بطاقة تعريف: مجلسي محمد باقربن محمدتقي 1037 - 1111ق.
عنوان واسم المؤلف: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار المجلد 20: تأليف محمد باقربن محمدتقي المجلسي.
عنوان واسم المؤلف: بيروت داراحياء التراث العربي [ -13].
مظهر: ج - عينة.
ملاحظة: عربي.
ملاحظة: فهرس الكتابة على أساس المجلد الرابع والعشرين، 1403ق. [1360].
ملاحظة: المجلد108،103،94،91،92،87،67،66،65،52،24(الطبعة الثالثة: 1403ق.=1983م.=[1361]).
ملاحظة: فهرس.
محتويات: ج.24.كتاب الامامة. ج.52.تاريخ الحجة. ج67،66،65.الإيمان والكفر. ج.87.كتاب الصلاة. ج.92،91.الذكر و الدعا. ج.94.كتاب السوم. ج.103.فهرست المصادر. ج.108.الفهرست.-
عنوان: أحاديث الشيعة — قرن 11ق
ترتيب الكونجرس: BP135/م3ب31300 ي ح
تصنيف ديوي: 297/212
رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1680946
ص: 1
الآیات؛
الحشر: «كَمَثَلِ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِیباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ»(15)
تفسیر: قال الطبرسی رحمه اللّٰه: أی مثلهم فی اغترارهم بعددهم و قوتهم و بقول المنافقین كَمَثَلِ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ یعنی المشركین الذین قتلوا ببدر و ذلك قبل غزاة بنی النضیر بستة أشهر عن الزهری و غیره و قیل إن الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِیباً هم بنو قینقاع عن ابن عباس و ذلك أنهم نقضوا العهد مرجع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من بدر فأمرهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أن یخرجوا و قال عبد اللّٰه بن أبی لا تخرجوا فإنی آتی النبی صلی اللّٰه علیه و آله فأكلمه فیكم أو أدخل معكم الحصن فكان هؤلاء أیضا فی إرسال عبد اللّٰه بن أبی إلیهم ثم تركه نصرتهم كأولئك (1) ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ أی عقوبة كفرهم وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ فی الآخرة (2).
ص: 1
«1»-قب، المناقب لابن شهرآشوب عم، إعلام الوری لَمَّا رَجَعَ (1) رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمَدِینَةِ مِنْ بَدْرٍ لَمْ یُقِمْ بِالْمَدِینَةِ إِلَّا سَبْعَ لَیَالٍ حَتَّی غَزَا بِنَفْسِهِ یُرِیدُ بَنِی سُلَیْمٍ حَتَّی بَلَغَ مَاءً مِنْ مِیَاهِهِمْ یُقَالُ لَهُ الْكُدْرُ فَأَقَامَ عَلَیْهِ ثَلَاثَ لَیَالٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَی الْمَدِینَةِ وَ لَمْ یَلْقَ كَیْداً (2) فَأَقَامَ بِهَا بَقِیَّةَ شَوَّالٍ وَ ذَا الْقَعْدَةِ وَ فَادَی فِی إِقَامَتِهِ جُلَّ أُسَارَی بَدْرٍ مِنْ قُرَیْشٍ.
ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ السَّوِیقِ (3) وَ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْیَانَ نَذَرَ أَنْ لَا یَمَسَّ رَأْسَهُ مِنْ جَنَابَةٍ حَتَّی یَغْزُوَ مُحَمَّداً صلی اللّٰه علیه و آله فَخَرَجَ فِی مِائَةِ (4) رَاكِبٍ مِنْ قُرَیْشٍ لِیُبِرَّ یَمِینَهُ حَتَّی إِذَا كَانَ عَلَی بَرِیدٍ مِنَ الْمَدِینَةِ أَتَی بَنِی النَّضِیرِ لَیْلًا فَضَرَبَ عَلَی حُیَیِّ بْنِ أَخْطَبَ بَابَهُ فَأَبَی أَنْ یَفْتَحَ لَهُ فَانْصَرَفَ عَنْهُ إِلَی سَلَامِ بْنِ مِشْكَمٍ وَ كَانَ سَیِّدَ بَنِی النَّضِیرِ فَاسْتَأْذَنَ عَلَیْهِ فَأَذِنَ لَهُ وَ سَارَّهُ (5) ثُمَّ خَرَجَ فِی عَقِبِ لَیْلَتِهِ حَتَّی أَتَی أَصْحَابَهُ وَ بَعَثَ رِجَالًا مِنْ قُرَیْشٍ إِلَی الْمَدِینَةِ فَأَتَوْا نَاحِیَةً یُقَالُ لَهَا الْعُرَیْضُ فَوَجَدُوا رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ (6) وَ حَلِیفاً لَهُ فَقَتَلُوهُمَا ثُمَّ انْصَرَفُوا وَ نَذَرَ (7) بِهِمُ النَّاسُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی طَلَبِهِمْ حَتَّی بَلَغَ قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ وَ رَجَعَ وَ قَدْ فَاتَهُ أَبُو سُفْیَانَ وَ رَأَوْا زَاداً مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ قَدْ طَرَحُوهَا یَتَخَفَّفُونَ مِنْهَا لِلنَّجَاءِ. (8)
ص: 2
وَ كَانَ فِیهَا السَّوِیقُ فَسُمِّیَتْ غَزْوَةَ السَّوِیقِ وَ وَافَقُوا السُّوقَ وَ كَانَتْ لَهُمْ تِجَارَاتٌ (1) فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ حِینَ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِهِمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ نَطْمَعُ بِأَنْ تَكُونَ (2) لَنَا غَزْوَةٌ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله نَعَمْ.
ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ ذِی أَمَرٍ بَعْدَ مُقَامِهِ بِالْمَدِینَةِ بَقِیَّةَ ذِی الْحِجَّةِ وَ الْمُحَرَّمَ مَرْجِعَهُ مِنْ غَزْوَةِ السَّوِیقِ (3) وَ ذَلِكَ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ جَمْعاً مِنْ غَطَفَانَ قَدْ تَجَمَّعُوا یُرِیدُونَ أَنْ یُصِیبُوا مِنْ أَطْرَافِ الْمَدِینَةِ عَلَیْهِمْ رَجُلٌ یُقَالُ لَهُ دُعْثُورُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُحَارِبٍ فَخَرَجَ فِی أَرْبَعِمِائَةِ رَجُلٍ وَ خَمْسِینَ رَجُلًا وَ مَعَهُمْ أَفْرَاسٌ وَ هَرَبَ مِنْهُ الْأَعْرَابُ فَوْقَ ذُرَی الْجِبَالِ وَ نَزَلَ صلی اللّٰه علیه و آله ذَا أَمَرٍ وَ عَسْكَرَ بِهِ وَ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ كَثِیرٌ فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِحَاجَةٍ فَأَصَابَهُ ذَلِكَ الْمَطَرُ فَبَلَّ ثَوْبَهُ وَ قَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَادِیَ أَمَرٍ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ أَصْحَابِهِ ثُمَّ نَزَعَ ثِیَابَهُ فَنَشَرَهَا لِتَجُفَّ وَ أَلْقَاهَا عَلَی شَجَرَةٍ ثُمَّ اضْطَجَعَ تَحْتَهَا وَ الْأَعْرَابُ یَنْظُرُونَ إِلَی كُلِّ مَا یَفْعَلُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَتِ الْأَعْرَابُ لِدُعْثُورٍ وَ كَانَ سَیِّدَهُمْ وَ أَشْجَعَهُمْ قَدْ أَمْكَنَكَ مُحَمَّدٌ وَ قَدِ انْفَرَدَ مِنْ بَیْنِ أَصْحَابِهِ حَیْثُ إِنْ غَوَّثَ بِأَصْحَابِهِ لَمْ یُغَثْ حَتَّی تَقْتُلَهُ فَاخْتَارَ سَیْفاً مِنْ سُیُوفِهِمْ صَارِماً ثُمَّ أَقْبَلَ مُشْتَمِلًا عَلَی السَّیْفِ حَتَّی قَامَ عَلَی رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِالسَّیْفِ مَشْهُوراً فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ مَنْ یَمْنَعُكَ مِنِّی الْیَوْمَ قَالَ اللَّهُ وَ دَفَعَ جَبْرَئِیلُ فِی صَدْرِهِ فَوَقَعَ السَّیْفُ مِنْ یَدِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَامَ عَلَی رَأْسِهِ فَقَالَ مَنْ یَمْنَعُكَ مِنِّی قَالَ لَا أَحَدَ وَ أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا
ص: 3
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ اللَّهِ لَا أُكْثِرُ عَلَیْكَ جَمْعاً أَبَداً فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سَیْفَهُ ثُمَّ أَدْبَرَ ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ وَ اللَّهِ لَأَنْتَ خَیْرٌ مِنِّی قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَا أَحَقُّ بِذَلِكَ (1) فَأَتَی قَوْمَهُ فَقِیلَ لَهُ أَیْنَ مَا كُنْتَ تَقُولُ وَ قَدْ أَمْكَنَكَ وَ السَّیْفُ فِی یَدِكَ قَالَ قَدْ كَانَ وَ اللَّهِ ذَلِكَ وَ لَكِنِّی نَظَرْتُ إِلَی رَجُلٍ أَبْیَضَ طَوِیلٍ دَفَعَ فِی صَدْرِی فَوَقَعْتُ لِظَهْرِی فَعَرَفْتُ أَنَّهُ مَلَكٌ وَ شَهِدْتُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ اللَّهِ لَا أُكْثِرُ عَلَیْهِ وَ جَعَلَ یَدْعُو قَوْمَهُ إِلَی الْإِسْلَامِ وَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ یا أَیُّهَا الَّذِینَ (2) آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَیْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ یَبْسُطُوا إِلَیْكُمْ أَیْدِیَهُمْ فَكَفَّ أَیْدِیَهُمْ عَنْكُمْ الْآیَةَ. (3) ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ (4) الْقَرَدَةِ (5) مَاءٌ مِنْ مِیَاهِ نَجْدٍ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله زَیْدَ بْنَ حَارِثَةَ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ بَدْرٍ إِلَی الْمَدِینَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ (6) فَأَصَابُوا عِیراً لِقُرَیْشٍ عَلَی الْقَرَدَةِ فِیهَا أَبُو سُفْیَانَ وَ مَعَهُ فِضَّةٌ كَثِیرَةٌ وَ ذَلِكَ لِأَنَّ قُرَیْشاً (7) قَدْ خَافَتْ طَرِیقَهَا الَّتِی كَانَتْ تَسْلُكُ إِلَی الشَّامِ حِینَ كَانَ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَسَلَكُوا طَرِیقَ الْعِرَاقِ وَ اسْتَأْجَرُوا رَجُلًا مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ یُقَالُ لَهُ فُرَاتُ بْنُ حَیَّانَ یَدُلُّهُمْ عَلَی الطَّرِیقِ فَأَصَابَ زَیْدُ بْنُ حَارِثَةَ تِلْكَ الْعِیرَ وَ أَعْجَزَتْهُ الرِّجَالُ هَرَباً.
وَ فِی رِوَایَةِ الْوَاقِدِیِّ أَنَّ ذَلِكَ الْعِیرَ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَیَّةَ (8) وَ أَنَّهُمْ قَدِمُوا
ص: 4
بِالْعِیرِ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَسَرُوا رَجُلًا أَوْ رَجُلَیْنِ وَ كَانَ فُرَاتُ بْنُ حَیَّانَ أَسِیراً فَأَسْلَمَ فَتُرِكَ مِنَ الْقَتْلِ.
ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِی قَیْنُقَاعَ یَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ (1) عَلَی رَأْسِ عِشْرِینَ شَهْراً مِنَ الْهِجْرَةِ وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ جَمَعَهُمْ وَ إِیَّاهُ سُوقَ بَنِی قَیْنُقَاعَ فَقَالَ لِلْیَهُودِ احْذَرُوا مِنَ اللَّهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقُرَیْشٍ مِنْ قَوَارِعِ اللَّهِ فَأَسْلِمُوا فَإِنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ نَعْتِی وَ صِفَتِی فِی كِتَابِكُمْ فَقَالُوا یَا مُحَمَّدُ لَا یَغُرَّنَّكَ أَنَّكَ لَقِیتَ قَوْمَكَ فَأَصَبْتَ مِنْهُمْ فَإِنَّا وَ اللَّهِ لَوْ حَارَبْنَاكَ لَعَلِمْتَ أَنَّا خِلَافُهُمْ فَكَادَتْ تَقَعُ بَیْنَهُمُ الْمُنَاجَزَةُ (2) وَ نَزَلَتْ فِیهِمْ قَدْ كانَ لَكُمْ آیَةٌ فِی فِئَتَیْنِ الْتَقَتا إِلَی قَوْلِهِ لِأُولِی الْأَبْصارِ (3) وَ رُوِیَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَاصَرَهُمْ سِتَّةَ أَیَّامٍ (4) حَتَّی نَزَلُوا عَلَی حُكْمِهِ
ص: 5
فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَوَالِیَّ وَ حُلَفَائِی وَ قَدْ مَنَعُونِی مِنَ الْأَسْوَدِ وَ الْأَحْمَرِ ثَلَاثُمِائَةِ دَارِعٍ وَ أَرْبَعُمِائَةِ حَاسِرٍ (1) تَحْصُدُهُمْ فِی غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ إِنِّی وَ اللَّهِ لَا آمَنُ وَ أَخْشَی الدَّوَائِرَ وَ كَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ دُونَ الْأَوْسِ فَلَمْ یَزَلْ یَطْلُبُ فِیهِمْ حَتَّی وَهَبَهُمْ لَهُ فَلَمَّا رَأَوْا مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الذُّلِّ خَرَجُوا مِنَ الْمَدِینَةِ وَ نَزَلُوا أَذْرِعَاتٍ (2) وَ نَزَلَتْ فِی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیٍّ وَ نَاسٍ مِنْ بَنِی الْخَزْرَجِ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْیَهُودَ وَ النَّصاری أَوْلِیاءَ إِلَی قَوْلِهِ (3) فِی أَنْفُسِهِمْ نادِمِینَ (4).
«2»-فس، تفسیر القمی قُلْ لِلَّذِینَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلی جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ (5) فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ بَدْرٍ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ بَدْرٍ أَتَی بَنِی قَیْنُقَاعَ وَ هُمْ بِنَادِیهِمْ (6) وَ كَانَ بِهَا سُوقٌ یُسَمَّی سُوقَ النَّبَطِ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا مَعْشَرَ الْیَهُودِ قَدْ عَلِمْتُمْ مَا نَزَلَ بِقُرَیْشٍ وَ هُمْ أَكْثَرُ عَدَداً وَ سِلَاحاً وَ كُرَاعاً مِنْكُمْ فَادْخُلُوا فِی الْإِسْلَامِ فَقَالُوا یَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَحْسَبُ حَرْبَنَا مِثْلَ حَرْبِ قَوْمِكَ وَ اللَّهِ لَوْ قَدْ لَقِیتَنَا لَلَقِیتَ رِجَالًا فَنَزَلَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ قُلْ لِلَّذِینَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلی جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ قَدْ كانَ لَكُمْ آیَةٌ فِی فِئَتَیْنِ الْتَقَتا یَعْنِی فِئَةَ الْمُسْلِمِینَ وَ فِئَةَ الْكُفَّارِ إِنَّهَا عِبْرَةٌ لَكُمْ وَ إِنَّهُ تَهْدِیدٌ لِلْیَهُودِ فِئَةٌ تُقاتِلُ فِی سَبِیلِ اللَّهِ
ص: 6
وَ أُخْری كافِرَةٌ یَرَوْنَهُمْ مِثْلَیْهِمْ رَأْیَ الْعَیْنِ أَیْ كَانُوا مِثْلَیِ الْمُسْلِمِینَ وَ اللَّهُ یُؤَیِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ یَشاءُ یَعْنِی رَسُولَ اللَّهِ یَوْمَ بَدْرٍ (1) إِنَّ فِی ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِی الْأَبْصارِ (2).
«3»-أَقُولُ قَالَ فِی الْمُنْتَقَی، فِی وَقَائِعِ السَّنَةِ الثَّانِیَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَ فِی هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ سَرِیَّةُ عُمَیْرِ بْنِ عَدِیِّ بْنِ خَرَشَةَ إِلَی عَصْمَاءَ بِنْتِ مَرْوَانَ الْیَهُودِیِّ لِخَمْسِ لَیَالٍ مَضَیْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ (3) عَلَی رَأْسِ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْراً مِنَ الْهِجْرَةِ وَ كَانَتْ عَصْمَاءُ تُعَیِّبُ الْمُسْلِمِینَ وَ تُؤْذِی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ تَقُولُ الشِّعْرَ فَجَاءَ عُمَیْرٌ حَتَّی دَخَلَ عَلَیْهَا بَیْتَهَا وَ حَوْلَهَا نَفَرٌ مِنْ وُلْدِهَا أَیْتَامٌ مِنْهُمْ مَنْ تُرْضِعُهُ فِی صَدْرِهَا فَنَحَّی الصَّبِیَّ عَنْهَا وَ وَضَعَ سَیْفَهُ فِی صَدْرِهَا حَتَّی أَنْفَذَهُ مِنْ ظَهْرِهَا وَ صَلَّی الصُّبْحَ (4) مَعَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله بِالْمَدِینَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ قَتَلْتَ ابْنَةَ مَرْوَانَ قَالَ نَعَمْ قَالَ لَا یَنْتَطِحُ فِیهَا عَنْزَانِ وَ كَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ أَوَّلَ مَا سُمِعَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ فِی هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِی قَیْنُقَاعَ.
أقول: و ساق القصة نحو ما مر إلا أنه قال حاصرهم خمس عشرة لیلة قال ثم أمر بإجلائهم و غنم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و المسلمون ما كان لهم من مال و كان أول خمس خمّس فی الإسلام بعد بدر (5).
«4»-وَ قَالَ ابْنُ الْأَثِیرِ وَ كَانَ الَّذِی تَوَلَّی إِخْرَاجَهُمْ عِبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ثُمَّ سَارُوا إِلَی أَذْرِعَاتٍ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ فَلَمْ یَلْبَثُوا إِلَّا قَلِیلًا حَتَّی هَلَكُوا وَ كَانَ قَدِ اسْتَخْلَفَ عَلَی الْمَدِینَةِ أَبَا لُبَابَةَ وَ كَانَ لِوَاءُ رَسُولِ اللَّهِ مَعَ حَمْزَةَ (6) ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 7
وَ حَضَرَ الْأَضْحَی فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمُصَلَّی فَصَلَّی بِالْمُسْلِمِینَ وَ هِیَ أَوَّلُ صَلَاةِ عِیدٍ صَلَّاهَا وَ ضَحَّی فِیهِ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِشَاتَیْنِ وَ قِیلَ بِشَاةٍ وَ كَانَ أَوَّلُ أَضْحًی رَآهُ الْمُسْلِمُونَ وَ ضَحَّی مَعَهُ ذَوُو الْیَسَارِ (1) وَ كَانَتِ الْغَزْوَةُ فِی شَوَّالٍ بَعْدَ بَدْرٍ وَ قِیلَ كَانَتْ فِی صَفَرٍ سَنَةِ ثَلَاثٍ جَعَلَهَا بَعْدَ غَزْوَةِ الْكُدْرِ.
قال ابن إسحاق كانت فی شوال سنة اثنتین وَ قَالَ الْوَاقِدِیُّ كَانَتْ فِی مُحَرَّمٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَ كَانَ قَدْ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اجْتِمَاعُ بَنِی سُلَیْمٍ فِی مَاءٍ لَهُمْ (2) یُقَالُ لَهُ الْكُدْرُ بِضَمِّ الْكَافِ وَ سُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَی الْكُدْرِ فَلَمْ یَلْقَ كَیْداً وَ كَانَ لِوَاؤُهُ مَعَ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ اسْتَخْلَفَ عَلَی الْمَدِینَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَ عَادَ وَ مَعَهُ النَّعَمُ وَ الرِّعَاءُ وَ كَانَ قُدُومُهُ فِی قَوْلٍ لِعَشْرِ لَیَالٍ مَضَیْنَ مِنْ شَوَّالٍ وَ بَعْدَ قُدُومِهِ أَرْسَلَ غَالِبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اللَّیْثِیَّ فِی سَرِیَّةٍ إِلَی بَنِی سُلَیْمٍ وَ غَطَفَانَ فَقَتَلُوا فِیهِمْ وَ غَنِمُوا النَّعَمَ وَ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ وَ عَادُوا مُنْتَصَفَ شَوَّالٍ ثُمَّ كَانَ غَزْوَةُ السَّوِیقِ وَ فِی ذِی الْحِجَّةِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِیَةِ مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَدُفِنَ بِالْبَقِیعِ وَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی رَأْسِ قَبْرِهِ حَجَراً عَلَامَةً لِقَبْرِهِ (3).
ص: 8
«5»-وَ قَالَ فِی الْمُنْتَقَی فِی السَّنَةِ الثَّانِیَةِ مَاتَ أُمَیَّةُ بْنُ الصَّلْتِ وَ كَانَ قَدْ قَرَأَ الْكُتُبَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَ رَغِبَ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَ أُخْبِرَ أَنَّ نَبِیّاً یَخْرُجُ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ وَ كَانَ یُؤَمِّلُ أَنْ یَكُونَ ذَلِكَ النَّبِیَّ فَلَمَّا بَلَغَهُ خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ كَفَرَ بِهِ حَسَداً وَ لَمَّا أَنْشَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله شِعْرَهُ قَالَ آمَنَ لِسَانُهُ وَ كَفَرَ قَلْبُهُ (1) وَ ذَكَرَ غَزْوَةَ السَّوِیقِ فِی حَوَادِثِ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَ ذَكَرَ أَنَّ غَیْبَتَهُ صلی اللّٰه علیه و آله فِیهَا كَانَتْ خَمْسَةَ أَیَّامٍ.
«6»-وَ قَالَ فِی الْكَامِلِ فِی الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّ جَمْعاً مِنْ بَنِی سَعْدِ بْنِ تَغْلِبَةَ (2) وَ بَنِی مُحَارِبِ بْنِ حَفْصَةَ (3) تَجَمَّعُوا لِیُصِیبُوا (4) فَسَارَ إِلَیْهِمْ فِی أَرْبَعِمِائَةٍ وَ خَمْسِینَ رَجُلًا فَلَمَّا صَارَ بِذِی الْقَصَّةِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ لَقِیَ رَجُلًا مِنْ تَغْلِبَةَ (5) فَدَعَاهُ إِلَی الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ وَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُشْرِكِینَ أَتَاهُمْ خَبَرُهُ فَهَرَبُوا إِلَی رُءُوسِ الْجِبَالِ فَعَادَ وَ لَمْ یَلْقَ كَیْداً وَ كَانَ مُقَامُهُ اثْنَتَیْ عَشْرَةَ لَیْلَةً وَ فِی تِلْكَ السَّنَةِ فِی جُمَادَی الْأُولَی غَزَا بَنِی سُلَیْمٍ بِنَجْرَانَ (6) وَ سَبَبُ هَذِهِ الْغَزْوَةِ أَنَّ جَمْعاً مِنْ بَنِی سُلَیْمٍ تَجَمَّعُوا بِنَجْرَانَ (7) مِنْ نَاحِیَةِ الْفُرْعِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَسَارَ إِلَیْهِمْ فِی ثَلَاثِمِائَةٍ فَلَمَّا صَارَ إِلَی نَجْرَانَ (8) وَجَدَهُمْ قَدْ تَفَرَّقُوا
ص: 9
فَانْصَرَفَ وَ لَمْ یَلْقَ كَیْداً وَ كَانَتْ غَیْبَتُهُ عَشْرَ لَیَالٍ وَ اسْتَخْلَفَ عَلَی الْمَدِینَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ (1).
«7»-وَ قَالَ ابْنُ الْأَثِیرِ وَ الْكَازِرُونِیُّ دَخَلَ حَدِیثُ بَعْضِهِمْ فِی بَعْضٍ وَ فِی هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مِنْ طَیِ ءٍ (2) وَ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ بَنِی النَّضِیرِ وَ كَانَ قَدْ كَبُرَ عَلَیْهِ قَتْلُ مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ مِنْ قُرَیْشٍ فَسَارَ إِلَی مَكَّةَ وَ حَرَّضَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بَكَی عَلَی قَتْلَی بَدْرٍ وَ كَانَ یُشَبِّبُ (3) بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِینَ حَتَّی آذَاهُمْ فَلَمَّا عَادَ إِلَی الْمَدِینَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ لِی بِابْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَی اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَ تُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأْذَنْ لِی أَنْ أَقُولَ شَیْئاً قَالَ قُلْ فَاجْتَمَعَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَ سَلْكَانُ بْنُ سَلَامَةَ وَ قَیْسٌ (4) وَ هُوَ أَبُو نَائِلَةَ وَ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ (5) وَ كَانَ أَخَا كَعْبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَ أَبُو عَبْسِ بْنُ جُبَیْرٍ (6) ثُمَّ قَدِمُوا إِلَی ابْنِ الْأَشْرَفِ فَجَاءَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَتَحَدَّثَ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ یَا ابْنَ الْأَشْرَفِ (7) إِنِّی قَدْ جِئْتُكَ لِحَاجَةٍ فَاكْتُمْهَا عَلَیَّ قَالَ افْعَلْ قَالَ كَانَ قُدُومُ هَذَا الرَّجُلِ بَلَاءً عَادَتْنَا الْعَرَبُ وَ انْقَطَعَ عَنَّا السَّبِیلُ حَتَّی ضَاعَ عَنَّا الْعِیَالُ وَ جَهَدَتِ الْأَنْفُسُ (8) فَقَالَ كَعْبٌ قَدْ كُنْتُ أَخْبَرْتُكَ بِهَذَا قَالَ أَبُو نَائِلَةَ
ص: 10
وَ أُرِیدُ أَنْ تَبِیعَنَا طَعَاماً وَ نَرْهَنَكَ وَ نُوثِقَ لَكَ أَ تُحْسِنُ فِی ذَلِكَ فَقَالَ نَعَمْ ارْهَنُونِی نِسَاءَكُمْ قَالُوا كَیْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَ أَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ قَالَ فَارْهَنُونِی أَبْنَاءَكُمْ قَالُوا كَیْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَیُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَیُقَالُ رَهْنٌ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَیْنِ هَذَا عَارٌ عَلَیْنَا وَ لَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ یَعْنِی السِّلَاحَ وَ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ لَا یُنْكِرَ السِّلَاحَ إِذَا أَتَوْهُ بِهِ فَوَاعَدَهُ أَنْ یَأْتِیَهُ فَأَتَی أَصْحَابَهُ وَ أَخْبَرَهُمْ فَأَخَذَ السِّلَاحَ وَ سَارُوا إِلَیْهِ وَ تَبِعَهُمُ (1) النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی بَقِیعِ الْغَرْقَدِ وَ دَعَا لَهُمْ فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَی الْحِصْنِ هَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ وَ كَانَ كَعْبٌ قَرِیبَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَوَثَبَ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أَیْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ أَسْمَعُ صَوْتاً كَأَنَّهُ یَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ قَالَ إِنَّمَا هُوَ أَخِی مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَ رَضِیعِی أَبُو نَائِلَةَ إِنَّ الْكَرِیمَ إِذَا دُعِیَ إِلَی طَعْنَةٍ بِلَیْلٍ لَأَجَابَ فَنَزَلَ إِلَیْهِمْ وَ تَحَدَّثَ مَعَهُمْ سَاعَةً وَ سَارُوا مَعَهُ إِلَی شِعْبِ الْعَجُوزِ ثُمَّ إِنَّ أَبَا نَائِلَةَ قَالَ مَا رَأَیْتُ كَالْیَوْمِ رِیحاً أَطْیَبَ أَ تَأْذَنُ لِی أَنْ أَشَمَّ رَأْسَكَ قَالَ فَشَمَّهُ حَتَّی فَعَلَ ذَلِكَ مِرَاراً فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ أَخَذَ بِرَأْسِهِ وَ قَالَ اضْرِبُوا عَدُوَّ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ عَلَیْهِ أَسْیَافُهُمْ فَلَمْ یُغْنِ شَیْئاً قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَدْ كُنْتُ مَشْغُولًا فَأَخَذْتُهُ وَ قَدْ صَاحَ (2) عَدُوُّ اللَّهِ صَیْحَةً لَمْ یَبْقَ حَوْلَنَا حِصْنٌ إِلَّا أُوقِدَتْ عَلَیْهِ نَارٌ فَتَحَامَلْتُ عَلَیْهِ وَ قَتَلْتُهُ وَ قَدْ أَصَابَ (3) الْحَارِثَ بْنَ أَوْسٍ بَعْضُ أَسْیَافِنَا فَاحْتَمَلْنَاهُ وَ جِئْنَا بِهِ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوِّ اللَّهِ فَتَفَلَ عَلَی جُرْحِ صَاحِبِنَا وَ عُدْنَا إِلَی أَهْلِنَا فَأَصْبَحْنَا وَ قَدْ خَافَتِ الْیَهُودُ فَلَیْسَ بِهَا یَهُودِیٌّ إِلَّا وَ هُوَ یَخَافُ عَلَی نَفْسِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ ظَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ یَهُودَ فَاقْتُلُوهُ فَوَثَبَ مُحَیِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ عَلَی ابْنِ سُنَیْنَةَ الْیَهُودِیِ
ص: 11
وَ هُوَ مِنْ تُجَّارِ الْیَهُودِ فَقَتَلَهُ (1) فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ خویصة حُوَیَّصَةُ وَ هُوَ مُشْرِكٌ یَا عَدُوَّ اللَّهِ قَتَلْتَهُ أَمَا وَ اللَّهِ لَرُبَّ شَحْمٍ فِی بَطْنِكَ مِنْ مَالِهِ (2) فَقَالَ مُحَیِّصَةُ لَوْ أَمَرَنِی بِقَتْلِكَ مَنْ أَمَرَنِی بِقَتْلِهِ لَقَتَلْتُكَ قَالَ فَوَ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَأَوَّلِ إِسْلَامِ خویصة حُوَیَّصَةُ ثُمَّ أَسْلَمَ عَبَسُ بْنُ جُبَیْرٍ (3) وَ كَانَ قَتْلُ كَعْبٍ لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ لَیْلَةً مَضَتْ مِنْ رَبِیعٍ الْأَوَّلِ وَ فِی هَذَا الشَّهْرِ تَزَوَّجَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بَنَی بِهَا فِی جُمَادَی الْآخِرَةِ (4).
«8»-وَ قَالَ الْكَازِرُونِیُّ وَ فِی هَذِهِ السَّنَةِ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ فِی شَعْبَانَ وَ كَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ خُنَیْسِ بْنِ حُذَاقَةَ السَّهْمِیِّ فِی الْجَاهِلِیَّةِ فَتُوُفِّیَ عَنْهَا وَ فِیهَا تَزَوَّجَ صلی اللّٰه علیه و آله زَیْنَبَ بِنْتَ خُزَیْمَةَ وَ كَانَتْ تُسَمَّی فِی الْجَاهِلِیَّةِ أُمَّ الْمَسَاكِینِ وَ كَانَتْ عِنْدَ الطُّفَیْلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فَطَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَهَا أَخُوهُ عُبَیْدَةُ فَقُتِلَ عَنْهَا یَوْمَ بَدْرٍ شَهِیداً فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَ أَصْدَقَهَا اثْنَتَیْ عَشْرَةَ أُوقِیَّةً وَ نَشّاً فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ ثَمَانِیَةَ أَشْهُرٍ وَ تُوُفِّیَتْ وَ فِی هَذِهِ السَّنَةِ وُلِدَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ فِی النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ (5).
«9»-قَالَ ابْنُ الْأَثِیرِ وَ فِیهَا كَانَتْ غَزْوَةُ الْقَرَدَةِ (6) وَ فِیهَا فِی جُمَادَی الْآخِرَةِ قُتِلَ أَبُو رَافِعٍ سَلَّامُ بْنُ أَبِی الْحُقَیْقِ الْیَهُودِیُّ وَ كَانَ یُظَاهِرُ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الْأَشْرَفِ فَكَانَ قَتْلُهُ مِنَ الْأَوْسِ قَالَتِ الْخَزْرَجُ وَ اللَّهِ
ص: 12
لَا یَذْهَبُونَ بِهَا عَلَیْنَا (1) عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَتَذَاكَرَ الْخَزْرَجُ مَنْ یُعَادِی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَابْنِ الْأَشْرَفِ فَذَكَرُوا ابْنَ أَبِی الْحُقَیْقِ وَ هُوَ بِخَیْبَرَ فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی قَتْلِهِ فَأَذِنَ لَهُمْ فَخَرَجَ إِلَیْهِ مِنَ الْخَزْرَجِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِیكٍ وَ مَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَیْسٍ وَ أَبُو قَتَادَةَ وَ خُزَاعِیُّ بْنُ الْأَسْوَدِ حَلِیفٌ لَهُمْ وَ أَمَرَ عَلَیْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِیكٍ فَخَرَجُوا حَتَّی قَدِمُوا خَیْبَرَ فَأَتَوْا دَارَ أَبِی رَافِعٍ لَیْلًا فَلَمْ یَدَعُوا بَاباً فِی الدَّارِ إِلَّا أَغْلَقُوهُ عَلَی أَهْلِهِ وَ كَانَ فِی عِلِّیَّةٍ (2) فَاسْتَأْذَنُوا عَلَیْهِ فَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ مَنْ أَنْتُمْ قَالُوا مِنَ الْعَرَبِ نَلْتَمِسُ الْمِیرَةَ قَالَ (3) قَالَتْ ذَاكَ صَاحِبُكُمْ فَادْخُلُوا عَلَیْهِ فَلَمَّا دَخَلُوا أَغْلَقُوا بَابَ الْعِلِّیَّةِ وَ بَدَرُوهُ عَلَی فِرَاشِهِ فَصَاحَتِ الْمَرْأَةُ فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ یُرِیدُ قَتْلَهَا فَیَذْكُرُ نَهْیَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله إِیَّاهُمْ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَ الصِّبْیَانِ فَیَكُفُّ عَنْهَا فَضَرَبُوهُ بِأَسْیَافِهِمْ وَ تَحَامَلَ عَلَیْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَیْسٍ بِسَیْفِهِ فِی بَطْنِهِ حَتَّی أَنْفَذَهُ ثُمَّ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ وَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِیكٍ سَیِّئَ الْبَصَرِ فَوَقَعَ مِنَ الدَّرَجَةِ فَوَثَبَتْ رِجْلُهُ وَثْباً شَدِیداً (4) وَ احْتَمَلُوهُ وَ رَجَعُوا (5) وَ طَلَبَتْهُمُ الْیَهُودُ فِی كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ یَرَوْهُمْ فَرَجَعُوا إِلَی صَاحِبِهِمْ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ كَیْفَ نَعْلَمُ أَنَّ عَدُوَّ اللَّهِ قَدْ مَاتَ فَعَادَ بَعْضُهُمْ وَ دَخَلَ فِی النَّاسِ فَرَآهُ وَ النَّاسُ حَوْلَهُ وَ هُوَ یَقُولُ قَدْ عَرَفْتُ صَوْتَ ابْنِ عَتِیكٍ ثُمَّ صَاحَتِ امْرَأَتُهُ وَ قَالَتْ مَاتَ وَ اللَّهِ قَالَ فَمَا سَمِعْتُ كَلِمَةً أَلَذَّ إِلَی نَفْسِی مِنْهَا ثُمَّ عَادَ إِلَی أَصْحَابِهِ وَ أَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ وَ سَمِعَ صَوْتَ النَّاعِی یَقُولُ أَنْعَی أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَ سَارُوا حَتَّی قَدِمُوا عَلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ اخْتَلَفُوا فِی قَتْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله هَاتُوا أَسْیَافَكُمْ فَجَاءُوا بِهَا فَنَظَرَ فِیهَا فَقَالَ لَسَیْفُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَیْسٍ هَذَا قَتَلَهُ أَرَی (6) أَثَرَ الطَّعَامِ (7).
