِّ فَالْخُوَارُ مِمَّنْ فَقَالَ مِنِّي يَا مُوسَى إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُهُمْ قَدْ وَلَّوْا عَنِّي إِلَى الْعِجْلِ أَحْبَبْتُ أَنْ أَزِيدَهُمْ فِتْنَةً فَرَجَعَ مُوسَى كَمَا حَكَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً «قٰالَ يٰا قَوْمِ أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَ فَطٰالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي»

ص: 62


1- الرَّمَكَةُ : كَرَقَبَةٍ الْأُنْثَى مِنَ الْبَرَاذِينِ جَمْعُهُ رِمَاكٌ كَرِقَابٍ . ج. ز.

ثُمَّ رَمَى بِالْأَلْوَاحِ وَ أَخَذَ بِلِحْيَةِ أَخِيهِ هَارُونَ وَ رَأْسِهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ فَقَالَ «يٰا هٰارُونُ مٰا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاّٰ تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي» فَقَالَ هَارُونُ كَمَا حَكَى اللَّهُ «يَا بْنَ أُمَّ لاٰ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لاٰ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرٰائِيلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي» فَقَالَ لَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ :«مٰا أَخْلَفْنٰا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنٰا» قَالَ مَا خَالَفْنَاكَ «وَ لٰكِنّٰا حُمِّلْنٰا أَوْزٰاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ » يَعْنِي مِنْ حِلْيَتِهِمْ «فَقَذَفْنٰاهٰا» قَالَ : يَعْنِي التُّرَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ اَلسَّامِرِيُّ طَرَحْنَاهُ فِي جَوْفِهِ ثُمَّ أَخْرَجَ اَلسَّامِرِيُّ الْعِجْلَ وَ «لَهُ خُوٰارٌ» فَقَالَ لَهُ مُوسَى «فَمٰا خَطْبُكَ يٰا سٰامِرِيُّ قٰالَ » اَلسَّامِرِيُّ «بَصُرْتُ بِمٰا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهٰا» يَعْنِي مِنْ تَحْتِ حَافِرِ رَمَكَةِ جَبْرَئِيلَ فِي الْبَحْرِ فَنَبَذْتُهَا أَيْ أَمْسَكْتُهَا «وَ كَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي» أَيْ زَيَّنَتْ ، فَأَخْرَجَ مُوسَى الْعِجْلَ فَأَحْرَقَهُ بِالنَّارِ وَ أَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِلسَّامِرِيِّ «فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيٰاةِ أَنْ تَقُولَ لاٰ مِسٰاسَ » يَعْنِي مَا دُمْتَ حَيّاً(1) وَ عَقِبُكَ هَذِهِ الْعَلاَمَةُ فِيكُمْ قَائِمَةٌ أَنْ تَقُولَ لاَ مِسَاسَ يَعْنِي حَتَّى تُعْرَفُوا أَنَّكُمْ سَامِرِيَّةٌ فَلاَ يَغْتَرَّ بِكُمُ النَّاسُ فَهُمْ إِلَى السَّاعَةِ بِمِصْرَ وَ اَلشَّامِ مَعْرُوفُونَ بِ «لاَ مِسَاسَ » ثُمَّ هَمَّ مُوسَى بِقَتْلِ اَلسَّامِرِيِّ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ لاَ تَقْتُلْهُ يَا مُوسَى فَإِنَّهُ سَخِيٌّ فَقَالَ لَهُ :«اُنْظُرْ إِلىٰ إِلٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عٰاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً إِنَّمٰا إِلٰهُكُمُ اللّٰهُ الَّذِي لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْ ءٍ عِلْماً» قِيلَ وَ إِنَّ مَنْ عَبَدَ الْعِجْلَ أَنْكَرَ عِنْدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ : فَأَمَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْ يُبْرَدَ الْعِجْلُ بِالْمَبَارِدِ وَ أَلْقَى بُرَادَتَهُ فِي الْمَاءِ ثُمَّ أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَشْرَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَالَّذِينَ كَانُوا سَجَدُوا يَظْهَرُ لَهُ مِنَ الْبُرَادَةِ شَيْ ءٌ فَعِنْدَ ذَلِكَ اسْتَبَانَ مَنْ خَالَفَ مِمَّنْ ثَبَتَ عَلَى إِيمَانِهِ .

ص: 63


1- وَ فِي الصَّافِي خَوْفاً أَنْ يَمَسَّكَ أَحَدٌ فَيَأْخُذَكَ الْحُمَّى وَ مَنْ مَسَّكَ فَتَحَامَى النَّاسُ وَ تَحَامَوْكَ وَ تَكُونُ طَرِيداً وَحِيداً كَالْوَحْشِيِّ النَّافِرِ. ج - ز.

وَ يَفْتِنَانِهِ وَ يُضِلاَّنِ النَّاسَ بَعْدَهُ . و قد ذكرنا هذا الحديث في تفسير:«وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنٰا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيٰاطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ » في سورة الأنعام (1)

و قوله «وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً» تكون أعينهم مزرقة لا يقدرون أن يطرفوها و قوله «يَتَخٰافَتُونَ بَيْنَهُمْ » قال يوم القيامة يشير بعضهم إلى بعض أنهم لم يلبثوا إلا عشرا قال الله «نَحْنُ أَعْلَمُ بِمٰا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً » قال أعلمهم و أصلحهم يقولون «إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّٰ يَوْماً» ثم خاطب الله نبيه عليه و آله السّلام فقال «وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبٰالِ فَقُلْ يَنْسِفُهٰا رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُهٰا قٰاعاً صَفْصَفاً لاٰ تَرىٰ فِيهٰا عِوَجاً وَ لاٰ أَمْتاً» قال الأمت الارتفاع و العوج الحزون و الذكوات(2) و قوله «يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدّٰاعِيَ لاٰ عِوَجَ لَهُ » قال مناديا من عند الله.

و قوله:«وَ خَشَعَتِ الْأَصْوٰاتُ لِلرَّحْمٰنِ فَلاٰ تَسْمَعُ إِلاّٰ هَمْساً»

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْوَابِشِيِّ عَنْ أَبِي الْوَرْدِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ :

إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَ هُمْ حُفَاةٌ عُرَاةٌ فَيُوقَفُونَ فِي الْمَحْشَرِ حَتَّى يَعْرَقُوا عَرَقاً شَدِيداً وَ تَشْتَدُّ أَنْفَاسُهُمْ فَيَمْكُثُونَ فِي ذَلِكَ خَمْسِينَ عَاماً وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ :«وَ خَشَعَتِ الْأَصْوٰاتُ لِلرَّحْمٰنِ فَلاٰ تَسْمَعُ إِلاّٰ هَمْساً» ، قَالَ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ تِلْقَاءِ اَلْعَرْشِ أَيْنَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ فَيَقُولُ النَّاسُ قَدْ أَسْمَعْتَ فَسَمِّ بِاسْمِهِ فَيُنَادِي أَيْنَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ أَيْنَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُمِّيُّ ، فَيُقَدَّمُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَمَامَ النَّاسِ كُلِّهِمْ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَوْضٍ طُولُهُ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَ صَنْعَاءَ فَيَقِفُ عَلَيْهِ فَيُنَادِي بِصَاحِبِكُمْ فَيُقَدَّمُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَمَامَ النَّاسِ فَيَقِفُ مَعَهُ ثُمَّ يُؤْذَنُ لِلنَّاسِ فَيَمُرُّونَ فَبَيْنَ وَارِدِ اَلْحَوْضِ

ص: 64


1- راجع الجزء الأول ص 214 من هذا الكتاب.
2- الذكوات جمع ذكاة: الجمرة الملتهبة من الحصى و منه الحديث: قبر علي عليه السّلام بين ذكوات بيض. مجمع.

يَوْمَئِذٍ وَ بَيْنَ مَصْرُوفٍ عَنْهُ فَإِذَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَنْ يُصْرَفُ مِنْ مُحِبِّينَا يَبْكِي وَ يَقُولُ : يَا رَبِّ شِيعَةُ عَلِيٍّ قَالَ : فَيَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكاً فَيَقُولُ لَهُ : مَا يُبْكِيكَ يَا مُحَمَّدُ

فَيَقُولُ : أَبْكِي لِأُنَاسٍ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ أَرَاهُمْ قَدْ صُرِفُوا تِلْقَاءَ أَصْحَابِ اَلنَّارِ وَ مُنِعُوا وُرُودَ حَوْضِي قَالَ فَيَقُولُ الْمَلَكُ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ قَدْ وَهَبْتُهُمْ لَكَ يَا مُحَمَّدُ وَ صَفَحْتُ لَهُمْ عَنْ ذُنُوبِهِمْ بِحُبِّهِمْ لَكَ وَ لِعِتْرَتِكَ وَ أَلْحَقْتُهُمْ بِكَ وَ بِمَنْ كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ بِهِ وَ جَعَلْنَاهُمْ فِي زُمْرَتِكَ فَأَورِدْهُمْ حَوْضَكَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فَكَمْ مِنْ بَاكٍ يَوْمَئِذٍ وَ بَاكِيَةٍ يُنَادُونَ يَا مُحَمَّدَاهْ إِذَا رَأَوْا ذَلِكَ وَ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ يَتَوَلاَّنَا وَ يُحِبُّنَا وَ يَتَبَرَّأُ مِنْ عَدُوِّنَا وَ يُبْغِضُهُمْ إِلاَّ كَانُوا فِي حِزْبِنَا وَ مَعَنَا وَ يَرِدُونَ حَوْضَنَا.

و قوله:«يَعْلَمُ مٰا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مٰا خَلْفَهُمْ وَ لاٰ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً» قال ما بين أيديهم ما مضى من أخبار الأنبياء و ما خلفهم من أخبار القائم عليه السلام و قوله:

«وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ » أي ذلت و أما قوله «أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً» يعني ما يحدث من أمر القائم عليه السلام و السفياني

و قوله «لاٰ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً»

قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ اَلْقُرْآنُ بَادَرَ بِقِرَاءَتِهِ قَبْلَ تَمَامِ نُزُولِ الْآيَةِ وَ الْمَعْنَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ لاٰ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ » أَيْ تَفْرُغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ «وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» .

و قوله «وَ لَقَدْ عَهِدْنٰا إِلىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً» قال فيما نهاه عنه أكل الشجرة و قد روي فيه غير هذا و قوله «وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً» أي ضيقة

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً» قَالَ هِيَ وَ اللَّهِ اَلنُّصَّابُ ، قَالَ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَدْ رَأَيْنَاهُمْ دَهْرَهُمُ الْأَطْوَلَ فِي كِفَايَةٍ حَتَّى مَاتُوا، قَالَ ذَلِكَ وَ اللَّهِ فِي اَلرَّجْعَةِ يَأْكُلُونَ الْعَذَرَةَ .

ص: 65

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ :«وَ لَقَدْ عَهِدْنٰا إِلىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً» قَالَ عَهِدَ إِلَيْهِ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ اَلْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ فَتَرَكَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْمٌ فِيهِمْ أَنَّهُمْ هَكَذَا وَ إِنَّمَا سُمُّوا أُولُو الْعَزْمِ أَنَّهُ عَهِدَ إِلَيْهِمْ فِي مُحَمَّدٍ وَ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ وَ الْقَائِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

وَ سِيرَتِهِ فَأَجْمَعَ عَزْمُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَ الْإِقْرَارُ بِهِ .

قال علي بن إبراهيم في قول الله «وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْمىٰ »

حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ فَضَالَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ وَ لَهُ مَالٌ قَالَ هُوَ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ :«وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْمىٰ » قُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَعْمَى قَالَ أَعْمَاهُ اللَّهُ عَنْ طَرِيقِ اَلْجَنَّةِ .

و قوله «وَ كَذٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسىٰ »

أي تترك و قوله «إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِأُولِي النُّهىٰ » قال نحن أولو النهى و قوله «وَ لَوْ لاٰ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكٰانَ لِزٰاماً» قال ما كان ينزل بهم العذاب و لكن قد أخرهم الله إلى أجل مسمى و قوله «وَ مِنْ آنٰاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرٰافَ النَّهٰارِ»

قال بالغداة و العشي قوله «وَ لاٰ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلىٰ مٰا مَتَّعْنٰا بِهِ أَزْوٰاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقىٰ »

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ اسْتَوَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ جَالِساً ثُمَّ قَالَ مَنْ لَمْ يَتَعَزَّ بِعَزَاءِ اللَّهِ تَقَطَّعَتْ نَفَسُهُ عَلَى الدُّنْيَا حَسَرَاتٍ وَ مَنْ أَتْبَعَ بَصَرَهُ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ طَالَ هَمُّهُ وَ لَمْ يُشْفَ غَيْظُهُ وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ نِعْمَةً إِلاَّ فِي مَطْعَمٍ أَوْ فِي مَشْرَبٍ قَصُرَ أَجَلُهُ وَ دَنَا عَذَابُهُ . و قوله «وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاٰةِ » أي أمتك «وَ اصْطَبِرْ عَلَيْهٰا لاٰ نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَ الْعٰاقِبَةُ لِلتَّقْوىٰ » قال للمتقين فوضع الفعل مكان المفعول و أما قوله «قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا» أي انتظروا أمرا «فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحٰابُ الصِّرٰاطِ السَّوِيِّ وَ مَنِ اهْتَدىٰ »

ص: 66

هُنَا، وَ مَنْ شَاءَ فَلْيَأْخُذْ مِنْ هُنَاكَ لاَ يَجِدُونَ وَ اللَّهِ عَنَّا مَحِيصاً.

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «فَلاٰ يَخٰافُ ظُلْماً وَ لاٰ هَضْماً» يَقُولُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ شَيْ ءٌ. و أما ظلما يقول لن يذهب به و أما قوله «كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيٰاتُنٰا فَنَسِيتَهٰا» يقول أي تركتها فلم تعمل بها «وَ كَذٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسىٰ » يقول تترك في العذاب و قوله «وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاٰةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْهٰا» فإن الله أمره أن يخص أهله دون الناس ليعلم الناس أن لأهل محمد صلّى اللّه عليه و آله عند الله منزلة خاصة ليست للناس إذ أمرهم مع الناس عامة ثم أمرهم خاصة

فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَجِيءُ كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ حَتَّى يَأْتِيَ بَابَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ

وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَيَقُولُ : «اَلسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ » فَيَقُولُ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ عَلَيْكَ السَّلاَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ وَ يَقُولُ الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ «إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» فَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ إِذَا شَهِدَ اَلْمَدِينَةَ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا وَ قَالَ أَبُو الْحَمْرَاءِ خَادِمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَا أَشْهَدُ بِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ .

و قوله «أَ فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ » يقول يبين لهم و قوله «لَكٰانَ لِزٰاماً» قال اللزام الهلاك و قوله «قٰاعاً صَفْصَفاً» فالقاع الذي لا تراب عليه و الصفصف الذي لا نبات له.

21- سورة الأنبياء مكية و آياتها مائة و اثنتا عشرة 112

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ اِقْتَرَبَ لِلنّٰاسِ حِسٰابُهُمْ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ » قال قربت القيامة و الساعة و الحساب ثم كنى عن قريش فقال «مٰا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ لاٰهِيَةً قُلُوبُهُمْ » قال من التلهي و قوله:

«أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ » أي تأتون محمدا و هو ساحر ثم قال قل لهم

ص: 67

يا محمد «رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمٰاءِ وَ الْأَرْضِ » يعني ما يقال في السماء و الأرض ثم حكى الله قول قريش فقال:«بَلْ قٰالُوا أَضْغٰاثُ أَحْلاٰمٍ بَلِ افْتَرٰاهُ » أي هذا الذي يخبرنا به محمد صلّى اللّه عليه و آله يراه في النوم و قال بعضهم بل افتريه أي يكذب و قال بعضهم «بَلْ هُوَ شٰاعِرٌ فَلْيَأْتِنٰا بِآيَةٍ كَمٰا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ » فرد الله عليهم فقال:«مٰا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنٰاهٰا أَ فَهُمْ يُؤْمِنُونَ » قال كيف يؤمنون و لم يؤمن من كان قبلهم بالآيات حتى هلكوا.

و قوله:«فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ » قال آل محمد هم أهل الذكر

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ [عَنْ ] سُلَيْمَانَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ ثَعْلَبَةَ [تَغْلِبَةَ ] عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ » مَنِ المعنون [اَلْمَعْنِيُّونُ ] بِذَلِكَ فَقَالَ : نَحْنُ وَ اللَّهِ ، فَقُلْتُ فَأَنْتُمُ الْمَسْئُولُونَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَ نَحْنُ السَّائِلُونَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَعَلَيْنَا أَنْ نَسْأَلَكُمْ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُجِيبُونَا قَالَ لاَ ذَلِكَ إِلَيْنَا إِنْ شِئْنَا فَعَلْنَا وَ إِنْ شِئْنَا تَرَكْنَا ثُمَّ قَالَ :«هٰذٰا عَطٰاؤُنٰا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ » .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : فِي قَوْلِهِ «وَ كَمْ قَصَمْنٰا مِنْ قَرْيَةٍ »

يَعْنِي أَهْلَ قَرْيَةٍ «كٰانَتْ ظٰالِمَةً وَ أَنْشَأْنٰا بَعْدَهٰا قَوْماً آخَرِينَ فَلَمّٰا أَحَسُّوا بَأْسَنٰا» يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ إِذَا أَحَسُّوا بِالْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ «إِذٰا هُمْ مِنْهٰا يَرْكُضُونَ لاٰ تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلىٰ مٰا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَسٰاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ » يَعْنِي الْكُنُوزَ الَّتِي كَنَزُوهَا قَالَ فَيَدْخُلُ بَنُو أُمَيَّةَ إِلَى اَلرُّومِ إِذَا طَلَبَهُمُ الْقَائِمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ مِنَ اَلرُّومِ وَ يُطَالِبُهُمْ بِالْكُنُوزِ الَّتِي كَنَزُوهَا فيقولوا [فَيَقُولُونَ ] كَمَا حَكَى اللَّهُ «يٰا وَيْلَنٰا إِنّٰا كُنّٰا ظٰالِمِينَ فَمٰا زٰاَلَتْ تِلْكَ دَعْوٰاهُمْ حَتّٰى جَعَلْنٰاهُمْ حَصِيداً خٰامِدِينَ » قَالَ بِالسَّيْفِ وَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ . و هذا كله مما لفظه ماض و معناه مستقبل و هو مما ذكرناه مما تأويله بعد تنزيله

و قوله:

«وَ لَهُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَنْ عِنْدَهُ » يعني من الملائكة «لاٰ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبٰادَتِهِ وَ لاٰ يَسْتَحْسِرُونَ » أي لا يضعفون و قوله «لَوْ كٰانَ فِيهِمٰا آلِهَةٌ إِلاَّ اللّٰهُ لَفَسَدَتٰا»

ص: 68

فإنه رد على الثنوية ثم قطع عز و جل حجة الخلق فقال:«لاٰ يُسْئَلُ عَمّٰا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ »

و قوله «هٰاتُوا بُرْهٰانَكُمْ » أي حجتكم «هٰذٰا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ »

أي خبري «وَ ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي» أي خبرهم

و قوله «وَ قٰالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمٰنُ وَلَداً سُبْحٰانَهُ بَلْ عِبٰادٌ مُكْرَمُونَ » قال هو ما قالت النصارى إن المسيح ابن الله و ما «قٰالَتِ اَلْيَهُودُ

عُزَيْرٌ ابْنُ اللّٰهِ » ، و قالوا في الأئمة ما قالوا فقال الله عز و جل إبطالا له «بَلْ عِبٰادٌ مُكْرَمُونَ » يعني هؤلاء الذين زعموا أنهم ولد الله و جواب هؤلاء الذين زعموا ذلك في سورة الزمر في قوله «لَوْ أَرٰادَ اللّٰهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاَصْطَفىٰ مِمّٰا يَخْلُقُ مٰا يَشٰاءُ سُبْحٰانَهُ » قوله:«وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلٰهٌ مِنْ دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ » قال من زعم أنه إمام و ليس هو بإمام

و أما قوله:«أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ كٰانَتٰا رَتْقاً فَفَتَقْنٰاهُمٰا»

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : خَرَجَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ

حَاجّاً وَ مَعَهُ اَلْأَبْرَشُ الْكَلْبِيُّ فَلَقِيَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي اَلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ هِشَامٌ

لِلْأَبْرَشِ تَعْرِفُ هَذَا قَالَ : لاَ، قَالَ : هَذَا الَّذِي تَزْعُمُ اَلشِّيعَةُ أَنَّهُ نَبِيٌّ مِنْ كَثْرَةِ عِلْمِهِ فَقَالَ اَلْأَبْرَشُ لَأَسْأَلَنَّهُ عَنْ مَسَائِلَ لاَ يُجِيبُنِي فِيهَا إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ فَقَالَ هِشَامٌ وَدِدْتُ أَنَّكَ فَعَلْتَ ذَلِكَ ، فَلَقِيَ اَلْأَبْرَشُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ

ص: 69

السَّمَاءَ أَمَرَ الرِّيَاحَ فَضَرَبَتِ الْبُحُورَ حَتَّى أَزْبَدَتْ بِهَا فَخَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْجِ وَ الزَّبَدِ مِنْ وَسْطِهِ دُخَانٌ سَاطِعٌ مِنْ غَيْرِ نَارٍ فَخَلَقَ مِنْهُ السَّمَاءَ وَ جَعَلَ فِيهَا الْبُرُوجَ وَ النُّجُومَ وَ مَنَازِلَ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ أَجْرَاهَا فِي الْفَلَكِ وَ كَانَتِ السَّمَاءُ خَضْرَاءَ عَلَى لَوْنِ الْمَاءِ الْأَخْضَرِ وَ كَانَتِ الْأَرْضُ غَبْرَاءَ عَلَى لَوْنِ الْمَاءِ الْعَذْبِ وَ كَانَتَا مَرْتُوقَتَيْنِ لَيْسَ لَهَا أَبْوَابٌ وَ لَمْ يَكُنْ لِلْأَرْضِ أَبْوَابٌ وَ هِيَ النَّبْتُ وَ لَمْ تَمْطُرِ السَّمَاءُ عَلَيْهَا فَتُنْبِتَ فَفَتَقَ السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ وَ فَتَقَ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ :«أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ كٰانَتٰا رَتْقاً فَفَتَقْنٰاهُمٰا» فَقَالَ اَلْأَبْرَشُ وَ اللَّهِ مَا حَدَّثَنِي بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ قَطُّ أَعِدْ عَلَيَّ فَأَعَادَ عَلَيْهِ وَ كَانَ اَلْأَبْرَشُ مُلْحِداً فَقَالَ : أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ ابْنُ نَبِيٍّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ .

و قوله:«وَ جَعَلْنٰا مِنَ الْمٰاءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ أَ فَلاٰ يُؤْمِنُونَ » قال نسب كل شيء إلى الماء و لم يجعل للماء نسبا إلى غيره

و قوله:«وَ جَعَلْنَا السَّمٰاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً»

يعني من الشياطين أي لا يسترقون السمع

وَ أَمَّا قَوْلُهُ :«وَ مٰا جَعَلْنٰا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخٰالِدُونَ » فَإِنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِمَا يُصِيبُ أَهْلَ بَيْتِهِ بَعْدَهُ وَ ادِّعَاءِ مَنِ ادَّعَى الْخِلاَفَةَ دُونَهُمْ اغْتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ مٰا جَعَلْنٰا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخٰالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذٰائِقَةُ الْمَوْتِ وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً » أَيْ نَخْتَبِرُهُمْ «وَ إِلَيْنٰا تُرْجَعُونَ » فَأَعْلَمَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنْ لاَ بُدَّ أَنْ تَمُوتَ كُلُّ نَفْسٍ .

ص: 70

وَ طَابَ كَسْبُهُ وَ صَلَحَتْ سَرِيرَتُهُ وَ حَسُنَتْ خَلِيقَتُهُ وَ أَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ وَ أَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ كَلاَمِهِ وَ عَدَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ وَ وَسِعَتْهُ السُّنَّةُ وَ لَمْ يَتَعَدَّ إِلَى الْبِدْعَةِ ، أَيُّهَا النَّاسُ طُوبَى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ وَ أَكَلَ كِسْرَتَهُ وَ بَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ وَ كَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شُغُلٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ .

و قوله:«خُلِقَ الْإِنْسٰانُ مِنْ عَجَلٍ » قال لما أجرى الله في آدم روحه من قدميه فبلغت الروح إلى ركبتيه أراد أن يقوم فلم يقدر فقال عز و جل «خُلِقَ الْإِنْسٰانُ مِنْ عَجَلٍ »

و قوله «وَ نَضَعُ الْمَوٰازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيٰامَةِ » قال المجازاة «وَ إِنْ كٰانَ مِثْقٰالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنٰا بِهٰا» أي جَازَيْنَا بِهَا و هي ممدودةً آتينا بها.

ثم حكى عز و جل قول إبراهيم لقومه و أبيه فقال:«وَ لَقَدْ آتَيْنٰا إِبْرٰاهِيمَ

رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ » إلى قوله «بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ »

قَالَ : فَلَمَّا نَهَاهُمْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ص: 71

لِرَعِيَّتِكَ قَالَ وَ كَيْفَ ذَلِكَ قَالَتْ رَأَيْتُكَ تَقْتُلُ أَوْلاَدَ رَعِيَّتِكَ فَكَانَ يَذْهَبُ النَّسْلُ فَقُلْتُ : إِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي تَطْلُبُهُ دَفَعْتُهُ إِلَيْكَ لِتَقْتُلَهُ وَ تَكُفَّ عَنْ قَتْلِ أَوْلاَدِ النَّاسِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَقِيَ لَنَا وَلَدُنَا وَ قَدْ ظَفِرْتَ بِهِ فَشَأْنَكَ فَكُفَّ عَنْ أَوْلاَدِ النَّاسِ فَصَوَّبَ رَأْيَهَا ثُمَّ قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ

«فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هٰذٰا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كٰانُوا يَنْطِقُونَ » .

فَقَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : وَ اللَّهِ مَا فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ وَ مَا كَذَبَ إِبْرَاهِيمُ فَقِيلَ وَ كَيْفَ ذَلِكَ قَالَ إِنَّمَا قَالَ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا إِنْ نَطَقَ وَ إِنْ لَمْ يَنْطِقْ فَلَمْ يَفْعَلْ كَبِيرُهُمْ هَذَا شَيْئاً.، فاستشار نمرود قومه في إبراهيم ف «قٰالُوا حَرِّقُوهُ وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فٰاعِلِينَ »

فَقَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : كَانَ فِرْعَوْنُ إِبْرَاهِيمَ

لِغَيْرِ رُشْدٍ وَ أَصْحَابُهُ لِغَيْرِ رُشْدٍ [فِرْعَوْنُ إِبْرَاهِيمَ لِغَيْرِ رُشْدِهِ وَ أَصْحَابُهُ لِغَيْرِ رُشْدِهِمْ ] فَإِنَّهُمْ قَالُوا لِنُمْرُودَ:«حَرِّقُوهُ وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فٰاعِلِينَ » وَ كَانَ مُوسَى وَ أَصْحَابُهُ رِشْدَةً فَإِنَّهُ لَمَّا اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فِي مُوسَى قَالُوا «أَرْجِهْ وَ أَخٰاهُ وَ أَرْسِلْ فِي الْمَدٰائِنِ حٰاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سٰاحِرٍ عَلِيمٍ » .

فَحَبَسَ إِبْرَاهِيمَ وَ جَمَعَ لَهُ الْحَطَبَ حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي أَلْقَى فِيهِ نُمْرُودُ إِبْرَاهِيمَ فِي النَّارِ، بَرَزَ نُمْرُودُ وَ جُنُودُهُ وَ قَدْ كَانَ بُنِيَ لِنُمْرُودَ بِنَاءٌ لِيَنْظُرَ مِنْهُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ كَيْفَ تَأْخُذُهُ النَّارُ فَجَاءَ إِبْلِيسُ وَ اتَّخَذَ لَهُمُ الْمَنْجَنِيقَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ وَاحِدٌ أَنْ يَقْرُبَ مِنْ تِلْكَ النَّارِ عَنْ غُلْوَةِ سَهْمٍ وَ كُلُّ الطَّائِرِ مِنْ مَسِيرَةِ فَرْسَخٍ يَرْجِعُ عَنْهَا أَنْ يَتَقَارَبَ مِنَ النَّارِ وَ كَانَ الطَّائِرُ إِذَا مَرَّ فِي الْهَوَاءِ يَحْتَرِقُ فَوُضِعَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي الْمَنْجَنِيقِ وَ جَاءَ أَبُوهُ فَلَطَمَهُ لَطْمَةً وَ قَالَ لَهُ ارْجِعْ عَمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ .

ص: 72

عَدُوَّهُ يُحْرِقُهُ بِالنَّارِ فَقَالَ اسْكُتْ إِنَّمَا يَقُولُ هَذَا عَبْدٌ مِثْلُكَ يَخَافُ الْفَوْتَ هُوَ عَبْدِي آخُذُهُ إِذَا شِئْتُ فَإِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ رَبَّهُ بِسُورَةِ الْإِخْلاَصِ «يَا اللَّهُ يَا وَاحِدُ يَا أَحَدُ يَا صَمَدُ يَا مَنْ «لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ» نَجِّنِي مِنَ النَّارِ بِرَحْمَتِكَ فَالْتَقَى مَعَهُ جَبْرَئِيلُ فِي الْهَوَاءِ وَ قَدْ وُضِعَ فِي الْمَنْجَنِيقِ فَقَالَ : يَا إِبْرَاهِيمُ

هَلْ لَكَ إِلَيَّ مِنْ حَاجَةٍ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ : أَمَّا إِلَيْكَ فَلاَ وَ أَمَّا إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَنَعَمْ فَدَفَعَ إِلَيْهِ خَاتَماً عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَى اللَّهِ أَسْنَدْتُ أَمْرِي إِلَى [قُوَّةِ ] اللَّهِ وَ فَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى النَّارِ «كُونِي بَرْداً» فَاضْطَرَبَتْ أَسْنَانُ إِبْرَاهِيمَ مِنَ الْبَرْدِ حَتَّى قَالَ «وَ سَلاٰماً عَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ »

وَ انْحَطَّ جَبْرَئِيلُ وَ جَلَسَ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ فِي اَلنَّارِ وَ نَظَرَ إِلَيْهِ نُمْرُودُ فَقَالَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهاً فَلْيَتَّخِذْ مِثْلَ إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَاءِ أَصْحَابِ نُمْرُودَ إِنِّي عَزَمْتُ عَلَى النَّارِ أَنْ لاَ تُحْرِقَهُ فَخَرَجَ عَمُودٌ مِنَ النَّارِ نَحْوَ الرَّجُلِ فَأَحْرَقَتْهُ «فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ » وَ خَرَجَ مُهَاجِراً إِلَى اَلشَّامِ وَ نَظَرَ نُمْرُودُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ فِي النَّارِ وَ مَعَهُ شَيْخٌ يُحَدِّثُهُ فَقَالَ لِآزَرَ مَا أَكْرَمَ ابْنَكَ عَلَى رَبِّهِ قَالَ وَ كَانَ الْوَزَغُ يَنْفُخُ فِي نَارِ إِبْرَاهِيمَ

وَ كَانَ الضِّفْدِعُ يَذْهَبُ بِالْمَاءِ لِيُطْفِئَ بِهِ النَّارَ قَالَ وَ لَمَّا قَالَ اللَّهُ لِلنَّارِ «كُونِي بَرْداً وَ سَلاٰماً»

لَمْ تَعْمَلِ النَّارُ فِي الدُّنْيَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ :«وَ أَرٰادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنٰاهُمُ الْأَخْسَرِينَ » فَقَالَ اللَّهُ «وَ نَجَّيْنٰاهُ وَ لُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بٰارَكْنٰا فِيهٰا لِلْعٰالَمِينَ » يَعْنِي إِلَى اَلشَّامِ وَ سَوَادِ اَلْكُوفَةِ وَ كُوثَى رُبَى. و قوله:«وَ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ نٰافِلَةً » قال ولد الولد و هو يعقوب

و قوله «وَ نَجَّيْنٰاهُ » يعني لوطا «مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كٰانَتْ تَعْمَلُ الْخَبٰائِثَ »

قال كانوا ينكحون الرجال.

أما قوله:«وَ دٰاوُدَ وَ سُلَيْمٰانَ إِذْ يَحْكُمٰانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَ كُنّٰا لِحُكْمِهِمْ شٰاهِدِينَ »

ص: 73

غَنَمُ رَجُلٍ آخَرَ بِاللَّيْلِ وَ قَضَمَتْهُ وَ أَفْسَدَتْهُ فَجَاءَ صَاحِبُ الْكَرْمِ إِلَى دَاوُدَ فَاسْتَعْدَى(1)

عَلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ فَقَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : اذْهَبَا إِلَى سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِيَحْكُمَ بَيْنَكُمَا فَذَهَبَا إِلَيْهِ فَقَالَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنْ كَانَتِ الْغَنَمُ أَكَلَتِ الْأَصْلَ وَ الْفَرْعَ فَعَلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى صَاحِبِ الْكَرْمِ الْغَنَمَ وَ مَا فِي بَطْنِهَا وَ إِنْ كَانَتْ ذَهَبَتْ بِالْفَرْعِ وَ لَمْ تَذْهَبْ بِالْأَصْلِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ وُلْدَهَا إِلَى صَاحِبِ الْكَرْمِ ، وَ كَانَ هَذَا حُكْمَ دَاوُدَ وَ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ سُلَيْمَانَ وَصِيُّهُ بَعْدَهُ وَ لَمْ يَخْتَلِفَا فِي الْحُكْمِ وَ لَوِ اخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا لَقَالَ (2) كُنَّا لِحُكْمِهِمَا شَاهِدِينَ .

و قوله:«وَ عَلَّمْنٰاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ » يعني الدرع «لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شٰاكِرُونَ »

و قوله:«وَ لِسُلَيْمٰانَ الرِّيحَ عٰاصِفَةً » قال تجري من كل جانب «إِلىٰ الْأَرْضِ الَّتِي بٰارَكْنٰا فِيهٰا» قال إلى بيت المقدس و الشام

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ زِيَادٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ وَ غَيْرِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ :«وَ آتَيْنٰاهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ » قَالَ أَحْيَا اللَّهُ لَهُ (3) أَهْلَهُ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ الْبَلِيَّةِ وَ أَحْيَا لَهُ أَهْلَهُ الَّذِينَ مَاتُوا وَ هُوَ فِي الْبَلِيَّةِ .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ :«وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً» قَالَ هُوَ يُونُسُ وَ مَعْنَى ذَا النُّونِ ذَا الْحُوتِ وَ قَوْلُهُ :«فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ » قَالَ أَنْزَلَهُ عَلَى أَشَدِّ الْأَمْرَيْنِ وَ ظَنَّ بِهِ أَشَدَّ الظَّنِّ ، وَ قَالَ إِنَّ جَبْرَئِيلَ اسْتَثْنَى فِي هَلاَكِ قَوْمِ يُونُسَ وَ لَمْ يَسْمَعْهُ يُونُسُ ، قُلْتُ مَا كَانَ حَالُ يُونُسَ لَمَّا ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ قَالَ كَانَ مِنْ أَمْرٍ شَدِيدٍ، قُلْتُ وَ مَا كَانَ سَبَبُهُ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ قَالَ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ .

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

ص: 74


1- استعداه استغاثه ق مَ .
2- لَعَلَّ الصَّوَابَ «لَمَا قَالَ » مَكَانَ «لَقَالَ ».
3- أَيْ لِأَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ج. ز.

سَيَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي لَيْلَتِهَا فَفَقَدَتْهُ مِنَ الْفِرَاشِ فَدَخَلَهَا مِنْ ذَلِكَ مَا يَدْخُلُ النِّسَاءَ فَقَامَتْ تَطْلُبُهُ فِي جَوَانِبِ الْبَيْتِ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ وَ هُوَ فِي جَانِبٍ مِنَ الْبَيْتِ قَائِمٌ رَافِعٌ يَدَيْهِ يَبْكِي وَ هُوَ يَقُولُ «اَللَّهُمَّ لاَ تَنْزِعْ مِنِّي صَالِحَ مَا أَعْطَيْتَنِي أَبَداً اللَّهُمَّ وَ لاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَداً اللَّهُمَّ لاَ تُشْمِتْ بِي عَدُوّاً وَ لاَ حَاسِداً أَبَداً اللَّهُمَّ لاَ تَرُدَّنِي فِي سُوءٍ اسْتَنْقَذْتَنِي مِنْهُ أَبَداً» قَالَ فَانْصَرَفَتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَبْكِي حَتَّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِبُكَائِهَا فَقَالَ لَهَا مَا يُبْكِيكِ يَا أُمَّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ لِمَ لاَ أَبْكِي وَ أَنْتَ بِالْمَكَانِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ مِنَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مَا تَأَخَّرَ تَسْأَلُهُ أَنْ لاَ يُشْمِتَ بِكَ عَدُوّاً أَبَداً وَ لاَ حَاسِداً وَ أَنْ لاَ يَرُدَّكَ فِي سُوءٍ اسْتَنْقَذَكَ مِنْهُ أَبَداً، وَ أَنْ لاَ يَنْزِعَ عَنْكَ صَالِحَ مَا أَعْطَاكَ أَبَداً وَ أَنْ لاَ يَكِلَكَ إِلَى نَفْسِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَداً فَقَالَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ وَ مَا يُؤْمِنُنِي وَ إِنَّمَا وَكَلَ اللَّهُ يُونُسَ بْنَ مَتَّى إِلَى نَفْسِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَكَانَ مِنْهُ مَا كَانَ .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً» يَقُولُ مِنْ أَعْمَالِ قَوْمِهِ «فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ » يَقُولُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يُعَاقَبَ بِمَا صَنَعَ .،

وَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ : فِي قَوْلِهِ :«وَ زَكَرِيّٰا إِذْ نٰادىٰ رَبَّهُ رَبِّ لاٰ تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوٰارِثِينَ فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ وَ وَهَبْنٰا لَهُ يَحْيىٰ

وَ أَصْلَحْنٰا لَهُ زَوْجَهُ » قَالَ كَانَتْ لاَ تَحِيضُ فَحَاضَتْ . و قوله «وَ يَدْعُونَنٰا رَغَباً وَ رَهَباً»

قال راغبين راهبين

و قوله «وَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهٰا» قال مريم لم ينظر إليها شيء و قوله:«فَنَفَخْنٰا فِيهٰا مِنْ رُوحِنٰا» قال روح مخلوقة بأمر الله يعني من أمرنا و قوله:«فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّٰالِحٰاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلاٰ كُفْرٰانَ لِسَعْيِهِ » أي لا يبطل سعيه

و قوله:«وَ حَرٰامٌ عَلىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنٰاهٰا أَنَّهُمْ لاٰ يَرْجِعُونَ »

ص: 75

وَ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالاَ: كُلُّ قَرْيَةٍ أَهْلَكَ اللَّهُ أَهْلَهَا بِالْعَذَابِ لاَ يَرْجِعُونَ فِي اَلرَّجْعَةِ . فهذه الآية من أعظم الدلالة في الرجعة لأن أحدا من أهل الإسلام

لا ينكر أن الناس كلهم يرجعون إلى القيامة من هلك و من لم يهلك قوله «لاٰ يَرْجِعُونَ » أيضا عنى في الرجعة فأما إلى القيامة فيرجعون حتى يدخلوا النار

و قوله «حَتّٰى إِذٰا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ » قال إذا كان في آخر الزمان خرج يأجوج و مأجوج إلى الدنيا و يأكلون الناس ثم احتج عز و جل على عبدة الأوثان فقال «إِنَّكُمْ وَ مٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ » إلى قوله «وَ هُمْ فِيهٰا لاٰ يَسْمَعُونَ »

فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَجَدَ مِنْهَا أَهْلُ مَكَّةَ وَجْداً شَدِيداً فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى(1)

وَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ يَخُوضُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، فَقَالَ اِبْنُ الزِّبَعْرَى: أَ مُحَمَّدٌ تَكَلَّمَ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَالُوا: نَعَمْ ، قَالَ اِبْنُ الزِّبَعْرَى إِنِ اعْتَرَفَ بِهَا لَأَخْصِمَنَّهُ ، فَجُمِعَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ :

يَا مُحَمَّدُ أَ رَأَيْتَ الْآيَةَ الَّتِي قَرَأْتَ آنِفاً أَ فِينَا وَ فِي آلِهَتِنَا أَمْ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَ آلِهَتِهِمْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : بَلْ فِيكُمْ وَ فِي آلِهَتِكُمْ وَ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ إِلاَّ مَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ ، فَقَالَ اِبْنُ الزِّبَعْرَى خَاصَمْتُكَ وَ اللَّهِ أَ لَسْتَ تُثْنِي عَلَى عِيسَى خَيْراً وَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ اَلنَّصَارَى يَعْبُدُونَ عِيسَى وَ أُمَّهُ وَ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ يَعْبُدُونَ الْمَلاَئِكَةَ أَ فَلَيْسَ هَؤُلاَءِ مَعَ الْآلِهَةِ فِي اَلنَّارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : لاَ، فَضَحِكَتْ قُرَيْشٌ وَ ضَحِكَ وَ قَالَتْ قُرَيْشٌ خَصَمَكَ اِبْنُ الزِّبَعْرَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قُلْتُمُ الْبَاطِلَ أَ مَا قُلْتُ إِلاَّ مَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ . و قوله:«إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنىٰ أُولٰئِكَ عَنْهٰا مُبْعَدُونَ لاٰ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهٰا وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خٰالِدُونَ » و قوله «حَصَبُ جَهَنَّمَ »

يقول يقذفون فيها قذفا و قوله «أُولٰئِكَ عَنْهٰا مُبْعَدُونَ » يعني الملائكة و عيسى

ص: 76


1- وَ فِي النسختين «ك ط » «الزبعرا» بِالْأَلِفِ ج. ز.

ابن مريم عليه السّلام و قال علي بن إبراهيم «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنىٰ » ناسخة لقوله «وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّٰ وٰارِدُهٰا»

و قوله «لاٰ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقّٰاهُمُ الْمَلاٰئِكَةُ هٰذٰا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ » إلى قوله «إِنّٰا كُنّٰا فٰاعِلِينَ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي

عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ ابْتِدَاءً مِنْهُ إِنَّ اللَّهَ إِذَا بَدَا لَهُ أَنْ يُبَيِّنَ خَلْقَهُ وَ يَجْمَعَهُمْ لِمَا لاَ بُدَّ مِنْهُ أَمَرَ مُنَادِياً يُنَادِي فَاجْتَمَعَ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ فِي أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ الْعَيْنِ ثُمَّ أُذِنَ لِسَمَاءِ الدُّنْيَا فَتَنْزِلُ فَكَانَ مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَ أُذِنَ لِلسَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَتَنْزِلُ وَ هِيَ ضِعْفُ الَّتِي تَلِيهَا فَإِذَا رَآهَا أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالُوا جَاءَ رَبُّنَا قَالُوا لاَ وَ هُوَ آتٍ يَعْنِي أَمْرَهُ حَتَّى تَنْزِلُ كُلُّ سَمَاءٍ تَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مِنْ وَرَاءِ الْأُخْرَى وَ هِيَ ضِعْفُ الَّتِي تَلِيهَا ثُمَّ يَنْزِلُ أَمْرُ اللَّهِ «فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمٰامِ وَ الْمَلاٰئِكَةُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ» وَ إِلَى رَبِّكَ «تُرْجَعُ الْأُمُورُ» ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ مُنَادِياً يُنَادِي «يٰا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطٰارِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ فَانْفُذُوا لاٰ تَنْفُذُونَ إِلاّٰ بِسُلْطٰانٍ » قَالَ وَ بَكَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى إِذَا سَكَتَ قَالَ قُلْتُ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ وَ أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ شِيعَتُهُ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ شِيعَتُهُ عَلَى كُثْبَانٍ مِنَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَحْزَنُ النَّاسُ وَ لاَ يَحْزَنُونَ وَ يَفْزَعُ النَّاسُ وَ لاَ يَفْزَعُونَ ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الْآيَةَ «مَنْ جٰاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهٰا وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ » فَالْحَسَنَةُ وَ اللَّهِ وَلاَيَةُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ قَالَ :«لاٰ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقّٰاهُمُ الْمَلاٰئِكَةُ هٰذٰا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ » .» و أما قوله:«يَوْمَ نَطْوِي السَّمٰاءَ كَطَيِّ اَلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ » قال السجل اسم الملك الذي يطوي الكتب و معنى يطويها أي يفنيها فتتحول دخانا و الأرض نيرانا

و قوله:«وَ لَقَدْ كَتَبْنٰا فِي اَلزَّبُورِ

مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ» قال الكتب كلها ذكر «أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهٰا عِبٰادِيَ الصّٰالِحُونَ »

قال: القائم عليه السلام و أصحابه قال و الزبور فيه ملاحم و تحميد و تمجيد و دعاء

ص: 77

«قٰالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ » قال معناه لا تدعو [تدع] للكفار، و الحق الانتقام من الظالمين و مثله في سورة آل عمران «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظٰالِمُونَ » .

22- سورة الحج مدنية و آياتها ثمان و سبعون 78

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السّٰاعَةِ شَيْ ءٌ عَظِيمٌ » قال مخاطبة للناس عامة «يَوْمَ تَرَوْنَهٰا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّٰا أَرْضَعَتْ » أي تبقى و تتحير و تتغافل «وَ تَضَعُ كُلُّ ذٰاتِ حَمْلٍ حَمْلَهٰا» قال كل امرأة تموت حاملة عند زلزلة الساعة تضع حملها يوم القيامة و قوله «وَ تَرَى النّٰاسَ سُكٰارىٰ » قال يعني ذاهلة عقولهم من الخوف و الفزع متحيرين و قال «وَ مٰا هُمْ بِسُكٰارىٰ وَ لٰكِنَّ عَذٰابَ اللّٰهِ شَدِيدٌ» و قوله:«وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يُجٰادِلُ فِي اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ » أي يخاصم «وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطٰانٍ مَرِيدٍ» قال المريد الخبيث ثم خاطب الله عز و جل الدهرية و احتج عليهم فقال:«يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ » أي في شك «فَإِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ » قال المخلقة إذا صارت دما و غير المخلقة قال السقط «لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحٰامِ مٰا نَشٰاءُ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ »

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

: وَ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ كَذَلِكَ كُنْتُمْ فِي الْأَرْحَامِ «وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحٰامِ مٰا نَشٰاءُ»

فَلاَ يَخْرُجُ سِقْطاً.

و قوله:«وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفّٰى وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاٰ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً»

ص: 78

قَالَ : إِذَا بَلَغَ الْعَبْدُ مِائَةَ سَنَةٍ فَذَلِكَ أَرْذَلُ الْعُمُرِ. و قال علي بن إبراهيم ثم ضرب الله للبعث و النشور مثلا فقال:«وَ تَرَى الْأَرْضَ هٰامِدَةً فَإِذٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْهَا الْمٰاءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ » أي حسن «ذٰلِكَ بِأَنَّ اللّٰهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتىٰ » إلى قوله «مَنْ فِي الْقُبُورِ» و قوله:«وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يُجٰادِلُ فِي اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لاٰ هُدىً وَ لاٰ كِتٰابٍ مُنِيرٍ» قال: نزلت هذه الآية في أبي جهل «ثٰانِيَ عِطْفِهِ » قال: تولى عن الحق «لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ » قال: عن طريق الله و الإيمان و قوله:«وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّٰهَ عَلىٰ حَرْفٍ » قال على شك «فَإِنْ أَصٰابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصٰابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ الْخُسْرٰانُ الْمُبِينُ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ يُونُسَ

عَنْ حَمَّادٍ عَنِ اِبْنِ الظَّبْيَانِ [ابْنِ الطَّيَّارِ] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَوْمٍ وَحَّدُوا اللَّهَ وَ جعلوا عبادة [وَ خَلَعُوا عِبَادَةَ ] مَنْ دُونَ اللَّهِ وَ خَرَجُوا مِنَ الشِّرْكِ وَ لَمْ يَعْرِفُوا أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ فَهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ عَلَى شَكٍّ فِي مُحَمَّدٍ وَ مَا جَاءَ بِهِ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالُوا نَنْظُرُ فَإِنْ كَثُرَتْ أَمْوَالُنَا وَ عُوفِينَا فِي أَنْفُسِنَا وَ أَوْلاَدِنَا عَلِمْنَا أَنَّهُ صَادِقٌ وَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ إِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ نَظَرْنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ «فَإِنْ أَصٰابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ...» . إلخ» و قوله:«يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ مٰا لاٰ يَضُرُّهُ وَ مٰا لاٰ يَنْفَعُهُ » انقلب مشركا يدعو غير الله و يعبد غيره فمنهم من يعرف و يدخل الإيمان في قلبه فهو مؤمن و يزول عن منزلته من الشك إلى الإيمان و منهم من يلبث على شكه و منهم من ينقلب إلى الشرك و أما قوله:«مَنْ كٰانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللّٰهُ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ » فإن الظن في كتاب الله على وجهين و طريقين ظن يقين و ظن شك فهذا ظن شك قال من شك أن الله لن يثيبه في الدنيا و الآخرة «فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمٰاءِ» أي يجعل بينه و بين الله دليلا و الدليل على أن السبب هو الدليل قول الله في سورة الكهف «وَ آتَيْنٰاهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً» أي دليلا

ص: 79

«ثُمَّ لْيَقْطَعْ » أي يميز و الدليل على أن القطع هو التمييز قوله «وَ قَطَّعْنٰاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبٰاطاً أُمَماً» أي ميزناهم فقوله:«ثُمَّ لْيَقْطَعْ » أي يميز «فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مٰا يَغِيظُ » أي حيلته و الدليل على أن الكيد هو الحيلة قوله:«كَذٰلِكَ كِدْنٰا لِيُوسُفَ » أي حيلنا له حتى حبس أخاه و قوله يحكي قول فرعون:«فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ »

أي حيلتكم قال فإذا وضع لنفسه سببا و ميز دله على الحق، فأما العامة فإنهم رووا في ذلك أنه من لم يصدق بما قال الله فليلق حبلا إلى سقف البيت ليختنق.

ثم ذكر عز و جل عظيم كبريائه و آلائه فقال:«أَ لَمْ تَرَ» يقول أ لم تعلم يا محمد

«أَنَّ اللّٰهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبٰالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ » و لفظ الشجر واحد و معناه جمع «وَ كَثِيرٌ مِنَ النّٰاسِ وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذٰابُ وَ مَنْ يُهِنِ اللّٰهُ فَمٰا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللّٰهَ يَفْعَلُ مٰا يَشٰاءُ»

و قوله:«هٰذٰانِ خَصْمٰانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ » (1) قال: نحن و بنو أمية قلنا «صَدَقَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ » و قال بنو أمية كذب الله و رسوله «فَالَّذِينَ كَفَرُوا» يعني بني أمية

«قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيٰابٌ مِنْ نٰارٍ» إلى قوله «حَدِيدٍ» قال: تغشاه [تشويه] النار فتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته و تتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه «وَ لَهُمْ مَقٰامِعُ مِنْ حَدِيدٍ» قال: الأعمدة التي يضربون بها ضربا بتلك الأعمدة و قوله «كُلَّمٰا أَرٰادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهٰا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهٰا وَ ذُوقُوا عَذٰابَ الْحَرِيقِ »

ص: 80


1- قال في مجمع البيان: الخصم يستوي فيه الواحد و الجمع و الذكر و الأنثى يقال رجل خصم و رجلان خصم و رجال خصم و نساء خصم و قد يجوز في الكلام هذا خصمان اختصموا و قال الله تعالى:«هَلْ أَتٰاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرٰابَ »و هكذا حكم المصادر إذا وصف بها أو أخبر بها نحو عدل و رضى و إنما قال في الآية «خَصْمٰانِ » لأنهما جمعان و مثله:«وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا» ج ز.

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : قُلْتُ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ خَوِّفْنِي فَإِنَّ قَلْبِي قَدْ قَسَا فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ اسْتَعِدَّ لِلْحَيَاةِ الطَّوِيلَةِ فَإِنَّ جَبْرَائِيلَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ قَاطِبٌ (1) وَ قَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَجِيءُ وَ هُوَ مُبْتَسِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : يَا جَبْرَئِيلُ جِئْتَنِي الْيَوْمَ قَاطِباً فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ

قَدْ وُضِعَتْ مَنَافِخُ اَلنَّارِ، فَقَالَ : وَ مَا مَنَافِخُ اَلنَّارِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَمَرَ بِالنَّارِ فَنُفِخَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ وَ نُفِخَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ نُفِخَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ ، فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الضَّرِيعِ قَطَرَتْ فِي شَرَابِ أَهْلِ الدُّنْيَا لَمَاتَ أَهْلُهَا مِنْ نَتْنِهَا وَ لَوْ أَنَّ حَلْقَةً مِنَ السِّلْسِلَةِ الَّتِي طُولُهَا «سَبْعُونَ ذِرٰاعاً» وُضِعَتْ عَلَى الدُّنْيَا لَذَابَتِ الدُّنْيَا مِنْ حَرِّهَا، وَ لَوْ أَنَّ سِرْبَالاً مِنْ سَرَابِيلِ أَهْلِ اَلنَّارِ عُلِّقَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ لَمَاتَ أَهْلُ الْأَرْضِ مِنْ رِيحِهِ وَ وَهَجِهِ ، فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ بَكَى جَبْرَئِيلُ فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمَا مَلَكاً فَقَالَ لَهُمَا:

إِنَّ رَبَّكُمَا يُقْرِئُكُمَا السَّلاَمَ وَ يَقُولُ قَدْ آمَنْتُكُمَا أَنْ تُذْنِبَا ذَنْباً أُعَذِّبُكُمَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فَمَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ جَبْرَئِيلَ مُبْتَسِماً بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ :

إِنَّ أَهْلَ اَلنَّارِ يُعَظِّمُونَ اَلنَّارَ وَ إِنَّ أَهْلَ اَلْجَنَّةِ يُعَظِّمُونَ اَلْجَنَّةَ وَ النَّعِيمَ وَ إِنَّ أَهْلَ جَهَنَّمَ

إِذَا دَخَلُوهَا هَوَوْا فِيهَا مَسِيرَةَ سَبْعِينَ عَاماً فَإِذَا بَلَغُوا أَعْلاَهَا قُمِعُوا بِمَقَامِعِ الْحَدِيدِ وَ أُعِيدُوا فِي دَرَكِهَا هَذِهِ حَالُهُمْ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ :«كُلَّمٰا أَرٰادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهٰا» . إلخ» ثُمَّ تُبَدَّلُ جُلُودُهُمْ جُلُوداً غَيْرَ الْجُلُودِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَسْبُكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قُلْتُ حَسْبِي حَسْبِي .

ثم ذكر الله ما أعده للمؤمنين فقال «إِنَّ اللّٰهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ » إلى قوله «وَ لِبٰاسُهُمْ فِيهٰا حَرِيرٌ»

حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ

ص: 81


1- فِي الْحَدِيثِ قَطَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَيْ قَبَضَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَمَا يَفْعَلُ الْعَبُوسُ . ج. ز.

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ شَوِّقْنِي فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ مِنْ أَدْنَى نَعِيمِ اَلْجَنَّةِ يُوجَدُ رِيحُهَا مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ مِنْ مَسَافَةِ الدُّنْيَا وَ إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ اَلْجَنَّةِ مَنْزِلاً لَوْ نَزَلَ بِهِ أَهْلُ الثَّقَلَيْنِ الْجِنُّ وَ الْإِنْسُ لَوَسِعَهُمْ طَعَاماً وَ شَرَاباً وَ لاَ يَنْقُصُ مِمَّا عِنْدَهُ شَيْ ءٌ وَ إِنَّ أَيْسَرَ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ فَيُرْفَعُ لَهُ ثَلاَثُ حَدَائِقَ فَإِذَا دَخَلَ أَدْنَاهُنَّ رَأَى فِيهَا مِنَ الْأَزْوَاجِ وَ الْخَدَمِ وَ الْأَنْهَارِ وَ الْأَثْمَارِ مَا شَاءَ اللَّهُ مِمَّا يَمْلَأُ عَيْنَهُ قُرَّةً وَ قَلْبَهُ مَسَرَّةً فَإِذَا شَكَرَ اللَّهَ وَ حَمِدَهُ قِيلَ لَهُ ارْفَعْ رَأْسَكَ إِلَى الْحَدِيقَةِ الثَّانِيَةِ فَفِيهَا مَا لَيْسَ فِي الْأُخْرَى فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَعْطِنِي هَذِهِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إِنْ أَعْطَيْتُكَ إِيَّاهَا سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا فَيَقُولُ رَبِّ هَذِهِ هَذِهِ فَإِذَا هُوَ دَخَلَهَا شَكَرَ اللَّهَ وَ حَمِدَهُ قَالَ فَيُقَالُ افْتَحُوا لَهُ بَابَ اَلْجَنَّةِ وَ يُقَالُ لَهُ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَإِذَا قَدْ فُتِحَ لَهُ بَابٌ مِنَ الْخُلْدِ وَ يَرَى أَضْعَافَ مَا كَانَ فِيمَا قَبْلُ فَيَقُولُ عِنْدَ تَضَاعُفِ مَسَرَّاتِهِ رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ الَّذِي لاَ يُحْصَى إِذْ مَنَنْتَ عَلَيَّ بِالْجِنَانِ وَ نَجَّيْتَنِي مِنَ اَلنِّيرَانِ

ص: 82

قَرْنَ إِحْدَانَا عُلِّقَ فِي جَوِّ السَّمَاءِ لَأَغْشَى نُورُهُ الْأَبْصَارَ. فهاتان الآيتان و تفسيرهما رد على من أنكر خلق الجنة و النار

قوله:«وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ » قال التوحيد و الإخلاص «وَ هُدُوا إِلىٰ صِرٰاطِ الْحَمِيدِ» قال إلى الولاية

و قوله:«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ وَ اَلْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ الَّذِي جَعَلْنٰاهُ لِلنّٰاسِ سَوٰاءً الْعٰاكِفُ فِيهِ وَ الْبٰادِ» قال نزلت في قريش حين صدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن مكة

و قوله:«سَوٰاءً الْعٰاكِفُ فِيهِ وَ الْبٰادِ» قال أهل مكة و من جاء إليهم من البلدان فهم سواء لا يمنع النزول و دخول الحرم و قوله:«وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحٰادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذٰابٍ أَلِيمٍ » قال نزلت في من يلحد في أمير المؤمنين عليه السّلام

و قوله:«وَ إِذْ بَوَّأْنٰا لِإِبْرٰاهِيمَ مَكٰانَ اَلْبَيْتِ » أي عرفناه و قد كتبنا خبر بناء البيت في سورة البقرة

و أما قوله:«وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجٰالاً وَ عَلىٰ كُلِّ ضٰامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ » يقول الإبل المهزولة و قرئ « يأتون من كل فج عميق»

قَالَ :

وَ لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بِنَاءِ اَلْبَيْتِ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ فَقَالَ : يَا رَبِّ وَ مَا يَبْلُغُ صَوْتِي فَقَالَ اللَّهُ أَذِّنْ عَلَيْكَ الْأَذَانُ وَ عَلَيَّ الْبَلاَغُ وَ ارْتَفَعَ عَلَى اَلْمَقَامِ وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ مُلْصَقٌ بِالْبَيْتِ فَارْتَفَعَ اَلْمَقَامُ حَتَّى كَانَ أَطْوَلَ مِنَ الْجِبَالِ فَنَادَى وَ أَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ شَرْقاً وَ غَرْباً يَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ إِلَى اَلْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَأَجِيبُوا رَبَّكُمْ فَأَجَابُوهُ مِنْ تَحْتِ الْبُحُورِ السَّبْعَةِ وَ مِنْ بَيْنِ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ إِلَى مُنْقَطَعِ التُّرَابِ مِنْ أَطْرَافِ الْأَرْضِ كُلِّهَا وَ مِنْ أَصْلاَبِ الرِّجَالِ وَ أَرْحَامِ النِّسَاءِ بِالتَّلْبِيَةِ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ أَ وَ لاَ تَرَوْنَهُمْ يَأْتُونَ يُلَبُّونَ فَمَنْ حَجَّ مِنْ يَوْمِئِذٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَهُمْ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ :«فِيهِ آيٰاتٌ بَيِّنٰاتٌ مَقٰامُ إِبْرٰاهِيمَ »

يَعْنِي نِدَاءَ إِبْرَاهِيمَ عَلَى اَلْمَقَامِ بِالْحَجِّ .

ص: 83

امْرَأَةٌ عَجُوزٌ شَمْطَاءُ تَخْمِشُ وَجْهَهَا وَ تَدْعُو بِالْوَيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : تِلْكَ نَائِلَةُ يَئِسَتْ أَنْ تُعْبَدَ بِبِلاَدِكُمْ هَذِهِ .

و قوله:«ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ » أي يحلقوا رءوسهم و يغتسلوا من الوسخ «وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ » و إنما سمي عتيقا لأنه أعتق من الغرق

و قوله:«فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ»

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : «اَلرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ » الشِّطْرَنْجُ وَ «قَوْلَ الزُّورِ» : الْغِنَاءُ.

و قوله «حُنَفٰاءَ لِلّٰهِ » أي طاهرين و قوله:

«فِي مَكٰانٍ سَحِيقٍ » أي بعيد

و قوله:«وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعٰائِرَ اللّٰهِ فَإِنَّهٰا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ » قال: تعظيم البدن و جودتها

و قَوْلُهُ :«لَكُمْ فِيهٰا مَنٰافِعُ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى»

قَالَ الْبُدْنُ يَرْكَبُهَا الْمُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي يُحْرِمُ فِيهِ غَيْرَ مُضِرٍّ بِهَا وَ لاَ مُعْنِفٍ عَلَيْهَا وَ إِنْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ وَ هُوَ قَوْلُهُ :«ثُمَّ مَحِلُّهٰا إِلَى اَلْبَيْتِ الْعَتِيقِ »

و قوله «فَلَهُ أَسْلِمُوا وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ » قال العابدين و قوله «فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ » قال تنحر قائمة «فَإِذٰا وَجَبَتْ جُنُوبُهٰا» أي وقعت على الأرض «فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ» قال القانع الذي يسأل فيعطيه، و المعتر الذي يعتريك فلا يسأل

و قوله «لَنْ يَنٰالَ اللّٰهَ لُحُومُهٰا وَ لاٰ دِمٰاؤُهٰا وَ لٰكِنْ يَنٰالُهُ التَّقْوىٰ مِنْكُمْ »

أي لا يبلغ ما يتقرب به إلى الله و لا نحرها إذا لم يتق الله و «إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ » نحرها «مِنَ الْمُتَّقِينَ » و قوله:«لِتُكَبِّرُوا اللّٰهَ عَلىٰ مٰا هَدٰاكُمْ » قال التكبير أيام التشريق في الصلاة بمنى في عقيب خمس عشرة صلاة و في الأمصار عقيب عشر صلوات

و قوله:

«أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقٰاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللّٰهَ عَلىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ» قال نزلت في علي

و جعفر و حمزة ثم جرت، قوله:«اَلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ » قال الحسين عليه السّلام حين طلبه يزيد لعنه الله ليحمله إلى الشام فهرب إلى الكوفة و قتل بالطف.

حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اِبْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقٰاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا...» إلخ» قَالَ : إِنَّ اَلْعَامَّةَ يَقُولُونَ نَزَلَتْ فِي

ص: 84

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمَّا أَخْرَجَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ وَ إِنَّمَا هِيَ لِلْقَائِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذَا خَرَجَ يَطْلُبُ بِدَمِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ قَوْلُهُ : نَحْنُ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ وَ طُلاَّبُ الدِّيَةِ .

ثم ذكر عبادة الأئمة عليهم السّلام

و سيرتهم فقال:«اَلَّذِينَ إِنْ مَكَّنّٰاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقٰامُوا الصَّلاٰةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلّٰهِ عٰاقِبَةُ الْأُمُورِ» و أما قَوْلُهُ :«وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ» قَالَ هُوَ مَثَلٌ لِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم قَوْلُهُ :«بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ » هِيَ الَّتِي لاَ يَسْتَسْقِى مِنْهَا وَ هُوَ الْإِمَامُ الَّذِي قَدْ غَابَ فَلاَ يُقْتَبَسُ مِنْهُ الْعِلْمُ وَ الْقَصْرُ الْمَشِيدُ» هُوَ الْمُرْتَفَعُ وَ هُوَ مَثَلٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ اَلْأَئِمَّةِ وَ فَضَائِلِهِمُ الْمُشْرِفَةِ عَلَى الدُّنْيَا وَ هُوَ قَوْلُهُ «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ » و قال الشاعر في ذلك:

بئر معطلة و قصر مشرف *** مثل لآل محمد مستطرف

فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى *** و البئر علمهم الذي لا ينزف.

و قوله:«وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لاٰ نَبِيٍّ » إلى قوله «وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ »

فَإِنَّ اَلْعَامَّةَ رَوَوْا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَانَ فِي الصَّلاَةِ فَقَرَأَ سُورَةَ اَلنَّجْمِ فِي اَلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ قُرَيْشٌ يَسْتَمِعُونَ لِقِرَاءَتِهِ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ «أَ فَرَأَيْتُمُ اَللاّٰتَ وَ اَلْعُزّٰىوَ مَنٰاةَ الثّٰالِثَةَ الْأُخْرىٰ » أَجْرَى إِبْلِيسُ عَلَى لِسَانِهِ «فَإِنَّهَا لَلْغَرَانِيقُ الْأُولَى وَ إِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى» فَفَرِحَتْ قُرَيْشٌ وَ سَجَدُوا وَ كَانَ فِي الْقَوْمِ اَلْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ وَ هُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَأَخَذَ كَفّاً مِنْ حَصًى فَسَجَدَ عَلَيْهِ وَ هُوَ قَاعِدٌ وَ قَالَتْ قُرَيْشٌ قَدْ أَقَرَّ مُحَمَّدٌ بِشَفَاعَةِ اَللاَّتِ وَ اَلْعُزَّى، قَالَ فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ قَدْ قَرَأْتَ مَا لَمْ أُنْزِلْ عَلَيْكَ وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ «وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لاٰ نَبِيٍّ إِلاّٰ إِذٰا تَمَنّٰى أَلْقَى اَلشَّيْطٰانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللّٰهُ مٰا يُلْقِي اَلشَّيْطٰانُ » .».

وَ أَمَّا اَلْخَاصَّةُ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَصَابَهُ خَصَاصَةٌ فَجَاءَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ اَلْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ : هَلْ عِنْدَكَ مِنْ طَعَامٍ فَقَالَ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ ذَبَحَ لَهُ عَنَاقاً وَ شَوَاهُ فَلَمَّا أَدْنَاهُ مِنْهُ تَمَنَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنْ

ص: 85

يَكُونَ مَعَهُ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَجَاءَ مُنَافِقَانِ ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ

بَعْدَهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ «وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لاٰ نَبِيٍّ » وَ لاَ مُحَدَّثٍ

«إِلاّٰ إِذٰا تَمَنّٰى أَلْقَى اَلشَّيْطٰانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ » يَعْنِي فُلاَناً وَ فُلاَناً «فَيَنْسَخُ اللّٰهُ مٰا يُلْقِي اَلشَّيْطٰانُ »

يَعْنِي لَمَّا جَاءَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَهُمَا «ثُمَّ يُحْكِمُ اللّٰهُ آيٰاتِهِ » يَعْنِي يَنْصُرُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ثُمَّ قَالَ :«لِيَجْعَلَ مٰا يُلْقِي اَلشَّيْطٰانُ فِتْنَةً » يَعْنِي فُلاَناً وَ فُلاَناً «لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ »

إِلَى قَوْلِهِ «إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ » يَعْنِي إِلَى الْإِمَامِ الْمُسْتَقِيمِ . ثم قال:«وَ لاٰ يَزٰالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ » أي في شك من أمير المؤمنين عليه السّلام «حَتّٰى تَأْتِيَهُمُ السّٰاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذٰابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ » قال العقيم الذي لا مثل له في الأيام ثم قال:«اَلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلّٰهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ فِي جَنّٰاتِ النَّعِيمِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا» قال: و لم يؤمنوا بولاية أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السّلام

«فَأُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ » .

ثم ذكر أمير المؤمنين و المهاجرين من أصحاب النّبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:«وَ الَّذِينَ هٰاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مٰاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللّٰهُ » إلى قوله «لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ »

و أما قَوْلُهُ :«وَ مَنْ عٰاقَبَ بِمِثْلِ مٰا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللّٰهُ » فَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمَّا أَخْرَجَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ وَ هَرَبَ مِنْهُمْ إِلَى اَلْغَارِ وَ طَلَبُوهُ لِيَقْتُلُوهُ فَعَاقَبَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَقُتِلَ عُتْبَةُ وَ شَيْبَةُ وَ اَلْوَلِيدُ وَ أَبُو جَهْلٍ وَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ

وَ غَيْرُهُمْ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ طُلِبَ بِدِمَائِهِمْ فَقُتِلَ الْحُسَيْنُ وَ آلُ مُحَمَّدٍ بَغْياً وَ عُدْوَاناً وَ هُوَ قَوْلُ يَزِيدَ حِينَ تَمَثَّلَ بِهَذَا الشِّعْرِ:

لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا *** جَزَعَ اَلْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الْأَسَلِ

لَأَهَلُّوا وَ اسْتَهَلُّوا فَرَحاً *** ثُمَّ قَالُوا يَا يَزِيدُ لاَ تُشَلَّ

لَسْتُ مِنْ خِنْدِفَ إِنْ لَمْ أَنْتَقِمْ *** مِنْ بَنِي أَحْمَدَ مَا كَانَ فَعَلَ

قَدْ قَتَلْنَا الْقَرْمَ مِنْ سَادَاتِهِمْ *** وَ عَدَلْنَاهُ بِبَدْرٍ فَاعْتَدَلَ .

ص: 86

و قال الشاعر في مثل ذلك:

و كذاك الشيخ أوصاني به *** فاتبعت الشيخ فيما قد سأل.

و قال يزيد أيضا يقول:

و الرأس*** مطروح يقلبه

يا ليت أشياخنا الماضين بالحضر *** حتى يقيسوا قياسا لا يقاس به

أيام بدر لكان الوزن بالقدر.

فقال الله تبارك و تعالى:«وَ مَنْ عٰاقَبَ » يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «بِمِثْلِ مٰا عُوقِبَ بِهِ » يعني حسينا أرادوا أن يقتلوه «ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللّٰهُ » يعني بالقائم من ولده

و قوله:«لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنٰا مَنْسَكاً هُمْ نٰاسِكُوهُ » أي مذهبا يذهبون فيه ثم احتج عز و جل على قريش و الملحدين الذين يعبدون غير الله فقال:«يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ » يعني الأصنام «لَنْ يَخْلُقُوا ذُبٰاباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبٰابُ شَيْئاً لاٰ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّٰالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ » يعني الذباب

و قوله:«اَللّٰهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاٰئِكَةِ رُسُلاً» أي يختار و هو جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و ملك الموت و من الناس الأنبياء و الأوصياء فمن الأنبياء نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمد صلّى اللّه عليه و آله و من هؤلاء الخمسة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

و من الأوصياء أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السّلام و فيه تأويل غير هذا.

ثم خاطب الله الأئمة عليهم السّلام فقال:«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا» إلى قوله «وَ فِي هٰذٰا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ » يا معشر الأئمة

«وَ تَكُونُوا» أنتم «شُهَدٰاءَ عَلَى» المؤمنين و «اَلنّٰاسِ »

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«اَلَّذِينَ إِنْ مَكَّنّٰاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقٰامُوا الصَّلاٰةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ » وَ هَذِهِ الْآيَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَ الْمَهْدِيُّ وَ أَصْحَابُهُ يُمَلِّكُهُمُ اللَّهُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا وَ يُظْهِرُ الدِّينَ وَ يُمِيتُ اللَّهُ بِهِ وَ أَصْحَابِهِ الْبِدَعَ الْبَاطِلَ كَمَا أَمَاتَ السَّفَهُ الْحَقَّ حَتَّى لاَ يُرَى أَثَرٌ لِلظُّلْمِ . و أما قوله:

ص: 87

«فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنٰاهٰا وَ هِيَ ظٰالِمَةٌ فَهِيَ خٰاوِيَةٌ عَلىٰ عُرُوشِهٰا» و العروش سقف البيت و قوله:

«يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذٰابِ » و ذلك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أخبرهم أن العذاب قد أتاهم قالوا فأين العذاب و استعجلوه فقال الله «وَ إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّٰا تَعُدُّونَ » و أما قوله:«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَ جٰاهِدُوا فِي اللّٰهِ حَقَّ جِهٰادِهِ هُوَ اجْتَبٰاكُمْ وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰاهِيمَ هُوَ سَمّٰاكُمُ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ » فهذه خاصة لآل محمد عليهم السّلام

و قوله:«لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ » يعني يكون على آل محمد

«وَ تَكُونُوا شُهَدٰاءَ عَلَى النّٰاسِ » أي آل محمد يكونوا شهداء على الناس بعد النّبي صلّى اللّه عليه و آله

و قال عيسى ابن مريم:«وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مٰا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّٰا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ » يعني الشهيد «وَ أَنْتَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ» و إن الله جعل على هذه الأمة بعد النّبي صلّى اللّه عليه و آله شهيدا من أهل بيته و عترته ما كان في الدنيا منهم أحد فإذا فنوا هلك أهل الأرض

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : جَعَلَ اللَّهُ النُّجُومَ أَمَاناً لِأَهْلِ السَّمَاءِ وَ جَعَلَ أَهْلَ بَيْتِي أَمَاناً لِأَهْلِ الْأَرْضِ (1).

23- سورة المؤمنون مكية آياتها مائة و ثمان عشرة (118)

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاٰتِهِمْ خٰاشِعُونَ »

قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ اَلْجَنَّةَ قَالَ لَهَا تَكَلَّمِي فَقَالَتْ :«قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ » .» و قوله:«اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاٰتِهِمْ خٰاشِعُونَ » قال غضك بصرك في صلواتك و إقبالك عليها «وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ » يعني الغناء و الملاهي «وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكٰاةِ فٰاعِلُونَ »

قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : مَنْ مَنَعَ قِيرَاطاً مِنَ الزَّكَاةِ فَلَيْسَ هُوَ بِمُؤْمِنٍ وَ لاَ مُسْلِمٍ

وَ لاَ كَرَامَةَ لَهُ .

«وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ إِلاّٰ عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ »

ص: 88


1- ذكر الحديث ابن حجر أيضا في الصواعق عن مسند أحمد بن حنبل: النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء و أهل بيتي أمان لأهل الأرض و إذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض. ص. ط ط مصرج - ز.

يعني الإماء «فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ » و المتعة حدها حد الإماء «فَمَنِ ابْتَغىٰ وَرٰاءَ ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ العٰادُونَ » قال من جاوز ذلك فأولئك هم العادون

و قوله:«وَ الَّذِينَ هُمْ عَلىٰ صَلَوٰاتِهِمْ يُحٰافِظُونَ » قال على أوقاتها و حدودها

و قوله:«أُولٰئِكَ هُمُ الْوٰارِثُونَ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

قَالَ : مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً إِلاَّ جَعَلَ لَهُ فِي اَلْجَنَّةِ مَنْزِلاً وَ فِي اَلنَّارِ مَنْزِلاً فَإِذَا دَخَلَ أَهْلُ اَلْجَنَّةِ اَلْجَنَّةَ وَ أَهْلُ اَلنَّارِ اَلنَّارَ نَادَى مُنَادٍ يَا أَهْلَ اَلْجَنَّةِ أَشْرِفُوا فَيُشْرِفُونَ عَلَى أَهْلِ اَلنَّارِ وَ تُرْفَعُ لَهُمْ مَنَازِلُهُمْ فِيهَا ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ هَذِهِ مَنَازِلُكُمُ الَّتِي لَوْ عَصَيْتُمُ اللَّهَ لَدَخَلْتُمُوهَا يَعْنِي اَلنَّارَ قَالَ فَلَوْ أَنَّ أَحَداً مَاتَ فَرَحاً لَمَاتَ أَهْلُ اَلْجَنَّةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَرَحاً لِمَا صُرِفَ عَنْهُمْ مِنَ الْعَذَابِ ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ اَلنَّارِ ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ فَيَنْظُرُونَ مَنَازِلَهُمْ فِي اَلْجَنَّةِ وَ مَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ فَيُقَالُ لَهُمْ هَذِهِ مَنَازِلُكُمُ الَّتِي لَوْ أَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ لَدَخَلْتُمُوهَا قَالَ فَلَوْ أَنَّ أَحَداً مَاتَ حُزْناً لَمَاتَ أَهْلُ اَلنَّارِ حُزْناً فَيُورَثُ هَؤُلاَءِ مَنَازِلَ هَؤُلاَءِ وَ يُورَثُ هَؤُلاَءِ مَنَازِلَ هَؤُلاَءِ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ «أُولٰئِكَ هُمُ الْوٰارِثُونَ اَلَّذِينَ يَرِثُونَ اَلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ » .

و قوله:«وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ مِنْ سُلاٰلَةٍ مِنْ طِينٍ » قال السلالة الصفوة من الطعام و الشراب الذي يصير نطفة و النطفة أصلها من السلالة و السلالة هي من صفوة الطعام و الشراب و الطعام من أصل الطين فهذا معنى قوله:«مِنْ سُلاٰلَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنٰاهُ نُطْفَةً فِي قَرٰارٍ مَكِينٍ » يعني في الرحم «ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظٰاماً فَكَسَوْنَا الْعِظٰامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبٰارَكَ اللّٰهُ أَحْسَنُ الْخٰالِقِينَ » و هذه استحالة من أمر إلى أمر فحد النطفة إذا وقعت في الرحم أربعون يوما ثم تصير علقة.

و زعمت المعتزلة أنا نخلق أفعالنا و احتجوا بقول الله «أَحْسَنُ الْخٰالِقِينَ »

و زعموا أن هاهنا خالقين غير الله عز و جل و معنى الخلق هاهنا التقدير مثل قول الله

ص: 89

لعيسى ابن مريم و ليس ذلك كما ذهبت المعتزلة أنهم خالقون لأفعالهم و قوله:«خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ مِنْ سُلاٰلَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنٰاهُ نُطْفَةً فِي قَرٰارٍ مَكِينٍ » إلى قوله «ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ» فهم ستة أجزاء و ست استحالات و في كل جزء و استحالة دية محدودة ففي النطفة عشرون دينارا، و في العلقة أربعون دينارا، و في المضغة ستون دينارا و في العظم ثمانون دينارا، و إذا كسي لحما فمائة دينار حتى يستهل فإذا استهل فالدية كاملة

فَحَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : قُلْتُ فَإِنْ خَرَجَ فِي النُّطْفَةِ قَطْرَةُ دَمٍ قَالَ فِي الْقَطْرَةِ عُشْرُ النُّطْفَةِ فَفِيهَا اثْنَانِ وَ عِشْرُونَ دِينَاراً(1) قُلْتُ قَطْرَتَانِ قَالَ أَرْبَعَةٌ وَ عِشْرُونَ دِينَاراً قُلْتُ فَثَلاَثٌ قَالَ سِتَّةٌ وَ عِشْرُونَ دِينَاراً قُلْتُ فَأَرْبَعٌ قَالَ ثَمَانِيَةٌ وَ عِشْرُونَ دِينَاراً قُلْتُ فَخَمْسٌ قَالَ ثَلاَثُونَ دِينَاراً وَ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ فَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ حَتَّى تَصِيرَ عَلَقَةً فَيَكُونُ فِيهَا أَرْبَعُونَ دِينَاراً، قُلْتُ فَإِنْ خَرَجَتِ النُّطْفَةُ مُتَخَضْخِضَةً بِالدَّمِ قَالَ : قَدْ عَلِقَتْ إِنْ كَانَ دَماً صَافِياً أَرْبَعُونَ دِينَاراً وَ إِنْ كَانَ دَماً أَسْوَدَ فَذَلِكَ مِنَ الْجَوْفِ فَلاَ شَيْ ءَ عَلَيْهِ إِلاَّ التَّعْزِيرُ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مِنْ دَمٍ صَافٍ فَذَلِكَ الْوَلَدُ وَ مَا كَانَ مِنْ دَمٍ أَسْوَدَ فَهُوَ مِنَ الْجَوْفِ ، قَالَ فَقَالَ أَبُو شِبْلٍ فَإِنَّ الْعَلَقَةَ إِذَا صَارَتْ فِيهَا شَبِيهَ الْعُرُوقِ وَ اللَّحْمِ قَالَ : اثْنَانِ وَ أَرْبَعُونَ دِينَاراً [وَ] الْعُشْرُ قَالَ قُلْتُ فَإِنَّ عُشْرَ الْأَرْبَعِينَ أَرْبَعَةٌ ، قَالَ لاَ إِنَّمَا عُشْرُ الْمُضْغَةِ إِنَّمَا ذَهَبَ عُشْرُهَا فَكُلَّمَا ازْدَادَتْ زِيدَ حَتَّى تَبْلُغَ السِّتِّينَ قُلْتُ فَإِنْ رَأَتْ فِي الْمُضْغَةِ مِثْلَ عُقْدَةِ عَظْمٍ يَابِسٍ قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ عَظْمٌ أَوَّلَ مَا يَبْتَدِئُ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ(2) فَإِنْ زَادَ فَزَادَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً قُلْتُ فَإِنْ كُسِيَ الْعَظْمُ لَحْماً قَالَ كَذَلِكَ إِلَى مِائَةٍ قُلْتُ فَإِنْ رَكَزَهَا فَسَقَطَ الصَّبِيُّ لاَ يُدْرَى أَ حَيّاً كَانَ أَوْ مَيِّتاً، قَالَ : هَيْهَاتَ يَا أَبَا شِبْلٍ

ص: 90


1- عِشْرُونَ دِينَاراً لِلنُّطْفَةِ وَ دِينَارَانِ لِقَطْرَةِ الدَّمِ وَ هَكَذَا.
2- يَعْنِي علاوة مِنْ دِيَةِ الْمُضْعفة فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ أَرْبَعَةٌ وَ سِتِّينَ دِينَاراً ج. ز.

إِذَا بَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَقَدْ صَارَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ وَ قَدِ اسْتَوْجَبَ الدِّيَةَ .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ» فَهُوَ نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ لَقَدْ خَلَقْنٰا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرٰائِقَ » قال السماوات و قوله:«وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنٰاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَ صِبْغٍ لِلْآكِلِينَ »

قال شجرة الزيتون و هو مثل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: فِي قَوْلِهِ :«وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّٰاهُ فِي الْأَرْضِ » فَهِيَ الْأَنْهَارُ وَ الْعُيُونُ وَ الْآبَارُ وَ قَوْلُهُ :«وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنٰاءَ» فَالطُّورُ الْجَبَلُ وَ السَّيْنَاءُ الشَّجَرَةُ وَ أَمَّا الشَّجَرَةُ الَّتِي «تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ » فَهِيَ الزَّيْتُونُ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعٰامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّٰا فِي بُطُونِهٰا وَ لَكُمْ فِيهٰا مَنٰافِعُ كَثِيرَةٌ وَ مِنْهٰا تَأْكُلُونَ وَ عَلَيْهٰا وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ » يعني السفن

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ: فِي قَوْلِهِ «فَجَعَلْنٰاهُمْ غُثٰاءً» وَ الْغُثَاءُ الْيَابِسُ الْهَامِدُ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ .

و قوله:«ثُمَّ أَرْسَلْنٰا رُسُلَنٰا تَتْرٰا» يقول بعضهم في أثر بعض

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ جَعَلْنَا اِبْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً » إلى قوله «وَ مَعِينٍ » قال الربوة: الحيرة و ذات قرار و معين أي الكوفة

ثم خاطب الله الرسل فقال «يٰا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبٰاتِ وَ اعْمَلُوا صٰالِحاً» إلى قوله «أُمَّةً وٰاحِدَةً » قال على مذهب واحد

و قوله:«كُلُّ حِزْبٍ بِمٰا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ » قال كل من اختار لنفسه دينا فهو فرح به، ثم خاطب الله نبيه صلّى اللّه عليه و آله فقال «فَذَرْهُمْ » يا محمد «فِي غَمْرَتِهِمْ » أي في سكرتهم و شكهم «حَتّٰى حِينٍ »

ص: 91

«أَنَّهُمْ إِلىٰ رَبِّهِمْ رٰاجِعُونَ » ثم قال «أُولٰئِكَ يُسٰارِعُونَ فِي الْخَيْرٰاتِ وَ هُمْ لَهٰا سٰابِقُونَ »

و هو معطوف على قوله «أَ يَحْسَبُونَ أَنَّمٰا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مٰالٍ وَ بَنِينَ نُسٰارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرٰاتِ » .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«أُولٰئِكَ يُسٰارِعُونَ فِي الْخَيْرٰاتِ وَ هُمْ لَهٰا سٰابِقُونَ » هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ.

و قوله:

«بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هٰذٰا» يعني من القرآن و لهم أعمال من دون ذلك «هُمْ لَهٰا عٰامِلُونَ » يقول ما كتب عليهم في اللوح ما هم عاملون قبل أن يخلقوا هم لذلك الأعمال المكتوبة عاملون و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ لَدَيْنٰا كِتٰابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ » أي عليكم ثم قال:«بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هٰذٰا» أي في شك مما يقولون

و قوله:«حَتّٰى إِذٰا أَخَذْنٰا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذٰابِ » يعني كبراءهم بالعذاب «إِذٰا هُمْ يَجْأَرُونَ » أي يضجون فرد الله عليهم «لاٰ تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنّٰا لاٰ تُنْصَرُونَ » إلى قوله «مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سٰامِراً تَهْجُرُونَ » أي جعلتموه سمرا و هجرتموه

و قوله:

«أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ » يعني برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فرد الله عليهم «بَلْ جٰاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كٰارِهُونَ » و قوله:«وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوٰاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمٰاوٰاتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ » قال: الحق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام و الدليل على ذلك قوله:«قَدْ جٰاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ » يعني بولاية أمير المؤمنين عليه السّلام و قوله:«وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ » أي يا محمد أهل مكة في علي «أَ حَقٌّ هُوَ» إمام هو «قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ » أي لإمام، و مثله كثير و الدليل على أن الحق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام قول الله عز و جل: و لو اتبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام قريشا «لَفَسَدَتِ السَّمٰاوٰاتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ » ، ففساد السماء إذا لم تمطر و فساد الأرض إذا لم تنبت و فساد الناس في ذلك

ص: 92

«وَ إِنَّ الَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ اَلصِّرٰاطِ لَنٰاكِبُونَ » قال عن الإمام لحائدون ثم حكى الله عز و جل قول الدهرية «قٰالُوا أَ إِذٰا مِتْنٰا وَ كُنّٰا تُرٰاباً وَ عِظٰاماً أَ إِنّٰا لَمَبْعُوثُونَ » إلى قوله «أَسٰاطِيرُ الْأَوَّلِينَ » يعني أكاذيب الأولين فرد الله عليهم فقال:«بَلْ أَتَيْنٰاهُمْ بِالْحَقِّ وَ إِنَّهُمْ لَكٰاذِبُونَ » ثم رد الله على الثنوية الذين قالوا بإلهين فقال الله تعالى:«مَا اتَّخَذَ اللّٰهُ مِنْ وَلَدٍ وَ مٰا كٰانَ مَعَهُ مِنْ إِلٰهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلٰهٍ بِمٰا خَلَقَ وَ لَعَلاٰ بَعْضُهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ » قال: لو كان إلهين كما زعمتم لكانا يختلفان فيخلق هذا و لا يخلق هذا و يريد هذا و لا يريد هذا و يطلب كل واحد منهما الغلبة و إذا أراد أحدهما خلق إنسان أراد الآخر خلق بهيمة فيكون إنسانا و بهيمة في حالة واحدة و هذا غير موجود فلما بطل هذا ثبت التدبير و الصنع لواحد و دل أيضا التدبير و ثباته و قوام بعضه ببعض على أن الصانع واحد و ذلك قوله:

«مَا اتَّخَذَ اللّٰهُ مِنْ وَلَدٍ» إلى قوله «لَعَلاٰ بَعْضُهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ » ثم قال آنفا «سُبْحٰانَ اللّٰهِ عَمّٰا يَصِفُونَ » و قوله:«وَ قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزٰاتِ اَلشَّيٰاطِينِ » قال ما يقع في قلبك من وسوسة الشياطين و قوله:«حَتّٰى إِذٰا جٰاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قٰالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صٰالِحاً فِيمٰا تَرَكْتُ كَلاّٰ إِنَّهٰا كَلِمَةٌ هُوَ قٰائِلُهٰا» فإنها نزلت في مانع الزكاة و الخمس.

وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ خَالِدٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : مَا مِنْ ذِي مَالٍ ذَهَبٍ وَ لاَ فِضَّةٍ يَمْنَعُ زَكَاةَ مَالِهِ أَوْ خُمُسَهُ إِلاَّ حَبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَفْرٍ وَ سَلَّطَ عَلَيْهِ سِبَاعاً تُرِيدُهُ وَ تَحِيدُ عَنْهُ [فِيهِ ] فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لاَ مَحِيصَ لَهُ أَمْكَنَهُ مِنْ يَدِهِ فَقَضِمَهَا كَمَا يُقْضَمُ الْفُجْلُ وَ مَا مِنْ ذِي مَالٍ إِبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ يَمْنَعُ زَكَاةَ مَالِهِ إِلاَّ حَبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَفْرٍ يَنْطَحُهُ كُلُّ ذَاتِ قَرْنٍ بِقَرْنِهَا وَ كُلُّ ذِي ظِلْفٍ بِظِلْفِهَا وَ مَا مِنْ ذِي مَالٍ نَخْلٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ كَرْمٍ يَمْنَعُ زَكَاةَ مَالِهِ إِلاَّ طَوَّقَهُ اللَّهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

وَ رَفَعَ أَرْضَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ يُقَلِّدُهُ [يُقَلِّبُهُ ] إِيَّاهُ . و قوله:«وَ مِنْ وَرٰائِهِمْ بَرْزَخٌ »

ص: 93

«إِلىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ » قال البرزخ هو أمر بين أمرين و هو الثواب و العقاب بين الدنيا و الآخرة و هو رد على من أنكر عذاب القبر و الثواب و العقاب قبل القيامة و هو

قَوْلُ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : وَ اللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ إِلاَّ الْبَرْزَخَ فَأَمَّا إِذَا صَارَ الْأَمْرُ إِلَيْنَا فَنَحْنُ أَوْلَى بِكُمْ .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ : إِنَّ الْقَبْرَ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ اَلْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ اَلنِّيرَانِ .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرٰاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ» ، يَقُولُ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَأَجْرُ رَبِّكَ خَيْرٌ «وَ هُوَ خَيْرُ الرّٰازِقِينَ » . و قوله:«وَ لَقَدْ أَخَذْنٰاهُمْ بِالْعَذٰابِ فَمَا اسْتَكٰانُوا لِرَبِّهِمْ وَ مٰا يَتَضَرَّعُونَ » فهو الجوع و الخوف و القتل و قوله:«حَتّٰى إِذٰا فَتَحْنٰا عَلَيْهِمْ بٰاباً ذٰا عَذٰابٍ شَدِيدٍ إِذٰا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ » يقول آيسون

و أما قوله:«غَلَبَتْ عَلَيْنٰا شِقْوَتُنٰا» فإنهم علموا حين عاينوا أمر الآخرة أن الشقي كتب عليهم علموا حين لم ينفعهم العلم قالوا «رَبَّنٰا أَخْرِجْنٰا مِنْهٰا فَإِنْ عُدْنٰا فَإِنّٰا ظٰالِمُونَ قٰالَ اخْسَؤُا فِيهٰا وَ لاٰ تُكَلِّمُونِ » فبلغني و الله أعلم أنهم تداركوا بعضهم على بعض سبعين عاما حتى انتهوا إلى قعر جهنم.

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«فَإِذٰا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاٰ أَنْسٰابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لاٰ يَتَسٰاءَلُونَ » فإنه رد على من يفتخر بالأنساب

قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لاَ يَتَقَدَّمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدٌ إِلاَّ بِالْأَعْمَالِ . و الدليل على ذلك

قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْعَرَبِيَّةَ لَيْسَتْ بِأَبٍ وَ جَدٍّ وَ إِنَّمَا هُوَ لِسَانٌ نَاطِقٌ فَمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ فَهُوَ عَرَبِيٌّ أَلاَ إِنَّكُمْ وُلْدُ آدَمَ وَ آدَمُ مِنْ تُرَابٍ وَ اللَّهِ لَعَبْدٌ حَبَشِيٌّ حِينَ أَطَاعَ اللَّهَ خَيْرٌ مِنْ سَيِّدٍ قُرَشِيٍّ عَصَى اللَّهَ وَ «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ » . و الدليل على ذلك قوله عز و جل:«فَإِذٰا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاٰ أَنْسٰابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لاٰ يَتَسٰاءَلُونَ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوٰازِينُهُ » يعني بالأعمال الحسنة «فَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَ مَنْ خَفَّتْ مَوٰازِينُهُ » قال من الأعمال الحسنة «فَأُولٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خٰالِدُونَ » و قوله «تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّٰارُ»

قال أي تلهب عليهم فتحرقهم «وَ هُمْ فِيهٰا كٰالِحُونَ » أي مفتوحي الفم متربدي الوجوه

ص: 94

«قٰالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قٰالُوا لَبِثْنٰا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعٰادِّينَ » قال سل الملائكة الذين كانوا يعدون علينا الأيام و يكتبون ساعاتنا و أعمالنا التي اكتسبناها فيها على الأنام فرد الله عليهم فقال قل لهم يا محمد «إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّٰ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمٰا خَلَقْنٰاكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنٰا لاٰ تُرْجَعُونَ » و قوله:«وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ لاٰ بُرْهٰانَ لَهُ بِهِ » أي لا حجة له به «فَإِنَّمٰا حِسٰابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاٰ يُفْلِحُ اَلْكٰافِرُونَ وَ قُلْ » يا محمد «رَبِّ اغْفِرْ وَ ارْحَمْ وَ أَنْتَ خَيْرُ الرّٰاحِمِينَ »

24- سورة النور مدنية آياتها أربع و ستون 64

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ سُورَةٌ أَنْزَلْنٰاهٰا وَ فَرَضْنٰاهٰا وَ أَنْزَلْنٰا فِيهٰا آيٰاتٍ بَيِّنٰاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » يعني كي تذكروا و قوله:«اَلزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ » و هي ناسخة لقوله «وَ اللاّٰتِي يَأْتِينَ الْفٰاحِشَةَ مِنْ نِسٰائِكُمْ »

إلى آخر الآية و قوله:«وَ لاٰ تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّٰهِ » يعني لا تأخذكم الرأفة على الزاني و الزانية في دين الله «إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ الْآخِرِ» في إقامة الحد عليهما.

و كانت آية الرجم نزلت: الشَّيْخُ وَ الشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ فَإِنَّهُمَا قَضَيَا الشَّهْوَةَ نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

: فِي قَوْلِهِ :«وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا» يَقُولُ ضَرْبَهُمَا «طٰائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » يُجْمَعُ لَهُمُ النَّاسُ إِذَا جُلِدُوا.

ص: 95

المعروفات في الدنيا لا يقدر الرجل على تحصينهن، و نزلت هذه الآية في نساء مكة

كن مستعلنات بالزنا سارة و حنتمة و الرباب كن يغنين بهجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

فحرم الله نكاحهن، و جرت بعدهن في النساء من أمثالهن.

و الزنا على وجوه و الحد فيه على وجوه

فَمِنْ ذَلِكَ : أَنَّهُ أَحْضَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ

سِتَّةَ نَفَرٍ أُخِذُوا بِالزِّنَا فَأَمَرَ أَنْ يُقَامَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدُّ وَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

جَالِساً عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ يَا عُمَرُ لَيْسَ هَذَا حُكْمَهُمْ ، قَالَ : فَأَقِمْ أَنْتَ عَلَيْهِمْ الْحَدَّ، فَقَدَّمَ وَاحِداً مِنْهُمْ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَ قَدَّمَ الثَّانِيَ فَرَجَمَهُ وَ قَدَّمَ الثَّالِثَ فَضَرَبَهُ الْحَدَّ وَ قَدَّمَ الرَّابِعَ فَضَرَبَهُ نِصْفَ الْحَدِّ وَ قَدَّمَ الْخَامِسَ فَعَزَّرَهُ وَ أَمَّا السَّادِسُ فَأَطْلَقَهُ فَتَعَجَّبَ عُمَرُ

وَ تَحَيَّرَ النَّاسُ ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ سِتَّةُ نَفَرٍ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ أَقَمْتَ عَلَيْهِمْ سِتَّ عُقُوبَاتِ لَيْسَ مِنْهَا حُكْمٌ يُشْبِهُ الْآخَرَ فَقَالَ نَعَمْ أَمَّا الْأَوَّلُ فَكَانَ ذِمِّيّاً زَنَى بِمُسْلِمَةٍ

وَ خَرَجَ عَنْ ذِمَّتِهِ فَالْحُكْمُ فِيهِ السَّيْفُ ، وَ أَمَّا الثَّانِي فَرَجُلٌ مُحْصَنٌ زَنَى فَرَجَمْنَاهُ ، وَ أَمَّا الثَّالِثُ فَغَيْرُ مُحْصَنٍ فَحَدَدْنَاهُ ، وَ أَمَّا الرَّابِعُ فَعَبْدٌ زَنَى فَضَرَبْنَاهُ نِصْفَ الْحَدِّ، وَ أَمَّا الْخَامِسُ فَكَانَ مِنْهُ ذَلِكَ الْفِعْلُ بِالشُّبْهَةِ فَعَزَّرْنَاهُ وَ أَدَّبْنَاهُ وَ أَمَّا السَّادِسُ فَمَجْنُونٌ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ سَقَطَ مِنْهُ التَّكْلِيفُ .

و أما قوله:«وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ » إلى قوله «وَ لاٰ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهٰادَةً أَبَداً»

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : الْقَاذِفُ يُجْلَدُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَ لاَ تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ أَبَداً إِلاَّ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَإِنْ شَهِدَ لَهُ ثَلاَثَةٌ وَ أَبَى وَاحِدٌ يُجْلَدُ الثَّلاَثَةُ وَ لاَ يُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ حَتَّى يَقُولَ أَرْبَعَةٌ رَأَيْنَا مِثْلَ الْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ ، وَ مَنْ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ زَنَى لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ حَتَّى يُعِيدَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ .

حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ

ص: 96

إِنِّي زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَ بِكَ جُنَّةٌ فَقَالَ : لاَ قَالَ أَ فَتَقْرَأُ مِنَ اَلْقُرْآنِ شَيْئاً قَالَ : نَعَمْ فَقَالَ لَهُ : مِمَّنْ أَنْتَ فَقَالَ : أَنَا مِنْ مُزَيْنَةَ أَوْ جُهَيْنَةَ

قَالَ : اذْهَبْ حَتَّى أَسْأَلَ عَنْكَ فَسَأَلَ عَنْهُ ، قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا رَجُلٌ صَحِيحُ الْعَقْلِ مُسْلِمٌ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، فَقَالَ :

وَيْحَكَ أَ لَكَ زَوْجَةٌ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَكُنْتَ حَاضِرَهَا أَوْ غَائِباً عَنْهَا قَالَ : بَلْ كُنْتُ حَاضِرَهَا قَالَ : اذْهَبْ حَتَّى نَنْظُرَ فِي أَمْرِكَ ، فَجَاءَ إِلَيْهِ الثَّالِثَةَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فِي الرَّابِعَةِ ، فَقَالَ : إِنِّي زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، فَأَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِحَبْسِهِ ثُمَّ نَادَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَحْتَاجُ أَنْ نُقِيمَ عَلَيْهِ حَدَّ اللَّهِ فَاخْرُجُوا مُتَنَكِّرِينَ لاَ يَعْرِفُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَ مَعَكُمْ أَحْجَارُكُمْ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَخْرَجَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالْغَلَسِ (1) وَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ حَفَرَ حَفِيرَةً وَ وَضَعَهُ فِيهَا ثُمَّ نَادَى: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذِهِ حُقُوقُ اللَّهِ لاَ يَطْلُبُهَا مَنْ كَانَ عِنْدَهُ لِلَّهِ حَقٌّ مِثْلُهُ فَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَلَيْهِ حَقٌّ مِثْلُهُ فَلْيَنْصَرِفْ فَإِنَّهُ لاَ يُقِيمُ الْحَدَّ مِنَ اللَّهِ مَنْ لِلَّهِ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَانْصَرَفَ النَّاسُ فَأَخَذَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَجَراً فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ فَرَمَاهُ ثُمَّ أَخَذَ الْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِثْلَهُ ثُمَّ فَعَلَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِثْلَهُ فَلَمَّا مَاتَ أَخْرَجَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ صَلَّى عَلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَ لاَ تُغَسِّلُهُ قَالَ : قَدِ اغْتَسَلَ بِمَا هُوَ مِنْهَا طَاهِرٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَتَى هَذِهِ الْقَاذُورَةَ (2) فَلْيَتُبْ إِلَى اللَّهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اللَّهِ فَوَ اللَّهِ لَتَوْبَةٌ إِلَى اللَّهِ فِي السِّرِّ لَأَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَفْضَحَ نَفْسَهُ وَ يَهْتِكَ سِتْرَهُ .

ص: 97


1- الْغَلَسُ بِالتَّحْرِيكِ : الظُّلْمَةُ آخِرَ اللَّيْلِ .
2- الْفَاحِشَةُ الزِّنَا وَ مِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : «أَيُّهَا النَّاسُ اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَةَ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا». مجمع.

و أما قوله «وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوٰاجَهُمْ » إلى قوله «إِنْ كٰانَ مِنَ الصّٰادِقِينَ »

فإنها نزلت في اللعان، و كان سبب ذلك

أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ جَاءَهُ عُوَيْمِرُ بْنُ سَاعِدَةَ الْعَجْلاَنِيُّ وَ كَانَ مِنَ اَلْأَنْصَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ

إِنَّ امْرَأَتِي زَنَى بِهَا شَرِيكُ بْنُ السَّمْحَاءِ وَ هِيَ مِنْهُ حَامِلٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَنْزِلَهُ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ آيَةُ اللِّعَانِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ صَلَّى بِالنَّاسِ الْعَصْرَ وَ قَالَ لِعُوَيْمِرٍ: ائْتِنِي بِأَهْلِكَ فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكُمَا قُرْآناً، فَجَاءَ إِلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَدْعُوكِ وَ كَانَتْ فِي شَرَفٍ مِنْ قَوْمِهَا فَجَاءَ مَعَهَا جَمَاعَةٌ فَلَمَّا دَخَلَتِ اَلْمَسْجِدَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِعُوَيْمِرٍ تَقَدَّمَا إِلَى اَلْمِنْبَرِ وَ الْتَعِنَا، قَالَ فَكَيْفَ أَصْنَعُ فَقَالَ تَقَدَّمْ وَ قُلْ : أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي إِذاً لِمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ ، قَالَ فَتَقَدَّمَ وَ قَالَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَعِدْهَا فَأَعَادَهَا ثُمَّ قَالَ أَعِدْهَا حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، فَقَالَ لَهُ فِي الْخَامِسَةِ عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتَهَا بِهِ فَقَالَ «وَ الْخٰامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللّٰهِ عَلَيْهِ إِنْ كٰانَ مِنَ الْكٰاذِبِينَ » فِيمَا رَمَاهَا بِهِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِنَّ اللَّعْنَةَ لَمَوْجِبَةٌ إِنْ كُنْتَ كَاذِباً ثُمَّ قَالَ لَهُ تَنَحَّ فَتَنَحَّى عَنْهُ ، ثُمَّ قَالَ لِزَوْجَتِهِ تَشْهَدِينَ كَمَا شَهِدَ وَ إِلاَّ أَقَمْتُ عَلَيْكِ حَدَّ اللَّهِ ، فَنَظَرَتْ فِي وُجُوهِ قَوْمِهَا فَقَالَتْ لاَ أُسَوِّدُ هَذِهِ الْوُجُوهَ فِي هَذِهِ الْعَشِيَّةِ ، فَتَقَدَّمَتْ إِلَى اَلْمِنْبَرِ وَ قَالَتْ :

أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّ عُوَيْمِرَ بْنَ سَاعِدَةَ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَعِيدِيهَا فَأَعَادَتْهَا حَتَّى أَعَادَتْهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الْعَنِي نَفْسَكِ فِي الْخَامِسَةِ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَاكِ بِهِ فَقَالَتْ فِي الْخَامِسَةِ «أَنَّ غَضَبَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا إِنْ كٰانَ مِنَ الصّٰادِقِينَ » فِيمَا رَمَانِي بِهِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 98

أَبْعَدُ لَكَ مِنْهُ وَ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فَهُوَ لَهَا بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا.

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : إِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ أَخْمَشَ السَّاقَيْنِ وَ أَخْفَشَ الْعَيْنَيْنِ جعد [جَعْداً] قطط [قَطَطاً] فَهُوَ لِلْأَمْرِ السَّيِّئِ وَ إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَشْهَلَ أَصْهَبَ (1) فَهُوَ لِأَبِيهِ فَيُقَالُ إِنَّهَا جَاءَتْ بِهِ عَلَى الْأَمْرِ السَّيِّئِ ، فَهَذِهِ لاَ تَحِلُّ لِزَوْجِهَا وَ إِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لاَ يَرِثُهُ أَبُوهُ وَ مِيرَاثُهُ لِأُمِّهِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمٌّ فَلِأَخْوَالِهِ وَ إِنْ قَذَفَهُ أَحَدٌ جُلِدَ حَدَّ الْقَاذِفِ .،

و أما قوله:«إِنَّ الَّذِينَ جٰاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاٰ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ » فإن العامة رووا أنها نزلت في عائشة و ما رميت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة و أما الخاصة فإنهم رووا أنها نزلت في مارية القبطية و ما رمتها به عائشة و المنافقات.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ

قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ [مُحَمَّدُ] بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

يَقُولُ : لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَزِنَ عَلَيْهِ حُزْناً شَدِيداً فَقَالَتْ عَائِشَةُ مَا الَّذِي يَحْزُنُكَ عَلَيْهِ فَمَا هُوَ إِلاَّ ابْنَ جَرِيحٍ ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَلِيّاً

وَ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ فَذَهَبَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَيْهِ وَ مَعَهُ السَّيْفُ وَ كَانَ جَرِيحٌ الْقِبْطِيُّ فِي حَائِطٍ وَ ضَرَبَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَابَ الْبُسْتَانِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ جَرِيحٌ لِيَفْتَحَ لَهُ الْبَابَ فَلَمَّا رَأَى عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ص: 99


1- قَطَطٌ كَصَنَمٍ : قَصِيرُ الشَّعْرِ جَعْدُهُ ج قطون وَ قطاط ، أشهل: يُخَالِطُ سَوَادُ الْعَيْنِ بزرقة، أصهب: تَكُونُ فِي الشَّعْرِ حُمْرَةٌ أَوْ شقرة. ج. ز.

يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا بَعَثْتَنِي فِي الْأَمْرِ أَكُونُ فِيهِ كَالْمِسْمَارِ الْمُحْمَى فِي الوتر [اَلْوَبَرِ] أَمْ أَثَّبَّتُ قَالَ فَقَالَ لاَ بَلِ اثَّبِّتْ ، فَقَالَ وَ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا لَهُ مَا لِلرِّجَالِ وَ لاَ مَا لِلنِّسَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَصْرِفُ عَنَّا السُّوءَ أَهْلَ الْبَيْتِ (1) .

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا رَأَتْ عَيْنَاهُ وَ مَا سَمِعَتْ أُذُنَاهُ كَانَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ » .» ثم أدب الله تعالى خلقه فقال:«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ » إلى قوله «فَلاٰ تَدْخُلُوهٰا حَتّٰى يُؤْذَنَ لَكُمْ »

قال معناه معلما للناس «فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهٰا أَحَداً» يأذن لكم «فَلاٰ تَدْخُلُوهٰا حَتّٰى يُؤْذَنَ لَكُمْ »

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ لاٰ يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبىٰ » وَ هِيَ قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «وَ الْمَسٰاكِينَ وَ اَلْمُهٰاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ لْيَعْفُوا وَ لْيَصْفَحُوا» يَقُولُ يَعْفُو بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ وَ يَصْفَحُ فَإِذَا فَعَلْتُمْ كَانَتْ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ لَكُمْ يَقُولُ اللَّهُ :«أَ لاٰ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّٰهُ لَكُمْ وَ اللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ » . و قوله:«إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ الْغٰافِلاٰتِ الْمُؤْمِنٰاتِ »

يقول غافلات عن الفواحش و قوله:«اَلْخَبِيثٰاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثٰاتِ وَ الطَّيِّبٰاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبٰاتِ أُولٰئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّٰا يَقُولُونَ »

ص: 100


1- لا يتوهم متوهم أن هذا الخبر دال على منقصة في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيث أمر بقتل القبطي بدون إثبات جرمه و بدون التثبيت فيه، و جوابه أن أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بقتله هاهنا مشتمل على مصلحة، فإنه في عاقبة هذا الأمر ظهر كون القبطي عنينا و لو لم يكن هذا الانكشاف لكان دون إثبات براءة مارية القبطية خرط القتاد. ج. ز.

يقول الخبيثات من الكلام و العمل للخبيثين من الرجال و النساء يلزمونهم و يصدق عليهم من قال و الطيبون من الرجال و النساء من الكلام و العمل للطيبات و أما قوله:«حَتّٰى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلىٰ أَهْلِهٰا» قال الاستيناس هو الاستئذان

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبَانٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : الاِسْتِينَاسُ وَقْعُ النَّعْلِ وَ التَّسْلِيمُ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«فَإِذٰا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ مُبٰارَكَةً طَيِّبَةً » قال هو سلامك على أهل البيت و ردهم عليكم فهو سلامك على نفسك

ثُمَّ رَخَّصَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ :«لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهٰا مَتٰاعٌ لَكُمْ » قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هِيَ الْحَمَّامَاتُ وَ الْخَانَاتُ وَ الْأَرْحِيَةُ تَدْخُلُهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ .

و قوله:«قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ » .

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

قَالَ : كُلُّ آيَةٍ فِي اَلْقُرْآنِ فِي ذِكْرِ الْفُرُوجِ فَهِيَ مِنَ الزِّنَا إِلاَّ هَذِهِ الْآيَةَ فَإِنَّهَا مِنَ النَّظَرِ فَلاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُؤْمِنٍ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى فَرْجِ أَخِيهِ وَ لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى فَرْجِ أُخْتِهَا.

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ لاٰ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّٰ مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا» فَهِيَ الثِّيَابُ وَ الْكُحْلُ وَ الْخَاتَمُ وَ خِضَابُ الْكَفِّ وَ السِّوَارُ، وَ الزِّينَةُ ثَلاَثٌ : زِينَةٌ لِلنَّاسِ وَ زِينَةٌ لِلْمَحْرَمِ وَ زِينَةٌ لِلزَّوْجِ ، فَأَمَّا زِينَةُ النَّاسِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ ، وَ أَمَّا زِينَةُ الْمَحْرَمِ فَمَوْضِعُ الْقِلاَدَةِ فَمَا فَوْقَهَا وَ الدُّمْلُجُ (1) وَ مَا دُونَهُ وَ الْخَلْخَالُ وَ مَا أَسْفَلَ مِنْهُ وَ أَمَّا زِينَةٌ لِلزَّوْجِ فَالْجَسَدُ كُلُّهُ . و أما قوله:

ص: 101


1- دُمْلُجٌ كَقُنْفُذٍ ج دَمَالِجُ : حُلِيٌّ يُلْبَسُ فِي الْمِعْصَمِ . ج. ز.

«أَوِ التّٰابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجٰالِ » فهو الشيخ الكبير الفاني الذي لا حاجة له في النساء و الطفل الذي لم يظهر على عورات النساء و أما قوله:«وَ لاٰ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مٰا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ » يقول و لا تضرب إحدى رجليها بالأخرى ليقرع الخلخال بالخلخال و أما قوله:«وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَ الصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَ إِمٰائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ » فكانوا في الجاهلية لا ينكحون الأيامى فأمر الله المسلمين أن ينكحوا الأيامى، و قال علي بن إبراهيم: الأيم التي ليس لها زوج

و أما قوله:«وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتٰابَ مِمّٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ فَكٰاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً» فإن العبيد و الإماء كانوا يقولون لأصحابهم كاتبونا و معنى ذلك أنهم يشترون أنفسهم من أصحابهم على أنهم يؤدون ثمنهم في نجمين(1) أو ثلاثة أنجم فيمتنعون عليهم فقال:«فَكٰاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً» و معنى قوله:«وَ آتُوهُمْ مِنْ مٰالِ اللّٰهِ الَّذِي آتٰاكُمْ » قال إذا كاتبتموهم تجعلوا لهم من ذلك شيئا و قوله «وَ لاٰ تُكْرِهُوا فَتَيٰاتِكُمْ عَلَى الْبِغٰاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً» قال كانت العرب و قريش يشترون الإماء و يجعلون عليهن الضريبة الثقيلة و يقولون اذهبن و ازنين و اكتسبن فنهاهم الله عز و جل عن ذلك فقال «وَ لاٰ تُكْرِهُوا فَتَيٰاتِكُمْ عَلَى الْبِغٰاءِ» إلى قوله «غَفُورٌ رَحِيمٌ » أي لا يؤاخذهن الله بذلك إذا أكرهن عليه

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَتْهَا «فَإِنْ أَتَيْنَ بِفٰاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى الْمُحْصَنٰاتِ مِنَ الْعَذٰابِ » .»

ص: 102


1- نجم: ما يؤدى من الدين في وقت معين يقال «جعلت مالي عليه نجوما» ج. ز.

عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ «اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكٰاةٍ » الْمِشْكَاةُ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ «فِيهٰا مِصْبٰاحٌ الْمِصْبٰاحُ » الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ (1) «فِي زُجٰاجَةٍ الزُّجٰاجَةُ كَأَنَّهٰا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ » كَأَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ بَيْنَ نِسَاءِ أَهْلِ الْأَرْضِ «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ » يُوقَدُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ وَ عَلَى نَبِيِّنَا وَ آلِهِ السَّلاَمُ «لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ » يَعْنِي لاَ يَهُودِيَّةٍ وَ لاَ نَصْرَانِيَّةٍ «يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ» يَكَادُ الْعِلْمُ يَتَفَجَّرُ مِنْهَا «وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ نُورٌ عَلىٰ نُورٍ» إِمَامٌ مِنْهَا بَعْدَ إِمَامٍ «يَهْدِي اللّٰهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشٰاءُ» يَهْدِي اللَّهُ لِلْأَئِمَّةِ مَنْ يَشَاءُ أَنْ يُدْخِلَهُ فِي نُورِ وَلاَيَتِهِمْ مُخْلِصاً «وَ يَضْرِبُ اللّٰهُ الْأَمْثٰالَ لِلنّٰاسِ وَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ » .

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

فِي هَذِهِ الْآيَةِ «اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ » قَالَ بَدَأَ بِنُورِ نَفْسِهِ تَعَالَى «مَثَلُ نُورِهِ » مَثَلُ هُدَاهُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ «كَمِشْكٰاةٍ فِيهٰا مِصْبٰاحٌ الْمِصْبٰاحُ » وَ الْمِشْكَاةُ جَوْفُ الْمُؤْمِنِ وَ الْقِنْدِيلُ قَلْبُهُ وَ الْمِصْبَاحُ النُّورُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ » قَالَ الشَّجَرَةُ الْمُؤْمِنُ «زَيْتُونَةٍ لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ » قَالَ عَلَى سَوَاءِ الْجَبَلِ لاَ غَرْبِيَّةٍ أَيْ لاَ شَرْقَ لَهَا وَ لاَ شَرْقِيَّةٍ أَيْ لاَ غَرْبَ لَهَا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ طَلَعَتْ عَلَيْهَا وَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ غَرَبَتْ عَلَيْهَا «يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ» يَكَادُ النُّورُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ يُضِيءُ وَ إِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ «نُورٌ عَلىٰ نُورٍ» فَرِيضَةٌ عَلَى فَرِيضَةٍ وَ سُنَّةٌ عَلَى سُنَّةٍ «يَهْدِي اللّٰهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشٰاءُ» يَهْدِي اللَّهُ لِفَرَائِضِهِ وَ سُنَنِهِ مَنْ يَشَاءُ «وَ يَضْرِبُ اللّٰهُ الْأَمْثٰالَ لِلنّٰاسِ » فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ ، قَالَ فَالْمُؤْمِنُ يَتَقَلَّبُ فِي خَمْسَةٍ مِنَ النُّورِ، مَدْخَلُهُ نُورٌ وَ مَخْرَجُهُ نُورٌ وَ عِلْمُهُ نُورٌ وَ كَلاَمُهُ نُورٌ وَ مَصِيرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى اَلْجَنَّةِ نُورٌ، قُلْتُ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا سَيِّدِي إِنَّهُمْ يَقُولُونَ مَثَلُ نُورِ الرَّبِّ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ لَيْسَ لِلَّهِ مَثَلٌ قَالَ اللَّهُ «فَلاٰ تَضْرِبُوا لِلّٰهِ الْأَمْثٰالَ » .

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ(2) بْنِ مَالِكٍ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْقَاسِمُ

ص: 103


1- وَ فِي ط (مِصْبَاحٌ ) الْحَسَنُ وَ (الْمِصْبَاحُ ) الْحُسَيْنُ .
2- وَ فِي ط مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ.

بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ مُنَخَّلٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

: فِي قَوْلِهِ «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ » قَالَ هِيَ بُيُوتُ الْأَنْبِيَاءِ وَ بَيْتُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنْهَا. قال علي بن إبراهيم في قوله:«اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ » إلى قوله «وَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ : كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَسْأَلُ عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فَكَتَبَ إِلَيَّ الْجَوَابَ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مُحَمَّداً كَانَ أَمِينَ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كُنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَثَتَهُ فَنَحْنُ أُمَنَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ عِنْدَنَا عِلْمُ الْمَنَايَا وَ الْبَلاَيَا وَ أَنْسَابُ اَلْعَرَبِ

وَ مَوْلِدُ اَلْإِسْلاَمِ وَ مَا مِنْ فِئَةٍ تَضِلُّ مِائَةٌ بِهِ وَ تَهْدِي مِائَةٌ بِهِ إِلاَّ وَ نَحْنُ نَعْرِفُ سَائِقَهَا وَ قَائِدَهَا وَ نَاعِقَهَا وَ إِنَّا لَنَعْرِفُ الرَّجُلَ إِذَا رَأَيْنَاهُ بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَ حَقِيقَةِ النِّفَاقِ وَ إِنَّ شِيعَتَنَا لَمَكْتُوبُونَ بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ يَرِدُونَ مَوْرِدَنَا وَ يَدْخُلُونَ مَدْخَلَنَا لَيْسَ عَلَى مِلَّةِ اَلْإِسْلاَمِ غَيْرُنَا وَ غَيْرُهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، نَحْنُ آخِذُونَ بِحُجْزَةِ نَبِيِّنَا(1) وَ نَبِيُّنَا آخِذٌ بِحُجْزَةِ رَبِّنَا وَ الْحُجْزَةُ النُّورُ وَ شِيعَتُنَا

ص: 104


1- حُجْزَةٌ كَحُجْرَةٍ : مَوْضِعُ التِّكَّةِ مِنَ السَّرَاوِيلِ يُقَالُ «هَذَا كَلاَمٌ آخِذٌ بَعْضُهُ بِحُجْزَةِ بَعْضٍ » أَيْ مُتَنَاظِمٌ مُتَنَاسِقٌ . ج. ز.

كِتَابِ اللَّهِ كَمَثَلِ مِشْكَاةٍ وَ الْمِشْكَاةُ فِي الْقِنْدِيلِ فَنَحْنُ الْمِشْكَاةُ فِيهَا مِصْبَاحٌ ، الْمِصْبَاحُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «اَلْمِصْبٰاحُ فِي زُجٰاجَةٍ » مِنْ عُنْصُرَةٍ طَاهِرَةٍ «اَلزُّجٰاجَةُ كَأَنَّهٰا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ » لاَ دَعِيَّةٍ وَ لاَ مُنْكِرَةٍ «يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ» اَلْقُرْآنُ «نُورٌ عَلىٰ نُورٍ يَهْدِي اللّٰهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشٰاءُ وَ يَضْرِبُ اللّٰهُ الْأَمْثٰالَ لِلنّٰاسِ وَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ » فَالنُّورُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

يَهْدِي اللَّهُ لِوَلاَيَتِنَا مَنْ أَحَبَّ ، وَ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَبْعَثَ وَلِيَّنَا مُشْرِقاً وَجْهُهُ مُنِيراً بُرْهَانُهُ ظَاهِرَةً عِنْدَ اللَّهِ حُجَّتُهُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَ أَوْلِيَاءَنَا الْمُتَّقِينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدَاءَ وَ الصَّالِحِينَ «وَ حَسُنَ أُولٰئِكَ رَفِيقاً» فَشُهَدَاؤُنَا لَهُمْ فَضْلٌ عَلَى الشُّهَدَاءِ بِعَشْرِ دَرَجَاتٍ وَ لِشَهِيدِ شِيعَتِنَا فَضْلٌ عَلَى كُلِّ شَهِيدٍ غَيْرِنَا بِتِسْعِ دَرَجَاتٍ نَحْنُ النُّجَبَاءُ وَ نَحْنُ أَفْرَاطُ الْأَنْبِيَاءِ وَ نَحْنُ أَوْلاَدُ الْأَوْصِيَاءِ وَ نَحْنُ الْمَخْصُوصُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَ نَحْنُ أَوْلَى النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ نَحْنُ الَّذِينَ شَرَعَ اللَّهُ لَنَا دِينَهُ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ :«شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مٰا وَصّٰى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ » يَا مُحَمَّدُ «وَ مٰا وَصَّيْنٰا بِهِ إِبْرٰاهِيمَ

وَ مُوسىٰ وَ عِيسىٰ » ، قَدْ عَلِمْنَا وَ بَلَّغْنَا مَا عَلِمْنَا وَ اسْتَوْدَعْنَا عِلْمَهُمْ وَ نَحْنُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَ نَحْنُ وَرَثَةُ أُولِي الْعِلْمِ وَ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ » «وَ لاٰ تَمُوتُنَّ إِلاّٰ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ » كَمَا قَالَ اللَّهُ «وَ لاٰ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ » وَ إِنْ «كَبُرَ عَلَى اَلْمُشْرِكِينَ

مٰا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » مِنَ الشِّرْكِ مَنْ أَشْرَكَ بِوَلاَيَةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «مٰا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » مِنْ وَلاَيَةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا مُحَمَّدُ «فِيهِ هُدًى «وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ » مَنْ يُجِيبُكَ إِلَيَّ بِوَلاَيَةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِكِتَابٍ فَتَدَبَّرْهُ وَ افْهَمْهُ فَإِنَّهُ «شِفٰاءٌ لِمٰا فِي الصُّدُورِ» وَ نُورٌ.، و الدليل على أن هذا مثل لهم.

قوله «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهٰا بِالْغُدُوِّ وَ الْآصٰالِ » إلى قوله «بِغَيْرِ حِسٰابٍ »

ص: 105

يلمع من بعيد كأنه الماء و ليس في الحقيقة بشيء فإذا جاء العطشان «لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً»

و البقيعة المفازة المستوية

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ عَنْ [جَعْفَرِ بْنِ ] مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الصَّائِغِ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ :

فِي قَوْلِ اللَّهِ «أَوْ كَظُلُمٰاتٍ » فُلاَنٍ وَ فُلاَنٍ «فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشٰاهُ مَوْجٌ » يَعْنِي نعثل [نَعْثَلاً]

«مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ » طَلْحَةُ وَ زُبَيْرٌ «ظُلُمٰاتٌ بَعْضُهٰا فَوْقَ بَعْضٍ » مُعَاوِيَةُ وَ يَزِيدُ وَ فِتَنُ بَنِي أُمَيَّةَ «إِذٰا أَخْرَجَ يَدَهُ » فِي ظُلْمَةِ فِتْنَتِهِمْ «لَمْ يَكَدْ يَرٰاهٰا وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّٰهُ لَهُ نُوراً فَمٰا لَهُ مِنْ نُورٍ» يَعْنِي إِمَاماً مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ «فَمٰا لَهُ مِنْ نُورٍ» فَمَا لَهُ مِنْ إِمَامٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

يَمْشِي بِنُورِهِ . يعني كما في قوله:«يَسْعىٰ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمٰانِهِمْ » قال: إنما المؤمنون يوم القيامة «نُورُهُمْ يَسْعىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمٰانِهِمْ » حتى ينزلوا منازلهم من الجنان.

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الطَّيْرُ صَافّٰاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاٰتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ يَرْفَعُهُ إِلَى اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ لِلَّهِ مَلَكاً فِي صُورَةِ الدِّيكِ الْأَمْلَحِ الْأَشْهَبِ بَرَاثِينُهُ (1) فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ وَ عُرْفُهُ تَحْتَ اَلْعَرْشِ

ص: 106


1- جَمْعُ بُرْثُنٍ كَقُنْفُذٍ وَ هُوَ مَا فِي الطَّيْرِ بِمَنْزِلَةِ الظُّفُرِ فِي الْإِنْسَانِ . مجمع.

الْأَرْضِ دِيكٌ إِلاَّ أَجَابَهُ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ :«وَ الطَّيْرُ صَافّٰاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاٰتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ » .»

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ عَنْ صِدِّيقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : مَا مِنْ طَيْرٍ يُصَادُ فِي الْبَرِّ وَ لاَ فِي الْبَحْرِ وَ لاَ يُصَادُ شَيْ ءٌ مِنَ الْوَحْشِ إِلاَّ بِتَضْيِيعِهِ التَّسْبِيحَ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ يُزْجِي سَحٰاباً» أي يثيره فيعصره فينزل منه الماء من الأرض ثم يؤلف بينه فإذا غلظ [علا] بعث الله ملكا من الرياح و هو قوله:«فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاٰلِهِ » أي المطر

و قوله:«وَ اللّٰهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مٰاءٍ» أي من مياه «فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلىٰ بَطْنِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلىٰ رِجْلَيْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلىٰ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ إِنَّ اللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ» قال على رجلين الناس و على بطنه الحيات و على أربع البهائم و

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ .

و قوله:«وَ يَقُولُونَ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ بِالرَّسُولِ وَ أَطَعْنٰا» إلى قوله «وَ مٰا أُولٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اِبْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ اَلثَّالِثِ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي حَدِيقَةٍ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَرْضَى بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لَهُ لاَ تُحَاكِمْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ لَهُ عَلَيْكَ وَ لَكِنْ حَاكِمْهُ إِلَى اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ الْيَهُودِيِّ فَقَالَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

لاَ أَرْضَى إِلاَّ بِابْنِ شَيْبَةَ الْيَهُودِيِّ فَقَالَ اِبْنُ شَيْبَةَ لَهُ تَأْتَمِنُونَ مُحَمَّداً [رَسُولَ اللَّهِ ] عَلَى وَحْيِ السَّمَاءِ وَ تَتَّهِمُونَهُ فِي الْأَحْكَامِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ «وَ إِذٰا دُعُوا إِلَى اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ » إِلَى قَوْلِهِ «أُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ » ثُمَّ ذَكَرَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

فَقَالَ «إِنَّمٰا كٰانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذٰا دُعُوا إِلَى اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنٰا وَ أَطَعْنٰا» إِلَى قَوْلِهِ «فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰائِزُونَ » .

ص: 107

«قُلْ أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمٰا عَلَيْهِ مٰا حُمِّلَ » قال ما حمل النّبي صلّى اللّه عليه و آله من النبوة «وَ عَلَيْكُمْ مٰا حُمِّلْتُمْ » من الطاعة ثم خاطب الله الأئمة و وعدهم أن يستخلفهم في الأرض من بعد ظلمهم و غصبهم فقال:«وَعَدَ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » إلى قوله «لاٰ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً» و هذا مما ذكرنا أن تأويله بعد تنزيله و هو معطوف على قوله:«رِجٰالٌ لاٰ تُلْهِيهِمْ تِجٰارَةٌ وَ لاٰ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ » .

و أما قوله:«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ » إلى قوله «ثَلاٰثُ عَوْرٰاتٍ لَكُمْ » قال: إن الله تبارك و تعالى نهى أن يدخل أحد في هذه الثلاثة الأوقات على أحد لا أب و لا أخت و لا أم و لا خادم إلا بإذن هذه و الأوقات بعد طلوع الفجر و نصف النهار و بعد العشاء الآخرة، ثم أطلق بعد هذه الثلاثة الأوقات فقال:«لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَ لاٰ عَلَيْهِمْ جُنٰاحٌ بَعْدَهُنَّ » يعني بعد هذه الثلاثة الأوقات

و قوله «وَ الْقَوٰاعِدُ مِنَ النِّسٰاءِ اللاّٰتِي لاٰ يَرْجُونَ نِكٰاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنٰاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيٰابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجٰاتٍ بِزِينَةٍ » قال نزلت في العجائز اللاتي قد يئسن من المحيض و التزويج أن يضعن الثياب ثم قال «وَ أَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ » أي لا يظهرن للرجال

وَ - وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«لَيْسَ عَلَى الْأَعْمىٰ حَرَجٌ وَ لاٰ عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لاٰ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ » وَ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ اَلْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا كَانُوا يَعْزِلُونَ الْأَعْمَى وَ الْأَعْرَجَ وَ الْمَرِيضَ وَ كَانُوا لاَ يَأْكُلُونَ مَعَهُمْ وَ كَانَتِ اَلْأَنْصَارُ فِيهِمْ تِيهٌ وَ تَكَرُّمٌ فَقَالُوا: إِنَّ الْأَعْمَى لاَ يُبْصِرُ الطَّعَامَ وَ الْأَعْرَجَ لاَ يَسْتَطِيعُ الزِّحَامَ عَلَى الطَّعَامِ وَ الْمَرِيضَ لاَ يَأْكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الصَّحِيحُ فَعَزَلُوا لَهُمْ طَعَامَهُمْ عَلَى نَاحِيَةٍ وَ كَانُوا يَرَوْنَ عَلَيْهِمْ فِي مُؤَاكَلَتِهِمْ جُنَاحاً وَ كَانَ الْأَعْمَى وَ الْمَرِيضُ يَقُولُونَ لَعَلَّنَا نُؤْذِيهِمْ إِذَا أَكَلْنَا مَعَهُمْ فَاعْتَزَلُوا مُؤَاكَلَتَهُمْ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتٰاتاً» .

ص: 108

و قال علي بن إبراهيم في قوله «أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبٰائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوٰانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمٰامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوٰالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خٰالاٰتِكُمْ أَوْ مٰا مَلَكْتُمْ مَفٰاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتٰاتاً»

فَإِنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

إِلَى اَلْمَدِينَةِ وَ آخَى بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ آخَى بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ

وَ بَيْنَ عُثْمَانَ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَ بَيْنَ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَيْرِ وَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَ أَبِي ذَرٍّ وَ بَيْنَ اَلْمِقْدَادِ وَ عَمَّارٍ وَ تَرَكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَاغْتَمَّ مِنْ ذَلِكَ غَمّاً شَدِيداً، فَقَالَ :

يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي لِمَ لاَ تُؤَاخِي بَيْنِي وَ بَيْنَ أَحَدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

وَ اللَّهِ يَا عَلِيُّ مَا حَبَسْتُكَ إِلاَّ لِنَفْسِي أَ مَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ أَخِي وَ أَنَا أَخُوكَ وَ أَنْتَ أَخِي فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ أَنْتَ وَصِيِّي وَ وَزِيرِي وَ خَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي تَقْضِي دَيْنِي وَ تُنْجِزُ عِدَاتِي وَ تَتَوَلَّى عَلَيَّ غُسْلِي وَ لاَ يَلِيهِ غَيْرُكَ وَ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي، فَاسْتَبْشَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي غَزَاةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ يَدْفَعُ الرَّجُلُ مِفْتَاحَ بَيْتِهِ إِلَى أَخِيهِ فِي الدِّينِ وَ يَقُولُ لَهُ خُذْ مَا شِئْتَ وَ كُلْ مَا شِئْتَ فَكَانُوا يَمْتَنِعُونَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى رُبَّمَا فَسَدَ الطَّعَامُ فِي الْبَيْتِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتٰاتاً» يَعْنِي إِنْ حَضَرَ صَاحِبُهُ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ إِذَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ . و قوله:«فَإِذٰا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ »

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ قَالَ يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ بَيْتَهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ أَحَدٌ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ فَلْيَقُلْ السَّلاَمُ عَلَيْنَا مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا. يقول الله «تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ مُبٰارَكَةً طَيِّبَةً »

و قيل إذا لم ير الداخل بيتا أحدا فيه يقول السلام عليكم و رحمة الله يقصد به الملكين الذين عليه شهودا.

ص: 109

إلى قوله «حَتّٰى يَسْتَأْذِنُوهُ » فإنها نزلت في قوم كانوا إذا جمعهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

لأمر من الأمور في بعث يبعثه أو حرب قد حضرت يتفرقون بغير إذنه فنهاهم الله عز و جل عن ذلك

وَ قَوْلُهُ «فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ » قَالَ نَزَلَتْ فِي حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي فِي صَبِيحَتِهَا حَرْبُ أُحُدٍ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ أَهْلِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ «فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ » فَأَقَامَ عِنْدَ أَهْلِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ وَ هُوَ جُنُبٌ فَحَضَرَ الْقِتَالَ وَ اسْتُشْهِدَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ رَأَيْتُ الْمَلاَئِكَةَ تَغْسِلُ حَنْظَلَةَ بِمَاءِ الْمُزْنِ فِي صَحَائِفِ فِضَّةٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ فَكَانَ يُسَمَّى «غَسِيلَ الْمَلاَئِكَةِ .»

و قوله:«لاٰ تَجْعَلُوا دُعٰاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعٰاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً» قال لا تدعوا رسول الله كما يدعو بعضكم بعضا ثم قال:«فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخٰالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ » يعني بلية «أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ » قال القتل

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

فِي قَوْلِهِ «لاٰ تَجْعَلُوا دُعٰاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعٰاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً» يَقُولُ لاَ تَقُولُوا يَا مُحَمَّدُ وَ لاَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ لَكِنْ قُولُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قال: الله «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخٰالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ » أي يعصون أمره «أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ » .

25- سورة الفرقان مكية آياتها سبع و سبعون 77

ص: 110

عز و جل أيضا فقال «وَ قٰالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذٰا» يعني القرآن «إِلاّٰ إِفْكٌ افْتَرٰاهُ وَ أَعٰانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ » قالوا إن هذا الذي يقرؤه محمد و يخبرنا به إنما يتعلمه من اليهود و يكتبه من علماء النصارى و يكتب عن رجل يقال له ابن قبيطة و ينقله عنه بالغداة و العشي فحكى الله قولهم و رد عليهم فقال «وَ قٰالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذٰا إِلاّٰ إِفْكٌ افْتَرٰاهُ » إلى قوله «بُكْرَةً وَ أَصِيلاً» فرد الله عليهم و قال «قُلْ » لهم يا محمد

«أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً»

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «إِفْكٌ افْتَرٰاهُ » قَالَ الْإِفْكُ الْكَذِبُ .

«وَ أَعٰانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ » يعنون أبا فكيهة و حبرا و عداسا و عابسا مولى حويطب و قوله «أَسٰاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهٰا» فهو قول النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة قال أساطير الأولين اكتتبها محمد «فَهِيَ تُمْلىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً» .

قال علي بن إبراهيم ثم حكى الله قولهم أيضا فقال «وَ قٰالُوا مٰا لِهٰذَا الرَّسُولِ

يَأْكُلُ الطَّعٰامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْوٰاقِ لَوْ لاٰ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهٰا» فرد الله عز و جل عليهم فقال «وَ مٰا أَرْسَلْنٰا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ » إلى قوله «وَ جَعَلْنٰا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً » أي اختبارا فعير رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالفقر فقال الله تعالى «تَبٰارَكَ الَّذِي إِنْ شٰاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذٰلِكَ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهٰارُ وَ يَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً»

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ مُنَخَّلِ بْنِ جَمِيلِ الْبَرْقِيِّ [الرَّقِّيِّ ] عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ هَكَذَا « وَ قَالَ الظَّالِمُونَ لِآلِ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً «اُنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثٰالَ فَضَلُّوا فَلاٰ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً» قَالَ إِلَى وَلاَيَةِ عَلِيٍّ وَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هُوَ السَّبِيلُ . حدثنا محمد بن همام عن جعفر بن محمد بن مالك قال حدثني محمد بن المستنير [المثنى] عن أبيه عن عثمان بن زيد عن جابر

ص: 111

بن يزيد عن أبي جعفر عليه السّلام: مثله.

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ عُمَرَ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي الصَّامِتِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ اللَّيْلَ وَ النَّهَارَ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً وَ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَشْرَفُ سَاعَةٍ مِنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى «بَلْ كَذَّبُوا بِالسّٰاعَةِ وَ أَعْتَدْنٰا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسّٰاعَةِ سَعِيراً» .

قال علي بن إبراهيم ثم ذكر الدهرية و ما أعده لهم فقال «بَلْ كَذَّبُوا بِالسّٰاعَةِ وَ أَعْتَدْنٰا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسّٰاعَةِ سَعِيراً إِذٰا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكٰانٍ بَعِيدٍ» قال من مسيرة سنة «سَمِعُوا لَهٰا تَغَيُّظاً وَ زَفِيراً وَ إِذٰا أُلْقُوا مِنْهٰا» أي فيها «مَكٰاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ » قال مقيدين بعضهم مع بعض «دَعَوْا هُنٰالِكَ ثُبُوراً» .

ثم ذكر عز و جل احتجاجه على الملحدين و عبدة الأصنام و النيران يوم القيامة و عبدة الشمس و القمر و الكواكب و غيرهم فقال «وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَ مٰا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ فَيَقُولُ » الله لمن عبدوهم «أَ أَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبٰادِي هٰؤُلاٰءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قٰالُوا سُبْحٰانَكَ مٰا كٰانَ يَنْبَغِي لَنٰا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيٰاءَ» إلى قوله «قَوْماً بُوراً» أي قوم سوء، ثم يقول عز و جل للناس الذين عبدوهم «فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمٰا تَقُولُونَ فَمٰا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَ لاٰ نَصْراً» و قوله «وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً» أي قدرا مقدورا.

و أما قوله «وَ قَدِمْنٰا إِلىٰ مٰا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنٰاهُ هَبٰاءً مَنْثُوراً»

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ص: 112

هَبَاءً مَنْثُوراً ثُمَّ قَالَ : أَمَا وَ اللَّهِ يَا أَبَا حَمْزَةَ إِنَّهُمْ كَانُوا لَيَصُومُونَ وَ يُصَلُّونَ وَ لَكِنْ كَانُوا إِذَا عَرَضَ لَهُمْ شَيْ ءٌ مِنَ الْحَرَامِ أَخَذُوهُ وَ إِذَا عَرَضَ لَهُمْ شَيْ ءٌ مِنْ فَضْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْكَرُوهُ قَالَ وَ الْهَبَاءُ الْمَنْثُورُ هُوَ الَّذِي تَرَاهُ يَدْخُلُ الْبَيْتَ فِي الْكُوَّةِ مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ .

وَ قَوْلُهُ «وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظّٰالِمُ عَلىٰ يَدَيْهِ » قَالَ اَلْأَوَّلُ «يَقُولُ يٰا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ عَلِيّاً وَلِيّاً «يٰا وَيْلَتىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاٰناً خَلِيلاً» يَعْنِي اَلثَّانِيَ «لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جٰاءَنِي» يَعْنِي الْوَلاَيَةَ «وَ كٰانَ اَلشَّيْطٰانُ » وَ هُوَ اَلثَّانِي «لِلْإِنْسٰانِ خَذُولاً» .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «أَصْحٰابُ اَلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلاً» فَبَلَغَنَا وَ اللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا اسْتَوَى أَهْلُ اَلنَّارِ إِلَى اَلنَّارِ لِيُنْطَلَقَ بِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا اَلنَّارَ فَيُقَالُ لَهُمْ : ادْخُلُوا «إِلىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاٰثِ شُعَبٍ » مِنْ دُخَانِ اَلنَّارِ فَيَحْسَبُونَ أَنَّهَا اَلْجَنَّةُ ثُمَّ يَدْخُلُونَ اَلنَّارَ أَفْوَاجاً أَفْوَاجاً وَ ذَلِكَ نِصْفَ النَّهَارِ، وَ أَقْبَلَ أَهْلُ اَلْجَنَّةِ فِيمَا اشْتَهَوْا مِنَ التُّحَفِ حَتَّى يُعْطَوْا مَنَازِلَهُمْ فِي اَلْجَنَّةِ نِصْفَ النَّهَارِ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ :«أَصْحٰابُ اَلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلاً» .»