ص: 13
الآیات؛
آل عمران: «وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِینَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَ اللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ* إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَ اللَّهُ وَلِیُّهُما وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ* وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِینَ أَ لَنْ یَكْفِیَكُمْ أَنْ یُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِینَ* بَلی إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا وَ یَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا یُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِینَ* وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْری لَكُمْ وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِیزِ الْحَكِیمِ* لِیَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِینَ كَفَرُوا أَوْ یَكْبِتَهُمْ فَیَنْقَلِبُوا خائِبِینَ* لَیْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَیْ ءٌ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ أَوْ یُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ»(121-128)
(و قال تعالی): «وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ* إِنْ یَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْكَ الْأَیَّامُ نُداوِلُها بَیْنَ النَّاسِ وَ لِیَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ یَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَ اللَّهُ لا یُحِبُّ الظَّالِمِینَ* وَ لِیُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ یَمْحَقَ الْكافِرِینَ* أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا یَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِینَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ یَعْلَمَ الصَّابِرِینَ* وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَیْتُمُوهُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ* وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ یَنْقَلِبْ عَلی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللَّهَ شَیْئاً وَ سَیَجْزِی اللَّهُ الشَّاكِرِینَ* وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا وَ مَنْ یُرِدْ ثَوابَ الدُّنْیا نُؤْتِهِ مِنْها وَ مَنْ یُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَ سَنَجْزِی الشَّاكِرِینَ* وَ كَأَیِّنْ مِنْ نَبِیٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّیُّونَ كَثِیرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا وَ اللَّهُ یُحِبُّ الصَّابِرِینَ»(139-146)
ص: 14
(إلی قوله تعالی): «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ تُطِیعُوا الَّذِینَ كَفَرُوا یَرُدُّوكُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِینَ* بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَ هُوَ خَیْرُ النَّاصِرِینَ* سَنُلْقِی فِی قُلُوبِ الَّذِینَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ یُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ مَأْواهُمُ النَّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَی الظَّالِمِینَ* وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّی إِذا فَشِلْتُمْ وَ تَنازَعْتُمْ فِی الْأَمْرِ وَ عَصَیْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ یُرِیدُ الدُّنْیا وَ مِنْكُمْ مَنْ یُرِیدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِیَبْتَلِیَكُمْ وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ* إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلی أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ یَدْعُوكُمْ فِی أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَیْلا تَحْزَنُوا عَلی ما فاتَكُمْ وَ لا ما أَصابَكُمْ وَ اللَّهُ خَبِیرٌ بِما تَعْمَلُونَ* ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَیْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً یَغْشی طائِفَةً مِنْكُمْ وَ طائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ یَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَیْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِیَّةِ یَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَیْ ءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ یُخْفُونَ فِی أَنْفُسِهِمْ ما لا یُبْدُونَ لَكَ یَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَیْ ءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِی بُیُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِینَ كُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلی مَضاجِعِهِمْ وَ لِیَبْتَلِیَ اللَّهُ ما فِی صُدُورِكُمْ وَ لِیُمَحِّصَ ما فِی قُلُوبِكُمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ* إِنَّ الَّذِینَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّیْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِیمٌ* یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِینَ كَفَرُوا وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِی الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّی لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا لِیَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِی قُلُوبِهِمْ وَ اللَّهُ یُحْیِی وَ یُمِیتُ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ* وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَحْمَةٌ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ* وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَی اللَّهِ تُحْشَرُونَ* فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِی الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَی اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِینَ* إِنْ یَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَ إِنْ یَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِی یَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ* وَ ما كانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَغُلَّ وَ مَنْ یَغْلُلْ یَأْتِ بِما غَلَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ ثُمَّ تُوَفَّی كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ»(149-161)
ص: 15
(إلی قوله تعالی): «أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِیبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَیْها قُلْتُمْ أَنَّی هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ* وَ ما أَصابَكُمْ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَ لِیَعْلَمَ الْمُؤْمِنِینَ* وَ لِیَعْلَمَ الَّذِینَ نافَقُوا وَ قِیلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ یَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِیمانِ یَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما یَكْتُمُونَ* الَّذِینَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَ قَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِینَ* وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْیاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ* فَرِحِینَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ یَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِینَ لَمْ یَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ* یَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللَّهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِینَ *الَّذِینَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِینَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِیمٌ* الَّذِینَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِیماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ یَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِیمٍ* إِنَّما ذلِكُمُ الشَّیْطانُ یُخَوِّفُ أَوْلِیاءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ* وَ لا یَحْزُنْكَ الَّذِینَ یُسارِعُونَ فِی الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ یَضُرُّوا اللَّهَ شَیْئاً یُرِیدُ اللَّهُ أَلَّا یَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِی الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ»(165-176)
النساء: «فَما لَكُمْ فِی الْمُنافِقِینَ فِئَتَیْنِ وَ اللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَ تُرِیدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِیلًا»(88)
(و قال تعالی): «وَ لا تَهِنُوا فِی ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ یَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا یَرْجُونَ وَ كانَ اللَّهُ عَلِیماً حَكِیماً»(104)
الأنفال: «إِنَّ الَّذِینَ كَفَرُوا یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِیَصُدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ فَسَیُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَیْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ یُغْلَبُونَ»(36)
تفسیر: قال الطبرسی رحمه اللّٰه فی قوله تعالی: وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ أی اذكر یا محمد إذ خرجت من المدینة غدوة تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِینَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ أی تهیّئ
ص: 16
للمؤمنین مواطن القتال أو تجلسهم و تقعدهم فی مواضع القتال لیقفوا فیها و لا یفارقوها و اختلف فی أیّ یوم كان ذلك فقیل یوم أحد عن ابن عباس و أكثر المفسرین (1) و هو المروی عن أبی جعفر علیه السلام و قیل كان یوم الأحزاب عن مقاتل و قیل یوم بدر عن الحسن وَ اللَّهُ سَمِیعٌ لما یقوله النبیّ صلی اللّٰه علیه و آله عَلِیمٌ بما یضمرونه إِذْ هَمَّتْ أی عزمت طائِفَتانِ مِنْكُمْ أی من المسلمین أَنْ تَفْشَلا أی تجبنا و هما بنو سلمة و بنو حارثة حیّان من الأنصار عن ابن عباس و أكثر المفسّرین (2) و عن أبی جعفر و أبی عبد اللّٰه علیه السلام و قال الجبائیّ نزلت فی طائفة من المهاجرین و طائفة من الأنصار و كان سبب همّهم بالفشل أن عبد اللّٰه بن أبی سلول دعاهما إلی الرجوع إلی المدینة عن لقاء المشركین یوم أحد فهما به و لم یفعلاه وَ اللَّهُ وَلِیُّهُما أی ناصرهما و یروی (3) عن جابر بن عبد اللّٰه أنه قال فینا نزلت و ما أحبّ أنها لم تكن لقوله وَ اللَّهُ وَلِیُّهُما و قال بعض المحقّقین هذا همّ خطرة لا همّ عزیمة لأن اللّٰه سبحانه مدحهما و أخبر أنه ولیهما و لو كان همّ عزیمة لكان ذمّهم أولی. (4) أقول ثم روی الطبرسیّ قصّة غزوة أحد عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام مثل ما سیأتی فی روایة علی بن إبراهیم ثم قال و روی أبو إسحاق (5) و السدّیّ و الواقدیّ و ابن جریح (6) و غیرهم قالوا كان المشركون نزلوا بأحد یوم الأربعاء فی شوال سنة
ص: 17
ثلاث من الهجرة و خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلیهم یوم الجمعة و كان القتال یوم السبت للنصف من الشهر و كسرت رباعیّته صلی اللّٰه علیه و آله و شجّ وجهه (1) ثم رجع المهاجرون و الأنصار بعد الهزیمة و قد قتل من المسلمین سبعون و شدّ رسول اللّٰه بمن معه حتی كشفهم و كان الكفار مثّلوا بجماعة و كان حمزة أعظم مثلة و ضربت ید طلحة فشلّت. (2) و قال فی قوله أَ لَنْ یَكْفِیَكُمْ أَنْ یُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ هو إخبار بأن النبیّ صلی اللّٰه علیه و آله قال لقومه أ لن یكفیكم یوم بدر أن جعل ربكم ثلاثة آلاف من الملائكة مددا لكم و قیل إن الوعد بالإمداد بالملائكة كان یوم أحد وعدهم اللّٰه المدد إن صبروا مُنْزَلِینَ أی من السماء بَلی تصدیق بالوعد أی یفعل كما وعدكم و یزیدكم إِنْ تَصْبِرُوا أی علی الجهاد و علی ما أمركم اللّٰه وَ تَتَّقُوا معاصی اللّٰه و مخالفة رسوله وَ یَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا أی رجع المشركون إلیكم من جهتهم (3) هذا و قیل من غضبهم هذا و كانوا قد غضبوا یوم أحد لیوم بدر مما لقوا فهو من فور الغضب أی غلیانه یُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ أی یعطكم مددا لكم و نصرة و إنما قال ذلك لأن الكفار فی غزاة أحد ندموا بعد انصرافهم لم لم یعبروا علی المدینة (4) و همّوا بالرجوع فأوحی اللّٰه إلی نبیه أن یأمر أصحابه بالتهیّؤ للرجوع إلیهم و قال لهم إِنْ یَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ثم قال إن صبرتم علی الجهاد و راجعتم الكفار أمدكم اللّٰه بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمین فأخذوا فی الجهاد و خرجوا یتبعون الكفار علی ما بهم من الجراح و أخبر المشركون من رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أنه یتبعكم (5) فخاف المشركون
ص: 18
إن رجعوا أن تكون الغلبة للمسلمین و أن یكون قد التأم إلیهم من كان تأخّر عنهم و انضمّ إلیهم غیرهم فدسّوا نعیم بن مسعود الأشجعیّ حتی یصدّهم بتعظیم أمر قریش و أسرعوا فی الذهاب إلی مكة و كفی اللّٰه المسلمین أمرهم و لذلك قال قوم من المفسرین إن جمیعهم ثمانیة آلاف و قال الحسن إن جمیعهم خمسة آلاف منهم ثلاثة آلاف المنزلین علی أن الظاهر یقتضی أن الإمداد بثلاثة آلاف كان یوم بدر (1) ثم استأنف حكم یوم أحد فقال بَلی إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا وَ یَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا أی إن رجعوا إلیكم بعد انصرافكم أمدكم رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِینَ و هذا قول البلخی رواه عن عكرمة (2) قال لم یمدوا یوم أحد و لا بملك واحد و علی هذا فلا تنافی بین الآیتین مُسَوِّمِینَ أی معلمین أو مرسلین وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْری لَكُمْ أی ما جعل اللّٰه الإمداد و الوعد به إلا بشارة لكم وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ فلا تخافوا كثرة عدد العدو وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ معناه أن الحاجة إلی اللّٰه سبحانه لازمة فی المعونة و إن أمدكم بالملائكة فلا استغناء لكم عن معونته طرفة عین. (3) و قال البیضاوی و هو تنبیه علی أنه لا حاجة فی نصرهم إلی مدد و إنما أمدهم و وعد لهم (4) بشارة لهم و ربطا علی قلوبهم من حیث إن نظر العامة إلی الأسباب أكثر و أحث علی أن لا یبالوا بمن تأخر عنهم. (5) لِیَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِینَ كَفَرُوا قال الطبرسی اختلف فی وجه اتصاله بما قبله فقیل یتصل بقوله وَ ما
ص: 19
النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أی أعطاكم اللّٰه هذا النصر لیقطع طائفة من الذین كفروا بالقتل و الأسر و قیل هو متصل بقوله وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ و قیل معناه ذلك التدبیر لِیَقْطَعَ طَرَفاً أی قطعه منهم و المعنی لیهلك طائفة منهم و قیل لیهدم ركنا من أركان الشرك بالأسر و القتل فأما الیوم الذی وقع فیه ذلك فیوم بدر (1) و قیل هو یوم أحد قتل فیه ثمانیة عشر رجلا أَوْ یَكْبِتَهُمْ أی یخزیهم بالخیبة مما أملوا من الظفر بكم و قیل یردهم عنكم منهزمین و قیل یصرعهم علی وجوههم و قیل یظفركم علیهم و قیل یلعنهم و قیل یهلكهم فَیَنْقَلِبُوا خائِبِینَ لم ینالوا مما أملوا شیئا لَیْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَیْ ءٌ قیل هو متصل بقوله وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أی لیس لك و لا لغیرك من هذا النصر شی ء و قیل إنه اعتراض بین الكلامین و قوله أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ متصل بقوله لِیَقْطَعَ طَرَفاً فالتقدیر لیقطع طرفا منهم أو یكبتهم أو یتوب علیهم أو یعذبهم فإنهم قد استحقوا العقاب و لیس لك من هذه الأربعة شی ء و ذلك إلی اللّٰه تعالی.
و اختلف فی سبب نزوله فروی عن أنس بن مالك و ابن عباس و الحسن و قتادة و الربیع أنه لما كان من المشركین یوم أحد من كسر رباعیّة الرسول صلی اللّٰه علیه و آله و شجّه حتی جرت الدماء علی وجهه فقال كیف تفلح قوم نالوا هذا من نبیّهم و هو مع ذلك حریص علی دعائهم إلی ربّهم فأعلمه اللّٰه سبحانه أنه لیس إلیه فلاحهم و أنه لیس إلیه إلا أن یبلغ الرسالة و یجاهد حتی یظهر الدین و إنما ذلك إلی اللّٰه و كان الذی كسر رباعیّته و شجّه فی وجهه عتبة بن أبی وقاص فدعا علیه بأن لا یحول علیه الحول حتی یموت كافرا فمات كافرا قبل حول الحول (2) و أدمی وجهه رجل من هذیل یقال له عبد اللّٰه بن قمیئة فدعا علیه فكان حتفه أن سلط اللّٰه علیه تیسا فنطحه حتی قتله
وَ رُوِیَ أَنَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله كَانَ یَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَ
ص: 20
یَقُولُ اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِی فَإِنَّهُمْ لَا یَعْلَمُونَ.
فعلی هذا یمكن أن یكون صلی اللّٰه علیه و آله علی وجل من عنادهم و إصرارهم علی الكفر فأخبر سبحانه أنه لیس إلیه إلا ما أمر به من تبلیغ الرسالة و دعائهم إلی الهدی و ذلك مثل قوله تعالی لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا یَكُونُوا مُؤْمِنِینَ (1) و قیل إنه صلی اللّٰه علیه و آله استأذن ربه تعالی فی یوم أحد فی الدعاء علیهم فنزلت الآیة فلم یدع علیهم بعذاب الاستیصال و إنما لم یؤذن له فیه لما كان المعلوم من توبة بعضهم و قیل أراد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أن یدعو علی المنهزمین عنه من أصحابه یوم أحد فنهاه اللّٰه عن ذلك و تاب علیهم أی (2) لیس لك أن تلعنهم و تدعو علیهم و قیل
لَمَّا رَأَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (3) مَا فُعِلَ بِأَصْحَابِهِ وَ بِعَمِّهِ حَمْزَةَ مِنَ الْمُثْلَةِ مِنْ جَدْعِ الْأُنُوفِ وَ الْأُذُنِ وَ قَطْعِ الْمَذَاكِیرِ قَالَ (4) لَئِنْ أَدَالَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ لَنَفْعَلَنَّ بِهِمْ مِثْلَ مَا فَعَلُوا وَ لَنُمَثِّلَنَّ بِهِمْ مُثْلَةً لَمْ یُمَثِّلْهُمْ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ بِأَحَدٍ قَطُّ.
فنزلت الآیة و قیل نزلت فی أهل بئر معونة و هم سبعون رجلا من قرّاء أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أمیرهم المنذر بن عمرو بعثهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی بئر معونة فی صفر سنة أربع من الهجرة علی رأس أربعة أشهر من أحد لیعلّموا الناس القرآن و العلم فقتلهم جمیعا عامر بن الطفیل و كان فیهم عامر بن فهیرة مولی أبی بكر فوجد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من ذلك وجدا شدیدا و قنت علیهم شهرا فنزلت و الأصحّ أنها نزلت فی أحد و إنما قال لَیْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَیْ ءٌ مع أن له صلی اللّٰه علیه و آله أن یدعوهم إلی اللّٰه و یؤدی إلیهم ما أمره بتبلیغه لأن معناه لیس لك شی ء من أمر عقابهم أو استیصالهم أو الدعاء علیهم أو لعنهم حتی یقع (5) إنابتهم أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ أی یلطف لهم بما یقع معه توبتهم أو یقبل توبتهم إذا تابوا
ص: 21
أَوْ یُعَذِّبَهُمْ إن لم یتوبوا فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ أی یستحقون العذاب بظلمهم. (1) و قال رحمه اللّٰه فی قوله تعالی وَ لا تَهِنُوا قیل نزلت الآیة تسلیة للمسلمین لما نالهم یوم أحد من القتل و الجراح عن الزهری و قتادة و ابن نجیح (2) و
قِیلَ لَمَّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ فِی الشِّعْبِ وَ أَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ بِخَیْلِ الْمُشْرِكِینَ یُرِیدُ أَنْ یَعْلُوَ عَلَیْهِمُ الْجَبَلَ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله لَا یَعْلُنَّ عَلَیْنَا (3) اللَّهُمَّ لَا قُوَّةَ لَنَا إِلَّا بِكَ اللَّهُمَّ لَا یَعْبُدُكَ بِهَذِهِ البَلْدَةِ إِلَّا هَؤُلَاءِ النَّفَرُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآیَةَ وَ ثَابَ نَفَرٌ رُمَاةٌ وَ صَعِدُوا الْجَبَلَ وَ رَمَوْا خَیْلَ الْمُشْرِكِینَ حَتَّی هَزَمُوهُمْ وَ عَلَا الْمُسْلِمُونَ الْجَبَلَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
و قیل نزلت الآیة بعد یوم أحد حین أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أصحابه بطلب القوم و قد أصابهم من الجراح ما أصابهم و قال صلی اللّٰه علیه و آله لا یخرج إلا من شهد معنا بالأمس فاشتد ذلك علی المسلمین فأنزل اللّٰه تعالی هذه الآیة عن الكلبی و دلیله قوله تعالی وَ لا تَهِنُوا فِی ابْتِغاءِ الْقَوْمِ الآیة.
وَ لا تَهِنُوا أی لا تضعفوا عن قتال عدوكم وَ لا تَحْزَنُوا بما یصیبكم فی أموالكم و أبدانكم و قیل لا تضعفوا بما نالكم من الجراح و لا تحزنوا علی ما نالكم من المصائب بقتل الإخوان أو لا تهنوا لما نالكم من الهزیمة و لا تحزنوا علی ما فاتكم من الغنیمة وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ أی الظافرون المنصورون (4) أو الأعلون فی المكان إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ معناه أن من كان مؤمنا یجب أن لا یهن و لا یحزن لثقته باللّٰه أو إن كنتم مصدقین بوعدی لكم بالنصرة و الظفر علی عدوكم إِنْ یَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ أی جراح فقد أصاب القوم جراح مثله عن ابن عباس و قیل إن یصبكم ألم و جراحة یوم أحد فقد أصاب القوم ذلك یوم بدر.
ص: 22
و قال أنس بن مالك أتی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بعلی علیه السلام یومئذ و علیه (1) نیّف و ستون جراحة من طعنة و ضربة و رمیة فجعل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یمسحها و هی تلتئم بإذن اللّٰه تعالی كأن لم تكن.
وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ یَوْمُ أُحُدٍ صَعِدَ أَبُو سُفْیَانَ الْجَبَلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَیْسَ لَهُمْ أَنْ یَعْلُونَا فَمَكَثَ أَبُو سُفْیَانَ سَاعَةً وَ قَالَ یَوماً بِیَوْمٍ إِنَّ (2) الْأَیَّامَ دُوَلٌ وَ إِنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ (3) فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله أَجِیبُوهُ فَقَالُوا لَا سَوَاءٌ قَتْلَانَا فِی الْجَنَّةِ وَ قَتْلَاكُمْ فِی النَّارِ فَقَالَ
لَنَا عُزَّی وَ لَا عُزَّی لَكُمْ
فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله:
اللَّهُ مَوْلَانَا وَ لَا مَوْلَی لَكُمْ
فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ اعْلُ هُبَلُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اللَّهُ أَعْلَی وَ أَجَلُّ.
وَ تِلْكَ الْأَیَّامُ نُداوِلُها بَیْنَ النَّاسِ أی نصرفها مرّة لفرقة و مرّة علیها و إنما یصرّف اللّٰه سبحانه الأیام بین المسلمین و الكفار بتخفیف المحنة علی المسلمین أحیانا و تشدیدها أحیانا لا بنصرة الكفار علیهم لأن النصرة تدل علی المحبة و اللّٰه لا یُحِبُّ الْكافِرِینَ و إنما جعل اللّٰه الدنیا منقلبة (4) لكیلا یطمئن المسلم إلیها و لتقلّ رغبته فیها (5) إذ تفنی لذاتها و یظعن مقیمها و یسعی للآخرة التی یدوم نعیمها و إنما جعل الدولة مرّة للمؤمنین و مرّة علیهم لیدخل الناس فی الإیمان علی الوجه الذی یجب الدخول فیه لذلك (6) و هو قیام الحجة فإنه
ص: 23
لو كانت الدولة دائما للمؤمنین لكان الناس یدخلون فی الإیمان علی سبیل الیمن و الفأل علی أن كل موضع حضره النبی صلی اللّٰه علیه و آله لم یخل من ظفر إما فی ابتداء الأمر و إما فی انتهائه و إنما لم یستمر ذلك لما بیناه.
وَ لِیَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا تقدیره و تلك الأیام نداولها لوجوه من المصالح و لیعلم الذین آمنوا متمیزین بالإیمان عن غیرهم و علی هذا یكون (1) یعلم بمعنی یعرف لأنه لیس المعنی أنه یعرف الذوات بل المعنی أنه یعلم تمیزها بالإیمان و یجوز أن یكون المعنی لیعلم اللّٰه الذین آمنوا بما یظهر من صبرهم علی جهاد عدوهم أی یعاملهم معاملة من یعرفهم بهذه الحال و قیل معناه و لیعلم أولیاء اللّٰه الذین آمنوا و إنما أضاف إلی نفسه تفخیما وَ یَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ أی لیكرم منكم (2) بالشهادة من قتل یوم أحد أو یتخذ منكم شهداء علی الناس بما یكون منهم من العصیان لما لكم فی ذلك من جلالة القدر وَ لِیُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا أی و لیبتلی اللّٰه الذین آمنوا أو لینجیهم من الذنوب بالابتلاء وَ یَمْحَقَ الْكافِرِینَ أی ینقصهم أو یهلكهم.
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ المراد به الإنكار أی أ ظننتم أیها المؤمنون أنكم تدخلون الجنة وَ لَمَّا یَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِینَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ یَعْلَمَ الصَّابِرِینَ أی و لما یجاهد المجاهدین منكم فیعلم اللّٰه جهادهم و یصبر الصابرون فیعلم صبرهم علی القتال وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ و ذلك أن قوما ممن فاتهم شهود بدر كانوا یتمنون الموت بالشهادة بعد بدر قبل أحد فلما رأوه یوم أحد أعرض كثیر منهم عنه فانهزموا فعاتبهم اللّٰه علی ذلك مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَیْتُمُوهُ الضمیران راجعان إلی الموت و المراد أسبابه كالحرب و قیل راجعان إلی الجهاد وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ تأكید للرؤیة أو النظر بمعنی التفكر و قیل معناه و أنتم تنظرون إلی محمد صلی اللّٰه علیه و آله و فیه حذف أی فلم انهزمتم.
وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ- قال أهل التفسیر سبب نزول هذه الآیة أنه
ص: 24
لما أرجف بأن النبی صلی اللّٰه علیه و آله قتل یوم أحد و أشیع ذلك قال الناس لو كان نبیا لما قتل و قال آخرون نقاتل علی ما قاتل علیه حتی نلحق به و ارتد بعضهم و انهزم بعضهم و كان سبب انهزامهم و تضعضعهم إخلال الرماة لمكانهم من الشعب و كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله نهاهم عن الإخلال به و أمر عبد اللّٰه بن جبیر و هو أخو خوات بن جبیر علی الرماة و هم خمسون رجلا و قال لا تبرحوا مكانكم فإنا لن نزال غالبین ما ثبتم بمكانكم و جاءت قریش علی میمنتهم خالد بن الولید و علی میسرتهم عكرمة بن أبی جهل و معهم النساء یضربن بالدفوف و ینشدون الأشعار فقالت هند:
نحن بنات طارق***نمشی علی النمارق
إن تقبلوا نعانق***أو تدبروا نفارق
فراق غیر وامق.
و كان أبو عامر عبد عمرو بن الصیفی أول من لقیهم بالأحابیش و عبید أهل مكة فقاتلهم قتالا شدیدا و حمیت الحرب. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ یَأْخُذُ بِهَذَا السَّیْفِ (1) بِحَقِّهِ وَ یَضْرِبُ بِهِ الْعَبِیدَ (2) حَتَّی یَنْحَنِیَ فَأَخَذَهُ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ الْأَنْصَارِیُّ فَلَمَّا أَخَذَ السَّیْفَ اعْتَمَّ بِعِمَامَةٍ حَمْرَاءَ وَ جَعَلَ یَفْتَخِرُ (3) وَ یَقُولُ
أَنَا الَّذِی عَاهَدَنِی خَلِیلِی (4)*** أَنْ لَا أُقِیمَ الدَّهْرَ فِی الْكُبُولِ (5)
أَضْرِبُ بِسَیْفِ اللَّهِ وَ الرَّسُولِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّهَا لَمِشْیَةٌ یُبْغِضُهَا اللَّهُ تَعَالَی (6) إِلَّا فِی هَذَا الْمَوْضِعِ
ص: 25
ثُمَّ حَمَلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَصْحَابُهُ عَلَی الْمُشْرِكِینَ فَهَزَمُوهُمْ وَ قَتَلَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَصْحَابَ اللِّوَاءِ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ نُصْرَتَهُ عَلَی الْمُسْلِمِینَ قال الزبیر فرأیت هندا و صواحبها هاربات مصعدات فی الجبال نادیة خدامهن ما دون أخذهن شی ء فلما نظرت الرماة إلی القوم قد انكشفوا و رأوا النبی صلی اللّٰه علیه و آله و أصحابه ینتهبون الغنیمة أقبلوا یریدون النهب و اختلفوا فقال بعضهم لا نترك أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله (1) و قال بعضهم ما بقی من الأمر شی ء ثم انطلقوا عامتهم و ألحقوا (2) بالعسكر فلما رأی خالد بن الولید قلة الرماة و اشتغال المسلمین بالغنیمة و رأی ظهورهم خالیة صاح فی خیله من المشركین و حمل علی أصحاب النبی صلی اللّٰه علیه و آله من خلفهم فهزموهم و قتلوهم و رمی عبد اللّٰه بن قَمِیئَةَ الحارثی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بحجر فكسر أنفه و رباعیته و شجه فی وجهه فأثقله و تفرق عنه أصحابه و أقبل یرید قتله فذب مصعب بن عمیر و هو صاحب رایة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یوم بدر و یوم أحد و كان اسم رایته العقاب عن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حتی قتل مصعب بن عمیر قتله ابن قَمِیئَةَ فرجع و هو یری أنه قتل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قال إنی قتلت محمدا و صاح صائح (3) ألا إن محمدا قد قتل و یقال إن الصائح (4) كان إبلیس لعنه اللّٰه فانكفأ الناس (5) و جعل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یدعو الناس و یقول إلی عباد اللّٰه إلی عباد اللّٰه فاجتمع إلیه ثلاثون رجلا فحموه حتی كشفوا عنه المشركین و رمی سعد بن أبی وقاص حتی اندقت سیة (6) قوسه و أصیبت ید طلحة بن عبید اللّٰه فیبست و أصیبت عین قَتَادَةَ بن النعمان یومئذ حتی وقعت علی وجنته فردها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مكانها فعادت كأحسن ما كانت فلما
ص: 26
انصرف رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أدركه أبی بن خلف الجمحی و هو یقول لا نجوت إن نجوت فقال القوم یا رسول اللّٰه ألا یعطف علیه رجل منا فقال دعوه حتی إذا دنا منه و كان أبی قبل ذلك یلقی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فیقول عندی رمكة أعلفها كل یوم فرق ذرة أقتلك علیها فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بل أنا أقتلك إن شاء اللّٰه تعالی فلما كان یوم أحد و دنا منه تناول رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الحربة من الحرث بن الصمة ثم استقبله فطعنه فی عنقه فخدش خدشة فتدهدأ (1) عن فرسه و هو یخور خوار الثور و هو یقول قتلنی محمد فاحتمله أصحابه و قالوا لیس علیك بأس فقال بلی لو كانت هذه الطعنة بربیعة و مضر لقتلتهم (2) أ لیس قال لی أقتلك فلو بزق علی بعد تلك المقالة لقتلنی فلم یلبث إلا یوما حتی مات قال و فشا فی الناس أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قد قتل فقال بعض المسلمین لیت لنا رسولا إلی عبد اللّٰه بن أبی فیأخذ لنا أمانا من أبی سفیان و بعضهم جلسوا و ألقوا بأیدیهم و قال أناس من أهل النفاق فالحقوا بدینكم الأول و قال أنس بن النضر عم أنس بن مالك یا قوم إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم یقتل و ما تصنعون بالحیاة بعد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقاتلوا علی ما قاتل علیه رسول اللّٰه و موتوا علی ما مات علیه ثم قال اللّٰهم إنی أعتذر إلیك مما یقوله هؤلاء یعنی المنافقین (3) و أبرأ إلیك مما جاء به هؤلاء یعنی المنافقین ثم شد بسیفه فقاتل حتی قتل ثم إن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله انطلق إلی الصخرة و هو یدعو الناس فأول من عرف رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله كعب بن مالك قال عرفت عینیه تحت المغفر تزهران فنادیت بأعلی صوتی یا معاشر المسلمین هذا رسول اللّٰه (4) فأشار إلی أن اسكت فانحازت إلیه طائفة من أصحابه فلامهم النبی صلی اللّٰه علیه و آله علی الفرار فقالوا یا رسول اللّٰه فدیناك بآبائنا و أمهاتنا أتانا الخبر أنك قتلت (5) فرعبت
ص: 27
قلوبنا فولینا مدبرین فأنزل اللّٰه تعالی هذه الآیة وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ.
یعنی أنه بشر اختاره اللّٰه لرسالته و قد مضت (1) قبله رسل بعثوا فأدوا الرسالة و مضوا و ماتوا و قتل بعضهم و أنه یموت كما ماتت الرسل فلیس الموت بمستحیل علیه و لا القتل و قیل أراد أن أصحاب الأنبیاء لم یرتدوا عند موتهم أو قتلهم فاقتدوا بهم أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ فسمی الارتداد انقلابا علی العقب و هو الرجوع القهقری وَ مَنْ یَنْقَلِبْ عَلی عَقِبَیْهِ أی من یرتدد عن دینه فَلَنْ یَضُرَّ اللَّهَ شَیْئاً بل مضرته عائدة علیه وَ سَیَجْزِی اللَّهُ الشَّاكِرِینَ أی المطیعین. (2) قوله تعالی وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ قال البیضاوی أی بمشیة اللّٰه أو بإذنه لملك الموت (3) و المعنی أن لكل نفس أجلا مسمی فی علمه تعالی و قضائه لا یَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً (4) وَ لا یَسْتَقْدِمُونَ بالإحجام عن القتال و الإقدام علیه كِتاباً مصدر مؤكد أی كتب الموت كتابا مُؤَجَّلًا صفة له أی موقتا لا یتقدم و لا یتأخر وَ مَنْ یُرِدْ ثَوابَ الدُّنْیا نُؤْتِهِ مِنْها تعریض بمن شغلتهم الغنائم یوم أحد وَ مَنْ یُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها أی من ثوابها وَ سَنَجْزِی الشَّاكِرِینَ الذین شكروا نعمة اللّٰه فلم یشغلهم شی ء من الجهاد وَ كَأَیِّنْ أصله أی دخلت الكاف علیها و صارت بمعنی كم و النون تنوین أثبت فی الخط علی غیر قیاس مِنْ نَبِیٍّ بیان له قاتَلَ (5) مَعَهُ رِبِّیُّونَ كَثِیرٌ ربانیون علماء أتقیاء أو عابدون لربهم و قیل جماعات و الربی منسوب إلی الربة و هی الجماعة للمبالغة فَما
ص: 28
وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ فما فتروا و لم ینكسر جدهم (1) لما أصابهم من قتل النبی أو بعضهم وَ ما ضَعُفُوا عن العدو أو فی الدین وَ مَا اسْتَكانُوا و ما خضعوا للعدو وَ اللَّهُ یُحِبُّ الصَّابِرِینَ فینصرهم و یعظم أمرهم. (2)
قوله تعالی إِنْ تُطِیعُوا الَّذِینَ كَفَرُوا قال الطبرسی رحمه اللّٰه قیل نزلت فی المنافقین إذ قالوا للمؤمنین یوم أحد عند الهزیمة ارجعوا إلی إخوانكم و ارجعوا إلی دینهم- عن علی علیه السلام.
و قیل هم الیهود و النصاری و المعنی إن أصغیتم إلی قول الیهود و المنافقین أن محمدا صلی اللّٰه علیه و آله قتل فارجعوا إلی عشائركم یَرُدُّوكُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ أی یرجعوكم كفارا كما كنتم فَتَنْقَلِبُوا أی ترجعوا خاسِرِینَ لأنفسكم بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ أی هو أولی بأن تطیعوه و هو أولی بنصرتكم وَ هُوَ خَیْرُ النَّاصِرِینَ أی إن اعتد بنصر غیره فهو خیر ناصر سَنُلْقِی فِی قُلُوبِ الَّذِینَ كَفَرُوا قال السدی لما ارتحل أبو سفیان و المشركون یوم أحد متوجهین إلی مكة قالوا بئسما صنعنا قتلناهم حتی إذا لم یبق منهم إلا الشرید تركناهم ارجعوا فاستأصلوهم فلما عزموا علی ذلك ألقی اللّٰه فی قلوبهم الرعب حتی رجعوا عما هموا به فنزلت الآیة الرُّعْبَ أی الخوف بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ أی بشركهم به ما لَمْ یُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً أی برهانا و حجة وَ مَأْواهُمُ أی مستقرهم النَّارُ یعذبون بها وَ بِئْسَ مَثْوَی الظَّالِمِینَ أی النار و روی أن الكفار دخلوا مكة كالمنهزمین مخافة أن یكون لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الكرة علیهم و قال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله نصرت بالرعب مسیرة شهر. وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ أی وفی لكم بما وعدكم من النصر علی عدوكم فی قوله بَلی إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا الآیة و ذكر ابن عباس و غیره أن الوعد كان یوم أحد لأن المسلمین كانوا یقتلون المشركین حتی أخل الرماة لمكانهم الذی أمرهم الرسول بالقیام عنده فأتاهم خالد بن الولید من ورائهم و قتل عبد اللّٰه بن جبیر
ص: 29
و من معه و تراجع المشركون و قتل من المسلمین سبعون رجلا و نادی مناد قتل محمد ثم من اللّٰه علی المسلمین فرجعوا و فی ذلك نزلت الآیة
فَالْوَعْدُ قَوْلُ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله لِلرُّمَاةِ لَا تَبْرَحُوا هَذَا الْمَكَانَ فَإِنَّا لَا نَزَالُ غَالِبِینَ مَا ثَبَتُّمْ فِی مَكَانِكُمْ.
إِذْ تَحُسُّونَهُمْ أی تقتلونهم بِإِذْنِهِ أی بعلمه أو بلطفه حَتَّی إِذا فَشِلْتُمْ أی جبنتم عن عدوكم وَ تَنازَعْتُمْ فِی الْأَمْرِ أی اختلفتم وَ عَصَیْتُمْ أمر نبیكم فی حفظ المكان مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ من النصرة علی الكفار و هزیمتهم و الغنیمة و أكثر المفسرین علی أن المراد بالجمیع یوم أحد و قال الجبائی إذ تحسونهم یوم بدر حتی إذا فشلتم یوم أحد و الأول أولی و جواب إذا محذوف و تقدیره حتی إذا فعلتم ذلك ابتلاكم و امتحنكم و رفع النصرة عنكم مِنْكُمْ مَنْ یُرِیدُ الدُّنْیا یعنی الغنیمة و هم الذین أخلوا المكان الذی رتبهم النبی صلی اللّٰه علیه و آله فیه وَ مِنْكُمْ مَنْ یُرِیدُ الْآخِرَةَ أراد عبد اللّٰه بن جبیر و من ثبت مكانه ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ فیه وجوه أحدها أنهم كانوا فریقین منهم من عصی بانصرافه و منهم من لم یعص لأنهم قلوا بعد انهزام تلك الفرقة فانهزموا (1) بإذن اللّٰه لئلا یقتلوا لأن اللّٰه أوجب ثبات المائة للمائتین فإذا نقصوا لا یجب علیهم ذلك فجاز أن یذكر اللّٰه الفریقین بأنه صرفهم و عفا عنهم یعنی صرف بعضهم و عفا عن بعض عن الجبائی.
و ثانیها أن معناه رفع النصر عنكم و وكلكم إلی أنفسكم بخلافكم للنبی صلی اللّٰه علیه و آله فانهزمتم عن جعفر بن حرب. (2) و ثالثها أن معناه لم یأمركم بمعاودتهم من فورهم لِیَبْتَلِیَكُمْ بالمظاهرة فی الإنعام علیكم و التخفیف عنكم عن البلخی لِیَبْتَلِیَكُمْ أی یعاملكم معاملة المختبر وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ أی صفح عنكم بعد أن خالفتم أمر الرسول و قیل عفا عنكم تتبعهم بعد أن أمركم بالتتبع لهم عن البلخی قال لما بلغوا حمراء الأسد عفا عنهم
ص: 30
من ذلك وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ أی ذو نعمة و من علیهم بنعم الدنیا و الدین
و روی الواقدی (1) عن سهل بن سعد الساعدی قال خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یوم أحد و كسرت رباعیته و هشمت البیضة علی رأسه و كانت فاطمة بنته علیها السلام تغسل عنه الدم و علی بن أبی طالب علیه السلام یسكب علیها بالمجن فلما رأت فاطمة علیها السلام أن الماء لا یزید الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصیر فأحرقته حتی إذا صار رمادا ألزمته الجرح فاستمسك الدم.
إِذْ تُصْعِدُونَ قال البیضاوی متعلق بصرفكم أو لیبتلیكم أو بمقدر كاذكر و الإصعاد الذهاب و الإبعاد فی الأرض وَ لا تَلْوُونَ عَلی أَحَدٍ لا یقف أحد لأحد و لا ینتظره وَ الرَّسُولُ یَدْعُوكُمْ
كَانَ یَقُولُ إِلَیَّ عِبَادَ اللَّهِ إِلَیَّ عِبَادَ اللَّهِ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَنْ یَكُرُّ فَلَهُ الْجَنَّةُ.
فِی أُخْراكُمْ فی ساقتكم و جماعتكم الآخرین فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَیْلا تَحْزَنُوا عَلی ما فاتَكُمْ وَ لا ما أَصابَكُمْ عطف علی صرفكم و المعنی فجازاكم اللّٰه علی فشلكم و عصیانكم غما متصلا بغم من الاغتمام بالقتل و الجرح و ظفر المشركین و الإرجاف بقتل الرسول صلی اللّٰه علیه و آله أو فجازاكم غما بسبب غم أذقتموه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بعصیانكم له لتتمرنوا علی الصبر فی الشدائد فلا تحزنوا فیما بعد علی نفع فائت و لا ضر لاحق و قیل لا مزیدة و المعنی لتأسفوا علی ما فاتكم من الظفر و الغنیمة و علی ما أصابكم من الجرح و الهزیمة عقوبة لكم و قیل الضمیر فی فَأَثابَكُمْ للرسول صلی اللّٰه علیه و آله أی واساكم فی الاغتمام فاغتم بما نزل علیكم كما اغتممتم بما نزل علیه و لم یثربكم (2) علی عصیانكم تسلیة لكم لِكَیْلا تَحْزَنُوا عَلی ما فاتَكُمْ من النصر وَ لا علی ما أَصابَكُمْ من الهزیمة وَ اللَّهُ خَبِیرٌ بِما تَعْمَلُونَ عالم بأعمالكم و بما قصدتم بها ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَیْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً أنزل اللّٰه علیكم الأمن حتی أخذكم النعاس و عن أبی طلحة غشینا النعاس فی المصاف حتی كان
ص: 31
السیف یسقط من ید أحدنا فیأخذه ثم یسقط فیأخذه و الأمنة الأمن نصب علی المفعول و نعاسا بدل منها أو هو المفعول و أمنة حال منه متقدمة أو مفعول له أو حال من المخاطبین بمعنی ذوی أمنة أو علی أنه جمع آمن یَغْشی طائِفَةً مِنْكُمْ أی النعاس. (1) قال الطبرسی رحمه اللّٰه و كان السبب فی ذلك توعد المشركین لهم بالرجوع إلی القتال فقعد المسلمون تحت الحجف (2) متهیئین للحرب فأنزل اللّٰه الأمنة علی المؤمنین فناموا دون المنافقین الذین أزعجهم الخوف بأن یرجع الكفار علیهم أو یغیروا علی المدینة لسوء الظن فطیر عنهم النوم. (3) و قال البیضاوی وَ طائِفَةٌ هم المنافقون قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ أوقعتهم أنفسهم فی الهموم أو ما یهمهم إلا هم أنفسهم و طلب خلاصها یَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَیْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِیَّةِ صفة أخری لطائفة أو حال أو استئناف علی وجه البیان لما قبله و غَیْرَ الْحَقِّ نصب علی المصدر أی یظنون باللّٰه غیر ظن الحق الذی یحق أن یظن به و ظَنَّ الْجاهِلِیَّةِ بدله و هو الظن المختص بالملة الجاهلیة و أهلها یَقُولُونَ أی لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو بدل یظنون هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَیْ ءٍ هل لنا مما أمر اللّٰه و وعد من النصر و الظفر نصیب قط و قیل أخبر ابن أبی بقتل بنی الخزرج فقال ذلك و المعنی أنا منعنا تدبیر أنفسنا و تصریفها باختیارنا فلم یبق لنا من الأمر شی ء أو هل یزول عنا هذا القهر فیكون لنا من الأمر شی ء قل إن الأمر كله لله أی الغلبة الحقیقیة لله و لأولیائه فإن حزب اللّٰه هم الغالبون أو القضاء له (4) یفعل ما یشاء و یحكم ما یرید و هو اعتراض یُخْفُونَ فِی أَنْفُسِهِمْ ما لا یُبْدُونَ لَكَ حال من ضمیر یقولون أی یقولون مظهرین أنهم مسترشدون طالبون للنصر
ص: 32
مبطنین الإنكار و التكذیب یَقُولُونَ فی أنفسهم أو إذا خلا بعضهم إلی بعض و هو بدل من یخفون أو استئناف علی وجه البیان له لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَیْ ءٌ كما وعد محمد صلی اللّٰه علیه و آله و زعم (1) أن الأمر كله لله و لأولیائه أو لو كان لنا اختیار و تدبیر لم نبرح كما كان رأی ابن أبی و غیره ما قُتِلْنا هاهُنا ما غلبنا و لما قتل من قتل منا فی هذه المعركة قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِی بُیُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِینَ كُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلی مَضاجِعِهِمْ أی لخرج الذین قدر اللّٰه علیهم القتل و كتب فی اللوح المحفوظ إلی مصارعهم و لم تنفع الإقامة (2) بالمدینة و لم ینج منه أحد وَ لِیَبْتَلِیَ اللَّهُ ما فِی صُدُورِكُمْ لیمتحن ما فی صدوركم و یظهر سرائرها من الإخلاص و النفاق و هو علة فعل محذوف أی و فعل ذلك لیبتلی أو عطف علی محذوف أی لبرز لنفاذ القضاء أو لمصالح جمة و لابتلاء (3) أو علی قوله لِكَیْلا تَحْزَنُوا وَ لِیُمَحِّصَ ما فِی قُلُوبِكُمْ و لیكشفه و یمیزه أو یخلصه من الوساوس وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ بخفیاتها قبل إظهارها و فیه وعد و وعید و تنبیه علی أنه غنی عن الابتلاء و إنما فعل ذلك لتمرین المؤمنین (4) و إظهار حال المنافقین إِنَّ الَّذِینَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّیْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا یعنی أن الذین انهزموا یوم أحد إنما كان السبب فی انهزامهم أن الشیطان طلب منهم الزلل فأطاعوه و اقترفوا ذنوبا (5) بترك المركز و الحرص علی الغنیمة أو الحیاة فمنعوا التأیید و قوة القلب لمخالفة النبی صلی اللّٰه علیه و آله و قیل استزلال الشیطان تولیهم و ذلك بسبب ذنوب تقدمت لهم فإن المعاصی یجر بعضها بعضا كالطاعة و قیل استزلهم بذكر ذنوب سلفت منهم و كرهوا (6) القتل قبل إخلاص التوبة و الخروج
ص: 33
من المظلمة وَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ لتوبتهم و اعتذارهم إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ للذنوب حَلِیمٌ لا یعاجل بعقوبة المذنب كی یتوب یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِینَ كَفَرُوا یعنی المنافقین وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ لأجلهم و فیهم و معنی إخوتهم اتفاقهم فی النسب أو فی المذهب إِذا ضَرَبُوا فِی الْأَرْضِ إذا سافروا فیها و أبعدوا للتجارة أو غیرها أَوْ كانُوا غُزًّی جمع غاز لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا مفعول قالوا لِیَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِی قُلُوبِهِمْ متعلق بقالوا علی أن اللام لام العاقبة أو بلا تكونوا أی لا تكونوا مثلهم فی النطق بذلك القول و الاعتقاد لیجعله حسرة فی قلوبهم خاصة فذلك إشارة إلی ما دل علیه قولهم من الاعتقاد و قیل إلی ما دل علیه النهی أی لا تكونوا مثلهم لیجعل اللّٰه انتفاء كونكم مثلهم حسرة فی قلوبهم فإن مخالفتهم و مضادتهم مما یغمهم وَ اللَّهُ یُحْیِی وَ یُمِیتُ رد لقولهم أی هو المؤثر فی الحیاة و الممات لا الإقامة و السفر فإنه تعالی قد یحیی المسافر و الغازی و یمیت المقیم و القاعد وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ تهدید للمؤمنین علی أن یماثلوهم وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ أی فی سبیله لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَحْمَةٌ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ جواب القسم و هو ساد مسد الجزاء و المعنی أن السفر و الغزو لیس مما یجلب الموت و تقدم الأجل و إن وقع ذلك فی سبیل اللّٰه فما ینالون (1) من المغفرة و الرحمة بالموت خیر مما یجمعون من الدنیا و منافعها لو لم یموتوا (2) وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ علی أی وجه اتفق هلاككم لَإِلَی اللَّهِ تُحْشَرُونَ لإلی معبودكم الذی توجهتم إلیه و بذلتم مهجتكم لوجهه لا إلی غیره لا محالة تحشرون فیوفی أجوركم و یعظم ثوابكم فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ما مزیدة للتأكید و الدلیل علی أن لینه لهم ما كان إلا برحمة من اللّٰه و هو ربطه علی جأشه و توفیقه للرفق بهم حین اغتم لهم بعد أن خالفوه وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا سیئ الخلق جافیا غَلِیظَ الْقَلْبِ قاسیه لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ لتفرقوا عنك و لم یسكنوا إلیك فَاعْفُ عَنْهُمْ فیما یختص بك وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ
ص: 34
فیما لله وَ شاوِرْهُمْ فِی الْأَمْرِ أی فی أمر الحرب إذ الكلام فیه أو فیما یصح أن یشاور فیه استظهارا برأیهم و تطییبا لنفوسهم و تمهیدا سنة المشاورة (1) للأمة فَإِذا عَزَمْتَ فإذا وطنت نفسك علی شی ء بعد الشوری. (2) و قال الطبرسی رحمه اللّٰه و رووا عن جعفر بن محمد علیهما السلام و عن جابر بن یزید فَإِذَا عُزِمْتَ بالضم فعلی هذا یكون معناه فإذا عزمت لك و وفقتك و أرشدتك فَتَوَكَّلْ عَلَی اللَّهِ (3) قال البیضاوی فی إمضاء أمرك علی ما هو أصلح لك فإنه لا یعلمه سواه (4) إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِینَ فینصرهم و یهدیهم إلی الصلاح إِنْ یَنْصُرْكُمُ اللَّهُ كما نصركم یوم بدر فَلا غالِبَ لَكُمْ فلا یغلبكم أحد (5) وَ إِنْ یَخْذُلْكُمْ كما خذلكم یوم أحد فَمَنْ ذَا الَّذِی یَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ من بعد خذلانه أو من بعد اللّٰه وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فلیخصوه بالتوكل علیه لما علموا أن لا ناصر سواه و آمنوا به. (6) وَ ما كانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَغُلَّ قال الطبرسی روی عن ابن عباس و ابن جبیر أنها نزلت فی قطیفة حمراء فقدت یوم بدر من المغنم فقال بعضهم لعل النبی صلی اللّٰه علیه و آله أخذها.
و فی روایة الضحاك قال إن رجلا غل بمخیط أی بإبرة من غنائم هوازن یوم حنین فنزلت الآیة.
و
عَنْ مُقَاتِلٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِی غَنَائِمِ أُحُدٍ حِینَ تَرَكَتِ الرُّمَاةُ الْمَرْكَزَ طَلَباً لِلْغَنِیمَةِ
ص: 35
وَ قَالُوا نَخْشَی أَنْ یَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ أَخَذَ شَیْئاً فَهُوَ لَهُ وَ لَا یَقْسِمَ كَمَا لَمْ یَقْسِمْ یَوْمَ بَدْرٍ وَ وَقَعُوا فِی الْغَنَائِمِ فَقَالَ (1) صلی اللّٰه علیه و آله أَ ظَنَنْتُمْ أَنَّا نَغُلُّ وَ لَا نَقْسِمُ لَكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآیَةَ وَ قِیلَ إِنَّهُ قَسَمَ الْغَنِیمَةَ وَ لَمْ یَقْسِمْ لِلطَّلَائِعِ فَلَمَّا قَدِمَتِ الطَّلَائِعُ قَالُوا أَ قَسَمَ الْفَیْ ءَ وَ لَمْ یَقْسِمْ لَنَا فَعَرَّفَهُ اللَّهُ الْحُكْمَ فِیهِ وَ نَزَلَتِ الْآیَةُ وَ قِیلَ نَزَلَتْ فِی أَدَاءِ الْوَحْیِ كَانَ صلی اللّٰه علیه و آله (2) یَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَ فِیهِ عَیْبُ دِینِهِمْ وَ سَبُّ آلِهَتِهِمْ فَسَأَلُوهُ أَنْ یَطْوِیَ ذَلِكَ عَنْهُمْ فَنَزَلَتْ. (3).
و قال البیضاوی أی و ما صحّ لنبیّ أن یخون فی الغنائم فإن النبوّة تنافی الخیانة وَ مَنْ یَغْلُلْ یَأْتِ بِما غَلَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ یأت بالذی غلّه یحمله علی عنقه كما جاء فی الحدیث أو بما احتمل من وباله و إثمه ثُمَّ تُوَفَّی كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ یعطی (4) جزاء ما كسبت وافیا وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ فلا ینقص ثواب مطیعهم و لا یزاد فی عقاب عاصیهم. (5) أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِیبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَیْها قال الطبرسی أی حین أصابكم القتل و الجرح و ذلك ما أصاب المسلمین یوم أحد فإنه قتل منهم سبعون رجلا و كانوا أصابوا من المشركین یوم بدر مثلیها فإنهم كانوا قتلوا من المشركین سبعین رجلا و أسروا سبعین و قیل قتلتم منهم ببدر سبعین و بأحد سبعین و هذا ضعیف فإنه لا خلاف بینهم أنه قتل منهم بأحد نفر یسیر قُلْتُمْ أَنَّی هذا أی من أی وجه أصابنا هذا و نحن مسلمون و فینا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و ینزل علیه الوحی و هم مشركون و قیل إنهم إنما استنكروا ذلك لأنه وعدهم بالنصر من اللّٰه إن أطاعوه قُلْ هُوَ مِنْ
ص: 36
عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ أی ما أصابكم من الهزیمة و القتل من عند أنفسكم بخلافكم أمر ربكم و ترككم طاعة الرسول صلی اللّٰه علیه و آله و فیه أقوال أحدها أن ذلك مخالفتهم الرسول صلی اللّٰه علیه و آله فی الخروج من المدینة للقتال یوم أحد و كان النبی صلی اللّٰه علیه و آله دعاهم أن یتحصنوا بها و یدعو المشركین إلی أن یقصدوهم فیها فقالوا كنا نمتنع من ذلك فی الجاهلیة و نحن الآن فی الإسلام و أنت یا رسول اللّٰه بیننا أحق بالامتناع و أعز.
و ثانیها
أَنَّ ذَلِكَ بِاخْتِیَارِهِمُ الْفِدَاءَ مِنَ الْأَسْرَی یَوْمَ بَدْرٍ وَ كَانَ الْحُكْمُ فِیهِمُ الْقَتْلَ وَ شَرَطَ عَلَیْهِمْ إِنْ قَبِلْتُمُ الْفِدَاءَ قُتِلَ مِنْكُمْ فِی الْقَابِلِ بِعِدَّتِهِمْ قَالُوا رَضِینَا فَإِنَّا نَأْخُذُ الْفِدَاءَ فَنَنْتَفِعُ بِهِ وَ إِذَا قُتِلَ مِنَّا فِیمَا بَعْدُ كُنَّا شُهَدَاءَ- عَنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ عَبِیدَةَ السَّلْمَانِیِّ وَ هُوَ الْمَرْوِیُّ عَنِ الْبَاقِرِ عَلَیْهِ السَّلَامُ.
و ثالثها أن ذلك بخلاف الرماة یوم أحد لما أمرهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله به من ملازمة مراكزهم.
إِنَّ اللَّهَ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ أی فهو قادر علی نصركم فیما بعد و إن لم ینصركم فی الحال لمخالفتكم وَ ما أَصابَكُمْ أیها المؤمنون یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ جمع المسلمین و جمع المشركین یوم أحد بقتل من قتل منكم (1) فَبِإِذْنِ اللَّهِ أی بعلم اللّٰه و قیل بتخلیة اللّٰه بینكم و بینهم التی تقوم مقام الإطلاق فی الفعل برفع الموانع و التمكین من الفعل الذی یصح معه التكلیف و قیل بعقوبة اللّٰه لتركهم أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله وَ لِیَعْلَمَ الْمُؤْمِنِینَ وَ لِیَعْلَمَ الَّذِینَ نافَقُوا أی و لیمیز المؤمنین من المنافقین وَ قِیلَ لَهُمْ أی للمنافقین تَعالَوْا قاتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ قالوا إن عبد اللّٰه بن أبی و المنافقین معه من أصحابه انخذلوا یوم أحد بنحو (2) من ثلاثمائة رجل و قالوا علام نقتل أنفسنا و قال لهم عبد اللّٰه بن عمرو بن حرام (3) الأنصاری تعالوا قاتلوا فی سبیل اللّٰه و اتقوا اللّٰه و لا تخذلوا نبیكم أَوِ ادْفَعُوا عن حریمكم
ص: 37
و أنفسكم إن لم تقاتلوا فی سبیل اللّٰه و قیل معناه أقیموا معنا و كثروا سوادنا قالُوا أی المنافقون. (1) لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ قال البیضاوی أی لو نعلم مما یصلح أن یسمی (2) قتالا لاتبعناكم فیه لكن ما أنتم علیه لیس بقتال بل إلقاء بالأنفس إلی التهلكة أو لو نحسن قتالا لاتبعناكم و إنما قالوا ذلك دغلا و استهزاء هُمْ لِلْكُفْرِ یَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِیمانِ لانخزالهم (3) و كلامهم هذا فإنهما أول أمارة ظهرت منهم مؤذنة بكفرهم و قیل هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإیمان یَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ یظهرون خلاف ما یضمرون لا تواطئ قلوبهم ألسنتهم بالإیمان وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما یَكْتُمُونَ من النفاق و بما یخلو به بعضهم إلی بعض الَّذِینَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ أی لأجلهم یرید من قتل یوم أحد من أقاربهم أو من جنسهم وَ قَعَدُوا مقدرا بقدر (4) أی قالوا قاعدین عن القتال لَوْ أَطاعُونا فی القعود ما قُتِلُوا كما لم نقتل قُلْ فَادْرَؤُا الآیة أی إن كنتم صادقین أنكم تقدرون علی دفع القتل عمن كتب علیه فادفعوا عن أنفسكم الموت و أسبابه فإنه أحری بكم و المعنی أن القعود غیر مغن (5) فإن أسباب الموت كثیرة و كما أن القتال یكون سببا للهلاك و القعود (6) سببا للنجاة قد یكون الأمر بالعكس. (7) وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا قال الطبرسی قیل نزلت فی شهداء بدر و قیل فی شهداء أحد و كانوا سبعین أربعة من المهاجرین حمزة و مصعب بن عمیر
ص: 38
و عثمان بن شماس و عبد اللّٰه بن جحش و سائرهم من الأنصار و قال الباقر علیه السلام و كثیر من المفسرین إنها تتناول قتلی بدر و أحد معا و قیل نزلت فی شهداء بئر معونة الَّذِینَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ قال رحمه اللّٰه لما انصرف أبو سفیان و أصحابه من غزاة أحد فبلغوا الروحاء ندموا علی انصرافهم عن المسلمین و تلاوموا قالوا (1) لا محمدا قتلتم و لا الكواعب أردفتم (2) قتلتموهم حتی إذا لم یبق إلا الشرید تركتموهم ارجعوا (3) فاستأصلوهم فبلغ ذلك الخبر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأراد أن یرهب العدو و یریهم من نفسه و أصحابه قوة فندب أصحابه للخروج فی طلب أبی سفیان و قال ألا عصابة تشدد (4) لأمر اللّٰه تطلب عدوها فإنها إنكاء للعدو و أبعد للسمع فانتدب عصابة منهم مع ما بهم من القرح و الجرح الذی أصابهم یوم أحد و نادی منادی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ألا لا یخرجن معنا أحد إلا من حضر یومنا (5) بالأمس و إنما خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لیرهب العدو و لیبلغهم أنه خرج فی طلبهم فیظنوا به قوة و أن الذی أصابهم لم یوهنهم عن عدوهم فینصرفوا فخرج فی سبعین رجلا حتی بلغ حمراء الأسد و هو من المدینة علی ثمانیة أمیال.
و روی محمد بن إسحاق بن یسار عن عبد اللّٰه بن خارجة (6) عن زید بن ثابت عن أبی السائب أن رجلا من أصحاب النبی صلی اللّٰه علیه و آله من بنی عبد الأشهل كان شهد أحدا قال شهدت أحدا أنا و أخ لی فرجعنا جریحین فلما أذن مؤذن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالخروج فی طلب العدو قلنا لا تفوتنا (7) غزوة مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 39
و اللّٰه ما لنا دابة نركبها و ما منا إلا جریح ثقیل فخرجنا مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و كنت أیسر جرحا من أخی فكنت إذا غلب حملته عقبة و مشی عقبة حتی بلغنا مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حمراء الأسد (1) فمر برسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله معبد الخزاعی بحمراء الأسد و كانت خزاعة مسلمهم و كافرهم عینة (2) رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بتهامة صفقتهم معه لا یخفون عنه شیئا و معبد یومئذ مشرك فقال و اللّٰه یا محمد لقد عز علینا مصابك فی قومك و أصحابك و لوددنا أن اللّٰه كان أعفاك (3) فیهم ثم خرج من عند رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حتی لقی أبا سفیان و من معه بالروحاء و أجمعوا الرجعة إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قالوا قد أصبنا جل (4) أصحابه و قادتهم و أشرافهم ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم (5) فلما رأی أبو سفیان معبدا قال ما وراءك یا معبد قال محمد قد خرج فی أصحابه یطلبكم فی جمع لم أر مثله قط یتحرقون علیكم تحرقا و قد اجتمع علیه من كان تخلف عنه فی یومكم و ندموا علی ضیعتهم (6) و فیهم من الحنق (7) علیكم ما لم أر مثله قط قال ویلك ما تقول فقال و اللّٰه ما أراك ترتحل حتی تری نواصی الخیل قال فو اللّٰه لقد أجمعنا الكرة علیهم لنستأصلهم قال فو اللّٰه إنی لأنهاك عن ذلك فو اللّٰه لقد حملنی ما رأیت علی أن قلت أبیاتا فیه من شعر قال و ما قلت قال قلت
كادت تهد من الأصوات راحلتی***إذ سالت الأرض بالجرد الأبابیل
ص: 40
تردی (1) بأسد كرام لا تنابلة***عند اللقاء و لا خرق معاذیل(2)
فظلت عدوا أظن الأرض مائلة***لما سموا برئیس غیر مخذول
و قلت وی (3) لابن حرب من لقائكم***إذا تغطمطت البطحاء بالحیل
إنی نذیر لأهل السیر (4) ضاحیة***لكل ذی إربة منهم و معقول
من جیش أحمد لا وخش (5) تنابلة***و لیس یوصف ما أثبت بالقیل
قال فثنی ذلك أبا سفیان و من معه و مر به ركب من عبد القیس فقال أین تریدون قالوا نرید المدینة نرید المیرة فقال فهل أنتم مبلغون عنی محمدا رسالة أرسلكم بها إلیه و أحمل لكم إبلكم هذه زبیبا بعكاظ (6) غدا إذا وافیتمونا قالوا نعم قال إذا جئتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا الكرة إلیه و إلی أصحابه (7) لنستأصل بقیتهم و انصرف أبو سفیان و مر الركب برسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو بحمراء الأسد فأخبروه بقول أبی سفیان فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أصحابه حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ ثم انصرف رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بعد الثالثة إلی المدینة و قد ظفر فی وجهه
ص: 41
ذلك بمعاویة بن المغیرة بن العاص (1) و أبی غرة الجمحی (2).
هذا قول أكثر المفسرین
و قال مجاهد و عكرمة نزلت هذه الآیات فی غزاة بدر الصغری و ذلك أن أبا سفیان قال یوم أحد حین أراد أن ینصرف یا محمد موعدنا بیننا و بینك موسم بدر الصغری لقابل إن شئت (3) فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ذلك بیننا و بینك فلما كان العام المقبل خرج أبو سفیان فی أهل مكة حتی نزل مجنة من ناحیة من مر الظهران (4) ثم ألقی اللّٰه علیه الرعب فبدا له فی الرجوع فلقی نعیم بن مسعود الأشجعی و قد قدم معتمرا فقال له أبو سفیان إنی واعدت محمدا و أصحابه أن نلتقی بموسم بدر الصغری و إن هذه عام جدب فلا یصلح لنا إلا عام نرعی فیه الشجر و نشرب فیه اللبن و قد بدا لی أن لا أخرج إلیها و أكره أن یخرج محمد و لا أخرج أنا فیزیدهم ذلك جرأة فالحق بالمدینة فثبطهم و لك عندی عشرة من الإبل أضعها علی یدی سهیل بن عمرو فأتی نعیم المدینة فوجد الناس یتجهزون لمیعاد أبی سفیان فقال لهم بئس الرأی رأیتم أتوكم فی دیاركم و قراركم فلم یفلت منكم إلا شرید فتریدون أن تخرجوا و قد جمعوا لكم عند الموسم فو اللّٰه لا یفلت منكم أحد فكره أصحاب رسول اللّٰه الخروج فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و الذی نفسی بیده لأخرجن و لو وحدی فأما الجبان فإنه رجع و أما الشجاع فإنه تأهب للقتال و قال حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ فخرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی أصحابه حتی وافوا بدر الصغری و هو ماء لبنی كنانة و كان (5) موضع سوق لهم فی الجاهلیة یجتمعون إلیها فی كل عام ثمانیة أیام فأقام ببدر ینتظر أبا سفیان
ص: 42
و قد انصرف أبو سفیان من مجنة إلی مكة فسماهم أهل مكة جیش السویق و قالوا إنما خرجتم تشربون السویق و لم یلق رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أصحابه أحد من المشركین ببدر و وافقوا السوق و كانت لهم تجارات فباعوها و أصابوا الدرهم (1) درهمین و انصرفوا إلی المدینة سالمین غانمین- و قد روی ذلك أبو الجارود عن الباقر علیه السلام.
المعنی. (2) الَّذِینَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ أی أطاعوا اللّٰه فی أوامره و أطاعوا رسوله مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ أی نالهم الجراح یوم أحد لِلَّذِینَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ بطاعة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و إجابته إلی الغزو وَ اتَّقَوْا معاصی اللّٰه لهم أَجْرٌ عَظِیمٌ أی ثواب جزیل الَّذِینَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ فی المعنی بالناس الأول ثلاثة أقوال أحدها أنهم الركب الذین دسهم أبو سفیان إلی المسلمین لیجبنوهم عند منصرفهم من أحد لما أرادوا الرجوع إلیهم عن ابن عباس و ابن إسحاق و قد مضت قصتهم.
و الثانی أنه نعیم بن مسعود الأشجعی و هو قول أبی جعفر و أبی عبد اللّٰه علیهما السلام.
و الثالث أنهم المنافقون عن السدی.
إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ المعنی به أبو سفیان و أصحابه عند أكثر المفسرین أی جمعوا جموعا كثیرة لكم و قیل جمعوا الآلات و الرحال و إنما عبر بلفظ الواحد عن الجمع فی قوله قالَ لَهُمُ النَّاسُ لأمرین أحدهما أنه قد جاءهم من جهة الناس فأقیم كلامه مقام كلامهم و سمی باسمهم.
و الآخر أنه لتفخیم الشأن فَاخْشَوْهُمْ أی فخافوهم ثم بین سبحانه أن ذلك القول زادهم إیمانا و ثباتا علی دینهم و إقامة علی نصر نبیهم بأن قال
ص: 43
فَزادَهُمْ إِیماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ أی كافینا اللّٰه (1) و ولینا و حفیظنا و المتولی لأمرنا وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ أی نعم الكافی و المعتمد و الملجأ الذی یوكل إلیه الأمور فَانْقَلَبُوا أی فرجع النبی صلی اللّٰه علیه و آله و من معه من أصحابه بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ أی بعافیة من السوء و تجارة رابحة لَمْ یَمْسَسْهُمْ سُوءٌ أی قتل عن السدی و مجاهد و قیل النعمة هاهنا الثبوت علی الإیمان فی طاعة اللّٰه و الفضل الربح فی التجارة عن الزجاج و قیل أقل ما یفعله اللّٰه تعالی بالخلق فهو نعمة و ما زاد علی ذلك فهو الموصوف بأنه فضل و الفرق بین النعمة و المنفعة أن النعمة لا تكون نعمة إلا إذا كانت حسنة و المنفعة قد تكون حسنة و قد تكون قبیحة و هذا لأن النعمة تستحق بها الشكر و لا یستحق الشكر بالقبیح وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ بالخروج إلی لقاء العدو وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِیمٍ علی المؤمنین. (2) قوله تعالی فَما لَكُمْ فِی الْمُنافِقِینَ فِئَتَیْنِ أقول قد مر تفسیره فی باب جوامع الغزوات.
قوله وَ لا تَهِنُوا أی لا تضعفوا قال الطبرسی قیل نزلت فی الذهاب إلی بدر الصغری لموعد أبی سفیان یوم أحد و قیل نزلت یوم أحد فی الذهاب خلف أبی سفیان لموعد أبی سفیان و عسكره إلی حمراء الأسد.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَ عِكْرِمَةُ لَمَّا أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مَا أَصَابَهُمْ یَوْمَ أُحُدٍ وَ صَعِدَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله الْجَبَلَ جَاءَ أَبُو سُفْیَانَ فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ لَنَا یَوْمٌ وَ لَكُمْ یَوْمٌ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله أَجِیبُوهُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ لَا سَوَاءٌ قَتْلَانَا فِی الْجَنَّةِ وَ قَتْلَاكُمْ فِی النَّارِ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ
لَنَا عُزَّی وَ لَا عُزَّی لَكُمْ
فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله قُولُوا
اللَّهُ مَوْلَانَا وَ لَا مَوْلَی لَكُمْ
فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ
ص: 44
اعْلُ هُبَلُ.
فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله قُولُوا اللَّهُ أَعْلَی وَ أَجَلُّ.
فقال أبو سفیان موعدنا و موعدكم بدر الصغری و نام المسلمون و بهم الكلوم و فیهم نزلت إِنْ یَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ الآیة و فیهم نزلت إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ الآیة لأن اللّٰه تعالی أمرهم علی ما بهم من الجراح أن یتبعوهم و أراد بذلك إرهاب المشركین فخرجوا إلی حمراء الأسد و بلغ المشركین ذلك فأسرعوا حتی دخلوا مكة.
فِی ابْتِغاءِ الْقَوْمِ أی فی طلب المشركین إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ مما ینالكم من الجراح منهم فَإِنَّهُمْ یعنی المشركین یَأْلَمُونَ أیضا مما ینالهم منكم من الجراح و الأذی كَما تَأْلَمُونَ من جراحهم و أذاهم وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ الظفر عاجلا و الثواب آجلا علی ما ینالكم منهم ما لا یَرْجُونَ علی ما ینالهم منكم. (1) قوله تعالی إِنَّ الَّذِینَ كَفَرُوا یُنْفِقُونَ قد مر تفسیره فی باب قصة بدر.
توضیح: قمیئة كسفینة مهموز اعل هبل أی صر عالیا بغلبة عابدیك علی منكریك و الطارق النجم أی آباؤنا فی الشرف و العلو كالنجم و النمارق جمع النمرقة بضم النون و الراء و كسرها و هی الوسادة و الوامق المحب أی نفارقكم فراق المعادی لا فراق المحب و المراد المفارقة و المعانقة بعد الحرب إذا (2) كان الخطاب لأصحابه و إن كان للمسلمین فالمراد المعانقة عند الحرب و الأحابیش هم أحیاء من القارة انضموا إلی بنی لیث فی محاربتهم قریشا و التحبش التجمع و قیل حالفوا قریشا تحت جبل یسمی حبشیا فسمی بذلك و الكبول القصیر و فی بعض النسخ الدهر فی الكیول بالیاء المثناة التحتانیة و هو كعیوق
ص: 45
آخر الصفوف و هو أصوب أی أن لا أقیم فی جمیع دهری و عمری فی آخر الصفوف بل أتقدمها و الكواعب جمع الكاعب و هی الجاریة حین یبدو ثدیها للنهود أردفتم أی لم تأسروهن فتجعلوهن خلفكم علی الإبل لتذهبوا بهن و الشرید الطرید المتفرق المنهزم و یقال نكیت فی العدو إذا أكثرت فیهم الجراح و القتل فوهنوا لذلك و قد یهمز و أبعد للسمع أی یذهب الخبر به إلی البلاد البعید فیصیر سببا لرعبهم فكنت إذا غلب أی غلبه الوجع حملته عقبة أی نوبة عینة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أی جاسوسه و فی بعض النسخ بالباء الموحدة و فی القاموس العیبة من الرجل موضع سره و هو أظهر.
صفقتهم أی بیعتهم معه أعفاك فیهم أی لم یأمرك بقتالهم یتحرقون علیكم أی یلتهبون غیظا أو یحكون أسنانهم علیكم غضبا تهد راحلتی أی تقع و تخر من هد الحائط إذا وقع و الجرد بالضم جمع الجریدة و هی من الخیل جماعة جردت من سائرها لوجه أو هو جمع الأجرد یقال فرس أجرد إذا رقت شعرته و قصرت و هو مدح و الأبابیل الجماعات الكثیرة و یقال جاءت إبلك أبابیل أی فرقا تردی أی الجرد یقال ردی الفرس یردی إذا رجم الأرض بحوافره رجما بین العدو و المشی الشدید بأسد أی مع أسد و التنابلة جمع تنبل كدرهم أو تنبال بالكسر و هما القصیر و لعله استعیر للجبان أو الكسلان كما هو المعروف فی لغة العجم و الخرق بالضم جمع الأخرق و هو من لا یحسن العمل و المعاذیل جمع المعذال و قیل المعذول و هو الملوم.
و عدوا مصدر لفعل محذوف أی أعدو عدوا حال كونی أظن الأرض مائلة.
لما سموا أی علوا برئیس و هو الرسول و الغطمطة اضطراب موج البحر و غلیان الصدور و التغطمط صوت معه بحح و البطحاء مسیل واسع فیه دقاق الحصی و الجیل بالكسر الصنف من الناس و فی بعض النسخ بالخاء و یقال فعله ضاحیة أی علانیة و الإربة بالكسر الحیلة و المعقول العقل یقال عقل یعقل عقلا و معقولا و الوخش بفتح الواو و سكون الخاء المعجمة الردی
ص: 46
من كل شی ء و رذال الناس و سقاطهم للواحد و الجمع و المذكر و المؤنث و فی بعض النسخ بالحاء المهملة أی لیسوا بمستوحشین و الأول أظهر و القیل بالكسر القول.
«1»-كا، الكافی مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله صَلَّی عَلَی حَمْزَةَ وَ كَفَّنَهُ لِأَنَّهُ كَانَ جُرِّدَ (1).
«2»-یه،من لا یحضره الفقیه اسْتُشْهِدَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِی عَامِرٍ الرَّاهِبُ بِأُحُدٍ فَلَمْ یَأْمُرِ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بِغُسْلِهِ وَ قَالَ رَأَیْتُ الْمَلَائِكَةَ بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ تُغَسِّلُ حَنْظَلَةَ بِمَاءِ الْمُزْنِ (2) فِی صِحَافٍ مِنْ فِضَّةٍ فَكَانَ یُسَمَّی غَسِیلَ الْمَلَائِكَةِ (3).
«3»-فس، تفسیر القمی وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِینَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَ اللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ (4)- فَإِنَّهُ حَدَّثَنِی أَبِی عَنْ صَفْوَانَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآیَةِ أَنَّ قُرَیْشاً خَرَجَتْ مِنْ مَكَّةَ تُرِیدُ حَرْبَ رَسُولِ اللَّهِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَبْتَغِی مَوْضِعاً لِلْقِتَالِ.
قَوْلُهُ إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا (5) نَزَلَتْ فِی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیٍّ وَ قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِهِ اتَّبَعُوا رَأْیَهُ فِی تَرْكِ الْخُرُوجِ وَ الْقُعُودِ (6) عَنْ نُصْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ وَ كَانَ سَبَبُ غَزْوَةِ أُحُدٍ أَنَّ قُرَیْشاً لَمَّا رَجَعَتْ مِنْ بَدْرٍ إِلَی مَكَّةَ وَ قَدْ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَ الْأَسْرِ لِأَنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَ أُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَی مَكَّةَ قَالَ أَبُو سُفْیَانَ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ لَا تَدَعُوا نِسَاءَكُمْ یَبْكِینَ عَلَی قَتْلَاكُمْ (7) فَإِنَ
ص: 47
الْبُكَاءَ وَ الدَّمْعَةَ إِذَا خَرَجَتْ أَذْهَبَتِ (1) الْحُزْنَ وَ الْحُرْقَةَ وَ الْعَدَاوَةَ لِمُحَمَّدٍ وَ یَشْمَتُ بِنَا مُحَمَّدٌ وَ أَصْحَابُهُ فَلَمَّا غَزَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ أُحُدٍ أَذِنُوا لِنِسَائِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِی الْبُكَاءِ وَ النَّوْحِ فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ یَغْزُوا رَسُولَ اللَّهِ إِلَی أُحُدٍ سَارُوا فِی حُلَفَائِهِمْ مِنْ كِنَانَةَ وَ غَیْرِهَا فَجَمَعُوا الْجُمُوعَ وَ السِّلَاحَ وَ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ فِی ثَلَاثَةِ آلَافِ فَارِسٍ وَ أَلْفَیْ رَاجِلٍ وَ أَخْرَجُوا مَعَهُمُ النِّسَاءَ یُذَكِّرْنَهُمْ وَ یُحَثِّثْنَهُمْ عَلَی حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (2) وَ أَخْرَجَ أَبُو سُفْیَانَ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ وَ خَرَجَتْ مَعَهُمْ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِیَّةُ (3) فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ذَلِكَ جَمَعَ أَصْحَابَهُ وَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ قُرَیْشاً قَدْ تَجَمَّعَتْ تُرِیدُ الْمَدِینَةَ وَ حَثَّ أَصْحَابَهُ عَلَی الْجِهَادِ وَ الْخُرُوجِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ وَ قَوْمٌ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَخْرُجْ مِنَ الْمَدِینَةِ حَتَّی نُقَاتِلَ فِی أَزِقَّتِهَا فَیُقَاتِلَ الرَّجُلُ الضَّعِیفُ وَ الْمَرْأَةُ وَ الْعَبْدُ وَ الْأَمَةُ عَلَی أَفْوَاهِ السِّكَكِ وَ عَلَی السُّطُوحِ فَمَا أَرَادَنَا قَوْمٌ قَطُّ فَظَفِرُوا بِنَا وَ نَحْنُ فِی حُصُونِنَا وَ دُورِنَا وَ مَا خَرَجْنَا إِلَی أَعْدَائِنَا قَطُّ إِلَّا كَانَ الظَّفَرُ لَهُمْ عَلَیْنَا فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَ غَیْرُهُ مِنَ الْأَوْسِ فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا طَمِعَ فِینَا أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ وَ نَحْنُ مُشْرِكُونَ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ فَكَیْفَ یَطْمَعُونَ فِینَا وَ أَنْتَ فِینَا لَا حَتَّی نَخْرُجَ إِلَیْهِمْ (4) فَنُقَاتِلَهُمْ فَمَنْ قُتِلَ مِنَّا كَانَ شَهِیداً وَ مَنْ نَجَا مِنَّا كَانَ قَدْ جَاهَدَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ قَوْلَهُ وَ خَرَجَ مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ یَبْتَغُونَ مَوْضِعاً لِلْقِتَالِ (5) كَمَا قَالَ اللَّهُ وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی قَوْلِهِ إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ
ص: 48
مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا (1) یَعْنِی عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَیٍّ وَ أَصْحَابَهُ (2) فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ عَسْكَرَهُ مِمَّا یَلِی طَرِیقَ الْعِرَاقِ (3) وَ قَعَدَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ وَ قَوْمُهُ (4) وَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْخَزْرَجِ اتَّبَعُوا رَأْیَهُ وَ وَافَتْ قُرَیْشٌ إِلَی أُحُدٍ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَدَّ أَصْحَابَهُ وَ كَانُوا سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ فَوَضَعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَیْرٍ فِی خَمْسِینَ مِنَ الرُّمَاةِ عَلَی بَابِ الشِّعْبِ وَ أَشْفَقَ أَنْ یَأْتِیَ كَمِینُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَیْرٍ وَ أَصْحَابِهِ إِنْ رَأَیْتُمُونَا قَدْ هَزَمْنَاهُمْ حَتَّی أَدْخَلْنَاهُمْ مَكَّةَ فَلَا تَبْرَحُوا مِنْ هَذَا الْمَكَانِ وَ إِنْ رَأَیْتُمُوهُمْ قَدْ هَزَمُونَا حَتَّی أَدْخَلُونَا الْمَدِینَةَ فَلَا تَبْرَحُوا وَ الْزَمُوا مَرَاكِزَكُمْ وَ وَضَعَ أَبُو سُفْیَانَ عَلَیْهِ اللَّعْنَةُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ عَلَیْهِ اللَّعْنَةُ فِی مِائَتَیْ فَارِسٍ كَمِیناً فَقَالَ لَهُ (5) إِذَا رَأَیْتُمُونَا قَدِ اخْتَلَطْنَا بِهِمْ فَاخْرُجُوا عَلَیْهِمْ مِنْ هَذَا الشِّعْبِ حَتَّی تَكُونُوا مِنْ وَرَائِهِمْ فَلَمَّا أَقْبَلَتِ الْخَیْلُ وَ اصْطَفُّوا وَ عَبَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَصْحَابَهُ دَفَعَ الرَّایَةَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَحَمَلَتِ (6) الْأَنْصَارُ كُلُّهُمْ عَلَی مُشْرِكِی قُرَیْشٍ فَانْهَزَمُوا هَزِیمَةً قَبِیحَةً وَ وَقَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی سَوَادِهِمْ وَ انْحَطَّ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ فِی مِائَتَیْ فَارِسٍ فَلَقِیَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَیْرٍ فَاسْتَقْبَلُوهُمْ بِالسِّهَامِ فَرَجَعَ (7) وَ نَظَرَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَیْرٍ إِلَی أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَنْتَهِبُونَ (8) سَوَادَ الْقَوْمِ قَالُوا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَیْرٍ مَا یُقِیمُنَا هَاهُنَا وَ قَدْ غَنِمُوا أَصْحَابُنَا وَ نَبْقَی نَحْنُ بِلَا غَنِیمَةٍ فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ اتَّقُوا اللَّهَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ تَقَدَّمَ إِلَیْنَا أَنْ لَا نَبْرَحَ فَلَمْ یَقْبَلُوا مِنْهُ وَ أَقْبَلَ یَنْسَلُّ رَجُلٌ فَرَجُلٌ حَتَّی أَخْلَوْا (9) مَرَاكِزَهُمْ
ص: 49
وَ بَقِیَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَیْرٍ فِی اثْنَیْ عَشَرَ رَجُلًا وَ قَدْ كَانَتْ رَایَةُ قُرَیْشٍ مَعَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِی طَلْحَةَ الْعَبْدَرِیِّ مِنْ بَنِی عَبْدِ الدَّارِ فَبَرَزَ وَ نَادَی یَا مُحَمَّدُ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تُجَهِّزُونَّا بِأَسْیَافِكُمْ إِلَی النَّارِ وَ نُجَهِّزُكُمْ بِأَسْیَافِنَا إِلَی الْجَنَّةِ فَمَنْ شَاءَ أَنْ یَلْحَقَ بِجَنَّتِهِ فَلْیَبْرُزْ إِلَیَّ فَبَرَزَ إِلَیْهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ هُوَ یَقُولُ.