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «وَ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمٰاءُ بِالْغَمٰامِ » قَالَ : الْغَمَامُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ عٰاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحٰابَ الرَّسِّ »

ص: 113

«وَ عٰاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحٰابَ الرَّسِّ » فَهُنَّ الرَّسِّيَّاتُ .

و قوله «وَ كُلاًّ تَبَّرْنٰا تَتْبِيراً»

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ كُلاًّ تَبَّرْنٰا تَتْبِيراً» يَعْنِي كَسَّرْنَا تَكْسِيراً، قَالَ هِيَ لَفْظَةٌ بِالنَّبَطِيَّةِ [بِالْقِبْطِيَّةِ ].

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : وَ أَمَّا الْقَرْيَةُ «اَلَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ» فَهِيَ سَدُومُ قَرْيَةُ قَوْمِ لُوطٍ أَمْطَرَ اللَّهُ «عَلَيْهِمْ حِجٰارَةً مِنْ سِجِّيلٍ »

يَقُولُ مِنْ طِينٍ .

و قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلٰهَهُ هَوٰاهُ » قَالَ نَزَلَتْ فِي قُرَيْشٍ ، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ ضَاقَ عَلَيْهِمُ الْمَعَاشُ فَخَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ وَ تَفَرَّقُوا فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا رَأَى شَجَرَةً [صَخْرَةً ] حَسَنَةً أَوْ حَجَراً حَسَناً هَوَاهُ فَعَبَدَهُ وَ كَانُوا يَنْحِرُونَ لَهَا النَّعَمَ وَ يُلَطِّخُونَهَا بِالدَّمِ وَ يُسَمُّونَهَا سَعْدَ صَخْرَةٍ وَ كَانَ إِذَا أَصَابَهُمْ دَاءٌ فِي إِبِلِهِمْ وَ أَغْنَامِهِمْ جَاءُوا إِلَى الصَّخْرَةِ فَيَتَمَسَّحُونَ بِهَا الْغَنَمَ وَ الْإِبِلَ ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ اَلْعَرَبِ بِإِبِلٍ لَهُ يُرِيدُ أَنْ يَتَمَسَّحَ بِالصَّخْرَةِ لِإِبِلِهِ وَ يُبَارِكَ عَلَيْهَا فَنَفَرَتْ إِبِلُهُ وَ تَفَرَّقَتْ فَقَالَ الرَّجُلُ شِعْراً:

أَتَيْتُ إِلَى سَعْدٍ لِيَجْمَعَ شَمْلَنَا *** فَشَتَّتَنَا سَعْدٌ فَمَا نَحْنُ مِنْ سَعْدٍ

وَ مَا سَعْدٌ إِلاَّ صَخْرَةٌ مَسْتَوِيَةٌ *** مِنَ الْأَرْضِ لاَ تَهْدِي لِغَيٍّ وَ لاَ رُشْدٍ.

وَ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنَ اَلْعَرَبِ وَ الثَّعْلَبُ يَبُولُ عَلَيْهِ فَقَالَ شِعْراً:

وَ رَبٌّ يَبُولُ الثَّعْلَبَانِ بِرَأْسِهِ *** لَقَدْ ذَلَّ مَنْ بَالَتْ عَلَيْهِ الثَّعَالِبُ .

و أما قوله «وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمٰاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً وَ كٰانَ رَبُّكَ قَدِيراً»

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ بُرَيْدٍ الْعِجْلِيِّ

ص: 114

مِنْ سِنْخِهِ فَبَرَأَهَا مِنْ أَسْفَلِ أَضْلاَعِهِ (1) فَجَرَى بِذَلِكَ الضِّلْعِ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ ثُمَّ زَوَّجَهَا إِيَّاهُ فَجَرَى بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ ذَلِكَ صِهْرٌ فَذَلِكَ قَوْلُهُ «نَسَباً وَ صِهْراً» فَالنَّسَبُ يَا أَخَا بَنِي عِجْلٍ مَا كَانَ مِنْ نَسَبِ الرِّجَالِ وَ الصِّهْرُ مَا كَانَ بِسَبَبِ النِّسَاءِ.

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

: فِي قَوْلِهِ «أَ لَمْ تَرَ إِلىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ » فَقَالَ الظِّلُّ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ . و قوله «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هٰذٰا عَذْبٌ فُرٰاتٌ وَ هٰذٰا مِلْحٌ أُجٰاجٌ »

فالأجاج المر «وَ جَعَلَ بَيْنَهُمٰا بَرْزَخاً» يقول حاجزا و هو المنتهى «وَ حِجْراً مَحْجُوراً»

يقول حراما محرما بأن يغير طعم واحد منهما طعم الآخر و أما قوله «وَ كٰانَ الْكٰافِرُ عَلىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً» .

فقال علي بن إبراهيم: قد يسمى الإنسان ربا لغة لقوله «اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ » و كل مالك لشيء يسمى ربه فقوله «وَ كٰانَ الْكٰافِرُ عَلىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً» قال الكافر الثاني كان على أمير المؤمنين عليه السّلام ظهيرا

«وَ إِذٰا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمٰنِ قٰالُوا وَ مَا الرَّحْمٰنُ » قال جوابه «اَلرَّحْمٰنُ عَلَّمَ اَلْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسٰانَ عَلَّمَهُ الْبَيٰانَ »

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى «تَبٰارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمٰاءِ بُرُوجاً»

ص: 115


1- لاَ يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَرَدَتْ مُوَافِقَةً لِلْعَامَّةِ وَ قَدْ وَرَدَ فِي الْعِلَلِ وَ الْفَقِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى رَدِّهَا مِنْ عَدَمِ خِلْقَةِ حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ فَعَنْ زُرَارَةَ قَالَ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَلْقِ حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ الْأَيْسَرِ الْأَقْصَى، قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً أَ يَقُولُ مَنْ يَقُولُ هَذَا إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْقُدْرَةِ مَا يَخْلُقُ لآِدَمَ زَوْجَتَهُ مِنْ غَيْرِ ضِلْعِهِ وَ جَعَلَ لِمُتَكَلِّمٍ مِنْ أَهْلِ التَّشْنِيعِ سَبِيلاً إِلَى الْكَلاَمِ يَقُولُ إِنَّ آدَمَ كَانَ يَنْكِحُ بَعْضُهُ بَعْضاً (علل الشرائع ص 18)، فَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي هَذَا التَّفْسِيرِ إِمَّا عَلَى التَّقِيَّةِ أَوْ يُجْمَعُ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ يَكُونُ خَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ بَقِيَّةِ طِينٍ خَلَقَ مِنْهُ ضِلْعَ آدَمَ . ج. ز.

فَالْبُرُوجُ الْكَوَاكِبُ وَ الْبُرُوجُ الَّتِي لِلرَّبِيعِ وَ الصَّيْفِ اَلْحَمَلُ

وَ اَلثَّوْرُ وَ اَلْجَوْزَاءُ وَ اَلسَّرَطَانُ وَ اَلْأَسَدُ وَ اَلسُّنْبُلَةُ وَ بُرُوجُ الْخَرِيفِ وَ الشِّتَاءِ اَلْمِيزَانُ

وَ اَلْعَقْرَبُ وَ اَلْقَوْسُ وَ اَلْجَدْيُ وَ اَلدَّلْوُ وَ اَلْحُوتُ وَ هِيَ اثْنَا عَشَرَ بُرْجاً.

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرٰادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرٰادَ شُكُوراً» فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ رُبَّمَا فَاتَتْنِي صَلاَةُ اللَّيْلِ الشَّهْرَ وَ الشَّهْرَيْنِ وَ الثَّلاَثَةَ فَأَقْضِيهَا بِالنَّهَارِ أَ يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ قُرَّةُ عَيْنٍ لَكَ وَ اللَّهِ قُرَّةُ عَيْنٍ لَكَ ثَلاَثاً إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ «وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ خِلْفَةً » الْآيَةَ فَهُوَ قَضَاءُ صَلاَةِ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ وَ قَضَاءُ صَلاَةِ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ وَ هُوَ مِنْ سِرِّ آلِ مُحَمَّدٍ

الْمَكْنُونِ .

و في قوله «وَ عِبٰادُ الرَّحْمٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً» قال نزلت في الأئمة عليهم السّلام

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى

عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ عِبٰادُ الرَّحْمٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً» قَالَ اَلْأَئِمَّةُ «يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً» خَوْفاً مِنْ عَدُوِّهِمْ .

وَ عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى «وَ عِبٰادُ الرَّحْمٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذٰا خٰاطَبَهُمُ الْجٰاهِلُونَ قٰالُوا سَلاٰماً وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِيٰاماً» قَالَ هُمُ اَلْأَئِمَّةُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ يَتَّقُونَ فِي مَشْيِهِمْ .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «إِنَّ عَذٰابَهٰا كٰانَ غَرٰاماً» يَقُولُ مُلاَزِماً لاَ يُفَارِقُ .

قوله «وَ الَّذِينَ لاٰ يَدْعُونَ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ وَ لاٰ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّٰهُ إِلاّٰ بِالْحَقِّ وَ لاٰ يَزْنُونَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثٰاماً» و أثام واد من أودية جهنم

من صفر مذاب قدامها خدة [حدة جرة] في جهنم يكون فيه من عبد غير الله و من قتل «اَلنَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّٰهُ » و يكون فيه الزناة و «يُضٰاعَفْ لَهُ الْعَذٰابُ » إلى

ص: 116

قوله «فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّٰهِ مَتٰاباً» يقول لا يعود إلى شيء من ذلك، بالإخلاص و نية صادقة «وَ الَّذِينَ لاٰ يَشْهَدُونَ الزُّورَ» قال الغناء و مجالس اللهو «إِذٰا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا» و الإسراف الإنفاق في المعصية في غير حق و لم يقتروا لم يبخلوا عن حق الله «وَ كٰانَ بَيْنَ ذٰلِكَ قَوٰاماً» و القوام العدل و الإنفاق فيما أمر الله به.

و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ الَّذِينَ لاٰ يَدْعُونَ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ» إلى قوله «يَلْقَ أَثٰاماً» قال واديا في جهنم يقال له أثام ثم استثنى عز و جل فقال:

«إِلاّٰ مَنْ تٰابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صٰالِحاً فَأُوْلٰئِكَ يُبَدِّلُ اللّٰهُ سَيِّئٰاتِهِمْ حَسَنٰاتٍ »

وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَعْفَرٍ وَ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ

أَوْقَفَ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ عَرَضَ عَلَيْهِ عَمَلَهُ فَيَنْظُرُ فِي صَحِيفَتِهِ فَأَوَّلُ مَا يَرَى سَيِّئَاتِهِ فَيَتَغَيَّرُ لِذَلِكَ لَوْنُهُ وَ تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهُ ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ حَسَنَاتُهُ فَتَفْرَحُ لِذَلِكَ نَفْسُهُ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بَدَّلُوا سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَ أَظْهَرُوهَا لِلنَّاسِ فَيُبَدِّلُ اللَّهُ لَهُمْ فَيَقُولُ النَّاسُ أَ مَا كَانَ لِهَؤُلاَءِ سَيِّئَةٌ وَاحِدَةٌ وَ هُوَ قَوْلُهُ «يُبَدِّلُ اللّٰهُ سَيِّئٰاتِهِمْ حَسَنٰاتٍ » .».

قَالَ : وَ قُرِئَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنٰا هَبْ لَنٰا مِنْ أَزْوٰاجِنٰا وَ ذُرِّيّٰاتِنٰا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنٰا لِلْمُتَّقِينَ إِمٰاماً» فَقَالَ قَدْ سَأَلُوا اللَّهَ عَظِيماً أَنْ يَجْعَلَهُمْ لِلْمُتَّقِينَ أَئِمَّةً ! فَقِيلَ لَهُ كَيْفَ هَذَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ إِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ « الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَ ذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْ لَنَا مِنَ الْمُتَّقِينَ إِمَاماً.»

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «اَلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنٰا هَبْ لَنٰا مِنْ أَزْوٰاجِنٰا وَ ذُرِّيّٰاتِنٰا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنٰا لِلْمُتَّقِينَ إِمٰاماً» قَالَ نَحْنُ هُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ .

وَ رَوَى غَيْرُهُ : أَنَّ «أَزْوٰاجِنٰا» خَدِيجَةُ «وَ ذُرِّيّٰاتِنٰا» فَاطِمَةُ «وَ «قُرَّةَ أَعْيُنٍ »

الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ «وَ اجْعَلْنٰا لِلْمُتَّقِينَ إِمٰاماً» عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

ص: 117

يَقُولُ مَا يَفْعَلُ رَبِّي بِكُمْ «فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزٰاماً» .

26- سورة الشعراء مكية آياتها مائتان و سبع و عشرون 227

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ طسم تِلْكَ آيٰاتُ اَلْكِتٰابِ الْمُبِينِ » قال طسم هو حرف من حروف اسم الله الأعظم المرموز في القرآن

و قوله «لَعَلَّكَ بٰاخِعٌ نَفْسَكَ »

أي خادع نفسك «أَلاّٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ » (1)

وَ قَوْلُهُ «إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمٰاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنٰاقُهُمْ لَهٰا خٰاضِعِينَ » فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ تَخْضَعُ رِقَابُهُمْ يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ وَ هِيَ الصَّيْحَةُ مِنَ السَّمَاءِ بِاسْمِ صَاحِبِ الْأَمْرِ.

و قوله «وَ إِذْ نٰادىٰ رَبُّكَ مُوسىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظّٰالِمِينَ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي

ص: 118


1- لعل «خادع» هاهنا بمعنى قاطع كما في الدعاء للمؤمنين الذين حبسهم المنصور «اللهم اخدع عنهم سلطانه» أي اقطع، فالمراد هنا أنك قاطع نفسك عن الحياة حسرة على أن الكفار لم لا يكون مؤمنين. ج. ز.

«فَعَلْتُهٰا إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضّٰالِّينَ فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّٰا خِفْتُكُمْ » (1) إِلَى قَوْلِهِ «أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرٰائِيلَ »

فَ «قٰالَ فِرْعَوْنُ وَ مٰا رَبُّ الْعٰالَمِينَ » وَ إِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ كَيْفِيَّةِ اللَّهِ فَقَالَ مُوسَى «رَبُّ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ مٰا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ » فَقَالَ فِرْعَوْنُ مُتَعَجِّباً لِأَصْحَابِهِ :

«أَ لاٰ تَسْتَمِعُونَ » أَسْأَلُهُ عَنِ الْكَيْفِيَّةِ فَيُجِيبُنِي عَنِ الصِّفَاتِ فَقَالَ مُوسَى «رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبٰائِكُمُ الْأَوَّلِينَ » ثُمَّ قَالَ لِمُوسَى:«لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلٰهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ قٰالَ » مُوسَى:«أَ وَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْ ءٍ مُبِينٍ قٰالَ » فِرْعَوْنُ «فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّٰادِقِينَ فَأَلْقىٰ عَصٰاهُ فَإِذٰا هِيَ ثُعْبٰانٌ مُبِينٌ » فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ جُلَسَاءِ فِرْعَوْنَ إِلاَّ هَرَبَ وَ دَخَلَ فِرْعَوْنَ مِنَ الرُّعْبِ مَا لَمْ يَمْلِكْ بِهِ نَفْسَهُ ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ :

أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ وَ بِالرَّضَاعِ إِلاَّ مَا كَفَفْتَهَا عَنِّي فَكَفَّهَا ثُمَّ «نَزَعَ يَدَهُ فَإِذٰا هِيَ بَيْضٰاءُ لِلنّٰاظِرِينَ »

فَلَمَّا أَخَذَ مُوسَى الْعَصَا رَجَعَتْ إِلَى فِرْعَوْنَ نَفْسُهُ وَ هَمَّ بِتَصْدِيقِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ هَامَانُ فَقَالَ لَهُ : بَيْنَمَا أَنْتَ إِلَهٌ تُعْبَدُ إِذْ صِرْتَ تَابِعاً لِعَبْدٍ ثُمَّ «قٰالَ » فِرْعَوْنُ «لِلْمَلَإِ»

ص: 119


1- قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ : وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ أَيْ فَعَلْتُ هَذِهِ الْفَعْلَةَ وَ أَنَا مِنَ الْجَاهِلِينَ لَمْ أَعْلَمْ بِأَنَّهَا تَبْلُغُ الْقَتْلَ ، وَ مَنْ قِيلَ مِنَ الضَّالِّينَ عَنِ النُّبُوَّةِ . أَيْ لَمْ يُوحَ إِلَيَّ تَحْرِيمُ قَتْلِهِ ، وَ فِي الصَّافِي عَنِ الْعُيُونِ عَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ فَقَالَ : قَالَ وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ عَنِ الطَّرِيقِ بِوُقُوعِي إِلَى مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِكُمْ ثُمَّ قَالَ الْكَاشَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْحَدِيثِ : لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ وَرَى لِفِرْعَوْنَ فَقَصَدَ الضَّلاَلَ عَنِ الطَّرِيقِ وَ فِرْعَوْنُ إِنَّمَا فَهِمَ مِنْهُ الْجَهْلَ وَ الضَّلاَلَ عَنِ الْحَقِّ فَإِنَّ الضَّلاَلَ عَنِ الطَّرِيقِ لاَ يَصْلُحُ عُذْراً لِلْقَتْلِ ج ز.

وَ إِنَّمَا غَلَبَا النَّاسَ بِالسِّحْرِ وَ ادَّعَى فِرْعَوْنُ الرُّبُوبِيَّةَ بِالسِّحْرِ فَلَمَّا أَصْبَحَ بَعَثَ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ مَدَائِنِ مِصْرَ كُلِّهَا وَ جَمَعُوا أَلْفَ سَاحِرٍ وَ اخْتَارُوا مِنَ الْأَلْفِ مِائَةً وَ مِنَ الْمِائَةِ ثَمَانِينَ ، فَقَالَ السَّحَرَةُ لِفِرْعَوْنَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا أَسْحَرَ مِنَّا فَإِنْ غَلَبْنَا مُوسَى فَمَا يَكُونُ لَنَا عِنْدَكَ قَالَ :«إِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ » عِنْدِي أُشَارِكُكُمْ فِي مُلْكِي، قَالُوا: فَإِنْ غَلَبَنَا مُوسَى وَ أَبْطَلَ سِحْرَنَا عَلِمْنَا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ لَيْسَ مِنْ قِبَلِ السِّحْرِ وَ لاَ مِنْ قِبَلِ الْحِيلَةِ وَ آمَنَّا بِهِ وَ صَدَّقْنَاهُ فَقَالَ فِرْعَوْنُ إِنْ غَلَبَكُمْ مُوسَى صَدَّقْتُهُ أَنَا أَيْضاً مَعَكُمْ ، وَ لَكِنْ أَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ أَيْ حِيلَتَكُمْ ، قَالَ وَ كَانَ مَوْعِدُهُمْ يَوْمَ عِيدٍ لَهُمْ فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ جَمَعَ فِرْعَوْنُ النَّاسَ وَ السَّحَرَةَ وَ كَانَتْ لَهُ قُبَّةٌ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَمَانُونَ ذِرَاعاً وَ قَدْ كَانَ كُسِيَتْ بِالْحَدِيدِ وَ الْفُولاَذِ الْمَصْقُولِ فَكَانَتْ إِذَا وَقَعَتِ الشَّمْسُ عَلَيْهَا لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا مِنْ لُمَعِ الْحَدِيدِ وَ وَهَجِ الشَّمْسِ وَ جَاءَ فِرْعَوْنُ وَ هَامَانُ وَ قَعَدَا عَلَيْهَا يَنْظُرَانِ وَ أَقْبَلَ مُوسَى يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَتِ السَّحَرَةُ لِفِرْعَوْنَ : إِنَّا نَرَى رَجُلاً يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ وَ لَنْ يَبْلُغَ سِحْرُنَا إِلَى السَّمَاءِ وَ ضَمِنَتِ السَّحَرَةُ مَنْ فِي الْأَرْضِ فَقَالُوا لِمُوسَى «إِمّٰا أَنْ تُلْقِيَ وَ إِمّٰا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ » «قٰالَ لَهُمْ مُوسىٰ أَلْقُوا مٰا أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَأَلْقَوْا حِبٰالَهُمْ وَ عِصِيَّهُمْ » فَأَقْبَلَتْ تَضْطَرِبُ وَ صَارَتْ مِثْلَ الْحَيَّاتِ «قٰالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنّٰا لَنَحْنُ الْغٰالِبُونَ » «فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسىٰ » فَنُودِيَ «لاٰ تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلىٰ وَ أَلْقِ مٰا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مٰا صَنَعُوا إِنَّمٰا صَنَعُوا كَيْدُ سٰاحِرٍ وَ لاٰ يُفْلِحُ السّٰاحِرُ حَيْثُ أَتىٰ » .

ص: 120

وَ هَامَانُ فِي ثِيَابِهِمَا وَ شَابَ رَأْسُهُمَا وَ غُشِيَ عَلَيْهِمَا مِنَ الْفَزَعِ وَ مَرَّ مُوسَى فِي الْهَزِيمَةِ مَعَ النَّاسِ ، فَنَادَاهُ اللَّهُ «خُذْهٰا وَ لاٰ تَخَفْ سَنُعِيدُهٰا سِيرَتَهَا الْأُولىٰ » فَرَجَعَ مُوسَى

وَ لَفَّ عَلَى يَدِهِ عَبَاءً كَانَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فَمِهَا فَإِذَا هِيَ عَصَا كَمَا كَانَتْ وَ كَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ «فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سٰاجِدِينَ » لَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ «قٰالُوا آمَنّٰا بِرَبِّ الْعٰالَمِينَ رَبِّ مُوسىٰ وَ هٰارُونَ » فَغَضِبَ فِرْعَوْنُ عِنْدَ ذَلِكَ غَضَباً شَدِيداً وَ «قٰالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ » يَعْنِي مُوسَى «اَلَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلاٰفٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ » فَقَالُوا لَهُ كَمَا حَكَى اللَّهُ «لاٰ ضَيْرَ إِنّٰا إِلىٰ رَبِّنٰا مُنْقَلِبُونَ إِنّٰا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنٰا رَبُّنٰا خَطٰايٰانٰا أَنْ كُنّٰا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ » فَحَبَسَ فِرْعَوْنُ مَنْ آمَنَ بِمُوسَى حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ «عَلَيْهِمُ الطُّوفٰانَ وَ الْجَرٰادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفٰادِعَ وَ الدَّمَ » فَأَطْلَقَ فِرْعَوْنُ عَنْهُمْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى «أَنْ أَسْرِ بِعِبٰادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ » فَخَرَجَ مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ لِيَقْطَعَ بِهِمُ الْبَحْرَ.

وَ جَمَعَ فِرْعَوْنُ أَصْحَابَهُ وَ بَعَثَ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ وَ حَشَرَ النَّاسَ وَ قَدَّمَ مُقَدِّمَتَهُ فِي سِتِّمِائَةِ أَلْفٍ وَ رَكِبَ هُوَ فِي أَلْفِ أَلْفٍ وَ خَرَجَ كَمَا حَكَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «فَأَخْرَجْنٰاهُمْ مِنْ جَنّٰاتٍ وَ عُيُونٍ وَ كُنُوزٍ وَ مَقٰامٍ كَرِيمٍ كَذٰلِكَ وَ أَوْرَثْنٰاهٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ

فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ » فَلَمَّا قَرُبَ مُوسَى الْبَحْرَ وَ قَرُبَ فِرْعَوْنُ مِنْ مُوسَى «قٰالَ أَصْحٰابُ مُوسىٰ إِنّٰا لَمُدْرَكُونَ قٰالَ » مُوسَى «كَلاّٰ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ » أَيْ سَيُنْجِينِي.

فَدَنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنَ الْبَحْرِ فَقَالَ لَهُ انْفَلِقْ ، فَقَالَ الْبَحْرُ لَهُ : اسْتَكْبَرْتَ يَا مُوسَى أَنْ تَقُولَ لِي أَنْفَلِقُ لَكَ وَ لَمْ أَعْصِ اللَّهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَ قَدْ كَانَ فِيكُمُ الْمَعَاصِي، فَقَالَ لَهُ مُوسَى فَاحْذَرْ أَنْ تَعْصِيَ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ آدَمَ أُخْرِجَ مِنَ اَلْجَنَّةِ بِمَعْصِيَتِهِ وَ إِنَّمَا إِبْلِيسُ

ص: 121

فَضَرَبَهُ «فَانْفَلَقَ فَكٰانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ » أَيْ كَالْجَبَلِ الْعَظِيمِ فَضَرَبَ لَهُ فِي الْبَحْرِ اثْنَيْ عَشَرَ طَرِيقاً فَأَخَذَ كُلُّ سِبْطٍ مِنْهُمْ فِي طَرِيقٍ فَكَانَ الْمَاءُ قَدِ ارْتَفَعَ وَ بَقِيَتِ الْأَرْضُ يَابِسَةً طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ فَيَبِسَتْ كَمَا حَكَى اللَّهُ «فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لاٰ تَخٰافُ دَرَكاً وَ لاٰ تَخْشىٰ » وَ دَخَلَ مُوسَى الْبَحْرَ وَ كَانَ أَصْحَابُهُ اثْنَيْ عَشَرَ سِبْطاً فَضَرَبَ اللَّهُ لَهُمْ فِي الْبَحْرِ اثْنَيْ عَشَرَ طَرِيقاً فَأَخَذَ كُلُّ سِبْطٍ فِي طَرِيقٍ وَ كَانَ الْمَاءُ قَدِ ارْتَفَعَ عَلَى رُءُوسِهِمْ مِثْلَ الْجِبَالِ فَجَزِعَتِ الْفِرْقَةُ الَّتِي كَانَتْ مَعَ مُوسَى

فِي طَرِيقِهِ فَقَالُوا يَا مُوسَى أَيْنَ إِخْوَانُنَا فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى مَعَكُمْ فِي الْبَحْرِ، فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ فَصَارَتْ طَاقَاتٍ حَتَّى كَانَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَ يَتَحَدَّثُونَ وَ أَقْبَلَ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْبَحْرِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ أَ لاَ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَبُّكُمُ الْأَعْلَى قَدْ فُرِّجَ لِيَ الْبَحْرُ فَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ الْبَحْرَ وَ امْتَنَعَتِ الْخَيْلُ مِنْهُ لِهَوْلِ الْمَاءِ فَتَقَدَّمَ فِرْعَوْنُ حَتَّى جَاءَ إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَقَالَ لَهُ مُنَجِّمُهُ لاَ تَدْخُلِ الْبَحْرَ وَ عَارَضَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ وَ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ حِصَانٍ فَامْتَنَعَ الْحِصَانُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَاءَ فَعَطَفَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ وَ هُوَ عَلَى مَادِيَانَةٍ فَتَقَدَّمَهُ وَ دَخَلَ فَنَظَرَ الْفَرَسُ إِلَى الرَّمَكَةِ فَطَلَبَهَا وَ دَخَلَ الْبَحْرَ وَ اقْتَحَمَ أَصْحَابُهُ خَلْفَهُ فَلَمَّا دَخَلُوا كُلُّهُمْ حَتَّى كَانَ آخِرُ مَنْ دَخَلَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ آخِرُ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَابِ مُوسَى أَمَرَ اللَّهُ الرِّيَاحَ فَضَرَبَتِ الْبَحْرَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَأَقْبَلَ الْمَاءُ يَقَعُ عَلَيْهِمْ مِثْلَ الْجِبَالِ فَقَالَ فِرْعَوْنُ عِنْدَ ذَلِكَ «آمَنْتُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرٰائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ » فَأَخَذَ جَبْرَئِيلُ كَفّاً مِنْ حَمْأَةٍ فَدَسَّهَا فِي فِيهِ ثُمَّ قَالَ «آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ » .»

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ » يَقُولُ عَصَبَةٌ قَلِيلَةٌ «وَ إِنّٰا لَجَمِيعٌ حٰاذِرُونَ » يَقُولُ مُؤَدُّونَ فِي الْأَدَاةِ وَ هُوَ الشَّاكُّ فِي السِّلاَحِ . و أما قوله «وَ مَقٰامٍ كَرِيمٍ » يقول مساكن حسنة و أما قوله «فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ » يعني عند طلوع الشمس و أما قوله «مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ » يقول سيكفين

ص: 122

«وَ أُزْلِفَتِ اَلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ » يقول قربت «وَ بُرِّزَتِ اَلْجَحِيمُ » يقول نحيت(1) و أما قوله:

«فَافْتَحْ بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ فَتْحاً» يقول اقض بيني و بينهم قضاء و قال علي بن إبراهيم

في قوله:«وَ اجْعَلْ لِي لِسٰانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ » قال هو أمير المؤمنين عليه السّلام

و قوله:«إِلاّٰ مَنْ أَتَى اللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » قال القلب السليم الذي يلقى الله و ليس فيه أحد سواه.

و قوله:«فَكُبْكِبُوا فِيهٰا هُمْ وَ الْغٰاوُونَ »

قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ وَصَفُوا عَدْلاً ثُمَّ خَالَفُوهُ إِلَى غَيْرِهِ .

وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ قَالَ : هُمْ بَنُو أُمَيَّةَ «وَ الْغٰاوُونَ »

هُمْ بَنُو فُلاَنٍ . «قٰالُوا وَ هُمْ فِيهٰا يَخْتَصِمُونَ تَاللّٰهِ إِنْ كُنّٰا لَفِي ضَلاٰلٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعٰالَمِينَ » يقولون لمن تبعوهم أطعناكم كما أطعنا الله فصرتم أربابا ثم يقولون «فَمٰا لَنٰا مِنْ شٰافِعِينَ وَ لاٰ صَدِيقٍ حَمِيمٍ »

وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالاَ: وَ اللَّهِ لَنَشْفَعَنَّ فِي الْمُذْنِبِينَ مِنْ شِيعَتِنَا حَتَّى يَقُولُوا أَعْدَاؤُنَا إِذَا رَأَوْا ذَلِكَ «فَمٰا لَنٰا مِنْ شٰافِعِينَ وَ لاٰ صَدِيقٍ حَمِيمٍ فَلَوْ أَنَّ لَنٰا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » قَالَ : مِنَ الْمُهْتَدِينَ قَالَ : لِأَنَّ الْإِيمَانَ قَدْ لَزِمَهُمْ بِالْإِقْرَارِ.

و قوله:«قٰالُوا أَ نُؤْمِنُ لَكَ » يا نوح «وَ اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ » قال الفقراء

و قوله:«وَ إِذٰا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّٰارِينَ » قال: تقتلون بالغضب من غير استحقاق

و قوله:«وَ نَخْلٍ طَلْعُهٰا هَضِيمٌ » أي ممتلئ

و قوله:«وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبٰالِ بُيُوتاً فٰارِهِينَ » أي حاذقين و يقرأ فرهين أي بطرين

إلى قوله «إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقٰالِينَ » أي من المبغضين

و قوله:«وَ اتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ » قال الخلق الأولين

و قوله «فَكَذَّبُوهُ » قال قوم شعيب «فَأَخَذَهُمْ عَذٰابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ »

ص: 123


1- من نحوته أي قصدته و في نسخة ك «للغاوين» بعد «تحيت» ج. ز.

قال يوم حر و سمائم (1)

و قوله:«وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعٰالَمِينَ نَزَلَ بِهِ اَلرُّوحُ الْأَمِينُ »

يعني القرآن

وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَسَّانَ [حَنَانٍ ] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعٰالَمِينَ نَزَلَ بِهِ اَلرُّوحُ الْأَمِينُ عَلىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ » قَالَ : الْوَلاَيَةُ نَزَلَتْ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَوْمَ الْغَدِيرِ.

و قوله:«وَ لَوْ نَزَّلْنٰاهُ عَلىٰ بَعْضِ اَلْأَعْجَمِينَ

فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مٰا كٰانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ »

قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لَوْ أُنْزِلَ اَلْقُرْآنُ عَلَى اَلْعَجَمِ

مَا آمَنَتْ بِهِ اَلْعَرَبُ وَ قَدْ نَزَلَ عَلَى اَلْعَرَبِ فَآمَنَتْ بِهِ اَلْعَجَمُ فَهَذِهِ فَضِيلَةُ اَلْعَجَمِ .

و قَوْلُهُ «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ » قَالَ نَزَلَتْ وَ «رَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ».

قَالَ : نَزَلَتْ بِمَكَّةَ فَجَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَنِي هَاشِمٍ وَ هُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلاً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَأْكُلُ الْجَذَعَ (2) وَ يَشْرَبُ الْقِرْبَةَ فَاتَّخَذَ لَهُمْ طَعَاماً يَسِيراً وَ أَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : مَنْ يَكُونُ وَصِيِّي وَ وَزِيرِي وَ خَلِيفَتِي فَقَالَ لَهُمْ أَبُو لَهَبٍ جَزْماً سَحَرَكُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَتَفَرَّقُوا، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَفَعَلَ بِهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ سَقَاهُمُ اللَّبَنَ حَتَّى رَوُوا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : أَيُّكُمْ يَكُونُ وَصِيِّي وَ وَزِيرِي وَ خَلِيفَتِي فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ جَزْماً سَحَرَكُمْ مُحَمَّدٌ فَتَفَرَّقُوا، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَفَعَلَ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ سَقَاهُمُ اللَّبَنَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : أَيُّكُمْ يَكُونُ وَصِيِّي وَ وَزِيرِي وَ يُنْجِزُ عِدَاتِي وَ يَقْضِي دَيْنِي فَقَامَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَانَ أَصْغَرَهُمْ سِنّاً وَ أَحْمَشَهُمْ (3)

سَاقاً وَ أَقَلَّهُمْ مَالاً فَقَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : أَنْتَ هُوَ .

ص: 124


1- جمع سموم أي ريح حارة.
2- جَذَعٌ كَفَرَسٍ : مِنَ الضَّأْنِ مَا لَهُ سَنَةٌ تَامَّةٌ وَ مِنَ الْإِبِلِ مَا دَخَلَ فِي الْخَامِسَةِ . مجمع.
3- يُقَالُ «رِجَالٌ حِمَاشُ السُّوقِ » أَيْ دَقِيقَتُهَا. ج. ز.

و قوله:«اَلَّذِي يَرٰاكَ حِينَ تَقُومُ وَ تَقَلُّبَكَ فِي السّٰاجِدِينَ »

قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُرَاتِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : «اَلَّذِي يَرٰاكَ حِينَ تَقُومُ » فِي النُّبُوَّةِ «وَ تَقَلُّبَكَ فِي السّٰاجِدِينَ » قَالَ فِي أَصْلاَبِ النَّبِيِّينَ «وَ الشُّعَرٰاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغٰاوُونَ »

قَالَ نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ غَيَّرُوا دِينَ اللَّهِ بِآرَائِهِمْ وَ خَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ هَلْ رَأَيْتُمْ شَاعِراً قَطُّ تَبِعَهُ أَحَدٌ إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ الَّذِينَ وَضَعُوا دِيناً بِآرَائِهِمْ فَيَتَّبِعُهُمُ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ وَ يُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ «أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وٰادٍ يَهِيمُونَ » يَعْنِي يُنَاظِرُونَ بِالْأَبَاطِيلِ وَ يُجَادِلُونَ بِالْحُجَجِ الْمُضِلَّةِ وَ فِي كُلِّ مَذْهَبٍ يَذْهَبُونَ «وَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ مٰا لاٰ يَفْعَلُونَ » قَالَ يَعِظُونَ النَّاسَ وَ لاَ يَتَّعِظُونَ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لاَ يَنْتَهُونَ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ لاَ يَعْمَلُونَ وَ هُمُ الَّذِينَ غَصَبُوا آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ .

ثُمَّ ذَكَرَ آلَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَ شِيعَتَهُمُ الْمُهْتَدِينَ فَقَالَ :«إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ وَ ذَكَرُوا اللّٰهَ كَثِيراً وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مٰا ظُلِمُوا» ثُمَّ ذَكَرَ أَعْدَاءَهُمْ وَ مَنْ ظَلَمَهُمْ فَقَالَ «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا» آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ «أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ »

هَكَذَا وَ اللَّهِ نَزَلَتْ .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «اَلْفُلْكِ الْمَشْحُونِ » الْمُجَهَّزُ الَّذِي قَدْ فُرِغَ مِنْهُ وَ لَمْ يَبْقَ إِلاَّ رَفْعُهُ وَ أَمَّا قَوْلُهُ :«بِكُلِّ رِيعٍ »

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَعْنِي بِكُلِّ طَرِيقٍ «آيَةً » وَ الْآيَةُ عَلِيٌّ «تَعْبَثُونَ » .

و قوله «إِنَّمٰا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ » يقول أجوف مثل خلق الناس و لو كنت رسولا ما كنت مثلنا

و قوله «أَصْحٰابُ الْأَيْكَةِ » الأيكة الغيضة من الشجر

و أما قوله «عَذٰابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كٰانَ عَذٰابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ » فبلغنا و الله أعلم أنه أصابهم حر و هم في بيوتهم فخرجوا يلتمسون الروح من قبل السحابة التي بعث الله فيها العذاب فلما غشيتهم أخذتهم الصيحة «فَأَصْبَحُوا فِي دِيٰارِهِمْ جٰاثِمِينَ » و هم قوم شعيب

و قوله «لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ » يعني كتب الأولين

ص: 125

لمعزولون

و قوله: «و رهطك منهم المخلصين» علي بن أبي طالب و حمزة و جعفر

و الحسن و الحسين و الأئمة من آل محمد عليهم السّلام

ثم قال:«لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ عَصَوْكَ » يعني من بعدك في ولاية علي و الأئمة عليهم السّلام من ذريتهم «فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمّٰا تَعْمَلُونَ » و معصية الرسول صلّى اللّه عليه و آله و هو ميت كمعصيته و هو حي

27- سورة النمل مكية آياتها ثلاث و تسعون 93

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ طس تِلْكَ آيٰاتُ اَلْقُرْآنِ وَ كِتٰابٍ مُبِينٍ » إلى قوله «هُمُ الْأَخْسَرُونَ وَ إِنَّكَ » مخاطبة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «لَتُلَقَّى اَلْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ » أي من عند «حَكِيمٍ عَلِيمٍ »

و قوله «إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نٰاراً» أي رأيت ذلك لما خرج من المدائن من عند شعيب فكتب خبره في سورة القصص

و قوله:

«يٰا مُوسىٰ لاٰ تَخَفْ إِنِّي لاٰ يَخٰافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلاّٰ مَنْ ظَلَمَ » و معنى إلا من ظلم كقولك و لا من ظلم «ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ » فوضع حرف مكان حرف

و قوله:«وَ لَقَدْ آتَيْنٰا دٰاوُدَ» إلى قوله «اَلْمُبِينُ » قال: أعطى داود

و سليمان ما لم يعط أحدا من أنبياء الله من الآيات علمهما «مَنْطِقَ الطَّيْرِ» و ألان لهما الحديد و الصفر من غير نار و جعلت الجبال يسبحن مع داود و أنزل الله عليه الزبور

فيه توحيد و تمجيد و دعاء و أخبار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام و الأئمة عليهم السّلام

من ذريتهما عليهما السّلام و أخبار الرجعة و القائم عليه السلام لقوله «وَ لَقَدْ كَتَبْنٰا فِي اَلزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهٰا عِبٰادِيَ الصّٰالِحُونَ » و قوله «وَ حُشِرَ لِسُلَيْمٰانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ » قعد على كرسيه و حملته الريح فمرت به على وادي النمل و هو واد ينبت الذهب و الفضة و قد وكل الله به النمل

ص: 126

بِأَضْعَفِ خَلْقِهِ وَ هُوَ النَّمْلُ لَوْ رَامَتْهُ الْبَخَاتِيُّ مِنَ الْإِبِلِ مَا قَدَرَتْ عَلَيْهِ .

فلما انتهى سليمان إلى وادي النمل فقالت نملة «يٰا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسٰاكِنَكُمْ لاٰ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمٰانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لاٰ يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضٰاحِكاً مِنْ قَوْلِهٰا وَ قٰالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ » إلى قوله «فِي عِبٰادِكَ الصّٰالِحِينَ » و كان سليمان إذا قعد على كرسيه جاءت جميع الطير التي سخرها الله لسليمان فتظل الكرسي و البساط بجميع من عليه من الشمس فغاب عنه الهدهد من بين الطير فوقع الشمس من موضعه في حجر سليمان عليه السّلام فرفع رأسه و قال كما حكى الله «مٰا لِيَ لاٰ أَرَى الْهُدْهُدَ» إلى قوله «بِسُلْطٰانٍ مُبِينٍ » أي بحجة قوية فلم يمكث إلا قليلا إذ جاء الهدهد فقال له سليمان أين كنت قال «أَحَطْتُ بِمٰا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ » أي بخبر صحيح «إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ» و هذا مما لفظه عام و معناه خاص لأنها لم تؤت أشياء كثيرة منها الذكر و اللحية ثم قال:

«وَجَدْتُهٰا وَ قَوْمَهٰا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللّٰهِ » إلى قوله «فَهُمْ لاٰ يَهْتَدُونَ »

ثم قال الهدهد «أَلاّٰ يَسْجُدُوا لِلّٰهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْ ءَ فِي السَّمٰاوٰاتِ » أي المطر و في الأرض النبات.

ثم قال سليمان «سَنَنْظُرُ أَ صَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكٰاذِبِينَ » إلى قوله «مٰا ذٰا يَرْجِعُونَ » فقال الهدهد إنها في حصن منيع في عرش عظيم أي سرير فقال سليمان

ألق الكتاب على قبتها فجاء الهدهد فألقى الكتاب في حجرها فارتاعت من ذلك و جمعت جنودها و قالت لهم كما حكى الله «يٰا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتٰابٌ كَرِيمٌ »

أي مختوم «إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمٰانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ أَلاّٰ تَعْلُوا عَلَيَّ وَ أْتُونِي مُسْلِمِينَ » أي لا تتكبروا علي ثم قالت «يٰا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مٰا كُنْتُ قٰاطِعَةً أَمْراً حَتّٰى تَشْهَدُونِ » فقالوا لها كما حكى الله «نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَ الْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مٰا ذٰا تَأْمُرِينَ قٰالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذٰا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهٰا وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهٰا أَذِلَّةً »

ص: 127

فقال الله عز و جل «وَ كَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ » ثم قالت إن كان هذا نبيا من عند الله كما يدعي فلا طاقة لنا به فإن الله لا يغلب و لكن سأبعث إليه بهدية فإن كان ملكا يميل إلى الدنيا قبلها و علمنا أنه لا يقدر علينا فبعثت إليه حقه فيها جوهرة عظيمة و قالت للرسول قل له يثقب هذه الجوهر بلا حديد و لا نار فأتاه الرسول بذلك فأمر سليمان بعض جنوده من الديدان فأخذ خيطا في فمه ثم ثقبها و أخرج الخيط من الجانب الآخر و قال سليمان لرسولها «فَمٰا آتٰانِيَ اللّٰهُ خَيْرٌ مِمّٰا آتٰاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ اِرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لاٰ قِبَلَ لَهُمْ بِهٰا» أي لا طاقة لهم بها «وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهٰا أَذِلَّةً وَ هُمْ صٰاغِرُونَ » .

فرجع إليها الرسول فأخبرها بذلك و بقوة سليمان فعلمت أنه لا محيص لها فارتحلت نحو سليمان فلما علم سليمان بإقبالها نحوه قال للجن و الشياطين «أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهٰا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قٰالَ عِفْرِيتٌ مِنَ » عفاريت «اَلْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقٰامِكَ وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ » قال سليمان أريد أسرع من ذلك، فقال آصف بن برخيا «أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ » فدعا الله باسمه الأعظم فخرج السرير من تحت كرسي سليمان فقال «نَكِّرُوا لَهٰا عَرْشَهٰا» أي غيروه «نَنْظُرْ أَ تَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لاٰ يَهْتَدُونَ فَلَمّٰا جٰاءَتْ قِيلَ أَ هٰكَذٰا عَرْشُكِ قٰالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ» و كان سليمان قد أمر أن يتخذ لها بيتا من قوارير و وضعه على الماء ثم «قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ » فظنت أنه ماء فرفعت ثوبها و أبدت ساقيها فإذا عليها شعر كثير فقيل لها «إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوٰارِيرَ قٰالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمٰانَ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ » فتزوجها سليمان و هي بلقيس بنت الشرح الحميرية و قالت الشياطين اتخذوا لها شيئا يذهب الشعر عنها فعملوا لها الحمامات و طبخوا النورة فالحمامات و النورة مما اتخذته الشياطين لبلقيس و كذا الأرحية التي تدور على الماء.

ص: 128

وَ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : وَ أُعْطِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مَعَ عِلْمِهِ مَعْرِفَةَ الْمَنْطِقِ بِكُلِّ لِسَانٍ وَ مَعْرِفَةَ اللُّغَاتِ وَ مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ الْبَهَائِمِ وَ السِّبَاعِ فَكَانَ إِذَا شَاهَدَ الْحُرُوبَ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَ إِذَا قَعَدَ لِعُمَّالِهِ وَ جُنُودِهِ وَ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ تَكَلَّمَ بِالرُّومِيَّةِ وَ إِذَا خَلاَ بِنِسَائِهِ تَكَلَّمَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَ النَّبَطِيَّةِ وَ إِذَا قَامَ فِي مِحْرَابِهِ لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَ إِذَا جَلَسَ لِلْوُفُودِ وَ الْخُصَمَاءِ تَكَلَّمَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «فَهُمْ يُوزَعُونَ » قَالَ يُحْبَسُ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ . و قوله «لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذٰاباً شَدِيداً»

يقول لأنتفن ريشه و قوله «أَلاّٰ تَعْلُوا عَلَيَّ » يقول لا تعظموا علي و قوله «لاٰ قِبَلَ لَهُمْ بِهٰا» يقول لا طاقة لهم بها.

و قول سليمان «لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ» لما آتاني من الملك «أَمْ أَكْفُرُ» إذا رأيت من هو أدون مني أفضل مني علما فعزم الله له على الشكر

و أما قوله «قُلِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ وَ سَلاٰمٌ عَلىٰ عِبٰادِهِ الَّذِينَ اصْطَفىٰ » قال: هم آل محمد عليهم السّلام و قوله:«فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خٰاوِيَةً بِمٰا ظَلَمُوا» قال لا تكون الخلافة في آل فلان و لا آل فلان و لا آل فلان و لا طلحة و لا الزبير.

و قال علي بن إبراهيم في قوله «أَمَّنْ خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَأَنْبَتْنٰا بِهِ حَدٰائِقَ ذٰاتَ بَهْجَةٍ » أي بساتين ذات حسن «مٰا كٰانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهٰا» و هو على حد الاستفهام «أَ إِلٰهٌ مَعَ اللّٰهِ » يعني فعل هذا مع الله «بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ » قال عن الحق و قوله:«أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذٰا دَعٰاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفٰاءَ الْأَرْضِ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ

، هُوَ وَ اللَّهِ الْمُضْطَرُّ إِذَا صَلَّى فِي الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَ دَعَا اللَّهَ فَأَجَابَهُ «وَ يَكْشِفُ السُّوءَ» وَ يَجْعَلُهُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ . و هذا مما ذكرنا أن تأويله بعد تنزيله.

ثم حكى عز و جل قول الدهرية فقال:

ص: 129

«وَ قٰالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَ إِذٰا كُنّٰا تُرٰاباً وَ آبٰاؤُنٰا أَ إِنّٰا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنٰا هٰذٰا نَحْنُ وَ آبٰاؤُنٰا مِنْ قَبْلُ إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ أَسٰاطِيرُ الْأَوَّلِينَ » أي أكاذيب الأولين، فحزن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لذلك فأنزل الله تعالى «وَ لاٰ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لاٰ تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمّٰا يَمْكُرُونَ » ثم حكى أيضا قولهم «وَ يَقُولُونَ »

يا محمد «مَتىٰ هٰذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ قُلْ عَسىٰ أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ » أي قد قرب من خلفكم «بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ » ثم قال «إِنَّكَ » يا محمد «لاٰ تُسْمِعُ الْمَوْتىٰ وَ لاٰ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعٰاءَ إِذٰا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ » أي إن هؤلاء الذين تدعوهم لا يسمعون ما تقول كما لا يسمع الموتى و الصم.

فأما قوله «وَ إِذٰا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنٰا لَهُمْ دَابَّةً » إلى قوله «بِآيٰاتِنٰا لاٰ يُوقِنُونَ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

قَالَ : انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ نَائِمٌ فِي اَلْمَسْجِدِ قَدْ جَمَعَ رَمْلاً وَ وَضَعَ رَأْسَهُ عَلَيْهِ فَحَرَّكَهُ بِرِجْلِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ : قُمْ يَا دَابَّةَ اللَّهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ يُسَمِّي بَعْضُنَا بَعْضاً بِهَذَا الاِسْمِ فَقَالَ : لاَ وَ اللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ لَهُ خَاصَّةً وَ هُوَ الدَّابَّةُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ «وَ إِذٰا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنٰا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّٰاسَ كٰانُوا بِآيٰاتِنٰا لاٰ يُوقِنُونَ » ثُمَّ قَالَ يَا عَلِيُّ إِذَا كَانَ آخِرُ الزَّمَانِ أَخْرَجَكَ اللَّهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَ مَعَكَ مِيسَمٌ تَسِمُ بِهِ أَعْدَاءَكَ ، فَقَالَ رَجُلٌ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ هَذِهِ الدَّابَّةُ إِنَّمَا تَكْلِمُهُمْ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَلَمَهُمُ اللَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ إِنَّمَا هُوَ يُكَلِّمُهُمْ مِنَ الْكَلاَمِ وَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا فِي اَلرَّجْعَةِ قَوْلُهُ «وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيٰاتِنٰا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتّٰى إِذٰا جٰاؤُ قٰالَ أَ كَذَّبْتُمْ بِآيٰاتِي وَ لَمْ تُحِيطُوا بِهٰا عِلْماً أَمّٰا ذٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ »

ص: 130

اَلرَّجْعَةِ ، وَ أَمَّا آيَةُ الْقِيَامَةِ فَهِيَ «وَ حَشَرْنٰاهُمْ فَلَمْ نُغٰادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً» .»

حَدَّثَنِي أَبِي

عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اَلْمُفَضَّلِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى «وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً» قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قُتِلَ إِلاَّ يَرْجِعُ حَتَّى يَمُوتَ وَ لاَ يَرْجِعُ إِلاَّ مَنْ مَحَضَ الْإِيمَانَ مَحْضاً وَ مَنْ مَحَضَ الْكُفْرَ مَحْضاً.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : قَالَ رَجُلٌ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ يَا أَبَا الْيَقْظَانِ آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ

قَدْ أَفْسَدَتْ قَلْبِي وَ شَكَّكَتْنِي قَالَ عَمَّارٌ وَ أَيُّ آيَةٍ هِيَ قَالَ قَوْلُ اللَّهِ :«وَ إِذٰا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنٰا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ » ، الْآيَةَ فَأَيُّ دَابَّةٍ هِيَ قَالَ عَمَّارٌ وَ اللَّهِ مَا أَجْلِسُ وَ لاَ آكُلُ وَ لاَ أَشْرَبُ حَتَّى أُرِيَكَهَا: فَجَاءَ عَمَّارٌ مَعَ الرَّجُلِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ يَأْكُلُ تَمْراً وَ زَبَداً، فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا الْيَقْظَانِ هَلُمَّ فَجَلَسَ عَمَّارٌ وَ أَقْبَلَ يَأْكُلُ مَعَهُ ، فَتَعَجَّبَ الرَّجُلُ مِنْهُ ، فَلَمَّا قَامَ عَمَّارٌ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَبَا الْيَقْظَانِ

حَلَفْتَ أَنَّكَ لاَ تَأْكُلُ وَ لاَ تَشْرَبُ وَ لاَ تَجْلِسُ حَتَّى تُرِيَنِيهَا، قَالَ عَمَّارٌ قَدْ أَرَيْتُكَهَا إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ .، و قوله «وَ كُلٌّ أَتَوْهُ دٰاخِرِينَ » قال خاشعين و قوله «وَ تَرَى الْجِبٰالَ تَحْسَبُهٰا جٰامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحٰابِ صُنْعَ اللّٰهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ ءٍ» قال فعل الله الذي أحكم كل شيء.

و أما قوله:«مَنْ جٰاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهٰا» «فَلَهُ عَشْرُ أَمْثٰالِهٰا» و قوله «مَنْ جٰاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي اَلنّٰارِ» قال الحسنة و الله ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام و السيئة و الله عداوته

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا اللُّؤْلُؤِيُّ

عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ [حَنَانٍ ] عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

فِي قَوْلِهِ :«مَنْ جٰاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثٰالِهٰا» قَالَ هِيَ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً وَ الْحَسَنَةُ الْوَلاَيَةُ فَمَنْ عَمِلَ مِنْ حَسَنَةٍ كُتِبَتْ لَهُ عَشْراً فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وَلاَيَةٌ رُفِعَ عَنْهُ بِمَا عَمِلَ مِنْ حَسَنَةٍ فِي الدُّنْيَا «وَ مٰا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاٰقٍ » .، قال علي بن إبراهيم في قوله:

«إِنَّمٰا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهٰا» قال مكة «وَ لَهُ كُلُّ شَيْ ءٍ»

ص: 131

قال الله عز و جل:«وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ » إلى قوله «سَيُرِيكُمْ آيٰاتِهِ فَتَعْرِفُونَهٰا» قال الآيات أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السّلام إذا رجعوا يعرفهم أعداؤهم إذا رأوهم، و الدليل على أن الآيات هم الأئمة

قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

وَ اللَّهِ مَا لِلَّهِ آيَةٌ أَكْبَرُ مِنِّي.، فإذا رجعوا إلى الدنيا يعرفهم أعداؤهم إذا رأوهم في الدنيا

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ لَقَدْ أَرْسَلْنٰا إِلىٰ ثَمُودَ

أَخٰاهُمْ صٰالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللّٰهَ فَإِذٰا هُمْ فَرِيقٰانِ يَخْتَصِمُونَ » يَقُولُ مُصَدِّقٌ وَ مُكَذِّبٌ قَالَ الْكَافِرُونَ مِنْهُمْ أَ تَشْهَدُونَ «أَنَّ صٰالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ » قَالَ الْمُؤْمِنُونَ إِنَّا بِالَّذِي «أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ » ، قَالَ الْكَافِرُونَ مِنْهُمْ «إِنّٰا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كٰافِرُونَ » ، وَ قَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ، فَجَاءَهُمْ بِنَاقَةٍ «فَعَقَرُوهٰا» ، وَ كَانَ الَّذِي عَقَرَهَا أَزْرَقَ أَحْمَرَ وَلَدَ الزِّنَا. و أما قوله:«لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ » فإنهم سألوه قبل أن يأتيهم الناقة أن يأتيهم بعذاب أليم أرادوا بذلك امتحانه ف «قٰالَ : يٰا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ » يقول بالعذاب قبل الرحمة و أما قوله:«قٰالُوا اطَّيَّرْنٰا بِكَ وَ بِمَنْ مَعَكَ » فإنهم أصابهم جوع شديد فقالوا هذا من شومك و شوم الذين معك أصابنا هذا القحط و هي الطيرة «قٰالَ طٰائِرُكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ » يقول خيركم و شركم من عند الله «بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ » يقول تبتلون بالاختبار.

و أما قوله «وَ كٰانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لاٰ يُصْلِحُونَ »

كانوا يعملون في الأرض بالمعاصي و أما قوله «تَقٰاسَمُوا بِاللّٰهِ » أي تحالفوا «لَنُبَيِّتَنَّهُ وَ أَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ » أي لنحلفن «لِوَلِيِّهِ مٰا شَهِدْنٰا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَ إِنّٰا لَصٰادِقُونَ »

يقول لنفعلن، فأتوا صالحا ليلا ليقتلوه و عند صالح ملائكة يحرسونه فلما أتوه قاتلتهم الملائكة في دار صالح رجما بالحجارة فأصبحوا في داره مقتلين و صبحت قومه الرجفة «فَأَصْبَحُوا فِي دِيٰارِهِمْ جٰاثِمِينَ » .

و أما قوله:«بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حٰاجِزاً» يقول فضاء و أما قوله «بَلِ ادّٰارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ » يقول علموا ما كانوا جهلوا في الدنيا و أما قوله «وَ كُلٌّ أَتَوْهُ دٰاخِرِينَ »

ص: 132

قال: صاغرين و أما قوله:«أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ ءٍ» يقول «أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ » .

28- سورة القصص مكية آياتها ثمان و ثمانون 88

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ طسم تِلْكَ آيٰاتُ اَلْكِتٰابِ الْمُبِينِ » ثم خاطب الله نبيه صلّى اللّه عليه و آله فقال:«نَتْلُوا عَلَيْكَ » يا محمد «مِنْ نَبَإِ مُوسىٰ وَ فِرْعَوْنَ » إلى قوله «إِنَّهُ كٰانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ » فأخبر الله نبيه بما لقي موسى و أصحابه من فرعون من القتل و الظلم ليكون تعزية له فيما يصيبه في أهل بيته من أمته ثم بشره بعد تعزيته أنه يتفضل عليهم بعد ذلك و يجعلهم خلفاء في الأرض و أئمة على أمته و يردهم إلى الدنيا مع أعدائهم حتى ينتصفوا منهم فقال: «وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ

وَ هٰامٰانَ وَ جُنُودَهُمٰا» و هم الذين غصبوا آل محمد حقهم و قوله «مِنْهُمْ » أي من آل محمد «مٰا كٰانُوا يَحْذَرُونَ » أي من القتل و العذاب و لو كانت هذه الآية نزلت في موسى و فرعون لقال و نري فرعون و هامان و جنودهما منه ما كانوا يحذرون أي من موسى و لم يقل منهم فلما تقدم قوله «وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ » علمنا أن المخاطبة للنبي صلّى اللّه عليه و آله و ما وعد الله به رسوله فإنما يكون بعده و الأئمة يكونون من ولده و إنما ضرب الله هذا المثل لهم في موسى و بني إسرائيل و في أعدائهم بفرعون و هامان و جنودهما فقال: إن فرعون قتل بني إسرائيل و ظلم من ظلمهم فأظفر الله موسى بفرعون و أصحابه حتى أهلكهم الله و كذلك أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أصابهم من أعدائهم القتل و الغصب ثم يردهم الله و يرد أعداءهم إلى الدنيا حتى يقتلوهم.

ص: 133

وَ قَدْ ضَرَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَثَلاً مِثْلَ مَا ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي أَعْدَائِهِمْ بِفِرْعَوْنَ

وَ هَامَانَ فَقَالَ : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَوَّلُ مَنْ بَغَى عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ عَنَاقُ بِنْتُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ خَلَقَ اللَّهُ لَهَا عِشْرِينَ إِصْبَعاً لِكُلِّ إِصْبَعٍ مِنْهَا ظُفُرَانِ طَوِيلاَنِ كَالْمِخْلَبَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ وَ كَانَ مَجْلِسُهَا فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ جَرِيبٍ فَلَمَّا بَغَتْ بَعَثَ اللَّهُ لَهَا أَسَداً كَالْفِيلِ وَ ذِئْباً كَالْبَعِيرِ وَ نَسْراً كَالْحِمَارِ وَ كَانَ ذَلِكَ فِي الْخَلْقِ الْأَوَّلِ فَسَلَّطَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهَا فَقَتَلُوهَا، أَلاَ وَ قَدْ قَتَلَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَ هَامَانَ وَ خَسَفَ اللَّهُ بِقَارُونَ .» و إنما هذا مثل لأعدائه الذين غصبوا حقه فأهلكهم الله

ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى أَثَرِ هَذَا الْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَهُ : «وَ قَدْ كَانَ لِي حَقٌّ حَازَهُ دُونِي مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَ لَمْ أَكُنْ أُشْرِكُهُ فِيهِ وَ لاَ تَوْبَةَ لَهُ إِلاَّ بِكِتَابٍ مُنْزَلٍ وَ بِرَسُولٍ مُرْسَلٍ وَ أَنَّى لَهُ بِالرِّسَالَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ

[النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ لاَ نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .»(1) و كذلك مثل القائم عليه السّلام

في غيبته و هربه و استناره مثل موسى عليه السّلام خائف مستتر إلى أن يأذن الله في خروجه و طلب حقه و قتل أعدائه في قوله:«أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقٰاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللّٰهَ عَلىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ اَلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ » و قد ضرب الحسين بن علي عليه السّلام مثلا في بني إسرائيل بذلتهم من أعدائهم

حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : لَقِيَ اَلْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ : وَيْحَكَ أَ مَا آنَ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ كَيْفَ أَصْبَحْتُ أَصْبَحْنَا فِي قَوْمِنَا مِثْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي آلِ فِرْعَوْنَ

يَذْبَحُونَ أَبْنَاءَنَا وَ يَسْتَحْيُونَ نِسَاءَنَا وَ أَصْبَحَ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ يُلْعَنُ عَلَى الْمَنَابِرِ، وَ أَصْبَحَ عَدُوُّنَا يُعْطَى الْمَالَ وَ الشَّرَفَ ، وَ أَصْبَحَ مَنْ يُحِبُّنَا مَحْقُوراً مَنْقُوصاً حَقُّهُ ، وَ كَذَلِكَ لَمْ يَزَلِ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَصْبَحَتِ اَلْعَجَمُ تَعْرِفُ لِلْعَرَبِ حَقَّهَا بِأَنَّ مُحَمَّداً كَانَ مِنْهَا وَ أَصْبَحَتْ قُرَيْشٌ تَفْتَخِرُ عَلَى اَلْعَرَبِ بِأَنَّ مُحَمَّداً كَانَ مِنْهَا، وَ أَصْبَحَتِ اَلْعَرَبُ تَعْرِفُ لِقُرَيْشٍ حَقَّهَا بِأَنَّ مُحَمَّداً كَانَ مِنْهَا وَ أَصْبَحَتِ اَلْعَرَبُ تَفْتَخِرُ عَلَى اَلْعَجَمِ بِأَنَّ مُحَمَّداً

ص: 134


1- و في ط بعده «و هو في برزخ القيامه غرته الأماني و غره بالله الغرور و قد أشرف على جرف هار فانهار به جهنم «وَ اللّٰهُ لاٰ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّٰالِمِينَ » (ط ) ج. ز.

كَانَ مِنْهَا وَ أَصْبَحْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ لاَ يُعْرَفُ لَنَا حَقٌّ فَهَكَذَا أَصْبَحْنَا يَا مِنْهَالُ .

و أما قوله:«وَ أَوْحَيْنٰا إِلىٰ أُمِّ مُوسىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذٰا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لاٰ تَخٰافِي وَ لاٰ تَحْزَنِي إِنّٰا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جٰاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي

عَنِ اَلْحُسَيْنِ [الْحَسَنِ ] بْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ اَلْعَلاَءِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

قَالَ : إِنَّ مُوسَى لَمَّا حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ لَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا إِلاَّ عِنْدَ وَضْعِهِ وَ كَانَ فِرْعَوْنُ قَدْ وَكَّلَ بِنَسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ نِسَاءً مِنَ اَلْقِبْطِ يَحْفَظْنَهُنَّ ، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَمَّا بَلَغَهُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ يُولَدُ فِينَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ يَكُونُ هَلاَكُ فِرْعَوْنَ وَ أَصْحَابِهِ عَلَى يَدِهِ فَقَالَ فِرْعَوْنُ عِنْدَ ذَلِكَ لَأَقْتُلَنَّ ذُكُورَ أَوْلاَدِهِمْ حَتَّى لاَ يَكُونَ مَا يُرِيدُونَ وَ فَرَّقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ وَ حَبَسَ الرِّجَالَ فِي الْمَحَابِسِ ، فَلَمَّا وَضَعَتْ أُمُّ مُوسَى بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَظَرَتْ إِلَيْهِ وَ حَزِنَتْ عَلَيْهِ وَ اغْتَمَّتْ وَ بَكَتْ وَ قَالَتْ يُذْبَحُ السَّاعَةَ ، فَعَطَفَ اللَّهُ بِقَلْبِ الْمُوَكَّلَةِ بِهَا عَلَيْهِ فَقَالَتْ لِأُمِّ مُوسَى: مَا لَكِ قَدِ اصْفَرَّ لَوْنُكِ فَقَالَتْ : أَخَافُ أَنْ يُذْبَحَ وَلَدِي فَقَالَتْ : لاَ تَخَافِي وَ كَانَ مُوسَى

لاَ يَرَاهُ أَحَدٌ إِلاَّ أَحَبَّهُ ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ :«وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي» فَأَحَبَّتْهُ الْقِبْطِيَّةُ الْمُوَكَّلَةُ بِهِ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى التَّابُوتَ وَ نُودِيَتْ أُمُّهُ «ضَعِيهِ «فِي التّٰابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ » وَ هُوَ الْبَحْرُ «وَ لاٰ تَخٰافِي وَ لاٰ تَحْزَنِي إِنّٰا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جٰاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ » فَوَضَعَتْهُ فِي التَّابُوتِ وَ أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ وَ أَلْقَتْهُ فِي اَلنِّيلِ

وَ كَانَ لِفِرْعَوْنَ قَصْرٌ عَلَى شَطِّ اَلنِّيلِ مُنْتَزِهاً، فَنَظَرَ مِنْ قَصْرِهِ وَ مَعَهُ آسِيَةُ

ص: 135

ائْتُوا ظِئْراً تُرَبِّيهِ فَجَاءُوا بِعِدَّةِ نِسَاءٍ قَدْ قَتَلَ أَوْلاَدَهُنَّ فَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَ أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ «وَ حَرَّمْنٰا عَلَيْهِ الْمَرٰاضِعَ مِنْ قَبْلُ » وَ بَلَغَ أُمَّهُ أَنَّ فِرْعَوْنَ قَدْ أَخَذَهُ فَحَزِنَتْ وَ بَكَتْ كَمَا قَالَ اللَّهُ «وَ أَصْبَحَ فُؤٰادُ أُمِّ مُوسىٰ فٰارِغاً» يَعْنِي كَادَتْ أَنْ تُخْبِرَ بِخَبَرِهِ أَوْ تَمُوتَ ثُمَّ ضَبَطَتْ نَفْسَهَا فَكَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «لَوْ لاٰ أَنْ رَبَطْنٰا عَلىٰ قَلْبِهٰا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ قٰالَتْ لِأُخْتِهِ » أَيْ لِأُخْتِ مُوسَى «قُصِّيهِ » أَيِ اتَّبِعِيهِ فَجَاءَتْ أُخْتُهُ إِلَيْهِ «فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ » أَيْ عَنْ بُعْدٍ «وَ هُمْ لاٰ يَشْعُرُونَ » فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلْ مُوسَى ثَدْيَ أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ اغْتَمَّ فِرْعَوْنُ غَمّاً شَدِيداً «فَقٰالَتْ » أُخْتُهُ «هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَ هُمْ لَهُ نٰاصِحُونَ » فَقَالَ : نَعَمْ فَجَاءَتْ بِأُمِّهِ فَلَمَّا أَخَذَتْهُ فِي حَجْرِهَا وَ أَلْقَمَتْهُ ثَدْيَهَا الْتَقَمَهُ وَ شَرِبَ فَفَرِحَ فِرْعَوْنُ وَ أَهْلُهُ أَكْرَمُوا أُمَّهُ فَقَالُوا لَهَا رَبِّيهِ لَنَا فَإِنَّا نَفْعَلُ بِكِ مَا نَفْعَلُ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:«فَرَدَدْنٰاهُ إِلىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهٰا وَ لاٰ تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاٰ يَعْلَمُونَ »

وَ كَانَ فِرْعَوْنُ يَقْتُلُ أَوْلاَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلَّمَا يَلِدُونَ وَ يُرَبِّي مُوسَى وَ يُكْرِمُهُ وَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ هَلاَكَهُ عَلَى يَدِهِ ، فَلَمَّا دَرَجَ مُوسَى كَانَ يَوْماً عِنْدَ فِرْعَوْنَ فَعَطَسَ مُوسَى

فَقَالَ «اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ » ، فَأَنْكَرَ فِرْعَوْنُ عَلَيْهِ وَ لَطَمَهُ وَ قَالَ مَا هَذَا الَّذِي تَقُولُ فَوَثَبَ مُوسَى عَلَى لِحْيَتِهِ وَ كَانَ طَوِيلَ اللِّحْيَةِ فَهَلَبَهَا أَيْ قَلَعَهَا فَآلَمَهُ أَلَماً شَدِيداً بِلَطْمَتِهِ إِيَّاهُ فَهَمَّ فِرْعَوْنُ بِقَتْلِهِ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ هَذَا غُلاَمٌ حَدَثٌ لاَ يَدْرِي مَا يَقُولُ ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ

ص: 136

تَعَالَى يَقُولُ :«يَا بْنَ أُمَّ لاٰ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لاٰ بِرَأْسِي» فَقُلْتُ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَكْبَرَ سِنّاً قَالَ : هَارُونُ قُلْتُ : فَكَانَ الْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمَا جَمِيعاً قَالَ : الْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَى مُوسَى وَ مُوسَى يُوحِيهِ إِلَى هَارُونَ فَقُلْتُ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنِ الْأَحْكَامِ وَ الْقَضَاءِ وَ الْأَمْرِ وَ النَّهْيِ أَ كَانَ ذَلِكَ إِلَيْهِمَا قَالَ كَانَ مُوسَى الَّذِي يُنَاجِي رَبَّهُ وَ يَكْتُبُ [هَارُونُ ] الْعِلْمَ وَ يَقْضِي بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَ هَارُونُ يَخْلُفُهُ إِذَا غَابَ مِنْ قَوْمِهِ لِلْمُنَاجَاةِ ، قُلْتُ : فَأَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ قَالَ مَاتَ هَارُونُ قَبْلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ مَاتَا جَمِيعاً فِي التِّيهِ ، قُلْتُ فَكَانَ لِمُوسَى وَلَدٌ قَالَ لاَ كَانَ الْوَلَدُ لِهَارُونَ وَ الذُّرِّيَّةُ لَهُ .

قَالَ : فَلَمْ يَزَلْ مُوسَى عِنْدَ فِرْعَوْنَ فِي أَكْرَمِ كَرَامَةٍ حَتَّى بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَ كَانَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ مُوسَى مِنَ التَّوْحِيدِ حَتَّى هَمَّ بِهِ ، فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ عِنْدِهِ وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَجُلاَنِ يَقْتَتِلاَنِ أَحَدُهُمَا يَقُولُ بِقَوْلِ مُوسَى وَ الْآخَرُ يَقُولُ بِقَوْلِ فِرْعَوْنَ «فَاسْتَغٰاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ » فَجَاءَ مُوسَى فَوَكَزَ صَاحِبَ فِرْعَوْنَ

«فَقَضىٰ عَلَيْهِ » وَ تَوَارَى فِي الْمَدِينَةِ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَاءَ آخَرُ فَتَشَبَّثَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي يَقُولُ بِقَوْلِ مُوسَى فَاسْتَغَاثَ بِمُوسَى فَلَمَّا نَظَرَ صَاحِبُهُ إِلَى مُوسَى قَالَ لَهُ :

«أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمٰا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ » فَخَلَّى عَنْ صَاحِبِهِ وَ هَرَبَ وَ كَانَ خَازِنُ فِرْعَوْنَ مُؤْمِناً بِمُوسَى قَدْ كَتَمَ إِيمَانَهُ سِتَّمِائَةِ سَنَةٍ وَ هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ :«وَ قٰالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمٰانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللّٰهُ » وَ بَلَغَ فِرْعَوْنَ

خَبَرُ قَتْلِ مُوسَى الرَّجُلَ فَطَلَبَهُ لِيَقْتُلَهُ فَبَعَثَ الْمُؤْمِنُ إِلَى مُوسَى «إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النّٰاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْهٰا» كَمَا حَكَى اللَّهُ «خٰائِفاً يَتَرَقَّبُ »

قَالَ يَلْتَفِتُ عَنْ يَمْنَةٍ وَ يَسْرَةٍ وَ يَقُولُ «رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّٰالِمِينَ » .

وَ مَرَّ نَحْوَ مَدْيَنَ

ص: 137

قَالَتَا كَمَا حَكَى اللَّهُ «لاٰ نَسْقِي حَتّٰى يُصْدِرَ الرِّعٰاءُ وَ أَبُونٰا شَيْخٌ كَبِيرٌ» فَرَحِمَهُمَا مُوسَى

وَ دَنَا مِنَ الْبِئْرِ فَقَالَ لِمَنْ عَلَى الْبِئْرِ أَسْتَقِي لِي دَلْواً وَ لَكُمْ دَلْواً وَ كَانَ الدَّلْوُ يَمُدُّهُ عَشَرَةُ رِجَالٍ ، فَاسْتَقَى وَحْدَهُ دَلْواً لِمَنْ عَلَى الْبِئْرِ وَ دَلْواً لِبِنْتَيْ شُعَيْبٍ وَ سَقَى أَغْنَامَهُمَا «ثُمَّ تَوَلّٰى إِلَى الظِّلِّ فَقٰالَ رَبِّ إِنِّي لِمٰا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ» وَ كَانَ شَدِيدَ الْجُوعِ .

وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ مُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ حَيْثُ سَقَى «لَهُمٰا ثُمَّ تَوَلّٰى إِلَى الظِّلِّ فَقٰالَ رَبِّ إِنِّي لِمٰا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ» وَ اللَّهِ مَا سَأَلَ اللَّهَ إِلاَّ خُبْزاً يَأْكُلُهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بَقْلَةَ الْأَرْضِ وَ لَقَدْ رَأَوْا خُضْرَةَ الْبَقْلِ فِي صِفَاقِ بَطْنِهِ (1) مِنْ هُزَالِهِ .

فَلَمَّا رَجَعَتَا ابْنَتَا شُعَيْبٍ إِلَى شُعَيْبٍ قَالَ لَهُمَا أَسْرَعْتُمَا الرُّجُوعَ فَأَخْبَرَتَاهُ بِقِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ

وَ لَمْ تَعْرِفَاهُ فَقَالَ شُعَيْبٌ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ اذْهَبِي إِلَيْهِ فَادْعِيهِ لِنَجْزِيَهُ أَجْرَ مَا سَقَى لَنَا فَجَاءَتْ إِلَيْهِ كَمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى «تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيٰاءٍ» فَقَالَتْ «إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مٰا سَقَيْتَ لَنٰا» فَقَامَ مُوسَى مَعَهَا وَ مَشَتْ أَمَامَهُ فَسَفَقَتْهَا الرِّيَاحُ فَبَانَ عَجُزُهَا(2) فَقَالَ لَهَا مُوسَى تَأَخَّرِي وَ دُلِّينِي عَلَى الطَّرِيقِ بِحَصَاةٍ تُلْقِيهَا أَمَامِي أَتْبَعُهَا فَأَنَا مِنْ قَوْمٍ لاَ يَنْظُرُونَ فِي أَدْبَارِ النِّسَاءِ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى شُعَيْبٍ قَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ «لاٰ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظّٰالِمِينَ » قَالَتْ إِحْدَى بَنَاتِ شُعَيْبٍ

«يٰا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ » فَقَالَ لَهَا شُعَيْبٌ أَمَّا قُوَّتُهُ فَقَدْ عَرَفْتِيهِ أَنَّهُ يَسْتَقِي الدَّلْوَ وَحْدَهُ فَبِمَ عَرَفْتِ أَمَانَتَهُ فَقَالَتْ إِنَّهُ لَمَّا قَالَ لِي تَأَخَّرِي عَنِّي وَ دُلِّينِي عَلَى الطَّرِيقِ فَأَنَا مِنْ قَوْمٍ لاَ يَنْظُرُونَ فِي أَدْبَارِ النِّسَاءِ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ أَعْجَازَ النِّسَاءِ فَهَذِهِ أَمَانَتُهُ فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ «إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هٰاتَيْنِ عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَ مٰا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ مِنَ الصّٰالِحِينَ »

ص: 138


1- صِفَاقٌ كَكِتَابٍ : جِلْدُ الْبَطْنِ . مجمع.
2- مُؤَخَّرُ الشَّيْ ءِ أَوِ الْجِسْمِ خ ز.

فَقَالَ لَهُ مُوسَى

«ذٰلِكَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاٰ عُدْوٰانَ عَلَيَّ » أَيْ لاَ سَبِيلَ عَلَيَّ إِنْ عَمِلْتُ عَشْرَ سِنِينَ أَوْ ثَمَانَ سِنِينَ فَقَالَ مُوسَى «وَ اللّٰهُ عَلىٰ مٰا نَقُولُ وَكِيلٌ »

قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى قَالَ أَتَمَّهَا عَشْرَ حِجَجٍ قُلْتُ لَهُ فَدَخَلَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْأَجَلَ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ : قَبْلُ قُلْتُ فَالرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَ يَشْتَرِطُ لِأَبِيهَا إِجَارَةَ شَهْرَيْنِ أَ يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ إِنَّ مُوسَى عَلِمَ أَنَّهُ يُتِمُّ لَهُ شَرْطَهُ فَكَيْفَ لِهَذَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى يَفِيَ قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَيَّتَهُمَا زَوَّجَهُ شُعَيْبٌ مِنْ بَنَاتِهِ قَالَ : الَّتِي ذَهَبَتْ إِلَيْهِ فَدَعَتْهُ وَ قَالَتْ لِأَبِيهَا «يٰا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ » .

«فَلَمّٰا قَضىٰ مُوسَى الْأَجَلَ » قَالَ لِشُعَيْبٍ لاَ بُدَّ لِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَى وَطَنِي وَ أُمِّي وَ أَهْلِ بَيْتِي فَمَا لِي عِنْدَكَ فَقَالَ شُعَيْبٌ : مَا وَضَعَتْ أَغْنَامِي فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ غَنَمٍ بُلْقٍ فَهُوَ لَكَ ، فَعَمَدَ مُوسَى عِنْدَ مَا أَرَادَ أَنْ يُرْسِلَ الْفَحْلَ عَلَى الْغَنَمِ إِلَى عَصًا فَقَشَرَ مِنْهُ بَعْضَهُ وَ تَرَكَ بَعْضَهُ وَ غَرَزَهُ فِي وَسَطِ مَرْبِضِ الْغَنَمِ وَ أَلْقَى عَلَيْهِ كِسَاءً أَبْلَقَ ثُمَّ أَرْسَلَ الْفَحْلَ عَلَى الْغَنَمِ فَلَمْ تَضَعِ الْغَنَمُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ إِلاَّ بُلْقاً، فَلَمَّا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ حَمَلَ مُوسَى امْرَأَتَهُ وَ زَوَّدَهُ شُعَيْبٌ مِنْ عِنْدِهِ وَ سَاقَ غَنَمَهُ فَلَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ قَالَ لِشُعَيْبٍ أَبْغِي عَصًا تَكُونُ مَعِي وَ كَانَتْ عَصَا الْأَنْبِيَاءِ عِنْدَهُ قَدْ وَرِثَهَا مَجْمُوعَةً فِي بَيْتٍ ، فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ ادْخُلْ هَذَا الْبَيْتَ وَ خُذْ عَصًا مِنْ بَيْنِ الْعِصِيِّ فَدَخَلَ فَوَثَبَ إِلَيْهِ عَصَا نُوحٍ وَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ صَارَتْ فِي كَفِّهِ فَأَخْرَجَهَا وَ نَظَرَ إِلَيْهَا شُعَيْبٌ

ص: 139

«فَلَمّٰا قَضىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَ سٰارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جٰانِبِ اَلطُّورِ نٰاراً قٰالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نٰاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهٰا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّٰارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ » فَأَقْبَلَ نَحْوَ النَّارِ يَقْتَبِسُ فَإِذَا شَجَرَةٌ وَ نَارٌ تَلْتَهِبُ عَلَيْهَا فَلَمَّا ذَهَبَ نَحْوَ النَّارِ يَقْتَبِسُ مِنْهَا أَهْوَتْ إِلَيْهِ فَفَزِعَ مِنْهَا وَ عَدَا وَ رَجَعَتِ النَّارُ إِلَى الشَّجَرَةِ ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهَا وَ قَدْ رَجَعَتْ إِلَى الشَّجَرَةِ فَرَجَعَ الثَّانِيَةَ لِيَقْتَبِسَ فَأَهْوَتْ إِلَيْهِ فَعَدَا وَ تَرَكَهَا ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهَا وَ قَدْ رَجَعَتْ إِلَى الشَّجَرَةِ فَرَجَعَ إِلَيْهَا الثَّالِثَةَ فَأَهْوَتْ إِلَيْهِ فَعَدَا «وَ لَمْ يُعَقِّبْ » أَيْ لَمْ يَرْجِعْ فَنَادَاهُ اللَّهُ «أَنْ يٰا مُوسىٰ إِنِّي أَنَا اللّٰهُ رَبُّ الْعٰالَمِينَ » قَالَ مُوسَى فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ :

مَا فِي يَمِينِكَ «يٰا مُوسىٰ قٰالَ هِيَ عَصٰايَ » ...«قٰالَ أَلْقِهٰا يٰا مُوسىٰ فَأَلْقٰاهٰا» فَصَارَتْ حَيَّةً تَسْعَى فَفَزِعَ مِنْهَا مُوسَى وَ عَدَا فَنَادَاهُ اللَّهُ خُذْهَا وَ «لاٰ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضٰاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ» أَيْ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَ ذَلِكَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ

كَانَ شَدِيدَ السُّمْرَةِ فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ جَيْبِهِ فَأَضَاءَتْ لَهُ الدُّنْيَا فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «فَذٰانِكَ بُرْهٰانٰانِ مِنْ رَبِّكَ إِلىٰ فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ إِنَّهُمْ كٰانُوا قَوْماً فٰاسِقِينَ » فَقَالَ مُوسَى

كَمَا حَكَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخٰافُ أَنْ يَقْتُلُونِ » ....

و أما قوله:«وَ قٰالَ فِرْعَوْنُ يٰا أَيُّهَا الْمَلَأُ مٰا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يٰا هٰامٰانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلىٰ إِلٰهِ مُوسىٰ وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكٰاذِبِينَ »

ص: 140

فِرْعَوْنُ لِهَامَانَ انْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ هَلْ بَلَغْنَاهَا فَنَظَرَ هَامَانُ فَقَالَ أَرَى السَّمَاءَ كَمَا كُنْتُ أَرَاهَا مِنَ الْأَرْضِ فِي الْبُعْدِ، فَقَالَ انْظُرْ إِلَى الْأَرْضِ فَقَالَ لاَ أَرَى الْأَرْضَ وَ لَكِنْ أَرَى الْبِحَارَ وَ الْمَاءَ قَالَ فَلَمْ تَزَلِ النَّسْرُ تَرْتَفِعُ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ وَ غَابَتْ عَنْهُمُ الْبِحَارُ وَ الْمَاءُ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ انْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ فَنَظَرَ فَقَالَ أَرَاهَا كَمَا كُنْتُ أَرَاهَا مِنَ الْأَرْضِ فَلَمَّا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ نَظَرَ هَامَانُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ فِرْعَوْنُ هَلْ بَلَغْنَاهَا فَقَالَ أَرَى الْكَوَاكِبَ كَمَا كُنْتُ أَرَاهَا مِنَ الْأَرْضِ وَ لَسْتُ أَرَى مِنَ الْأَرْضِ إِلاَّ الظُّلْمَةَ قَالَ ثُمَّ حَالَتِ الرِّيَاحُ الْقَائِمَةُ فِي الْهَوَاءِ بَيْنَهُمَا فَأَقْبَلَتِ التَّابُوتُ بِهِمَا فَلَمْ يَزَلْ يَهْوِي بِهِمَا حَتَّى وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَكَانَ فِرْعَوْنُ أَشَدَّ مَا كَانَ عُتُوّاً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ «وَ جَعَلْنٰاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى اَلنّٰارِ وَ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ لاٰ يُنْصَرُونَ » .

ثم خاطب الله نبيه صلّى اللّه عليه و آله فقال «وَ مٰا كُنْتَ بِجٰانِبِ الْغَرْبِيِّ » يا محمد «إِذْ قَضَيْنٰا إِلىٰ مُوسَى الْأَمْرَ» أي أعلمناه «وَ مٰا كُنْتَ بِجٰانِبِ اَلطُّورِ إِذْ نٰادَيْنٰا» يعني موسى عليه السّلام و قوله:«وَ لٰكِنّٰا أَنْشَأْنٰا قُرُوناً فَتَطٰاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ» أي طالت أعمارهم فعصوا و قوله:«وَ مٰا كُنْتَ ثٰاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ » أي باقيا و قوله:

ساحران تظاهرا (1) قال موسى و هارون و قوله:«وَ لَقَدْ وَصَّلْنٰا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ » أي كي يتذكروا

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

فِي قَوْلِ اللَّهِ «وَ لَقَدْ وَصَّلْنٰا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ » قَالَ : إِمَامٌ بَعْدَ إِمَامٍ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«أُولٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمٰا صَبَرُوا»

قال الأئمة عليهم السّلام

وَ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : نَحْنُ صَبَرْنَا وَ شِيعَتُنَا أَصْبَرُ مِنَّا وَ ذَلِكَ أَنَا صَبَرْنَا عَلَى مَا نَعْلَمُ وَ هُمْ صَبَرُوا عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ . و قوله:

ص: 141


1- سحران تظاهرا كذا في القرآن. ج. ز.

«وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ » أي يدفعون سيئة من أساء إليهم بحسناتهم «وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ وَ إِذٰا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ » قال اللغو الكذب و اللهو الغناء و هم الأئمة عليهم السّلام

يعرضون عن ذلك كله،

وَ أَمَّا قَوْلُهُ :«إِنَّكَ لاٰ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ » قَالَ نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَانَ يَقُولُ يَا عَمِّ قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ بِالْجَهْرِ نَفَعَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ : يَا ابْنَ أَخِي أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي، [وَ أَقُولُ بِنَفْسِي] فَلَمَّا مَاتَ شَهِدَ اَلْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهَا بِأَعْلَى صَوْتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَسْمَعْهَا مِنْهُ وَ أَرْجُو أَنْ تَنْفَعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

وَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : لَوْ قُمْتُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ لَشَفَعْتُ فِي أَبِي وَ أُمِّي وَ عَمِّي وَ أَخٍ كَانَ لِي مُوَاخِياً فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ (1).

و قوله:«وَ قٰالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنٰا» قال نزلت في قريش

حين دعاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى الإسلام و الهجرة و قالوا «إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنٰا» فقال الله عز و جل:«أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبىٰ إِلَيْهِ ثَمَرٰاتُ كُلِّ شَيْ ءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنّٰا وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاٰ يَعْلَمُونَ » و قوله:«وَ كَمْ أَهْلَكْنٰا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهٰا» أي كفرت «فَتِلْكَ مَسٰاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاّٰ قَلِيلاً»

ص: 142


1- يقول الله مخاطبة للنبي صلّى اللّه عليه و آله: إن الهداية ليست حسب مشيتك بل إنها تتعلق بمشيتي فلا تصر على إجراء كلمة التوحيد من لسان أبي طالب إذ هو مؤمن سرا و سيظهر الإيمان جهرا فيما بعد و مما يدل على كونه مؤمنا كون رسول الله محزونا شديدا عام وفاته حتى سمى ذلك العام بعام الحزن و في هذه الرواية أيضا ما يشعر بكونه كاتما لإيمانه و هو قوله: «يابن أخي! أنا أعلم بنفسي» يعني أعلم بنفسي من أنني مؤمن. و في ذيل الآية أيضا ما يؤيده و هو قوله تعالى «وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ » و قد مضى الكلام في قوله صلّى اللّه عليه و آله: لو قمت المقام المحمود لشفعت في أبي و أمي و عمي من أنه جواب تنزيلي فراجع ص 24. ج. ز.

و قوله:«وَ يَوْمَ يُنٰادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكٰائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ » يعني الذين قالوا هم شركاء الله «قٰالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنٰا هٰؤُلاٰءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنٰا أَغْوَيْنٰاهُمْ كَمٰا غَوَيْنٰا تَبَرَّأْنٰا إِلَيْكَ مٰا كٰانُوا إِيّٰانٰا يَعْبُدُونَ » يعني ما عبدوا و هي عبادة الطاعة «وَ قِيلَ ادْعُوا شُرَكٰاءَكُمْ » الذين كنتم تدعونهم شركاء «فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَ رَأَوُا الْعَذٰابَ لَوْ أَنَّهُمْ كٰانُوا يَهْتَدُونَ » و قوله:«وَ يَوْمَ يُنٰادِيهِمْ فَيَقُولُ مٰا ذٰا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ » فإن العامة رووا أن ذلك في القيامة و أما الخاصة

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الطَّائِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا دَخَلَ قَبْرَهُ جَاءَهُ مُنْكَرٌ فَزِعَ مِنْهُ يَسْأَلُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَيَقُولُ لَهُ مَا ذَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِناً قَالَ : «أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَ بِالْحَقِّ » فَيُقَالُ لَهُ ارْقُدْ رَقْدَةً لاَ حُلُمَ فِيهَا وَ يَتَنَحَّى عَنْهُ اَلشَّيْطَانُ وَ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ وَ رَأَى مَكَانَهُ فِي اَلْجَنَّةِ ، قَالَ وَ إِذَا كَانَ كَافِراً قَالَ مَا أَدْرِي، فَيُضْرَبُ ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا كُلُّ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ إِلاَّ الْإِنْسَانَ وَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ اَلشَّيْطَانُ وَ لَهُ عَيْنَانِ مِنْ نُحَاسٍ أَوْ نَارٍ يَلْمَعُانِ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ فَيَقُولُ لَهُ أَنَا أَخُوكَ وَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ الْحَيَّاتُ وَ الْعَقَارِبُ وَ يُظْلَمُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ ثُمَّ يَضْغَطُهُ ضَغْطَةً تَخْتَلِفُ أَضْلاَعُهُ عَلَيْهِ ثُمَّ نَالَ بِأَصَابِعِهِ (1) فَشَرَجَهَا. و قوله:«وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مٰا يَشٰاءُ وَ يَخْتٰارُ مٰا كٰانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ » قال يختار الله الإمام و ليس لهم أن يختاروا ثم قال «وَ رَبُّكَ يَعْلَمُ مٰا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَ مٰا يُعْلِنُونَ » قال ما عزموا عليه من الاختيار و أخبر الله نبيه عليه و آله السّلام قبل ذلك

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ص: 143


1- وَ فِي نُسْخَةٍ ك «قَالَ » مَكَانَ «نَالَ » وَ كَذَا فِي ط وَ فِي الَّذِي عِنْدِي وَ مُنَاسَبَةً لَهُ فِي الْكَلاَمِ كَمَا تَرَى. ج. ز.

إِمَامَهَا «فَقُلْنٰا هٰاتُوا بُرْهٰانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلّٰهِ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ مٰا كٰانُوا يَفْتَرُونَ » .

و قال علي بن إبراهيم في قوله «إِنَّ قٰارُونَ كٰانَ مِنْ قَوْمِ مُوسىٰ فَبَغىٰ عَلَيْهِمْ وَ آتَيْنٰاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مٰا إِنَّ مَفٰاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ » و العصبة ما بين العشرة إلى تسعة عشر قال كان يحمل مفاتح خزائنه العصبة أولو القوة، فقال قارون كما حكى الله «إِنَّمٰا أُوتِيتُهُ عَلىٰ عِلْمٍ عِنْدِي» يعني ماله و كان يعمل الكيمياء

فقال الله:«أَ وَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللّٰهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَكْثَرُ جَمْعاً وَ لاٰ يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ » أي لا يسأل من كان قبلهم عن ذنوب هؤلاء «فَخَرَجَ عَلىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ » قال في الثياب المصبغات يجرها في الأرض «قٰالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا يٰا لَيْتَ لَنٰا مِثْلَ مٰا أُوتِيَ قٰارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ » فقال لهم الخلص من أصحاب موسى «وَيْلَكُمْ ثَوٰابُ اللّٰهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صٰالِحاً وَ لاٰ يُلَقّٰاهٰا إِلاَّ الصّٰابِرُونَ فَخَسَفْنٰا بِهِ وَ بِدٰارِهِ الْأَرْضَ فَمٰا كٰانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَ مٰا كٰانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ وَ أَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكٰانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللّٰهَ » قال: هي لفظة سريانية «يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ يَقْدِرُ لَوْ لاٰ أَنْ مَنَّ اللّٰهُ عَلَيْنٰا لَخَسَفَ بِنٰا وَيْكَأَنَّهُ لاٰ يُفْلِحُ الْكٰافِرُونَ » .

وَ كَانَ سَبَبُ هَلاَكِ قَارُونَ أَنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ

ص: 144

وَ الدُّعَاءِ وَ الْبُكَاءِ وَ كَانَ قَارُونُ مِنْهُمْ وَ كَانَ يَقْرَأُ اَلتَّوْرَاةَ وَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحْسَنُ صَوْتاً مِنْهُ وَ كَانَ يُسَمَّى اَلْمَنُونَ لِحُسْنِ قِرَاءَتِهِ وَ قَدْ كَانَ يَعْمَلُ اَلْكِيمِيَاءَ، فَلَمَّا طَالَ الْأَمْرُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي التِّيهِ وَ التَّوْبَةِ وَ كَانَ قَارُونُ قَدِ امْتَنَعَ مِنَ الدُّخُولِ مَعَهُمْ فِي التَّوْبَةِ وَ كَانَ مُوسَى يُحِبُّهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَقَالَ يَا قَارُونُ قَوْمُكَ فِي التَّوْبَةِ وَ أَنْتَ قَاعِدٌ هَاهُنَا ادْخُلْ مَعَهُمْ وَ إِلاَّ نَزَلَ بِكَ الْعَذَابُ ، فَاسْتَهَانَ بِهِ وَ اسْتَهْزَأَ بِقَوْلِهِ فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ عِنْدِهِ مُغْتَمّاً فَجَلَسَ فِي فِنَاءِ قَصْرِهِ وَ عَلَيْهِ جُبَّةُ شَعْرٍ وَ نَعْلاَنِ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ شِرَاكُهُمَا مِنْ خُيُوطِ شَعْرٍ بِيَدِهِ الْعَصَا، فَأَمَرَ قَارُونُ أَنْ يُصَبَّ عَلَيْهِ رمادا [رَمَادٌ] قَدْ خُلِطَ بِالْمَاءِ فَصُبَّ عَلَيْهِ فَغَضِبَ مُوسَى غَضَباً شَدِيداً وَ كَانَ فِي كَتِفِهِ شَعَرَاتٌ كَانَ إِذَا غَضِبَ خَرَجَتْ مِنْ ثِيَابِهِ وَ قَطَرَ مِنْهَا الدَّمُ ، فَقَالَ مُوسَى يَا رَبِّ إِنْ لَمْ تَغْضَبْ لِي فَلَسْتُ لَكَ بِنَبِيٍّ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ قَدْ أَمَرْتُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تُطِيعَكَ فَمُرْهَا بِمَا شِئْتَ وَ قَدْ كَانَ قَارُونُ قَدْ أَمَرَ أَنْ يُغْلَقَ بَابُ الْقَصْرِ، فَأَقْبَلَ مُوسَى فَأَوْمَأَ إِلَى الْأَبْوَابِ فَانْفَرَجَتْ وَ دَخَلَ عَلَيْهِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَارُونُ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أُوتِيَ فَقَالَ :

يَا مُوسَى أَسْأَلُكَ بِالرَّحِمِ الَّذِي بَيْنِي وَ بَيْنَكَ ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى يَا اِبْنَ لاَوَى لاَ تَزِدْنِي مِنْ كَلاَمِكَ ! يَا أَرْضُ خُذِيهِ فَدَخَلَ الْقَصْرُ بِمَا فِيهِ فِي الْأَرْضِ وَ دَخَلَ قَارُونُ فِي الْأَرْضِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، فَبَكَى وَ حَلَّفَهُ بِالرَّحِمِ ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى يَا اِبْنَ لاَوَى لاَ تَزِدْنِي مِنْ كَلاَمِكَ ، يَا أَرْضُ خُذِيهِ وَ ابْتَلِعِيهِ بِقَصْرِهِ وَ خَزَائِنِهِ .

ص: 145

مِهَاداً لَوْ قَدْ وَرَدْتَ عَلَيْهِ لَقَرَّتْ عَيْنَاكَ ، فَخَرَجَ مُوسَى إِلَى جَبَلِ طُورِ سِينَا مَعَ وَصِيِّهِ فَصَعِدَ مُوسَى الْجَبَلَ فَنَظَرَ إِلَى رَجُلٍ قَدْ أَقْبَلَ وَ مَعَهُ مِكْتَلٌ (1) وَ مِسْحَاةٌ ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى مَا تُرِيدُ قَالَ إِنَّ رَجُلاً مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ قَدْ تُوُفِّيَ فَأَنَا أَحْفِرُ لَهُ قَبْراً فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَ وَ لاَ أُعِينُكَ عَلَيْهِ قَالَ : بَلَى قَالَ فَحَفَرَا الْقَبْرَ فَلَمَّا فَرَغَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْزِلَ إِلَى الْقَبْرِ فَقَالَ لَهُ مُوسَى مَا تُرِيدُ قَالَ أَدْخُلُ الْقَبْرَ فَأَنْظُرُ كَيْفَ مَضْجَعُهُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَنَا أَكْفِيكَ ، فَدَخَلَهُ مُوسَى فَاضْطَجَعَ فِيهِ فَقَبَضَ مَلَكُ الْمَوْتِ رُوحَهُ وَ انْضَمَّ عَلَيْهِ الْجَبَلَ .

و أما قوله:«تِلْكَ الدّٰارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهٰا لِلَّذِينَ لاٰ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لاٰ فَسٰاداً وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : يَا حَفْصُ

مَا مَنْزِلَةُ الدُّنْيَا مِنْ نَفْسِي إِلاَّ بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ إِذَا اضْطُرِرْتُ إِلَيْهَا أَكَلْتُ مِنْهَا، يَا حَفْصُ

ص: 146


1- زِنْبِيلٌ مِنْ خُوصٍ . ج. ز.

اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُ كُنْتَ فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَوْحِشُ .

وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَيْضاً: فِي قَوْلِهِ :

«عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لاٰ فَسٰاداً» قَالَ : الْعُلُوُّ الشَّرَفُ وَ الْفَسَادُ النِّسَاءُ.

و أما قوله:

«إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لَرٰادُّكَ إِلىٰ مَعٰادٍ»

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سُئِلَ عَنْ جَابِرٍ فَقَالَ رَحِمَ اللَّهُ جَابِراً بَلَغَ مِنْ فِقْهِهِ أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَ هَذِهِ الْآيَةِ «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لَرٰادُّكَ إِلىٰ مَعٰادٍ»

يَعْنِي اَلرَّجْعَةَ .

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الطَّائِيِّ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لَرٰادُّكَ إِلىٰ مَعٰادٍ» قَالَ يَرْجِعُ إِلَيْكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

وَ اَلْأَئِمَّةُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ .

و قوله:«فَلاٰ تَكُونَنَّ » يا محمد «ظَهِيراً لِلْكٰافِرِينَ » فقال و المخاطبة للنبي

و المعنى للناس

و قوله:«وَ لاٰ تَدْعُ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ» المخاطبة للنبي و المعنى للناس

وَ هُوَ قَوْلُ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ نَبِيَّهُ بِإِيَّاكِ أَعْنِي وَ اسْمَعِي يَا جَارَةُ . و قوله:

«كُلُّ شَيْ ءٍ هٰالِكٌ إِلاّٰ وَجْهَهُ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«كُلُّ شَيْ ءٍ هٰالِكٌ إِلاّٰ وَجْهَهُ »

قَالَ فَيَفْنَى كُلُّ شَيْ ءٍ وَ يَبْقَى الْوَجْهُ اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ ، لاَ وَ لَكِنْ مَعْنَاهَا كُلُّ شَيْ ءٍ هَالِكٌ إِلاَّ دِينَهُ (1) وَ نَحْنُ الْوَجْهُ الَّذِي يُؤْتَى اللَّهُ مِنْهُ ، لَمْ نَزَلْ فِي عِبَادِهِ مَا دَامَ اللَّهُ لَهُ فِيهِمْ رُوبَةٌ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِمْ رُوبَةٌ فَرَفَعَنَا إِلَيْهِ فَفَعَلَ بِنَا مَا أَحَبَّ ، قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا الرُّوبَةُ قَالَ : الْحَاجَةُ .

ص: 147


1- وَ فِي ط وَ لاَ مَعْنَاهَا كُلُّ شَيْ ءٍ هَالِكٌ إِلاَّ دِينَهُ ج. ز.

29- سورة العنكبوت مكية و آياتها تسع و ستون 69

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الم أَ حَسِبَ النّٰاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّٰا وَ هُمْ لاٰ يُفْتَنُونَ » أي لا يختبرون

قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : جَاءَ اَلْعَبَّاسُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ انْطَلِقْ بِنَا نُبَايِعْ لَكَ النَّاسَ ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَ تَرَاهُمْ فَاعِلِينَ قَالَ : نَعَمْ قَالَ فَأَيْنَ قَوْلُهُ :«الم أَ حَسِبَ النّٰاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّٰا وَ هُمْ لاٰ يُفْتَنُونَ وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » . أي اختبرناهم «فَلَيَعْلَمَنَّ اللّٰهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكٰاذِبِينَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئٰاتِ أَنْ يَسْبِقُونٰا» أي يفوتونا «سٰاءَ مٰا يَحْكُمُونَ مَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ اللّٰهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللّٰهِ لَآتٍ » قال من أحب لقاء الله جاءه الأجل «وَ مَنْ جٰاهَدَ» أمال نفسه عن اللذات و الشهوات و المعاصي «فَإِنَّمٰا يُجٰاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللّٰهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ »

و قوله:

«وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ حُسْناً» قال هما اللذان ولداه ثم قال:«وَ إِنْ جٰاهَدٰاكَ »

يعني الوالدين على أن تُشْرِكَ «بِي مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاٰ تُطِعْهُمٰا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصّٰالِحِينَ »

أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ بِسْطَامَ بْنِ مُرَّةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ حَسَّانَ عَنِ اَلْهَيْثَمِ بْنِ رَاقِدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَبْدِيِّ عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ عَنْ أَصْبَغَ بْنِ نُبَاتَةَ : أَنَّهُ سُئِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوٰالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ» قَالَ الْوَالِدَانِ اللَّذَانِ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمَا الشُّكْرَ هُمَا اللَّذَانِ وَلَدَا الْعِلْمَ وَ وَرَّثَا الْحُكْمَ [الْحِلْمَ ] وَ أُمِرَ النَّاسُ بِطَاعَتِهِمَا. ثم قال إلي المصير فمصير العباد إلى الله و الدليل على ذلك الوالدان ثم عطف الله القول على ابن فلانة و صاحبه فقال في الخاص «وَ إِنْ جٰاهَدٰاكَ عَلىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي» يقول في الوصية و تعدل عمن أمرت بطاعته «فَلاٰ تُطِعْهُمٰا»

ص: 148

و لا تسمع قولهما ثم عطف القول على الوالدين فقال «وَ صٰاحِبْهُمٰا فِي الدُّنْيٰا مَعْرُوفاً»

يقول عرف الناس فضلهما و ادع إلى سبيلهما و ذلك قوله «وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنٰابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ » قال إلى الله ثم إلينا فاتقوا الله و لا تعصوا الوالدين فإن رضاهما رضاء الله و سخطهما سخط الله.

و قوله:«وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّٰا بِاللّٰهِ فَإِذٰا أُوذِيَ فِي اللّٰهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النّٰاسِ كَعَذٰابِ اللّٰهِ » قال إذا آذاه إنسان أو أصابه ضر أو فاقة أو خوف من الظالمين ليدخل معهم في دينهم فرأى أن ما يفعلونه هو مثل عذاب الله الذي لا ينقطع «وَ لَئِنْ جٰاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ » يعني القائم عليه السلام «لَيَقُولُنَّ إِنّٰا كُنّٰا مَعَكُمْ أَ وَ لَيْسَ اللّٰهُ بِأَعْلَمَ بِمٰا فِي صُدُورِ الْعٰالَمِينَ » و قوله:«وَ قٰالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنٰا وَ لْنَحْمِلْ خَطٰايٰاكُمْ » قال كانت الكفار يقولون للمؤمنين كونوا معنا فإن الذي تخافون أنتم ليس بشيء فإن كان حقا نتحمل نحن ذنوبكم فيعذبهم الله مرتين بذنوبهم و مرة بذنوب غيرهم، و أما قوله:«وَ إِبْرٰاهِيمَ إِذْ قٰالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللّٰهَ وَ اتَّقُوهُ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ إِنَّمٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ أَوْثٰاناً وَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً» أي تقدرون كذبا «إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ لاٰ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللّٰهِ الرِّزْقَ وَ اعْبُدُوهُ وَ اشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » و انقطع خبر إبراهيم

و خاطب الله أمة محمد صلّى اللّه عليه و آله فقال «إِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مٰا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاٰغُ الْمُبِينُ » إلى قوله «أُولٰئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَ أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ » ثم عطف على خبر إبراهيم فقال:«فَمٰا كٰانَ جَوٰابَ قَوْمِهِ إِلاّٰ أَنْ قٰالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجٰاهُ اللّٰهُ مِنَ النّٰارِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » فهذا من المنقطع المعطوف

و قوله:«ثُمَّ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ » أي يتبرأ بعضكم من بعض «وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً» فهذا كفر البراءة

ص: 149

الله و قوله:«وَ تَأْتُونَ فِي نٰادِيكُمُ الْمُنْكَرَ» قال هم قوم لوط .

و قوله «وَ قٰارُونَ وَ فِرْعَوْنَ وَ هٰامٰانَ وَ لَقَدْ جٰاءَهُمْ مُوسىٰ بِالْبَيِّنٰاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَ مٰا كٰانُوا سٰابِقِينَ » فهذا رد على المجبرة الذين زعموا أن الأفعال لله عز و جل و لا صنع لهم فيها و لا اكتساب فرد الله عليهم فقال «فَكُلاًّ أَخَذْنٰا بِذَنْبِهِ » و لم يقل بفعلنا به لأنه عز و جل أعدل من أن يعذب العبد على فعله الذي يجبرهم عليه فقال الله «فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنٰا عَلَيْهِ حٰاصِباً» و هم قوم لوط «وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ »

و هم قوم شعيب و صالح «وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنٰا بِهِ الْأَرْضَ » و هم قوم هود «وَ مِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنٰا» و هم فرعون و أصحابه ثم قال عز و جل تأكيدا و ردا على المجبرة.

«وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لٰكِنْ كٰانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ » .

ثم ضرب الله مثلا فيمن اتخذ من دون الله أولياء فقال:«مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ أَوْلِيٰاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً» و هو الذي نسجه العنكبوت على باب الغار الذي دخله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو أوهن البيوت قال:

فكذلك من اتخذ من دون الله أولياء ثم قال:«وَ تِلْكَ الْأَمْثٰالُ نَضْرِبُهٰا لِلنّٰاسِ وَ مٰا يَعْقِلُهٰا إِلاَّ الْعٰالِمُونَ » يعني آل محمد عليهم السّلام ثم خاطب نبيه صلّى اللّه عليه و آله فقال:

«اُتْلُ مٰا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ اَلْكِتٰابِ وَ أَقِمِ الصَّلاٰةَ إِنَّ الصَّلاٰةَ تَنْهىٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ»

قَالَ : مَنْ لَمْ تَنْهَهُ الصَّلاَةُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ بُعْداً. و قوله «وَ لاٰ تُجٰادِلُوا أَهْلَ الْكِتٰابِ » قال اليهود و النصارى «إِلاّٰ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » قال بالقرآن

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ لَذِكْرُ اللّٰهِ أَكْبَرُ»

يَقُولُ ذِكْرُ اللَّهِ لِأَهْلِ الصَّلاَةِ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِهِمْ إِيَّاهُ أَ لاَ تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ » .» و أما قوله «فَالَّذِينَ آتَيْنٰاهُمُ الْكِتٰابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ » يعني أنهم آل محمد صلوات اللّه عليهم

«وَ مِنْ هٰؤُلاٰءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ » يعني أهل الإيمان من أهل القبلة.

ص: 150

«وَ مٰا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتٰابٍ وَ لاٰ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتٰابَ الْمُبْطِلُونَ » و هو معطوف على قوله في سورة الفرقان

«اِكْتَتَبَهٰا فَهِيَ تُمْلىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً» فرد الله عليهم فقال كيف يدعون [يزعمون] أن الذي تقرأه أو تخبر به تكتبه عن غيرك و أنت «مٰا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتٰابٍ وَ لاٰ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتٰابَ الْمُبْطِلُونَ » أي شكوا و قوله:

«بَلْ هُوَ آيٰاتٌ بَيِّنٰاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ » قال هم الأئمة عليهم السّلام و قوله «وَ مٰا يَجْحَدُ بِآيٰاتِنٰا» يعني ما يجحد بأمير المؤمنين و الأئمة عليهم السّلام «إِلاَّ الظّٰالِمُونَ » و قال عز و جل «وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ » يا محمد «بِالْعَذٰابِ » يعني قريشا فقال الله تعالى «وَ لَوْ لاٰ أَجَلٌ مُسَمًّى لَجٰاءَهُمُ الْعَذٰابُ وَ لَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لاٰ يَشْعُرُونَ »

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«يٰا عِبٰادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وٰاسِعَةٌ » يَقُولُ لاَ تُطِيعُوا أَهْلَ الْفِسْقِ مِنَ الْمُلُوكِ فَإِنْ خِفْتُمُوهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ فَإِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ وَ هُوَ يَقُولُ «فِيمَ كُنْتُمْ قٰالُوا كُنّٰا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ »

فَقَالَ «أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّٰهِ وٰاسِعَةً فَتُهٰاجِرُوا فِيهٰا» .، ثم قال «كُلُّ نَفْسٍ ذٰائِقَةُ الْمَوْتِ »

أي فاصبروا على طاعة الله فإنكم إليه ترجعون.

و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لاٰ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللّٰهُ يَرْزُقُهٰا وَ إِيّٰاكُمْ » قال: كانت العرب يقتلون أولادهم مخافة الجوع فقال الله تعالى:«اَللّٰهُ يَرْزُقُهٰا وَ إِيّٰاكُمْ »

و قوله:«وَ إِنَّ الدّٰارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوٰانُ » أي لا يموتون فيها

و قوله «وَ الَّذِينَ جٰاهَدُوا فِينٰا» أي صبروا و جاهدوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنٰا» أي لنثبتنهم «وَ إِنَّ اللّٰهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ »

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

قَالَ : هَذِهِ الْآيَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم وَ لِأَشْيَاعِهِمْ .

ص: 151

30- سورة الروم مكية و هي ستون آية (60)

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الم غُلِبَتِ اَلرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «الم غُلِبَتِ اَلرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ » قَالَ : يَا أَبَا عُبَيْدَةَ إِنَّ لِهَذَا تَأْوِيلاً لاَ يَعْلَمُهُ «إِلاَّ اللّٰهُ وَ الرّٰاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ » مِنَ اَلْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ وَ قَدْ ظَهَرَ اَلْإِسْلاَمُ

كَتَبَ إِلَى مَلِكِ اَلرُّومِ كِتَاباً وَ بَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولاً يَدْعُوهُ إِلَى اَلْإِسْلاَمِ وَ كَتَبَ إِلَى مَلِكِ فَارِسَ كِتَاباً وَ بَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولاً يَدْعُوهُ إِلَى اَلْإِسْلاَمِ ، فَأَمَّا مَلِكُ اَلرُّومِ فَإِنَّهُ عَظَّمَ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَكْرَمَ رَسُولَهُ ، وَ أَمَّا مَلِكُ فَارِسَ فَإِنَّهُ مَزَّقَ كِتَابَهُ وَ اسْتَخَفَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، وَ كَانَ مَلِكُ فَارِسَ يُقَاتِلُ يَوْمَئِذٍ مَلِكَ اَلرُّومِ وَ كَانَ اَلْمُسْلِمُونَ يَهْوَوْنَ أَنْ يَغْلِبَ مَلِكُ اَلرُّومِ مَلِكَ فَارِسَ وَ كَانُوا لِنَاحِيَةِ مَلِكِ اَلرُّومِ أَرْجَى مِنْهُمْ لِمَلِكِ فَارِسَ ، فَلَمَّا غَلَبَ مَلِكُ فَارِسَ مَلِكَ اَلرُّومِ بَكَى لِذَلِكَ اَلْمُسْلِمُونَ وَ اغْتَمُّوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ «الم غُلِبَتِ اَلرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ » يَعْنِي غَلَبَتْهَا فَارِسُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هِيَ اَلشَّامَاتُ وَ مَا حَوْلَهَا ثُمَّ قَالَ وَ فَارِسُ «مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ » اَلرُّومَ سَيُغْلَبُونَ «فِي بِضْعِ سِنِينَ »(1)

ص: 152


1- وَ هَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا كَانَ مَرْجِعُ الضَّمِيرَيْنِ فِي «هُمْ » وَ «غَلَبِهِمْ » فَارِسَ وَ أُرِيدُ مِنَ الْمَصْدَرِ فِي «غَلَبِهِمْ » مَعْنَى الْفَاعِلِ أَيْ كَوْنُهُمْ غَالِبِينَ وَ يُقْرَأُ «سَيُغْلَبُونَ »مَبْنِيّاً لِلْمَفْعُولِ بِخِلاَفِ الْقِرَاءَةِ الْمَوْجُودَةِ مَبْنِيّاً لِلْفَاعِلِ وَ لاَزِمُهُ إِرْجَاعُ الضَّمِيرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ إِلَى الرُّومِ وَ الْمُرَادُ «غَلَبِهِمْ » كَوْنُهُمْ مَغْلُوبِينَ فَاسْتُعْمِلَ الْمَصْدَرُ فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ وَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ وَ إِنْ كَانَ جَائِزاً إِلاَّ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْفَاعِلِ أَظْهَرُ كَمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ الرُّومَ وَ إِنْ غَلَبَتْ عَلَيْهَا الْفُرْسُ ، لَكِنَّهُمْ أَيْ فَارِسُ مِنْ بَعْدِ كَوْنِهِمْ غَالِبِينَ هَذَا الْأَوَانَ سَيَصِيرُونَ مَغْلُوبِينَ فِي زَمَانِ الْخَلِيفَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ . وَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ . إِنَّهُ قُرِئَ «سَيُغْلَبُونَ » بِالضَّمِّ كَمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ . ج. ز.

وَ قَوْلُهُ :«لِلّٰهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ » أَنْ يَأْمُرَ «وَ مِنْ بَعْدُ» أَنْ يَقْضِيَ بِمَا يَشَاءُ وَ قَوْلُهُ «وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّٰهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشٰاءُ» قُلْتُ : أَ لَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ «فِي بِضْعِ سِنِينَ » وَ قَدْ مَضَى لِلْمُسْلِمِينَ سِنُونَ كَثِيرَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَ إِنَّمَا غَلَبَتِ الْمُؤْمِنُونَ فَارِسَ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ فَقَالَ : أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّ لِهَذَا تَأْوِيلاً وَ تَفْسِيراً وَ اَلْقُرْآنُ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَاسِخٌ وَ مَنْسُوخٌ ، أَ مَا تَسْمَعُ قَوْلَهُ :

«لِلّٰهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ» يَعْنِي إِلَيْهِ الْمَشِيَّةُ فِي الْقَوْلِ أَنْ يُؤَخِّرَ مَا قَدَّمَ وَ يُقَدِّمَ مَا أَخَّرَ إِلَى يَوْمٍ يَحْتِمُ الْقَضَاءَ بِنُزُولِ النَّصْرِ فِيهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ «يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّٰهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشٰاءُ» .

ثم قال «وَعْدَ اللّٰهِ لاٰ يُخْلِفُ اللّٰهُ وَعْدَهُ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظٰاهِراً مِنَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا» يعني ما يرونه حاضرا «وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غٰافِلُونَ » قال يرون حاضر الدنيا و يتغافلون عن الآخرة

و قوله «ثُمَّ كٰانَ عٰاقِبَةَ الَّذِينَ أَسٰاؤُا السُّواىٰ أَنْ كَذَّبُوا بِآيٰاتِ اللّٰهِ وَ كٰانُوا بِهٰا يَسْتَهْزِؤُنَ » أي ظلموا و استهزءوا

و قوله «وَ يَوْمَ تَقُومُ السّٰاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ »

أي يئسوا «وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكٰائِهِمْ شُفَعٰاءُ» يعني شركاء يعبدونهم و يطيعونهم لا يشفعون لهم

ص: 153

و قوله «يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ » قال يخرج المؤمن من الكافر و يخرج الكافر من المؤمن و قوله:«وَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا وَ كَذٰلِكَ تُخْرَجُونَ » رد على الدهرية ثم قال «وَ مِنْ آيٰاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ إِذٰا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ » أي تنثرون في الأرض إلى قوله «أَنْ تَقُومَ السَّمٰاءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ »

قال يعني السماء و الأرض هاهنا «ثُمَّ إِذٰا دَعٰاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذٰا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ »

و هو رد على أصناف الزنادقة.

و أما قوله «ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ شُرَكٰاءَ فِي مٰا رَزَقْنٰاكُمْ »

فَإِنَّهُ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ قُرَيْشاً وَ اَلْعَرَبَ كَانُوا إِذَا حَجُّوا يُلَبُّونَ وَ كَانَتْ تَلْبِيَتُهُمْ «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَ النِّعْمَةَ لَكَ وَ الْمُلْكَ لَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ » وَ هِيَ تَلْبِيَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ الْأَنْبِيَاءِ، فَجَاءَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ ، فَقَالَ لَيْسَتْ هَذِهِ تَلْبِيَةَ أَسْلاَفِكُمْ ، قَالُوا: وَ مَا كَانَتْ تَلْبِيَتُهُمْ فَقَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ إِلاَّ شَرِيكٌ هُوَ لَكَ » فَنَفَرَتْ قُرَيْشٌ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ ، فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيسُ عَلَى رَسْلِكُمْ حَتَّى آتِيَ عَلَى آخِرِ كَلاَمِي، فَقَالُوا مَا هُوَ فَقَالَ «إِلاَّ شَرِيكٌ هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَ مَا يَمْلِكُ » أَ لاَ تَرَوْنَ أَنَّهُ يَمْلِكُ الشَّرِيكَ وَ مَا مَلَكَهُ فَرَضُوا بِذَلِكَ وَ كَانُوا يُلَبُّونَ بِهَذَا قُرَيْشٌ خَاصَّةً فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَ قَالَ هَذَا شِرْكٌ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ «ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ شُرَكٰاءَ فِي مٰا رَزَقْنٰاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوٰاءٌ» أَيْ تَرْضَوْنَ أَنْتُمْ فِيمَا تَمْلِكُونَ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ فِيهِ شَرِيكٌ فَإِذَا لَمْ تَرْضَوْا أَنْتُمْ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ فِيمَا تَمْلِكُونَهُ شَرِيكٌ فَكَيْفَ تَرْضَوْنَ أَنْ تَجْعَلُوا لِي شَرِيكاً فِيمَا أَمْلِكُ . و قوله «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً»

أي طاهرا

أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً» قَالَ هِيَ الْوَلاَيَةُ .

ص: 154

حَدَّثَنَا اَلْهَيْثَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرُّمَّانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «فِطْرَتَ اللّٰهِ الَّتِي فَطَرَ النّٰاسَ عَلَيْهٰا»

قَالَ هُوَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيُّ اللَّهِ إِلَى هَاهُنَا التَّوْحِيدُ.

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ النَّابِ وَ خَلَفِ بْنِ حَمَّادٍ عَنِ اَلْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ وَ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً» قَالَ قُمْ فِي الصَّلاَةِ وَ لاَ تَلْتَفِتْ يَمِيناً وَ لاَ شِمَالاً.

و قال علي بن إبراهيم في قوله «فَآتِ ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى وَ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : لَمَّا بُويِعَ لِأَبِي بَكْرٍ وَ اسْتَقَامَ لَهُ الْأَمْرُ عَلَى جَمِيعِ اَلْمُهَاجِرِينَ

وَ اَلْأَنْصَارِ بَعَثَ إِلَى فَدَكَ فَأَخْرَجَ وَكِيلَ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْهَا فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ يَا أَبَا بَكْرٍ مَنَعْتَنِي عَنْ مِيرَاثِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ

وَ أَخْرَجْتَ وَكِيلِي مِنْ فَدَكَ فَقَدْ جَعَلَهَا لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ ، فَقَالَ لَهَا هَاتِي عَلَى ذَلِكَ شُهُوداً فَجَاءَتْ بِأُمِّ أَيْمَنَ فَقَالَتْ لاَ أَشْهَدُ حَتَّى أَحْتَجَّ يَا أَبَا بَكْرٍ عَلَيْكَ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَتْ أَنْشُدُكَ اللَّهَ ، أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

قَالَ إِنَّ أُمَّ أَيْمَنَ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ قَالَ بَلَى، قَالَتْ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 155

بْنُ الْحَدَثَانِ وَ عَائِشَةُ وَ حَفْصَةُ يَشْهَدُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِأَنَّهُ قَالَ : إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ فَإِنَّ عَلِيّاً زَوْجُهَا يَجُرُّ إِلَى نَفْسِهِ وَ أُمَّ أَيْمَنَ فَهِيَ امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ لَوْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا لَنَظَرْنَا فِيهِ فَخَرَجَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ مِنْ عِنْدِهِمَا بَاكِيَةً حَزِينَةً فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ هَذَا جَاءَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَ هُوَ فِي اَلْمَسْجِدِ وَ حَوْلَهُ اَلْمُهَاجِرُونَ وَ اَلْأَنْصَارُ، فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ لِمَ مَنَعْتَ فَاطِمَةَ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ قَدْ مَلَكَتْهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا فَيْ ءُ اَلْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَقَامَتْ شُهُوداً أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ جَعَلَهُ لَهَا وَ إِلاَّ فَلاَ حَقَّ لَهَا فِيهِ ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

يَا أَبَا بَكْرٍ تَحْكُمُ فِينَا بِخِلاَفِ حُكْمِ اللَّهِ فِي اَلْمُسْلِمِينَ قَالَ لاَ قَالَ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ اَلْمُسْلِمِينَ شَيْ ءٌ يَمْلِكُونَهُ ادَّعَيْتُ أَنَا فِيهِ مَنْ تَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ قَالَ : إِيَّاكَ كُنْتُ أَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا تَدَّعِيهِ عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ قَالَ فَإِذَا كَانَ فِي يَدِي شَيْ ءٌ وَ ادَّعَى فِيهِ اَلْمُسْلِمُونَ

فَتَسْأَلُنِي الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا فِي يَدِي! وَ قَدْ مَلَكْتُهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ بَعْدَهُ وَ لَمْ تَسْأَلِ اَلْمُسْلِمِينَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَوْا عَلَيَّ شُهُوداً كَمَا سَأَلْتَنِي عَلَى مَا ادَّعَيْتُ عَلَيْهِمْ ! فَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ يَا عَلِيُّ دَعْنَا مِنْ كَلاَمِكَ فَإِنَّا لاَ نَقْوَى عَلَى حُجَجِكَ فَإِنْ أَتَيْتَ بِشُهُودٍ عُدُولٍ وَ إِلاَّ فَهُوَ فَيْ ءُ اَلْمُسْلِمِينَ لاَ حَقَّ لَكَ وَ لاَ لِفَاطِمَةَ فِيهِ .

فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا أَبَا بَكْرٍ تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى «إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»

فِيمَنْ نَزَلَتْ أَ فِينَا أَمْ فِي غَيْرِنَا قَالَ بَلْ فِيكُمْ قَالَ فَلَوْ أَنَّ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى فَاطِمَةَ

ص: 156

بِالطَّهَارَةِ وَ قَبِلْتَ شَهَادَةَ النَّاسِ عَلَيْهَا كَمَا رَدَدْتَ حُكْمَ اللَّهِ وَ حُكْمَ رَسُولِهِ أَنْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَهَا فَدَكَ وَ قَبَضَتْهُ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ قَبِلْتَ شَهَادَةَ أَعْرَابِيٍّ بَائِلٍ عَلَى عَقِبِهِ عَلَيْهَا فَأَخَذْتَ مِنْهَا فَدَكَ وَ زَعَمْتَ أَنَّهُ فَيْ ءُ اَلْمُسْلِمِينَ وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى وَ الْيَمِينُ عَلَى مَنِ ادُّعِيَ عَلَيْهِ ، قَالَ : فَدَمْدَمَ النَّاسُ (1) وَ بَكَى بَعْضُهُمْ فَقَالُوا صَدَقَ وَ اللَّهِ عَلِيٌّ وَ رَجَعَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى مَنْزِلِهِ .

قَالَ : وَ دَخَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى اَلْمَسْجِدِ وَ طَافَتْ بِقَبْرِ أَبِيهَا عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلاَمُ وَ هِيَ تَبْكِي وَ تَقُولُ :

إِنَّا فَقَدْنَاكَ فَقْدَ الْأَرْضِ وَابِلَهَا *** وَ اخْتَلَّ قَوْمُكَ فَاشْهَدْهُمْ وَ لاَ تَغِبْ

قَدْ كَانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَ هَنْبَثَةٌ (2) *** لَوْ كُنْتَ شَاهِدَهَا لَمْ تَكْثُرِ الْخُطَبُ

قَدْ كَانَ جِبْرِيلُ بِالْآيَاتِ يُؤْنِسُنَا *** فَغَابَ عَنَّا وَ كُلُّ الْخَيْرِ مُحْتَجَبٌ

وَ كُنْتَ بَدْراً وَ نُوراً يُسْتَضَاءُ بِهِ *** عَلَيْكَ تَنْزِلُ مِنْ ذِي الْعِزَّةِ الْكُتُبُ

فَقَمَّصَتْنَا(3) رِجَالٌ وَ اسْتُخِفَّ بِنَا *** إِذْ غِبْتَ عَنَّا فَنَحْنُ الْيَوْمَ نُغْتَصَبُ

فَكُلُّ أَهْلٍ لَهُ قُرْبٌ وَ مَنْزِلَةٌ *** عِنْدَ الْإِلَهِ عَلَى الْأَدْنَيْنَ (4) يَقْتَرِبُ

أَبْدَتْ رِجَالٌ لَنَا فَحْوَى(5) صُدُورِهِمُ *** لَمَّا مَضَيْتَ وَ حَالَتْ دُونَكَ الْكُثُبُ

فَقَدْ رُزِينَا بِمَا لَمْ يرزأه [يُزْرَهُ ] أَحَدٌ *** مِنَ الْبَرِيَّةِ لاَ عَجَمٌ وَ لاَ عَرَبٌ

وَ قَدْ رُزِينَا بِهِ مَحْضاً خَلِيقَتُهُ *** صَافِي الضَّرَائِبِ وَ الْأَعْرَاقِ وَ النَّسَبِ

ص: 157


1- أَيْ تَحَادَثُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ مُغْضَبِينَ .
2- الْأَمْرُ الشَّدِيدُ ج هَنَابِثُ .
3- قَمَصَ الشَّيْ ءَ احْتَقَرَهُ .
4- (الْأَدْيَانِ ك).
5- (نَجْوَى ط ). ج. ز.

فَأَنْتَ خَيْرُ عِبَادِ اللَّهِ كُلِّهِمُ *** وَ أَصْدَقُ النَّاسِ حِينَ الصِّدْقِ وَ الْكَذِبِ

فَسَوْفَ نَبْكِيكَ مَا عِشْنَا وَ مَا بَقِيَتْ *** مِنَّا الْعُيُونُ بِهَمَّالٍ (1) لَهَا سَكْبٌ

سَيَعْلَمُ الْمُتَوَلِّي ظُلْمَ خَامَتِنَا(2) *** يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنى [عَنَّا] كَيْفَ يَنْقَلِبُ (3)

قَالَ : فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى مَنْزِلِهِ وَ بَعَثَ إِلَى عُمَرَ فَدَعَاهُ ثُمَّ قَالَ : أَ مَا رَأَيْتَ مَجْلِسَ عَلِيٍّ مِنَّا الْيَوْمَ ، وَ اللَّهِ لَإِنْ قَعَدَ مَقْعَداً مِثْلَهُ لَيُفْسِدَنَّ أَمْرَنَا فَمَا الرَّأْيُ قَالَ عُمَرُ الرَّأْيُ أَنْ تَأْمُرَ بِقَتْلِهِ ، قَالَ فَمَنْ يَقْتُلُهُ قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَبَعَثَا إِلَى خَالِدٍ فَأَتَاهُمَا فَقَالاَ نُرِيدُ أَنْ نَحْمِلَكَ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ ، قَالَ حَمِّلاَنِي مَا شِئْتُمَا وَ لَوْ قَتْلَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالاَ فَهُوَ ذَاكَ ، فَقَالَ خَالِدٌ مَتَى أَقْتُلُهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا حَضَرَ اَلْمَسْجِدَ

فَقُمْ بِجَنْبِهِ فِي الصَّلاَةِ فَإِذَا أَنَا سَلَّمْتُ فَقُمْ إِلَيْهِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ ، قَالَ نَعَمْ فَسَمِعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ ذَلِكَ وَ كَانَتْ تَحْتَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ لِجَارِيَتِهَا اذْهَبِي إِلَى مَنْزِلِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ

فَأَقْرِئِيهِمَا السَّلاَمَ وَ قُولِي لِعَلِيٍّ «إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النّٰاصِحِينَ » فَجَاءَتِ الْجَارِيَةُ إِلَيْهِمَا فَقَالَتْ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ تَقْرَأُ عَلَيْكُمَا

ص: 158


1- الْمُبَالَغَةُ مِنَ الْهَمَلِ وَ هُوَ الْمَاءُ السَّائِلُ الَّذِي لاَ مَانِعَ لَهُ .
2- الْخَامَةُ : الْغَضَّةُ مِنَ النَّبَاتِ . مجمع.
3- رَاجِعْ صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ 3 35 - بَابُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ وَ 2 116، صَحِيحَ مُسْلِمٍ 2 92، شَرْحَ الْبُخَارِيِّ لِلْعَيْنِي 8 323، فَيْضَ الْبَارِي ص 98، مُسْنَدَ أَحْمَدَ 1 4، الصَّوَاعِقَ ص 31 شَرْحَ ابْنِ أَبِي الْحَدِيدِ 4 101 وَ 3 86، تَفْسِيرَ الرَّازِيِّ 3 230 وَ 8 386، تَفْسِيرَ النَّيْشَابُورِيِّ عَلَى هَامِشِ تَفْسِيرِ ابْنِ جَرِيرٍ 4 197 إِزَالَةَ الْخَفَاءِ 2 30، كَنْزَ الْعُمَّالِ 3 125، وَفَاءَ الْوَفَا 2 160 فُتُوحَ الْبُلْدَانِ ص 38 مُعْجَمَ الْبُلْدَانِ 6 343، السِّيرَةَ الْحَلَبِيَّةَ 3 400 وَ غَيْرَهَا مِنْ كُتُبِ التَّارِيخِ وَ السِّيَرِ. ج. ز.

السَّلاَمَ وَ تَقُولُ «إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النّٰاصِحِينَ » ، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قُولِي لَهَا إِنَّ اللَّهَ يحيل [يَحُولُ ] بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَا يُرِيدُونَ ثُمَّ قَامَ وَ تَهَيَّأَ لِلصَّلاَةِ وَ حَضَرَ اَلْمَسْجِدَ وَ وَقَفَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَ صَلَّى لِنَفْسِهِ وَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى جَنْبِهِ وَ مَعَهُ السَّيْفُ فَلَمَّا جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّشَهُّدِ نَدِمَ عَلَى مَا قَالَ وَ خَافَ الْفِتْنَةَ وَ شِدَّةَ عَلِيٍّ وَ بَأْسَهُ فَلَمْ يَزَلْ مُتَفَكِّراً لاَ يَجْسُرُ أَنْ يُسَلِّمَ حَتَّى ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ سَهَا، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى خَالِدٍ فَقَالَ يَا خَالِدُ لاَ تَفْعَلْ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : يَا خَالِدُ مَا الَّذِي أَمَرَكَ بِهِ قَالَ أَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقِكَ ، قَالَ وَ كُنْتَ تَفْعَلُ قَالَ إِي وَ اللَّهِ لَوْ لاَ أَنَّهُ قَالَ لِي لاَ تَفْعَلْ لَقَتَلْتُكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ ، قَالَ فَأَخَذَهُ ( عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ وَ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالَ عُمَرُ يَقْتُلُهُ وَ رَبِّ اَلْكَعْبَةِ فَقَالَ النَّاسُ يَا أَبَا الْحَسَنِ اللَّهَ اللَّهَ بِحَقِّ صَاحِبِ هَذَا اَلْقَبْرِ فَخَلَّى عَنْهُ ، قَالَ فَالْتَفَتَ إِلَى عُمَرَ وَ أَخَذَ بِتَلاَبِيبِهِ وَ قَالَ يَا اِبْنَ الصُّهَاكِ لَوْ لاَ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ «كِتٰابٌ مِنَ اللّٰهِ سَبَقَ » لَعَلِمْتَ أَيُّنَا «أَضْعَفُ نٰاصِراً وَ أَقَلُّ عَدَداً»

ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ .

و قوله:«وَ مٰا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوٰالِ النّٰاسِ فَلاٰ يَرْبُوا عِنْدَ اللّٰهِ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ

قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : الرِّبَا رِبَاءَانِ أَحَدُهُمَا حَلاَلٌ وَ الْآخَرُ حَرَامٌ فَأَمَّا الْحَلاَلُ فَهُوَ أَنْ يُقْرِضَ الرَّجُلُ أَخَاهُ قَرْضاً طَمَعاً أَنْ يَزِيدَهُ وَ يُعَوِّضَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُهُ بِلاَ شَرْطٍ بَيْنَهُمَا فَإِنْ أَعْطَاهُ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَهُ عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مُبَاحٌ لَهُ وَ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ ثَوَابٌ فِيمَا أَقْرَضَهُ وَ هُوَ قَوْلُهُ «فَلاٰ يَرْبُوا عِنْدَ اللّٰهِ » وَ أَمَّا الرِّبَا الْحَرَامُ فَالرَّجُلُ يُقْرِضُ قَرْضاً وَ يَشْتَرِطُ أَنْ يَرُدَّ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرَامُ . و قوله «وَ مٰا آتَيْتُمْ مِنْ زَكٰاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللّٰهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ » أي ما بررتم به إخوانكم و أقرضتموهم لا طمعا في زيادة

ص: 159

بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَ الصَّدَقَةُ بِعَشَرَةٍ .، ثم ذكر عز و جل عظيم قدرته و تفضله على خلقه فقال «اَللّٰهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيٰاحَ فَتُثِيرُ سَحٰاباً» أي ترفعه «فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمٰاءِ كَيْفَ يَشٰاءُ وَ يَجْعَلُهُ كِسَفاً» قال بعضه على بعض «فَتَرَى الْوَدْقَ » أي المطر «يَخْرُجُ مِنْ خِلاٰلِهِ » إلى قوله «لَمُبْلِسِينَ » أي آيسين «فَانْظُرْ إِلىٰ آثٰارِ رَحْمَتِ اللّٰهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا إِنَّ ذٰلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتىٰ » و هو رد على الدهرية و قوله «ظَهَرَ الْفَسٰادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمٰا كَسَبَتْ أَيْدِي النّٰاسِ » قال في البر فساد الحيوان إذا لم يمطر و كذلك هلاك دواب البحر بذلك

وَ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : حَيَاةُ دَوَابِّ الْبَحْرِ بِالْمَطَرِ فَإِذَا كُفَّ الْمَطَرُ «ظَهَرَ الْفَسٰادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ» وَ ذَلِكَ إِذَا كَثُرَتِ الذُّنُوبُ وَ الْمَعَاصِي.

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنِ اِبْنِ مُسْكَانَ عَنْ مُيَسِّرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : قُلْتُ :«ظَهَرَ الْفَسٰادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمٰا كَسَبَتْ أَيْدِي النّٰاسِ » ، قَالَ ذَلِكَ وَ اللَّهِ يَوْمَ قَالَتِ اَلْأَنْصَارُ مِنَّا رَجُلٌ وَ مِنْكُمْ رَجُلٌ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله «اَللّٰهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ » يعني من نطفة منتنة ضعيفة «ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً» و هو الكبر

و قوله «قٰالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمٰانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ إِلىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ » فإن هذه الآية مقدمة و مؤخرة و إنما هي « و قال الذين أوتوا العلم و الإيمان في [من] كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث

و قوله «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ وَ لاٰ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاٰ يُوقِنُونَ » أي لا يغضبنك،

قَالَ : كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُصَلِّي وَ اِبْنُ الْكَوَّاءِ خَلْفَهُ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقْرَأُ، فَقَالَ اِبْنُ الْكَوَّاءِ «وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخٰاسِرِينَ » فَسَكَتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى سَكَتَ اِبْنُ الْكَوَّاءِ ثُمَّ عَادَ فِي قِرَاءَتِهِ حَتَّى فَعَلَ اِبْنُ الْكَوَّاءِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

«فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ وَ لاٰ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاٰ يُوقِنُونَ » .».

ص: 160

31- سورة لقمان مكية آياتها أربع و ثلاثون 34

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الم تِلْكَ آيٰاتُ اَلْكِتٰابِ الْحَكِيمِ هُدىً وَ رَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولٰئِكَ عَلىٰ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ » أي على بيان من ربهم «وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ »

و قوله «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ » قال: الغناء و شرب الخمر و جميع الملاهي «لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ » قال: يحيد بهم عن طريق الله

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ »

إلخ...» فَهُوَ اَلنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ

وَ كَانَ اَلنَّضْرُ رَاوِياً لِأَحَادِيثِ النَّاسِ وَ أَشْعَارِهِمْ .، يقول الله عز و جل:«وَ إِذٰا تُتْلىٰ عَلَيْهِ آيٰاتُنٰا وَلّٰى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهٰا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ »

و قوله «وَ بَثَّ فِيهٰا مِنْ كُلِّ دٰابَّةٍ » يقول جعل فيها من كل دابة و قوله «وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَأَنْبَتْنٰا فِيهٰا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ » يقول من كل لون حسن و الزوج اللون الأصفر و الأخضر و الأحمر و الكريم الحسن

أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ [الْقَصِيرِ] النَّضْرِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَوْلُهُ «وَ لَقَدْ آتَيْنٰا لُقْمٰانَ الْحِكْمَةَ »

قَالَ أُوتِيَ مَعْرِفَةَ إِمَامِ زَمَانِهِ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله «هٰذٰا خَلْقُ اللّٰهِ » أي مخلوق الله لأن الخلق هو الفعل و الفعل لا يرى و إنما أشار إلى المخلوق و إلى السماء و الأرض و الجبال و جميع الحيوان فأقام الفعل مقام المفعول و قوله «وَ لَقَدْ آتَيْنٰا لُقْمٰانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلّٰهِ وَ مَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمٰا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ»

ص: 161

أَبِي عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَمَّادٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ لُقْمَانَ (1) وَ حِكْمَتِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ ، فَقَالَ : أَمَا وَ اللَّهِ مَا أُوتِيَ لُقْمَانُ الْحِكْمَةَ بِحَسَبٍ وَ لاَ مَالٍ وَ لاَ أَهْلٍ وَ لاَ بَسْطٍ فِي جِسْمٍ وَ لاَ جَمَالٍ وَ لَكِنَّهُ كَانَ رَجُلاً قَوِيّاً فِي أَمْرِ اللَّهِ مُتَوَرِّعاً فِي اللَّهِ سَاكِتاً سَكِيناً عَمِيقَ النَّظَرِ طَوِيلَ الْفِكْرِ حَدِيدَ النَّظَرِ مُسْتَعْبِراً بِالْعِبَرِ لَمْ يَنَمْ نَهَاراً قَطُّ وَ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى بَوْلٍ وَ لاَ غَائِطٍ وَ لاَ اغْتِسَالٍ لِشِدَّةِ تَسَتُّرِهِ وَ عُمْقِ نَظَرِهِ وَ تَحَفُّظِهِ فِي أَمْرِهِ وَ لَمْ يَضْحَكْ مِنْ شَيْ ءٍ قَطُّ مَخَافَةَ الْإِثْمِ ، وَ لَمْ يَغْضَبْ قَطُّ وَ لَمْ يُمَازِحْ إِنْسَاناً قَطُّ وَ لَمْ يَفْرَحْ بِشَيْ ءٍ إِنْ أَتَاهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَ لاَ حَزِنَ مِنْهَا عَلَى شَيْ ءٍ قَطُّ ، وَ قَدْ نَكَحَ مِنَ النِّسَاءِ وَ وُلِدَ لَهُ مِنَ الْأَوْلاَدِ الْكَثِيرَةِ وَ قَدَّمَ أَكْثَرَهُمْ أَفْرَاطاً، فَمَا بَكَى عَلَى مَوْتِ أَحَدٍ مِنْهُمْ ، وَ لَمْ يَمُرَّ بِرَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ أَوْ يَقْتَتِلاَنِ إِلاَّ أَصْلَحَ بَيْنَهُمَا وَ لَمْ يَمْضِ عَنْهُمَا حَتَّى يُحَابَّا، وَ لَمْ يَسْمَعْ قَوْلاً قَطُّ مِنْ أَحَدٍ اسْتَحْسَنَهُ إِلاَّ سَأَلَ عَنْ تَفْسِيرِهِ وَ عَمَّنْ أَخَذَهُ ، وَ كَانَ يُكْثِرُ مُجَالَسَةَ الْفُقَهَاءِ وَ الْحُكَمَاءِ، وَ كَانَ يَغْشَي الْقُضَاةَ وَ الْمُلُوكَ وَ السَّلاَطِينَ ، فَيَرْثِي لِلْقُضَاةِ مَا ابْتُلُوا بِهِ وَ يَرْحَمُ لِلْمُلُوكِ وَ السَّلاَطِينِ لِعِزَّتِهِمْ بِاللَّهِ وَ طُمَأْنِينَتِهِمْ فِي ذَلِكَ وَ يَعْتَبِرُ وَ يَتَعَلَّمُ مَا يَغْلِبُ بِهِ نَفْسَهُ وَ يُجَاهِدُ بِهِ هَوَاهُ وَ يَحْتَرِزُ بِهِ مِنَ اَلشَّيْطَانِ فَكَانَ يُدَاوِي قَلْبَهُ بِالْفِكْرِ وَ يُدَاوِي نَفْسَهُ بِالْعِبَرِ وَ كَانَ لاَ يَظْعَنُ إِلاَّ فِيمَا يَنْفَعُهُ فَبِذَلِكَ أُوتِيَ الْحِكْمَةَ وَ مُنِحَ الْعِصْمَةَ ، فَإِنَّ

ص: 162


1- الْأَظْهَرُ أَنَّ لُقْمَانَ لَمْ يَكُنْ نَبِيّاً وَ كَانَ حَكِيماً وَ قِيلَ كَانَ نَبِيّاً، وَ قِيلَ خُيِّرَ بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَ الْحِكْمَةِ فَاخْتَارَ الْحِكْمَةَ ، وَ كَانَ ابْنَ أُخْتِ أَيُّوبَ أَوْ ابْنَ خَالَتِهِ وَ قِيلَ إِنَّهُ عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ وَ أَدْرَكَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَخَذَ مِنْهُ الْعِلْمَ وَ قِيلَ إِنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ وَ هُوَ يَسْرُدُ الدِّرْعَ وَ قَدْ لَيَّنَ اللَّهُ لَهُ الْحَدِيدَ فَأَرَادَ أَنْ يَسْأَلَهُ فَأَدْرَكَتْهُ الْحِكْمَةُ فَسَكَتَ فَلَمَّا أَتَمَّهَا لَبِسَهَا وَ قَالَ : نِعْمَ لُبُوسُ الْحَرْبِ أَنْتَ ، فَقَالَ لُقْمَانُ : «اَلصَّمْتُ مِنْ حِكَمٍ وَ قَلِيلٌ فَاعِلُهُ ». (جَامِعُ الْجَوَامِعِ ) ج. ز.

اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَمَرَ طَوَائِفَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ حِينَ انْتَصَفَ النَّهَارُ وَ هَدَأَتِ الْعُيُونُ بِالْقَائِلَةِ فَنَادَوْا لُقْمَانَ حَيْثُ يَسْمَعُ وَ لاَ يَرَاهُمْ فَقَالُوا: يَا لُقْمَانُ هَلْ لَكَ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ تَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ لُقْمَانُ : إِنْ أَمَرَنِيَ اللَّهُ بِذَلِكَ فَالسَّمْعَ وَ الطَّاعَةَ لِأَنَّهُ إِنْ فَعَلَ بِي ذَلِكَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ وَ عَلَّمَنِي وَ عَصَمَنِي وَ إِنْ هُوَ خَيَّرَنِي قَبِلْتُ الْعَافِيَةَ فَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا لُقْمَانُ لِمَ قُلْتَ ذَلِكَ قَالَ : لِأَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ أَشَدِّ الْمَنَازِلِ مِنَ الدِّينِ وَ أَكْثَرُهَا فِتَناً وَ بَلاَءً مَا يُخْذَلُ وَ لاَ يُعَانُ وَ يَغْشَاهُ الظُّلَمُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَ صَاحِبُهُ فِيهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِنْ أَصَابَ فِيهِ الْحَقَّ فَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَسْلَمَ وَ إِنْ أَخْطَأَ أَخْطَأَ طَرِيقَ اَلْجَنَّةِ

وَ مَنْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا ذَلِيلاً وَ ضَعِيفاً كَانَ أَهْوَنَ عَلَيْهِ فِي الْمَعَادِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَكَماً سَرِيّاً شَرِيفاً وَ مَنِ اخْتَارَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ يَخْسَرُهُمَا كِلْتَيْهِمَا تَزُولُ هَذِهِ وَ لاَ تُدْرَكُ تِلْكَ ، قَالَ فَتَعَجَّبَتِ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ حِكْمَتِهِ وَ اسْتَحْسَنَ الرَّحْمَنُ مَنْطِقَهُ ، فَلَمَّا أَمْسَى وَ أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِكْمَةَ فَغَشَّاهُ بِهَا مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ وَ هُوَ نَائِمٌ وَ غَطَّاهُ بِالْحِكْمَةِ غِطَاءً فَاسْتَيْقَظَ وَ هُوَ أَحْكَمُ النَّاسِ فِي زَمَانِهِ ، وَ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ يَنْطِقُ بِالْحِكْمَةِ وَ يُثْبِتُهَا فِيهَا.

قَالَ : فَلَمَّا أُوتِيَ الْحُكْمَ بِالْخِلاَفَةِ وَ لَمْ يَقْبَلْهَا أَمَرَ اللَّهُ الْمَلاَئِكَةَ فَنَادَتْ دَاوُدَ

بِالْخِلاَفَةِ فَقَبِلَهَا وَ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا بِشَرْطِ لُقْمَانَ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ الْخِلاَفَةَ فِي الْأَرْضِ وَ ابْتُلِيَ فِيهَا غَيْرَ مَرَّةٍ وَ كُلَّ ذَلِكَ يَهْوِي فِي الْخَطَإِ يَقْبَلُهُ اللَّهُ وَ يَغْفِرُ لَهُ ، وَ كَانَ لُقْمَانُ يُكْثِرُ زِيَارَةَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ يَعِظُهُ بِمَوَاعِظِهِ وَ حِكْمَتِهِ وَ فَضْلِ عِلْمِهِ وَ كَانَ دَاوُدُ يَقُولُ لَهُ : طُوبَى لَكَ يَا لُقْمَانُ أُوتِيتَ الْحِكْمَةَ وَ صُرِفَتْ عَنْكَ الْبَلِيَّةُ وَ أُعْطِيَ دَاوُدُ الْخِلاَفَةَ وَ ابْتُلِيَ بِالْحُكْمِ وَ الْفِتْنَةِ .

ص: 163

وَ اسْتَقْبَلْتَ الْآخِرَةَ فَدَارٌ أَنْتَ إِلَيْهَا تَسِيرُ أَقْرَبُ إِلَيْكَ مِنْ دَارٍ أَنْتَ عَنْهَا مُتَبَاعِدٌ، يَا بُنَيَّ جَالِسِ الْعُلَمَاءَ وَ زَاحِمْهُمْ بِرُكْبَتَيْكَ لاَ تُجَادِلْهُمْ فَيَمْنَعُوكَ وَ خُذْ مِنَ الدُّنْيَا بَلاَغاً وَ لاَ تَرْفُضْهَا فَتَكُونَ عِيَالاً عَلَى النَّاسِ وَ لاَ تَدْخُلْ فِيهَا دُخُولاً يُضِرُّ بِآخِرَتِكَ وَ صُمْ صَوْماً يَقْطَعُ شَهْوَتَكَ وَ لاَ تَصُمْ صَوْماً يَمْنَعُكَ مِنَ الصَّلاَةِ فَإِنَّ الصَّلاَةَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الصِّيَامِ ، يَا بُنَيَّ إِنَّ الدُّنْيَا بَحْرٌ عَمِيقٌ قَدْ هَلَكَ فِيهَا عَالَمٌ كَثِيرٌ فَاجْعَلْ سَفِينَتَكَ فِيهَا الْإِيمَانَ وَ اجْعَلْ شِرَاعَهَا التَّوَكُّلَ وَ اجْعَلْ زَادَكَ فِيهَا تَقْوَى اللَّهِ ، فَإِنْ نَجَوْتَ فَبِرَحْمَةِ اللَّهِ وَ إِنْ هَلَكْتَ فَبِذُنُوبِكَ يَا بُنَيَّ إِنْ تَأَدَّبْتَ صَغِيراً انْتَفَعْتَ بِهِ كَبِيراً، وَ مَنْ غَنِيَ بِالْأَدَبِ اهْتَمَّ بِهِ وَ مَنِ اهْتَمَّ بِهِ تَكَلَّفَ عِلْمَهُ وَ مَنْ تَكَلَّفَ عِلْمَهُ اشْتَدَّ طَلَبُهُ وَ مَنِ اشْتَدَّ طَلَبُهُ أَدْرَكَ مَنْفَعَتَهُ فَاتَّخِذْهُ عَادَةً فَإِنَّكَ تَخْلُفُ فِي سَلَفِكَ وَ تَنْفَعُ بِهِ مَنْ خَلَفَكَ وَ يَرْتَجِيكَ فِيهِ رَاغِبٌ وَ يَخْشَى صَوْلَتَكَ رَاهِبٌ وَ إِيَّاكَ وَ الْكَسَلَ عَنْهُ وَ الطَّلَبَ لِغَيْرِهِ فَإِنْ غَلَبْتَ عَلَى الدُّنْيَا فَلاَ تَغْلِبَنَّ عَلَى الْآخِرَةِ وَ إِذَا فَاتَكَ طَلَبُ الْعِلْمِ فِي مَظَانِّهِ فَقَدْ غَلَبْتَ عَلَى الْآخِرَةِ وَ اجْعَلْ فِي أَيَّامِكَ وَ لَيَالِيكَ وَ سَاعَاتِكَ لِنَفْسِكَ نَصِيباً فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَإِنَّكَ لَنْ تَجِدَ لَهُ تَضْيِيعاً أَشَدَّ مِنْ تَرْكِهِ ، وَ لاَ تُمَارِيَنَّ فِيهِ لَجُوجاً وَ لاَ تُجَادِلَنَّ فَقِيهاً وَ لاَ تُعَادِيَنَّ سُلْطَاناً، وَ لاَ تُمَاشِيَنَّ ظَلُوماً، وَ لاَ تُصَادِقَنَّهُ وَ لاَ تُصَاحِبَنَّهُ فَاسِقاً نَطِفاً(1) وَ لاَ تُصَاحِبَنَّ مُتَّهَماً، وَ اخْزُنْ عِلْمَكَ كَمَا تَخْزُنُ وَرِقَكَ (2) ، يَا بُنَيَّ خَفِ اللَّهَ خَوْفاً لَوْ أَتَيْتَ الْقِيَامَةَ بِبِرِّ الثَّقَلَيْنِ خِفْتَ أَنْ يُعَذِّبَكَ وَ ارْجُ اللَّهَ رَجَاءً لَوْ وَافَيْتَ الْقِيَامَةَ بِإِثْمِ الثَّقَلَيْنِ رَجَوْتَ أَنْ يَغْفِرَ لَكَ .

فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ يَا أَبَتِ وَ كَيْفَ أُطِيقُ هَذَا وَ إِنَّمَا لِي قَلْبٌ وَاحِدٌ فَقَالَ لَهُ لُقْمَانُ

يَا بُنَيَّ لَوِ اسْتُخْرِجَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ فَشُقَّ لَوَجَدَ فِيهِ نُورَيْنِ نُوراً لِلْخَوْفِ وَ نُوراً لِلرَّجَاءِ

ص: 164


1- نَطِفٌ كَكَتِفٍ : الرَّجُلُ الْمُرِيبُ .
2- وَرِقٌ مُثَلَّثُ الْوَاوِ بِسُكُونِ الرَّاءِ: الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ ج أَوْرَاقٍ وَ وُرَّاقٍ . ج. ز.

لَوْ وُزِنَا لَمَا رُجِحَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يُصَدِّقْ مَا قَالَ اللَّهُ وَ مَنْ يُصَدِّقْ مَا قَالَ اللَّهُ يَفْعَلْ مَا أَمَرَ اللَّهُ وَ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا أَمَرَ اللَّهُ لَمْ يُصَدِّقْ مَا قَالَ اللَّهُ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَخْلاَقَ تَشْهَدُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ إِيمَاناً صَادِقاً يَعْمَلْ لِلَّهِ خَالِصاً نَاصِحاً وَ مَنْ عَمِلَ لِلَّهِ خَالِصاً نَاصِحاً فَقَدْ آمَنَ بِاللَّهِ صَادِقاً وَ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ خَافَهُ وَ مَنْ خَافَهُ فَقَدْ أَحَبَّهُ وَ مَنْ أَحَبَّهُ اتَّبَعَ أَمْرَهُ وَ مَنِ اتَّبَعَ أَمْرَهُ اسْتَوْجَبَ جَنَّتَهُ وَ مَرْضَاتَهُ وَ مَنْ لَمْ يَتَّبِعْ رِضْوَانَ اللَّهِ فَقَدْ هَانَ عَلَيْهِ سَخَطُهُ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ ، يَا بُنَيَّ ! لاَ تَرْكَنْ إِلَى الدُّنْيَا وَ لاَ تَشْغَلْ قَلْبَكَ بِهَا فَمَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنْهَا أَ لاَ تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ نَعِيمَهَا ثَوَاباً لِلْمُطِيعِينَ وَ لَمْ يَجْعَلْ بَلاَءَهَا عُقُوبَةً لِلْعَاصِينَ .

و قوله «وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلىٰ وَهْنٍ » يعني ضعفا على ضعف ثم قال «وَ إِنْ جٰاهَدٰاكَ عَلىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاٰ تُطِعْهُمٰا» إلى قوله «بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ »

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنٰابَ إِلَيَّ » يَقُولُ اتَّبِعْ سَبِيلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .

قال علي بن إبراهيم ثم عطف على خبر لقمان و قصته فقال «يٰا بُنَيَّ إِنَّهٰا إِنْ تَكُ مِثْقٰالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمٰاوٰاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّٰهُ إِنَّ اللّٰهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ» قال من الرزق يأتيك به الله

و قوله «وَ لاٰ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّٰاسِ » أي لا تذل للناس طمعا فيما عندهم «وَ لاٰ تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً» أي فرحا

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ لاٰ تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً»

أَيْ بِالْعَظَمَةِ . و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ » أي لا تعجل «وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ » أي لا ترفعه «إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوٰاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» و روي فيه غير هذا أيضا

و أما قوله «وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظٰاهِرَةً وَ بٰاطِنَةً »

ص: 165

فَهُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ تَوْحِيدِهِ وَ أَمَّا النِّعْمَةُ الْبَاطِنَةُ فَوَلاَيَتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَ عَقْدُ مَوَدَّتِنَا فَاعْتَقَدَ وَ اللَّهِ قَوْمٌ هَذِهِ النِّعْمَةَ الظَّاهِرَةَ وَ الْبَاطِنَةَ .

وَ اعْتَقَدَهَا قَوْمٌ ظَاهِرَهُ وَ لَمْ يَعْتَقِدُوا بَاطِنَهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ «يٰا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاٰ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسٰارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قٰالُوا آمَنّٰا بِأَفْوٰاهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ » فَفَرِحَ رَسُولُ اللَّهِ عِنْدَ نُزُولِهَا إِذْ لَمْ يَتَقَبَّلِ اللَّهُ تَعَالَى إِيمَانَهُمْ إِلاَّ بِعَقْدِ وَلاَيَتِنَا وَ مَحَبَّتِنَا . و قوله «وَ مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللّٰهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقىٰ » قال بالولاية

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يُجٰادِلُ فِي اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لاٰ هُدىً وَ لاٰ كِتٰابٍ مُنِيرٍ وَ إِذٰا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ قٰالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مٰا وَجَدْنٰا عَلَيْهِ آبٰاءَنٰا أَ وَ لَوْ كٰانَ اَلشَّيْطٰانُ يَدْعُوهُمْ إِلىٰ عَذٰابِ السَّعِيرِ» فَهُوَ اَلنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اتَّبِعْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ قَالَ بَلْ أَتَّبِعُ مَا وَجَدْتُ عَلَيْهِ آبَائِي.

و قوله «وَ لَوْ أَنَّ مٰا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاٰمٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مٰا نَفِدَتْ كَلِمٰاتُ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ »

وَ ذَلِكَ أَنَّ اَلْيَهُودَ

سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَنِ اَلرُّوحِ ، فَقَالَ «اَلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ مٰا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّٰ قَلِيلاً» ، قَالُوا نَحْنُ خَاصَّةً قَالَ بَلِ النَّاسُ عَامَّةً قَالُوا فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ هَذَانِ يَا مُحَمَّدُ تَزْعُمُ أَنَّكَ لَمْ تُؤْتَ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً وَ قَدْ أُوتِيتَ اَلْقُرْآنَ وَ أُوتِينَا اَلتَّوْرَاةَ

وَ قَدْ قَرَأْتَ :«وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ » وَ هِيَ اَلتَّوْرَاةُ «فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:«وَ لَوْ أَنَّ مٰا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاٰمٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مٰا نَفِدَتْ كَلِمٰاتُ اللّٰهِ » يَقُولُ عِلْمُ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَ مَا أُوتِيتُمْ كَثِيرٌ فِيكُمْ قَلِيلٌ عِنْدَ اللَّهِ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ لَوْ أَنَّ مٰا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاٰمٌ »

الآية معنى ذلك أن علم الله أكثر من ذلك فأما ما آتاكم فهو كثير فيكم قليل في ما عند الله و قوله «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللّٰهِ » قال السفن

ص: 166

تجري في البحر بقدرة الله

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «مٰا خَلْقُكُمْ وَ لاٰ بَعْثُكُمْ إِلاّٰ كَنَفْسٍ وٰاحِدَةٍ » بَلَغَنَا وَ اللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا مُحَمَّدُ خُلِقْنَا أَطْوَاراً نُطَفاً ثُمَّ عَلَقاً ثُمَّ أُنْشِئْنَا «خَلْقاً آخَرَ» كَمَا تَزْعُمُ وَ تَزْعُمُ أَنَّا نُبْعَثُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ! فَقَالَ اللَّهُ «مٰا خَلْقُكُمْ وَ لاٰ بَعْثُكُمْ إِلاّٰ كَنَفْسٍ وٰاحِدَةٍ » إِنَّمَا «يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » .

و قوله «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهٰارِ وَ يُولِجُ النَّهٰارَ فِي اللَّيْلِ » يقول ما ينقص من الليل يدخل في النهار و ما ينقص من النهار يدخل في الليل و قوله:«وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى» يقول كل واحد منهما يجري إلى منتهاه لا يقصر عنه و لا يجاوزه، و قال علي بن إبراهيم في قوله «إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِكُلِّ صَبّٰارٍ شَكُورٍ» قال هو الذي يصبر على الفقر و الفاقة و يشكر الله على جميع أحواله

و قوله «وَ إِذٰا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ » يعني في البحر «دَعَوُا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ » إلى قوله «فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ» أي صالح «وَ مٰا يَجْحَدُ بِآيٰاتِنٰا إِلاّٰ كُلُّ خَتّٰارٍ كَفُورٍ» قال الختار الخداع و قوله «يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا يَوْماً لاٰ يَجْزِي وٰالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ » إلى قوله «إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ » قال ذلك القيامة و قوله «إِنَّ اللّٰهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّٰاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي الْأَرْحٰامِ وَ مٰا تَدْرِي نَفْسٌ مٰا ذٰا تَكْسِبُ غَداً وَ مٰا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللّٰهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»

قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : هَذِهِ الْخَمْسَةُ أَشْيَاءَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَ هِيَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ .

32- سورة السجدة مكية ثلاثون آية 30

ص: 167

«لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ »

قوله «يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمٰاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ » يعني (الأمور التي يدبرها و الأمر و النهي الذي أمر به و أعمال العباد كل هذا يظهره يوم القيامة فيكون مقدار ذلك اليوم ألف سنة من سني الدنيا

و قوله «اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسٰانِ مِنْ طِينٍ » قال هو آدم عليه السّلام «ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ » أي ولده «مِنْ سُلاٰلَةٍ » و هو الصفو من الطعام و الشراب «مِنْ مٰاءٍ مَهِينٍ » قال النطفة المني «ثُمَّ سَوّٰاهُ » أي استحالة من نطفة إلى علقة و من علقة إلى مضغة حتى نفخ فيه الروح

و قوله «قُلْ يَتَوَفّٰاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي

عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ رَأَيْتُ مَلَكاً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ بِيَدِهِ لَوْحٌ مِنْ نُورٍ لاَ يَلْتَفِتُ يَمِيناً وَ لاَ شِمَالاً مُقْبِلاً عَلَيْهِ كَهَيْئَةِ الْحَزِينِ ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ : هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ مَشْغُولٌ فِي قَبْضِ الْأَرْوَاحِ فَقُلْتُ أدنيني [أَدْنِنِي] مِنْهُ يَا جَبْرَئِيلُ لِأُكَلِّمَهُ ، فَأَدْنَانِي مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ أَ كُلُّ مَنْ مَاتَ أَوْ هُوَ مَيِّتٌ فِيمَا بَعْدُ أَنْتَ تَقْبِضُ رُوحَهُ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَ تَحْضُرُهُمْ بِنَفْسِكَ قَالَ نَعَمْ وَ مَا الدُّنْيَا كُلُّهَا عِنْدِي فِيمَا سَخَّرَهَا اللَّهُ لِي وَ مَكَّنَنِي مِنْهَا إِلاَّ كَالدِّرْهَمِ فِي كَفِّ الرَّجُلِ يُقَلِّبُهُ كَيْفَ يَشَاءُ وَ مَا مِنْ دَارٍ فِي الدُّنْيَا إِلاَّ وَ أَدْخُلُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ وَ أَقُولُ إِذَا بَكَى أَهْلُ الْبَيْتِ عَلَى مَيِّتِهِمْ لاَ تَبْكُوا عَلَيْهِ فَإِنَّ لِي إِلَيْكُمْ عَوْدَةً وَ عَوْدَةً حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْكُمْ أَحَدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَفَى بِالْمَوْتِ طَامَّةً يَا جَبْرَئِيلُ ! فَقَالَ جَبْرَئِيلُ إِنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَطَمُّ وَ أَعْظَمُ مِنَ الْمَوْتِ .

و قوله:«وَ لَوْ شِئْنٰا لَآتَيْنٰا كُلَّ نَفْسٍ هُدٰاهٰا» قال لو شئنا أن نجعلهم كلهم معصومين لقدرنا

و قوله «فَذُوقُوا بِمٰا نَسِيتُمْ لِقٰاءَ يَوْمِكُمْ هٰذٰا إِنّٰا نَسِينٰاكُمْ » أي تركناكم

و قوله «تَتَجٰافىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضٰاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ »

ص: 168

اَلْقُرْآنِ إِلاَّ صَلاَةَ اللَّيْلِ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُبَيِّنْ ثَوَابَهَا لِعِظَمِ خَطَرِهَا عِنْدَهُ فَقَالَ «تَتَجٰافىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضٰاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ »

إِلَى قَوْلِهِ «يَعْمَلُونَ » .

ثُمَّ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ كَرَامَةً فِي عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بَعَثَ اللَّهُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ مَلَكاً مَعَهُ حُلَّتَانِ فَيَنْتَهِي إِلَى بَابِ اَلْجَنَّةِ فَيَقُولُ :

اسْتَأْذِنُوا لِي عَلَى فُلاَنٍ ، فَيُقَالُ لَهُ هَذَا رَسُولُ رَبِّكَ عَلَى الْبَابِ ، فَيَقُولُ لِأَزْوَاجِهِ أَيَّ شَيْ ءٍ تَرَيْنَ عَلَيَّ أَحْسَنَ فَيَقُلْنَ يَا سَيِّدَنَا وَ الَّذِي أَبَاحَكَ اَلْجَنَّةَ مَا رَأَيْنَا عَلَيْكَ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْ هَذَا قَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ رَبُّكَ ، فَيَتَّزِرُ(1) بِوَاحِدَةٍ وَ يَتَعَطَّفُ بِالْأُخْرَى فَلاَ يَمُرُّ بِشَيْ ءٍ إِلاَّ أَضَاءَ لَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْمَوْعِدِ فَإِذَا اجْتَمَعُوا تَجَلَّى لَهُمُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فَإِذَا نَظَرُوا إِلَيْهِ أَيْ إِلَى رَحْمَتِهِ «خَرُّوا سُجَّداً» فَيَقُولُ عِبَادِي ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ لَيْسَ هَذَا يَوْمَ سُجُودٍ وَ لاَ عِبَادَةٍ قَدْ رَفَعْتُ عَنْكُمُ الْمَئُونَةَ فَيَقُولُونَ يَا رَبِّ وَ أَيُّ شَيْ ءٍ أَفْضَلُ مِمَّا أَعْطَيْتَنَا [أَعْطَيْتَنَاهُ ] اَلْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ لَكُمْ مِثْلُ مَا فِي أَيْدِيكُمْ سَبْعِينَ ضِعْفاً، فَيَرَى الْمُؤْمِنُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ سَبْعِينَ ضِعْفاً مِثْلَ مَا فِي يَدِهِ وَ هُوَ قَوْلُهُ «وَ لَدَيْنٰا مَزِيدٌ»

وَ هُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ إِنَّهَا لَيْلَةٌ غَرَّاءُ وَ يَوْمٌ أَزْهَرُ فَأَكْثِرُوا فِيهَا مِنَ التَّسْبِيحِ وَ التَّهْلِيلِ وَ التَّكْبِيرِ وَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَ الصَّلاَةِ عَلَى رَسُولِهِ ، قَالَ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُ فَلاَ يَمُرُّ بِشَيْ ءٍ إِلاَّ أَضَاءَ لَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى أَزْوَاجِهِ فَيَقُلْنَ وَ الَّذِي أَبَاحَنَا اَلْجَنَّةَ يَا سَيِّدَنَا مَا رَأَيْنَاكَ أَحْسَنَ مِنْكَ السَّاعَةَ فَيَقُولُ إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ إِلَى نُورِ رَبِّي، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ أَزْوَاجَهُ لاَ يَغِرْنَ وَ لاَ يَحِضْنَ وَ لاَ يَصْلَفْنَ (2) قَالَ الرَّاوِي قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ

ص: 169


1- أَزَرَ النَّبَاتُ : الْتَفَّ .
2- صَلِفَتِ الْمَرْأَةُ عِنْدَ زَوْجِهَا: لَمْ تَحْظَ عِنْدَهُ وَ مِنْهُ الْمَثَلُ «مَنْ يَبْغِ فِي الدِّينِ يَصْلَفْ » يَعْنِي مَنْ يَطْغَى فِي الدِّينِ يَسْقُطُ عَنْ أَعْيَنِ النَّاسِ . ج. ز.

أَسْأَلَكَ عَنْ شَيْ ءٍ أَسْتَحِي مِنْهُ قَالَ سَلْ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ هَلْ فِي اَلْجَنَّةِ غِنَاءٌ قَالَ إِنَّ فِي اَلْجَنَّةِ شَجَرَةً يَأْمُرُ اللَّهُ رِيَاحَهَا فَتَهَبُّ فَتَضْرِبُ تِلْكَ الشَّجَرَةُ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَسْمَعِ الْخَلاَئِقُ مِثْلَهَا حُسْناً ثُمَّ قَالَ : هَذَا عِوَضٌ لِمَنْ تَرَكَ السَّمَاعَ لِلْغِنَاءِ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ قَالَ قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ اَلْجَنَّةَ بِيَدِهِ وَ لَمْ تَرَهَا عَيْنٌ وَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا مَخْلُوقٌ يَفْتَحُهَا الرَّبُّ كُلَّ صَبَاحٍ فَيَقُولُ ازْدَادِي رِيحاً ازْدَادِي طِيباً وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى «فَلاٰ تَعْلَمُ نَفْسٌ مٰا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزٰاءً بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ » .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لاٰ يَسْتَوُونَ » قَالَ فَذَلِكَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ اَلْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ تَشَاجَرَا فَقَالَ الْفَاسِقُ اَلْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ : أَنَا وَ اللَّهِ أَبْسَطُ مِنْكَ لِسَاناً وَ أَحَدُّ مِنْكُمْ سِنَاناً وَ أَمْثَلُ مِنْكَ جُثُوّاً فِي الْكَتِيبَةِ ، قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : اسْكُتْ فَإِنَّمَا أَنْتَ فَاسِقٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لاٰ يَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ فَلَهُمْ جَنّٰاتُ الْمَأْوىٰ نُزُلاً بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ » فَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ أَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوٰاهُمُ اَلنّٰارُ كُلَّمٰا أَرٰادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهٰا أُعِيدُوا فِيهٰا» إلى قوله «بِهِ تُكَذِّبُونَ » قال: إن جهنم

إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاما فإذا بلغوا أسفلها زفرت بهم جهنم فإذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد فهذه حالهم.

و أما قوله:«وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذٰابِ الْأَدْنىٰ دُونَ الْعَذٰابِ الْأَكْبَرِ» الآية قال: العذاب الأدنى عذاب الرجعة بالسيف و معنى قوله:«لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ »

يعني فإنهم يرجعون في الرجعة حتى يعذبوا

و قوله:«وَ جَعَلْنٰا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنٰا لَمّٰا صَبَرُوا» قال: كان في علم الله أنهم يصبرون على ما يصيبهم فجعلهم أئمة،

ص: 170

بْنِ زَيْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : الْأَئِمَّةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِمَامَانِ إِمَامٌ عَدْلٌ وَ إِمَامٌ جَوْرٌ قَالَ اللَّهُ «وَ جَعَلْنٰا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنٰا» لاَ بِأَمْرِ النَّاسِ يُقَدِّمُونَ أَمْرَ اللَّهِ قَبْلَ أَمْرِهِمْ وَ حُكْمَ اللَّهِ قَبْلَ حُكْمِهِمْ قَالَ «وَ جَعَلْنٰاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى اَلنّٰارِ» يُقَدِّمُونَ أَمْرَهُمْ قَبْلَ أَمْرِ اللَّهِ وَ حُكْمَهُمْ قَبْلَ حُكْمِ اللَّهِ وَ يَأْخُذُونَ بِأَهْوَائِهِمْ خِلاَفاً لِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ .،

و قال علي بن إبراهيم في قوله «أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّٰا نَسُوقُ الْمٰاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ» قال الأرض الخراب و هو مثل ضربه الله في الرجعة و القائم عليه السلام

فلما أخبرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخبر الرجعة قالوا «مَتىٰ هٰذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ »

و هذه معطوفة على قوله «وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذٰابِ الْأَدْنىٰ دُونَ الْعَذٰابِ الْأَكْبَرِ»

فقالوا «مَتىٰ هٰذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ » فقال الله «قُلْ » لهم «يَوْمَ الْفَتْحِ لاٰ يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمٰانُهُمْ وَ لاٰ هُمْ يُنْظَرُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ » يا محمد «وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ »

33- سورة الأحزاب مدنية ثلاث و سبعون آية 73

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللّٰهَ وَ لاٰ تُطِعِ اَلْكٰافِرِينَ وَ الْمُنٰافِقِينَ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً حَكِيماً» و هذا هو الذي

قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ نَبِيَّهُ بِإِيَّاكِ أَعْنِي وَ اسْمَعِي يَا جَارَةُ . فالمخاطبة للنبي صلّى اللّه عليه و آله و المعنى للناس

و قوله «مٰا جَعَلَ اللّٰهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَ مٰا جَعَلَ أَزْوٰاجَكُمُ اللاّٰئِي تُظٰاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهٰاتِكُمْ » و هو مع قوله في المجادلة «اَلَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسٰائِهِمْ » إلى قوله «وَلَدْنَهُمْ » .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«مٰا جَعَلَ اللّٰهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ » قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لاَ يَجْتَمِعُ حُبُّنَا وَ حُبُّ عَدُوِّنَا فِي جَوْفِ إِنْسَانٍ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ فَيُحِبُّ هَذَا وَ يُبْغِضُ هَذَا فَأَمَّا مُحِبُّنَا فَيُخْلِصُ الْحُبَّ لَنَا كَمَا يُخْلَصُ الذَّهَبُ بِالنَّارِ لاَ كَدَرَ فِيهِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ

ص: 171

حُبَّنَا فَلْيَمْتَحِنْ قَلْبَهُ فَإِنْ شَارَكَهُ فِي حُبِّنَا حُبُّ عَدُوِّنَا فَلَيْسَ مِنَّا وَ لَسْنَا مِنْهُ وَ اللَّهُ عَدُوُّهُمْ وَ جَبْرَئِيلُ وَ مِيكَائِيلُ وَ اللَّهُ «عَدُوٌّ لِلْكٰافِرِينَ » .

و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ مٰا جَعَلَ أَدْعِيٰاءَكُمْ أَبْنٰاءَكُمْ »

قَالَ : فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : كَانَ سَبَبُ نُزُولِ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمَّا تَزَوَّجَ بِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ خَرَجَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ

فِي تِجَارَةٍ لَهَا وَ رَأَى زَيْداً يُبَاعُ وَ رَآهُ غُلاَماً كَيِّساً حَصِيفاً(1) فَاشْتَرَاهُ فَلَمَّا نبأ [نُبِّئَ ]

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ دَعَاهُ إِلَى اَلْإِسْلاَمِ فَأَسْلَمَ وَ كَانَ يُدْعَى زَيْدٌ مَوْلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

فَلَمَّا بَلَغَ حَارِثَةَ بْنَ شَرَاحَبِيلَ الْكَلْبِيَّ خَبَرُ وَلَدِهِ زَيْدٍ قَدِمَ مَكَّةَ وَ كَانَ رَجُلاً جَلِيلاً، فَأَتَى أَبَا طَالِبٍ فَقَالَ يَا أَبَا طَالِبٍ إِنَّ ابْنِي وَقَعَ عَلَيْهِ السَّبْيُ وَ بَلَغَنِي أَنَّهُ صَارَ إِلَى ابْنِ أَخِيكَ فَسَلْهُ إِمَّا أَنْ يَبِيعَهُ وَ إِمَّا أَنْ يُفَادِيَهُ وَ إِمَّا أَنْ يُعْتِقَهُ ، فَكَلَّمَ أَبُو طَالِبٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ هُوَ حُرٌّ فَلْيَذْهَبْ كَيْفَ يَشَاءُ، فَقَامَ حَارِثَةُ فَأَخَذَ بِيَدِ زَيْدٍ فَقَالَ لَهُ يَا بُنَيَّ الْحَقْ بِشَرَفِكَ وَ حَسَبِكَ ، فَقَالَ زَيْدٌ لَسْتُ أُفَارِقُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

أَبَداً، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ فَتَدَعُ حَسَبَكَ وَ نَسَبَكَ وَ تَكُونُ عَبْداً لِقُرَيْشٍ فَقَالَ زَيْدٌ لَسْتُ أُفَارِقُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَا دُمْتُ حَيّاً، فَغَضِبَ أَبُوهُ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ بَرِئْتُ مِنْهُ وَ لَيْسَ هُوَ ابْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اشْهَدُوا أَنَّ زَيْداً ابْنِي أَرِثُهُ وَ يَرِثُنِي، فَكَانَ يُدْعَى زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

يُحِبُّهُ وَ سَمَّاهُ زَيْدَ الْحُبِّ .

فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى اَلْمَدِينَةِ زَوَّجَهُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ وَ أَبْطَأَ عَنْهُ يَوْماً فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَنْزِلَهُ يَسْأَلُ عَنْهُ فَإِذَا زَيْنَبُ جَالِسَةٌ وَسْطَ حُجْرَتِهَا تَسْحَقُ طِيباً بِفِهْرٍ(2) فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَ كَانَتْ جَمِيلَةً حَسَنَةً فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ خَالِقِ النُّورِ

ص: 172


1- أَيْ جَيِّدَ الرَّأْيِ مُحْكَمَ الْعَقْلِ .
2- حَجَرٌ تُسْحَقُ بِهِ الْأَدْوِيَةُ ج. ز.

وَ تَبَارَكَ «اَللّٰهُ أَحْسَنُ الْخٰالِقِينَ » (1) ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ وَ وَقَعَتْ زَيْنَبُ

فِي قَلْبِهِ مَوْقِعاً عَجِيباً، وَ جَاءَ زَيْدٌ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَخْبَرَتْهُ زَيْنَبُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

فَقَالَ لَهَا زَيْدٌ: هَلْ لَكِ أَنْ أُطَلِّقَكِ حَتَّى يَتَزَوَّجَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَلَعَلَّكِ قَدْ وَقَعْتِ فِي قَلْبِهِ فَقَالَتْ : أَخْشَى أَنْ تُطَلِّقَنِي وَ لاَ يَتَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَجَاءَ زَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبَرَتْنِي زَيْنَبُ

بِكَذَا وَ كَذَا فَهَلْ لَكَ أَنْ أُطَلِّقَهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لاَ، اذْهَبْ فَاتَّقِ اللَّهَ وَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ، ثُمَّ حَكَى اللَّهُ فَقَالَ :«أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللّٰهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّٰهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النّٰاسَ وَ اللّٰهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشٰاهُ فَلَمّٰا قَضىٰ زَيْدٌ

مِنْهٰا وَطَراً زَوَّجْنٰاكَهٰا» إِلَى قَوْلِهِ «وَ كٰانَ أَمْرُ اللّٰهِ مَفْعُولاً» فَزَوَّجَهُ اللَّهُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ (2).

ص: 173


1- وَ فِي تَفْسِيرِ الْكَشَّافِ وَ الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّهُ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ حِينَ رَآهَا فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُحْمَلُ عَلَى التَّقِيَّةِ لِوُرُودِهَا مُوَافِقَةً لِلْعَامَّةِ ، وَ الصَّحِيحُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمْ يَقُلْ مِثْلَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَ لَمْ يَجِئْ إِلَى دَارِهَا كَمَا سَيَجِيءُ فِي هَذَا الْكِتَابِ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى:«مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لاٰ مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى اللّٰهُ » أَمْراً ... إلخ الْآيَةَ ».
2- وَ يُمْكِنُ الْإِيرَادُ عَلَيْهِ أَوَّلاً أَنَّهُ كَيْفَ يَسُوغُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى زَوْجَةِ الْغَيْرِ، وَ ثَانِياً أَنَّهُ لاَ يُنَاسِبُهُ أَنْ يَمِيلَ إِلَيْهَا، وَ ثَالِثاً أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِمَقَامِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ زَيْنَبَ بَعْدَ مَا أَنْكَحَهَا مِنْ زَيْدٍ، لِأَنَّهُ وَ إِنْ كَانَ جَائِزاً إِلاَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ وَ هَذَا لاَ يَفْعَلُهُ عَامِّيٌّ فَكَيْفَ النَّبِيُّ الْأَعْظَمُ الَّذِي أُسْوَتُهُ تُتَّبَعُ . وَ جَوَابُ الْأَوَّلِ (أَ) لَعَلَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْحِجَابِ وَ النَّهْيِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ (ب) وَ عَلَى فَرْضِ كَوْنِهَا بَعْدَهُ إِنَّهُ إِشْكَالٌ فِي جَوَازِ النَّظْرَةِ الْأُولَى اتِّفَاقاً (ج) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَرْتَبَتُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أُمَّتِهِ أَعْظَمُ وَ أَوْلَى مِنْ أَنْفُسِهِمْ بِدَلاَلَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى:«اَلنَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ » خَرَجَ مِنْهُ مَا خَرَجَ كَحُرْمَةِ تَزْوِيجِ ذَاتِ الْبَعْلِ وَ بَقِيَ غَيْرُهُ فِي الْعُمُومِ فَيَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ وَ لَوْ عَمْداً إِلَى سَائِرِ نِسَاءِ أُمَّتِهِ . الْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي: أَنَّ مَيْلَ النَّفْسِ إِلَى كُلِّ شَيْ ءٍ حَسَنٍ وَ إِعْجَابَهَا بِهِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْفِطْرَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَ لَوْلاَهُ لَمَا اسْتُحْسِنَ الاِنْتِهَاءُ عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ بَلْ عَدَمُ الْمَيْلِ دَلِيلُ فُتُورٍ فِي الْفِطْرَةِ الْأَوَّلِيَّةِ ، وَ النَّبِيُّ حَيْثُ إِنَّهُ بَشَرٌ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ كَمَالِ سَائِرِ الْمُقْتَضَيَاتِ الْبَشَرِيَّةِ ، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ أَنَّ مُيُولَنَا النَّفْسَانِيَّةَ رُبَّمَا تَذْهَبُ بِنَا إِلَى مَهَاوِي الملكات وَ النَّبِيُّ لاَ يقتحمها أَبَداً لِمَكَانِ الْعِصْمَةِ . الْجَوَابُ عَنِ الثَّالِثِ : أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا إِلاَّ بَعْدَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى حُكْمٍ ، مِنْهَا مَا بَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ :«لِكَيْ لاٰ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوٰاجِ أَدْعِيٰائِهِمْ إِذٰا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً»، وَ مِنْهَا مَا لَمْ يُبَيِّنِ اللَّهُ وَ هِيَ أَنَّ زَيْداً لَمَّا اشْتَهَرَ بَيْنَ النَّاسِ بِابْنِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَأَمْكَنَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ السَّذِجِ لاَ سِيَّمَا مِنَ الَّذِينَ كَانَ كَمَالُ مَجْهُودِهِمْ حَطَّ مَقَامِ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ أَنْ يُعْطُوا زَيْداً مَقَامَ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ بَلْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُسْتَبْعَدِ أَنْ يَجْعَلُوهُ خَلِيفَةً لَهُ بِدَلِيلِ كَوْنِهِ ابْناً لَهُ ، فَكَانَ اللاَّزِمُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسُدَّ هَذَا الْمَجَالِ فَبَيْنَ الْفِرَقِ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْوَلَدِ النَّسَبِيِّ بِجَوَازِ التَّزْوِيجِ مِنْ مَدْخُولَةِ الاِبْنِ الدَّعِيِّ دُونَ مدخولة الاِبْنِ النَّسَبِيِّ وَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ النَّبِيُّ مِنْ زَوْجَةِ زَيْدٍ حَتَّى يَنْحَسِمَ احْتِمَالُ كَوْنِهِ ابْناً لَهُ فأوجد دَوَاعِي هَذَا الزِوَاجِ مِنْ نَظَرِهِ إِلَيْهَا وَ إِلْقَاءِ محبتها فِي قَلْبِهِ وَ لَمَّا رَأَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لاَ يُقْدِمُ عَلَيْهِ لمقام حَيَائِهِ وَ عِفَّتِهِ قَالَ :«تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّٰهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النّٰاسَ وَ اللّٰهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشٰاهُ » الْآيَةَ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الزِوَاجِ مِثْلُ هَذِهِ الْحِكْمَةِ لَمَا كَانَ جَائِزاً لِلنَّبِيِّ لِأَنَّ النَّبِيَّ لاَ يَفْعَلُ فِعْلاً عَبَثاً فَكَيْفَ مَا كَانَ مَذْمُوماً وَ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ مَنَعَ عَنْ مِثْلِ هَذَا الزِوَاجِ فِيمَا بَعْدُ لِكَوْنِهِ عادما للحكمة الْمَذْكُورَةِ لِقَوْلِهِ : «لاٰ يَحِلُّ لَكَ النِّسٰاءُ مِنْ بَعْدُ وَ لاٰ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوٰاجٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ». وَ سَيَجِيءُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى:«مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لاٰ مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ » أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى بَيْتِ زَيْدٍ وَ أَنَّهُمَا (أَيْ زَيْداً وَ زَيْنَبَ ) جَاءَا إِلَى النَّبِيِّ لِرَفْعِ التَّخَاصُمِ بَيْنَهُمَا وَ هَذَا هُوَ الأوفق لاعتضاده بِغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَاتِ الْإِمَامِيَّةِ ، وَ الْأَوَّلُ عَلَى مذاق الْعَامَّةِ فَيُتْرَكُ ج. ز.

فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : يُحَرِّمُ عَلَيْنَا نِسَاءَ أَبْنَائِنَا وَ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةَ ابْنِهِ زَيْدٍ فَأَنْزَلَ

ص: 174

اللَّهُ فِي هَذَا «وَ مٰا جَعَلَ أَدْعِيٰاءَكُمْ أَبْنٰاءَكُمْ » إِلَى قَوْلِهِ «يَهْدِي السَّبِيلَ » . ثم قال:

«اُدْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ » إلى قوله «وَ مَوٰالِيكُمْ » فأعلم الله أن زيدا

ليس هو ابن محمد و إنما ادعاه للسبب الذي ذكرناه، و في هذا أيضا ما نكتبه في غير هذا الموضع في قوله:«مٰا كٰانَ مُحَمَّدٌ أَبٰا أَحَدٍ مِنْ رِجٰالِكُمْ وَ لٰكِنْ رَسُولَ اللّٰهِ وَ خٰاتَمَ النَّبِيِّينَ وَ كٰانَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيماً» ثم نزل «لاٰ يَحِلُّ لَكَ النِّسٰاءُ مِنْ بَعْدُ»

ما حلل عليه في سورة النساء و قوله:«وَ لاٰ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوٰاجٍ » معطوف على قصة امرأة زيد «وَ لَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ » أي لا يحل لك امرأة رجل أن تتعرض لها حتى يطلقها زوجها و تتزوجها أنت فلا تفعل هذا الفعل بعد هذا.

و قوله:« النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْوٰاجُهُ أُمَّهٰاتُهُمْ » قال: نزلت و هو أب لهم و أزواجه أمهاتهم، فجعل الله المؤمنين أولاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و جعل رسول الله

أباهم لمن لم يقدر أن يصون نفسه و لم يكن له مال و ليس له على نفسه ولاية فجعل الله تبارك و تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه و آله الولاية على المؤمنين من أنفسهم

ص: 175

بِغَدِيرِ خُمٍّ : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَ لَسْتُ أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ » قَالُوا: بَلَى ثُمَّ أَوْجَبَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا أَوْجَبَهُ لِنَفْسِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْوَلاَيَةِ فَقَالَ : «أَ لاَ مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ » فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ النَّبِيَّ أَباً لِلْمُؤْمِنِينَ أَلْزَمَهُ مَئُونَتَهُمْ وَ تَرْبِيَةَ أَيْتَامِهِمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلْمِنْبَرَ فَقَالَ مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ وَ مَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً فَعَلَيَّ وَ إِلَيَّ .، فألزم الله نبيه للمؤمنين ما يلزمه الوالد و ألزم المؤمنين من الطاعة له ما يلزم الولد للوالد فكذلك ألزم أمير المؤمنين عليه السّلام ما ألزم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

من بعد ذلك و بعده الأئمة عليهم السّلام واحدا واحدا و الدليل على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام هما الوالدان قوله:«وَ اعْبُدُوا اللّٰهَ وَ لاٰ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً» فالوالدان رسول الله و أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهما

وَ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : وَ كَانَ إِسْلاَمُ عَامَّةِ اَلْيَهُودِ بِهَذَا السَّبَبِ لِأَنَّهُمْ أَمِنُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَ عِيَالاَتِهِمْ . و قوله:«وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ » قال نزلت في الإمامة

و قوله:«وَ إِذْ أَخَذْنٰا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثٰاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْرٰاهِيمَ

وَ مُوسىٰ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ » قال: هذه الواو زيادة في قوله و منك و إنما هو منك و من نوح فأخذ الله الميثاق لنفسه على الأنبياء ثم أخذ لنبيه صلّى اللّه عليه و آله على الأنبياء و الأئمة ثم أخذ للأنبياء على رسوله صلّى اللّه عليه و آله.

و قوله:«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جٰاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنٰا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهٰا وَ كٰانَ اللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جٰاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ » الآية فإنها نزلت في قصة الأحزاب من قريش و العرب

الذين تحزبوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

ص: 176

وَ هُمْ يَهُودُ مِنْ بَنِي هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَمَّا أَجْلاَهُمْ مِنَ اَلْمَدِينَةِ صَارُوا إِلَى خَيْبَرَ وَ خَرَجَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَ هَمَّ إِلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ وَ قَالَ لَهُمْ إِنَّ مُحَمَّداً قَدْ وَتَرَكُمْ وَ وَتَرَنَا وَ أَجْلاَنَا مِنَ اَلْمَدِينَةِ مِنْ دِيَارِنَا وَ أَمْوَالِنَا وَ أَجْلَى بَنِي عَمِّنَا بَنِي قَيْنُقَاعَ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ وَ اجْمَعُوا حُلَفَاءَكُمْ وَ غَيْرَهُمْ حَتَّى نَسِيرَ إِلَيْهِمْ فَإِنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ قَوْمِي بِيَثْرِبَ سَبْعُمِائَةِ مُقَاتِلٍ وَ هُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ وَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ عَهْدٌ وَ مِيثَاقٌ وَ أَنَا أَحْمِلُهُمْ عَلَى نَقْضِ الْعَهْدِ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ يَكُونُونَ مَعَنَا عَلَيْهِمْ فَتَأْتُونَهُ أَنْتُمْ مِنْ فَوْقُ وَ هُمْ مِنْ أَسْفَلُ .

وَ كَانَ مَوْضِعُ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنَ اَلْمَدِينَةِ عَلَى قَدْرِ مِيلَيْنِ وَ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُسَمَّى بِئْرَ الْمُطَّلِبِ ، فَلَمْ يَزَلْ يَسِيرُ مَعَهُمْ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ فِي قَبَائِلِ اَلْعَرَبِ حَتَّى اجْتَمَعُوا قَدْرَ عَشَرَةِ آلاَفٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَ كِنَانَةَ وَ اَلْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ فِي قَوْمِهِ وَ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ فِي بَنِي سُلَيْمٍ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ وَ كَانُوا سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ ، فَقَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْقَلِيلَ لاَ يُقَاوِمُ الْكَثِيرَ فِي الْمُطَاوَلَةِ (1) قَالَ : فَمَا نَصْنَعُ قَالَ : نَحْفِرُ خَنْدَقاً يَكُونُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ حِجَاباً فَيُمْكِنُكَ مَنْعُهُمْ فِي الْمُطَاوَلَةِ ، وَ لاَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَأْتُونَّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّا كُنَّا مَعَاشِرَ اَلْعَجَمِ فِي بِلاَدِ فَارِسَ إِذَا دَهَمَنَا دَهْمٌ مِنْ عَدُوِّنَا نَحْفِرُ الْخَنَادِقَ فَيَكُونُ الْحَرْبُ مِنْ مَوَاضِعَ مَعْرُوفَةٍ ، فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ : أَشَارَ سَلْمَانُ

ص: 177


1- كَالْمُقَاتَلَةِ وَزْناً وَ مَعْنًى. ج. ز.

إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَحْفِرُ اجْتَهَدُوا فِي الْحَفْرِ وَ نَقَلُوا التُّرَابَ فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بَكَّرُوا إِلَى الْحَفْرِ وَ قَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي مَسْجِدِ الْفَتْحِ فَبَيْنَا اَلْمُهَاجِرُونَ

وَ اَلْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ إِذْ عَرَضَ لَهُمْ جَبَلٌ لَمْ تَعْمَلِ الْمَعَاوِلُ فِيهِ ، فَبَعَثُوا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ ، قَالَ جَابِرٌ: فَجِئْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَ رَسُولُ اللَّهِ مُسْتَلْقٍ عَلَى قَفَاهُ وَ رِدَاؤُهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَ قَدْ شَدَّ عَلَى بَطْنِهِ حَجَراً، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ عَرَضَ لَنَا جَبَلٌ لَمْ تَعْمَلِ الْمَعَاوِلُ فِيهِ فَقَامَ مُسْرِعاً حَتَّى جَاءَهُ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَ ذِرَاعَيْهِ وَ مَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ وَ مَجَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فِي فِيهِ ثُمَّ صَبَّهُ عَلَى الْحَجَرِ ثُمَّ أَخَذَ مِعْوَلاً فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ فَنَظَرْنَا فِيهَا إِلَى قُصُورِ اَلشَّامِ ، ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ نَظَرْنَا فِيهَا إِلَى قُصُورِ اَلْمَدَائِنِ ، ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ أُخْرَى نَظَرْنَا فِيهَا إِلَى قُصُورِ اَلْيَمَنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَمَا إِنَّهُ سَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ الَّتِي بَرَقَتْ فِيهَا الْبَرْقُ .

ثُمَّ انْهَالَ عَلَيْنَا الْجَبَلُ كَمَا يَنْهَالُ الرَّمْلُ ، فَقَالَ جَابِرٌ: فَعَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

مقوي [مُقْوٍ] أَيْ جَائِعٌ لَمَّا رَأَيْتُ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي الْغِذَاءِ قَالَ : مَا عِنْدَكَ يَا جَابِرُ فَقُلْتُ : عَنَاقٌ (1) وَ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ فَقَالَ : تَقَدَّمْ وَ أَصْلِحْ مَا عِنْدَكَ ، قَالَ : فَجِئْتُ إِلَى أَهْلِي فَأَمَرْتُهَا فَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ وَ ذَبَحْتُ الْعَنْزَ وَ سَلَخْتُهَا وَ أَمَرْتُهَا أَنْ تَخْبِزَ وَ تَطْبُخَ وَ تَشْوِيَ ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ ذَلِكَ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

فَقُلْتُ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ فَرَغْنَا فَاحْضُرْ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ، فَقَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى شَفِيرِ الْخَنْدَقِ ثُمَّ قَالَ : مَعَاشِرَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ أَجِيبُوا جَابِراً

قَالَ جَابِرٌ: وَ كَانَ فِي الْخَنْدَقِ سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ فَخَرَجُوا كُلُّهُمْ ثُمَّ لَمْ يَمُرَّ بِأَحَدٍ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ إِلاَّ قَالَ أَجِيبُوا جَابِراً، قَالَ جَابِرٌ: فَتَقَدَّمْتُ وَ قُلْتُ لِأَهْلِي:

وَ اللَّهِ قَدْ أَتَاكِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِمَا لاَ قِبَلَ لَكِ بِهِ ، فَقَالَتْ : أَعْلَمْتَهُ أَنْتَ بِمَا عِنْدَنَا قَالَ : نَعَمْ قَالَتْ : هُوَ أَعْلَمُ بِمَا أَتَى، قَالَ جَابِرٌ: فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 178


1- بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْأُنْثَى مِنْ وُلْدِ الْمَعْزِ قَبْلَ اسْتِكْمَالِهَا الْحَوْلَ . ج. ز.

فَنَظَرَ فِي الْقِدْرِ ثُمَّ قَالَ : اغْرِفِي وَ أَبْقِي ثُمَّ نَظَرَ فِي التَّنُّورِ ثُمَّ قَالَ : أَخْرِجِي وَ أَبْقِي ثُمَّ دَعَا بِصَحْفَةٍ فَثَرَدَ فِيهَا وَ غَرَفَ ، فَقَالَ : يَا جَابِرُ أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً فَأَدْخَلْتُ عَشَرَةً فَأَكَلُوا حَتَّى نَهِلُوا(1) وَ مَا يُرَى فِي الْقَصْعَةِ إِلاَّ آثَارُ أَصَابِعِهِمْ ثُمَّ قَالَ : يَا جَابِرُ عَلَيَّ بِالذِّرَاعِ فَأَتَيْتُهُ بِالذِّرَاعِ فَأَكَلُوهُ ثُمَّ قَالَ : أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حَتَّى نَهِلُوا وَ مَا يُرَى فِي الْقَصْعَةِ إِلاَّ آثَارُ أَصَابِعِهِمْ ، ثُمَّ قَالَ : عَلَيَّ بِالذِّرَاعِ فَأَكَلُوا وَ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ : أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً فَأَدْخَلْتُهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى نَهِلُوا وَ لَمْ يُرَ فِي الْقَصْعَةِ إِلاَّ آثَارُ أَصَابِعِهِمْ ثُمَّ قَالَ : يَا جَابِرُ عَلَيَّ بِالذِّرَاعِ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ لِلشَّاةِ مِنْ ذِرَاعٍ قَالَ : ذِرَاعَانِ ، فَقُلْتُ : وَ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيّاً لَقَدْ أَتَيْتُكَ بِثَلاَثَةٍ ، فَقَالَ : أَمَا لَوْ سَكَتَّ يَا جَابِرُ لَأَكَلُوا النَّاسُ كُلُّهُمْ مِنَ الذِّرَاعِ ، قَالَ جَابِرُ: فَأَقْبَلْتُ أُدْخِلُ عَشَرَةً عَشَرَةً فَدَخَلُوا فَيَأْكُلُونَ حَتَّى أَكَلُوا كُلُّهُمْ وَ بَقِيَ وَ اللَّهِ لَنَا مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ مَا عِشْنَا بِهِ أَيَّاماً .

قَالَ : وَ حَفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الْخَنْدَقَ وَ جَعَلَ لَهُ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ وَ جَعَلَ عَلَى كُلِّ بَابٍ رَجُلاً مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ

وَ رَجُلاً مِنَ اَلْأَنْصَارِ مَعَ جَمَاعَةٍ يَحْفَظُونَهُ وَ قَدِمَتْ قُرَيْشٌ وَ كِنَانَةُ وَ سُلَيْمٌ وَ هِلاَلٌ

فَنَزَلُوا الرَّغَابَةَ (2) .

فَفَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ حَفْرِ الْخَنْدَقِ قَبْلَ قُدُومِ قُرَيْشٍ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ، فَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ وَ مَعَهُمْ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ فَلَمَّا نَزَلُوا اَلْعَقِيقَ جَاءَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ

إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَ كَانُوا فِي حِصْنِهِمْ قَدْ تَمَسَّكُوا بِعَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

، فَدَقَّ بَابَ الْحِصْنِ فَسَمِعَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ قَرْعَ الْبَابِ فَقَالَ لِأَهْلِهِ : هَذَا أَخُوكِ قَدْ شَأَمَ قَوْمَهُ وَ جَاءَ الْآنَ يَشْأَمُنَا وَ يُهْلِكُنَا وَ يَأْمُرُنَا بِنَقْضِ الْعَهْدِ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَ قَدْ وَفَى لَنَا مُحَمَّدٌ وَ أَحْسَنَ جِوَارَنَا فَنَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ غُرْفَتِهِ فَقَالَ لَهُ : مَنْ أَنْتَ قَالَ : حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ قَدْ جِئْتُكَ بِعِزِّ الدَّهْرِ، فَقَالَ كَعْبٌ : بَلْ جِئْتَنِي بِذُلِّ الدَّهْرِ،

ص: 179


1- نَهِلُوا أَيْ عَطِشُوا.
2- الزُّغَابَةَ ط . ج - ز.

فَقَالَ : يَا كَعْبُ هَذِهِ قُرَيْشٌ فِي قَادَتِهَا وَ سَادَتِهَا قَدْ نَزَلَتْ بِالْعَقِيقِ مَعَ حُلَفَائِهِمْ مِنْ كِنَانَةَ وَ هَذِهِ فَزَارَةُ مَعَ قَادَتِهَا وَ سَادَتِهَا قَدْ نَزَلَتِ الرغابة [اَلزُّغَابَةَ ] وَ هَذِهِ سُلَيْمٌ وَ غَيْرُهُمْ قَدْ نَزَلُوا حِصْنَ بَنِي ذُبْيَانَ وَ لاَ يُفْلِتُ مُحَمَّدٌ وَ أَصْحَابُهُ مِنْ هَذَا الْجَمْعِ أَبَداً فَافْتَحِ الْبَابَ وَ انْقُضِ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ كَعْبٌ : لَسْتُ بِفَاتِحٍ لَكَ الْبَابَ ارْجِعْ مِنْ حَيْثُ جِئْتَ فَقَالَ حُيَيٌّ : مَا يَمْنَعُكَ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ إِلاَّ حَشِيشَتُكَ [خَسِيسَتُكَ ] الَّتِي فِي التَّنُّورِ تَخَافُ أَنْ أَشْرَكَكَ فِيهَا فَافْتَحْ فَإِنَّكَ آمِنٌ مِنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ : لَعَنَكَ اللَّهُ قَدْ دَخَلْتَ عَلَيَّ مِنْ بَابٍ دَقِيقٍ (1) ثُمَّ قَالَ : افْتَحُوا لَهُ الْبَابَ ، فَفَتَحُوا لَهُ الْبَابَ ، فَقَالَ :

ص: 180


1- أَيْ ضَيَّقْتَ عَلَيَّ فِي الْجَوَابِ . ج. ز.

عَلَى النَّاسِ جَمِيعاً وَ جَعَلَ مِنْهُمُ النُّبُوَّةَ وَ الْمُلْكَ وَ قَدْ عَهِدَ إِلَيْنَا مُوسَى «أَلاّٰ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتّٰى يَأْتِيَنٰا بِقُرْبٰانٍ تَأْكُلُهُ النّٰارُ» وَ لَيْسَ مَعَ مُحَمَّدٍ آيَةٌ وَ إِنَّمَا جَمَعَهُمْ جَمْعاً وَ سَحَرَهُمْ وَ يُرِيدُ أَنْ يَغْلِبَهُمْ بِذَلِكَ ، فَلَمْ يَزَلْ يَقْلِبُهُمْ عَنْ رَأْيِهِمْ حَتَّى أَجَابُوهُ فَقَالَ لَهُمْ أَخْرِجُوا الْكِتَابَ الَّذِي بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ فَأَخْرَجُوهُ فَأَخَذَهُ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَ مَزَّقَهُ وَ قَالَ قَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ فَتَجَهَّزُوا وَ تَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ .

وَ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ذَلِكَ فَغَمَّهُ غَمّاً شَدِيداً وَ فَزِعَ أَصْحَابُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَ أُسَيْدِ بْنِ حُصَيْنٍ وَ كَانَا مِنَ اَلْأَوْسِ وَ كَانَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ حُلَفَاءَ اَلْأَوْسِ فَقَالَ لَهُمَا: ائْتِيَا بَنِي قُرَيْظَةَ فَانْظُرُوا مَا صَنَعُوا فَإِنْ كَانُوا نَقَضُوا الْعَهْدَ فَلاَ تُعْلِمَا أَحَداً إِذَا رَجَعْتُمَا إِلَيَّ وَ قُولاَ عَضَلٌ وَ الفارة [اَلْقَارَةُ ] فَجَاءَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَ أُسَيْدُ بْنُ حُصَيْنٍ إِلَى بَابِ الْحِصْنِ فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمَا كَعْبٌ مِنَ الْحِصْنِ فَشَتَمَ سَعْداً وَ شَتَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: إِنَّمَا أَنْتَ ثَعْلَبٌ فِي جُحْرٍ لَنُوَلِّيَنَّ قُرَيْشاً وَ لَيُحَاصِرَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ لَيُنْزِلَنَّكَ عَلَى الصُّغْرِ وَ القماع [اَلْقَمَاءِ] وَ لَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ ، ثُمَّ رَجَعَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالاَ عَضَلٌ وَ الفارة [اَلْقَارَةُ ] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

لُعَنَاءُ نَحْنُ أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عُيُونٌ لِقُرَيْشٍ يَتَجَسَّسُونَ خَبَرَهُ وَ كَانَتْ عَضَلٌ وَ الفارة [اَلْقَارَةُ ] قبيلتان [قَبِيلَتَيْنِ ] مِنَ اَلْعَرَبِ دَخَلاَ فِي اَلْإِسْلاَمِ

ثُمَّ غَدَرَا فَكَانَ إِذَا غَدَرَ أَحَدٌ ضُرِبَ بِهَذَا الْمَثَلِ فَيُقَالُ عَضَلٌ وَ الفارة [اَلْقَارَةُ ].

وَ رَجَعَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَ قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ بِنَقْضِ بَنِي قُرَيْظَةَ

ص: 181

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اخْذُلْ بَيْنَ اَلْيَهُودِ وَ قُرَيْشٍ فَإِنَّهُ أَوْقَعُ عِنْدِي، قَالَ : فَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَقُولَ فِيكَ مَا أُرِيدُ، قَالَ قُلْ مَا بَدَا لَكَ ، فَجَاءَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ لَهُ : تَعْرِفُ مَوَدَّتِي لَكُمْ وَ نُصْحِي وَ مَحَبَّتِي أَنْ يَنْصُرَكُمُ اللَّهُ عَلَى عَدُوِّكُمْ وَ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ مُحَمَّداً قَدْ وَافَقَ اَلْيَهُودَ

أَنْ يَدْخُلُوا بَيْنَ عَسْكَرِكُمْ وَ يَمِيلُوا عَلَيْكُمْ وَ وَعَدَهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ جَنَاحَهُمُ الَّذِي قَطَعَهُ لِبَنِي النَّضِيرِ وَ قَيْنُقَاعَ فَلاَ أَرَى لَكُمْ أَنْ تَدَعُوهُمْ يَدْخُلُوا فِي عَسْكَرِكُمْ حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْناً تَبْعَثُوا بِهِمْ إِلَى مَكَّةَ فَتَأْمَنُوا مَكْرَهُمْ وَ غَدَرَهُمْ ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ

وَفَّقَكَ اللَّهُ وَ أَحْسَنَ جَزَاكَ مِثْلُكَ أَهْدَى النَّصَائِحِ وَ لَمْ يَعْلَمْ أَبُو سُفْيَانَ بِإِسْلاَمِ نُعَيْمٍ

وَ لاَ أَحَدٌ مِنَ اَلْيَهُودِ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ فَوْرِهِ ذَلِكَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَالَ : يَا كَعْبُ تَعْلَمُ مَوَدَّتِي لَكُمْ وَ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ تَخْرُجُ هَؤُلاَءِ اَلْيَهُودُ فَنَضَعُهُمْ فِي نَحْرِ مُحَمَّدٍ

فَإِنْ ظَفِرُوا كَانَ الذِّكْرُ لَنَا دُونَهُمْ وَ إِنْ كَانَتْ عَلَيْنَا كَانُوا هَؤُلاَءِ مَقَادِيمَ الْحَرْبِ فَلاَ أَرَى لَكُمْ أَنْ تَدَعُوهُمْ يَدْخُلُوا عَسْكَرَكُمْ حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ عَشَرَةً مِنْ أَشْرَافِهِمْ يَكُونُونَ فِي حِصْنِكُمْ إِنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَظْفَرُوا بِمُحَمَّدٍ لَمْ يَبْرَحُوا حَتَّى يَرُدُّوا عَلَيْكُمْ عَهْدَكُمْ وَ عَقْدَكُمْ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَ بَيْنَكُمْ لِأَنَّهُ إِنْ وَلَّتْ قُرَيْشٌ وَ لَمْ يَظْفَرُوا بِمُحَمَّدٍ غَزَاكُمْ مُحَمَّدٌ فَيَقْتُلُكُمْ فَقَالُوا: أَحْسَنْتَ وَ أَبْلَغْتَ فِي النَّصِيحَةِ لاَ نَخْرُجُ مِنْ حِصْنِنَا حَتَّى نَأْخُذَ مِنْهُمْ رَهْناً يَكُونُونَ فِي حِصْنِنَا .

وَ أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى الْخَنْدَقِ قَالُوا: هَذِهِ مَكِيدَةٌ مَا كَانَتِ اَلْعَرَبُ

تَعْرِفُهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُمْ هَذَا مِنْ تَدْبِيرِ الْفَارِسِيِّ الَّذِي مَعَهُ فَوَافَى عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ

وَ هُبَيْرَةُ بْنُ وَهْبٍ وَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى اَلْخَنْدَقِ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَدْ صَفَّ أَصْحَابَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَصَاحُوا بِخَيْلِهِمْ حَتَّى طَفِرُوا الْخَنْدَقَ إِلَى جَانِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

فَصَارُوا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كُلُّهُمْ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَدَّمُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ قَالَ رَجُلٌ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ هُوَ فُلاَنٌ

ص: 182

أَحَدٌ فَهَلُمُّوا نَدْفَعْ إِلَيْهِ مُحَمَّداً لِيَقْتُلَهُ وَ نَلْحَقْ نَحْنُ بِقَوْمِنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَوْلَهُ «قَدْ يَعْلَمُ اللّٰهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَ الْقٰائِلِينَ لِإِخْوٰانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنٰا وَ لاٰ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاّٰ قَلِيلاً أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ » إِلَى قَوْلِهِ «وَ كٰانَ ذٰلِكَ عَلَى اللّٰهِ يَسِيراً» وَ رَكَزَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ رُمْحَهُ فِي الْأَرْضِ وَ أَقْبَلَ يَجُولُ حَوْلَهُ وَ يَرْتَجِزُ وَ يَقُولُ :

وَ لَقَدْ بَحَحْتُ (1) مِنَ النِّدَاءِ بِجَمْعِكُمْ هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ *** وَ وَقَفْتُ إِذْ جَبُنَ الشُّجَاعُ مَوَاقِفَ الْقَرْنِ الْمُنَاجِزِ

إِنِّي كَذَلِكَ لَمْ أَزَلْ مُتَسَرِّعاً نَحْوَ الْهَزَاهِزِ *** إِنَّ الشَّجَاعَةَ فِي الْفَتَى وَ الْجُودَ مِنْ خَيْرِ الْغَرَائِزِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : مَنْ لِهَذَا الْكَلْبِ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَالَ : أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : يَا عَلِيُّ هَذَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ فَارِسُ يَلْيَلَ (2) قَالَ : أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

: ادْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ فَعَمَّمَهُ بِيَدِهِ ، وَ دَفَعَ إِلَيْهِ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ وَ قَاتِلْ بِهَذَا وَ قَالَ : اللَّهُمَّ احْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ وَ مِنْ فَوْقِهِ وَ مِنْ تَحْتِهِ .

فَمَرَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُهَرْوِلُ فِي مَشْيِهِ وَ هُوَ يَقُولُ :

لاَ تَعْجَلَنَّ فَقَدْ أَتَاكَ مُجِيبُ صَوْتِكَ غَيْرَ عَاجِزٍ *** ذُو نِيَّةٍ وَ بَصِيرَةٍ وَ الصِّدْقُ مُنْجِي كُلِّ فَائِزٍ

إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أُقِيمَ عَلَيْكَ نَائِحَةَ الْجَنَائِزِ *** مِنْ ضَرْبَةٍ نَجْلاَءَ يَبْقَى صَوْتُهَا بَعْدَ الْهَزَاهِزِ.

ص: 183


1- بَحَّ أَغْلَظَ بِصَوْتِهِ مَعَ خُشُونَةٍ .
2- اسْمُ مَوْضِعٍ هَجَمَ فِيهِ عَمْرٌو عَلَى عِيرٍ وَ هَزَمَ أَلْفَ خِيَالٍ مِنْهُمْ . ج. ز.

فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو مَنْ أَنْتَ قَالَ : أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

وَ خَتَنُهُ فَقَالَ : وَ اللَّهِ إِنَّ أَبَاكَ كَانَ لِي صَدِيقاً قَدِيماً وَ إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَقْتُلَكَ مَا آمَنَ ابْنُ عَمِّكَ حِينَ بَعَثَكَ إِلَيَّ أَنْ أَخْتَطِفَكَ بِرُمْحِي هَذَا فَأَتْرُكَكَ شَائِلاً بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ لاَ حَيٌّ وَ لاَ مَيِّتٌ ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : قَدْ عَلِمَ ابْنُ عَمِّي أَنَّكَ إِنْ قَتَلْتَنِي دَخَلْتُ اَلْجَنَّةَ وَ أَنْتَ فِي اَلنَّارِ وَ إِنْ قَتَلْتُكَ فَأَنْتَ فِي اَلنَّارِ

وَ أَنَا فِي اَلْجَنَّةِ ، فَقَالَ عَمْرٌو وَ كِلْتَاهُمَا لَكَ يَا عَلِيُّ «تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزىٰ » ، قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

دَعْ هَذَا يَا عَمْرُو إِنِّي سَمِعْتُ مِنْكَ وَ أَنْتَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ اَلْكَعْبَةِ تَقُولُ لاَ يَعْرِضَنَّ عَلَيَّ أَحَدٌ فِي الْحَرْبِ ثَلاَثَ خِصَالٍ إِلاَّ أَجَبْتُهُ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَ أَنَا أَعْرِضُ عَلَيْكَ ثَلاَثَ خِصَالٍ فَأَجِبْنِي إِلَى وَاحِدَةٍ قَالَ : هَاتِ يَا عَلِيُّ ! قَالَ : أَحَدُهَا تَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ، قَالَ : نَحِّ عَنِّي هَذِهِ فَاسْأَلِ الثَّانِيَةَ ، فَقَالَ أَنْ تَرْجِعَ وَ تَرُدَّ هَذَا الْجَيْشَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَإِنْ يَكُ صَادِقاً فَأَنْتُمْ أَعْلَى بِهِ عَيْناً وَ إِنْ يَكُ كَاذِباً كَفَتْكُمْ ذُؤْبَانُ اَلْعَرَبِ أَمْرَهُ ، فَقَالَ : إِذاً لاَ تَتَحَدَّثُ نِسَاءُ قُرَيْشٍ بِذَلِكَ وَ لاَ تُنْشِدُ الشُّعَرَاءُ فِي أَشْعَارِهَا أَنِّي جَبُنْتُ وَ رَجَعْتُ عَلَى عَقِبِي مِنَ الْحَرْبِ وَ خَذَلْتُ قَوْماً رَأَّسُونِي عَلَيْهِمْ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فَالثَّالِثَةُ أَنْ تَنْزِلَ إِلَيَّ فَإِنَّكَ رَاكِبٌ وَ أَنَا رَاجِلٌ حَتَّى أُنَابِذَكَ فَوَثَبَ عَنْ فَرَسِهِ وَ عَرْقَبَهُ وَ قَالَ هَذِهِ خَصْلَةٌ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَداً مِنَ اَلْعَرَبِ يَسُومُنِي عَلَيْهَا ثُمَّ بَدَأَ فَضَرَبَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ فَاتَّقَاهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ

بِدَرَقَتِهِ فَقَطَعَهَا وَ ثَبَتَ السَّيْفُ عَلَى رَأْسِهِ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا عَمْرُو أَ مَا كَفَاكَ أَنِّي بَارَزْتُكَ وَ أَنْتَ فَارِسُ اَلْعَرَبِ حَتَّى اسْتَعَنْتَ عَلَيَّ بِظَهِيرٍ فَالْتَفَتَ عَمْرٌو إِلَى خَلْفِهِ فَضَرَبَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مُسْرِعاً عَلَى سَاقَيْهِ قَطَعَهُمَا جَمِيعاً وَ ارْتَفَعَتْ بَيْنَهُمَا عَجَاجَةٌ فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ قُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، ثُمَّ انْكَشَفَ الْعَجَاجَةُ فَنَظَرُوا فَإِذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ص: 184

يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ وَ هُوَ يَقُولُ وَ الرَّأْسُ بِيَدِهِ :

أَنَا عَلِيٌّ وَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ *** اَلْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْفَتَى مِنَ الْهَرَبِ .

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَا عَلِيُّ مَاكَرْتَهُ قَالَ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ

الْحَرْبُ خَدِيعَةٌ .

وَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلزُّبَيْرَ إِلَى هُبَيْرَةَ بْنِ وَهْبٍ

فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ ضَرْبَةً فَلَقَ هَامَتَهُ وَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يُبَارِزَ ضِرَارَ بْنَ الْخَطَّابِ فَلَمَّا بَرَزَ إِلَيْهِ ضِرَارٌ انْتَزَعَ لَهُ عُمَرُ سَهْماً فَقَالَ ضِرَارٌ وَيْحَكَ يَا اِبْنَ صُهَاكَ أَ تَرْمِينِي فِي مُبَارَزَةٍ وَ اللَّهِ لَئِنْ رَمَيْتَنِي لاَ تَرَكْتُ عَدَوِيّاً بِمَكَّةَ إِلاَّ قَتَلْتُهُ فَانْهَزَمَ عَنْهُ عُمَرُ وَ مَرَّ نَحْوَهُ ضِرَارٌ وَ ضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِالْقَنَاةِ ثُمَّ قَالَ احْفَظْهَا يَا عُمَرُ فَإِنِّي آلَيْتُ أَنْ لاَ أَقْتُلَ قُرَشِيّاً مَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ ، فَكَانَ عُمَرُ يَحْفَظُ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ مَا وَلِيَ فَوَلاَّهُ .

فَبَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يُحَارِبُهُمْ فِي الْخَنْدَقِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَيْلَكَ يَا يَهُودِيُّ أَيْنَ قَوْمُكَ فَصَارَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ

إِلَيْهِمْ فَقَالَ وَيْلَكُمْ اخْرُجُوا فَقَدْ نَابَذْتُمْ مُحَمَّداً الْحَرْبَ فَلاَ أَنْتُمْ مَعَ مُحَمَّدٍ وَ لاَ أَنْتُمْ مَعَ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ كَعْبٌ : لَسْنَا خَارِجِينَ حَتَّى تُعْطِيَنَا قُرَيْشٌ عَشَرَةً مِنْ أَشْرَافِهِمْ رَهْناً يَكُونُونَ فِي حِصْنِنَا إِنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَظْفَرُوا بِمُحَمَّدٍ لَمْ يَبْرَحُوا حَتَّى يَرُدَّ مُحَمَّدٌ عَلَيْنَا عَهْدَنَا وَ عَقَدْنَا فَإِنَّا لاَ نَأْمَنُ أَنْ تَفِرَّ قُرَيْشٌ وَ نَبْقَى نَحْنُ فِي عُقْرِ دَارِنَا وَ يَغْزُونَا مُحَمَّدٌ فَيَقْتُلُ رِجَالَنَا وَ يَسْبِي نِسَاءَنَا وَ ذَرَارِيَّنَا وَ إِنْ لَمْ نَخْرُجْ لَعَلَّهُ يَرُدُّ عَلَيْنَا عَهْدَنَا، فَقَالَ لَهُ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ تَطْمَعُ فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ قَدْ نَابَذَتِ اَلْعَرَبُ مُحَمَّداً الْحَرْبَ فَلاَ أَنْتُمْ مَعَ مُحَمَّدٍ

وَ لاَ أَنْتُمْ مَعَ قُرَيْشٍ فَقَالَ كَعْبٌ هَذَا مِنْ شُؤْمِكَ إِنَّمَا أَنْتَ طَائِرٌ تَطِيرُ مَعَ قُرَيْشٍ

غَداً وَ تَتْرُكُنَا فِي عُقْرِ دَارِنَا وَ يَغْزُونَا مُحَمَّدٌ فَقَالَ لَهُ لَكَ عَهْدُ اللَّهِ عَلَيَّ وَ عَهْدُ مُوسَى

ص: 185

فَرَجَعَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ إِلَى قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ فَلَمَّا قَالَ يَسْأَلُونَ الرَّهْنَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ

هَذَا وَ اللَّهِ أَوَّلُ الْغَدْرِ قَدْ صَدَقَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لاَ حَاجَةَ لَنَا فِي إِخْوَانِ الْقُرُودِ وَ الْخَنَازِيرِ.

فَلَمَّا طَالَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الْأَمْرُ وَ اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ وَ كَانُوا فِي وَقْتِ بَرْدٍ شَدِيدٍ وَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ وَ خَافُوا مِنَ اَلْيَهُودِ خَوْفاً شَدِيداً وَ تَكَلَّمَ الْمُنَافِقُونَ بِمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ وَ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ إِلاَّ نَافَقَ إِلاَّ الْقَلِيلُ وَ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَخْبَرَ أَصْحَابَهُ أَنَّ اَلْعَرَبَ تَتَحَزَّبُ وَ يَجِيئُونَ مِنْ فَوْقُ وَ تَغْدِرُ اَلْيَهُودُ وَ نَخَافُهُمْ مِنْ أَسْفَلَ وَ إِنَّهُ لَيُصِيبُهُمْ جَهْدٌ شَدِيدٌ وَ لَكِنْ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ لِي عَلَيْهِمْ ، فَلَمَّا جَاءَتْ قُرَيْشٌ وَ غَدَرَتِ اَلْيَهُودُ قَالَ الْمُنَافِقُونَ «مٰا وَعَدَنَا اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ إِلاّٰ غُرُوراً» وَ كَانَ قَوْمٌ لَهُمْ دُورٌ فِي أَطْرَافِ اَلْمَدِينَةِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْذَنُ لَنَا أَنْ نَرْجِعَ إِلَى دُورِنَا فَإِنَّهَا فِي أَطْرَافِ اَلْمَدِينَةِ وَ هِيَ عَوْرَةٌ وَ نَخَافُ اَلْيَهُودَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهَا، وَ قَالَ قَوْمٌ هَلُمُّوا فَنَهْرَبَ وَ نَصِيرَ فِي الْبَادِيَةِ وَ نَسْتَجِيرَ بِالْأَعْرَابِ فَإِنَّ الَّذِي كَانَ يَعِدُنَا مُحَمَّدٌ كَانَ بَاطِلاً كُلُّهُ ، وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 186

وَ اكْشِفْ عَنَّا شَرَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ بِقُوَّتِكَ وَ حَوْلِكَ وَ قُدْرَتِكَ ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ مَقَالَتَكَ وَ أَجَابَ دَعْوَتَكَ وَ أَمَرَ الدَّبُورَ وَ هِيَ الرِّيحُ مَعَ الْمَلاَئِكَةِ أَنْ تَهْزِمَ قُرَيْشاً وَ اَلْأَحْزَابَ . وَ بَعَثَ اللَّهُ عَلَى قُرَيْشٍ الدَّبُورَ فَانْهَزَمُوا وَ قُلِعَتْ أَخْبِيَتُهُمْ وَ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَنَادَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ

وَ كَانَ قَرِيباً مِنْهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ نَادَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ نَادَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ

قَالَ أَدْعُوكَ فَلاَ تُجِيبُنِي! قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي مِنَ الْخَوْفِ وَ الْبَرْدِ وَ الْجُوعِ فَقَالَ ادْخُلْ فِي الْقَوْمِ وَ ائْتِنِي بِأَخْبَارِهِمْ وَ لاَ تُحْدِثَنَّ حَدَثاً حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيَّ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ قَدْ أَرْسَلَ الرِّيَاحَ عَلَى قُرَيْشٍ فَهَزَمَهُمْ قَالَ حُذَيْفَةُ فَمَضَيْتُ وَ أَنَا أَنْتَفِضُ مِنَ الْبَرْدِ فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ إِلاَّ بِقَدْرِ مَا جُزْتُ اَلْخَنْدَقَ حَتَّى كَأَنِّي فِي حَمَّامٍ فَقَصَدْتُ خِبَاءً عَظِيماً فَإِذَا نَارٌ تَخْبُو وَ تُوقَدُ وَ إِذَا خَيْمَةٌ فِيهَا أَبُو سُفْيَانَ قَدْ دَلَّى خُصْيَتَيْهِ عَلَى النَّارِ وَ هُوَ يَنْتَفِضُ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَ يَقُولُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنْ كُنَّا نُقَاتِلُ أَهْلَ السَّمَاءِ بِزَعْمِ مُحَمَّدٍ فَلاَ طَاقَةَ لَنَا بِأَهْلِ السَّمَاءِ وَ إِنْ كُنَّا نُقَاتِلُ أَهْلَ الْأَرْضِ فَنَقْدِرُ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ قَالَ لِيَنْظُرْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ إِلَى جَلِيسِهِ لاَ يَكُونُ لِمُحَمَّدٍ عَيْنٌ فِيمَا بَيْنَنَا، قَالَ حُذَيْفَةُ

فَبَادَرْتُ أَنَا فَقُلْتُ لِلَّذِي عَنْ يَمِينِي مَنْ أَنْتَ فَقَالَ : أَنَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ثُمَّ قُلْتُ لِلَّذِي عَنْ يَسَارِي مَنْ أَنْتَ قَالَ : أَنَا مُعَاوِيَةُ وَ إِنَّمَا بَادَرْتُ إِلَى ذَلِكَ لِئَلاَّ يَسْأَلَنِي أَحَدٌ مَنْ أَنْتَ ، ثُمَّ رَكِبَ أَبُو سُفْيَانَ رَاحِلَتَهُ وَ هِيَ مَعْقُولَةٌ وَ لَوْ لاَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

قَالَ لاَ تُحْدِثْ حَدَثاً حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيَّ لَقَدَرْتُ أَنْ أَقْتُلَهُ .

ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ أُقِيمَ أَنَا وَ أَنْتَ عَلَى ضُعَفَاءِ النَّاسِ ثُمَّ قَالَ ارْتَحِلُوا إِنَّا مُرْتَحِلُونَ فَفَرُّوا مُنْهَزِمِينَ فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 187

بْنَ مُعَاذٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بِسَهْمٍ فِي اَلْخَنْدَقِ فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ (1) فَنَزَفَهُ الدَّمُ فَقَبَضَ سَعْدٌ عَلَى أَكْحَلِهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئاً فَأَبْقِنِي لَهَا فَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيَّ مُحَارَبَتُهُمْ مِنْ قَوْمٍ حَادُّوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ إِنْ كَانَتِ الْحَرْبُ قَدْ وَضَعَتْ أَوْزَارَهَا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ بَيْنَ قُرَيْشٍ فَاجْعَلْهَا لِي شَهَادَةً وَ لاَ تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَمْسَكَ الدَّمُ وَ تَوَرَّمَتْ يَدُهُ .

وَ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةً وَ كَانَ يَتَعَاهَدُهُ بِنَفْسِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جٰاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنٰا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهٰا وَ كٰانَ اللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ بَصِيراً» . «إِذْ جٰاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ » يعني بني قريظة حين غدروا و خافوهم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «وَ إِذْ زٰاغَتِ الْأَبْصٰارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنٰاجِرَ» إلى قوله «إِنْ يُرِيدُونَ إِلاّٰ فِرٰاراً»

و هم الذين قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تأذن لنا نرجع إلى منازلنا فإنها في أطراف المدينة و نخاف اليهود عليها فأنزل الله فيهم «إِنَّ بُيُوتَنٰا عَوْرَةٌ وَ مٰا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاّٰ فِرٰاراً» إلى قوله «وَ كٰانَ ذٰلِكَ عَلَى اللّٰهِ يَسِيراً» و نزلت هذه الآية في فلان لما قال لعبد الرحمن بن عوف: هلم ندفع محمدا إلى قريش و نلحق نحن بقومنا.

ثم وصف الله المؤمنين المصدقين بما أخبرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما يصيبهم في الخندق من الجهد، فقال:«وَ لَمّٰا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ اَلْأَحْزٰابَ قٰالُوا هٰذٰا مٰا وَعَدَنَا اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ » ...«وَ مٰا زٰادَهُمْ إِلاّٰ إِيمٰاناً» يعني ذلك البلاء و الجهد و الخوف

ص: 188


1- عِرْقٌ فِي الذِّرَاعِ يُفْصَدُ.

جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ «وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ» أَجَلَهُ يَعْنِي عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ رَدَّ اللّٰهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنٰالُوا خَيْراً وَ كَفَى اللّٰهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتٰالَ »

بعلي بن أبي طالب عليه السّلام، و نزل في بني قريظة «وَ أَنْزَلَ » الله «اَلَّذِينَ ظٰاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ مِنْ صَيٰاصِيهِمْ وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَ تَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِيٰارَهُمْ وَ أَمْوٰالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُهٰا وَ كٰانَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيراً»

فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلْمَدِينَةَ وَ اللِّوَاءُ مَعْقُودٌ أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنَ الْغُبَارِ فَنَادَاهُ جَبْرَئِيلُ عَذِيرَكَ مِنْ مُحَارِبٍ ! وَ اللَّهِ مَا وَضَعَتِ الْمَلاَئِكَةُ لِأُمَّتِهَا فَكَيْفَ تَضَعُ لِأُمَّتِكَ ! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ لاَ تُصَلِّيَ الْعَصْرَ إِلاَّ بِبَنِي قُرَيْظَةَ فَإِنِّي مُتَقَدِّمُكَ وَ مُزَلْزِلٌ بِهِمْ حِصْنَهُمْ إِنَّا كُنَّا فِي آثَارِ الْقَوْمِ نَزْجُرُهُمْ زَجْراً حَتَّى بَلَغُوا حَمْرَاءَ الْأَسَدِ

فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَاسْتَقْبَلَهُ حَارِثَةُ بْنُ نُعْمَانَ فَقَالَ لَهُ : مَا الْخَبَرُ يَا حَارِثَةُ

قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ يُنَادِي فِي النَّاسِ أَلاَ لاَ يُصَلِّيَنَّ الْعَصْرَ أَحَدٌ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَالَ ذَاكَ جَبْرَئِيلُ ادْعُوا لِي عَلِيّاً فَجَاءَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

فَقَالَ لَهُ نَادِ فِي النَّاسِ لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَجَاءَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

فَنَادَى فِيهِمْ ، فَخَرَجَ النَّاسُ فَبَادَرُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

وَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَيْنَ يَدَيْهِ مَعَ الرَّايَةِ الْعُظْمَى .

وَ كَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ لَمَّا انْهَزَمَتْ قُرَيْشٌ جَاءَ فَدَخَلَ حِصْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَجَاءَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَحَاطَ بِحِصْنِهِمْ فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ كَعْبُ بْنُ أُسَيْدٍ مِنَ الْحِصْنِ يَشْتِمُهُمْ وَ يَشْتِمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى حِمَارٍ فَاسْتَقْبَلَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَدْنُ مِنَ الْحِصْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ يَا عَلِيُّ لَعَلَّهُمْ شَتَمُونِي إِنَّهُمْ لَوْ قَدْ رَأَوْنِي لَأَذَلَّهُمُ اللَّهُ ثُمَّ دَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ حِصْنِهِمْ فَقَالَ :

ص: 189

يَا أَبَا الْقَاسِمِ ! مَا كُنْتَ جَهُولاً فَاسْتَحْيَا رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى سَقَطَ الرِّدَاءُ مِنْ ظَهْرِهِ حَيَاءً مِمَّا قَالَهُ ، وَ كَانَ حَوْلَ الْحِصْنِ نَخْلٌ كَثِيرٌ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِيَدِهِ فَتَبَاعَدَ عَنْهُ وَ تَفَرَّقَ فِي الْمَفَازَةِ وَ أَنْزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الْعَسْكَرَ حَوْلَ حِصْنِهِمْ فَحَاصَرَهُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَلَمْ يُطْلِعْ أَحَدٌ مِنْهُمْ رَأْسَهُ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ نَزَلَ إِلَيْهِ غَزَالُ بْنُ شمول فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ! تُعْطِينَا مَا أَعْطَيْتَ إِخْوَانَنَا مِنْ بَنِي النَّضِيرِ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَ نُخْلِي لَكَ الْبِلاَدَ وَ مَا فِيهَا وَ لاَ نَكْتُمُكَ شَيْئاً، فَقَالَ : لاَ أَوْ تَنْزِلُونَ عَلَى حُكْمِي فَرَجَعَ وَ بَقُوا أَيَّاماً فَبَكَتِ النِّسَاءُ وَ الصِّبْيَانُ إِلَيْهِمْ وَ جَزِعُوا جَزَعاً شَدِيداً، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَأَمَرَ بِالرِّجَالِ فَكُتِّفُوا وَ كَانُوا سَبْعَمِائَةٍ وَ أَمَرَ بِالنِّسَاءِ فَعُزِلْنَ وَ قَامَتِ اَلْأَوْسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ

حُلَفَاؤُنَا وَ مَوَالِينَا مِنْ دُونِ النَّاسِ نَصَرُونَا عَلَى اَلْخَزْرَجِ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا وَ قَدْ وَهَبْتَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ سَبْعَمِائَةِ ذِرَاعٍ وَ ثَلاَثَمِائَةِ حَاسِرٍ فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ وَ لَسْنَا نَحْنُ بِأَقَلَّ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ لَهُمْ : أَ مَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيهِمْ إِلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ فَقَالُوا: بَلَى فَمَنْ هُوَ قَالَ : سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ

قَالُوا: قَدْ رَضِينَا بِحُكْمِهِ فَأَتَوْا بِهِ فِي مِحَفَّةٍ وَ اجْتَمَعَتِ اَلْأَوْسُ حَوْلَهُ يَقُولُونَ لَهُ :

يَا أَبَا عَمْرٍو اتَّقِ اللَّهَ وَ أَحْسِنْ فِي حُلَفَائِكَ وَ مَوَالِيكَ فَقَدْ نَصَرُونَا بِبُغَاثٍ وَ الْحَدَائِقِ وَ الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ لَقَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَنْ لاَ يَأْخُذَهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ ، فَقَالَتِ اَلْأَوْسُ وَا قَوْمَاهْ ذَهَبَتْ وَ اللَّهِ بَنُو قُرَيْظَةَ وَ بَكَتِ النِّسَاءُ وَ الصِّبْيَانُ إِلَى سَعْدٍ، فَلَمَّا سَكَتُوا قَالَ لَهُمْ سَعْدٌ: يَا مَعْشَرَ اَلْيَهُودِ أَ رَضِيتُمْ بِحُكْمِي فِيكُمْ قَالُوا:

بَلَى قَدْ رَضِينَا بِحُكْمِكَ وَ قَدْ رَجَوْنَا نَصَفَكَ وَ مَعْرُوفَكَ وَ حُسْنَ نَظَرِكَ ، فَعَادَ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فَقَالُوا بَلَى يَا أَبَا عَمْرٍو! فَالْتَفَتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِجْلاَلاً لَهُ ، فَقَالَ :

ص: 190

وَ ذَرَارِيَّهُمْ وَ تَقْسِمَ غَنَائِمَهُمْ وَ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ قَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ رُقْعَةٍ ثُمَّ انْفَجَرَ جُرْحُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَمَا زَالَ يُنْزَفُ الدَّمُ حَتَّى قَضَى، وَ سَاقُوا الْأُسَارَى إِلَى اَلْمَدِينَةِ وَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

بِأُخْدُودٍ فَحُفِرَتْ بِالْبَقِيعِ فَلَمَّا أَمْسَى أَمَرَ بِإِخْرَاجِ رَجُلٍ رَجُلٍ فَكَانَ يَضْرِبُ عُنُقَهُ .

فَقَالَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ لِكَعْبِ بْنِ أُسَيْدٍ: مَا تَرَى مَا يَصْنَعُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِهِمْ فَقَالَ لَهُ : مَا يَسُوؤُكَ أَ مَا تَرَى الدَّاعِيَ لاَ يُقْلِعُ (1) وَ الَّذِي يَذْهَبُ لاَ يَرْجِعُ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ وَ الثَّبَاتِ عَلَى دِينِكُمْ ، فَأُخْرِجَ كَعْبُ بْنُ أُسَيْدٍ مَجْمُوعَةً يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ وَ كَانَ جَمِيلاً وَسِيماً فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ لَهُ يَا كَعْبُ أَ مَا نَفَعَتْكَ وَصِيَّةُ اِبْنِ الْحَوَّاسِ الْحِبْرِ الذَّكِيِّ الَّذِي قَدِمَ عَلَيْكُمْ مِنَ اَلشَّامِ فَقَالَ تَرَكْتُ الْخَمْرَ وَ الْخِنْزِيرَ وَ جِئْتُ إِلَى الْبُؤْسِ وَ التُّمُورِ لِنَبِيٍّ يُبْعَثُ مَخْرَجُهُ بِمَكَّةَ وَ مُهَاجَرَتُهُ فِي هَذِهِ الْبَحِيرَةِ يَجْتَزِي بِالْكُسَيْرَاتِ وَ التُّمَيْرَاتِ وَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعُرْيَ فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ يَضَعُ سَيْفَهُ عَلَى عَاتِقِهِ لاَ يُبَالِي مَنْ لاَقَى مِنْكُمْ يَبْلُغُ سُلْطَانُهُ مُنْقَطَعَ الْخُفِّ وَ الْحَافِرِ فَقَالَ قَدْ كَانَ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ! وَ لَوْ لاَ أَنَّ اَلْيَهُودَ يُعَيِّرُونِي أَنِّي جَزِعْتُ عِنْدَ الْقَتْلِ لَآمَنْتُ بِكَ وَ صَدَّقْتُكَ وَ لَكِنِّي عَلَى دِينِ اَلْيَهُودِ عَلَيْهِ أَحْيَا وَ عَلَيْهِ أَمُوتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ

قَدِّمُوهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ فَضُرِبَتْ ثُمَّ قَدِّمَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

يَا فَاسِقُ كَيْفَ رَأَيْتَ صُنْعَ اللَّهِ بِكَ فَقَالَ وَ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ! مَا أَلُومُ نَفْسِي فِي عَدَاوَتِكَ وَ لَقَدْ قَلْقَلْتُ كُلَّ مُقَلْقَلٍ وَ جَهَدْتُ كُلَّ الْجَهْدِ وَ لَكِنْ مَنْ يَخْذُلِ ، اللَّهُ يُخْذَلْ ثُمَّ قَالَ حِينَ قُدِّمَ لِلْقَتْلِ :

لَعَمْرُكَ مَا لاَمَ ابْنُ أَخْطَبَ نَفْسَهُ *** وَ لَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلِ اللَّهُ يُخْذَلْ .

ص: 191


1- يُقَالُ أَقْلَعَ عَنْ كَذَا: كَفَّ عَنْهُ وَ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: «يَا سَمَاءُ أَقْلِعِي» أَيْ كُفِّي عَنِ الْمَطَرِ. ج. ز.

فَقُدِّمَ وَ ضُرِبَ عُنُقُهُ فَقَتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ فِي الْبَرْدَيْنِ (1) بِالْغَدَاةِ وَ الْعَشِيِّ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَ كَانَ يَقُولُ : اسْقُوهُمُ الْعَذْبَ وَ أَطْعِمُوهُمُ الطَّيِّبَ وَ أَحْسِنُوا إِلَى أُسَارَاهُمْ ، حَتَّى قَتَلَهُمْ كُلَّهُمْ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ «وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظٰاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ

مِنْ صَيٰاصِيهِمْ » أَيْ مِنْ حُصُونِهِمْ «وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ » إِلَى قَوْلِهِ «وَ كٰانَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيراً» .

و أما قوله «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا وَ زِينَتَهٰا فَتَعٰالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَرٰاحاً جَمِيلاً وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدّٰارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللّٰهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنٰاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً»

فَإِنَّهُ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ غَزَاةِ خَيْبَرَ وَ أَصَابَ كَنْزَ آلِ أَبِي الْحَقِيقِ ، قُلْنَ أَزْوَاجُهُ أَعْطِنَا مَا أَصَبْتَ ، فَقَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَسَّمْتُهُ بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ فَغَضِبْنَ مِنْ ذَلِكَ وَ قُلْنَ لَعَلَّكَ تَرَى أَنَّكَ إِنْ طَلَّقْتَنَا أَنْ لاَ نَجِدَ الْأَكْفَاءَ مِنْ قَوْمِنَا يَتَزَّوَجُونَّا فَأَنِفَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَزِلَهُنَّ فَاعْتَزَلَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي مَشْرَبَةِ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ تِسْعَةً وَ عِشْرِينَ يَوْماً، حَتَّى حِضْنَ وَ طَهُرْنَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَ هِيَ آيَةُ التَّخْيِيرِ فَقَالَ «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ » إِلَى قَوْلِهِ «أَجْراً عَظِيماً»

فَقَامَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَ هِيَ أَوَّلُ مَنْ قَامَتْ وَ قَالَتْ قَدِ اخْتَرْتُ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقُمْنَ كُلُّهُنَّ فَعَانَقْنَهُ وَ قُلْنَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «تُرْجِي مَنْ تَشٰاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشٰاءُ» الْآيَةَ .

قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : مَنْ آوَى فَقَدْ نَكَحَ وَ مَنْ أَرْجَى فَقَدْ طَلَّقَ .، و قوله «تُرْجِي مَنْ تَشٰاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشٰاءُ» مع هذه الآية «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ ...» إلخ و قد أخرت عنها في التأليف.

ثم خاطب الله عز و جل نساء نبيه فقال «يٰا نِسٰاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضٰاعَفْ لَهَا الْعَذٰابُ ضِعْفَيْنِ »

ص: 192


1- الْبَرْدَانِ وَ الْأَبْرَدَانِ : الْغَدَاةُ وَ الْعَشِيُّ . ج. ز.

إلى قوله «نُؤْتِهٰا أَجْرَهٰا مَرَّتَيْنِ وَ أَعْتَدْنٰا لَهٰا رِزْقاً كَرِيماً»

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَ الْعَذَابَ ضِعْفَيْنِ . كل هذا في الآخرة حيث يكون الأجر يكون العذاب

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَالِبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ

عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ :«يٰا نِسٰاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضٰاعَفْ لَهَا الْعَذٰابُ ضِعْفَيْنِ » قَالَ : الْفَاحِشَةُ الْخُرُوجُ بِالسَّيْفِ .

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ أَبِيهِ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ «وَ لاٰ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ اَلْجٰاهِلِيَّةِ الْأُولىٰ » قَالَ أَيْ سَيَكُونُ جَاهِلِيَّةٌ أُخْرَى.

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ

وَ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ ثُمَّ أَلْبَسَهُمْ كِسَاءً خَيْبَرِيّاً وَ دَخَلَ مَعَهُمْ فِيهِ ثُمَّ قَالَ : «اَللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِيَ الَّذِينَ وَعَدْتَنِي فِيهِمْ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً» نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَ أَنَا مَعَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ أَبْشِرِي يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ .

وَ قَالَ أَبُو الْجَارُودِ قَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ : إِنَّ جُهَّالاً مِنَ النَّاسِ يَزْعُمُونَ أَنَّمَا أَرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ وَ قَدْ كَذَبُوا وَ أَثِمُوا لَوْ عَنَى بِهَا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ لَقَالَ : لِيُذْهِبَ عَنْكُنَّ الرِّجْسَ وَ يُطَهِّرَكُنَّ تَطْهِيراً، وَ لَكَانَ الْكَلاَمُ مُؤَنَّثاً كَمَا قَالَ «وَ اذْكُرْنَ مٰا يُتْلىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ » «وَ لاٰ تَبَرَّجْنَ » «لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسٰاءِ» .

ص: 193

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:«إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» ثم عطف على نساء النبي فقال:«وَ اذْكُرْنَ مٰا يُتْلىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيٰاتِ اللّٰهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ لَطِيفاً خَبِيراً» ثم عطف على آل محمد فقال:«إِنَّ اَلْمُسْلِمِينَ وَ اَلْمُسْلِمٰاتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنٰاتِ وَ الْقٰانِتِينَ وَ الْقٰانِتٰاتِ وَ الصّٰادِقِينَ وَ الصّٰادِقٰاتِ »

إلى قوله «أَعَدَّ اللّٰهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً»

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لاٰ مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ » وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ خَطَبَ عَلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّةَ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَ هِيَ بِنْتُ عَمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى أُؤَامِرَ نَفْسِي فَأَنْظُرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ «وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لاٰ مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ » الْآيَةَ فَقَالَتْ :

يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْرِي بِيَدِكَ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ فَمَكَثَتْ عِنْدَ زَيْدٍ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ إِنَّهُمَا تَشَاجَرَا فِي شَيْ ءٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَأَعْجَبَتْهُ فَقَالَ زَيْدٌ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْذَنُ لِي فِي طَلاَقِهَا فَإِنَّ فِيهَا كِبْراً وَ إِنَّهَا لَتُؤْذِينِي بِلِسَانِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «اِتَّقِ اللّٰهَ » وَ «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ » وَ أَحْسِنْ إِلَيْهَا، ثُمَّ إِنَّ زَيْداً

طَلَّقَهَا وَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ نِكَاحَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ :«فَلَمّٰا قَضىٰ زَيْدٌ

مِنْهٰا وَطَراً زَوَّجْنٰاكَهٰا» .

و قوله:«مٰا كٰانَ مُحَمَّدٌ أَبٰا أَحَدٍ مِنْ رِجٰالِكُمْ » فإن هذه نزلت في شأن زيد بن حارثة قالت قريش يعيرنا محمد يدعي بعضنا بعضا و قد ادعى هو زيدا فقال الله:«مٰا كٰانَ مُحَمَّدٌ أَبٰا أَحَدٍ مِنْ رِجٰالِكُمْ » يعني يومئذ قال: إنه ليس بأبي زيد

و قوله:«وَ خٰاتَمَ النَّبِيِّينَ » يعني لا نبي بعد محمد صلّى اللّه عليه و آله،

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«إِنّٰا أَرْسَلْنٰاكَ شٰاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً وَ دٰاعِياً إِلَى اللّٰهِ بِإِذْنِهِ وَ سِرٰاجاً مُنِيراً»

إلى قوله «وَ دَعْ أَذٰاهُمْ وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ وَ كَفىٰ بِاللّٰهِ وَكِيلاً» فإنها نزلت بمكة قبل

ص: 194

الهجرة بخمس سنين فهذا دليل على خلاف التأليف ثم خاطب الله نبيه صلّى اللّه عليه و آله

فقال:«يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّٰا أَحْلَلْنٰا لَكَ أَزْوٰاجَكَ اللاّٰتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَ مٰا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمّٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلَيْكَ » يعني من الغنيمة «وَ بَنٰاتِ عَمِّكَ وَ بَنٰاتِ عَمّٰاتِكَ » إلى قوله «وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهٰا لِلنَّبِيِّ »

فَإِنَّهُ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ امْرَأَةً مِنَ اَلْأَنْصَارِ

أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَدْ تَهَيَّأَتْ وَ تَزَيَّنَتْ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِيَّ حَاجَةٌ فَقَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ : قَبَّحَكِ اللَّهُ مَا أَنْهَمَكِ لِلرِّجَالِ ! فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَهْ يَا عَائِشَةُ ! فَإِنَّهَا رَغِبَتْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِذْ زَهِدْتُنَّ فِيهِ ثُمَّ قَالَ : رَحِمَكِ اللَّهُ وَ رَحِمَكُمُ اللَّهُ يَا مَعَاشِرَ اَلْأَنْصَارِ نَصَرَنِي رِجَالُكُمْ وَ رَغِبَتْ فِيَّ نِسَاؤُكُمْ ارْجِعِي رَحِمَكِ اللَّهُ فَإِنِّي أَنْتَظِرُ أَمْرَ اللَّهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهٰا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرٰادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهٰا خٰالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ » فَلاَ تَحِلُّ الْهِبَةُ إِلاَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .

وَ أَمَّا قَوْلُهُ :«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّٰ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلىٰ طَعٰامٍ غَيْرَ نٰاظِرِينَ إِنٰاهُ » فَإِنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَ كَانَ يُحِبُّهَا فَأَوْلَمَ وَ دَعَا أَصْحَابَهُ فَكَانَ أَصْحَابُهُ إِذَا أَكَلُوا يُحِبُّونَ أَنْ يَتَحَدَّثُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْلُوَ مَعَ زَيْنَبَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّٰ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ »

وَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَدْخُلُونَ بِلاَ إِذْنٍ .

و أما قوله «وَ مٰا كٰانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّٰهِ وَ لاٰ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوٰاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِكُمْ كٰانَ عِنْدَ اللّٰهِ عَظِيماً» فإنه كان سبب نزولها أنه

لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ « النَّبِيُّ

أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْوٰاجُهُ أُمَّهٰاتُهُمْ » وَ حَرَّمَ اللَّهُ نِسَاءَ النَّبِيِّ عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ

غَضِبَ طَلْحَةُ ، فَقَالَ : يُحَرِّمُ مُحَمَّدٌ عَلَيْنَا نِسَاءَهُ وَ يَتَزَوَّجُ هُوَ نِسَاءَنَا لَئِنْ أَمَاتَ اللَّهُ مُحَمَّداً

ص: 195

«إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللّٰهَ كٰانَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيماً» . ثم رخص لقوم معروفين الدخول عليهن بغير إذن فقال:«لاٰ جُنٰاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبٰائِهِنَّ وَ لاٰ أَبْنٰائِهِنَّ وَ لاٰ إِخْوٰانِهِنَّ وَ لاٰ أَبْنٰاءِ إِخْوٰانِهِنَّ » إلى قوله «إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيداً» ثم ذكر ما فضل الله نبيه صلّى اللّه عليه و آله فقال:«إِنَّ اللّٰهَ وَ مَلاٰئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً» قال: صلوات الله عليه تزكية له و ثناء عليه، و صلاة الملائكة مدحهم له و صلاة الناس دعاؤهم له و التصديق و الإقرار بفضله و قوله:«وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً» يعني سلموا له بالولاية و بما جاء به.

و قوله «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّٰهُ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً» قال نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين عليه السّلام حقه و أخذ حق فاطمة عليها السّلام

و آذاها

وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : مَنْ آذَاهَا فِي حَيَاتِي، كَمَنْ آذَاهَا بَعْدَ مَوْتِي وَ مَنْ آذَاهَا بَعْدَ مَوْتِي كَمَنْ آذَاهَا فِي حَيَاتِي، وَ مَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي وَ مَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ . و هو قول الله «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ » الآية

و قوله «وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنٰاتِ » يعني عليا و فاطمة «بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً» و هي جارية في الناس كلهم.

و أما قوله «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ وَ بَنٰاتِكَ وَ نِسٰاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ » فإنه كان سبب نزولها

أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَخْرُجْنَ إِلَى اَلْمَسْجِدِ وَ يُصَلِّينَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ خَرَجْنَ إِلَى صَلاَةِ الْمَغْرِبِ وَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَ الْغَدَاةِ : يَقْعُدُ الشُّبَّانُ لَهُنَّ فِي طَرِيقِهِنَّ فَيُؤْذُونَهُنَّ وَ يَتَعَرَّضُونَ لَهُنَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ وَ بَنٰاتِكَ وَ نِسٰاءِ الْمُؤْمِنِينَ » إِلَى قَوْلِهِ «ذٰلِكَ أَدْنىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاٰ يُؤْذَيْنَ وَ كٰانَ اللّٰهُ غَفُوراً رَحِيماً» .»

و أما قوله «لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنٰافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ » أي شك «وَ الْمُرْجِفُونَ فِي اَلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاٰ يُجٰاوِرُونَكَ »

ص: 196

بَعْضِ غَزَوَاتِهِ يَقُولُونَ قُتِلَ وَ أُسِرَ فَيَغْتَمُّ اَلْمُسْلِمُونَ لِذَلِكَ وَ يَشْكُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ «لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنٰافِقُونَ » إِلَى قَوْلِهِ «ثُمَّ لاٰ يُجٰاوِرُونَكَ فِيهٰا إِلاّٰ قَلِيلاً» أَيْ نَأْمُرُكَ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنَ اَلْمَدِينَةِ إِلاَّ قَلِيلاً «مَلْعُونِينَ أَيْنَمٰا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلاً» .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : مَلْعُونِينَ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةُ ، يَقُولُ اللَّهُ بَعْدَ اللَّعْنَةِ «أَيْنَمٰا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلاً» .

و قال علي بن إبراهيم في قوله «يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي اَلنّٰارِ» فإنها كناية عن الذين غصبوا آل محمد حقهم «يَقُولُونَ يٰا لَيْتَنٰا أَطَعْنَا اللّٰهَ وَ أَطَعْنَا الرَّسُولاَ»

يعني في أمير المؤمنين عليه السّلام «وَ قٰالُوا رَبَّنٰا إِنّٰا أَطَعْنٰا سٰادَتَنٰا وَ كُبَرٰاءَنٰا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ»

و هما رجلان و السادة و الكبراء هما أول من بدا بظلمهم و غصبهم و قوله «فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ» أي طريق الجنة، و السبيل أمير المؤمنين عليه السّلام ثم يقولون «رَبَّنٰا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذٰابِ وَ الْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً» و أما قوله «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسىٰ فَبَرَّأَهُ اللّٰهُ مِمّٰا قٰالُوا وَ كٰانَ عِنْدَ اللّٰهِ وَجِيهاً» أي ذا جاه

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يَقُولُونَ لَيْسَ لِمُوسَى مَا لِلرِّجَالِ وَ كَانَ مُوسَى إِذَا أَرَادَ الاِغْتِسَالَ يَذْهَبُ إِلَى مَوْضِعٍ لاَ يَرَاهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَ كَانَ يَوْماً يَغْتَسِلُ عَلَى شَطِّ نَهَرٍ وَ قَدْ وَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى صَخْرَةٍ فَأَمَرَ اللَّهُ الصَّخْرَةَ فَتَبَاعَدَتْ عَنْهُ حَتَّى نَظَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَيْهِ فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَكُونُوا»

... إلخ.

أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ رَفَعَهُ إِلَيْهِمْ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

وَ اَلْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ كَمَا «آذَوْا مُوسىٰ فَبَرَّأَهُ اللّٰهُ مِمّٰا قٰالُوا» .

و قال علي بن إبراهيم في قوله «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ قُولُوا قَوْلاً سَدِيداً» أي صحيحا

ص: 197

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ مَنْ يُطِعِ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ » فِي وَلاَيَةِ عَلِيٍّ وَ اَلْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ مِنْ بَعْدِهِ «فَقَدْ فٰازَ فَوْزاً عَظِيماً»

هَكَذَا نَزَلَتْ وَ اللَّهِ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله «إِنّٰا عَرَضْنَا الْأَمٰانَةَ عَلَى السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبٰالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهٰا» قال الأمانة هي الإمامة و الأمر و النهي و الدليل على أن الأمانة هي الإمامة قوله عز و جل في الأئمة «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا» يعني الإمامة فالأمانة هي الإمامة عرضت «عَلَى السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبٰالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهٰا» ، قال: أبين أن يدعوها أو يغصبوها أهلها «وَ أَشْفَقْنَ مِنْهٰا وَ حَمَلَهَا الْإِنْسٰانُ » أي فلان «إِنَّهُ كٰانَ ظَلُوماً جَهُولاً لِيُعَذِّبَ اللّٰهُ الْمُنٰافِقِينَ وَ الْمُنٰافِقٰاتِ وَ اَلْمُشْرِكِينَ وَ اَلْمُشْرِكٰاتِ وَ يَتُوبَ اللّٰهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنٰاتِ وَ كٰانَ اللّٰهُ غَفُوراً رَحِيماً» .

34- سورة سبإ مكية آياتها أربع و خمسون 54

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ يَعْلَمُ مٰا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ » قال ما يدخل فيها و ما ينزل من السماء يعني المطر «وَ مٰا يَخْرُجُ مِنْهٰا» قال من النبات «وَ مٰا يَعْرُجُ فِيهٰا» يعني من أعمال العباد، ثم حكى عز و جل قول الدهرية فقال «وَ قٰالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاٰ تَأْتِينَا السّٰاعَةُ قُلْ بَلىٰ وَ رَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عٰالِمِ الْغَيْبِ لاٰ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقٰالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ لاٰ فِي الْأَرْضِ وَ لاٰ أَصْغَرُ مِنْ ذٰلِكَ وَ لاٰ أَكْبَرُ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ »

قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ فَكَتَبَ مَا كَانَ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . و قوله «وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ » فقال: هو أمير المؤمنين عليه السّلام

ص: 198

صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بما أنزل الله عليه ثم حكى قول الزنادقة فقال:

«قٰالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذٰا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ » أي متم و صرتم ترابا «إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ» تعجبوا أن يعيدهم الله خلقا جديدا «أَفْتَرىٰ عَلَى اللّٰهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ » أي مجنون فرد الله عليهم فقال «بَلِ الَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذٰابِ وَ الضَّلاٰلِ الْبَعِيدِ» .

ثم ذكر ما أعطى داود فقال:«وَ لَقَدْ آتَيْنٰا دٰاوُدَ مِنّٰا فَضْلاً يٰا جِبٰالُ أَوِّبِي مَعَهُ » أي سبحي لله «وَ الطَّيْرَ وَ أَلَنّٰا لَهُ الْحَدِيدَ» قال: كان داود إذا مر في البراري يقرأ الزبور تسبح الجبال و الطير و الوحوش معه و ألان الله له الحديد مثل الشمع حتى كان يتخذ منه ما أحب

وَ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : اطْلُبُوا الْحَوَائِجَ يَوْمَ الثَّلاَثَاءِ فَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي أَلاَنَ اللَّهُ فِيهِ الْحَدِيدَ لِدَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

و قوله «أَنِ اعْمَلْ سٰابِغٰاتٍ »

قال الدروع «وَ قَدِّرْ فِي السَّرْدِ» قال المسامير التي في الحلقة «وَ اعْمَلُوا صٰالِحاً إِنِّي بِمٰا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» .

و قوله:«وَ لِسُلَيْمٰانَ الرِّيحَ غُدُوُّهٰا شَهْرٌ وَ رَوٰاحُهٰا شَهْرٌ» قال: كانت الريح تحمل كرسي سليمان فتسير به في الغداة مسيرة شهر و بالعشي مسيرة شهر و قوله:

«وَ أَسَلْنٰا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ» أي الصفر «وَ مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ مَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنٰا نُذِقْهُ مِنْ عَذٰابِ السَّعِيرِ»

ص: 199

يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ لاَ يَجْسُرُونَ أَنْ يَبْرَحُوا فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ حَانَ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مَعَهُ فِي الْقُبَّةِ فَفَزِعَ مِنْهُ سُلَيْمَانُ فَقَالَ لَهُ : مَنْ أَنْتَ فَقَالَ لَهُ : أَنَا الَّذِي لاَ أَقْبَلُ الرِّشَى وَ لاَ أَهَابُ الْمُلُوكَ فَقَبَضَهُ وَ هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَصَاهُ سَنَةً وَ الْجِنُّ يَعْمَلُونَ لَهُ وَ لاَ يَعْلَمُونَ بِمَوْتِهِ حَتَى بَعَثَ اللَّهُ الْأَرْضَةَ فَأَكَلَتْ مِنْسَأَتَهُ «فَلَمّٰا خَرَّ» عَلَى وَجْهِهِ تَبَيَّنَتِ الْإِنْسُ أَنْ لَوْ كَانُوا أَيِ الْجِنُّ «يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مٰا لَبِثُوا فِي الْعَذٰابِ الْمُهِينِ » (1)

فَكَذَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ

وَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ الْجِنَّ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ فَلَمَّا سَقَطَ سُلَيْمَانُ عَلَى وَجْهِهِ عَلِمَ الْإِنْسُ أَنْ لَوْ يَعْلَمُ الْجِنُّ الْغَيْبَ لَمْ يَعْمَلُوا سَنَةً لِسُلَيْمَانَ

وَ هُوَ مَيِّتٌ وَ يَتَوَهَّمُونَهُ حَيّاً، قَالَ : فَالْجِنُّ تَشْكُرُ الْأَرَضَةَ بِمَا عَمِلَتْ بِعَصَا سُلَيْمَانَ ، قَالَ : فَلَمَّا هَلَكَ سُلَيْمَانُ وَضَعَ إِبْلِيسُ السِّحْرَ وَ كَتَبَهُ فِي كِتَابٍ ثُمَّ طَوَاهُ وَ كَتَبَ عَلَى ظَهْرِهِ هَذَا مَا وَضَعَهُ آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ مِنْ ذَخَائِرِ كُنُوزِ الْمُلْكِ وَ الْعِلْمِ مَنْ أَرَادَ كَذَا وَ كَذَا فَلْيَعْمَلْ كَذَا وَ كَذَا ثُمَّ دَفَنَهُ تَحْتَ السَّرِيرِ ثُمَّ اسْتَثَارَهُ لَهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ مَا كَانَ يَغْلِبُنَا سُلَيْمَانُ إِلاَّ بِهَذَا وَ قَالَ الْمُؤْمِنُونَ مَا هُوَ إِلاَّ عَبْدُ اللَّهِ وَ نَبِيُّهُ . و قوله:«لَقَدْ كٰانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتٰانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمٰالٍ »

قَالَ :

ص: 200


1- الْآيَةَ كَمَا فِي الْقُرْآنِ : فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ ... إلخ.

قَوْمٌ مِنْهُمْ هَرَبُوا وَ تَرَكُوا الْبِلاَدَ فَمَا زَالَ الْجُرَذُ يَقْلَعُ الْحَجَرَ حَتَّى خَرَّبُوا ذَلِكَ السَّدَّ فَلَمْ يُشْعِرُوا حَتَّى غَشِيَهُمُ السَّيْلُ وَ خَرَّبَ بِلاَدَهُمْ وَ قَلَعَ أَشْجَارَهُمْ وَ هُوَ قَوْلُهُ :«لَقَدْ كٰانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتٰانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمٰالٍ » إِلَى قَوْلِهِ «سَيْلَ الْعَرِمِ » أَيِ الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ «وَ بَدَّلْنٰاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوٰاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ » وَ هُوَ أُمُّ غَيْلاَنَ «وَ أَثْلٍ »

قَالَ : هُوَ نَوْعٌ مِنَ الطَّرْفَاءِ «وَ شَيْ ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذٰلِكَ جَزَيْنٰاهُمْ بِمٰا كَفَرُوا» إِلَى قَوْلِهِ «بٰارَكْنٰا فِيهٰا» قَالَ مَكَّةَ .

و قوله:«وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاّٰ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ »

قَالَ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اِبْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ :

لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَنْصِبَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِلنَّاسِ فِي قَوْلِهِ «يٰا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » فِي عَلِيٍّ » بِغَدِيرِ خُمٍّ فَقَالَ : «مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ

مَوْلاَهُ » فَجَاءَتِ الْأَبَالِسَةُ إِلَى إِبْلِيسَ الْأَكْبَرِ وَ حَثَوُا التُّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمْ فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيسُ مَا لَكُمْ فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ عَقَدَ الْيَوْمَ عُقْدَةً لاَ يَحُلُّهَا شَيْ ءٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيسُ كَلاَّ إِنَّ الَّذِينَ حَوْلَهُ قَدْ وَعَدُونِي فِيهِ عِدَةً لَنْ يُخْلِفُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ «وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ » الْآيَةَ .» و قوله «وَ مٰا كٰانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطٰانٍ » كناية عن إبليس «إِلاّٰ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهٰا فِي شَكٍّ وَ رَبُّكَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ حَفِيظٌ » ثم قال عز و جل احتجاجا منه على عبدة الأوثان «قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللّٰهِ لاٰ يَمْلِكُونَ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ لاٰ فِي الْأَرْضِ وَ مٰا لَهُمْ فِيهِمٰا» كناية عن السماوات و الأرض «مِنْ شِرْكٍ وَ مٰا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ» و قوله «وَ لاٰ تَنْفَعُ الشَّفٰاعَةُ عِنْدَهُ إِلاّٰ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ » قال لا يشفع أحد من أنبياء الله و رسله يوم القيامة حتى يأذن الله له إلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

فإن الله قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة، و الشفاعة له و للأئمة

من ولده، ثم بعد ذلك للأنبياء عليهم السّلام.

ص: 201

قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمُكَبِّرِ قَالَ : دَخَلَ مَوْلًى لاِمْرَأَةِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُقَالُ لَهُ أَبُو أَيْمَنَ ، فَقَالَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ يُغْرُونَ النَّاسَ وَ يَقُولُونَ شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ «شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ» فَغَضِبَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى تَرَبَّدَ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ : وَيْحَكَ يَا أَبَا أَيْمَنَ أَ غَرَّكَ أَنْ عَفَّ بَطْنُكَ وَ فَرْجُكَ أَمَا لَوْ قَدْ رَأَيْتَ أَفْزَاعَ الْقِيَامَةِ لَقَدِ احْتَجْتَ إِلَى شَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

وَيْلَكَ فَهَلْ يَشْفَعُ إِلاَّ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ اَلنَّارُ ثُمَّ قَالَ : مَا أَحَدٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ إِلاَّ وَ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى شَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الشَّفَاعَةَ فِي أُمَّتِهِ وَ لَنَا الشَّفَاعَةَ فِي شِيعَتِنَا وَ لِشِيعَتِنَا الشَّفَاعَةَ فِي أَهَالِيهِمْ ثُمَّ قَالَ : وَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَشْفَعُ فِي مِثْلِ رَبِيعَةَ وَ مُضَرَ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَشْفَعُ حَتَّى لِخَادِمِهِ وَ يَقُولُ : يَا رَبِّ حَقُّ خِدْمَتِي كَانَ يَقِينِي الْحَرَّ وَ الْبَرْدَ .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«حَتّٰى إِذٰا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قٰالُوا مٰا ذٰا قٰالَ رَبُّكُمْ قٰالُوا الْحَقَّ وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ» وَ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ لَمْ يَسْمَعُوا وَحْياً فِيمَا بَيْنَ أَنْ بُعِثَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ إِلَى أَنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ جَبْرَئِيلَ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَسَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صَوْتَ وَحْيِ اَلْقُرْآنِ كَوَقْعِ الْحَدِيدِ عَلَى الصَّفَا فَصَعِقَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْوَحْيِ انْحَدَرَ جَبْرَئِيلُ كُلَّمَا مَرَّ بِأَهْلِ سَمَاءٍ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ يَقُولُ كُشِفَ عَنْ قُلُوبِهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ «مٰا ذٰا قٰالَ رَبُّكُمْ قٰالُوا الْحَقَّ وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ» .

و قوله:«قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنٰا رَبُّنٰا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنٰا» يقول يقضي بيننا «بِالْحَقِّ وَ هُوَ الْفَتّٰاحُ الْعَلِيمُ » قال: القاضي العليم.

قوله:«وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ كَافَّةً لِلنّٰاسِ »

ص: 202

«وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ كَافَّةً لِلنّٰاسِ » ، لِأَهْلِ الشَّرْقِ وَ الْغَرْبِ وَ أَهْلِ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ هَلْ بَلَغَ رِسَالَتُهُ إِلَيْهِمْ كُلِّهِمْ قُلْتُ : لاَ أَدْرِي، قَالَ : يَا اِبْنَ بُكَيْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ اَلْمَدِينَةِ فَكَيْفَ بَلَغَ أَهْلَ الشَّرْقِ وَ الْغَرْبِ قُلْتُ :

لاَ أَدْرِي، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ جَبْرَئِيلَ فَاقْتَلَعَ الْأَرْضَ بِرِيشَةٍ مِنْ جَنَاحِهِ وَ نَصَبَهَا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَكَانَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ رَاحَتِهِ فِي كَفِّهِ يَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الشَّرْقِ وَ الْغَرْبِ وَ يُخَاطِبُ كُلَّ قَوْمٍ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَ إِلَى نُبُوَّتِهِ بِنَفْسِهِ فَمَا بَقِيَتْ قَرْيَةٌ وَ لاَ مَدِينَةٌ إِلاَّ وَ دَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِنَفْسِهِ .

قال علي بن إبراهيم: ثم حكى الله لنبيه صلّى اللّه عليه و آله قول الكفار من قريش

و غيرهم «وَ قٰالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهٰذَا اَلْقُرْآنِ وَ لاٰ بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ » من كتب الأنبياء «وَ لَوْ تَرىٰ إِذِ الظّٰالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا» و هم الرؤساء «لَوْ لاٰ أَنْتُمْ لَكُنّٰا مُؤْمِنِينَ قٰالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَ نَحْنُ صَدَدْنٰاكُمْ عَنِ الْهُدىٰ » و هو البيان «بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ » ثم يقول «اَلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَ النَّهٰارِ» يعني مكرتم بالليل و النهار و قوله «وَ أَسَرُّوا النَّدٰامَةَ لَمّٰا رَأَوُا الْعَذٰابَ »

قَالَ :

يُسِرُّونَ النَّدَامَةَ فِي اَلنَّارِ إِذَا رَأَوْا وَلِيَّ اللَّهِ فَقِيلَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَ مَا يُغْنِيهِمْ إِسْرَارُ النَّدَامَةِ وَ هُمْ فِي الْعَذَابِ قَالَ : يَكْرَهُونَ شَمَاتَةَ الْأَعْدَاءِ، ثُمَّ افْتَخَرُوا عَلَى اللَّهِ بِالْغِنَى فَقَالُوا «نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوٰالاً وَ أَوْلاٰداً وَ مٰا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ » فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ «قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشٰاءُ وَ يَقْدِرُ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ وَ مٰا أَمْوٰالُكُمْ وَ لاٰ أَوْلاٰدُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنٰا زُلْفىٰ إِلاّٰ مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صٰالِحاً» .

ص: 203

«صٰالِحاً فَأُولٰئِكَ لَهُمْ جَزٰاءُ الضِّعْفِ بِمٰا عَمِلُوا وَ هُمْ فِي الْغُرُفٰاتِ آمِنُونَ » .».

و قوله:«وَ مٰا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَيْرُ الرّٰازِقِينَ »

قَالَ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِنَّ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يُنْزِلُ أَمْرَهُ كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ وَ أَمَامَهُ مَلَكٌ يُنَادِي: هَلْ مِنْ تَائِبٍ يُتَابُ عَلَيْهِ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَيُغْفَرَ لَهُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى سُؤْلَهُ اللَّهُمَّ أَعْطِ لِكُلِّ مُنْفِقٍ خَلَفاً وَ لِكُلِّ مُمْسِكٍ تَلَفاً إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ عَادَ أَمْرُ الرَّبِّ إِلَى عَرْشِهِ فَيُقَسَّمُ الْأَرْزَاقُ بَيْنَ الْعِبَادِ، ثُمَّ قَالَ لِفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ يَا فُضَيْلُ نَصِيبُكَ مِنْ ذَلِكَ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ «وَ مٰا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَيْرُ الرّٰازِقِينَ » .» و قوله:«وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاٰئِكَةِ أَ هٰؤُلاٰءِ إِيّٰاكُمْ كٰانُوا يَعْبُدُونَ » فتقول الملائكة «سُبْحٰانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنٰا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كٰانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ »

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ حَسَّانَ عَنْ هَاشِمِ بْنِ عَمَّارٍ يَرْفَعُهُ : فِي قَوْلِهِ «وَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ مٰا بَلَغُوا مِعْشٰارَ مٰا آتَيْنٰاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كٰانَ نَكِيرِ» قَالَ : كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ رُسُلَهُمْ وَ مَا بَلَغَ مَا آتَيْنَا رُسُلَهُمْ مِعْشَارَ مَا آتَيْنَا مُحَمَّداً وَ آلَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ .

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ

عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِهِ «إِنَّمٰا أَعِظُكُمْ بِوٰاحِدَةٍ »

قَالَ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَلاَيَةِ عَلِيٍّ هِيَ الْوَاحِدَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «قُلْ مٰا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ » وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

سَأَلَ قَوْمَهُ أَنْ يَوَدُّوا أَقَارِبَهُ وَ لاَ يُؤْذُوهُمْ ، وَ أَمَّا قَوْلُهُ : فَهُوَ لَكُمْ يَقُولُ ثَوَابُهُ لَكُمْ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ لَوْ تَرىٰ إِذْ فَزِعُوا فَلاٰ فَوْتَ »

ص: 204

أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

: وَ اللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْقَائِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَدْ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى اَلْحَجَرِ ثُمَّ يَنْشُدُ اللَّهَ حَقَّهُ ثُمَّ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ يُحَاجَّنِي فِي اللَّهِ فَأَنَا أَوْلَى بِاللَّهِ ، أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ يُحَاجَّنِي فِي آدَمَ فَأَنَا أَوْلَى بِآدَمَ ، أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ يُحَاجَّنِي فِي نُوحٍ فَأَنَا أَوْلَى بِنُوحٍ ، أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ يُحَاجَّنِي فِي إِبْرَاهِيمَ فَأَنَا أَوْلَى بِإِبْرَاهِيمَ ، أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ يُحَاجَّنِي فِي مُوسَى فَأَنَا أَوْلَى بِمُوسَى، أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ يُحَاجَّنِي فِي عِيسَى فَأَنَا أَوْلَى بِعِيسَى، أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ يُحَاجَّنِي فِي مُحَمَّدٍ فَأَنَا أَوْلَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ يُحَاجَّنِي فِي كِتَابِ اللَّهِ فَأَنَا أَوْلَى بِكِتَابِ اللَّهِ ، ثُمَّ يَنْتَهِي إِلَى اَلْمَقَامِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَ يَنْشُدُ اللَّهَ حَقَّهُ ، ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : هُوَ وَ اللَّهِ الْمُضْطَرُّ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذٰا دَعٰاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفٰاءَ الْأَرْضِ » فَيَكُونُ أَوَّلُ مَنْ يُبَايِعُهُ جَبْرَئِيلَ ثُمَّ الثَّلاَثُمِائَةِ وَ الثَّلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَمَنْ كَانَ ابْتُلِيَ بِالْمَسِيرِ وَافَاهُ وَ مَنْ لَمْ يُبْتَلَ بِالْمَسِيرِ فُقِدَ عَنْ فِرَاشِهِ وَ هُوَ قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هُمُ الْمَفْقُودُونَ عَنْ فُرُشِهِمْ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ :«فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرٰاتِ أَيْنَ مٰا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّٰهُ جَمِيعاً»

قَالَ : الْخَيْرَاتُ الْوَلاَيَةُ .

وَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:«وَ لَئِنْ أَخَّرْنٰا عَنْهُمُ الْعَذٰابَ إِلىٰ أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ » وَ هُمْ وَ اللَّهِ أَصْحَابُ الْقَائِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَجْتَمِعُونَ وَ اللَّهِ إِلَيْهِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَإِذَا جَاءَ إِلَى اَلْبَيْدَاءِ يَخْرُجُ إِلَيْهِ جَيْشُ اَلسُّفْيَانِيِّ فَيَأْمُرُ اللَّهُ الْأَرْضَ فَتَأْخُذُ أَقْدَامَهُمْ وَ هُوَ قَوْلُهُ «وَ لَوْ تَرىٰ إِذْ فَزِعُوا فَلاٰ فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكٰانٍ قَرِيبٍ وَ قٰالُوا آمَنّٰا بِهِ »

يَعْنِي بِالْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ . «وَ أَنّٰى لَهُمُ التَّنٰاوُشُ مِنْ مَكٰانٍ بَعِيدٍ» إلى قوله «وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مٰا يَشْتَهُونَ » يعني أن لا يعذبوا «كَمٰا فُعِلَ بِأَشْيٰاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ »

يعني من كان قبلهم من المكذبين هلكوا «إِنَّهُمْ كٰانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ » .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ لَوْ تَرىٰ إِذْ فَزِعُوا»

ص: 205

تَحْتِ أَقْدَامِهِمْ خُسِفَ بِهِمْ .

أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ : قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِهِ «وَ أَنّٰى لَهُمُ التَّنٰاوُشُ مِنْ مَكٰانٍ بَعِيدٍ» قَالَ إِنَّهُمْ طَلَبُوا الْهُدَى مِنْ حَيْثُ لاَ يُنَالُ وَ قَدْ كَانَ لَهُمْ مَبْذُولاً مِنْ حَيْثُ يُنَالُ .

35- سورة فاطر مكية آياتها خمس و أربعون 45

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ فٰاطِرِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ جٰاعِلِ الْمَلاٰئِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنىٰ وَ ثُلاٰثَ وَ رُبٰاعَ »

قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : خَلَقَ اللَّهُ الْمَلاَئِكَةَ مُخْتَلِفَةً وَ قَدْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ جَبْرَئِيلَ وَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ عَلَى سَاقِهِ الدُّرُّ مِثْلُ الْقَطْرِ عَلَى الْبَقْلِ قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ قَالَ : إِذَا أَمَرَ اللَّهُ مِيكَائِيلَ بِالْهُبُوطِ إِلَى الدُّنْيَا صَارَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَ الْأُخْرَى فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ وَ إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً أَنْصَافُهُمْ مِنْ بَرْدٍ وَ أَنْصَافُهُمْ مِنْ نَارٍ يَقُولُونَ يَا مُؤَلِّفاً بَيْنَ الْبَرْدِ وَ النَّارِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ، وَ قَالَ : إِنَّ لِلَّهِ مَلَكاً بُعْدُ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ إِلَى عَيْنَيْهِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ خَفَقَانَ الطَّيْرِ، وَ قَالَ : إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ يَأْكُلُونَ وَ لاَ يَشْرَبُونَ وَ لاَ يَنْكِحُونَ وَ إِنَّمَا يَعِيشُونَ بِنَسِيمِ اَلْعَرْشِ ، وَ إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً رُكَّعاً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَ إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً سُجَّداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

مَا مِنْ شَيْ ءٍ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ أَكْثَرَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ وَ إِنَّهُ لَيَهْبِطُ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ فَيَأْتُونَ اَلْبَيْتَ الْحَرَامَ فَيَطُوفُونَ بِهِ ثُمَّ يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ثُمَّ يَأْتُونَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَأْتُونَ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

فَيُقِيمُونَ عِنْدَهُ ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ السَّحَرِ وُضِعَ لَهُمْ مِعْرَاجٌ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ أَبَداً.

ص: 206

تَسْبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ وَ جَعَلَ لَهُمُ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ جَوْدَةَ الْعَقْلِ وَ سُرْعَةَ الْفَهْمِ .

وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي خِلْقَةِ الْمَلاَئِكَةِ .:

«وَ مَلاَئِكَةٌ خَلَقْتَهُمْ وَ أَسْكَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِكَ فَلَيْسَ فِيهِمْ فَتْرَةٌ وَ لاَ عِنْدَهُمْ غَفْلَةٌ وَ لاَ فِيهِمْ مَعْصِيَةٌ ، هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِكَ بِكَ ، وَ أَخْوَفُ خَلْقِكَ مِنْكَ ، وَ أَقْرَبُ خَلْقِكَ إِلَيْكَ وَ أَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِكَ ، لاَ يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ وَ لاَ سَهْوُ الْعُقُولِ وَ لاَ فَتْرَةُ الْأَبْدَانِ ، لَمْ يَسْكُنُوا الْأَصْلاَبَ وَ لَمْ تَتَضَمَّنْهُمُ الْأَرْحَامُ وَ لَمْ تَخْلُقْهُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ، أَنْشَأْتَهُمْ إِنْشَاءً فَأَسْكَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِكَ وَ أَكْرَمْتَهُمْ بِجِوَارِكَ وَ ائْتَمَنْتَهُمْ عَلَى وَحْيِكَ وَ جَنَّبْتَهُمُ الْآفَاتِ وَ وَقَيْتَهُمُ الْبَلِيَّاتِ وَ طَهَّرْتَهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ وَ لَوْ لاَ قُوَّتُكَ لَمْ يَقْوَوْا وَ لَوْ لاَ تَثْبِيتُكَ لَمْ يَثْبُتُوا وَ لَوْ لاَ رَحْمَتُكَ لَمْ يُطِيعُوا وَ لَوْ لاَ أَنْتَ لَمْ يَكُونُوا، أَمَا إِنَّهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ مِنْكَ وَ طَوَاعِيَتِهِمْ (1) إِيَّاكَ وَ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَكَ وَ قِلَّةِ غَفْلَتِهِمْ عَنْ أَمْرِكَ لَوْ عَايَنُوا مَا خَفِيَ عَنْهُمْ مِنْكَ لاَحْتَقَرُوا أَعْمَالَهُمْ وَ لَآزَرُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَ لَعَلِمُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ سُبْحَانَكَ خَالِقاً وَ مَعْبُوداً مَا أَحْسَنَ بَلاَءَكَ عِنْدَ خَلْقِكَ .»

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ

عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْكُوفِيِّينَ

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ :«مٰا يَفْتَحِ اللّٰهُ لِلنّٰاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاٰ مُمْسِكَ لَهٰا»

قَالَ : وَ الْمُتْعَةُ مِنْ ذَلِكَ .

وَ عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ حَسَّانَ عَنْ هَاشِمِ بْنِ عَمَّارٍ يَرْفَعُهُ : فِي قَوْلِهِ :«أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللّٰهَ يُضِلُّ مَنْ يَشٰاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ فَلاٰ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرٰاتٍ إِنَّ اللّٰهَ عَلِيمٌ بِمٰا يَصْنَعُونَ » قَالَ : نَزَلَتْ فِي زُرَيْقٍ وَ حَبْتَرٍ.

قال علي بن إبراهيم: ثم احتج عز و جل على الزنادقة و الدهرية فقال:

«اَللّٰهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيٰاحَ فَتُثِيرُ سَحٰاباً فَسُقْنٰاهُ إِلىٰ بَلَدٍ مَيِّتٍ » و هو الذي لا نبات

ص: 207


1- طَوَاعِيَةٌ اسْمُ مُصْدِرِ طَاعَ .

فيه «فَأَحْيَيْنٰا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا» أي بالمطر ثم قال:«كَذٰلِكَ النُّشُورُ» و قوله «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصّٰالِحُ يَرْفَعُهُ » قال كلمة الإخلاص و الإقرار بما جاء من عند الله من الفرائض و الولاية ترفع العمل الصالح إلى الله

وَ عَنِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ : الْكَلِمُ الطَّيِّبُ قَوْلُ الْمُؤْمِنِ «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ وَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ » وَ قَالَ : وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ الاِعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ إِنَّ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لاَ شَكَّ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : إِنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ مِصْدَاقاً مِنْ عَمَلٍ يُصَدِّقُهُ أَوْ يُكَذِّبُهُ فَإِذَا قَالَ ابْنُ آدَمَ وَ صَدَّقَ قَوْلَهُ بِعَمَلِهِ رَفَعَ قَوْلَهُ بِعَمَلِهِ إِلَى اللَّهِ وَ إِذَا قَالَ وَ خَالَفَ قَوْلُهُ عَمَلَهُ رُدَّ قَوْلُهُ عَلَى عَمَلِهِ الْخَبِيثِ وَ هُوِيَ بِهِ فِي اَلنَّارِ.