یَا طَلْحُ إِنْ كُنْتُمْ كَمَا تَقُولُ***لَكُمْ خُیُولٌ وَ لَنَا نُصُولٌ. (1)
فَاثْبُتْ لِنَنْظُرَ أَیُّنَا الْمَقْتُولُ***وَ أَیُّنَا أَوْلَی بِمَا تَقُولُ
فَقَدْ أَتَاكَ الْأَسَدُ الصَّئُولُ
بِصَارِمٍ لَیْسَ بِهِ (2) فُلُولٌ*** یَنْصُرُهُ الْقَاهِرُ (3) وَ الرَّسُولُ
فَقَالَ طَلْحَةُ مَنْ أَنْتَ یَا غُلَامُ قَالَ أَنَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ یَا قُضَمُ (4) أَنَّهُ لَا یَجْسُرُ عَلَیَّ أَحَدٌ غَیْرُكَ فَشَدَّ عَلَیْهِ طَلْحَةُ فَضَرَبَهُ فَاتَّقَاهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِالْحَجَفَةِ ثُمَّ ضَرَبَهُ (5) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَی فَخِذَیْهِ فَقَطَعَهُمَا جَمِیعاً فَسَقَطَ عَلَی ظَهْرِهِ وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ (6) فَذَهَبَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِیُجْهِزَ عَلَیْهِ فَحَلَّفَهُ بِالرَّحِمِ
ص: 50
فَانْصَرَفَ عَنْهُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ أَ لَا أَجْهَزْتَ عَلَیْهِ قَالَ قَدْ ضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً لَا یَعِیشُ مِنْهَا أَبَداً ثُمَّ أَخَذَ الرَّایَةَ أَبُو سَعِیدِ (1) بْنُ أَبِی طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ سَقَطَتْ رَایَتُهُ إِلَی الْأَرْضِ فَأَخَذَهَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِی طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ عَلِیٌّ وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ إِلَی الْأَرْضِ فَأَخَذَهَا مُسَافِعُ (2) بْنُ أَبِی طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ إِلَی الْأَرْضِ فَأَخَذَهَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِی طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ إِلَی الْأَرْضِ فَأَخَذَهَا عُزَیْرُ بْنُ (3) عُثْمَانَ فَقَتَلَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ إِلَی الْأَرْضِ فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَمِیلَةَ (4) بْنِ زُهَیْرٍ فَقَتَلَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ إِلَی الْأَرْضِ فَقَتَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ التَّاسِعَ (5) مِنْ بَنِی عَبْدِ الدَّارِ وَ هُوَ أَرْطَأَةُ بْنُ شُرَحْبِیلَ مُبَارَزَةً وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ إِلَی الْأَرْضِ فَأَخَذَهَا مَوْلَاهُمْ صُؤَابٌ فَضَرَبَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی یَمِینِهِ فَقَطَعَهَا وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ إِلَی الْأَرْضِ فَأَخَذَهَا بِشِمَالِهِ فَضَرَبَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی شِمَالِهِ فَقَطَعَهَا فَسَقَطَتِ الرَّایَةُ إِلَی الْأَرْضِ فَاحْتَضَنَهَا بِیَدَیْهِ الْمَقْطُوعَتَیْنِ ثُمَّ قَالَ یَا بَنِی عَبْدِ الدَّارِ هَلْ أَعْذَرْتُ فِیمَا بَیْنِی وَ بَیْنَكُمْ فَضَرَبَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی رَأْسِهِ فَقَتَلَهُ (6) وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ إِلَی الْأَرْضِ فَأَخَذَتْهَا عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِیَّةُ فَنَصَبَتْهَا وَ انْحَطَّ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ عَلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَیْرٍ وَ قَدْ فَرَّ أَصْحَابُهُ وَ بَقِیَ فِی نَفَرٍ قَلِیلٍ فَقَتَلُوهُمْ عَلَی بَابِ الشِّعْبِ وَ اسْتَقْفُوا (7) الْمُسْلِمِینَ فَوَضَعُوا فِیهِمُ السَّیْفَ وَ نَظَرَتْ (8) قُرَیْشٌ
ص: 51
فِی هَزِیمَتِهَا إِلَی الرَّایَةِ قَدْ رُفِعَتْ فَلَاذُوا بِهَا وَ أَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ یَقْتُلُهُمْ (1) وَ انْهَزَمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله هَزِیمَةً قَبِیحَةً وَ أَقْبَلُوا یَصْعَدُونَ فِی الْجِبَالِ وَ فِی كُلِّ وَجْهٍ فَلَمَّا رَأَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْهَزِیمَةَ كَشَفَ الْبَیْضَةَ عَنْ رَأْسِهِ فَقَالَ (2) إِلَیَّ إِنِّی (3) أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَی أَیْنَ تَفِرُّونَ عَنِ اللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ.
وَ حَدَّثَنِی أَبِی عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَعْنَی قَوْلِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِی طَلْحَةَ لَمَّا بَارَزَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَا قُضَمُ (4) قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَانَ بِمَكَّةَ لَمْ یَجْسُرْ عَلَیْهِ أَحَدٌ لِمَوْضِعِ أَبِی طَالِبٍ وَ أَغْرَوْا بِهِ الصِّبْیَانَ وَ كَانُوا إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ یَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ وَ التُّرَابِ وَ شَكَا ذَلِكَ إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِذَا خَرَجْتَ فَأَخْرِجْنِی مَعَكَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَعَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَتَعَرَّضَ الصِّبْیَانُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَعَادَتِهِمْ فَحَمَلَ عَلَیْهِمْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ كَانَ یَقْضَمُهُمْ (5) فِی وُجُوهِهِمْ وَ آنَافِهِمْ وَ آذَانِهِمْ فَكَانَ الصِّبْیَانُ یَرْجِعُونَ بَاكِینَ إِلَی آبَائِهِمْ وَ یَقُولُونَ قَضِمَنَا عَلِیٌّ قَضِمَنَا عَلِیٌّ (6) فَسُمِّیَ لِذَلِكَ الْقُضَمَ (7).
وَ رُوِیَ عَنْ أَبِی وَاثِلَةَ (8) شَقِیقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ أُمَاشِی عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِذْ سَمِعْتُ مِنْهُ هَمْهَمَةً فَقُلْتُ لَهُ مَهْ یَا عُمَرُ فَقَالَ وَیْحَكَ أَ مَا تَرَی الْهِزَبْرَ الْقُثَمَ بْنَ الْقُثَمِ وَ الضَّارِبَ (9) بِالْبُهَمِ الشَّدِیدَ عَلَی مَنْ طَغَا وَ بَغَی (10) بِالسَّیْفَیْنِ وَ الرَّایَةِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا
ص: 52
هُوَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ فَقُلْتُ لَهُ یَا عُمَرُ هُوَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ فَقَالَ ادْنُ مِنِّی أُحَدِّثْكَ عَنْ شَجَاعَتِهِ وَ بَطَالَتِهِ (1) بَایَعْنَا النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ أُحُدٍ عَلَی أَنْ لَا نَفِرَّ وَ مَنْ فَرَّ مِنَّا فَهُوَ ضَالٌّ وَ مَنْ قُتِلَ مِنَّا فَهُوَ شَهِیدٌ وَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله زَعِیمُهُ إِذْ حَمَلَ عَلَیْنَا مِائَةُ صِنْدِیدٍ تَحْتَ كُلِّ صِنْدِیدٍ مِائَةُ رَجُلٍ أَوْ یَزِیدُونَ فَأَزْعَجُونَا عَنْ طَاحُونَتِنَا (2) فَرَأَیْتُ عَلِیّاً كَاللَّیْثِ یَتَّقِی الذَّرَّ (3) إِذْ قَدْ حَمَلَ كَفّاً (4) مِنْ حَصًی فَرَمَی بِهِ فِی وُجُوهِنَا ثُمَّ قَالَ شَاهَتِ الْوُجُوهُ وَ قُطَّتْ وَ بُطَّتْ وَ لُطَّتْ إِلَی أَیْنَ تَفِرُّونَ إِلَی النَّارِ فَلَمْ نَرْجِعْ ثُمَّ كَرَّ عَلَیْنَا الثَّانِیَةَ وَ بِیَدِهِ صَفِیحَةٌ یَقْطُرُ مِنْهَا الْمَوْتُ فَقَالَ بَایَعْتُمْ ثُمَّ نَكَسْتُمْ فَوَ اللَّهِ لَأَنْتُمْ أَوْلَی بِالْقَتْلِ مِمَّنْ أَقْتُلُ فَنَظَرْتُ إِلَی عَیْنَیْهِ كَأَنَّهُمَا سَلِیطَانِ یَتَوَقَّدَانِ نَاراً أَوْ كَالْقَدَحَیْنِ الْمَمْلُوَّیْنِ دَماً فَمَا ظَنَنْتُ إِلَّا وَ یَأْتِی عَلَیْنَا كُلِّنَا فَبَادَرْتُ أَنَا إِلَیْهِ مِنْ بَیْنِ أَصْحَابِی فَقُلْتُ یَا أَبَا الْحَسَنِ اللَّهَ اللَّهَ فَإِنَّ الْعَرَبَ تَفِرُّ وَ تَكُرُّ وَ إِنَّ الْكَرَّةَ تَنْفِی الْفَرَّةَ فَكَأَنَّهُ اسْتَحْیَا فَوَلَّی بِوَجْهِهِ (5) عَنِّی فَمَا زِلْتُ أُسَكِّنُ رَوْعَةَ فُؤَادِی فَوَ اللَّهِ مَا خَرَجَ ذَلِكَ الرُّعْبُ مِنْ قَلْبِی حَتَّی السَّاعَةِ وَ لَمْ یَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَّا أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ وَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ كُلَّمَا حَمَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اسْتَقْبَلَهُمْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ فَیَدْفَعُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ یَقْتُلُهُمْ حَتَّی انْقَطَعَ سَیْفُهُ وَ بَقِیَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله نَسِیبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ الْمَازِنِیَّةُ وَ كَانَتْ تَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی غَزَوَاتِهِ تُدَاوِی الْجَرْحَی وَ كَانَ ابْنُهَا مَعَهَا فَأَرَادَ أَنْ یَنْهَزِمَ وَ یَتَرَاجَعَ فَحَمَلَتْ عَلَیْهِ فَقَالَتْ یَا بُنَیَّ إِلَی أَیْنَ تَفِرُّ عَنِ اللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ فَرَدَّتْهُ فَحَمَلَ عَلَیْهِ رَجُلٌ فَقَتَلَهُ فَأَخَذَتْ سَیْفَ ابْنِهَا فَحَمَلَتْ عَلَی الرَّجُلِ فَضَرَبَتْهُ (6) عَلَی فَخِذِهِ فَقَتَلَتْهُ فَقَالَ
ص: 53
رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَارَكَ اللَّهُ عَلَیْكِ یَا نَسِیبَةُ.
وَ كَانَتْ تَقِی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِصَدْرِهَا وَ ثَدْیَیْهَا (1) حَتَّی أَصَابَتْهَا جِرَاحَاتٌ كَثِیرَةٌ وَ حَمَلَ ابْنُ قَمِیئَةَ (2) عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ أَرُونِی مُحَمَّداً لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا فَضَرَبَهُ عَلَی حَبْلِ عَاتِقِهِ وَ نَادَی قَتَلْتُ مُحَمَّداً وَ اللَّاتِ وَ الْعُزَّی وَ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی رَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ قَدْ أَلْقَی تُرْسَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ وَ هُوَ فِی الْهَزِیمَةِ فَنَادَاهُ یَا صَاحِبَ التُّرْسِ أَلْقِ تُرْسَكَ وَ مُرَّ (3) إِلَی النَّارِ فَرَمَی بِتُرْسِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا نَسِیبَةُ خُذِی التُّرْسَ فَأَخَذَتِ التُّرْسَ وَ كَانَتْ تُقَاتِلُ الْمُشْرِكِینَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَقَامُ نَسِیبَةَ أَفْضَلُ مِنْ مَقَامِ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ.
فَلَمَّا انْقَطَعَ سَیْفُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ جَاءَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ یُقَاتِلُ بِالسِّلَاحِ وَ قَدِ انْقَطَعَ سَیْفِی فَدَفَعَ إِلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سَیْفَهُ ذَا الْفَقَارِ فَقَالَ قَاتِلْ بِهَذَا وَ لَمْ یَكُنْ یَحْمِلُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَحَدٌ إِلَّا اسْتَقْبَلَهُ (4) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَإِذَا رَأَوْهُ رَجَعُوا فَانْحَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی نَاحِیَةِ أُحُدٍ فَوَقَفَ وَ كَانَ الْقِتَالُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَ قَدِ انْهَزَمَ أَصْحَابُهُ فَلَمْ یَزَلْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ یُقَاتِلُهُمْ حَتَّی أَصَابَهُ فِی وَجْهِهِ وَ رَأْسِهِ وَ صَدْرِهِ وَ بَطْنِهِ وَ یَدَیْهِ وَ رِجْلَیْهِ تِسْعُونَ جِرَاحَةً فَتَحَامَوْهُ (5) وَ سَمِعُوا مُنَادِیاً (6) مِنَ السَّمَاءِ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ.
فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (7) فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ هَذِهِ وَ اللَّهِ الْمُوَاسَاةُ
ص: 54
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِأَنِّی مِنْهُ وَ هُوَ مِنِّی فَقَالَ جَبْرَئِیلُ وَ أَنَا مِنْكُمَا.
وَ كَانَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ فِی وَسَطِ الْعَسْكَرِ فَكُلَّمَا انْهَزَمَ رَجُلٌ مِنْ قُرَیْشٍ دَفَعَتْ إِلَیْهِ مِیلًا وَ مُكْحُلَةً وَ قَالَتْ إِنَّمَا أَنْتَ امْرَأَةٌ فَاكْتَحِلْ بِهَذَا.
وَ كَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ یَحْمِلُ عَلَی الْقَوْمِ فَإِذَا رَأَوْهُ انْهَزَمُوا وَ لَمْ یَثْبُتْ لَهُ أَحَدٌ وَ كَانَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ عَلَیْهَا اللَّعْنَةُ قَدْ أَعْطَتْ وَحْشِیّاً عَهْداً لَئِنْ قَتَلْتَ مُحَمَّداً أَوْ عَلِیّاً أَوْ حَمْزَةَ لَأَعْطَیْتُكَ (لَأُعْطِیَنَّكَ) (1) رِضَاكَ وَ كَانَ وَحْشِیٌّ عَبْداً لِجُبَیْرِ بْنِ مُطْعِمٍ حَبَشِیّاً فَقَالَ وَحْشِیٌّ أَمَّا مُحَمَّدٌ فَلَا أَقْدِرُ عَلَیْهِ وَ أَمَّا عَلِیٌّ فَرَأَیْتُهُ رَجُلًا حَذِراً كَثِیرَ الِالْتِفَاتِ فَلَمْ أَطْمَعْ فِیهِ فَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ فَرَأَیْتُهُ یَهُدُّ النَّاسَ هَدّاً فَمَرَّ بِی فَوَطِئَ عَلَی جُرُفِ (2) نَهَرٍ فَسَقَطَ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِی فَهَزَزْتُهَا وَ رَمَیْتُهُ فَوَقَعَتْ فِی خَاصِرَتِهِ وَ خَرَجَتْ مِنْ مَثَانَتِهِ (3) فَسَقَطَ فَأَتَیْتُهُ فَشَقَقْتُ بَطْنَهُ فَأَخَذْتُ كَبِدَهُ وَ جِئْتُ بِهَا إِلَی هِنْدٍ فَقُلْتُ لَهَا هَذِهِ كَبِدُ حَمْزَةَ فَأَخَذَتْهَا فِی فَمِهَا (4) فَلَاكَتْهَا فَجَعَلَهَا اللَّهُ فِی فِیهَا مِثْلَ الدَّاغِصَةِ (5) فَلَفَظَتْهَا وَ رَمَتْ (6) بِهَا فَبَعَثَ اللَّهُ مَلَكاً فَحَمَلَهُ وَ رَدَّهُ إِلَی مَوْضِعِهِ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَبَی اللَّهُ أَنْ یُدْخِلَ شَیْئاً مِنْ بَدَنِ حَمْزَةَ النَّارَ.
فَجَاءَتْ إِلَیْهِ هِنْدٌ فَقَطَعَتْ مَذَاكِیرَهُ (7) وَ قَطَعَتْ أُذُنَیْهِ وَ جَعَلَتْهُمَا خُرْصَیْنِ
ص: 55
وَ شَدَّتْهُمَا فِی عُنُقِهَا وَ قَطَعَتْ یَدَیْهِ وَ رِجْلَیْهِ وَ تَرَاجَعَ النَّاسُ فَصَارَتْ قُرَیْشٌ عَلَی الْجَبَلِ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ وَ هُوَ عَلَی الْجَبَلِ اعْلُ هُبَلُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ قُلْ لَهُ اللَّهُ أَعْلَی وَ أَجَلُّ.
فَقَالَ یَا عَلِیُّ إِنَّهُ قَدْ أُنْعِمَ عَلَیْنَا.
فَقَالَ عَلِیٌّ بَلِ اللَّهُ أَنْعَمَ عَلَیْنَا.
ثُمَّ قَالَ یَا عَلِیُّ أَسْأَلُكَ بِاللَّاتِ وَ الْعُزَّی هَلْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ لَهُ لَعَنَكَ اللَّهُ وَ لَعَنَ اللَّاتَ وَ الْعُزَّی مَعَكَ وَ اللَّهِ مَا قُتِلَ وَ هُوَ یَسْمَعُ كَلَامَكَ قَالَ أَنْتَ أَصْدَقُ لَعَنَ اللَّهُ ابْنَ قَمِیئَةَ زَعَمَ أَنَّهُ قَتَلَ مُحَمَّداً.
وَ كَانَ عَمْرُو بْنُ قَیْسٍ (1) قَدْ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ فَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی الْحَرْبِ أَخَذَ سَیْفَهُ وَ تُرْسَهُ وَ أَقْبَلَ كَاللَّیْثِ الْعَادِی یَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ خَالَطَ الْقَوْمَ فَاسْتُشْهِدَ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَرَآهُ صَرِیعاً بَیْنَ الْقَتْلَی فَقَالَ یَا عَمْرُو وَ أَنْتَ عَلَی دِینِكَ الْأَوَّلِ قَالَ لَا وَ اللَّهِ إِنِّی أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ مَاتَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَمْرَو بْنَ ثَابِتٍ (2) قَدْ أَسْلَمَ وَ قُتِلَ فَهُوَ شَهِیدٌ قَالَ إِی وَ اللَّهِ شَهِیدٌ مَا رَجُلٌ لَمْ یُصَلِّ لِلَّهِ رَكْعَةً دَخَلَ (3) الْجَنَّةَ غَیْرَهُ.
ص: 56
وَ كَانَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِی عَامِرٍ (1) رجل (رَجُلًا) مِنَ الْخَزْرَجِ تَزَوَّجَ فِی تِلْكَ اللَّیْلَةِ الَّتِی كَانَتْ صَبِیحَتَهَا حَرْبُ أُحُدٍ بِبِنْتِ (2) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیِّ بْنِ سَلُولٍ وَ دَخَلَ بِهَا فِی تِلْكَ اللَّیْلَةِ وَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یُقِیمَ عِنْدَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلی أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ یَذْهَبُوا حَتَّی یَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ (3) فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ هَذِهِ الْآیَةُ فِی سُورَةِ النُّورِ وَ أَخْبَارُ أُحُدٍ فِی سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فَهَذَا الدَّلِیلُ عَلَی أَنَّ التَّأْلِیفَ عَلَی خِلَافِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ.
فَدَخَلَ حَنْظَلَةُ بِأَهْلِهِ وَ وَقَعَ عَلَیْهَا (4) فَأَصْبَحَ وَ خَرَجَ وَ هُوَ جُنُبٌ فَحَضَرَ الْقِتَالَ فَبَعَثَتِ امْرَأَتُهُ إِلَی أَرْبَعَةِ نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمَّا أَرَادَ حَنْظَلَةُ أَنْ یَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهَا وَ أَشْهَدَتْ عَلَیْهِ أَنَّهُ قَدْ وَاقَعَهَا فَقِیلَ لَهَا لِمَ فَعَلْتِ ذَلِكِ قَالَتْ رَأَیْتُ فِی هَذِهِ اللَّیْلَةِ فِی نَوْمِی كَأَنَّ السَّمَاءَ قَدِ انْفَرَجَتْ فَوَقَعَ فِیهَا حَنْظَلَةُ ثُمَّ انْضَمَّتْ فَعَلِمْتُ أَنَّهَا الشَّهَادَةُ فَكَرِهْتُ أَنْ لَا أُشْهِدَ عَلَیْهِ فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَلَمَّا حَضَرَ (5) الْقِتَالَ نَظَرَ إِلَی أَبِی سُفْیَانَ عَلَی فَرَسٍ یَجُولُ بَیْنَ الْعَسْكَرِ (6) فَحَمَلَ عَلَیْهِ فَضَرَبَ (7) عُرْقُوبَ فَرَسِهِ فَاكْتَسَعَتِ الْفَرَسُ وَ سَقَطَ أَبُو سُفْیَانَ إِلَی الْأَرْضِ وَ صَاحَ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ أَنَا أَبُو سُفْیَانَ وَ هَذَا (8)
ص: 57
حَنْظَلَةُ یُرِیدُ قَتْلِی وَ عَدَا أَبُو سُفْیَانَ وَ مَرَّ حَنْظَلَةُ فِی طَلَبِهِ فَعَرَضَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ فَطَعَنَهُ فَمَشَی إِلَی الْمُشْرِكِ فِی طَعْنِهِ (1) فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ وَ سَقَطَ حَنْظَلَةُ إِلَی الْأَرْضِ بَیْنَ حَمْزَةَ وَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حِزَامٍ وَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله رَأَیْتُ الْمَلَائِكَةَ تَغْسِلُ حَنْظَلَةَ بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ بِمَاءِ الْمُزْنِ فِی صَحَائِفَ (2) مِنْ ذَهَبٍ فَكَانَ یُسَمَّی غَسِیلَ الْمَلَائِكَةِ.
وَ رُوِیَ أَنَّ مُغِیرَةَ بْنَ الْعَاصِ كَانَ رَجُلًا أَعْسَرَ فَحَمَلَ (3) فِی طَرِیقِهِ إِلَی أُحُدٍ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ فَقَالَ بِهَذِهِ أَقْتُلُ مُحَمَّداً فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالَ نَظَرَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بِیَدِهِ السَّیْفُ فَرَمَاهُ (4) بِحَجَرٍ فَأَصَابَ بِهِ (5) رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَسَقَطَ السَّیْفُ مِنْ یَدِهِ فَقَالَ قَتَلْتُهُ وَ اللَّاتِ وَ الْعُزَّی فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ كَذَبَ لَعَنَهُ اللَّهُ فَرَمَاهُ بِحَجَرٍ آخَرَ فَأَصَابَ جَبْهَتَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ اللَّهُمَّ حَیِّرْهُ فَلَمَّا انْكَشَفَ النَّاسُ تَحَیَّرَ فَلَحِقَهُ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ فَقَتَلَهُ وَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَی ابْنِ قَمِیئَةَ الشَّجَرَ فَكَانَ یَمُرُّ بِالشَّجَرِ فَیَقَعُ فِی وَسَطِهَا فَتَأْخُذُ مِنْ لَحْمِهِ فَلَمْ یَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّی صَارَ مِثْلَ الصِّرِّ وَ مَاتَ لَعَنَهُ اللَّهُ.
وَ رَجَعَ الْمُنْهَزِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَی رَسُولِهِ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا یَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِینَ جاهَدُوا مِنْكُمْ (6) یَعْنِی وَ لَمَّا یَرَ لِأَنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ عَلِمَ قَبْلَ ذَلِكَ مَنْ یُجَاهِدُ وَ مَنْ لَا یُجَاهِدُ فَأَقَامَ الْعِلْمَ مَقَامَ الرُّؤْیَةِ لِأَنَّهُ یُعَاقِبُهُمْ (7) بِفِعْلِهِمْ لَا بِعِلْمِهِ.
ص: 58
قَوْلُهُ تَعَالَی وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ (1) الْآیَةَ- وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی الْجَارُودِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ (2) فَإِنَّ الْمُؤْمِنِینَ لَمَّا أَخْبَرَهُمُ اللَّهُ بِالَّذِی فَعَلَ بِشُهَدَائِهِمْ یَوْمَ بَدْرٍ وَ مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْجَنَّةِ رَغِبُوا فِی ذَلِكَ فَقَالُوا اللَّهُمَّ أَرِنَا قِتَالًا نَسْتَشْهِدُ فِیهِ فَأَرَاهُمُ اللَّهُ إِیَّاهُ یَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ یَثْبُتُوا إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْآیَةَ.
وَ أَمَّا قَوْلُهُ وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ (3) الْآیَةَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا خَرَجَ یَوْمَ أُحُدٍ وَ عَهِدَ الْعَاهِدُ بِهِ عَلَی تِلْكَ الْحَالِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ یَقُولُ لِمَنْ لَقِیَهُ (4) إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ قُتِلَ النِّجَاءَ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَی الْمَدِینَةِ أَنْزَلَ اللَّهُ وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إِلَی قَوْلِهِ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ یَقُولُ إِلَی الْكُفْرِ.
قَوْلُهُ وَ كَأَیِّنْ مِنْ نَبِیٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّیُّونَ كَثِیرٌ یَقُولُ كَأَیِّنْ مِنْ نَبِیٍّ قَبْلَ مُحَمَّدٍ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّیُّونَ كَثِیرٌ وَ الرِّبِّیُّونَ الْجُمُوعُ الْكَثِیرَةُ وَ الرِّبَّةُ الْوَاحِدَةُ عَشَرَةُ آلَافٍ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ نَبِیِّهِمْ وَ ما ضَعُفُوا إِلَی قَوْلِهِ وَ إِسْرافَنا فِی أَمْرِنا (5) یَعْنُونَ خَطَایَاهُمْ.
قَالَ عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ فِی قَوْلِهِ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ تُطِیعُوا الَّذِینَ كَفَرُوا یَعْنِی عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَیٍّ حَیْثُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ رَجَعَ یُجَبِّنُ أَصْحَابَهُ سَنُلْقِی فِی قُلُوبِ الَّذِینَ كَفَرُوا الرُّعْبَ یَعْنِی قُرَیْشاً بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ (6).
قَوْلُهُ وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ یَعْنِی أَنْ یَنْصُرَكُمْ عَلَیْهِمْ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ إِذْ (7) تَقْتُلُونَهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ (8) أَیْ مَا كَانُوا أَحَبُّوا
ص: 59
وَ سَأَلُوا مِنَ الشَّهَادَةِ مِنْكُمْ مَنْ یُرِیدُ الدُّنْیا یَعْنِی أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَیْرٍ الَّذِینَ تَرَكُوا مَرَاكِزَهُمْ وَ مَرُّوا لِلْغَنِیمَةِ (1) وَ مِنْكُمْ مَنْ یُرِیدُ الْآخِرَةَ یَعْنِی عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَیْرٍ وَ أَصْحَابَهُ الَّذِینَ بَقُوا (2) حَتَّی قُتِلُوا ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِیَبْتَلِیَكُمْ أَیْ یَخْتَبِرَكُمْ ثُمَّ (3) ذَكَرَ الْمُنْهَزِمِینَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ إِلَی قَوْلِهِ وَ اللَّهُ خَبِیرٌ بِما تَعْمَلُونَ
وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی الْجَارُودِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ فَأَمَّا الْغَمُّ الْأَوَّلُ فَالْهَزِیمَةُ وَ الْقَتْلُ وَ الْغَمُّ الْآخِرُ فَإِشْرَافُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ عَلَیْهِمْ یَقُولُ لِكَیْلا تَحْزَنُوا عَلی ما فاتَكُمْ مِنَ الْغَنِیمَةِ وَ لا ما أَصابَكُمْ یَعْنِی قَتْلَ إِخْوَانِهِمْ وَ اللَّهُ خَبِیرٌ بِما تَعْمَلُونَ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَیْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ قَالَ یَعْنِی الْهَزِیمَةَ وَ تَرَاجَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ الْمَجْرُوحُونَ وَ غَیْرُهُمْ فَأَقْبَلُوا یَعْتَذِرُونَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَحَبَّ اللَّهُ أَنْ یُعَرِّفَ رَسُولَهُ صلی اللّٰه علیه و آله مَنِ الصَّادِقُ مِنْهُمْ وَ مَنِ الْكَاذِبُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَیْهِمُ النُّعَاسَ فِی تِلْكَ الْحَالَةِ حَتَّی كَانُوا (4) یَسْقُطُونَ إِلَی الْأَرْضِ وَ كَانَ الْمُنَافِقُونَ الَّذِینَ یَكْذِبُونَ لَا یَسْتَقِرُّونَ قَدْ طَارَتْ عُقُولُهُمْ وَ هُمْ یَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامٍ لَا یُفْهَمُ عَنْهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَیْهِ یَغْشی طائِفَةً مِنْكُمْ یَعْنِی الْمُؤْمِنِینَ وَ طائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ یَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَیْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِیَّةِ یَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَیْ ءٍ قَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ یُخْفُونَ فِی أَنْفُسِهِمْ ما لا یُبْدُونَ لَكَ یَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَیْ ءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا یَقُولُونَ لَوْ كُنَّا فِی بُیُوتِنَا مَا أَصَابَنَا الْقَتْلُ قَالَ اللَّهُ لَوْ كُنْتُمْ فِی بُیُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِینَ كُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلی مَضاجِعِهِمْ وَ لِیَبْتَلِیَ اللَّهُ ما فِی صُدُورِكُمْ وَ لِیُمَحِّصَ ما فِی قُلُوبِكُمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (5) فَأَخْبَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ مَا فِی قُلُوبِ الْقَوْمِ
ص: 60
وَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُؤْمِناً وَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُنَافِقاً كَاذِباً بِالنُّعَاسِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَیْهِ ما كانَ اللَّهُ لِیَذَرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلی ما أَنْتُمْ عَلَیْهِ حَتَّی یَمِیزَ الْخَبِیثَ مِنَ الطَّیِّبِ (1) یَعْنِی الْمُنَافِقَ الْكَاذِبَ مِنَ الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ بِالنُّعَاسِ الَّذِی مَیَّزَ بَیْنَهُمْ.
قَوْلُهُ إِنَّ الَّذِینَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّیْطانُ أَیْ خَدَعَهُمْ حَتَّی طَلَبُوا الْغَنِیمَةَ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا قَالَ بِذُنُوبِهِمْ وَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ثُمَّ قَالَ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِینَ كَفَرُوا یَعْنِی عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَیٍّ وَ أَصْحَابَهُ الَّذِینَ قَعَدُوا عَنِ الْحَرْبِ وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِی الْأَرْضِ إِلَی قَوْلِهِ بَصِیرٌ ثُمَّ قَالَ لِنَبِیِّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ أَیِ انْهَزَمُوا (2) وَ لَمْ یُقِیمُوا مَعَكَ ثُمَّ قَالَ تَأْدِیباً لِرَسُولِهِ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِلَی قَوْلِهِ وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی الْجَارُودِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ وَ ما كانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَغُلَّ فَصَدَقَ اللَّهُ لَمْ یَكُنِ اللَّهُ لِیَجْعَلَ نَبِیّاً غَالًّا وَ مَنْ یَغْلُلْ یَأْتِ بِما غَلَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ مَنْ غَلَّ (3) شَیْئاً رَآهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فِی النَّارِ ثُمَّ یُكَلَّفُ أَنْ یَدْخُلَ إِلَیْهِ فَیُخْرِجَهُ مِنَ النَّارِ ثُمَّ تُوَفَّی كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ (4).
قَوْلُهُ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ إِذْ بَعَثَ فِیهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ (5) فَهَذِهِ الْآیَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ.
قَوْلُهُ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ یَقُولُ بِمَعْصِیَتِكُمْ (6) أَصَابَكُمْ مَا أَصَابَكُمْ.
ص: 61
قَوْلُهُ وَ قِیلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَهُمْ ثَلَاثُمِائَةِ مُنَافِقٍ رَجَعُوا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیِّ بْنِ سَلُولٍ فَقَالَ لَهُمْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ فِی نَبِیِّكُمْ وَ دِینِكُمْ وَ دِیَارِكُمْ فَقَالُوا وَ اللَّهِ لَا یَكُونُ الْقِتَالُ الْیَوْمَ وَ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّهُ یَكُونُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ یَقُولُ اللَّهُ هُمْ لِلْكُفْرِ یَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِیمانِ (1) الْآیَةَ.
فَلَمَّا سَكَنَ الْقِتَالُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِسَعْدِ بْنِ الرَّبِیعِ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا أَطْلُبُهُ فَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی مَوْضِعٍ فَقَالَ اطْلُبْهُ (2) هُنَاكَ فَإِنِّی قَدْ رَأَیْتُهُ فِی ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قَدْ شُرِّعَتْ حَوْلَهُ اثْنَا عَشَرَ رُمْحاً قَالَ فَأَتَیْتُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَإِذَا هُوَ صَرِیعٌ بَیْنَ الْقَتْلَی فَقُلْتُ یَا سَعْدُ فَلَمْ یُجِبْنِی ثُمَّ قُلْتُ یَا سَعْدُ فَلَمْ یُجِبْنِی فَقُلْتُ یَا سَعْدُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ سَأَلَ عَنْكَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَانْتَعَشَ كَمَا یَنْتَعِشُ الْفَرْخُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَحَیٌّ قُلْتُ إِی وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَحَیٌّ وَ قَدْ أَخْبَرَنِی أَنَّهُ رَأَی حَوْلَكَ اثْنَیْ عَشَرَ رُمْحاً فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ طُعِنْتُ اثْنَتَیْ عَشْرَةَ (3) طَعْنَةً كُلُّهَا قَدْ جَافَتْنِی (4) أَبْلِغْ قَوْمِیَ الْأَنْصَارَ السَّلَامَ وَ قُلْ لَهُمْ وَ اللَّهِ مَا لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ عُذْرٌ أَنْ تَشُوكَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله شَوْكَةٌ وَ فِیكُمْ عَیْنٌ تَطْرِفُ ثُمَّ تَنَفَّسَ فَخَرَجَ مِنْهُ مِثْلُ دَمِ الْجَزُورِ وَ قَدْ كَانَ احْتَقَنَ فِی جَوْفِهِ وَ قَضَی نَحْبَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ.
ثُمَّ جِئْتُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَخْبَرْتُهُ فَقَالَ رَحِمَ اللَّهُ سَعْداً نَصَرَنَا حَیّاً وَ أَوْصَی بِنَا مَیِّتاً ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِعَمِّی حَمْزَةَ فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ أَنَا أَعْرِفُ مَوْضِعَهُ فَجَاءَ حَتَّی وَقَفَ عَلَی حَمْزَةَ فَكَرِهَ أَنْ یَرْجِعَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَیُخْبِرَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَا عَلِیُّ اطْلُبْ عَمَّكَ فَجَاءَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَوَقَفَ عَلَی حَمْزَةَ فَكَرِهَ أَنْ یَرْجِعَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 62
حَتَّی وَقَفَ عَلَیْهِ فَلَمَّا رَأَی مَا فُعِلَ بِهِ بَكَی ثُمَّ قَالَ وَ اللَّهِ مَا وَقَفْتُ مَوْقِفاً قَطُّ أَغْیَظَ عَلَیَّ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ لَئِنْ أَمْكَنَنِی اللَّهُ مِنْ قُرَیْشٍ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِینَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَنَزَلَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَیْرٌ لِلصَّابِرِینَ وَ اصْبِرْ (1) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَلْ أَصْبِرُ فَأَلْقَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی حَمْزَةَ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَیْهِ فَكَانَتْ إِذَا مَدَّهَا عَلَی رَأْسِهِ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَ إِذَا مَدَّهَا عَلَی رِجْلَیْهِ بَدَا رَأْسُهُ فَمَدَّهَا عَلَی رَأْسِهِ وَ أَلْقَی عَلَی رِجْلَیْهِ الْحَشِیشَ وَ قَالَ لَوْ لَا أَنِّی أَحْذَرُ (2) نِسَاءَ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَتَرَكْتُهُ لِلْعِقْبَانِ (3) وَ السِّبَاعِ حَتَّی یُحْشَرَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ مِنْ بُطُونِ السِّبَاعِ وَ الطَّیْرِ.
وَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِالْقَتْلَی فَجُمِعُوا فَصَلَّی عَلَیْهِمْ وَ دَفَنَهُمْ فِی مَضَاجِعِهِمْ وَ كَبَّرَ عَلَی حَمْزَةَ سَبْعِینَ تَكْبِیرَةً.
قَالَ وَ صَاحَ إِبْلِیسُ بِالْمَدِینَةِ قُتِلَ مُحَمَّدٌ فَلَمْ یَبْقَ أَحَدٌ مِنْ نِسَاءِ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَ خَرَجَ (4) وَ خَرَجَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله تَعْدُو عَلَی قَدَمَیْهَا حَتَّی وَافَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَعَدَتْ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ كَانَ (5) إِذَا بَكَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَكَتْ وَ إِذَا انْتَحَبَ انْتَحَبَتْ.
وَ نَادَی أَبُو سُفْیَانَ مَوْعِدُنَا وَ مَوْعِدُكُمُ فِی عَامٍ قَابِلٍ فَنَقْتَتِلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ قُلْ نَعَمْ وَ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ دَخَلَ الْمَدِینَةَ وَ
ص: 63
اسْتَقْبَلَتْهُ النِّسَاءُ یُوَلْوِلْنَ (1) وَ یَبْكِینَ فَاسْتَقْبَلَتْهُ زَیْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله احْتَسِبِی فَقَالَتْ مَنْ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَخَاكِ قَالَتْ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ هَنِیئاً لَهُ الشَّهَادَةُ ثُمَّ قَالَ لَهَا احْتَسِبِی قَالَتْ (2) مَنْ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَتْ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ هَنِیئاً لَهُ الشَّهَادَةُ ثُمَّ قَالَ لَهَا احْتَسِبِی قَالَتْ (3) مَنْ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ زَوْجَكِ مُصْعَبَ بْنَ عُمَیْرٍ قَالَتْ وَا حُزْنَاهْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ لِلزَّوْجِ عِنْدَ الْمَرْأَةِ لَحَدّاً مَا لِأَحَدٍ مِثْلُهُ فَقِیلَ لَهَا لِمَ قُلْتِ ذَلِكِ فِی زَوْجِكِ قَالَتْ ذَكَرْتُ یُتْمَ وُلْدِهِ.قَالَ وَ تَآمَرَتْ قُرَیْشٌ عَلَی أَنْ یَرْجِعُوا وَ یُغِیرُوا عَلَی الْمَدِینَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَیُّ رَجُلٍ (4) یَأْتِینَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ فَلَمْ یُجِبْهُ أَحَدٌ فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنَا آتِیكُمْ (5) بِخَبَرِهِمْ قَالَ اذْهَبْ فَإِنْ كَانُوا رَكِبُوا الْخَیْلَ وَ جَنَبُوا الْإِبِلَ فَهُمْ (6) یُرِیدُونَ الْمَدِینَةَ وَ اللَّهِ لَئِنْ أَرَادُوا الْمَدِینَةَ لَأُنَازِلَنَّ اللَّهَ فِیهِمْ وَ إِنْ كَانُوا رَكِبُوا الْإِبِلَ وَ جَنَبُوا الْخَیْلَ فَإِنَّهُمْ یُرِیدُونَ مَكَّةَ فَمَضَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی مَا بِهِ مِنَ الْأَلَمِ وَ الْجِرَاحَاتِ حَتَّی كَانَ قَرِیباً مِنَ الْقَوْمِ فَرَآهُمْ قَدْ رَكِبُوا الْإِبِلَ وَ جَنَبُوا الْخَیْلَ فَرَجَعَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَرَادُوا مَكَّةَ.
فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْمَدِینَةَ نَزَلَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُكَ أَنْ تَخْرُجَ فِی أَثَرِ الْقَوْمِ وَ لَا یَخْرُجُ مَعَكَ إِلَّا مَنْ بِهِ جِرَاحَةٌ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مُنَادِیاً یُنَادِی یَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ مَنْ كَانَتْ بِهِ جِرَاحَةٌ فَلْیَخْرُجْ وَ مَنْ لَمْ یَكُنْ بِهِ جِرَاحَةٌ فَلْیُقِمْ فَأَقْبَلُوا یُضَمِّدُونَ (7) جِرَاحَاتِهِمْ وَ یُدَاوُونَهَا وَ أَنْزَلَ
ص: 64
اللَّهُ عَلَی نَبِیِّهِ وَ لا تَهِنُوا فِی ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ (1) الْآیَةَ فَهَذِهِ الْآیَةُ فِی سُورَةِ النِّسَاءِ وَ یَجِبُ (2) أَنْ تَكُونَ فِی هَذِهِ السُّورَةِ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِنْ یَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ (3) الْآیَةَ فَخَرَجُوا عَلَی مَا بِهِمْ مِنَ الْأَلَمِ وَ الْجِرَاحِ فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَمْرَاءَ الْأَسَدِ وَ قُرَیْشٌ قَدْ نَزَلَتِ الرَّوْحَاءَ قَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِی جَهْلٍ وَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ نَرْجِعُ فَنُغِیرُ عَلَی الْمَدِینَةِ فَقَدْ قَتَلْنَا سَرَاتَهُمْ وَ كَبْشَهُمْ یَعْنُونَ (4) حَمْزَةَ فَوَافَاهُمْ رَجُلٌ خَرَجَ مِنَ الْمَدِینَةِ فَسَأَلُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ تَرَكْتُ مُحَمَّداً وَ أَصْحَابَهُ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ یَطْلُبُونَكُمْ أَحَدَّ الطَّلَبِ (5) فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ هَذَا النَّكَدُ وَ الْبَغْیُ قَدْ ظَفِرْنَا بِالْقَوْمِ وَ بَغَیْنَا (6) وَ اللَّهِ مَا أَفْلَحَ قَوْمٌ قَطُّ بَغَوْا فَوَافَاهُمْ نُعَیْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِیُّ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ أَیْنَ تُرِیدُ قَالَ الْمَدِینَةَ لِأَمْتَارَ لِأَهْلِی طَعَاماً قَالَ هَلْ لَكَ أَنْ تَمُرَّ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ وَ تَلْقَی أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ وَ تُعْلِمَهُمْ أَنَّ حُلَفَاءَنَا وَ مَوَالِیَنَا قَدْ وَافَوْنَا مِنَ الْأَحَابِیشِ حَتَّی یَرْجِعُوا عَنَّا وَ لَكَ عِنْدِی عَشَرَةُ قَلَائِصَ أَمْلَؤُهَا تَمْراً وَ زَبِیباً قَالَ نَعَمْ فَوَافَی مِنْ غَدِ ذَلِكَ الْیَوْمِ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ فَقَالَ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَیْنَ تُرِیدُونَ قَالُوا قُرَیْشاً قَالَ ارْجِعُوا فَإِنَّ قُرَیْشاً قَدِ اجْتَمَعَتْ إِلَیْهِمْ حُلَفَاؤُهُمْ وَ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُمْ وَ مَا أَظُنُّ إِلَّا وَ أَوَائِلُ خَیْلِهِمْ یَطَّلِعُونَ (7) عَلَیْكُمُ السَّاعَةَ فَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ مَا نُبَالِی (8) وَ نَزَلَ جَبْرَئِیلُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ ارْجِعْ یَا مُحَمَّدُ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَرْعَبَ قُرَیْشاً وَ مَرُّوا لَا یَلْوُونَ عَلَی شَیْ ءٍ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی
ص: 65
الْمَدِینَةِ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ الَّذِینَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ (1) إِلَی قَوْلِهِ الَّذِینَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ یَعْنِی نُعَیْمَ بْنَ مَسْعُودٍ فَهَذَا لَفْظُهُ عَامٌّ وَ مَعْنَاهُ خَاصٌّ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ الْآیَةَ.
فَلَمَّا دَخَلُوا الْمَدِینَةَ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا هَذَا الَّذِی أَصَابَنَا وَ قَدْ كُنْتَ تَعِدُنَا النَّصْرَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِیبَةٌ (2) الْآیَةَ وَ ذَلِكَ أَنَّ یَوْمَ بَدْرٍ قُتِلَ مِنْ قُرَیْشٍ سَبْعُونَ وَ أُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَ كَانَ الْحُكْمُ فِی الْأُسَارَی الْقَتْلَ فَقَامَتِ الْأَنْصَارُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ هَبْهُمْ لَنَا وَ لَا تَقْتُلْهُمْ حَتَّی نُفَادِیَهُمْ فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبَاحَ لَهُمُ الْفِدَاءَ أَنْ یَأْخُذُوا مِنْ هَؤُلَاءِ وَ یُطْلِقُوهُمْ عَلَی أَنْ یُسْتَشْهَدَ مِنْهُمْ فِی عَامٍ قَابِلٍ بِقَدْرِ مَا یَأْخُذُونَ (3) مِنْهُ الْفِدَاءَ فَأَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِهَذَا الشَّرْطِ فَقَالُوا قَدْ رَضِینَا بِهِ نَأْخُذُ الْعَامَ الْفِدَاءَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَ نَتَقَوَّی بِهِ وَ یُقْتَلُ مِنَّا فِی عَامٍ قَابِلٍ بِعَدَدِ مَنْ نَأْخُذُ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ وَ نَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَأَخَذُوا مِنْهُمُ الْفِدَاءَ وَ أَطْلَقُوهُمْ فَلَمَّا كَانَ فِی هَذَا الْیَوْمِ وَ هُوَ یَوْمُ أُحُدٍ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سَبْعُونَ فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا الَّذِی أَصَابَنَا وَ قَدْ كُنْتَ تَعِدُنَا النَّصْرَ (4) فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ إِلَی قَوْلِهِ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ بِمَا اشْتَرَطْتُمْ یَوْمَ بَدْرٍ. (5).
بیان: الشعب بالكسر الطریق فی الجبل و الكمین كأمیر القوم یكمنون فی الحرب و السواد المال الكثیر و انسلّ و تسلّل انطلق فی استخفاء قوله تجهّزونا إما من تجهیز المسافر بمعنی تهیئة أسبابه أو من قولهم أجهز علی الجریح إذا أثبت قتله و أسرعه و تمّم علیه قوله و لنا نصول أی سهام و سیوف و الصئول
ص: 66
فعول من قولهم صال علی قرنه إذا سطا و استطال و الصارم السیف القاطع و فلول السیف الكسور التی فی حدّه و الناصر هو اللّٰه تعالی.
و قال الجزری القضم الأكل بأطراف الأسنان
وَ مِنْهُ حَدِیثُ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ كَانَتْ قُرَیْشٌ إِذَا رَأَتْهُ قَالَتْ احْذَرُوا الْحُطَمَ احْذَرُوا الْقُضَمَ.
أی الذی یقضم الناس فیهلكهم انتهی.
قوله فقتل أمیر المؤمنین علیه السلام التاسع لعل الثامن ترك ذكره من النساخ أو الرواة و الهمهمة الكلام الخفیّ و تردّد الزئیر فی الصدر من الهمّ و نحو أصوات البقر و الفیلة و شبهها و كلّ صوت معه بحح و الهزبر الأسد و القثم كزفر الكثیر العطاء و الجموع للخیر و البهم بضم الباء و فتح الهاء جمع البهمة بالضم و هی الحیلة الشدیدة و الشجاع الذی لا یدری من أین یؤتی و الصخرة و الجیش و الأنسب هنا الأول و الآخر و البطالة بالفتح الشجاعة و الزعیم الكفیل و الصندید بالكسر السید الشجاع و الطاحونة استعیرت هنا لمجتمع القوم و مستقرّهم و فی القاموس الطحون كصبور الكتیبة العظیمة و الحرب و شاهت الوجوه أی قبحت و القطّ القطع و البطّ الشقّ و اللطّ المنع و الستر و إلصاق شی ء كالطین و نحوه و الصفیحة السیف العریض و السلیط الزیت أو دهن السمسم و یقال أتی علیه الدهر أی أهلكه و مازن أبو قبیلة من تمیم و یقال انحاز عنه عدل و انحاز القوم تركوا مراكزهم و تحاماه الناس توقّوه و اجتنبوه و الهدّ الهدم الشدید و الكسر و الجرف بالضم و بضمتین ما تجرفته السیول و أكلته من الأرض و الهز التحریك و اللوك مضغ الشی ء الصلب و إدارته فی الفم و الداغصة العظم المدور المتحرك فی وسط الركبة و الخرص بالضم و یكسر حلقة الذهب و الفضة أو حلقة القرط أو حلقة الصغیرة من الحلی.
و قال فی النهایة فی حدیث أحد قال أبو سفیان لما انهزم المسلمون و ظهروا علیهم اعل هبل فقال عمر اللّٰه أعلی و أجل فقال لعمر أنعمت فعال عنها
ص: 67
كان الرجل من قریش إذا أراد ابتداء أمر عمد إلی سهمین فكتب علی أحدهما نعم و علی الآخر لا ثم یتقدم إلی الصنم فیجیل سهامه فإن خرج سهم نعم أقدم و إن خرج سهم لا امتنع و كان أبو سفیان لما أراد الخروج إلی أحد استفتی هبل فخرج له سهم الإنعام فذلك قوله أنعمت فعال عنها أی تجاف عنها و لا تذكرها بسوء یعنی آلهتهم. (1) و العرقوب (2) من الدابة فی رجلها بمنزلة الركبة فی یدها و اكتسر الفحل خطر فضرب فخذیه بذنبه و الكلب بذنبه استثفر و كذا الخیل بأذنابها.
و المزن بالضم السحاب البیض أو ماء السماء كما سیأتی.
و الصحاف جمع الصحفة و هی القصعة و الأعسر هو الذی یعمل بیده الیسری یقال لیس شی ء أشد رمیا من الأعسر و الصر بالكسر طائر أصفر كالعصفور و یقال عهده و عهد به إذا لقیه.
و قال فی النهایة فی قولهم النجاء النجاء أی انجوا بأنفسكم و هو مصدر منصوب بفعل مضمر أی انجوا النجاء و النجاء السرعة.
و قال الفیروزآبادی الربة بالكسر و یضم عشرة آلاف.
قوله قد أجافتنی أی دخلت جوفی و یقال شاكتنی الشوكة أی أصابتنی.
و قال الجزری من مات له ولد فاحتسبه أی احتسب الأجر بصبره علی مصیبته انتهی.
و یقال جنبه أی قاده إلی جنبه فهو جنیب و مجنوب.
و قال الجزری فی الحدیث نازلت ربی فی كذا أی راجعته و سألته مرة بعد مرة و هو مفاعلة من النزول عن الأمر أو من النزال فی الحرب و هو تقابل القرنین انتهی.
و السراة بفتح السین و قد یضم الأشراف و الأحابیش الجماعة من الناس
ص: 68
لیسوا من قبیلة واحدة و القلائص جمع القلوص و هی الشابة من الإبل.
و قال الجزری فیه فانطلق الناس لا یلوی أحد علی أحد أی لا یلتفت و لا یعطف علیه و ألوی برأسه و لواه إذا أماله من جانب إلی جانب.
«4»-ل، الخصال بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ فِی خَبَرِ الشُّورَی قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِیكُمْ مَنْ قَالَ لَهُ جَبْرَئِیلُ یَا مُحَمَّدُ تَرَی هَذِهِ الْمُوَاسَاةَ مِنْ عَلِیٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّهُ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ وَ أَنَا مِنْكُمَا غَیْرِی قَالُوا اللَّهُمَّ لَا قَالَ نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِیكُمْ أَحَدٌ قَتَلَ مِنْ بَنِی عَبْدِ الدَّارِ تِسْعَةً مُبَارِزَةً (1) كُلُّهُمْ یَأْخُذُ اللِّوَاءَ ثُمَّ جَاءَ صُؤَابٌ الْحَبَشِیُّ مَوْلَاهُمْ وَ هُوَ یَقُولُ وَ اللَّهِ لَا أَقْتُلُ بِسَادَتِی إِلَّا مُحَمَّداً قَدْ أَزْبَدَ شِدْقَاهُ وَ احْمَرَّتْ عَیْنَاهُ فَاتَّقَیْتُمُوهُ وَ حُدْتُمْ عَنْهُ وَ خَرَجْتُ إِلَیْهِ فَلَمَّا أَقْبَلَ كَأَنَّهُ قُبَّةٌ مَبْنِیَّةٌ فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَ هُوَ ضَرْبَتَیْنِ فَقَطَعْتُهُ بِنِصْفَیْنِ وَ بَقِیَتْ رِجْلَاهُ وَ عَجُزُهُ وَ فَخِذَاهُ قَائِمَةً عَلَی الْأَرْضِ تَنْظُرُ إِلَیْهِ الْمُسْلِمُونَ وَ یَضْحَكُونَ مِنْهُ (2) قَالُوا اللَّهُمَّ لَا (3).
«5»-ج، الإحتجاج عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی خَبَرِ الشُّورَی قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِیكُمْ أَحَدٌ وَقَفَتِ الْمَلَائِكَةُ مَعَهُ یَوْمَ أُحُدٍ حِینَ ذَهَبَ النَّاسُ غَیْرِی قَالُوا لَا قَالَ نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِیكُمْ أَحَدٌ سَقَی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنَ الْمِهْرَاسِ غَیْرِی قَالُوا لَا (4).
بیان: قال
فی النهایة فی الحدیث إنه عطش یوم أحد فجاءه علی بماء من المهراس فعافه و غسل به الدم عن وجهه.
المهراس صخرة منقورة تسع كثیرا من الماء و قد یعمل منه حیاض للماء و قیل المهراس فی هذا الحدیث اسم ماء بأحد.
«6»-ل، الخصال فِیمَا عَدَّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی رَأْسِ الْیَهُودِ مِنْ مِحَنِهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی حَیَاةِ
ص: 69
النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بَعْدَ فَوْتِهِ أَمَّا الرَّابِعَةُ یَا أَخَا الْیَهُودِ فَإِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ أَقْبَلُوا إِلَیْنَا عَلَی بَكْرَةِ أَبِیهِمْ قَدِ اسْتَحَاشُوا مَنْ یَلِیهِمْ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَ قُرَیْشٍ طَالِبِینَ بِثَأْرِ مُشْرِكِی قُرَیْشٍ فِی یَوْمِ بَدْرٍ فَهَبَطَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَنْبَأَهُ بِذَلِكَ فَذَهَبَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ عَسْكَرَ بِأَصْحَابِهِ فِی سَدِّ أُحُدٍ وَ أَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ إِلَیْنَا فَحَمَلُوا عَلَیْنَا حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ مَنِ اسْتُشْهِدَ وَ كَانَ مِمَّنْ بَقِیَ مَا كَانَ مِنَ الْهَزِیمَةِ وَ بَقِیتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَضَی الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ إِلَی مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْمَدِینَةِ كُلٌّ یَقُولُ قُتِلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قُتِلَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وُجُوهَ الْمُشْرِكِینَ وَ قَدْ جُرِحْتُ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله نَیِّفاً وَ سَبْعِینَ جَرْحَةً مِنْهَا هَذِهِ وَ هَذِهِ ثُمَّ أَلْقَی رِدَاءَهُ وَ أَمَرَّ یَدَهُ عَلَی جِرَاحَاتِهِ وَ كَانَ مِنِّی فِی ذَلِكَ (1) مَا عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ثَوَابُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْخَبَرَ (2).
بیان: قال الجزری فی الحدیث جاءت هوازن علی بكرة أبیها هذه كلمة للعرب یریدون بها الكثرة و توفر العدد و أنهم جاءوا جمیعا لم یتخلف منهم أحد و لیس هناك بكرة حقیقة و هی التی یستقی علیها الماء فاستعیرت فی هذا الموضع انتهی و الحوش الجمع.
«7»-ع، علل الشرائع الْهَمَذَانِیُّ عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْبَزَنْطِیِّ وَ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ مَعاً عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا كَانَ یَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی لَمْ یَبْقَ مَعَهُ إِلَّا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَا أَبَا دُجَانَةَ (3) أَ مَا تَرَی قَوْمَكَ قَالَ بَلَی قَالَ الْحَقْ بِقَوْمِكَ قَالَ مَا عَلَی هَذَا بَایَعْتُ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ قَالَ أَنْتَ فِی حِلٍّ قَالَ وَ اللَّهِ لَا تَتَحَدَّثُ قُرَیْشٌ بِأَنِّی خَذَلْتُكَ وَ فَرَرْتُ حَتَّی أَذُوقَ مَا تَذُوقُ فَجَزَاهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله خَیْراً وَ كَانَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ كُلَّمَا حَمَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اسْتَقْبَلَهُمْ وَ رَدَّهُمْ حَتَّی أَكْثَرَ فِیهِمُ الْقَتْلَ
ص: 70
وَ الْجِرَاحَاتِ حَتَّی انْكَسَرَ سَیْفُهُ فَجَاءَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ یُقَاتِلُ بِسِلَاحِهِ وَ قَدِ انْكَسَرَ سَیْفِی فَأَعْطَاهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ سَیْفَهُ ذَا الْفَقَارِ فَمَا زَالَ یَدْفَعُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی أُثِّرَ وَ أُنْكِرَ (1) فَنَزَلَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ وَ قَالَ یَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذِهِ لَهِیَ الْمُوَاسَاةُ مِنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَكَ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّهُ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَنَا مِنْكُمَا وَ سَمِعُوا دَوِیّاً مِنَ السَّمَاءِ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ.
قال الصدوق رحمه اللّٰه قول جبرئیل و أنا منكما تمنی منه لأن یكون منهما فلو كان أفضل منه لم یقل ذلك و لم یتمن أن ینحط عن درجته إلی أن یكون ممن دونه و إنما قال و أنا منكما لیصیر ممن هو أفضل منه فیزداد محلا إلی محله و فضلا إلی فضله. (2) بیان قوله حتی أثر علی بناء المجهول أی أثر فیه الجراحة و أنكر أیضا علی بناء المجهول أی صار بحیث لم یكن یعرفه من یراه من قولهم أنكره إذا لم یعرفه.
«8»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی الْمُفِیدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُظَفَّرِ الْبَزَّازِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُبَیْدٍ الْعَطَارُدِیِّ عَنْ أَبِی بِشْرِ بْنِ بُكَیْرٍ عَنْ زِیَادِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَی بَنِی هَاشِمٍ عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ قَالَ: لَمَّا كَانَ یَوْمُ أُحُدٍ شُجَّ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی وَجْهِهِ وَ كُسِرَتْ رَبَاعِیَتُهُ فَقَامَ صلی اللّٰه علیه و آله رَافِعاً یَدَیْهِ یَقُولُ إِنَّ اللَّهَ اشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَی الْیَهُودِ أَنْ قَالُوا الْعُزَیْرُ (3) ابْنُ اللَّهِ وَ اشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَی النَّصَارَی أَنْ قَالُوا الْمَسِیحُ ابْنُ اللَّهِ وَ إِنَّ اللَّهَ اشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَی مَنْ أَرَاقَ دَمِی وَ آذَانِی فِی عِتْرَتِی (4).
«9»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی الْمُفِیدُ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مَالِكٍ النَّحْوِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ
ص: 71
بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مَشِیخَتِهِ قَالَ: لَمَّا رَجَعَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِنْ أُحُدٍ نَاوَلَ فَاطِمَةَ سَیْفَهُ وَ قَالَ:
أَ فَاطِمُ هَاكِ السَّیْفَ غَیْرَ ذَمِیمٍ*** فَلَسْتُ بِرِعْدِیدٍ وَ لَا بِلَئِیمٍ
لَعَمْرِی لَقَدْ أَعْذَرْتُ فِی نَصْرِ أَحْمَدَ*** وَ مَرْضَاةِ رَبٍّ بِالْعِبَادِ رَحِیمٍ
قَالَ وَ سُمِعَ یَوْمَ أُحُدٍ وَ قَدْ هَاجَتْ رِیحٌ عَاصِفٌ كَلَامُ هَاتِفٍ یَهْتِفُ وَ هُوَ یَقُولُ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ (1) فَإِذَا نَدَبْتُمْ هَالِكاً فَابْكُوا الْوَفِیَّ أَخَا الْوَفِیِّ (2).
بیان: الرعدید بالكسر الجبان و المراد بالوفی حمزة و هو أخو الوفی أبی طالب علیه السلام.
«10»-أَقُولُ رُوِیَ فِی الدِّیوَانِ الْمَنْسُوبِ إِلَیْهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ بَعْدَ الْبَیْتَیْنِ
أُرِیدُ ثَوَابَ اللَّهِ لَا شَیْ ءَ غَیْرُهُ*** وَ رِضْوَانَهُ فِی جَنَّةٍ وَ نَعِیمٍ
وَ كُنْتُ امْرَأً أَسْمُو إِذِ الْحَرْبُ شَمَّرَتْ (3)*** وَ قَامَتْ عَلَی سَاقٍ بِغَیْرِ مَلِیمٍ
أَمَمْتُ ابْنَ عَبْدِ الدَّارِ حَتَّی ضَرَبْتُهُ*** بِذِی رَوْنَقٍ یَفْرِی الْعِظَامَ صَمِیمٍ
فَغَادَرْتُهُ بِالْقَاعِ فَارْفَضَّ جَمْعُهُ*** عَبَادِیدَ مِنْ ذِی قَانِطٍ وَ كَلِیمٍ
وَ سَیْفِی بِكَفِّی كَالشِّهَابِ أَهُزُّهُ*** أَجُزُّ بِهِ مِنْ عَاتِقٍ وَ صَمِیمٍ
فَمَا زِلْتُ حَتَّی فَضَّ رَبِّی جُمُوعَهُمْ*** وَ أَشْفَیْتُ مِنْهُمْ صَدْرَ كُلِّ حَلِیمٍ (4)
«11»-وَ قَالَ شَارِحُ الدِّیوَانِ لَمَّا أَنْشَدَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ هَذِهِ الْأَبْیَاتَ قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله خُذِیهِ یَا فَاطِمَةُ فَقَدْ أَدَّی بَعْلُكِ مَا عَلَیْهِ وَ قَدْ قَتَلَ اللَّهُ صَنَادِیدَ قُرَیْشٍ بِیَدَیْهِ.
قَالَ وَ رَوَی زَیْدُ بْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْهَزَمَ النَّاسُ یَوْمَ أُحُدٍ إِلَّا عَلِیٌّ وَحْدَهُ فَقُلْتُ إِنَّ ثُبُوتَ عَلِیٍّ فِی ذَلِكَ الْمَقَامِ لَعَجَبٌ قَالَ إِنْ تَعَجَّبْتَ مِنْهُ
ص: 72
فَقَدْ تَعَجَّبَتِ الْمَلَائِكَةُ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ جَبْرَئِیلَ قَالَ فِی ذَلِكَ الْیَوْمِ وَ هُوَ یَعْرُجُ إِلَی السَّمَاءِ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ.
وَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: قَالَ لِیَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ أُحُدٍ أَ مَا تَسْمَعُ مَدِیحَكَ فِی السَّمَاءِ إِنَّ مَلَكاً اسْمُهُ رِضْوَانُ یُنَادِی لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ.
قَالَ: وَ یُقَالُ إِنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله نُودِیَ فِی هَذَا الْیَوْمِ:
نَادِ عَلِیّاً مَظْهَرَ الْعَجَائِبِ*** تَجِدْهُ عَوْناً لَكَ فِی النَّوَائِبِ
كُلُّ غَمٍّ وَ هَمٍّ سَیَنْجَلِی*** بِوَلَایَتِكَ یَا عَلِیُّ یَا عَلِیُّ یَا عَلِیُّ (1)
و قال بعضهم الهم عبارة عن الفكر فی مكروه یخاف الإنسان حدوثه و یرجو فواته فیكون مركبا من الخوف و الرجاء و الغم لا فكر فیه لأنه إنما یكون فیما مضی انتهی كلام الشارح.
قوله یسمو أی یعلو و شمر فی الأمر خف علی ساق أی علی شدة بغیر ملیم أی بغیر فعل یوجب الملامة أممت أی قصدت و رونق السیف ماؤه و حسنه و الفری القطع و صمم السیف إذا مضی فی العظم و قطعه فغادرته أی تركته و الإفضاض التفرق و العبادید الفرق من الناس الذاهبون فی كل وجه من ذی قانط أی جمع فیهم قانطون و كلیم أی جریح و الصمیم العظم الذی به قوام العضو.
«12»-مع، معانی الأخبار أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ ابْنِ بُكَیْرٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: ذَهَبْتُ أَنَا وَ بُكَیْرٌ مَعَ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی الْمَشَاهِدِ حَتَّی انْتَهَیْنَا إِلَی أُحُدٍ فَأَرَانَا قُبُورَ الشُّهَدَاءِ ثُمَّ دَخَلَ بِنَا الشِّعْبَ فَمَضَیْنَا مَعَهُ سَاعَةً حَتَّی مَضَیْنَا إِلَی مَسْجِدٍ هُنَاكَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله صَلَّی فِیهِ فَصَلَّیْنَا فِیهِ ثُمَّ أَرَانَا
ص: 73
مَكَاناً فِی رَأْسِ جَبَلٍ فَقَالَ إِنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله صَعِدَ إِلَیْهِ فَكَانَ یَكُونُ فِیهِ مَاءُ الْمَطَرِ قَالَ زُرَارَةُ فَوَقَعَ فِی نَفْسِی أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمْ یَصْعَدْ إِلَی مَا ثَمَّ- (1) فَقُلْتُ أَمَّا أَنَا فَإِنِّی لَا أَجِی ءُ مَعَكُمْ أَنَا نَائِمٌ هَاهُنَا حَتَّی تَجِیئُوا فَذَهَبَ هُوَ وَ بُكَیْرٌ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَ جَاءُوا إِلَیَّ فَانْصَرَفْنَا جَمِیعاً حَتَّی إِذَا كَانَ الْغَدُ أَتَیْنَا أَبَا جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَنَا أَیْنَ كُنْتُمْ أَمْسِ فَإِنِّی لَمْ أَرَكُمْ فَأَخْبَرْنَاهُ وَ وَصَفْنَا لَهُ الْمَسْجِدَ وَ الْمَوْضِعَ الَّذِی زَعَمَ أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله صَعِدَ إِلَیْهِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فِیهِ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ مَا أَتَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ذَلِكَ الْمَكَانَ قَطُّ فَقُلْتُ لَهُ یُرْوَی (2) لَنَا أَنَّهُ كُسِرَتْ رَبَاعِیَتُهُ فَقَالَ لَا قَبَضَهُ اللَّهُ سَلِیماً وَ لَكِنَّهُ شُجَّ فِی وَجْهِهِ فَبَعَثَ عَلِیّاً فَأَتَاهُ بِمَاءٍ فِی حَجَفَةٍ فَعَافَهُ (3) رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یَشْرَبَ مِنْهُ وَ غَسَلَ وَجْهَهُ (4).
«13»-مع، معانی الأخبار الطَّالَقَانِیُّ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ بِالرَّیِّ فِی رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَ أَرْبَعِینَ وَ ثَلَاثِمِائَةٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْأَنْبَارِیُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یُونُسَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (5) عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ قَیْسٍ عَنْ مخذمة (مَخْرَمَةَ) بْنِ بُكَیْرٍ (6) عَنْ أَبِی حَازِمٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَیْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِیهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ یَوْمُ أُحُدٍ بَعَثَنِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی طَلَبِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِیعِ وَ قَالَ لِی إِذَا رَأَیْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّی السَّلَامَ وَ قُلْ لَهُ كَیْفَ تَجِدُكَ قَالَ فَجَعَلْتُ أَطْلُبُهُ بَیْنَ الْقَتْلَی حَتَّی وَجَدْتُهُ بَیْنَ ضَرْبَةٍ بِسَیْفٍ وَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ وَ رَمْیَةٍ بِسَهْمٍ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقْرَأُ عَلَیْكَ السَّلَامَ وَ یَقُولُ لَكَ كَیْفَ تَجِدُكَ فَقَالَ سَلِّمْ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قُلْ لِقَوْمِیَ الْأَنْصَارِ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
ص: 74
إِنْ وَصَلَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ فِیكُمْ شُفْرٌ یَطْرِفُ (1) وَ فَاضَتْ نَفْسُهُ.
قال الصدوق رحمه اللّٰه سمعت أبا العباس یقول قال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباری قوله فیكم شفر یطرف الشفر واحد أشفار العین و هی حروف الأجفان التی تلتقی عند التغمیض و الأجفان أغطیة العینین من فوق و من تحت و الهدب الشعر النابت فی الأشفار و شفر العین مضموم الشین و یقال ما فی الدار شفر بفتح الشین یراد به أحد قال الشاعر:
فو اللّٰه ما تنفك منا عداوة*** و لا منهم ما دام من نسلنا شفر
و قوله فاضت نفسه معناه مات قال أبو العباس قال أبو بكر الأنباری حدثنا إسماعیل بن إسحاق القاضی عن نصر (2) بن علی عن الأصمعی عن أبی عمرو بن العلاء قال یقال فاظ الرجل إذا مات و لا یقال فاظت نفسه و لا فاضت نفسه و حدثنا أبو العباس عن ابن الأنباری عن عبد اللّٰه بن خلف قال حدثنا صالح بن محمد بن دراج قال سمعت أبا عمرو الشیبانی یقول یقال فاظ المیت و لا یقال فاظت نفسه و لا فاضت نفسه.
حدثنا أبو العباس قال حدثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو العباس أحمد بن یحیی عن سلمة بن عاصم عن الفراء قال أهل الحجاز و طی ء یقولون فاضت نفس الرجل و عكل و قیس و تمیم یقولون فاضت نفسه بالضاد و أنشد:
یرید رجال ینادونها*** و أنفسهم دونها فائضة
و حدثنا أبو العباس عن أبی بكر بن الأنباری عن أبیه عن أبی الحسن الطوسی عن أبی عبید عن الكسائی قال یقال فاضت نفسه و فاظ المیت و أفاظ اللّٰه نفسه. (3)
ص: 75
و بالإسناد عن أبی الحسن الطوسی و محمد بن الحكم عن الحسن اللحیانی (1) قال یقال فاظ المیت بالظاء و فاض المیت بالضاد.
و حدثنا أبو العباس عن أبی بكر عن أبیه عن عبد اللّٰه بن محمد القمی عن یعقوب بن السكیت قال یقال فاظ المیت یفوظ و فاظ یفیظ.
و حدثنا أبو العباس عن أبی بكر عن أبیه عن محمد بن الجهم عن الفراء قال یقال فاظ المیت نفسه بالظاء و نصب النفس.
و حدثنا أبو العباس قال أنشدنا أبو بكر قال أنشدنی أبی قال أنشدنا أبو عكرمة الضبی:
و فاظ ابن حصن غائیا (2) فی بیوتنا*** یمارس قدا فی ذراعیه مصحبا
(3) بیان قال الجوهری غنی بالمكان أی أقام و غنی أی عاش و قال القد الشق طولا و القد أیضا جلد السخلة الماعزة و بالكسر سیر تقد من جلد غیر مدبوغ و قال المصحب من الزق ما الشعر علیه و قد أصحبته إذا تركت صوفه أو شعره علیه و لم تعطنه.
«14»-فس، تفسیر القمی قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا مَرَّ بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ الْوَلِیدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِی مُعَیْطٍ وَ هُمَا فِی حَائِطٍ یَشْرَبَانِ وَ یُغَنِّیَانِ بِهَذَا الْبَیْتِ فِی حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِینَ قُتِلَ:
كَمْ مِنْ حَوَارِیَّ تَلُوحُ عِظَامُهُ*** وَرَاءَ الْحَرْبِ عِنْدَ أَنْ یُجَرَّ (4) فَیُقْبَرَا
فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله اللَّهُمَّ الْعَنْهُمَا وَ ارْكُسْهُمَا فِی الْفِتْنَةِ رَكْساً وَ دُعَّهُمَا إِلَی النَّارِ دَعّاً (5).
ص: 76
بیان: الحواری الناصر و الركس رد الشی ء مقلوبا و الدع الدفع.
«15»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّ أُبَیَّ بْنَ خَلَفٍ قَالَ لِلنَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله بِمَكَّةَ إِنِّی أَعْلِفَ الْعَوْرَاءَ (1) یَعْنِی فَرَساً لَهُ أَقْتُلُكَ عَلَیْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَكِنْ أَنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَقِیَ یَوْمَ أُحُدٍ فَلَمَّا دَنَا تَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْحَرْبَةَ مِنَ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ فَمَشَی إِلَیْهِ فَطَعَنَ وَ انْصَرَفَ فَرَجَعَ إِلَی قُرَیْشٍ وَ هُوَ یَقُولُ قَتَلَنِی مُحَمَّدٌ قَالُوا وَ مَا بِكَ بَأْسٌ قَالَ إِنَّهُ قَالَ لِی بِمَكَّةَ إِنِّی أَقْتُلُكَ لَوْ بَصَقَ عَلَیَّ لَقَتَلَنِی فَمَاتَ بِشَرَفٍ (2).
«16»-یج مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قُرَیْشٍ سَبْعِینَ رَجُلًا وَ أَسَرُوا مِنْهُمْ سَبْعِینَ فَحَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ بِقَتْلِ الْأُسَارَی وَ حَرْقِ الْغَنَائِمِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ إِنَّ الْأُسَارَی هُمْ قَوْمُكَ وَ قَدْ قَتَلْنَا مِنْهُمْ سَبْعِینَ فَأَطْلِقْ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ الْفِدَاءَ مِنَ الْأُسَارَی وَ الْغَنَائِمَ فَنَقْوَی (3) بِهَا عَلَی جِهَادِنَا فَأَوْحَی اللَّهُ إِلَیْهِ إِنْ لَمْ تَقْتُلُوا یُقْتَلْ مِنْكُمْ فِی الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِی مِثْلِ هَذَا الْیَوْمِ عَدَدَ الْأُسَارَی فَأَنْزَلَ اللَّهُ ما كانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَكُونَ لَهُ أَسْری حَتَّی یُثْخِنَ فِی الْأَرْضِ تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیا (4) فَلَمَّا كَانَ فِی الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ سَبْعُونَ بِعَدَدِ (5) الْأُسَارَی قَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ وَعَدْتَنَا النَّصْرَ فَمَا هَذَا الَّذِی وَقَعَ بِنَا وَ نَسُوا الشَّرْطَ بِبَدْرٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِیبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَیْها یَعْنِی مَا كَانُوا أَصَابُوا مِنْ قُرَیْشٍ بِبَدْرٍ وَ قَبِلُوا الْفِدَاءَ مِنَ الْأَسْرَی قُلْتُمْ أَنَّی هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ (6) یَعْنِی بِالشَّرْطِ الَّذِی شَرَطُوهُ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَنْ یُقْتَلَ مِنْهُمْ بِعَدَدِ الْأُسَارَی إِذَا هُوَ أَطْلَقَ لَهُمُ الْفِدَاءَ مِنْهُمْ وَ الْغَنَائِمَ فَكَانَ الْحَالُ فِی ذَلِكَ عَلَی حُكْمِ الشَّرْطِ وَ لَمَّا انْكَشَفَتِ الْحَرْبُ یَوْمَ أُحُدٍ سَارَ (7) أَوْلِیَاءُ
ص: 77
الْمَقْتُولِینَ لِیَحْمِلُوا قَتْلَاهُمْ إِلَی الْمَدِینَةِ فَشَدُّوهُمْ عَلَی الْجِمَالِ وَ كَانُوا إِذَا تَوَجَّهُوا بِهِمْ نَحْوَ الْمَدِینَةِ بَرَكَتِ الْجِمَالُ وَ إِذَا تَوَجَّهُوا بِهِمْ نَحْوَ الْمَعْرَكَةِ أَسْرَعَتْ فَشَكَوُا الْحَالَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ أَ لَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ اللَّهِ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِی بُیُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِینَ كُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلی مَضاجِعِهِمْ (1) فَدُفِنَ كُلُّ رَجُلَیْنِ فِی قَبْرٍ إِلَّا حَمْزَةَ فَإِنَّهُ دُفِنَ وَحْدَهُ وَ كَانَ أَصَابَ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی حَرْبِ أُحُدٍ أَرْبَعُونَ جِرَاحَةً فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْمَاءَ عَلَی فَمِهِ فَرَشَّهُ عَلَی الْجِرَاحَاتِ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ وَقْتِهَا وَ كَانَ أَصَابَ عَیْنَ قَتَادَةَ (2) سَهْمٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ فَسَالَتِ الْحَدَقَةُ فَأَمْسَكَهَا النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بِیَدِهِ فَعَادَتْ كَأَحْسَنِ مَا كَانَتْ وَ مِنْهَا أَنَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ انْقَطَعَ سَیْفِی یَوْمَ أُحُدٍ فَرَجَعْتُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقُلْتُ إِنَّ الْمَرْءَ یُقَاتِلُ بِسَیْفِهِ وَ قَدِ انْقَطَعَ سَیْفِی فَنَظَرَ إِلَی جَرِیدَةِ نَخْلٍ عَتِیقَةٍ یَابِسَةٍ مَطْرُوحَةٍ فَأَخَذَهَا بِیَدِهِ ثُمَّ هَزَّهَا فَصَارَتْ سَیْفَهُ ذَا الْفَقَارِ فَنَاوَلَنِیهِ فَمَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلَّا وَ قَدَّهُ بِنِصْفَیْنِ وَ مِنْهَا أَنَّ جَابِراً قَالَ كَانَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بِمَكَّةَ وَ رَجُلٌ مِنْ قُرَیْشٍ یُرَبِّی (3) مُهْراً كَانَ إِذَا لَقِیَ مُحَمَّداً وَ الْمُهْرُ مَعَهُ یَقُولُ یَا مُحَمَّدُ عَلَی هَذَا الْمُهْرِ أَقْتُلُكَ قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَقْتُلُكَ عَلَیْهِ قَالَ بَلْ أَقْتُلُكَ فَوَافَی أُحُداً فَأَخَذَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله حَرْبَةَ رَجُلٍ وَ خَلَعَ سِنَانَهُ وَ رَمَی بِهِ فَضَرَبَهَا عَلَی عُنُقِهِ فَقَالَ النَّارَ النَّارَ وَ سَقَطَ مَیِّتاً وَ مِنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله انْتَهَی إِلَی رَجُلٍ قَدْ فَوَّقَ سَهْماً لِیَرْمِیَ بَعْضَ الْمُشْرِكِینَ فَوَضَعَ صلی اللّٰه علیه و آله یَدَهُ فَوْقَ السَّهْمِ وَ قَالَ ارْمِهِ (4) فَرَمَی ذَلِكَ الْمُشْرِكَ بِهِ فَهَرَبَ الْمُشْرِكُ
ص: 78
مِنَ السَّهْمِ وَ جَعَلَ یَرُوغُ مِنَ السَّهْمِ یَمْنَةً وَ یَسْرَةً وَ السَّهْمُ یَتْبَعُهُ حَیْثُمَا رَاغَ حَتَّی سَقَطَ السَّهْمُ فِی رَأْسِهِ فَسَقَطَ الْمُشْرِكُ مَیِّتاً فَأَنْزَلَ اللَّهُ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمی (1) وَ كَانَ أَبُو غُرَّةَ (2) الشَّاعِرُ حَضَرَ مَعَ قُرَیْشٍ یَوْمَ بَدْرٍ وَ یُحَرِّضُ قُرَیْشاً بِشِعْرِهِ عَلَی الْقِتَالِ فَأُسِرَ فِی السَّبْعِینَ الَّذِینَ أُسِرُوا فَلَمَّا وَقَعَ الْفِدَاءُ عَلَی الْقَوْمِ قَالَ أَبُو غُرَّةَ (3) یَا أَبَا الْقَاسِمِ تَعْلَمُ أَنِّی رَجُلٌ فَقِیرٌ فَامْنُنْ عَلَی بَنَاتِی فَقَالَ أُطْلِقُكَ (4) بِغَیْرِ فِدَاءٍ أَلَّا تُكْثِرَ عَلَیْنَا بَعْدَهَا قَالَ لَا وَ اللَّهِ فَعَاهَدَهُ عَلَی أَنْ لَا یَعُودَ فَلَمَّا كَانَ حَرْبُ أُحُدٍ دَعَتْهُ قُرَیْشٌ إِلَی الْخُرُوجِ مَعَهَا لِیُحَرِّضَ النَّاسَ بِشِعْرِهِ عَلَی الْقِتَالِ فَقَالَ إِنِّی عَاهَدْتُ مُحَمَّداً أَنْ لَا أُكْثِرَ عَلَیْهِ بَعْدَ مَا مَنَّ عَلَیَّ قَالُوا لَیْسَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ إِنَّ مُحَمَّداً لَا یَسْلَمُ مِنَّا فِی هَذِهِ الدَّفْعَةِ فَغَلَبُوهُ عَلَی رَأْیِهِ (5) فَلَمْ یُؤْسَرْ یَوْمَ أُحُدٍ مِنْ قُرَیْشٍ غَیْرُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ لَمْ تُعَاهدْنِی قَالَ إِنَّهُمْ (6) غَلَبُونِی عَلَی رَأْیِی فَامْنُنْ عَلَی بَنَاتِی قَالَ لَا تَمْشِی بِمَكَّةَ وَ تُحَرِّكُ كَتِفَیْكَ وَ تَقُولُ سَخِرْتُ مِنْ مُحَمَّدٍ مَرَّتَیْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْمُؤْمِنُ لَا یُلْسَعُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَیْنِ یَا عَلِیُّ اضْرِبْ عُنُقَهُ (7).
بیان: راغ مال و حاد.17 شا، الإرشاد ثم تلت بدرا غزاة أحد و كانت رایة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بید أمیر المؤمنین
ص: 79
علیه السلام فیها كما كانت بیده یوم بدر فصار اللواء إلیه یومئذ دون صاحب الرایة و اللواء جمیعا و كان الفتح له فی هذه الغزاة كما كان له ببدر سواء و اختص بحسن البلاء فیها و الصبر و ثبوت القدم عند ما زلت من غیره الأقدام و كان له العناء برسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله (1) ما لم یكن لسواه من أهل الإسلام و قتل اللّٰه بسیفه رءوس أهل الشرك و الضلال و فرج اللّٰه به الكرب عن نبیه صلی اللّٰه علیه و آله و خطب بفضله فی ذلك المقام جبرئیل علیه السلام فی ملائكة الأرض و السماء و أبان نبی الهدی صلی اللّٰه علیه و آله من اختصاصه به ما كان مستورا عن عامة الناس.
فمن ذلك
ما رواه یحیی بن عمارة قال حدثنی الحسن بن موسی بن ریاح مولی الأنصار قال حدثنی أبو البختری القرشی قال كانت رایة قریش و لواؤها جمیعا بید قصی بن كلاب ثم لم تزل الرایة فی ید ولد عبد المطلب یحملها منهم من حضر الحرب حتی بعث اللّٰه رسوله فصارت رایة قریش و غیرها إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله فأقرها فی بنی هاشم فأعطاها (2) رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی بن أبی طالب علیه السلام فی غزاة ودان (3) و هی أول غزاة حمل (4) فیها رایة فی الإسلام مع النبی صلی اللّٰه علیه و آله ثم لم تزل معه فی المشاهد ببدر و هی البطشة الكبری و فی یوم أحد و كان اللواء یومئذ فی بنی عبد الدار فأعطاها (5) رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مصعب بن عمیر فاستشهد و وقع اللواء من یده فتشوقته القبائل فأخذه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فدفعه إلی علی بن أبی طالب علیه السلام فجمع له یومئذ الرایة و اللواء فهما إلی الیوم فی بنی هاشم.
ص: 80
و روی المفضل بن عبد اللّٰه عن سماك عن عكرمة عن عبد اللّٰه بن العباس أنه قال لعلی بن أبی طالب علیه السلام أربع ما هن لأحد هو أول عربی و عجمی صلی مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو صاحب لوائه فی كل زحف و هو الذی ثبت معه یوم المهراس (1) یعنی یوم أحد و فر الناس و هو الذی أدخله قبره
وَ رَوَی زَیْدُ بْنُ وَهْبٍ الْجُهَنِیُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَمَّارٍ عَنِ الْحِمَّانِیِّ (2) عَنْ شَرِیكٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِیرَةِ عَنْ زَیْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ وَجَدْنَا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ یَوْماً طِیبَ نَفْسٍ فَقُلْنَا لَهُ لَوْ حَدَّثْتَنَا عَنْ یَوْمِ أُحُدٍ وَ كَیْفَ كَانَ فَقَالَ أَجَلْ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِیثَ حَتَّی انْتَهَی إِلَی ذِكْرِ الْحَرْبِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اخْرُجُوا إِلَیْهِمْ عَلَی اسْمِ اللَّهِ فَخَرَجْنَا فَصَفَفْنَا لَهُمْ صَفّاً طَوِیلًا وَ أَقَامَ عَلَی الشِّعْبِ خَمْسِینَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَ أَمَّرَ عَلَیْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ وَ قَالَ لَا تَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِكُمْ هَذَا وَ لَوْ قُتِلْنَا (3) عَنْ آخِرِنَا فَإِنَّمَا نُؤْتَی مِنْ مَوْضِعِكُمْ (4) قَالَ فَأَقَامَ أَبُو سُفْیَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ بِإِزَائِهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ وَ كَانَتِ الْأَلْوِیَةُ مِنْ قُرَیْشٍ فِی بَنِی عَبْدِ الدَّارِ (5) وَ كَانَ لِوَاءُ الْمُشْرِكِینَ مَعَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِی طَلْحَةَ وَ كَانَ یُدْعَی كَبْشَ الْكَتِیبَةِ قَالَ وَ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِوَاءَ الْمُهَاجِرِینَ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ جَاءَ حَتَّی وَقَفَ تَحْتَ لِوَاءِ الْأَنْصَارِ قَالَ فَجَاءَ أَبُو سُفْیَانَ إِلَی أَصْحَابِ اللِّوَاءِ فَقَالَ یَا أَصْحَابَ الْأَلْوِیَةِ إِنَّكُمْ قَدْ تَعْلَمُونَ أَنَّمَا یُؤْتَی الْقَوْمُ مِنْ قِبَلِ أَلْوِیَتِهِمْ وَ إِنَّمَا أُوتِیتُمْ (6) یَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قِبَلِ أَلْوِیَتِكُمْ فَإِنْ كُنْتُمْ
ص: 81
تَرَوْنَ أَنَّكُمْ قَدْ ضَعُفْتُمْ عَنْهَا فَادْفَعُوهَا إِلَیْنَا نَكْفِكُمُوهَا قَالَ فَغَضِبَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِی طَلْحَةَ وَ قَالَ أَ لَنَا تَقُولُ هَذَا وَ اللَّهِ لَأُورِدَنَّكُمْ بِهَا الْیَوْمَ حِیَاضَ الْمَوْتِ قَالَ وَ كَانَ (1) طَلْحَةُ یُسَمَّی كَبْشَ الْكَتِیبَةِ قَالَ فَتَقَدَّمَ وَ تَقَدَّمَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ عَلِیٌّ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا طَلْحَةُ بْنُ أَبِی طَلْحَةَ كَبْشُ الْكَتِیبَةِ (2) فَمَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ تَقَارَبَا فَاخْتَلَفَتْ بَیْنَهُمَا ضَرْبَتَانِ فَضَرَبَهُ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ ضَرْبَةً عَلَی مُقَدَّمِ رَأْسِهِ فَبَدَرَتْ عَیْنُهُ (3) وَ صَاحَ صَیْحَةً لَمْ یُسْمَعْ مِثْلُهَا قَطُّ وَ سَقَطَ اللِّوَاءُ مِنْ یَدِهِ فَأَخَذَهُ أَخٌ لَهُ یُقَالُ لَهُ مُصْعَبٌ فَرَمَاهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ أَخٌ لَهُ یُقَالُ لَهُ عُثْمَانُ فَرَمَاهُ عَاصِمٌ أَیْضاً بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ فَأَخَذَهُ عَبْدٌ لَهُمْ یُقَالُ لَهُ صُؤَابٌ وَ كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ فَضَرَبَ (4) عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی یَدِهِ فَقَطَعَهَا فَأَخَذَ اللِّوَاءَ بِیَدِهِ الْیُسْرَی فَضَرَبَ عَلِیٌّ عَلَی یَدِهِ الْیُسْرَی فَقَطَعَهَا فَأَخَذَ اللِّوَاءَ عَلَی صَدْرِهِ وَ جَمَعَ یَدَیْهِ وَ هُمَا مَقْطُوعَتَانِ عَلَیْهِ فَضَرَبَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی أُمِّ رَأْسِهِ فَسَقَطَ صَرِیعاً فَانْهَزَمَ (5) الْقَوْمُ وَ أَكَبَّ الْمُسْلِمُونَ عَلَی الْغَنَائِمِ فَلَمَّا رَأَی أَصْحَابُ الشِّعْبِ النَّاسَ یَغْنِمُونَ قَالُوا یَذْهَبُ هَؤُلَاءِ بِالْغَنَائِمِ وَ نَبْقَی نَحْنُ فَقَالُوا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (6) بْنِ حَزْمٍ الَّذِی كَانَ رَئِیساً عَلَیْهِمْ نُرِیدُ أَنْ نَغْنَمَ كَمَا یَغْنَمُ (7) النَّاسُ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَرَنِی أَنْ لَا أَبْرَحَ مِنْ مَوْضِعِی (8) هَذَا فَقَالُوا لَهُ إِنَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا وَ هُوَ لَا یَدْرِی أَنَّ الْأَمْرَ یَبْلُغُ إِلَی مَا تَرَی (9) وَ مَالُوا إِلَی الْغَنَائِمِ وَ تَرَكُوهُ وَ لَمْ یَبْرَحْ هُوَ
ص: 82
مِنْ مَوْضِعِهِ فَحَمَلَ عَلَیْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ جَاءَ مِنْ (1) ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یُرِیدُهُ فَنَظَرَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی خِفٍّ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ دُونَكُمْ هَذَا الَّذِی تَطْلُبُونَ فَشَأْنَكُمْ بِهِ فَحَمَلُوا عَلَیْهِ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ضَرْباً بِالسُّیُوفِ وَ طَعْناً بِالرِّمَاحِ وَ رَمْیاً بِالنَّبْلِ وَ رَضْخاً بِالْحِجَارَةِ وَ جَعَلَ أَصْحَابُ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله یُقَاتِلُونَ عَنْهُ حَتَّی قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا وَ ثَبَتَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَبُو دُجَانَةَ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ لِلْقَوْمِ یَدْفَعُونَ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَكَثُرَ (2) عَلَیْهِمُ الْمُشْرِكُونَ فَفَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَیْنَیْهِ وَ نَظَرَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ قَدْ كَانَ أُغْمِیَ عَلَیْهِ مِمَّا نَالَهُ فَقَالَ یَا عَلِیُّ مَا فَعَلَ النَّاسُ فَقَالَ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَ وَلَّوُا الدُّبُرَ فَقَالَ لَهُ فَاكْفِنِی هَؤُلَاءِ الَّذِینَ قَدْ قَصَدُوا قَصْدِی فَحَمَلَ عَلَیْهِمْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَكَشَفَهُمْ (3) ثُمَّ عَادَ إِلَیْهِ وَ قَدْ حَمَلُوا عَلَیْهِ مِنْ نَاحِیَةٍ أُخْرَی فَكَرَّ عَلَیْهِمْ فَكَشَفَهُمْ وَ أَبُو دُجَانَةَ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ قَائِمَانِ عَلَی رَأْسِهِ بِیَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَیْفٌ لِیَذُبَّ عَنْهُ وَ ثَابَ (4) إِلَیْهِ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُنْهَزِمِینَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْهُمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَیْدِ اللَّهِ وَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَ صَعِدَ الْبَاقُونَ الْجَبَلَ وَ صَاحَ صَائِحٌ بِالْمَدِینَةِ قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَانْخَلَعَتْ لِذَلِكَ الْقُلُوبُ وَ تَحَیَّرَ الْمُنْهَزِمُونَ فَأَخَذُوا یَمِیناً وَ شِمَالًا وَ كَانَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ جَعَلَتْ لِوَحْشِیٍّ جُعْلًا عَلَی أَنْ یَقْتُلَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَوْ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَوْ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَیْهِ فَقَالَ لَهَا أَمَّا مُحَمَّدٌ فَلَا حِیلَةَ لِی فِیهِ لِأَنَّ أَصْحَابَهُ یُطِیفُونَ بِهِ وَ أَمَّا عَلِیٌّ فَإِنَّهُ إِذَا قَاتَلَ كَانَ أَحْذَرَ مِنَ الذِّئْبِ وَ أَمَّا حَمْزَةُ فَإِنِّی أَطْمَعُ فِیهِ لِأَنَّهُ إِذَا غَضِبَ لَمْ یُبْصِرْ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ كَانَ حَمْزَةُ یَوْمَئِذٍ قَدْ أُعْلِمَ بِرِیشَةِ نَعَامَةٍ فِی صَدْرِهِ فَكَمَنَ لَهُ وَحْشِیٌّ فِی أَصْلِ شَجَرَةٍ فَرَآهُ حَمْزَةُ فَبَدَرَ بِالسَّیْفِ إِلَیْهِ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً أَخْطَأَتْ رَأْسَهُ قَالَ وَحْشِیٌّ وَ هَزَزْتُ (5) حَرْبَتِی حَتَّی إِذَا تَمَكَّنْتُ مِنْهُ رَمَیْتُهُ فَأَصَبْتُهُ
ص: 83
فِی أُرْبِیَّتِهِ فَأَنْفَذْتُهُ وَ تَرَكْتُهُ حَتَّی إِذَا بَرَدَ صِرْتُ إِلَیْهِ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِی وَ شُغِلَ عَنِّی وَ عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ بِهَزِیمَتِهِمْ وَ جَاءَتْ هِنْدٌ فَأَمَرَتْ بِشَقِّ بَطْنِ حَمْزَةَ وَ قَطْعِ كَبِدِهِ وَ التَّمْثِیلِ بِهِ فَجَدَعُوا أَنْفَهُ وَ أُذُنَیْهِ وَ مَثَّلُوا بِهِ وَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَشْغُولٌ عَنْهُ لَا یَعْلَمُ بِمَا انْتَهَی (1) إِلَیْهِ الْأَمْرُ.
قَالَ الرَّاوِی لِلْحَدِیثِ وَ هُوَ زَیْدُ بْنُ وَهْبٍ قُلْتُ لِابْنِ مَسْعُودٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی لَمْ یَبْقَ مَعَهُ (2) إِلَّا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ أَبُو دُجَانَةَ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ فَقَالَ انْهَزَمَ النَّاسُ إِلَّا عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ وَحْدَهُ وَ ثَابَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله نَفَرٌ وَ كَانَ أَوَّلُهُمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ وَ أَبَا دُجَانَةَ (3) وَ سَهْلَ بْنَ حُنَیْفٍ وَ لَحِقَهُمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَیْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ لَهُ وَ أَیْنَ (4) كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ قَالَ كَانَا مِمَّنْ تَنَحَّی (5) قُلْتُ وَ أَیْنَ كَانَ عُثْمَانُ قَالَ جَاءَ بَعْدَ ثَالِثَةٍ (6) مِنَ الْوَاقِعَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَقَدْ ذَهَبْتَ فِیهَا عَرِیضَةً.
قَالَ فَقُلْتُ لَهُ وَ أَیْنَ (7) كُنْتَ أَنْتَ قَالَ كُنْتُ مِمَّنْ تَنَحَّی (8) قُلْتُ لَهُ فَمَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا قَالَ عَاصِمٌ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ قَالَ قُلْتُ لَهُ إِنَّ ثُبُوتَ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی ذَلِكَ الْمَقَامِ لَعَجَبٌ فَقَالَ إِنْ تَعَجَّبْتَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ تَعَجَّبَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ جَبْرَئِیلَ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ فِی ذَلِكَ الْیَوْمِ وَ هُوَ یَعْرُجُ إِلَی السَّمَاءِ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ.
ص: 84
قُلْتُ لَهُ (1) فَمِنْ أَیْنَ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ جَبْرَئِیلَ فَقَالَ سَمِعَ النَّاسُ صَائِحاً یَصِیحُ فِی السَّمَاءِ بِذَلِكَ فَسَأَلُوا النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله عَنْهُ فَقَالَ ذَلِكَ (2) جَبْرَئِیلُ.
وَ فِی حَدِیثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَیْنٍ قَالَ: لَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی یَوْمِ أُحُدٍ جَاءَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ مُتَقَلِّداً سَیْفَهُ (3) حَتَّی قَامَ بَیْنَ یَدَیْهِ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله رَأْسَهُ إِلَیْهِ فَقَالَ لَهُ مَا بَالُكَ لَمْ تَفِرَّ مَعَ النَّاسِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْجِعُ كَافِراً بَعْدَ إِسْلَامِی فَأَشَارَ لَهُ إِلَی قَوْمٍ (4) انْحَدَرُوا مِنَ الْجَبَلِ فَحَمَلَ عَلَیْهِمْ فَهَزَمَهُمْ ثُمَّ أَشَارَ إِلَی قَوْمٍ آخَرِینَ فَحَمَلَ عَلَیْهِمْ فَهَزَمَهُمْ ثُمَّ أَشَارَ إِلَی قَوْمٍ آخَرِینَ فَحَمَلَ عَلَیْهِمْ فَهَزَمَهُمْ فَجَاءَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ (5) فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ عَجِبَتِ الْمَلَائِكَةُ وَ عَجِبْنَا مَعَهَا مِنْ حُسْنِ مُوَاسَاةِ عَلِیٍّ لَكَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَا یَمْنَعُهُ مِنْ هَذَا وَ هُوَ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَنَا مِنْكُمَا.
وَ رَوَی الْحَكَمُ بْنُ ظُهَیْرٍ عَنِ السُّدِّیِّ عَنْ أَبِی مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ أَبِی طَلْحَةَ خَرَجَ یَوْمَئِذٍ فَوَقَفَ بَیْنَ الصَّفَّیْنِ فَنَادَی یَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی یُعَجِّلُنَا بِسُیُوفِكُمْ إِلَی النَّارِ وَ یُعَجِّلُكُمْ (6) بِسُیُوفِنَا إِلَی الْجَنَّةِ فَأَیُّكُمْ یَبْرُزُ إِلَیَّ فَبَرَزَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَیْهِ فَقَالَ وَ اللَّهِ لَا أُفَارِقُكَ هَذَا الْیَوْمَ حَتَّی أُعَجِّلَكَ بِسَیْفِی إِلَی النَّارِ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَیْنِ فَضَرَبَهُ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ (7) عَلَی رِجْلَیْهِ فَقَطَعَهُمَا فَسَقَطَ (8) فَانْكَشَفَ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ یَا ابْنَ عَمِّ وَ الرَّحِمَ فَانْصَرَفَ عَنْهُ إِلَی مَوْقِفِهِ فَقَالَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ أَ لَا أَجْهَزْتَ عَلَیْهِ فَقَالَ
ص: 85
نَاشَدَنِی اللَّهَ وَ الرَّحِمَ وَ اللَّهِ (1) لَا عَاشَ بَعْدَهَا أَبَداً فَمَاتَ طَلْحَةُ فِی مَكَانِهِ وَ بُشِّرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بِذَلِكَ فَسَرَّ بِهِ وَ قَالَ هَذَا كَبْشُ الْكَتِیبَةِ.
وَ قَدْ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ یَوْمَ أُحُدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَحِقَنِی مِنَ الْجَزَعِ عَلَیْهِ مَا لَمْ یَلْحَقْنِی قَطُّ وَ لَمْ أَمْلِكْ نَفْسِی وَ كُنْتُ أَمَامَهُ أَضْرِبُ بِسَیْفِی بَیْنَ یَدَیْهِ فَرَجَعْتُ أَطْلُبُهُ فَلَمْ أَرَهُ فَقُلْتُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِیَفِرَّ وَ مَا رَأَیْتُهُ فِی الْقَتْلَی وَ أَظُنُّهُ رُفِعَ مِنْ بَیْنِنَا إِلَی السَّمَاءِ فَكَسَرْتُ جَفْنَ سَیْفِی وَ قُلْتُ فِی نَفْسِی لَأُقَاتِلَنَّ بِهِ عَنْهُ حَتَّی أُقْتَلَ وَ حَمَلْتُ عَلَی الْقَوْمِ فَأَفْرَجُوا عَنِّی وَ إِذَا (2) أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ وَقَعَ عَلَی الْأَرْضِ مَغْشِیّاً عَلَیْهِ فَقُمْتُ عَلَی رَأْسِهِ فَنَظَرَ إِلَیَّ فَقَالَ (3) مَا صَنَعَ النَّاسُ یَا عَلِیُّ فَقُلْتُ كَفَرُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ وَلَّوُا الدُّبُرَ مِنَ الْعَدُوِّ وَ أَسْلَمُوكَ فَنَظَرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی كَتِیبَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ إِلَیْهِ (4) فَقَالَ لِی رُدَّ عَنِّی یَا عَلِیُّ هَذِهِ الْكَتِیبَةَ فَحَمَلْتُ عَلَیْهَا أَضْرِبُهَا بِسَیْفِی یَمِیناً وَ شِمَالًا حَتَّی وَلَّوُا الْأَدْبَارَ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَ مَا تَسْمَعُ یَا عَلِیُّ مَدِیحَكَ (5) فِی السَّمَاءِ إِنَّ مَلَكاً یُقَالُ لَهُ رِضْوَانُ یُنَادِی لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ.
فَبَكَیْتُ سُرُوراً وَ حَمِدْتُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی عَلَی نِعْمَتِهِ.
وَ قَدْ رَوَی الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِیفٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ عَنْ آبَائِهِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ قَالَ: نَادَی مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ یَوْمَ أُحُدٍ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ.
و روی مثل ذلك إبراهیم بن محمد بن میمون عن عمرو بن ثابت عن محمد بن عبید اللّٰه بن أبی رافع عن أبیه عن جده قال ما زلنا نسمع أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یقولون نادی فی یوم أحد مناد من السماء لا سیف إلا ذو الفقار و لا فتی إلا علی.
ص: 86
و روی سلام بن مسكین عن قتادة عن سعید بن المسیب قال لو رأیت مقام علی یوم أحد لوجدته قائما علی میمنة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یذب عنه بالسیف و قد ولی غیره الأدبار.
وَ رَوَی الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَمِیلُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِی عُبَیْدَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ (1) عَلَیْهِمُ السَّلَامُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ اللِّوَاءِ یَوْمَ أُحُدٍ تِسْعَةً قَتَلَهُمْ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ آخِرِهِمْ وَ انْهَزَمَ الْقَوْمُ وَ طَارَتْ مَخْزُومٌ فَضَحَهَا عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَوْمَئِذٍ.
قَالَ: وَ بَارَزَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ الْحَكَمَ (2) بْنَ الْأَخْنَسِ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ مِنْ نِصْفِ الْفَخِذِ فَهَلَكَ مِنْهَا وَ لَمَّا جَالَ الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الْجَوْلَةَ أَقْبَلَ أُمَیَّةُ (3) بْنُ أَبِی حُذَیْفَةَ بْنِ الْمُغِیرَةِ وَ هُوَ دَارِعٌ وَ هُوَ یَقُولُ یَوْمٌ بِیَوْمِ بَدْرٍ فَعَرَضَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِینَ فَقَتَلَهُ أُمَیَّةُ وَ صَمَدَ لَهُ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَضَرَبَهُ بِالسَّیْفِ عَلَی هَامَتِهِ فَنَشِبَ فِی بَیْضَةِ مِغْفَرِهِ فَضَرَبَهُ أُمَیَّةُ بِسَیْفِهِ فَاتَّقَاهَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِدَرَقَتِهِ فَنَشِبَ فِیهَا وَ نَزَعَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ (4) سَیْفَهُ مِنْ مِغْفَرِهِ وَ خَلَّصَ أُمَیَّةُ سَیْفَهُ مِنْ دَرَقَتِهِ أَیْضاً ثُمَّ تَنَاوَشَا فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَنَظَرْتُ إِلَی فَتْقٍ تَحْتَ إِبْطِهِ فَضَرَبْتُهُ بِالسَّیْفِ فِیهِ فَقَتَلْتُهُ وَ انْصَرَفْتُ عَنْهُ.
وَ لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی یَوْمِ أُحُدٍ وَ ثَبَتَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مَا لَكَ لَا تَذْهَبُ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ (5) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَذْهَبُ وَ أَدَعُكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ اللَّهِ لَا بَرِحْتُ حَتَّی أُقْتَلَ أَوْ یُنْجِزَ اللَّهُ لَكَ مَا وَعَدَكَ مِنَ النُّصْرَةِ فَقَالَ
ص: 87
لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَبْشِرْ یَا عَلِیُّ فَإِنَّ اللَّهَ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ وَ لَنْ یَنَالُوا مِنَّا (1) مِثْلَهَا أَبَداً ثُمَّ نَظَرَ إِلَی كَتِیبَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ إِلَیْهِ فَقَالَ لَهُ احْمِلْ (2) عَلَی هَذِهِ یَا عَلِیُّ فَحَمَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَیْهَا فَقَتَلَ مِنْهَا هِشَامَ بْنَ أُمَیَّةَ (3) الْمَخْزُومِیَّ وَ انْهَزَمَ الْقَوْمُ ثُمَّ أَقْبَلَتْ كَتِیبَةٌ أُخْرَی فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله احْمِلْ عَلَی هَذِهِ فَحَمَلَ عَلَیْهَا فَقَتَلَ مِنْهَا عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْجُمَحِیَّ (4) وَ انْهَزَمَتْ أَیْضاً ثُمَّ أَقْبَلَتْ كَتِیبَةٌ أُخْرَی فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله احْمِلْ عَلَی هَذِهِ فَحَمَلَ عَلَیْهَا فَقَتَلَ مِنْهَا بِشْرَ بْنَ مَالِكٍ الْعَامِرِیَّ وَ انْهَزَمَتِ الْكَتِیبَةُ وَ لَمْ یَعُدْ (5) بَعْدَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَ تَرَاجَعَ الْمُنْهَزِمُونَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ إِلَی مَكَّةَ وَ انْصَرَفَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمَدِینَةِ فَاسْتَقْبَلَتْهُ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ وَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِیهِ مَاءٌ فَغَسَلَ بِهِ وَجْهَهُ وَ لَحِقَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ قَدْ خَضَبَ الدَّمُ یَدَهُ إِلَی كَتِفِهِ وَ مَعَهُ ذُو الْفَقَارِ فَنَاوَلَهُ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ وَ قَالَ لَهَا خُذِی هَذَا السَّیْفَ فَقَدْ صَدَقَنِی الْیَوْمَ وَ أَنْشَأَ یَقُولُ:
أَ فَاطِمُ هَاكِ السَّیْفَ غَیْرَ ذَمِیمٍ***فَلَسْتُ بِرِعْدِیدٍ وَ لَا بِمَلِیمٍ
لَعَمْرِی لَقَدْ أَعْذَرْتُ فِی نَصْرِ أَحْمَدَ***وَ طَاعَةِ رَبٍّ بِالْعِبَادِ عَلِیمٍ
أَمِیطِی دِمَاءَ الْقَوْمِ عَنْهُ فَإِنَّهُ***سَقَی آلَ عَبْدِ الدَّارِ كَأْسَ حَمِیمٍ
وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خُذِیهِ یَا فَاطِمَةُ فَقَدْ أَدَّی بَعْلُكِ مَا عَلَیْهِ وَ قَدْ قَتَلَ اللَّهُ بِسَیْفِهِ صَنَادِیدَ قُرَیْشٍ.
و قد ذكر أهل السیر قتلی أحد من المشركین و كان (6) جمهورهم قتلی
ص: 88
أمیر المؤمنین علیه السلام فروی عبد الملك بن هشام قال حدثنا زیاد بن عبد اللّٰه عن محمد بن إسحاق قال كان صاحب لواء قریش یوم أحد طلحة بن أبی طلحة بن عبد العزی بن عثمان بن عبد الدار قتله علی بن أبی طالب علیه السلام و قتل ابنه أبا سعد بن طلحة (1) و قتل أخاه كلدة (2) بن أبی طلحة و قتل عبد اللّٰه بن حمید بن زهرة (3) بن الحارث بن أسد بن عبد العزی و قتل أبا الحكم بن الأخنس بن شریق الثقفی و قتل الولید بن أبی حذیفة بن المغیرة (4) و قتل أخاه أمیة بن أبی حذیفة بن المغیرة و قتل أرطأة بن شرحبیل و قتل هشام بن (5) أمیة و قتل عمرو بن عبد اللّٰه الجمحی (6) و (7) بشر بن مالك و قتل صوابا مولی بنی عبد الدار و كان الفتح له و رجوع الناس من هزیمتهم إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله بمقامه یذب عنه دونهم و توجه العتاب من اللّٰه تعالی إلی كافتهم لهزیمتهم یومئذ سواه و من ثبت معه من رجال الأنصار و كانوا ثمانیة نفر (8) و قیل أربعة أو خمسة و فی قتله علیه السلام من قتل یوم أحد و عنائه فی الحرب و حسن بلائه یقول الحجاج بن علاط السلمی
لله أی مذبب عن حزبه***(9) أعنی ابن فاطمة المعم المخولا
ص: 89
جادت یداك له (1) بعاجل طعنة*** تركت (2) طلیحة للجبین مجدلا
و شددت شدة باسل فكشفتهم*** بالسفح (3)إذ یهوون أسفل أسفلا. (4)
و عللت سیفك بالدماء و لم یكن(5)***لترده حران حتی ینهلا(6)
بیان: الخف بالكسر الجماعة القلیلة و الأربیة بالضم و التشدید أصل الفخذ.
و قال الجوهری المعم المخول الكثیر الأعمام و الأخوال الكریمهم و قد یكسران و قال طعنه فجدله أی رماه بالأرض و قال البسالة الشجاعة.
أسفل أسفلا أی كشفتهم عند هویهم من الجبل إلی أسفل الوادی و التكریر للمبالغة و فی بعض النسخ أخول أخولا.
قال الجوهری یقال تطایر الشرر أخول أخول أی متفرقا و هو الشرر الذی یتطایر من الحدید الحار إذا ضرب.
و العلل الشرب الثانی من الإبل یقال عله یعله و یعله إذا سقاه السقیة الثانیة و عل بنفسه یتعدی و لا یتعدی و النهل الشرب الأول و قد نهل كعلم و الحران العطشان فالمعنی حتی ینهل فقط من دون علل أو المراد بالنهل هنا الارتواء و الناهل الریان فالتقابل بحسب اللفظ فقط و علی التقدیرین هو من أحسن الكلام و ألطف الاستعارات.
«18»-شی، تفسیر العیاشی الْحُسَیْنُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَوْلِهِ أَ فَإِنْ ماتَ
ص: 90
أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ (1) الْقَتْلُ أَمِ الْمَوْتُ قَالَ یَعْنِی أَصْحَابَهُ الَّذِینَ فَعَلُوا مَا فَعَلُوا (2).
«19»-شی، تفسیر العیاشی مَنْصُورُ بْنُ الْوَلِیدِ الصَّیْقَلُ إِنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ قَرَأَ وَ كَأَیِّنْ مِنْ نَبِیٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّیُّونَ كَثِیرٌ قَالَ أُلُوفٌ وَ أُلُوفٌ ثُمَّ قَالَ إِی وَ اللَّهِ یُقْتَلُونَ (3).
بیان: قال الطبرسی رحمه اللّٰه قرأ أهل البصرة و ابن كثیر و نافع قُتِلَ بضم القاف بغیر ألف و هی قراءة ابن عباس و الباقون قاتَلَ بألف و هی قراءة ابن مسعود (4).
«20»-شی، تفسیر العیاشی الْحُسَیْنُ بْنُ أَبِی الْعَلَاءِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ ذَكَرَ یَوْمَ أُحُدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كُسِرَتْ رَبَاعِیَتُهُ إِنَّ النَّاسَ وَلَّوْا مُصْعِدِینَ فِی الْوَادِی وَ الرَّسُولُ یَدْعُوهُمْ فِی أُخْرَاهُمْ فَأَثَابَهُمْ غَمّاً بِغَمٍّ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَیْهِمُ النُّعَاسَ فَقُلْتُ النُّعَاسُ مَا هُوَ قَالَ الْهَمُّ فَلَمَّا اسْتَیْقَظُوا قَالُوا كَفَرْنَا وَ جَاءَ أَبُو سُفْیَانَ فَعَلَا فَوْقَ الْجَبَلِ بِإِلَهِهِ هُبَلَ فَقَالَ اعْلُ هُبَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَئِذٍ اللَّهُ أَعْلَی وَ أَجَلُّ فَكُسِرَتْ رَبَاعِیَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ اشْتَكَتْ لِثَتُهُ وَ قَالَ نَنْشُدُكَ یَا رَبِّ مَا وَعَدْتَنِی فَإِنَّكَ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا عَلِیُّ أَیْنَ كُنْتَ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَزِقْتُ الْأَرْضَ فَقَالَ ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ فَقَالَ یَا عَلِیُّ ائْتِنِی بِمَاءٍ أَغْسِلْ عَنِّی فَأَتَاهُ فِی صَحْفَةٍ (5) فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ عَافَهُ وَ قَالَ ائْتِنِی فِی یَدِكَ فَأَتَاهُ بِمَاءٍ
ص: 91
فِی كَفِّهِ فَغَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَنْ لِحْیَتِهِ صلی اللّٰه علیه و آله (1).