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ مٰا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لاٰ يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ » يعني يكتب في كتاب و هو رد على من ينكر البداء

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ مٰا يَسْتَوِي الْبَحْرٰانِ هٰذٰا عَذْبٌ فُرٰاتٌ سٰائِغٌ شَرٰابُهُ وَ هٰذٰا مِلْحٌ أُجٰاجٌ » فَالْأُجَاجُ الْمُرُّ قَوْلُهُ «وَ تَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوٰاخِرَ» يَقُولُ الْفُلْكُ مُقْبِلَةٌ وَ مُدْبِرَةٌ بِرِيحٍ وَاحِدَةٍ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مٰا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ» قال: الجلدة الرقيقة التي على ظهر النواة ثم احتج على عبدة الأصنام

فقال:«إِنْ تَدْعُوهُمْ لاٰ يَسْمَعُوا دُعٰاءَكُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجٰابُوا لَكُمْ » إلى قوله «بِشِرْكِكُمْ » يعني يجحدون بشرككم لهم يوم القيامة

و قوله:«وَ لاٰ تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ » أي لا تحمل آثمة إثم أخرى و قوله:«وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلىٰ حِمْلِهٰا لاٰ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْ ءٌ وَ لَوْ كٰانَ ذٰا قُرْبىٰ » أي لا يحمل ذنب أحد على أحد إلا من يأمر به فيحمله الآمر و المأمور

ص: 208

الناس و الحرور البهائم و قال «وَ مٰا يَسْتَوِي الْأَحْيٰاءُ وَ لاَ الْأَمْوٰاتُ » ثم قال:«إِنَّ اللّٰهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشٰاءُ وَ مٰا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ» قال هؤلاء الكفار لا يسمعون منك كما لا يسمع أهل القبور

و قوله:«وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّٰ خَلاٰ فِيهٰا نَذِيرٌ» قال:

لكل زمان إمام. ثم ذكر كبرياءه فقال:«أَ لَمْ تَرَ» يا محمد «أَنَّ اللّٰهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَأَخْرَجْنٰا بِهِ ثَمَرٰاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوٰانُهٰا» إلى قوله «وَ غَرٰابِيبُ سُودٌ» و هو الغربان «وَ مِنَ النّٰاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعٰامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰانُهُ كَذٰلِكَ إِنَّمٰا يَخْشَى اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ» و معناه يخشاه عباده العلماء.

ثم ذكر المؤمنين المنفقين أموالهم في طاعة الله فقال:«إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتٰابَ اللّٰهِ

وَ أَقٰامُوا الصَّلاٰةَ وَ أَنْفَقُوا مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ سِرًّا وَ عَلاٰنِيَةً يَرْجُونَ تِجٰارَةً لَنْ تَبُورَ» أي لن تخسر، ثم خاطب نبيه صلّى اللّه عليه و آله فقال:«وَ الَّذِي أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ مِنَ اَلْكِتٰابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللّٰهَ بِعِبٰادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ» ثم ذكر آل محمد فقال «ثُمَّ أَوْرَثْنَا اَلْكِتٰابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنٰا مِنْ عِبٰادِنٰا» و هم الأئمة عليهم السّلام ثم قال «فَمِنْهُمْ ظٰالِمٌ لِنَفْسِهِ » من آل محمد غير الأئمة و هو الجاحد للإمام «وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ» و هو المقر بالإمام «وَ مِنْهُمْ سٰابِقٌ بِالْخَيْرٰاتِ بِإِذْنِ اللّٰهِ » و هو الإمام، ثم ذكر ما أعده الله لهم عنده فقال «جَنّٰاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهٰا يُحَلَّوْنَ فِيهٰا مِنْ أَسٰاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ » إلى قوله «لاٰ يَمَسُّنٰا فِيهٰا نَصَبٌ وَ لاٰ يَمَسُّنٰا فِيهٰا لُغُوبٌ » قال: النصب العناد اللغوب الكسل و الضجر و دار المقامة دار البقاء.

ثم ذكر ما أعده لأعدائهم و من خالفهم و ظلمهم فقال «وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نٰارُ جَهَنَّمَ لاٰ يُقْضىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا» إلى قوله «وَ هُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهٰا» أي يصيحون و ينادون «رَبَّنٰا أَخْرِجْنٰا نَعْمَلْ صٰالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنّٰا نَعْمَلُ » فرد الله عليهم فقال:«أَ وَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ مٰا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ» أي عمرتم حتى عرفتم الأمور كلها «وَ جٰاءَكُمُ النَّذِيرُ» يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «فَذُوقُوا فَمٰا لِلظّٰالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ»

ص: 209

ثم حكى الله عز و جل قول قريش فقال:«وَ أَقْسَمُوا بِاللّٰهِ جَهْدَ أَيْمٰانِهِمْ لَئِنْ جٰاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدىٰ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ » يعني الذين هلكوا «فَلَمّٰا جٰاءَهُمْ نَذِيرٌ»

يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «مٰا زٰادَهُمْ إِلاّٰ نُفُوراً اِسْتِكْبٰاراً فِي الْأَرْضِ وَ مَكْرَ السَّيِّئِ وَ لاٰ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّٰ بِأَهْلِهِ »

قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي كِتَابِهِ الَّذِي كَتَبَهُ إِلَى شِيعَتِهِ يَذْكُرُ فِيهِ خُرُوجَ عَائِشَةَ إِلَى اَلْبَصْرَةِ وَ عِظَمَ خَطَإِ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَيْرِ فَقَالَ :

«وَ أَيُّ خَطِيئَةٍ أَعْظَمُ مِمَّا أَتَيَا أَخْرَجَا زَوْجَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ بَيْتِهَا وَ كَشَفَا عَنْهَا حِجَاباً سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا وَ صَانَا حَلاَئِلَهُمَا فِي بُيُوتِهِمَا، مَا أَنْصَفَا لاَ لِلَّهِ وَ لاَ لِرَسُولِهِ مِنْ أَنْفُسِهِمَا، ثَلاَثُ خِصَالٍ مَرْجَعُهَا عَلَى النَّاسِ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْبَغْيُ وَ الْمَكْرُ وَ النَّكْثُ ، قَالَ اللَّهُ :«يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ إِنَّمٰا بَغْيُكُمْ عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ » وَ قَالَ :«فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمٰا يَنْكُثُ عَلىٰ نَفْسِهِ » وَ قَالَ :«وَ لاٰ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّٰ بِأَهْلِهِ » وَ قَدْ بَغَيَا عَلَيْنَا وَ نَكَثَا بَيْعَتِي وَ مَكَرَا بِي.

و قوله:«أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ » قال: أ و لم ينظروا في القرآن و في أخبار الأمم الهالكة «فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كٰانَ عٰاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » قوله:«وَ لَوْ يُؤٰاخِذُ اللّٰهُ النّٰاسَ بِمٰا كَسَبُوا مٰا تَرَكَ عَلىٰ ظَهْرِهٰا مِنْ دَابَّةٍ وَ لٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى» قال: لا يأخذهم عند المعاصي و عند اغترارهم بالله

قَالَ : وَ حَدَّثَنِي أَبِي

عَنِ اَلنَّوْفَلِيِّ عَنِ اَلسَّكُونِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ :

سَبَقَ الْعِلْمُ وَ جَفَّ الْقَلَمُ وَ مَضَى الْقَضَاءُ وَ تَمَّ الْقَدَرُ بِتَحْقِيقِ الْكِتَابِ وَ تَصْدِيقِ الرُّسُلِ بِالسَّعَادَةِ مِنَ اللَّهِ لِمَنْ آمَنَ وَ اتَّقَى وَ بِالشَّقَاءِ لِمَنْ كَذَّبَ وَ كَفَرَ بِالْوَلاَيَةِ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ

ص: 210

مَا تُرِيدُ(1) وَ بِفَضْلِ نِعْمَتِي عَلَيْكَ قَوِيتَ عَلَى مَعْصِيَتِي وَ بِقُوَّتِي وَ عِصْمَتِي وَ عَافِيَتِي أَدَّيْتَ إِلَيَّ فَرَائِضِي وَ أَنَا أَوْلَى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ وَ أَنْتَ أَوْلَى بِذَنْبِكَ مِنِّي، الْخَيْرُ مِنِّي إِلَيْكَ وَاصِلٌ بِمَا أَوْلَيْتُكَ وَ الشَّرُّ مِنِّي إِلَيْكَ بِمَا جَنَيْتَ جَزَاءٌ وَ بِكَثِيرٍ مِنْ تَسْلِيطِي [تَسَلُّطِي] لَكَ انْطَوَيْتَ عَنْ طَاعَتِي وَ بِسُوءِ ظَنِّكَ بِي قَنَطْتَ مِنْ رَحْمَتِي فَلِيَ الْحَمْدُ وَ الْحُجَّةُ عَلَيْكَ بِالْبَيَانِ ، وَ لِيَ السَّبِيلُ عَلَيْكَ بِالْعِصْيَانِ وَ لَكَ الْجَزَاءُ الْحَسَنُ عِنْدِي بِالْإِحْسَانِ ثُمَّ لَمْ أَدَعْ تَحْذِيرَكَ بِي ثُمَّ لَمْ آخُذْكَ عِنْدَ غِرَّتِكَ وَ هُوَ قَوْلُهُ :«وَ لَوْ يُؤٰاخِذُ اللّٰهُ النّٰاسَ بِمٰا كَسَبُوا مٰا تَرَكَ عَلىٰ ظَهْرِهٰا مِنْ دَابَّةٍ » لَمْ أُكَلِّفْكَ فَوْقَ طَاقَتِكَ وَ لَمْ أَحْمِلْكَ مِنَ الْأَمَانَةِ إِلاَّ مَا قَرَرْتَ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ وَ رَضِيتُ لِنَفْسِي مِنْكَ مَا رَضِيتَ بِهِ لِنَفْسِكَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ :«وَ لٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذٰا جٰاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللّٰهَ كٰانَ بِعِبٰادِهِ بَصِيراً» .

36- سورة يس مكية آياتها ثلاث و ثمانون 83

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ يس وَ اَلْقُرْآنِ الْحَكِيمِ »

قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : « يس»

اسْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ :«إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ »

قَالَ : عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ «تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ » قَالَ : اَلْقُرْآنُ . «لِتُنْذِرَ قَوْماً مٰا أُنْذِرَ آبٰاؤُهُمْ فَهُمْ غٰافِلُونَ » إلى قوله «عَلىٰ أَكْثَرِهِمْ » يعني نزل به العذاب

ص: 211


1- الْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنَّ الْمَشِيَّةَ وَ الْإِرَادَةَ الْمَوْجُودَتَيْنِ فِي الْعَبْدِ مِنْ خِلْقَةِ اللَّهِ فَيَجُوزُ اسْتِنَادُهُمَا إِلَى اللَّهِ وَ إِنْ كَانَتِ الْأَفْعَالُ مُسْتَنِدَةً إِلَى الْعَبْدِ فَهَذَا الْخَبَرُ لاَ يُنَافِي الاِخْتِيَارَ وَ قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي الْجَبْرِ وَ التَّفْوِيضِ سَابِقاً فَرَاجِعْ ص 38 1 مِنْ هَذَا الْكِتَابِ . ج. ز.

«فَهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ » و قوله:«إِنّٰا جَعَلْنٰا فِي أَعْنٰاقِهِمْ أَغْلاٰلاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقٰانِ » إلى قوله «فَهُمْ مُقْمَحُونَ » قال: قد رفعوا رءوسهم

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

فِي قَوْلِهِ :«وَ جَعَلْنٰا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنٰاهُمْ » يَقُولُ :

فَأَعْمَيْنَاهُمْ «فَهُمْ لاٰ يُبْصِرُونَ » الْهُدَى أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَهُمْ وَ أَبْصَارَهُمْ وَ قُلُوبَهُمْ فَأَعْمَاهُمْ عَنِ الْهُدَى، نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَ نَفَرٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

قَامَ يُصَلِّي، وَ قَدْ حَلَفَ أَبُو جَهْلٍ لَئِنْ رَآهُ يُصَلِّي لَيَدْمَغَنَّهُ (1) ، فَجَاءَ وَ مَعَهُ حَجَرٌ وَ النَّبِيُّ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَجَعَلَ كُلَّمَا رَفَعَ الْحَجَرَ لِيَرْمِيَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ يَدَهُ إِلَى عُنُقِهِ وَ لاَ يَدُورُ الْحَجَرُ بِيَدِهِ ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ سَقَطَ الْحَجَرُ مِنْ يَدِهِ ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ وَ هُوَ مِنْ رَهْطِهِ أَيْضاً فَقَالَ أَنَا أَقْتُلُهُ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ فَجَعَلَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

فَأُرْعِبَ فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ : حَالَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ كَهَيْئَةِ الْعِجْلِ يَخْطِرُ بِذَنَبِهِ (2) فَخِفْتُ أَنْ أَتَقَدَّمَ .، و قوله:«سَوٰاءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ » فلم يؤمن من أولئك الرهط من بني مخزوم أحد يعني ابن المغيرة.

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ سَوٰاءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ » إلى قوله «وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ » أي في كتاب مبين و هو محكم

وَ ذَكَرَ اِبْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ : أَنَا وَ اللَّهِ الْإِمَامُ الْمُبِينُ أُبِينُ لِلْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ وَ وَرِثْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ . و هو محكم.

و قوله:«وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحٰابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جٰاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنٰا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمٰا فَعَزَّزْنٰا بِثٰالِثٍ فَقٰالُوا إِنّٰا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ »

قَالَ : فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي

عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ص: 212


1- دَمَغَهُ : شَجَّهُ حَتَّى بَلَغَتِ الشَّجَّةُ دِمَاغَهُ .
2- خَطَرَ الْعِجْلُ بِذَنَبِهِ : رَفَعَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَ ضَرَبَ بِهِ فَخِذَيْهِ . ج. ز.

قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ : بَعَثَ اللَّهُ رَجُلَيْنِ إِلَى أَهْلِ مَدِينَةِ أَنْطَاكِيَةَ

فَجَاءَهُمْ بِمَا لاَ يَعْرِفُونَ فَغَلَّظُوا عَلَيْهِمَا فَأَخَذُوهُمَا وَ حَبَسُوهُمَا فِي بَيْتِ الْأَصْنَامِ ، فَبَعَثَ اللَّهُ الثَّالِثَ فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ فَقَالَ : أَرْشِدُونِي إِلَى بَابِ الْمَلِكِ قَالَ : فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَلِكِ قَالَ : أَنَا رَجُلٌ كُنْتُ أَتَعَبَّدُ فِي فَلاَةٍ مِنَ الْأَرْضِ وَ قَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَعْبُدَ إِلَهَ الْمَلِكِ فَأَبْلَغُوا كَلاَمَهُ الْمَلِكَ ، فَقَالَ : أَدْخِلُوهُ إِلَى بَيْتِ الْآلِهَةِ فَأَدْخَلُوهُ فَمَكَثَ سَنَةً مَعَ صَاحِبَيْهِ ، فَقَالَ بِهَذَا يُنْقَلُ قَوْمٌ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ بِالْحِذْقِ [بِالْحَرْفِ ] أَ فَلاَ رَفَقْتُمَا ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: لاَ تُقِرَّانِ بِمَعْرِفَتِي ثُمَّ أُدْخِلَ عَلَى الْمَلِكِ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ بَلَغَنِي أَنَّكَ كُنْتَ تَعْبُدُ إِلَهِي فَلَمْ أَزَلْ وَ أَنْتَ أَخِي فَاسْأَلْنِي حَاجَتَكَ ! قَالَ : مَا لِي حَاجَةٌ أَيُّهَا الْمَلِكُ وَ لَكِنْ رَأَيْتُ رَجُلَيْنِ فِي بَيْتِ الْآلِهَةِ فَمَا بَالُهُمَا قَالَ الْمَلِكُ : هَذَانِ رَجُلاَنِ أَتَيَانِي بِبُطْلاَنِ دِينِي وَ يَدْعُوَانِي إِلَى إِلَهٍ سَمَاوِيٍّ ، فَقَالَ أَيُّهَا الْمَلِكُ فَمُنَاظَرَةٌ جَمِيلَةٌ فَإِنْ يَكُنِ الْحَقُّ لَهُمَا اتَّبَعْنَاهُمَا وَ إِنْ يَكُنِ الْحَقُّ لَنَا دَخَلاَ مَعَنَا فِي دِينِنَا، فَكَانَ لَهُمَا مَا لَنَا وَ مَا عَلَيْهِمَا مَا عَلَيْنَا قَالَ فَبَعَثَ الْمَلِكُ إِلَيْهِمَا فَلَمَّا دَخَلاَ إِلَيْهِ قَالَ لَهُمَا صَاحِبُهُمَا مَا الَّذِي جِئْتُمَا بِهِ قَالاَ جِئْنَا نَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ يَخْلُقُ فِي الْأَرْحَامِ مَا يَشَاءُ وَ يُصَوِّرُ كَيْفَ يَشَاءُ وَ أَنْبَتَ الْأَشْجَارَ وَ الْأَثْمَارَ وَ أَنْزَلَ الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ.

ص: 213

بِحُجَّتَيْنِ وَ أَتَيْنَا بِمِثْلِهِ وَ لَكِنْ بَقِيَ شَيْ ءٌ وَاحِدٌ فَإِنْ هُمَا فَعَلاَهُ دَخَلْتُ مَعَهُمَا فِي دِينِهِمَا ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ لِلْمَلِكِ ابْنٌ وَاحِدٌ وَ مَاتَ فَإِنْ أَحْيَاهُ إِلَهُهُمَا دَخَلْتُ مَعَهُمَا فِي دِينِهِمَا، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : وَ أَنَا أَيْضاً مَعَكَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا قَدْ بَقِيَتْ هَذِهِ الْخَصْلَةُ الْوَاحِدَةُ قَدْ مَاتَ ابْنُ الْمَلِكِ فَادْعُوَا إِلَهَكُمَا فَيُحْيِيَهُ ، قَالَ فَخَرَّا إِلَى الْأَرْضِ سَاجِدَيْنِ لِلَّهِ وَ أَطَالاَ السُّجُودَ ثُمَّ رَفَعَا رَأْسَيْهِمَا وَ قَالاَ لِلْمَلِكِ ابْعَثْ إِلَى قَبْرِ ابْنِكَ تَجِدْهُ قَدْ قَامَ مِنْ قَبْرِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، قَالَ فَخَرَجَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ فَوَجَدُوهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ التُّرَابِ ، قَالَ فَأُتِيَ بِهِ الْمَلِكَ فَعَرَفَ أَنَّهُ ابْنُهُ ، فَقَالَ لَهُ مَا حَالُكَ يَا بُنَيَّ قَالَ كُنْتُ مَيِّتاً فَرَأَيْتُ رَجُلَيْنِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ رَبِّي السَّاعَةَ سَاجِدَيْنِ يَسْأَلاَنِهِ أَنْ يُحْيِيَنِي فَأَحْيَانِي، قَالَ تَعْرِفُهُمَا إِذَا رَأَيْتَهُمَا قَالَ نَعَمْ ، قَالَ : فَأَخْرَجَ النَّاسَ جُمْلَةً إِلَى الصَّحْرَاءِ فَكَانَ يَمُرُّ عَلَيْهِ رَجُلٌ رَجُلٌ فَيَقُولُ لَهُ أَبُوهُ انْظُرْ فَيَقُولُ لاَ لاَ ثُمَّ مَرُّوا عَلَيْهِ بِأَحَدِهِمَا بَعْدَ جَمْعٍ كَثِيرٍ، فَقَالَ هَذَا أَحَدُهُمَا وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَيْهِ ثُمَّ مَرُّوا أَيْضاً بِقَوْمٍ كَثِيرِينَ حَتَّى رَأَى صَاحِبَهُ الْآخَرَ فَقَالَ وَ هَذَا الْآخَرُ، قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَاحِبُ الرَّجُلَيْنِ أَمَّا أَنَا فَقَدْ آمَنْتُ بِإِلَهِكُمَا وَ عَلِمْتُ أَنَّ مَا جِئْتُمَا بِهِ هُوَ الْحَقُّ قَالَ فَقَالَ الْمَلِكُ وَ أَنَا أَيْضاً آمَنْتُ بِإِلَهِكُمَا ذَلِكَ وَ آمَنَ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ كُلُّهُمْ .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهٰا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لاَ اللَّيْلُ سٰابِقُ النَّهٰارِ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ » يَقُولُ الشَّمْسُ سُلْطَانُ النَّهَارِ وَ الْقَمَرُ سُلْطَانُ اللَّيْلِ لاَ يَنْبَغِي لِلشَّمْسِ أَنْ تَكُونَ مَعَ ضَوْءِ الْقَمَرِ بِاللَّيْلِ وَ لاَ يَسْبِقُ اللَّيْلُ النَّهَارَ يَقُولُ لاَ يَذْهَبُ اللَّيْلُ حَتَّى يُدْرِكَهُ النَّهَارُ «وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ » يَقُولُ يَجِيءُ [يَجْرِي] وَرَاءَ الْفَلَكِ الاِسْتِدَارَةُ . و قوله «إِنّٰا تَطَيَّرْنٰا بِكُمْ » قال بأسمائكم و قوله «وَ جٰاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعىٰ قٰالَ يٰا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ » قال نزلت في حبيب النجار إلى قوله «وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ » و قوله «إِنْ كٰانَتْ إِلاّٰ صَيْحَةً وٰاحِدَةً فَإِذٰا هُمْ خٰامِدُونَ » أي ميتون.

ص: 214

و قوله:«سُبْحٰانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوٰاجَ كُلَّهٰا مِمّٰا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ مِمّٰا لاٰ يَعْلَمُونَ »

قَالَ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنِ اَلْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

قَالَ : إِنَّ النُّطْفَةَ تَقَعُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ عَلَى النَّبَاتِ وَ التَّمْرِ وَ الشَّجَرِ فَتَأْكُلُ النَّاسُ مِنْهُ وَ الْبَهَائِمُ فَتَجْرِي فِيهِمْ . و قوله:«وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهٰارَ فَإِذٰا هُمْ مُظْلِمُونَ » أي نخرج و قوله «وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهٰا ذٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ »

إلى قوله «كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ » قال: العرجون طلع النخل و هو مثل الهلال في أول طلوعه.

قَالَ : وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ دَاوُدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَهْدِيِّ قَالَ : دَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ الْمُكَارِي

عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ أَ بَلَغَ مِنْ قَدْرِكَ أَنْ تَدَّعِيَ مَا ادَّعَى أَبُوكَ

فَقَالَ لَهُ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا لَكَ أَطْفَأَ اللَّهُ نُورَكَ وَ أَدْخَلَ الْفَقْرَ بَيْتَكَ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى عِمْرَانَ أَنِّي وَاهِبٌ لَكَ ذَكَراً فَوَهَبَ لَهُ مَرْيَمَ وَ وَهَبَ لِمَرْيَمَ عِيسَى فَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مِنْ مَرْيَمَ وَ مَرْيَمُ مِنْ عِيسَى وَ مَرْيَمُ وَ عِيسَى شَيْ ءٌ وَاحِدٌ وَ أَنَا مِنْ أَبِي وَ أَبِي

مِنِّي وَ أَنَا وَ أَبِي شَيْ ءٌ وَاحِدٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ فَأَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ ! قَالَ : سَلْ وَ لاَ إِخَالُكَ تَقْبَلُ مِنِّي وَ لَسْتَ مِنْ غَنَمِي وَ لَكِنْ هَاتِهَا، فَقَالَ لَهُ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لَهُ قَدِيمٍ فَهُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ ، مَا كَانَ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَهُوَ قَدِيمٌ وَ هُوَ حُرٌّ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ «وَ الْقَمَرَ قَدَّرْنٰاهُ مَنٰازِلَ حَتّٰى عٰادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ »

فَمَا كَانَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ قَدِيمٌ حُرٌّ، قَالَ : فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَ افْتَقَرَ وَ ذَهَبَ بَصَرُهُ ثُمَّ مَاتَ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ لَيْسَ عِنْدَهُ مَبِيتُ لَيْلَةٍ .

و قوله:«وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنّٰا حَمَلْنٰا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ » قال السفن الملية «وَ خَلَقْنٰا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مٰا يَرْكَبُونَ » يعني الدواب و الأنعام

ص: 215

و لا يوصي بوصية

و ذلك قوله «فَلاٰ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَ لاٰ إِلىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ »

و قوله «وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذٰا هُمْ مِنَ الْأَجْدٰاثِ إِلىٰ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ » قال من القبور.

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «يٰا وَيْلَنٰا مَنْ بَعَثَنٰا مِنْ مَرْقَدِنٰا» فَإِنَّ الْقَوْمَ كَانُوا فِي الْقُبُورِ فَلَمَّا قَامُوا حَسِبُوا أَنَّهُمْ كَانُوا نِيَاماً «قٰالُوا يٰا وَيْلَنٰا مَنْ بَعَثَنٰا مِنْ مَرْقَدِنٰا» قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ «هٰذٰا مٰا وَعَدَ الرَّحْمٰنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ » .

قال علي بن إبراهيم ثم ذكر النفخة الثانية فقال «إِنْ كٰانَتْ إِلاّٰ صَيْحَةً وٰاحِدَةً فَإِذٰا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنٰا مُحْضَرُونَ » و قوله «إِنَّ أَصْحٰابَ اَلْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فٰاكِهُونَ » قال في افتضاض العذارى فاكهون، قال يفاكهون النساء و يلاعبونهن

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«فِي ظِلاٰلٍ عَلَى الْأَرٰائِكِ مُتَّكِؤُنَ » الْأَرَائِكُ السُّرُرُ عَلَيْهَا الْحِجَالُ .

، و قال علي بن إبراهيم في قوله «سَلاٰمٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ » قال السلام منه تعالى هو الأمان

و قوله «وَ امْتٰازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ » قال إذا جمع الله الخلق يوم القيامة بقوا قياما على أقدامهم حتى يلجمهم العرق فينادوا يا رب حاسبنا و لو إلى النار فيبعث الله رياحا فتضرب بينهم و ينادي مناد «وَ امْتٰازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ » فيميز بينهم فصار المجرمون إلى النار

و من كان في قلبه إيمان صار إلى الجنة

و قوله «وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً» يعني خلقا كثيرا قد هلك

و قوله:«اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلىٰ أَفْوٰاهِهِمْ » إلى قوله «بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ » قال: إذا جمع الله الخلق يوم القيامة دفع إلى كل إنسان كتابه فينظرون فيه فينكرون أنهم عملوا من ذلك شيئا فتشهد عليهم الملائكة فيقولون يا رب ملائكتك يشهدون لك ثم يحلفون أنهم لم يعملوا من ذلك شيئا و هو قوله «يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّٰهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمٰا يَحْلِفُونَ لَكُمْ » فإذا فعلوا ذلك ختم الله على ألسنتهم و تنطق جوارحهم «بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ »

ص: 216

يعني في الدنيا «فَمَا اسْتَطٰاعُوا مُضِيًّا وَ لاٰ يَرْجِعُونَ »

و قوله «وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَ فَلاٰ يَعْقِلُونَ » فإنه رد على الزنادقة الذين يبطلون التوحيد و يقولون إن الرجل إذا نكح المرأة و صارت النطفة في رحمها تلقته الأشكال من الغذاء و دار عليه الفلك و مر عليه الليل و النهار فيولد الإنسان بالطبائع من الغذاء و مرور الليل و النهار فنقض الله عليهم قولهم في حرف واحد فقال:«وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَ فَلاٰ يَعْقِلُونَ » قال لو كان هذا كما يقولون لكان ينبغي أن يزيد الإنسان أبدا ما دامت الأشكال قائمة و الليل و النهار قائمين و الفلك يدور فكيف صار يرجع إلى النقصان كلما ازداد في الكبر إلى حد الطفولية و نقصان السمع و البصر و القوة و العلم و المنطق حتى ينتكس و لكن ذلك من خلق العزيز العليم و تقديره.

و قوله:«وَ مٰا عَلَّمْنٰاهُ الشِّعْرَ وَ مٰا يَنْبَغِي لَهُ » قال: كانت قريش تقول إن هذا الذي يقول محمد شعر فرد الله عليهم فقال «وَ مٰا عَلَّمْنٰاهُ الشِّعْرَ وَ مٰا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاّٰ ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ » و لم يقل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شعرا قط

و قوله:

«لِيُنْذِرَ مَنْ كٰانَ حَيًّا» يعني مؤمنا حي القلب و قوله:«وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى اَلْكٰافِرِينَ » يعني العذاب

و قوله:«أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّٰا خَلَقْنٰا لَهُمْ مِمّٰا عَمِلَتْ أَيْدِينٰا أَنْعٰاماً»

أي خلقناها بقوتنا

و قوله «وَ ذَلَّلْنٰاهٰا لَهُمْ » يعني الإبل مع قوتها و عظمها يسوقها الطفل

و قوله «وَ لَهُمْ فِيهٰا مَنٰافِعُ وَ مَشٰارِبُ أَ فَلاٰ يَشْكُرُونَ » يعني ما يكسبون بها و ما يركبونها و قوله «وَ مَشٰارِبُ » يعني ألبانها

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

: فِي قَوْلِهِ «وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لاٰ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَ هُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ » يَقُولُ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْآلِهَةُ لَهُمْ نَصْراً وَ هُمْ لَهُمْ أَيْ لِلْآلِهَةِ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ .

ص: 217

و قوله «فَإِذٰا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ » أي ناطق عالم بليغ

و قوله:

«وَ ضَرَبَ لَنٰا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قٰالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظٰامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ » فقال الله عز و جل «قُلْ »

يا محمد «يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهٰا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ » .

قال فلو أن الإنسان تفكر في خلقة نفسه لدله ذلك على خالقه لأنه يعلم كل إنسان أنه ليس بقديم لأنه يرى نفسه و غيره مخلوقا محدثا و يعلم أنه لم يخلق نفسه لأن كل خالق قبل خلقه و لو خلق نفسه لدفع عنها الآفات و الأوجاع و الأمراض و الموت فيثبت عند ذلك أن لها خالقا مدبرا «هُوَ اللّٰهُ الْوٰاحِدُ الْقَهّٰارُ»

قوله «اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نٰاراً فَإِذٰا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ » و هو المرخ و العفار(1) و يكون في ناحية بلاد الغرب فإذا أرادوا أن يستوقدوا أخذوا من ذلك الشجر ثم أخذوا عودا فحركوه فيه فيستوقدون منه النار ثم قال عز و جل «أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ بِقٰادِرٍ» إلى قوله «كُنْ فَيَكُونُ » قال خزائنه في كاف و نون «فَسُبْحٰانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ »

37- سورة الصافات مكية و هي مائة و اثنتان و ثمانون آية 182

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ الصَّافّٰاتِ صَفًّا» قال: الملائكة و الأنبياء و من صف لله و عبده «فَالزّٰاجِرٰاتِ زَجْراً» الذين يزجرون الناس «فَالتّٰالِيٰاتِ ذِكْراً»

الذين يقرءون الكتاب من الناس فهو قسم و جوابه «إِنَّ إِلٰهَكُمْ لَوٰاحِدٌ رَبُّ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا وَ رَبُّ الْمَشٰارِقِ إِنّٰا زَيَّنَّا السَّمٰاءَ الدُّنْيٰا بِزِينَةٍ الْكَوٰاكِبِ »

ص: 218


1- شجران يتخذ منهما الزناد.

مِثْلُ الْمَدَائِنِ الَّتِي فِي الْأَرْضِ مَرْبُوطَةٌ كُلُّ مَدِينَةٍ بِعَمُودٍ [إِلَى عَمُودٍ] مِنْ نُورٍ طُولُ ذَلِكَ الْعَمُودِ فِي السَّمَاءِ مَسِيرَةُ مِائَتَيْنِ وَ خَمْسِينَ سَنَةً (1).

و قوله «وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطٰانٍ مٰارِدٍ»

ص: 219


1- لاَ يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ أَكْبَرِ الْبَرَاهِينِ عَلَى حَقِيقَةِ الْإِسْلاَمِ فِي عَصْرِ عُلُومٍ مُتَجَدِّدَةٍ وَسِعَتْ نِطَاقُهَا بَيْنَ الذُّرَةِ وَ ذُرَى السَّمَاءِ حَيْثُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى وُجُودِ الْعُمْرَانِ فِي السَّيَّارَاتِ حَسْبُ ، بَلْ إِنَّهُ دَلَّ عَلَى قَانُونِ التَّمَايُلِ وَ التَّجَاذُبِ بَيْنَهَا أَيْضاً قَالَ الْعَلاَّمَةُ الشَّهْرِسْتَانِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ ) فِي الْهَيْئَةِ وَ الْإِسْلاَمِ ص 294: «قَوْلُهُ : مَرْبُوطَةٌ مِنْ نُورٍ، قَدْ يَكُونُ إِشَارَةً إِلَى تَأْثِيرِ جَاذِبِيَّةِ الشَّمْسِ فِي حِفْظِ نِظَامِ السَّيَّارَاتِ ، وَ اتِّصَالِ حَامِلِ الْجَاذِبِيَّةِ بِالنُّجُومِ عَلَى نَحْوِ الْخَطِّ الْعَمُودِيِّ - كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْحُكَمَاءُ الْمُتَأَخِّرُونَ ، وَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: «بِعَمُودَيْنِ مِنْ نُورٍ» يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى مَا تُقُرِّرَ أَخِيراً أَنَّ نِظَامَ السَّيَّارَاتِ تَحْفَظُهُ قُوَّتَانِ مِنَ الشَّمْسِ بِسَبَبِ التَّحَرُّكِ الدَّوْرِيِّ ، فَلَوِ انْفَرَدَتِ الْأُولَى فِي التَّأْثِيرِ وَ لَمْ تُكَافِئْهَا الثَّانِيَةُ لَهَوَتْ جُمْلَةُ السَّيَّارَاتِ فِي كُورَةِ الشَّمْسِ ، وَ لَوِ انْفَرَدَتِ الثَّانِيَةُ وَ لَمْ تُكَافِئْهَا الْأُولَى لَرُمِيَتِ النُّجُومُ إِلَى خَارِجِ نِظَامِ الشَّمْسِ مِنَ الْفَضَاءِ الْوَسِيعِ وَ إِنَّمَا اسْتَقَرَّتِ السَّيَّارَاتُ فِي أَفْلاَكِهَا الْمُعَيَّنَةِ وَ انْضَبَطَ نِظَامُهَا بِوَاسِطَةِ ارْتِبَاطِهَا مَعَ الشَّمْسِ بِعَمُودَيْنِ وَ انْقِيَادِهَا بَيْنَ جَاذِبٍ وَ دَافِعٍ ». وَ كَيْفَ كَانَ فَقَدْ ذَهَبَ حُكَمَاءُ الْعَصْرِ إِلَى عِمْرَانِ الْكَوَاكِبِ وَ إِنِ اخْتَلَفَتْ آرَاؤُهُمْ فِي كَيْفِيَّاتِهِ فَلْنُقَدِّمْ نُبْذَةً مِنْهَا، فَفِي الْهَيْئَةِ وَ الْإِسْلاَمِ ص 277: «قَالَ مِيخَائِيلُ فِي مَشْهَدِ الْكَائِنَاتِ فِي الْمِرِّيخِ : وَ فِي جَوِّ هَذَا السَّيَّارِ غُيُومٌ وَ ضِبَابٌ مِنْ أَبْخِرَةِ مَاءٍ كَمَا شُوهِدَ ذَلِكَ بِالْمَنْظَرِ الطَّيْفِيِّ وَ مِنْ هَذَا اسْتَنْتَجَ الْجَوَابَةَ أَنَّ فِي الْمِرِّيخِ أَنْهُراً تَجْرِي فِيهَا الْمِيَاهُ الْمُتَسَاقِطَةُ مِنْ هَذَا الْبُخَارِ وَ أَوْدِيَةً وَ جِبِالاً وَ مَجَارِيَ هَوَائِيَّةً ، فَيَكُونُ جَوُّهَا كَجَوِّنَا مُرَكَّباً مِنْ مَوَادَّ وَاحِدَةٍ ، وَ بَرُّهَا كَبَرِّنَا آهِلاً بِخَلاَئِقَ تَتَمَشَّى عَلَى سُنَنِ خَلاَئِقِ أَرْضِنَا. وَ فِي مجلة الْهِلاَلِ الْمِصْرِيَّةِ الْمُجَلَّدِ 11 87: أَنَّ الْأُسْتَاذَ (هوف) الأمريكائي أَلْقَى خِطَاباً مِنْ عَهْدٍ قَرِيبٍ فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّ الْمِرِّيخَ وَ الزُّهَرَةَ وَ عُطَارِدَ آهِلَةٌ بِالنَّاسِ وَ سَائِرِ الْأَحْيَاءِ، وَ أَنَّ سُكَّانَهَا أَرْقَى مِنْ سُكَّانِ الْأَرْضِ بَدَناً وَ عَقْلاً. قَالَ : وَ لَمَّا كَانَ الْمِرِّيخُ أَكْبَرَ سِنّاً مِنَ الْأَرْضِ وَ قَدْ جَمَدَ وَ بَرَدَ قَبْلَ الْأَرْضِ بِأَزْمَانٍ فَالْإِنْسَانُ وُجِدَ فِيهِ قَبْلَ وُجُودِهِ فِي الْأَرْضِ وَ ارْتَقَى أَكْثَرَ مِنِ ارْتِقَائِهِ فِيهَا. وَ فِي تَقْوِيمِ الْمُؤَيَّدِ لِسَنَةِ 1319 هج لمحرره الْفَاضِلِ مَحْمُودٍ فندي: الْمُقَرَّرُ الْآنَ أَنَّ زُهْرَةَ وَ عُطَارِدَ نَظَراً لِحَدَاثَةِ وُجُودِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَرْضِنَا غَيْرُ قَابِلَتَيْنِ لِلسُّكْنَى، وَ لَوْ وُجِدَ فِيهِمَا فَهُمْ كَسُكَّانِ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ الْإِنْسَانِ . وَ قَالَ الْكَاتِبُ (برنادرن) إِنَّ سُكَّانَ الزُّهَرَةِ يُشْبِهُونَ سُكَّانَ الْأَرْضِ وَ بَعْضُ رُعَاةِ الْأَغْنَامِ وَ الْمَاشِيَةِ عَلَى قمم الْجِبَالِ ، وَ الْبَعْضُ الْآخَرُ يُقِيمُونَ عَلَى ضفاف الْأَنْهَارِ إِذْ يَقْضُونَ أَوْقَاتَهُمْ فِي الرَّقْصِ وَ مَدِّ الْمَوَائِدِ وَ التَّغَنِّي وَ التسابق فِي السِّبَاحَةِ ، وَ قَالَ فونتنل عَنْ سُكَّانِ عُطَارِدٍ: إِنَّهُمْ يَسْكُنُونَ أَصْغَرَ الْمَنَازِلِ لِصِغَرِ أَجْسَامِهِمْ ، وَ إِنَّهُمْ لِشِدَّةِ حَرِّ الشَّمْسِ مصابون بِالْجُنُونِ . وَ قَالَ آخَرُ فِي كِتَابِهِ الْمَطْبُوعِ سَنَةَ 1750 بِعُنْوَانِ (سِيَاحَةِ عُطَارِدٍ) إِنَّ العطارديين كالملائكة لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ بِهَا فِي الْجَوِّ وَ إِنْ جُسُومَهُمْ أَصْغَرُ مِنْ جُسُومِنَا. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقَاوِيلِ الْمُخْتَلِفَةِ وَ الْآرَاءِ الْمُتَشَتِّتَةِ ، وَ لاَ شَكَّ فِي أَنَّ هَذِهِ الاستكشافات نتيجة غَوْصِ عُلَمَائِهِمْ فِي بِحُورٍ مطالعة الْكَوْنِ أعقابا، وَ هيامهم حَوْلَ أسرارها أَحْقَاباً وَ بَعْدَ اللتيا وَ الَّتِي لَمْ يفيدوا إِلاَّ ظَنّاً وَ تخمينا، وَ لَمْ تَبْلُغْ اجتهاداتهم حَتْماً وَ يَقِيناً كَمَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنْ كَلِمَاتِهِمْ ذَكَرْنَاهَا آنِفاً. وَ كَيْفَ لاَ تُطَأْطَأُ رُءُوسُ الْمَخْلُوقِينَ لِمَنْ أَخْبَرَ قَبْلَ أَلْفِ عَامٍ وَ أَزْيَدَ بِخَبَرٍ يَقِينٍ لاَ عَنْ ظَنٍّ وَ تخمينٍ بِأَنَّ هُنَاكَ سُكَّاناً وَ عُمْرَاناً وَ هُمْ أَعْلَى مِنَّا شَرَفاً وَ مَكَاناً. فَفِي تَفْسِيرِ الْبُرْهَانِ لِلسَّيِّدِ هَاشِمٍ الْبَحْرَانِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : مِنْ وَرَاءِ شَمْسِكُمْ هَذِهِ أَرْبَعُونَ عَيْنَ شَمْسٍ مَا بَيْنَ عَيْنِ شَمْسٍ إِلَى عَيْنِ شَمْسٍ أَرْبَعُونَ عَاماً، فِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ أَوْ لَمْ يَخْلُقْهُ . وَ فِيهِ وَ فِي الْبِحَارِ وَ الْكَافِي وَ بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ وَ الْأَنْوَارِ النعمانية لِلسَّيِّدِ الْجَزَائِرِيِّ عَنْ عَجْلاَنَ بْنِ أَبِي صَالِحٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قُبَّةِ آدَمَ ، فَقُلْتُ لَهُ هَذِهِ قُبَّةُ آدَمَ فَقَالَ نَعَمْ ، وَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قِبَابٌ كَثِيرَةٌ ، أَمَا إِنَّ لِلَّهِ لَخَلْفَ مَغْرِبِكُمْ هَذِهِ تِسْعَةٌ وَ تِسْعُونَ مَغْرِباً أَرْضاً بَيْضَاءَ مَمْلُوءَةً خَلْقاً يَسْتَضِيئُونَ بِنُورِهَا، لَمْ يَعْصُوا اللَّهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، فَهَذَا بَيَانُ كَثْرَةِ الْأَرَاضِي فِي الْفَضَاءِ وَ امْتِلاَءِ الْكُلِّ خَلْقاً كَمَا يَرَاهُ جُمْلَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَ الضَّمِيرُ فِي «بِنُورِهَا» رَاجِعٌ إِلَى الشَّمْسِ . وَ فِي كِتَابِ (فَلَكِ السَّعَادَةِ ) للفاضل اعتضاد السلطنة ابْنِ الخاقان فَتَح عَلِي شَاه قاجار قَالَ مَا مَعْنَاهُ : إِنِّي عَرَضْتُ هَذَا الْخَبَرَ عَلَى بَعْضِ حُكَمَاءِ أوربا فَقَالَ - بَعْدَ استغرابه -: لَوْ كُنْتُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صُدُورِ هَذَا الْكَلاَمِ مِنْ وَصِيِّ نَبِيِّكُمْ لَآمَنْتُ بِهِ وَ أَسْلَمْتُ . ج. ز.

قال المارد الخبيث «لاٰ يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلىٰ وَ يُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جٰانِبٍ دُحُوراً»

ص: 220

يعني الكواكب التي يرمون بها «وَ لَهُمْ عَذٰابٌ وٰاصِبٌ » أي واجب و قوله «إِلاّٰ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ » يعني يسمعون الكلمة فيحفظونها «فَأَتْبَعَهُ شِهٰابٌ ثٰاقِبٌ »

و هو ما يرمون به فيحرقون

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : «عَذٰابٌ وٰاصِبٌ » أَيْ دَائِمٌ مُوجِعٌ قَدْ وَصَلَ إِلَى قُلُوبِهِمْ وَ قَوْلُهُ «شِهٰابٌ ثٰاقِبٌ »

أَيْ مُضِيءٌ إِذَا أَصَابَهُمْ نَفَوْا بِهِ .

ص: 221

يعني يلزق باليد «بَلْ عَجِبْتَ وَ يَسْخَرُونَ وَ إِذٰا ذُكِّرُوا لاٰ يَذْكُرُونَ وَ إِذٰا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ » يعني قريشا ثم حكى قول الدهرية من قريش فقال:«أَ إِذٰا مِتْنٰا وَ كُنّٰا تُرٰاباً وَ عِظٰاماً» إلى قوله «دٰاخِرُونَ » أي مطروحون في النار و قوله «اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْوٰاجَهُمْ » قال الذين ظلموا آل محمد حقهم و أزواجهم قال و أشباههم

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

: «فَاهْدُوهُمْ إِلىٰ صِرٰاطِ اَلْجَحِيمِ » يَقُولُ ادْعُوهُمْ إِلَى طَرِيقِ اَلْجَحِيمِ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ » قال عن ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام

و قوله «بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ » يعني للعذاب ثم حكى الله عز و جل عنهم قولهم «وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ يَتَسٰاءَلُونَ قٰالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنٰا عَنِ الْيَمِينِ » يعني فلانا

و فلانا «قٰالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ » و قوله «فَحَقَّ عَلَيْنٰا قَوْلُ رَبِّنٰا إِنّٰا لَذٰائِقُونَ »

قال العذاب «فَأَغْوَيْنٰاكُمْ إِنّٰا كُنّٰا غٰاوِينَ » و قوله «فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذٰابِ مُشْتَرِكُونَ »

إلى قوله «يَسْتَكْبِرُونَ » فإنه محكم و قوله «وَ يَقُولُونَ أَ إِنّٰا لَتٰارِكُوا آلِهَتِنٰا لِشٰاعِرٍ مَجْنُونٍ » يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فرد الله عليهم «بَلْ جٰاءَ بِالْحَقِّ وَ صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ »

الذين كانوا قبله.

ثم حكى ما أعد الله للمؤمنين «أُولٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ » يعني في الجنة

و قوله:«لاٰ فِيهٰا غَوْلٌ » يعني الفساد «وَ لاٰ هُمْ عَنْهٰا يُنْزَفُونَ » أي لا يطردون منها

و قوله «وَ عِنْدَهُمْ قٰاصِرٰاتُ الطَّرْفِ عِينٌ » يعني الحور العين يقصر الطرف عن النظر إليها من صفائها «كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ » يعني مخزون

«فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ يَتَسٰاءَلُونَ قٰالَ قٰائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كٰانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ » أي تصدق بما يقول لك إنك إذا مت حييت قال فيقول لصاحبه «هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ » قال «فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوٰاءِ اَلْجَحِيمِ » قال فيقول له «تَاللّٰهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَ لَوْ لاٰ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ »

ص: 222

يَقُولُ فِي وَسَطِ اَلْجَحِيمِ .

قال علي بن إبراهيم ثم يقولون في الجنة «أَ فَمٰا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاّٰ مَوْتَتَنَا الْأُولىٰ وَ مٰا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هٰذٰا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ »

قَالَ : فَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ

وَ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ دُرُسْتَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِذَا دَخَلَ أَهْلُ اَلْجَنَّةِ اَلْجَنَّةَ وَ أَهْلُ اَلنَّارِ اَلنَّارَ جِيءَ بِالْمَوْتِ فَيُذْبَحُ كَالْكَبْشِ بَيْنَ اَلْجَنَّةِ وَ اَلنَّارِ ثُمَّ يُقَالُ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ أَبَداً فَيَقُولُ أَهْلُ اَلْجَنَّةِ «أَ فَمٰا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاّٰ مَوْتَتَنَا الْأُولىٰ ...» .» ثم قال عز و جل:«أَ ذٰلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنّٰا جَعَلْنٰاهٰا فِتْنَةً لِلظّٰالِمِينَ » يعني بالفتنة هاهنا العذاب

و قوله «ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهٰا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ » يعني عذابا على عذاب «فَهُمْ عَلىٰ آثٰارِهِمْ يُهْرَعُونَ » أي يمرون «وَ لَقَدْ أَرْسَلْنٰا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ » يعني الأنبياء «فَانْظُرْ كَيْفَ كٰانَ عٰاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ » يعني الأمم الهالكة.

ثم ذكر عز و جل نداء الأنبياء فقال «وَ لَقَدْ نٰادٰانٰا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ »

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ جَعَلْنٰا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبٰاقِينَ »

يَقُولُ بِالْحَقِّ وَ النُّبُوَّةِ وَ الْكِتَابِ وَ الْإِيمَانِ فِي عَقِبِهِ وَ لَيْسَ كُلُّ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ وُلْدِ نُوحٍ . قال الله في كتابه:«اِحْمِلْ فِيهٰا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاّٰ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ وَ مٰا آمَنَ مَعَهُ إِلاّٰ قَلِيلٌ » و قال أيضا «ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنٰا مَعَ نُوحٍ »

حَدَّثَنَا [أَبُو الْعَبَّاسِ ] مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ : لِيَهْنِئْكُمُ الاِسْمُ قُلْتُ وَ مَا هُوَ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ اَلشِّيعَةُ قِيلَ إِنَّ النَّاسَ يُعَيِّرُونَنَا بِذَلِكَ قَالَ أَ مَا تَسْمَعُ قَوْلَ اللَّهِ «وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرٰاهِيمَ » وَ قَوْلَهُ «فَاسْتَغٰاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ » لِيَهْنِئْكُمُ الاِسْمُ .

ص: 223

من الشك و قد كتبنا خبره في سورة الأنبياء

قوله «يٰا بُنَيَّ إِنِّي أَرىٰ فِي الْمَنٰامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مٰا ذٰا تَرىٰ قٰالَ يٰا أَبَتِ افْعَلْ مٰا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ مِنَ الصّٰابِرِينَ »

قَالَ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ فَقَالَ : يَا إِبْرَاهِيمُ ارْتَوِ مِنَ الْمَاءِ لَكَ وَ لِأَهْلِكَ وَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مَكَّةَ

وَ عَرَفَاتٍ مَاءٌ فَسُمِّيَتِ التَّرْوِيَةُ بِذَلِكَ ، فَذَهَبَ بِهِ حَتَّى انْتَهَى بِهِ إِلَى مِنًى فَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ وَ الْعَصْرَ وَ الْعِشَاءَيْنِ وَ الْفَجْرَ حَتَّى إِذَا بَزَغَتِ الشَّمْسُ خَرَجَ إِلَى عَرَفَاتٍ فَنَزَلَ بِنَمِرَةَ

وَ هِيَ بَطْنُ عَرَفَةَ فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ خَرَجَ وَ قَدِ اغْتَسَلَ ، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَ الْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَ إِقَامَتَيْنِ وَ صَلَّى فِي مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِعَرَفَاتٍ وَ قَدْ كَانَتْ ثَمَّةَ أَحْجَارٌ بِيضٌ فَأُدْخِلَتْ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي بُنِيَ ثُمَّ مَضَى بِهِ إِلَى الْمَوْقِفِ فَقَالَ : يَا إِبْرَاهِيمُ اعْتَرِفْ بِذَنْبِكَ وَ اعْرِفْ مَنَاسِكَكَ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ عَرَفَةَ ، فَأَقَامَ بِهِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ أَفَاضَ بِهِ فَقَالَ : يَا إِبْرَاهِيمُ ازْدَلِفْ (1) إِلَى اَلْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَسُمِّيَتِ اَلْمُزْدَلِفَةَ وَ أَتَى بِهِ اَلْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَصَلَّى بِهِ الْمَغْرِبَ وَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَ إِقَامَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى إِذَا صَلَّى بِهَا صَلاَةَ الصُّبْحِ أَرَاهُ الْمَوْقِفَ ثُمَّ أَفَاضَ إِلَى مِنًى فَأَمَرَهُ فَرَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ

عِنْدَ مَا ظَهَرَ لَهُ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ .

ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ بِالذَّبْحِ فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ بَاتَ عَلَى اَلْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَ هُوَ فَزِعٌ فَرَأَى فِي النَّوْمِ أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ إِسْحَاقَ (2) وَ قَدْ كَانَ إِسْحَاقُ حَجَّ بِوَالِدَتِهِ سَارَةَ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى مِنًى رَمَى اَلْجَمْرَةَ هُوَ وَ أَهْلُهُ وَ أَمَرَ أَهْلَهُ فَسَارَتْ إِلَى

ص: 224


1- تَزَلَّفَ : تَقَرَّبَ .
2- وَ قَدْ مَضَى الْكَلاَمُ تَفْصِيلاً فِي الذَّبِيحِ كَانَ إِسْحَاقَ أَوْ إِسْمَاعِيلَ فَرَاجِعْ ص 351 1 مِنْ هَذَا الْكِتَابِ . ج. ز.

اَلْبَيْتِ وَ احْتَبَسَ الْغُلاَمَ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى مَوْضِعِ اَلْجَمْرَةِ الْوُسْطَى فَاسْتَشَارَ ابْنَهُ وَ قَالَ كَمَا حَكَى اللَّهُ «يٰا بُنَيَّ إِنِّي أَرىٰ فِي الْمَنٰامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مٰا ذٰا تَرىٰ » فَقَالَ الْغُلاَمُ كَمَا حَكَى اللَّهُ امْضِ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ «يٰا أَبَتِ افْعَلْ مٰا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ مِنَ الصّٰابِرِينَ » وَ سَلَّمَا لِأَمْرِ اللَّهِ ، وَ أَقْبَلَ شَيْخٌ فَقَالَ : يَا إِبْرَاهِيمُ مَا تُرِيدُ مِنْ هَذَا الْغُلاَمِ قَالَ أُرِيدُ أَنْ أَذْبَحَهُ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ ! تَذْبَحُ غُلاَماً لَمْ يَعْصِ اللَّهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ ! فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِذَلِكَ فَقَالَ رَبُّكَ يَنْهَاكَ عَنْ ذَلِكَ وَ إِنَّمَا أَمَرَكَ بِهَذَا اَلشَّيْطَانُ ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ وَيْلَكَ إِنَّ الَّذِي بَلَّغَنِي هَذَا الْمَبْلَغَ هُوَ الَّذِي أَمَرَنِي بِهِ وَ الْكَلاَمُ الَّذِي وَقَعَ فِي أُذُنِي فَقَالَ لاَ وَ اللَّهِ مَا أَمَرَكَ بِهَذَا إِلاَّ اَلشَّيْطَانُ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ

لاَ وَ اللَّهِ لاَ أُكَلِّمُكَ ثُمَّ عَزَمَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى الذَّبْحِ ، فَقَالَ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّكَ إِمَامٌ يُقْتَدَى بِكَ وَ إِنَّكَ إِنْ ذَبَحْتَهُ ذَبَحَ النَّاسُ أَوْلاَدَهُمْ فَلَمْ يُكَلِّمْهُ وَ أَقْبَلَ إِلَى الْغُلاَمِ فَاسْتَشَارَهُ فِي الذَّبْحِ فَلَمَّا أَسْلَمَا جَمِيعاً لِأَمْرِ اللَّهِ قَالَ الْغُلاَمُ يَا أَبَتِ خَمِّرْ وَجْهِي وَ شُدَّ وَثَاقِي فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ يَا بُنَيَّ الْوَثَاقُ مَعَ الذَّبْحِ لاَ وَ اللَّهِ لاَ أَجْمَعُهُمَا عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَرَمَى لَهُ بِقِرْطَانِ الْحِمَارِ ثُمَّ أَضْجَعَهُ عَلَيْهِ وَ أَخَذَ الْمُدْيَةَ فَوَضَعَهَا عَلَى حَلْقِهِ وَ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ انْتَحَى(1)

عَلَيْهِ الْمُدْيَةَ فَقَلَبَ جَبْرَئِيلُ الْمُدْيَةَ عَلَى قَفَاهَا وَ اجْتَرَّ الْكَبْشَ مِنْ قِبَلِ ثَبِيرٍ(2) وَ أَثَارَ الْغُلاَمَ مِنْ تَحْتِهِ وَ وَضَعَ الْكَبْشَ مَكَانَ الْغُلاَمِ وَ نُودِيَ مِنْ مَسِيرَةِ مَسْجِدِ الْخَيْفِ

«أَنْ يٰا إِبْرٰاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيٰا إِنّٰا كَذٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هٰذٰا لَهُوَ الْبَلاٰءُ الْمُبِينُ »

قَالَ : وَ لَحِقَ إِبْلِيسُ بِأُمِّ الْغُلاَمِ حِينَ نَظَرَتْ إِلَى اَلْكَعْبَةِ فِي وَسَطِ الْوَادِي بِحِذَاءِ اَلْبَيْتِ فَقَالَ لَهَا شَيْخٌ رَأَيْتِهِ ، قَالَتْ : إِنَّ ذَلِكَ بَعْلِي قَالَ فَوَصِيفٌ رَأَيْتُهُ مَعَهُ فَقَالَتْ : ذَاكَ ابْنِي قَالَ : فَإِنِّي رَأَيْتُهُ وَ قَدْ أَضْجَعَهُ وَ أَخَذَ الْمُدْيَةَ لِيَذْبَحَهُ ! فَقَالَتْ :

ص: 225


1- انْتَحَى عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ : أَقْبَلَ عَلَيْهِ بِهِ .
2- ثَبِيرٌ كَأَمِيرٍ: جَبَلٌ بِمَكَّةَ . مجمع.

كَذَبْتَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ أَرْحَمُ النَّاسِ كَيْفَ يَذْبَحُ ابْنَهُ قَالَ : فَوَ رَبِّ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ رَبِّ هَذَا اَلْبَيْتِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ أَضْجَعَهُ وَ أَخَذَ الْمُدْيَةَ ، فَقَالَتْ : وَ لِمَ قَالَ : زَعَمَ أَنَّ رَبَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ ، قَالَتْ فَحَقٌّ لَهُ أَنْ يُطِيعَ رَبَّهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِهَا أَنَّهُ قَدْ أُمِرَ فِي ابْنِهَا بِأَمْرٍ فَلَمَّا قَضَتْ مَنَاسِكَهَا أَسْرَعَتْ فِي الْوَادِي رَاجِعَةً إِلَى مِنًى وَ هِيَ وَاضِعَةٌ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا تَقُولُ يَا رَبِّ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا عَمِلْتُ بِأُمِّ إِسْمَاعِيلَ ، قُلْتُ : فَأَيْنَ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهُ قَالَ : عِنْدَ اَلْجَمْرَةِ الْوُسْطَى قَالَ : وَ نَزَلَ الْكَبْشُ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي عَنْ يَمِينِ مَسْجِدِ مِنًى نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَ كَانَ يَأْكُلُ فِي سَوَادٍ وَ يَمْشِي فِي سَوَادٍ أَقْرَنَ ، قُلْتُ :

مَا كَانَ لَوْنُهُ قَالَ كَانَ أَمْلَحَ أَغْبَرَ.

قَالَ : وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى وَ حَمَّادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ اِبْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلْنَاهُ عَنْ صَاحِبِ الذَّبْحِ ، فَقَالَ : إِسْمَاعِيلُ .

وَ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ قَالَ : أَنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْنِ يَعْنِي إِسْمَاعِيلَ وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ . فهذان الخبران عن الخاصة في الذبيح قد اختلفوا في إسحاق

و إسماعيل و عبد الله و قد روت العامة خبرين مختلفين في إسماعيل و إسحاق فناداه الله عز و جل «قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيٰا» الآية قال إنه لما عزم إبراهيم على ذبح ابنه و سلما لأمر الله قال الله «إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً» فقال إبراهيم «وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي» فقال «لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ » أي لا يكون بعهدي إمام ظالم

ثم ذكر عز و جل منته على موسى و هارون فقال «وَ لَقَدْ مَنَنّٰا عَلىٰ مُوسىٰ وَ هٰارُونَ وَ نَجَّيْنٰاهُمٰا وَ قَوْمَهُمٰا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ » إلى قوله «أَ تَدْعُونَ بَعْلاً» قال: كان لهم صنم يسمونه بعلا

و سأل رجل أعرابيا عن ناقة واقفة فقال: لمن هذه الناقة فقال الأعرابي: أنا بعلها و سمي الرب بعلا.

ثم ذكر عز و جل آل محمد عليهم السّلام فقال:«وَ تَرَكْنٰا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ »

سلام على آل يس فقال: يس محمد و آل محمد الأئمة عليهم السّلام ثم ذكر

ص: 226

عز و جل لوطا فقال:«وَ إِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ » و قد ذكرنا خبره ثم ذكر يونس

فقال:«وَ إِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ » يعني هرب «إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسٰاهَمَ » أي ألقى السهام «فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ » أي من المغوصين «فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِيمٌ » و قد كتبنا خبره في سورة يونس «وَ أَنْبَتْنٰا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ »

قال الدباء(1) ثم خاطب الله نبيه فقال «فَاسْتَفْتِهِمْ أَ لِرَبِّكَ الْبَنٰاتُ وَ لَهُمُ الْبَنُونَ » قال قالت قريش إن الملائكة هم بنات الله فرد الله عليهم «فَاسْتَفْتِهِمْ » الآية إلى قوله «سُلْطٰانٌ مُبِينٌ » أي حجة قوية على ما يزعمون و قوله تعالى:«وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً» يعني أنهم قالوا إن الجن بنات الله فقال:«وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ » يعني أنهم في النار

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ إِنْ كٰانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنٰا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنّٰا عِبٰادَ اللّٰهِ الْمُخْلَصِينَ »

فَهُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ كَانُوا يَقُولُونَ قَاتَلَ اللَّهُ اَلْيَهُودَ وَ اَلنَّصَارَى كَيْفَ كَذَّبُوا أَنْبِيَاءَهُمْ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا ذكرا [ذِكْرٌ] مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ يَقُولُ اللَّهُ فَكَفَرُوا بِهِ حِينَ جَاءَهُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ اللَّهُ «فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ » فَقَالَ جَبْرَئِيلُ يَا مُحَمَّدُ

«إِنّٰا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَ إِنّٰا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ » .

و قوله:«فَإِذٰا نَزَلَ بِسٰاحَتِهِمْ فَسٰاءَ صَبٰاحُ الْمُنْذَرِينَ » يعني العذاب إذا نزل ببني أمية و أشياعهم في آخر الزمان و قوله:«وَ تَوَلَّ عَنْهُمْ حَتّٰى حِينٍ وَ أَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ » فذلك إذا أتاهم العذاب أبصروا حين لا ينفعهم النظر فهذه في أهل الشبهات و الضلالات من أهل القبلة

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنِ اَلرَّبِيعِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «وَ مٰا مِنّٰا إِلاّٰ لَهُ مَقٰامٌ مَعْلُومٌ » قَالَ نَزَلَتْ فِي اَلْأَئِمَّةِ

ص: 227


1- و يسمى قرعاً أيضاً. ج. ز.

وَ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ .

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُويَهْ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّفْلِيسِيُّ

عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ سَمِعْتُ الصَّادِقَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

يَقُولُ : يَا شِهَابُ نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ وَ مَعْدِنُ الرِّسَالَةِ وَ مُخْتَلَفُ الْمَلاَئِكَةِ وَ نَحْنُ عَهْدُ اللَّهِ وَ ذِمَّتُهُ وَ نَحْنُ وَدَائِعُ اللَّهِ وَ حُجَّتُهُ كُنَّا أَنْوَاراً صُفُوفاً حَوْلَ اَلْعَرْشِ نُسَبِّحُ فَيُسَبِّحُ أَهْلُ السَّمَاءِ بِتَسْبِيحِنَا إِلَى أَنْ هَبَطْنَا إِلَى الْأَرْضِ فَسَبَّحْنَا فَسَبَّحَ أَهْلُ الْأَرْضِ بِتَسْبِيحِنَا «وَ إِنّٰا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَ إِنّٰا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ » فَمَنْ وَفَى بِذِمَّتِنَا فَقَدْ وَفَى بِعَهْدِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ ذِمَّتِهِ وَ مَنْ خَفَرَ ذِمَّتَنَا فَقَدْ خَفَرَ ذِمَّةَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ عَهْدَهُ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«فَإِذٰا نَزَلَ بِسٰاحَتِهِمْ » أي بمكانهم «فَسٰاءَ صَبٰاحُ الْمُنْذَرِينَ » إلى قوله «وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ » .

38- سورة ص مكية آياتها ثمان و ثمانون 88

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ ص وَ اَلْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ» قال: هو قسم و جوابه «بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَ شِقٰاقٍ » يعني في كفر و قوله:«كَمْ أَهْلَكْنٰا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنٰادَوْا وَ لاٰتَ حِينَ مَنٰاصٍ » أي ليس هو وقت مفر و قوله:«وَ عَجِبُوا أَنْ جٰاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ »

قَالَ : نَزَلَتْ بِمَكَّةَ لَمَّا أَظْهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الدَّعْوَةَ بِمَكَّةَ اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ قَدْ سَفَّهَ أَحْلاَمَنَا وَ سَبَّ آلِهَتَنَا وَ أَفْسَدَ شَبَابَنَا وَ فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ الْعُدْمَ جَمَعْنَا لَهُ مَالاً حَتَّى يَكُونَ أَغْنَى رَجُلٍ فِي قُرَيْشٍ وَ نَمْلِكُهُ عَلَيْنَا، فَأَخْبَرَ أَبُو طَالِبٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 228

اَلْجَنَّةِ ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو طَالِبٍ ذَلِكَ فَقَالُوا نَعَمْ وَ عَشْرُ كَلِمَاتٍ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

تَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَقَالُوا: نَدَعُ ثَلاَثَمِائَةٍ وَ سِتِّينَ إِلَهاً وَ نَعْبُدُ إِلَهاً وَاحِداً فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى «وَ عَجِبُوا أَنْ جٰاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَ قٰالَ اَلْكٰافِرُونَ هٰذٰا سٰاحِرٌ كَذّٰابٌ أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلٰهاً وٰاحِداً» إِلَى قَوْلِهِ «إِلاَّ اخْتِلاٰقٌ »

أَيْ تَخْلِيطٌ «أَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنٰا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي» إِلَى قَوْلِهِ «مِنَ اَلْأَحْزٰابِ » يَعْنِي الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ .

ثم ذكر هلاك الأمم و قد كتبنا خبرهم في سورة هود «كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عٰادٌ وَ فِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتٰادِ» و قوله:«وَ مٰا يَنْظُرُ هٰؤُلاٰءِ إِلاّٰ صَيْحَةً وٰاحِدَةً مٰا لَهٰا مِنْ فَوٰاقٍ » أي لا يفيقون من العذاب و قوله «وَ قٰالُوا رَبَّنٰا عَجِّلْ لَنٰا قِطَّنٰا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسٰابِ » أي نصيبنا و صكنا من العذاب ثم خاطب الله عز و جل نبيه

فقال «اِصْبِرْ عَلىٰ مٰا يَقُولُونَ وَ اذْكُرْ عَبْدَنٰا دٰاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوّٰابٌ » أي دعاء «إِنّٰا سَخَّرْنَا الْجِبٰالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْرٰاقِ » يعني إذا طلعت الشمس «وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّٰابٌ وَ شَدَدْنٰا مُلْكَهُ » إلى قوله «إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرٰابَ »

يعني نزلوا من المحراب «إِذْ دَخَلُوا عَلىٰ دٰاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ » إلى قوله «وَ خَرَّ رٰاكِعاً وَ أَنٰابَ »

حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ص: 229

يَا دَاوُدُ تَخْتَارُ الْبَلاَءَ عَلَى الْعَافِيَةِ إِنِّي ابْتَلَيْتُ هَؤُلاَءِ وَ أَنَا لَمْ أُعْلِمْهُمْ وَ أَنَا أَبْتَلِيكَ وَ أُعْلِمُكَ أَنَّ بَلاَئِي فِي سَنَةِ كَذَا وَ شَهْرِ كَذَا وَ فِي يَوْمِ كَذَا، وَ كَانَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

يَفْرُغُ نَفْسَهُ لِعِبَادَتِهِ يَوْماً وَ يَقْعُدُ فِي مِحْرَابِهِ يَوْماً وَ يَقْعُدُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ اشْتَدَّتْ عِبَادَتُهُ وَ خَلاَ فِي مِحْرَابِهِ وَ حَجَبَ النَّاسَ عَنْ نَفْسِهِ وَ هُوَ فِي مِحْرَابِهِ يُصَلِّي فَإِذَا طَائِرٌ قَدْ وَقَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ جَنَاحَاهُ مِنْ زَبَرْجَدٍ أَخْضَرَ وَ رِجْلاَهُ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ وَ رَأْسُهُ وَ مِنْقَارُهُ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَ زَبَرْجَدٍ فَأَعْجَبَهُ جِدّاً وَ نَسِيَ مَا كَانَ فِيهِ ، فَقَامَ لِيَأْخُذَهُ فَطَارَ الطَّائِرُ فَوَقَعَ عَلَى حَائِطٍ بَيْنَ دَاوُدَ وَ بَيْنَ أُورِيَا بْنِ حَنَانٍ وَ كَانَ دَاوُدُ قَدْ بَعَثَ أُورِيَا فِي بَعْثٍ فَصَعِدَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

الْحَائِطَ لِيَأْخُذَ الطَّيْرَ وَ إِذَا امْرَأَةُ أُورِيَا جَالِسَةٌ تَغْتَسِلُ فَلَمَّا رَأَتْ ظِلَّ دَاوُدَ نَشَرَتْ شَعْرَهَا وَ غَطَّتْ بِهِ بَدَنَهَا، فَنَظَرَ إِلَيْهَا دَاوُدُ فَافْتُتِنَ بِهَا وَ رَجَعَ إِلَى مِحْرَابِهِ ، وَ نَسِيَ مَا كَانَ فِيهِ وَ كَتَبَ إِلَى صَاحِبِهِ فِي ذَلِكَ الْبَعْثِ لما أَنْ يَصِيرُوا إِلَى مَوْضِعِ كَيْتَ وَ كَيْتَ يُوضَعُ التَّابُوتُ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ عَدُوِّهِمْ ، وَ كَانَ التَّابُوتُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمّٰا تَرَكَ آلُ مُوسىٰ وَ آلُ هٰارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلاٰئِكَةُ »

وَ قَدْ كَانَ رُفِعَ بَعْدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى السَّمَاءِ لَمَّا عَمِلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالْمَعَاصِي، فَلَمَّا غَلَبَهُمْ جَالُوتُ وَ سَأَلُوا النَّبِيَّ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ مَلِكاً يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَثَ إِلَيْهِمْ طَالُوتَ

وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ التَّابُوتَ وَ كَانَ التَّابُوتُ إِذَا وُضِعَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ بَيْنَ أَعْدَائِهِمْ وَ رَجَعَ عَنِ التَّابُوتِ إِنْسَانٌ كُفِّرَ وَ قُتِلَ وَ لاَ يَرْجِعُ أَحَدٌ عَنْهُ إِلاَّ وَ يُقْتَلُ .

ص: 230

وَ لِدَاوُدَ حِينَئِذٍ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ امْرَأَةً مَا بَيْنَ مَهِيرَةٍ إِلَى جَارِيَةٍ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِدَاوُدَ:«إِنَّ هٰذٰا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِيَ نَعْجَةٌ وٰاحِدَةٌ فَقٰالَ أَكْفِلْنِيهٰا وَ عَزَّنِي فِي الْخِطٰابِ » أَيْ ظَلَمَنِي وَ قَهَرَنِي، فَقَالَ دَاوُدُ كَمَا حَكَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ :«لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤٰالِ نَعْجَتِكَ إِلىٰ نِعٰاجِهِ » إِلَى قَوْلِهِ «وَ خَرَّ رٰاكِعاً وَ أَنٰابَ » قَالَ : فَضَحِكَ الْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ وَ قَالَ : قَدْ حَكَمَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ دَاوُدُ: أَ تَضْحَكُ وَ قَدْ عَصَيْتَ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَهْشِمَ فَاكَ ، قَالَ : فَعَرَجَا وَ قَالَ الْمَلِكُ الْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ لَوْ عَلِمَ دَاوُدُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَشْمِ فِيهِ مِنِّي.

فَفَهِمَ دَاوُدُ الْأَمْرَ وَ ذَكَرَ الْخَطِيئَةَ فَبَقِيَ أَرْبَعِينَ يَوْماً سَاجِداً يَبْكِي لَيْلَهُ وَ نَهَارَهُ وَ لاَ يَقُومُ إِلاَّ وَقْتَ الصَّلاَةِ حَتَّى انْخَرَقَ جَبِينُهُ وَ سَالَ الدَّمُ مِنْ عَيْنَيْهِ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً نُودِيَ يَا دَاوُدُ مَا لَكَ أَ جَائِعٌ أَنْتَ فَنُشْبِعَكَ أَمْ ظَمْآنُ فَنَسْقِيَكَ أَمْ عُرْيَانٌ فَنَكْسُوَكَ أَمْ خَائِفٌ فَنُؤْمِنَكَ فَقَالَ : أَيْ رَبِّ وَ كَيْفَ لاَ أَخَافُ وَ قَدْ عَمِلْتُ مَا عَمِلْتُ وَ أَنْتَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ الَّذِي لاَ يَجُوزُكَ ظُلْمُ ظَالِمٍ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ تُبْ يَا دَاوُدُ، فَقَالَ أَيْ رَبِّ وَ أَنَّى لِي بِالتَّوْبَةِ قَالَ : صِرْ إِلَى قَبْرِ أُورِيَا حَتَّى أَبْعَثَهُ إِلَيْكَ وَ اسْأَلْهُ أَنْ يَغْفِرَ لَكَ ، فَإِنْ غَفَرَ لَكَ غَفَرْتُ لَكَ قَالَ : يَا رَبِّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ : أَسْتَوْهِبُكَ مِنْهُ ، قَالَ : فَخَرَجَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَمْشِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَ يَقْرَأُ اَلزَّبُورَ وَ كَانَ إِذَا قَرَأَ اَلزَّبُورَ

لاَ يَبْقَى حَجَرٌ وَ لاَ شَجَرٌ وَ لاَ جَبَلٌ وَ لاَ طَائِرٌ وَ لاَ سَبُعٌ إِلاَّ يُجَاوِبُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى جَبَلٍ وَ عَلَيْهِ نَبِيٌّ عَابِدٌ يُقَالُ لَهُ حِزْقِيلُ ، فَلَمَّا سَمِعَ دَوِيَّ الْجِبَالِ وَ صَوْتَ السِّبَاعِ عَلِمَ أَنَّهُ دَاوُدُ فَقَالَ : هَذَا النَّبِيُّ الْخَاطِئُ فَقَالَ دَاوُدُ: يَا حِزْقِيلُ تَأْذَنُ لِي أَنْ أَصْعَدَ إِلَيْكَ قَالَ : لاَ فَإِنَّكَ مُذْنِبٌ .

فَبَكَى دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى حِزْقِيلَ يَا حِزْقِيلُ لاَ تُعَيِّرْ دَاوُدَ

ص: 231

أَنْتَ فِيهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ : لاَ قَالَ : فَهَلْ رَكَنْتَ إِلَى الدُّنْيَا فَأَحْبَبْتَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ شَهَوَاتِهَا وَ لَذَّاتِهَا قَالَ : بَلَى رُبَّمَا عَرَضَ ذَلِكَ بِقَلْبِي قَالَ : فَمَا تَصْنَعُ قَالَ : أَدْخُلُ هَذَا الشِّعْبَ فَأَعْتَبِرُ بِمَا فِيهِ ، قَالَ : فَدَخَلَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الشِّعْبَ فَإِذَا بِسَرِيرٍ مِنْ حَدِيدٍ عَلَيْهِ جُمْجُمَةٌ بَالِيَةٌ وَ عِظَامٌ نَخِرَةٌ وَ إِذَا لَوْحٌ مِنْ حَدِيدٍ وَ فِيهِ مَكْتُوبٌ فَقَرَأَهُ دَاوُدُ، فَإِذَا فِيهِ : أَنَا أَرْوَى بْنُ سَلَمَةَ مَلَكْتُ أَلْفَ سَنَةٍ وَ بَنَيْتُ أَلْفَ مَدِينَةٍ ، وَ افْتَضَضْتُ أَلْفَ جَارِيَةٍ وَ كَانَ آخِرَ أَمْرِي أَنْ صَارَ التُّرَابُ فِرَاشِي وَ الحجار [اَلْحِجَارَةُ ] وِسَادِي وَ الْحَيَّاتُ وَ الدِّيدَانُ جِيرَانِي فَمَنْ رَآنِي فَلاَ يَغْتَرَّ بِالدُّنْيَا.

وَ مَضَى دَاوُدُ حَتَّى أَتَى قَبْرَ أُورِيَا فَنَادَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ نَادَاهُ ثَانِيَةً فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ نَادَاهُ ثَالِثَةً فَقَالَ أُورِيَا: مَا لَكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَقَدْ شَغَلْتَنِي عَنْ سُرُورِي وَ قُرَّةِ عَيْنِي قَالَ يَا أُورِيَا اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي خَطِيئَتِي فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ يَا دَاوُدُ بَيِّنْ لَهُ مَا كَانَ مِنْكَ ، فَنَادَاهُ دَاوُدُ فَأَجَابَهُ فَقَالَ : يَا أُورِيَا فَعَلْتُ كَذَا وَ كَذَا وَ كَيْتَ وَ كَيْتَ فَقَالَ أُورِيَا: أَ يَفْعَلُ الْأَنْبِيَاءُ مِثْلَ هَذَا فَنَادَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ فَوَقَعَ دَاوُدُ عَلَى الْأَرْضِ بَاكِياً فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى صَاحِبِ اَلْفِرْدَوْسِ لِيَكْشِفَ عَنْهُ فَكَشَفَ عَنْهُ فَقَالَ أُورِيَا

ص: 232

«فَغَفَرْنٰا لَهُ ذٰلِكَ وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنٰا لَزُلْفىٰ وَ حُسْنَ مَآبٍ » (1) .

ص: 233


1- قَالَ جَدِّي السَّيِّدُ الْجَزَائِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قِصَصِ الْأَنْبِيَاءِ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّقِيَّةِ لِمُوَافَقَةِ مَذْهَبِ الْعَامَّةِ وَ رِوَايَاتِهِمْ وَ عَدَمِ مُنَافَاتِهِ لِقَوَاعِدِهِمْ مِنْ جَوَازِ مِثْلِهِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ. وَ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ بِرَدِّهِ كَثِيرَةٌ مِنْ طُرُقِنَا فَلاَ مَجَالَ لِتَأْوِيلِهِ إِلاَّ الْحَمْلُ عَلَى التَّقِيَّةِ . فَعَنْ عُيُونِ الْأَخْبَارِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي الصَّلْتِ الْهَرَوِيِّ قَالَ : سَأَلَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ فَقَالَ مَا يَقُولُ مَنْ قِبَلَكُمْ فِي دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ يَقُولُونَ إِنَّ دَاوُدَ كَانَ فِي مِحْرَابِهِ يُصَلِّي إِذْ تَصَوَّرَ لَهُ إِبْلِيسُ عَلَى صُورَةِ طَيْرٍ - إِلَى آخِرِ الرِّوَايَةِ - قَالَ : فَضَرَبَ عَلَى جَبْهَتِهِ وَ قَالَ :«إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ » لَقَدْ نَسَبْتُمْ نَبِيّاً مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ عَلَى التَّهَاوُنِ بِصَلاَتِهِ حِينَ خَرَجَ فِي أَثَرِ الطَّيْرِ ثُمَّ بِالْفَاحِشَةِ ثُمَّ بِالْقَتْلِ . فَقَالَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا كَانَتْ خَطِيئَتُهُ فَقَالَ وَيْحَكَ إِنَّ دَاوُدَ ظَنَّ أَنَّ مَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خَلْقاً هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي، فَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ الْمَلَكَيْنِ فَ «تَسَوَّرُوا الْمِحْرٰابَ »، فَقَالاَ:«خَصْمٰانِ بَغىٰ بَعْضُنٰا عَلىٰ بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنٰا بِالْحَقِّ » إِلَى قَوْلِهِ «لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِيَ نَعْجَةٌ وٰاحِدَةٌ »، فَجَعَلَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَ «قٰالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤٰالِ نَعْجَتِكَ إِلىٰ نِعٰاجِهِ »، وَ لَمْ يَسْأَلِ الْمُدَّعِيَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ ، فَكَانَ هَذَا خَطِيئَةَ دَاوُدَ لاَ مَا ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ أَ لاَ تَسْمَعُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ :«يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ ». (أَقُولُ ) وَ يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضاً أَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ دَاوُدَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْحُكْمِ ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ الْمَعْصُومِينَ إِذَا لَمْ يُؤْمَنُوا مِنَ الْخَطَإِ فِي الْقَضَاءِ فَلِمَنِ الْعِصْمَةُ مِنْ بَعْدِهِمْ لاَ سِيَّمَا مِثْلَ هَذَا الْخَطَإِ الْفَاحِشِ الَّذِي ارْتَكَبَهُ دَاوُدُ وَ هُوَ الاِسْتِعْجَالُ إِلَى الْحُكْمِ قَبْلَ طَلَبِ الْبَيِّنَةِ مِنَ الْمُدَّعِي. (وَ جَوَابُهُ ) أَنَّ قَوْلَ دَاوُدَ:«لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤٰالِ نَعْجَتِكَ »... إلخ» لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً وَ حُكْماً بَلْ إِنَّهُ كَانَ عَلَى سَبِيلِ إِظْهَارِ الرَّأْيِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَ كَانَ بِنَاؤُهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُدَّعِيَ الْبَيِّنَةَ مِنْ بَعْدُ، فَحَيْثُ إِنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلاَمِ الْمُشْعِرِ بِكَوْنِهِ مَائِلاً إِلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ بِدُونِ إِقَامَةِ الدَّلِيلِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ كَانَ مِمَّا لاَ يَنْبَغِي لِمَكَانِ النُّبُوَّةِ فَعُوتِبَ عَلَى ذَلِكَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُ . ج. ز.

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ ظَنَّ دٰاوُدُ» أَيْ عَلِمَ «وَ أَنٰابَ » أَيْ تَابَ وَ ذَكَرَ أَنَّ دَاوُدَ كَتَبَ إِلَى صَاحِبِهِ أَنْ لاَ تُقَدِّمْ أُورِيَا بَيْنَ يَدَيِ التَّابُوتِ وَ رُدَّهُ فَقَدِمَ أُورِيَا إِلَى أَهْلِهِ وَ مَكَثَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَاتَ .

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا اللُّؤْلُؤِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنَانٍ

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ : سَأَلْتُ الصَّادِقَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِهِ «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ » قَالَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَصْحَابَهُ «كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ »

حَبْتَرٍ وَ زُرَيْقٍ وَ أَصْحَابِهِمَا «أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ » أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَصْحَابَهُ «كَالْفُجّٰارِ»

حَبْتَرٍ وَ دُلاَمٍ وَ أَصْحَابِهِمَا «كِتٰابٌ أَنْزَلْنٰاهُ إِلَيْكَ مُبٰارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيٰاتِهِ » أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ

وَ اَلْأَئِمَّةُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ «وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبٰابِ » فَهُمْ أَهْلُ الْأَلْبَابِ الثَّاقِبَةِ ، قَالَ : وَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَفْتَخِرُ بِهَا وَ يَقُولُ مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ قَبْلِي وَ لاَ بَعْدِي مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ وَهَبْنٰا لِدٰاوُدَ سُلَيْمٰانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّٰابٌ »

إلى قوله «حَتّٰى تَوٰارَتْ بِالْحِجٰابِ »

ص: 234

بِالْخَيْلِ فَأَقْبَلَ يَضْرِبُ أَعْنَاقَهَا وَ سُوقَهَا بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهَا كُلَّهَا(1) وَ هُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ «رُدُّوهٰا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْنٰاقِ وَ لَقَدْ فَتَنّٰا سُلَيْمٰانَ وَ أَلْقَيْنٰا عَلىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنٰابَ » إِلَى قَوْلِهِ «إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّٰابُ » وَ هُوَ أَنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا تَزَوَّجَ بِالْيَمَانِيَّةِ

ص: 235


1- الرِّوَايَاتُ فِي بَابِ سُلَيْمَانَ وَ أَبِيهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كُلُّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّقِيَّةِ لِمُوَافَقَتِهَا لِمَا كَانَ مَشْهُوراً فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ ، وَ قَدْ وَرَدَ فِي قِصَّةِ الْجِيَادِ وَ سُلَيْمَانَ مَا هُوَ أَصَحُّ مَتْناً وَ سَنَداً وَ هُوَ أَنَّهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : سَأَلْتُ عَلِيّاً عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ : مَا بَلَغَكَ فِيهَا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ قُلْتُ سَمِعْتُ كَعْباً يَقُولُ اشْتَغَلَ سُلَيْمَانُ بِعَرْضِ الْأَفْرَاسِ حَتَّى فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ فَقَالَ رُدُّوهَا عَلَيَّ يَعْنِي الْأَفْرَاسَ فَأَمَرَ بِضَرْبِ سُوقِهَا وَ أَعْنَاقِهَا بِالسَّيْفِ فَسَلَبَهُ اللَّهُ مُلْكَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْماً لِأَنَّهُ ظَلَمَ الْخَيْلَ بِقَتْلِهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : كَذَبَ كَعْبٌ لَكِنِ اشْتَغَلَ سُلَيْمَانُ بِعَرْضِ الْأَفْرَاسِ ذَاتَ يَوْمٍ لِأَنَّهُ أَرَادَ جِهَادَ الْعَدُوِّ حَتَّى تَوَارَتِ الشَّمْسُ بِالْحِجَابِ فَقَالَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمَلاَئِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالشَّمْسِ «رُدُّوهٰا عَلَيَّ » فَرُدَّتْ فَصَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا وَ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لاَ يَظْلِمُونَ وَ لاَ يَأْمُرُونَ بِالظُّلْمِ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مُطَهَّرُونَ . (مَجْمَعُ الْبَيَانِ ) وَ فِي تَفْسِيرِ الصَّافِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمَسْحِ أَنَّ سُلَيْمَانَ مَسَحَ سَاقَيْهِ وَ عُنُقَهُ لِلْوُضُوءِ الرَّائِجِ فِي ذَاكَ الزَّمَانِ وَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ فَاتَتْهُمُ الصَّلاَةُ مَعَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ . وَ فِي رِوَايَاتِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ فَاتَهُ أَوَّلُ الْوَقْتِ . (أَقُولُ ) وَ يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ لَفْظُ الْغُرُوبِ لِلشَّمْسِ ، بَلِ الْمَذْكُورُ لَفْظُ «تَوٰارَتْ بِالْحِجٰابِ » أَيْ تَوَارَتْ وَرَاءَ حَائِطٍ وَ نَحْوِهِ . وَ فِي الْبَابِ رِوَايَاتٌ أُخَرُ تُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ضَمِيرِ «تَوٰارَتْ » «وَ «رُدُّوهٰا»الْخَيْلُ دُونَ الشَّمْسِ ، وَ الْمُرَادَ مِنْ مَسْحِ سُوقِهَا وَ أَعْنَاقِهَا مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنَ اللَّفْظِ أَيْ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَسَحَ سُوقَ الْخَيْلِ وَ أَعْنَاقَهَا حُبّاً لَهَا وَ جَعَلَهَا مُسْبَلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ . ج. ز.

وُلِدَ مِنْهَا ابْنٌ وَ كَانَ يُحِبُّهُ فَنَزَلَ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَى سُلَيْمَانَ وَ كَانَ كَثِيراً مَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَى ابْنِهِ نَظَراً حَدِيداً فَفَزِعَ سُلَيْمَانُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِأُمِّهِ : إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ

نَظَرَ إِلَى ابْنِي نَظْرَةً أَظُنُّهُ قَدْ أُمِرَ بِقَبْضِ رُوحِهِ ، فَقَالَ لِلْجِنِّ وَ الشَّيَاطِينِ هَلْ لَكُمْ حِيلَةٌ فِي أَنْ تُفِرُّوهُ مِنَ الْمَوْتِ ، فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ : أَنَا أَضَعُهُ تَحْتَ عَيْنِ الشَّمْسِ فِي الْمَشْرِقِ ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ يَخْرُجُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ ، فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنَا أَضَعُهُ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ ، فَقَالَ إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ يَبْلُغُ ذَلِكَ ، فَقَالَ آخَرُ:

أَنَا أَضَعُهُ فِي السَّحَابِ وَ الْهَوَاءِ فَرَفَعَهُ وَ وَضَعَهُ فِي السَّحَابِ ، فَجَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَبَضَ رُوحَهُ فِي السَّحَابِ فَوَقَعَ جَسَدُهُ مَيِّتاً(1) عَلَى كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ فَعَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ فَحَكَى اللَّهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ «وَ أَلْقَيْنٰا عَلىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنٰابَ قٰالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لاٰ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّٰابُ فَسَخَّرْنٰا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخٰاءً حَيْثُ أَصٰابَ » وَ الرُّخَاءُ اللَّيِّنَةُ «وَ الشَّيٰاطِينَ كُلَّ بَنّٰاءٍ وَ غَوّٰاصٍ » أَيْ فِي الْبَحْرِ «وَ آخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفٰادِ» يَعْنِي مُقَيَّدِينَ قَدْ شُدَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَ هُمُ الَّذِينَ عَصَوْا سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ سَلَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مُلْكَهُ .

ص: 236


1- وَ فِي تَفْسِيرِ مَجْمَعِ الْبَيَانِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ لَمَّا وُلِدَ لِسُلَيْمَانَ ابْنٌ قَالَ بَعْضُ الْجِنِّ وَ الشَّيَاطِينِ إِنْ عَاشَ لَهُ وَلَدٌ لَنَلْقَيَنَّ مِنْهُ مَا لَقِينَا مِنْ أَبِيهِ مِنَ الْبَلاَءِ، فَأَشْفَقَ سُلَيْمَانُ مِنْهُمْ عَلَيْهِ فَاسْتَرْضَعَهُ فِي الْمُزْنِ فَلَمْ يُشْعِرْ إِلاَّ وَ قَدْ وُضِعَ عَلَى كُرْسِيِّهِ مَيِّتاً تَنْبِيهاً عَلَى أَنَّ الْحَذَرَ لاَ يَنْفَعُ عَنِ الْقَدَرِ فَإِنَّمَا عُوتِبَ عَلَى خَوْفِهِ مِنَ الشَّيَاطِينِ . ج. ز.

وَ الْإِنْسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْخَيْلِ فَتَمُرُّ بِهَا فِي الْهَوَاءِ إِلَى مَوْضِعٍ يُرِيدُهُ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، وَ كَانَ يُصَلِّي الْغَدَاةَ بِالشَّامِ وَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِفَارِسَ ، وَ كَانَ يَأْمُرُ الشَّيَاطِينَ أَنْ تَحْمِلَ الْحِجَارَةَ مِنْ فَارِسَ يَبِيعُونَهَا بِالشَّامِ ، فَلَمَّا مَسَحَ أَعْنَاقَ الْخَيْلِ وَ سُوقَهَا بِالسَّيْفِ سَلَبَهُ اللَّهُ مُلْكَهُ ، وَ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ دَفَعَ خَاتَمَهُ إِلَى بَعْضِ مَنْ يَخْدُمُهُ فَجَاءَ اَلشَّيْطَانُ

فَخَدَعَ خَادِمَهُ وَ أَخَذَ مِنْهُ الْخَاتَمَ ، وَ لَبِسَهُ فَخَرَّتْ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ وَ الْجِنُّ وَ الْإِنْسُ وَ الطَّيْرُ وَ الْوَحْشُ وَ خَرَجَ سُلَيْمَانُ فِي طَلَبِ الْخَاتَمِ فَلَمْ يَجِدْهُ فَهَرَبَ وَ مَرَّ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ وَ أَنْكَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ اَلشَّيْطَانَ الَّذِي تَصَوَّرَ فِي صُورَةِ سُلَيْمَانَ وَ صَارُوا إِلَى أُمِّهِ وَ قَالُوا لَهَا أَ تُنْكِرِينَ مِنْ سُلَيْمَانَ شَيْئاً فَقَالَتْ كَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِي وَ هُوَ الْيَوْمَ يُبْغِضُنِي وَ صَارُوا إِلَى جَوَارِيهِ وَ نِسَائِهِ وَ قَالُوا أَ تُنْكِرِينَ مِنْ سُلَيْمَانَ شَيْئاً قُلْنَ كَانَ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِي الْحَيْضِ ، فَلَمَّا خَافَ اَلشَّيْطَانُ أَنْ يَفْطُنُوا بِهِ أَلْقَى الْخَاتَمَ فِي الْبَحْرِ، فَبَعَثَ اللَّهُ سَمَكَةً فَالْتَقَمَتْهُ وَ هَرَبَ اَلشَّيْطَانُ ، فَبَقُوا بَنُو إِسْرَائِيلَ يَطْلُبُونَ سُلَيْمَانَ أَرْبَعِينَ يَوْماً.

وَ كَانَ سُلَيْمَانُ يَمُرُّ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ يَبْكِي وَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَائِباً إِلَى اللَّهِ مِمَّا كَانَ مِنْهُ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً مَرَّ بِصَيَّادٍ يَصِيدُ السَّمَكَ فَقَالَ لَهُ أُعِينُكَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي مِنَ السَّمَكِ شَيْئاً، قَالَ نَعَمْ فَأَعَانَهُ سُلَيْمَانُ فَلَمَّا اصْطَادَ دَفَعَ إِلَى سُلَيْمَانَ سَمَكَةً فَأَخَذَهَا فَشَقَّ بَطْنَهَا وَ ذَهَبَ يَغْسِلُهَا فَوَجَدَ الْخَاتَمَ فِي بَطْنِهَا، فَلَبِسَهُ فَخَرَّتْ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ وَ الْجِنُّ وَ الْإِنْسُ وَ الطَّيْرُ وَ الْوَحْشُ وَ رَجَعَ إِلَى مَا كَانَ وَ طَلَبَ ذَلِكَ اَلشَّيْطَانَ

وَ جُنُودَهُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فَقَيَّدَهُمْ وَ حَبَسَ بَعْضَهُمْ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَ بَعْضَهُمْ فِي جَوْفِ الصَّخْرِ بِأَسَامِي اللَّهِ فَهُمْ مَحْبُوسُونَ مُعَذَّبُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

ص: 237

اجْلِسْ وَ لاَ تَكْتُبْ فَكُنْتُ أَجْلِسُ وَ لاَ أَكْتُبُ شَيْئاً وَ لَكِنْ أَخْبِرْنِي عَنْكَ يَا سُلَيْمَانُ

صِرْتَ تُحِبُّ الْهُدْهُدَ وَ هُوَ أَخَسُّ الطَّيْرِ مُنْتِناً وَ أَنْتَنُهُ رِيحاً قَالَ إِنَّهُ يُبْصِرُ الْمَاءَ مِنْ وَرَاءِ الصَّفَا الْأَصَمِّ ، قَالَ وَ كَيْفَ يُبْصِرُ الْمَاءَ مِنْ وَرَاءِ الصَّفَا وَ إِنَّمَا يُوَارَى عَنْهُ الْفَخُّ بِكَفٍّ مِنْ تُرَابٍ حَتَّى يُؤْخَذَ بِعُنُقِهِ ! فَقَالَ سُلَيْمَانُ قِفْ يَا وَقَّافُ ! إِنَّهُ إِذَا جَاءَ الْقَدَرُ حَالَ دُونَ الْبَصَرِ(1).

قَالَ : وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبَانٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : خَرَجَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَ مَعَهُ ثَلاَثُمِائَةِ أَلْفِ كُرْسِيٍّ عَنْ يَمِينِهِ عَلَيْهَا الْإِنْسُ وَ ثَلاَثُمِائَةِ أَلْفِ كُرْسِيٍّ عَنْ يَسَارِهِ عَلَيْهَا الْجِنُّ وَ أَمَرَ الطَّيْرَ فَأَظَلَّتْهُمْ وَ أَمَرَ الرِّيحَ فَحَمَلَتْهُمْ حَتَّى وَرَدَ إِيوَانَ كِسْرَى فِي اَلْمَدَائِنِ

ثُمَّ رَجَعَ فَبَاتَ فَاضْطَجَعَ ثُمَّ غَدَا فَانْتَهَى إِلَى مَدِينَةِ تركاوان [بَرْكَاوَانَ ]

ثُمَّ أَمَرَ الرِّيحَ فَحَمَلَتْهُمْ حَتَّى كَادَتْ أَقْدَامُهُمْ يُصِيبُهَا الْمَاءُ وَ سُلَيْمَانُ عَلَى عَمُودٍ مِنْهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ هَلْ رَأَيْتُمْ مَلِكاً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا وَ سَمِعْتُمْ بِهِ فَقَالُوا مَا رَأَيْنَا وَ لاَ سَمِعْنَا بِمِثْلِهِ فَنَادَى مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ ثَوَابُ تَسْبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ فِي اللَّهِ أَعْظَمُ مِمَّا رَأَيْتُمْ .

ص: 238


1- قال في تفسير الصافي: هذا قول العامة الراوين لتلك القصة فالرواية وردت تقية، و قال في المجمع «إن جميع ذلك مما لا يعول عليه لأن النبوة لا تكون في الخاتم و لا يجوز أن يسلبها اللّه و لا أن يمكن الشيطان من التمثل بصورة النبي و العقود على سريره و الحكم بين عباده. ج. ز.

أَيِّ شَيْ ءٍ ضَعْفُ الصَّوْتِ وَ شِدَّتُهُ وَ أَيْنَ مَوْضِعُ الْعَقْلِ مِنَ الْبَدَنِ وَ مِنْ أَيِّ شَيْ ءٍ الْقَسَاوَةُ وَ الرِّقَّةُ وَ مِمَّ تَعَبُ الْبَدَنِ وَ دَعَتُهُ وَ مِمَّ تَكَسُّبُ الْبَدَنِ وَ حِرْمَانُهُ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْ ءٍ مِنْهَا، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : طَعْمُ الْمَاءِ الْحَيَاةُ وَ طَعْمُ الْخُبْزِ الْقُوَّةُ وَ ضَعْفُ الصَّوْتِ وَ شِدَّتُهُ مِنْ شَحْمِ الْكُلْيَتَيْنِ وَ مَوْضِعُ الْعَقْلِ الدِّمَاغُ ، أَ لاَ تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ قَلِيلَ الْعَقْلِ قِيلَ لَهُ مَا أَخَفَّ دِمَاغَكَ وَ الْقَسْوَةُ وَ الرِّقَّةُ مِنَ الْقَلْبِ وَ هُوَ قَوْلُهُ :

«فَوَيْلٌ لِلْقٰاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللّٰهِ » ، وَ تَعَبُ الْبَدَنِ وَ دَعَتُهُ مِنَ الْقَدَمَيْنِ إِذَا تَعِبَا فِي الْمَشْيِ يَتْعَبُ الْبَدَنُ وَ إِذَا أُوْدِعَا أُوْدِعَ الْبَدَنُ وَ تَكَسُّبُ الْبَدَنِ وَ حِرْمَانُهُ مِنَ الْيَدَيْنِ إِذَا عَمِلَ بِهِمَا رُدَّتَا عَلَى الْبَدَنِ وَ إِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِمَا لَمْ تَرُدَّا عَلَى الْبَدَنِ شَيْئاً.

قوله:«وَ اذْكُرْ عَبْدَنٰا أَيُّوبَ إِذْ نٰادىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ اَلشَّيْطٰانُ بِنُصْبٍ وَ عَذٰابٍ »

قَالَ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحْرٍ [مَحْبُوبٍ ] عَنِ اِبْنِ مُسْكَانَ

ص: 239

فَبَقِيَ فِي ذَلِكَ دَهْراً طَوِيلاً يَحْمَدُ اللَّهَ وَ يَشْكُرُهُ حَتَّى وَقَعَ فِي بَدَنِهِ الدُّودُ(1) وَ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ بَدَنِهِ فَيَرُدُّهَا وَ يَقُولُ لَهَا ارْجِعِي إِلَى مَوْضِعِكِ الَّذِي خَلَقَكِ اللَّهُ مِنْهُ وَ نَتِنَ حَتَّى أَخْرَجَهُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ مِنَ الْقَرْيَةِ وَ أَلْقَوْهُ فِي الْمَزْبَلَةِ خَارِجَ الْقَرْيَةِ وَ كَانَتِ امْرَأَتُهُ رَحِيمَةُ بِنْتُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَ عَلَيْهَا تَتَصَدَّقُ مِنَ النَّاسِ وَ تَأْتِيهِ بِمَا تَجِدُهُ قَالَ فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ الْبَلاَءُ وَ رَأَى إِبْلِيسُ

صَبْرَهُ أَتَى أَصْحَاباً لَهُ كَانُوا رُهْبَاناً فِي الْجِبَالِ وَ قَالَ لَهُمْ : مُرُّوا بِنَا إِلَى هَذَا الْعَبْدِ الْمُبْتَلَى وَ نَسْأَلَهُ عَنْ بَلِيَّتِهِ فَرَكِبُوا بِغَالاً شُهْباً وَ جَاءُوا فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ نَفَرَتْ بِغَالُهُمْ مِنْ نَتْنِ رِيحِهِ فَقَرَنُوا بَعْضاً إِلَى بَعْضٍ ثُمَّ مَشَوْا إِلَيْهِ وَ كَانَ فِيهِمْ شَابٌّ حَدَثُ السِّنِّ فَقَعَدُوا إِلَيْهِ ، فَقَالُوا: يَا أَيُّوبُ لَوْ أَخْبَرْتَنَا بِذَنْبِكَ لَعَلَّ اللَّهَ كَانَ يُهْلِكُنَا إِذَا سَأَلْنَاهُ (2)

وَ مَا نَرَى ابْتِلاَءَكَ بِهَذَا الْبَلاَءِ الَّذِي لَمْ يُبْتَلَ بِهِ أَحَدٌ إِلاَّ مِنْ أَمْرٍ كُنْتَ تَسْتُرُهُ فَقَالَ أَيُّوبُ وَ عَزَّةِ رَبِّي إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنِّي مَا أَكَلْتُ طَعَاماً إِلاَّ وَ يَتِيمٌ أَوْ ضَيْفٌ يَأْكُلُ

ص: 240


1- هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَيْضاً مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّقِيَّةِ لِعَدَمِ اسْتِقَامَتِهَا عَلَى قَوَاعِدِ الْإِمَامِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِتَنَزُّهِ الْمَعْصُومِينَ عَنِ الرَّذَائِلِ الْخَلْقِيَّةِ وَ الْخُلُقِيَّةِ مَعَ مَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ مَا يَرُدُّهُ . فَفِي قِصَصِ الْأَنْبِيَاءِ لِلسَّيِّدِ الْجَزَائِرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَنَّ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَعَ جَمِيعِ مَا ابْتُلِيَ بِهِ لَمْ تُنْتِنْ لَهُ رَائِحَةٌ وَ لاَ قَبُحَتْ لَهُ صُورَةٌ ، وَ لاَ خَرَجَتْ مِنْهُ مِدَّةُ دَمٍ وَ لاَ قَيْحٌ ، وَ لاَ اسْتَقْذَرَهُ أَحَدٌ رَآهُ ، وَ لاَ اسْتَوْحَشَ مِنْهُ أَحَدٌ شَاهَدَهُ ، وَ لاَ تَدُودُ شَيْ ءٌ مِنْ جَسَدِهِ ، وَ هَكَذَا يَصْنَعُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِجَمِيعِ مَنْ يَبْتَلِيهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَ أَوْلِيَائِهِ الْمُكْرَمِينَ عَلَيْهِ (ص 234). وَ فِي تَفْسِيرِ الصَّافِي (ص 450) عَنِ الصَّادِقِينَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ : أَنَّ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ابْتُلِيَ بِغَيْرِ ذَنْبٍ سَبْعَ سِنِينَ وَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ لاَ يذنبون وَ لاَ يزيغون وَ لاَ يرتكبون ذَنْباً صَغِيراً وَ لاَ كَبِيراً.
2- هَكَذَا فِي النُّسْخَةِ وَ الْأَوْلَى «فَعَلْنَاهُ » ج. ز.

مَعِي وَ مَا عَرَضَ لِي أَمْرَانِ كِلاَهُمَا طَاعَةٌ لِلَّهِ إِلاَّ أَخَذْتُ بِأَشَدِّهِمَا عَلَى بَدَنِي فَقَالَ الشَّابُّ سَوْأَةً لَكُمْ عَمَدْتُمْ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ فَعَيَّرْتُمُوهُ حَتَّى أَظْهَرَ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ مَا كَانَ يَسْتُرُهَا، فَقَالَ أَيُّوبُ : يَا رَبِّ لَوْ جَلَسْتُ مَجْلِسَ الْحَكَمِ مِنْكَ لَأَدْلَيْتُ بِحُجَّتِي فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ غَمَامَةً فَقَالَ : [يَا ]أَيُّوبُ أَدْلِنِي بِحُجَّتِكَ فَقَدْ أَقْعَدْتُكَ مَقْعَدَ الْحَكَمِ وَ هَا أَنَا ذَا قَرِيبٌ وَ لَمْ أَزَلْ فَقَالَ يَا رَبِّ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِضْ لِي أَمْرَانِ قَطُّ كِلاَهُمَا لَكَ طَاعَةٌ إِلاَّ أَخَذْتُ بِأَشَدِّهِمَا عَلَى نَفْسِي أَ لَمْ أَحْمَدْكَ أَ لَمْ أَشْكُرْكَ أَ لَمْ أُسَبِّحْكَ قَالَ فَنُودِيَ مِنَ الْغَمَامَةِ بِعَشَرَةِ أَلْفِ لِسَانٍ يَا أَيُّوبُ مَنْ صَيَّرَكَ تَعْبُدُ اللَّهَ وَ النَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ وَ تَحْمَدُهُ وَ تُسَبِّحُهُ وَ تُكَبِّرُهُ وَ النَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ أَ تَمُنُّ عَلَى اللَّهِ بِمَا لِلَّهِ فِيهِ الْمِنَّةُ عَلَيْكَ قَالَ :

فَأَخَذَ أَيُّوبُ التُّرَابَ فَوَضَعَهُ فِي فِيهِ ثُمَّ قَالَ لَكَ الْعُتْبَى يَا رَبِّ أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ بِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكاً فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ فَخَرَجَ الْمَاءُ فَغَسَلَهُ بِذَلِكَ الْمَاءِ فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ وَ أَطْرَأَ وَ أَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ رَوْضَةً خَضْرَاءَ وَ رَدَّ عَلَيْهِ أَهْلَهُ وَ مَالَهُ وَ وَلَدَهُ وَ زَرْعَهُ وَ قَعَدَ مَعَهُ الْمَلَكُ يُحَدِّثُهُ وَ يُؤْنِسُهُ .

ص: 241

قَالَ : فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ أَهْلَهُ الَّذِينَ مَاتُوا قَبْلَ الْبَلاَءِ وَ رَدَّ عَلَيْهِ أَهْلَهُ الَّذِينَ مَاتُوا بَعْدَ مَا أَصَابَهُ الْبَلاَءُ كُلَّهُمْ أَحْيَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، فَعَاشُوا مَعَهُ ، وَ سُئِلَ أَيُّوبُ بَعْدَ مَا عَافَاهُ اللَّهُ أَيُّ شَيْ ءٍ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْكَ مِمَّا مَرَّ عَلَيْكَ قَالَ : شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ قَالَ فَأَمْطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي دَارِهِ فَرَاشَ الذَّهَبِ وَ كَانَ يَجْمَعُهُ فَإِذَا ذَهَبَ الرِّيحُ مِنْهُ بِشَيْ ءٍ عَدَا خَلْفَهُ فَرَدَّهُ ، فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ : أَ مَا تَشْبَعُ يَا أَيُّوبُ قَالَ : وَ مَنْ يَشْبَعُ مِنْ رِزْقِ رَبِّهِ .

ثم قال:

«وَ اذْكُرْ» يا محمد «عِبٰادَنٰا إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَ الْأَبْصٰارِ» يعني أولي القوة

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«أُولِي الْأَيْدِي وَ الْأَبْصٰارِ» يَعْنِي أُولِي الْقُوَّةِ فِي الْعِبَادَةِ وَ الصَّبْرِ [الْبَصَرِ] فِيهَا.

و قوله:«إِنّٰا أَخْلَصْنٰاهُمْ بِخٰالِصَةٍ ذِكْرَى الدّٰارِ» يقول إن الله اصطفاهم بذكر الآخرة و اختصهم بها.

قال علي بن إبراهيم ثم ذكر الله المتقين و ما لهم عند الله فقال:«هٰذٰا ذِكْرٌ وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ » إلى قوله «قٰاصِرٰاتُ الطَّرْفِ أَتْرٰابٌ » يعني الحور العين يقصر الطرف عنها و البصر من صفائها مع ما حكى الله من قول أهل الجنة «إِنَّ هٰذٰا لَرِزْقُنٰا مٰا لَهُ مِنْ نَفٰادٍ» أي لا ينفد و لا يفنى «هٰذٰا وَ إِنَّ لِلطّٰاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ

يَصْلَوْنَهٰا فَبِئْسَ الْمِهٰادُ هٰذٰا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَ غَسّٰاقٌ » قال الغساق واد في جهنم فيه ثلاثمائة و ثلاثون قصرا في كل قصر ثلاثمائة بيت في كل بيت أربعون زاوية في كل زاوية شجاع(1) في كل شجاع ثلاثمائة و ثلاثون عقربا في جمجمة كل عقرب ثلاثمائة و ثلاثون قلة من سم لو أن عقربا منها نضحت سمها على أهل جهنم لوسعتهم بسمها «هٰذٰا وَ إِنَّ لِلطّٰاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ » و هم زريق و حبتر و بنو أمية ثم ذكر من كان من بعدهم ممن غصب آل محمد حقهم فقال:«وَ آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوٰاجٌ هٰذٰا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ » و هم بنو السباع(2) و يقولون بنو أمية «لاٰ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صٰالُوا اَلنّٰارِ»

ص: 242


1- ضرب من الحيات.
2- انه مقلوب «بنو العباس». ج ز.

فيقولون بنو فلان «بَلْ أَنْتُمْ لاٰ مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنٰا» و بدأتم بظلم آل محمد «فَبِئْسَ الْقَرٰارُ» ثم يقول بنو أمية «رَبَّنٰا مَنْ قَدَّمَ لَنٰا هٰذٰا فَزِدْهُ عَذٰاباً ضِعْفاً فِي اَلنّٰارِ» يعنون الأولين ثم يقول أعداء آل محمد في النار «مٰا لَنٰا لاٰ نَرىٰ رِجٰالاً كُنّٰا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرٰارِ» في الدنيا و هم شيعة أمير المؤمنين عليه السّلام

«أَتَّخَذْنٰاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زٰاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصٰارُ» ثم قال:«إِنَّ ذٰلِكَ لَحَقٌّ تَخٰاصُمُ أَهْلِ اَلنّٰارِ» فيما بينهم

وَ ذَلِكَ قَوْلُ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : وَ اللَّهِ إِنَّكُمْ لَفِي اَلْجَنَّةِ تُحْبَرُونَ وَ فِي اَلنَّارِ تُطْلَبُونَ .

ثم قال عز و جل: يا محمد «قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ » يعني أمير المؤمنين عليه السّلام «أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ مٰا كٰانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلىٰ » إلى قوله «مُبِينٌ »

قَالَ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي خَالِدٌ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَسَارٍ [سَيَّارٍ] عَنْ مَالِكٍ الْأَسَدِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِّ :

قَالَ كُنْتُ فِي اَلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَاعِداً وَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي نَاحِيَةٍ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ مَرَّةً وَ إِلَى اَلْكَعْبَةِ مَرَّةً ثُمَّ قَالَ :«سُبْحٰانَ الَّذِي أَسْرىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ اَلْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ إِلَى اَلْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» وَ كَرَّرَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ :

ص: 243

قَالَ قُلْتُ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لِي إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنِي قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ أَيْ يَدَ الْقُدْرَةِ (1)

بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ كَتِفِي قَالَ فَلَمْ يَسْأَلْنِي عَمَّا مَضَى وَ لاَ عَمَّا بَقِيَ إِلاَّ عَلِمْتُهُ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ فِيمَ اخْتَصَمَ الْمَلَأُ الْأَعْلَى قَالَ قُلْتُ : يَا رَبِّ فِي الدَّرَجَاتِ وَ الْكَفَّارَاتِ وَ الْحَسَنَاتِ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ قَدِ انْقَضَتْ نُبُوَّتُكَ وَ انْقَطَعَ أَكْلُكَ فَمَنْ وَصِيُّكَ فَقُلْتُ يَا رَبِّ قَدْ بَلَوْتُ خَلْقَكَ فَلَمْ أَرَ مِنْ خَلْقِكَ أَحَداً أَطْوَعَ لِي مِنْ عَلِيٍّ فَقَالَ وَ لِي يَا مُحَمَّدُ

فَقُلْتُ يَا رَبِّ إِنِّي قَدْ بَلَوْتُ خَلْقَكَ فَلَمْ أَرَ فِي خَلْقِكَ أَحَداً أَشَدَّ حُبّاً لِي مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : وَ لِي يَا مُحَمَّدُ فَبَشِّرْهُ بِأَنَّهُ رَايَةُ الْهُدَى وَ إِمَامُ أَوْلِيَائِي وَ نُورٌ لِمَنْ أَطَاعَنِي وَ الْكَلِمَةُ الَّتِي أَلْزَمْتُهَا الْمُتَّقِينَ ، مَنْ أَحَبَّهُ فَقَدْ أَحَبَّنِي وَ مَنْ أَبْغَضَهُ فَقَدْ أَبْغَضَنِي، مَعَ مَا أَنِّي أَخُصُّهُ بِمَا لَمْ أُخُصَّ بِهِ أَحَداً، فَقُلْتُ يَا رَبِّ أَخِي وَ صَاحِبِي وَ وَزِيرِي وَ وَارِثِي، فَقَالَ إِنَّهُ أَمْرٌ قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ مُبْتَلًى وَ مُبْتَلًى بِهِ مَعَ مَا أَنِّي قَدْ نَحَلْتُهُ وَ نَحَلْتُهُ وَ نَحَلْتُهُ وَ نَحَلْتُهُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ عَقَدَهَا بِيَدِهِ وَ لاَ يُفْصِحُ بِهَا عَقْدَهَا .

ثم حكى خبر إبليس فقال عز و جل:«إِذْ قٰالَ رَبُّكَ لِلْمَلاٰئِكَةِ إِنِّي خٰالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ » و قد كتبنا خبر آدم و إبليس في موضعه

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ ثَابِتٍ

قَالَ حَدَّثَنَا اَلْقَاسِمُ (2) بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْهَاشِمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَسَارٍ [سَيَّارٍ] عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : لَوْ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ بِيَدِهِ لَمْ يَحْتَجَّ فِي آدَمَ أَنَّهُ خَلَقَهُ بِيَدِهِ فَيَقُولُ «مٰا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمٰا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ » أَ فَتَرَى اللَّهَ يَبْعَثُ الْأَشْيَاءَ بِيَدِهِ .،

و قال علي بن إبراهيم في قوله «خَلَقْتَنِي مِنْ نٰارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ »

قَالَ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ حَرِيزٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَيَّ شَيْ ءٍ يَقُولُ أَصْحَابُكَ فِي قَوْلِ إِبْلِيسَ «خَلَقْتَنِي مِنْ نٰارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ » قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ وَ ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ قَالَ كَذَبَ

ص: 244


1- وَ هَذَا كَإِطْلاَقِ الْيَدِ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ «يَدُ اللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ » ج. ز.
2- وَ فِي ط هَكَذَا: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ ثَابِتٍ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَاشِمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ.

إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ يَا إِسْحَاقُ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ إِلاَّ مِنْ طِينٍ ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ اللَّهُ :«اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نٰاراً فَإِذٰا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ » خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ تِلْكَ النَّارِ وَ النَّارُ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ وَ الشَّجَرَةُ أَصْلُهَا مِنْ طِينٍ .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى «فَأَنْظِرْنِي إِلىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قٰالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ »

قَالَ يَوْمُ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ يَوْمٌ يَذْبَحُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ .

قال علي بن إبراهيم ثم قال لإبليس لعنه الله لما قال «فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاّٰ عِبٰادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ » فقال الله «فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ »

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ عَبْدِ الْغَنِيِّ

عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ اِبْنِ جَرِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ : فِي قَوْلِهِ :«قُلْ »

يَا مُحَمَّدُ «مٰا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ» أَيْ عَلَى مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ مَالٍ تُعْطُونِيهِ «وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ » يُرِيدُ مَا أَتَكَلَّفَ هَذَا مِنْ عِنْدِي «إِنْ هُوَ إِلاّٰ ذِكْرٌ» يُرِيدُ مَوْعِظَةً «لِلْعٰالَمِينَ » يُرِيدُ الْخَلْقَ أَجْمَعِينَ «وَ لَتَعْلَمُنَّ » يَا مَعْشَرَ اَلْمُشْرِكِينَ «نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ » يُرِيدُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَ بَعْدَ الْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

39- سورة الزمر مكية آياتها خمس و سبعون 75

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ تَنْزِيلُ اَلْكِتٰابِ مِنَ اللّٰهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ » ثم خاطب الله نبيه فقال:«إِنّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ اَلْكِتٰابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللّٰهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلاٰ لِلّٰهِ الدِّينُ الْخٰالِصُ وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيٰاءَ مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلاّٰ لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اللّٰهِ زُلْفىٰ »

و هذا مما ذكرناه أن لفظه خبر و معناه حكاية و ذلك أن قريشا قالت إنما نعبد الأصنام ليقربونا إلى الله زلفى فإنا لا نقدر أن نعبد الله حق عبادته، فحكى الله

ص: 245

قولهم على لفظ الخبر و معناه حكاية عنهم فقال الله:«إِنَّ اللّٰهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مٰا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ » ثم رد الله على الذين «قٰالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمٰنُ وَلَداً» فقال الله «لَوْ أَرٰادَ اللّٰهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاَصْطَفىٰ مِمّٰا يَخْلُقُ مٰا يَشٰاءُ سُبْحٰانَهُ هُوَ اللّٰهُ الْوٰاحِدُ الْقَهّٰارُ» إلى قوله «يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهٰارِ وَ يُكَوِّرُ النَّهٰارَ عَلَى اللَّيْلِ » يعني يغطي ذا على ذا و ذا على ذا ثم خاطب الله الخلق فقال «خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وٰاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهٰا زَوْجَهٰا» يعني آدم

و زوجته حواء «وَ أَنْزَلَ لَكُمْ » يعني خلق لكم و «مِنَ الْأَنْعٰامِ ثَمٰانِيَةَ أَزْوٰاجٍ » و هي التي فسرناها في سورة الأنعام «يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهٰاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمٰاتٍ ثَلاٰثٍ » قال الظلمات الثلاث البطن و الرحم و المشيمة «ذٰلِكُمُ اللّٰهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ فَأَنّٰى تُصْرَفُونَ » قوله تعالى «إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَ لاٰ يَرْضىٰ لِعِبٰادِهِ الْكُفْرَ وَ إِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ » فهذا كفر النعم قوله:«وَ إِذٰا مَسَّ الْإِنْسٰانَ ضُرٌّ دَعٰا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ » إلى قوله «وَ جَعَلَ لِلّٰهِ أَنْدٰاداً» أي شركاء قوله «قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحٰابِ اَلنّٰارِ» نزلت في أبي فلان ثم قال «أَمَّنْ هُوَ قٰانِتٌ آنٰاءَ اللَّيْلِ سٰاجِداً وَ قٰائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ » نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام «وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ » يا محمد «هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لاٰ يَعْلَمُونَ إِنَّمٰا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبٰابِ » يعني أولي العقول

و قوله:«لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ اَلنّٰارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ » يعني يظل عليهم النار من فوقهم و من تحتهم.

و قوله:«لٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهٰا غُرَفٌ » إلى قوله «اَلْمِيعٰادَ»

ص: 246

فَوْقَ بَعْضٍ مِنَ الْحَرِيرِ وَ الدِّيبَاجِ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَ حَشْوُهَا الْمِسْكُ وَ الْعَنْبَرُ وَ الْكَافُورُ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ «وَ فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ » ، فَإِذَا دَخَلَ الْمُؤْمِنُ إِلَى مَنَازِلِهِ فِي اَلْجَنَّةِ وُضِعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْمُلْكِ وَ الْكَرَامَةِ وَ أُلْبِسَ حُلَلَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْيَاقُوتِ وَ الدُّرِّ مَنْظُوماً فِي الْإِكْلِيلِ تَحْتَ التَّاجِ وَ أُلْبِسَ سَبْعِينَ حُلَّةً بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ مَنْسُوجَةٍ بِالذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ اللُّؤْلُؤِ وَ الْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ «يُحَلَّوْنَ فِيهٰا مِنْ أَسٰاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِبٰاسُهُمْ فِيهٰا حَرِيرٌ» ، فَإِذَا جَلَسَ الْمُؤْمِنُ عَلَى سَرِيرِهِ اهْتَزَّ سَرِيرُهُ فَرَحاً فَإِذَا اسْتَقَرَّتْ لِوَلِيِّ اللَّهِ مَنَازِلُهُ فِي اَلْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِجِنَانِهِ لِيُهَنِّيَهُ بِكَرَامَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ فَيَقُولُ لَهُ خُدَّامُ الْمُؤْمِنِ وَ وُصَفَاؤُهُ مَكَانَكَ فَإِنَّ وَلِيَّ اللَّهِ قَدِ اتَّكَأَ عَلَى أَرَائِكِهِ وَ زَوْجَتُهُ الْحَوْرَاءُ الْعَيْنَاءُ قَدْ هُيِّئَتْ لَهُ فَاصْبِرْ لِوَلِيِّ اللَّهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ شُغُلِهِ ، قَالَ : فَتَخْرُجُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ الْحَوْرَاءُ مِنْ خَيْمَتِهَا تَمْشِي مُقْبِلَةً وَ حَوْلَهَا وُصَفَاؤُهَا تَحْنِيهَا عَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً مَنْسُوجَةً بِالْيَاقُوتِ وَ اللُّؤْلُؤِ وَ الزَّبَرْجَدِ صُبِغْنَ بِمِسْكٍ وَ عَنْبَرٍ وَ عَلَى رَأْسِهَا تَاجُ الْكَرَامَةِ وَ فِي رِجْلَيْهَا نَعْلاَنِ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلاَنِ بِالْيَاقُوتِ وَ اللُّؤْلُؤِ وَ شِرَاكُهُمَا يَاقُوتٌ أَحْمَرُ فَإِذَا أُدْنِيَتْ مِنْ وَلِيِّ اللَّهِ وَ هَمَّ أَنْ يَقُومَ إِلَيْهَا شَوْقاً تَقُولُ لَهُ يَا وَلِيَّ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا يَوْمَ تَعَبٍ وَ لاَ نَصَبٍ فَلاَ تَقُمْ أَنَا لَكَ وَ أَنْتَ لِي فَيَعْتَنِقَانِ قَدْرَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ مِنْ أَعْوَامِ الدُّنْيَا لاَ يُمِلُّهَا وَ لاَ تُمِلُّهُ قَالَ فَيَنْظُرُ إِلَى عُنُقِهَا فَإِذَا عَلَيْهَا قِلاَدَةٌ مِنْ قَصَبِ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ وَسَطُهَا لَوْحٌ مَكْتُوبٌ أَنْتَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ حَبِيبِي وَ أَنَا الْحَوْرَاءُ حَبِيبَتُكَ إِلَيْكَ تباهت [تَنَاهَتْ ] نَفْسِي وَ إِلَيَّ تباهت [تَنَاهَتْ ] نَفْسُكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ أَلْفَ مَلَكٍ يُهَنِّئُونَهُ بِالْجَنَّةِ

وَ يُزَوِّجُونَهُ الْحَوْرَاءَ.

ص: 247

مَلَكٍ أَرْسَلَهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ جَاءُوا يُهَنِّئُونَ وَلِيَّ اللَّهِ وَ قَدْ سَأَلُوا أَنْ أَسْتَأْذِنَ لَهُمْ عَلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ الْحَاجِبُ إِنَّهُ لَيَعْظُمُ عَلَيَّ أَنْ أَسْتَأْذِنَ لِأَحَدٍ عَلَى وَلِيِّ اللَّهِ وَ هُوَ مَعَ زَوْجَتِهِ قَالَ : وَ بَيْنَ الْحَاجِبِ وَ بَيْنَ وَلِيِّ اللَّهِ جَنَّتَانِ فَيَدْخُلُ الْحَاجِبُ عَلَى الْقَيِّمِ فَيَقُولُ لَهُ إِنَّ عَلَى بَابِ الْغُرْفَةِ أَلْفَ مَلَكٍ أَرْسَلَهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ يُهَنِّئُونَ وَلِيَّ اللَّهِ فَاسْتَأْذِنْ لَهُمْ ، فَيَقُومُ الْقَيِّمُ إِلَى الْخُدَّامِ فَيَقُولُ لَهُمْ إِنَّ رُسُلَ الْجَبَّارِ عَلَى بَابِ الْعَرْصَةِ وَ هُمْ أَلْفُ مَلَكٍ أَرْسَلَهُمْ يُهَنِّئُونَ وَلِيَّ اللَّهِ فأعلمهم [فَأَعْلِمُوهُ ] مَكَانَهُمْ قَالَ فَيُعْلِمُونَهُ الْخُدَّامُ مَكَانَهُمْ قَالَ : فَيَأْذَنُ لَهُمْ فَيَدْخُلُونَ عَلَى وَلِيِّ اللَّهِ وَ هُوَ فِي الْغُرْفَةِ وَ لَهَا أَلْفُ بَابٍ وَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهِ فَإِذَا أُذِنَ لِلْمَلاَئِكَةِ بِالدُّخُولِ عَلَى وَلِيِّ اللَّهِ فَتَحَ كُلُّ مَلَكٍ بَابَهُ الَّذِي قَدْ وُكِّلَ بِهِ فَيَدْخُلُ كُلُّ مَلَكٍ مِنْ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْغُرْفَةِ فَيُبَلِّغُونَهُ رِسَالَةَ الْجَبَّارِ، وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ :«وَ الْمَلاٰئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بٰابٍ » يَعْنِي مِنْ أَبْوَابِ الْغُرْفَةِ «سَلاٰمٌ عَلَيْكُمْ بِمٰا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّٰارِ» وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ :«وَ إِذٰا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً» يَعْنِي بِذَلِكَ وَلِيَّ اللَّهِ وَ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْكَرَامَةِ وَ النَّعِيمِ وَ الْمُلْكِ الْعَظِيمِ وَ إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ مِنْ رُسُلِ الْجَبَّارِ لَيَسْتَأْذِنُونَ عَلَيْهِ فَلاَ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَذَلِكَ الْمُلْكُ الْعَظِيمُ وَ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا.

قوله:«أَ فَمَنْ شَرَحَ اللّٰهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلاٰمِ فَهُوَ عَلىٰ نُورٍ مِنْ رَبِّهِ » قال نزلت في أمير المؤمنين عليه السّلام

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :

«قُلْ إِنَّ الْخٰاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ » يَقُولُ غَبَنُوا أَنْفُسَهُمْ «وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَلاٰ ذٰلِكَ هُوَ الْخُسْرٰانُ الْمُبِينُ » . قوله:«أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَسَلَكَهُ يَنٰابِيعَ فِي الْأَرْضِ » و الينابيع هي العيون و الركايا مما أنزل الله من السماء فأسكنه في الأرض «ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوٰانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ » بذلك حتى يصفر «ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطٰاماً» و الحطام إذا يبست و تفتت.

ص: 248

فإنه مثل ضربه الله لأمير المؤمنين عليه السّلام و شركائه الذين ظلموه و غصبوه حقه و قوله «مُتَشٰاكِسُونَ » أي متباغضون قوله «وَ رَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ » أمير المؤمنين عليه السّلام

سلم لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم قال «هَلْ يَسْتَوِيٰانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلّٰهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاٰ يَعْلَمُونَ »

ثم عزى نبيه صلّى اللّه عليه و آله فقال:«إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ » يعني أمير المؤمنين عليه السّلام و من غصبه حقه ثم ذكر أيضا أعداء آل محمد و من كذب على الله و على رسوله و ادعى ما لم يكن له فقال:«فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللّٰهِ وَ كَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جٰاءَهُ » يعني بما جاء به رسول الله من الحق و ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام، ثم ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام

فقال:«وَ الَّذِي جٰاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ » يعني أمير المؤمنين عليه السّلام «أُولٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ » و قوله:«أَ لَيْسَ اللّٰهُ بِكٰافٍ عَبْدَهُ وَ يُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ » يعني يقولون لك يا محمد اعفنا من علي و يخوفونك أنهم يلحقون بالكفار.

و قوله:«اَللّٰهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهٰا وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنٰامِهٰا»

قَالَ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي هِشَامٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي اَلْمَسْجِدِ وَ عِنْدَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِ سَلْمَانَ فَأَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ اللِّبَاسِ فَسَلَّمَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ سَلاَمِهِ وَ جَلَسَ ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ

أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلاَثِ مَسَائِلَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهَا عَلِمْتُ أَنَّ الْقَوْمَ رَكِبُوا مِنْ أَمْرِكَ مَا لَيْسَ لَهُمْ وَ خَرَجُوا مِنْ دِينِهِمْ وَ صَارُوا بِذَلِكَ غَيْرَ مُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَ «لاٰ خَلاٰقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ » ، وَ إِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى عَلِمْتُ أَنَّكَ وَ هُمْ شَرَعٌ سَوَاءٌ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ص: 249

مُتَعَلِّقَةٌ بِالْهَوَاءِ إِلَى وَقْتِ مَا يَتَحَرَّكُ صَاحِبُهَا، فَإِنْ أَذِنَ اللَّهُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ جَذَبَتْ تِلْكَ الرُّوحُ تِلْكَ الرِّيحَ وَ جَذَبَتْ تِلْكَ الرِّيحُ ذَلِكَ الْهَوَاءَ فَاسْتَكَنَتِ الرُّوحُ فِي بَدَنِ صَاحِبِهَا وَ إِنْ لَمْ يُؤْذَنْ بِرَدِّ تِلْكَ الرُّوحِ عَلَى صَاحِبِهَا جَذَبَ الْهَوَاءُ الرِّيحَ وَ جَذَبَتِ الرِّيحُ الرُّوحَ فَلَمْ يَرُدَّهَا إِلَى صَاحِبِهَا إِلَى وَقْتِ مَا يُبْعَثُ .، و قد مضى ذكر السؤالات الثلاثة

قوله «أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ شُفَعٰاءَ» يعني الأصنام ليشفعوا لهم يوم القيامة و قالوا إن فلانا و فلانا يشفعون لنا عند الله يوم القيامة

و قوله «قُلْ لِلّٰهِ الشَّفٰاعَةُ جَمِيعاً»

قال: لا يشفع أحد إلا بإذن الله تعالى قوله «وَ إِذٰا ذُكِرَ اللّٰهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ » إلى قوله «إِذٰا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ » فإنها نزلت في فلان

و فلان و فلان

و قوله «يٰا عِبٰادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ لاٰ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » قال: نزلت في شيعة أمير المؤمنين عليه السّلام

خاصة.

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لاَ يُعْذِرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَداً يَقُولُ : يَا رَبِّ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ وُلْدَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ هُمُ الْوُلاَةُ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً ، وَ فِي شِيعَةِ وُلْدِ فَاطِمَةَ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ خَاصَّةً «يٰا عِبٰادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ لاٰ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّٰهِ » (1) الْآيَةَ .

ص: 250


1- لاَ بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِهَا بِمَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْإِسْرَافُ مِثْلَ قَتْلِ النَّفْسِ الْمُحْتَرِمَةِ أَوْ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ . ج. ز.

ذلك قول الله عز و جل «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يٰا حَسْرَتىٰ عَلىٰ مٰا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّٰهِ » الآية قال في الإمام

لِقَوْلِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : نَحْنُ جَنْبُ اللَّهِ . ثم قال:«أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذٰابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً » الآية فرد الله عليهم فقال «بَلىٰ قَدْ جٰاءَتْكَ آيٰاتِي فَكَذَّبْتَ بِهٰا» يعني بالآيات الأئمة عليهم السّلام «وَ اسْتَكْبَرْتَ وَ كُنْتَ مِنَ الْكٰافِرِينَ » يعني بالله

قوله:«وَ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّٰهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي الْمِعْزَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ إِمَامٌ وَ لَيْسَ بِإِمَامٍ «يَوْمَ الْقِيٰامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّٰهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ » ، قُلْتُ وَ إِنْ كَانَ عَلَوِيّاً فَاطِمِيّاً قَالَ وَ إِنْ كَانَ عَلَوِيّاً فَاطِمِيّاً. و قوله:«أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ »

قَالَ : فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِنَّ فِي جَهَنَّمَ لَوَادِياً لِلْمُتَكَبِّرِينَ يُقَالُ لَهُ سَقَرُ شَكَا إِلَى اللَّهِ شِدَّةَ حَرِّهِ سَأَلَهُ أَنْ يَتَنَفَّسَ فَأَذِنَ لَهُ فَتَنَفَّسَ فَأَحْرَقَ جَهَنَّمَ .

و قوله:«لَهُ مَقٰالِيدُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ » يعني مفاتيح السماوات و الأرض ثم خاطب الله نبيه فقال «وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخٰاسِرِينَ »

فهذه مخاطبة للنبي صلّى اللّه عليه و آله و المعنى لأمته

وَ هُوَ مَا قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ نَبِيَّهُ بِإِيَّاكِ أَعْنِي وَ اسْمَعِي يَا جَارَةُ . و الدليل على ذلك قوله «بَلِ اللّٰهَ فَاعْبُدْ وَ كُنْ مِنَ الشّٰاكِرِينَ » و قد علم أن نبيه صلّى اللّه عليه و آله يعبده و يشكره و لكن استعبد نبيه

بالدعاء إليه تأديبا لأمته.

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ

«لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخٰاسِرِينَ » قَالَ : تَفْسِيرُهَا لَئِنْ أَمَرْتَ بِوَلاَيَةِ أَحَدٍ مَعَ وَلاَيَةِ عَلِيٍّ مِنْ بَعْدِكَ «لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخٰاسِرِينَ » .

ص: 251

في الخوارج «وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ السَّمٰاوٰاتُ مَطْوِيّٰاتٌ بِيَمِينِهِ » أي بقوته

قوله:«وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّٰ مَنْ شٰاءَ اللّٰهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرىٰ فَإِذٰا هُمْ قِيٰامٌ يَنْظُرُونَ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ الْأَحْوَلِ عَنْ سَلاَّمِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ

عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ قَالَ : سُئِلَ عَنِ النَّفْخَتَيْنِ كَمْ بَيْنَهُمَا قَالَ : مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَقِيلَ لَهُ فَأَخْبِرْنِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ كَيْفَ يُنْفَخُ فِيهِ فَقَالَ : أَمَّا النَّفْخَةُ الْأُولَى فَإِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ إِسْرَافِيلَ فَيَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ وَ مَعَهُ الصُّورُ وَ لِلصُّورِ رَأْسٌ وَاحِدٌ وَ طَرَفَانِ وَ بَيْنَ طَرَفِ كُلِّ رَأْسٍ مِنْهُمَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ قَالَ : فَإِذَا رَأَتِ الْمَلاَئِكَةُ إِسْرَافِيلَ

وَ قَدْ هَبَطَ إِلَى الدُّنْيَا وَ مَعَهُ الصُّورُ قَالُوا: قَدْ أَذِنَ اللَّهُ فِي مَوْتِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَ فِي مَوْتِ أَهْلِ السَّمَاءِ، قَالَ : فَيَهْبِطُ إِسْرَافِيلُ بِحَظِيرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَ يَسْتَقْبِلُ اَلْكَعْبَةَ

ص: 252

لاَ شَرِيكَ لِي وَ لاَ وَزِيرَ لِي وَ أَنَا خَلَقْتُ خَلْقِي بِيَدِي وَ أَنَا أَمَتُّهُمْ بِمَشِيَّتِي وَ أَنَا أُحْيِيهِمْ بِقُدْرَتِي» قَالَ : فَيَنْفُخُ الْجَبَّارُ نَفْخَةً فِي الصُّورِ فَيَخْرُجُ الصَّوْتُ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الَّذِي يَلِي السَّمَاوَاتِ فَلاَ يَبْقَى فِي السَّمَاوَاتِ أَحَدٌ إِلاَّ حَيِيَ وَ قَامَ كَمَا كَانَ وَ يَعُودُ حَمَلَةُ اَلْعَرْشِ وَ تُحْضَرُ اَلْجَنَّةُ وَ اَلنَّارُ وَ تُحْشَرُ الْخَلاَئِقُ لِلْحِسَابِ ، قَالَ : فَرَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَبْكِي عِنْدَ ذَلِكَ بُكَاءً شَدِيداً .

قَالَ : وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ الْخَلْقَ أَمْطَرَ السَّمَاءَ عَلَى الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً فَاجْتَمَعَتِ الْأَوْصَالُ وَ نَبَتَتِ اللُّحُومُ وَ قَالَ أَتَى جَبْرَئِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ وَ أَخْرَجَهُ إِلَى اَلْبَقِيعِ فَانْتَهَى بِهِ إِلَى قَبْرٍ فَصَوَّتَ بِصَاحِبِهِ فَقَالَ : قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَخَرَجَ مِنْهُ رَجُلٌ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَ اللِّحْيَةِ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ وَ هُوَ يَقُولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ

عُدْ بِإِذْنِ اللَّهِ ثُمَّ انْتَهَى بِهِ إِلَى قَبْرٍ آخَرَ فَقَالَ : قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَخَرَجَ مِنْهُ رَجُلٌ مُسْوَدُّ الْوَجْهِ وَ هُوَ يَقُولُ : يَا حَسْرَتَاهْ يَا ثُبُورَاهْ ثُمَّ قَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ : عُدْ إِلَى مَا كُنْتَ فِيهِ بِإِذْنِ اللَّهِ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ! هَكَذَا يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَالْمُؤْمِنُونَ يَقُولُونَ هَذَا الْقَوْلَ وَ هَؤُلاَءِ يَقُولُونَ مَا تَرَى.

قوله:«وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهٰا»

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ

قَالَ : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنِي اَلْقَاسِمُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ : حَدَّثَنِي صَبَّاحٌ الْمَدَائِنِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا اَلْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ : فِي قَوْلِهِ :

«وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهٰا» قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ يُعْنَى إِمَامُ الْأَرْضِ ، فَقُلْتُ :

فَإِذَا خَرَجَ يَكُونُ مَا ذَا قَالَ إِذاً يَسْتَغْنِي النَّاسُ عَنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَ نُورِ الْقَمَرِ وَ يَجْتَزُونَ بِنُورِ الْإِمَامِ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ وُضِعَ الْكِتٰابُ وَ جِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَدٰاءِ»

قال الشهداء الأئمة عليهم السّلام و الدليل على ذلك قوله في سورة الحج

ص: 253

«لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا» أنتم يا معشر الأئمة «شُهَدٰاءَ عَلَى النّٰاسِ »

و قوله «وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى اَلْجَنَّةِ زُمَراً» أي جماعة «حَتّٰى إِذٰا جٰاؤُهٰا وَ فُتِحَتْ أَبْوٰابُهٰا وَ قٰالَ لَهُمْ خَزَنَتُهٰا سَلاٰمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ » أي طابت مواليدكم لأنه لا يدخل الجنة

إلا طيب المولد «فَادْخُلُوهٰا خٰالِدِينَ »

قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ فُلاَناً وَ فُلاَناً غَصَبُونَا حَقَّنَا وَ اشْتَرَوْا بِهِ الْإِمَاءَ وَ تَزَوَّجُوا بِهِ النِّسَاءَ أَلاَ وَ إِنَّا قَدْ جَعَلْنَا شِيعَتَنَا مِنْ ذَلِكَ فِي حِلٍّ لِتَطِيبَ مَوَالِيدُهُمْ .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي صَدَقَنٰا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ اَلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشٰاءُ» يَعْنِي أَرْضَ اَلْجَنَّةِ .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

قَالَ : لَمَّا حَضَرَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ الْوَفَاةُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، فَقَالَ فِي الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ «اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي صَدَقَنٰا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ اَلْجَنَّةِ

حَيْثُ نَشٰاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعٰامِلِينَ » ثُمَّ تُوُفِّيَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ . قال ثم قال الله «وَ تَرَى الْمَلاٰئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ اَلْعَرْشِ » أي محيطين حول العرش «يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ » كناية عن أهل الجنة و النار و هذا مما لفظه ماض و معناه مستقبل «وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ »

40- سورة المؤمن مكية آياتها خمس و ثمانون 85

ص: 254

يقتلوه «وَ جٰادَلُوا بِالْبٰاطِلِ » أي خاصموا «لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ » أي يبطلوه و يدفعوه «فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كٰانَ عِقٰابِ » و قوله:«اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ اَلْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ » إلى قوله «وَ ذٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ »

قَالَ : فَحَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَنَّهُ سُئِلَ هَلِ الْمَلاَئِكَةُ أَكْثَرُ أَمْ بَنُو آدَمَ فَقَالَ : وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَعَدَدُ مَلاَئِكَةِ اللَّهِ فِي السَّمَاوَاتِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ التُّرَابِ فِي الْأَرْضِ ، وَ مَا فِي السَّمَاءِ مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلاَّ وَ فِيهَا مَلَكٌ يُسَبِّحُهُ وَ يُقَدِّسُهُ وَ لاَ فِي الْأَرْضِ شَجَرَةٌ وَ لاَ مَدَرٌ إِلاَّ وَ فِيهَا مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهَا يَأْتِي اللَّهَ كُلَّ يَوْمٍ بِعَمَلِهَا وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا، وَ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ وَ يَتَقَرَّبُ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى اللَّهِ بِوَلاَيَتِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يَسْتَغْفِرُ لِمُحِبِّينَا وَ يَلْعَنُ أَعْدَاءَنَا وَ يَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ إِرْسَالاً.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحِمْيَرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ جَمِيعاً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ اَلْمُنَخَّلِ بْنِ خَلِيلٍ الرَّقِّيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

: فِي قَوْلِهِ :«وَ كَذٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ» يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ . و قوله:«اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ اَلْعَرْشَ » يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

و الأوصياء من بعده يحملون علم الله «وَ مَنْ حَوْلَهُ » يعني الملائكة «يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا» يعني شيعة آل محمد «رَبَّنٰا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ ءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تٰابُوا» من ولاية فلان و فلان و بني أمية

«وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ » أي ولاية علي ولي الله «وَ قِهِمْ عَذٰابَ الْجَحِيمِ رَبَّنٰا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنّٰاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبٰائِهِمْ وَ أَزْوٰاجِهِمْ وَ ذُرِّيّٰاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » يعني من تولى عليا عليه السّلام فذلك صلاحهم «وَ قِهِمُ السَّيِّئٰاتِ وَ مَنْ تَقِ السَّيِّئٰاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ » يعني يوم القيامة «وَ ذٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » لمن نجاه الله من ولاية فلان و فلان ثم قال و «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا» يعني بني أمية «يُنٰادَوْنَ لَمَقْتُ اللّٰهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمٰانِ » يعني إلى ولاية علي عليه السّلام

«فَتَكْفُرُونَ » .

ص: 255

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«رَبَّنٰا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ » إلى قوله «مِنْ سَبِيلٍ »

قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : ذَلِكَ فِي اَلرَّجْعَةِ . قوله «ذٰلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذٰا دُعِيَ اللّٰهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ » أي جحدتم «وَ إِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا» فالكفر هاهنا الجحود قال: إذا وحد الله كفرتم و إن جعل لله شريكا تؤمنوا

أَخْبَرَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ

عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ اَلْحَكَمِ بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«إِذٰا دُعِيَ اللّٰهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَ إِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلّٰهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ» يَقُولُ : إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَ وُحِّدَ بِوَلاَيَةِ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ بِوَلاَيَتِهِ كَفَرْتُمْ وَ إِنْ يُشْرَكْ بِهِ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ وَلاَيَةٌ تُؤْمِنُوا بِأَنَّ لَهُ وَلاَيَةً .

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيٰاتِهِ » يعني الأئمة الذين أخبرهم الله رسوله صلّى اللّه عليه و آله بهم و قوله:«رَفِيعُ الدَّرَجٰاتِ ذُو اَلْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلىٰ مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ » قال روح القدس و هو خاص لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام

قوله:«لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاٰقِ » قال يوم يلتقي أهل السماوات و الأرض و «يَوْمَ التَّنٰادِ» يوم ينادي أهل النار أهل الجنة «أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنٰا مِنَ الْمٰاءِ أَوْ مِمّٰا رَزَقَكُمُ اللّٰهُ » ، و «يَوْمُ التَّغٰابُنِ » يوم يعير أهل الجنة أهل النار، و «يَوْمَ الْحَسْرَةِ » يوم يؤتى بالموت فيذبح، و قوله:«لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّٰهِ الْوٰاحِدِ الْقَهّٰارِ»

قَالَ : فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ زَيْدٍ النَّرْسِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ :

ص: 256

وَ أَضْعَافَ ذَلِكَ ثُمَّ أَمَاتَ مِيكَائِيلَ ثُمَّ لَبِثَ مِثْلَ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ وَ مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَ أَضْعَافَ ذَلِكَ ثُمَّ أَمَاتَ جَبْرَئِيلَ ثُمَّ لَبِثَ مِثْلَ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ وَ مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَ أَضْعَافَ ذَلِكَ ثُمَّ أَمَاتَ إِسْرَافِيلَ ثُمَّ لَبِثَ مِثْلَ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ وَ مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَ أَضْعَافَ ذَلِكَ ثُمَّ أَمَاتَ مَلَكَ الْمَوْتِ ثُمَّ لَبِثَ مِثْلَ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ وَ مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَ أَضْعَافَ ذَلِكَ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ » فَيَرُدُّ عَلَى نَفْسِهِ لِلَّهِ الْقَهَّارِ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ وَ أَيْنَ الَّذِينَ ادَّعَوْا مَعِي إِلَهاً آخَرَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ وَ نِخْوَتُهُمْ ثُمَّ يَبْعَثُ الْخَلْقَ . قَالَ عُبَيْدُ بْنُ زُرَارَةَ فَقُلْتُ : إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ كَائِنٌ طَوَّلْتَ ذَلِكَ فَقَالَ : أَ رَأَيْتَ مَا كَانَ هَلْ عَلِمْتَ بِهِ فَقُلْتُ لاَ، فَقَالَ : فَكَذَلِكَ هَذَا. و قوله «وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ » يعني يوم القيامة «إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنٰاجِرِ كٰاظِمِينَ » قال: مغمومين مكروبين ثم قال «مٰا لِلظّٰالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَ لاٰ شَفِيعٍ يُطٰاعُ »

يعني ما ينظر إلى ما يحل له أن يقبل شفاعته، ثم كنى عز و جل عن نفسه فقال:

«يَعْلَمُ خٰائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ مٰا تُخْفِي الصُّدُورُ وَ اللّٰهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ » ثم قال «أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كٰانَ عٰاقِبَةُ الَّذِينَ كٰانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كٰانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً » إلى قوله «مِنْ وٰاقٍ » أي من دافع.

ثم ذكر موسى و قد كتبنا خبره قوله «وَ قٰالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ

يَكْتُمُ إِيمٰانَهُ » قال كتم إيمانه ستمائة سنة، و كان مجذوما مقفعا و هو الذي وقعت أصابعه و كان يشير إلى قومه بيده المقفوعة، و يقول «يٰا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشٰادِ» و قوله «اَلَّذِينَ يُجٰادِلُونَ فِي آيٰاتِ اللّٰهِ بِغَيْرِ سُلْطٰانٍ » يعني بغير حجة يخاصمون «إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاّٰ كِبْرٌ» إلى قوله «اَلسَّمِيعُ الْبَصِيرُ»

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي

عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِنَّ فِي اَلنَّارِ

ص: 257

إِنَّ أَهْوَنَ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ فِي ضَحْضَاحٍ (1) مِنْ نَارٍ عَلَيْهِ نَعْلاَنِ مِنْ نَارٍ وَ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ مَا يَرَى أَنَّ فِي اَلنَّارِ أَحَداً أَشَدَّ عَذَاباً مِنْهُ وَ مَا فِي اَلنَّارِ أَحَدٌ أَهْوَنُ عَذَاباً مِنْهُ وَ قَوْلُهُ :«فَوَقٰاهُ اللّٰهُ سَيِّئٰاتِ مٰا مَكَرُوا» يَعْنِي مُؤْمِنَ آلِ فِرْعَوْنَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ اللَّهِ لَقَدْ قَطَعُوهُ إِرْباً إِرْباً وَ لَكِنْ وَقَاهُ اللَّهُ أَنْ يَفْتِنُوهُ فِي دِينِهِ . و قوله:«اَلنّٰارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهٰا غُدُوًّا وَ عَشِيًّا» ، قال: ذلك في الدنيا قبل القيامة و ذلك أن في القيامة لا يكون غدوا و لا عشيا، لأن الغدو و العشي إنما يكون في الشمس و القمر ليس في جنان الخلد و نيرانها شمس و لا قمر.

قَالَ : وَ قَالَ رَجُلٌ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ . مَا تَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ :«اَلنّٰارُ

يُعْرَضُونَ عَلَيْهٰا غُدُوًّا وَ عَشِيًّا» فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : مَا تَقُولُ النَّاسُ فِيهَا فَقَالَ يَقُولُونَ : إِنَّهَا فِي نَارِ الْخُلْدِ وَ هُمْ لاَ يُعَذَّبُونَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَهُمْ مِنَ السُّعَدَاءِ(2) فَقِيلَ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَكَيْفَ هَذَا فَقَالَ إِنَّمَا هَذَا فِي الدُّنْيَا وَ أَمَّا فِي نَارِ الْخُلْدِ فَهُوَ قَوْلُهُ :«وَ يَوْمَ تَقُومُ السّٰاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذٰابِ » .

ثم ذكر قول أهل النار فقال «وَ إِذْ يَتَحٰاجُّونَ فِي اَلنّٰارِ فَيَقُولُ الضُّعَفٰاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا» إلى قوله «مِنَ اَلنّٰارِ» فردوا عليهم فقالوا «إِنّٰا كُلٌّ فِيهٰا إِنَّ اللّٰهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبٰادِ» و قوله «وَ مٰا دُعٰاءُ اَلْكٰافِرِينَ إِلاّٰ فِي ضَلاٰلٍ » أي في بطلان و قوله «إِنّٰا لَنَنْصُرُ رُسُلَنٰا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا» و هو في الرجعة إذا رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ

عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : قُلْتُ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى «إِنّٰا لَنَنْصُرُ رُسُلَنٰا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهٰادُ»

ص: 258


1- الْمَاءُ الْيَسِيرُ.
2- إِذْ هُمْ يَسْتَرِيحُونَ مِنَ الْعَذَابِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ج. ز.

قَالَ ذَلِكَ وَ اللَّهِ فِي اَلرَّجْعَةِ ، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ أَنْبِيَاءَ كَثِيرَةً لَمْ يُنْصَرُوا فِي الدُّنْيَا وَ قُتِلُوا وَ اَلْأَئِمَّةَ بَعْدَهُمْ قُتِلُوا وَ لَمْ يُنْصَرُوا ذَلِكَ فِي اَلرَّجْعَةِ . و قال علي بن إبراهيم في قوله:

«وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهٰادُ» يعني الأئمة عليهم السّلام

و قوله:«وَ قٰالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبٰادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰاخِرِينَ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنِ اِبْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

قَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَيَمُنُّ عَلَى عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْمُرُهُ الله أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ يَعْنِي مِنْ رَحْمَتِهِ فَيَدْنُو حَتَّى يَضَعَ كَفَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ يُعَرِّفُهُ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ يَقُولُ لَهُ أَ وَ لَمْ تَدْعُنِي يَوْمَ كَذَا وَ كَذَا بِكَذَا وَ كَذَا فَأَجَبْتُ دَعْوَتَكَ أَ لَمْ تَسْأَلْنِي يَوْمَ كَذَا وَ كَذَا فَأَعْطَيْتُكَ مَسْأَلَتَكَ أَ لَمْ تَسْتَغِثْ بِي يَوْمَ كَذَا وَ كَذَا فَأَغَثْتُكَ أَ لَمْ تَسْأَلْ ضُرّاً كَذَا وَ كَذَا فَكَشَفْتُ عَنْكَ ضُرَّكَ وَ رَحِمْتُ صَوْتَكَ أَ لَمْ تَسْأَلْنِي مَالاً فَمَلَّكْتُكَ أَ لَمْ تَسْتَخْدِمْنِي فَأَخْدَمْتُكَ أَ لَمْ تَسْأَلْنِي أَنْ أُزَوِّجَكَ فُلاَنَةَ وَ هِيَ مَنِيعَةٌ عِنْدَ أَهْلِهَا فَزَوَّجْنَاكَهَا قَالَ فَيَقُولُ الْعَبْدُ بَلَى يَا رَبِّ قَدْ أَعْطَيْتَنِي كُلَّ مَا سَأَلْتُكَ وَ كُنْتُ أَسْأَلُكَ اَلْجَنَّةَ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ فَإِنِّي مُنْعِمٌ لَكَ مَا سَأَلْتَنِيهِ اَلْجَنَّةُ لَكَ مباحا [مُبَاحَةٌ ] أَرْضَيْتُكَ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ نَعَمْ يَا رَبِّ أَرْضَيْتَنِي وَ قَدْ رَضِيتُ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ عَبْدِي إِنِّي كُنْتُ أَرْضَى أَعْمَالَكَ وَ إِنَّمَا أَرْضَى لَكَ أَحْسَنَ الْجَزَاءِ فَإِنَّ أَفْضَلَ جَزَائِي عِنْدِي أَنْ أُسْكِنَكَ اَلْجَنَّةَ وَ هُوَ قَوْلُهُ «اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ » الْآيَةَ .».

و قوله:«هُوَ الْحَيُّ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ » قال

ص: 259

الْمِسْكَ وَ تُرَابَهَا الزَّعْفَرَانَ وَ حَصَاهَا اللُّؤْلُؤَ وَ جَعَلَ دَرَجَاتِهَا عَلَى قَدْرِ آيَاتِ اَلْقُرْآنِ فَمَنْ قَرَأَ اَلْقُرْآنَ قَالَ لَهُ اقْرَأْ وَ ارْقَ وَ مَنْ دَخَلَ مِنْهُمُ اَلْجَنَّةَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي اَلْجَنَّةِ أَعْلَى دَرَجَةً مِنْهُ مَا خَلاَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : فَمَا الزُّهْدُ قَالَ : الزُّهْدُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ فَأَعْلَى دَرَجَاتِ الزُّهْدِ أَدْنَى دَرَجَاتِ الرِّضَى أَلاَ وَ إِنَّ الزُّهْدَ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ «لِكَيْلاٰ تَأْسَوْا عَلىٰ مٰا فٰاتَكُمْ وَ لاٰ تَفْرَحُوا بِمٰا آتٰاكُمْ » فَقَالَ الرَّجُلُ :

«لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ » فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ . وَ أَنَا أَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَإِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَلْيَقُلْ «اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ » ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ :«هُوَ الْحَيُّ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ » .»

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «اَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتٰابِ وَ بِمٰا أَرْسَلْنٰا بِهِ رُسُلَنٰا» إِلَى قَوْلِهِ «كَذٰلِكَ يُضِلُّ اللّٰهُ الْكٰافِرِينَ » فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ اَلْكَافِرِينَ مُشْرِكِينَ بِأَنْ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَ قَدْ أَرْسَلَ اللَّهُ رُسُلَهُ بِالْكِتَابِ وَ بِتَأْوِيلِهِ فَمَنْ كَذَّبَ بِالْكِتَابِ أَوْ كَذَّبَ بِمَا أَرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْكِتَابِ فَهُوَ مُشْرِكٌ كَافِرٌ.، قال علي بن إبراهيم في قوله «ذٰلِكُمْ بِمٰا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِمٰا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ »

يعني من الفرح الظاهر

قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ

ص: 260

عَلَيْهِمُ اللَّهَبُ وَ الشَّرَرُ وَ الدُّخَانُ وَ فَوْرَةُ الْحَمِيمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَصِيرُهُمْ إِلَى اَلْجَحِيمِ وَ «فِي اَلنّٰارِ يُسْجَرُونَ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ »

أَيْ أَيْنَ إِمَامُكُمُ الَّذِي اتَّخَذْتُمُوهُ دُونَ الْإِمَامِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً.،

ثم قال الله لنبيه «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ فَإِمّٰا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ » أي من العذاب «أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنٰا يُرْجَعُونَ » .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِنَّ الْفَرَحَ وَ الْمَرَحَ وَ الْخُيَلاَءَ كُلُّ ذَلِكَ فِي الشِّرْكِ وَ الْعَمَلِ فِي الْأَرْضِ بِالْمَعْصِيَةِ . و قوله:«وَ آثٰاراً فِي الْأَرْضِ »

يقول أعمالا في الأرض و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ يُرِيكُمْ آيٰاتِهِ » يعني أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السّلام في الرجعة و إذا رأوهم «قٰالُوا آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنٰا بِمٰا كُنّٰا بِهِ مُشْرِكِينَ » أي جحدنا بما أشركناهم «فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمٰانُهُمْ لَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا سُنَّتَ اللّٰهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبٰادِهِ وَ خَسِرَ هُنٰالِكَ اَلْكٰافِرُونَ » .

41- سورة حم السجدة مكية آياتها أربع و خمسون 54

ص: 261

و هو قوله «وَ مٰا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّٰهِ إِلاّٰ وَ هُمْ مُشْرِكُونَ » يعني بالأعمال إذا أمروا بأمر عملوا خلاف ما قال الله فسماهم الله مشركين ثم قال «اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كٰافِرُونَ » يعني من لم يدفع الزكاة فهو كافر.

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي جَمِيلٍ [جَمِيلَةَ ]

عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : يَا أَبَانُ أَ تَرَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ طَلَبَ مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ وَ هُمْ يُشْرِكُونَ بِهِ حَيْثُ يَقُولُ :«وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ

اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كٰافِرُونَ » قُلْتُ لَهُ : كَيْفَ ذَلِكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَسِّرْهُ لِي فَقَالَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا بِالْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَ هُمْ بِالْأَئِمَّةِ الْآخِرِينَ كَافِرُونَ ، يَا أَبَانُ إِنَّمَا دَعَا اللَّهُ الْعِبَادَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ فَإِذَا آمَنُوا بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمُ الْفَرَائِضَ .

قال علي بن إبراهيم ثم ذكر الله المؤمنين فقال:«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ » أي بلا من من الله عليهم بما يأجرهم به ثم خاطب نبيه فقال «قُلْ » لهم يا محمد «أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ » و معنى يومين أي وقتين ابتداء الخلق و انقضائه «وَ جَعَلَ فِيهٰا رَوٰاسِيَ مِنْ فَوْقِهٰا وَ بٰارَكَ فِيهٰا وَ قَدَّرَ فِيهٰا أَقْوٰاتَهٰا» أي لا يزول و يبقى «فِي أَرْبَعَةِ أَيّٰامٍ سَوٰاءً لِلسّٰائِلِينَ »

يعني في أربعة أوقات و هي التي يخرج الله فيها أقوات العالم من الناس و البهائم و الطير و حشرات الأرض و ما في البر و البحر من الخلق و الثمار و النبات و الشجر و ما يكون فيه معاش الحيوان كله و هو الربيع و الصيف و الخريف و الشتاء، ففي الشتاء يرسل الله الرياح و الأمطار و الأنداء(1) و الطلول من السماء فيلقح الأرض و الشجر و هو وقت بارد ثم يجيء من بعده الربيع و هو وقت معتدل حار و بارد فيخرج الشجر

ص: 262


1- جمع الندى: ما يسقط في الليل من بخار الماء. ج. ز.

ثماره و الأرض نباتها فيكون أخضر ضعيفا ثم يجيء من بعده وقت الصيف و هو حار فينضج الثمار و يصلب الحبوب التي هي أقوات العالم و جميع الحيوان ثم يجيء من بعده وقت الخريف فيطيبه و يبرده و لو كان الوقت كله شيئا واحدا لم يخرج النبات من الأرض لأنه لو كان الوقت كله ربيعا لم تنضج الثمار و لم تبلغ الحبوب و لو كان الوقت كله صيفا لاحترق كل شيء في الأرض و لم يكن للحيوان معاش و لا قوت، و لو كان الوقت كله خريفا و لم يتقدمه شيء من هذه الأوقات لم يكن شيء يتقوت به العالم، فجعل الله هذه الأقوات في هذه الأربعة الأوقات في الشتاء و الربيع و الصيف و الخريف و قام به العالم و استوى و بقي و سمى الله هذه الأوقات أياما «سَوٰاءً لِلسّٰائِلِينَ » يعني المحتاجين لأن كل محتاج سائل و في العالم من خلق الله من لا يسأل و لا يقدر عليه من الحيوان كثير فهم سائلون و إن لم يسألوا.

و قوله:«ثُمَّ اسْتَوىٰ إِلَى السَّمٰاءِ» أي دبر و خلق

وَ قَدْ سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَمَّنْ كَلَّمَ اللَّهَ لاَ مِنَ الْجِنِّ وَ لاَ مِنَ الْإِنْسِ فَقَالَ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضُ فِي قَوْلِهِ :«اِئْتِيٰا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قٰالَتٰا أَتَيْنٰا طٰائِعِينَ فَقَضٰاهُنَّ » . أي فخلقهن «سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ فِي يَوْمَيْنِ » يعني في وقتين ابتداء و انقضاء «وَ أَوْحىٰ فِي كُلِّ سَمٰاءٍ أَمْرَهٰا»

فهذا وحي تقدير و تدبير «وَ زَيَّنَّا السَّمٰاءَ الدُّنْيٰا بِمَصٰابِيحَ » يعني بالنجوم «وَ حِفْظاً»

يعني من الشيطان أن يخرق السماء و قوله:«فَإِنْ أَعْرَضُوا» يا محمد «فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صٰاعِقَةً مِثْلَ صٰاعِقَةِ عٰادٍ وَ ثَمُودَ» و هم قريش و هو معطوف على قوله «فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاٰ يَسْمَعُونَ » ! و قوله:«إِذْ جٰاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ » يعني نوحا

و إبراهيم و موسى و عيسى و النبيين «وَ مِنْ خَلْفِهِمْ » أنت فقالوا:«لَوْ شٰاءَ رَبُّنٰا لَأَنْزَلَ مَلاٰئِكَةً » لم يبعث بشرا مثلنا «فَإِنّٰا بِمٰا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كٰافِرُونَ »

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«فَأَرْسَلْنٰا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً»

وَ الصَّرْصَرُ الرِّيحُ الْبَارِدَةُ «فِي أَيّٰامٍ نَحِسٰاتٍ » أَيْ أَيَّامٍ مَيَاشِيمَ . و قوله:

ص: 263

«وَ أَمّٰا ثَمُودُ فَهَدَيْنٰاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمىٰ عَلَى الْهُدىٰ » و لم يقل استحب الله كما زعمت المجبرة أن الأفعال أحدثها الله لنا «فَأَخَذَتْهُمْ صٰاعِقَةُ الْعَذٰابِ الْهُونِ بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ » يعني ما فعلوه و قوله:«وَ يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدٰاءُ اللّٰهِ إِلَى اَلنّٰارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ » أي يجيئون من كل ناحية

و قوله:«حَتّٰى إِذٰا مٰا جٰاؤُهٰا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصٰارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ » فإنها نزلت في قوم يعرض عليهم أعمالهم فينكرونها فيقولون ما عملنا منها شيئا، فتشهد عليهم الملائكة الذين كتبوا عليهم أعمالهم

فَقَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فَيَقُولُونَ لِلَّهِ : يَا رَبِّ هَؤُلاَءِ مَلاَئِكَتُكَ يَشْهَدُونَ لَكَ ثُمَّ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ :«يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّٰهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمٰا يَحْلِفُونَ لَكُمْ » وَ هُمُ الَّذِينَ غَصَبُوا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْتِمُ اللَّهُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ وَ يُنْطِقُ جَوَارِحَهُمْ فَيَشْهَدُ السَّمْعُ بِمَا سَمِعَ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ وَ يَشْهَدُ الْبَصَرُ بِمَا نَظَرَ بِهِ إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَ تَشْهَدُ الْيَدَانِ بِمَا أَخَذَتَا وَ تَشْهَدُ الرِّجْلاَنِ بِمَا سَعَتَا فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ وَ يَشْهَدُ الْفَرْجُ بِمَا ارْتَكَبَ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ ثُمَّ أَنْطَقَ اللَّهُ أَلْسِنَتَهُمْ «وَ قٰالُوا» هُمْ «لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنٰا قٰالُوا أَنْطَقَنَا اللّٰهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَ مٰا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ » أَيْ مِنَ اللَّهِ «أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لاٰ أَبْصٰارُكُمْ وَ لاٰ جُلُودُكُمْ » وَ الْجُلُودُ الْفُرُوجُ «وَ لٰكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللّٰهَ لاٰ يَعْلَمُ كَثِيراً مِمّٰا تَعْمَلُونَ وَ ذٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدٰاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخٰاسِرِينَ » .

قَالَ : فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَدِيثٌ يَرْوِيهِ النَّاسُ فِيمَنْ يُؤْمَرُ بِهِ آخِرَ النَّاسِ إِلَى اَلنَّارِ

ص: 264

لاَ وَ عِزَّتِي وَ جَلاَلِي وَ آلاَئِي وَ عُلُوِّي وَ ارْتِفَاعِ مَكَانِي مَا ظَنَّ بِي عَبْدِي سَاعَةً مِنْ خَيْرٍ قَطُّ وَ لَوْ ظَنَّ بِي سَاعَةً مِنْ خَيْرٍ مَا رَوَّعْتُهُ بِالنَّارِ أَجِيزُوا لَهُ كَذِبَهُ فَأَدْخِلُوهُ اَلْجَنَّةَ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَظُنُّ بِاللَّهِ خَيْراً إِلاَّ كَانَ عِنْدَ ظَنِّهِ بِهِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ «وَ ذٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدٰاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخٰاسِرِينَ » .»

قوله:

«فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنّٰارُ مَثْوىً لَهُمْ » يعني يخسروا و يخسئوا «وَ إِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمٰا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ » أي لا يجابوا إلى ذلك قوله «وَ قَيَّضْنٰا لَهُمْ قُرَنٰاءَ» يعني الشياطين من الجن و الإنس الأردياء «فَزَيَّنُوا لَهُمْ مٰا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ » أي ما كانوا يفعلون «وَ مٰا خَلْفَهُمْ » أي ما يقال لهم إنه يكون خلفكم كله باطل و كذب «وَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ »

و العذاب و قوله «وَ قٰالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاٰ تَسْمَعُوا لِهٰذَا اَلْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ » أي تصيرونه سخرية و لغوا

وَ قَوْلُهُ «وَ قٰالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنٰا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاّٰنٰا مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ » قَالَ الْعَالِمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنَ الْجِنِّ إِبْلِيسُ الَّذِي دَبَّرَ عَلَى قَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي دَارِ النَّدْوَةِ وَ أَضَلَّ النَّاسَ بِالْمَعَاصِي وَ جَاءَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى فُلاَنٍ فَبَايَعَهُ وَ مِنَ الْإِنْسِ فُلاَنٌ . «نَجْعَلْهُمٰا تَحْتَ أَقْدٰامِنٰا لِيَكُونٰا مِنَ الْأَسْفَلِينَ » ثم ذكر المؤمنين من شيعة أمير المؤمنين عليه السّلام فقال «إِنَّ الَّذِينَ قٰالُوا رَبُّنَا اللّٰهُ ثُمَّ اسْتَقٰامُوا» قال على ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام قوله «تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاٰئِكَةُ »

قال عند الموت «أَلاّٰ تَخٰافُوا وَ لاٰ تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيٰاؤُكُمْ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا» قال كنا نحرسكم من الشياطين «وَ فِي الْآخِرَةِ » أي عند الموت «وَ لَكُمْ فِيهٰا مٰا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَ لَكُمْ فِيهٰا مٰا تَدَّعُونَ » يعني في الجنة

«نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ » .

قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اِبْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ :

مَا يَمُوتُ مُوَالٍ لَنَا مُبْغِضٌ لِأَعْدَائِنَا إِلاَّ وَ يَحْضُرُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ

ص: 265

بِحَيْثُ يَسُوؤُهُ .، و الدليل على ذلك

قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِحَارِثٍ الْهَمْدَانِيِّ :

يَا حَارِ هَمْدَانَ مَنْ يَمُتْ يَرَنِي *** مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ مُنَافِقٍ قُبُلاً.

ثم أدب الله نبيه صلّى اللّه عليه و آله فقال «وَ لاٰ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » قال ادفع سيئة من أساء إليك بحسنتك حتى يكون «اَلَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَدٰاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ » ثم قال «وَ مٰا يُلَقّٰاهٰا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَ مٰا يُلَقّٰاهٰا إِلاّٰ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَ إِمّٰا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ اَلشَّيْطٰانِ نَزْغٌ » أي إن عرض بقلبك نزغ من الشيطان

«فَاسْتَعِذْ بِاللّٰهِ » و المخاطبة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و المعنى للناس ثم احتج على الدهرية

فقال «وَ مِنْ آيٰاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خٰاشِعَةً » أي ساكنة هامدة «إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيٰاتِنٰا» يعني ينكرون «لاٰ يَخْفَوْنَ عَلَيْنٰا» ثم استفهم عز و جل على المجاز فقال «أَ فَمَنْ يُلْقىٰ فِي اَلنّٰارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيٰامَةِ اعْمَلُوا مٰا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» .

و قوله «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ» يعني بالقرآن.

ثم قال «وَ لَوْ جَعَلْنٰاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقٰالُوا لَوْ لاٰ فُصِّلَتْ آيٰاتُهُ ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ »

قال لو كان هذا القرآن أعجميا لقالوا لو لا أنزل بالعربية فقال الله «قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفٰاءٌ» أي تبيان «وَ الَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ فِي آذٰانِهِمْ وَقْرٌ» أي صمم

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ

لَمّٰا جٰاءَهُمْ » يَعْنِي اَلْقُرْآنَ الَّذِي «لاٰ يَأْتِيهِ الْبٰاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ » قَالَ لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ قِبَلِ اَلتَّوْرَاةِ وَ لاَ مِنْ قِبَلِ اَلْإِنْجِيلِ وَ اَلزَّبُورِ وَ أَمَّا مِنْ خَلْفِهِ لاَ يَأْتِيهِ مِنْ بَعْدِهِ كِتَابٌ يُبْطِلُهُ . و قوله «لَوْ لاٰ فُصِّلَتْ آيٰاتُهُ ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ » قال لو كان هذا القرآن أعجميا لقالوا كيف نتعلمه و لساننا عربي و آتينا بقرآن أعجمي فأحب الله أن ينزله بلسانهم و قد قال الله عز و جل «وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلاّٰ بِلِسٰانِ قَوْمِهِ » .

ص: 266

«مٰا مِنّٰا مِنْ شَهِيدٍ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ مٰا كٰانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ » إلى قوله «وَ ظَنُّوا مٰا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ » أي علموا أنه لا محيص لهم و لا ملجأ و لا مفر و قوله:«لاٰ يَسْأَمُ الْإِنْسٰانُ مِنْ دُعٰاءِ الْخَيْرِ» أي لا يمل و لا يعيى أن يدعو لنفسه بالخير «وَ إِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ » أي يائس من روح الله و فرجه، ثم قال:«وَ إِذٰا أَنْعَمْنٰا عَلَى الْإِنْسٰانِ أَعْرَضَ وَ نَأىٰ بِجٰانِبِهِ »

أي يتبختر و يتعظم و يستحقر من هو دونه «وَ إِذٰا مَسَّهُ الشَّرُّ» أي الفقر و المرض و الشدة «فَذُو دُعٰاءٍ عَرِيضٍ » أي يكثر الدعاء

و قوله:«سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا فِي الْآفٰاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ » فمعنى في الآفاق الكسوف و الزلازل و ما يعرض في السماء من الآيات، و أما في أنفسهم فمرة بالجوع و مرة بالعطش و مرة يشبع و مرة يروى و مرة يمرض و مرة يصح و مرة يستغني و مرة يفتقر و مرة يرضى و مرة يغضب و مرة يخاف و مرة يأمن فهذا من عظيم دلالة الله على التوحيد قال الشاعر:

و في كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد.

ثم أرهب عباده بلطيف عظمته فقال:«أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ » يا محمد «أَنَّهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ» ثم قال «أَلاٰ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ » أي في شك «مِنْ لِقٰاءِ رَبِّهِمْ أَلاٰ إِنَّهُ » كناية عن الله «بِكُلِّ شَيْ ءٍ مُحِيطٌ » .

42- سورة الشورى مكية آياتها ثلاث و خمسون 53

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ حم عسق» هو حروف من اسم الله الأعظم المقطوع يؤلفه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو الإمام (عليه السّلام) فيكون الاسم الأعظم الذي إذا دعا الله به أجاب ثم قال:«كَذٰلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللّٰهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ »

ص: 267

أَحْمَدَ الْعَلَوِيُّ عَنِ اَلْعَمْرَكِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَمَاعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مسيرة [مَيْسَرَةَ ] الْخَثْعَمِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «حم عسق» أَعْدَادُ سِنِي الْقَائِمِ وَ قَافٌ جَبَلٌ مُحِيطٌ بِالدُّنْيَا مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ فَخُضْرَةُ السَّمَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْجَبَلِ وَ عِلْمُ كُلِّ شَيْ ءٍ فِي «عسق» .

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«تَكٰادُ السَّمٰاوٰاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَ الْمَلاٰئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ » قال للمؤمنين من الشيعة

التوابين خاصة، و لفظ الآية عامة و معناه خاص و قوله:«وَ كَذٰلِكَ أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرىٰ وَ مَنْ حَوْلَهٰا» قال: أم القرى مكة سميت أم القرى

لأنها أول بقعة خلقها الله من الأرض لقوله «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّٰاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ

مُبٰارَكاً»

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ » أَيْ يَتَصَدَّعْنَ وَ قَوْلُهُ «لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرىٰ » مَكَّةَ «وَ مَنْ حَوْلَهٰا» سَائِرَ الْأَرْضِ . و قوله «وَ تُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لاٰ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي اَلْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي اَلسَّعِيرِ»

قَالَ : فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّكَيْنِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْبَجَلِيِّ [النحلي] عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ قَالَ : لَمَّا بَلَغَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَمْرُ مُعَاوِيَةَ

وَ أَنَّهُ فِي مِائَةِ أَلْفٍ قَالَ مِنْ أَيِّ الْقَوْمِ قَالُوا مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لاَ تَقُولُوا مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ لَكِنْ قُولُوا مِنْ أَهْلِ الشُّومِ هُمْ مِنْ أَبْنَاءِ مُضَرَ لُعِنُوا عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ

فَجَعَلَ اللَّهُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنَازِيرَ، ثُمَّ كَتَبَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى مُعَاوِيَةَ لاَ تَقْتُلِ النَّاسَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ وَ هَلُمَّ إِلَى الْمُبَارَزَةِ فَإِنْ أَنَا قَتَلْتُكَ فَإِلَى اَلنَّارِ أَنْتَ وَ تَسْتَرِيحُ النَّاسُ مِنْكَ وَ مِنْ ضَلاَلَتِكَ وَ إِنْ قَتَلْتَنِي فَأَنَا إِلَى اَلْجَنَّةِ وَ يُغْمَدُ عَنْكَ السَّيْفُ الَّذِي لاَ يَسَعُنِي غِمْدُهُ حَتَّى أَرُدَّ مَكْرَكَ وَ بِدْعَتَكَ ، وَ أَنَا الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ اسْمَهُ فِي اَلتَّوْرَاةِ وَ اَلْإِنْجِيلِ بِمُؤَازَرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، وَ أَنَا أَوَّلُ مَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فِي قَوْلِهِ :

ص: 268

فَلَمَّا قَرَأَ مُعَاوِيَةُ كِتَابَهُ وَ عِنْدَهُ جُلَسَاؤُهُ قَالُوا وَ اللَّهِ قَدْ أَنْصَفَكَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَ اللَّهِ مَا أَنْصَفَنِي وَ اللَّهِ لَأَرْمِيَنَّهُ بِمِائَةِ أَلْفِ سَيْفٍ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَصِلَ إِلَيَّ ، وَ وَ اللَّهِ مَا أَنَا مِنْ رِجَالِهِ ، وَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ وَ اللَّهِ يَا عَلِيُّ لَوْ بَارَزَكَ أَهْلُ الشَّرْقِ وَ الْغَرْبِ لَقَتَلْتَهُمْ أَجْمَعِينَ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَمَا يَحْمِلُكَ يَا مُعَاوِيَةُ عَلَى قِتَالِ مَنْ تَعْلَمُ وَ تُخْبِرُ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِمَا تُخْبِرُ مَا أَنْتَ وَ نَحْنُ فِي قِتَالِهِ إِلاَّ عَلَى الضَّلاَلَةِ ! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : إِنَّمَا هَذَا بَلاَغٌ «مِنَ اللّٰهِ وَ رِسٰالاٰتِهِ »

وَ اللَّهِ مَا أَسْتَطِيعُ أَنَا وَ أَصْحَابِي رَدَّ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ مَا هُوَ كَائِنٌ .

قَالَ : وَ بَلَغَ ذَلِكَ مَلِكَ اَلرُّومِ وَ أُخْبِرَ أَنَّ رَجُلَيْنِ قَدْ خَرَجَا يَطْلُبَانِ الْمُلْكَ فَسَأَلَ مِنْ أَيْنَ خَرَجَا فَقِيلَ لَهُ رَجُلٌ بِالْكُوفَةِ وَ رَجُلٌ بِالشَّامِ قَالَ : فَلِمَنِ الْمُلْكُ الْآنَ فَأَمَرَ وُزَرَاءَهُ فَقَالَ تَخَلَّلُوا هَلْ تُصِيبُونَ مِنْ تُجَّارِ اَلْعَرَبِ مَنْ يَصِفُهُمَا لِي، فَأُتِيَ بِرَجُلَيْنِ مِنْ تُجَّارِ اَلشَّامِ وَ رَجُلَيْنِ مِنْ تُجَّارِ مَكَّةَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ صِفَتِهِمَا فَوَصَفُوهُمَا لَهُ ثُمَّ قَالَ لِخُزَّانِ بُيُوتِ خَزَائِنِهِ أَخْرِجُوا إِلَيَّ الْأَصْنَامَ فَأَخْرَجُوهَا فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ : الشَّامِيُّ ضَالٌّ وَ الْكُوفِيُّ هَادٍ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ أَعْلَمَ أَهْلِ بَيْتِكَ وَ كَتَبَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ أَعْلَمَ أَهْلِ بَيْتِكَ ، فَأَسْمَعَ مِنْهُمَا ثُمَّ أَنْظُرَ فِي اَلْإِنْجِيلِ

ص: 269

فَأَخْرَجَ صَنَماً فَعَرَضَهُ عَلَى يَزِيدَ فَلَمْ يَعْرِفْهُ ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ صَنَماً صَنَماً فَلاَ يَعْرِفُ مِنْهَا شَيْئاً وَ لاَ يُجِيبُ مِنْهَا بِشَيْ ءٍ ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ أَرْزَاقِ الْخَلاَئِقِ وَ عَنْ أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ أَيْنَ تَجْتَمِعُ وَ عَنْ أَرْوَاحِ اَلْكُفَّارِ أَيْنَ تَكُونُ إِذَا مَاتُوا فَلَمْ يَعْرِفْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً ثُمَّ دَعَا الْمَلِكُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ : إِنَّمَا بَدَأْتُ بِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ كَيْ يَعْلَمَ أَنَّكَ تَعْلَمُ مَا لاَ يَعْلَمُ وَ يَعْلَمُ أَبُوكَ مَا لاَ يَعْلَمُ أَبُوهُ فَقَدْ وُصِفَ لِي أَبُوكَ وَ أَبُوهُ وَ نَظَرْتُ فِي اَلْإِنْجِيلِ فَرَأَيْتُ فِيهِ مُحَمَّداً رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ الْوَزِيرَ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَنَظَرْتُ فِي الْأَوْصِيَاءِ فَرَأَيْتُ فِيهَا أَبَاكَ وَصِيَّ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .

فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ : سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ مِمَّا تَجِدُهُ فِي اَلْإِنْجِيلِ وَ عَمَّا فِي اَلتَّوْرَاةِ

ص: 270

السَّمَاءِ وَ يَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ بِدِمَشْقَ وَ هُوَ الَّذِي يَقْتُلُ اَلدَّجَّالَ .

ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ صَنَماً صَنَماً فَيُخْبِرُ بِاسْمِ نَبِيٍّ نَبِيٍّ ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ الْأَوْصِيَاءَ وَ الْوُزَرَاءَ فَكَانَ يُخْبِرُ بِاسْمِ وَصِيٍّ وَصِيٍّ وَ وَزِيرٍ وَزِيرٍ ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ أَصْنَاماً بِصِفَةِ الْمُلُوكِ فَقَالَ الْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هَذِهِ أَصْنَامٌ لَمْ نَجِدْ صِفَتَهَا فِي اَلتَّوْرَاةِ وَ لاَ فِي اَلْإِنْجِيلِ وَ لاَ فِي اَلزَّبُورِ

وَ لاَ فِي اَلْفُرْقَانِ فَلَعَلَّهَا مِنْ صِفَةِ الْمُلُوكِ فَقَالَ الْمَلِكُ : أَشْهَدُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ

أَنَّكُمْ قَدْ أُعْطِيتُمْ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ وَ عِلْمَ اَلتَّوْرَاةِ وَ اَلْإِنْجِيلِ وَ اَلزَّبُورِ وَ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَ أَلْوَاحِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ صَنَماً يَلُوحُ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ بَكَى بُكَاءً شَدِيداً، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا يُبْكِيكَ فَقَالَ : هَذِهِ صِفَةُ جَدِّي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَثِيفُ اللِّحْيَةِ عَرِيضُ الصَّدْرِ طَوِيلُ الْعُنُقِ عَرِيضُ الْجَبْهَةِ ، أَقْنَى الْأَنْفِ ، أَفْلَجُ الْأَسْنَانِ حَسَنُ الْوَجْهِ قَطَطُ الشَّعْرِ طَيِّبُ الرِّيحِ حَسَنُ الْكَلاَمِ فَصِيحُ اللِّسَانِ ، كَانَ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، بَلَغَ عُمُرُهُ ثَلاَثاً وَ سِتِّينَ سَنَةً وَ لَمْ يُخَلِّفْ بَعْدَهُ إِلاَّ خَاتَماً مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ كَانَ يختم [يَتَخَتَّمُ ] بِيَمِينِهِ وَ خَلَّفَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ وَ قَضِيبَهُ وَ جُبَّةَ صُوفٍ وَ كِسَاءَ صُوفٍ كَانَ يَتَسَرْوَلُ بِهِ ، لَمْ يَقْطَعْهُ وَ لَمْ يَخِطْهُ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ ! فَقَالَ الْمَلِكُ : إِنَّا نَجِدُ فِي اَلْإِنْجِيلِ أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى سِبْطَيْهِ فَهَلْ كَانَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ ، فَقَالَ الْمَلِكُ فَبَقِيَ لَكُمْ ذَلِكَ فَقَالَ لاَ، فَقَالَ الْمَلِكُ أَوَّلُ فِتْنَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ غَلَبَا أَبَاكُمَا وَ هُمَا الْأَوَّلُ وَ الثَّانِي عَلَى مُلْكِ نَبِيِّكُمْ وَ اخْتِيَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى ذُرِّيَّةِ نَبِيِّهِمْ ، مِنْكُمُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ الْآمِرُ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهِي عَنِ الْمُنْكَرِ .

قَالَ : ثُمَّ سَأَلَ الْمَلِكُ الْحَسَنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ خَلَقَهَا اللَّهُ لَمْ تَرْكُضْ فِي رَحِمٍ ، فَقَالَ الْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَوَّلُ هَذِهِ آدَمُ ثُمَّ حَوَّاءُ ثُمَّ كَبْشُ إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ نَاقَةُ صَالِحٍ

ص: 271

تَجْتَمِعُ عِنْدَ صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي كُلِّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ وَ هُوَ عَرْشُ اللَّهِ الْأَدْنَى مِنْهَا بَسَطَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَ إِلَيْهَا يَطْوِيهَا وَ مِنْهَا الْمَحْشَرُ وَ مِنْهَا اسْتَوَى رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ أَيِ اسْتَوْلَى عَلَى السَّمَاءِ وَ الْمَلاَئِكَةِ ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ أَرْوَاحِ اَلْكُفَّارِ أَيْنَ تَجْتَمِعُ قَالَ : تَجْتَمِعُ فِي وَادِي حَضْرَمَوْتَ وَرَاءِ مَدِينَةِ اَلْيَمَنِ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ نَاراً مِنَ الْمَشْرِقِ وَ نَاراً مِنَ الْمَغْرِبِ وَ يُتْبِعُهُمَا بِرِيحَيْنِ شَدِيدَتَيْنِ فَيُحْشَرُ النَّاسُ عِنْدَ صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيُحْشَرُ أَهْلُ اَلْجَنَّةِ عَنْ يَمِينِ الصَّخْرَةِ وَ يُزْلَفُ الْمِيعَادُ وَ تَصِيرُ جَهَنَّمُ عَنْ يَسَارِ الصَّخْرَةِ فِي تُخُومِ الْأَرَضِينَ السَّابِعَةِ وَ فِيهَا الْفَلَقُ وَ السِّجِّينُ فَتَفَرَّقُ الْخَلاَئِقُ مِنْ عِنْدِ الصَّخْرَةِ فَمَنْ وَجَبَتْ لَهُ اَلْجَنَّةُ دَخَلَهَا وَ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ اَلنَّارُ دَخَلَهَا وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ «فَرِيقٌ فِي اَلْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي اَلسَّعِيرِ» فَلَمَّا أَخْبَرَ الْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِصِفَةِ مَا عَرَضَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَصْنَامِ وَ تَفْسِيرِ مَا سَأَلَهُ الْتَفَتَ الْمَلِكُ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَ قَالَ : أَ شَعَرْتَ أَنَّ ذَلِكَ عِلْمٌ لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ أَوْ وَصِيٌّ مُؤَازِرٌ قَدْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِمُؤَازَرَةِ نَبِيِّهِ أَوْ عِتْرَةِ نَبِيٍّ مُصْطَفًى وَ غَيْرُهُ فَقَدْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ وَ آثَرَ دُنْيَاهُ عَلَى آخِرَتِهِ وَ هَوَاهُ عَلَى دِينِهِ وَ هُوَ مِنَ الظَّالِمِينَ .

قَالَ : فَسَكَتَ يَزِيدُ وَ خَمَدَ قَالَ : فَأَحْسَنَ الْمَلِكُ جَائِزَةَ الْحَسَنِ وَ أَكْرَمَهُ وَ قَالَ لَهُ : ادْعُ رَبَّكَ حَتَّى يَرْزُقَنِي دِينَ نَبِيِّكَ فَإِنَّ حَلاَوَةَ الْمُلْكِ قَدْ حَالَتْ بَيْنِي وَ بَيْنَ ذَلِكَ وَ أَظُنُّهُ سَمّاً مُرْدِياً وَ عَذَاباً أَلِيماً، قَالَ : فَرَجَعَ يَزِيدُ إِلَى مُعَاوِيَةَ : وَ كَتَبَ إِلَيْهِ الْمَلِكُ أَنَّهُ مَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْعِلْمَ بَعْدَ نَبِيِّهِ وَ حُكْمَ اَلتَّوْرَاةِ وَ مَا فِيهَا وَ اَلْإِنْجِيلِ وَ مَا فِيهِ وَ اَلزَّبُورِ

وَ مَا فِيهِ وَ اَلْفُرْقَانِ وَ مَا فِيهِ فَالْحَقُّ وَ الْخِلاَفَةُ لَهُ وَ كَتَبَ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّ الْحَقَّ وَ الْخِلاَفَةَ لَكَ وَ بَيْتَ النُّبُوَّةِ فِيكَ وَ فِي وُلْدِكَ فَقَاتِلْ مَنْ قَاتَلَكَ يُعَذِّبْهُ اللَّهُ بِيَدِكَ فَإِنَّ مَنْ قَاتَلَكَ نَجِدُهُ فِي اَلْإِنْجِيلِ أَنَّ عَلَيْهِ «لَعْنَةُ اللّٰهِ وَ الْمَلاٰئِكَةِ وَ النّٰاسِ أَجْمَعِينَ » وَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ .

ص: 272

«وَ لٰكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشٰاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَ الظّٰالِمُونَ » آل محمد حقهم «مٰا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَ لاٰ نَصِيرٍ»

و قوله:«وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْ ءٍ» من المذاهب و اخترتم لأنفسكم من الأديان فحكم ذلك كله [إلى الله] يوم القيامة

و قوله «جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوٰاجاً» يعني النساء «وَ مِنَ الْأَنْعٰامِ أَزْوٰاجاً» يعني ذكرا و أنثى «يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ » يعني النسل الذي يكون من الذكور و الإناث ثم رد الله على من وصف الله فقال:«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»

و قوله:«شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ » مخاطبة لمحمد صلّى اللّه عليه و آله «مٰا وَصّٰى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ » يا محمد «وَ مٰا وَصَّيْنٰا بِهِ إِبْرٰاهِيمَ وَ مُوسىٰ وَ عِيسىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ » أي تعلموا الدين يعني التوحيد و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و صوم شهر رمضان و حج البيت و السنن و الأحكام التي في الكتب و الإقرار بولاية أمير المؤمنين عليه السّلام «وَ لاٰ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ » أي لا تختلفوا فيه «كَبُرَ عَلَى اَلْمُشْرِكِينَ

مٰا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » من ذكر هذه الشرائع ثم قال «اَللّٰهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشٰاءُ» أي يختار «وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ » و هم الأئمة الذين اجتباهم الله و اختارهم قال «وَ مٰا تَفَرَّقُوا إِلاّٰ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ » قال لم يتفرقوا بجهل و لكنهم تفرقوا لما جاءهم العلم و عرفوه فحسد بعضهم بعضا و بغى بعضهم على بعض لما رأوا من تفاضل أمير المؤمنين عليه السّلام بأمر الله فتفرقوا في المذاهب و أخذوا بالآراء و الأهواء ثم قال عز و جل:«وَ لَوْ لاٰ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ »

قال: لو لا أن الله قد قدر ذلك أن يكون في التقدير الأول لقضي بينهم إذا اختلفوا و أهلكهم و لم ينظرهم و لكن أخرهم إلى أجل مسمى مقدر «وَ إِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتٰابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ » كناية عن الذين نقضوا أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم قال:«فَلِذٰلِكَ فَادْعُ » يعني لهذه الأمور و الدين الذي تقدم ذكره و موالاة أمير المؤمنين عليه السّلام «وَ اسْتَقِمْ كَمٰا أُمِرْتَ » .

قَالَ : فَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

ص: 273

فِي قَوْلِ اللَّهِ :«أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ » قَالَ الْإِمَامُ «وَ لاٰ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ » كِنَايَةٌ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ . ثم قال:«كَبُرَ عَلَى اَلْمُشْرِكِينَ مٰا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » من أمر ولاية علي عليه السّلام «اَللّٰهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشٰاءُ» كناية عن علي عليه السّلام «وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ »

ثم قال:«فَلِذٰلِكَ فَادْعُ وَ اسْتَقِمْ كَمٰا أُمِرْتَ » يعني إلى أمير المؤمنين عليه السّلام «وَ لاٰ تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ » فيه «وَ قُلْ آمَنْتُ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ مِنْ كِتٰابٍ وَ أُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللّٰهُ رَبُّنٰا وَ رَبُّكُمْ » إلى قوله «وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ»

ثم قال عز و جل «اَلَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللّٰهِ » أي يحتجون على الله بعد ما شاء الله أن يبعث إليهم الرسل و الكتب فبعث الله إليهم الرسل و الكتب فغيروا و بدلوا ثم يحتجون يوم القيامة على الله ف «حُجَّتُهُمْ دٰاحِضَةٌ »

أي باطلة «عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ عَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ شَدِيدٌ» ثم قال «اَللّٰهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتٰابَ بِالْحَقِّ وَ الْمِيزٰانَ » قال الميزان أمير المؤمنين عليه السّلام و الدليل على ذلك قوله في سورة الرحمن «وَ السَّمٰاءَ رَفَعَهٰا وَ وَضَعَ الْمِيزٰانَ » قال يعني الإمام، و قوله «يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِهٰا» كناية عن القيامة فإنهم كانوا يقولون لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أقم لنا الساعة و ائتنا «بِمٰا تَعِدُنٰا» من العذاب «إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّٰادِقِينَ » فقال الله:

«أَلاٰ إِنَّ الَّذِينَ يُمٰارُونَ فِي السّٰاعَةِ » أي يخاصمون

و قوله:«مَنْ كٰانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ » يعني ثواب الآخرة «وَ مَنْ كٰانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيٰا نُؤْتِهِ مِنْهٰا وَ مٰا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ »

قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ بُكَيْرِ [بَكْرِ] بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيِّ

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : الْمَالُ وَ الْبَنُونَ حَرْثُ الدُّنْيَا وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ حَرْثُ الْآخِرَةِ وَ قَدْ يَجْمَعُهُمَا اللَّهُ لِأَقْوَامٍ .

و قوله:«وَ لَوْ لاٰ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ » قال الكلمة الإمام و الدليل على ذلك قوله «وَ جَعَلَهٰا كَلِمَةً بٰاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ » يعني الإمامة ثم قال «وَ إِنَّ الظّٰالِمِينَ » يعني الذين ظلموا هذه الكلمة «لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ »

ثم قال «تَرَى الظّٰالِمِينَ » يعني الذين ظلموا آل محمد حقهم «مُشْفِقِينَ مِمّٰا كَسَبُوا»

أي خائفين مما ارتكبوا و عملوا «وَ هُوَ وٰاقِعٌ بِهِمْ » أي ما يخافونه ثم ذكر الله الذين

ص: 274

آمنوا بالكلمة و اتبعوها فقال:«وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ فِي رَوْضٰاتِ الْجَنّٰاتِ » إلى قوله «يُبَشِّرُ اللّٰهُ عِبٰادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا» بهذه الكلمة «وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ »

مما أمروا به.

ثم قال:«قُلْ » لهم يا محمد «لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً» يعني على النبوة «إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبىٰ »

قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ «قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبىٰ » يَعْنِي فِي أَهْلِ بَيْتِهِ قَالَ : جَاءَتِ اَلْأَنْصَارُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ آوَيْنَا وَ نَصَرْنَا فَخُذْ طَائِفَةً مِنْ أَمْوَالِنَا فَاسْتَعِنْ بِهَا عَلَى مَا نَابَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً» يَعْنِي عَلَى النُّبُوَّةِ «إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبىٰ »

يَعْنِي فِي أَهْلِ بَيْتِهِ ثُمَّ قَالَ : أَ لاَ تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ لَهُ صَدِيقٌ وَ فِي نَفْسِ ذَلِكَ الرَّجُلِ شَيْ ءٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ فَلاَ يَسْلَمُ صَدْرُهُ فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ لاَ يَكُونَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ

شَيْ ءٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ [أُمَّتِهِ ] فَفَرَضَ عَلَيْهِمُ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى فَإِنْ أَخَذُوا أَخَذُوا مَفْرُوضاً وَ إِنْ تَرَكُوا تَرَكُوا مَفْرُوضاً، قَالَ : فَانْصَرَفُوا مِنْ عِنْدِهِ وَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ عَرَضْنَا عَلَيْهِ أَمْوَالَنَا فَقَالَ : قَاتِلُوا عَنْ أَهْلِ بَيْتِي مِنْ بَعْدِي، وَ قَالَتْ طَائِفَةٌ مَا قَالَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ

وَ جَحَدُوهُ . و قالوا كما حكى الله «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرىٰ عَلَى اللّٰهِ كَذِباً» فقال الله «فَإِنْ يَشَإِ اللّٰهُ يَخْتِمْ عَلىٰ قَلْبِكَ » قال لو افتريت «وَ يَمْحُ اللّٰهُ الْبٰاطِلَ » يعني يبطله «وَ يُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمٰاتِهِ » يعني بالنبي و بالأئمة و القائم من آل محمد «إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذٰاتِ الصُّدُورِ»

ثم قال:«وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ » إلى قوله «وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ » يعني الذين قالوا القول «ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» ثم قال «وَ اَلْكٰافِرُونَ لَهُمْ عَذٰابٌ شَدِيدٌ»

و قال أيضا:«قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبىٰ » قال: أجر النبوة أن لا تؤذوهم و لا تقطعوهم و لا تغصبوهم و تصلوهم و لا تنقضوا العهد فيهم لقوله تعالى «وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ »

ص: 275

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ نَصَرْنَا وَ فَعَلْنَا فَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبىٰ » يَعْنِي فِي أَهْلِ بَيْتِهِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ حَبَسَ أَجِيراً أَجْرَهُ فَعَلَيْهِ «لَعْنَةُ اللّٰهِ وَ الْمَلاٰئِكَةِ وَ النّٰاسِ أَجْمَعِينَ »

لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفاً وَ لاَ عَدْلاً. و هو محبة آل محمد ثم قال «وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً » و هي إقرار الإمامة لهم و الإحسان إليهم و برهم و صلتهم «نَزِدْ لَهُ فِيهٰا حُسْناً» أي نكافئ على ذلك بالإحسان

و قوله «وَ لَوْ بَسَطَ اللّٰهُ الرِّزْقَ لِعِبٰادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ »

قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لَوْ فَعَلَ لَفَعَلُوا وَ لَكِنْ جَعَلَهُمْ مُحْتَاجِينَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَ اسْتَعْبَدَهُمْ بِذَلِكَ وَ لَوْ جَعَلَهُمْ كُلَّهُمْ أَغْنِيَاءَ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ . «وَ لٰكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مٰا يَشٰاءُ» مما يعلم أنه يصلحهم في دينهم و دنياهم «إِنَّهُ بِعِبٰادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ»

و قوله:«وَ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مٰا قَنَطُوا» أي يئسوا «وَ يَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَ هُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ»

قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْعَرْزَمِيِّ [الْعَزْرَمِيِّ ] عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ اَلْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سُئِلَ عَنِ السَّحَابِ أَيْنَ يَكُونُ قَالَ : يَكُونُ عَلَى شَجَرٍ كَثِيفٍ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ يَأْوِي إِلَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُرْسِلَ أَرْسَلَ رِيحاً فَأَثَارَهُ وَ وَكَّلَ بِهِ مَلاَئِكَةً يَضْرِبُونَهُ بِالْمَخَارِيقِ وَ هُوَ الْبَرْقُ فَيَرْتَفِعُ .

و قوله «وَ مٰا أَصٰابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمٰا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ»

ص: 276

وَ حَثَا بِيَدِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ .

قَالَ : فَحَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ مٰا أَصٰابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ ...» إلخ» قَالَ أَ رَأَيْتَ مَا أَصَابَ عَلِيّاً وَ أَهْلَ بَيْتِهِ هُوَ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ هُمْ أَهْلُ الطَّهَارَةِ مَعْصُومُونَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَانَ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَ يَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ مِائَةَ مَرَّةٍ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ إِنَّ اللَّهَ يَخُصُّ أَوْلِيَاءَهُ بِالْمَصَائِبِ لِيَأْجُرَهُمْ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ .

قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لَمَّا أُدْخِلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ

عَلَى يَزِيدَ نَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : يَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ «وَ مٰا أَصٰابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمٰا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ » ! فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ كَلاَّ! مَا فِينَا هَذِهِ نَزَلَتْ وَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِينَا «مٰا أَصٰابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لاٰ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهٰا إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى اللّٰهِ يَسِيرٌ لِكَيْلاٰ تَأْسَوْا عَلىٰ مٰا فٰاتَكُمْ وَ لاٰ تَفْرَحُوا بِمٰا آتٰاكُمْ » فَنَحْنُ الَّذِينَ لاَ نَأْسَوْ عَلَى مَا فَاتَنَا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَ لاَ نَفْرَحُ بِمَا أُوتِينَا .

و قوله:«وَ إِذٰا مٰا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ »

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وَ هُوَ يَقْدِرُ عَلَى إِمْضَائِهِ حَشَا اللَّهُ قَلْبَهُ أَمْناً وَ إِيمَاناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ : وَ مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ إِذَا رَغِبَ وَ إِذَا رَهِبَ وَ إِذَا غَضِبَ حَرَّمَ اللَّهُ جَسَدَهُ عَلَى اَلنَّارِ.

و قوله:«وَ الَّذِينَ اسْتَجٰابُوا لِرَبِّهِمْ » قال: في إقامة الإمام «وَ أَقٰامُوا الصَّلاٰةَ وَ أَمْرُهُمْ شُورىٰ بَيْنَهُمْ » أي يقبلون ما أمروا به و يشاورون الإمام فيما يحتاجون إليه من أمر دينهم كما قال الله «وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ » .

و أما قوله:«وَ الَّذِينَ إِذٰا أَصٰابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ » يعني إذا بغي عليهم ينتصرون و هي الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار إن شاء فعل و إن شاء ترك ثم جزى ذلك فقال «وَ جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا» أي لا تعتدى و لا تجازى بأكثر مما فعل بك ثم قال «فَمَنْ عَفٰا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّٰهِ » ثم قال «وَ تَرَى الظّٰالِمِينَ »

آل محمد حقهم «لَمّٰا رَأَوُا الْعَذٰابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلىٰ مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ » أي إلى الدنيا

ص: 277

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ :

«وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ » يَعْنِي الْقَائِمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَصْحَابَهُ «فَأُولٰئِكَ مٰا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ »

وَ الْقَائِمُ إِذَا قَامَ انْتَصَرَ(1) مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ وَ اَلنُّصَّابِ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ «إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّٰاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ » . و قوله «تَرَى الظّٰالِمِينَ » آل محمد حقهم «لَمّٰا رَأَوُا الْعَذٰابَ »

و علي عليه السّلام هو العذاب في هذا الوجه(2) «يَقُولُونَ هَلْ إِلىٰ مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ »

فنوالي عليا عليه السّلام «وَ تَرٰاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهٰا خٰاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ » لعلي «يَنْظُرُونَ »

إلى علي «مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَ قٰالَ الَّذِينَ آمَنُوا» يعني آل محمد و شيعتهم «إِنَّ الْخٰاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَلاٰ إِنَّ الظّٰالِمِينَ » آل محمد

حقهم «فِي عَذٰابٍ مُقِيمٍ » قال: و الله يعني النصاب الذين نصبوا العداوة لعلي

و ذريته عليهم السّلام و المكذبين «وَ مٰا كٰانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيٰاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّٰهُ فَمٰا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ »

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً» أَيْ لَيْسَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ «وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ» يَعْنِي لَيْسَ مَعَهُمْ أُنْثَى «أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرٰاناً وَ إِنٰاثاً» جَمِيعاً يَجْمَعُ لَهُ الْبَنِينَ وَ الْبَنَاتِ أَيْ يَهَبُهُمْ جَمِيعاً لِوَاحِدٍ.

و قال علي بن إبراهيم في قوله «لِلّٰهِ مُلْكُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ يَخْلُقُ مٰا يَشٰاءُ»

إلى قوله «وَ يَجْعَلُ مَنْ يَشٰاءُ عَقِيماً»

قَالَ : فَحَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْمَحْمُودِيِّ وَ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الرَّازِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ يَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ

ص: 278


1- أَيِ انْتَقَمَ مِنْهُمْ .
2- أي هو وجه العذاب. ج. ز.

سَأَلَ مُوسَى بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ مَسَائِلَ وَ فِيهَا أَخْبِرْنَا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرٰاناً وَ إِنٰاثاً» فَهَلْ يُزَوِّجُ اللَّهُ عِبَادَهُ الذُّكْرَانَ وَ قَدْ عَاقَبَ قَوْماً فَعَلُوا ذَلِكَ فَسَأَلَ مُوسَى

أَخَاهُ أَبَا الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيَّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَانَ مِنْ جَوَابِ أَبِي الْحَسَنِ أَمَّا قَوْلُهُ «أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرٰاناً وَ إِنٰاثاً» فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يُزَوِّجُ ذُكْرَانَ الْمُطِيعِينَ إِنَاثاً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَ إِنَاثَ الْمُطِيعَاتِ مِنَ الْإِنْسِ مِنْ ذُكْرَانِ الْمُطِيعِينَ (1) وَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ الْجَلِيلُ عَنَى مَا لَبَّسْتَ عَلَى نَفْسِكَ تَطَلُّباً لِلرُّخْصَةِ لاِرْتِكَابِ الْمَأْثَمِ قَالَ «وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثٰاماً يُضٰاعَفْ لَهُ الْعَذٰابُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهٰاناً» إِنْ لَمْ يَتُبْ . و قوله «وَ مٰا كٰانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّٰهُ إِلاّٰ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مٰا يَشٰاءُ» قال وحي مشافهة و وحي إلهام و هو الذي يقع في القلب أو من وراء حجاب كما كلم الله نبيه صلّى اللّه عليه و آله و كما كلم الله موسى عليه السّلام من النار

أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء قال وحي مشافهة يعني إلى الناس ثم قال لنبيه صلّى اللّه عليه و آله «وَ كَذٰلِكَ أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنٰا مٰا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتٰابُ وَ لاَ الْإِيمٰانُ » روح القدس هي التي

قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلرُّوحِ قُلِ اَلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي» قَالَ : هُوَ مَلَكٌ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ مَعَ اَلْأَئِمَّةِ . ثم كنى عن أمير المؤمنين عليه السّلام فقال:

«وَ لٰكِنْ جَعَلْنٰاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِنٰا» و الدليل على أن النور أمير المؤمنين عليه السّلام قوله عز و جل «وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ » الآية

ص: 279


1- كَأَنَّهُ جَوَابٌ تَنْزِيلِيٌّ يَعْنِي إِذَا فَرَضْنَا كَمَا فَرَضَ السَّائِلُ مِنْ أَنَّ صِيغَةَ «يُزَوِّجُهُمْ » بِمَعْنَى الْإِنْكَاحِ ، يُمْكِنُ أَخْذُ الْمُرَادِ بِطَرِيقٍ جَائِزٍ كَمَا بَيَّنَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ إِلاَّ ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ التَّزْوِيجَ فِيهَا التَّثَنِّي بِقَرِينَةِ مَا سَبَقَ . ج ز.

عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

«مٰا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتٰابُ وَ لاَ الْإِيمٰانُ وَ لٰكِنْ جَعَلْنٰاهُ نُوراً» يَعْنِي عَلِيّاً

وَ عَلِيٌّ هُوَ النُّورُ. فقال «نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِنٰا» يعني عليا عليه السّلام به هدى من هدى من خلقه قال و قال الله لنبيه «وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ » يعني إنك لتأمر بولاية علي و تدعو إليها و علي هو الصراط المستقيم «صِرٰاطِ اللّٰهِ الَّذِي لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ » يعني عليا أنه جعله خازنه على ما في السماوات و ما في الأرض من شيء و ائتمنه عليه «أَلاٰ إِلَى اللّٰهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ» .

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ »

أي تدعو إلى الإمامة المستوية ثم قال:«صِرٰاطِ اللّٰهِ » أي حجة الله «اَلَّذِي لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ «أَلاٰ إِلَى اللّٰهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ»

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ

قَالَ : حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَيْثَمِ عَنْ صَلْتِ بْنِ الْحُرَّةِ قَالَ : كُنْتُ جَالِساً مَعَ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَرَأَ «وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ » قَالَ : هَدْيُ النَّاسِ وَ رَبِّ اَلْكَعْبَةِ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ضَلَّ عَنْهُ مَنْ ضَلَّ وَ اهْتَدَى مَنِ اهْتَدَى.

43- سورة الزخرف مكية آياتها تسع و ثمانون 89

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ حم وَ الْكِتٰابِ الْمُبِينِ » «حم» حرف من الاسم الأعظم «وَ اَلْكِتٰابِ الْمُبِينِ » يعني القرآن الواضح

و قوله:«وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتٰابِ لَدَيْنٰا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ » يعني أمير المؤمنين عليه السّلام مكتوب في الحمد في قوله:«اِهْدِنَا الصِّرٰاطَ الْمُسْتَقِيمَ »

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

ص: 280

بإمام أو بحجج و قوله «وَ كَمْ أَرْسَلْنٰا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ وَ مٰا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ » إلى قوله «أَشَدَّ مِنْهُمْ » يعني من قريش «بَطْشاً وَ مَضىٰ مَثَلُ الْأَوَّلِينَ » و قوله «اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً» أي مستقرا «وَ جَعَلَ لَكُمْ فِيهٰا سُبُلاً» أي طرقا «لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » يعني كي تهتدوا ثم احتج على الدهرية فقال:«وَ الَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنٰا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذٰلِكَ تُخْرَجُونَ » و قوله:«وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَ الْأَنْعٰامِ مٰا تَرْكَبُونَ » هو معطوف على قوله «وَ الْأَنْعٰامَ خَلَقَهٰا لَكُمْ فِيهٰا دِفْ ءٌ وَ مَنٰافِعُ وَ مِنْهٰا تَأْكُلُونَ » و قوله:«لِتَسْتَوُوا عَلىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَ تَقُولُوا سُبْحٰانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنٰا هٰذٰا وَ مٰا كُنّٰا لَهُ مُقْرِنِينَ »

قَالَ : فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ فَضَّالٍ عَنِ اَلْمُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ ظَرِيفٍ [سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ ]

عَنِ اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ : أَمْسَكْتُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالرِّكَابِ وَ هُوَ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ تَبَسَّمَ فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رَأَيْتُكَ رَفَعْتَ رَأْسَكَ ثُمَّ تَبَسَّمْتَ قَالَ : نَعَمْ يَا أَصْبَغُ أَمْسَكْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَمَا أَمْسَكْتَ لِي فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ تَبَسَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَبَسُّمِهِ كَمَا سَأَلْتَنِي وَ سَأُخْبِرُكَ كَمَا أَخْبَرَنِي أَمْسَكْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَغْلَتَهُ اَلشَّهْبَاءَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَ تَبَسَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

رَفَعْتَ رَأْسَكَ إِلَى السَّمَاءِ وَ تَبَسَّمْتَ لِمَا ذَا فَقَالَ : يَا عَلِيُّ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَرْكَبُ فَيَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ ثُمَّ يَقُولُ : «أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي «لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ »

وَ أَتُوبُ إِلَيْهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ » إِلاَّ قَالَ السَّيِّدُ الْكَرِيمُ «يَا مَلاَئِكَتِي عَبْدِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ ذُنُوبَهُ .» و قوله:«وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبٰادِهِ جُزْءاً» قال قالت قريش: إن الملائكة هم بنات الله ثم قال على حد الاستفهام «أَمِ اتَّخَذَ مِمّٰا يَخْلُقُ بَنٰاتٍ وَ أَصْفٰاكُمْ بِالْبَنِينَ وَ إِذٰا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمٰا ضَرَبَ لِلرَّحْمٰنِ مَثَلاً» يعني إذا ولدت لهم البنات «ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ » و هو معطوف على قوله «وَ يَجْعَلُونَ لِلّٰهِ الْبَنٰاتِ سُبْحٰانَهُ وَ لَهُمْ مٰا يَشْتَهُونَ »

ص: 281

و قال أيضا في قوله «سُبْحٰانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنٰا هٰذٰا وَ مٰا كُنّٰا لَهُ مُقْرِنِينَ »

قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ قَالَ : حَمَلْتُ مَتَاعاً إِلَى مَكَّةَ فَكَسَدَ عَلَيَّ فَجِئْتُ إِلَى اَلْمَدِينَةِ فَدَخَلْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي قَدْ حَمَلْتُ مَتَاعاً إِلَى مَكَّةَ فَكَسَدَ عَلَيَّ وَ قَدْ أَرَدْتُ مِصْرَ فَأَرْكَبُ بَحْراً أَوْ بَرّاً فَقَالَ :

بِمِصْرَ الْحُتُوفُ وَ تُفِيضُ إِلَيْهَا أَقْصَرُ النَّاسِ أَعْمَاراً قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : لاَ تَغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ بِطِينِهَا وَ لاَ تَشْرَبُوا فِي فَخَّارِهَا فَإِنَّهُ يُورِثُ الذِّلَّةَ وَ يَذْهَبُ بِالْغَيْرَةِ ثُمَّ قَالَ لاَ، عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَتُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَ تَسْتَخِيرَ اللَّهَ مِائَةَ مَرَّةٍ وَ مَرَّةً فَإِذَا عَزَمْتَ عَلَى شَيْ ءٍ وَ رَكِبْتَ الْبَحْرَ أَوْ إِذَا اسْتَوَيْتَ عَلَى رَاحِلَتِكَ فَقُلْ :«سُبْحٰانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنٰا هٰذٰا وَ مٰا كُنّٰا لَهُ مُقْرِنِينَ وَ إِنّٰا إِلىٰ رَبِّنٰا لَمُنْقَلِبُونَ »

فَإِنَّهُ مَا رَكِبَ أَحَدٌ ظَهْراً فَقَالَ هَذَا وَ سَقَطَ إِلاَّ لَمْ يُصِبْهُ كَسْرٌ وَ لاَ وَثْيٌ (1) وَ لاَ وَهْنٌ وَ إِنْ رَكِبْتَ بَحْراً فَقُلْ حِينَ تَرْكَبُ :«بِسْمِ اللّٰهِ مَجْرٰاهٰا وَ مُرْسٰاهٰا» ، فَإِذَا ضَرَبَتْ بِكَ الْأَمْوَاجُ فَاتَّكِئْ عَلَى يَسَارِكَ وَ أَشِرْ إِلَى الْمَوْجِ بِيَدِكَ وَ قُلْ : اسْكُنْ بِسَكِينَةِ اللَّهِ وَ قِرَّ بِقَرَارِ اللَّهِ وَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَسْبَاطٍ : قَدْ رَكِبْتُ الْبَحْرَ فَكَانَ إِذَا هَاجَ الْمَوْجُ قُلْتُ كَمَا أَمَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَيَتَنَفَّسُ (2) الْمَوْجُ وَ لاَ يُصِيبُنَا مِنْهُ شَيْ ءٌ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا السَّكِينَةُ قَالَ : رِيحٌ مِنَ اَلْجَنَّةِ لَهَا وَجْهٌ كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ طَيِّبَةٌ وَ كَانَتْ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ وَ تَكُونُ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ .

قوله

«أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ » أي ينشأ في الذهب «وَ هُوَ فِي الْخِصٰامِ غَيْرُ مُبِينٍ » قال إن موسى عليه السّلام أعطاه الله من القوة أن أرى فرعون صورته على فرس من ذهب رطب عليه ثياب من ذهب رطب، فقال فرعون «أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ »

ص: 282


1- وُثَى: كَعُلَى الْأَوْجَاعُ .
2- تَنَفُّسُ الْمَوْجِ : نَضْحُ الْمَاءِ ج. ز.

أي ينشأ بالذهب «وَ هُوَ فِي الْخِصٰامِ غَيْرُ مُبِينٍ » قال: لا يبين الكلام و لا يتبين من الناس و لو كان نبيا لكان بخلاف الناس

قوله «وَ جَعَلُوا الْمَلاٰئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبٰادُ الرَّحْمٰنِ إِنٰاثاً» معطوف على ما قالت قريش إن الملائكة بنات الله في قوله:«وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبٰادِهِ جُزْءاً» فرد الله عليهم فقال:«أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهٰادَتُهُمْ وَ يُسْئَلُونَ » و قوله «إِنْ هُمْ إِلاّٰ يَخْرُصُونَ » أي يحتجون [يخمنون] بلا علم و قوله «بَلْ قٰالُوا إِنّٰا وَجَدْنٰا آبٰاءَنٰا عَلىٰ أُمَّةٍ » أي على مذهب «وَ إِنّٰا عَلىٰ آثٰارِهِمْ مُهْتَدُونَ » ثم قال عز و جل «وَ إِذْ قٰالَ إِبْرٰاهِيمُ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنِي بَرٰاءٌ مِمّٰا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي»

أي خلقني «فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ » أي سيبين لي و يثيب ثم ذكر الأئمة عليهم السّلام فقال «وَ جَعَلَهٰا كَلِمَةً بٰاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ » يعني فإنهم يرجعون أي الأئمة إلى الدنيا ثم حكى الله عز و جل قول قريش «وَ قٰالُوا لَوْ لاٰ نُزِّلَ هٰذَا اَلْقُرْآنُ » يعني هلا نزل هذا القرآن «عَلىٰ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ » و هو عروة بن مسعود و القريتين مكة و الطائف، و كان جزاؤكم [جزاهم] ما تحتمل الذباب، و كان عم المغيرة بن شعبة فرد الله عليهم فقال:«أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ » يعني النبوة و القرآن

حين قالوا لم لم ينزل على عروة بن مسعود ثم قال الله «نَحْنُ قَسَمْنٰا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ رَفَعْنٰا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجٰاتٍ » يعني في المال و البنين «لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمّٰا يَجْمَعُونَ » فهذا من أعظم دلالة الله على التوحيد لأنه خالف بين هيآتهم و تشابههم و إراداتهم و أهوائهم ليستعين بعضهم على بعض لأن أحدا لا يقوم بنفسه لنفسه و الملوك و الخلفاء لا يستغنون عن الناس و بهذا قامت الدنيا و الخلق المأمورون المنهيون المكلفون و لو احتاج كل إنسان أن يكون بناء لنفسه و خياطا لنفسه و حجاما لنفسه و جميع الصناعات التي يحتاج إليها لما قام العالم طرفة عين لأنه لو طلب كل إنسان العلم ما قامت الدنيا و لكنه عز و جل خالف بينهم و بين هيآتهم و ذلك من أعظم الدلالة على التوحيد.

ص: 283

و قوله:«وَ لَوْ لاٰ أَنْ يَكُونَ النّٰاسُ أُمَّةً وٰاحِدَةً » أي على مذهب واحد «لَجَعَلْنٰا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعٰارِجَ عَلَيْهٰا يَظْهَرُونَ » قال:

المعارج التي يظهرون بها «وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْوٰاباً وَ سُرُراً عَلَيْهٰا يَتَّكِؤُنَ وَ زُخْرُفاً» قال البيت المزخرف بالذهب

فَقَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لَوْ فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لَمَا آمَنَ أَحَدٌ وَ لَكِنَّهُ جَعَلَ فِي الْمُؤْمِنِينَ أَغْنِيَاءَ وَ فِي الْكَافِرِينَ فُقَرَاءَ وَ جَعَلَ فِي الْكَافِرِينَ أَغْنِيَاءَ وَ فِي الْمُؤْمِنِينَ فُقَرَاءَ ثُمَّ امْتَحَنَهُمْ بِالْأَمْرِ وَ النَّهْيِ وَ الصَّبْرِ وَ الرِّضَا. قوله:«وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمٰنِ » أي يعمى «نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطٰاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ » و قوله «فَإِمّٰا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنّٰا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ »

قَالَ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ

عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : «فَإِمّٰا نَذْهَبَنَّ بِكَ » يَا مُحَمَّدُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَإِنَّا رَادُّوكَ إِلَيْهَا وَ مُنْتَقِمُونَ مِنْهُمْ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ . قوله «وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنٰا أَ جَعَلْنٰا مِنْ دُونِ الرَّحْمٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ »

قَالَ : فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ قَالَ : حَجَجْتُ مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ فِي السَّنَةِ الَّتِي حَجَّ فِيهَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَ كَانَ مَعَهُ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ

مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَنَظَرَ نَافِعٌ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي رُكْنِ اَلْبَيْتِ وَ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَقَالَ لِهِشَامٍ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ هَذَا الَّذِي تَتَكَافَأُ عَلَيْهِ النَّاسُ فَقَالَ هَذَا نَبِيُّ أَهْلِ اَلْكُوفَةِ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

فَقَالَ نَافِعٌ : لَآتِيَنَّهُ فَلَأَسْأَلَنَّهُ عَنْ مَسَائِلَ لاَ يُجِيبُنِي فِيهَا إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ أَوِ ابْنُ وَصِيِّ نَبِيٍّ ، فَقَالَ هِشَامٌ : فَاذْهَبْ إِلَيْهِ فَسَلْهُ فَلَعَلَّكَ أَنْ تُخْجِلَهُ ، فَجَاءَ نَافِعٌ وَ اتَّكَأَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ أَشْرَفَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ إِنِّي قَدْ قَرَأْتُ اَلتَّوْرَاةَ

وَ اَلْإِنْجِيلَ وَ اَلزَّبُورَ وَ اَلْفُرْقَانَ وَ قَدْ عَرَفْتُ حَلاَلَهَا وَ حَرَامَهَا وَ قَدْ جِئْتُ أَسْأَلُكَ مَسَائِلَ لاَ يُجِيبُنِي فِيهَا إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ أَوِ ابْنُ وَصِيِّ نَبِيٍّ ، فَرَفَعَ إِلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ص: 284

بِقَوْلِي أَوْ بِقَوْلِكَ قَالَ أَخْبِرْنِي بِالْقَوْلَيْنِ جَمِيعاً فَقَالَ أَمَّا بِقَوْلِي فَخَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ وَ أَمَّا بِقَوْلِكَ فَسِتُّمِائَةِ سَنَةٍ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنٰا أَ جَعَلْنٰا مِنْ دُونِ الرَّحْمٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ » مَنْ ذَا الَّذِي سَأَلَ مُحَمَّدٌ وَ كَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عِيسَى خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ ! قَالَ فَتَلاَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هَذِهِ الْآيَةَ «سُبْحٰانَ الَّذِي أَسْرىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ اَلْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ إِلَى اَلْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بٰارَكْنٰا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيٰاتِنٰا» فَكَانَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي أَرَاهَا اللَّهُ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ حَشَرَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ ثُمَّ أَمَرَ جَبْرَئِيلَ فَأَذَّنَ شَفْعاً وَ أَقَامَ شَفْعاً ثُمَّ قَالَ فِي إِقَامَتِهِ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ ثُمَّ تَقَدَّمَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ صَلَّى بِالْقَوْمِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ «وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنٰا أَ جَعَلْنٰا مِنْ دُونِ الرَّحْمٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ » الْآيَةَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَلَى مَا تَشْهَدُونَ وَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ قَالُوا نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أُخِذَتْ عَلَى ذَلِكَ مَوَاثِيقُنَا وَ عُهُودُنَا، قَالَ نَافِعٌ صَدَقْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ يَا أَبَا جَعْفَرٍ

أَنْتُمْ وَ اللَّهِ أَوْصِيَاءُ رَسُولِ اللَّهِ وَ خُلَفَاؤُهُ فِي اَلتَّوْرَاةِ وَ أَسْمَاؤُكُمْ فِي اَلْإِنْجِيلِ وَ فِي اَلزَّبُورِ وَ فِي اَلْقُرْآنِ وَ أَنْتُمْ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ مِنْ غَيْرِكُمْ .

ثم حكى قول فرعون و أصحابه لموسى عليه السّلام فقال «وَ قٰالُوا يٰا أَيُّهَا السّٰاحِرُ»

أي يا أيها العالم «اُدْعُ لَنٰا رَبَّكَ بِمٰا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنٰا لَمُهْتَدُونَ » ثم قال فرعون:

«أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ » يعني موسى «وَ لاٰ يَكٰادُ يُبِينُ » فقال لم يبين الكلام ثم قال «فَلَوْ لاٰ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ » أي هلا ألقي عليه أسورة «مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جٰاءَ مَعَهُ الْمَلاٰئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ » يعني مقارنين «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ » فلما دعاهم «فَأَطٰاعُوهُ إِنَّهُمْ كٰانُوا قَوْماً فٰاسِقِينَ فَلَمّٰا آسَفُونٰا» أي عصونا «اِنْتَقَمْنٰا مِنْهُمْ » لأنه لا يأسف عز و جل كأسف الناس و قوله «وَ لَمّٰا ضُرِبَ اِبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذٰا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ »

ص: 285

سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ إِذْ قَالَ إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكُمُ السَّاعَةَ شَبِيهُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فَخَرَجَ بَعْضُ مَنْ كَانَ جَالِساً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِيَكُونَ هُوَ الدَّاخِلَ ، فَدَخَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ الرَّجُلُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ أَ مَا يَرْضَى مُحَمَّدٌ أَنْ فَضَّلَ عَلِيّاً عَلَيْنَا حَتَّى يُشْبِهَهُ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ

وَ اللَّهِ لَآلِهَتُنَا الَّتِي كُنَّا نَعْبُدُهَا فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ أَفْضَلُ مِنْهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ « وَ لَمَّا ضُرِبَ اِبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَضِجُّونَ » فَحَرَّفُوهَا «يَصِدُّونَ » «وَ قٰالُوا أَ آلِهَتُنٰا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مٰا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّٰ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ » إِنْ عَلِيٌّ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَ جَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَمُحِيَ اسْمُهُ عَنْ هَذَا الْمَوْضِعِ (1) .

ثم ذكر الله خطر أمير المؤمنين عليه السّلام و عظم شأنه عنده تعالى فقال «هٰذٰا صِرٰاطٌ مُسْتَقِيمٌ » يعني أمير المؤمنين عليه السّلام و قوله «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ »

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

قَالَ : نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ هَكَذَا، قَوْلُ اللَّهِ «حَتّٰى إِذٰا جٰاءَنٰا» يَعْنِي فُلاَناً وَ فُلاَناً يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حِينَ يَرَاهُ «يٰا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ » (2) فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ قُلْ لِفُلاَنٍ وَ فُلاَنٍ وَ أَتْبَاعِهِمَا «لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ » آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ «أَنَّكُمْ فِي الْعَذٰابِ مُشْتَرِكُونَ » ثُمَّ قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ «أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ مَنْ كٰانَ فِي ضَلاٰلٍ مُبِينٍ فَإِمّٰا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنّٰا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ »

يَعْنِي مِنْ فُلاَنٍ وَ فُلاَنٍ ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ » فِي عَلِيٍّ «إِنَّكَ عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ » يَعْنِي أَنَّكَ عَلَى وَلاَيَةِ عَلِيٍّ وَ عَلِيٌّ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ .

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : قُلْتُ لَهُ قَوْلُهُ :«وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ » فَقَالَ الذِّكْرُ اَلْقُرْآنُ وَ نَحْنُ قَوْمُهُ وَ نَحْنُ الْمَسْئُولُونَ .

ص: 286


1- و فى المصحف:«إِنْ هُوَ إِلاّٰ عَبْدٌ أَنْعَمْنٰا عَلَيْهِ ».
2- الزُّخْرُفُ الْآيَةَ 38.

«وَ لاٰ يَصُدَّنَّكُمُ اَلشَّيْطٰانُ » يعني فلانا لا يصدنك عن أمير المؤمنين «إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ »

قوله «اَلْأَخِلاّٰءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ » يعني الأصدقاء يعادي بعضهم بعضا

وَ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَلاَ كُلُّ خُلَّةٍ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا فِي غَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ عَدَاوَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : وَ لِلظَّالِمِ غَداً بِكَفِّهِ [يَكْفِيهِ عَضَّةُ يَدَيْهِ ] عَضَّةٌ وَ لِلرَّجُلِ وَشِيكٌ وَ لِلْأَخِلاَّءِ نَدَامَةٌ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ شُعَيْبِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ اَلْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : قَالَ فِي خَلِيلَيْنِ مُؤْمِنَيْنِ وَ خَلِيلَيْنِ كَافِرَيْنِ وَ مُؤْمِنٍ غَنِيٍّ وَ مُؤْمِنٍ فَقِيرٍ وَ كَافِرٍ غَنِيٍّ وَ كَافِرٍ فَقِيرٍ، فَأَمَّا الْخَلِيلاَنِ الْمُؤْمِنَانِ فَتَخَالاَّ حَيَاتَهُمَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَ تَبَاذَلاَ عَلَيْهَا وَ تَوَادَّا عَلَيْهَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ فَأَرَاهُ اللَّهُ مَنْزِلَهُ فِي اَلْجَنَّةِ يَشْفَعُ لِصَاحِبِهِ ، فَقَالَ يَا رَبِّ خَلِيلِي فُلاَنٌ كَانَ يَأْمُرُنِي بِطَاعَتِكَ وَ يُعِينُنِي عَلَيْهَا وَ يَنْهَانِي عَنْ مَعْصِيَتِكَ فَثَبِّتْهُ عَلَى مَا ثَبَّتَنِي عَلَيْهِ مِنَ الْهُدَى حَتَّى تُرِيَهُ مَا أَرَيْتَنِي فَيَسْتَجِيبُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى يَلْتَقِيَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ جَزَاكَ اللَّهُ مِنْ خَلِيلٍ خَيْراً كُنْتَ تَأْمُرُنِي بِطَاعَةِ اللَّهِ وَ تَنْهَانِي عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، وَ أَمَّا الْكَافِرَانِ فَتَخَالاَّ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَ تَبَاذَلاَ عَلَيْهَا وَ تَوَادَّا عَلَيْهَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ فَأَرَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مَنْزِلَهُ فِي اَلنَّارِ فَقَالَ يَا رَبِّ فُلاَنٌ خَلِيلِي كَانَ يَأْمُرُنِي بِمَعْصِيَتِكَ وَ يَنْهَانِي عَنْ طَاعَتِكَ فَثَبِّتْهُ عَلَى مَا ثَبَّتَنِي عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَاصِي حَتَّى تُرِيَهُ مَا أَرَيْتَنِي مِنَ الْعَذَابِ فَيَلْتَقِيَانِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

ص: 287

وَ جَاهَدْتُ فِي سَبِيلِكَ ، قَالَ : فَمَا ذَا فَعَلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ قَالَ : أَنْفَقْتُ فِي طَاعَتِكَ ، قَالَ : مَا ذَا أَوْرَثْتَ فِي عَقِبِكَ قَالَ : خَلَقْتَنِي وَ خَلَقْتَهُمْ وَ رَزَقْتَنِي وَ رَزَقْتَهُمْ وَ كُنْتَ قَادِراً عَلَى أَنْ تَرْزُقَهُمْ كَمَا رَزَقْتَنِي فَوَكَلْتُ عَقِبِي إِلَيْكَ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ صَدَقْتَ اذْهَبْ فَلَوْ تَعْلَمُ مَا لَكَ عِنْدِي لَضَحِكْتَ كَثِيراً.

ثُمَّ يُدْعَى بِالْمُؤْمِنِ الْفَقِيرِ فَيَقُولُ يَا عَبْدِي فَيَقُولُ لَبَّيْكَ يَا رَبِّ فَيَقُولُ مَا ذَا فَعَلْتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ هَدَيْتَنِي لِدِينِكَ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ كَفَفْتَ عَنِّي مَا لَوْ بَسَطْتَهُ لَخَشِيتُ أَنْ يَشْغَلَنِي عَمَّا خَلَقْتَنِي لَهُ ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ صَدَقْتَ عَبْدِي لَوْ تَعْلَمُ مَا لَكَ عِنْدِي لَضَحِكْتَ كَثِيراً، ثُمَّ يُدْعَى بِالْكَافِرِ الْغَنِيِّ فَيَقُولُ مَا أَعْدَدْتَ لِلِقَائِي فَيَعْتَلُّ ، فَيَقُولُ : مَا ذَا فَعَلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ فَيَقُولُ وَرَّثْتُهُ عَقِبِي فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَكَ فَيَقُولُ أَنْتَ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ عَقِبَكَ فَيَقُولُ أَنْتَ ، فَيَقُولُ : أَ لَمْ أَكُ قَادِراً عَلَى أَنْ أَرْزُقَ عَقِبَكَ كَمَا رَزَقْتُكَ فَإِنْ قَالَ نَسِيتُ ، هَلَكَ ، وَ إِنْ قَالَ لَمْ أَدْرِ مَا أَنْتَ هَلَكَ ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَوْ تَعْلَمُ مَا لَكَ عِنْدِي لَبَكَيْتَ كَثِيراً، قَالَ ثُمَّ يُدْعَى بِالْكَافِرِ الْفَقِيرِ فَيَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ مَا فَعَلْتَ فِيمَا أَمَرْتُكَ فَيَقُولُ : ابْتَلَيْتَنِي بِبَلاَءِ الدُّنْيَا حَتَّى أَنْسَيْتَنِي ذِكْرَكَ وَ شَغَلْتَنِي عَمَّا خَلَقْتَنِي لَهُ ، فَيَقُولُ لَهُ فَهَلاَّ دَعَوْتَنِي فَأَرْزُقَكَ وَ سَأَلْتَنِي فَأُعْطِيَكَ فَإِنْ قَالَ يَا رَبِّ نَسِيتُ هَلَكَ ، وَ إِنْ قَالَ : لَمْ أَدْرِ مَا أَنْتَ هَلَكَ ، فَيَقُولُ لَهُ : لَوْ تَعْلَمُ مَا لَكَ عِنْدِي لَبَكَيْتَ كَثِيراً.

قال علي بن إبراهيم في قوله «اَلَّذِينَ آمَنُوا بِآيٰاتِنٰا» يعني بالأئمة «وَ كٰانُوا مُسْلِمِينَ اُدْخُلُوا اَلْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْوٰاجُكُمْ تُحْبَرُونَ » أي تكرمون «يُطٰافُ عَلَيْهِمْ بِصِحٰافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَ أَكْوٰابٍ » أي قصاع و أواني «وَ فِيهٰا مٰا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ » إلى قوله «مِنْهٰا تَأْكُلُونَ » فإنه محكم

وَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ اِبْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِنَّ الرَّجُلَ فِي اَلْجَنَّةِ يَبْقَى عَلَى مَائِدَتِهِ أَيَّامَ الدُّنْيَا وَ يَأْكُلُ فِي أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِمِقْدَارِ مَا أَكَلَهُ فِي الدُّنْيَا.، ثم ذكر الله ما أعده لأعداء آل محمد فقال:

ص: 288

«إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذٰابِ جَهَنَّمَ خٰالِدُونَ لاٰ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ » أي آيسون من الخير

فَذَلِكَ قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : «وَ أَمَّا أَهْلُ الْمَعْصِيَةِ فَخُلِّدُوا فِي اَلنَّارِ، وَ أُوثِقَ مِنْهُمُ الْأَقْدَامُ ، وَ غُلَّ مِنْهُمُ الْأَيْدِي إِلَى الْأَعْنَاقِ ، وَ أُلْبِسَ أَجْسَادُهُمْ سَرَابِيلَ الْقَطِرَانِ وَ قُطِّعَتْ لَهُمْ مُقَطَّعَاتٌ مِنَ اَلنَّارِ، هُمْ فِي عَذَابٍ قَدِ اشْتَدَّ حَرُّهُ وَ نَارٍ قَدْ أُطْبِقَ عَلَى أَهْلِهَا، فَلاَ يُفْتَحُ عَنْهُمْ أَبَداً، وَ لاَ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ رِيحٌ أَبَداً، وَ لاَ يَنْقَضِي مِنْهُمُ الْغَمُّ أَبَداً وَ الْعَذَابُ أَبَداً شَدِيدٌ وَ الْعِقَابُ أَبَداً جَدِيدٌ، لاَ الدَّارُ زَائِلَةٌ فَتَفْنَى وَ لاَ آجَالُ الْقَوْمِ تُقْضَى.».

ثم حكى نداء أهل النار فقال «وَ نٰادَوْا يٰا مٰالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنٰا رَبُّكَ قٰالَ » أي نموت فيقول مالك «إِنَّكُمْ مٰاكِثُونَ » ثم قال الله «لَقَدْ جِئْنٰاكُمْ بِالْحَقِّ » يعني بولاية أمير المؤمنين عليه السّلام «وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كٰارِهُونَ » و الدليل على أن الحق ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام قوله:«وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ » يعني ولاية علي «فَمَنْ شٰاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شٰاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنّٰا أَعْتَدْنٰا لِلظّٰالِمِينَ » آل محمد حقهم «نٰاراً» ثم ذكر على أثر هذا خبرهم و ما تعاهدوا عليه في الكعبة أن لا يردوا الأمر في أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنّٰا مُبْرِمُونَ » إلى قوله «لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ » و قوله «قُلْ إِنْ كٰانَ لِلرَّحْمٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعٰابِدِينَ » يعني أول القائلين لله أن يكون له ولد و قوله «وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّمٰاءِ إِلٰهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلٰهٌ » قال هو إله في السماء و الأرض

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّمٰاءِ إِلٰهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلٰهٌ » فَنَظَرْتُ وَ اللَّهِ إِلَيْهِ وَ قَدْ لَزِمَ الْأَرْضَ وَ هُوَ يَقُولُ : وَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الَّذِي هُوَ وَ اللَّهِ رَبِّي «فِي السَّمٰاءِ إِلٰهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلٰهٌ » وَ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ .

ص: 289

هم الذين قد عبدوا في الدنيا لا يملكون الشفاعة لمن عبدهم ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «يٰا رَبِّ إِنَّ هٰؤُلاٰءِ قَوْمٌ لاٰ يُؤْمِنُونَ » فقال الله:«فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلاٰمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ » .

44- سورة الدخان مكية آياتها تسع و خمسون 59

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ حم وَ اَلْكِتٰابِ الْمُبِينِ إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ » يعني القرآن

«فِي لَيْلَةٍ مُبٰارَكَةٍ إِنّٰا كُنّٰا مُنْذِرِينَ » و هي ليلة القدر أنزل الله القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة ثم نزل من البيت المعمور على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في طول [ثلاث و] عشرين سنة «فِيهٰا يُفْرَقُ » في ليلة القدر «كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ » أي يقدر الله كل أمر من الحق و من الباطل و ما يكون في تلك السنة و له فيه البداء و المشية يقدم ما يشاء و يؤخر ما يشاء من الآجال و الأرزاق و البلايا و الأعراض و الأمراض و يزيد فيها ما يشاء و ينقص ما يشاء و يلقيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى أمير المؤمنين عليه السّلام

و يلقيه أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الأئمة عليهم السّلام حتى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان عليه السّلام، و يشترط له ما فيه البداء و المشية و التقديم و التأخير.

قَالَ : حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، قَالَ : وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ عَنْ أَبِي الْمُهَاجِرِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ :

يَا أَبَا الْمُهَاجِرِ! لاَ تَخْفَى عَلَيْنَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ يَطُوفُونَ بِنَا فِيهَا. ثم قال «بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ » يعني في شك مما ذكرناه مما يكون في ليلة القدر و قوله «فَارْتَقِبْ »

أي اصبر «يَوْمَ تَأْتِي السَّمٰاءُ بِدُخٰانٍ مُبِينٍ » قال: ذلك إذا خرجوا في الرجعة من القبر «يَغْشَى النّٰاسَ » كلهم الظلمة فيقولون

ص: 290

«هٰذٰا عَذٰابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذٰابَ إِنّٰا مُؤْمِنُونَ » فقال الله ردا عليهم «أَنّٰى لَهُمُ الذِّكْرىٰ » في ذلك اليوم «وَ قَدْ جٰاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ » أي رسول قد تبين لهم «ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ قٰالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ »

قال قالوا ذلك لما نزل الوحي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أخذه الغشي فقالوا هو مجنون

ثم قال «إِنّٰا كٰاشِفُوا الْعَذٰابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عٰائِدُونَ » يعني إلى يوم القيامة، و لو كان قوله «يَوْمَ تَأْتِي السَّمٰاءُ بِدُخٰانٍ مُبِينٍ » في القيامة لم يقل إنكم عائدون لأنه ليس بعد الآخرة و القيامة حالة يعودون إليها ثم قال «يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرىٰ » يعني في القيامة «إِنّٰا مُنْتَقِمُونَ » و قوله «وَ لَقَدْ فَتَنّٰا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ » أي اختبرناهم «وَ جٰاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبٰادَ اللّٰهِ » أي ما فرض الله من الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و السنن و الأحكام، فأوحى الله إليه «فَأَسْرِ بِعِبٰادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ » أي يتبعكم فرعون و جنوده «وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً» أي جانبا و خذ على الطرف «إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ » و قوله «وَ مَقٰامٍ كَرِيمٍ » أي حسن «وَ نَعْمَةٍ كٰانُوا فِيهٰا فٰاكِهِينَ » قال: النعمة في الأبدان و قوله:«فٰاكِهِينَ » أي مفاكهين للنساء «كَذٰلِكَ وَ أَوْرَثْنٰاهٰا قَوْماً آخَرِينَ » يعني بني إسرائيل.

قوله:«فَمٰا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمٰاءُ وَ الْأَرْضُ وَ مٰا كٰانُوا مُنْظَرِينَ »

قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفُضَيْلِ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : مَرَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ عَدُوٌّ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ ، فَقَالَ :«فَمٰا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمٰاءُ وَ الْأَرْضُ وَ مٰا كٰانُوا مُنْظَرِينَ » ثُمَّ مَرَّ عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

فَقَالَ : لَكِنْ هَذَا لَيَبْكِيَنَّ عَلَيْهِ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ ، وَ قَالَ : وَ مَا بَكَتِ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ إِلاَّ عَلَى يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا وَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

قَالَ : وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ اَلْعَلاَءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ : أَيُّمَا مُؤْمِنٍ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ص: 291

دَمَعَتْ عَيْنَاهُ دَمْعاً حَتَّى تَسِيلَ عَلَى خَدِّهِ لِأَذًى مَسَّنَا مِنْ عَدُوِّنَا فِي الدُّنْيَا بَوَّأَهُ اللَّهُ مُبَوَّأَ صِدْقٍ فِي اَلْجَنَّةِ ، وَ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَسَّهُ أَذًى فِينَا فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى تَسِيلَ دَمْعُهُ عَلَى خَدَّيْهِ مِنْ مَضَاضَةِ (1) مَا أُوذِيَ فِينَا صَرَفَ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ الْأَذَى وَ آمَنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَخَطِهِ وَ اَلنَّارِ.

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

قَالَ : مَنْ ذَكَرَنَا أَوْ ذُكِرْنَا عِنْدَهُ فَخَرَجَ مِنْ عَيْنِهِ دَمْعٌ مِثْلُ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَ لَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ.

و قوله:«وَ لَقَدْ نَجَّيْنٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ مِنَ الْعَذٰابِ الْمُهِينِ » إلى قوله «عَلَى الْعٰالَمِينَ » فلفظه عام و معناه خاص و إنما اختارهم و فضلهم على عالمي زمانهم

قوله:

«يَوْمَ لاٰ يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً» قال: من والى غير أولياء الله لا يغني بعضهم عن بعض، ثم استثنى من والى آل محمد فقال «إِلاّٰ مَنْ رَحِمَ اللّٰهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ » ثم قال:«إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعٰامُ الْأَثِيمِ » نزلت في أبي جهل و قوله:

«كَالْمُهْلِ » قال المهل الصفر المذاب «يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ » و هو الذي قد حمي و بلغ المنتهى ثم قال:«خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ » أي اضغطوه من كل جانب ثم انزلوا به «إِلىٰ سَوٰاءِ اَلْجَحِيمِ » ثم يصب عليه ذلك الحميم ثم يقال له «ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ » فلفظه خبر و معناه حكاية عمن يقول له ذلك و ذلك أن أبا جهل كان يقول: أنا العزيز الكريم، فتعير بذلك في النار ثم وصف ما أعده الله للمتقين من شيعة أمير المؤمنين عليه السّلام فقال:«إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقٰامٍ أَمِينٍ » إلى قوله «إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولىٰ » يعني في الجنة غير الموتة التي في الدنيا «وَ وَقٰاهُمْ عَذٰابَ اَلْجَحِيمِ » إلى قوله «فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ » أي انتظر إنهم منتظرون.

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سُهَيْلٍ عَنْ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ

ص: 292


1- أَيِ الشِّدَّةِ .

عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ اِبْنِ جَرِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ : فِي قَوْلِهِ «فَإِنَّمٰا يَسَّرْنٰاهُ بِلِسٰانِكَ » يُرِيدُ مَا يَسَّرَ مِنْ نِعْمَةِ اَلْجَنَّةِ وَ عَذَابِ اَلنَّارِ. يا محمد «لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ » يريد لكي يتعظ المشركون «فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ » تهديد من الله و وعيد «وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ » .

45- سورة الجاثية مكية آياتها سبع و ثلاثون 37

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ حم تَنْزِيلُ اَلْكِتٰابِ مِنَ اللّٰهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ لَآيٰاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ » و هي النجوم و الشمس و القمر و في الأرض ما يخرج منها من أنواع النبات للناس و الدواب لآيات لقوم يعقلون قوله:

«وَ تَصْرِيفِ الرِّيٰاحِ آيٰاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » أي تجيء من كل جانب و ربما كانت حارة و ربما كانت باردة و منها ما يسير السحاب و منها ما يبسط الرزق في الأرض و منها ما يلقح الشجرة و قوله:«وَيْلٌ لِكُلِّ أَفّٰاكٍ أَثِيمٍ » أي كذاب «يَسْمَعُ آيٰاتِ اللّٰهِ تُتْلىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً» أي يصر على أنه كذب و يستكبر على نفسه «كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهٰا» و قوله:«وَ إِذٰا عَلِمَ مِنْ آيٰاتِنٰا شَيْئاً اتَّخَذَهٰا هُزُواً» يعني إذا رأى فوضع العلم مكان الرؤية

و قوله «هٰذٰا هُدىً » يعني القرآن هو تبيان قوله:

«وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيٰاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذٰابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ » قال: الشدة و السوء

ص: 293

الذي يعاقبهم في قوله:«لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ » .

حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَظِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ رُشَيْدٍ

عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاٰ يَرْجُونَ أَيّٰامَ اللّٰهِ » قَالَ قُلْ لِلَّذِينَ مَنَنَّا عَلَيْهِمْ بِمَعْرِفَتِنَا أَنْ يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ فَإِذَا عَرَّفُوهُمْ فَقَدْ غَفَرُوا لَهُمْ .

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

عَنِ اِبْنِ جَرِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ : فِي قَوْلِهِ :«مَنْ عَمِلَ صٰالِحاً فَلِنَفْسِهِ » يُرِيدُ الْمُؤْمِنِينَ «وَ مَنْ أَسٰاءَ فَعَلَيْهٰا» يُرِيدُ الْمُنَافِقِينَ وَ الْمُشْرِكِينَ «ثُمَّ إِلىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ »

يُرِيدُ إِلَيْهِ تَصِيرُونَ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله «ثُمَّ جَعَلْنٰاكَ عَلىٰ شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهٰا»

إلى قوله «لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللّٰهِ شَيْئاً» فهذا تأديب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

و المعنى لأمته و قوله «أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلٰهَهُ هَوٰاهُ » قال: نزلت في قريش كلما هووا شيئا عبدوه «وَ أَضَلَّهُ اللّٰهُ عَلىٰ عِلْمٍ » أي عذبه على علم منه فيما ارتكبوا من أمير المؤمنين عليه السّلام و جرى ذلك بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما فعلوه بأهوائهم و آرائهم و أزالوهم و أمالوا الخلافة و الإمامة عن أمير المؤمنين بعد أخذ الميثاق عليهم مرتين لأمير المؤمنين

و قوله «اِتَّخَذَ إِلٰهَهُ هَوٰاهُ » نزلت في قريش و جرت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه السّلام و اتخذوا إماما بأهوائهم و الدليل على ذلك قوله:

«وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلٰهٌ مِنْ دُونِهِ » قال من زعم أنه إمام و ليس بإمام فمن اتخذ إماما ففضله على علي عليه السّلام.

ص: 294

و لا النشور بعد الموت و إنما قالوا نحيا و نموت «وَ مٰا يُهْلِكُنٰا إِلاَّ الدَّهْرُ» إلى قوله «يَظُنُّونَ » فهذا ظن شك و نزلت هذه الآية في الدهرية و جرت في الذين فعلوا ما فعلوا بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأمير المؤمنين و أهل بيته عليهم السّلام و إنما كان إيمانهم إقرارا بلا تصديق خوفا من السيف و رغبة في المال، ثم حكى عز و جل قول الدهرية فقال «وَ إِذٰا تُتْلىٰ عَلَيْهِمْ آيٰاتُنٰا بَيِّنٰاتٍ مٰا كٰانَ حُجَّتَهُمْ إِلاّٰ أَنْ قٰالُوا ائْتُوا بِآبٰائِنٰا إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ » أي أنكم تبعثون بعد الموت فقال الله «قُلِ اللّٰهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلىٰ يَوْمِ الْقِيٰامَةِ لاٰ رَيْبَ فِيهِ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ » و قوله «وَ يَوْمَ تَقُومُ السّٰاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ » الذين أبطلوا دين الله و قوله «وَ تَرىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جٰاثِيَةً » أي على ركبها «كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعىٰ إِلىٰ كِتٰابِهَا»

قال إلى ما يجب عليهم من أعمالهم ثم قال:«هٰذٰا كِتٰابُنٰا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ »

الآيتان محكمتان.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ قَالَ : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِيُّ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اللُّؤْلُؤِيِّ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : قُلْتُ «هٰذٰا كِتٰابُنٰا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ » ، قَالَ لَهُ إِنَّ اَلْكِتَابَ

لَمْ يَنْطِقْ وَ لَنْ يَنْطِقَ وَ لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ هُوَ النَّاطِقُ بِالْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ هَذَا بِكِتَابِنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ فَقُلْتُ : إِنَّا لاَ نَقْرَؤُهَا هَكَذَا فَقَالَ هَكَذَا وَ اللَّهِ نَزَلَ بِهَا جَبْرَئِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ لَكِنَّهُ فِيمَا حُرِّفَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ .،

و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ قِيلَ الْيَوْمَ نَنْسٰاكُمْ » أي نترككم فهذا نسيان الترك «كَمٰا نَسِيتُمْ لِقٰاءَ يَوْمِكُمْ هٰذٰا وَ مَأْوٰاكُمُ اَلنّٰارُ وَ مٰا لَكُمْ مِنْ نٰاصِرِينَ ذٰلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيٰاتِ اللّٰهِ هُزُواً» و هم الأئمة

أي كذبتموهم و استهزأتم بهم «فَالْيَوْمَ لاٰ يُخْرَجُونَ مِنْهٰا» يعني من النار «وَ لاٰ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ » أي لا يجاوبون و لا يقبلهم الله «فَلِلّٰهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمٰاوٰاتِ وَ رَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ وَ لَهُ الْكِبْرِيٰاءُ» يعني القدرة «فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » .

ص: 295

46- سورة الأحقاف مكية آياتها خمس و ثلاثون (35)

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ حم تَنْزِيلُ اَلْكِتٰابِ مِنَ اللّٰهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ » إلى قوله «وَ الَّذِينَ كَفَرُوا عَمّٰا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ » يعني قريشا عما دعاهم إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

و هو معطوف على قوله «فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ » إلى قوله «عٰادٍ

وَ ثَمُودَ» ثم احتج الله عليهم فقال:«قُلْ » لهم يا محمد «أَ رَأَيْتُمْ مٰا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ » يعني الأصنام التي كانوا يعبدونها «أَرُونِي مٰا ذٰا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمٰاوٰاتِ ائْتُونِي بِكِتٰابٍ مِنْ قَبْلِ هٰذٰا أَوْ أَثٰارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ »

ثم قال:«وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ مَنْ لاٰ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلىٰ يَوْمِ الْقِيٰامَةِ »

إلى قوله «بِعِبٰادَتِهِمْ كٰافِرِينَ » قال: من عبد الشمس و القمر و الكواكب و البهائم و الشجر و الحجر إذا حشر الناس كانت هذه الأشياء لهم أعداء و كانوا بعبادتهم كافرين ثم قال:«أَمْ يَقُولُونَ » يا محمد «اِفْتَرٰاهُ » يعني القرآن أي وضعه من عنده فقل لهم:«إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلاٰ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللّٰهِ شَيْئاً» إن أثابني أو عاقبني على ذلك «هُوَ أَعْلَمُ بِمٰا تُفِيضُونَ فِيهِ » أي تكذبون «كَفىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » ثم قال:«قُلْ » لهم يا محمد «مٰا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ » أي لم أكن واحدا من الرسل فقد كان قبلي أنبياء كثير و قوله «قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كٰانَ مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ وَ كَفَرْتُمْ بِهِ » إلى قوله «عَلىٰ مِثْلِهِ » قال قل إن كان القرآن من عند الله «وَ شَهِدَ شٰاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ عَلىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَ اسْتَكْبَرْتُمْ »

قال: الشاهد (1) أمير المؤمنين عليه السّلام و الدليل عليه في سورة هود

ص: 296


1- لعل مراده في غير هذه الآية و إلا لفظة «من بني إسرائيل» آبية عن هذا المعنى. ج. ز.

«أَ فَمَنْ كٰانَ عَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شٰاهِدٌ مِنْهُ » يعني أمير المؤمنين عليه السّلام

و قوله:«إِنَّ الَّذِينَ قٰالُوا رَبُّنَا اللّٰهُ ثُمَّ اسْتَقٰامُوا فَلاٰ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاٰ هُمْ يَحْزَنُونَ » قال استقاموا على ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام

و قوله «وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ إِحْسٰاناً» قال: الإحسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قوله «بِوٰالِدَيْهِ » إنما عنى الحسن و الحسين عليهما السّلام ثم عطف على الحسين عليه السّلام فقال:«حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً» و ذلك

أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ بَشَّرَهُ بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَبْلَ حَمْلِهِ وَ أَنَّ الْإِمَامَةَ تَكُونُ فِي وُلْدِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِمَا يُصِيبُهُ مِنَ الْقَتْلِ وَ الْمُصِيبَةِ فِي نَفْسِهِ وَ وُلْدِهِ ثُمَّ عَوَّضَهُ بِأَنْ جَعَلَ الْإِمَامَةَ فِي عَقِبِهِ وَ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إِلَى الدُّنْيَا وَ يَنْصُرُهُ حَتَّى يَقْتُلَ أَعْدَاءَهُ وَ يَمْلِكَهُ الْأَرْضَ وَ هُوَ قَوْلُهُ «وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ » الْآيَةَ ، قَوْلُهُ :«وَ لَقَدْ كَتَبْنٰا فِي اَلزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهٰا عِبٰادِيَ الصّٰالِحُونَ » فَبَشَّرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّ أَهْلَ بَيْتِكَ يَمْلِكُونَ الْأَرْضَ وَ يَرْجِعُونَ إِلَى الدُّنْيَا وَ يَقْتُلُونَ أَعْدَاءَهُمْ وَ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ بِخَبَرِ الْحُسَيْنِ وَ قَتْلِهِ فَحَمَلَتْهُ كُرْهاً.

ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فَهَلْ رَأَيْتُمْ أَحَداً يُبَشَّرُ بِوَلَدٍ ذَكَرٍ فَتَحْمِلُهُ كُرْهاً. أي أنها اغتمت و كرهت لما أخبرها بقتله، و وضعته كرها لما علمت من ذلك و كان بين الحسن و الحسين عليهما السّلام طهر واحد و كان الحسين عليه السّلام

في بطن أمه ستة أشهر و فصاله أربعة و عشرون شهرا و هو قول الله:

«وَ حَمْلُهُ وَ فِصٰالُهُ ثَلاٰثُونَ شَهْراً» .

و قوله:«وَ الَّذِي قٰالَ لِوٰالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمٰا أَ تَعِدٰانِنِي أَنْ أُخْرَجَ » إلى قوله «مٰا هٰذٰا إِلاّٰ أَسٰاطِيرُ الْأَوَّلِينَ » قال نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر

ص: 297

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا جَابِرُ وَ اللَّهِ لَوْ سَبَقَتِ الدَّعْوَةُ مِنَ الْحُسَيْنِ «وَ أَصْلِحْ لِي ذُرِّيَّتِي»

لَكَانَ ذُرِّيَّتُهُ كُلُّهُمْ أَئِمَّةً وَ لَكِنْ سَبَقَتِ الدَّعْوَةُ «أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي» فَمِنْهُمُ اَلْأَئِمَّةُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ

وَاحِدٌ فَوَاحِدٌ فَثَبَّتَ اللَّهُ بِهِمْ حُجَّتَهُ .

قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى اَلنّٰارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبٰاتِكُمْ فِي حَيٰاتِكُمُ الدُّنْيٰا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِهٰا» قال أكلتم و شربتم و لبستم و ركبتم و هي في بني فلان «فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذٰابَ الْهُونِ » قال العطش «بِمٰا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِمٰا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ »

و قوله «وَ اذْكُرْ أَخٰا عٰادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقٰافِ » و الأحقاف بلاد عاد من الشقوق إلى الأجفر و هي أربعة منازل.

قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : أَمَرَ اَلْمُعْتَصِمُ أَنْ يُحْفَرَ بالبطائية [الْبَطَانِيَةِ ] بِئْرٌ فَحَفَرُوا ثَلاَثَمِائَةِ قَامَةٍ فَلَمْ يَظْهَرِ الْمَاءُ فَتَرَكَهُ وَ لَمْ يَحْفِرْهُ فَلَمَّا وُلِّيَ اَلْمُتَوَكِّلُ أَمَرَ أَنْ يُحْفَرَ ذَلِكَ الْبِئْرُ أَبَداً حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ، فَحَفَرُوا حَتَّى وَضَعُوا فِي كُلِّ مِائَةِ قَامَةٍ بَكَرَةً حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى صَخْرَةٍ فَضَرَبُوهَا بِالْمِعْوَلِ فَانْكَسَرَتْ فَخَرَجَ مِنْهَا رِيحٌ بَارِدَةٌ فَمَاتَ مَنْ كَانَ بِقُرْبِهَا. فَأَخْبَرُوا اَلْمُتَوَكِّلَ بِذَلِكَ فَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ مَا ذَاكَ ، فَقَالُوا: سَلِ ابْنَ الرِّضَا

عَنْ ذَلِكَ وَ هُوَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ تِلْكَ بِلاَدُ اَلْأَحْقَافِ وَ هُمْ قَوْمُ عَادٍ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِالرِّيحِ الصَّرْصَرِ.

ص: 298

عذاب أليم، فلما كان ذلك الوقت نظروا إلى سحاب قد أقبلت ففرحوا فقالوا:«هٰذٰا عٰارِضٌ مُمْطِرُنٰا» الساعة يمطر فقال لهم هود «بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ » في قوله «فَأْتِنٰا بِمٰا تَعِدُنٰا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّٰادِقِينَ »

«رِيحٌ فِيهٰا عَذٰابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْ ءٍ بِأَمْرِ رَبِّهٰا» فلفظه عام و معناه خاص لأنها تركت أشياء كثيرة لم تدمرها و إنما دمرت ما لهم كله فكان كما قال الله «فَأَصْبَحُوا لاٰ يُرىٰ إِلاّٰ مَسٰاكِنُهُمْ » و كل هذه الأخبار من هلاك الأمم تخويف و تحذير لأمة محمد صلّى اللّه عليه و آله

و قوله:«وَ لَقَدْ مَكَّنّٰاهُمْ فِيمٰا إِنْ مَكَّنّٰاكُمْ فِيهِ وَ جَعَلْنٰا لَهُمْ سَمْعاً وَ أَبْصٰاراً وَ أَفْئِدَةً » أي قد أعطيناهم فكفروا فنزل بهم العذاب فاحذروا أن ينزل بكم ما نزل بهم ثم خاطب الله قريشا فقال «وَ لَقَدْ أَهْلَكْنٰا مٰا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرىٰ وَ صَرَّفْنَا الْآيٰاتِ »

أي بينا و هي بلاد عاد و قوم صالح و قوم لوط ثم قال احتجاجا عليهم «فَلَوْ لاٰ نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ قُرْبٰاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ » أي بطلوا «وَ ذٰلِكَ إِفْكُهُمْ »

أي كذبهم «وَ مٰا كٰانُوا يَفْتَرُونَ » .

و قوله:«وَ إِذْ صَرَفْنٰا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ » إلى قوله «أُولٰئِكَ فِي ضَلاٰلٍ مُبِينٍ » فهذا كله حكاية عن الجن و كان سبب نزول هذه الآية

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَ مَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى اَلْإِسْلاَمِ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ وَ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلُهُ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فَلَمَّا بَلَغَ مَوْضِعاً يُقَالُ لَهُ وَادِي مَجَنَّةَ تَهَجَّدَ بِالْقُرْآنِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَمَرَّ بِهِ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَلَمَّا سَمِعُوا قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اسْتَمَعُوا لَهُ فَلَمَّا سَمِعُوا قِرَاءَتَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ «أَنْصِتُوا» يَعْنِي اسْكُتُوا «فَلَمّٰا قُضِيَ » أَيْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ «وَلَّوْا إِلىٰ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قٰالُوا يٰا قَوْمَنٰا إِنّٰا سَمِعْنٰا كِتٰاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسىٰ

مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَ إِلىٰ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يٰا قَوْمَنٰا أَجِيبُوا دٰاعِيَ اللّٰهِ وَ آمِنُوا بِهِ » إِلَى قَوْلِهِ «أُولٰئِكَ فِي ضَلاٰلٍ مُبِينٍ » فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 299

«قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ » السُّورَةَ كُلَّهَا فَحَكَى اللَّهُ قَوْلَهُمْ وَ وَلَّى عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْهُمْ وَ كَانُوا يَعُودُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ وَ يُفَقِّهَهُمْ فَمِنْهُمْ مُؤْمِنُونَ وَ مِنْهُمْ كَافِرُونَ وَ نَاصِبُونَ وَ يَهُودُ وَ نَصَارَى وَ مَجُوسُ وَ هُمْ وُلْدُ اَلْجَانِّ .

وَ سُئِلَ الْعَالِمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ مُؤْمِنِي الْجِنِّ أَ يَدْخُلُونَ اَلْجَنَّةَ فَقَالَ لاَ وَ لَكِنْ لِلَّهِ حَظَائِرُ بَيْنَ اَلْجَنَّةِ وَ اَلنَّارِ يَكُونُ فِيهَا مُؤْمِنُو الْجِنِّ وَ فُسَّاقُ اَلشِّيعَةِ .

ثم احتج الله على الدهرية فقال:«أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللّٰهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ وَ لَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقٰادِرٍ عَلىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتىٰ بَلىٰ إِنَّهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»

ثم أدب الله نبيه صلّى اللّه عليه و آله بالصبر فقال «فَاصْبِرْ كَمٰا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ » و هو نوح و إبراهيم و موسى و عيسى ابن مريم عليهم السّلام و محمد صلّى اللّه عليه و آله، و معنى أولي العزم أنهم سبقوا الأنبياء إلى الإقرار بالله و الإقرار بكل نبي كان قبلهم و بعدهم و عزموا على الصبر مع التكذيب و الأذى(1) ثم قال «وَ لاٰ تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ » يعني العذاب «كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مٰا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّٰ سٰاعَةً مِنْ نَهٰارٍ بَلاٰغٌ » قال يرون يوم القيامة أنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار «بَلاٰغٌ » أي أبلغهم ذلك «فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفٰاسِقُونَ » .

47- سورة محمد صلّى اللّه عليه و آله مدنية آياتها ثمان و ثلاثون 38

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ أَضَلَّ أَعْمٰالَهُمْ »

نزلت في الذين ارتدوا بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و غصبوا أهل بيته حقهم و صدوا عن أمير المؤمنين عليه السّلام و عن ولاية الأئمة عليهم السّلام «أَضَلَّ أَعْمٰالَهُمْ » أي أبطل ما كان تقدم منهم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الجهاد و النصرة.

ص: 300


1- و قد مضى أيضا تفسير أولي العزم فى هذا الكتاب فراجع ص 65 ج. ز.

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحَرِيشِيِّ

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي اَلْمَسْجِدِ وَ النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ بِصَوْتٍ عَالٍ «اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ أَضَلَّ أَعْمٰالَهُمْ » فَقَالَ لَهُ اِبْنُ عَبَّاسٍ : يَا أَبَا الْحَسَنِ لِمَ قُلْتَ مَا قُلْتَ قَالَ قَرَأْتُ شَيْئاً مِنَ اَلْقُرْآنِ ، قَالَ لَقَدْ قُلْتَهُ لِأَمْرٍ، قَالَ نَعَمْ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ «وَ مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ

فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» أَ فَتَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ فُلاَناً

قَالَ : مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَوْصَى إِلاَّ إِلَيْكَ ، قَالَ : فَهَلاَّ بَايَعْتَنِي قَالَ :

اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَكُنْتُ مِنْهُمْ ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَمَا اجْتَمَعَ أَهْلُ الْعِجْلِ عَلَى الْعِجْلِ هَاهُنَا فُتِنْتُمْ وَ مَثَلُكُمْ «كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نٰاراً فَلَمّٰا أَضٰاءَتْ مٰا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّٰهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُمٰاتٍ لاٰ يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاٰ يَرْجِعُونَ » .

أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ [الْحَسَنُ ] بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْعَلاَءِ [مُعَلَّى] بْنِ مُحَمَّدٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : «وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ وَ آمَنُوا بِمٰا نُزِّلَ عَلىٰ مُحَمَّدٍ»

فِي عَلِيٍّ «وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئٰاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بٰالَهُمْ » هَكَذَا نَزَلَتْ .، و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ » نزلت في أبي ذر

و سلمان و عمار و مقداد لم ينقضوا العهد «وَ آمَنُوا بِمٰا نُزِّلَ عَلىٰ مُحَمَّدٍ» أي ثبتوا على الولاية التي أنزلها الله «وَ هُوَ الْحَقُّ » يعني أمير المؤمنين عليه السّلام «مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئٰاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بٰالَهُمْ » أي حالهم ثم ذكر أعمالهم فقال:«ذٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبٰاطِلَ » و هم الذين اتبعوا أعداء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام

«وَ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ »

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : فِي سُورَةِ مُحَمَّدٍ آيَةٌ فِينَا وَ آيَةٌ فِي أَعْدَائِنَا. و الدليل على ذلك قوله «كَذٰلِكَ يَضْرِبُ اللّٰهُ لِلنّٰاسِ أَمْثٰالَهُمْ »

ص: 301

من الزنادقة و من ليس معه كتاب من عبدة النيران و الكواكب و قوله «فَإِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقٰابِ » و المخاطبة للجماعة و المعنى لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

و الإمام بعده و قوله «وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمٰالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَ يُصْلِحُ بٰالَهُمْ وَ يُدْخِلُهُمُ اَلْجَنَّةَ عَرَّفَهٰا لَهُمْ » أي وعدها إياهم و ادخرها لهم «لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ » أي يختبر.

ثم خاطب أمير المؤمنين عليه السّلام فقال:«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللّٰهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدٰامَكُمْ » فقال «وَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمٰالَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ » في علي «فَأَحْبَطَ أَعْمٰالَهُمْ »

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ هَكَذَا «ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ » فِي عَلِيٍّ إِلاَّ أَنَّهُ كَشَطَ الاِسْمَ «فَأَحْبَطَ أَعْمٰالَهُمْ » .

قال علي بن إبراهيم في قوله «أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كٰانَ عٰاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » أي أ و لم ينظروا في أخبار الأمم الماضية قوله «دَمَّرَ اللّٰهُ عَلَيْهِمْ » أي أهلكهم و عذبهم ثم قال «وَ لِلْكٰافِرِينَ » يعني الذين كفروا و كرهوا ما أنزل الله في علي «أَمْثٰالُهٰا» أي لهم مثل ما كان للأمم الماضية من العذاب و الهلاك، ثم ذكر المؤمنين الذين ثبتوا على إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام

فقال «ذٰلِكَ بِأَنَّ اللّٰهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ اَلْكٰافِرِينَ

لاٰ مَوْلىٰ لَهُمْ » ثم ذكر المؤمنين فقال:«إِنَّ اللّٰهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ » يعني بولاية علي عليه السّلام «جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهٰارُ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا»

من أعدائه «يَتَمَتَّعُونَ وَ يَأْكُلُونَ كَمٰا تَأْكُلُ الْأَنْعٰامُ » يعني أكلا كثيرا «وَ اَلنّٰارُ

مَثْوىً لَهُمْ » قال «وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنٰاهُمْ فَلاٰ نٰاصِرَ لَهُمْ » قال: إن الذين أهلكناهم من الأمم السالفة كانوا أشد قوة من قريتك يعني أهل مكة الذين أخرجوك منها فلم يكن لهم ناصر «أَ فَمَنْ كٰانَ عَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ » يعني أمير المؤمنين عليه السّلام «كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ » يعني الذين غصبوه

ص: 302

«وَ اتَّبَعُوا أَهْوٰاءَهُمْ » .

ثم ضرب لأوليائه و أعدائه مثلا فقال لأوليائه «مَثَلُ اَلْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهٰا أَنْهٰارٌ مِنْ مٰاءٍ غَيْرِ آسِنٍ » إلى قوله «مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشّٰارِبِينَ » و معنى الخمر أي خمرة إذا تناولها ولي الله وجد رائحة المسك فيها «وَ أَنْهٰارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَ لَهُمْ فِيهٰا مِنْ كُلِّ الثَّمَرٰاتِ وَ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ » ثم ضرب لأعدائه مثلا فقال «كَمَنْ هُوَ خٰالِدٌ فِي اَلنّٰارِ وَ سُقُوا مٰاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعٰاءَهُمْ » فقال لنبيه: أ فمن هو في هذه الجنة

الموصوفة كمن هو في هذه النار كما أن ليس عدو الله كوليه.

و قوله:«وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتّٰى إِذٰا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قٰالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مٰا ذٰا قٰالَ آنِفاً» فإنها نزلت في المنافقين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

و من كان إذا سمع شيئا منه لم يؤمن به و لم يعه فإذا خرجوا قالوا للمؤمنين ما ذا قال محمد آنفا فقال الله «أُولٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّٰهُ عَلىٰ قُلُوبِهِمْ وَ اتَّبَعُوا أَهْوٰاءَهُمْ »

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ وَهْبِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

كَانَ يَدْعُو أَصْحَابَهُ فَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْراً سَمِعَ وَ عَرَفَ مَا يَدْعُوهُ إِلَيْهِ وَ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ شَرّاً طَبَعَ عَلَى قَلْبِهِ لاَ يَسْمَعُ وَ لاَ يَعْقِلُ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى «حَتّٰى إِذٰا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ » إِلَى قَوْلِهِ «مٰا ذٰا قٰالَ آنِفاً» .

قال علي بن إبراهيم ثم ذكر المهتدين فقال «وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زٰادَهُمْ هُدىً وَ آتٰاهُمْ تَقْوٰاهُمْ » و هو رد على من زعم أن الإيمان لا يزيد و لا ينقص ثم قال «فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السّٰاعَةَ » يعني القيامة «أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جٰاءَ أَشْرٰاطُهٰا»

ص: 303

عَلَيْهِ ، فَقَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ الْقِيَامَةِ إِضَاعَةَ الصَّلَوَاتِ وَ اتِّبَاعَ الشَّهَوَاتِ ، وَ الْمَيْلَ إِلَى الْأَهْوَاءِ وَ تَعْظِيمَ أَصْحَابِ الْمَالِ ، وَ بَيْعَ الدِّينِ بِالدُّنْيَا، فَعِنْدَهَا يَذُوبُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ فِي جَوْفِهِ كَمَا يُذَابُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ مِمَّا يَرَى مِنَ الْمُنْكَرِ فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَهُ ، قَالَ سَلْمَانُ وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ! إِنَّ عِنْدَهَا يَلِيهِمْ أُمَرَاءُ جَوَرَةٌ وَ وُزَرَاءُ فَسَقَةٌ ، وَ عُرَفَاءُ ظَلَمَةٌ ، وَ أُمَنَاءُ خَوَنَةٌ ، فَقَالَ سَلْمَانُ وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ إِنَّ عِنْدَهَا يَكُونُ الْمُنْكَرُ مَعْرُوفاً وَ الْمَعْرُوفُ مُنْكَراً وَ يُؤْتَمَنُ الْخَائِنُ وَ يُخَوَّنُ الْأَمِينُ وَ يُصَدَّقُ الْكَاذِبُ وَ يُكَذَّبُ الصَّادِقُ ، قَالَ سَلْمَانُ وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ .

يَا سَلْمَانُ ! فَعِنْدَهَا تَكُونُ إِمَارَةُ النِّسَاءِ وَ مُشَاوَرَةُ الْإِمَاءِ وَ قُعُودُ الصِّبْيَانِ عَلَى الْمَنَابِرِ وَ يَكُونُ الْكَذِبُ طَرَفاً وَ الزَّكَاةُ مَغْرَماً وَ الْفَيْ ءُ مَغْنَماً وَ يَجْفُو الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ وَ يَبَرُّ صَدِيقَهُ ، وَ يَطْلُعُ الْكَوْكَبُ الْمُذْنِبُ ، قَالَ سَلْمَانُ : وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ وَ عِنْدَهَا تُشَارِكُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي التِّجَارَةِ (1) وَ يَكُونُ الْمَطَرُ قَيْظاً وَ يَغِيظُ الْكِرَامُ غَيْظاً وَ يُحْتَقَرُ الرَّجُلُ الْمُعْسِرُ فَعِنْدَهَا تَقَارَبُ الْأَسْوَاقُ إِذْ قَالَ هَذَا لَمْ أَبِعْ شَيْئاً وَ قَالَ هَذَا لَمْ أَرْبَحْ شَيْئاً فَلاَ تَرَى إِلاَّ ذَامّاً لِلَّهِ ، قَالَ سَلْمَانُ : وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ .

ص: 304


1- يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْإِشَارَةُ مِنْهُ إِلَى مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ بَيْعٍ وَ شِرَاءِ الْحِصَصِ مِنَ الشِّرَكَاتِ التِّجَارِيَّةِ فَيَشْتَرِي الرَّجُلُ مِنْ تِلْكَ الْحِصَصِ لِنَفْسِهِ وَ لِعِيَالِهِ كَذَا تُشَارِكُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي التِّجَارَةِ ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْهُ جُلُوسَ الْمَرْأَةِ الْمُتَزَيِّنَةِ لِبَيْعِ السِّلْعَةِ فِي الْمَفَازَاتِ مَعَ الرِّجَالِ جَنْباً لِجَنْبٍ كَمَا هُوَ رَائِجٌ فِي الْبِلاَدِ الْإِسْلاَمِيَّةِ «اَلْمُتَمَدِّنَةِ ». ج. ز.

يَا سَلْمَانُ ! فَعِنْدَهَا يَلِيهِمْ أَقْوَامٌ إِنْ تَكَلَّمُوا قَتَلُوهُمْ وَ إِنْ سَكَتُوا اسْتَبَاحُوا حَقَّهُمْ لَيَسْتَأْثِرُونَ أَنْفُسَهُمْ بِفَيْئِهِمْ وَ لَيَطَئُونَ حُرْمَتَهُمْ وَ لَيَسْفِكُنَّ دِمَاءَهُمْ وَ لَيَمْلَأُنَّ قُلُوبَهُمْ دَغَلاً وَ رُعْباً، فَلاَ تَرَاهُمْ إِلاَّ وَجِلِينَ خَائِفِينَ مَرْعُوبِينَ مَرْهُوبِينَ ، قَالَ سَلْمَانُ : وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، يَا سَلْمَانُ ! إِنَّ عِنْدَهَا يُؤْتَى بِشَيْ ءٍ مِنَ الْمَشْرِقِ وَ شَيْ ءٍ مِنَ الْمَغْرِبِ يُلَوَّنُ أُمَّتِي، فَالْوَيْلُ لِضُعَفَاءِ أُمَّتِي مِنْهُمْ وَ الْوَيْلُ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ، لاَ يَرْحَمُونَ صَغِيراً وَ لاَ يُوَقِّرُونَ كَبِيراً وَ لاَ يَتَجَاوَزُونَ مِنْ مُسِيءٍ جُثَّتُهُمْ جُثَّةُ الْآدَمِيِّينَ وَ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ ، قَالَ سَلْمَانُ وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ! وَ عِنْدَهَا يَكْتَفِي الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ وَ النِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ وَ يُغَارُ عَلَى الْغِلْمَانِ كَمَا يُغَارُ عَلَى الْجَارِيَةِ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا وَ تُشْبِهُ الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ وَ النِّسَاءُ بِالرِّجَالِ وَ لَتَرْكَبَنَّ ذَوَاتُ الْفُرُوجِ (1) السُّرُوجَ فَعَلَيْهِنَّ مِنْ أُمَّتِي لَعْنَةُ اللَّهِ ، قَالَ سَلْمَانُ : وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ : إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ! إِنَّ عِنْدَهَا تُزَخْرَفُ الْمَسَاجِدُ كَمَا تُزَخْرَفُ الْبِيَعُ وَ الْكَنَائِسُ وَ تُحَلَّى الْمَصَاحِفُ ، وَ تُطَوَّلُ الْمَنَارَاتُ وَ تَكْثُرُ الصُّفُوفُ بِقُلُوبٍ مُتَبَاغِضَةٍ وَ أَلْسُنٍ مُخْتَلِفَةٍ .

قَالَ سَلْمَانُ : وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَ عِنْدَهَا تُحَلَّى ذُكُورُ أُمَّتِي بِالذَّهَبِ وَ يَلْبَسُونَ الْحَرِيرَ وَ الدِّيبَاجَ وَ يَتَّخِذُونَ جُلُودَ النُّمُورِ صِفَافاً(2) قَالَ سَلْمَانُ : وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ : إِي وَ الَّذِي

ص: 305


1- لَيْسَ «اَلسُّرُوجُ » مُخْتَصّاً بِالْخَيْلِ فَقَطْ ، فَقَدْ أُطْلِقَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى مُطْلَقِ الدَّابَّةِ ، فَيَنْطَبِقُ تَمَاماً عَلَى النِّسَاءِ الْمُكَشَّفَاتِ اللَّوَاتِي يَسُقْنَ سَيَّارَاتِهِنَّ إِظْهَاراً لِلْمَالِ وَ الْجَمَالِ ، الَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ وَبَالٌ لَهُنَّ وَ لِجَمِيعِ الْمَالِ .
2- أَيْ فُرُشاً ج. ز.

نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ . وَ عِنْدَهَا يَظْهَرُ الرِّبَا وَ يَتَعَامَلُونَ بِالْعِينَةِ (1) وَ الرُّشَى وَ يُوضَعُ الدِّينُ وَ تُرْفَعُ الدُّنْيَا، قَالَ سَلْمَانُ : وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ! وَ عِنْدَهَا يَكْثُرُ الطَّلاَقُ ، فَلاَ يُقَامُ لِلَّهِ حَدٌّ وَ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً قَالَ سَلْمَانُ : وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ! وَ عِنْدَهَا تَظْهَرُ الْقَيْنَاتُ وَ الْمَعَازِفُ (2) وَ يَلِيهِمْ أَشْرَارُ أُمَّتِي، قَالَ سَلْمَانُ

وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ! وَ عِنْدَهَا تَحُجُّ أَغْنِيَاءُ أُمَّتِي لِلنُّزْهَةِ وَ تَحُجُّ أَوْسَاطُهَا لِلتِّجَارَةِ وَ تَحُجُّ فُقَرَاؤُهُمْ لِلرِّيَاءِ وَ السُّمْعَةِ فَعِنْدَهَا يَكُونُ أَقْوَامٌ يَتَعَلَّمُونَ اَلْقُرْآنَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَ يَتَّخِذُونَهُ مَزَامِيرَ، وَ يَكُونُ أَقْوَامٌ يَتَفَقَّهُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَ تَكْثُرُ أَوْلاَدُ الزِّنَا، وَ يَتَغَنَّوْنَ بِالْقُرْآنِ ، وَ يَتَهَافَتُونَ

ص: 306


1- قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : الْعِينَةُ بِالْكَسْرِ السِّلْعَةُ ، وَ قَدْ جَاءَ ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ وَ اخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهَا فَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ فِي السَّرَائِرِ: الْعِينَةُ مَعْنَاهَا فِي الشَّرِيعَةِ هُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ يَبِيعَهَا بِدُونِ ذَلِكَ الثَّمَنِ نَقْداً لِيَقْتَضِيَ دَيْناً عَلَيْهِ لِمَنْ قَدْ حَلَّ لَهُ عَلَيْهِ ، وَ يَكُونُ الدَّيْنُ الثَّانِي وَ هُوَ الْعِينَةُ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ مَأْخُوذاً ذَلِكَ الْعَيْنَ وَ هُوَ النَّقْدُ الْحَاضِرُ، وَ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: هِيَ أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلْعَةَ ثُمَّ إِذَا جَاءَ الْأَجَلُ بَاعَهَا عَلَى بَائِعِهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أَزْيَدَ (انْتَهَى). أَقُولُ : لَعَلَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْمُعَامَلَةِ بِالْعِينَةِ (وَ هِيَ السِّلْعَةُ ) الْمُعَامَلاَتُ الَّتِي هِيَ رَائِجَةُ الْوَقْتِ بَيْنَ التُّجَّارِ وَ الْبُنُوكِ ، فَإِنَّهُمْ يَسْتَوْرِدُونَ السِّلْعَةَ بِوَاسِطَةِ الْبُنُوكِ وَ تَبْقَى فِي الْبَنْكِ رَهِينَةٌ إِلَى أَنْ يَدْفَعَ ثَمَنَهَا ثُمَّ يَبِيعُونَهَا وَ هِيَ فِي الْبَنْكِ دَفْعَةً أَوْ تَدْرِيجاً، وَ بِهَذَا الثَّمَنِ يُؤَدُّونَ دَيْنَ الْبَنْكِ مَعَ الرِّبَا.
2- الْقَيْنَةُ : الْمُغَنِّيَةُ ، الْمَعَازِفُ ، الْمَلاَهِي كَالْعُودِ وَ الطُّنْبُورِ وَ يَصْدُقُ عَلَى الراديو للغناء فِي هَذَا الزَّمَانِ . ج. ز.

بِالدُّنْيَا قَالَ سَلْمَانُ : وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ .

يَا سَلْمَانُ ذَاكَ إِذَا انْتُهِكَتِ الْمَحَارِمُ ، وَ اكْتَسَبَتِ الْمَآثِمُ ، وَ تَسَلَّطَ الْأَشْرَارُ عَلَى الْأَخْيَارِ، وَ يَفْشُو الْكَذِبُ وَ تَظْهَرُ اللَّجَاجَةُ ، وَ تَغْشُو الْفَاقَةُ وَ يَتَبَاهَوْنَ فِي اللِّبَاسِ وَ يُمْطَرُونَ فِي غَيْرِ أَوَانِ الْمَطَرِ، وَ يَسْتَحْسِنُونَ الْكُوبَةَ (1) وَ الْمَعَازِفَ وَ يُنْكِرُونَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى يَكُونُ الْمُؤْمِنُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَذَلَّ مِنَ الْأَمَةِ وَ يُظْهِرُ قُرَّاؤُهُمْ وَ عُبَّادُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمُ التَّلاَوُمَ ، فَأُولَئِكَ يُدْعَوْنَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ الْأَرْجَاسَ وَ الْأَنْجَاسَ ، قَالَ سَلْمَانُ : وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ : إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، يَا سَلْمَانُ ! فَعِنْدَهَا لاَ يَحُضُّ الْغَنِيُّ عَلَى الْفَقِيرِ حَتَّى إِنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ فِيمَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ لاَ يُصِيبُ أَحَداً يَضَعُ فِي كَفِّهِ شَيْئاً قَالَ سَلْمَانُ : وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ! عِنْدَهَا يَتَكَلَّمُ الرُّوَيْبِضَةُ ، فَقَالَ : وَ مَا الرُّوَيْبِضَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِدَاكَ أَبِي وَ أُمِّي قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَتَكَلَّمُ فَلَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ قَلِيلاً حَتَّى تَخُورَ(2) الْأَرْضُ خَوْرَةً فَلاَ يَظُنُّ كُلُّ قَوْمٍ إِلاَّ أَنَّهَا خَارَتْ فِي نَاحِيَتِهِمْ فَيَمْكُثُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَنْكُتُونَ فِي مَكْثِهِمْ فَتُلْقِي لَهُمُ الْأَرْضُ أَفْلاَذَ كَبِدِهَا ذَهَباً وَ فِضَّةً ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْأَسَاطِينِ فَقَالَ مِثْلَ هَذَا فَيَوْمَئِذٍ لاَ يَنْفَعُ ذَهَبٌ وَ لاَ فِضَّةٌ ، .

فهذا معنى قوله «فَقَدْ جٰاءَ أَشْرٰاطُهٰا»

و قوله «وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لاٰ نُزِّلَتْ سُورَةٌ » إلى قوله «فَأَوْلىٰ لَهُمْ »

ص: 307


1- وَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَ الْكُوبَةَ وَ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهَا فَقِيلَ : هِيَ النَّرْدُ وَ قِيلَ : الطَّبْلُ وَ قِيلَ : الشِّطْرَنْجُ .
2- خَارَ الرَّجُلُ : أَيْ ضَعُفَ وَ انْكَسَرَ، لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْخَسْفُ . ج. ز.

فهم المنافقون ثم قال «فَإِذٰا عَزَمَ الْأَمْرُ» يعني الحرب «فَلَوْ صَدَقُوا اللّٰهَ لَكٰانَ خَيْراً لَهُمْ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحٰامَكُمْ » نزلت في بني أمية

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْخَزَّازِ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَكِّيِّ

قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ : إِنَّ عُمَرَ لَقِيَ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ : أَنْتَ الَّذِي تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ «بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ » تَعَرَّضُ بِي وَ بِصَاحِبِي قَالَ : أَ فَلاَ أُخْبِرُكَ بِآيَةٍ نَزَلَتْ فِي بَنِي أُمَيَّةَ «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ » إِلَى قَوْلِهِ «وَ تُقَطِّعُوا أَرْحٰامَكُمْ » فَقَالَ عُمَرُ

بَنُو أُمَيَّةَ أَوْصَلُ لِلرَّحِمِ مِنْكَ وَ لَكِنَّكَ أَثْبَتَّ الْعَدَاوَةَ لِبَنِي أُمَيَّةَ وَ بَنِي عَدِيٍّ

وَ بَنِي تَيْمٍ .

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْفَارِسِ

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلىٰ أَدْبٰارِهِمْ »

عَنِ الْإِيمَانِ بِتَرْكِهِمْ وَلاَيَةَ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ . «اَلشَّيْطٰانُ » يعني فلانا «سَوَّلَ لَهُمْ »

يعني بني فلان و بني فلان و بني أمية قوله «ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قٰالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مٰا نَزَّلَ اللّٰهُ » هو ما افترض الله على خلقه من ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام «سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ» قال دعوا بني أمية إلى ميثاقهم ألا يصيرون لنا الأمر بعد النّبي صلّى اللّه عليه و آله و لا يعطونا من الخمس شيئا و قالوا إن أعطيناهم الخمس استغنوا به فقال سنطيعكم في بعض الأمر أي لا تعطوهم من الخمس شيئا فأنزل الله على نبيه «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنّٰا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّٰا لاٰ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْوٰاهُمْ بَلىٰ وَ رُسُلُنٰا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ »

و قال علي بن إبراهيم في قوله «إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلىٰ أَدْبٰارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى» نزلت في الذين نقضوا عهد الله في أمير المؤمنين «اَلشَّيْطٰانُ سَوَّلَ لَهُمْ » أي هون لهم و هو فلان «وَ أَمْلىٰ لَهُمْ » أي بسط لهم أن لا يكون مما قال محمد شيئا «ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قٰالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مٰا نَزَّلَ اللّٰهُ » في أمير المؤمنين «سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ» يعني في الخمس أن لا يردوه في بني هاشم «وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ إِسْرٰارَهُمْ » قال الله «فَكَيْفَ إِذٰا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلاٰئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبٰارَهُمْ »

ص: 308

بنكثهم و بغيهم و إمساكهم الأمر من بعد أن أبرم عليهم إبراما يقول إذا ماتوا ساقتهم الملائكة إلى النار فيضربونهم من خلفهم و من قدامهم «ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مٰا أَسْخَطَ اللّٰهَ » يعني موالاة فلان و فلان ظالمي أمير المؤمنين

«فَأَحْبَطَ أَعْمٰالَهُمْ » يعني التي عملوها من الخيرات «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ » قال عن أمير المؤمنين عليه السّلام «وَ شَاقُّوا الرَّسُولَ » أي قاطعوه في أهل بيته بعد أخذه الميثاق عليهم له «فَلاٰ تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ اللّٰهُ مَعَكُمْ وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمٰالَكُمْ » أي لم ينقصكم «وَ لاٰ يَسْئَلْكُمْ أَمْوٰالَكُمْ إِنْ يَسْئَلْكُمُوهٰا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا» أي يجدكم تبخلوا «وَ يُخْرِجْ أَضْغٰانَكُمْ » قال: العداوة التي في صدوركم ثم قال «هٰا أَنْتُمْ هٰؤُلاٰءِ» معناه أنتم يا هؤلاء «تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ » إلى قوله «وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا» عن ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام «يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ » قال: يدخلهم في هذا الأمر «ثُمَّ لاٰ يَكُونُوا أَمْثٰالَكُمْ » في معاداتكم و خلافكم و ظلمكم لآل محمد صلوات اللّه عليهم

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ اَلسِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

: يَا اِبْنَ قَيْسٍ «وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاٰ يَكُونُوا أَمْثٰالَكُمْ » عَنَى أَبْنَاءَ اَلْمَوَالِي الْمُعْتَقِينَ .

48- سورة الفتح مدنية آياتها تسع و عشرون 29

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ إِنّٰا فَتَحْنٰا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً»

قَالَ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي

ص: 309

فَخَرَجُوا فَلَمَّا نَزَلَ ذَا الْحُلَيْفَةِ أَحْرَمُوا بِالْعُمْرَةِ وَ سَاقُوا الْبُدْنَ وَ سَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

سِتّاً وَ سِتِّينَ بَدَنَةً وَ أَشْعَرَهَا عِنْدَ إِحْرَامِهِ ، وَ أَحْرَمُوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ مُلَبِّينَ بِالْعُمْرَةِ قَدْ سَاقَ مَنْ سَاقَ مِنْهُمُ الْهَدْيَ مُشْعَرَاتٍ مُجَلَّلاَتٍ ، فَلَمَّا بَلَغَ قُرَيْشاً ذَلِكَ بَعَثُوا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي مِائَتَيْ فَارِسٍ كَمِيناً لِيَسْتَقْبِلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، فَكَانَ يُعَارِضُهُ عَلَى الْجِبَالِ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ حَضَرَتْ صَلاَةُ الظُّهْرِ فَأَذَّنَ بِلاَلٌ

وَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِالنَّاسِ فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: لَوْ كُنَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ وَ هُمْ فِي الصَّلاَةِ لَأَصَبْنَاهُمْ فَإِنَّهُمْ لاَ يَقْطَعُونَ صَلاَتَهُمْ وَ لَكِنْ تَجِيءُ لَهُمُ الْآنَ صَلاَةٌ أُخْرَى أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ ضِيَاءِ أَبْصَارِهِمْ فَإِذَا دَخَلُوا فِي الصَّلاَةِ أَغَرْنَا عَلَيْهِمْ ، فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِصَلاَةِ الْخَوْفِ بِقَوْلِهِ :«وَ إِذٰا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاٰةَ » الْآيَةَ ، وَ هَذِهِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَ قَدْ مَضَى ذِكْرُ خَبَرِ صَلاَةِ الْخَوْفِ فِيهَا.

فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلْحُدَيْبِيَةَ وَ هِيَ عَلَى طَرَفِ اَلْحَرَمِ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَسْتَنْفِرُ بِالْأَعْرَابِ فِي طَرِيقِهِ مَعَهُ فَلَمْ يَتْبَعْهُ أَحَدٌ وَ يَقُولُونَ : أَ يَطْمَعُ مُحَمَّدٌ وَ أَصْحَابُهُ أَنْ يَدْخُلُوا اَلْحَرَمَ وَ قَدْ غَزَتْهُمْ قُرَيْشٌ فِي عُقْرِ دِيَارِهِمْ فَقَتَلُوهُمْ إِنَّهُ لاَ يَرْجِعُ مُحَمَّدٌ وَ أَصْحَابُهُ إِلَى اَلْمَدِينَةِ أَبَداً فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

اَلْحُدَيْبِيَةَ خَرَجَتْ قُرَيْشٌ يَحْلِفُونَ بِاللاَّتِ وَ اَلْعُزَّى لاَ يَدَعُونَ مُحَمَّداً يَدْخُلُ مَكَّةَ وَ فِيهِمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنِّي لَمْ آتِ لِحَرْبٍ وَ إِنَّمَا جِئْتُ لِأَقْضِيَ نُسُكِي وَ أَنْحَرَ بُدْنِي وَ أُخَلِّيَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ لَحَمَاتِهَا، فَبَعَثُوا عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ وَ كَانَ عَاقِلاً لَبِيباً وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ «وَ قٰالُوا لَوْ لاٰ نُزِّلَ هٰذَا اَلْقُرْآنُ

ص: 310

يَا مُحَمَّدُ تَرَكْتَ قَوْمَكَ وَ قَدْ ضَرَبُوا الْأَبْنِيَةَ وَ أَخْرَجُوا الْعَوْدَ الْمَطَافِيلَ (1) يَحْلِفُونَ بِاللاَّتِ وَ اَلْعُزَّى لاَ يَدَعُوكَ تَدْخُلُ مَكَّةَ فَإِنَّ مَكَّةَ حَرَمُهُمْ وَ فِيهِمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ أَ فَتُرِيدُ أَنْ تُبِيدَ أَهْلَكَ وَ قَوْمَكَ يَا مُحَمَّدُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : مَا جِئْتُ لِحَرْبٍ وَ إِنَّمَا جِئْتُ لِأَقْضِيَ نُسُكِي فَأَنْحَرَ بُدْنِي وَ أُخَلِّيَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ لَحَمَاتِهَا، فَقَالَ عُرْوَةُ : بِاللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ أَحَداً صُدَّ كَمَا صُدِدْتَ ، فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ وَ أَخْبَرَهُمْ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ وَ اللَّهِ لَئِنْ دَخَلَ مُحَمَّدٌ مَكَّةَ وَ تَسَامَعَتْ بِهِ اَلْعَرَبُ لَنَذِلَّنَّ وَ لَتَجْتَرِيَنَّ عَلَيْنَا اَلْعَرَبُ .

فَبَعَثُوا حَفْصَ بْنَ الْأَحْنَفِ وَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 311


1- عَوْدٌ كَطَوْدٍ الْمُسِنُّ . مَطَافِيلُ ذَوَاتُ أَطْفَالٍ . ج. ز.

قَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي وَ لَنْ يُخْلِفَنِي قَالَ : لَوْ أَنَّ مَعِي أَرْبَعِينَ رَجُلاً لَخَالَفْتُهُ .

وَ رَجَعَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَ حَفْصُ بْنُ الْأَحْنَفِ إِلَى قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ بِالصُّلْحِ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ لَمْ تَقُلْ لَنَا أَنْ نَدْخُلَ اَلْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَ نَحْلِقَ مَعَ الْمُحَلِّقِينَ فَقَالَ أَ مِنْ عَامِنَا هَذَا وَعَدْتُكَ وَ قُلْتُ لَكَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ وَعَدَنِي أَنْ أَفْتَحَ مَكَّةَ

وَ أَطُوفَ وَ أَسْعَى مَعَ الْمُحَلِّقِينَ ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ لَهُمْ : إِنْ لَمْ تَقْبَلُوا الصُّلْحَ فَحَارِبُوهُمْ ، فَمَرُّوا نَحْوَ قُرَيْشٍ وَ هُمْ مُسْتَعِدُّونَ لِلْحَرْبِ وَ حَمَلُوا عَلَيْهِمْ فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ هَزِيمَةً قَبِيحَةً وَ مَرُّوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ثُمَّ قَالَ : يَا عَلِيُّ ! خُذِ السَّيْفَ وَ اسْتَقْبِلْ قُرَيْشاً. فَأَخَذَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

سَيْفَهُ وَ حَمَلَ عَلَى قُرَيْشٍ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ تَرَاجَعُوا وَ قَالُوا: يَا عَلِيُّ

بَدَا لِمُحَمَّدٍ فِيمَا أَعْطَانَا فَقَالَ : لاَ وَ تَرَاجَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مُسْتَحْيِينَ وَ أَقْبَلُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : أَ لَسْتُمْ أَصْحَابِي يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكُمْ «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجٰابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاٰئِكَةِ مُرْدِفِينَ » ، أَ لَسْتُمْ أَصْحَابِي يَوْمَ أُحُدٍ «إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لاٰ تَلْوُونَ عَلىٰ أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرٰاكُمْ » ، أَ لَسْتُمْ أَصْحَابِي يَوْمَ كَذَا أَ لَسْتُمْ أَصْحَابِي يَوْمَ كَذَا فَاعْتَذَرُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ نَدَمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ وَ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ وَ رَسُولُهُ فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ .

وَ رَجَعَ حَفْصُ بْنُ الْأَحْنَفِ وَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَالاَ:

يَا مُحَمَّدُ قَدْ أَجَابَتْ قُرَيْشٌ إِلَى مَا اشْتَرَطْتَ عَلَيْهِمْ مِنْ إِظْهَارِ اَلْإِسْلاَمِ وَ أَنْ لاَ يُكْرَهَ أَحَدٌ عَلَى دِينِهِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِالْمَكْتَبِ وَ دَعَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَالَ لَهُ اكْتُبْ ، فَكَتَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

ص: 312

فَإِنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ ، ثُمَّ كَتَبَ «هَذَا مَا تَقَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا حَارَبْنَاكَ اكْتُبْ هَذَا مَا تَقَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَ تَأْنَفُ مِنْ نَسَبِكَ يَا مُحَمَّدُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ وَ إِنْ لَمْ تُقِرُّوا، ثُمَّ قَالَ امْحُ يَا عَلِيُّ ! وَ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : مَا أَمْحُو اسْمَكَ مِنَ النُّبُوَّةِ أَبَداً، فَمَحَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِيَدِهِ ، ثُمَّ كَتَبَ : «هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ وَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَ اصْطَلَحُوا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَنْ يَكُفَّ بَعْضٌ عَنْ بَعْضٍ وَ عَلَى أَنَّهُ لاَ إِسْلاَلٌ وَ لاَ إِغْلاَلٌ (1) وَ أَنَّ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ غَيْبَةً مَكْفُوفَةً ، وَ أَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَهْدِ مُحَمَّدٍ وَ عَقْدِهِ فَعَلَ ، وَ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَ عَقْدِهَا فَعَلَ ، وَ أَنَّهُ مَنْ أَتَى مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ

بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ يَرُدُّهُ إِلَيْهِ وَ أَنَّهُ مَنْ أَتَى قُرَيْشاً مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ لَمْ يَرُدَّهُ إِلَيْهِ ، وَ أَنْ يَكُونَ اَلْإِسْلاَمُ ظَاهِراً بِمَكَّةَ لاَ يُكْرَهُ أَحَدٌ عَلَى دِينِهِ ، وَ لاَ يُؤْذَى وَ لاَ يُعَيَّرُ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً يَرْجِعُ عَنْهُمْ عَامَهُ هَذَا وَ أَصْحَابَهُ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْنَا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ مَكَّةَ فَيُقِيمُ فِيهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَ لاَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا بِسِلاَحٍ إِلاَّ سِلاَحَ الْمُسَافِرِ السُّيُوفَ فِي الْقِرَابِ » وَ كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ شَهِدَ عَلَى الْكِتَابِ اَلْمُهَاجِرُونَ وَ اَلْأَنْصَارُ.

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : يَا عَلِيُّ ! إِنَّكَ أَبَيْتَ أَنْ تَمْحُوَ اسْمِي مِنَ النُّبُوَّةِ فَوَ الَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيّاً لَتُجِيبَنَّ أَبْنَاءَهُمْ إِلَى مِثْلِهَا وَ أَنْتَ مَضِيضٌ مُضْطَهَدٌ(2) فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ وَ رَضُوا بِالْحَكَمَيْنِ كَتَبَ : هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ

ص: 313


1- إِسْلاَلٌ : السَّيْفُ إِغْلاَلٌ : الْإِسَارَةُ .
2- مَضَّ مَضِيضاً: أَلِمَ مِنْ وَجَعِ الْمُصِيبَةِ ، مُضْطَهَدٌ: الْمَقْهُورُ الْمَظْلُومُ . ج. ز.

أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَا حَارَبْنَاكَ وَ لَكِنِ اكْتُبْ : هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ

وَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : صَدَقَ اللَّهُ وَ صَدَقَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِذَلِكَ ، ثُمَّ كَتَبَ الْكِتَابَ قَالَ : فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ قَامَتْ خُزَاعَةُ فَقَالَتْ : نَحْنُ فِي عَهْدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ عَقْدِهِ وَ قَامَتْ بَنُو بَكْرٍ فَقَالَتْ : نَحْنُ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَ عَقْدِهَا، وَ كَتَبُوا نُسْخَتَيْنِ نُسْخَةً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَ نُسْخَةً عِنْدَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَ حَفْصِ بْنِ الْأَحْنَفِ إِلَى قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَاهُمْ وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِأَصْحَابِهِ : انْحَرُوا بُدْنَكُمْ وَ احْلِقُوا رُءُوسَكُمْ فَامْتَنَعُوا وَ قَالُوا كَيْفَ نَنْحَرُ وَ نَحْلِقُ وَ لَمْ نَطُفْ بِالْبَيْتِ وَ لَمْ نَسْعَ بَيْنَ اَلصَّفَا وَ اَلْمَرْوَةِ ، فَاغْتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ ذَلِكَ وَ شَكَا ذَلِكَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ انْحَرْ أَنْتَ وَ احْلِقْ فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ حَلَقَ وَ نَحَرَ الْقَوْمُ عَلَى حَيْثُ يَقِينٍ وَ شَكٍّ وَ ارْتِيَابٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ تَعْظِيماً لِلْبُدْنِ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ وَ قَالَ قَوْمٌ لَمْ يَسُوقُوا الْبُدْنَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ الْمُقَصِّرِينَ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَسُقْ هَدْياً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَلْقُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ثَانِياً رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ الَّذِينَ لَمْ يَسُوقُوا الْهَدْيَ ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ الْمُقَصِّرِينَ فَقَالَ رَحِمَ اللَّهُ الْمُقَصِّرِينَ ، ثُمَّ رَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ نَحْوَ اَلْمَدِينَةِ فَرَجَعَ إِلَى اَلتَّنْعِيمِ وَ نَزَلَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ، فَجَاءَ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ الصُّلْحَ وَ اعْتَذَرُوا وَ أَظْهَرُوا النَّدَامَةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ وَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمْ فَنَزَلَتْ آيَةُ الرِّضْوَانِ نَزَلَ «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ إِنّٰا فَتَحْنٰا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللّٰهُ مٰا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مٰا تَأَخَّرَ» .

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ بَيَّاعِ السَّابِرِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَوْلُ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ «لِيَغْفِرَ لَكَ اللّٰهُ مٰا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مٰا تَأَخَّرَ»

قَالَ : مَا كَانَ لَهُ مِنْ ذَنْبٍ وَ لاَ هَمْ ٍّ بِذَنْبٍ وَ لَكِنَّ اللَّهَ حَمَّلَهُ ذُنُوبَ شِيعَتِهِ ثُمَّ غَفَرَهَا لَهُ .

ص: 314

و قال علي بن إبراهيم في قوله «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ » إلى قوله «وَ لِلّٰهِ جُنُودُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ » فهم الذين لم يخالفوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم ينكروا عليه الصلح ثم قال «لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنٰاتِ » إلى قوله «اَلظّٰانِّينَ بِاللّٰهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دٰائِرَةُ السَّوْءِ» و هم الذين أنكروا الصلح و اتهموا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «وَ غَضِبَ اللّٰهُ عَلَيْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَ سٰاءَتْ مَصِيراً وَ لِلّٰهِ جُنُودُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ كٰانَ اللّٰهُ عَزِيزاً حَكِيماً إِنّٰا أَرْسَلْنٰاكَ شٰاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً» ثم عطف بالمخاطبة على أصحابه فقال «لِتُؤْمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُعَزِّرُوهُ وَ تُوَقِّرُوهُ » ثم عطف على نفسه عز و جل فقال:«وَ تُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً» معطوفا على قوله «لِتُؤْمِنُوا بِاللّٰهِ » ، و نزلت في بيعة الرضوان «لَقَدْ رَضِيَ اللّٰهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبٰايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ »

و اشترط عليهم أن لا ينكروا بعد ذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شيئا يفعله و لا يخالفوه في شيء يأمرهم به فقال الله عز و جل بعد نزول آية الرضوان «إِنَّ الَّذِينَ يُبٰايِعُونَكَ إِنَّمٰا يُبٰايِعُونَ اللّٰهَ يَدُ اللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمٰا يَنْكُثُ عَلىٰ نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفىٰ بِمٰا عٰاهَدَ عَلَيْهُ اللّٰهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً» و إنما رضي عنهم بهذا الشرط أن يفوا بعد ذلك بعهد الله و ميثاقه و لا ينقضوا عهده و عقده فبهذا العهد رضي الله عنهم فقد قدموا في التأليف آية الشرط على بيعة الرضوان و إنما نزلت أولا بيعة الرضوان ثم آية الشرط عليهم فيها، ثم ذكر الأعراب الذين تخلفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال «سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ اَلْأَعْرٰابِ شَغَلَتْنٰا أَمْوٰالُنٰا»

إلى قوله «وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً» أي قوم سوء و هم الذين استنفرهم في الحديبية

و لما رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة من الحديبية غزا خيبرا فاستأذنوه المخلفون من الأعراب أن يخرجوا معه فقال الله عز و جل «سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلىٰ مَغٰانِمَ لِتَأْخُذُوهٰا» إلى قوله «لاٰ يَفْقَهُونَ إِلاّٰ قَلِيلاً» ثم قال:«قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ اَلْأَعْرٰابِ سَتُدْعَوْنَ إِلىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ» إلى قوله

ص: 315

«وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا كَمٰا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذٰاباً أَلِيماً» ثم رخص عز و جل في الجهاد فقال «لَيْسَ عَلَى الْأَعْمىٰ حَرَجٌ وَ لاٰ عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لاٰ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ مَنْ يُطِعِ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهٰارُ» ثم قال:«وَ مَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذٰاباً أَلِيماً» ثم قال:«وَعَدَكُمُ اللّٰهُ مَغٰانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهٰا فَعَجَّلَ لَكُمْ هٰذِهِ وَ كَفَّ أَيْدِيَ النّٰاسِ عَنْكُمْ » يعني فتح خيبر «وَ لِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ » ثم قال:«وَ أُخْرىٰ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهٰا قَدْ أَحٰاطَ اللّٰهُ بِهٰا وَ كٰانَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيراً» ثم قال:«وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ » أي من بعد أن أممتم من المدينة إلى الحرم و طلبوا منكم الصلح بعد أن كانوا يغزونكم بالمدينة صاروا يطلبون الصلح بعد إذ كنتم أنتم تطلبون الصلح منهم ثم أخبر الله عز و جل نبيه

بعلة الصلح و ما أجاز الله لنبيه صلّى اللّه عليه و آله فقال:«هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوكُمْ عَنِ اَلْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَ لَوْ لاٰ رِجٰالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِسٰاءٌ مُؤْمِنٰاتٌ »

يعني بمكة «لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ » فأخبر الله نبيه أن علة الصلح إنما كان للمؤمنين و المؤمنات الذين كانوا بمكة و لو لم يكن صلح و كانت الحرب لقتلوا، فلما كان الصلح آمنوا و أظهروا الإسلام، و يقال إن ذلك الصلح كان أعظم فتحا على المسلمين من غلبهم ثم قال:«لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذٰاباً أَلِيماً» يعني هؤلاء الذين كانوا بمكة من المؤمنين و المؤمنات يعني لو زالوا عنهم و خرجوا من بينهم «لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذٰاباً أَلِيماً» .

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الْخَشَّابُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ فُلاَنٍ الْكَرْخِيِّ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَ لَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ قَوِيّاً فِي بَدَنِهِ قَوِيّاً فِي أَمْرِ اللَّهِ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : بَلَى! قَالَ لَهُ : فَمَا مَنَعَهُ أَنْ يَدْفَعَ أَوْ يَمْتَنِعَ قَالَ : قَدْ سَأَلْتَ فَافْهَمِ الْجَوَابَ ، مَنَعَ عَلِيّاً مِنْ ذَلِكَ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، فَقَالَ :

ص: 316

وَ أَيُّ آيَةٍ فَقَرَأَ «لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذٰاباً أَلِيماً» إِنَّهُ كَانَ لِلَّهِ وَدَائِعُ مُؤْمِنُونَ فِي أَصْلاَبِ قَوْمٍ كَافِرِينَ وَ مُنَافِقِينَ فَلَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِيَقْتُلَ الْآبَاءَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَدَائِعُ فَلَمَّا خَرَجَ ظَهَرَ عَلَى مَنْ ظَهَرَ وَ قَتَلَهُ ، وَ كَذَلِكَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ

لَمْ يَظْهَرْ أَبَداً حَتَّى تَخْرُجَ وَدَائِعُ اللَّهِ فَإِذَا خَرَجَتْ يَظْهَرُ عَلَى مَنْ يَظْهَرُ فَيَقْتُلُهُ .،

قال علي بن إبراهيم ثم قال «إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ اَلْجٰاهِلِيَّةِ »

يعني قريشا و سهيل بن عمرو حين قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا نعرف الرحمن و الرحيم و قولهم لو علمنا أنك رسول الله ما حاربناك فاكتب محمد بن عبد الله «فَأَنْزَلَ اللّٰهُ سَكِينَتَهُ عَلىٰ رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوىٰ وَ كٰانُوا أَحَقَّ بِهٰا وَ أَهْلَهٰا وَ كٰانَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيماً» و أنزل في تطير [تطهير] الرؤيا التي رآها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

«لَقَدْ صَدَقَ اللّٰهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيٰا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ اَلْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لاٰ تَخٰافُونَ فَعَلِمَ مٰا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذٰلِكَ فَتْحاً قَرِيباً» يعني فتح خيبر لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما رجع من الحديبية غزا خيبر و قوله «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدىٰ وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ »

و هو الإمام(1) الذي يظهره الله على الدين كله فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا و هذا مما ذكرنا أن تأويله بعد تنزيله، و أعلم الله أن صفة نبيه

و أصحابه المؤمنين في التوراة و الإنجيل مكتوب فقال « مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّٰهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّٰاءُ عَلَى اَلْكُفّٰارِ رُحَمٰاءُ بَيْنَهُمْ » يعني يقتلون الكفار و هم أشداء عليهم و فيما بينهم رحماء.

ص: 317


1- بتأويل أن فعل الإمام هو فعل الرسول. ج. ز.

49- سورة الحجرات مدنية آياتها ثمان عشرة 18

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ

وَ اتَّقُوا اللّٰهَ إِنَّ اللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »

-نَزَلَتْ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ كَانُوا إِذَا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَقَفُوا عَلَى بَابِ حُجْرَتِهِ فَنَادَوْا يَا مُحَمَّدُ! اخْرُجْ إِلَيْنَا، وَ كَانُوا إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ تَقَدَّمُوهُ فِي الْمَشْيِ ، وَ كَانُوا إِذَا تَكَلَّمُوا رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ فَوْقَ صَوْتِهِ وَ يَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ! مَا تَقُولُ فِي كَذَا وَ كَذَا كَمَا يُكَلِّمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً فَأَنْزَلَ اللَّهُ «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ » الْآيَةَ .

«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَرْفَعُوا أَصْوٰاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لاٰ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمٰالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لاٰ تَشْعُرُونَ » إلى قوله «إِنَّ الَّذِينَ يُنٰادُونَكَ مِنْ وَرٰاءِ الْحُجُرٰاتِ » و هم بنو تميم «أَكْثَرُهُمْ لاٰ يَعْقِلُونَ » ثم قال «وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتّٰى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكٰانَ خَيْراً لَهُمْ وَ اللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ » .

و قوله:«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهٰالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلىٰ مٰا فَعَلْتُمْ نٰادِمِينَ » فإنها نزلت في مارية القبطية أم إبراهيم عليه السّلام

وَ كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَيْسَ هُوَ مِنْكَ وَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ جَرِيحٍ الْقِبْطِيِّ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ إِلَيْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَالَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : خُذِ السَّيْفَ وَ أْتِنِي بِرَأْسِ جَرِيحٍ فَأَخَذَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ص: 318

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : بَلْ تَثَبَّتْ ، فَجَاءَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى مَشْرَبَةِ (1) أُمِّ إِبْرَاهِيمَ

فَتَسَلَّقَ عَلَيْهَا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ جَرِيحٌ هَرَبَ مِنْهُ وَ صَعِدَ النَّخْلَةَ فَدَنَا مِنْهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

وَ قَالَ لَهُ انْزِلْ ، فَقَالَ لَهُ يَا عَلِيُّ ! اتَّقِ اللَّهَ مَا هَاهُنَا أُنَاسٌ ، إِنِّي مَجْبُوبٌ ثُمَّ كَشَفَ عَنْ عَوْرَتِهِ ، فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ ، فَأَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

: مَا شَأْنُكَ يَا جَرِيحُ ! فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اَلْقِبْطَ يَجُبُّونَ حَشَمَهُمْ (2)

وَ مَنْ يَدْخُلُ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَ اَلْقِبْطِيُّونَ لاَ يَأْنَسُونَ إِلاَّ بِالْقِبْطِيِّينَ فَبَعَثَنِي أَبُوهَا لِأَدْخُلَ إِلَيْهَا وَ أَخْدُمَهَا وَ أُونِسَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ» الْآيَةَ .

وَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ [عُبَيْدِ اللَّهِ ] بْنِ مُوسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ رُشَيْدٍ [رَاشِدٍ] عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

أَمَرَ بِقَتْلِ الْقِبْطِيِّ وَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا قَدْ كَذَبَتْ عَلَيْهِ ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَ إِنَّمَا دَفَعَ اللَّهُ عَنِ الْقِبْطِيِّ الْقَتْلَ بِتَثَبُّتِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ بَلَى قَدْ كَانَ وَ اللَّهِ أَعْلَمَ وَ لَوْ كَانَتْ عَزِيمَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الْقَتْلُ مَا رَجَعَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى يَقْتُلَهُ ، وَ لَكِنْ إِنَّمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِتَرْجِعَ عَنْ ذَنْبِهَا، فَمَا رَجَعَتْ وَ لاَ اشْتَدَّ عَلَيْهَا قَتْلُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِكَذِبِهَا .

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمٰانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ »

يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ «وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْيٰانَ » فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ .

و أما قوله:«وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَى الْأُخْرىٰ فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِيءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ فَإِنْ فٰاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ »

ص: 319


1- أَرْضٌ دَائِمَةُ النَّبَاتِ .
2- حَشَمٌ كَخَدَمٍ لَفْظاً وَ مَعْنَى. ج. ز.

فإنه سيف على أهل البغي و التأويل

قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ عَنْ حُرُوبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَانَ السَّائِلُ مِنْ مُحِبِّينَا فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِخَمْسَةِ أَسْيَافٍ ، ثَلاَثَةٌ مِنْهَا شَاهِرَةٌ لاَ تُغْمَدُ إِلَى أَنْ «تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا» وَ لَنْ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، فَيَوْمَئِذٍ «لاٰ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمٰانُهٰا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمٰانِهٰا خَيْراً» ، وَ سَيْفٌ مِنْهَا مَلْفُوفٌ وَ سَيْفٌ مِنْهَا مَغْمُودٌ سَلُّهُ إِلَى غَيْرِنَا وَ حُكْمُهُ إِلَيْنَا، فَأَمَّا السُّيُوفُ الثَّلاَثَةُ الشَّاهِرَةُ .

فَسَيْفٌ عَلَى مُشْرِكِي اَلْعَرَبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:«فَاقْتُلُوا اَلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تٰابُوا» يَعْنِي آمَنُوا «فَإِخْوٰانُكُمْ فِي الدِّينِ » فَهَؤُلاَءِ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُمْ إِلاَّ الْقَتْلُ أَوِ الدُّخُولُ فِي اَلْإِسْلاَمِ وَ أَمْوَالُهُمْ وَ ذَرَارِيُّهُمْ سَبْيٌ عَلَى مَا سَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَإِنَّهُ سَبَى وَ عَفَا وَ قَبِلَ الْفِدَاءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .

وَ السَّيْفُ الثَّانِي عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :«وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً»

نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ فَنَسَخَهَا قَوْلُهُ :«قٰاتِلُوا الَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ لاٰ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لاٰ يُحَرِّمُونَ مٰا حَرَّمَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ لاٰ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ » فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي دَارِ اَلْإِسْلاَمِ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُمْ إِلاَّ الْجِزْيَةُ أَوِ الْقَتْلُ وَ مَالُهُمْ وَ ذَرَارِيُّهُمْ سَبْيٌ فَإِذَا قَبِلُوا الْجِزْيَةَ حُرِّمَ عَلَيْنَا سَبْيُهُمْ وَ أَمْوَالُهُمْ وَ حَلَّتْ مُنَاكَحَتُهُمْ وَ لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا إِلاَّ الْجِزْيَةُ أَوِ الْقَتْلُ .

ص: 320

يَعْنِي بَعْدَ السَّبْيِ مِنْهُمْ «وَ إِمّٰا فِدٰاءً» يَعْنِي الْمُفَادَاةَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ أَهْلِ اَلْإِسْلاَمِ

فَهَؤُلاَءِ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُمْ إِلاَّ الْقَتْلُ أَوِ الدُّخُولُ فِي اَلْإِسْلاَمِ وَ لاَ يَحِلُّ لَنَا نِكَاحُهُمْ مَا دَامُوا فِي الْحَرْبِ .

وَ أَمَّا السَّيْفُ الْمَلْفُوفُ فَسَيْفٌ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ وَ التَّأْوِيلِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ :

«وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَى الْأُخْرىٰ فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِيءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ » فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ بَعْدِي عَلَى التَّأْوِيلِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى التَّنْزِيلِ فَسُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَنْ هُوَ قَالَ : هُوَ خَاصِفُ النَّعْلِ يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ

قَاتَلْتُ بِهَذِهِ الرَّايَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ثَلاَثاً وَ هَذِهِ الرَّابِعَةُ وَ اللَّهِ لَوْ ضَرَبُونَا حَتَّى يَبْلُغُوا بِنَا سَعَفَاتِ هَجَرَ لَعَلِمْنَا أَنَّا عَلَى الْحَقِّ وَ أَنَّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ ، فَكَانَتِ السِّيرَةُ فِيهِمْ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي أَهْلِ مَكَّةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْبِ لَهُمْ ذُرِّيَّةً ، فَقَالَ : مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ ، وَ مَنْ أَلْقَى سِلاَحَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، وَ كَذَلِكَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

فِيهِمْ : لاَ تَسْبُوا لَهُمْ ذُرِّيَّةً وَ لاَ تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ ، وَ لاَ تَتْبَعُوا مُدْبِراً وَ مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ .

وَ أَمَّا السَّيْفُ الْمَغْمُودُ فَالسَّيْفُ الَّذِي يُقَامُ بِهِ الْقِصَاصُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ » ...«وَ الْجُرُوحَ قِصٰاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّٰارَةٌ لَهُ » فَسَلُّهُ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ وَ حُكْمُهُ إِلَيْنَا، فَهَذِهِ السُّيُوفُ بَعَثَ اللَّهُ بِهَا نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَمَنْ جَحَدَهَا أَوْ جَحَدَ وَاحِداً مِنْهَا أَوْ شَيْئاً مِنْ سِيرَتِهَا وَ أَحْكَامِهَا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .

ص: 321

كَانَتَا تُؤْذِيَانِهَا وَ تَشْتِمَانِهَا وَ تَقُولاَنِ لَهَا يَا بِنْتَ اَلْيَهُودِيَّةِ ، فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

فَقَالَ لَهَا: أَ لاَ تُجِيبِنَّهُمَا فَقَالَتْ بِمَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُولِي أَبِي هَارُونُ

نَبِيُّ اللَّهِ وَ عَمِّي مُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ وَ زَوْجِي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَمَا تُنْكِرَانِ مِنِّي فَقَالَتْ لَهُمَا فَقَالَتَا هَذَا عَلَّمَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ » إِلَى قَوْلِهِ «وَ لاٰ تَنٰابَزُوا بِالْأَلْقٰابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمٰانِ » .

و قوله:«يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ إِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثىٰ وَ جَعَلْنٰاكُمْ شُعُوباً وَ قَبٰائِلَ لِتَعٰارَفُوا» قال الشعوب العجم و القبائل العرب و قوله «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ » و هو رد على من يفتخر بالأحساب و الأنساب

وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ :

يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ بِالْإِسْلاَمِ نَخْوَةَ اَلْجَاهِلِيَّةِ

وَ تَفَاخُرَهَا بِآبَائِهَا إِنَّ الْعَرَبِيَّةَ لَيْسَتْ بِأَبٍ وَ وَالِدَةٍ وَ إِنَّمَا هُوَ لِسَانٌ نَاطِقٌ ، فَمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ فَهُوَ عَرَبِيٌّ ، أَلاَ إِنَّكُمْ مِنْ آدَمَ وَ آدَمُ مِنْ تُرَابٍ وَ أَكْرَمُكُمْ «عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ » . قوله «قٰالَتِ اَلْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا» أي استسلمتم بالسيف «وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ » و قوله «لاٰ يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمٰالِكُمْ شَيْئاً» أي لا ينقصكم قوله «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتٰابُوا» أي لم يشكوا «وَ جٰاهَدُوا بِأَمْوٰالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ » ، الآية قال نزلت في أمير المؤمنين عليه السّلام

و قوله «قُلْ أَ تُعَلِّمُونَ اللّٰهَ بِدِينِكُمْ » أي أ تعلمون الله دينكم

وَ قَوْلُهُ «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا» نَزَلَتْ فِي عَثْكَنَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَ هُوَ يَحْفِرُ الْخَنْدَقَ وَ قَدِ ارْتَفَعَ الْغُبَارُ مِنَ الْحَفْرِ فَوَضَعَ كُمَّهُ عَلَى أَنْفِهِ وَ مَرَّ، فَقَالَ عَمَّارٌ:

لاَ يَسْتَوِي مَنْ يَبْنِي الْمَسَاجِدَ *** فَيُصَلِّي فِيهَا رَاكِعاً وَ سَاجِداً

كَمَنْ يَمُرُّ بِالْغُبَارِ حَائِداً *** يُعْرِضُ عَنْهُ جَاحِداً مُعَانِداً

، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ عَثْكَنُ فَقَالَ : يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ إِيَّايَ تَعْنِي، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لَهُ لَمْ نَدْخُلْ مَعَكَ لِتُسَبَّ أَعْرَاضُنَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 322

«يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لاٰ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلاٰمَكُمْ بَلِ اللّٰهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدٰاكُمْ لِلْإِيمٰانِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ »

أَيْ لَسْتُمْ صَادِقِينَ «إِنَّ اللّٰهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللّٰهُ بَصِيرٌ بِمٰا تَعْمَلُونَ » .

50- سورة ق مكية آياتها خمس و أربعون 45

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ ق وَ اَلْقُرْآنِ الْمَجِيدِ» قال:«ق» جبل محيط بالدنيا من وراء يأجوج و مأجوج و هو قسم «بَلْ عَجِبُوا» يعني قريشا «أَنْ جٰاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ » يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «فَقٰالَ اَلْكٰافِرُونَ هٰذٰا شَيْ ءٌ عَجِيبٌ أَ إِذٰا مِتْنٰا وَ كُنّٰا تُرٰاباً ذٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ» قال نزلت في أبي بن خلف، قال لأبي جهل تعال إلي لأعجبك من محمد، ثم أخذ عظما ففته ثم قال يزعم محمد أن هذا يحيا فقال الله:

«بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمّٰا جٰاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ » يعني مختلفا، ثم احتج عليهم و ضرب للبعث و النشور مثلا فقال «أَ فَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمٰاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنٰاهٰا وَ زَيَّنّٰاهٰا وَ مٰا لَهٰا مِنْ فُرُوجٍ وَ الْأَرْضَ مَدَدْنٰاهٰا وَ أَلْقَيْنٰا فِيهٰا رَوٰاسِيَ وَ أَنْبَتْنٰا فِيهٰا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ » أي حسن «فَأَنْبَتْنٰا بِهِ جَنّٰاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ» قال كل حب يحصد «وَ النَّخْلَ بٰاسِقٰاتٍ » أي مرتفعات «لَهٰا طَلْعٌ نَضِيدٌ» يعني بعضه على بعض «رِزْقاً لِلْعِبٰادِ وَ أَحْيَيْنٰا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذٰلِكَ الْخُرُوجُ » جوابا لقولهم:«أَ إِذٰا مِتْنٰا وَ كُنّٰا تُرٰاباً ذٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ» ، فقال الله: كما أن الماء أنزلناه من السماء فيخرج النبات من الأرض كذلك أنتم تخرجون من الأرض.

ص: 323

قال حبل العنق قوله «وَ أَصْحٰابُ الْأَيْكَةِ » قال أصحاب الغيظة(1)

«وَ جٰاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ » قال نزلت و جاءت سكرة الحق بالموت «ذٰلِكَ مٰا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ» قال نزلت في زريق

و قوله «وَ جٰاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهٰا سٰائِقٌ وَ شَهِيدٌ» يشهد عليها قال سائق يسوقها قوله «وَ قٰالَ قَرِينُهُ » أي شيطانه و هو حبتر

«هٰذٰا مٰا لَدَيَّ عَتِيدٌ» و قوله «أَلْقِيٰا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّٰارٍ عَنِيدٍ» مخاطبة للنبي صلّى اللّه عليه و آله

و علي عليه السّلام

وَ ذَلِكَ قَوْلُ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : عَلِيٌّ قَسِيمُ اَلْجَنَّةِ وَ اَلنَّارِ.

حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِيُّ [الْحَسَنِيُّ ] قَالَ حَدَّثَنَا فُرَاتُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَسَّانَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

فِي قَوْلِهِ «أَلْقِيٰا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّٰارٍ عَنِيدٍ» قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِذَا جَمَعَ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ كُنْتُ أَنَا وَ أَنْتَ يَوْمَئِذٍ عَنْ يَمِينِ اَلْعَرْشِ ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لِي وَ لَكَ قُومَا فَأَلْقِيَا مَنْ أَبْغَضَكُمَا وَ كَذَّبَكُمَا فِي اَلنَّارِ(2).

قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْخَزَّازِ [الْجَزَّارِ] عَنِ اِبْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْوَسِيلَةَ فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَنِ الْوَسِيلَةِ ، فَقَالَ هِيَ دَرَجَتِي فِي اَلْجَنَّةِ وَ هِيَ أَلْفُ مِرْقَاةِ جَوْهَرَةٍ إِلَى مِرْقَاةِ زَبَرْجَدٍ إِلَى مِرْقَاةِ لُؤْلُؤٍ إِلَى مِرْقَاةِ ذَهَبٍ إِلَى مِرْقَاةِ فِضَّةٍ ، فَيُؤْتَى بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى تُنْصَبَ مَعَ دَرَجَةِ النَّبِيِّينَ وَ هِيَ فِي دَرَجَةِ النَّبِيِّينَ كَالْقَمَرِ بَيْنَ الْكَوَاكِبِ ، فَلاَ يَبْقَى يَوْمَئِذٍ نَبِيٌّ وَ لاَ شَهِيدٌ وَ لاَ صِدِّيقٌ إِلاَّ قَالَ طُوبَى

ص: 324


1- مجتمع الشجر في مغيض الماء.
2- كذا ورد في مسند أحمد بن حنبل فراجع. ج. ز.

لِمَنْ كَانَتْ هَذِهِ دَرَجَتَهُ ، فَيُنَادِي الْمُنَادِي وَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ جَمِيعُ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدَاءِ وَ الْمُؤْمِنِينَ «هَذِهِ دَرَجَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ » فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَأَقْبَلَ يَوْمَئِذٍ مُتَّزِراً بِرِيطَةٍ مِنْ نُورٍ عَلَى رَأْسِي تَاجُ الْمُلْكِ ، مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ

رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ الْمُفْلِحُونَ هُمُ الْفَائِزُونَ بِاللَّهِ ، وَ إِذَا مَرَرْنَا بِالنَّبِيِّينَ قَالُوا:

هَذَانِ مَلَكَانِ مُقَرَّبَانِ وَ إِذَا مَرَرْنَا بِالْمَلاَئِكَةِ قَالُوا هَذَانِ مَلَكَانِ لَمْ نَعْرِفْهُمَا وَ لَمْ نَرَهُمَا أَوْ قَالَ هَذَانِ نَبِيَّانِ مُرْسَلاَنِ حَتَّى أَعْلُوَ الدَّرَجَةَ وَ عَلِيٌّ يَتْبَعُنِي، حَتَّى إِذَا صِرْتُ فِي أَعْلَى الدَّرَجَةِ مِنْهَا وَ عَلِيٌّ أَسْفَلَ مِنِّي وَ بِيَدِهِ لِوَائِي فَلاَ يَبْقَى يَوْمَئِذٍ نَبِيٌّ وَ لاَ مُؤْمِنٌ إِلاَّ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ إِلَيَّ يَقُولُونَ : طُوبَى لِهَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ مَا أَكْرَمَهُمَا عَلَى اللَّهِ فَيُنَادِي الْمُنَادِي يُسْمِعُ النَّبِيِّينَ وَ جَمِيعَ الْخَلاَئِقِ : هَذَا حَبِيبِي مُحَمَّدٌ وَ هَذَا وَلِيِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ

طُوبَى لِمَنْ أَحَبَّهُ وَ وَيْلٌ لِمَنْ أَبْغَضَهُ وَ كَذَبَ عَلَيْهِ .

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : يَا عَلِيُّ فَلاَ يَبْقَى يَوْمَئِذٍ فِي مَشْهَدِ الْقِيَامَةِ أَحَدٌ يُحِبُّكَ إِلاَّ اسْتَرْوَحَ (1) إِلَى هَذَا الْكَلاَمِ وَ ابْيَضَّ وَجْهُهُ وَ فَرِحَ قَلْبُهُ وَ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ عَادَاكَ وَ نَصَبَ لَكَ حَرْباً أَوْ جَحَدَ لَكَ حَقّاً إِلاَّ اسْوَدَّ وَجْهُهُ وَ اضْطَرَبَتْ قَدَمَاهُ ، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذَا بِمَلَكَيْنِ قَدْ أَقْبَلاَ إِلَيَّ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَرِضْوَانُ خَازِنُ اَلْجَنَّةِ ، وَ أَمَّا الْآخَرُ فَمَالِكٌ خَازِنُ اَلنَّارِ فَيَدْنُو إِلَيَّ رِضْوَانُ وَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ وَ يَقُولُ : السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَأَرُدُّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ فَأَقُولُ : أَيُّهَا الْمَلَكُ الطَّيِّبُ الرِّيحُ الْحَسَنُ الْوَجْهُ الْكَرِيمُ عَلَى رَبِّهِ مَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ : أَنَا رِضْوَانُ خَازِنُ اَلْجَنَّةِ أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ آتِيَكَ بِمَفَاتِيحِ اَلْجَنَّةِ فَخُذْهَا يَا مُحَمَّدُ! فَأَقُولُ قَدْ قَبِلْتُ ذَلِكَ مِنْ رَبِّي فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيَّ ، ادْفَعْهَا إِلَى أَخِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، فَيَدْفَعُهَا إِلَى عَلِيٍّ

وَ يَرْجِعُ رِضْوَانُ .

ص: 325


1- أَيْ وَجَدَ الرَّاحَةَ وَ اللَّذَّةَ . ج. ز.

ثُمَّ يَدْنُو مَالِكٌ خَازِنُ اَلنَّارِ فَيُسَلِّمُ عَلَيَّ وَ يَقُولُ : السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا حَبِيبَ اللَّهِ ! فَأَقُولُ لَهُ : عَلَيْكَ السَّلاَمُ أَيُّهَا الْمَلَكُ مَا أَنْكَرَ رُؤْيَتَكَ وَ أَقْبَحَ وَجْهَكَ مَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ : أَنَا مَالِكٌ خَازِنُ اَلنَّارِ أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ آتِيَكَ بِمَفَاتِيحِ اَلنَّارِ، فَأَقُولُ : قَدْ قَبِلْتُ ذَلِكَ مِنْ رَبِّي فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيَّ وَ فَضَّلَنِي بِهِ ادْفَعْهَا إِلَى أَخِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، فَيَدْفَعُهَا إِلَيْهِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ مَالِكٌ فَيُقْبِلُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ مَعَهُ مَفَاتِيحُ اَلْجَنَّةِ

وَ مَقَالِيدُ اَلنَّارِ حَتَّى يَقِفَ عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ وَ يَأْخُذَ زِمَامَهَا بِيَدِهِ وَ قَدْ عَلاَ زَفِيرُهَا وَ اشْتَدَّ حَرُّهَا وَ كَثُرَ شَرَرُهَا، فَتُنَادِي جَهَنَّمُ يَا عَلِيُّ ! جُزْنِي قَدْ أَطْفَأَ نُورُكَ لَهَبِي، فَيَقُولُ لَهَا عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قِرِّي يَا جَهَنَّمُ ذَرِي هَذَا وَلِيِّي وَ خُذِي هَذَا عَدُوِّي، فَلَجَهَنَّمُ يَوْمَئِذٍ أَشَدُّ مُطَاوَعَةً لِعَلِيٍّ مِنْ غُلاَمِ أَحَدِكُمْ لِصَاحِبِهِ ، فَإِنْ شَاءَ يَذْهَبُ بِهِ يَمْنَةً وَ إِنْ شَاءَ يَذْهَبُ بِهِ يَسْرَةً ، وَ لَجَهَنَّمُ يَوْمَئِذٍ أَشَدُّ مُطَاوَعَةً لِعَلِيٍّ فِيمَا يَأْمُرُهَا بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْخَلاَئِقِ ، وَ ذَلِكَ أَنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَوْمَئِذٍ قَسِيمُ اَلْجَنَّةِ وَ اَلنَّارِ.

و أما قوله «مَنّٰاعٍ لِلْخَيْرِ» قال المناع الثاني و الخير ولاية أمير المؤمنين و حقوق آل محمد و لما كتب الأول كتاب فدك

يردها على فاطمة شقه الثاني فهو «مُعْتَدٍ مُرِيبٍ اَلَّذِي جَعَلَ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ» قال هو ما قالوا نحن كافرون بمن جعل لكم الإمامة و الخمس و أما قوله «قٰالَ قَرِينُهُ » أي شيطانه و هو حبتر «رَبَّنٰا مٰا أَطْغَيْتُهُ » يعني زريقا «وَ لٰكِنْ كٰانَ فِي ضَلاٰلٍ بَعِيدٍ»

فيقول الله لهما «لاٰ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ مٰا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ »

أي ما فعلتم لا يبدل حسنات، ما وعدته لا أخلفه و قوله «يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ» قال هو استفهام لأن الله وعد النار أن يملأها فتمتلئ النار فيقول لها هل امتلأت و تقول هل من مزيد على حد الاستفهام أي ليس في مزيد، قال فتقول الجنة يا رب وعدت النار أن تملأها و وعدتني أن تملأني فلم لم تملأني و قد ملأت النار، قال فيخلق الله خلقا يومئذ يملأ بهم الجنة

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : طُوبَى لَهُمْ إِنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا غُمُومَ الدُّنْيَا وَ هُمُومَهَا.

ص: 326

«وَ أُزْلِفَتِ اَلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ » أي زينت «غَيْرَ بَعِيدٍ» قال بسرعة و قوله «لَهُمْ مٰا يَشٰاؤُنَ فِيهٰا وَ لَدَيْنٰا مَزِيدٌ» قال النظر إلى رحمة الله و قوله «فَنَقَّبُوا فِي الْبِلاٰدِ»

أي مروا و قوله «إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَذِكْرىٰ لِمَنْ كٰانَ لَهُ قَلْبٌ » أي ذاكر قوله «أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ» أي سمع و أطاع

قوله «وَ اسْتَمِعْ يَوْمَ يُنٰادِ الْمُنٰادِ مِنْ مَكٰانٍ قَرِيبٍ »

قال ينادي المناد باسم القائم عليه السّلام و اسم أبيه عليه السّلام قوله «يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ » قال صيحة القائم من السماء،«ذٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ » قال هي الرجعة

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ » قَالَ هِيَ اَلرَّجْعَةُ .

قال علي بن إبراهيم في قوله «يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرٰاعاً» قال في الرجعة

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ : سَأَلْتُ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ أَدْبٰارَ السُّجُودِ» قَالَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ .، و قال علي بن إبراهيم في قوله «فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخٰافُ وَعِيدِ» قال ذكر يا محمد ما وعدناه من العذاب.

51- سورة الذاريات مكية آياتها ستون 60

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ الذّٰارِيٰاتِ ذَرْواً»

قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ

عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ الذّٰارِيٰاتِ ذَرْواً» فَقَالَ : إِنَّ اِبْنَ الْكَوَّاءِ سَأَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنِ «اَلذّٰارِيٰاتِ ذَرْواً» قَالَ الرِّيحُ وَ عَنْ «فَالْحٰامِلاٰتِ وِقْراً»

فَقَالَ هِيَ السَّحَابُ وَ عَنْ «فَالْجٰارِيٰاتِ يُسْراً» قَالَ هِيَ السُّفُنُ وَ عَنْ «فَالْمُقَسِّمٰاتِ أَمْراً» فَقَالَ الْمَلاَئِكَةُ . و هو قسم كله و خبره «إِنَّمٰا تُوعَدُونَ لَصٰادِقٌ وَ إِنَّ الدِّينَ لَوٰاقِعٌ » يعني

ص: 327

المجازاة و المكافاة و أما قوله «وَ السَّمٰاءِ ذٰاتِ الْحُبُكِ »

قَالَ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ : قَالَ قُلْتُ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «وَ السَّمٰاءِ ذٰاتِ الْحُبُكِ » ، فَقَالَ هِيَ : مَحْبُوكَةٌ (1) إِلَى الْأَرْضِ وَ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ .

ص: 328


1- مَعْنَى الْحُبُكِ لُغَةً شَدُّ شَيْ ءٍ بِشَيْ ءٍ وَ مِنْهُ «اَلْحُبْكَةُ » وَ هِيَ مَا يُشَدُّ بِهِ الْوَسَطُ ، وَ «اَلْحِبَاكُ » وَ هِيَ الْحَظِيرَةُ الَّتِي تَشُدُّ بِقَصَبَاتٍ ، فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ كَمَا بَيَّنَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّ الْعَرْشَ وَ مَا بَعْدَهُ مِنَ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَرْضِنَا هَذِهِ كُلَّهُ مَشْدُودٌ بِالْقُوَّةِ الْجَاذِبَةِ ، بِحَيْثُ لَوْلاَهَا لَتَصَادَمَتِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرَضُونَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ وَ هَذِهِ الْقُوَّةُ كَالْأُسْطُوَانَةِ لَكِنَّنَا لاَ نَرَاهَا كَمَا قَالَ عَزَّ اسْمُهُ : وَ رَفَعَ السَّمَاءَ «بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهٰا». وَ قَبْلَ مُدَّةٍ ، كَانَ مِنْ مَذْهَبِ الْفَلاَسِفَةِ خِلْوُ الْجَوِّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ وُجُودِيٍّ وَ عَبَّرُوهُ بِ «اَلْخَلاَءِ» وَ لَكِنْ لَمَّا حَانَ عَصْرُ الصَّارُوخِ أَبْطَلَتْ هَذِهِ الْفِكْرَةُ عَمَلِيّاً، لِأَنَّ صُعُودَ الصَّارُوخِ لاَ يُمْكِنُ بِدُونِ شَيْ ءٍ مَوْجُودٍ فِي الْجَوِّ إِذْ هُوَ يَرْمِي مَادَّةً نَارِيَّةً إِلَى تَحْتِهِ وَ مِنْ أَجْلِ اصْطِكَاكِهَا بِالْفَضَاءِ تُوجَدُ اهْتِزَازَاتٌ فِي الصَّارُوخِ فَتَتَصَاعَدُ إِلَى فَوْقُ وَ هَذَا دَلِيلٌ عَمَلِيٌّ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ اتِّصَالاَتٍ مَادِّيَّةً مِنْ كُلِّ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَ لاَ وُجُودَ لِلْخَلاَءِ الْمَحْضِ كَمَا فَرَضُوهُ سَابِقاً فَهُوَ مِمَّا نَطَقَ بِهِ الْإِمَامُ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَبْلَ الاِسْتِكْشَافَاتِ الْجَدِيدَةِ بِأَلْفِ عَامٍ أَوْ أَزْيَدَ بِقَوْلِهِ «فَهِيَ مَحْبُوكَةٌ إِلَى الْأَرْضِ » ثُمَّ لِمَزِيدِ إِيضَاحِ هَذَا الْمَعْنَى شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَمَا فِي الْخَبَرِ. ج. ز.

وَضَعَ الْيُمْنَى عَلَيْهَا فَقَالَ : هَذِهِ أَرْضُ الدُّنْيَا وَ السَّمَاءُ الدُّنْيَا عَلَيْهَا فَوْقَهَا قُبَّةٌ وَ الْأَرْضُ الثَّانِيَةُ فَوْقَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَ السَّمَاءُ الثَّانِيَةُ فَوْقَهَا قُبَّةٌ وَ الْأَرْضُ الثَّالِثَةُ فَوْقَ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ وَ السَّمَاءُ الثَّالِثَةُ فَوْقَهَا قُبَّةٌ وَ الْأَرْضُ الرَّابِعَةُ فَوْقَ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ وَ السَّمَاءُ الرَّابِعَةُ فَوْقَهَا قُبَّةٌ وَ الْأَرْضُ الْخَامِسَةُ فَوْقَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَ السَّمَاءُ الْخَامِسَةُ فَوْقَهَا قُبَّةٌ وَ الْأَرْضُ السَّادِسَةُ فَوْقَ السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ وَ السَّمَاءُ السَّادِسَةُ فَوْقَهَا قُبَّةٌ وَ الْأَرْضُ السَّابِعَةُ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّادِسَةِ وَ السَّمَاءُ السَّابِعَةُ فَوْقَهَا قُبَّةٌ وَ عَرْشُ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ اللَّهُ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ «اَلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ طِبٰاقاً» «وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ » .

فَأَمَّا صَاحِبُ الْأَمْرِ فَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ الْوَصِيُّ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

قَائِمٌ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَإِنَّمَا يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ إِلَيْهِ مِنْ فَوْقِ السَّمَاءِ مِنْ بَيْنِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ قُلْتُ : فَمَا تَحْتَنَا إِلاَّ أَرْضٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ : مَا تَحْتَنَا إِلاَّ أَرْضٌ وَاحِدَةٌ وَ إِنَّ السِّتَّ لَهُنَّ فَوْقَنَا .

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «إِنَّمٰا تُوعَدُونَ لَصٰادِقٌ » يَعْنِي فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «وَ إِنَّ الدِّينَ لَوٰاقِعٌ »

يَعْنِي عَلِيّاً وَ عَلِيٌّ هُوَ الدِّينُ وَ قَوْلُهُ «وَ السَّمٰاءِ ذٰاتِ الْحُبُكِ » قَالَ : السَّمَاءُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

وَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ذَاتُ الْحُبُكِ وَ قَوْلُهُ «إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ » يَعْنِي مُخْتَلِفٍ فِي عَلِيٍّ يَعْنِي اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ فِي وَلاَيَتِهِ فَمَنِ اسْتَقَامَ عَلَى وَلاَيَةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ دَخَلَ اَلْجَنَّةَ

وَ مَنْ خَالَفَ وَلاَيَةَ عَلِيٍّ دَخَلَ اَلنَّارَ وَ قَوْلُهُ «يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ » فَإِنَّهُ يَعْنِي عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ

مَنْ أُفِكَ عَنْ وَلاَيَتِهِ أُفِكَ عَنِ اَلْجَنَّةِ .،

و قال علي بن إبراهيم في قوله:

«قُتِلَ الْخَرّٰاصُونَ » الذين يخرصون الدين بآرائهم من غير علم و لا يقين «اَلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سٰاهُونَ » أي في ضلال، و الساهي الذي لا يذكر الله و قوله «يَسْئَلُونَ »

ص: 329

يا محمد «أَيّٰانَ يَوْمُ الدِّينِ » أي متى تكون المجازاة قال الله «يَوْمَ هُمْ عَلَى اَلنّٰارِ

يُفْتَنُونَ » أي يعذبون «ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ » أي عذابكم «هٰذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ » .

ثم ذكر المتقين «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّٰاتٍ وَ عُيُونٍ آخِذِينَ مٰا آتٰاهُمْ رَبُّهُمْ » إلى قوله «مٰا يَهْجَعُونَ » أي ما ينامون «وَ بِالْأَسْحٰارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ » قال السائل الذي يسأل و المحروم الذي قد منع كده قوله «وَ فِي الْأَرْضِ آيٰاتٌ لِلْمُوقِنِينَ » قال في كل شيء خلقه الله آية قال الشاعر:

و في كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد.

و قوله «وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلاٰ تُبْصِرُونَ » قال خلقك سميعا بصيرا تغضب مرة و ترضى مرة و تجوع و تشبع و ذلك كله من آيات الله و قوله «وَ فِي السَّمٰاءِ رِزْقُكُمْ وَ مٰا تُوعَدُونَ » قال المطر ينزل من السماء فيخرج به أقوات العالم من الأرض، «وَ مٰا تُوعَدُونَ » من أخبار الرجعة و القيامة و الأخبار التي في السماء، ثم أقسم عز و جل بنفسه فقال:«فَوَ رَبِّ السَّمٰاءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مٰا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ »

يعني ما وعدتكم.

ثم حكى الله عز و جل خبر إبراهيم عليه السّلام و قد كتبناه في سورة هود و قوله «فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ » أي في جماعة «فَصَكَّتْ وَجْهَهٰا» أي غطته بما بشرها جبرئيل عليه السّلام بإسحاق عليه السّلام «وَ قٰالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ » و هي التي لا تلد

و قوله «وَ فِي عٰادٍ إِذْ أَرْسَلْنٰا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ » و هي التي لا تلقح الشجر و لا تنبت النبات و قوله «وَ فِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتّٰى حِينٍ » قال قال: الحين هاهنا ثلاثة أيام و قوله «وَ السَّمٰاءَ بَنَيْنٰاهٰا بِأَيْدٍ» قال بقوة و قوله:«فَفِرُّوا إِلَى اللّٰهِ » قال حجوا و قوله:

«كَذٰلِكَ مٰا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّٰ قٰالُوا سٰاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَ تَوٰاصَوْا بِهِ » يعني قريشا بأسمائهم حتى قالوا لرسول الله ساحر أو مجنون

ص: 330

على رسوله «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ » يا محمد «فَمٰا أَنْتَ بِمَلُومٍ » ثم بدا لله في ذلك فأنزل عليه «وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ » و هذا رد على من أنكر أن لله البداء و المشية و قوله «وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ » قال خلقهم للأمر و النهي و التكليف و ليست خلقتهم جبرا أن يعبدوه و لكن خلقتهم اختيارا ليختبرهم بالأمر و النهي و من يطيع و من يعصي و في حديث آخر قال: هي منسوخة بقوله «وَ لاٰ يَزٰالُونَ مُخْتَلِفِينَ » و قوله:«مٰا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ » و إني لم أخلقهم لحاجة بي إليهم قوله «فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا» آل محمد حقهم «ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحٰابِهِمْ فَلاٰ يَسْتَعْجِلُونِ » ثم قال «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ » .

52- سورة الطور مكية آياتها تسع و أربعون 49

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ اَلطُّورِوَ كِتٰابٍ مَسْطُورٍ» قال: الطور جبل بطور سينا «وَ كِتٰابٍ مَسْطُورٍ» أي مكتوب «فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَ اَلْبَيْتِ الْمَعْمُورِ»

قال: هو في السماء الرابعة و هو الضراح(1) يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه أبدا «وَ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ » قال: السماء «وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ»

قال: يسجر (2)يوم القيامة و هذا قسم كله و جوابه «إِنَّ عَذٰابَ رَبِّكَ لَوٰاقِعٌ مٰا لَهُ مِنْ دٰافِعٍ »

ص: 331


1- و في الحديث أن الله أمر ملكا من الملائكة أن يجعل له بيتا في السماء يسمى «الضراح» و هو بالضم، قيل البيت المعمور في السماء الرابعة من المضارحة و هي المقابلة، و من رواها بالصاد فقد صحف. مجمع.
2- سجرت التنور: حميته و إذا البحار سجرت أي يقذف بالكواكب فيها ثم تضرم فتصير نارا لتعذيب الفجار. ج. ز.

و قوله:«يَوْمَ تَمُورُ السَّمٰاءُ مَوْراً» تنفس «وَ تَسِيرُ الْجِبٰالُ سَيْراً» أي تسير مثل الريح إلى قوله «فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ » قال: يخوضون في المعاصي

و قوله «يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلىٰ نٰارِ جَهَنَّمَ دَعًّا» قال: يدفعون في النار

وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

لَمَّا مَرَّ بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَ هُمَا فِي حَائِطٍ يَشْرَبَانِ وَ يُغَنِّيَانِ بِهَذَا الْبَيْتِ فِي حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ قُتِلَ .

كَمْ مِنْ حَوَارِيَّ تَلُوحُ عِظَامُهُ *** وَرَاءَ الْحَرْبِ أَنْ يُجَرَّ فَيُقْبَرَا.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اللَّهُمَّ الْعَنْهُمَا وَ ارْكُسْهُمَا فِي الْفِتْنَةِ رَكْساً وَ دُعَّهُمَا فِي اَلنَّارِ

دَعّاً. قوله:«اِصْلَوْهٰا فَاصْبِرُوا أَوْ لاٰ تَصْبِرُوا» أي اجترءوا أو لا تجترءوا لأن أحدا لا يصبر على النار و الدليل على ذلك «فَمٰا أَصْبَرَهُمْ عَلَى اَلنّٰارِ» يعني ما أجرأهم و قوله:

«وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمٰانٍ أَلْحَقْنٰا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ »

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِنَّ أَطْفَالَ شِيعَتِنَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ تُرَبِّيهِمْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ . و قوله:«أَلْحَقْنٰا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ » قال: يهدون إلى آبائهم يوم القيامة

حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمٰانٍ أَلْحَقْنٰا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ » قَالَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالنَّبِيِّ وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ

وَ الذُّرِّيَّةُ اَلْأَئِمَّةُ وَ الْأَوْصِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ لَمْ نَنْقُصْ ذُرِّيَّتَهُمْ مِنَ الْحُجَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي عَلِيٍّ وَ حُجَّتُهُمْ وَاحِدَةٌ وَ طَاعَتُهُمْ وَاحِدَةٌ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ مٰا أَلَتْنٰاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ» أي ما أنقصناهم

و قوله:«لاٰ لَغْوٌ فِيهٰا وَ لاٰ تَأْثِيمٌ » قال: ليس في الجنة غناء و لا فحش و يشرب المؤمن و لا يأثم ثم حكى الله عز و جل قول أهل الجنة فقال:«وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ يَتَسٰاءَلُونَ » قال في الجنة «قٰالُوا إِنّٰا كُنّٰا قَبْلُ فِي أَهْلِنٰا مُشْفِقِينَ »

أي خائفين من العذاب «فَمَنَّ اللّٰهُ عَلَيْنٰا وَ وَقٰانٰا عَذٰابَ السَّمُومِ » قال: السموم الحر

ص: 332

الشديد و قوله يحكي قول قريش «أَمْ يَقُولُونَ شٰاعِرٌ» يعنون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

«نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ » فقال الله «قُلْ » لهم يا محمد «تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاٰمُهُمْ بِهٰذٰا» قال لم يكن في الدنيا أحلم من قريش، ثم عطف على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:«أَمْ يَقُولُونَ » يا محمد «تَقَوَّلَهُ »

يعني أمير المؤمنين عليه السّلام(1) «بَلْ لاٰ يُؤْمِنُونَ » إنه لم يتقوله و لم يقمه برأيه ثم قال:«فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ » أي برجل مثله من عند الله «إِنْ كٰانُوا صٰادِقِينَ »

و قوله:«أَمْ لَهُ الْبَنٰاتُ وَ لَكُمُ الْبَنُونَ » قال: هو ما قالت قريش إن الملائكة بنات الله ثم قال:«أَمْ تَسْئَلُهُمْ » يا محمد «أَجْراً» فيما أتيتهم به «فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ »

أي يقع عليهم الغرم الثقيل

و قوله «وَ إِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا» آل محمد حقهم «عَذٰاباً دُونَ ذٰلِكَ » قال عذاب الرجعة بالسيف و قوله «وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنٰا»

أي بحفظنا و حرزنا و نعمتنا «وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ » قال صلاة الليل «فَسَبِّحْهُ » قال قبل صلاة الليل «وَ إِدْبٰارَ النُّجُومِ »

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ اِبْنِ أَبِي نَصْرٍ [بَصِيرٍ] عَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِدْبَارَ السُّجُودِ قَالَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَ إِدْبَارَ النُّجُومِ رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ .

53- سورة النجم مكية آياتها اثنتان و ستون 62

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ النَّجْمِ إِذٰا هَوىٰ » قال: النجم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

«إِذٰا هَوىٰ » (2) لما أسري به إلى السماء و هو في الهواء و هذا رد على من أنكر

ص: 333


1- يعني أقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليا عليه السّلام خليفة له برأيه.
2- هوى الجبل: صعده و ارتفع فهو من لغات الأضداد و قيل «الهوي» بفتح الهاء للارتفاع و «الهوي» بضم الهاء للانحدار. ج. ز.

المعراج و هو قسم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو فضل له على الأنبياء و جواب القسم «مٰا ضَلَّ صٰاحِبُكُمْ وَ مٰا غَوىٰ وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ » أي لا يتكلم بالهوى «إِنْ هُوَ»

يعني القرآن «إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوىٰ » يعني الله عز و جل «ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوىٰ » يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

قَالَ : وَ حَدَّثَنِي يَاسِرٌ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ

قَالَ : مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً إِلاَّ صَاحِبَ مِرَّةٍ سَوْدَاءَ صَافِيَةٍ . و قوله «وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلىٰ »

يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «ثُمَّ دَنٰا» يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من ربه عز و جل «فَتَدَلّٰى» قال إنما نزلت هذه ثم دنا فتدانى «فَكٰانَ قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ » قال كان من الله كما بين مقبض القوس إلى رأس السية(1) «أَوْ أَدْنىٰ » أي من نعمته و رحمته قال بل أدنى من ذلك «فَأَوْحىٰ إِلىٰ عَبْدِهِ مٰا أَوْحىٰ » قال وحي مشافهة.

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «مٰا ضَلَّ صٰاحِبُكُمْ وَ مٰا غَوىٰ » يَقُولُ مَا ضَلَّ فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

وَ مَا غَوَى. «وَ مٰا يَنْطِقُ » فيه «عَنِ الْهَوىٰ » ، و ما كان ما قال فيه إلا بالوحي الذي أوحي إليه ثم قال:«عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوىٰ » ثم أذن له فوفد إلى السماء فقال «ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوىٰ وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلىٰ ثُمَّ دَنٰا فَتَدَلّٰى» [فتدانى]«فَكٰانَ قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ » كان بين لفظه و بين سماع محمد كما بين وتر القوس و عودها «فَأَوْحىٰ إِلىٰ عَبْدِهِ مٰا أَوْحىٰ »

ص: 334


1- سية القوس: ما عطف من طرفيها. ج. ز.

لَهُمْ هَذَا وَلِيُّكُمْ مِنْ بَعْدِي وَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ السَّفِينَةِ يَوْمَ الْغَرَقِ مَنْ دَخَلَ فِيهَا نَجَا وَ مَنْ خَرَجَ مِنْهَا غَرِقَ . ثم قال «وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرىٰ » يقول: رأيت الوحي مرة أخرى «عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهىٰ » التي يتحدث تحتها الشيعة في الجنان ثم قال الله قل لهم:

«إِذْ يَغْشَى اَلسِّدْرَةَ مٰا يَغْشىٰ » يقول: إذ يغشى السدرة ما يغشى من حجب النور و «مٰا زٰاغَ الْبَصَرُ» يقول: ما عمي البصر عن تلك الحجب «وَ مٰا طَغىٰ » يقول: و ما طغى القلب بزيادة فيما أوحي إليه و لا نقصان «لَقَدْ رَأىٰ مِنْ آيٰاتِ رَبِّهِ الْكُبْرىٰ »

يقول: لقد سمع كلاما لو لا أنه قوي ما قوي.

و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرىٰ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهىٰ »

قال في السماء السابعة، و أما الرد على من أنكر خلق الجنة و النار فقوله «عِنْدَهٰا جَنَّةُ الْمَأْوىٰ » أي عند سدرة المنتهى فسدرة المنتهى في السماء السابعة و جنة المأوى

عندها

قَالَ : وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

يَا عَلِيُّ ! إِنَّ اللَّهَ أَشْهَدَكَ مَعِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ : أَمَّا أَوَّلُ ذَلِكَ فَلَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ قَالَ لِي جَبْرَئِيلُ أَيْنَ أَخُوكَ فَقُلْتُ خَلَّفْتُهُ وَرَائِي قَالَ ادْعُ اللَّهَ فَلْيَأْتِكَ بِهِ فَدَعَوْتُ اللَّهَ وَ إِذَا مِثَالُكَ مَعِي، وَ إِذِ الْمَلاَئِكَةُ وُقُوفٌ صُفُوفٌ ، فَقُلْتُ : يَا جَبْرَئِيلُ

ص: 335

(وَ الْخَامِسُ ) دَعَوْتُ اللَّهَ فِيكَ وَ أَعْطَانِي فِيكَ كُلَّ شَيْ ءٍ إِلاَّ النُّبُوَّةَ فَإِنَّهُ قَالَ خَصَّصْتُكَ يَا مُحَمَّدُ بِهَا وَ خَتَمْتُهَا بِكَ (وَ أَمَّا السَّادِسُ ) لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ جَمَعَ اللَّهُ لِيَ النَّبِيِّينَ فَصَلَّيْتُ بِهِمْ وَ مِثَالُكَ خَلْفِي [مَعِي] (السَّابِعُ ) هَلاَكُ اَلْأَحْزَابِ بِأَيْدِينَا.، فهذا رد على من أنكر المعراج.

و من الرد على من أنكر خلق الجنة و النار أيضا

مَا حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ رَفَعَهُ قَالَ : كَانَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ لاَ يَذْكُرُهَا أَحَدٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلاَّ أَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى أَيِسَ النَّاسُ مِنْهَا، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ عَلِيٍّ أَسَرَّ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْتَ أَوْلَى بِمَا تَرَى غَيْرَ أَنَّ نِسَاءَ قُرَيْشٍ تُحَدِّثُنِي عَنْهُ أَنَّهُ رَجُلٌ دَحْدَاحُ الْبَطْنِ طَوِيلُ الذِّرَاعَيْنِ ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ أَنْزَعُ عَظِيمُ الْعَيْنَيْنِ لِمَنْكِبَيْهِ مُشَاشاً كَمُشَاشِ الْبَعِيرِ ضَاحِكُ السِّنِّ لاَ مَالَ لَهُ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : يَا فَاطِمَةُ ! أَ مَا عَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ أَشْرَفَ عَلَى الدُّنْيَا فَاخْتَارَنِي عَلَى رِجَالِ الْعَالَمِينَ نَبِيّاً ثُمَّ اطَّلَعَ أُخْرَى فَاخْتَارَ عَلِيّاً عَلَى رِجَالِ الْعَالَمِينَ وَصِيّاً ثُمَّ اطَّلَعَ فَاخْتَارَكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا فَاطِمَةُ ! إِنَّهُ لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ وَجَدْتُ مَكْتُوباً عَلَى صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ » مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَيَّدْتُهُ بِوَزِيرِهِ وَ نَصَرْتُهُ بِوَزِيرِهِ » فَقُلْتُ لِجَبْرَئِيلَ وَ مَنْ وَزِيرِي فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَجَدْتُ مَكْتُوباً عَلَيْهَا «إِنِّي «أَنَا اللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ أَنَا» وَحْدِي مُحَمَّدٌ [حَبِيبِي] صَفْوَتِي مِنْ خَلْقِي أَيَّدْتُهُ بِوَزِيرِهِ وَ نَصَرْتُهُ بِوَزِيرِهِ » فَقُلْتُ لِجَبْرَئِيلَ وَ مَنْ وَزِيرِي قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ

ص: 336

عَلِيٍّ وَ مَا فِي اَلْجَنَّةِ قَصْرٌ وَ لاَ مَنْزِلٌ إِلاَّ وَ فِيهَا فَرْعٌ مِنْهَا أَعْلاَهَا أَسْفَاطُ (1) حُلَلٍ مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ يَكُونُ لِلْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ أَلْفُ أَلْفِ سَفَطٍ ، فِي كُلِّ سَفَطٍ مِائَةُ أَلْفِ حُلَّةٍ مَا فَوْقَهَا حُلَّةٌ تُشْبِهُ الْأُخْرَى عَلَى أَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وَ هُوَ ثِيَابُ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ وَسَطَهَا ظِلٌّ مَمْدُودٌ كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ذَلِكَ الظِّلِّ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ فَلاَ يَقْطَعُهُ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ «وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ» أَسْفَلُهَا ثِمَارُ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ وَ طَعَامُهُمْ مُتَذَلِّلٌ فِي بُيُوتِهِمْ يَكُونُ فِي الْقَضِيبِ مِنْهَا مِائَةُ لَوْنٍ مِنَ الْفَاكِهَةِ مِمَّا رَأَيْتُمْ فِي دَارِ الدُّنْيَا وَ مِمَّا لَمْ تَرَوْهُ وَ مَا سَمِعْتُمْ بِهِ وَ مَا لَمْ تَسْمَعُوا مِثْلَهَا، وَ كُلَّمَا يُجْتَنَى مِنْهَا شَيْ ءٌ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى «لاٰ مَقْطُوعَةٍ وَ لاٰ مَمْنُوعَةٍ » وَ يَجْرِي نَهَرٌ فِي أَصْلِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ يَنْفَجِرُ مِنْهَا الْأَنْهَارُ الْأَرْبَعَةُ ، نَهَرٌ «مِنْ مٰاءٍ غَيْرِ آسِنٍ » وَ نَهَرٌ «مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ » وَ نَهَرٌ «مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشّٰارِبِينَ » وَ نَهَرٌ «مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى» .

يَا فَاطِمَةُ إِنَّ اللَّهَ أَعْطَانِي فِي عَلِيٍّ سَبْعَ خِصَالٍ : هُوَ أَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ مَعِي، وَ أَوَّلُ مَنْ يَقِفُ مَعِي عَلَى اَلصِّرَاطِ فَيَقُولُ لِلنَّارِ خُذِي ذَا وَ ذَرِي ذَا، وَ أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِذَا كُسِيتُ ، وَ أَوَّلُ مَنْ يَقِفُ مَعِي عَلَى يَمِينِ اَلْعَرْشِ وَ أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ مَعِي بَابَ اَلْجَنَّةِ ، وَ أَوَّلُ مَنْ يَسْكُنُ مَعِي عِلِّيِّينَ ، وَ أَوَّلُ مَنْ يَشْرَبُ مَعِي مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ «خِتٰامُهُ مِسْكٌ وَ فِي ذٰلِكَ فَلْيَتَنٰافَسِ الْمُتَنٰافِسُونَ » .

ص: 337


1- جَمْعُ سَفَطٍ وَ هُوَ ظَرْفٌ يُعَبَّأُ فِيهِ الطِّيبُ وَ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَدَوَاتِ النِّسَاءِ. ج. ز.

الدِّينَ «وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ » ، وَ بِهِ يَفْتَحُ اللَّهُ الْفُتُوحَ وَ يُقَاتِلُ اَلْمُشْرِكِينَ عَلَى تَنْزِيلِ اَلْقُرْآنِ وَ الْمُنَافِقِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَ النَّكْثِ وَ الْفُسُوقِ عَلَى تَأْوِيلِهِ وَ يُخْرِجُ اللَّهُ مِنْ صُلْبِهِ ,2 سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ يُزَيِّنُ بِهِمَا عَرْشَهُ .

يَا فَاطِمَةُ مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً إِلاَّ جَعَلَ لَهُ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ صُلْبِهِ وَ جَعَلَ ذُرِّيَّتِي مِنْ صُلْبِ عَلِيٍّ ، وَ لَوْ لاَ عَلِيٌّ مَا كَانَتْ لِي ذُرِّيَّةٌ ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْتَارُ عَلَيْهِ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ عِنْدَ ذَلِكَ : وَ اللَّهِ مَا كَانَ لِفَاطِمَةَ كُفْؤٌ غَيْرُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

قوله:«إِذْ يَغْشَى اَلسِّدْرَةَ مٰا يَغْشىٰ » قال: لما رفع الحجاب بينه و بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله غشي نوره السدرة و قوله «مٰا زٰاغَ الْبَصَرُ وَ مٰا طَغىٰ » أي لم ينكر «لَقَدْ رَأىٰ مِنْ آيٰاتِ رَبِّهِ الْكُبْرىٰ » قال رأى جبرئيل على ساقه الدر مثل القطر على البقل له ستمائة جناح قد ملأ ما بين السماء و الأرض و قوله «أَ فَرَأَيْتُمُ اَللاّٰتَ وَ اَلْعُزّٰى» قال اللات رجل و العزى امرأة و قوله «وَ مَنٰاةَ الثّٰالِثَةَ الْأُخْرىٰ »

قال كان صنم بالمسلك [الشلل] خارج من الحرم على ستة أميال يسمى المناة

قوله «أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنْثىٰ » قال هو ما قالت قريش إن الملائكة هم بنات الرحمن فرد الله عليهم فقال «أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنْثىٰ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزىٰ » أي ناقصة ثم قال «إِنْ هِيَ » يعني اللات و العزى و مناة «إِلاّٰ أَسْمٰاءٌ سَمَّيْتُمُوهٰا أَنْتُمْ وَ آبٰاؤُكُمْ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ بِهٰا مِنْ سُلْطٰانٍ » أي من حجة

و قوله «اَلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبٰائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَوٰاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ » و هو ما يلم به العبد من ذنوب صغار بجهالة ثم يندم و يستغفر الله و يتوب فيغفر الله له و قوله:«وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهٰاتِكُمْ » أي مستقرين قوله:

«وَ إِبْرٰاهِيمَ الَّذِي وَفّٰى» قال وفى بما أمره الله من الأمر و النهي و ذبح ابنه قوله:

«وَ أَنَّ إِلىٰ رَبِّكَ الْمُنْتَهىٰ » قال إذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا و تكلموا فيما دون العرش و لا تكلموا فيما فوق العرش فإن قوما تكلموا فيما فوق العرش فتاهت عقولهم

ص: 338

حتى كان الرجل ينادى من بين يديه فيجيب من خلفه و ينادى من خلفه فيجيب من بين يديه و هذا رد على من وصف الله

و قوله «وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكىٰ » قال أبكى السماء بالمطر و أضحك الأرض بالنبات قال الشاعر:

كل يوم بأقحوان جديد *** تضحك الأرض من بكاء السماء.

قوله «مِنْ نُطْفَةٍ إِذٰا تُمْنىٰ » قال تتحول النطفة إلى الدم فتكون أولا دما ثم تصير النطفة و تكون في الدماغ في عرق يقال له الوريد و تمر في فقار الظهر فلا تزال تجوز فقرا فقرا حتى تصير في الحالبين(1) فتصير أبيض و أما نطفة المرأة فإنها تنزل من صدرها.

حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ عَنِ اَلنَّوْفَلِيِّ عَنِ اَلسَّكُونِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ قَالَ : قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ «وَ أَنَّهُ هُوَ أَغْنىٰ وَ أَقْنىٰ » قَالَ أَغْنَى كُلَّ إِنْسَانٍ بِمَعِيشَتِهِ وَ أَرْضَاهُ بِكَسْبِ يَدِهِ .، و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ أَنَّهُ هُوَ رَبُّ اَلشِّعْرىٰ » قال نجم في السماء يسمى الشعرى كانت قريش و قوم من العرب يعبدونه و هو نجم يطلع في آخر الليل و قوله:«وَ الْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوىٰ » قال المؤتفكة البصرة

و الدليل على ذلك

قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : يَا أَهْلَ اَلْبَصْرَةِ ، وَ يَا أَهْلَ الْمُؤْتَفِكَةِ يَا جُنْدَ الْمَرْأَةِ وَ أَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ ، رَغَا فَأَجَبْتُمْ ، وَ عُقِرَ فَهَرَبْتُمْ ، مَاؤُكُمْ زُعَاقٌ (2) ، وَ أَحْلاَمُكُمْ [أَخْلاَقُكُمْ ] رِقَاقٌ وَ فِيكُمْ خَتْمُ النِّفَاقِ ، وَ لُعِنْتُمْ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيّاً، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ

ص: 339


1- حالبان: قناتان بين الكليتين و المثانة.
2- ائْتَفَكَ الْبَلَدُ بِأَهْلِهِ انْقَلَبَ ، الْمُؤْتَفِكَاتِ : الرِّيَاحُ تَخْتَلِفُ مَهَابّاً، رَغَا الْبَعِيرُ: صَوَّتَ ، زُعَاقٌ : مَالِحٌ وَ هَذِهِ حَالُ الْبَصْرَةِ فِي ذَاكَ الْعَصْرِ وَ إِنْ كَانَتْ آثَارُهَا الطَّبِيعَةُ عَامَّةً فِي كُلِّ زَمَانٍ . ج. ز.

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَخْبَرَنِي أَنَّ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ طَوَى لَهُ الْأَرْضَ فَرَأَى اَلْبَصْرَةَ أَقْرَبَ الْأَرَضِينَ مِنَ الْمَاءِ وَ أَبْعَدَهَا مِنَ السَّمَاءِ وَ فِيهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الشَّرِّ وَ الدَّاءُ الْعُضَالُ ، الْمُقِيمُ فِيهَا مُذْنِبٌ ، وَ الْخَارِجُ مِنْهَا [مُتَدَارِكٌ ] بِرَحْمَةٍ ، وَ قَدِ ائْتَفَكَتْ بِأَهْلِهَا مَرَّتَيْنِ ، وَ عَلَى اللَّهِ تَمَامُ الثَّالِثَةِ وَ تَمَامُ الثَّالِثَةِ فِي اَلرَّجْعَةِ .

و قوله «فَبِأَيِّ آلاٰءِ رَبِّكَ تَتَمٰارىٰ » أي بأي سلطان تخاصم «هٰذٰا نَذِيرٌ»

يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «مِنَ النُّذُرِ الْأُولىٰ »

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «هٰذٰا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولىٰ » قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمَّا ذَرَأَ الْخَلْقَ فِي الذَّرِّ الْأَوَّلِ فَأَقَامَهُمْ صُفُوفاً «وَ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً فَآمَنَ بِهِ قَوْمٌ ، وَ أَنْكَرَهُ قَوْمٌ ، فَقَالَ اللَّهُ «هٰذٰا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولىٰ » ، يَعْنِي بِهِ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

حَيْثُ دَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي الذَّرِّ الْأَوَّلِ .،

قال علي بن إبراهيم في قوله:

«أَزِفَتِ الْآزِفَةُ » قال قربت القيامة «لَيْسَ لَهٰا مِنْ دُونِ اللّٰهِ كٰاشِفَةٌ » أي لا يكشفها إلا الله «أَ فَمِنْ هٰذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ » يعني بما قد تقدم ذكره من الأخبار «وَ تَضْحَكُونَ وَ لاٰ تَبْكُونَ وَ أَنْتُمْ سٰامِدُونَ » أي لاهون ساهون.

54- سورة القمر مكية آياتها خمس و خمسون 55

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ اِقْتَرَبَتِ السّٰاعَةُ » قال قربت القيامة فلا يكون بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلا القيامة و قد انقضت النبوة و الرسالة و قوله «وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ»

فإن قريشا سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يريهم آية، فدعا الله فانشق القمر بنصفين حتى نظروا إليه ثم التأم فقالوا هذا «سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ» أي صحيح.

وَ رُوِيَ أَيْضاً: فِي قَوْلِهِ «اِقْتَرَبَتِ السّٰاعَةُ » قَالَ خُرُوجُ الْقَائِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

ص: 340

حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبَانٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : اجْتَمَعُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ

لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ، فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ وَ لَهُ آيَةٌ فَمَا آيَتُكَ فِي لَيْلَتِكَ هَذِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَا الَّذِي تُرِيدُونَ فَقَالُوا إِنْ يَكُنْ لَكَ عِنْدَ رَبِّكَ قَدْرٌ فَأْمُرِ الْقَمَرَ أَنْ يَنْقَطِعَ قِطْعَتَيْنِ ، فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ وَ يَقُولُ لَكَ : إِنِّي قَدْ أَمَرْتُ كُلَّ شَيْ ءٍ بِطَاعَتِكَ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَأَمَرَ الْقَمَرَ أَنْ يَنْقَطِعَ قِطْعَتَيْنِ ، فَانْقَطَعَ قِطْعَتَيْنِ فَسَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ شُكْراً لِلَّهِ وَ سَجَدَ شِيعَتُنَا، ثُمَّ رَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ رَأْسَهُ وَ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ ، ثُمَّ قَالُوا يَعُودُ كَمَا كَانَ فَعَادَ كَمَا كَانَ ، ثُمَّ قَالُوا يَنْشَقُّ رَأْسُهُ فَأَمَرَهُ فَانْشَقَّ فَسَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ شُكْراً لِلَّهِ وَ سَجَدَ شِيعَتُنَا، فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ حِينَ تَقْدَمُ سُفَّارُنَا مِنَ اَلشَّامِ وَ اَلْيَمَنِ فَنَسْأَلُهُمْ مَا رَأَوْا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَإِنْ يَكُونُوا رَأَوْا مِثْلَ مَا رَأَيْنَا عَلِمْنَا أَنَّهُ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ يَرَوْا مِثْلَ مَا رَأَيْنَا عَلِمْنَا أَنَّهُ سِحْرٌ سَحَرْتَنَا بِهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ «اِقْتَرَبَتِ السّٰاعَةُ » إِلَى آخِرِ السُّورَةِ .

قال علي بن إبراهيم قوله «وَ كَذَّبُوا وَ اتَّبَعُوا أَهْوٰاءَهُمْ » أي كانوا يعملون برأيهم و يكذبون أنبياءهم قوله «وَ لَقَدْ جٰاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبٰاءِ مٰا فِيهِ مُزْدَجَرٌ» أي متعظ و قوله «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدّٰاعِ إِلىٰ شَيْ ءٍ نُكُرٍ» قال الإمام إذا خرج يدعوهم إلى ما ينكرون

قوله «مُهْطِعِينَ إِلَى الدّٰاعِ » (1) إذا رجع فيقول ارجعوا «يَقُولُ اَلْكٰافِرُونَ هٰذٰا يَوْمٌ عَسِرٌ» ثم حكى الله عز و جل هلاك الأمم الماضية فقال «كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنٰا وَ قٰالُوا مَجْنُونٌ وَ ازْدُجِرَ» أي آذوه و أرادوا رجمه

و قوله «فَفَتَحْنٰا أَبْوٰابَ السَّمٰاءِ بِمٰاءٍ مُنْهَمِرٍ» قال صب بلا قطر «وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمٰاءُ» قال ماء السماء و ماء الأرض «عَلىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَ حَمَلْنٰاهُ » يعني نوحا

ص: 341


1- أهطع في السير: أقبل مسرعا خائفا. ج. ز.

«عَلىٰ ذٰاتِ أَلْوٰاحٍ وَ دُسُرٍ» قال «ذٰاتِ أَلْوٰاحٍ » السفينة و الدسر المسامير، و قيل الدسر ضرب من الحشيش شد به السفينة «تَجْرِي بِأَعْيُنِنٰا» أي بأمرنا و حفظنا

قوله:

«وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا اَلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ» أي يسرناه لمن تذكره و قوله «إِنّٰا أَرْسَلْنٰا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً» أي باردة

و قوله «إِنّٰا مُرْسِلُوا النّٰاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ » أي اختبارا و قوله «فَنٰادَوْا صٰاحِبَهُمْ » قال قدار الذي عقر الناقة

و قوله «كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ» قال الحشيش النبات

و قوله:«أَ كُفّٰارُكُمْ » مخاطبة لقريش «خَيْرٌ مِنْ أُولٰئِكُمْ » يعني هذه الأمم الهالكة «أَمْ لَكُمْ بَرٰاءَةٌ فِي الزُّبُرِ» أي في الكتب لكم براءة أن لا تهلكوا كما هلكوا فقالوا قريش قد اجتمعنا لننتصر و نقتلك يا محمد! فأنزل الله «أَمْ يَقُولُونَ »

يا محمد «نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ» يعني يوم بدر حين هزموا و أسروا و قتلوا ثم قال «بَلِ السّٰاعَةُ مَوْعِدُهُمْ » يعني القيامة «وَ السّٰاعَةُ أَدْهىٰ وَ أَمَرُّ» أي أشد و أغلظ و أمر و قوله «إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاٰلٍ وَ سُعُرٍ» أي في عذاب، و سعر واد في جهنم عظيم.

و قوله «إِنّٰا كُلَّ شَيْ ءٍ خَلَقْنٰاهُ بِقَدَرٍ» قال له وقت و أجل و مدة

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : وَجَدْتُ لِأَهْلِ الْقَدَرِ اسْماً فِي كِتَابِ اللَّهِ قَوْلُهُ :

«إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاٰلٍ وَ سُعُرٍ» إِلَى قَوْلِهِ «خَلَقْنٰاهُ بِقَدَرٍ» فَهُمُ الْمُجْرِمُونَ .

«وَ مٰا أَمْرُنٰا إِلاّٰ وٰاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ» يعني نقول «كُنْ فَيَكُونُ » و قوله «وَ لَقَدْ أَهْلَكْنٰا أَشْيٰاعَكُمْ » أي أتباعكم و عباد الأصنام و قوله «وَ كُلُّ شَيْ ءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ»

أي مكتوب في الكتب «وَ كُلُّ صَغِيرٍ وَ كَبِيرٍ» يعني من ذنب «مُسْتَطَرٌ» أي مكتوب ثم ذكر ما أعده للمتقين فقال:«إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّٰاتٍ وَ نَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ» .

ص: 342

55- سورة الرحمن مدنية(1) ثمان و سبعون آية 78

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ اَلرَّحْمٰنُ عَلَّمَ اَلْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسٰانَ عَلَّمَهُ الْبَيٰانَ »

قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«اَلرَّحْمٰنُ عَلَّمَ اَلْقُرْآنَ » قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : اللَّهُ عَلَّمَ مُحَمَّداً اَلْقُرْآنَ ، قُلْتُ «خَلَقَ الْإِنْسٰانَ » قَالَ ذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

قُلْتُ «عَلَّمَهُ الْبَيٰانَ » قَالَ عَلَّمَهُ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْ ءٍ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ ، قُلْتُ «اَلشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبٰانٍ » قَالَ هُمَا يُعَذَّبَانِ ، قُلْتُ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ يُعَذَّبَانِ قَالَ سَأَلْتَ عَنْ شَيْ ءٍ فَأَتْقِنْهُ ، إِنَّ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يَجْرِيَانِ بِأَمْرِهِ مُطِيعَانِ لَهُ ، ضَوْؤُهُمَا مِنْ نُورِ عَرْشِهِ وَ حَرُّهُمَا مِنْ جَهَنَّمَ فَإِذَا كَانَتِ الْقِيَامَةُ عَادَ إِلَى اَلْعَرْشِ نُورُهُمَا وَ عَادَ إِلَى اَلنَّارِ حَرُّهُمَا فَلاَ يَكُونُ شَمْسٌ وَ لاَ قَمَرٌ، وَ إِنَّمَا عَنَاهُمَا لَعَنَهُمَا اللَّهُ أَ وَ لَيْسَ قَدْ رَوَى النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ : إِنَّ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ نُورَانِ فِي اَلنَّارِ قُلْتُ بَلَى قَالَ أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ النَّاسِ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ شَمْسَا هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ نُورُهَا فَهُمَا فِي اَلنَّارِ وَ اللَّهِ مَا عَنَى غَيْرَهُمَا.

قُلْتُ :«وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ يَسْجُدٰانِ » قَالَ النَّجْمُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَقَالَ :«وَ النَّجْمِ إِذٰا هَوىٰ » ، وَ قَالَ :«وَ عَلاٰمٰاتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ »

فَالْعَلاَمَاتُ الْأَوْصِيَاءُ وَ النَّجْمُ رَسُولُ اللَّهِ ، قُلْتُ «يَسْجُدٰانِ » قَالَ يَعْبُدَانِ .

قَوْلُهُ :

«وَ السَّمٰاءَ رَفَعَهٰا وَ وَضَعَ الْمِيزٰانَ » قَالَ السَّمَاءُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَ الْمِيزَانُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَصَبَهُ لِخَلْقِهِ ، قُلْتُ :«أَلاّٰ تَطْغَوْا فِي الْمِيزٰانِ » قَالَ :

لاَ تَعْصُوا الْإِمَامَ ، قُلْتُ «وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ » قَالَ أَقِيمُوا الْإِمَامَ بِالْعَدْلِ قُلْتُ :

ص: 343

فِي الْقَمْعِ ثُمَّ يَطْلُعُ مِنْهُ وَ قَوْلُهُ «وَ الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَ الرَّيْحٰانُ » قَالَ الْحَبُّ الْحِنْطَةُ وَ الشَّعِيرُ وَ الْحُبُوبُ وَ الْعَصْفُ التِّبْنُ وَ الرَّيْحَانُ مَا يُؤْكَلُ مِنْهُ وَ قَوْلُهُ «فَبِأَيِّ آلاٰءِ رَبِّكُمٰا تُكَذِّبٰانِ » قَالَ : فِي الظَّاهِرِ مُخَاطَبَةُ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ فِي الْبَاطِنِ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ .،

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ :«فَبِأَيِّ آلاٰءِ رَبِّكُمٰا تُكَذِّبٰانِ » ، قَالَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ تَقَدَّسَ فَبِأَيِّ النِّعْمَتَيْنِ تَكْفُرَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَمْ بِعَلِيٍّ عَلَيهِ السَّلاَمُ .

قال علي بن إبراهيم في قوله «رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَ رَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ » قال مشرق الشتاء و مشرق الصيف و مغرب الشتاء و مغرب الصيف

وَ فِي رِوَايَةِ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ

عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ :«رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَ رَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ » ، قَالَ الْمَشْرِقَيْنِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

وَ الْمَغْرِبَيْنِ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ فِي أَمْثَالِهِمَا تَجْرِي «فَبِأَيِّ آلاٰءِ رَبِّكُمٰا تُكَذِّبٰانِ » قَالَ مُحَمَّدٌ وَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ [الْعَطَّارِ] قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيٰانِ بَيْنَهُمٰا بَرْزَخٌ لاٰ يَبْغِيٰانِ » قَالَ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ بَحْرَانِ عَمِيقَانِ لاَ يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجٰانُ » قَالَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ

.، و قال علي بن إبراهيم في قوله:«مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيٰانِ »

أمير المؤمنين و فاطمة عليهما السّلام «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجٰانُ » الحسن و الحسين عليهما السّلام

و قوله:«وَ لَهُ الْجَوٰارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلاٰمِ » قال كما قالت الخنساء ترثي أخاها صخرا:

و إن صخرا لمولانا و سيدنا *** و إن صخرا إذا يستوقد النار

ص: 344

و إن صخرا لتأتم الهداة به *** كأنه علم في رأسه نار.

و قوله «كُلُّ مَنْ عَلَيْهٰا فٰانٍ » قال من على وجه الأرض «وَ يَبْقىٰ وَجْهُ رَبِّكَ »

قال دين ربك

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ : نَحْنُ الْوَجْهُ الَّذِي يُؤْتَى اللَّهُ مِنْهُ . و قوله «يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ » قال يحيي و يميت و يرزق و يزيد و ينقص

قَوْلُهُ «سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلاٰنِ » قَالَ نَحْنُ وَ كِتَابُ اللَّهِ . و الدليل على ذلك

قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي. و قوله «يٰا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطٰارِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ فَانْفُذُوا لاٰ تَنْفُذُونَ إِلاّٰ بِسُلْطٰانٍ » فإذا كان يوم القيامة أحاطت سماء الدنيا بالأرض و أحاطت السماء الثانية بسماء الدنيا و أحاطت السماء الثالثة بالسماء الثانية و أحاطت كل سماء بالتي تليها ثم ينادي «يٰا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ » إلى قوله «بِسُلْطٰانٍ » أي بحجة و قوله «فَيَوْمَئِذٍ لاٰ يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ » قال منكم يعني من الشيعة «إِنْسٌ وَ لاٰ جَانٌّ » قال: معناه أنه من تولى أمير المؤمنين و تبرأ من أعدائه عليهم لعائن الله و أحل حلاله و حرم حرامه ثم دخل في الذنوب و لم يتب في الدنيا عذب لها في البرزخ

و يخرج يوم القيامة و ليس له ذنب يسأل عنه يوم القيامة

وَ قَرَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

«هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمَا بِهَا تُكَذِّبَانِ تَصْلِيَانِهَا وَ لاَ تَمُوتَانِ فِيهَا وَ لاَ تَحْيَيَانِ » يَعْنِي زُرَيْقاً وَ حَبْتَرَ. قوله «يَطُوفُونَ بَيْنَهٰا وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ » قال لها أنين من شدة حرها قوله «هَلْ جَزٰاءُ الْإِحْسٰانِ إِلاَّ الْإِحْسٰانُ » قال ما جزاء من أنعمت عليه بالمعرفة إلا الجنة.

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ غَالِبٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :

«وَ مِنْ دُونِهِمٰا جَنَّتٰانِ » قَالَ خَضْرَاوَتَانِ فِي الدُّنْيَا يَأْكُلُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْهَا حَتَّى يَفْرُغُوا مِنَ الْحِسَابِ .

ص: 345

عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «مُدْهٰامَّتٰانِ » قَالَ يَتَّصِلُ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَ اَلْمَدِينَةِ نَخْلاً.، و قال علي بن إبراهيم في قوله «فِيهِنَّ قٰاصِرٰاتُ الطَّرْفِ » قال الحور العين يقصر الطرف عنها من ضوء نورها و قوله «لَمْ يَطْمِثْهُنَّ » أي لم يمسسهن أحد و قوله «فِيهِمٰا عَيْنٰانِ نَضّٰاخَتٰانِ » أي تفوران و قوله «فِيهِنَّ خَيْرٰاتٌ حِسٰانٌ » قال جوار نابتات على شط الكوثر كلما أخذ منهم واحدة نبت بمكانها الأخرى و قوله «حُورٌ مَقْصُورٰاتٌ فِي الْخِيٰامِ » قال يقصر الطرف عنها

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ [أَبِي عُبَيْدٍ] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ [بَصِيرٍ] عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ ظَرِيفٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى «تَبٰارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاٰلِ وَ الْإِكْرٰامِ » فَقَالَ نَحْنُ جَلاَلُ اللَّهِ وَ كَرَامَتُهُ الَّتِي أَكْرَمَ اللَّهُ الْعِبَادَ بِطَاعَتِنَا.

56- سورة الواقعة مكية آياتها ست و تسعون 96

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ إِذٰا وَقَعَتِ الْوٰاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهٰا كٰاذِبَةٌ » قال القيامة هي حق «خٰافِضَةٌ » قال لأعداء الله «رٰافِعَةٌ » قال لأولياء الله «إِذٰا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا» قال يدق بعضها على بعض «وَ بُسَّتِ الْجِبٰالُ بَسًّا» قال قلعت الجبال قلعا «فَكٰانَتْ هَبٰاءً مُنْبَثًّا» قال: الهباء الذي يدخل في الكوة من شعاع الشمس

قوله «وَ كُنْتُمْ أَزْوٰاجاً ثَلاٰثَةً » قال يوم القيامة «فَأَصْحٰابُ الْمَيْمَنَةِ مٰا أَصْحٰابُ الْمَيْمَنَةِ »

و هم المؤمنون من أصحاب التبعات يوقفون للحساب «وَ أَصْحٰابُ الْمَشْئَمَةِ مٰا أَصْحٰابُ الْمَشْئَمَةِ وَ السّٰابِقُونَ السّٰابِقُونَ » الذين قد سبقوا إلى الجنة بلا حساب.

أَخْبَرَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عُلْوَانَ الْكَلْبِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ

ص: 346

حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَرْسَلَ إِلَى بِلاَلٍ فَأَمَرَهُ فَنَادَى بِالصَّلاَةِ قَبْلَ وَقْتِ كُلِّ يَوْمٍ فِي رَجَبٍ لِثَلاَثَةَ عَشَرَ خَلَتْ مِنْهُ ، قَالَ : فَلَمَّا نَادَى بِلاَلٌ بِالصَّلاَةِ فَزِعَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ فَزَعاً شَدِيداً، وَ ذُعِرُوا وَ قَالُوا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَيْنَ أَظْهُرِنَا لَمْ يَغِبْ عَنَّا وَ لَمْ يَمُتْ ، فَاجْتَمَعُوا وَ حَشَدُوا فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَمْشِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ اَلْمَسْجِدِ فَأَخَذَ بِعِضَادَتِهِ ، فِي اَلْمَسْجِدِ مَكَانٌ يُسَمَّى اَلسُّدَّةَ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : هَلْ تَسْمَعُونَ يَا أَهْلَ اَلسُّدَّةِ فَقَالُوا سَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا فَقَالَ هَلْ تُبَلِّغُونَ قَالُوا: ضَمِنَّا ذَلِكَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ أُخْبِرُكُمْ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ قِسْمَيْنِ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمَا قِسْماً وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ «أَصْحٰابُ الْيَمِينِ » وَ «أَصْحٰابُ الشِّمٰالِ » فَأَنَا مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَ أَنَا خَيْرُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ثُمَّ جَعَلَ الْقِسْمَيْنِ أَثْلاَثاً فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا أَثْلاَثاً وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ :«فَأَصْحٰابُ الْمَيْمَنَةِ مٰا أَصْحٰابُ الْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحٰابُ الْمَشْئَمَةِ مٰا أَصْحٰابُ الْمَشْئَمَةِ وَ السّٰابِقُونَ السّٰابِقُونَ » فَأَنَا مِنَ السَّابِقِينَ وَ أَنَا خَيْرُ السَّابِقِينَ .

ثُمَّ جَعَلَ الْأَثْلاَثَ قَبَائِلَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا قَبِيلَةً وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ :«يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ إِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثىٰ وَ جَعَلْنٰاكُمْ شُعُوباً وَ قَبٰائِلَ لِتَعٰارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ » فَقَبِيلَتِي خَيْرُ القَبَائِلِ وَ أَنَا سَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ وَ أَكْرَمُكُمْ عَلَى اللَّهِ وَ لاَ فَخْرَ، ثُمَّ جَعَلَ القَبَائِلَ بُيُوتاً فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا بَيْتاً وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ :«إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» ، أَلاَ وَ إِنَّ إِلَهِي اخْتَارَنِي فِي ثَلاَثَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَ أَنَا سَيِّدُ الثَّلاَثَةِ وَ أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ وَ لاَ فَخْرَ، اخْتَارَنِي وَ عَلِيّاً وَ جَعْفَراً ابْنَيْ أَبِي طَالِبٍ

وَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كُنَّا رُقُوداً بِالْأَبْطَحِ لَيْسَ مِنَّا إِلاَّ مُسَجًّى بِثَوْبِهِ عَلَى وَجْهِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَنْ يَمِينِي وَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَنْ يَسَارِي وَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

ص: 347

قَالَ : وَ مَنْ هَذَا يَسْتَفْهِمُهُ فَقَالَ : هَذَا مُحَمَّدٌ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَيِّدُ الْوَصِيِّينَ وَ هَذَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَهُ جَنَاحَانِ خَضِيبَانِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي اَلْجَنَّةِ وَ هَذَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَسْبَاطٍ عَنْ سَالِمٍ بَيَّاعِ الزُّطِّيِّ قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْمَدَائِنِيَّ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ «ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ » قَالَ «ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ » حِزْقِيلُ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ وَ «ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ »

عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله «ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ » هم أتباع الأنبياء «وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ » هم أتباع النّبي صلّى اللّه عليه و آله «عَلىٰ سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ » أي منصوبة «يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدٰانٌ مُخَلَّدُونَ » أي مسرورون(1) «لاٰ يَسْمَعُونَ فِيهٰا لَغْواً وَ لاٰ تَأْثِيماً»

قال: الفحش و الكذب و الغناء قوله «وَ أَصْحٰابُ الْيَمِينِ مٰا أَصْحٰابُ الْيَمِينِ » قال اليمين علي أمير المؤمنين عليه السّلام و أصحابه شيعته و قوله «فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ» قال شجر لا يكون له ورق و لا شوك فيه

وَ قَرَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ»

قَالَ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ وَ قَوْلُهُ «وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ» قَالَ ظِلٌّ مَمْدُودٌ وَسَطَ اَلْجَنَّةِ فِي عَرْضِ اَلْجَنَّةِ

وَ عَرْضُ اَلْجَنَّةِ «كَعَرْضِ السَّمٰاءِ وَ الْأَرْضِ » يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ذَلِكَ الظِّلِّ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ فَلاَ يَقْطَعُهُ . و قوله «وَ مٰاءٍ مَسْكُوبٍ » أي مرشوش قوله «لاٰ مَقْطُوعَةٍ وَ لاٰ مَمْنُوعَةٍ »

أي لا ينقطع و لا يمنع أحد من أخذها و قوله «إِنّٰا أَنْشَأْنٰاهُنَّ إِنْشٰاءً» قال الحور العين في الجنة «فَجَعَلْنٰاهُنَّ أَبْكٰاراً عُرُباً» قال: لا يتكلمون إلا بالعربية و قوله:

«أَتْرٰاباً» يعني مستويات السن «لِأَصْحٰابِ الْيَمِينِ » أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام

ص: 348


1- هذا لازم المعنى و إلا فالمخلد لغة هو من أبطأ عنه المشيب أو من خلق ليخلد شابا. ج. ز.

«ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ » قال من الطبقة الأولى التي كانت مع النّبي صلّى اللّه عليه و آله و «ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ » قال بعد النّبي صلّى اللّه عليه و آله من هذه الأمة «وَ أَصْحٰابُ الشِّمٰالِ مٰا أَصْحٰابُ الشِّمٰالِ » قال: أصحاب الشمال أعداء محمد و أصحابهم الذين والوهم «فِي سَمُومٍ

وَ حَمِيمٍ » قال: السموم اسم النار و الحميم ماء قد حمي «وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ » قال: ظل [ظلمة] شديد الحر «لاٰ بٰارِدٍ وَ لاٰ كَرِيمٍ » قال ليس بطيب «فَشٰارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ » قال من الزقوم و الهيم الإبل و قوله:«هٰذٰا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ » قال هذا ثوابهم يوم المجازاة و قوله:«أَ فَرَأَيْتُمْ مٰا تُمْنُونَ » يعني النطفة و قوله:«أَ فَرَأَيْتُمُ النّٰارَ الَّتِي تُورُونَ » أي تورونها و توقدونها و تنتفعون بها «أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهٰا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ نَحْنُ جَعَلْنٰاهٰا تَذْكِرَةً » لنار يوم القيامة «وَ مَتٰاعاً لِلْمُقْوِينَ »

قال: المحتاجين.

و قوله:«فَلاٰ أُقْسِمُ بِمَوٰاقِعِ النُّجُومِ » قال: معناه فأقسم بمواقع النجوم

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ : حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ وَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَزَّازُ جَمِيعاً عَنْ صَالِحِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ [التَّغْلِبِيِّ ] وَ لاَ أَرَانِي قَدْ سَمِعْتُهُ إِلاَّ مِنْ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ : أَنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَرَأَ بِهِمُ اَلْوَاقِعَةَ «وَ تَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ » فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : إِنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَقُولُ قَائِلٌ لِمَ قَرَأَ هَكَذَا قَرَأْتُهَا لِأَنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ ، وَ كَانُوا إِذَا أَمْطَرُوا قَالُوا أَمْطَرْنَا بِنَوْءِ(1) كَذَا وَ كَذَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَ تَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (2)

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ » قَالَ

ص: 349


1- اسْمُ نَجْمَةٍ زَعَمُوا أَنَّ الْأَمْطَارَ مِنْ سَبَبِهَا، ج الْأَنْوَاءُ. ج. ز.
2- أي مجردا بدون الشدة. ج. ز.

بَلْ هِيَ وَ تَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«فَلَوْ لاٰ إِذٰا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ » يعني النفس قال: معناه فإذا بلغت الحلقوم «فَلَوْ لاٰ إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ » قال: معناه فلو كنتم غير مجازين على أفعالكم «تَرْجِعُونَهٰا» يعني به الروح إذا بلغت الحلقوم تردونها في البدن «إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ » و قوله:«وَ أَمّٰا إِنْ كٰانَ مِنْ أَصْحٰابِ الْيَمِينِ » يعني من كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام «فَسَلاٰمٌ لَكَ » يا محمد «مِنْ أَصْحٰابِ الْيَمِينِ »

أن لا يعذبوا «وَ أَمّٰا إِنْ كٰانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضّٰالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ »

في أعداء آل محمد صلوات اللّه عليهم «إِنَّ هٰذٰا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ »

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ : «فَأَمّٰا إِنْ كٰانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَ رَيْحٰانٌ » قَالَ : فِي قَبْرِهِ «وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ » قَالَ فِي الْآخِرَةِ «وَ أَمّٰا إِنْ كٰانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضّٰالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ » فِي قَبْرِهِ «وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ » فِي الْآخِرَةِ .

57- سورة الحديد مدنية آياتها تسع و عشرون 29

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ سَبَّحَ لِلّٰهِ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » قال: هو

قَوْلُهُ : أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ .

و قوله:«هُوَ الْأَوَّلُ » قال قبل كل شيء «وَ الْآخِرُ» قال يبقى بعد كل شيء «وَ هُوَ عَلِيمٌ بِذٰاتِ الصُّدُورِ» قال بالضمائر و قوله «هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ » أي في ستة أوقات «ثُمَّ اسْتَوىٰ عَلَى اَلْعَرْشِ يَعْلَمُ مٰا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ » ، الآية و الآية الثانية إلى قوله «أَجْرٌ كَبِيرٌ» فإنه محكم

ص: 350

فِي يَدِ غَيْرِ مُحْتَاجٍ .

و قوله «يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنٰاتِ يَسْعىٰ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمٰانِهِمْ » قال يقسم النور بين الناس يوم القيامة على قدر إيمانهم يقسم للمنافق فيكون نوره في إبهام رجله اليسرى فينظر نوره ثم يقول للمؤمنين مكانكم حتى أقتبس من نوركم فيقول المؤمنون لهم «اِرْجِعُوا وَرٰاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً» فيرجعون و يضرب بينهم بسور له باب فينادون من وراء السور المؤمنين «أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قٰالُوا بَلىٰ وَ لٰكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ » قال: بالمعاصي «وَ ارْتَبْتُمْ » قال: أي شككتم «وَ تَرَبَّصْتُمْ » و قوله «فَالْيَوْمَ لاٰ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ » قال: و الله ما عنى بذلك اليهود

و لا النصارى و إنما عنى بذلك أهل القبلة ثم قال «مَأْوٰاكُمُ اَلنّٰارُ هِيَ مَوْلاٰكُمْ » قال هي أولى بكم و قوله «أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا» يعني أ لم يجب «أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ »

يعني الرهب «لِذِكْرِ اللّٰهِ »

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي الْمِعْزَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضٰاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ »

قَالَ : نَزَلَتْ فِي صِلَةِ الْأَرْحَامِ [الْإِمَامِ ].

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْحَرِيشِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«لِكَيْلاٰ تَأْسَوْا عَلىٰ مٰا فٰاتَكُمْ » قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ سَأَلَ رَجُلٌ أَبِي عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ نَزَلَتْ فِي... إلخ كَمَا سَيَجِيءُ.

وَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «مٰا أَصٰابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لاٰ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهٰا» صَدَقَ اللَّهُ وَ بَلَّغَتْ رُسُلُهُ ، كِتَابُهُ فِي السَّمَاءِ عِلْمُهُ بِهَا وَ كِتَابُهُ فِي الْأَرْضِ عُلُومُنَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ فِي غَيْرِهَا.

ص: 351

مُؤَخَّرَةٌ «لِكَيْلاٰ تَأْسَوْا عَلىٰ مٰا فٰاتَكُمْ » مِمَّا خُصَّ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «وَ لاٰ تَفْرَحُوا بِمٰا آتٰاكُمْ » مِنَ الْفِتْنَةِ الَّتِي عَرَضَتْ لَكُمْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ أَشْهَدُ أَنَّكُمْ أَصْحَابُ الْحُكْمِ الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ ، ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ فَذَهَبَ فَلَمْ أَرَهُ .

و قال علي بن إبراهيم في قوله:«مٰا أَصٰابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لاٰ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ » الآية

فَإِنَّهُ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لَمَّا أُدْخِلَ رَأْسُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى يَزِيدَ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ أُدْخِلَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَ بَنَاتُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

وَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ مُقَيَّداً مَغْلُولاً، فَقَالَ يَزِيدُ: يَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ! الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَتَلَ أَبَاكَ ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ : لَعَنَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ أَبِي، قَالَ فَغَضِبَ يَزِيدُ وَ أَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَإِذَا قَتَلْتَنِي فَبَنَاتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

مَنْ يَرُدُّهُنَّ إِلَى مَنَازِلِهِنَّ وَ لَيْسَ لَهُنَّ مَحْرَمٌ غَيْرِي، فَقَالَ أَنْتَ تَرُدُّهُمْ إِلَى مَنَازِلِهِمْ ثُمَّ دَعَا بِمِبْرَدٍ فَأَقْبَلَ يُبَرِّدُ الْجَامِعَةَ مِنْ عُنُقِهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ : يَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ أَ تَدْرِي مَا الَّذِي أُرِيدُ بِذَلِكَ قَالَ بَلَى تُرِيدُ أَنْ لاَ يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيَّ مِنَّةٌ غَيْرُكَ ، فَقَالَ يَزِيدُ

هَذَا وَ اللَّهِ مَا أَرَدْتُ أَفْعَلُهُ ثُمَّ قَالَ يَزِيدُ يَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ «مٰا أَصٰابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمٰا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ » فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ كَلاَّ، مَا هَذِهِ فِينَا نَزَلَتْ ، إِنَّمَا نَزَلَتْ فِينَا «مٰا أَصٰابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ » إِلَى قَوْلِهِ «لاٰ تَفْرَحُوا بِمٰا آتٰاكُمْ » فَنَحْنُ الَّذِينَ لاَ نأسو [نَأْسَى] عَلَى مَا فَاتَنَا وَ لاَ نَفْرَحُ بِمَا آتَانَا مِنْهَا .

قوله:«لَقَدْ أَرْسَلْنٰا رُسُلَنٰا بِالْبَيِّنٰاتِ وَ أَنْزَلْنٰا مَعَهُمُ الْكِتٰابَ وَ الْمِيزٰانَ » قال الميزان الإمام و قوله «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ » قال نصيبين من رحمته أحدهما أن لا يدخله النار و الثانية أن يدخله الجنة و قوله:«وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ » يعني الإيمان

أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ

عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

ص: 352

«وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ » قَالَ إِمَامٌ تَأْتَمُّونَ بِهِ . و قوله:«لِئَلاّٰ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتٰابِ أَلاّٰ يَقْدِرُونَ عَلىٰ شَيْ ءٍ مِنْ فَضْلِ اللّٰهِ وَ أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّٰهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشٰاءُ وَ اللّٰهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ »

58- سُورَةُ اَلْمُجَادِلَةِ مَدَنِيَّةٌ آيَاتُهَا اثْنَتَانِ وَ عِشْرُونَ 22

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللّٰهُ قَوْلَ الَّتِي تُجٰادِلُكَ فِي زَوْجِهٰا وَ تَشْتَكِي إِلَى اللّٰهِ وَ اللّٰهُ يَسْمَعُ تَحٰاوُرَكُمٰا إِنَّ اللّٰهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ»

قَالَ : كَانَ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ ظَاهَرَ فِي اَلْإِسْلاَمِ كَانَ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ مِنَ اَلْأَنْصَارِ

وَ كَانَ شَيْخاً كَبِيراً فَغَضِبَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْماً فَقَالَ لَهَا! أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، ثُمَّ نَدِمَ عَلَى ذَلِكَ ، قَالَ وَ كَانَ الرَّجُلُ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ إِذَا قَالَ لِأَهْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَرُمَتْ عَلَيْهِ آخِرَ الْأَبَدِ، وَ قَالَ أَوْسٌ لِأَهْلِهِ يَا خَوْلَةُ ! إِنَّا كُنَّا نُحَرِّمُ هَذَا فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ

وَ قَدْ آتَانَا اللَّهُ اَلْإِسْلاَمَ فَاذْهَبِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَسَلِيهِ عَنْ ذَلِكَ ، فَأَتَتْ خَوْلَةُ

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَتْ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ هُوَ زَوْجِي وَ أَبُو وُلْدِي وَ ابْنُ عَمِّي فَقَالَ لِي أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَ كُنَّا نُحَرِّمُ ذَلِكَ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ وَ قَدْ أَتَانَا اللَّهُ بِالْإِسْلاَمِ بِكَ .

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ

عَنْ أَبِي وَلاَّدٍ عَنْ حُمْرَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِنَّ امْرَأَةً مِنَ اَلْمُسْلِمَاتِ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 353

زَوْجِكِ وَ أَنَا أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ فَجَعَلَتْ تَبْكِي وَ تَشْتَكِي مَا بِهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ انْصَرَفَتْ ، قَالَ فَسَمِعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مُجَادَلَتَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي زَوْجِهَا وَ مَا شَكَتْ إِلَيْهِ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ قُرْآناً «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللّٰهُ قَوْلَ الَّتِي تُجٰادِلُكَ فِي زَوْجِهٰا وَ تَشْتَكِي إِلَى اللّٰهِ وَ اللّٰهُ يَسْمَعُ تَحٰاوُرَكُمٰا» إِلَى قَوْلِهِ «وَ إِنَّ اللّٰهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ» قَالَ : فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى الْمَرْأَةِ فَأَتَتْهُ فَقَالَ لَهَا جئيني [جِيئِينِي] بِزَوْجِكِ ، فَأَتَتْ بِهِ فَقَالَ لَهُ أَ قُلْتَ لاِمْرَأَتِكَ هَذِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَالَ قَدْ قُلْتُ لَهَا ذَلِكَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِيكَ وَ فِي امْرَأَتِكَ قُرْآناً وَ قَرَأَ «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللّٰهُ قَوْلَ الَّتِي تُجٰادِلُكَ » إِلَى قَوْلِهِ «وَ إِنَّ اللّٰهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ» فَضُمَّ إِلَيْكَ امْرَأَتَكَ فَإِنَّكَ قَدْ قُلْتَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً وَ قَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ وَ غَفَرَ لَكَ وَ لاَ تَعُدْ قَالَ : فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ وَ هُوَ نَادِمٌ عَلَى مَا قَالَ لاِمْرَأَتِهِ وَ كَرِهَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ بَعْدُ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ «اَلَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمٰا قٰالُوا» يَعْنِي لِمَا قَالَ الرَّجُلُ لاِمْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، قَالَ : فَمَنْ قَالَهَا بَعْدَ مَا عَفَا اللَّهُ وَ غَفَرَ لِلرَّجُلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ عَلَيْهِ تَحْرِيرَ «رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا» يَعْنِي مُجَامَعَتَهُمَا «ذٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ » يَعْنِي «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً» قَالَ : فَجَعَلَ اللَّهُ عُقُوبَةَ مَنْ ظَاهَرَ بَعْدَ النَّهْيِ هَذَا قَالَ «ذٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ » قَالَ هَذَا حَدُّ الظِّهَارِ، قَالَ حُمْرَانُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ لاَ يَكُونُ ظِهَارٌ فِي يَمِينٍ وَ لاَ فِي إِضْرَارٍ وَ لاَ فِي غَضَبٍ وَ لاَ يَكُونُ ظِهَارٌ إِلاَّ عَلَى طُهْرٍ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ :«أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمٰا نُهُوا عَنْهُ »

ص: 354

فَيَسْأَلُونَهُ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ لَهُمْ ، وَ كَانُوا يَسْأَلُونَ مَا لاَ يَحِلُّ لَهُمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ «وَ يَتَنٰاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ » وَ قَوْلُهُمْ لَهُ إِذَا أَتَوْهُ أَنْعِمْ صَبَاحاً وَ أَنْعِمْ مَسَاءً وَ هِيَ تَحِيَّةُ أَهْلِ اَلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «وَ إِذٰا جٰاؤُكَ حَيَّوْكَ بِمٰا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللّٰهُ » فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَدْ أَبْدَلَنَا اللَّهُ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ تَحِيَّةَ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ

«اَلسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ». ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا تَنٰاجَيْتُمْ فَلاٰ تَتَنٰاجَوْا بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ » إلى قوله «إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ » و قَوْلُهُ :«إِنَّمَا النَّجْوىٰ مِنَ اَلشَّيْطٰانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيْسَ بِضٰارِّهِمْ شَيْئاً إِلاّٰ بِإِذْنِ اللّٰهِ وَ عَلَى اللّٰهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ »

قَالَ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : كَانَ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ رَأَتْ فِي مَنَامِهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ هَمَّ أَنْ يَخْرُجَ هُوَ وَ فَاطِمَةُ وَ عَلِيٌّ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم

مِنَ اَلْمَدِينَةِ فَخَرَجُوا حَتَّى جَاوَزُوا مِنْ حِيطَانِ اَلْمَدِينَةِ فَعَرَضَ لَهُمْ طَرِيقَانِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى انْتَهَى بِهِمْ إِلَى مَوْضِعٍ فِيهِ نَخْلٌ وَ مَاءٌ فَاشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ شَاةً كَبْرَاءَ(1) وَ هِيَ الَّتِي فِي أَحَدِ أُذُنَيْهَا نُقَطٌ بِيضٌ فَأَمَرَ بِذَبْحِهَا فَلَمَّا أَكَلُوا مِنْهَا مَاتُوا فِي مَكَانِهِمْ ، فَانْتَبَهَتْ فَاطِمَةُ بَاكِيَةً ذَعِرَةً فَلَمْ تُخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِذَلِكَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِحِمَارٍ فَأَرْكَبَ عَلَيْهِ فَاطِمَةَ وَ أَمَرَ أَنْ يَخْرُجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ مِنَ اَلْمَدِينَةِ

ص: 355


1- وَ فِي تَفْسِيرِ الصَّافِي «ذَرْآءَ» مَكَانَ كَبْرَاءَ ج. ز.

تَبْكِي مَخَافَةَ أَنْ يَمُوتُوا، فَطَلَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهَا وَ هِيَ تَبْكِي فَقَالَ مَا شَأْنُكِ يَا بُنَيَّةُ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَ كَذَا فِي نَوْمِي وَ قَدْ فَعَلْتَ أَنْتَ كَمَا رَأَيْتُهُ فِي نَوْمِي فَتَنَحَّيْتُ عَنْكُمْ لِأَنْ لاَ أَرَاكُمْ تَمُوتُونَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَاجَى رَبَّهُ فَنَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ هَذَا شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ الزها [الرُّهَا] وَ هُوَ الَّذِي أَرَى فَاطِمَةَ هَذِهِ الرُّؤْيَا وَ يُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ فِي نَوْمِهِمْ مَا يَغْتَمُّونَ بِهِ فَأَمَرَ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَجَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لَهُ أَنْتَ أَرَيْتَ فَاطِمَةَ هَذِهِ الرُّؤْيَا فَقَالَ : نَعَمْ يَا مُحَمَّدُ! فَبَزَقَ عَلَيْهِ ثَلاَثَ بَزَقَاتٍ فَشَجَّهُ فِي ثَلاَثِ مَوَاضِعَ ثُمَّ قَالَ جَبْرَئِيلُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قُلْ يَا مُحَمَّدُ إِذَا رَأَيْتَ فِي مَنَامِكَ شَيْئاً تَكْرَهُهُ أَوْ رَأَى أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَلْيَقُلْ : أَعُوذُ بِمَا عَاذَتْ بِهِ مَلاَئِكَةُ اللَّهِ الْمُقَرَّبُونَ وَ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ الْمُرْسَلُونَ وَ عِبَادُهُ الصَّالِحُونَ مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْتُ مِنْ رُؤْيَايَ ، وَ يَقْرَأُ اَلْحَمْدَ

وَ اَلْمُعَوِّذَتَيْنِ وَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَ يَتْفُلُ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاَثَ تَفَلاَتٍ ، فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّهُ مَا رَأَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ «إِنَّمَا النَّجْوىٰ مِنَ اَلشَّيْطٰانِ » الْآيَةَ .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ

عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ وَ بَكْرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ قَالاَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ :«إِنَّمَا النَّجْوىٰ مِنَ اَلشَّيْطٰانِ » قَالَ فُلاَنٌ قَوْلُهُ «مٰا يَكُونُ مِنْ نَجْوىٰ ثَلاٰثَةٍ إِلاّٰ هُوَ رٰابِعُهُمْ » فُلاَنٌ

وَ فُلاَنٌ وَ اِبْنُ فُلاَنٍ أَمِينُهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا فَدَخَلُوا اَلْكَعْبَةَ فَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ كِتَاباً إِنْ مَاتَ مُحَمَّدٌ أَنْ لاَ يَرْجِعَ الْأَمْرُ فِيهِمْ أَبَداً.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجٰالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللّٰهُ لَكُمْ »

قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِذَا دَخَلَ اَلْمَسْجِدَ

يَقُومُ لَهُ النَّاسُ فَنَهَاهُمُ اللَّهُ أَنْ يَقُومُوا لَهُ فَقَالَ تَفَسَّحُوا أَيْ وَسِّعُوا لَهُ فِي الْمَجْلِسِ «وَ إِذٰا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا» يَعْنِي إِذَا قَالَ قُومُوا فَقُومُوا.

ص: 356

«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا نٰاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوٰاكُمْ صَدَقَةً » قَالَ : إِذَا سَأَلْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

حَاجَةً فَتَصَدَّقُوا بَيْنَ يَدَيْ حَاجَتِكُمْ لِيَكُونَ أَقْضَى لِحَوَائِجِكُمْ ، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ إِلاَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَإِنَّهُ تَصَدَّقَ بِدِينَارٍ وَ نَاجَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَشْرَ نَجَوَاتٍ .

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ اِبْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ [ أَبِي جَعْفَرٍ] قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ :«إِذٰا نٰاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوٰاكُمْ صَدَقَةً » قَالَ : قَدَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاهُ صَدَقَةً ثُمَّ نَسَخَهَا قَوْلُهُ :«أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوٰاكُمْ صَدَقٰاتٍ » .

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنِيُّ [الْحَسَنِيُّ ] قَالَ : حَدَّثَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ خُنَيْسٍ قَالَ : حَدَّثَنَا صَبَّاحٌ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَآيَةً مَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي وَ لاَ يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي وَ هِيَ آيَةُ النَّجْوَى كَانَ عِنْدِي دِينَارٌ فَبِعْتُهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، فَجَعَلْتُ أُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْ كُلِّ نَجْوَى أُنَاجِيهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ دِرْهَماً، قَالَ :

فَنَسَخَهَا قَوْلُهُ :«أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوٰاكُمْ صَدَقٰاتٍ » إِلَى قَوْلِهِ «وَ اللّٰهُ خَبِيرٌ بِمٰا تَعْمَلُونَ » .،

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمُ فِي قَوْلِهِ :«أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللّٰهُ عَلَيْهِمْ »

قَالَ : نَزَلَتْ فِي اَلثَّانِي لِأَنَّهُ مَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ اَلْيَهُودِ وَ يَكْتُبُ خَبَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللّٰهُ عَلَيْهِمْ مٰا هُمْ مِنْكُمْ وَ لاٰ مِنْهُمْ » فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ رَأَيْتُكَ تَكْتُبُ عَنِ اَلْيَهُودِ وَ قَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ ! فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ

ص: 357

ثُمَّ أَتَيْتَهُ رَغْبَةً عَمَّا جِئْتَ بِهِ لَكُنْتَ كَافِراً بِمَا جِئْتَ بِهِ وَ هُوَ قَوْلُهُ «اِتَّخَذُوا أَيْمٰانَهُمْ جُنَّةً » أَيْ حِجَاباً بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ اَلْكُفَّارِ وَ إِيمَانُهُمْ إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ و خَوْفاً مِنَ السَّيْفِ وَ رَفْعَ الْجِزْيَةِ .

وَ قَوْلُهُ «يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّٰهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمٰا يَحْلِفُونَ لَكُمْ » قَالَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ الَّذِينَ غَصَبُوا آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ فَيُعْرَضُ عَلَيْهِمْ أَعْمَالُهُمْ فَيَحْلِفُونَ لَهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا مِنْهَا شَيْئاً كَمَا حَلَفُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي الدُّنْيَا حِينَ حَلَفُوا أَنْ لاَ يَرُدُّوا الْوَلاَيَةَ فِي بَنِي هَاشِمٍ ، وَ حِينَ هَمُّوا بِقَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي اَلْعَقَبَةِ ، فَلَمَّا أَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَ أَخْبَرَهُ حَلَفُوا لَهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ وَ لَمْ يَهِمُّوا بِهِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ «يَحْلِفُونَ بِاللّٰهِ مٰا قٰالُوا وَ لَقَدْ قٰالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاٰمِهِمْ وَ هَمُّوا بِمٰا لَمْ يَنٰالُوا وَ مٰا نَقَمُوا إِلاّٰ أَنْ أَغْنٰاهُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ » قَوْلُهُ :«لاٰ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ » إِلَى قَوْلِهِ «أَوْ إِخْوٰانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ » الْآيَةَ ، أَيْ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ اَلْيَوْمِ الْآخِرِ لاَ يُؤَاخِي مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ إِلَى قَوْلِهِ «أُولٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمٰانَ » وَ هُمُ اَلْأَئِمَّةُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ

«وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ » قَالَ : اَلرُّوحُ مَلَكٌ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ وَ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ مَعَ اَلْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَ قَوْلُهُ «أُولٰئِكَ حِزْبُ اللّٰهِ » يَعْنِي اَلْأَئِمَّةُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ أَعْوَانُ اللَّهِ «أَلاٰ إِنَّ حِزْبَ اللّٰهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » .

59- سُورَةُ الْحَشْرِ مَدَنِيَّةٌ آيَاتُهَا أَرْبَعٌ وَ عِشْرُونَ 24

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ سَبَّحَ لِلّٰهِ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ مِنْ دِيٰارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مٰا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا»

ص: 358

وَ مُدَّةٌ فَنَقَضُوا عَهْدَهُمْ وَ كَانَ سَبَبَ ذَلِكَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ فِي نَقْضِ عَهْدِهِمْ أَنَّهُ أَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَسْتَسْلِفُهُمْ دِيَةَ رَجُلَيْنِ قَتَلَهُمَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ غِيلَةً يَعْنِي يَسْتَقْرِضُ ، وَ كَانَ قَصَدَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى كَعْبٍ قَالَ : مَرْحَباً يَا أَبَا الْقَاسِمِ وَ أَهْلاً! وَ قَامَ كَأَنَّهُ يَضَعُ لَهُ الطَّعَامَ وَ حَدَّثَ نَفْسَهُ أَنْ يَقْتُلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

وَ يَتْبَعَ أَصْحَابَهُ ، فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

إِلَى اَلْمَدِينَةِ وَ قَالَ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيِّ اذْهَبْ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ أَخْبَرَنِي بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ مِنَ الْغَدْرِ فَإِمَّا أَنْ تَخْرُجُوا مِنْ بَلَدِنَا وَ إِمَّا أَنْ تَأْذَنُوا بِحَرْبٍ ، فَقَالُوا نَخْرُجُ مِنْ بِلاَدِكَ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَلاَّ تَخْرُجُوا وَ تُقِيمُوا وَ تُنَابِذُوا مُحَمَّداً الْحَرْبَ فَإِنِّي أَنْصُرُكُمْ أَنَا وَ قَوْمِي وَ حُلَفَائِي، فَإِنْ خَرَجْتُمْ خَرَجْتُ مَعَكُمْ وَ إِنْ قَاتَلْتُمْ قَاتَلْتُ مَعَكُمْ ، فَأَقَامُوا وَ أَصْلَحُوا حُصُونَهُمْ وَ تَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ وَ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّا لاَ نَخْرُجُ فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ .

فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ كَبَّرَ وَ كَبَّرَ أَصْحَابُهُ وَ قَالَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ تَقَدَّمْ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ فَأَخَذَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الرَّايَةَ وَ تَقَدَّمَ ، وَ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 359

«هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ مِنْ دِيٰارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مٰا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مٰانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّٰهِ فَأَتٰاهُمُ اللّٰهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا» إِلَى قَوْلِهِ «فَإِنَّ اللّٰهَ شَدِيدُ الْعِقٰابِ » . وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِيمَا عَابُوهُ مِنْ قَطْعِ النَّخْلِ «مٰا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهٰا قٰائِمَةً عَلىٰ أُصُولِهٰا فَبِإِذْنِ اللّٰهِ وَ لِيُخْزِيَ الْفٰاسِقِينَ » إِلَى قَوْلِهِ «رَبَّنٰا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ »

وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَ أَصْحَابِهِ «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نٰافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوٰانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ » إِلَى قَوْلِهِ «ثُمَّ لاٰ يُنْصَرُونَ » ثُمَّ قَالَ :«كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » يَعْنِي بَنِي قَيْنُقَاعَ «قَرِيباً ذٰاقُوا وَبٰالَ أَمْرِهِمْ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ » ثُمَّ ضَرَبَ فيِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَ بَنِي النَّضِيرِ مَثَلاً فَقَالَ «كَمَثَلِ اَلشَّيْطٰانِ إِذْ قٰالَ لِلْإِنْسٰانِ اكْفُرْ فَلَمّٰا كَفَرَ قٰالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخٰافُ اللّٰهَ رَبَّ الْعٰالَمِينَ فَكٰانَ عٰاقِبَتَهُمٰا أَنَّهُمٰا فِي اَلنّٰارِ خٰالِدَيْنِ فِيهٰا وَ ذٰلِكَ جَزٰاءُ الظّٰالِمِينَ » فِيهِ زِيَادَةُ أَحْرُفٍ لَمْ تَكُنْ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ

حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ ... أَحْمَدَ بْنِ مِيثَمٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ: فِي غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ وَ زَادَ فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِلْأَنْصَارِ:

إِنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُ إِلَيْكُمْ فَيْ ءَ اَلْمُهَاجِرِينَ مِنْهَا وَ إِنْ شِئْتُمْ قَسَمْتُهَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ وَ تَرَكْتُهُمْ مَعَكُمْ قَالُوا: قَدْ شِئْنَا أَنْ تَقْسِمَهَا فِيهِمْ ، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَيْنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ دَفَعَهَا عَنِ اَلْأَنْصَارِ وَ لَمْ يُعْطِ مِنَ اَلْأَنْصَارِ إِلاَّ رَجُلَيْنِ سُهَيْلَ بْنَ حُنَيْفٍ

وَ أبو [أَبَا] دُجَانَةَ فَإِنَّهُمَا ذَكَرَا حَاجَةً .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «هُوَ اللّٰهُ الَّذِي لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ »

قَالَ الْقُدُّوسُ هُوَ الْبَرِيْ ءُ مِنْ شَوَائِبِ الْآفَاتِ الْمُوجِبَاتِ لِلْجَهْلِ قَوْلُهُ :«اَلسَّلاٰمُ الْمُؤْمِنُ » قَالَ : يُؤْمِنُ أَوْلِيَاءَهُ مِنَ الْعَذَابِ قَوْلُهُ «اَلْمُهَيْمِنُ » أَيِ الشَّاهِدُ قَوْلُهُ :

«هُوَ اللّٰهُ الْخٰالِقُ الْبٰارِئُ » الْبَارِئُ هُوَ الَّذِي يَخْلُقُ الشَّيْ ءَ لاَ مِنْ شَيْ ءٍ «لَهُ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ »

ص: 360

بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ أَسَدٍ [رَاشِدٍ] عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ «لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ » وَ سُمِّيَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، فَتَاهَتْ هُنَالِكَ عُقُولُهُمْ وَ اسْتُخِفَّتْ حُلُومُهُمْ فَضَرَبُوا لَهُ الْأَمْثَالَ وَ جَعَلُوا لَهُ أَنْدَاداً وَ شَبَّهُوهُ بِالْأَمْثَالِ وَ مَثَّلُوهُ أَشْبَاهاً وَ جَعَلُوهُ يَزُولُ وَ يَحُولُ فَتَاهُوا فِي بَحْرٍ عَمِيقٍ لاَ يَدْرُونَ مَا غَوْرُهُ وَ لاَ يُدْرِكُونَ كُنْهَ بُعْدِهِ .

60- سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ مَدَنِيَّةٌ آيَاتُهَا ثَلاَثَ عَشْرَةَ 13

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِيٰاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ » نَزَلَتْ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ ، وَ لَفْظُ الْآيَةِ عَامٌّ وَ مَعْنَاهُ خَاصُّ ، وَ كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ

أَنَّ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَ هَاجَرَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ

وَ كَانَ عِيَالُهُ بِمَكَّةَ وَ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَخَافُ أَنْ يَغْزُوَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، فَصَارُوا إِلَى عِيَالِ حَاطِبٍ وَ سَأَلُوهُمْ أَنْ يَكْتُبُوا إِلَى حَاطِبٍ يَسْأَلُوهُ عَنْ خَبَرِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

وَ هَلْ يُرِيدُ أَنْ يَغْزُوَ مَكَّةَ فَكَتَبُوا إِلَى حَاطِبٍ يَسْأَلُونَ عَنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ حَاطِبٌ

ص: 361

كَذَبَ جَبْرَئِيلُ عَلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَ اللَّهِ لَتُظْهِرِنَّ لِيَ الْكِتَابَ أَوْ لَأُورِدَنَّ رَأْسَكِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، فَقَالَتْ تَنَحَّيَا حَتَّى أُخْرِجَهُ فَأَخْرَجَتِ الْكِتَابَ مِنْ قَرْنِهَا فَأَخَذَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ جَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ :

يَا حَاطِبُ ! مَا هَذَا فَقَالَ حَاطِبٌ وَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَافَقْتُ وَ لاَ غَيَّرْتُ وَ لاَ بَدَّلْتُ وَ إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَقّاً وَ لَكِنْ أَهْلِي وَ عِيَالِي كَتَبُوا إِلَيَّ بِحُسْنِ صَنِيعِ قُرَيْشٍ إِلَيْهِمْ ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُجَازِيَ قُرَيْشاً بِحُسْنِ مُعَاشَرَتِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِيٰاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ » إِلَى قَوْلِهِ «لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحٰامُكُمْ وَ لاٰ أَوْلاٰدُكُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ » .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«عَسَى اللّٰهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الَّذِينَ عٰادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَ اللّٰهُ قَدِيرٌ وَ اللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ » فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ قَوْمِهِمْ مَا دَامُوا كُفَّاراً فَقَالَ :«قَدْ كٰانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرٰاهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قٰالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنّٰا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمّٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ » إِلَى قَوْلِهِ «وَ اللّٰهُ قَدِيرٌ وَ اللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ » الْآيَةَ قَطَعَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَلاَيَةَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ وَ أَظْهَرُوا لَهُمُ الْعَدَاوَةَ فَقَالَ «عَسَى اللّٰهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الَّذِينَ عٰادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً » فَلَمَّا أَسْلَمَ أَهْلُ مَكَّةَ خَالَطَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

وَ نَاكَحُوهُمْ وَ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أُمَّ حَبِيبٍ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ثُمَّ قَالَ «لاٰ يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ » إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا جٰاءَكُمُ اَلْمُؤْمِنٰاتُ مُهٰاجِرٰاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللّٰهُ أَعْلَمُ بِإِيمٰانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنٰاتٍ فَلاٰ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى اَلْكُفّٰارِ» قَالَ : إِذَا لَحِقَتْ امْرَأَةٌ مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ بِالْمُسْلِمِينَ

تُمْتَحَنُ بِأَنْ تحَلْفِ بِاللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهَا عَلَى اللُّحُوقِ بِالْمُسْلِمِينَ بُغْضُهَا لِزَوْجِهَا اَلْكَافِرِ وَ لاَ حُبُّهَا لِأَحَدٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ وَ إِنَّمَا حَمَلَهَا عَلَى ذَلِكَ اَلْإِسْلاَمُ ، و إِذَا حَلَفَتْ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ إِسْلاَمِهَا.

ص: 362

ثُمَّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ :«فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنٰاتٍ فَلاٰ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى اَلْكُفّٰارِ

لاٰ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لاٰ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَ آتُوهُمْ مٰا أَنْفَقُوا» يَعْنِي يَرُدُّ اَلْمُسْلِمُ عَلَى زَوْجِهَا اَلْكَافِرِ صَدَاقَهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا اَلْمُسْلِمُ وَ هُوَ قَوْلُهُ :«وَ لاٰ جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذٰا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ »

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ لاٰ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ» يَقُولُ : مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ كَافِرَةٌ يَعْنِي عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ اَلْإِسْلاَمِ وَ هُوَ عَلَى مِلَّةِ اَلْإِسْلاَمِ فَلْيَعْرِضْ عَلَيْهَا اَلْإِسْلاَمَ فَإِنْ قَبِلَتْ فَهِيَ امْرَأَتُهُ ، وَ إِلاَّ فَهِيَ بَرِيئَةٌ مِنْهُ فَنَهَى اللَّهُ أَنْ يُمْسِكَ بِعِصْمَتِهَا(1). وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ :«وَ سْئَلُوا مٰا أَنْفَقْتُمْ » يَعْنِي إِذَا لَحِقَتِ امْرَأَةٌ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ بِالْكُفَّارِ فَعَلَى اَلْكَافِرِ أَنْ يَرِدَ عَلَى اَلْمُسْلِمِ صَدَاقَهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلِ اَلْكَافِرُ وَ غَنِمَ اَلْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةً أُخِذَ مِنْهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ صَدَاقُ الْمَرْأَةِ اللاَّحِقَةِ بِالْكُفَّارِ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : قَالَ فِي قَوْلِهِ :«وَ إِنْ فٰاتَكُمْ شَيْ ءٌ مِنْ أَزْوٰاجِكُمْ إِلَى اَلْكُفّٰارِ فَعٰاقَبْتُمْ » يَعْنِي مَنْ يَلْحَقْنَ بِالْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ عَهْدِكُمْ فَسَأَلُوهُمْ صَدَاقَهَا وَ إِنْ لَحِقْنَ بِكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ شَيْ ءٌ فَأَعْطُوهُمْ صَدَاقَهَا. وَ أَمَّا قَوْلُهُ «وَ إِنْ فٰاتَكُمْ شَيْ ءٌ مِنْ أَزْوٰاجِكُمْ » يَقُولُ وَ إِنْ لَحِقْنَ بِالْكُفَّارِ الَّذِينَ لاَ عَهْدَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ فَأَصَبْتُمْ غَنِيمَةً «فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوٰاجُهُمْ مِثْلَ مٰا أَنْفَقُوا وَ اتَّقُوا اللّٰهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ »

قَالَ : وَ كَانَ سَبَبَ نُزُولِ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَتْ عِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَكَرِهَتِ الْهِجْرَةَ مَعَهُ ، وَ أَقَامَتْ مَعَ اَلْمُشْرِكِينَ فَنَكَحَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يُعْطِيَ عُمَرَ مِثْلَ صَدَاقِهَا .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ إِنْ فٰاتَكُمْ شَيْ ءٌ مِنْ أَزْوٰاجِكُمْ » فَلَحِقْنَ بِالْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ عَهْدِكُمْ فَسَأَلُوهُمْ صَدَاقَهَا وَ إِنْ لَحِقْنَ بِكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ شَيْ ءٌ فَأَعْطُوهُمْ صَدَاقَهَا «ذٰلِكُمْ حُكْمُ اللّٰهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ » .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ

ص: 363


1- الْعِصْمَةُ : مَا يُعْتَصَمُ بِهِ مِنْ عَقْدٍ وَ سَبَبٍ . مُجْمِعٍ .

فِي قَوْلِهِ :«يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذٰا جٰاءَكَ اَلْمُؤْمِنٰاتُ يُبٰايِعْنَكَ عَلىٰ أَنْ لاٰ يُشْرِكْنَ بِاللّٰهِ شَيْئاً وَ لاٰ يَسْرِقْنَ وَ لاٰ يَزْنِينَ وَ لاٰ يَقْتُلْنَ أَوْلاٰدَهُنَّ وَ لاٰ يَأْتِينَ بِبُهْتٰانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لاٰ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبٰايِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللّٰهَ إِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ »

فَإِنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَعَدَ فِي اَلْمَسْجِدِ يُبَايِعُ الرِّجَالَ إِلَى صَلاَةِ الظُّهْرِ وَ الْعَصْرِ ثُمَّ قَعَدَ لِبَيْعَةِ النِّسَاءِ وَ أَخَذَ قَدَحاً مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ ثُمَّ قَالَ لِلنِّسَاءِ: مَنْ أَرَادَتْ أَنْ تُبَايِعَ فَلْتُدْخِلْ يَدَهَا فِي الْقَدَحِ فَإِنِّي لاَ أُصَافِحُ النِّسَاءَ ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِنَّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعَةِ عَلَيْهِنَّ فَقَالَ :«عَلىٰ أَنْ لاٰ يُشْرِكْنَ بِاللّٰهِ شَيْئاً وَ لاٰ يَسْرِقْنَ وَ لاٰ يَزْنِينَ وَ لاٰ يَقْتُلْنَ أَوْلاٰدَهُنَّ وَ لاٰ يَأْتِينَ بِبُهْتٰانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لاٰ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبٰايِعْهُنَّ » ، فَقَامَتْ أُمُّ حَكِيمٍ ابْنَةُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا الْمَعْرُوفُ الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ بِهِ أَنْ لاَ نَعْصِيَكَ فِيهِ فَقَالَ : أَنْ لاَ تَخْمِشْنَ وَجْهاً وَ لاَ تَلْطِمْنَ خَدّاً وَ لاَ تَنْتِفْنَ شَعْراً وَ لاَ تُمَزِّقْنَ جَيْباً وَ لاَ تُسَوِّدْنَ ثَوْباً وَ لاَ تَدْعُوِنَّ بِالْوَيْلِ وَ الثُّبُورِ وَ لاَ تُقِيمِنَّ عِنْدَ قَبْرٍ، فَبَايَعَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ :

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «وَ لاٰ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ » ، قَالَ : هُوَ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ مِنَ الصَّلاَةِ وَ الزَّكَاةِ وَ مَا أَمَرَهُنَّ بِهِ مِنْ خَيْرٍ.،

ص: 364

61- سُورَةُ الصَّفِّ مَدَنِيَّةٌ آيَاتُهَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ 14

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ سَبَّحَ لِلّٰهِ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مٰا لاٰ تَفْعَلُونَ » مُخَاطَبَةٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الَّذِينَ وَعَدُوهُ أَنْ يَنْصُرُوهُ وَ لاَ يُخَالِفُوا أَمْرَهُ وَ لاَ يَنْقُضُوا عَهْدَهُ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فَعَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ لاَ يُوفُونَ بِمَا يَقُولُونَ فَقَالَ :«لِمَ تَقُولُونَ مٰا لاٰ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ » الْآيَةَ ، وَ قَدْ سَمَّاهُمُ اللَّهُ مُؤْمِنِينَ بِإِقْرَارِهِمْ وَ إِنْ لَمْ يَصْدُقُوا ثُمَّ ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ جَاهَدُوا وَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ :«إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيٰانٌ مَرْصُوصٌ » قَالَ : يَصْطَفُّونَ كَالْبُنْيَانِ الَّذِي لاَ يَزُولُ قَوْلُهُ «فَلَمّٰا زٰاغُوا أَزٰاغَ اللّٰهُ قُلُوبَهُمْ » أيْ شَكَّكَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ثُمَّ حَكَى قَوْلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ «إِنِّي رَسُولُ اللّٰهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ اَلتَّوْرٰاةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمّٰا جٰاءَهُمْ بِالْبَيِّنٰاتِ قٰالُوا هٰذٰا سِحْرٌ مُبِينٌ »

قَالَ : وَ سَأَلَ بَعْضُ اَلْيَهُودِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِمَ سُمِّيتَ مُحَمَّداً وَ أَحْمَدَ

وَ بَشِيراً وَ نَذِيراً قَالَ : أَمَّا مُحَمَّدٌ فَإِنِّي فِي الْأَرْضِ مَحْمُودٌ وَ أَمَّا أَحْمَدُ فَإِنِّي فِي السَّمَاءِ أَحْمَدُ مِنْهُ ، وَ أَمَّا الْبَشِيرُ فَأُبَشِّرُ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ بِالْجَنَّةِ وَ أَمَّا النَّذِيرُ فَأُنْذِرُ مَنْ عَصَى اللَّهَ بِالنَّارِ.

وَ قَوْلُهُ «يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللّٰهِ بِأَفْوٰاهِهِمْ وَ اللّٰهُ مُتِمُّ نُورِهِ » قَالَ بِالْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ حَتَّى إِذَا خَرَجَ يُظْهِرُهُ اللَّهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ حَتَّى لاَ يُعْبَدَ غَيْرُ اللَّهِ

وَ هُوَ قَوْلُهُ : «يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً.»

ص: 365

إِلَى قَوْلِهِ «ذٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » .،«وَ أُخْرىٰ تُحِبُّونَهٰا نَصْرٌ مِنَ اللّٰهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ » يَعْنِي فِي الدُّنْيَا بِفَتْحِ الْقَائِمِ وَ أَيْضاً قَالَ فَتْحِ مَكَّةَ قَوْلُهُ :«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصٰارَ اللّٰهِ » إِلَى قَوْلِهِ «فَآمَنَتْ طٰائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ

وَ كَفَرَتْ طٰائِفَةٌ » قَالَ : الَّتِي كَفَرَتْ هِيَ الَّتِي قَتَلَتْ شَبِيهَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ صَلَبَتْهُ وَ الَّتِي آمَنَتْ هِيَ الَّتِي قَبِلَتْ شَبِيهَ عِيسَى حَتَّى لاَ يُقْتَلَ فَقَتَلَتِ الطَّائِفُةُ الَّتِي قَتَلَتْهُ وَ صَلَبَتْهُ وَ هُوَ قَوْلُهُ :«فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظٰاهِرِينَ »

62- سُورَةُ الْجُمُعَةِ مَدَنِيَّةٌ آيَاتُهَا إِحْدَى عَشْرَةَ 11

62 سُورَةُ الْجُمُعَةِ مَدَنِيَّةٌ(1) آيَاتُهَا إِحْدَى عَشْرَةَ 11

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ يُسَبِّحُ لِلّٰهِ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ » الْقُدُّوسُ الْبَرِيْ ءُ مِنَ الْآَفَاتِ الْمُوجِبَاتِ لِلْجَهْلِ

قَوْلُهُ :«هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ » قَالَ : الْأُمِّيُّونَ الَّذِينَ لَيْسَ مَعَهُمْ كِتَابٌ

قَالَ : فَحَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ » قَالَ : كَانُوا يَكْتُبُونَ وَ لَكِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ لاَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولاً فَنَسَبَهُمُ اللَّهُ إِلَى الْأُمِّيِّينَ .،

وَ قَوْلُهُ :

«وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّٰا يَلْحَقُوا بِهِمْ » قَالَ دَخَلُوا فِي اَلْإِسْلاَمِ بَعْدَهُمْ ، ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلاً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ :«مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا اَلتَّوْرٰاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهٰا كَمَثَلِ الْحِمٰارِ يَحْمِلُ أَسْفٰاراً» قَالَ : الْحِمَارُ يَحْمِلُ الْكُتُبَ وَ لاَ يَعْلَمُ مَا فِيهَا وَ لاَ يَعْمَلُ بِهَا كَذَلِكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَدْ حُمِّلُوا مِثْلَ الْحِمَارِ لاَ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِ وَ لاَ يَعْمَلُونَ بِهِ قَوْلُهُ :«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ هٰادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيٰاءُ لِلّٰهِ مِنْ دُونِ النّٰاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ » قَالَ : إِنَّ فِي اَلتَّوْرَاةِ مَكْتُوبٌ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ يَتَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ ثُمَّ قَالَ :«قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاٰقِيكُمْ »

ص: 366


1- وَ فِي ط أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ . ج. ز.

كُلُّ امْرِئٍ مُلاَقٍ فِي فِرَارِهِ مَا مِنْهُ يَفِرُّ: وَ الْأَجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ إِلَيْهِ ، وَ الْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ . قَوْلُهُ :«فَاسْعَوْا إِلىٰ ذِكْرِ اللّٰهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ » السَّعْيُ هُوَ الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا نُودِيَ لِلصَّلاٰةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلىٰ ذِكْرِ اللّٰهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ » قَالَ :

اسْعَوْا أَيِ امْضُوا، وَ يُقَالُ اسْعَوْا اعْمَلُوا لَهَا، وَ هُوَ قَصُّ الشَّارِبِ وَ نَتْفُ الْإِبْطِ وَ تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَ الْغُسْلُ وَ لُبْسُ أَفْضَلِ ثِيَابِكَ وَ تَطَيُّبٌ لِلْجُمُعَةِ فَهُوَ السَّعْيُ ، وَ يَقُولُ اللَّهُ «وَ مَنْ أَرٰادَ الْآخِرَةَ وَ سَعىٰ لَهٰا سَعْيَهٰا وَ هُوَ مُؤْمِنٌ » ، - حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ [أَبِي حَمْزَةَ ] عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي قَوْلِهِ :«وَ ذَرُوا الْبَيْعَ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ » .

قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «فَإِذٰا قُضِيَتِ الصَّلاٰةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ » قَالَ : يَوْمَ السَّبْتِ

قَوْلُهُ «وَ إِذٰا رَأَوْا تِجٰارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهٰا»

قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

يُصَلِّي بِالنَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَ دَخَلَتْ مِيرَةٌ (1) وَ بَيْنَ يَدَيْهَا قَوْمٌ يَضْرِبُونَ بِالدُّفُوفِ وَ الْمَلاَهِي فَتَرَكَ النَّاسُ الصَّلاَةَ وَ مَرُّوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «وَ إِذٰا رَأَوْا تِجٰارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهٰا وَ تَرَكُوكَ قٰائِماً قُلْ مٰا عِنْدَ اللّٰهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجٰارَةِ وَ اللّٰهُ خَيْرُ الرّٰازِقِينَ » .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ [أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ] عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ اِبْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْجُمُعَةِ كَيْفَ يَخْطُبُ الْإِمَامُ قَالَ : يَخْطُبُ قَائِماً فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ «وَ تَرَكُوكَ قٰائِماً» .

وَ عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنِ اِبْنِ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : قَالَ نَزَلَتْ «وَ إِذٰا رَأَوْا تِجٰارَةً أَوْ لَهْواً» انْصَرَفُوا إِلَيْهَا وَ تَرَكُوكَ قَائِماً. «قُلْ مٰا عِنْدَ اللّٰهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجٰارَةِ » يَعْنِي لِلَّذِينَ اتَّقَوْا «وَ اللّٰهُ خَيْرُ الرّٰازِقِينَ »

ص: 367


1- الْمِيرَةُ بِالْكَسْرِ: طَعَامٌ يُجْلَبُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ. ج. ز.

63- سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ مَدَنِيَّةٌ إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً 11

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ إِذٰا جٰاءَكَ الْمُنٰافِقُونَ قٰالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللّٰهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لَكٰاذِبُونَ »

قَالَ : نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ المريسع [اَلْمُرَيْسِيعِ ] [المتسع] وَ هِيَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلَقِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ خَرَجَ إِلَيْهَا فَلَمَّا رَجَعَ مِنْهَا نَزَلَ عَلَى بِئْرٍ، وَ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلاً فِيهَا وَ كَانَ أَنَسُ بْنُ سَيَّارٍ حَلِيفَ اَلْأَنْصَارِ، وَ كَانَ جَهْجَاهُ بْنُ سَعِيدٍ الْغِفَارِيُّ أَجِيراً لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَاجْتَمَعُوا عَلَى الْبِئْرِ فَتَعَلَّقَ دَلْوُ اِبْنِ سَيَّارٍ بِدَلْوِ جَهْجَاهٍ ، فَقَالَ [اِبْنُ ] سَيَّارٍ

دَلْوِي وَ قَالَ جَهْجَاهٌ دَلْوِي، فَضَرَبَ جَهْجَاهٌ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ اِبْنِ سَيَّارٍ فَسَالَ مِنْهُ الدَّمُ ، فَنَادَى [اِبْنُ ] سَيَّارٍ بِالْخَزْرَجِ وَ نَادَى جَهْجَاهٌ بِقُرَيْشٍ وَ أَخَذَ النَّاسُ السِّلاَحَ وَ كَادَ أَنْ تَقَعَ الْفِتْنَةُ فَسَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ النِّدَاءَ فَقَالَ : مَا هَذَا فَأَخْبَرُوهُ بِالْخَبَرِ فَغَضِبَ غَضَباً شَدِيداً ثُمَّ قَالَ قَدْ كُنْتُ كَارِهاً لِهَذَا الْمَسِيرِ إِنِّي لَأَذَلُّ اَلْعَرَبَ ، مَا ظَنَنْتُ أَنِّي أَبْقَى إِلَى أَنْ أَسْمَعَ مِثْلَ هَذَا فَلاَ يَكُنْ عِنْدِي تَعْيِيرٌ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ : هَذَا عَمَلُكُمْ أَنْزَلْتُمُوهُمْ مَنَازِلَكُمْ وَ وَاسَيْتُمُوهُمْ بِأَمْوَالِكُمْ وَ وَقَيْتُمُوهُمْ بِأَنْفُسِكُمْ وَ أَبْرَزْتُمْ نُحُورَكُمْ لِلْقَتْلِ فَأَرْمَلَ نِسَاءَكُمْ وَ أَيْتَمَ صِبْيَانَكُمْ وَ لَوْ أَخْرَجْتُمُوهُمْ لَكَانُوا عِيَالاً عَلَى غَيْرِكُمْ ، ثُمَّ قَالَ :«لَئِنْ رَجَعْنٰا إِلَى اَلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ » وَ كَانَ فِي الْقَوْمِ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ

ص: 368

وَ رَكِبَ ، وَ تَسَامَعَ النَّاسُ بِذَلِكَ فَقَالُوا مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِيَرْحَلَ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ فَرَحَلَ النَّاسُ وَ لَحِقَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ ! فَقَالَ وَ عَلَيْكَ السَّلاَمُ ! فَقَالَ مَا كُنْتَ لِتَرْحَلَ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَقَالَ أَ وَ مَا سَمِعْتَ قَوْلاً قَالَ صَاحِبُكُمْ ، قَالُوا وَ أَيُّ صَاحِبٍ لَنَا غَيْرُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ زَعَمَ أَنَّهُ إِنْ رَجَعَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ «لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ » ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَأَنْتَ وَ أَصْحَابُكَ الْأَعَزُّ وَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ الْأَذَلُّ ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

يَوْمَهُ كُلَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُ أَحَدٌ، فَأَقْبَلَتِ اَلْخَزْرَجُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَعْذِلُونَهُ ، فَحَلَفَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ ، فَقَالُوا فَقُمْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَتَّى نَعْتَذِرَ إِلَيْهِ فَلَوَّى عُنُقَهُ .

فَلَمَّا جَنَّ اللَّيْلُ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَيْلَهُ كُلَّهُ وَ النَّهَارَ فَلَمْ يَنْزِلُوا إِلاَّ لِلصَّلاَةِ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ نَزَلَ أَصْحَابُهُ ، وَ قَدْ أَمْهَدَهُمُ الْأَرْضُ مِنَ السَّهَرِ الَّذِي أَصَابَهُمْ فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، فَحَلَفَ عَبْدُ اللَّهِ

أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَ إِنَّهُ لَيَشْهَدَ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَ إِنَّ زَيْداً قَدْ كَذَبَ عَلَيَّ ، فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْهُ ، وَ أَقْبَلَتِ اَلْخَزْرَجُ عَلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ

يَشْتِمُونَهُ وَ يَقُولُونَ لَهُ كَذَبْتَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ سَيِّدِنَا، فَلَمَّا رَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

كَانَ زَيْدٌ مَعَهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَكْذِبْ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَمَا سَارَ إِلاَّ قَلِيلاً حَتَّى أَخَذَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ(1) عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ فَثَقُلَ حَتَّى كَادَتْ نَاقَتُهُ أَنْ تَبْرَكَ مِنْ ثِقْلِ الْوَحْيِ ، فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 369


1- بُرَحَاءُ كَعُلَمَاءَ: الشِّدَّةُ .

جَمَعَ أَصْحَابَهُ وَ قَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ إِذٰا جٰاءَكَ الْمُنٰافِقُونَ قٰالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّٰهِ » إِلَى قَوْلِهِ «وَ لٰكِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لاٰ يَعْلَمُونَ » فَفَضَحَ اللَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ .

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِيثَمٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ : سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَوْماً وَ لَيْلَةً وَ مِنَ الْغَدِ حَتَّى ارْتَفَعَ الضُّحَى فَنَزَلَ وَ نَزَلَ النَّاسُ فَرَمَوْا بِأَنْفُسِهِمْ نِيَاماً وَ إِنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنْ يَكُفَّ النَّاسُ عَنِ الْكَلاَمِ قَالَ : وَ إِنَّ وَلَدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ عَزَمْتَ عَلَى قَتْلِهِ فَمُرْنِي أَكُونُ أَنَا الَّذِي أَحْمِلُ إِلَيْكَ رَأْسَهُ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ عَلِمَتِ اَلْأَوْسُ وَ اَلْخَزْرَجُ أَنِّي أَبَرُّهُمْ وَلَداً بِوَالِدَيَّ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَأْمُرَ غَيْرِي فَيَقْتُلَهُ فَلاَ تَطِيبَ نَفْسِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى قَاتِلِ عَبْدِ اللَّهِ ، فَأَقْتُلَ مُؤْمِناً بِكَافِرٍ فَأَدْخُلَ اَلنَّارَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : بَلْ يَحْسُنُ لَكَ صِحَابَتُهُ مَا دَامَ مَعَنَا .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ » يَقُولُ لاَ يَسْمَعُونَ وَ لاَ يَعْقِلُونَ . قَوْلُهُ «يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ » يَعْنِي كُلَّ صَوْتٍ «هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قٰاتَلَهُمُ اللّٰهُ أَنّٰى يُؤْفَكُونَ » فَلَمَّا نَعَتْهُمُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ وَ عَرَّفَهُ مَسَاءَتَهُمْ إِلَيْهِمْ وَ إِلَى عَشَائِرِهِمْ فَقَالُوا لَهُمْ قَدِ افْتَضَحْتُمْ وَيْلَكُمْ ! فَأْتُوا نَبِيَّ اللَّهِ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ فَلَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَ زَهِدُوا فِي الاِسْتِغْفَارِ يَقُولُ اللَّهُ :«وَ إِذٰا قِيلَ لَهُمْ تَعٰالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّٰهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ » وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «وَ أَنْفِقُوا مِنْ مٰا رَزَقْنٰاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لاٰ أَخَّرْتَنِي إِلىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ »

يَعْنِي بِقَوْلِهِ أَصَّدَّقَ أَيْ أَحُجَّ «وَ أَكُنْ مِنَ الصّٰالِحِينَ » يَعْنِي عِنْدَ الْمَوْتِ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ «وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللّٰهُ نَفْساً إِذٰا جٰاءَ أَجَلُهٰا وَ اللّٰهُ خَبِيرٌ بِمٰا تَعْمَلُونَ »

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ

ص: 370

اللَّهِ «وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللّٰهُ نَفْساً إِذٰا جٰاءَ أَجَلُهٰا» قَالَ إِنَّ عِنْدَ اللَّهِ كُتُباً مَرْقُومَةً يُقَدِّمُ مِنْهَا مَا يَشَاءُ وَ يُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ فَإِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا كُلَّ شَيْ ءٍ يَكُونُ إِلَى لَيْلَةٍ مِثْلِهَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ «وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللّٰهُ نَفْساً إِذٰا جٰاءَ أَجَلُهٰا» إِذَا أَنْزَلَهُ وَ كَتَبَهُ كُتَّابُ السَّمَاوَاتِ وَ هُوَ الَّذِي لاَ يُؤَخِّرُهُ .

64- سُورَةُ التَّغابن مَدَنِيَّةٌ آيَاتُهَا ثَمَانِيَ عَشْرَةَ 18

64 سُورَةُ التَّغابن مَدَنِيَّةٌ (1) آيَاتُهَا ثَمَانِيَ عَشْرَةَ 18

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ يُسَبِّحُ لِلّٰهِ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ وَ هُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كٰافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ » قَالَ هَذِهِ الْآيَةُ خَاصَّةٌ فِي اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْكَافِرِينَ

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ نُعَيْمٍ الصَّحَّافِ قَالَ : سَأَلْتُ الصَّادِقَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

عَنْ قَوْلِهِ :«فَمِنْكُمْ كٰافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ » ، فَقَالَ عَرَّفَ اللَّهُ إِيمَانَهُمْ بِوَلاَيَتِنَا وَ كُفْرَهُمْ بِتَرْكِهَا يَوْمَ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ وَ هُمْ فِي عَالَمِ الذَّرِّ وَ فِي صُلْبِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ حَكَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَوْلَ اَلدَّهْرِيَّةِ فَقَالَ «زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلىٰ وَ رَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمٰا عَمِلْتُمْ وَ ذٰلِكَ عَلَى اللّٰهِ يَسِيرٌ فَآمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنٰا» وَ النُّورُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ [أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ] عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِهِ :«فَآمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنٰا» ، فَقَالَ يَا أَبَا خَالِدٍ. النُّورُ وَ اللَّهِ اَلْأَئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم

ص: 371


1- وَ فِي ط أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ . ج. ز.

يَشَاءُ فَتُظْلِمُ قُلُوبُهُمْ ، وَ اللَّهِ يَا أَبَا خَالِدٍ! لاَ يُحِبُّنَا عَبْدٌ وَ يَتَوَلاَّنَا حَتَّى يُطَهِّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ وَ لاَ يُطَهِّرُ اللَّهُ قَلْبَ عَبْدٍ حَتَّى يُسَلِّمَ لَنَا وَ يَكُونَ سِلْماً لَنَا فَإِذَا كَانَ سِلْماً لَنَا سَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْ شَدِيدِ الْحِسَابِ وَ آمَنَهُ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْأَكْبَرِ.

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللّٰهِ يَهْدِ قَلْبَهُ » أَيْ يُصَدِّقُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ فَإِذَا بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ اخْتَارَ الْهُدَى وَ يَزِيدُهُ اللَّهُ كَمَا قَالَ «وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زٰادَهُمْ هُدىً » وَ قَوْلُهُ «إِنَّمٰا أَمْوٰالُكُمْ وَ أَوْلاٰدُكُمْ فِتْنَةٌ » أي حب

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ

قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ رَبِيعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدٍ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ الْعَبْدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «ذٰلِكَ بِأَنَّهُ كٰانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنٰاتِ » قَالَ الْبَيِّنَاتُ هُمُ اَلْأَئِمَّةُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «إِنَّ مِنْ أَزْوٰاجِكُمْ وَ أَوْلاٰدِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ » وَ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا أَرَادَ الْهِجْرَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

تَعَلَّقَ بِهِ ابْنُهُ وَ امْرَأَتُهُ وَ قَالُوا نَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ تَذْهَبَ عَنَّا وَ تَدَعَنَا فَنَضْبَعَ (1) بَعْدَكَ فَمِنْهُمْ مَنْ يُطِيعُ أَهْلَهُ فَيُقِيمُ فَحَذَّرَهُمُ اللَّهُ أَبْنَاءَهُمْ وَ نِسَاءَهُمْ وَ نَهَاهُمْ عَنْ طَاعَتِهِمْ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْضِي وَ يَذَرُهُمْ وَ يَقُولُ أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ تُهَاجِرُوا مَعِي ثُمَّ يَجْمَعُ اللَّهُ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ لاَ أَنْفَعُكُمْ بِشَيْ ءٍ أَبَداً، فَلَمَّا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُمْ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُوفِيَ وَ يُحْسِنَ وَ يَصِلَهُمْ فَقَالَ «وَ إِنْ تَعْفُوا وَ تَصْفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ :«فَاتَّقُوا اللّٰهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ » نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ «اِتَّقُوا اللّٰهَ حَقَّ تُقٰاتِهِ » وَ قَالَ فِي قَوْلِهِ «وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ » قَالَ يُوقَ الشُّحَّ إِذَا اخْتَارَ النَّفَقَةَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ

ص: 372


1- ضَبَعَ الرَّجُلُ : جَبُنَ وَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ «نَضِيعَ ». ج. ز.

نَفْسِي، فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا سَمِعْتُكَ تَدْعُو بِغَيْرِ هَذَا الدُّعَاءِ، قَالَ وَ أَيُّ شَيْ ءٍ أَشَدُّ مِنْ شُحِّ النَّفْسِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ «وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » .

65- سُورَةُ الطَّلاَقِ مَدَنِيَّةٌ آيَاتُهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ 12

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ » قَالَ : الْمُخَاطَبَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ الْمَعْنَى لِلنَّاسِ

وَ هُوَ مَا قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ نَبِيَّهُ بِإِيَّاكِ أَعْنِي وَ اسْمَعِي يَا جَارَهْ .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ » وَ الْعِدَّةُ الطُّهْرُ مِنَ الْحَيْضِ . «وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ » وَ ذَلِكَ أَنْ تَدَعَهَا حَتَّى تَحِيضَ فَإِذَا حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ وَ اغْتَسَلَتْ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَامِعَهَا وَ يُشْهِدُ عَلَى طَلاَقِهَا إِذَا طَلَّقَهَا ثُمَّ إِذَا شَاءَ رَاجَعَهَا وَ يَشْهَدُ عَلَى رَجْعَتِهَا إِذَا رَاجَعَهَا فَإِذَا أَرَادَ طَلاَقَهَا الثَّانِيَةَ فَإِذَا حَاضَتْ وَ طَهُرَتْ وَ اغْتَسَلَتْ طَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ ، وَ أَشْهَدَ عَلَى طَلاَقِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَامِعَهَا ثُمَّ إِنْ شَاءَ رَاجَعَهَا [غَيْرَ أَنَّهُ إِنْ رَاجَعَهَا وَ أَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا] وَ يُشْهِدُ عَلَى رَجْعَتِهَا ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطَهَّرُ فَإِذَا اغْتَسَلَتْ طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ وَ هُوَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ الثَّالِثَةَ أَمْلَكُ بِهَا إِنْ شَاءَ رَاجَعَهَا غَيْرَ أَنَّهُ إِنْ رَاجَعَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا اعْتَدَّتْ بِمَا طَلَّقَ قَبْلَ ذَلِكَ وَ هَكَذَا السُّنَّةُ فِي الطَّلاَقِ لاَ يَكُونُ الطَّلاَقُ إِلاَّ عِنْدَ طُهْرِهَا مِنْ حَيْضِهَا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ كَمَا وُصِفَتْ وَ كُلَّمَا رَاجَعَ فَلْيُشْهِدْ فَإِنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا حَبَسَهَا مَا بَدَا لَهُ ثُمَّ إِنْ طَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا حَبَسَهَا بِوَاحِدَةٍ مَا بَدَا لَهُ ثُمَّ إِنْ طَلَّقَهَا تِلْكَ الْوَاحِدَةَ الْبَاقِيَةَ بَعْدَ مَا كَانَ رَاجَعَهَا اعْتَدَّتْ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ وَ هِيَ ثَلاَثُ حَيْضَاتٍ وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ تَحِيضُ فَثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَ إِنْ كَانَ بِهَا حَمْلٌ فَإِذَا وَضَعَتْ انْقَضَى أَجَلُهَا وَ هْو قَوْلُهُ :«وَ اللاّٰئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسٰائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاٰثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاّٰئِي لَمْ يَحِضْنَ » فَعِدَّتُهُنَّ أَيْضاً ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ

ص: 373

«وَ أُولاٰتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ » وَ أَمَّا قَوْلُهُ «وَ إِنْ كُنَّ أُولاٰتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ » ...«وَ إِنْ تَعٰاسَرْتُمْ »

يَقُولُ إِنْ تَرْضَى الْمَرْأَةُ فَتُرْضِعُ الْوَلَدَ، وَ إِنْ لَمْ يَرْضَ الرَّجُلُ أَنْ يَكُونَ وَلَدُهَا عِنْدَهَا يَقُولُ «فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرىٰ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّٰا آتٰاهُ اللّٰهُ » وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «وَ اتَّقُوا اللّٰهَ رَبَّكُمْ لاٰ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لاٰ يَخْرُجْنَ إِلاّٰ أَنْ يَأْتِينَ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ » قَالَ : لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُخْرِجَ امْرَأَتَهُ إِذَا طَلَّقَهَا وَ كَانَ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ مِنْ بَيْتِهِ وَ هِيَ أَيْضاً لاَ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَ مَعْنَى الْفَاحِشَةِ أَنْ تَزْنِيَ أَوْ تُشْرِفَ عَلَى الرِّجَالِ وَ مِنَ الْفَاحِشَةِ أَيْضاَ السَّلاَطَةُ (1). عَلَى زَوْجِهَا فَإِنْ فَعَلَتْ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا قَوْلُهُ «لاٰ تَدْرِي لَعَلَّ اللّٰهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذٰلِكَ أَمْراً» قَالَ لَعَلَّهُ أَنْ يَبْدُوَ لِزَوْجِهَا فِي الطَّلاَقِ فَيُرَاجِعَهَا قَوْلُهُ :«فَإِذٰا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فٰارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ » يَعْنِي إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا إِمَّا أَنْ يُرَاجِعَهَا(2) وَ إِمَّا أَنْ يُفَارِقَهَا يُطَلِّقَهَا وَ يُمَتِّعَهَا «عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ » قَوْلُهُ :«وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ » مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ :«إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ »

«وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ » قَوْلُهُ :«وَ أُولاٰتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ »

قَالَ : الْمُطَلَّقَةُ الْحَامِلُ أَجَلُهَا أَنْ تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا إِنْ وَضَعَتْ يَوْمَ طَلَّقَهَا تَتَزَوَّجُ إِذَا طَهُرَتْ وَ إِنْ لَمْ تَضَعْ مَا فِي بَطْنِهَا إِلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ تَبْرَأْ إِلَى أَنْ تَضَعَ قَوْلُهُ :

«أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ » قَالَ : الْمُطَلَّقَةُ الَّتِي لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ لَهَا عَلَيْهِ سُكْنَى وَ نَفَقَةٌ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلاً يُنْفِقُ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا.

ص: 374


1- طُولُ اللِّسَانِ .
2- أَيْ بَعدَ انْقِضَاءِ أَكْثَرِ أَيَّامِهَا وَ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْعِدَّةِ . ج. ز.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ : حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ

عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «وَ مَنْ يَتَّقِ اللّٰهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاٰ يَحْتَسِبُ » قَالَ فِي دُنْيَاهُ .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّٰا آتٰاهُ اللّٰهُ » قَالَ إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ مَا يُقِيمُ ظَهْرَهَا مَعَ الْكِسْوَةِ وَ إِلاَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا.، وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ » قَالَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ «عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهٰا» قَوْلُهُ «قَدْ أَنْزَلَ اللّٰهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً» قَالَ ذِكْرٌ اسْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالُوا نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ قَوْلُهُ «اَللّٰهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ » دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَحْتَ كُلِّ سَمَاءٍ أرض [أَرْضاً]

«لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللّٰهَ قَدْ أَحٰاطَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عِلْماً»

66- سُورَةُ التَّحْرِيمِ مَدَنِيَّةٌ آيَاتُهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ 12

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مٰا أَحَلَّ اللّٰهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضٰاتَ أَزْوٰاجِكَ وَ اللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللّٰهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمٰانِكُمْ وَ اللّٰهُ مَوْلاٰكُمْ وَ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ »

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ

عَنِ اِبْنِ سَيَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مٰا أَحَلَّ اللّٰهُ لَكَ » الْآيَةَ ، قَالَ اطَّلَعَتْ عَائِشَةُ وَ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ مَعَ مَارِيَةَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

وَ اللَّهِ مَا أَقْرَبُهَا فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُكَفِّرَ يَمِينَهُ .

ص: 375

حَفْصَةَ فَذَهَبَتْ حَفْصَةُ فِي حَاجَةٍ لَهَا فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ مَارِيَةَ ، فَعَلِمَتْ حَفْصَةُ بِذَلِكَ فَغَضِبَتْ وَ أَقْبَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا فِي يَوْمِي وَ فِي دَارِي وَ عَلَى فِرَاشِي فَاسْتَحْيَا رَسُولُ اللَّهِ مِنْهَا، فَقَالَ كَفَى فَقَدْ حَرَّمْتُ مَارِيَةَ عَلَى نَفْسِي وَ لاَ أَطَؤُهَا بَعْدَ هَذَا أَبَداً وَ أَنَا أُفْضِي إِلَيْكَ سِرّاً فَإِنْ أَنْتِ أَخْبَرْتِ بِهِ فَعَلَيْكِ «لَعْنَةُ اللّٰهِ وَ الْمَلاٰئِكَةِ وَ النّٰاسِ أَجْمَعِينَ » فَقَالَتْ نَعَمْ مَا هُوَ فَقَالَ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ يَلِي الْخِلاَفَةَ بَعْدِي ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ أَبُوكِ (1) فَقَالَتْ مَنْ أَخْبَرَكِ بِهَذَا قَالَ اللَّهُ أَخْبَرَنِي فَأَخْبَرَتْ حَفْصَةُ

عَائِشَةَ مِنْ يَوْمِهَا ذَلِكَ وَ أَخْبَرَتْ عَائِشَةُ أَبَا بَكْرٍ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ لَهُ إِنَّ عَائِشَةَ

أَخْبَرَتْنِي عَنْ حَفْصَةَ بِشَيْ ءٍ وَ لاَ أَثِقُ بِقَوْلِهَا فَاسْأَلْ أَنْتَ حَفْصَةَ ، فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ ، فَقَالَ لَهَا مَا هَذَا الَّذِي أَخْبَرَتْ عَنْكِ عَائِشَةُ ، فَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ قَالَتْ مَا قُلْتُ لَهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً، فَقَالَ لَهَا عُمَرُ إِنْ كَانَ هَذَا حَقّاً فَأَخْبِرِينَا حَتَّى نَتَقَدَّمَ فِيهِ ، فَقَالَتْ نَعَمْ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ذَلِكَ فَاجْتَمَعَ ... عَلَى أَنْ يَسُمُّوا رَسُولَ اللَّهِ فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِهَذِهِ السُّورَةِ «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مٰا أَحَلَّ اللّٰهُ لَكَ » إِلَى قَوْلِهِ «تَحِلَّةَ أَيْمٰانِكُمْ » . يَعْنِي قَدْ أَبَاحَ اللَّهُ لَكَ أَنْ تُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِكَ «وَ اللّٰهُ مَوْلاٰكُمْ وَ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلىٰ بَعْضِ أَزْوٰاجِهِ حَدِيثاً فَلَمّٰا نَبَّأَتْ بِهِ » أَيْ أَخْبَرَتْ بِهِ «وَ أَظْهَرَهُ اللّٰهُ » يَعْنِي أَظْهَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى مَا أَخْبَرَتْ بِهِ وَ مَا هَمُّوا بِهِ «عَرَّفَ بَعْضَهُ »

أَيْ أَخْبَرَهَا وَ قَالَ لِمَ أَخْبَرْتِ بِمَا أَخْبَرْتُكِ وَ قَوْلُهُ «وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ » قَالَ لِمَ يُخْبِرُهُمْ بِمَا عَلِمَ مِمَّا هَمُّوا بِهِ (2) «قٰالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هٰذٰا قٰالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ إِنْ تَتُوبٰا إِلَى اللّٰهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمٰا وَ إِنْ تَظٰاهَرٰا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّٰهَ هُوَ مَوْلاٰهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صٰالِحُ الْمُؤْمِنِينَ » يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «وَ الْمَلاٰئِكَةُ بَعْدَ ذٰلِكَ ظَهِيرٌ» يَعْنِي لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

.

ص: 376


1- ذَكَرَهُ الْكَشَّافُ .
2- هَكَذَا الْخَبَرُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ فِى كِلْتَا نُسْخَتَيْ تَفْسِيرِ الْقُمِّيِّ الْمَطْبُوعَتَيْنِ .

ثُمَّ خَاطَبَهَا فَقَالَ :«عَسىٰ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوٰاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمٰاتٍ مُؤْمِنٰاتٍ قٰانِتٰاتٍ تٰائِبٰاتٍ عٰابِدٰاتٍ سٰائِحٰاتٍ ثَيِّبٰاتٍ وَ أَبْكٰاراً» عَرَّضَ عَائِشَةَ

لِأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِبِكْرٍ غَيْرِ عَائِشَةَ

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [عَبْدُ اللَّهُ بْنُ مُحَمَّدٍ]

عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

يَقُولُ : «إِنْ تَتُوبٰا إِلَى اللّٰهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمٰا» إِلَى قَوْلِهِ «وَ صٰالِحُ الْمُؤْمِنِينَ » ، قَالَ صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

أَخْبَرَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ

عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ [زَيْدٍ] عَنْ سُلَيْمَانَ الْكَاتِبِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ جٰاهِدِ اَلْكُفّٰارَ وَ الْمُنٰافِقِينَ » قَالَ هَكَذَا نَزَلَتْ فَجَاهَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلْكُفَّارَ وَ جَاهَدَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الْمُنَافِقِينَ فَجَاهَدَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

جِهَادَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ زُرْعَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نٰاراً وَقُودُهَا النّٰاسُ وَ الْحِجٰارَةُ » قُلْتُ :

هَذِهِ نَفْسِي أَقِيهَا فَكَيْفَ أَقِي أَهْلِي قَالَ : تَأْمُرُهُمْ بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ وَ تَنْهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنْ أَطَاعُوكَ كُنْتَ قَدْ وَقَيْتَهُمْ وَ إِنْ عَصَوْكَ فَكُنْتَ قَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ .،

قَالَ اَلْحُسَيْنُ وَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّٰهِ تَوْبَةً نَصُوحاً» قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : يَتُوبُ الْعَبْدُ ثُمَّ لاَ يَرْجِعُ فِيهِ وَ إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ الْمُتَّقِي التَّائِبُ . قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلاً»

ثُمَّ ضَرَبَ اللَّه فِيهِمَا مَثَلاً فَقَالَ :«ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كٰانَتٰا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبٰادِنٰا صٰالِحَيْنِ فَخٰانَتٰاهُمٰا» فَقَالَ وَ اللَّهِ مَا عَنَى بِقَوْلِهِ «فَخٰانَتٰاهُمٰا»

إِلاَّ الْفَاحِشَةَ وَ لَيُقِيمَنَّ الْحَدَّ عَلَى فُلاَنَةَ فِيمَا أَتَتْ فِي طَرِيقٍ وَ كَانَ فُلاَنٌ يُحِبُّهَا فَلَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى... قَالَ لَهَا فُلاَنٌ لاَ يَحِلُّ لَكِ أَنْ تَخْرُجِي مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ فَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ فُلاَنٍ قَوْلُهُ «وَ ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ »

ص: 377

إِلَى قَوْلِهِ «وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرٰانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهٰا» قَالَ لَمْ يُنْظَرْ إِلَيْهَا «فَنَفَخْنٰا فِيهِ مِنْ رُوحِنٰا» أَيْ رُوحٍ مَخْلُوقَةٍ «وَ كٰانَتْ مِنَ الْقٰانِتِينَ » أَيْ مِنَ الدَّاعِينَ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «يَوْمَ لاٰ يُخْزِي اللّٰهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمٰانِهِمْ » فَمَنْ كَانَ لَهُ نُورٌ يَوْمَئِذٍ نَجَا وَ كُلُّ مُؤْمِنٍ لَهُ نُورٌ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ قَالَ : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الصَّائِغُ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:«نُورُهُمْ يَسْعىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمٰانِهِمْ » ، قَالَ أَئِمَّةُ الْمُؤْمِنِينَ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمَانِهِمْ حَتَّى يَنْزِلُوا مَنَازِلَهُمْ .

67- سُورَةُ الْمُلْكِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا ثَلاَثُونَ 30

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ تَبٰارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَ هُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَيٰاةَ » قَالَ : قَدَّرَهُمَا وَ مَعْنَاهُ قَدَّرَ الْحَيَاةَ ثُمَّ الْمَوْتَ «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» أَيْ يَخْتَبِرُكُمْ بِالْأَمْرِ وَ النَّهْيِ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً «وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ اَلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ طِبٰاقاً» قَالَ بَعْضُهَا طِبْقٌ لِبَعْضٍ «مٰا تَرىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمٰنِ مِنْ تَفٰاوُتٍ » قَالَ يَعْنِي مِنْ فَسَادٍ «فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرىٰ مِنْ فُطُورٍ» أَيْ مِنْ عَيْبٍ «ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ» قَالَ انْظُرْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ «يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خٰاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ» أَيْ يَقْصُرُ وَ هُوَ حَسِيرٌ أَيْ مُنْقَطِعٌ قَوْلُهُ «وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّمٰاءَ الدُّنْيٰا بِمَصٰابِيحَ » قَالَ بِالنُّجُومِ قَوْلُهُ «إِذٰا أُلْقُوا فِيهٰا سَمِعُوا لَهٰا شَهِيقاً»

أَيْ وَقْعاً «وَ هِيَ تَفُورُ» أَيْ تَرْتَفِعُ «تَكٰادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ » قَالَ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ «كُلَّمٰا أُلْقِيَ فِيهٰا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهٰا أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ» وَ هُمُ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَهُمْ بِالنَّارِ

ص: 378

وَ عَقَلُوا وَ لَكِنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوا وَ لَمْ يَقْبَلُوا وَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ سَمِعُوا وَ عَقَلُوا وَ لَمْ يَقْبَلُوا قَوْلُهُ «فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحٰابِ اَلسَّعِيرِ» قَوْلُهُ «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً» أَيْ فِرَاشاً «فَامْشُوا فِي مَنٰاكِبِهٰا» أَيْ فِي أَطْرَافِهَا قَوْلُهُ «فَلَمّٰا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا» قَالَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَ نَظَرَ أَعْدَاءُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ

مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْمَنْزِلَةِ الشَّرِيفَةِ الْعَظِيمَةِ وَ بِيَدِهِ لِوَاءُ الْحَمْدِ وَ هُوَ عَلَى اَلْحَوْضِ يَسْقِي وَ يَمْنَعُ تَسْوَدُّ وُجُوهُ أَعْدَائِهِ فَيُقَالُ لَهُمْ «هٰذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ » أَيْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ مَنْزِلَتَهُ وَ مَوْضِعَهُ وَ اسْمَهُ قَوْلُهُ «أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مٰاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمٰاءٍ مَعِينٍ » قَالَ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ إِمَامُكُمْ غَائِباً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِإِمَامٍ مِثْلِهِ .

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ [عَلاَ] قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَزَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ : سُئِلَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ

عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ :«قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مٰاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمٰاءٍ مَعِينٍ » ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : مَاؤُكُمْ أَبْوَابُكُمْ أَيِ اَلْأَئِمَّةُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَ اَلْأَئِمَّةُ أَبْوَابُ اللَّهِ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ خَلْقِهِ «فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمٰاءٍ مَعِينٍ » يَعْنِي بِعِلْمٍ الْإِمَامِ .

68- سُورَةُ الْقَلَمِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا اثْنَتَانِ وَ خَمْسُونَ 52

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ ن وَ الْقَلَمِ وَ مٰا يَسْطُرُونَ مٰا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ »

قَالَ فَحَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ [عَبْدِ الرَّحِيمِ ] الْقَصِيرِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ :

ص: 379

طَوَاهُ فَجَعَلَهُ فِي رُكْنِ اَلْعَرْشِ ثُمَّ خَتَمَ عَلَى فَمِ اَلْقَلَمِ فَلَمْ يَنْطِقْ بَعْدُ وَ لاَ يَنْطِقُ أَبَداً، فَهُوَ الْكِتَابُ الْمَكْنُونُ الَّذِي مِنْهُ النُّسَخُ كُلُّهَا، أَ وَ لَسْتُمْ عَرَباً فَكَيْفَ لاَ تَعْرِفُونَ مَعْنَى الْكَلاَمِ ، وَ أَحَدُكُمْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ انْسَخْ ذَلِكَ الْكِتَابَ أَ وَ لَيْسَ إِنَّمَا يُنْسَخُ مِنْ كِتَابٍ أُخِذَ مِنَ الْأَصْلِ وَ هُوَ قَوْلُهُ :«إِنّٰا كُنّٰا نَسْتَنْسِخُ مٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » . قَوْلُهُ «وَ مٰا يَسْطُرُونَ » أَيْ مَا يَكْتُبُونَ وَ هُوَ قَسَمٌ وَ جَوَابُهُ «مٰا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ »

قَوْلُهُ «إِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ » أَيْ لاَ نَمُنُّ عَلَيْكَ فِيمَا نُعْطِيكَ مِنْ عَظِيمِ الثَّوَابِ قَوْلُهُ «فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ » بِأَيِّكُمْ تُفْتَنُونَ هَكَذَا نَزَلَتْ فِي بَنِي أُمَيَّةَ

«بِأَيِّكُمُ » أَيْ حَبْتَرٍ وَ زُفَرَ وَ عَلِيٍّ .

وَ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لَقِيَ فُلاَنٌ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ يَا عَلِيُّ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ فِيَّ وَ فِي صَاحِبِي «فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ » قَالَ :

أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَ فَلاَ أُخْبِرُكَ يَا أَبَا فُلاَنٍ ! مَا نَزَلَ فِي بَنِي أُمَيَّةَ «وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي اَلْقُرْآنِ » قَالَ : كَذَبْتَ يَا عَلِيُّ ! بَنُو أُمَيَّةَ خَيْرٌ مِنْكَ وَ أَوْصَلُ لِلرَّحِمِ . وَ قَوْلُهُ :

«فَلاٰ تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ » قَالَ فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ » أَيْ أَحَبُّوا أَنْ تَغُشَّ فِي عَلِيٍّ فَيَغُشُّونَ مَعَكَ «وَ لاٰ تُطِعْ كُلَّ حَلاّٰفٍ مَهِينٍ » قَالَ الْحَلاَّفُ فُلاَنٌ حَلَفَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ لاَ يَنْكُثُ عَهْداً «هَمّٰازٍ مَشّٰاءٍ بِنَمِيمٍ » قَالَ كَانَ يَنِمُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ يَنِمُّ بَيْنَ أَصْحَابِهِ قَوْلُهُ «مَنّٰاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ » قَالَ : الَخْيَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ،«مُعْتَدٍ» أَيْ اعْتُدِيَ عَلَيْهِ وَ قَوْلُهُ «عُتُلٍّ بَعْدَ ذٰلِكَ زَنِيمٍ » قَالَ :

الْعُتُلُّ عَظِيمُ الْكُفْرِ وَ الزَّنِيمُ الدَّعِيُّ وَ قَالَ الشَّاعِرُ:

زَنِيمٌ تَدَاعَاهُ الرِّجَالُ تَدَاعِياً *** كَمَا زِيدَ فِي عَرْضِ الْأَدِيمِ الْأَكَارِعُ (1).

ص: 380


1- الْأَدِيمُ الْأَرْضُ ، أَكَارِعُ : جَمْعُ كَرْعٍ وَ هُوَ الْمَاءُ الَّذِي يَكْرَعُ فِيهِ الدَّوَابُّ ج. ز.

قَوْلُهُ :«إِذٰا تُتْلىٰ عَلَيْهِ آيٰاتُنٰا» قَالَ : كَنَى عَنْ فُلاَنٍ «قٰالَ أَسٰاطِيرُ الْأَوَّلِينَ »

أَيْ أَكَاذِيبُ الْأَوَّلِينَ «سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ » قَالَ فِي اَلرَّجْعَةِ إِذَا رَجَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

وَ رَجَعَ أَعْدَاؤُهُ فَيَسِمُهُمْ بِمِيسَمٍ مَعَهُ كَمَا تُوسَمُ الْبَهَائِمُ عَلَى الْخُرْطُومِ وَ الْأَنْفِ وَ الشَّفَتَيْنِ

قَوْلُهُ «إِنّٰا بَلَوْنٰاهُمْ كَمٰا بَلَوْنٰا أَصْحٰابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا» أَيْ حَلَفُوا «لَيَصْرِمُنَّهٰا مُصْبِحِينَ وَ لاٰ يَسْتَثْنُونَ فَطٰافَ عَلَيْهٰا طٰائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَ هُمْ نٰائِمُونَ »

فَإِنَّهُ كَانَ سَبَبَهَا

مَا حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ الْهَيْثَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَبْدِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ قِيلَ لَهُ إِنَّ قَوْماً مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يُذْنِبُ فَيُحْرَمُ بِهِ الرِّزْقَ ، فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ : فَوَ الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ لَهَذَا أَنْوَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الشَّمْسِ الضَّاحِيَةِ ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي سُورَةِ ن وَ الْقَلَمِ إِنَّهُ كَانَ شَيْخٌ كَانَتْ لَهُ جَنَّةٌ وَ كَانَ لاَ يَدْخُلُ بَيْتَهُ ثَمَرَةٌ مِنْهَا وَ لاَ إِلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَلَمَّا قُبِضَ الشَّيْخُ وَ وَرِثَهُ بَنُوهُ وَ كَانَ لَهُ خَمْسَةٌ مِنَ الْبَنِينَ فَحَمَلَتْ جَنَّتُهُمْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ الَّتِي هَلَكَ فِيهَا أَبُوهُمْ حَمْلاً لَمْ يَكُنْ حَمَلَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَرَاحُوا الْفِتْيَةُ إِلَى جَنَّتِهِمْ بَعْدَ صَلاَةِ الْعَصْرِ، فَأَشْرَفُوا عَلَى ثَمَرَةٍ وَ رِزْقٍ فَاضِلٍ لَمْ يُعَايِنُوا مِثْلَهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِمْ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى الْفَضْلِ طَغَوْا وَ بَغَوْا وَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِنَّ أَبَانَا كَانَ شَيْخاً كَبِيراً قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ وَ خَرِفَ فَهَلُمُّوا نَتَعَاهَدْ وَ نَتَعَاقَدْ فِيمَا بَيْنَنَا أَنْ لاَ نُعْطِيَ أَحَداً مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي عَامِنَا هَذَا شَيْئاً حَتَّى نَسْتَغْنِيَ وَ تَكْثُرَ أَمْوَالُنَا ثُمَّ نَسْتَأْنِفَ الصَّنْعَةَ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنَ السِّنِينَ الْمُقْبِلَةِ ، فَرَضِيَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ وَ سَخِطَ الْخَامِسُ وَ هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:«قٰالَ أَوْسَطُهُمْ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لاٰ تُسَبِّحُونَ » .

فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا اِبْنَ عَبَّاسٍ كَانَ أَوْسَطَهُمْ فِي السِّنِّ فَقَالَ : لاَ بَلْ كَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ سِنّاً وَ كَانَ أَكْبَرَهُمْ عَقْلاً وَ أَوْسَطُ الْقَوْمِ خَيْرُ الْقَوْمِ ، وَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ فِي اَلْقُرْآنِ

أَنَّكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ أَصْغَرُ الْأُمَمِ وَ خَيْرُ الْأُمَمِ قَالَ اللَّهُ :«وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنٰاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً»

ص: 381

بِهِ فَضَرَبُوهُ ضَرْباً مُبَرِّحاً فَلَمَّا أَيْقَنَ الْأَخُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ دَخَلَ مَعَهُمْ فِي مَشُورَتِهِمْ كَارِهاً لِأَمْرِهِمْ غَيْرَ طَائِعٍ فَرَاحُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ ثُمَّ حَلَفُوا بِاللَّهِ أَنْ يَصْرِمُوهُ إِذَا أَصْبَحُوا وَ لَمْ يَقُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَابْتَلاَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ الذَّنْبِ وَ حَالَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ذَلِكَ الرِّزْقِ الَّذِي كَانُوا أَشْرَفُوا عَلَيْهِ فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي اَلْكِتَابِ فَقَالَ :«إِنّٰا بَلَوْنٰاهُمْ » إِلَى قَوْلِهِ «فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ » قَالَ كَالْمُحْتَرِقِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا اِبْنَ عَبَّاسٍ مَا الصَّرِيمُ قَالَ :

اللَّيْلُ الْمُظْلِمُ ثُمَّ قَالَ : لاَ ضَوْءَ لَهُ وَ لاَ نُورَ فَلَمَّا أَصْبَحَ الْقَوْمُ «فَتَنٰادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلىٰ حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صٰارِمِينَ » قَالَ :«فَانْطَلَقُوا وَ هُمْ يَتَخٰافَتُونَ » قَالَ الرَّجُلُ وَ مَا التَّخَافُتُ يَا اِبْنَ عَبَّاسٍ قَالَ : يَتَسَارُّونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً لِكَيْ لاَ يَسْمَعَ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَقَالُوا «لاٰ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَ غَدَوْا عَلىٰ حَرْدٍ قٰادِرِينَ » وَ فِي أَنْفُسِهِمْ أَنْ يَصْرِمُوهَا وَ لاَ يَعْلَمُونَ مَا قَدْ حَلَّ بِهِمْ مِنْ سَطَوَاتِ اللَّهِ وَ نَقِمَتِهِ «فَلَمّٰا رَأَوْهٰا»

وَ عَايَنُوا مَا قَدْ حَلَّ بِهِمْ «قٰالُوا إِنّٰا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ » فَحَرَمَهُمُ اللَّهُ ذَلِكَ الرِّزْقَ بِذَنْبٍ كَانَ مِنْهُمْ وَ لَمْ يَظْلِمْهُمْ شَيْئاً فَ «قٰالَ أَوْسَطُهُمْ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لاٰ تُسَبِّحُونَ قٰالُوا سُبْحٰانَ رَبِّنٰا إِنّٰا كُنّٰا ظٰالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ يَتَلاٰوَمُونَ » قَالَ : يَلُومُونَ أَنْفُسَهُمْ فِيمَا عَزَمُوا عَلَيْهِ «قٰالُوا يٰا وَيْلَنٰا إِنّٰا كُنّٰا طٰاغِينَ عَسىٰ رَبُّنٰا أَنْ يُبْدِلَنٰا خَيْراً مِنْهٰا إِنّٰا إِلىٰ رَبِّنٰا رٰاغِبُونَ » فَقَالَ اللَّهُ :«كَذٰلِكَ الْعَذٰابُ وَ لَعَذٰابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كٰانُوا يَعْلَمُونَ » .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ إِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ » يَقُولُ عَلَى دِينٍ عَظِيمٍ «إِنّٰا بَلَوْنٰاهُمْ كَمٰا بَلَوْنٰا أَصْحٰابَ الْجَنَّةِ » إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ ابْتُلُوا بِالْجُوعِ كَمَا ابْتُلِيَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ وَ هِيَ الْجَنَّةُ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا وَ كَانَتْ فِي اَلْيَمَنِ يُقَالُ لَهَا اَلرِّضْوَانُ عَلَى تِسْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ صَنْعَاءَ. قَوْلُهُ :«فَطٰافَ عَلَيْهٰا طٰائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَ هُمْ نٰائِمُونَ » وَ هُوَ الْعَذَابُ قَوْلُهُ «إِنّٰا لَضَالُّونَ » قَالَ : أَخْطَئُوا الطَّرِيقَ قَوْلُهُ :«لَوْ لاٰ تُسَبِّحُونَ » يَقُولُ لَوْ لاَ تَسْتَغْفِرُونَ .

ص: 382

«يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سٰاقٍ وَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ» قَالَ : يَوْمَ يُكْشَفُ عَنِ الْأُمُورِ الَّتِي خَفِيَتْ وَ مَا غَصَبُوا آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ وَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ قَالَ يُكْشَفُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَتَصِيرُ أَعْنَاقُهُمْ مِثْلَ صَيَاصِي الْبَقَرِ يَعْنِي قُرُونَهُ «فَلاٰ يَسْتَطِيعُونَ »

أَنْ يَسْجُدُوا وَ هِيَ عُقُوبَةٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوا اللَّهَ فِي الدَّنْيَا فِي أَمْرِهِ وَ هُوَ قَوْلُهُ :«وَ قَدْ كٰانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَ هُمْ سٰالِمُونَ » قَالَ إِلَى وَلاَيَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَ هُمْ يَسْتَطِيعُونَ

قَوْلُهُ «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاٰ يَعْلَمُونَ » قَالَ تَجْدِيداً لَهُمْ عِنْدَ الْمَعَاصِي ثُمَّ قَالَ لِنَبِّيِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لاٰ تَكُنْ كَصٰاحِبِ الْحُوتِ » يَعْنِي يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

لَمَّا دَعَا عَلَى قَوْمِهِ ثُمَّ ذَهَبَ مُغَاضِباً لِلَّهِ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

فِي قَوْلِهِ :«إِذْ نٰادىٰ وَ هُوَ مَكْظُومٌ » أَيْ مَغْمُومٌ .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «لَوْ لاٰ أَنْ تَدٰارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ » قَالَ : النِّعْمَةُ الرَّحْمَةُ «لَنُبِذَ بِالْعَرٰاءِ» قَالَ : الْعَرَاءُ الْمَوْضِعُ الَّذِي لاَ سَقْفَ لَهُ قَوْلُهُ «وَ إِنْ يَكٰادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصٰارِهِمْ لَمّٰا سَمِعُوا الذِّكْرَ»

قَالَ : لَمَّا أَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِفَضْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالُوا هُوَ مَجْنُونٌ فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ «وَ مٰا هُوَ» يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «إِلاّٰ ذِكْرٌ لِلْعٰالَمِينَ » .

69- سُورَةُ اَلْحَاقَّةُ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا اثْنَتَانِ وَ خَمْسُونَ 52

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ اَلْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَ مٰا أَدْرٰاكَ مَا الْحَاقَّةُ » قَالَ الْحَاقَّةُ الْحَذَرُ لِنُزُولِ الْعَذَابِ وَ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ :«وَ حٰاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذٰابِ » «كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَ عٰادٌ بِالْقٰارِعَةِ » قَالَ : قَرَعَهُمْ بِالْعَذَابِ

قَوْلُهُ :«فَأَمّٰا ثَمُودُ

فَأُهْلِكُوا بِالطّٰاغِيَةِ وَ أَمّٰا عٰادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ» أَيْ بَارِدَةٍ «عٰاتِيَةٍ » قَالَ خَرَجَتْ أَكْثَرَ مِمَّا أُمِرَتْ بِهِ وَ قَوْلُهُ «سَخَّرَهٰا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيٰالٍ وَ ثَمٰانِيَةَ أَيّٰامٍ حُسُوماً» قَالَ كَانَ الْقَمَرُ مَنْحُوساً بِزُحَلَ سَبْعَ لَيَالٍ وَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حَتَّى هَلَكُوا وَ قَوْلُهُ «وَ جٰاءَ فِرْعَوْنُ وَ مَنْ قَبْلَهُ وَ الْمُؤْتَفِكٰاتُ بِالْخٰاطِئَةِ »

ص: 383

الْمُؤْتَفِكَاتُ اَلْبَصْرَةُ وَ الْخَاطِئَةُ فُلاَنَةُ «إِنّٰا لَمّٰا طَغَى الْمٰاءُ حَمَلْنٰاكُمْ فِي الْجٰارِيَةِ » يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَصْحَابَهُ وَ قَوْلُهُ «وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبٰالُ » قَالَ وَقَعَتْ فَدَكُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَ قَوْلُهُ «فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وٰاهِيَةٌ » قَالَ بَاطِلَةٌ قَوْلُهُ :«وَ الْمَلَكُ عَلىٰ أَرْجٰائِهٰا وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمٰانِيَةٌ » قَالَ :

حَمَلَةُ اَلْعَرْشِ ثَمَانِيَةٌ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْآخِرِينَ فَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ مِنَ الْأَوَّلِينَ فَنُوحٌ وَ إِبْرَاهِيمُ وَ مُوسَى وَ عِيسَى، وَ الْأَرْبَعَةُ مِنَ الْآخِرِينَ مُحَمَّدٌ وَ عَلِيٌّ وَ الْحَسَنُ

وَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ ، وَ مَعْنَى يَحْمِلُونَ اَلْعَرْشَ يَعْنِي الْعِلْمَ .

وَ أَمَّا قَوْلُهُ «فَأَمّٰا مَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ بِيَمِينِهِ »

فَإِنَّهُ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : كُلُّ أُمَّةٍ يُحَاسِبَهَا إِمَامُ زَمَانِهَا وَ يَعْرِفُ اَلْأَئِمَّةُ أَوْلِيَاءَهُمْ وَ أَعْدَاءَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:

«وَ عَلَى الْأَعْرٰافِ رِجٰالٌ » وَ هُمُ اَلْأَئِمَّةُ «يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمٰاهُمْ » فَيُعْطُونَ أَوْلِيَاءَهُمْ كِتَابَهُمْ بِيَمِينِهِمْ فَيَمُرُّونَ إِلَى اَلْجَنَّةِ بِلاَ حِسَابٍ وَ يُعْطُونَ أَعْدَاءَهُمْ كِتَابَهُمْ بِشِمَالِهِمْ فَيَمُرُّونَ إِلَى اَلنَّارِ بِلاَ حِسَابٍ فَإِذَا نَظَرَ أَوْلِيَاؤُهُمْ فِي كِتَابِهِمْ يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمْ «هٰاؤُمُ اقْرَؤُا كِتٰابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاٰقٍ حِسٰابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رٰاضِيَةٍ » . أي مَرْضِيَّةٍ فَوُضِعَ الْفَاعِلُ مَكَانَ الْمَفْعُولِ

قَوْلُهُ :«وَ أَمّٰا مَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ بِشِمٰالِهِ » قَالَ نَزَلَتْ فِي مُعَاوِيَةَ «فَيَقُولُ : يٰا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتٰابِيَهْ وَ لَمْ أَدْرِ مٰا حِسٰابِيَهْ يٰا لَيْتَهٰا كٰانَتِ الْقٰاضِيَةَ » يَعْنِي الْمَوْتَ «مٰا أَغْنىٰ عَنِّي مٰالِيَهْ » يَعْنِي مَالَهُ الَّذِي جَمَعَهُ «هَلَكَ عَنِّي سُلْطٰانِيَهْ » أَيْ حُجَّتُهُ فَيُقَالُ «خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ اَلْجَحِيمَ صَلُّوهُ » أَيْ أَسْكِنُوهُ «ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهٰا سَبْعُونَ ذِرٰاعاً فَاسْلُكُوهُ » قَالَ مَعْنَى السِّلْسِلَةَ السَّبْعِينَ ذِرَاعاً فِي الْبَاطِنِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ السَّبْعُونَ وَ قَوْلُهُ «إِنَّهُ كٰانَ لاٰ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ الْعَظِيمِ وَ لاٰ يَحُضُّ عَلىٰ طَعٰامِ الْمِسْكِينِ » حُقُوقُ آلِ مُحَمَّدٍ الَّتِي غَصَبُوهَا قَالَ اللَّهُ «فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هٰاهُنٰا حَمِيمٌ »

أَيْ قَرَابَةٌ .

«وَ لاٰ طَعٰامٌ إِلاّٰ مِنْ غِسْلِينٍ » قَالَ عَرَقُ اَلْكُفَّارِ

ص: 384

يَعْنِي لاَ يَحْجُزُ عَنِ اللَّهِ أَحَدٌ وَ لاَ يَمْنَعُهُ مِنْ رَسُوِل اللَّهِ قَوْلُهُ «وَ إِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى اَلْكٰافِرِينَ

وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ » يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ » .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رٰابِيَةً » وَ الرَّابِيَةُ الَّتِي أَرْبَتْ (1) عَلَى مَا صَنَعُوا. وَ قَوْلُهُ :«قُطُوفُهٰا دٰانِيَةٌ » يَقُولُ مَدْلِيَّةٌ يَنَالُهَا الْقَائِمُ وَ الْقَاعِدُ

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ : إِنِّي لَأَعْرِفُ مَا فِي كِتَابِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَ كِتَابِ أَصْحَابِ الشِّمَالِ وَ أَمَّا كِتَابُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ » .

70- سُورَةُ اَلْمَعَارِجِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا أَرْبَعٌ وَ أَرْبَعُونَ 44

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ سَأَلَ سٰائِلٌ بِعَذٰابٍ وٰاقِعٍ »

قَالَ : سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

عَنْ مَعْنَى هَذَا، فَقَالَ : نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْمَغْرِبِ وَ مَلَكٌ يَسُوقُهَا مِنْ خَلْفِهَا حَتَّى تَأْتِيَ دَارَ بَنِي سَعْدِ بْنِ هَمَّامٍ عِنْدَ مَسْجِدِهِمْ فَلاَ تَدَعُ دَاراً لِبَنِي أُمَيَّةَ إِلاَّ أَحْرَقَتْهَا وَ أَهْلَهَا وَ لاَ تَدَعُ دَاراً فِيهَا وَتْرٌ لِآلِ مُحَمَّدٍ إِلاَّ أَحْرَقَتْهَا، وَ ذَلِكَ الْمَهْدِيُّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ لَمَّا اصْطَفَّتِ الْخَيْلاَنِ يَوْمَ بَدْرٍ رَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ وَ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَطَعَنَا الرَّحِمَ وَ آتَانَا بِمَا لاَ نَعْرِفُهُ فَاجِئْهُ بِالْعَذَابِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ «سَأَلَ سٰائِلٌ بِعَذٰابٍ وٰاقِعٍ » .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«سَأَلَ سٰائِلٌ بِعَذٰابٍ وٰاقِعٍ »

قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ عَنِ الْأَوْصِيَاءِ وَ عَنْ شَأْنِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ مَا يُلْهَمُونَ فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 385


1- مِنَ الرِّبَا وَ هُوَ الزِّيَادَةُ ، قَالَ فِي الْمَجْمَعَيْنِ : أَخْذَةً رَابِيَةً أَيْ شَدِيدَةً زَائِدَةً فِي الشِّدَّةِ عَلَى الْأَخْذَاتِ كَمَا زَادَتْ قَبَائِحُهُمْ فِي الْقُبْحِ . ج. ز.

: سَأَلْتَ عَنْ عَذَابٍ وَاقِعٍ ثُمَّ كَفَرَ بِأَنَّ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ ، فَإِذَا وَقَعَ فَ «لَيْسَ لَهُ دٰافِعٌ مِنَ اللّٰهِ ذِي الْمَعٰارِجِ » قَالَ :«تَعْرُجُ الْمَلاٰئِكَةُ وَ الرُّوحُ » فِي صُبْحِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلَيْهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ الْوَصِيِّ قَوْلُهُ :«فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً» أَيْ لِتَكْذِيبِ مَنْ كَذَّبَ إِنَّ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ :«فِي يَوْمٍ كٰانَ مِقْدٰارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ »

قَالَ : فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ خَمْسُونَ مَوْقِفاً كُلُّ مَوْقِفٍ أَلْفُ سَنَةٍ قَوْلُهُ :«يَوْمَ تَكُونُ السَّمٰاءُ كَالْمُهْلِ » قَالَ : الرَّصَاصُ الذَّائِبُ وَ النُّحَاسُ كَذَلِكَ تَذُوبُ السَّمَاءُ

وَ قَوْلُهُ :

«وَ لاٰ يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً» أَيْ لاَ يَنْفَعُ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

فِي قَوْلِهِ «يُبَصَّرُونَهُمْ » يَقُولُ : يُعَرَّفُونَهُمْ ثُمَّ لاَ يَتَسَاءَلُونَ قَوْلُهُ «يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذٰابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَ صٰاحِبَتِهِ وَ أَخِيهِ وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ » وَ هِيَ أُمُّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «كَلاّٰ إِنَّهٰا لَظىٰ » قَالَ : تَلْتَهِبُ عَلَيْهِمُ اَلنَّارُ قَوْلُهُ :

«نَزّٰاعَةً لِلشَّوىٰ » قَالَ تَنْزِعُ عَيْنَيْهِ وَ تُسَوِّدُ وَجْهَهُ «تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلّٰى» قَالَ :

تَجُرُّهُ إِلَيْهَا قَوْلُهُ «وَ جَمَعَ فَأَوْعىٰ » أَيْ جَمَعَ مَالاً وَ دَفَنَهُ وَ وَعَاهُ وَ لَمْ يُنْفِقْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ قَوْلُهُ «إِنَّ الْإِنْسٰانَ خُلِقَ هَلُوعاً» أَيْ حَرِيصاً «إِذٰا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً» قَالَ :

الشَّرُّ هُوَ الْفَقْرُ وَ الْفَاقَةُ «وَ إِذٰا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً» قَالَ الْغِنَاءُ وَ السَّعَةُ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ «إِلاَّ الْمُصَلِّينَ » فَوَصَفَهُمْ بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ «اَلَّذِينَ هُمْ عَلىٰ صَلاٰتِهِمْ دٰائِمُونَ » يَقُولُ إِذَا فَرَضَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئاً مِنَ النَّوَافِلِ دَامَ عَلَيْهِ .،

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ » قَالَ السَّائِلُ الَّذي يَسْأَلُ وَ الْمَحْرُومُ الَّذِي قَدْ مُنِعَ كَدَّ يَدِهِ

قَوْلُهُ «مُهْطِعِينَ » أَيْ أَذِلاَّءَ قَوْلُهُ «عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمٰالِ عِزِينَ » أَيْ قُعُودٌ قَوْلُهُ «كَلاّٰ إِنّٰا خَلَقْنٰاهُمْ مِمّٰا يَعْلَمُونَ »

قَالَ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ قَوْلُهُ «فَلاٰ أُقْسِمُ » أَيْ أُقْسِمُ «بِرَبِّ الْمَشٰارِقِ وَ الْمَغٰارِبِ »

قَالَ مَشَارِقِ الشِّتَاءِ وَ مَغَارِبِ الصَّيْفِ وَ مَغَارِبِ الشِّتَاءِ وَ مَشَارِقِ الصَّيْفِ وَ هُوَ قَسَمٌ

ص: 386

وَ جَوَابُهُ «إِنّٰا لَقٰادِرُونَ عَلىٰ أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ » قَوْلُهُ «يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدٰاثِ سِرٰاعاً» قَالَ مِنَ الْقُبُورِ «كَأَنَّهُمْ إِلىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ » قَالَ إِلَى الدَّاعِي يُنَادَوْنَ قَوْلُهُ «تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ » قَالَ تُصِيبُهُمْ ذِلَّةٌ «ذٰلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كٰانُوا يُوعَدُونَ » .

71- سُورَةُ نُوحٍ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا ثَمَانٌ وَ عِشْرُونَ 28

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ إِنّٰا أَرْسَلْنٰا نُوحاً إِلىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ » وَ قَدْ كَتَبْنَا خَبَرَ نُوحٍ قَوْلُهُ «وَ إِنِّي كُلَّمٰا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصٰابِعَهُمْ فِي آذٰانِهِمْ وَ اسْتَغْشَوْا ثِيٰابَهُمْ » قَالَ : اسْتَتَرُوا بِهَا «وَ أَصَرُّوا وَ اسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبٰاراً» أَيْ عَزَمُوا عَلَى أَنْ لاَ يَسْمَعُوا شَيْئاً قَوْلُهُ «ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَ أَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرٰاراً» قَالَ دَعَوْتُهُمْ سِراً وَ عَلاَنِيَةً

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «لاٰ تَرْجُونَ لِلّٰهِ وَقٰاراً» قَالَ لاَ تَخَافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً .، قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «وَ قَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوٰاراً» قَالَ عَلَى اخْتِلاَفِ الْأَهْوَاءِ وَ الْإِرَادَاتِ وَ الْمَشِيَّاتِ

قَوْلُهُ «وَ اللّٰهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبٰاتاً» أَيْ عَلَى الْأَرْضِ نَبَاتاً قَوْلُهُ «رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَ اتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مٰالُهُ وَ وَلَدُهُ إِلاّٰ خَسٰاراً» قَالَ اتَّبَعُوا الْأَغْنِيَاءَ «وَ مَكَرُوا مَكْراً كُبّٰاراً» أَيْ كَبِيراً قَوْلُهُ «وَ قٰالُوا لاٰ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَ لاٰ تَذَرُنَّ وَدًّا وَ لاٰ سُوٰاعاً وَ لاٰ يَغُوثَ وَ يَعُوقَ وَ نَسْراً» قَالَ : كَانَ قَوْمٌ مُؤْمِنِينَ قَبْلَ نُوحٍ فَمَاتُوا فَحَزَنَ عَلَيْهِمُ النَّاسُ فَجَاءَ إِبْلِيسُ فَاتَّخَذَ لَهُمْ صُوَرَهُمْ لِيَأْنِسُوا بِهَا فَأَنِسُوا بِهَا فَلَمَّا جَاءَهُمُ الشِّتَاءُ أَدْخَلُوهَا الْبُيُوتَ ، فَمَضَى ذَلِكَ الْقَرْنُ وَ جَاءَ الْقَرْنُ الْآخَرُ فَجَاءَهُمْ إِبْلِيسُ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ هَؤُلاَءِ آلِهَةٌ كَانُوا آبَاؤُكُمْ يَعْبُدُونَهَا فَعَبَدُوهُمْ وَ ضَلَّ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرٌ فَدَعَا عَلَيْهِمْ نُوحٌ حَتَّى أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

ص: 387

«وَ لاٰ تَذَرُنَّ وَدًّا وَ لاٰ سُوٰاعاً وَ لاٰ يَغُوثَ وَ يَعُوقَ وَ نَسْراً» ، قَالَ : كَانَتْ وَدٌّ صَنَماً لِكَلْبٍ وَ كَانَتْ سُوَاعٌ

لِهُذَيْلٍ وَ كَانَتْ يَغُوثُ لِمُرَادٍ وَ كَانَتْ يَعُوقُ لِهَمْدَانَ وَ كَانَتْ نَسْرٌ لِحُصَيْنٍ .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «وَ لاٰ تَزِدِ الظّٰالِمِينَ إِلاّٰ ضَلاٰلاً» قَالَ : هَلاَكاً وَ تَدْمِيراً «إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبٰادَكَ وَ لاٰ يَلِدُوا إِلاّٰ فٰاجِراً كَفّٰاراً» فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ التَّيْمِيِّ عَنْ فُضَيْلٍ الرَّسَّامِ [التوسان] عَنْ صَالِحِ بْنِ مِيثَمٍ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا كَانَ عِلْمُ نُوحٍ

حِينَ دَعَا قَوْمَهُ إِنَّهُمْ لاَ يَلِدُونَ إِلاَّ فَاجِراً كُفَّاراً فَقَالَ : أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ لِنُوحٍ

«أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّٰ مَنْ قَدْ آمَنَ » .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنِ اَلْمُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوٰالِدَيَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً» إِنَّمَا يَعْنِي الْوَلاَيَةَ مَنْ دَخَلَ فِيهَا دَخَلَ فِي بُيُوتِ الْأَنْبِيَاءِ.

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ لاٰ تَزِدِ الظّٰالِمِينَ إِلاّٰ تَبٰاراً» أَيْ خَسَاراً.

72- سُورَةُ الْجِنِّ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا ثَمَانٌ وَ عِشْرُونَ 28

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ » يَا مُحَمَّدُ لِقُرَيْشٍ «أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقٰالُوا إِنّٰا سَمِعْنٰا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ» وَ قَدْ كَتَبْنَا خَبَرَهُمْ فِي سُورَةِ اَلْأَحْقَافِ قَوْلُهُ «وَ أَنَّهُ تَعٰالىٰ جَدُّ رَبِّنٰا مَا اتَّخَذَ صٰاحِبَةً وَ لاٰ وَلَداً» قَالَ : هُوَ شَيْ ءٌ قَالَتْهُ الْجِنُّ بِجَهَالَةٍ فَلَمْ يَرْضَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ وَ مَعْنَى جَدُّ رَبِّنَا أَيْ بَخْتُ رَبِّنَا وَ قَوْلُهُ «وَ أَنَّهُ كٰانَ يَقُولُ سَفِيهُنٰا عَلَى اللّٰهِ شَطَطاً» أَيْ ظُلْماً

ص: 388

فَقَصَّهُ اللَّهُ كَمَا قَالَ .،

وَ عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ اِبْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبَانٍ عَنْ زُرَارَةَ

قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ :«أَنَّهُ كٰانَ رِجٰالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجٰالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزٰادُوهُمْ رَهَقاً» قَالَ : الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ إِلَى الْكَاهِنِ الَّذِي كَانَ يُوحِي إِلَيْهِ اَلشَّيْطَانُ فَيَقُولُ قُلْ لِشَيْطَانِكَ إِنَّ فُلاَناً فَقَدْ عَاذَ بِكَ .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «وَ أَنَّهُ كٰانَ رِجٰالٌ مِنَ الْإِنْسِ » ... إلخ قَالَ كَانَ الْجِنُّ يَنْزِلُونَ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْإِنْسِ وَ يُخْبِرُونَهُمْ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي سَمِعُوهَا فِي السَّمَاءِ مِنْ قِبَلِ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ كَانَ النَّاسُ يَكْهُنُونَ بِمَا أَخْبَرُوهُمُ الْجِنُّ ، قَوْلُهُ «فَزٰادُوهُمْ رَهَقاً» أَيْ خُسْرَاناً قَوْلُهُ :«فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلاٰ يَخٰافُ بَخْساً وَ لاٰ رَهَقاً»

قَالَ : الْبَخْسُ النُّقْصَانُ وَ الرَّهَقُ الْعَذَابُ وَ قَوْلُهُ :«كُنّٰا طَرٰائِقَ قِدَداً» أَيْ عَلَى مَذَاهِبَ مُخْتَلِفَةٍ

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ قَالَ : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً» الَّذِينَ أَقَرُّوا بِوَلاَيَتِنَا فَأُولَئِكَ تَحَرَّوُا رُشْداً. «وَ أَمَّا الْقٰاسِطُونَ فَكٰانُوا لِجَهَنَّمَ

حَطَباً» مُعَاوِيَةُ وَ أَصْحَابُهُ «وَ أَنْ لَوِ اسْتَقٰامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنٰاهُمْ مٰاءً غَدَقاً»

الطَّرِيقَةُ الْوَلاَيةَ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ » قَتْلُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «فَلاٰ تَدْعُوا مَعَ اللّٰهِ أَحَداً» أَيِ الْأَحَدَ مَعَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ لاَ تَتَّخِذُوا مِنْ غَيْرِهِمْ وَلِيّاً «وَ أَنَّهُ لَمّٰا قٰامَ عَبْدُ اللّٰهِ يَدْعُوهُ » يَعْنِي مُحَمّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَدْعُوهُمْ إِلَى وَلاَيَةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «كٰادُوا» قُرَيْشٌ

«يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً» أَيْ يَتَعَادَوْنَ عَلَيْهِ قَالَ «قُلْ إِنَّمٰا أَدْعُوا رَبِّي» قَالَ : إِنَّمَا أَمَرَنِي رَبِّي فَ «لاٰ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لاٰ رَشَداً» إِنْ تَوَلَّيْتُمْ عَنْ وَلاَيَتِهِ «قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّٰهِ أَحَدٌ» إِنْ كَتَمْتُ مَا أُمِرْتُ بِهِ «وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً»

يَعْنِي مَأْوًى «إِلاّٰ بَلاٰغاً مِنَ اللّٰهِ » أُبَلِّغُكُمْ مَا أَمَرَنِيَ اللَّهُ بِهِ مِنْ وَلاَيَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «وَ مَنْ يَعْصِ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ » فِي وَلاَيَةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «فَإِنَّ لَهُ نٰارَ جَهَنَّمَ

خٰالِدِينَ فِيهٰا أَبَداً»

ص: 389

قَالَتْ قُرَيْشٌ فَمَتَى يَكُونُ مَا تَعِدُنَا يَا مُحَمَّدُ مِنْ أَمْرِ عَلِيٍّ وَ اَلنَّارِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «حَتّٰى إِذٰا رَأَوْا مٰا يُوعَدُونَ » يَعْنِي الْمَوْتَ وَ الْقِيَامَةِ «فَسَيَعْلَمُونَ » يَعْنِي فُلاَناً وَ فُلاَناً وَ فُلاَناً

وَ مُعَاوِيَةَ وَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَ أَصْحَابَ الضَّغَائِنِ مِنْ قُرَيْشٍ «مَنْ أَضْعَفُ نٰاصِراً وَ أَقَلُّ عَدَداً» قَالُوا فَمَتَى يَكُونُ هَذَا يَا مُحَمَّدُ قَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ:«قُلْ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ مٰا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً» قَالَ أَجَلاً. «عٰالِمُ الْغَيْبِ فَلاٰ يُظْهِرُ عَلىٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلاّٰ مَنِ ارْتَضىٰ مِنْ رَسُولٍ » يَعْنِي عَلِيّاً الْمُرْتَضَى مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ مِنْهُ قَالَ اللَّهُ «فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً» قَالَ فِي قَلْبِهِ الْعِلْمَ وَ مِنْ خَلْفِهِ الرَّصَدَ يُعَلِّمُهُ عِلْمَهُ وَ يَزُقُّهُ الْعِلْمَ زَقّاً وَ يُعَلِّمُهُ اللَّهُ إِلْهَاماً، وَ الرَّصَدُ التَّعْلِيمُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

«لِيَعْلَمَ » النَّبِيُّ «أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسٰالاٰتِ رَبِّهِمْ وَ أَحٰاطَ » عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِمَا لَدَى الرَّسُولِ مِنَ الْعِلْمِ «وَ أَحْصىٰ كُلَّ شَيْ ءٍ عَدَداً» مَا كَانَ وَ مَا يَكُونُ مُنْذُ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ مِنْ فِتْنَةٍ أَوْ زَلْزَلَةٍ أَوْ خَسْفٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ أُمَّةٍ هَلَكَتْ فِيمَا مَضَى أَوْ تَهْلِكَ فِيمَا بَقِيَ ، وَ كَمْ مِنْ إِمَامٍ جَائِرٍ أَوْ عَادِلٍ يَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَ نَسَبِهِ وَ مَنْ يَمُوتُ مَوْتاً أَوْ يُقْتَلُ قَتْلاً، وَ كَمْ مِنْ إِمَامٍ مَخْذُولٍ لاَ يَضُرُّهُ خِذْلاَنُ مَنْ خَذَلَهُ ، وَ كَمْ مِنْ إِمَامٍ مَنْصُورٍ لاَ يَنْفَعُهُ نُصْرَةُ مَنْ نَصَرَهُ .

وَ عَنْهُ عَنْ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَدَائِنِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عُلْوَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عزاب [غُرَابٍ ] عَنِ اَلْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : فِي قَوْلِهِ «وَ مَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ » قَالَ ذِكْرُ رَبِّهِ وَلاَيَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ .

وَ قَوْلُهُ «فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً» أَيْ طَلَبُوا الْحَقَّ «وَ أَمَّا الْقٰاسِطُونَ »

الْآيَةَ ، قَالَ الْقَاسِطُ الْحَائِدُ عَنِ الطَّرِيقِ قَوْلُهُ «وَ أَنَّ الْمَسٰاجِدَ لِلّٰهِ فَلاٰ تَدْعُوا مَعَ اللّٰهِ أَحَداً» قَالَ الْمَسَاجِدُ السَّبْعَةُ الَّتِي يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْكَفَّانِ وَ الرُّكْبَتَانِ [وَ عَيْنَا الرُّكْبَتَيْنِ ] وَ الْإِبْهَامَانِ وَ الْجَبْهَةُ

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ :

الْمَسَاجِدُ اَلْأَئِمَّةُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ . قَوْلُهُ «وَ أَنَّهُ لَمّٰا قٰامَ عَبْدُ اللّٰهِ » يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 390

«يَدْعُوهُ » كِنَايَةٌ عَنِ اللَّهِ «كٰادُوا» يَعْنِي قُرَيْشاَ «يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً» أَيْ أَيِّداً قَوْلُهُ «حَتّٰى إِذٰا رَأَوْا مٰا يُوعَدُونَ » قَالَ الْقَائِمُ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي اَلرَّجْعَةِ

«فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نٰاصِراً وَ أَقَلُّ عَدَداً»

قَالَ هُوَ قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِزُفَرَ:

وَ اللَّهِ يَا اِبْنَ صُهَاكَ ! لَوْ لاَ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ «كِتٰابٌ مِنَ اللّٰهِ سَبَقَ » لَعَلِمْتَ أَيُّنَا «أَضْعَفُ نٰاصِراً وَ أَقَلُّ عَدَداً» .، قَالَ فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَا يَكُونُ مِنَ اَلرَّجْعَةِ قَالُوا مَتَى يَكُونُ هَذَا قَالَ اللَّهُ «قُلْ » يَا مُحَمِّدُ «إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ مٰا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً» .

وَ قَوْلُهُ «عٰالِمُ الْغَيْبِ فَلاٰ يُظْهِرُ عَلىٰ غَيْبِهِ أَحَداً» ... إلخ قَالَ يُخْبِرُ اللَّهُ رَسُولَهُ

الَّذِي يَرْتَضِيهِ بِمَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَخْبَارِ وَ مَا يَكُونُ بَعْدَهُ مِنْ أَخْبَارِ الْقَائِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

وَ اَلرَّجْعَةِ وَ الْقِيَامَةِ

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى عَنْ زِيَادٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنِ اِبْنِ بُكَيْرٍ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

يَقُولُ فِي قَوْلِهِ «وَ أَنّٰا لاٰ نَدْرِي أَ شَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرٰادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً»

فَقَالَ لاَ بَلْ وَ اللَّهِ شَرٌّ أُرِيدَ بِهِمْ حِينَ بَايَعُوا مُعَاوِيَةَ وَ تَرَكُوا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ

.

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ :

فِي هَذِهِ الْآيَةِ «وَ أَنْ لَوِ اسْتَقٰامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنٰاهُمْ مٰاءً غَدَقاً» يَعْنِي مَنْ جَرَى فِيهِ شَيْ ءٌ مِنْ شِرْكِ اَلشَّيْطَانِ ،«عَلَى الطَّرِيقَةِ » يَعْنِي عَلَى الْوَلاَيَةِ فِي الْأَصْلِ عِنْدَ الْأَظِلَّةِ حِينَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ ذُرِّيَّةِ آدَمَ ، أَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً لَكِنَّا وَضَعْنَا أَظَلَّتَهُمْ فِي مَاءِ الْفُرَاتِ الْعَذْبِ (1).

ص: 391


1- كَذَا فِي ط وَ ك وَ فِي الصَّافِي عَنِ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : يَعْنِي لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى وَلاَيَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَ قَبِلُوا طَاعَتَهُمْ فِي أَمْرِهِمْ وَ نَهْيِهِمْ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ج. ز.

73- سُورَةُ اَلْمُزَّمِّل مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا عِشْرُونَ 20

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ يٰا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاّٰ قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ »

قَالَ : هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَانَ يَتَزَمَّلُ بِثَوْبِهِ وَ يَنَامُ ، فَقَالَ اللَّهُ :«يٰا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاّٰ قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً» قَالَ انْقُصْ مِنَ الْقَلِيلِ «أَوْ زِدْ عَلَيْهِ » أَيْ علَىَ الْقَلِيلِ قَلِيلاً «وَ رَتِّلِ اَلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً» قَالَ بَيِّنْهُ تِبْيَاناً وَ لاَ تَنْثُرْهُ نَثْرَ الرَّمْلِ وَ لاَ تَهُذَّهُ هَذَّ الشَّعْرِ وَ لَكِنْ أَفْزِعْ بِهِ الْقُلُوبَ الْقَاسِيَةَ قَوْلُهُ «إِنّٰا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً»

قَالَ قِيَامَ اللَّيْلَ وَ هُوَ قَوْلُهُ «إِنَّ نٰاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَ أَقْوَمُ قِيلاً» قَالَ أَصْدَقُ الْقَوْلِ

قَوْلُهُ «وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً» قَالَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ وَ تَحْرِيكُ السَّبَّابَتَيْنِ .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«إِنَّ لَكَ فِي النَّهٰارِ سَبْحاً طَوِيلاً» يَقُولُ فَرَاغاً طَوِيلاً لِنَوْمِكَ وَ لِحَاجَتِكَ «وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً» يَقُولُ أَخْلِصْ إِلَيْهِ إِخْلاَصاً.، وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «وَ طَعٰاماً ذٰا غُصَّةٍ » أَيْ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَبْلَعَهُ قَوْلُهُ «يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبٰالُ » أَيْ تَخْسِفُ وَ قَوْلُهُ «وَ كٰانَتِ الْجِبٰالُ كَثِيباً مَهِيلاً» قَالَ مِثْلَ الرَّمْلِ يَنْحَدِرُ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

فِي قَوْلِهِ «إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنىٰ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَ نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ » فَفَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ذَلِكَ وَ بَشَّرَ النَّاسَ بِهِ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَ قَوْلُهُ «عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ » وَ كَانَ الرَّجُلُ يَقُومُ وَ لاَ يَدْرِي مَتَى يَنْتَصِفُ اللَّيْلُ وَ مَتَى يَكُونُ الثُّلُثَانِ وَ كَانَ الرَّجُلُ يَقُومُ حَتَّى يُصْبِحَ مَخَافَةَ أَنْ لاَ يَحْفَظَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنىٰ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ » إِلَى قَوْلِهِ «عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ » يَقُولُ مَتَى يَكُونُ النِّصْفُ وَ الثُّلُثُ نُسِخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ «فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنَ اَلْقُرْآنِ » وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَبِيٌّ قَطُّ إِلاَّ خَلاَ بِصَلاَةِ اللَّيْلِ وَ لاَ جَاءَ نَبِيٌّ قَطُّ بِصَلاَةِ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ . قَوْلُهُ

ص: 392

«فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدٰانَ شِيباً» يَقُولُ كَيْفَ إِنْ كَفَرْتُمْ تَتَّقُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً، وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ :«فَكَيْفَ تَتَّقُونَ » الْآيَةَ قَالَ تَشِيبُ الْوِلْدَانُ مِنَ الْفَزَعِ حَيْثُ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ

أَخْبَرَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زُرْعَةَ عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «وَ أَقْرِضُوا اللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً» قَالَ هُوَ غَيْرُ الزَّكَاةِ .

74- سُورَةُ اَلْمُدَّثِّرِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا سِتٌّ وَ خَمْسُونَ 56

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ يٰا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ»

قَالَ : أَنْذَرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، فَالْمُدَّثِّرُ يَعْنِي الْمُدَّثِّرَ بِثَوْبِهِ ،«قُمْ فَأَنْذِرْ» قَالَ : هُوَ قِيَامُهُ فِي اَلرَّجْعَةِ يُنْذِرُ فِيهَا قَوْلُهُ «وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ» قَالَ : تَطْهِيرُهَا تَقْصِيرُهَا وَ قَالَ :

شِيعَتُنَا يُطَهَّرُونَ قَوْلُهُ «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ» الرُّجْزُ الْخَبِيثُ قَوْلُهُ «وَ لاٰ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ»

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ يَقُولُ : لاَ تُعْطِي الْعَطِيَّةَ تَلْتَمِسُ أَكْثَرَ مِنْهَا.،

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «فَإِذٰا نُقِرَ فِي النّٰاقُورِ» إِلَى قَوْلِهِ «ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً»

فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي اَلْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَ كَانَ شَيْخاً كَبِيراً مُجَرِّباَ مِنْ دُهَاةِ اَلْعَرَبِ ، وَ كَانَ مِنَ الْمُسْتَهْزِءِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقْعُدُ فِي الْحُجْرَةِ وَ يَقْرَأُ اَلْقُرْآنَ فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ إِلَى اَلْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الشَّمْسِ مَا هَذَا الَّذِي يَقُولُ مُحَمَّدٌ أَ شِعْرٌ هُوَ أَمْ كِهَانَةٌ أَمْ خُطَبٌ ! فَقَالَ دَعُونِي أَسْمَعْ كَلاَمَهُ ، فَدَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَنْشِدْنِي مِنْ شِعْرِكَ ، قَالَ : مَا هُوَ شَعْرٌ وَ لَكِنَّهُ كَلاَمُ اللَّهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِمَلاَئِكَتِهِ وَ أَنْبِيَائِهِ ، فَقَالَ : اتْلُ عَلَيَّ مِنْهُ شَيْئاً، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَم السَّجْدَةِ فَلَمَّا بَلَغَ قَوْلَهُ «فَإِنْ أَعْرَضُوا» يَا مُحَمَّدُ أَعْنِي قُرَيْشاً «فَقُلْ »

ص: 393

فِي رَأْسِهِ وَ لِحْيَتِهِ وَ مَرَّ إِلَى بَيْتِهِ وَ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى قُرَيْشٍ مِنْ ذَلِكَ ، فَمَشَوْا إِلَى أَبِي جَهْلٍ

فَقَالُوا: يَا أَبَا الْحَكَمِ إِنَّ أَبَا عَبْدِ الشَّمْسِ صَبَا إِلَى دِينِ مُحَمَّدٍ أَ مَا تَرَاهُ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْنَا، فَغَدَا أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ لَهُ : يَا عَمِّ نَكَّسْتَ رُءُوسَنَا وَ فَضَحْتَنَا وَ أَشْمَتَّ بِنَا عَدُوُّنَا وَ صَبَوْتَ إِلَى دِينِ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ مَا صَبَوْتُ إِلَى دِينِهِ وَ لَكِنِّي سَمِعْتُ مِنْهُ كَلاَماً صَعْباً تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْجُلُودُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ : أَ خُطَبٌ هُوَ قَالَ : لاَ إِنَّ الْخُطَبَ كَلاَمٌ مُتَّصِلٌ وَ هَذَا كَلاَمٌ مَنْثُورٌ وَ لاَ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً قَالَ أَ فَشِعْرُ هُوَ قَالَ لاَ، أَمَّا إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ أَشْعَارَ اَلْعَرَبِ بَسِيطَهَا وَ مَدِيدَهَا وَ رَمْلَهَا وَ رَجَزَهَا وَ مَا هُوَ بِشِعْرٍ قَالَ فَمَا هُوَ قَالَ دَعْنِي أُفَكِّرْ فِيهِ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالُوا يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ مَا تَقُولُ فِيمَا قُلْنَاهُ قَالَ :

قُولُوا هُوَ سِحْرٌ فَإِنَّهُ أَخَذَ بِقُلُوبِ النَّاسِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ فِي ذَلِكَ «ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً» وَ إِنَّمَا سُمِّيَ وَحِيداً(1) لِأَنَّهُ قَالَ لِقُرَيْشٍ أَنَا أَتَوَحَّدُ بِكِسْوَةِ اَلْبَيْتِ سَنَةً وَ عَلَيْكُمْ فِي جَمَاعَتِكُمْ سَنَةً ، وَ كَانَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ وَ حَدَائِقُ وَ كَانَ لَهُ عَشْرُ بَنِينَ بِمَكَّةَ وَ كَانَ لَهُ عَشْرَةُ عَبِيدٍ عِنْدَ كُلِّ عَبْدٍ أَلْفُ دِينَارٍ يَتَّجِرُ بِهَا وَ تِلْكَ الْقِنْطَارُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَ يُقَالُ إِنَّ الْقِنْطَارَ جِلْدُ ثَوْرٍ مَمْلُوٌّ ذَهَباً .، فَأَنْزَلَ اللَّهُ «ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ »

إِلَى قَوْلِهِ «صَعُوداً» قَالَ : جَبَلٌ يُسَمَّى صَعُوداً «ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ» قَالَ عَبَسَ وَجْهَهُ ، وَ بَسَرَ قَالَ أَلْقَى شِدْقَهُ «ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَكْبَرَ فَقٰالَ إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ قَوْلُ الْبَشَرِ» إِلَى قَوْلِهِ «مٰا سَقَرُ» وَادٍ فِي اَلنَّارِ «لاٰ تُبْقِي وَ لاٰ تَذَرُ» أَيْ لاَ تُبْقِيهِ وَ لاَ تَذَرُهُ «لَوّٰاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْهٰا تِسْعَةَ عَشَرَ» قَالَ تُلَوِّحُ عَلَيْهِ فَتُحْرِقُهُ ،«عَلَيْهٰا تِسْعَةَ عَشَرَ» قَالَ مَلاَئِكَةٌ يُعَذِّبُونَهُمْ وَ هُوَ قَوْلُهُ «وَ مٰا جَعَلْنٰا أَصْحٰابَ اَلنّٰارِ إِلاّٰ مَلاٰئِكَةً » وَ هُمْ مَلاَئِكَةٌ فِي اَلنَّارِ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ «وَ مٰا جَعَلْنٰا عِدَّتَهُمْ إِلاّٰ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا»

ص: 394


1- أَيْ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَ فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ أَنَّ الْوَحِيدَ، الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ أَبُوهُ ج. ز.

قَالَ لِكُلِّ رَجُلٍ تِسْعَةَ عَشَرَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ يُعَذِّبُونَهُمْ .

قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً»

قَالَ الْوَحِيدُ وَلَدُ الزِّنَا وَ هُوَ زُفَرُ «وَ جَعَلْتُ لَهُ مٰالاً مَمْدُوداً» قَالَ أَجَلاً إِلَى مُدَّةٍ «وَ بَنِينَ شُهُوداً» قَالَ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ شَهِدُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لاَ يُورَثُ «وَ مَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً» مَلَّكَهُ الَّذِي مَلَّكَهُ مَهَّدَهُ لَهُ «ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلاّٰ إِنَّهُ كٰانَ لِآيٰاتِنٰا عَنِيداً» قَالَ لِوَلاَيَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

جَاحِداً عَانِداً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِيهَا «سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ»

فَكَّرَ فِيمَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الْوَلاَيَةِ وَ قَدَّرَ إِنْ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنْ لاَ يُسَلِّمَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الْبَيْعَةَ الَّتِي بَايَعَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ» قَالَ عَذَابِ بَعْدَ عَذَابِ يُعَذِّبْهُ الْقَائِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «ثُمَّ نَظَرَ» إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَ «عَبَسَ وَ بَسَرَ» مِمَّا أُمِرَ بِهِ «ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَكْبَرَ فَقٰالَ إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ سِحْرٌ يُؤْثَرُ» ، قَالَ : زُفَرُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سَحَرَ النَّاسَ بِعَلِيٍّ عَلَيهِ السَّلاَمُ «إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ قَوْلُ الْبَشَرِ» أَيْ لَيْسَ هُوَ وَحْياً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «سَأُصْلِيهِ سَقَرَ» إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فِيهِ نَزَلَتْ .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ :«كُلُّ نَفْسٍ بِمٰا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاّٰ أَصْحٰابَ الْيَمِينِ » قَالَ الْيَمِينُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَصْحَابُهُ شِيعَتُهُ فَيَقُولُونَ لِأَعْدَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ

«مٰا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ» فَيَقُولُونَ «لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ » أَيْ لَمْ نَكُ مِنْ أَتْبَاعِ اَلْأَئِمَّةِ

«وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ » قَالَ : حُقُوقُ آلِ مُحَمَّدٍ مِنَ الْخُمْسِ لِذَوِي الْقُرْبَى وَ الْيَتَامَى وَ الْمَسَاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيِل وَ هُمْ آلُ مُحَمِّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ «وَ كُنّٰا نَخُوضُ مَعَ الْخٰائِضِينَ وَ كُنّٰا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ » أَيْ يَوْمِ الْمُجَازَاةِ «حَتّٰى أَتٰانَا الْيَقِينُ » أَيِ الْمَوْتُ وَ قَوْلُهُ «فَمٰا تَنْفَعُهُمْ شَفٰاعَةُ الشّٰافِعِينَ » قَالَ : لَوْ أَنَّ كُلَّ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ شَفَعُوا فِي نَاصِبِ آلِ مُحَمَّدٍ مَا قُبِلَ مِنْهُمْ مَا شَفَعُوا فِيهِ ثُمَّ قَالَ «فَمٰا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ »

ص: 395

قَالَ عَمَّا يُذْكَرُ لَهُمْ مِنْ مُوَالاَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ » يَعِني مِنَ الْأَسَدِ قَوْلُهُ «هُوَ أَهْلُ التَّقْوىٰ وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ » قَالَ هُوَ أَهْلٌ أَنْ يُتَّقَى وَ أَهْلٌ أَنْ يَغْفِرَ.

أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «إِنَّهٰا لَإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيراً لِلْبَشَرِ» قَالَ يَعْنِي فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

فِي قَوْلِهِ «بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتىٰ صُحُفاً مُنَشَّرَةً » وَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا مُحَمَّدُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيُصْبِحُ وَ ذَنْبُهُ مَكْتُوبٌ عِنْدَ رَأْسِهِ وَ كَفَّارَتُهُ فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَالَ يَسْأَلُكَ قَوْمُكَ سُنَّةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الذُّنُوبِ فَإِنْ شَاءُوا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِمْ وَ أَخَذْنَاهُمْ بِمَا كُنَّا نَأْخُذُ بِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَرِهَ ذَلِكَ لِقَوْمِهِ .

75- سُورَةُ الْقِيَامَةِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا أَرْبَعُونَ 40

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ لاٰ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيٰامَةِ » يَعْنِي أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ

«وَ لاٰ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوّٰامَةِ » قَالَ : نَفْسُ آدَمَ الَّتِي عَصَتْ فَلاَمَهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قَوْلُهُ «أَ يَحْسَبُ الْإِنْسٰانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظٰامَهُ بَلىٰ قٰادِرِينَ عَلىٰ أَنْ نُسَوِّيَ بَنٰانَهُ » قَالَ :

أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ لَوْ شَاءَ اللَّهُ يُسَوِّيهَا قَوْلُهُ «بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسٰانُ لِيَفْجُرَ أَمٰامَهُ » قَالَ يُقَدِّمُ الذَّنْبَ وَ يُؤَخِّرُ التَّوْبَةَ وَ يَقُولُ سَوْفَ أَتُوبُ قَوْلُهُ «يَسْئَلُ أَيّٰانَ يَوْمُ الْقِيٰامَةِ »

أَيْ مَتَى يَكُونُ قَالَ اللَّهُ «فَإِذٰا بَرِقَ الْبَصَرُ» قَالَ : يُبْرِقُ الْبَصَرُ فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَطْرَفَ

قَوْلُهُ «كَلاّٰ لاٰ وَزَرَ» أَيْ لاَ مَلْجَأَ قَوْلُهُ «يُنَبَّؤُا الْإِنْسٰانُ يَوْمَئِذٍ بِمٰا قَدَّمَ وَ أَخَّرَ»

قَالَ : يُخْبَرُ بِمَا قَدَّمَ وَ أَخَّرَ «بَلِ الْإِنْسٰانُ عَلىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَ لَوْ أَلْقىٰ مَعٰاذِيرَهُ » قال

ص: 396

يَعْلَمُ مَا صَنَعَ وَ إِنِ اعْتَذَرَ قَوْلُهُ «إِنَّ عَلَيْنٰا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ » قَالَ : عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ جَمْعُ اَلْقُرْآنِ وَ قُرْآنُهُ «فَإِذٰا قَرَأْنٰاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ » قَالَ اتَّبِعُوا إِذَا مَا قَرَءُوهُ «ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنٰا بَيٰانَهُ » أَيْ تَفْسِيرَهُ «كَلاّٰ بَلْ تُحِبُّونَ الْعٰاجِلَةَ » قَالَ الدُّنْيَا الْحَاضِرَةَ «وَ تَذَرُونَ الْآخِرَةَ »

قَالَ تَدَعُونَ «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نٰاضِرَةٌ » أَيْ مُشْرِقَةٌ «إِلىٰ رَبِّهٰا نٰاظِرَةٌ » قَالَ يَنْظُرُونَ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ أَيْ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَ نِعْمَتِهِ «وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بٰاسِرَةٌ » أَيْ ذَلِيلَةٌ قَوْلُهُ «كَلاّٰ إِذٰا بَلَغَتِ التَّرٰاقِيَ » قَالَ النَّفْسُ إِذَا بَلَغَتِ التَّرْقُوَةَ «وَ قِيلَ مَنْ رٰاقٍ » قَالَ يُقَالُ لَهُ مَنْ يَرْقِيكَ قَوْلُهُ «وَ ظَنَّ أَنَّهُ الْفِرٰاقُ » عَلِمَ أَنَّهُ الْفِرَاقُ «وَ الْتَفَّتِ السّٰاقُ بِالسّٰاقِ » قَالَ :

الْتَفَّتِ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ «إِلىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسٰاقُ » قَالَ : يُسَاقُونَ إِلَى اللَّهِ

قَوْلُهُ «فَلاٰ صَدَّقَ وَ لاٰ صَلّٰى» فَإِنَّهُ كَانَ سَبَبَ نُزُولِهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ دَعَا إِلَى بَيْعَةِ عَلِيٍّ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ فَلَمَّا بَلَّغَ النَّاسَ وَ أَخْبَرَهُمْ فِي عَلِيٍّ مَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُخْبِرَ، رَجَعُوا النَّاسُ ، فَاتَّكَأَ مُعَاوِيَةُ عَلَى اَلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ثُمَّ أَقْبَلَ يَتَمَطَّى نَحْوَ أَهْلِهِ وَ يَقُولُ مَا نُقِرُّ لِعَلِيٍّ بِالْوَلاَيَةِ [بِالْخِلاَفَةِ ] أَبَداً وَ لاَ نُصَدِّقُ مُحَمَّداً مَقَالَتَهُ فِيهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ «فَلاٰ صَدَّقَ وَ لاٰ صَلّٰى وَ لٰكِنْ كَذَّبَ وَ تَوَلّٰى ثُمَّ ذَهَبَ إِلىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطّٰى أَوْلىٰ لَكَ فَأَوْلىٰ » عبد الفاسق [وَعِيدُ الْفَاسِقِ ] فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

اَلْمِنْبَرَ وَ هُوَ يُرِيدُ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «لاٰ تُحَرِّكْ بِهِ لِسٰانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ »

فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ لَمْ يُسَمِّهِ . قَوْلُهُ «أَ يَحْسَبُ الْإِنْسٰانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً » قَالَ لاَ يُحَاسَبَ وَ لاَ يُعَذَّبَ وَ لاَ يُسْأَلَ عَنْ شَيْ ءٍ ثُمَّ قَالَ «أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنىٰ »

قَالَ : إِذَا نَكَحَ أَمْنَاهُ «ثُمَّ كٰانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّٰى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثىٰ »

إِلَى قَوْلِهِ «أَ لَيْسَ ذٰلِكَ بِقٰادِرٍ عَلىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتىٰ » رَدٌّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ وَ النُّشُورَ.

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «يُنَبَّؤُا الْإِنْسٰانُ يَوْمَئِذٍ بِمٰا قَدَّمَ وَ أَخَّرَ» بِمَا قَدَّمَ مِنْ خَيْرٍ وَ شَرٍّ وَ مَا أَخَّرَ مِمَّا سَنَّ مِنْ سُنَّةٍ لِيُسْتَنَّ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ

ص: 397

فَإِنْ كَانَ شَرّاً كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِهِمْ وَ لاَ يُنْقَصُ مِنْ وِزْرِهِمْ شَيْ ءٌ، وَ إِنْ كَانَ خَيْراً كَانَ لَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ وَ لاَ يُنْقَصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْ ءٌ.

76- سُورَةُ الدَّهْرِ مَدَنِيَّةٌ آيَاتُهَا إِحْدَى وَ ثَلاَثُونَ 31

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ هَلْ أَتىٰ عَلَى الْإِنْسٰانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً» قَالَ : لَمْ يَكُنْ فِي الْعِلْمِ وَ لاَ فِي الذِكْرِ، وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ كَانَ فِي الْعِلْمِ وَ لَمْ يَكُنْ فِي الذِّكْرِ قَوْلُهُ «إِنّٰا خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشٰاجٍ نَبْتَلِيهِ » أَيْ نَخْتَبِرُهُ «فَجَعَلْنٰاهُ سَمِيعاً بَصِيراً» ثُمَّ قَالَ «إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ السَّبِيلَ » أَيْ بَيَّنَّا لَهُ طَرِيقَ الْخَيْرِ وَ الشَّرِّ «إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً» وَ هُوَ رَدٌّ عَلَى اَلْمُجَبِّرَةِ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لاَ فِعْلَ لَهُمْ

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ السَّبِيلَ إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً» قَالَ :

إِمَّا آخِذٌ فَشَاكِرٌ وَ إِمَّا تَارِكٌ فَكَافِرٌ.

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

فِي قَوْلِهِ «أَمْشٰاجٍ نَبْتَلِيهِ » قَالَ مَاءُ الرَّجُلِ وَ مَاءُ الْمَرْأَةِ اخْتَلَطَا جَمِيعاً.

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «إِنَّ الْأَبْرٰارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كٰانَ مِزٰاجُهٰا كٰافُوراً» يَعْنِي بَرْدَهَا وَ طِيبَهَا لِأَنَّ فِيهَا الْكَافُورَ «عَيْناً يَشْرَبُ بِهٰا عِبٰادُ اللّٰهِ يُفَجِّرُونَهٰا» أَيْ مِنْهَا وَ قَوْلُهُ «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخٰافُونَ يَوْماً كٰانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً» قَالَ : الْمُسْتَطِيرُ الْعَظِيمُ قَوْلُهُ «وَ يُطْعِمُونَ الطَّعٰامَ عَلىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً»

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : كَانَ عِنْدَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ

ص: 398

فَأَعْطَاهُ ثُلُثَهَا الثَّانِيَ ، فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ أَسِيرٌ فَقَالَ الْأَسِيرُ يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ أَطْعِمُونَا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ فَقَامَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَعْطَاهُ الثُّلُثَ الْبَاقِيَ ، وَ مَا ذَاقُوهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ «وَ كٰانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً» فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هِيَ جَارِيَةٌ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ .، وَ الْقَمْطَرِيرُ الشَّدِيدُ

قَوْلُهُ «مُتَّكِئِينَ فِيهٰا عَلَى الْأَرٰائِكِ » يَقُولُ مُتَّكِئِينَ فِي الْحِجَالِ عَلَى السُّرُرِ قَوْلُهُ «وَ دٰانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاٰلُهٰا» يَقُولُ قَرِيبٌ ظِلاَلُهَا مِنْهُمْ قَوْلُهُ «وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُهٰا تَذْلِيلاً» دُلِّيَتْ عَلَيْهِمْ ثِمَارُهَا يَنَالُهَا الْقَائِمُ وَ الْقَاعِدُ قَوْلُهُ «أَكْوٰابٍ كٰانَتْ قَوٰارِيرَا قَوٰارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ » الْأَكْوَابُ الْأَكْوَازُ الْعِظَامُ الَّتِي لاَ آذَانَ لَهَا وَ لاَ عُرًى، قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةِ اَلْجَنَّةِ يَشْرَبُونَ فِيهَا «قَدَّرُوهٰا تَقْدِيراً» يَقُولُ : صُنِعَتْ لَهُمْ عَلَى قَدْرِ رُتْبَتِهِمْ لاَ تَحْجِيرَ فِيهِ وَ لاَ فَصْلَ قَوْلُهُ «مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ » الْإِسْتَبْرَقُ الدِّيبَاجُ .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ :«وَ يُطٰافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَ أَكْوٰابٍ كٰانَتْ قَوٰارِيرَا» قَالَ : يَنْفُذُ الْبَصَرُ فِيهَا كَمَا يَنْفُذُ فِي الزُّجَاجِ قَوْلُهُ «وِلْدٰانٌ مُخَلَّدُونَ »

قَالَ : مُسْتَوُونَ قَوْلُهُ «وَ مُلْكاً كَبِيراً» قَالَ : لاَ يَزَالُ وَ لاَ يَفْنَى «عٰالِيَهُمْ ثِيٰابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ » قَالَ : يَعْلُوهُمُ الثِّيَابُ وَ يَلْبَسُونَهَا ثُمَّ خَاطَبَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

فَقَالَ :«إِنّٰا نَحْنُ نَزَّلْنٰا عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ تَنْزِيلاً» إِلَى قَوْلِهِ «بُكْرَةً وَ أَصِيلاً» قَالَ :

بِالْغُدْوَةِ وَ نِصْفِ النَّهَارِ «وَ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَ سَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً» قَالَ صَلاَةُ اللَّيْلِ قَوْلُهُ «نَحْنُ خَلَقْنٰاهُمْ وَ شَدَدْنٰا أَسْرَهُمْ » يَعْنِي خَلْقَهُمْ قَالَ الشَّاعِرُ:

وَ ضَامِرَةٌ شَدَّ الْمَلِيكُ أَسْرَهَا *** يَكَادُ مَاذِنُهَا أَسْفَلُهَا وَ ظَهْرُهَا وَ بَطْنُهَا(1)

ص: 399


1- كَذَا فِي ط وَ م وَ لَيْسَ فِي تَفْسِيرِ الْبُرْهَانِ لَفْظُ «مَاذِنِهَا» وَ يُحْتَمَلُ التَّصْحِيفُ فِي الشِّعْرِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ شَرْحِ الْمُصَنِّفِ لَهُ فِي الْعِبَارَةِ الْآتِيَةِ لِأَنَّهُ فِيهَا لَفْظَ «شَطْوِهَا» وَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا يَكَادُ مَاذِنُهَا يَكُونُ شَطْرَهَا ج. ز.

قَالَ : الضَّامِرَةُ يَعْنِي فَرَسَهُ شَدَّ الْمَلِيكُ أَسْرَهَا أَيْ خَلْقَهَا يَكَادُ مَاذِنُهَا قَالَ :

عُنُقُهَا يَكُونُ شَطْرُهَا أَيْ نِصْفُهَا.

77- سُوْرةُ اَلْمُرْسَلاَتِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا خَمْسُونَ 50

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ الْمُرْسَلاٰتِ عُرْفاً» قَالَ : الْآيَاتُ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضاً «فَالْعٰاصِفٰاتِ عَصْفاً» قَالَ : الْقَبْرُ «وَ النّٰاشِرٰاتِ نَشْراً» قَالَ : نَشْرُ الْأَمْوَاتِ «فَالْفٰارِقٰاتِ فَرْقاً» قَالَ : الدَّابَّةُ «فَالْمُلْقِيٰاتِ ذِكْراً» قَالَ الْمَلاَئِكَةُ «عُذْراً أَوْ نُذْراً»

أَيْ أَعْذَرُكُمْ وَ أَنْذَرُكُمْ بِمَا أَقُولُ وَ هُوَ قَسَمٌ وَ جَوَابُهُ «إِنَّمٰا تُوعَدُونَ لَوٰاقِعٌ »

قَوْلُهُ «فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ » قَالَ : يَذْهَبُ نُورُهَا وَ تَسْقُطُ «وَ إِذَا السَّمٰاءُ فُرِجَتْ »

قَالَ : تَنْفَرِجُ وَ تَنْشَقُّ «وَ إِذَا الْجِبٰالُ نُسِفَتْ » أَيْ تُقْلَعُ «وَ إِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ » قَالَ بُعِثَتْ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ «لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ » قَالَ : أُخِّرَتْ «لِيَوْمِ الْفَصْلِ » قَوْلُهُ «أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مٰاءٍ مَهِينٍ » قَالَ : مُنْتِنٍ «فَجَعَلْنٰاهُ فِي قَرٰارٍ مَكِينٍ » قَالَ فِي الرَّحِمِ قَوْلُهُ «أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفٰاتاً أَحْيٰاءً وَ أَمْوٰاتاً» قَالَ الْكِفَاتُ الْمَسَاكِنُ .

وَ قَالَ : نَظَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي رُجُوعِهِ مِنْ صِفِّينَ إِلَى الْمَقَابِرِ فَقَالَ :

هَذِهِ كِفَاتُ الْأَمْوَاتِ أَيْ مَسَاكِنُهُمْ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى بُيُوتِ اَلْكُوفَةِ فَقَالَ : هَذِهِ كِفَاتُ الْأَحْيَاءِ ثُمَّ تَلاَ قَوْلَهُ :«أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفٰاتاً أَحْيٰاءً وَ أَمْوٰاتاً» . قَوْلُهُ :

«وَ جَعَلْنٰا فِيهٰا رَوٰاسِيَ شٰامِخٰاتٍ » قَالَ : جِبَالٌ مُرْتَفِعَةٌ «وَ أَسْقَيْنٰاكُمْ مٰاءً فُرٰاتاً»

أَيْ عَذْباً وَ كُلُّ عَذْبٍ مِنَ الْمَاءِ فَهُوَ الْفُرَاتُ قَوْلُهُ :«اِنْطَلِقُوا إِلىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاٰثِ شُعَبٍ » قَالَ فِيهِ ثَلاَثُ شُعَبٍ مِنَ النَّارِ «إِنَّهٰا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ» قَالَ : شَرَرُ النَّارِ مِثْلُ الْقُصُورِ وَ الْجِبَالِ «كَأَنَّهُ جِمٰالَتٌ صُفْرٌ» أَيْ سُودٌ قَوْلُهُ :«إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلاٰلٍ وَ عُيُونٍ » قَالَ : ظِلاَلٌ مِنْ نُورٍ أَنْوَرُ مِنَ الشَّمْسِ قَوْلُهُ :

ص: 400

«وَ إِذٰا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لاٰ يَرْكَعُونَ » قَالَ : إِذَا قِيلَ لَهُمْ تَوَلَّوْا الْإِمَامَ لَمْ يَتَوَلَّوْهُ ، ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

«فَبِأَيِّ حَدِيثٍ » بَعْدَ هَذَا الَّذِي أُحَدِّثُكَ بِهِ «يُؤْمِنُونَ »

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ » فَطُمُوسُهَا ذَهَابُ ضَوْئِهَا وَ أَمَّا قَوْلُهُ «إِلىٰ قَدَرٍ مَعْلُومٍ » يَقُولُ مُنْتَهَى الْأَجَلِ .

78- سُورَةُ النَّبَإِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا إِحْدَى وَ أَرْبَعُونَ 41

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ عَمَّ يَتَسٰاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ اَلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ »

قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «عَمَّ يَتَسٰاءَلُونَ » ... إِلَخْ » قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا لِلَّهِ نَبَأٌ أَعْظَمُ مِنِّي وَ مَا لِلَّهِ آيَةٌ أَكْبَرُ مِنِّي، وَ قَدْ عُرِضَ فَضْلِي عَلَى الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ عَلَى اخْتِلاَفِ أَلْسِنَتِهَا فَلَمْ تُقِرَّ بِفَضْلِي.

وَ قَوْلُهُ «أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهٰاداً» (1) قَالَ يُمَهَّدُ فِيهَا الْإِنْسَانُ مَهْداً «وَ الْجِبٰالَ أَوْتٰاداً» أَيْ أَوْتَادَ الْأَرْضِ «وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبٰاساً» قَالَ يُلْبَسُ عَلَى النَّهَارِ «وَ جَعَلْنٰا سِرٰاجاً وَهّٰاجاً» قَالَ الشَّمْسُ الْمُضِيئَةُ «وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ الْمُعْصِرٰاتِ » قَالَ مِنَ السَّحَابِ «مٰاءً ثَجّٰاجاً» قَالَ صَبّاً عَلَى صَبٍّ «وَ جَنّٰاتٍ أَلْفٰافاً» قَالَ بَسَاتِينَ مُلْتَفَّةَ الشَّجَرِ «وَ فُتِحَتِ السَّمٰاءُ فَكٰانَتْ أَبْوٰاباً» قَالَ تُفْتَحُ أَبْوَابُ اَلْجِنَانِ «وَ سُيِّرَتِ الْجِبٰالُ فَكٰانَتْ سَرٰاباً» قَالَ : تُسَيَّرُ الْجِبَالُ مِثْلَ السَّرَابِ الَّذِي يَلْمَعُ فِي الْمَفَازَةِ قَوْلُهُ «إِنَّ جَهَنَّمَ كٰانَتْ مِرْصٰاداً» قَالَ قَائِمَةً «لِلطّٰاغِينَ مَآباً» أَيْ مَنْزِلاً «لاٰبِثِينَ فِيهٰا أَحْقٰاباً»

ص: 401


1- أَقُولُ : هَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا إِشْعَارٌ بِحَرَكَةِ الْأَرْضِ حَيْثُ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى «مِهَاداً» وَ «اَلْمَهْدُ» وَ «اَلْمِهَادُ» مَوْضِعٌ يُهَيَّأُ لِلصَّبِيِّ وَ هُوَ مُتَحَرِّكٌ غَالِباً وَ مِنْهُ الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ اطْلُبُوا الْعِلْمَ مِنَ الْمَهْدِ إِلَى اللَّحْدِ. ج. ز.

قَالَ : الْأَحْقَابُ السِّنِينَ وَ الْحُقُبُ ثَمَانُونَ سَنَةً وَ السَّنَةُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَ سِتُّونَ يَوْماً وَ الْيَوْمُ «كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّٰا تَعُدُّونَ »

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ عَنِ اَلْأَحْوَلِ عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «لاٰبِثِينَ فِيهٰا أَحْقٰاباً لاٰ يَذُوقُونَ فِيهٰا بَرْداً وَ لاٰ شَرٰاباً إِلاّٰ حَمِيماً وَ غَسّٰاقاً» قَالَ : هَذِهِ فِي الَّذِينَ لاَ يَخْرُجُونَ مِنَ اَلنَّارِ.

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «لاٰ يَذُوقُونَ فِيهٰا بَرْداً» قَالَ : الْبَرْدُ الْنَّوْمُ وَ قَوْلُهُ «إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفٰازاً» قَالَ يَفُوزُونَ قَوْلُهُ «وَ كَوٰاعِبَ أَتْرٰاباً» قَالَ جَوَارٍ أَتْرَابٌ لِأَهْلِ اَلْجَنَّةِ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفٰازاً» ، قَالَ فَهِيَ الْكَرَامَاتُ وَ قَوْلُهُ «وَ كَوٰاعِبَ أَتْرٰاباً» ، أَيِ الْفَتِيَّاتِ النَّاهِدَاتِ . وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «كَأْساً دِهٰاقاً» أَيْ مُمْتَلِيَةً «يَوْمَ يَقُومُ اَلرُّوحُ وَ الْمَلاٰئِكَةُ صَفًّا لاٰ يَتَكَلَّمُونَ » قَالَ اَلرُّوحُ مَلَكٌ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ

وَ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ مَعَ اَلْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ قَوْلُهُ «إِنّٰا أَنْذَرْنٰاكُمْ عَذٰاباً قَرِيباً» قَالَ فِي اَلنَّارِ وَ قَالَ «يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مٰا قَدَّمَتْ يَدٰاهُ وَ يَقُولُ الْكٰافِرُ يٰا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرٰاباً» قَالَ تُرَابِيّاً أَيْ عَلَوِيّاً

وَ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ :

الْمُكَنَّى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو تُرَابٍ .

79- سُورَةُ اَلنَّازِعَاتِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا سِتٌ وَ أَرْبَعُونَ 46

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ النّٰازِعٰاتِ غَرْقاً» قَالَ نَزْعُ الرُّوحِ «وَ النّٰاشِطٰاتِ نَشْطاً» قَالَ : اَلْكُفَّارُ يُنْشَطُونَ فِي الدُّنْيَا(1) «وَ السّٰابِحٰاتِ سَبْحاً» قَالَ اَلْمُؤْمِنُونَ

ص: 402


1- مَبْنِيّاً لِلْمَفْعُولِ مِنَ النَّشْطِ وَ هُوَ الْإِزْهَاقُ يَعْنِي الْمَلاَئِكَةَ الَّتِي تُزْهِقُ أَرْوَاحَ الْكَافِرِ فِي الدُّنْيَا عِنْدَ مَوْتِهِمْ ج. ز.

الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :

«فَالسّٰابِقٰاتِ سَبْقاً» يَعْنِي أَرْوَاحَ اَلْمُؤْمِنِينَ تَسْبِقُ أَرْوَاحُهُمْ إِلَى اَلْجَنَّةِ بِمِثْلِ الدُّنْيَا وَ أَرْوَاحُ اَلْكَافِرِينَ إِلَى اَلنَّارِ بِمِثْلِ ذَلِكَ .،

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «يَوْمَ تَرْجُفُ الرّٰاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرّٰادِفَةُ » قَالَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا وَ الرَّادِفَةُ الصَّيْحَةُ «قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وٰاجِفَةٌ » أَيْ خَائِفَةٌ «أَبْصٰارُهٰا خٰاشِعَةٌ يَقُولُونَ أَ إِنّٰا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحٰافِرَةِ »

قَالَ قَالَتْ قُرَيْشٌ أَ نَرْجِعُ بَعْدَ الْمَوْتِ «أَ إِذٰا كُنّٰا عِظٰاماً نَخِرَةً » أَيْ بَالِيَةً «تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خٰاسِرَةٌ » قَالَ قَالُوا هَذَا عَلَى حَدِّ الاِسْتِهْزَاءِ قَالَ اللَّهُ «فَإِنَّمٰا هِيَ زَجْرَةٌ وٰاحِدَةٌ فَإِذٰا هُمْ بِالسّٰاهِرَةِ » قَالَ الزَّجْرَةُ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ فِي الصُّوَرِ وَ اَلسَّاهِرَةُ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ عِنْدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«أَ إِنّٰا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحٰافِرَةِ » ، يَقُولُ فِي الْخَلْقِ الْجَدِيدِ. وَ أَمَّا قَوْلُهُ :«فَإِذٰا هُمْ بِالسّٰاهِرَةِ » ، وَ السَّاهِرَةُ الْأَرْضُ كَانُوا فِي الْقُبُورِ فَلَمَّا سَمِعُوا الزَّجْرَةَ خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ فَاسْتَوَوْا عَلَى الْأَرْضِ

قَوْلُهُ «بِالْوٰادِ الْمُقَدَّسِ » أَيِ الْمُطَهَّرِ وَ أَمَّا «طُوىً » فَاسْمُ الْوَادِي.

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «فَحَشَرَ» يَعْنِي فِرْعَوْنَ «فَنٰادىٰ فَقٰالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلىٰ فَأَخَذَهُ اللّٰهُ نَكٰالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولىٰ » و النَّكَالُ الْعُقُوبَةُ ، وَ الْآخِرَةُ هُوَ قَوْلُهُ :

«أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلىٰ » وَ الْأُولَى قَوْلُهُ «مٰا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلٰهٍ غَيْرِي» ، فَأَهْلَكَهُ اللَّهُ بِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ قَوْلُهُ «وَ أَغْطَشَ لَيْلَهٰا» أَيْ أَظْلَمَ قَالَ اَلْأَعْشَى:

وَ بَهْمَاءُ بِاللَّيْلِ غَطْشُ الْغَدَاةِ (1) *** مُؤْنِسِي فُنُونٌ فَنَادَاهَا(2).

قَوْلُهُ :«وَ أَخْرَجَ ضُحٰاهٰا» أَيِ الشَّمْسَ قَوْلُهُ «وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذٰلِكَ دَحٰاهٰا» أَيْ بَسَطَهَا

«وَ الْجِبٰالَ أَرْسٰاهٰا» أَيْ أَثْبَتَهَا قَوْلُهُ «يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسٰانُ مٰا سَعىٰ » قَالَ يَذْكُرُ مَا عَمِلَهُ كُلَّهُ «وَ بُرِّزَتِ اَلْجَحِيمُ لِمَنْ يَرىٰ » قَالَ : أُحْضِرَتْ

قَوْلُهُ «وَ أَمّٰا مَنْ »

ص: 403


1- الْفَلاَةِ ط .
2- يُؤنِسُنِي صَوْتٌ فَنَادَاهَا (ط ) ج. ز.

«خٰافَ مَقٰامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوىٰ فَإِنَّ اَلْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوىٰ » قَالَ : هَوَى الْعَبْدِ إِذَا وَقَفَ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَ قَدَرَ عَلَيْهَا ثُمَّ تَرَكَهَا مَخَافَةَ اللَّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنْهَا فَمُكَافَاتُهُ اَلْجَنَّةُ قَوْلُهُ «يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّٰاعَةِ أَيّٰانَ مُرْسٰاهٰا» قَالَ : مَتَى تَقُومُ قَالَ اللَّهُ :«إِلىٰ رَبِّكَ مُنْتَهٰاهٰا» أَيْ عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ قَوْلُهُ :«كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهٰا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّٰ عَشِيَّةً أَوْ ضُحٰاهٰا» قاَلَ : بَعْضُ يَوْمٍ .

80- سُورَةُ عَبَسَ مَكِّيَّةٌ 42

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ عَبَسَ وَ تَوَلّٰى أَنْ جٰاءَهُ الْأَعْمىٰ » قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَثْكَنَ (1) و اِبْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ

ص: 404


1- قَالَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ : أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ الَّذِى «عَبَسَ وَ تَوَلّٰى» هُوَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، وَ ذَكَرَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي مَجْلِسٍ فِي نَاسٍ مِنْ وُجُوهِ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَيَقُولُ لَهُمْ : أَ لَيْسَ حَسَناً إِنْ جِئْتَ بِكَذَا وَ كَذَا فَيَقُولُونَ : بَلَى وَ اللَّهِ فَجَاءَ ابْنُ مَكْثُومٍ وَ هُوَ مُشْتَغِلٌ بِهِمْ فَسَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ :«أَمّٰا مَنِ اسْتَغْنىٰ فَأَنْتَ لَهُ تَصَدّٰى»...«وَ أَمّٰا مَنْ جٰاءَكَ يَسْعىٰ وَ هُوَ يَخْشىٰ فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّٰى» قَالَ شَيْخُنَا الطُّوسِيُّ فِي التِّبْيَان: وَ هَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَدْ أَجَلَّ اللَّهُ قَدْرَهُ عَنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ ، وَ كَيْفَ يَصِفُهُ بِالْعُبُوسِ وَ التَّقْطِيبِ وَ قَدْ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ «عَلَى «خُلُقٍ عَظِيمٍ » وَ قَالَ «وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ »وَ كَيْفَ يُعْرَضُ عَمَّنْ تَقَدَّمَ وَصْفُهُ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى «وَ لاٰ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدٰاةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ » وَ مَنْ عَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ حُسْنَ أَخْلاَقِهِ وَ مَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلاَقِ وَ حُسْنِ الصُّحْبَةِ حَتَّى قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يُصَافِحْ أَحَداً قَطُّ فَيَنْزِعَ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ الَّذِي يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ . فَمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ كَيْفَ يُقَطِّبُ فِي وَجْهِ أَعْمَى جَاءَ يَطْلُبُ الْإِسْلاَمَ ، عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مُنَزَّهُونَ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْأَخْلاَقِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّنْفِيرِ عَنْ قَبُولِ قَوْلِهِمْ ، وَ قَالَ قَوْمٌ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِي الرَّجُلِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ كَانَ وَاقِفاً مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَلَمَّا أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ تَنَفَّرَ مِنْهُ ، وَ جَمَعَ نَفْسَهُ وَ عَبَسَ فِي وَجْهِهِ فَحَكَى اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ وَ أَنْكَرَهُ مُعَاتَبَةً عَلَى ذَلِكَ . ج. ز.