بیان: النعاس ما هو أی ما سببه قالوا كفرنا أی بما تكلموا فی نعاسهم من كلمة الكفر أو بتقصیرهم فی إعانة الرسول صلی اللّٰه علیه و آله لزقت الأرض أی لم أفر و لم أتحرك عن مكانی.
«21»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ زُرَارَةَ وَ حُمْرَانَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَیْهِمَا السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّیْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا فَهُوَ عُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ وَ عُثْمَانُ بْنُ سَعْدٍ (2).
«22»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ أُحُدٍ نَادَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِی أَنْ یُظْهِرَنِی عَلَی الدِّینِ كُلِّهِ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْمُنَافِقِینَ وَ سَمَّاهُمَا فَقَدْ هُزِمْنَا وَ یَسْخَرُ بِنَا (3).
«23»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّیْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا قَالَ هُمْ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ (4).
بیان: لعل المراد بأصحاب العقبة أصحاب الشعب الذین أمرهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بحفظه أو الأنصار الذین بایعوا فی العقبة أو المعنی أن الذین فروا یوم الأحد (5) وقفوا علی العقبة لینفروا ناقة الرسول صلی اللّٰه علیه و آله و الأول أنسب.
«24»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِ اللَّهِ أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِیبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَیْها قَالَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ أَصَابُوا بِبَدْرٍ مِائَةً وَ أَرْبَعِینَ رَجُلًا قَتَلُوا سَبْعِینَ رَجُلًا وَ أَسَرُوا سَبْعِینَ فَلَمَّا كَانَ یَوْمُ أُحُدٍ أُصِیبَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ سَبْعُونَ رَجُلًا قَالَ فَاغْتَمُّوا بِذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِیبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَیْها (6).
«25»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِی مَرْیَمَ قَالَ: قَالَ لِی أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِنَ
ص: 92
رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَعَثَ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی عَشَرَةٍ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ إِلَی (1) أَجْرٌ عَظِیمٌ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ (2).
«26»-قب، المناقب لابن شهرآشوب ابْنُ فَیَّاضٍ فِی شَرْحِ الْأَخْبَارِ مُحَمَّدُ بْنُ الْجُنَیْدِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِیدِ بْنِ الْمُسَیَّبِ قَالَ: أَصَابَتْ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ یَوْمَ أُحُدٍ سِتَّ عَشْرَةَ ضَرْبَةً (3) وَ هُوَ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَذُبُّ عَنْهُ كُلَّ ضَرْبَةٍ (4) یَسْقُطُ إِلَی الْأَرْضِ فَإِذَا سَقَطَ رَفَعَهُ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ.
خَصَائِصُ الْعَلَوِیَّةِ، قَیْسُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِیهِ قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَصَابَنِی یَوْمَ أُحُدٍ سِتَّ عَشْرَةَ ضَرْبَةً سَقَطْتُ إِلَی الْأَرْضِ فِی أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ فَأَتَانِی رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ اللِّمَّةِ طَیِّبُ الرِّیحِ فَأَخَذَ بِضَبْعِی (5) فَأَقَامَنِی ثُمَّ قَالَ أَقْبِلْ عَلَیْهِمْ فَإِنَّكَ فِی طَاعَةِ اللَّهِ وَ طَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَ هُمَا عَنْكَ رَاضِیَانِ قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَتَیْتُ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ یَا عَلِیُّ أَقَرَّ اللَّهُ عَیْنَكَ ذَاكَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ (6).
بیان: اللمة بالكسر الشعر یجاوز شحمة الأذن.
«27»-شی، تفسیر العیاشی عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ لَمَّا رَأَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا صُنِعَ بِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ وَ إِلَیْكَ الْمُشْتَكَی وَ أَنْتَ الْمُسْتَعَانُ عَلَی مَا أَرَی ثُمَّ قَالَ لَئِنْ ظَفِرْتُ لَأُمَثِّلَنَّ وَ لَأُمَثِّلَنَّ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَیْرٌ لِلصَّابِرِینَ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَصْبِرُ أَصْبِرُ (7).
«28»-عم، إعلام الوری ثم كانت غزوة أحد علی رأس سنة من بدر و رئیس المشركین
ص: 93
یومئذ أبو سفیان بن حرب و كان أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یومئذ سبعمائة و المشركون ألفین و خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بعد أن استشار أصحابه و كان رأیه صلی اللّٰه علیه و آله أن یقاتل الرجال علی أفواه السكك و یرمی الضعفاء من فوق البیوت فأبوا إلا الخروج إلیهم فلما صار علی الطریق قالوا نرجع فقال ما كان لنبی إذا قصد قوما أن یرجع عنهم و كانوا ألف رجل فلما كانوا فی بعض الطریق انخزل عنهم عبد اللّٰه بن أبی بثلث الناس و قال (1) و اللّٰه ما ندری علی ما نقتل أنفسنا و القوم قومه و همت بنو حارثة و بنو سلمة بالرجوع ثم عصمهم اللّٰه جل و عز و هو قوله إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا (2) الآیة.
و أصبح رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله متهیئا للقتال و جعل علی رایة المهاجرین علیا علیه السلام و علی رایة الأنصار سعد بن عبادة و قعد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی رایة الأنصار ثم مر صلی اللّٰه علیه و آله علی الرماة و كانوا خمسین رجلا و علیهم عبد اللّٰه بن جبیر فوعظهم و ذكرهم و قال اتقوا اللّٰه و اصبروا و إن رأیتمونا یخطفنا الطیر (3) فلا تبرحوا مكانكم حتی أرسل إلیكم و أقامهم عند رأس الشعب و كانت الهزیمة علی المشركین و حسهم المسلمون بالسیوف حسا فقال أصحاب عبد اللّٰه بن جبیر الغنیمة ظهر أصحابكم (4) فما تنتظرون فقال عبد اللّٰه أ نسیتم قول رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أما أنا فلا أبرح موقفی الذی عهد إلی فیه رسول اللّٰه ما عهد فتركوا أمره و عصوه بعد ما رأوا ما یحبون و أقبلوا علی الغنائم فخرج كمین المشركین علیهم خالد بن الولید فانتهی إلی عبد اللّٰه بن جبیر فقتله ثم أتی الناس من أدبارهم و وضع فی المسلمین السلاح فانهزموا و صاح إبلیس لعنه اللّٰه قتل محمد و رسول اللّٰه یدعوهم فی أخراهم أیها الناس إنی رسول اللّٰه (5) إن اللّٰه قد وعدنی النصر فإلی أین الفرار فیسمعون الصوت
ص: 94
وَ لَا یَلْوُونَ عَلَی شَیْ ءٍ وَ ذَهَبَتْ صَیْحَةُ إِبْلِیسَ حَتَّی دَخَلَتْ بُیُوتَ الْمَدِینَةِ فَصَاحَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ وَ لَمْ تَبْقَ هَاشِمِیَّةٌ وَ لَا قُرَشِیَّةٌ إِلَّا وَضَعَتْ یَدَهَا عَلَی رَأْسِهَا وَ خَرَجَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ تَصْرُخُ.
قَالَ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَغَضِبَ غَضَباً شَدِیداً وَ كَانَ إِذَا غَضِبَ انْحَدَرَ مِنْ وَجْهِهِ وَ جَبْهَتِهِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤِ مِنَ الْعَرَقِ فَنَظَرَ فَإِذَا عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی جَنْبِهِ فَقَالَ مَا لَكَ لَمْ تَلْحَقْ بِبَنِی أَبِیكَ فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْفُرُ بَعْدَ إِیمَانٍ (1) إِنَّ لِی بِكَ أُسْوَةً فَقَالَ أَمَّا لَا فَاكْفِنِی هَؤُلَاءِ فَحَمَلَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَضَرَبَ أَوَّلَ مَنْ لَقِیَ مِنْهُمْ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِنَّ هَذِهِ لَهِیَ الْمُوَاسَاةُ یَا مُحَمَّدُ قَالَ إِنَّهُ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ قَالَ جَبْرَئِیلُ وَ أَنَا مِنْكُمَا.
وَ ثَابَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ أُصِیبَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ وَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَیْرٍ وَ شَمَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشَّرِیدِ وَ الْبَاقُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ.
قَالَ وَ أَقْبَلَ یَوْمَئِذٍ أُبَیُّ بْنُ خَلَفٍ وَ هُوَ عَلَی فَرَسٍ لَهُ وَ هُوَ یَقُولُ هَذَا ابْنُ أَبِی كَبْشَةَ بُؤْ بِذَنْبِكَ لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَوْتَ وَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَیْنَ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ وَ سَهْلِ بْنِ حُنَیْفٍ یَعْتَمِدُ عَلَیْهِمَا فَحَمَلَ عَلَیْهِ فَوَقَاهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَیْرٍ بِنَفْسِهِ فَطَعَنَ مُصْعَباً فَقَتَلَهُ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَنَزَةً كَانَتْ فِی یَدِ سَهْلِ بْنِ حُنَیْفٍ ثُمَّ طَعَنَ أُبَیّاً فِی جِرِبَّانِ الدِّرْعِ فَاعْتَنَقَ فَرَسُهُ فَانْتَهَی إِلَی عَسْكَرِهِ وَ هُوَ یَخُورُ خُوَارَ الثَّوْرِ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ وَیْلَكَ مَا أَجْزَعَكَ إِنَّمَا هُوَ خَدْشٌ لَیْسَ بِشَیْ ءٍ فَقَالَ وَیْلَكَ یَا ابْنَ حَرْبٍ أَ تَدْرِی مَنْ طَعَنَنِی إِنَّمَا طَعَنَنِی مُحَمَّدٌ وَ هُوَ قَالَ لِی بِمَكَّةَ إِنِّی سَأَقْتُلُكَ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ قَاتِلِی وَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ مَا بِی كَانَ بِجَمِیعِ أَهْلِ الْحِجَازِ لَقَضَتْ عَلَیْهِمْ فَلَمْ یَزَلْ یَخُورُ الْمَلْعُونُ حَتَّی صَارَ إِلَی النَّارِ.
وَ فِی كِتَابِ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ وَ صَفِیَّةُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ نَظَرَتَا إِلَیْهِ قَالَ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَمَّا عَمَّتِی فَاحْبِسْهَا عَنِّی وَ أَمَّا فَاطِمَةُ
ص: 95
فَدَعْهَا فَلَمَّا دَنَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ رَأَتْهُ قَدْ شُجَّ فِی وَجْهِهِ وَ أُدْمِیَ فُوهُ إِدْمَاءً صَاحَتْ وَ جَعَلَتْ تَمْسَحُ الدَّمَ وَ تَقُولُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَی مَنْ أَدْمَی وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ وَ كَانَ یَتَنَاوَلُ فِی یَدِهِ (1) رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا یَسِیلُ مِنَ الدَّمِ فَیَرْمِیهِ (2) فِی الْهَوَاءِ فَلَا یَتَرَاجَعُ مِنْهُ شَیْ ءٌ.
قَالَ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ اللَّهِ لَوْ سَقَطَ (3) مِنْهُ شَیْ ءٌ عَلَی الْأَرْضِ لَنَزَلَ الْعَذَابُ.
قَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنِی بِذَلِكَ عَنْهُ الصَّبَّاحُ بْنُ سَیَابَةَ قَالَ: قُلْتُ كُسِرَتْ رَبَاعِیَتُهُ كَمَا یَقُولُهُ هَؤُلَاءِ قَالَ لَا وَ اللَّهِ مَا قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَّا سَلِیماً وَ لَكِنَّهُ شُجَّ فِی وَجْهِهِ قُلْتُ فَالغَارُ فِی أُحُدٍ الَّذِی یَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله صَارَ إِلَیْهِ قَالَ وَ اللَّهِ مَا بَرِحَ مَكَانَهُ وَ قِیلَ لَهُ أَ لَا تَدْعُو عَلَیْهِمْ قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِی. (4) وَ رَمَی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ابْنُ قَمِیئَةَ (5) بِقَذَّافَةٍ فَأَصَابَ كَفَّهُ حَتَّی نَدَرَ السَّیْفُ مِنْ یَدِهِ وَ قَالَ خُذْهَا مِنِّی وَ أَنَا ابْنُ قَمِیئَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَذَلَّكَ اللَّهُ وَ أَقْمَأَكَ (6) وَ ضَرَبَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ بِالسَّیْفِ حَتَّی أَدْمَی فَاهُ وَ رَمَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شِهَابٍ بِقُلَاعَةٍ فَأَصَابَ مِرْفَقَهُ وَ لَیْسَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ مَاتَ مِیتَةً سَوِیَّةً فَأَمَّا ابْنُ قَمِیئَةَ فَأَتَاهُ تَیْسٌ وَ هُوَ نَائِمٌ بِنَجْدٍ فَوَضَعَ قَرْنَهُ فِی مَرَاقِّهِ ثُمَّ دَعَسَهُ فَجَعَلَ یُنَادِی وَا ذُلَّاهْ حَتَّی أَخْرَجَ قَرْنَیْهِ مِنْ تَرْقُوَتِهِ.
وَ كَانَ وَحْشِیٌّ یَقُولُ قَالَ لِی جُبَیْرُ بْنُ مُطْعِمٍ وَ كُنْتُ عَبْداً لَهُ إِنَّ عَلِیّاً قَتَلَ عَمِّی یَوْمَ بَدْرٍ یَعْنِی طُعَیْمَةَ فَإِنْ قَتَلْتَ مُحَمَّداً فَأَنْتَ حُرٌّ وَ إِنْ قَتَلْتَ عَمَّ مُحَمَّدٍ فَأَنْتَ حُرٌّ وَ إِنْ قَتَلْتَ ابْنَ عَمِّ مُحَمَّدٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَخَرَجْتُ بِحَرْبَةٍ لِی مَعَ قُرَیْشٍ إِلَی أُحُدٍ أُرِیدُ الْعِتْقَ
ص: 96
لَا أُرِیدُ غَیْرَهُ وَ لَا أَطْمَعُ فِی مُحَمَّدٍ وَ قُلْتُ لَعَلِّی أُصِیبُ مِنْ عَلِیٍّ أَوْ حَمْزَةَ غِرَّةً فَأَزْرُقَهُ وَ كُنْتُ لَا أُخْطِئُ فِی رَمْیِ الْحِرَابِ تَعَلَّمْتُهُ مِنَ الْحَبَشَةِ فِی أَرْضِهَا وَ كَانَ حَمْزَةُ یَحْمِلُ حَمَلَاتِهِ ثُمَّ یَرْجِعُ إِلَی مَوْقِفِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ زَرَقَهُ وَحْشِیٌّ فَوْقَ الثَّدْیِ فَسَقَطَ وَ شَدُّوا عَلَیْهِ فَقَتَلُوهُ فَأَخَذَ وَحْشِیٌّ الْكَبِدَ فَشَدَّ بِهَا إِلَی هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ فَأَخَذَتْهَا فَطَرَحَتْهَا فِی فِیهَا فَصَارَتْ مِثْلَ الدَّاغِصَةِ فَلَفَظَتْهَا.
قَالَ وَ كَانَ الْحُلَیْسُ بْنُ عَلْقَمَةَ (1) نَظَرَ إِلَی أَبِی سُفْیَانَ وَ هُوَ عَلَی فَرَسٍ وَ بِیَدِهِ رُمْحٌ یَجَأُ بِهِ فِی شِدْقِ حَمْزَةَ فَقَالَ یَا مَعْشَرَ بَنِی كِنَانَةَ انْظُرُوا إِلَی مَنْ یَزْعُمُ أَنَّهُ سَیِّدُ قُرَیْشٍ مَا یَصْنَعُ بِابْنِ عَمِّهِ الَّذِی قَدْ صَارَ لَحْماً وَ أَبُو سُفْیَانَ یَقُولُ ذُقْ عُقَقُ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ صَدَقْتَ إِنَّمَا كَانَتْ مِنِّی زَلَّةٌ اكْتُمْهَا عَلَیَّ.
قَالَ وَ قَالَ أَبُو سُفْیَانَ فَنَادَی بَعْضُ الْمُسْلِمِینَ أَ حَیٌّ ابْنُ أَبِی كَبْشَةَ فَأَمَّا ابْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَدْ رَأَیْنَاهُ مَكَانَهُ فَقَالَ عَلِیٌّ إِی وَ الَّذِی بَعَثَهُ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَیَسْمَعُ كَلَامَكَ قَالَ إِنَّهُ قَدْ كَانَتْ فِی قَتْلَاكُمْ مُثْلَةٌ وَ اللَّهِ مَا أَمَرْتَ وَ لَا نَهَیْتَ إِنَّ مِیعَادَنَا بَیْنَنَا وَ بَیْنَكُمْ مَوْسِمُ بَدْرٍ فِی قَابِلِ هَذَا الشَّهْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قُلْ نَعَمْ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ لِعَلِیٍّ إِنَّ ابْنَ قَمِیئَةَ أَخْبَرَنِی أَنَّهُ قَتَلَ مُحَمَّداً وَ أَنْتَ أَصْدَقُ عِنْدِی مِنْهُ وَ أَبَرُّ ثُمَّ وَلَّی إِلَی أَصْحَابِهِ وَ قَالَ اتَّخِذُوا اللَّیْلَ جَمَلًا وَ انْصَرِفُوا.
ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلِیّاً فَقَالَ اتَّبِعْهُمْ فَانْظُرْ أَیْنَ یُرِیدُونَ فَإِنْ كَانُوا رَكِبُوا الْخَیْلَ وَ سَاقُوا الْإِبِلَ فَإِنَّهُمْ یُرِیدُونَ الْمَدِینَةَ وَ إِنْ كَانُوا رَكِبُوا الْإِبِلَ وَ سَاقُوا الْخَیْلَ فَهُمْ مُتَوَجِّهُونَ إِلَی مَكَّةَ.
وَ قِیلَ إِنَّهُ بَعَثَ لِذَلِكَ سَعْدَ بْنَ أَبِی وَقَّاصٍ.
فَرَجَعَ فَقَالَ رَأَیْتُ خَیْلَهُمْ تَضْرِبُ بِأَذْنَابِهَا مَجْنُوبَةً مُدْبِرَةً وَ رَأَیْتُ الْقَوْمَ قَدْ تَجَمَّلُوا سَائِرِینَ فَطَابَتْ أَنْفُسُ الْمُسْلِمِینَ بِذَهَابِ الْعَدُوِّ فَانْتَشَرُوا یَتَتَبَّعُونَ قَتْلَاهُمْ فَلَمْ یَجِدُوا قَتِیلًا إِلَّا وَ قَدْ مَثَّلُوا بِهِ إِلَّا حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِی عَامِرٍ كَانَ أَبُوهُ مَعَ الْمُشْرِكِینَ فَتُرِكَ لَهُ وَ وَجَدُوا حَمْزَةَ قَدْ شُقَّ بَطْنُهُ وَ جُدِعَ أَنْفُهُ وَ قُطِعَتْ أُذُنَاهُ وَ أُخِذَ كَبِدُهُ
ص: 97
فَلَمَّا انْتَهَی إِلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ وَ قَالَ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِینَ مِنْ قُرَیْشٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ (1) بِهِ الْآیَةَ فَقَالَ بَلْ أَصْبِرُ وَ قَالَ مَنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِی تُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ فِی سَفْحِ الْجَبَلِ فَسَأَلُوا امْرَأَتَهُ فَقَالَتْ إِنَّهُ خَرَجَ وَ هُوَ جُنُبٌ وَ هُوَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِی عَامِرٍ الْغَسِیلُ.
قَالَ أَبَانٌ وَ حَدَّثَنِی أَبُو بَصِیرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ یُقَالُ لَهُ قُزْمَانُ بِحُسْنِ مَعُونَتِهِ لِإِخْوَانِهِ وَ ذُكُوِّهِ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأُتِیَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قِیلَ إِنَّ قُزْمَانَ اسْتُشْهِدَ فَقَالَ یَفْعَلُ اللَّهُ مَا یَشَاءُ (2) ثُمَّ أُتِیَ فَقِیلَ إِنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَ كَانَ قُزْمَانُ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِیداً وَ قَتَلَ مِنَ الْمُشْرِكِینَ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحُ فَاحْتَمَلَ إِلَی دُورِ بَنِی ظَفَرٍ فَقَالَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ أَبْشِرْ یَا قُزْمَانُ فَقَدْ أَبْلَیْتَ الْیَوْمَ فَقَالَ بِمَ تُبَشِّرُونِ فَوَ اللَّهِ مَا قَاتَلْتُ إِلَّا عَنْ أَحْسَابِ قَوْمِی وَ لَوْ لَا ذَلِكَ مَا قَاتَلْتُ فَلَمَّا اشْتَدَّتْ عَلَیْهِ الْجِرَاحَةُ جَاءَ إِلَی كِنَانَتِهِ فَأَخَذَ مِنْهَا مِشْقَصاً (3) فَقَتَلَ بِهِ نَفْسَهُ..
قَالَ: وَ كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِی النَّجَّارِ قُتِلَ أَبُوهَا وَ زَوْجُهَا وَ أَخُوهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَدَنَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ الْمُسْلِمُونَ قِیَامٌ عَلَی رَأْسِهِ فَقَالَ (4) لِرَجُلٍ أَ حَیٌّ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ أَسْتَطِیعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَیْهِ قَالَ نَعَمْ فَأَوْسَعُوا لَهَا فَدَنَتْ مِنْهُ وَ قَالَتْ كُلُّ مُصِیبَةٍ جَلَلٌ بَعْدَكَ ثُمَّ انْصَرَفَتْ.
قَالَ وَ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمَدِینَةِ حِینَ دُفِنَ الْقَتْلَی فَمَرَّ بِدُورِ بَنِی الْأَشْهَلِ وَ بَنِی ظَفَرٍ فَسَمِعَ بُكَاءَ النَّوَائِحِ عَلَی قَتْلَاهُنَّ فَتَرَقْرَقَتْ عَیْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بَكَی ثُمَّ قَالَ لَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِیَ لَهُ الْیَوْمَ فَلَمَّا سَمِعَهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ
ص: 98
وَ أُسَیْدُ بْنُ حُضَیْرٍ قَالا (1) لَا تَبْكِیَنَّ امْرَأَةٌ حَمِیمَهَا حَتَّی تَأْتِیَ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ فَتُسْعِدَهَا فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْوَاعِیَةَ عَلَی حَمْزَةَ وَ هُوَ عِنْدَ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ عَلَی بَابِ الْمَسْجِدِ قَالَ ارْجِعْنَ رَحِمَكُنَّ اللَّهُ فَقَدْ آسَیْتُنَّ بِأَنْفُسِكُنَّ.
ثم كانت غزوة حمراء الأسد قَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ لَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ مِنْ یَوْمِ أُحُدٍ نَادَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی الْمُسْلِمِینَ فَأَجَابُوهُ فَخَرَجُوا عَلَی عِلَّتِهِمْ وَ عَلَی مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْقَرْحِ وَ قَدَّمَ عَلِیّاً بَیْنَ یَدَیْهِ بِرَایَةِ الْمُهَاجِرِینَ حَتَّی انْتَهَی إِلَی حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَی الْمَدِینَةِ فَهُمُ الَّذِینَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ وَ خَرَجَ أَبُو سُفْیَانَ حَتَّی انْتَهَی إِلَی الرَّوْحَاءِ فَأَقَامَ بِهَا وَ هُوَ یَهُمُّ بِالرَّجْعَةِ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ یَقُولُ قَدْ قَتَلْنَا صَنَادِیدَ الْقَوْمِ فَلَوْ رَجَعْنَا اسْتَأْصَلْنَاهُمْ فَلَقِیَ مَعْبَداً الْخُزَاعِیَّ فَقَالَ مَا وَرَاءَكَ یَا مَعْبَدُ قَالَ قَدْ وَ اللَّهِ تَرَكْتُ مُحَمَّداً وَ أَصْحَابَهُ وَ هُمْ یُحْرِقُونَ عَلَیْكُمْ (2) وَ هَذَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ قَدْ أَقْبَلَ عَلَی مُقَدِّمَتِهِ فِی النَّاسِ وَ قَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ وَ قَدْ دَعَانِی ذَلِكَ إِلَی أَنْ قُلْتُ شِعْراً قَالَ أَبُو سُفْیَانَ وَ مَا ذَا قُلْتَ قَالَ قُلْتُ:
كَانَتْ تَهُدُّ مِنَ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِی*** إِذْ سَالَتِ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِیلِ
تُرْدِی بِأُسْدٍ كِرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ***عِنْدَ اللِّقَاءِ وَ لَا خُرْقٍ مَعَاذِیلِ
الْأَبْیَاتَ.
فَثَنَّی ذَلِكَ أَبَا سُفْیَانَ وَ مَنْ مَعَهُ ثُمَّ مَرَّ بِهِ رَكْبٌ مِنْ عَبْدِ الْقَیْسِ یُرِیدُونَ الْمِیرَةَ مِنَ الْمَدِینَةِ فَقَالَ لَهُمْ أَبْلِغُوا مُحَمَّداً أَنِّی قَدْ أَرَدْتُ الرَّجْعَةَ إِلَی أَصْحَابِهِ لِأَسْتَأْصِلَهُمْ وَ أُوقِرَ لَكُمْ رِكَابَكُمْ زَبِیباً إِذَا وَافَیْتُمْ عُكَاظَ فَأَبْلَغُوا ذَلِكَ إِلَیْهِ وَ هُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله وَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ وَ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمَدِینَةِ یَوْمَ الْجُمُعَةِ.
ص: 99
قَالَ وَ لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَمْرَاءَ الْأَسَدِ وَثَبَتْ فَاسِقَةٌ مِنْ بَنِی حَطْمَةَ (1) یُقَالُ لَهَا الْعَصْمَاءُ أُمُّ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُنْذِرِ تَمْشِی فِی مَجَالِسِ الْأَوْسِ وَ الْخَزْرَجِ وَ تَقُولُ شِعْراً تُحَرِّضُ عَلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لَیْسَ فِی بَنِی حَطْمَةَ (2) یَوْمَئِذٍ مُسْلِمٌ إِلَّا وَاحِدٌ یُقَالُ لَهُ عُمَیْرُ بْنُ عَدِیٍّ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله غَدَا عَلَیْهَا عُمَیْرٌ فَقَتَلَهَا ثُمَّ أَتَی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ إِنِّی قَتَلْتُ أُمَّ الْمُنْذِرِ لِمَا قَالَتْهُ مِنْ هُجْرٍ فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَی كَتِفِهِ وَ قَالَ هَذَا رَجُلٌ نَصَرَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ بِالْغَیْبِ أَمَا إِنَّهُ لَا یَنْتَطِحُ فِیهَا عَنْزَانِ.
قَالَ عُمَیْرُ بْنُ عَدِیٍّ فَأَصْبَحْتُ فَمَرَرْتُ بِبَنِیهَا وَ هُمْ یَدْفِنُونَهَا فَلَمْ یَعْرِضْ لِی أَحَدٌ مِنْهُمْ وَ لَمْ یُكَلِّمْنِی. (3).
بیان: بؤ بذنبك أی اعترف أو ارجع به جربان القمیص بالضم و التشدید لبته (4) معرب كریبان و یقال ضربه فقضی علیه أی قتله و التأنیث بتأویل الضربة أو الجراحة و ندر الشی ء كنصر سقط و القذافة بالفتح و التشدید الذی یرمی به الشی ء فیبعد و أقمأه بالهمز صغره و أذله و القلاعة بالضم الحجر أو المدر یقتلع من الأرض فیرمی به و المراق بتشدید القاف ما دق من أسفل البطن و لان و الدعس الطعن و المزراق رمح قصیر و زرقه به رماه به قوله یجأ به هو من قولهم وجأه بالسكین كوضعه أی ضربه.
و قال الجزری فیه إن أبا سفیان مر بحمزة قتیلا فقال له ذق عقق أراد ذق القتل یا عاق قومه كما قتلت یوم بدر من قومك یعنی كفار قریش و عقق منقول من عاق للمبالغة كغدر من غادر و فسق من فاسق و قال یقال للرجل إذ أسری لیلته جمعاء أو أحیاها بصلاة أو غیرها من العبادات اتخذ اللیل جملا كأنه ركبه و لم ینم فیه.
قوله قد تجملوا أی ركبوا الجمل و الإبلاء الإنعام و الإحسان و الجلل
ص: 100
بالتحریك الأمر العظیم و الهین و هو من الأضداد و المراد هنا الثانی أی كل مصیبة سهلة هینة بعد سلامتك و بقائك.
قوله صلی اللّٰه علیه و آله لا ینتطح فیها عنزان أی یذهب هدرا لا ینازع فی دمها رجلان ضعیفان أیضا لأن النطاح من شأن التیوس و الكباش.
«29»-كشف، كشف الغمة قَالَ الْوَاقِدِیُّ فِی الْمَغَازِی إِنَّهُ لَمَّا فَرَّ النَّاسُ یَوْمَ أُحُدٍ مَا زَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله شِبْراً وَاحِداً یَرْمِی مَرَّةً عَنْ قَوْسِهِ وَ مَرَّةً بِالْحِجَارَةِ وَ صَبَرَ (1) مَعَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا سَبْعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ سَبْعَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَبُو بَكْرٍ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ وَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَیْدِ اللَّهِ وَ أَبُو عُبَیْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَ الزُّبَیْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَ مِنَ الْأَنْصَارِ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَ أَبُو دُجَانَةَ وَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَ الْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ وَ أُسَیْدُ بْنُ حُضَیْرٍ وَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَ یُقَالُ ثَبَتَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَجَعَلُوهُمَا مَكَانَ أُسَیْدِ بْنِ حُضَیْرٍ وَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ (2) وَ بَایَعَهُ یَوْمَئِذٍ ثَمَانِیَةٌ عَلَی الْمَوْتِ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ خَمْسَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ الزُّبَیْرُ وَ طَلْحَةُ وَ أَبُو دُجَانَةَ وَ الْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ وَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ فَلَمْ یُقْتَلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَ أُصِیبَتْ یَوْمَئِذٍ عَیْنُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ حَتَّی وَقَعَتْ عَلَی وَجْنَتِهِ قَالَ فَجِئْتُ
ص: 101
إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ تَحْتِی امْرَأَةً شَابَّةً جَمِیلَةً أُحِبُّهَا وَ تُحِبُّنِی فَأَنَا أَخْشَی أَنْ تُقَذِّرَ (1) مَكَانَ عَیْنِی فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَرَدَّهَا فَأَبْصَرَتْ وَ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ لَمْ تُؤْلِمْهُ سَاعَةً مِنْ لَیْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَكَانَ یَقُولُ بَعْدَ أَنْ أَسَنَّ هِیَ أَقْوَی عَیْنِی وَ كَانَتْ أَحْسَنَهُمَا وَ بَاشَرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ وَ رَمَی حَتَّی فَنِیَتْ نَبْلُهُ وَ أَصَابَ شَفَتَیْهِ وَ رَبَاعِیَتَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ وَ وَقَعَ صلی اللّٰه علیه و آله فِی حُفْرَةٍ وَ ضَرَبَهُ ابْنُ قَمِیئَةَ فَلَمْ یَصْنَعْ سَیْفُهُ شَیْئاً إِلَّا وَهْنَ الضَّرْبَةِ بِثِقْلِ السَّیْفِ وَ انْتَهَضَ وَ طَلْحَةُ تَحْمِلُهُ (2) مِنْ وَرَائِهِ وَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَخَذَ بِیَدَیْهِ حَتَّی اسْتَوَی قَائِماً.
وَ عَنْ أَبِی بَشِیرٍ الْحَارِثِیِّ (3) حَضَرْتُ یَوْمَ أُحُدٍ وَ أَنَا غُلَامٌ فَرَأَیْتُ ابْنَ قَمِیئَةَ عَلَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِالسَّیْفِ فَوَقَعَ عَلَی رُكْبَتَیْهِ فِی حُفْرَةٍ أَمَامَهُ حَتَّی تَوَارَی فَجَعَلْتُ أَصِیحُ وَ أَنَا غُلَامٌ حَتَّی رَأَیْتُ النَّاسَ ثَابُوا إِلَیْهِ.
وَ یُقَالُ الَّذِی شَجَّهُ فِی جَبْهَتِهِ ابْنُ شِهَابٍ وَ الَّذِی أَشْظَی رَبَاعِیَتَهُ وَ أَدْمَی شَفَتَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ وَ الَّذِی أَدْمَی وَجْنَتَیْهِ حَتَّی غَابَ الْحَلْقُ (4) فِی وَجْنَتِهِ ابْنُ قَمِیئَةَ وَ سَالَ الدَّمُ مِنْ جَبْهَتِهِ حَتَّی أَخْضَلَ لِحْیَتَهُ وَ كَانَ سَالِمٌ مَوْلَی أَبِی حُذَیْفَةَ یَغْسِلُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَ هُوَ یَقُولُ كَیْفَ یُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِیِّهِمْ وَ هُوَ یَدْعُوهُمْ إِلَی اللَّهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَیْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَیْ ءٌ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ (5) الْآیَةَ.
وَ ذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِی مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِی حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ بِأَیِّ شَیْ ءٍ دُووِیَ جُرْحُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ كَانَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَجِی ءُ بِالْمَاءِ فِی تُرْسِهِ وَ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ
ص: 102
تَغْسِلُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَ أَخَذَ حَصِیراً فَأَحْرَقَ وَ حَشَی بِهِ جُرْحَهُ (1).
وَ قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ لَقَدْ رَأَیْتُنِی وَ انْفَرَدَتْ یَوْمَئِذٍ مِنْهُمْ فِرْقَةٌ خَشْنَاءُ فِیهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِی جَهْلٍ فَدَخَلْتُ وَسْطَهُمْ بِالسَّیْفِ فَضَرَبْتُ بِهِ وَ اشْتَمَلُوا عَلَیَّ حَتَّی أَفْضَیْتُ إِلَی آخِرِهِمْ ثُمَّ كَرَّرْتُ فِیهِمُ الثَّانِیَةَ حَتَّی رَجَعْتُ مِنْ حَیْثُ جِئْتُ وَ لَكِنَّ الْأَجَلَ اسْتَأْخَرَ وَ یَقْضِی اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا (2) قَالَ وَ كَانَ عُثْمَانُ مِنَ الَّذِینَ تَوَلَّی یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ
وَ قَالَ ابْنُ أَبِی نَجِیحٍ (3) نَادَی فِی ذَلِكَ الْیَوْمِ مُنَادٍ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ (4).
بیان: قال فی النهایة التشظی التشعب و التشقق و منه الحدیث فانشظت رباعیة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أی انكسرت.
«30»-فر، تفسیر فرات بن إبراهیم أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ حَمَّادٍ مُعَنْعَناً عَنْ حُذَیْفَةَ الْیَمَانِیِّ (5) رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ
ص: 103
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَرَ بِالْجِهَادِ یَوْمَ أُحُدٍ فَخَرَجَ النَّاسُ سِرَاعاً یَتَمَنَّوْنَ لِقَاءَ عَدُوِّهِمْ وَ بَغَوْا فِی مَنْطِقِهِمْ وَ قَالُوا وَ اللَّهِ لَئِنْ لَقِینَا عَدُوَّنَا (1) لَا نُوَلِّی حَتَّی یُقْتَلَ عَنْ آخِرِنَا رَجُلٌ أَوْ یَفْتَحَ اللَّهُ لَنَا قَالَ فَلَمَّا أَتَوْا إِلَی (2) الْقَوْمِ ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِالَّذِی كَانَ مِنْهُمْ وَ مِنْ بَغْیِهِمْ فَلَمْ یَلْبَثُوا إِلَّا یَسِیراً حَتَّی انْهَزَمُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَّا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ الْأَنْصَارِیُّ فَلَمَّا رَأَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا قَدْ نَزَلَ بِالنَّاسِ مِنَ الْهَزِیمَةِ وَ الْبَلَاءِ رَفَعَ الْبَیْضَةَ عَنْ رَأْسِهِ وَ جَعَلَ یُنَادِی أَیُّهَا النَّاسُ أَنَا لَمْ أَمُتْ وَ لَمْ أُقْتَلْ وَ جَعَلَ النَّاسُ یَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً لَا یَلْوُونَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَا یَلْتَفِتُونَ (3) إِلَیْهِ فَلَمْ یَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّی دَخَلُوا الْمَدِینَةَ فَلَمْ یَكْتَفُوا بِالْهَزِیمَةِ حَتَّی قَالَ أَفْضَلُهُمْ رَجُلًا فِی أَنْفُسِهِمْ قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا آیَسَ الرَّسُولُ مِنَ الْقَوْمِ رَجَعَ إِلَی مَوْضِعِهِ الَّذِی كَانَ فِیهِ فَلَمْ یَرَ إِلَّا عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَبَا دُجَانَةَ الْأَنْصَارِیَّ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا أَبَا دُجَانَةَ ذَهَبَ النَّاسُ فَالْحَقْ بِقَوْمِكَ فَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَی هَذَا بَایَعْنَاكَ وَ بَایَعْنَا اللَّهَ وَ لَا عَلَی هَذَا خَرَجْنَا یَقُولُ اللَّهُ تَعَالَی إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَكَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللَّهَ یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ (4) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا أَبَا دُجَانَةَ أَنْتَ فِی حِلٍّ مِنْ بَیْعَتِكَ فَارْجِعْ فَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تُحَدِّثُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ فِی الْخُدُورِ أَنِّی أَسْلَمْتُكَ وَ رَغِبْتُ بِنَفْسِی عَنْ نَفْسِكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَا خَیْرَ فِی الْعَیْشِ بَعْدَكَ قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَلَامَهُ وَ رَغْبَتَهُ فِی الْجِهَادِ انْتَهَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی صَخْرَةٍ فَاسْتَتَرَ بِهَا لِیَتَّقِیَ بِهَا مِنَ السِّهَامِ سِهَامِ الْمُشْرِكِینَ فَلَمْ یَلْبَثْ أَبُو دُجَانَةَ إِلَّا یَسِیراً حَتَّی أُثْخِنَ (5) جِرَاحَةً فَتَحَامَلَ حَتَّی انْتَهَی إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 104
فَجَلَسَ إِلَی جَنْبِهِ وَ هُوَ مُثْخَنٌ لَا حَرَاكَ بِهِ.