أَعْمَى، وَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ عِنْدَهُ أَصْحَابُهُ وَ عَثْكَنَ عِنْدَهُ ، فَقَدَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَلَيْهِ فَعَبَسَ وَجْهُهُ وَ تَوَلَّى عَنْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «عَبَسَ وَ تَوَلّٰى» . يَعْنِي عَثْكَنَ

«أَنْ جٰاءَهُ الْأَعْمىٰ وَ مٰا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّٰى» أَيْ يَكُونُ طَاهِراً أَزْكَى «أَوْ يَذَّكَّرُ»

قَالَ يُذَكِّرُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ثُمَّ خَاطَبَ عَثْكَنَ فَقَالَ :«أَمّٰا مَنِ اسْتَغْنىٰ فَأَنْتَ لَهُ تَصَدّٰى» قَالَ أَنْتَ إِذَا جَاءَكَ غَنِيٌّ تَتَصَدَّى لَهُ وَ تَرْفَعُهُ «وَ مٰا عَلَيْكَ أَلاّٰ يَزَّكّٰى» أَيْ لاَ تُبَالِي زَكِيّاً كَانَ أَوْ غَيْرَ زَكِيٍّ إِذَا كَانَ غَنِيّاً «وَ أَمّٰا مَنْ جٰاءَكَ يَسْعىٰ » يَعْنِي اِبْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ «وَ هُوَ يَخْشىٰ فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّٰى» أَيْ تَلْهُو وَ لاَ تَلْتَفِتُ إِلَيْهِ

قَوْلُهُ «كَلاّٰ إِنَّهٰا تَذْكِرَةٌ » قَالَ اَلْقُرْآنُ «فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ » قَالَ : عِنْدَ اللَّهِ «مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ » قَالَ بِأَيْدِي اَلْأَئِمَّةِ «كِرٰامٍ بَرَرَةٍ قُتِلَ الْإِنْسٰانُ مٰا أَكْفَرَهُ » قَالَ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ

قَالَ «مٰا أَكْفَرَهُ » أَيْ مَا ذَا فَعَلَ فَأَذْنَبَ حَتَّى قَتَلُوهُ ثُمَّ قَالَ :«مِنْ أَيِّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ » قَالَ : يَسَّرَ لَهُ طَرِيقَ الْخَيْرِ «ثُمَّ أَمٰاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذٰا شٰاءَ أَنْشَرَهُ » قَالَ فِي اَلرَّجْعَةِ «كَلاّٰ لَمّٰا يَقْضِ مٰا أَمَرَهُ » أَيْ لَمْ يَقْضِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا قَدْ أَمَرَهُ وَ سَيَرْجِعُ حَتَّى يَقْضِيَ مَا أَمَرَهُ .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ اِبْنِ أَبِي نَصْرٍ [أَبِي بَصِيرٍ] عَنْ جَمِيلِ بْنِ

ص: 405

دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «قُتِلَ الْإِنْسٰانُ مٰا أَكْفَرَهُ » قَالَ : نَعَمْ نَزَلَتْ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «مٰا أَكْفَرَهُ » ، يَعْنِي بِقَتْلِكُمْ إِيَّاهُ ثُمَّ نَسَبَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَنَسَبَ خَلْقَهُ وَ مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ فَقَالَ :«مِنْ أَيِّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ » يَقُولُ مِنْ طِينَةِ الْأَنْبِيَاءِ خَلَقَهُ «فَقَدَّرَهُ » لِلْخَيْرِ «ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ » يَعْنِي سَبِيلَ الْهُدَى «ثُمَّ أَمٰاتَهُ » مِيتَةَ الْأَنْبِيَاءِ «ثُمَّ إِذٰا شٰاءَ أَنْشَرَهُ » قُلْتُ مَا قَوْلُهُ :«ثُمَّ إِذٰا شٰاءَ أَنْشَرَهُ » قَالَ : يَمْكُثُ بَعْدَ قَتْلِهِ فِي اَلرَّجْعَةِ فَيَقْضِي مَا أَمَرَهُ . «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسٰانُ إِلىٰ طَعٰامِهِ أَنّٰا صَبَبْنَا الْمٰاءَ صَبًّا» إِلَى قَوْلِهِ «وَ قَضْباً» قَالَ : الْقَضْبُ الْقَتُّ (1)

«وَ حَدٰائِقَ غُلْباً» أَيْ بَسَاتِينَ مُلْتَفَّةً مُجْتَمِعَةً «وَ فٰاكِهَةً وَ أَبًّا» قَالَ الْأَبُّ الْحَشِيشُ لِلْبَهَائِمِ قَوْلُهُ «مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعٰامِكُمْ فَإِذٰا جٰاءَتِ الصَّاخَّةُ » أَيِ الْقِيَامَةُ قَوْلُهُ «لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ » قَالَ : شُغُلٌ يَشْتَغِلُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ .

ثُمَّ ذَكَرَ عَزَّ وَ جَلَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ تَبَرَّءُوا مِنْ أَعْدَائِهِ فَقَالَ «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضٰاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ » ثُمَّ ذَكَرَ أَعْدَاءَ آلِ مُحَمَّدٍ «وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهٰا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهٰا قَتَرَةٌ » أَيْ فَقْرٌ مِنَ الْخَيْرِ وَ الثَّوَابِ «أُولٰئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ »

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ اَلضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : فِي قَوْلِهِ «مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعٰامِكُمْ » يُرِيدُ مَنَافِعَ لَكُمْ وَ لِأَنْعَامِكُمْ . قَوْلُهُ «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهٰا غَبَرَةٌ » يُرِيدُ «مُسْوَدَّةٌ »«تَرْهَقُهٰا قَتَرَةٌ » يُرِيدُ قُتَارَ (2)جَهَنَّمُ

«أُولٰئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ » أَيِ الْكَافِرُ الْجَاحِدُ.

ص: 406


1- الْقَتُّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَ هُوَ الرَّطْبُ مِنْ عَلَفِ الدَّوَابِّ . مَجْمَعَ .
2- الْقُتَارُ كَالْبُخَارِ لَفْظاً وَ مَعْنًى. ج. ز.

81- سِورَةُ التَّكْوِيرُ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا تِسْعٌ وَ عِشْرُونَ 29

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ » قَالَ : تَصِيرُ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةً «وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ » قَالَ يَذْهَبُ ضَوْؤُهَا «وَ إِذَا الْجِبٰالُ سُيِّرَتْ » قَالَ :

تَسِيرُ كَمَا قَالَ :«تَحْسَبُهٰا جٰامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحٰابِ » قَوْلُهُ «وَ إِذَا الْعِشٰارُ عُطِّلَتْ »

قَالَ الْإِبِلُ (1) تَتَعَطَّلُ إِذَا مَاتَ الْخَلْقُ فَلاَ يَكُونُ مَنْ يَحْلُبُهَا وَ قَوْلُهُ «وَ إِذَا الْبِحٰارُ سُجِّرَتْ » قَالَ : تَتَحَوَّلُ الْبِحَارُ الَّتِي حَوْلَ الدُّنْيَا كُلُّهَا نِيرَاناً «وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ » قَالَ : مِنَ الْحُورِ الْعِينِ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ » قَالَ : أَمَّا أَهْلُ اَلْجَنَّةِ فَزُوِّجُوا الْخَيْرَاتِ الْحِسَانَ وَ أَمَّا أَهْلُ اَلنَّارِ فَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ شَيْطَانٌ يَعْنِي قُرِنَتْ نُفُوسُ الْكَافِرِينَ وَ الْمُنَافِقِينَ بِالشَّيَاطِينِ فَهُمْ قُرَنَاؤُهُمْ .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ » قَالَ كَانَتِ اَلْعَرَبِ يَقْتُلُونَ الْبَنَاتِ لِلْغِيرَةِ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ سُئِلَتِ الْمَوْءُودَةُ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ وَ قُطِعَتْ

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ

عَنْ أَيْمَنَ بْنِ مُحْرِزٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ » قَالَ : مَنْ قُتِلَ فِي مَوَدَّتِنَا وَ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ لِرَسُولِهِ :«قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبىٰ » .

ص: 407


1- الْعِشَارُ كَالْقِطَارِ: نُوقٌ مَضَى لِحَمْلِهَا عَشَرَةُ أَشْهُرٍ أَوْ ثَمَانِيَةٌ وَاحِدُهُ الْعُشَرَاَءُ ج. ز.

وَ قَوْلُهُ «وَ إِذَا السَّمٰاءُ كُشِطَتْ » قَالَ أُبْطِلَتْ

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ عَنْ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ اِبْنِ جَرِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : فِي قَوْلِهِ «وَ إِذَا اَلْجَحِيمُ سُعِّرَتْ » يُرِيدُ أُوقِدَتْ لِلْكَافِرِينَ وَ اَلْجَحِيمُ

اَلنَّارُ الْأَعْلَى مِنْ جَهَنَّمَ . وَ اَلْجَحِيمُ فِي كَلاَمِ اَلْعَرَبِ مَا عَظُمَ مِنَ اَلنَّارِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ :

«اِبْنُوا لَهُ بُنْيٰاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ » ، يُرِيدُ النَّارَ الْعَظِيمَةَ «وَ إِذَا اَلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ » يُرِيدُ قُرِّبَتْ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ مِنَ الْمُتَّقِينَ ،

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «فَلاٰ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ »

وَ هُوَ اسْمُ النَّجُومِ «اَلْجَوٰارِ الْكُنَّسِ » قَالَ النُّجُومُ تُكْنَسُ بِالنَّهَارِ فَلاَ تَبِينُ «وَ اللَّيْلِ إِذٰا عَسْعَسَ » قَالَ إِذَا أَظْلَمَ «وَ الصُّبْحِ إِذٰا تَنَفَّسَ » قَالَ إِذَا ارْتَفَعَ وَ هَذَا كُلُّهُ قَسَمٌ وَ جَوَابُهُ «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي اَلْعَرْشِ مَكِينٍ » يَعْنِي ذَا مَنْزِلَةٍ عَظِيمَةٍ عِنْدَ اللَّهِ «مُطٰاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » فَهَذَا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ وَ لَمْ يُعْطِ أَحَداً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِثْلَهُ

ص: 408

«وَ مٰا تَشٰاؤُنَ إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اللّٰهُ رَبُّ الْعٰالَمِينَ » قَالَ لِأَنَّ الْمَشِيَّةَ إِلَيْهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لاَ إِلَى النَّاسِ .

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّيَّارِيِّ عَنْ فُلاَنٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ قُلُوبَ اَلْأَئِمَّةِ مَوْرِداً لِإِرَادَتِهِ فَإِذَا شَاءَ اللَّهُ شَيْئاً شَاءُوهُ وَ هُوَ قَوْلُهُ «وَ مٰا تَشٰاؤُنَ إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اللّٰهُ رَبُّ الْعٰالَمِينَ » .

قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ عَنْ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ اِبْنِ جريح [جُرَيْجٍ ] عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : فِي قَوْلِهِ «رَبُّ الْعٰالَمِينَ » قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ ثَلاَثَمِائَةِ عَالَمٍ وَ بِضْعَةَ عَشَرَ عَالَماً خَلْفَ قَافٍ وَ خَلْفَ الْبِحَارِ السَّبْعَةِ لَمْ يَعْصُوا اللَّهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ قَطُّ وَ لَمْ يَعْرِفُوا آدَمَ وَ لاَ وُلْدَهُ كُلُّ عَالَمٍ مِنْهُمْ يَزِيدُ عَلَى ثَلاَثِمِائَةٍ وَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ مِثْلِ آدَمَ وَ مَا وَلَدَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ «إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اللّٰهُ رَبُّ الْعٰالَمِينَ » .

82- سُورَةُ الْإِنْفِطَارِ مَكِّيَّةٌ وَ آيَاتُهَا تِسْعَ عَشْرَةَ 19

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ إِذَا السَّمٰاءُ انْفَطَرَتْ وَ إِذَا الْكَوٰاكِبُ انْتَثَرَتْ وَ إِذَا الْبِحٰارُ فُجِّرَتْ » قَالَ تَتَحَوُّلُ نِيرَاناً «وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ » قَالَ تَنْشَقُّ فَيَخْرُجُ النَّاسُ مِنْهَا «عَلِمَتْ نَفْسٌ مٰا قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ » أَيْ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ وَ شَرٍّ ثُمَّ خَاطَبَ النَّاسَ «يٰا أَيُّهَا الْإِنْسٰانُ مٰا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ اَلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوّٰاكَ فَعَدَلَكَ » أَيْ لَيْسَ فِيكَ اعْوَجَاجٌ «فِي أَيِّ صُورَةٍ مٰا شٰاءَ رَكَّبَكَ » قَالَ : لَوْ شَاءَ رَكَّبَكَ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ «كَلاّٰ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ » قَالَ : بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

و أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحٰافِظِينَ » قَالَ الْمَلَكَانِ الْمُوَكَّلاَنِ بِالْإِنْسَانِ «كِرٰاماً كٰاتِبِينَ » يَكْتُبُونَ الْحَسَنَاتِ وَ السَّيِّئَاتِ «إِنَّ الْأَبْرٰارَ لَفِي نَعِيمٍ وَ إِنَّ الْفُجّٰارَ لَفِي جَحِيمٍ »

إِلَى قَوْلِهِ «يَصْلَوْنَهٰا يَوْمَ الدِّينِ » يَوْمَ الْمُجَازَاةِ ثُمَّ قَالَ تَعْظِيماً لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ «وَ مٰا أَدْرٰاكَ » يَا مُحَمَّدُ «مٰا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مٰا أَدْرٰاكَ مٰا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لاٰ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّٰهِ »

ص: 409

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ عَنْ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ اَلضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : فِي قَوْلِهِ :«وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّٰهِ » قَالَ : يُرِيدُ الْمُلْكَ وَ الْقُدْرَةَ وَ السُّلْطَانَ وَ الْعِزَّةَ وَ الْجَبَرُوتَ وَ الْجَمَالَ وَ الْبَهَاءَ وَ الْهَيْبَةَ وَ الْإِلَهِيَّةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ .

83- سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا سِتٌّ وَ ثَلاَثُونَ 36

83 سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ مَكِّيَّةٌ (1) آيَاتُهَا سِتٌّ وَ ثَلاَثُونَ 36

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ » الَّذِينَ يَبْخَسُونَ الْمِكْيَالَ وَ الْمِيزَانَ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : نَزَلَتْ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حِينَ قَدِمَ اَلْمَدِينَةَ وَ هُمْ يَوْمَئِذٍ أَسْوَأُ النَّاسِ كَيْلاً فَأَحْسِنُوا الْكَيْلَ . وَ أَمَّا اَلْوَيْلُ فَبَلَغَنَا وَ اللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا بِئْرٌ فِي جَهَنَّمَ

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ عَنْ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ اِبْنِ جُرَيْحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ : فِي قَوْلِهِ :«اَلَّذِينَ إِذَا اكْتٰالُوا عَلَى النّٰاسِ يَسْتَوْفُونَ وَ إِذٰا كٰالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ » قَالَ كَانُوا إِذَا اشْتَرَوْا يَسْتَوْفُونَ بِكَيْلٍ رَاجِحٍ وَ إِذَا بَاعُوا يَبْخَسُوا الْمِكْيَالَ وَ الْمِيزَانَ وَ كَانَ هَذَا فِيهِمْ وَ انْتَهَوْا.، قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «اَلَّذِينَ إِذَا اكْتٰالُوا» لِأَنْفُسِهِم «عَلَى النّٰاسِ يَسْتَوْفُونَ وَ إِذٰا كٰالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ » فَقَالَ اللَّهُ «أَ لاٰ يَظُنُّ أُولٰئِكَ » أَيْ أَ لاَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يُحَاسَبُونَ عَلَى ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ «كَلاّٰ إِنَّ كِتٰابَ الفُجّٰارِ لَفِي سِجِّينٍ » قَالَ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ لَفِي سِجِّينٍ ثُمَّ قَالَ «وَ مٰا أَدْرٰاكَ مٰا سِجِّينٌ كِتٰابٌ مَرْقُومٌ » أَيْ مَكْتُوبٌ «يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ » الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ كَتَبُوا عَلَيْهِمْ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : السِّجِّينُ الْأَرْضُ السَّابِعَةُ وَ عِلِّيُّونَ السَّمَاءُ السَّابِعَةُ .

ص: 410


1- وَ فِي ط أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ . ج - ز.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْرُوفٍ عَنِ اَلسِّنْدِيِّ عَنِ اَلْكَلْبِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «كَلاّٰ إِنَّ كِتٰابَ الفُجّٰارِ لَفِي سِجِّينٍ » قَالَ هُوَ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ «وَ مٰا أَدْرٰاكَ مٰا سِجِّينٌ »

إِلَى قَوْلِهِ «اَلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ » زُرَيْقٌ وَ حَبْتَرٌ «وَ مٰا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاّٰ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذٰا تُتْلىٰ عَلَيْهِ آيٰاتُنٰا قٰالَ أَسٰاطِيرُ الْأَوَّلِينَ » وَ هُمَا زُرَيْقٌ وَ حَبْتَرٌ كَانَا يُكَذِّبَانِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى قَوْلِهِ «إِنَّهُمْ لَصٰالُوا اَلْجَحِيمِ » هُمَا «ثُمَّ يُقٰالُ هٰذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ » يَعْنِي هُمَا وَ مَنْ تَبِعَهُمَا «كَلاّٰ إِنَّ كِتٰابَ الْأَبْرٰارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَ مٰا أَدْرٰاكَ مٰا عِلِّيُّونَ » إِلَى قَوْلِهِ «عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ » وَ هُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ اَلْأَئِمَّةُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ «إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا»

زُرَيْقٌ وَ حَبْتَرٌ وَ مَنْ تَبِعَهُمَا «كٰانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَ إِذٰا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغٰامَزُونَ » بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ فِيهِمَا.

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ :«كَلاّٰ إِنَّ كِتٰابَ الْأَبْرٰارِ لَفِي عِلِّيِّينَ » أَيْ مَا كُتِبَ لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ

قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا مِنْ أَعْلَى عِلِّيِّينَ وَ خَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِنَا مِمَّا خَلَقَنَا مِنْهُ وَ خَلَقَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَقُلُوبُهُمْ تَهْوِي إِلَيْنَا لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خَلَقَنَا مِنْهُ ثُمَّ تَلاَ قَوْلَهُ :«كَلاّٰ إِنَّ كِتٰابَ الْأَبْرٰارِ لَفِي عِلِّيِّينَ » إِلَى قَوْلِهِ «يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ » . «يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتٰامُهُ مِسْكٌ » قَالَ مَاءٌ إِذَا شَرِبَهُ الْمُؤْمِنُ وَجَدَ رَائِحَةَ الْمِسْكِ فِيهِ ،

ص: 411

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ خَدِيجَةُ وَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ ذُرِّيَّاتُهُمْ تَلْحَقُ بِهِمْ ، يَقُولُ اللَّهُ : أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ ، وَ الْمُقَرَّبُونَ يَشْرَبُونَ مِنْ تَسْنِيمٍ بَحْتاً صِرْفاً وَ سَائِرُ الْمُؤْمِنِينَ مَمْزُوجاً.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فَمِنْ ثَمَّ وَصَفَ الْمُجْرِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَسْتَهْزِءُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَ يَضْحَكُونَ مِنْهُمْ وَ يَتَغَامَزُونَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ «إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كٰانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ » إِلَى قَوْلِهِ «فَكِهِينَ » قَالَ يَسْخَرُونَ «وَ إِذٰا رَأَوْهُمْ » يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ «قٰالُوا إِنَّ هٰؤُلاٰءِ لَضٰالُّونَ » فَقَالَ اللَّهُ «وَ مٰا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حٰافِظِينَ » ثُمَّ قَالَ اللَّهُ :

«فَالْيَوْمَ » يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ «اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنَ اَلْكُفّٰارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرٰائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ اَلْكُفّٰارُ» يَعْنِي هَلْ جُوزِيَ اَلْكُفَّارُ «مٰا كٰانُوا يَفْعَلُونَ » .

84- سُورَةُ اَلْإِنْشِقَاقِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا خَمْسٌ وَ عِشْرُونَ 25

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ إِذَا السَّمٰاءُ انْشَقَّتْ » قَالَ : يَوْمَ الْقِيَامَةِ «وَ أَذِنَتْ لِرَبِّهٰا وَ حُقَّتْ » أَيْ أَطَاعَتْ رَبَّهَا وَ حَقَّتْ وَ حَقَّ لَهَا أَنْ تُطِيعَ رَبَّهَا «وَ إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَ أَلْقَتْ مٰا فِيهٰا وَ تَخَلَّتْ » قَالَ تُمَدُّ الْأَرْضُ فَتَنْشَقُّ فَيَخْرُجُ النَّاسُ مِنْهَا «وَ تَخَلَّتْ »

أَيْ تَخَلَّتْ مِنَ النَّاِس «يٰا أَيُّهَا الْإِنْسٰانُ إِنَّكَ كٰادِحٌ إِلىٰ رَبِّكَ كَدْحاً» يَعْنِي تُقَدِّمُ خَيْراً أَوْ شَرًّا «فَمُلاٰقِيهِ » مَا قَدَّمَ مِنْ خَيْرٍ وَ شَرٍّ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «فَأَمّٰا مَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ بِيَمِينِهِ » فَهُوَ أَبُو سَلَمَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلاَلٍ الْمَخْزُومِيُّ وَ هُوَ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ «وَ أَمّٰا مَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ وَرٰاءَ ظَهْرِهِ » فَهُوَ اَلْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلاَلٍ الْمَخْزُومِيُّ قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

يَوْمَ بَدْرٍ. قَوْلُهُ «فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً» الثُّبُورُ الْوَيْلُ «إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ بَلىٰ »

يَقُولُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ مَا يَمُوتُ قَوْلُهُ «فَلاٰ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ » وَ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ بَعْدَ

ص: 412

غُرُوبِ الشَّمْسِ «وَ اللَّيْلِ وَ مٰا وَسَقَ » يَقُولُ إِذَا سَاقَ كُلُّ شَيْ ءٍ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى حَيْثُ يَهْلِكُونَ بِهَا «وَ الْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ » إِذَا اجْتَمَعَ «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ » يَقُولُ حَالاً بَعْدَ حَالٍ

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ وَ لاَ تُخْطِئُون طَرِيقَتَهُمْ شِبْرٌ بِشِبْرٍ وَ ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ وَ بَاعٌ بِبَاعٍ حَتَّى أَنْ لَوْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ دَخَلَ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ قَالُوا اَلْيَهُودَ وَ اَلنَّصَارَى تَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ

قَالَ : فَمَنْ أَعْنِي لَيُنْقَضُ عُرَى اَلْإِسْلاَمِ عُرْوَةً عُرْوَةً فَيَكُونُ أَوَّلُ مَا تَنْقُضُونَ مِنْ دِينِكُمُ الْإِمَامَةَ [الْأَمَانَةَ ] وَ آخِرُهُ الصَّلاَةَ .

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ اِبْنِ [أَبِي] مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ زِيَادِ [بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ زُرَارَةَ ] عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ » قَالَ يَا زُرَارَةُ أَ وَ لَمْ تَرْكَبْ هَذِهِ الْأُمَّةُ بَعْدَ نَبِيِّهَا طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ فِي أَمْرِ فُلاَنٍ وَ فُلاَنٍ وَ فُلاَنٍ .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ بَلىٰ » يَرْجِعُ بَعْدَ الْمَوْتِ «فَلاٰ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ » وَ هَو الَّذِي يَظْهَرُ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ وَ هُوَ قَسَمٌ وَ جَوَابُهُ «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ » أَيْ مَذْهَباً بَعْدَ مَذْهَبٍ «وَ اللّٰهُ أَعْلَمُ بِمٰا يُوعُونَ » أَيْ بِمَا تَعِي [بغى] صُدُورُهُمْ «إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ » أَيْ لاَ يُمَنُّ عَلَيْهِمْ .

85- سُورَةُ الْبُرُوجِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا اثْنَتَانِ وَ عِشْرُونَ 22

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ السَّمٰاءِ ذٰاتِ الْبُرُوجِ وَ الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ» أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ «وَ شٰاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ» قَالَ الشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَ الْمَشْهُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ «قُتِلَ أَصْحٰابُ الْأُخْدُودِ» قَالَ كَانَ سَبَبَهُمْ

أَنَّ الَّذِي هَيَّجَ اَلْحَبَشَةَ عَلَى غَزْوَةِ اَلْيَمَنِ ذُو نُوَاسٍ

ص: 413

اَلنَّصْرَانِيَّةِ وَ كَانُوا عَلَى دِينِ عِيسَى وَ عَلَى حُكْمِ اَلْإِنْجِيلِ وَ رَأْسُ ذَلِكَ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرْيَا فَحَمَلَهُ أَهْلُ دِينِهِ عَلَى أَنْ يَسِيرَ إِلَيْهِمْ وَ يَحْمِلَهُمْ عَلَى اَلْيَهُودِيَّةِ وَ يُدْخِلَهُمْ فِيهَا، فَسَارَ حَتَّى قَدِمَ نَجْرَانَ فَجَمَعَ مَنْ كَانَ بِهَا عَلَى دِينِ اَلنَّصْرَانِيَّةِ ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِمْ دِينَ اَلْيَهُودِيَّةِ

وَ الدُّخُولَ فِيهَا فَأَبَوْا عَلَيْهِ ، فَجَادَلَهُمْ وَ عَرَضَ عَلَيْهِمْ وَ حَرَصَ الْحِرْصَ كُلَّهُ ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَ امْتَنَعُوا مِنَ اَلْيَهُودِيَّةِ وَ الدُّخُولِ فِيهَا وَ اخْتَارُوا الْقَتْلَ فَخَدَّ لَهُمْ أُخْدُوداً جَمَعَ فِيهِ الْحَطَبَ وَ أَشْعَلَ فِيهِ النَّارَ فَمِنْهُمْ مَنْ أُحْرِقَ بِالنَّارِ وَ مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ بِالسَّيْفِ وَ مُثِّلَ بِهِمْ كُلَّ مُثْلَةٍ فَبَلَغَ عَدَدُ مَنْ قُتِلَ وَ أُحْرِقَ بِالنَّارِ عِشْرِينَ أَلْفاً، وَ أَفْلَتَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُدْعَى دَوْسٌ ذُو ثُعْلُبَانَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ وَ رَكَضَهُ وَ اتَّبَعُوهُ حَتَّى أَعْجَزَهُمْ فِي الرَّمْلِ ، وَ رَجَعَ ذُو نُوَاسٍ إِلَى ضَيْعَتِهِ فِي جُنُودِهِ . فَقَالَ اللَّهُ :«قُتِلَ أَصْحٰابُ الْأُخْدُودِ اَلنّٰارِ ذٰاتِ الْوَقُودِ» إِلَى قَوْلِهِ «اَلْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»

قَوْلُهُ «إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنٰاتِ »

أَيْ أَحْرَقُوهُمْ «ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذٰابُ جَهَنَّمَ وَ لَهُمْ عَذٰابُ الْحَرِيقِ » .

حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : أَنْبَأَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ اِبْنِ جريح [جُرَيْجٍ ] عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ :

«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا» يُرِيدُ صَدَقُوا وَ آمَنُوا بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ وَحَّدُوهُ يُرِيدُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ «وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ لَهُمْ جَنّٰاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهٰارُ» يُرِيدُ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَ لاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ «ذٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ» يُرِيدُ فَازُوا بِالْجَنَّةِ وَ أَمِنُوا الْعِقَابَ .

«إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ » يَا مُحَمَّدُ «لَشَدِيدٌ» إِذَا أَخَذَ الْجَبَابِرَةَ وَ الظَّلَمَةَ مِنَ اَلْكُفَّارِ كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ هُودٍ «إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ» «إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ» يُرِيدُ الْخَلْقَ ثُمَّ أَمَاتَهُمْ ثُمَّ يُعِيدُهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ أَيْضاً «وَ هُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ» يُرِيدُ لِأَوْلِيَائِهِ وَ أَهْلِ طَاعَتِهِ الْوَدُودُ كَمَا يَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ وَ صَاحِبَهُ بِالْبُشْرَى وَ الْمَحَبَّةِ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «ذُو اَلْعَرْشِ الْمَجِيدُ» فَهُوَ اللَّهُ الْكَرِيمُ الْمَجِيدُ.

ص: 414

طَرَفَانِ طَرَفٌ عَلَى يَمِينِ الَعْرَشِ وَ طَرَفٌ عَلَى جَبْهَةِ إِسْرَافِيلَ ، فَإِذَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ جَلَّ ذِكْرُهُ بِالْوَحْيِ ضَرَبَ اَللَّوْحُ جَبِينَ إِسْرَافِيلَ فَيَنْظُرُ فِي اَللَّوْحِ فَيُوحِي بِمَا فِي اَللَّوْحِ إِلَى جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

86- سُورَةُ الطَّارِقِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا سَبْعَ عَشْرَةَ 17

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ السَّمٰاءِ وَ اَلطّٰارِقِ » قَالَ اَلطَّارِقُ «اَلنَّجْمُ الثّٰاقِبُ » وَ هُوَ نَجْمُ الْعَذَابِ وَ نَجْمُ الْقِيَامَةِ وَ هُوَ زُحَلُ فِي أَعْلَى الْمَنَازِلِ «إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّٰا عَلَيْهٰا حٰافِظٌ » قَالَ الْمَلاَئِكَةُ

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ اِبْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ السَّمٰاءِ وَ الطّٰارِقِ » قَالَ قَالَ السَّمَاءُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ الطَّارِقُ الَّذِي يَطْرُقُ اَلْأَئِمَّةَ عَلَيهِمُ السَّلاَمُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ مِمَّا يَحْدُثُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ هُوَ اَلرُّوحُ الَّذِي مَعَ اَلْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ يُسَدِّدُهُمْ قُلْتُ وَ «اَلنَّجْمُ الثّٰاقِبُ » قَالَ : ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .

قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ :«فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسٰانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مٰاءٍ دٰافِقٍ » قَالَ : النُّطْفَةُ الَّتِي تَخْرُجُ بِقُوَّةٍ «يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرٰائِبِ » قَالَ :

الصُّلْبُ الرَّجُلُ وَ التَّرَائِبُ الْمَرْأَةُ وَ هِيَ صَدْرُهَا «إِنَّهُ عَلىٰ رَجْعِهِ لَقٰادِرٌ» كَمَا خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ يَقْدِرُ أَنْ يَرُدَّهُ إِلَى الدَّنْيَا وَ إِلَى الْقِيَامَةِ «يَوْمَ تُبْلَى السَّرٰائِرُ» قَالَ يُكْشَفُ عَنْهَا(1)

ص: 415


1- ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ فَحِينَئِذٍ «تُبْلَى» مِنْ بَلِيَ ، يُقَالُ بَلِيَ الثَّوْبُ : رَثَّ فَكَمَا أَنَّ الثَّوْبَ الْبَالِيَ يَكْشِفُ عَنِ الْجِسْمِ كَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ السَّرَائِرُ - أَيْ الْأَعْمَالُ - تُبْلَى فَتَنْكَشِفُ حَقِيقَةُ الْإِنْسَانِ مِنْ تَحْتِهَا، وَ قِيْلَ «تُبْلَى» مِنَ «اَلْإِبْلاَءِ» وَ عَلَيْهِ يَكُونُ الْمَعْنَى نَخْتَبِرُ السَّرَائِرَ وَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ الْقِيَامَةَ لَيْسَتْ يَوْمَ الاِمْتِحَانِ بَلْ هِيَ يَوْمُ الْمُجَازَاةِ ج. ز.

«وَ السَّمٰاءِ ذٰاتِ الرَّجْعِ » قَالَ : ذَاتُ الْمَطَرِ(1) «وَ الْأَرْضِ ذٰاتِ الصَّدْعِ » أَيْ ذَاتِ النَّبَاتِ وَ هُوَ قَسَمٌ وَ جَوَابُهُ «إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ » يَعْنِي مَاضٍ ، أَيْ قَاطِعٌ «وَ مٰا هُوَ بِالْهَزْلِ » أَيْ لَيْسَ بِالسُّخْرِيَّةِ «إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً» أَيْ يَحْتَالُونَ الْحِيَلَ «وَ أَكِيدُ كَيْداً» فَهُوَ مِنَ اللَّهِ الْعَذَابُ «فَمَهِّلِ اَلْكٰافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً» قَالَ : دَعْهُمْ قَلِيلاً.

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ اِبْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ: فِي قَوْلِهِ «فَمٰا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَ لاٰ نٰاصِرٍ» قَالَ مَا لَهُ قُوَّةٌ يَقْوَى بِهَا عَلَى خَالِقِهِ وَ لاَ نَاصِرٌ مِنَ اللَّهِ يَنْصُرُهُ إِنْ أَرَادَ بِهِ سُوءاً قُلْتُ :«إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً» قَالَ : كَادُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ كَادُوا عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَادُوا فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ

فَقَالَ اللَّهُ : يَا مُحَمَّدُ «إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَ أَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ اَلْكٰافِرِينَ » يَا مُحَمَّدُ «أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً» لِوَقْتِ بَعْثِ الْقَائِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَيَنْتَقِمُ لِي مِنَ الْجَبَّارِينَ وَ الطَّوَاغِيتِ مِنْ قُرَيْشٍ

وَ بَنِي أُمَيَّةَ وَ سَائِرِ النَّاسِ .

87- سُورَةُ الْأَعْلَى مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا تِسْعَ عَشْرَةَ 19

ص: 416


1- الرَّجْعُ : الْمَطَرُ بَعْدَ الْمَطَرِ وَ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَى الدَّوَرَانِ وَ هُوَ بَعِيدٌ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَةِ الْآيَةِ بَعْدَهَا «وَ الْأَرْضِ ذٰاتِ الصَّدْعِ »لِتَرَتُّبِ صَدْعِ الْأَرْضِ الْمُكَنَّى بِهِ خُرُوجُ نَبَاتِهَا، عَلَى الْمَطَرِ، مَعَ أَنَّ دَوَرَانَ السَّمَاءِ خِلاَفُ التَّحْقِيَقاتِ الْعَصْرِيَّةِ أَيْضاً وَ إِنْ جَازَ إِطْلاَقُهُ مَجَازاً. ج. ز.

«فَجَعَلَهُ » بَعْدَ إِخْرَاجِهِ «غُثٰاءً أَحْوىٰ » قَالَ : يَصِيرُ هَشِيماً بَعْدَ بُلُوغِهِ وَ يَسْوَدُّ «سَنُقْرِئُكَ فَلاٰ تَنْسىٰ » أَيْ نُعَلِّمُكَ فَلاَ تَنْسَى ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ :«إِلاّٰ مٰا شٰاءَ اللّٰهُ »

لِأَنَّه لاَ يُؤْمَنُ النِّسْيَانَ اللُّغَوِيَّ وَ هُوَ التَّرْكُ لِأَنَّ الَّذِي لاَ يَنْسَى هُوَ اللَّهُ «وَ نُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرىٰ فَذَكِّرْ» يَا مُحَمَّدُ «إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرىٰ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشىٰ » قَالَ : نُذَكِّرُكَ إِيَّاهُ ، ثُمَّ قَالَ «وَ يَتَجَنَّبُهَا» أَيْ مَا يُذَكَّرُ بِهِ «اَلْأَشْقَى اَلَّذِي يَصْلَى اَلنّٰارَ الْكُبْرىٰ »

قَالَ : نَارَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ «ثُمَّ لاٰ يَمُوتُ فِيهٰا وَ لاٰ يَحْيىٰ » يَعْنِي فِي اَلَّنارِ فَيَكُونُ كَمَا قَالَ اللَّهُ «وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكٰانٍ وَ مٰا هُوَ بِمَيِّتٍ » قَوْلُهُ :«قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى» قَالَ زَكَاةُ الْفِطْرَةِ فَإِذَا أَخْرَجَهَا قَبْلَ صَلاَةِ الْعِيدِ «وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى» قَالَ صَلاَةُ الْفِطْرِ وَ الْأَضْحَى «إِنَّ هٰذٰا» يَعْنِي مَا تَلَوْتُهُ مِنَ اَلْقُرْآَنِ «لَفِي اَلصُّحُفِ الْأُولىٰ صُحُفِ إِبْرٰاهِيمَ وَ مُوسىٰ »

أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ [عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ] عَنْ بِسْطَامَ بْنِ مُرَّةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ حَسَّانَ عَنِ اَلْهَيْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَبْدِيِّ عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِيِّ عَنِ اَلْأَصْبَغِ : أَنَّهُ سَأَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ :«سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى» ، فَقَالَ : مَكْتُوبٌ عَلَى قَائِمَةِ اَلْعَرْشِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ بِأَلْفَيْ عَامٍ «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ فَاشْهَدُوا بِهِمَا وَ أَنَّ عَلِيّاً وَصِيُّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .».

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ اِبْنِ جريح [جُرَيْجٍ ] عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : فِي قَوْلِهِ :

«إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ مٰا يَخْفىٰ » يُرِيدُ مَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي قَلْبِكَ وَ نَفْسِكَ «وَ نُيَسِّرُكَ » يَا مُحَمَّدُ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ «لِلْيُسْرىٰ » .

ص: 417

88- سُورَةُ اَلْغَاشِيَةٍ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا سِتٌّ وَ عِشْرُونَ 26

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ هَلْ أَتٰاكَ حَدِيثُ الْغٰاشِيَةِ » يَعْنِي قَدْ أَتَاكَ يَا مُحَمَّدُ

حَدِيثُ الْقِيَامَةِ وَ مَعْنَى الْغَاشِيَةِ أَيْ تَغْشَى النَّاسَ «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خٰاشِعَةٌ عٰامِلَةٌ نٰاصِبَةٌ »

وَ هُمُ الَّذِينَ خَالَفُوا دِينَ اللَّهِ وَ صَلَّوْا وَ صَامُوا وَ نَصَبُوا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ قَوْلُهُ «عٰامِلَةٌ نٰاصِبَةٌ » عَمِلُوا وَ نَصَبُوا فَلاَ يُقْبَلُ مِنْهُمْ شَيْ ءٌ مِنْ أَفْعَالِهِمْ «تَصْلىٰ » وُجُوهُهُمْ «نٰاراً حٰامِيَةً تُسْقىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ » قَالَ لَهَا أَنِينٌ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهَا «لَيْسَ لَهُمْ طَعٰامٌ إِلاّٰ مِنْ ضَرِيعٍ » قَالَ عَرَقُ أَهْلِ اَلنَّارِ وَ مَا يَخْرُجُ مِنْ فُرُوجِ الزَّوَانِي «لاٰ يُسْمِنُ وَ لاٰ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ » ثُمَّ ذَكَرَ أَتْبَاعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نٰاعِمَةٌ لِسَعْيِهٰا رٰاضِيَةٌ » تَرْضَى بِمَا سَعَوْا فِيهِ «فِي جَنَّةٍ عٰالِيَةٍ لاٰ تَسْمَعُ فِيهٰا لاٰغِيَةً » قَالَ : الْهَزْلُ وَ الْكَذِبُ

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ اِبْنِ جريح [جُرَيْجٍ ] عَنْ عَطَاءٍ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ : فِي قَوْلِهِ «فِيهٰا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ » أَلْوَاحُهَا مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةً بِالزَّبَرْجَدِ وَ الدُّرِّ وَ الْيَاقُوتِ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ «وَ أَكْوٰابٌ مَوْضُوعَةٌ » يُرِيدُ الْأَبَارِيقَ الَّتِي لَيْسَ لَهَا آذَانٌ .

ص: 418

يَا مُحَمَّدُ إِنَّمَا أَنْتَ وَاعِظٌ .

قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ» قَالَ لَسْتَ بِحَافِظٍ وَ لاَ كَاتِبٍ عَلَيْهِمْ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «إِلاّٰ مَنْ تَوَلّٰى وَ كَفَرَ» يُرِيدُ مَنْ لَمْ يَتَّعِظْ وَ لَمْ يُصَدِّقْكَ وَ جَحَدَ رُبُوبِيَّتِي وَ كَفَرَ نِعْمَتِي «فَيُعَذِّبُهُ اللّٰهُ الْعَذٰابَ الْأَكْبَرَ» يُرِيدُ الْغَلِيظَ الشَّدِيدَ الدَّائِمَ «إِنَّ إِلَيْنٰا إِيٰابَهُمْ » يُرِيدُ مَصِيرَهُمْ «ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنٰا حِسٰابَهُمْ » يُرِيدُ جَزَاءَهُمْ . وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ :«إِنَّ إِلَيْنٰا إِيٰابَهُمْ » أَيْ مَرْجِعَهُمْ «ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنٰا حِسٰابَهُمْ »

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ : مَنْ خَالَفَكُمْ وَ إِنْ تَعَبَّدَ وَ اجْتَهَدَ مَنْسُوبٌ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خٰاشِعَةٌ عٰامِلَةٌ نٰاصِبَةٌ تَصْلىٰ نٰاراً حٰامِيَةً » .».

89- سُورَةُ الْفَجْرِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا ثَلاثُونَ 30

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ الْفَجْرِ» قَالَ : لَيْسَ فِيهَا وَاوٌ إِنَّمَا هُوَ الْفَجْرُ «وَ لَيٰالٍ عَشْرٍ» قَالَ : عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ «وَ الشَّفْعِ » قَالَ الشَّفْعُ رَكْعَتَانِ «وَ الْوَتْرِ»

رَكْعَةٌ

وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ : الشَّفْعُ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ الْوَتْرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ثُمَّ قَالَ «هَلْ فِي ذٰلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ» يَقُولُ الَّذِي لَهُ عَقْلٌ «وَ اللَّيْلِ إِذٰا يَسْرِ»

قَالَ هِيَ لَيْلَةُ جَمْعٍ (1).

ص: 419


1- وَ هِيَ لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ لاِخْتِصَاصِهَا بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا وَ فِيهَا يُفِيضُ الْحَاجُّ مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ . ج. ز.

«كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعٰادٍإِرَمَ ذٰاتِ الْعِمٰادِ اَلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهٰا فِي الْبِلاٰدِ» ثُمَّ مَاتَ عَادٌ وَ أَهْلَكَهُ اللَّهُ وَ قَوْمَهُ بِالرِّيحِ الصَّرْصَرِ(1) وَ قَوْلُهُ «وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جٰابُوا الصَّخْرَ بِالْوٰادِ» حَفَرُوا الْجَوِيَّةَ (2) فِي الْجِبَالِ «وَ فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتٰادِ» عَمِلَ الْأَوْتَادَ الَّتِي أَرَادَ أَنْ يَصْعَدَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ

قَوْلُهُ «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصٰادِ» أَيْ قَائِمٌ حَافِظٌ عَلَى كُلِّ ظَالِمٍ قَوْلُهُ «فَأَمَّا الْإِنْسٰانُ إِذٰا مَا ابْتَلاٰهُ رَبُّهُ » أَيْ امْتَحَنَهُ بِالنِّعْمَةِ «فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَ أَمّٰا إِذٰا مَا ابْتَلاٰهُ » أَيْ امْتَحَنَهُ «فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ » أَيْ أَفْقَرَهُ «فَيَقُولُ رَبِّي أَهٰانَنِ » وَ قَالَ اللَّهُ «كَلاّٰ بَلْ لاٰ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَ لاٰ تَحَاضُّونَ عَلىٰ طَعٰامِ الْمِسْكِينِ » أَيْ لاَ تَدْعُوهُمْ وَ هُمُ الَّذِينَ غَصَبُوا آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ وَ أَكَلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى وَ فُقَرَائِهِمْ وَ أَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ ثُمَّ قَالَ «وَ تَأْكُلُونَ التُّرٰاثَ أَكْلاً لَمًّا» أَيْ وَحْدَكُمْ «وَ تُحِبُّونَ الْمٰالَ حُبًّا جَمًّا» تَكْنِزُونَهُ وَ لاَ تُنْفِقُونَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «كَلاّٰ إِذٰا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا» قَالَ هِيَ الزَّلْزَلَةُ .، قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فُتَّتْ فَتّاً.

ص: 420


1- نُقِلَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَلِّخُونَ الْعُمُدَ مِنَ الْجِبَالِ فَيَجْعَلُونَ طُولَ الْعُمُدِ مِثْلَ طُولِ الْجَبَلِ الِّذِي يُسَلِّخُونَ مِنْ أَسْفَلِهِ إِلَى أَعْلاَهُ ثُمَّ يَنْقُلُونَ تِلْكَ الْعُمُدَ فَيَنْصِبُونَهَا ثُمَّ يَبْنُونَ الْقُصُورَ فَوْقَهَا فَسُمِّيَتْ ذَاتَ الْعِمَادِ، وَ قِيلَ أَهْلَ عُمُدٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا بَدَوِيِّينَ أَهْلَ خِيَامٍ . وَ «عَادٌ» اسْمُ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ الْأُولَى وَ بِهِ سُمِّيَتْ قَبِيلَةُ قَوْمِ هُودٍ النَّبِيِّ ، وَ عَادٌ الْأُولَى قَوْمُ هُودٍ وَ عَادٌ الْأُخْرَى إِرَمُ : وَ عَادٌ هُوَ ابْنُ عَوْصِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ اخْتُلِفَ فِي «إِرَمَ » عَلَى أَقْوَالٍ فَقِيلَ إِنَّهُ اسْمُ بَلَدٍ ثُمَّ قِيلَ هُوَ دِمَشْقُ وَ قِيلَ هِيَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةُ وَ قِيلَ هِيَ مَدِينَةٌ بَنَاهَا عَادُ بْنُ شَدَّادٍ فَلَمَّا أَتَمَّهَا أَهْلَكَهُ اللَّهُ بِصَيْحَةٍ وَ قِيلَ إِنَّهُ لَيْسَ بِقَبْيلَةٍ وَ لاَ بَلَدٍ بَلْ هُوَ لَقَبُ لِعَادٍ، وَ كَانَ يُعْرَفُ بِهِ .
2- الْجَوِيَّةُ : الْحُفْرَةُ الْمُسْتَدِيرَةُ الْوَاسِعَةُ . مجمع ج. ز.

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمِ فِي قَوْلِهِ :«وَ جٰاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا» قَالَ اسْمُ الْمَلَكِ وَاحِدٌ وَ مَعْنَاهُ جَمْعٌ «وَ جِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسٰانُ وَ أَنّٰى لَهُ الذِّكْرىٰ »

قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ [جَابِرٍ عَنْ ] أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، فَقَالَ بِذَلِكَ أَخْبَرَنِي اَلرُّوحُ الْأَمِينُ أَنَّ اللَّهَ لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ إِذَا أَبْرَزَ الْخَلاَئِقَ وَ جَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ أُتِيَ بِجَهَنَّمَ تُقَادُ بِأَلْفِ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ مِائَةُ أَلْفِ مَلَكٍ مِنَ الْغِلاَظِ الشِّدَادِ، لَهَا هَدَّةٌ وَ غَضَبٌ وَ زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ وَ إِنَّهَا لَتَزْفِرُ الزَّفْرَةَ فَلَوْلاَ أَنَّ اللَّهَ أَخَّرَهُمْ لِلْحِسَابِ لَأَهْلَكَتِ الْجَمِيعَ . ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ فَيُحِيطُ بِالْخَلاَئِقِ الْبَرِّ مِنْهُمْ وَ الْفَاجِرِ فَمَا خَلَقَ اللَّهُ عَبْداً مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَلَكاً وَ لاَ نَبِيّاً إِلاَّ يُنَادِي نَفْسِي نَفْسِي وَ أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ تُنَادِي أُمَّتِي أُمَّتِي ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهَا اَلصِّرَاطُ أَدَقَّ مِنْ حَدِّ السَّيْفِ ، عَلَيْهَا ثَلاَثُ قَنَاطِرَ فَأَمَّا وَاحِدَةٌ فَعَلَيْهَا الْأَمَانَةُ وَ الرَّحِمُ ، وَ الثَّانِيَةُ فَعَلَيْهَا الصَّلاَةُ ، وَ أَمَّا الثَّالِثَةُ فَعَلَيْهَا عَدْلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1)

لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ فَيُكَلَّفُونَ بِالْمَمَرِّ عَلَيْهَا فَيَحْبِسُهُمُ الرَّحِمُ وَ الْأَمَانَةُ فَإِنْ نَجَوْا مِنْهُمَا حَبَسَتْهُمُ الصَّلاَةُ فَإِنْ نَجَوْا مِنْهَا كَانَ الْمُنْتَهَى إِلَى رَبِّ الْعَالَمَينَ وَ هُوَ قَوْلُهُ «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصٰادِ» ، وَ النَّاسُ عَلَى اَلصِّرَاطِ فَمُتَعَلِّقٌ بِيَدٍ وَ تَزُولُ قَدَمٌ وَ مُسْتَمْسِكٌ بِقَدَمٍ وَ الْمَلاَئِكَةُ حَوْلَهَا يُنَادُونَ يَا حَلِيمُ اعْفُ وَ اصْفَحْ وَ عُدْ(2)

بِفَضْلِكَ وَ سَلِّمْ وَ سَلِّمْ ، وَ النَّاسُ يَتَهَافَتُونَ فِي اَلنَّارِ كَالْفَرَاشِ فِيهَا فَإِذَا نَجَا نَاجٍ بِرَحْمَةِ اللَّهِ مَرَّ بِهَا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَ تَزْكُو الْحَسَنَاتُ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ بَعْدَ الْيَأْسِ بِمَنِّهِ وَ فَضْلِهِ «إِنَّ رَبَّنٰا لَغَفُورٌ شَكُورٌ» .

قَوْلُهُ «فَيَوْمَئِذٍ لاٰ يُعَذِّبُ عَذٰابَهُ أَحَدٌ وَ لاٰ يُوثِقُ وَثٰاقَهُ أَحَدٌ» قَال هُوَ فُلاَنٌ

ص: 421


1- أَيْ هِيَ تَحْتَ رِقَابَتِهِ تَعَالَى.
2- وَعَدَتِ الْأَرْضُ رَجَا خَيْرُهَا. وَ أَيْضاً وَعَدَ فُلاَناً بِالْأَمْرِ: قَالَ لَهُ إِنَّهُ يُجْرِيهِ لَهُ أَوْ يُنِيلُهُ إِيَّاهُ . ج. ز.

قَوْلُهُ «يٰا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ اِرْجِعِي إِلىٰ رَبِّكِ رٰاضِيَةً مَرْضِيَّةً » قَالَ إِذَا حَضَرَ الْمُؤْمِنَ الْوَفَاةُ نَادَى مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي بِوَلاَيةِ عَلِيٍّ

مَرْضِيَّةً بِالثَّوَابِ «فَادْخُلِي فِي عِبٰادِي وَ ادْخُلِي جَنَّتِي» فَلاَ يَكُونُ لَهُ هِمَّةٌ إِلاَّ اللُّحُوقُ بِالنِّدَاءِ.

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«يٰا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ اِرْجِعِي إِلىٰ رَبِّكِ رٰاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبٰادِي وَ ادْخُلِي جَنَّتِي» يَعْنِي الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

90- سُورَةُ الْبَلَدِ مَكِّيّةٌ آيَاتُهَا عِشْرُونَ 20

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ لاٰ أُقْسِمُ بِهٰذَا الْبَلَدِ» وَ الْبَلَدُ مَكَّةُ «وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهٰذَا الْبَلَدِ» قَالَ كَانَتْ قُرَيْشٌ لاَ يَسْتَحِلُّونَ أَنْ يَظْلِمُوا أَحَداً فِي هَذَا الْبَلَدِ وَ يَسْتَحِلُّونَ ظُلْمَكَ فِيهَ «وَ وٰالِدٍ وَ مٰا وَلَدَ» قَالَ آدَمُ وَ مَا وَلَدَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَ الْأَوْصِيَاءِ «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ فِي كَبَدٍ» أَيْ مُنْتَصِباً وَ لَمْ يُخْلَقْ مِثْلَهُ شَيْ ءٌ «يَقُولُ أَهْلَكْتُ مٰالاً لُبَداً» قَالَ اللُّبَدُ الْمُجْتَمَعُ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«يَقُولُ أَهْلَكْتُ مٰالاً لُبَداً» قَالَ : هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ حِينَ عَرَضَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ اَلْإِسْلاَمَ

يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَ قَالَ : فَأَيْنَ مَا أَنْفَقْتُ فِيكُمْ مَالاً لُبَداً وَ كَانَ أَنْفَقَ مَالاً فِي الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «وَ هَدَيْنٰاهُ النَّجْدَيْنِ » قَالَ : بَيَّنَّا لَهُ طَرِيقَ الْخَيْرِ وَ الشَّرِّ قَوْلُهُ :«فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَ مٰا أَدْرٰاكَ مَا الْعَقَبَةُ » قَالَ الْعَقَبَةُ اَلْأَئِمَّةُ

مَنْ صَعَدَهَا فَكَّ رَقَبَتَهُ مِنَ اَلنَّارِ «أَوْ مِسْكِيناً ذٰا مَتْرَبَةٍ » قَالَ : لاَ يَقِيهِ مِنَ التُّرَابِ

ص: 422

شَيْ ءٌ قَوْلُهُ :«أَصْحٰابُ الْمَيْمَنَةِ » قَالَ : أَصْحَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ «وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيٰاتِنٰا» قَالَ : الَّذِينَ خَالَفُوا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «هُمْ أَصْحٰابُ الْمَشْأَمَةِ » وَ قَالَ الْمَشْأَمَةُ أَعْدَاءُ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ «عَلَيْهِمْ نٰارٌ مُؤْصَدَةٌ » أَيْ مُطْبَقَةٌ .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبَّادٍ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

: فِي قَوْلِهِ :«أَ يَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ» يَعْنِي يَقْتُلُ فِي قَتْلِهِ بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

«يَقُولُ أَهْلَكْتُ مٰالاً لُبَداً» يَعْنِي الَّذِي جَهَّزَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي جَيْشِ الْعُشَيْرَةِ [العشرة]. «أَ يَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ» قَالَ : فَسَادٌ كَانَ فِي نَفْسِهِ «أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ »

يَعْنِي رَسَّولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «وَ لِسٰاناً» يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «وَ شَفَتَيْنِ » يَعْنِي الْحَسَنَ

وَ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ «وَ هَدَيْنٰاهُ النَّجْدَيْنِ » إِلَى وَلاَيَتِهِمَا «فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَ مٰا أَدْرٰاكَ مَا الْعَقَبَةُ » يَقُولُ : مَا أَعْلَمَكَ وَ كُلُّ شَيْ ءٍ فِي اَلْقُرْآنِ «مٰا أَدْرٰاكَ » فَهُوَ مَا أَعْلَمَكَ و «يَتِيماً ذٰا مَقْرَبَةٍ » يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ الْمَقْرَبَةُ قُرْبَاهُ «أَوْ مِسْكِيناً ذٰا مَتْرَبَةٍ » يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مُتَرَّباَ بِالْعِلْمِ

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ :

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«فَكُّ رَقَبَةٍ » قَالَ : بِنَا تُفَكُّ الرِّقَابُ وَ بِمَعْرِفَتِنَا وَ نَحْنُ الْمُطْعِمُونَ فِي يَوْمِ الْجُوعِ وَ هُوَ الْمَسْغَبَةُ .

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ عَنْ عَبْدِ الْغَنِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ اِبْنِ جريح [جُرَيْجٍ ] عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : فِي قَوْلِهِ «وَ تَوٰاصَوْا بِالصَّبْرِ»

عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ تَوٰاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ » فِيمَا بَيْنَهُمْ وَ لاَ يُقْبَلُ هَذَا إِلاَّ مِنْ مُؤْمِنٍ .

ص: 423

91- سُورَةُ الشَّمْسِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا خَمْسَ عَشْرَةَ 15

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ الشَّمْسِ وَ ضُحٰاهٰا»

قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ الشَّمْسِ وَ ضُحٰاهٰا» ، قَالَ : الشَّمْسُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَوْضَحَ اللَّهُ بِهِ لِلنَّاسِ دِينَهُمْ قُلْتُ :«وَ الْقَمَرِ إِذٰا تَلاٰهٰا» قَالَ ذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قُلْتُ :«وَ اللَّيْلِ إِذٰا يَغْشٰاهٰا» قَالَ : ذَلِكَ أَئِمَّةُ الْجَوْرِ الَّذِينَ اسْتَبَدُّوا لِلْأَمْرِ دُونَ آلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

وَ جَلَسُوا مَجْلِساً كَانَ آلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ ، فَغَشُّوا دِينَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

بِالظُّلْمِ وَ الْجَوْرِ وَ هُوَ قَوْلُهُ :«وَ اللَّيْلِ إِذٰا يَغْشٰاهٰا» ، قَالَ : يَغْشَى ظُلْمُهُمْ ضَوْءَ النَّهَارِ، قُلْتُ :«وَ النَّهٰارِ إِذٰا جَلاّٰهٰا» قَالَ : ذَلِكَ الْإِمَامُ مِنْ ذُرِّيَّةِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ

يُسْأَلُ عَنْ دِينِ رَسُولِ اللَّهِ فَيُجَلِّي لِمَنْ يَسْأَلُهُ ، فَحَكَى اللَّهُ قَوْلَهُ :«وَ النَّهٰارِ إِذٰا جَلاّٰهٰا» .

وَ قَوْلُهُ :«وَ نَفْسٍ وَ مٰا سَوّٰاهٰا» قَالَ : خَلَقَهَا وَ صَوَّرَهَا وَ قَوْلُهُ :«فَأَلْهَمَهٰا فُجُورَهٰا وَ تَقْوٰاهٰا» أَيْ عَرَّفَهَا وَ أَلْهَمَهَا ثُمَّ خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْ «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا» يَعْنِي نَفْسَهُ طَهَّرَهَا «وَ قَدْ خٰابَ مَنْ دَسّٰاهٰا» أَيْ أَغْوَاهَا.

قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدٍ الْفَارِسِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا» قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

زَكَّاهُ رَبُّهُ «وَ قَدْ خٰابَ مَنْ دَسّٰاهٰا» قَالَ هُوَ زُرَيْقٌ وَ حَبْتَرٌ فِي بَيْعَتِهِمَا إِيَّاهُ حَيْثُ مَسَحَا عَلَى كَفِّهِ .

وَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوٰاهٰا» يَقُولُ الطُّغْيَانُ حَمَلَهَا عَلَى التَّكْذِيبِ .، وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ :«كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوٰاهٰا إِذِ انْبَعَثَ أَشْقٰاهٰا» قَالَ : الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ قَوْلُهُ :«فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ »

ص: 424

قَالَ أَخَذَهُمْ بَغْتَةً وَ غَفْلَةً بِاللَّيْلِ «وَ لاٰ يَخٰافُ عُقْبٰاهٰا» قَالَ : مِنْ بَعْدِ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَهْلَكْنَاهُمْ لاَ يَخَافُونَ .

92- سُورَةُ اللَّيْلِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا إِحْدَى وَ عِشْرُونَ 21

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ اللَّيْلِ إِذٰا يَغْشىٰ » قَالَ : حِينَ يَغْشَى النَّهَارَ وَ هُوَ قَسَمٌ «وَ النَّهٰارِ إِذٰا تَجَلّٰى» إِذَا أَضَاءَ وَ أَبْرَقَ «وَ مٰا خَلَقَ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثىٰ » وَ إِنَّمَا يَعْنِي وَ الَّذِي خَلَقَ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثَى وَ جَوَابُ الْقَسَمِ «إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتّٰى» قَالَ مِنْكُمْ مَنْ يَسْعَى فِي الْخَيْرِ وَ مِنْكُمْ مَنْ يَسْعَى فِي الشَّرِّ.

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ اللَّيْلِ إِذٰا يَغْشىٰ » قَالَ اللَّيْلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فُلاَنٌ غَشِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي دَوْلَتِهِ الَّتِي جَرَتْ لَهُ عَلَيْهِ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَصْبِرُ فِي دَوْلَتِهِمْ حَتَّى تَنْقَضِيَ ، قَالَ :

«وَ النَّهٰارِ إِذٰا تَجَلّٰى» قَالَ النَّهَارُ هُوَ الْقَائِمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ ، إِذَا قَامَ غَلَبَ دَوْلَتُهُ الْبَاطِلَ وَ اَلْقُرْآنُ ضُرِبَ فِيهِ الْأَمْثَالُ لِلنَّاسِ وَ خَاطَبَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِهِ وَ نَحْنُ ، فَلَيْسَ يَعْلَمُهُ غَيْرُنَا .

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى «فَأَمّٰا مَنْ أَعْطىٰ وَ اتَّقىٰ وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرىٰ » قَالَ : نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ اَلْأَنْصَارِ(1) كَانَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي دَارِ رَجُلٍ آخَرَ وَ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِصَاحِبِ النَّخْلَةِ بِعْنِي نَخْلَتَكَ هَذِهِ بِنَخْلَةٍ فِي اَلْجَنَّةِ فَقَالَ لاَ أَفْعَلُ فَقَالَ : فَبِعْهَا بِحَدِيقَةٍ فِي اَلْجَنَّةِ فَقَالَ : لاَ أَفْعَلُ وَ انْصَرَفَ فَمَضَى إِلَيْهِ اِبْنُ [أَبِي] الدَّحْدَاحِ

ص: 425


1- وَ هُوَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ . ج. ز.

وَ اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَ أَتَى اِبْنُ الدَّحْدَاحِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ خُذْهَا وَ اجْعَلْ لِي فِي اَلْجَنَّةِ الْحَدِيقَةَ الَّتِي قُلْتَ لِهَذَا فَلَمْ يَقْبَلْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَكَ فِي اَلْجَنَّةِ حَدَائِقُ وَ حَدَائِقُ فَأُنْزِلَ فِي ذَلِكَ :«فَأَمّٰا مَنْ أَعْطىٰ وَ اتَّقىٰ وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنىٰ »

يَعْنِي اِبْنَ الدَّحْدَاحِ «وَ مٰا يُغْنِي عَنْهُ مٰالُهُ إِذٰا تَرَدّٰى» يَعْنِي إِذَا مَاتَ «إِنَّ عَلَيْنٰا لَلْهُدىٰ » قَالَ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَ لَهُمْ «فَأَنْذَرْتُكُمْ نٰاراً تَلَظّٰى» أَيْ تَتَلَهَّبُ عَلَيْهِمْ «لاٰ يَصْلاٰهٰا إِلاَّ الْأَشْقَى اَلَّذِي كَذَّبَ وَ تَوَلّٰى» يَعْنِي هَذَا الَّذِي بَخِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

«وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى اَلَّذِي» قَالَ اِبْنُ الدَّحْدَاحِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:«وَ مٰا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزىٰ » قَالَ : لَيْسَ لِأَحَدٍ عِنْدَ اللَّهِ يَدَّعِي رَبَّهُ بِمَا فَعَلَهُ لِنَفْسِهِ وَ إِنْ جَازَاهُ فَبِفَضْلِهِ يَفْعَلُ . وَ هُوَ قَوْلُهُ :«إِلاَّ ابْتِغٰاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلىٰ وَ لَسَوْفَ يَرْضىٰ » عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ [وَ يَرْضَى عَنْهُ ]

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «فَأَنْذَرْتُكُمْ نٰاراً تَلَظّٰى لاٰ يَصْلاٰهٰا إِلاَّ الْأَشْقَى اَلَّذِي كَذَّبَ وَ تَوَلّٰى» قَالَ : فِي جَهَنَّمَ وَادٍ فِيهِ نَارٌ لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الْأَشْقَى [أَيْ فُلاَنٌ ] الَّذِي كَذَّبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ تَوَلَّى عَنْ وَلاَيَتِهِ ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ النِّيرَانُ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ فَمَا كَانَ مِنْ نَارِ هَذَا الْوَادِي فَلِلنُّصَّابِ .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ [أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ] عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «فَأَمّٰا مَنْ أَعْطىٰ وَ اتَّقىٰ وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنىٰ » قَالَ : بِالْوَلاَيَةِ «فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرىٰ وَ أَمّٰا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنىٰ وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنىٰ » فَقَالَ : بِالْوَلاَيَةِ «فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرىٰ » .

ص: 426

93- سُورَةُ الضُّحَى مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا إِحْدَى عَشْرَةَ 11

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ الضُّحىٰ » قَالَ : الضُّحَى إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ «وَ اللَّيْلِ إِذٰا سَجىٰ » قَالَ : إِذَا أَظْلَمَ وَ قَوْلُهُ «مٰا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ مٰا قَلىٰ » أَيْ لَمْ يُبْغِضْكَ يَصِفُ فَضْلَهُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ «وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولىٰ وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضىٰ »

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :

«وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولىٰ » قَالَ يَعْنِي الْكَرَّةُ هِيَ الْآخِرَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

قُلْتُ قَوْلُهُ «وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضىٰ » قَالَ : يُعْطِيكَ مِنَ اَلْجَنَّةِ فَتَرْضَى.

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ الْوَاسِطِيِّ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ ,5 أَحَدِهِمَا عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ :«أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوىٰ » فَآوَى إِلَيْكَ النَّاسَ «وَ وَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدىٰ » أَيْ هَدَى إِلَيْكَ قَوْماً لاَ يَعْرِفُونَكَ حَتَّى عَرَفُوكَ «وَ وَجَدَكَ عٰائِلاً فَأَغْنىٰ » أَيْ وَجَدَكَ تَعُولُ أَقْوَاماً فَأَغْنَاهُمْ بِعِلْمِكَ .

قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ قَالَ :«أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوىٰ » ، قَالَ : الْيَتِيمُ الَّذِي لاَ مِثْلَ لَهُ وَ لِذَلِكَ سُمِّيَتِ الدُّرَّةُ الْيَتِيمَةَ لِأَنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهَا «وَ وَجَدَكَ عٰائِلاً فَأَغْنىٰ » بِالْوَحْيِ فَلاَ تَسْأَلُ عَنْ شَيْ ءٍ أَحَداً «وَ وَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدىٰ » قَالَ : وَجَدَكَ فِي قَوْمٍ لاَ يَعْرِفُونَ فَضْلَ نُبُوَّتِكَ فَهَدَاهُمُ اللَّهُ بِكَ «فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاٰ تَقْهَرْ» أَيْ لاَ تَظْلِمْ وَ الْمُخَاطَبَةُ لِلنَّبِيِّ

وَ الْمَعْنَى لِلنَّاسِ «وَ أَمَّا السّٰائِلَ فَلاٰ تَنْهَرْ» أَيْ لاَ تَطْرُدْ قَوْلُهُ «وَ أَمّٰا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ »

ص: 427

قَالَ : بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَ أَمَرَكَ بِهِ مِنَ الصَّلاَةِ وَ الزَّكَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الْحَجِّ وَ الْوَلاَيَةِ وَ بِمَا فَضَّلَكَ اللَّهُ بِهِ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :

«مٰا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ مٰا قَلىٰ » وَ ذَلِكَ أَنَّ جَبْرَئِيلَ أَبْطَأَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَنَّهُ كَانَتْ أَوَّلَ سُورَةٍ نَزَلَتْ :«اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ » ثُمَّ أَبْطَأَ عَلَيْهِ ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ لَعَلَّ رَبَّكَ قَدْ تَرَكَكَ فَلاَ يُرْسِلُ إِلَيْكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى:«مٰا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ مٰا قَلىٰ » .

94- سُورَةُ اَلْإِنْشِرَاحِ مَكِّيَّةٌ وَ هِيَ ثَمَانُ آيَاتٍ 8

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ » قَالَ بِعَلِيٍّ فَجَعَلْنَاهُ وَصِيَّكَ قَالَ : وَ حِينَ فُتِحَ مَكَّةُ وَ دَخَلَتْ قُرَيْشٌ فِي اَلْإِسْلاَمِ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ وَ يَسَّرَهُ «وَ وَضَعْنٰا عَنْكَ وِزْرَكَ » قَالَ بِعَلِيٍّ الْحَرْبَ «اَلَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ » أَيْ أثَقْلَ ظَهْرَكَ «وَ رَفَعْنٰا لَكَ ذِكْرَكَ » قَالَ تُذْكَرُ إِذَا ذُكِرْتُ وَ هُوَ قَوْلُ النَّاسِ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ثُمَّ قَالَ «إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً» قَالَ مَا كُنْتَ فِيهِ مِنَ الْعُسْرِ أَتَاكَ الْيُسْرُ «فَإِذٰا فَرَغْتَ فَانْصَبْ » قَالَ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ

فَانْصِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ (1) «وَ إِلىٰ رَبِّكَ فَارْغَبْ »

قَالَ :

ص: 428


1- قَالَ فِي الصَّافِي: الْمُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ بِكَسْرِ الصَّادِ مِنَ النَّصْبِ بِالتَّسْكِينِ بِمَعْنَى الرَّفْعِ وَ الْوَضْعِ ، يَعْنِي إِذَا فَرَغْتَ مِنْ أَمْرِ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَ مَا يَجِبُ عَلَيْكَ إِنْهَاؤُهُ مِنَ الشَّرَائِعِ وَ الْأَحْكَامِ فَانْصِبْ عَلَمَكَ (بِفَتْحِ اللاَّمِ ) أَيْ ارْفَعْ عَلَمَ هِدَايَتِكَ لِلنَّاسِ وَ ضَعْ مَنْ يُقَوِّمُ خِلاَفَتَكَ مَوْضِعَكَ حَتَّى يَكُونَ قَائِماً مَقَامَكَ مِنْ بَعْدِكَ لِئَلاَّ يَنْقَطِعَ الْهِدَايَةُ وَ الرِّسَالَةُ بَيْنَ اللَّهِ وَ بَيْنَ عِبَادِهِ ، بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مُسْتَمِرّاً بِقِيَامِ إِمَامٍ مَقَامَ إِمَامٍ أَبَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كَشَّافِهِ : وَ مِنَ الْبِدَعِ مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الرَّافِضَةِ أَنَّهُ قَرَأَ فَانْصِبْ بِكَسْرِ الصَّادِ، أَيْ فَانْصِبْ عَلِيّاً لِلْإِمَامَةِ ، قَالَ : وَ لَوْ صَحَّ هَذَا لَصَحَّ لِلنَّاصِبِيِّ أَنْ يَقْرَأَ هَكَذَا (أَيْ بِفَتْحِ الصَّادِ) وَ يَجْعَلَهُ أَمْراً بِالنَّصْبِ الَّذِي هُوَ بُغْضُ عَلِيٍّ وَ عَدَاوَتُهُ ، أَقُولُ : نَصْبُ الْإِمَامِ وَ الْخَلِيفَةِ بَعْدَ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَوِ الْفَرَاغِ مِنَ الْعِبَادَةِ أَمْرٌ مَعْقُولٌ بَلْ وَاجِبٌ لِئَلاَّ يَكُونَ النَّاسُ بَعْدَهُ فِي حَيْرَةٍ وَ ضَلاَلَةٍ فَيَصِحُّ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ وَ أَمَّا بُغْضُ عَلِيٍّ وَ عَدَاوَتُهُ فَمَا وَجْهُ تَرَتُّبِهِ عَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَوِ الْعِبَادَةِ وَ مَا وَجْهُ مَعْقُولِيَّتِهِ عَلَى أَنَّ كُتُبَ الْعَامَّةِ مَشْحُونَةٌ بِذِكْرِ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَنَّ حُبَّهُ إِيْمَانٌ وَ بُغْضَهُ كُفْرٌ وَ نِفَاقٌ . فَانْظُرْ إِلَى هَذَا «جَارِ اللَّهِ » كَيْفَ جَارَ عَنِ اللَّهِ وَ حَادَ عَنْ طَرِيقِ الْخَيْرِ وَ السَّدَادِ فِي عَصَبِيَّةٍ وَ عِنَادٍ. ج. ز.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : «فَإِذٰا فَرَغْتَ » مِنْ نُبُوَّتِكَ «فَانْصَبْ » عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ «وَ إِلىٰ رَبِّكَ فَارْغَبْ » فِي ذَلِكَ .

95- سُورَةُ اَلتِّينِ مَكِّيَّةٌ وَ هِيَ ثَمَانُ آيَاتٍ 8

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ وَ طُورِ سِينِينَ وَ هٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ »

قَالَ : التِّينُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ الزَّيْتُونُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ طُورُ سِينِينَ الْحَسَنُ

وَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ وَ الْبَلَدُ الْأَمِينُ اَلْأَئِمَّةُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ » قَالَ : نَزَلَتْ فِي زُرَيْقٍ «ثُمَّ رَدَدْنٰاهُ أَسْفَلَ سٰافِلِينَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ »

ص: 429

قَالَ : ذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ » أَيْ لاَ يُمَنُّ عَلَيْهِمْ بِهِ ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «فَمٰا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ » قَالَ : ذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

[قَالَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ]«أَ لَيْسَ اللّٰهُ بِأَحْكَمِ الْحٰاكِمِينَ »

96- سُورَةُ الْعَلَقِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا تِسْعَ عَشْرَةَ 19

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ »

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

قَالَ : نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ قَالَ وَ مَا أَقْرَأُ قَالَ «اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ » يَعْنِي خَلَقَ نُورَكَ الْأَقْدَمَ قَبْلَ الْأَشْيَاءِ «خَلَقَ الْإِنْسٰانَ مِنْ عَلَقٍ » يَعْنِي خَلَقَكَ مِنْ نُطْفَةٍ [عَلَقَةٍ ] وَ شَقَّ مِنْكَ عَلِيّاً «اِقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ اَلَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ » يَعْنِي عَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ «عَلَّمَ الْإِنْسٰانَ مٰا لَمْ يَعْلَمْ » يَعْنِي عَلَّمَ عَلِيّاً مَا لَمْ يَعْلَمْ قَبْلَ ذَلِكَ .

قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ :«اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ » قَالَ : اقْرَأْ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ،«اَلَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسٰانَ مِنْ عَلَقٍ » ، قَالَ مِنْ دَمٍ ،«اِقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ اَلَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ » ، قَالَ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ الْكِتَابَةَ الَّتِي بِهَا تَتِمُّ أُمُورُ الدُّنْيَا فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا ثُمَّ قَالَ :«كَلاّٰ إِنَّ الْإِنْسٰانَ لَيَطْغىٰ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنىٰ » قَالَ : إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا اسْتَغْنَى يَكْفُرُ وَ يَطْغَى وَ يُنْكِرُ «إِنَّ إِلىٰ رَبِّكَ الرُّجْعىٰ » قَوْلُهُ «أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهىٰ عَبْداً إِذٰا صَلّٰى» كَانَ اَلْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ يَنْهَى النَّاسَ عَنِ الصَّلاَةِ وَ أَنْ يُطَاعَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ فَقَالَ «أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهىٰ عَبْداً إِذٰا صَلّٰى» قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:«أَ رَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَ تَوَلّٰى أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللّٰهَ يَرىٰ » ثُمَّ قَالَ «كَلاّٰ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنّٰاصِيَةِ »

ص: 430

أَيْ لَنَأْخُذَنَّهُ بِالنَّاصِيَةِ فَنُلْقِيهِ فِي اَلنَّارِ قَوْلُهُ «فَلْيَدْعُ نٰادِيَهُ » قَالَ لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَنَادَى أَبُو جَهْلٍ وَ اَلْوَلِيدُ عَلَيْهِمَا لَعَائِنُ اللَّهِ هَلُمُّوا فَاقْتُلُوا مُحَمَّداً فَقَدْ مَاتَ الَّذِي كَانَ نَاصِرَهُ فَقَالَ اللَّهُ «فَلْيَدْعُ نٰادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبٰانِيَةَ » قَالَ كَمَا دَعَا إِلَى قَتْلِ مُحَمَّدٍ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ نَحْنُ أَيْضاً نَدْعُو الزَّبَانِيَةَ ثُمَّ قَالَ «كَلاّٰ لاٰ تُطِعْهُ وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ » (1)

أَيْ لاَ يُطِيعُونَ لَمَّا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَجَارَهُ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَ لَمْ يَجْسِر عَلْيِه أَحَدٌ.

97- سُوْرَةُ الْقَدْرِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا خَمْسٌ 5

97 سُوْرَةُ الْقَدْرِ مَكِّيَّةٌ (2) آيَاتُهَا خَمْسٌ 5

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» فَهُوَ اَلْقُرْآنُ أُنْزِلَ إِلَى اَلْبَيْتِ الْمَعْمُورِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي طُولِ ثَلاَثٍ وَ عِشْرِينَ سَنَةً «وَ مٰا أَدْرٰاكَ مٰا لَيْلَةُ الْقَدْرِ» وَ مَعْنَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّ اللَّهَ يُقَدِّرُ فِيهَا الْآجَالَ وَ الْأَرْزَاقَ وَ كُلَّ أَمْرٍ يَحْدُثُ مِنْ مَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ أَوْ خِصْبٍ أَوْ جَدْبٍ أَوْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ كَمَا قَالَ اللَّهُ «فِيهٰا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ » إِلَى سَنَةٍ قَوْلُهُ «تَنَزَّلُ الْمَلاٰئِكَةُ وَ اَلرُّوحُ فِيهٰا» قَالَ تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَ رُوحُ الْقُدُسِ عَلَى إِمَامِ الزَّمَانِ وَ يَدْفَعُونَ إِلَيْهِ مَا قَدْ كَتَبُوهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ قَوْلُهُ «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» قَالَ : رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي نَوْمِهِ كَأَنَّ قُرُوداً تَصْعَدُ مِنْبَرَهُ فَغَمَّهُ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِوَ مٰا أَدْرٰاكَ مٰا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» تَمْلِكُهُ بَنُو أُمَيَّةَ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ قَدْرٍ(3)

قَوْلُهُ :«مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلاٰمٌ » قَالَ : تَحِيَّةٌ يُحَيَّا بِهَا الْإِمَامُ إِلَى أَنْ يَطْلَعَ الْفَجْرُ

قِيلَ

ص: 431


1- هُنَا سَجْدَةٌ وَاجِبَةٌ .
2- وَ فِي ط أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ . ج. ز.
3- وَ كَذَا وَرَدَ فِي تَفْسِيرِ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ فَرَاجِعْ 6 371 ط مصر. ج. ز.

لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ تَعْرِفُونَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَقَالَ وَ كَيْفَ لاَ نَعْرِفُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَ الْمَلاَئِكَةُ يَطُوفُونَ بِنَا فِيهَا.

98- سُورَةُ الْبَيِّنَةِ مَدَنِيَّةٌ آيَاتُهَا ثَمَانٌ 8

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ وَ اَلْمُشْرِكِينَ »

يَعْنِي قُرَيْشاً:«مُنْفَكِّينَ » قَالَ : هُمْ فِي كُفْرِهِمْ «حَتّٰى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ »

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : الْبَيِّنَةُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ . وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ

فِي قَوْلِهِ «وَ مٰا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ إِلاّٰ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ » قَالَ لَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِالْقُرْآنِ خَالَفُوهُ وَ تَفَرَّقُوا بَعْدَهُ «حُنَفٰاءَ» قَالَ طَاهِرِينَ «وَ ذٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ » أَيْ دِيٌن قَيِّمٌ قَوْلُهُ «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ وَ اَلْمُشْرِكِينَ فِي نٰارِ جَهَنَّمَ خٰالِدِينَ » قَالَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ اَلْقُرْآنَ فَارْتَدُّوا فَكَفَرُوا وَ عَصَوْا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

«أُولٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ » قَوْلُهُ «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ أُولٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ » قَالَ نَزَلَتْ فِي آلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم.

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ اَلضَّحَّاكِ عَنْ مُزَاحِمٍ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ : فِي قَوْلِهِ :«أُولٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ » ، يُرِيدُ بِهِ خَيْرَ الْخَلْقِ «جَزٰاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّٰاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهٰارُ خٰالِدِينَ فِيهٰا أَبَداً» لاَ يَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ .

«رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُمْ » يُرِيدُ رِضَي أَعْمَالِهِمْ «وَ رَضُوا عَنْهُ » رَضُوا بِثَوَابِ اللَّهِ «ذٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ » يُرِيدُ مَنْ خَافَ رَبَّهُ وَ تَنَاهَى عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى.

ص: 432

99- سُورَةُ اَلزِّلْزَالِ مَدَنِيَّةٌ آيَاتُهَا ثَمَانٌ 8

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ إِذٰا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزٰالَهٰا وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقٰالَهٰا» قَالَ مِنَ النَّاسِ «وَ قٰالَ الْإِنْسٰانُ مٰا لَهٰا» قَالَ ذَلِكَ أَمِيرُ الْمِؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ (1)

«يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبٰارَهٰا» إِلَى قَوْلِهِ «أَشْتٰاتاً» قَالَ يُحْيَوْنَ أَشْتَاتاً مُؤْمِنِينَ وَ كَافِرِينَ وَ مُنَافِقِينَ «لِيُرَوْا أَعْمٰالَهُمْ » قَالَ يَقِفُوا عَلَى مَا فَعَلُوهُ ثُمَّ قَالَ «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ » وَ هُوَ رَدٌّ عَلَى اَلْمُجَبِّرَةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لاَ فِعْلَ لَهُمْ

ص: 433


1- فِي الصَّافِي عَنْ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ قَالَتْ : أَصَابَ النَّاسَ زَلْزَلَةٌ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَفَزِعَ النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ فَوَجَدُوهُمَا قَد خَرَجَا فَزِعَيْنِ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَتَبِعَهُمَا النَّاسُ إِلَى أَنِ انْتَهَوْا إِلَى بَابِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ لِمَا هُمْ فِيهِ فَمَضَى وَ اتَّبَعَهُ النَّاسُ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى تَلْعَةٍ فَقَعَدَ عَلَيْهَا وَ قَعَدُوا حَوْلَهُ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى حِيطَانِ الْمَدِينَةِ تَرْتَجُّ جَائِيَةً وَ ذَاهِبَةً ، فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : كَأَنَّكُمْ قَدْ هَالَكُمْ مَا تَرَوْنَ قَالُوا وَ كَيْفَ لاَ يَهُولُنَا وَ لَمْ نَرَ مِثْلَهَا قَطُّ ، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ ثُمَّ ضَرَبَ الْأَرْضَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ ثُمَّ قَالَ مَا لَكِ اسْكُنِي! فَسَكَنَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ تَعَجُّبِهِمُ الْأَوَّلِ حَيْثُ خَرَجَ إِلَيْهِمْ : قَالَ لَهُمْ فَإِنَّكُمْ قَدْ عَجِبْتُمْ مِنْ صُنْعِي قَالُوا: نَعَمْ قَالَ أَنَا الرَّجُلُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ :«إِذٰا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزٰالَهٰا وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقٰالَهٰا وَ قٰالَ الْإِنْسٰانُ مٰا لَهٰا»، فَأَنَا الْإِنْسَانُ الَّذِي يَقُولُ لَهَا مَا لَكِ «يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبٰارَهٰا»، إِيَّايَ تُحَدِّثُ . ج. ز.

خَيْراً يَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَسْرَةً أَنَّهُ كَانَ عَمَلُهُ لِغَيْرِ اللَّهِ ،«وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ » يَقُولُ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ رَأَى ذَلِكَ الشَّرَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ .

100- سُورَةُ اَلْعَادِيَاتِ مَكِّيَّةٌ 11

100 سُورَةُ اَلْعَادِيَاتِ مَكِّيَّةٌ (1) 11

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ الْعٰادِيٰاتِ ضَبْحاً فَالْمُورِيٰاتِ قَدْحاً فَالْمُغِيرٰاتِ صُبْحاً»

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ الْعٰادِيٰاتِ ضَبْحاً فَالْمُورِيٰاتِ قَدْحاً» ، قَالَ هَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ وَادِي الْيَابِسِ قَالَ قُلْتُ وَ مَا كَانَ حَالُهُمْ وَ قِصَّتُهُمْ قَالَ إِنَّ أَهْلَ وَادِي الْيَابِسِ اجْتَمَعُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ وَ تَعَاقَدُوا وَ تَعَاهَدُوا وَ تَوَاثَقُوا عَلَى أَنْ لاَ يَتَخَلَّفَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ وَ لاَ يَخْذُلَ أَحَدٌ أَحَداً وَ لاَ يَفِرَّ رَجُلٌ عَنْ صَاحِبِهِ حَتَّى يَمُوتُوا كُلُّهُمْ عَلَى حِلْفٍ وَاحِدٍ أَوْ يَقْتُلُوا مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

وَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِمْ وَ مَا تَعَاقَدُوا عَلَيْهِ وَ تَوَاثَقُوا وَ أَمَرَهُ أَنْ يَبْعَثَ فُلاَناً إِلَيْهِمْ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفِ فَارِسٍ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ، فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ :

«يَا مَعْشَرَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ أَهْلَ وَادِي الْيَابِسِ

ص: 434


1- وَ عَنِ الْآلُوسِيِّ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ رُوحَ الْمَعَانِي ص 214. ج. ز.

وَ يَسْتَبِيحُ أَمْوَالَهُمْ وَ يُخَرِّبُ ضِيَاعَهُمْ وَ دِيَارَهُمْ ، فَمَضَى فُلاَنٌ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ

وَ اَلْأَنْصَارِ فِي أَحْسَنِ عُدَّةٍ وَ أَحْسَنِ هَيْئَةٍ يَسِيرُ بِهِمْ سَيْراً رَفِيقاً حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى أَهْلِ وَادِي الْيَابِسِ ، فَلَمَّا بَلَغَ الْقَوْمَ نُزُولُ الْقَوْمِ عَلَيْهِمْ وَ نَزَلَ فُلاَنٌ وَ أَصْحَابُهُ قَرِيباً مِنْهُمْ ، خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ وَادِي الْيَابِسِ مِائَتَا رَجُلٍ مُدَجَّجِينَ بِالسِّلاَحِ ، فَلَمَّا صَادَفُوهُمْ قَالُوا لَهُمْ : مَنْ أَنْتُمْ وَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتُمْ وَ أَيْنَ تُرِيدُونَ لِيَخْرُجْ إِلَيْنَا صَاحِبُكُمْ حَتَّى نُكَلِّمَهُ .

فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فُلاَنٌ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ اَلْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَهُمْ : أَنَا فُلاَنٌ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ، قَالُوا مَا أَقْدَمَكَ عَلَيْنَا قَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكُمُ اَلْإِسْلاَمَ فَإِنْ تَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ اَلْمُسْلِمُونَ لَكُمْ مَا لَهُمْ وَ عَلَيْكُمْ مَا عَلَيْهِمْ وَ إِلاَّ فَالْحَرْبُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ ، قَالُوا: لَهُ أَمَا وَ اَللاَّتِ وَ اَلْعُزَّى لَوْ لاَ رَحِمٌ بَيْنَنَا وَ قَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ لَقَتَلْنَاكَ وَ جَمِيعَ أَصْحَابِكَ قَتْلَةً تَكُونُ حَدِيثاً لِمَنْ يَكُونُ بَعْدَكُمْ فَارْجِعْ أَنْتَ وَ مَنْ مَعَكَ وَ ارْبَحُوا الْعَافِيَةَ فَإِنَّا إِنَّمَا نُرِيدُ صَاحِبَكُمْ بِعَيْنِهِ وَ أَخَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .

فَقَالَ فُلاَنٌ لِأَصْحَابِهِ : يَا قَوْمُ ! الْقَوْمُ أَكْثَرُ مِنْكُمْ أَضْعَافاً وَ أَعَدُّ مِنْكُمْ وَ قَدْ نَأَتْ دَارُكُمْ عَنْ إِخْوَانِكُمْ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ فَارْجِعُوا نُعْلِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِحَالِ الْقَوْمِ ، فَقَالُوا لَهُ جَمِيعاً خَالَفْتَ يَا فُلاَنُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ مَا أَمَرَكَ بِهِ فَاتَّقِ اللَّهَ وَ وَاقِعِ الْقَوْمَ وَ لاَ تُخَالِفْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، فَقَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ الشَّاهِدُ يَرَى مَا لاَ يَرَى الْغَائِبُ فَانْصَرَفَ وَ انْصَرَفَ النَّاسُ أَجْمَعُونَ ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 435

بِهِ انْتَفَخَ صَدْرُهُ وَ دَخَلَهُ الرُّعْبُ مِنْهُمْ وَ تَرَكَ قَوْلِي وَ لَمْ يُطِعْ أَمْرِي، وَ إِنَّ جَبْرَئِيلَ

أَمَرَنِي عَنِ اللَّهِ أَنْ أَبْعَثَ إِلَيْهِمْ فُلاَناً مَكَانَهُ فِي أَصْحَابِهِ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفِ فَارِسٍ فَسِرْ يَا فلانا [فُلاَنُ ] عَلَى اسْمِ اللَّهِ وَ لاَ تَعْمَلْ كَمَا عَمِلَ أَخُوكَ فَإِنَّهُ قَدْ عَصَى اللَّهَ وَ عَصَانِي وَ أَمَرَهُ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْأَوَّلَ فَخَرَجَ وَ خَرَجَ مَعَهُ اَلْمُهَاجِرُونَ وَ اَلْأَنْصَارُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ الْأَوَّلِ يَقْتَصِدُ بِهِمْ فِي سَيْرِهِمْ حَتَّى شَارَفَ الْقَوْمَ وَ كَانَ قَرِيباً مِنْهُمْ بِحَيْثُ يَرَاهُمْ وَ يَرَوْنَهُ ، وَ خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِائَتَا رَجُلٍ فَقَالُوا لَهُ وَ لِأَصْحَابِهِ مِثْلَ مَقَالَتِهِمْ لِلْأَوَّلِ فَانْصَرَفَ وَ انْصَرَفَ النَّاسُ مَعَهُ وَ كَادَ أَنْ يَطِيرَ قَلْبُهُ مِمَّا رَأَى مِنْ عُدَّةِ الْقَوْمِ وَ جَمْعِهِمْ وَ رَجَعَ يَهْرُبُ مِنْهُمْ .

فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَخْبَرَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِمَا صَنَعَ هَذَا وَ أَنَّهُ قَدِ انْصَرَفَ وَ انْصَرَفَ اَلْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَصَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ أَخْبَرَ بِمَا صَنَعَ هَذَا وَ مَا كَانَ مِنْهُ وَ أَنَّهُ قَدِ انْصَرَفَ وَ انْصَرَفَ اَلْمُسْلِمُونَ مَعَهُ مُخَالِفاً لِأَمْرِي عَاصِياً لِقَوْلِي، فَقَدِمَ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ مِثْلَ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ صَاحِبُهُ فَقَالَ لَهُ يَا فُلاَنُ عَصَيْتَ اللَّهَ فِي عَرْشِهِ وَ عَصَيْتَنِي وَ خَالَفْتَ قَوْلِي وَ عَمِلْتَ بِرَأْيِكَ أَلاَ قَبَّحَ اللَّهُ رَأْيَكَ وَ أَنَّ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ أَبْعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي هَؤُلاَءِ اَلْمُسْلِمِينَ وَ أَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ يَفْتَحُ عَلَيْهِ وَ عَلَى أَصْحَابِهِ ، فَدَعَا عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَوْصَاهُ بِمَا أَوْصَى بِهِ اَلْأَوَّلَ

وَ اَلثَّانِيَ وَ أَصْحَابَهُ الْأَرْبَعَةَ آلاَفِ فَارِسٍ وَ أَخْبَرَهُ أَنَّ اللَّهَ سَيَفْتَحُ عَلَيْهِ وَ عَلَى أَصْحَابِهِ .

فَخَرَجَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ مَعَهُ اَلْمُهَاجِرُونَ وَ اَلْأَنْصَارُ فَسَارَ بِهِمْ سَيْراً غَيْرَ سَيْرِ فُلاَنٍ

وَ فُلاَنٍ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَعْنَفَ بِهِمْ فِي السَّيْرِ حَتَّى خَافُوا أَنْ يَنْقَطِعُوا مِنَ التَّعَبِ وَ تَحْفَى(1)

ص: 436


1- حَفِيَ الْفَرَسُ : انْقَشَرَ حَافِرُهُ مِنْ كَثْرَةِ السَّيْرِ. ج. ز.

أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَنْزِلُوا وَ سَمِعَ أَهْلُ وَادِي الْيَابِسِ بِقُدُومِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ أَصْحَابِهِ فَخَرَجُوا إِلَيْهِ مِنْهُمْ مِائَتَا رَجُلٍ شَاكِينَ بِالسِّلاَحِ ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا لَهُمْ مَنْ أَنْتُمْ وَ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ وَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتُمْ وَ أَيْنَ تُرِيدُونَ قَالَ : أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَخُوهُ وَ رَسُولُهُ إِلَيْكُمْ ، أَدْعُوكُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ لَكُمْ إِنْ آمَنْتُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَ عَلَيْكُمْ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ خَيْرٍ وَ شَرٍّ، فَقَالُوا لَهُ إِيَّاكَ أَرَدْنَا وَ أَنْتَ طَلِبَتُنَا قَدْ سَمِعْنَا مَقَالَتَكَ وَ مَا عَرَضْتَ عَلَيْنَا هَذَا مَا لاَ يُوَافِقُنَا فَخُذْ حِذْرَكَ وَ اسْتَعِدَّ لِلْحَرْبِ الْعَوَانِ (1) وَ اعْلَمْ أَنَّا قَاتِلُوكَ وَ قَاتِلُو أَصْحَابِكَ وَ الْمَوْعِدُ فِيمَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَكَ غَداً ضَحْوَةً ، وَ قَدْ أَعْذَرْنَا فِيمَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ .

فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَيْلَكُمْ ! تُهَدِّدُونِّي بِكَثْرَتِكُمْ وَ جَمْعِكُمْ ! فَأَنَا أَسْتَعِينُ بِاللَّهِ وَ مَلاَئِكَتِهِ وَ اَلْمُسْلِمِينَ عَلَيْكُمْ وَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، فَانْصَرَفُوا إِلَى مَرَاكِزِهِمْ وَ انْصَرَفَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى مَرْكَزِهِ فَلَمَّا جَنَّهُ اللَّيْلُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُحْسِنُوا إِلَى دَوَابِّهِمْ وَ يَقْضِمُوا وَ يُسْرِجُوا(2).

فَلَمَّا انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ صَلَّى بِالنَّاسِ بِغَلَسٍ (3) ثُمَّ أَغَارَ عَلَيْهِمْ بِأَصْحَابِهِ فَلَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى وَطِئَتْهُمُ الْخَيْلُ فِيمَا أَدْرَكَ آخِرُ أَصْحَابِهِ حَتَّى قَتَلَ مُقَاتِلِيهِمْ وَ سَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَ اسْتَبَاحَ أَمْوَالَهُمْ وَ خَرَّبَ دِيَارَهُمْ وَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى وَ الْأَمْوَالِ مَعَهُ وَ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ص: 437


1- الْحَرْبُ الْعَوَانُ : الْحَرْبُ الَّتِي قُوتِلَ فِيهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.
2- الْقَضْمُ : الْأَكْلُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ شَيْئاً يَابِساً، وَ الْمَعْنَى أَنْ يَقْضُوا لَيْلَهُمْ فِي رِعَايَةِ الدَّوَابِّ وَ أَكْلِ الطَّعَامِ الْيَابِسِ لِيَكُونَ لَهُ صَوْتٌ عِنْدَ الْأَكْلِ لِكَيْ لاَ يَهْجُمَ عَلَيْهِمُ الْعَدُوُّ غِيلَةً . وَ يُسْرِجُوا أَيْ يُسْرِجُوا السِّرَاجَ .
3- الْغَلَسُ بِالتَّحْرِيكِ : ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيْلِ . ج. ز.

فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ بِعَلِيٍّ عَلَيهِ السَّلاَمُ وَ جَمَاعَةِ اَلْمُسْلِمِينَ ، فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ أَخْبَرَ النَّاسَ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ

وَ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْ مِنْهُمْ إِلاَّ رَجُلَيْنِ وَ نَزَلَ فَخَرَجَ يَسْتَقْبِلُ عَلِيّاً فِي جَمِيعِ أَهْلِ اَلْمَدِينَةِ

ص: 438

بِالرِّجَالِ ، وَ الضَّبْحُ صَيْحَتُهَا فِي أَعِنَّتِهَا وَ لُجُمِهَا «فَالْمُورِيٰاتِ قَدْحاً فَالْمُغِيرٰاتِ صُبْحاً»

فَقَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهَا أَغَارَتْ عَلَيْهِمْ صُبْحاً قُلْتُ قَوْلُهُ :«فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً» قَالَ : الْخَيْلُ يُؤْثِرْنَ بِالْوَادِي نَقْعاً «فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً» قُلْتُ قَوْلُهُ «إِنَّ الْإِنْسٰانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ»

قَالَ لَكَفُورٌ «وَ إِنَّهُ عَلىٰ ذٰلِكَ لَشَهِيدٌ» قَالَ يَعْنِيهِمَا جَمِيعاً قَدْ شَهِدَا جَمِيعاً وَادِيَ الْيَابِسِ وَ كَانَا لِحُبِّ الْحَيَاةِ لَحَرِيصَيْنِ قُلْتُ قَوْلُهُ :«أَ فَلاٰ يَعْلَمُ إِذٰا بُعْثِرَ مٰا فِي الْقُبُورِ وَ حُصِّلَ مٰا فِي الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ» قَالَ : نَزَلَتِ الْآيَتَانِ فِيهِمَا خَاصَّةً كَانَا يُضْمِرَانِ ضَمِيرَ السَّوْءِ وَ يَعْمَلاَنِ بِهِ ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ خَبَرَهُمَا وَ فِعَالَهُمَا فَهَذِهِ قِصَّةُ أَهْلِ وَادِي الْيَابِسِ وَ تَفْسِيرُ اَلْعَادِيَاتِ .

ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ :«وَ الْعٰادِيٰاتِ ضَبْحاً» أَيْ عَدَوْا عَلَيْهِمْ فِي الضَّبْحِ ، ضَبَاحُ الْكَلاَبُ صَوْتُهَا «فَالْمُورِيٰاتِ قَدْحاً» كَانَتْ بِلاَدُهُمْ فِيهَا حِجَارَةً فَإِذَا وَطِئْتْهَا سَنَابِكُ الْخَيْلِ كَانَ تَنْقَدِحُ مِنْهَا النَّارُ «فَالْمُغِيرٰاتِ صُبْحاً» أَيْ صَبَّحَتْهُمْ بِالْغَارَةِ «فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً» قَالَ ثَوْرَةُ الْغَبَرَةِ مِنْ رَكْضِ الْخَيْلِ «فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً» قَالَ تَوَسُّطَ اَلْمُشْرِكِينَ بِجَمْعِهِمْ «إِنَّ الْإِنْسٰانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ» أَيْ كَفُورٌ

وَ هُمَا اللَّذَانِ أَمَرَا وَ أَشَارَا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْ يَدَعَ الطَّرِيقَ بِمَا حَسَدَاهُ وَ كَانَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَخَذَ بِهِمْ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَخَذَا فِيهِ فَعَلِمَا أَنَّهُ يَظْفَرُ بِالْقَوْمِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِفُلاَنٍ إِنَّ عَلِيّاً غُلاَمٌ حَدَثٌ لاَ عِلْمَ لَهُ بِالطَّرِيقِ وَ هَذَا طَرِيقٌ مُسْبِعٌ لاَ يُؤْمَنُ فِيهِ السِّبَاعُ ، فَمَشَيَا إِلَيْهِ وَ قَالاَ لَهُ يَا أَبَا الْحَسَنِ هَذَا الطَّرِيقُ الَّذِي أَخَذْتَ فِيهِ طَرِيقٌ مُسْبِعٌ فَلَوْ رَجَعْتَ إِلَى الطَّرِيقِ فَقَالَ لَهُمَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : الْزَمَا رِحَالَكُمَا وَ كُفَّا عَمَّا لاَ يَعْنِيكُمَا وَ اسْمَعَا وَ أَطِيعَا فَإِنِّي أَعْلَمُ بِمَا أَصْنَعُ فَسَكَتَا . وَ قَوْلُهُ «وَ إِنَّهُ عَلىٰ ذٰلِكَ لَشَهِيدٌ» أَيْ عَلَى الْعَدَاوَةِ «وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ» يَعْنِي حُبِّ الْحَيَاةِ حَيْثُ خَافَا السِّبَاعَ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى «أَ فَلاٰ يَعْلَمُ إِذٰا بُعْثِرَ مٰا فِي الْقُبُورِ وَ حُصِّلَ مٰا فِي الصُّدُورِ» أَيْ يُجْمَعُ وَ يُظْهَرُ «إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ» .

ص: 439

101- سُورَةُ الْقَارِعَةِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا إِحْدَى عَشْرَةَ 11

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ اَلْقٰارِعَةُ مَا الْقٰارِعَةُ وَ مٰا أَدْرٰاكَ مَا الْقٰارِعَةُ » يُرَدِّدُهَا اللَّهُ لِهَوْلِهَا وَ فَزَعِ النَّاِس بِهَا «يَوْمَ يَكُونُ النّٰاسُ كَالْفَرٰاشِ الْمَبْثُوثِ وَ تَكُونُ الْجِبٰالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ » قَالَ الْعِهْنُ الصُّوفُ «فَأَمّٰا مَنْ ثَقُلَتْ مَوٰازِينُهُ » بِالْحَسَنَاتِ «فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رٰاضِيَةٍ وَ أَمّٰا مَنْ خَفَّتْ مَوٰازِينُهُ » قَالَ : مِنَ الْحَسَنَاتِ «فَأُمُّهُ هٰاوِيَةٌ »

قَالَ : أُمُّ رَأْسِهِ يُقْلَبُ فِي اَلنَّارِ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ «وَ مٰا أَدْرٰاكَ » يَا مُحَمَّدُ «مٰا هِيَهْ »

يَعْنِي اَلْهَاوِيَةَ ثُمَّ قَالَ :«نٰارٌ حٰامِيَةٌ » .

102- سُورَةُ التَّكَاثُرِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا ثَمَانٌ 8

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ أَلْهٰاكُمُ التَّكٰاثُرُ» أَيْ أَغْفَلُكُمْ كَثْرَتُكُمْ «حَتّٰى زُرْتُمُ الْمَقٰابِرَ» وَ لَمْ تَذْكُروا الْمَوْتَى «لَتَرَوُنَّ اَلْجَحِيمَ » أَيْ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ تَرَوْنَهَا «ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ » أَيْ عَنِ الْوَلاَيَةِ وَ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ «وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ »

قَالَ : عَنِ الْوَلاَيَةِ

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : قُلْتُ قَوْلُ اللَّهِ :«لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ » قَالَ :

قَالَ تُسْأَلُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ثُمَّ بِأَهْلِ بَيْتِهِ الْمَعْصُومِينَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ

.

ص: 440

103- سُورَةُ الْعَصْرِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا ثَلاَثٌ (3)

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ الْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسٰانَ لَفِي خُسْرٍ» قَالَ : هُوَ قَسَمٌ وَ جَوَابُهُ «إِنَّ الْإِنْسٰانَ »

وَ قَرَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «وَ الْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسٰانَ لَفِي خُسْرٍ»

وَ أَنَّهُ فِيهِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ «إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ » وَ ائْتَمَرُوا بِالتَّقْوَى وَ ائْتَمَرُوا بِالصَّبْرِ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ وَ تَوٰاصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَوٰاصَوْا بِالصَّبْرِ» فَقَالَ : اسْتَثْنَى أَهْلَ صَفْوَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ حَيْثُ قَالَ :«إِنَّ الْإِنْسٰانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا» بِوَلاَيَةِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

وَ «تَوٰاصَوْا بِالْحَقِّ » ذُرِّيَّاتِهِمْ وَ مَنْ خَلَّفُوا بِالْوَلاَيَةِ وَ تَوَاصَوْا بِهَا وَ صَبَرُوا عَلَيْهَا.

104- سُورَةُ الْهُمَزَةِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا تِسْعٌ (9)

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ » قَالَ : الَّذِي يَغْمِزُ النَّاسَ وَ يَسْتَحِقُر الْفُقَرَاءَ وَ قَوْلُهُ «لُمَزَةٍ » الَّذِي يَلْوِي عُنُقَهُ وَ رَأْسَهُ وَ يَغْضَبُ إِذَا رَأَى فَقِيراً أَوْ سَائِلاً «اَلَّذِي جَمَعَ مٰالاً وَ عَدَّدَهُ » قَالَ : أَعَدَّهُ وَ وَضَعَهُ «يَحْسَبُ أَنَّ مٰالَهُ أَخْلَدَهُ » قَالَ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ يُخْلِدُهُ وَ يُبْقِيهِ ثُمَّ قَالَ :«كَلاّٰ لَيُنْبَذَنَّ فِي اَلْحُطَمَةِ » وَ اَلْحُطَمَةُ النَّارُ الَّتِي تَحْطِمُ كُلَّ شَيْ ءٍ ثُمَّ قَالَ :«وَ مٰا أَدْرٰاكَ » يَا مُحَمَّدُ «مَا اَلْحُطَمَةُ نٰارُ اللّٰهِ الْمُوقَدَةُ اَلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ » قَالَ تَلْتَهِبُ عَلَى الْفُؤَادِ

ص: 441

فِي الصُّدُورِ وَ سَحْبٍ عَلَى الظُّهُورِ. «إِنَّهٰا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ » قَالَ مُطْبَقَةٌ «فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ » (1) قَالَ إِذَا مُدَّتِ الْعُمُدُ أَكَلَتْ وَ اللَّهِ الْجُلُودَ [كَانَ وَ اللَّهِ الْخُلُودُ].

105- سُورَةُ الْفِيلِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا خَمْسٌ (5)

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ أَ لَمْ تَرَ» أَ لَمْ تَعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ «كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحٰابِ الْفِيلِ » قَالَ نَزَلَتْ فِي اَلْحَبَشَةِ حِينَ جَاءُوا بِالْفِيلِ (2) لِيَهْدِمُوا بِهِ اَلْكَعْبَةَ ، فَلَمَّا أَدْنَوْهُ

ص: 442


1- قُرِئَ بِضَمَّتَيْنِ وَ هِيَ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ غَيْرَ حَفْصٍ ، وَ قَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحَتَيْنِ وَ كِلاَهُمَا جَمْعُ عَمُودٍ فِي الْكَثْرَةِ ، أَمَّا جَمْعُهُ فِي الْقِلَّةِ فَأَعْمِدَةٌ وَ الْمَعْنَى أَنَّهُ تُؤْصَدُ عَلَيْهِمُ الْأَبْوَابُ و يُمَدَّدُ عَلَى الْأَبْوَابِ الْعُمُدُ اسْتِيثَاقاً فِي اسْتِيثَاقٍ وَ فِيهِ تَأْكِيدٌ لِلْيَأْسِ مِنَ الْخُرُوجِ وَ إِيْذَانٌ بِحَبْسِ الْأَبَدِ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ .
2- الَّذِي جَاءَ بِالْفِيلِ لِيَهْدِمَ الْكَعْبَةَ هُوَ أَبْرَهَةُ مَلِكُ الْيَمَنِ مِنْ قَبْلِ النَّجَاشِي قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ السَّبَبُ الَّذِي جَرَّ أَصْحَابَ الْفِيلِ إِلَى مَكَّةَ أَنَّ فِئَةً مِنْ قُرَيْشٍ خَرَجُوا تُجَّاراً إِلَى أَرْضِ النَّجَاشِي فَسَارُوا حَتَّى دَنَوْا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ وَ فِي حِقْفٍ مِنْ أَحْقَافِهَا بِيعَةٌ لِلنَّصَارَى تُسَمِّيهَا قُرَيْشٌ الْهَيْكَلَ وَ يُسَمِّيهَا النَّجَاشِي وَ أَهْلُ أَرْضِهِ «مَاسَرَخْشَانُ » فَنَزَلَ الْقَوْمُ فَجَمَعُوا حَطَباً ثُمَّ أَجَّجُوا نَاراً وَ اشْتَرَوْا لَحْماً فَلَمَّا ارْتَحَلُوا تَرَكُوا النَّارَ كَمَا هِيَ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ فَذَهَبَتِ الرِّيَاحُ بِالنَّارِ فَاضْطَرَمَ الْهَيْكَلُ نَاراً فَغَضِبَ النَّجَاشِي لِذَلِكَ فَبَعَثَ أَبْرَهَةَ لِهَدْمِ الْكَعْبَةِ ، وَ كَانَ مَعَهُمْ فِيلٌ وَاحِدٌ اسْمُهُ مَحْمُودٌ وَ قِيلَ ثَمَانِيَةٌ وَ قِيلَ اثْنَا عَشَرَ فِيلاً وَ كَانَ فِي الْعَامِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ كَانَتِ الْحِجَارَةُ أَكْبَرَ مِنَ الْعَدَسَةِ وَ أَصْغَرَ مِنَ الْحِمَّصَةِ ، وَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ صَاحَتِ الطَّيْرُ فَرَمَتْهُمْ بِالْحِجَارَةِ فَبَعَثَ اللَّهُ رِيحاً فَضَرَبَتِ الْحِجَارَةَ فَزَادَتْهَا شِدَّةً فَمَا وَقَعَ مِنْهَا حَجَرٌ عَلَى رَجُلٍ إِلاَّ خَرَجَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى رَأْسِهِ خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ ، وَ كَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمُعْجِزَاتِ الْقَاهِرَاتِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَظْهَرَهُ اللَّهُ لِيَدُلَّ عَلَى وُجُوبِ مَعْرِفَتِهِ وَ فِيهِ حُجَّةٌ قَاصِمَةٌ لِظُهُورِ الْفَلاَسِفَةِ الْمُلْحِدِينَ الْمُنْكِرِينَ لِلْآيَاتِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَاتِ فَإِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ نِسْبَةُ شَيْ ءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَمْرِ أَصْحَابِ الْفِيلِ إِلَى طَبِيعَةٍ كَمَا نَسَبُوا الصَّيْحَةَ وَ الرِّيحَ الْعَقِيمَ وَ غَيْرَهُمَا مِمَّا أَهْلَكَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْأُمَمَ ، إِذْ لاَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَرَوْا فِي أَسْرَارِ الطَّبِيعَةِ إِرْسَالَ جَمَاعَاتٍ مِنَ الطَّيْرِ مَعَهَا أَحْجَارٌ لِهَلاَكِ أَقْوَامٍ مُعَيَّنِينَ قَاصِدَاتٍ إِيَّاهُمْ مِنْ دُونِ سِوَاهُمْ ، وَ لاَ يَشُكُّ مَنْ لَهُ مُسْكَةٌ مِنْ عَقْلٍ وَ لُبٍّ أَنَّ هَذَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ مُسَبِّبِ الْأَسْبَابِ وَ مُذَلِّلِ الصِّعَابِ . وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُنْكِرَ هَذَا لِأَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمَّا قَرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ لَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ بَل أَقَرُّوا بِهِ وَ صَدَّقُوهُ مَعَ شِدَّةِ حِرْصِهِمْ عَلَى تَكْذِيْبِهِ وَ كَانُوا قَرِيبِي الْعَهْدِ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ عِنْدَهُمْ حَقِيقَةٌ وَ أَصْلٌ لَأَنْكَرُوهُ وَ جَحَدُوهُ كَيْفَ وَ أَنَّهُمْ قَدْ أَرَّخُوا بِذَلِكَ كَمَا أَرَّخُوا بِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ وَ قَدْ أَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ ذِكْرَ الْفِيلِ . (مجمع البيان) ج. ز.

مِنْ بَابِ اَلْمَسْجِدِ قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَ تَدْرِي أَيْنَ يُؤَمُّ بِكَ قَالَ بِرَأْسِهِ لاَ، فَقَالَ أَتَوْا بِكَ لِتَهْدِمَ كَعْبَةَ اللَّهِ أَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ بِرَأْسِهِ لاَ، فَجَهَدَتْ بِهِ اَلْحَبَشَةُ لِيَدْخُلَ اَلْمَسْجِدَ فَامْتَنَعَ فَحَمَلُوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ وَ قَطَعُوهُ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ «طَيْراً أَبٰابِيلَ » قَالَ بَعْضُهَا عَلَى أَثَرِ بَعْضٍ «تَرْمِيهِمْ بِحِجٰارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ » قَالَ كَانَ مَعَ كُلِّ طَيْرٍ ثَلاَثَةُ أَحْجَارٍ حَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ وَ حَجَرَانِ فِي مَخَالِيبِهِ وَ كَانَتْ تُرَفْرِفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَ تَرْمِي فِي دِمَاغِهِمْ فَيْدَخُلُ الْحَجَرُ فِي دِمَاغِهِمْ وَ يَخْرُجُ مِنْ أَدْبَارِهِمْ وَ تُنْتَقَضُ أَبْدَانُهُمْ فَكَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ «فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ » قَالَ : الْعَصْفُ التِّينُ وَ الْمَأْكُولُ هُوَ الَّذِي يَبْقَى

ص: 443

مِنْ فَضْلِهِ

قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : وَ أَهْلُ الْجُدَرِيِّ مِنْ ذَلِكَ أَصَابَهُمُ الَّذِي أَصَابَهُمْ فِي زَمَانِهِمْ جُدَرِيٌّ .

106- سُورَةُ قُرَيْشٍ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا أَرْبَعٌ (4)

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ لِإِيلاٰفِ قُرَيْشٍ إِيلاٰفِهِمْ »

قَالَ : نَزَلَتْ فِي قُرَيْشٍ

لِأَنَّهُ كَانَ مَعَاشُهُمْ مِنَ الرِّحْلَتَيْنِ رِحْلَةٍ فِي الشِّتَاءِ إِلَى اَلْيَمَنِ وَ رِحْلَةٍ فِي الصَّيْفِ إِلَى اَلشَّامِ

وَ كَانُوا يَحْمِلُونَ مِنْ مَكَّةَ الْأُدْمَ وَ اللِّبَاسَ وَ مَا يَقَعُ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَحْرِ مِنَ الْفُلْفُلِ وَ غَيْرِهِ فَيَشْتَرُونَ بِالشَّامِ الثِّيَابَ و الدَّرْمَكَ وَ الْحُبُوبَ وَ كَانُوا يَتَأَلَّفُونَ فِي طَرِيقِهِمْ وَ يُثْبِتُونَ فِي الْخُرُوجِ فِي كُلِّ خُرْجَةٍ رَئِيساً مِنْ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ وَ كَانَ مَعَاشُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اسْتَغْنَوْا عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ وَفَدُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ حُجُّوا إِلَى اَلْبَيْتِ ، فَقَالَ اللَّهُ :«فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هٰذَا اَلْبَيْتِ اَلَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ »

فَلاَ يَحْتَاجُونَ أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى اَلشَّامِ «وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ » يَعْنِي خَوْفَ الطَّرِيقِ .

107- سُورَةُ الْمَاعُونِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا سَبْعٌ (7)

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ » قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ وَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ «فَذٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ » أَيْ يَدْفَعُهُ عَنْ حَقِّهِ «وَ لاٰ يَحُضُّ عَلىٰ طَعٰامِ الْمِسْكِينِ » أَيْ لاَ يَرْغَبُ فِي إِطْعَامِ الْمِسْكِينِ ثُمَّ قَالَ :«فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ اَلَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاٰتِهِمْ سٰاهُونَ » قَالَ : عَنَى بِهِ التَّارِكِينَ لِأَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يَسْهُو فِيَ الصَّلاَةَ

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : تَأْخِيرُ الصَّلاَةِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ. «اَلَّذِينَ هُمْ يُرٰاؤُنَ » فِيمَا يَفْعَلُونَ «وَ يَمْنَعُونَ الْمٰاعُونَ » مِثْلِ السِّرَاجِ وَ النَّارِ وَ الْخَمِيرِ وَ أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى الْخُمْسُ وَ الزَّكَاةُ .

ص: 444

108- سُورَةُ الْكَوْثَرِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا ثَلاَثٌ (3)

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ إِنّٰا أَعْطَيْنٰاكَ اَلْكَوْثَرَ» قَالَ : اَلْكَوْثَرُ نَهَرٌ فِي اَلْجَنَّةِ

أَعْطَى اللَّهُ مِحَمَّداً عِوَضاً عَنِ ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ

قَالَ : دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلْمَسْجِدَ

وَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَ اَلْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ قَالَ عَمْرٌو: يَا أَبَا الْأَبْتَرِ وَ كَانَ الرَّجُلُ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ سُمِّيَ أَبْتَرَ، ثُمَّ قَالَ عَمْرٌو: إِنِّي لَأَشْنَأُ مُحَمَّداً أَيْ أُبْغِضُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «إِنّٰا أَعْطَيْنٰاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ» إِلَى قَوْلِهِ «إِنَّ شٰانِئَكَ » أَيْ مُبْغِضَكَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ «هُوَ الْأَبْتَرُ» يَعْنِي لاَ دِينَ لَهُ وَ لاَ نَسَبَ .

109- سُورَةُ الْكَافِرُونَ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا سِتٌّ (6)

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ يٰا أَيُّهَا اَلْكٰافِرُونَ »

قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ قَالَ : سَأَلَ أَبُو شَاكِرٍ أَبَا جَعْفَرٍ الْأَحْوَلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:«قُلْ يٰا أَيُّهَا اَلْكٰافِرُونَ لاٰ أَعْبُدُ مٰا تَعْبُدُونَ وَ لاٰ أَنْتُمْ عٰابِدُونَ مٰا أَعْبُدُ وَ لاٰ أَنٰا عٰابِدٌ مٰا عَبَدْتُّمْ وَ لاٰ أَنْتُمْ عٰابِدُونَ مٰا أَعْبُدُ» فَهَلْ يَتَكَلَّمُ الْحَكِيمُ بِمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ وَ يُكَرِّرُهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الْأَحْوَلِ فِي ذَلِكَ جَوَابٌ ، فَدَخَلَ اَلْمَدِينَةَ فَسَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ كَانَ سَبَبَ نُزُولِهَا وَ تَكْرَارِهَا أَنَّ قُرَيْشاً قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 445

«وَ لاٰ أَنْتُمْ عٰابِدُونَ مٰا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ » قَالَ فَرَجَعَ أَبُو جَعْفَرٍ الْأَحْوَلُ إِلَى أَبِي شَاكِرٍ

فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ أَبُو شَاكِرٍ: هَذَا مَا حَمَلَهُ الْإِبِلُ مِنَ اَلْحِجَازِ، وَ كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهَا يَقُولُ : «دِينِيَ اَلْإِسْلاَمُ ثَلاَثاً .»

110- سُورَةُ النَّصْرِ مَكِّيَّةٌ [مَدَنِيَّةٌ ] آيَاتُهَا ثَلاَثٌ (3)

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ إِذٰا جٰاءَ نَصْرُ اللّٰهِ وَ الْفَتْحُ »

قَالَ : نَزَلَتْ بِمِنًى(1)

ص: 446


1- وَ فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ وَ غَيْرِهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَ فِيهَا بِشَارَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِالنَّصْرِ وَ الْفَتْحِ (أَيْ فَتْحِ مَكَّةَ ) قَبْلَ وُقُوعِ الْأَمْرِ،«(وَ رَأَيْتَ النّٰاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّٰهِ أَفْوٰاجاً)» أَيْ جَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ قَالَ الْحَسَنُ : لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ مَكَّةَ قَالَتِ الْعَرَبُ : أَمَّا إِذَا ظَفِرَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِأَهْلِ الْحَرَمِ وَ قَدْ أَجَارَهُمُ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الْفِيلِ فَلَيْسَ لَكُمْ بِهِ يَدَانِ - أَيْ طَاقَةٌ - فَكَانُوا يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً وَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ وَ قَرَأَهَا عَلَى أَصْحَابِهِ فَفَرِحُوا وَ اسْتَبْشَرُوا وَ سَمِعَهَا الْعَبَّاسُ فَبَكَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : مَا يُبْكِيكَ يَا عَمِّ ! فَقَالَ : أَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيْكَ نَفْسُكَ يَا 14 رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : إِنَّهُ لَكَمَا تَقُولُ ، فَعَاشَ بَعْدَهَا سَنَتَيْنِ ، مَا رُئِيَ فِيهِمَا ضَاحِكاً مُسْتَبْشِراً (انْتَهَى). أَقُولُ : وَ هَذَا خِلاَفُ مَا فَسَّرَ بِهِ الْقُمِّيُّ (ره) فِي هَذَا التَّفْسِيرِ لِأَنَّهُ قَالَ بِنُزُولِهَا فِي مَكَّةَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَعَلَيْهِ تَكُونُ السُّورَةُ مَكِّيَّةً دُونَ الْمَدَنِيَّةِ ، وَ لاَ يَكُونُ الْمُرَادُ حِينَئِذٍ مِنَ النَّصْرِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقُمِّيُّ (ره) هُوَ فَتْحُ مَكَّةَ بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ هُوَ ظُهُورُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ الدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَمْرَانِ : (الْأَوَّلُ ) مَا رَوَاهُ فِي الْكَافِي وَ الْعُيُونِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وَ آخِرَهُ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ ، وَ هَذَا يُنَاسِبُ نُزُولَهَا فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ، لاَ فِي الْمَدِينَةِ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِسَنَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّبْرِسِيُّ (ره) إِذْ نَزَلَ فِي خِلاَلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ . (الثَّانِي) مَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَصْحَابِ كَالطَّبْرِسِيِّ نَفْسِهِ وَ الْقَاشَانِيِّ مِنْ أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَ لاَ دَلاَلَةَ فِيهَا عَلَى النَّعْيِ إِذَا قُلْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ النَّصْرِ هُوَ فَتْحُ مَكَّةَ ، كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ الطَّبْرِسِيُّ (ره)، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِنُزُولِهَا فِي مَكَّةَ وَ إِرَادَةِ ظُهُورِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنَ «اَلنَّصْرِ وَ الدُّخُولِ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً» تَكُونُ فِيهَا جِهَةٌ لِلنَّعْيِ أَيْضاً، إِذْ كَانَ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَنَّهُ يَا مُحَمَّدُ! قَدِ انْقَضَتْ أَيَّامُكُمْ وَ انْتَهَتْ فُتُوحُكَ كُلُّهَا لِأَنَّهُ بَعْدَ هَذَا فَتْحٌ كَبِيرٌ لِوَلَدِكَ الْقَائِمِ الَّذِي وَعَدْنَاهُ لَكَ ج. ز.

فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ «إِذٰا جٰاءَ نَصْرُ اللّٰهِ وَ اَلْفَتْحُ » فَلَمَّا نَزَلَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي فَجَاءَ إِلَى مَسْجِدِ الْخَيْفِ فَجَمَعَ النَّاسَ ثُمَّ قَالَ : نَصَرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَ بَلَّغَهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ وَ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ، ثَلاَثٌ لاَ يُغِلُّ عَلَيْهِ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ أخلص [إِخْلاَصُ ] الْعَمَلِ لِلَّهِ وَ النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ اَلْمُسْلِمِينَ وَ اللُّزُومُ لِجَمَاعَتِهِمْ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ مُحِيطَةٌ مَنْ وَرَاءَهُمْ ، أَيُّهَا النَّاسُ ! إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا وَ لَنْ تَزِلُّوا، كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، فَإِنَّهُ قَدْ نَبَّأَنِي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أَنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ اَلْحَوْضَ ، كَإِصْبَعَيَّ هَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتَيْهِ وَ لاَ أَقُولُ كَهَاتَيْنِ وَ جَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتِهِ وَ الْوُسْطَى فَيَفْضُلُ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ .

ص: 447

111- سُورَةُ اللَّهَبِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا خَمْسٌ (5)

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ تَبَّتْ يَدٰا أَبِي لَهَبٍ » قال: أَيْ خَسِرَتْ ، لَمَّا اجْتَمَعَ مَعَ قُرَيْشٍ فِي دَارِ النَّدْوَةِ وَ بَايَعَهُمْ عَلَى قَتْلِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ كَانَ كَثِيرَ الْمَالِ فَقَالَ اللَّهُ :«مٰا أَغْنىٰ عَنْهُ مٰالُهُ وَ مٰا كَسَبَ سَيَصْلىٰ نٰاراً ذٰاتَ لَهَبٍ » عَلَيْهِ فَتُحْرِقُهُ «وَ امْرَأَتُهُ حَمّٰالَةَ الْحَطَبِ » قَالَ : كَانَتْ أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ صَخْرٍ، وَ كَانَتْ تَنِمُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ تَنْقُلُ أَحَادِيثَهُ إِلَى اَلْكُفَّارِ،«حَمّٰالَةَ الْحَطَبِ » أَيِ احْتَطَبَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «فِي جِيدِهٰا» أَيْ فِي عُنُقِهَا «حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ» أَيْ مِنْ نَارٍ، وَ كَانَ اسْمُ أَبِي لَهَبٍ عَبْدَ مَنَافٍ فَكَنَّاهُ اللَّهُ لِأَنَّ مَنَافاً صَنَمٌ يَعْبُدُونَهُ .

112- سُورَةُ الْإِخْلاَصِ مَكِّيَّةُ آيَاتُهَا خَمْسٌ 5

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ» أَيْ هُوَ اللَّهُ الْأَحَدُ

وَ كَانَ سَبَبَ نُزُولِهَا أَنَّ اَلْيَهُودَ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَتْ مَا نَسَبُ رَبِّكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ اَللّٰهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ» وَ مَعْنَى قَوْلِهِ :

«أَحَدٌ» أَحَدِيُّ النَّعْتِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ نُورٌ لاَ ظَلاَمَ فِيهِ وَ عِلْمٌ لاَ جَهْلَ فِيهِ .

وَ قَوْلُهُ :«اَلصَّمَدُ» ، أَيِ الَّذِي لاَ مَدْخَلَ فِيهِ وَ قَوْلُهُ :«لَمْ يَلِدْ» أَيْ لَمْ يُحْدِثْ «وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ» ، قَالَ : لاَ لَهُ كُفْوٌ وَ لاَ شَبِيهَ وَ لاَ شَرِيكَ وَ لاَ ظَهِيرَ وَ لاَ مُعِينَ .

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمَّادِ بْنِ مِهْرَانَ ، قَالَ :

ص: 448

لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِمَكَّةَ صِفْ لَنَا رَبَّكَ لِنَعْرِفَهُ فَنَعْبُدَهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

«قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ» ، يَعْنِي غَيْرَ مُبَعَّضٍ وَ لاَ مُجَزًّى وَ لاَ مُكَيَّفٍ ، وَ لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَدَدِ وَ لاَ الزِّيَادَةُ وَ لاَ النُّقْصَانُ ،«اَللّٰهُ الصَّمَدُ» الَّذِي قَدِ انْتَهَى إِلَيْهِ السُّؤْدُدُ وَ الَّذِي يَصْمُدُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ بِحَوَائِجِهِمْ إِلَيْهِ ،«لَمْ يَلِدْ» مِنْهُ عُزَيْرٌ كَمَا قَالَتِ اَلْيَهُودُ عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ وَ سَخَطُهُ وَ لاَ اَلْمَسِيحُ كَمَا قَالَتِ اَلنَّصَارَى عَلَيْهِمْ سَخَطُ اللَّهِ ، وَ لاَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ لاَ النُّجُومُ كَمَا قَالَتِ اَلْمَجُوسُ عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ وَ سَخَطُهُ وَ لاَ الْمَلاَئِكَةُ كَمَا قَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ لَعَنَهُمُ اللَّهُ «وَ لَمْ يُولَدْ» لَمْ يَسْكُنِ الْأَصْلاَبَ وَ لَمْ تَضُمَّهُ الْأَرْحَامُ لاَ مِنْ شَيْ ءٍ كَانَ وَ لاَ مِنْ شَيْ ءٍ خُلِقَ مَا [مِمَّا] كَانَ ،«وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ» ، يَقُولُ لَيْسَ لَهُ شَبِيهٌ وَ لاَ مِثْلٌ وَ لاَ عَدْلٌ وَ لاَ يُكَافِيهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ بِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنْ فَضْلِهِ .

113- سُورَةُ الْفَلَقِ مَكِّيَّةٌ آيَاتُهَا خَمْسٌ 5

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ » قَالَ : الْفَلَقُ جُبٌّ فِي جَهَنَّمَ

يَتَعَوَّذُ أَهْلُ اَلنَّارِ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهِ فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّسَ ، فَأَذِنَ لَهُ فَتَنَفَّسَ فَأَحْرَقَ جَهَنَّمَ قَالَ : وَ فِي ذَلِكَ الجُبِّ صُنْدُوقٌ مِنْ نَارٍ يَتَعَوَّذُ أَهْلُ الْجُبِّ مِنْ حَرِّ ذَلِكَ الصُّنْدُوقِ ، وَ هُوَ التَّابُوتُ وَ فِي ذَلِكَ التَّابُوتِ سِتَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ سِتَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ فَأَمَّا السِّتَّةُ الَّتِي مِنَ الْأَوَّلِينَ ، فَابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ ، وَ نُمْرُودُ إِبْرَاهِيمَ

الَّذِي أَلْقَى إِبْرَاهِيمَ فِي اَلنَّارِ، وَ فِرْعَوْنُ مُوسَى، وَ اَلسَّامِرِيُّ الَّذِي اتَّخَذَ الْعِجْلَ ، وَ الَّذِي هَوَّدَ اَلْيَهُودَ، وَ الَّذِي نَصَّرَ اَلنَّصَارَى، وَ أَمَّا السِّتَّةُ الَّتِي مِنَ الْآخِرِينَ فَهُوَ اَلْأَوَّلُ وَ اَلثَّانِي وَ اَلثَّالِثُ وَ اَلرَّابِعُ وَ صَاحِبُ اَلْخَوَارِجِ وَ اِبْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُمُ اللَّهُ «وَ مِنْ شَرِّ غٰاسِقٍ إِذٰا وَقَبَ » قَالَ : الَّذِي يُلْقَى فِي الْجُبِّ فِيهِ يَقِبُ [يَغِيبُ فِيهِ ].

ص: 449

114- سُورَةُ النَّاسِ مَكِّيَّةٌ [مَدَنِيَّةٌ ] آيَاتُهَا سِتٌّ (6)

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّٰاسِ » وَ إِنَّمَا هُوَ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ «مَلِكِ النّٰاسِ إِلٰهِ النّٰاسِ مِنْ شَرِّ اَلْوَسْوٰاسِ الْخَنّٰاسِ » اسْمُ الشَّيْطَانِ الَّذِي هُوَ فِي صُدُورِ النَّاسِ يُوَسْوِسُ فِيهَا وَ يُؤْيِسُهُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَ يَعِدُهُمْ الْفَقْرَ وَ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي وَ الْفَوَاحِشِ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «اَلشَّيْطٰانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشٰاءِ»

وَ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : مَا مِنْ قَلْبٍ إِلاَّ وَ لَهُ أُذُنَانِ عَلَى أَحَدِهِمَا مَلَكٌ مُرْشِدٌ وَ عَلَى الْآخَرِ شَيْطَانٌ مُغْتَرٌّ هَذَا يَأْمُرُهُ وَ هَذَا يَزْجُرُهُ وَ كَذَلِكَ مِنَ النَّاسِ شَيْطَانٌ يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى الْمَعَاصِي كَمَا يَحْمِلُ اَلشَّيْطَانُ مِنَ الْجِنِّ .

قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : كَانَ سَبَبُ نُزُولِ اَلْمُعَوِّذَتَيْنِ أَنَّهُ وُعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فَعَوَّذَهُ بِهِمَا.

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ عَنْ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ اَلضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ : فِي قَوْلِهِ «مِنْ شَرِّ اَلْوَسْوٰاسِ الْخَنّٰاسِ » يُرِيدُ اَلشَّيْطَانَ لَعَنَهُ اللَّهُ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ ، لَهُ خُرْطُومٌ مِثْلُ خُرْطُومِ الْخِنْزِيرِ يُوَسْوِسُ لاِبْنِ آدَمَ إِذَا أَقْبَلَ عَلَى الدُّنْيَا وَ مَا لاَ يُحِبُّ اللَّهُ فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ انْخَنَسَ يُرِيدُ رَجَعَ .، قَالَ اللَّهُ :«اَلَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّٰاسِ » ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ «مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّٰاسِ »

يُرِيدُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :

إِنَّ اِبْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَمْحُو اَلْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنَ اَلْمُصْحَفِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : كَانَ أَبِي يَقُولُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ اِبْنُ مَسْعُودٍ بِرَأْيِهِ وَ هُمَا مِنَ اَلْقُرْآنِ .

ص: 450

وَ عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ لِعَلِيٍّ :

يَا عَلِيُّ اَلْقُرْآنُ خَلْفَ فِرَاشِي فِي الصُّحُفِ وَ الْحَرِيرِ وَ الْقَرَاطِيسِ فَخُذُوهُ وَ اجْمَعُوهُ وَ لاَ تُضَيِّعُوهُ كَمَا ضَيَّعَتِ اَلْيَهُودُ اَلتَّوْرَاةَ فَانْطَلَقَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَجَمَعَهُ فِي ثَوْبٍ أَصْفَرَ ثُمَّ خَتَمَ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ وَ قَالَ : لاَ أَرْتَدِي حَتَّى أَجْمَعَهُ فَإِنَّهُ كَانَ الرَّجُلُ لَيَأْتِيهِ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ بِغَيْرِ رِدَاءٍ حَتَّى جَمَعَهُ ، قَالَ وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لَوْ أَنَّ النَّاسَ قَرَءُوا اَلْقُرْآنَ كَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مَا اخْتَلَفَ اثْنَانِ .

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْقُرَشِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : مَا أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ جَمَعَ اَلْقُرْآنَ إِلاَّ وَصِيُّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .،

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ : حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ عَنْ وُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : إِنَّ اَلْقُرْآنَ زَاجِرٌ وَ آمِرٌ يَأْمُرُ بِالْجَنَّةِ وَ يَزْجُرُ عَنِ اَلنَّارِ وَ فِيهِ مُحْكَمٌ وَ مُتَشَابِهٌ فَأَمَّا الْمُحْكَمُ فَيُؤْمَنُ بِهِ وَ يُعْمَلُ بِهِ [وَ يُدَبَّرُ بِهِ ] وَ أَمَّا الْمُتَشَابِهُ فَيُؤْمَنُ بِهِ وَ لاَ يُعْمَلُ بِهِ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ :«فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مٰا تَشٰابَهَ مِنْهُ ابْتِغٰاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغٰاءَ تَأْوِيلِهِ وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّٰهُ وَ الرّٰاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّٰا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنٰا» ، وَ آلُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ

الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ .

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ عَنْ مُرَازِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِنَّ اَلْقُرْآنَ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ ءٍ حَتَّى وَ اللَّهِ مَا تَرَكَ اللَّهُ شَيْئاً يَحْتَاجُ الْعِبَادُ إِلَيْهِ إِلاَّ بَيَّنَهُ لِلنَّاسِ حَتَّى لاَ يَسْتَطِيعَ عَبْدٌ يَقُولُ لَوْ كَانَ هَذَا نَزَلَ فِي اَلْقُرْآنِ إِلاَّ وَ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِيهِ . تَمَّ الْكِتَابُ .

ص: 451

قد وقع الفراغ من تصحيح هذا الكتاب المستطاب (تفسير علي ابن إبراهيم القمّيّ (ره) و تهذيبه و التعليق عليه في العاشر من رجب المرجب سنة 8 ثلاث مأة و سبع و ثمانين بعد الألف الهجرية على هاجرها آلاف التحية و السلام في مدينة النجف الأشرف، بيد العبد المذنب السيّد طيب المفتي الموسوي الجزائريّ ابن محمّد عليّ بن محمّد عبّاس بن علي أكبر بن محمّد جعفر بن أبو طالب بن نور الدين ابن السيّد نعمة اللّه الجزائريّ (ره)

ص: 452

فهرس الجزء الثاني من تفسير القمّيّ

الصفحة العناوين

3 سورة بني إسرائيل الجزء 15

4 معراج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

16 علة كسوف الشمس

18 تفسير آت ذا القربى حقه

20 معنى تسبيح كل شيء

22 شركة الشيطان في الأولاد

24 كيفية خلقة العرش

26 معنى الروح

28 نزول إسرافيل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

30 معنى الاجهار و الاخفات

30 سورة الكهف

32 قصة أصحاب الكهف

36 الآية الدالة على الرجعة

38 موسى و الخضر

39 الجزء (16)

40 قصة ذي القرنين

44 مسائل الخضر لأمير المؤمنين عليه السّلام

48 سورة مريم

50 تكلم عيسى في المهد

52 رفع إدريس إلى السماء

54 مكان الشيعة في الحشر

56 كيفية الوصية

57 سورة طه

58 قيام الأرض على الحوت

60 كلام موسى مع اللّه

62 سجود بني إسرائيل للعجل

64 شفاعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للشيعة

67 سلام الرسول على أهل البيت

67 سورة الأنبياء الجزء 17

68/205 خروج القائم (عليه السّلام)

70 كلام الأمير (عليه السّلام) في الموعظة

72 حرق إبراهيم في النار

74 ذكر يونس

ص: 453

76 أعظم آية للرجعة

78 سورة الحجّ

80 تفسير خصمان اختصموا

82 كيفية الجنة و جهنم

84 إذن القتال للقائم

86 انتقام يزيد من الحسين (عليه السّلام)

88 سورة المؤمنون الجزء 18

92 المراد من الحق

94 العربية ليست بأب وجد

95 سورة النور

96 قضاء عجيب من أمير المؤمنين (عليه السّلام)

97 إقرار رجل بالزنا أمام الأمير (عليه السّلام)

99/319 الافك على مارية

103 تفسير آية النور

106 ملك في سورة الديك

110 سورة الفرقان

112 عليّ عليه السلام أفضل الساعات

112 الجزء (19)

114 آلهة قريش في الجاهلية

116 قضاء صلاة الليل

118 سورة الشعراء

120/136 و 140/145 قصة موسى و فرعون

124 دعوة ذي العشيرة

126 سورة النمل

128 إحضار عرش بلقيس

129 الجزء (20)

130 عليّ عليه السلام دابة الأرض

133 سورة القصص

134 كيف أصبح آل محمّد في امته صلّى اللّه عليه و آله

138 قصة موسى و شعيب

142 تكلم أبي طالب بكلمة الشهادة

144 قصة قارون

148 سورة العنكبوت

150 الجزء (21)

152 سورة الروم

155 قضية فدك

ص: 454

161 سورة لقمان

164 مواعظ لقمان لابنه

167 سورة السجدة

169 فضيلة يوم الجمعة

171 سورة الأحزاب

172 قضية زيد بن حارثة

176 كيفية غزوة الأحزاب

178 معاجز رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الخندق

180 ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في التوراة

183 مبارزة علي لعمرو بن عبدود

189 غزوة بني قريظة

191 شهادة سعد بن معاذ

193 الجزء (22)

194 نزول آية التطهير

196 نزول آية الحجاب

198 سورة سبأ

201 فزع الأبالسة يوم الغدير

203 معنى تبليغ الرسالة إلى كافة الناس

206 سورة فاطر

207 كلام الأمير (عليه السّلام) في صفة الملائكة

214 الجزء (23)

211 سورة يس

212 معجزة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على أبي جهل

213 مناظرة جميلة

215 قصة أبي سعيد مع الرضا (عليه السّلام)

218 سورة الصافّات

219 خبر عمران الكواكب

222 قفوهم انهم مسؤلون

223 اسم الشيعة في القرآن

224 أداء إبراهيم مناسك الحجّ

225 ذبح إسحاق

228 سورة ص

230 قصة خطيئة داود (عليه السّلام)

231 ملاقاة داود لحزقيل

235 الذب عن سليمان

237 قصة سليمان حين سلب ملكه

238 كيفية سلطان سليمان (عليه السّلام)

239 قصة ابتلاء أيّوب (عليه السّلام)

ص: 455

244 خلافة أمير المؤمنين ليلة المعراج

245 سورة الزمر

247 ماذا يعطي اللّه وليه في الجنان

249 الجزء (24)

252 كيفية نفخ الصور

253 تشرق الأرض بنور الامام

254 سورة المؤمن

260 من مات و لم يعرف الامام

261 سورة حم السجدة

264 شهادة الجوارح يوم القيامة

266 حضور المعصومين (عليهم السّلام) عند الموت

266 سورة الشورى الجزء 25

269 اجتماع الحسن (عليه السّلام) و يزيد عند ملك الروم

271 مسائل ملك الروم للحسن (عليه السّلام)

274 الميزان أمير المؤمنين (عليه السّلام)

276 آية المودة

280 سورة الزخرف

282 آية لركوب البر و البحر

284 مسائل مولى عمر للامام الباقر (عليه السّلام)

286 عليّ عليه السلام مثل عيسى بن مريم

288 محاورة اللّه الأغنياء و الفقراء

290 سورة الدخان

291 بكاء السماء و الأرض على الحسين (عليه السّلام)

292 ثواب بكاء الحسين (عليه السّلام)

293 سورة الجاثية

296 سورة الأحقاف الجزء 26

298 خروج ريح عاد زمان المتوكل

300 سورة محمّد

304 اشراط الساعة

309 سورة الفتح

310 صلح الحديبية

217 سبب امتناع عليّ عليه السلام عن اعدائه

318 سورة الحجرات

320 بعثة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بخمسة اسياف

323 سورة ق

ص: 456

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.