قَالَ وَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَا یُبَارِزُ فَارِساً وَ لَا رَاجِلًا إِلَّا قَتَلَهُ اللَّهُ عَلَی یَدَیْهِ حَتَّی انْقَطَعَ سَیْفُهُ فَلَمَّا انْقَطَعَ سَیْفُهُ جَاءَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله انْقَطَعَ سَیْفِی وَ لَا سَیْفَ لِی فَخَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سَیْفَهُ ذَا الْفَقَارِ فَقَلَّدَ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ مَشَی إِلَی جَمْعِ الْمُشْرِكِینَ فَكَانَ لَا یَبْرُزُ لَهُ أَحَدٌ (1) إِلَّا قَتَلَهُ فَلَمْ یَزَلْ عَلَی ذَلِكَ حَتَّی وَهَنَتْ ذِرَاعُهُ (2) فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ذَلِكَ فِیهِ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی السَّمَاءِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَ رَسُولُكَ جَعَلْتَ لِكُلِّ نَبِیٍّ وَزِیراً مِنْ أَهْلِهِ لِتَشُدَّ بِهِ عَضُدَهُ وَ تُشْرِكَهُ فِی أَمْرِهِ وَ جَعَلْتَ لِی وَزِیراً مِنْ أَهْلِی عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ أَخِی فَنِعْمَ الْأَخُ وَ نِعْمَ الْوَزِیرُ اللَّهُمَّ وَعَدْتَنِی أَنْ تُمِدَّنِی بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِینَ اللَّهُمَّ وَعْدَكَ وَعْدَكَ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِیعادَ وَعَدْتَنِی أَنْ تُظْهِرَ دِینَكَ عَلَی الدِّینِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ فَبَیْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَدْعُو رَبَّهُ وَ یَتَضَرَّعُ إِلَیْهِ إِذْ سَمِعَ دَوِیّاً مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی كُرْسِیٍّ مِنْ ذَهَبٍ وَ مَعَهُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِینَ وَ هُوَ یَقُولُ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ وَ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ. (3) فَهَبَطَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی الصَّخْرَةِ وَ حَفَّتِ الْمَلَائِكَةُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَسَلَّمُوا عَلَیْهِ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ صلی اللّٰه علیه و آله یَا رَسُولَ اللَّهِ بِالَّذِی (4) أَكْرَمَكَ بِالْهُدَی لَقَدْ عَجِبَتِ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ لِمُوَاسَاةِ هَذَا الرَّجُلِ لَكَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ یَا جَبْرَئِیلُ وَ مَا یَمْنَعُهُ یُوَاسِینِی بِنَفْسِهِ وَ هُوَ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَنَا مِنْكُمَا حَتَّی قَالَهَا ثَلَاثاً ثُمَّ حَمَلَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ حَمَلَ جَبْرَئِیلُ وَ الْمَلَائِكَةُ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی هَزَمَ جَمْعَ الْمُشْرِكِینَ وَ تَشَتَّتَ (5) أَمْرُهُمْ فَمَضَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی
ص: 105
طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ مَعَهُ اللِّوَاءُ قَدْ خَضَبَهُ بِالدَّمِ وَ أَبُو دُجَانَةَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ خَلْفَهُ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَی الْمَدِینَةِ فَإِذَا نِسَاءُ الْأَنْصَارِ یَبْكِینَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (1) فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اسْتَقْبَلَهُ أَهْلُ الْمَدِینَةِ بِأَجْمَعِهِمْ وَ مَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمَسْجِدِ وَ نَظَرَ إِلَی النَّاسِ (2) فَتَضَرَّعُوا إِلَی اللَّهِ وَ إِلَی رَسُولِهِ وَ أَقَرُّوا بِالذَّنْبِ وَ طَلَبُوا التَّوْبَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِیهِمْ قُرْآناً یَعِیبُهُمْ بِالْبَغْیِ الَّذِی كَانَ مِنْهُمْ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَی وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَیْتُمُوهُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ یَقُولُ قَدْ عَایَنْتُمُ الْمَوْتَ وَ الْعَدُوَّ فَلِمَ نَقَضْتُمُ الْعَهْدَ وَ جَزِعْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ وَ قَدْ عَاهَدْتُمُ اللَّهَ أَنْ لَا تَنْهَزِمُوا حَتَّی قَالَ بَعْضُكُمْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إِلَی قَوْلِهِ وَ سَیَجْزِی اللَّهُ الشَّاكِرِینَ (3) یَعْنِی عَلِیّاً وَ أَبَا دُجَانَةَ.
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ رَغِبْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ عَنِّی وَ وَازَرَنِی عَلِیٌّ وَ وَاسَانِی فَمَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ أَطَاعَنِی وَ مَنْ عَصَاهُ فَقَدْ عَصَانِی وَ فَارَقَنِی فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ قَالَ فَقَالَ حُذَیْفَةُ لَیْسَ یَنْبَغِی لِأَحَدٍ یَعْقِلُ أَنْ یَشُكَّ فَمَنْ (4) لَمْ یُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّهُ أَفْضَلُ مِمَّنْ أَشْرَكَ بِهِ وَ مَنْ لَمْ یَنْهَزِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَفْضَلُ مِمَّنِ انْهَزَمَ وَ إِنَّ السَّابِقَ إِلَی الْإِیمَانِ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ أَفْضَلُ وَ هُوَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ (5).
فر، تفسیر فرات بن إبراهیم الْحُسَیْنُ بْنُ سَعِیدٍ مُعَنْعَناً عَنْ حُذَیْفَةَ مِثْلَهُ (6).
«31»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَفَّنَ حَمْزَةَ بِثِیَابِهِ (7) وَ لَمْ یَغْسِلْهُ وَ لَكِنَّهُ صَلَّی عَلَیْهِ (8).
ص: 106
«32»-یب، تهذیب الأحكام الْمُفِیدُ عَنِ ابْنِ قُولَوَیْهِ عَنِ الْكُلَیْنِیِّ عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِیزٍ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ جَابِرٍ وَ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: دَفَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَمَّهُ حَمْزَةَ فِی ثِیَابِهِ بِدِمَائِهِ الَّتِی أُصِیبَ فِیهَا وَ زَادَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بُرْداً فَقَصُرَ عَنْ رِجْلَیْهِ فَدَعَا لَهُ بِإِذْخِرٍ فَطَرَحَهُ عَلَیْهِ وَ صَلَّی عَلَیْهِ سَبْعِینَ صَلَاةً وَ كَبَّرَ عَلَیْهِ سَبْعِینَ تَكْبِیرَةً (1).
«33»-كا، الكافی حُمَیْدُ بْنُ زِیَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِیثَمِیِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ نُعْمَانَ الرَّازِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: انْهَزَمَ النَّاسُ یَوْمَ أُحُدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَغَضِبَ غَضَباً شَدِیداً قَالَ وَ كَانَ إِذَا غَضِبَ انْحَدَرَ عَنْ جَبِینَیْهِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤِ مِنَ الْعَرَقِ قَالَ فَنَظَرَ فَإِذَا عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی جَنْبِهِ فَقَالَ لَهُ الْحَقْ بِبَنِی أَبِیكَ مَعَ مَنِ انْهَزَمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ لِی بِكَ أُسْوَةٌ قَالَ (2) فَاكْفِنِی هَؤُلَاءِ فَحَمَلَ فَضَرَبَ أَوَّلَ مَنْ لَقِیَ مِنْهُمْ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِنَّ هَذِهِ لَهِیَ الْمُوَاسَاةُ یَا مُحَمَّدُ فَقَالَ إِنَّهُ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ (3) جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَنَا مِنْكُمَا یَا مُحَمَّدُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی جَبْرَئِیلَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی كُرْسِیٍّ مِنْ ذَهَبٍ بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ یَقُولُ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ (4).
«34»-كا، الكافی مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ أَبِی الْعَلَاءِ الْخَفَّافِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ یَوْمَ أُحُدٍ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله انْصَرَفَ إِلَیْهِمْ بِوَجْهِهِ وَ هُوَ یَقُولُ أَنَا مُحَمَّدٌ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ لَمْ أُقْتَلْ وَ لَمْ أَمُتْ فَالْتَفَتَ إِلَیْهِ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ فَقَالا الْآنَ یَسْخَرُ بِنَا أَیْضاً وَ قَدْ هُزِمْنَا وَ بَقِیَ مَعَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَدَعَاهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا بَا دُجَانَةَ (5) انْصَرِفْ
ص: 107
وَ أَنْتَ فِی حِلٍّ مِنْ بَیْعَتِكَ فَأَمَّا عَلِیٌّ فَهُوَ أَنَا وَ أَنَا هُوَ فَتَحَوَّلَ وَ جَلَسَ بَیْنَ یَدَیِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بَكَی وَ قَالَ لَا وَ اللَّهِ وَ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَی السَّمَاءِ وَ قَالَ لَا وَ اللَّهِ لَا جَعَلْتُ نَفْسِی فِی حِلٍّ مِنْ بَیْعَتِی إِنِّی بَایَعْتُكَ فَإِلَی مَنْ أَنْصَرِفُ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَی زَوْجَةٍ تَمُوتُ أَوْ وَلَدٍ یَمُوتُ أَوْ دَارٍ تَخْرَبُ وَ مَالٍ یَفْنَی وَ أَجَلٍ قَدِ اقْتَرَبَ فَرَقَّ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمْ یَزَلْ یُقَاتِلُ حَتَّی أَثْخَنَتْهُ الْجِرَاحَةُ وَ هُوَ فِی وَجْهٍ وَ عَلِیٌّ فِی وَجْهٍ فَلَمَّا أُسْقِطَ احْتَمَلَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَجَاءَ بِهِ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَوَضَعَهُ عِنْدَهُ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَ وَفَیْتُ بِبَیْعَتِی قَالَ نَعَمْ وَ قَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله خَیْراً وَ كَانَ النَّاسُ یَحْمِلُونَ عَلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله الْمَیْمَنَةَ فَیَكْشِفُهُمْ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَإِذَا كَشَفَهُمْ أَقْبَلَتِ الْمَیْسَرَةُ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمْ یَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّی تَقَطَّعَ سَیْفُهُ بِثَلَاثِ قِطَعٍ فَجَاءَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَطَرَحَهُ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ قَالَ هَذَا سَیْفِی قَدْ تَقَطَّعَ فَیَوْمَئِذٍ أَعْطَاهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله ذَا الْفَقَارِ فَلَمَّا رَأَی النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله اخْتِلَاجَ سَاقَیْهِ مِنْ كَثْرَةِ الْقِتَالِ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَی السَّمَاءِ وَ هُوَ یَبْكِی وَ قَالَ یَا رَبِّ وَعَدْتَنِی أَنْ تُظْهِرَ دِینَكَ وَ إِنْ شِئْتَ لَمْ یُعْیِكَ فَأَقْبَلَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْمَعُ دَوِیّاً شَدِیداً وَ أَسْمَعُ أَقْدِمْ حَیْزُومُ وَ مَا أَهُمُّ أَضْرِبُ أَحَداً إِلَّا سَقَطَ مَیِّتاً قَبْلَ أَنْ أَضْرِبَهُ فَقَالَ هَذَا جَبْرَئِیلُ وَ مِیكَائِیلُ وَ إِسْرَافِیلُ وَ الْمَلَائِكَةُ (1) ثُمَّ جَاءَ جَبْرَئِیلُ فَوَقَفَ إِلَی جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذِهِ هِیَ الْمُوَاسَاةُ فَقَالَ إِنَّ عَلِیّاً مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَنَا مِنْكُمَا ثُمَّ انْهَزَمَ النَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَا عَلِیُّ امْضِ بِسَیْفِكَ حَتَّی تُعَارِضَهُمْ فَإِنْ رَأَیْتَهُمْ قَدْ رَكِبُوا الْقِلَاصَ وَ جَنَبُوا الْخَیْلَ فَإِنَّهُمْ یُرِیدُونَ مَكَّةَ وَ إِنْ رَأَیْتَهُمْ قَدْ رَكِبُوا الْخَیْلَ وَ هُمْ یَجْنُبُونَ الْقِلَاصَ فَإِنَّهُمْ یُرِیدُونَ الْمَدِینَةَ فَأَتَاهُمْ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَكَانُوا عَلَی الْقِلَاصِ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَا عَلِیُّ مَا تُرِیدُ هُوَ ذَا نَحْنُ ذَاهِبُونَ إِلَی مَكَّةَ فَانْصَرِفْ إِلَی صَاحِبِكَ فَأَتْبَعَهُمْ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَكُلَّمَا سَمِعُوا.
ص: 108
وَقْعَ حَوَافِرِ (1) فَرَسِهِ جَدُّوا فِی السَّیْرِ وَ كَانَ یَتْلُوهُمْ فَإِذَا ارْتَحَلُوا قَالَ (2) هُوَ ذَا عَسْكَرُ مُحَمَّدٍ قَدْ أَقْبَلَ فَدَخَلَ أَبُو سُفْیَانَ مَكَّةَ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ وَ جَاءَ الرُّعَاةُ وَ الْحَطَّابُونَ فَدَخَلُوا مَكَّةَ فَقَالُوا رَأَیْنَا عَسْكَرَ مُحَمَّدٍ كُلَّمَا رَحَلَ أَبُو سُفْیَانَ نَزَلُوا یَقْدُمُهُمْ فَارِسٌ عَلَی أَشْقَرَ یَطْلُبُ آثَارَهُمْ فَأَقْبَلَ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَی أَبِی سُفْیَانَ یُوَبِّخُونَهُ وَ رَحَلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ الرَّایَةُ مَعَ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ هُوَ بَیْنَ یَدَیْهِ فَلَمَّا أَنْ أَشْرَفَ بِالرَّایَةِ مِنَ الْعَقَبَةِ وَ رَآهُ النَّاسُ نَادَی عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَیُّهَا النَّاسُ هَذَا مُحَمَّدٌ لَمْ یَمُتْ وَ لَمْ یُقْتَلْ فَقَالَ صَاحِبُ الْكَلَامِ الَّذِی قَالَ الْآنَ یَسْخَرُ بِنَا وَ قَدْ هُزِمْنَا هَذَا عَلِیٌّ وَ الرَّایَةُ بِیَدِهِ حَتَّی هَجَمَ عَلَیْهِمُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ فِی أَفْنِیَتِهِمْ عَلَی أَبْوَابِ دُورِهِمْ وَ خَرَجَ الرِّجَالُ إِلَیْهِ یَلُوذُونَ بِهِ وَ یَثُوبُونَ (3) إِلَیْهِ وَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ قَدْ خَدَشْنَ الْوُجُوهَ وَ نَشَرْنَ الشُّعُورَ وَ جَزَزْنَ النَّوَاصِیَ وَ خَرَقْنَ الْجُیُوبَ وَ حَزَمْنَ (4) الْبُطُونَ عَلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا رَأَیْنَهُ قَالَ لَهُنَّ خَیْراً وَ أَمَرَهُنَّ أَنْ یَتَسَتَّرْنَ (5) وَ یَدْخُلْنَ مَنَازِلَهُنَّ وَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَعَدَنِی أَنْ یُظْهِرَ دِینَهُ عَلَی الْأَدْیَانِ كُلِّهَا وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَی مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ یَنْقَلِبْ عَلی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللَّهَ شَیْئاً الْآیَةَ (6).
بیان: قوله أثخنته الجراحة أی أوهنته و أثرت فیه.
قوله فلما أسقط هذا لا یدل علی أنه قتل فی تلك الوقعة فلا ینافی ما هو المشهور بین أرباب السیر و الأخبار أنه بقی بعد النبی صلی اللّٰه علیه و آله فقیل إنه قتل
ص: 109
بالیمامة و قیل شهد مع أمیر المؤمنین علیه السلام بعض غزواته كما ذكر فی الاستیعاب و الأول أشهر.
قوله علیه السلام لم یعیك أی لا یشكل علیك و لا تعجز عنه.
و قال الجزری فی حدیث بدر أقدم حیزوم جاء فی التفسیر أنه اسم فرس جبرئیل أراد أقدم یا حیزوم فحذف حرف النداء.
قوله فإذا ارتحلوا قال القائل إما جبرئیل أو أبو سفیان قوله فقالوا رأینا إنما قالوا ذلك لما رأوا من عسكر الملائكة المتمثلین بصور المسلمین و كان تعییر أهل مكة لأبی سفیان لهربهم عن ذلك العسكر.
قوله هذا علی لعل مراده تصدیق كلامه الأول أی أتی علی و لم یأت النبی صلی اللّٰه علیه و آله فلو كان حیا لأتی قوله علیه السلام و یثوبون بالثاء المثلثة أی یرجعون و فی بعض النسخ بالمثناة أی یتوبون و یعتذرون من الهزیمة قوله و حزمن البطون فی أكثر النسخ بالحاء المهملة و الزاء المعجمة أی كن شددن بطونهن لئلا تبدوا عوراتهن لشق الجیوب من قولهم حزمت الشی ء أی شددته و فی بعضها حرصن بالحاء و الصاد المهملتین أی شققن و خرقن و فی بعضها بالحاء المهملة و الضاد المعجمة علی بناء التفعیل یقال أحرضه المرض إذا فسد بدنه و أشفی علی الهلاك.
«35»-تَفْسِیرُ النُّعْمَانِیِّ، بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ فِی كِتَابِ الْقُرْآنِ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ الَّذِینَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِیماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ (1) نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ فِی نُعَیْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِیِّ وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله رَجَعَ (2) مِنْ غَزَاةِ أُحُدٍ وَ قَدْ قُتِلَ عَمُّهُ حَمْزَةُ وَ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ مَنْ قُتِلَ وَ جُرِحَ مَنْ جُرِحَ وَ انْهَزَمَ مَنِ انْهَزَمَ وَ لَمْ یَنَلْهُ الْقَتْلُ وَ الْجُرْحُ أَوْحَی اللَّهُ تَعَالَی إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنِ اخْرُجْ فِی وَقْتِكَ هَذَا لِطَلَبِ قُرَیْشٍ وَ لَا تُخْرِجْ مَعَكَ مِنْ أَصْحَابِكَ
ص: 110
إِلَّا مَنْ كَانَتْ بِهِ جِرَاحَةٌ فَأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ فَخَرَجُوا مَعَهُ عَلَی مَا كَانَ بِهِمْ مِنَ الْجِرَاحِ حَتَّی نَزَلُوا مَنْزِلًا یُقَالُ لَهُ حَمْرَاءُ الْأَسَدِ وَ كَانَتْ قُرَیْشٌ قَدْ جَدَّتِ السَّیْرَ فَرَقاً فَلَمَّا بَلَغَهُمْ خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی طَلَبِهِمْ خَافُوا فَاسْتَقْبَلَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ یُقَالُ لَهُ نُعَیْمُ بْنُ مَسْعُودٍ یُرِیدُ الْمَدِینَةَ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْیَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ یَا نُعَیْمُ هَلْ لَكَ أَنْ أَضْمَنَ لَكَ عَشْرَ قَلَائِصَ وَ تَجْعَلَ (1) طَرِیقَكَ عَلَی حَمْرَاءِ الْأَسَدِ فَتُخْبِرَ مُحَمَّداً أَنَّهُ قَدْ جَاءَ مَدَدٌ كَثِیرٌ مِنْ حُلَفَائِنَا مِنَ الْعَرَبِ كِنَانَةَ وَ عَشِیرَتِهِمْ وَ الْأَحَابِیشِ وَ تُهَوِّلَ عَلَیْهِمْ مَا اسْتَطَعْتَ فَلَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ عَنَّا فَأَجَابَهُ إِلَی ذَلِكَ وَ قَصَدَ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِذَلِكَ وَ قَالَ إِنَّ قُرَیْشاً یُصْبِحُونَ (2) بِجَمْعِهِمُ الَّذِی لَا قِوَامَ لَكُمْ بِهِ فَاقْبَلُوا نَصِیحَتِی وَ ارْجِعُوا فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ اعْلَمْ أَنَّا لَا نُبَالِی بِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَی رَسُولِهِ الَّذِینَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ إِلَی قَوْلِهِ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ وَ إِنَّمَا كَانَ الْقَائِلُ نُعَیْمُ بْنُ مَسْعُودٍ فَسَمَّاهُ اللَّهُ بِاسْمِ جَمِیعِ النَّاسِ (3)
«36»- ع، علل الشرائع أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ حُكَیْمٍ عَنِ الْبَزَنْطِیِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: كَانَ مِمَّا مَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَی رَسُولِهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ كَانَ یَقْرَأُ وَ لَا یَكْتُبُ فَلَمَّا تَوَجَّهَ أَبُو سُفْیَانَ إِلَی أُحُدٍ كَتَبَ الْعَبَّاسُ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَجَاءَهُ الْكِتَابُ وَ هُوَ فِی بَعْضِ حِیطَانِ الْمَدِینَةِ فَقَرَأَهُ وَ لَمْ یُخْبِرْ أَصْحَابَهُ وَ أَمَرَهُمْ أَنْ یَدْخُلُوا الْمَدِینَةَ فَلَمَّا دَخَلُوا الْمَدِینَةَ أَخْبَرَهُمْ (4).
«37»-ب، قرب الإسناد السِّنْدِیُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ الْفَتْحِ بِقَتْلِ فرتنا (5) وَ أُمِّ سَارَةَ قَالَ
ص: 111
وَ كَانَتَا قَیْنَتَیْنِ تَزْنِیَانِ وَ تُغَنِّیَانِ بِهِجَاءِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ تُحَضِّضَانِ یَوْمَ أُحُدٍ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (1).
«38»-مع، معانی الأخبار ابْنُ إِدْرِیسَ عَنِ ابْنِ أَبِی الْخَطَّابِ وَ غَیْرِهِ ذَكَرَهُمْ جَمِیعاً عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ أَبِیهِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ مُنَادِیاً نَادَی فِی السَّمَاءِ یَوْمَ أُحُدٍ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ فَعَلِیٌّ أَخِی وَ أَنَا أَخُوهُ (2).
«39»-ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام هَانِئُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ عَنْ أَبِیهِ بِإِسْنَادِهِ رَفَعَهُ إِلَی مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ وَ سَاقَ حَدِیثَهُ مَعَ الرَّشِیدِ إِلَی أَنْ قَالَ إِنَّ الْعُلَمَاءَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَی أَنَّ جَبْرَئِیلَ قَالَ یَوْمَ أُحُدٍ یَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذِهِ لَهِیَ الْمُوَاسَاةُ مِنْ عَلِیٍّ قَالَ لِأَنَّهُ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ وَ أَنَا مِنْكُمَا یَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ فَكَانَ كَمَا مَدَحَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ خَلِیلَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِذْ یَقُولُ فَتًی یَذْكُرُهُمْ یُقالُ لَهُ إِبْراهِیمُ الْخَبَرَ (3).
«40»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ وَ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِیِّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ الْبَلْخِیِّ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: قَالَ لِیَ الْحَجَّاجُ وَ سَأَلَنِی عَنْ خُرُوجِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی مَشَاهِدِهِ فَقُلْتُ شَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَدْراً فِی ثَلَاثِمِائَةٍ وَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَ شَهِدَ أُحُداً فِی سِتِّمِائَةٍ وَ شَهِدَ الْخَنْدَقَ فِی تِسْعِمِائَةٍ فَقَالَ عَمَّنْ قُلْتُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ فَقَالَ ضَلَّ وَ اللَّهِ مَنْ سَلَكَ غَیْرَ سَبِیلِهِ (4).
«41»-ل، الخصال ع، علل الشرائع ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام سَأَلَ الشَّامِیُّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ یَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ وَ التَّطَیُّرِ مِنْهُ فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ آخِرُ أَرْبِعَاءَ فِی الشَّهْرِ إِلَی أَنْ قَالَ وَ یَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ شُجَّ النَّبِیُّ (5)
ص: 112
صلی اللّٰه علیه و آله وَكُسِرَت رَبَاعِیَتُهُ(1)
«42»-ص، قصص الأنبیاء علیهم السلام بِالْإِسْنَادِ إِلَی الصَّدُوقِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَمْزَةَ الْعَلَوِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِیِّ عَنْ أَبِی سَعِیدٍ سَهْلِ بْنِ صَالِحٍ الْعَبَّاسِیِّ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَی عَنْ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ عَنْ آبَائِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ وَ سَاقَ الْحَدِیثَ عَنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی أَجْوِبَتِهِ عَنْ مَقَالَةِ الْیَهُودِیِّ إِلَی أَنْ قَالَ إِنَّ أَبَا قَتَادَةَ (2) بْنَ رِبْعِیٍّ الْأَنْصَارِیَّ شَهِدَ وَقْعَةَ أُحُدٍ فَأَصَابَتْهُ طَعْنَةٌ فِی عَیْنِهِ فَبَدَرَتْ حَدَقَتُهُ فَأَخَذَهَا بِیَدِهِ ثُمَّ أَتَی بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ امْرَأَتِی الْآنَ تُبْغِضُنِی فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ یَدِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا مَكَانَهَا فَلَمْ تَكُ تُعْرَفُ إِلَّا بِفَضْلِ حُسْنِهَا عَلَی الْعَیْنِ الْأُخْرَی وَ لَقَدْ بَادَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِیكٍ فَأُبِینَ یَدُهُ فَجَاءَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَیْلًا وَ مَعَهُ الْیَدُ الْمَقْطُوعَةُ فَمَسَحَ عَلَیْهَا فَاسْتَوَتْ یَدُهُ (3).
«43»-فر، تفسیر فرات بن إبراهیم جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ یُوسُفَ رَفَعَهُ إِلَی ابْنِ عَبَّاسٍ (4) فِی قَوْلِهِ إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلی أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ یَدْعُوكُمْ قَالَ فَلَمْ یَبْقَ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ یَوْمَ أُحُدٍ غَیْرُ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَا عَلِیُّ قَدْ صَنَعَ النَّاسُ مَا تَرَی فَقَالَ لَا وَ اللَّهِ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَسْأَلُ عَنْكَ الْخَبَرَ مِنْ وَرَاءٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَّا لَا فَاحْمِلْ عَلَی هَذِهِ الْكَتِیبَةِ فَحَمَلَ عَلَیْهَا فَفَضَّهَا فَقَالَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَهِیَ الْمُوَاسَاةُ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله إِنِّی مِنْهُ وَ هُوَ مِنِّی فَقَالَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَنَا مِنْكُمَا (5).
«44»-كا، الكافی مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مُوسَی بْنِ بَكْرٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ آخَرُونَ
ص: 113
مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ (1) قَالَ قَوْمٌ كَانُوا مُشْرِكِینَ فَقَتَلُوا مِثْلَ حَمْزَةَ وَ مِثْلَ (2) جَعْفَرٍ وَ أَشْبَاهَهُمَا مِنَ الْمُؤْمِنِینَ ثُمَّ إِنَّهُمْ دَخَلُوا فِی الْإِسْلَامِ فَوَحَّدُوا اللَّهَ وَ تَرَكُوا الشِّرْكَ وَ لَمْ یَعْرِفُوا (3) الْإِیمَانَ بِقُلُوبِهِمْ فَیَكُونُوا مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فَتَجِبَ لَهُمُ الْجَنَّةُ وَ لَمْ یَكُونُوا عَلَی جُحُودِهِمْ فَیَكْفُرُوا فَتَجِبَ لَهُمُ النَّارُ فَهُمْ عَلَی تِلْكَ الْحَالِ إِمَّا أَنْ یُعَذِّبَهُمْ وَ إِمَّا یَتُوبُ عَلَیْهِمْ (4).
كا، الكافی العدة عن سهل عن علی بن حسان عن موسی بن بكر عن رجل عن أبی جعفر علیه السلام مثله (5).
«45»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی الْحُسَیْنُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ الْقَزْوِینِیُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبَانَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ بْنِ أَحْمَدَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ الزَّعْفَرَانِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ بَیْنَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ أَصْحَابٌ لَهُ عَلَی شَرَابٍ لَهُمْ یُقَالُ لَهُ السُّكُرْكَةُ (6) قَالَ فَتَذَاكَرُوا السَّدِیفَ (7) قَالَ فَقَالَ لَهُمْ حَمْزَةُ كَیْفَ لَنَا بِهِ قَالَ فَقَالُوا لَهُ هَذِهِ نَاقَةُ ابْنِ أَخِیكَ عَلِیٍّ فَخَرَجَ إِلَیْهَا فَنَحَرَهَا ثُمَّ أَخَذَ مِنْ كَبِدِهَا وَ سَنَامِهَا فَأَدْخَلَهُ عَلَیْهِمْ قَالَ وَ أَقْبَلَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَبْصَرَ نَاقَتَهُ فَدَخَلَهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا لَهُ عَمُّكَ حَمْزَةُ صَنَعَ هَذَا قَالَ فَذَهَبَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَشَكَا ذَلِكَ إِلَیْهِ قَالَ فَأَقْبَلَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقِیلَ لِحَمْزَةَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ أَقْبَلَ الْبَابَ قَالَ فَخَرَجَ وَ هُوَ مُغْضَبٌ قَالَ فَلَمَّا رَأَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْغَضَبَ فِی وَجْهِهِ انْصَرَفَ (8) قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ
ص: 114
عَزَّ وَ جَلَّ تَحْرِیمَ الْخَمْرِ قَالَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِآنِیَتِهِمْ فَكُفِئَتْ وَ نُودِیَ (1) فِی النَّاسِ بِالْخُرُوجِ إِلَی أُحُدٍ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (2) صلی اللّٰه علیه و آله وَ خَرَجَ حَمْزَةُ فَوَقَفَ نَاحِیَةً مِنَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ فَلَمَّا تَصَافُّوا حَمَلَ حَمْزَةُ فِی النَّاسِ حَتَّی غَابَ فِیهِمْ ثُمَّ رَجَعَ إِلَی مَوْقِفِهِ فَقَالَ لَهُ النَّاسُ اللَّهَ اللَّهَ یَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ تَذْهَبَ وَ فِی نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَیْكَ شَیْ ءٌ قَالَ ثُمَّ حَمَلَ الثَّانِیَةَ حَتَّی غُیِّبَ فِی النَّاسِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَی مَوْقِفِهِ فَقَالُوا (3) اللَّهَ اللَّهَ یَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ تَذْهَبَ وَ فِی نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَیْكَ شَیْ ءٌ قَالَ فَأَقْبَلَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا رَآهُ مُقْبِلًا نَحْوَهُ أَقْبَلَ إِلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ عَانَقَهُ وَ قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا بَیْنَ عَیْنَیْهِ ثُمَّ حَمَلَ عَلَی النَّاسِ فَاسْتُشْهِدَ حَمْزَةُ فَكَفَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی نَمِرَةٍ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ نَحْوٌ مِنْ سِتْرِ بَابِی هَذَا فَكَانَ إِذَا غَطَّی بِهِ (4) وَجْهَهُ انْكَشَفَتْ رِجْلَاهُ وَ إِذَا غَطَّی رِجْلَیْهِ انْكَشَفَتْ وَجْهُهُ قَالَ فَغَطَّی بِهِ (5) وَجْهَهُ وَ جَعَلَ عَلَی رِجْلَیْهِ إِذْخِراً قَالَ وَ انْهَزَمَ النَّاسُ وَ بَقِیَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا صَنَعْتَ یَا عَلِیُّ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَزِمْتُ الْأَرْضَ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله ذَلِكَ الظَّنُّ بِكَ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْشُدُكَ یَا رَبِّ (6) مَا وَعَدْتَنِی فَإِنَّكَ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ (7).
شی، تفسیر العیاشی عن هشام مثله (8). بیان: قال الجزری السكركة بضم السین و الكاف و سكون الراء نوع من الخمور یتخذ من الذرة قال الجوهری هی خمر الحبش و هی لفظة حبشیة
ص: 115
و قد عربت فقیل السقرقع و قال الهروی و فی حدیث الهروی و خمرة السكركة (1) انتهی.
و السدیف كأمیر شحم السنام قاله الفیروزآبادی و قال النمرة كفرحة الحبرة و شملة فیها خطوط بیض و سود أو بردة من صوف تلبسها الأعراب.
قوله صلی اللّٰه علیه و آله فإنك إن شئت لم تعبد لعل المعنی إن شئت مغلوبیتنا و استیصالنا لم یعبدك أحد بعد ذلك أو المعنی إن شئت أن لا تعبد فالأمر إلیك.
أقول فی هذا الخبر ما ینافی الأخبار المتواترة الدالة علی رفعة شأن حمزة علیه السلام و سمو مكانه ظاهرا و إن أمكن توجیهه و اللّٰه یعلم.
«46»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ هَارُونَ عَنِ ابْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِنَّ أَبَا دُجَانَةَ الْأَنْصَارِیَّ اعْتَمَّ یَوْمَ أُحُدٍ بِعِمَامَةٍ وَ أَرْخَی عَذَبَةَ الْعِمَامَةِ بَیْنَ كَتِفَیْهِ حَتَّی جَعَلَ یَتَبَخْتَرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ هَذِهِ لَمِشْیَةٌ یُبْغِضُهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَّا عِنْدَ الْقِتَالِ فِی سَبِیلِ اللَّهِ (2).
بیان: العذب بالتحریك طرف كل شی ء.
«47»-قب، المناقب لابن شهرآشوب وَ فِی شَوَّالٍ غَزْوَةُ أُحُدٍ وَ هُوَ یَوْمُ الْمِهْرَاسِ- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَ مُجَاهِدٌ وَ قَتَادَةُ وَ الرَّبِیعُ وَ السُّدِّیُّ وَ ابْنُ إِسْحَاقَ نَزَلَ فِیهِ قَوْلُهُ وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ وَ هُوَ الْمَرْوِیُّ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ.
زید بن وهب إِنَّ الَّذِینَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ فقالوا لم انهزمنا و قد وعدنا بالنصر فنزل وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ
ابْنُ مَسْعُودٍ وَ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَمَّا قَصَدَ أَبُو سُفْیَانَ فِی ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ قُرَیْشٍ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ یُقَالُ فِی أَلْفَیْنِ مِنْهُمْ مِائَتَا فَارِسٍ وَ الْبَاقُونَ رَكْبٌ وَ لَهُمْ سَبْعُمِائَةِ دِرْعٍ وَ هِنْدٌ تَرْتَجِزُ
ص: 116
نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقٍ***نَمْشِی عَلَی النَّمَارِقِ
وَ الْمِسْكُ فِی الْمَفَارِقِ***وَ الدُّرُّ فِی الْمَخَانِقِ
وَ كَانَ اسْتَأْجَرَ أَبُو سُفْیَانَ یَوْمَ أُحُدٍ أَلْفَیْنِ مِنَ الْأَحَابِیشِ یُقَاتِلُ بِهِمُ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله.
قوله إِنَّ الَّذِینَ كَفَرُوا یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِیَصُدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ فخرج النبی صلی اللّٰه علیه و آله مع أصحابه و كانوا ألف رجل (1) و یقال سبعمائة فانعزل عنهم ابن أبی بثلث الناس فهمت بنو حارثة و بنو سلمة بالرجوع و هو قوله إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ قال الجبائی هما به و لم یفعلاه و ساق الخبر إلی أن قال و أقبل خالد من الشعب بخیل المشركین و جاء من ظهر النبی صلی اللّٰه علیه و آله و قال دونكم هذا الطلیق الذی تطلبونه فشأنكم به فحملوا علیه حملة رجل واحد حتی قتل منهم خلق و انهزم الباقون فی الشعب و أقبل خالد بخیله (2) كما قال تعالی إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلی أَحَدٍ و رسول اللّٰه یدعوهم فی أخراهم یا أیها الناس إنی رسول اللّٰه إن اللّٰه قد وعدنی النصر فأین الفرار وَ كَانَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَرْمِی وَ یَقُولُ اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِی فَإِنَّهُمْ لَا یَعْلَمُونَ فرماه ابن قمیئة بقذافة فأصاب كفه و عبد اللّٰه بن شهاب بقلاعة فأصاب مرفقه و ضربه عتبة بن أبی وقاص أخو سعد علی وجهه فشج رأسه فنزل من فرسه و نهبه ابن قمیئة و قد ضرب به علی جنبه و صاح إبلیس من جبل أحد ألا إن محمدا قد قتل فصاحت فاطمة علیها السلام و وضعت یدها علی رأسها و خرجت تصرخ و سائر هاشمیة و قرشیة. (3)
ص: 117
فَلَمَّا حَمَلَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی أُحُدٍ نَادَی الْعَبَّاسُ (1) وَ هُوَ جَهْوَرِیُّ الصَّوْتِ فَقَالَ یَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَیْنَ تَفِرُّونَ إِلَی النَّارِ تَهْرُبُونَ.
وَ أَنْشَأَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّی الْخَالِقِ الصَّمَدِ*** فَلَیْسَ یَشْرَكُهُ فِی حُكْمِهِ أَحَدٌ
هُوَ الَّذِی عَرَّفَ الْكُفَّارَ مَنْزِلَهُمْ*** وَ الْمُؤْمِنُونَ سَیَجْزِیهِمْ بِمَا وُعِدُوا
وَ یَنْصُرُ اللَّهُ مَنْ وَالاهُ إِنَّ لَهُ*** نَصْراً وَ یُمْثِلُ بِالْكُفَّارِ إِذْ عَنَدُوا
قَوْمِی وَقَوُا الرَّسُولَ (2) وَ احْتَسَبُوا*** شُمُّ الْعَرَانِینِ مِنْهُمْ حَمْزَةُ الْأَسَدُ
وَ أَنْشَأَ عَلَیْهِ السَّلَامُ:
رَأَیْتُ الْمُشْرِكِینَ بَغَوْا عَلَیْنَا***وَ لَجُّوا فِی الْغَوَایَةِ وَ الضَّلَالِ
وَ قَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ إِذْ نَفَرْنَا***غَدَاةَ الرَّوْعِ بِالْأَسَلِ الطِّوَالِ
فَإِنْ یَبْغُوا وَ یَفْتَخِرُوا عَلَیْنَا***بِحَمْزَةَ وَ هُوَ فِی الْغُرَفِ الْعَوَالِی
فَقَدْ أَوْدَی بِعُتْبَةَ یَوْمَ بَدْرٍ***وَ قَدْ أَبْلَی وَ جَاهَدَ غَیْرَ آلٍ
وَ قَدْ غَادَرْتُ كَبْشَهُمُ جِهَاراً***بِحَمْدِ اللَّهِ طَلْحَةَ فِی الْمَجَالِ
فَخَرَّ لِوَجْهِهِ (3) وَ رَفَعْتُ عَنْهُ*** رَقِیقَ الْحَدِّ حُودِثَ بِالصِّقَالِ (4)
بیان: ذكر عباس هنا لعله سهو.
«48»-وَ أَقُولُ رُوِیَ فِی الدِّیوَانِ الْمَنْسُوبِ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ
أَتَانِی أَنَّ هِنْداً حَلَّ صَخْرٍ*** دَعَتْ دَرَكاً وَ بَشَّرَتِ الْهُنُودَا
ص: 118
فَإِنْ تَفْخَرْ بِحَمْزَةَ حِینَ وَلَّی*** مَعَ الشُّهَدَاءِ مُحْتَسِباً شَهِیداً
فَإِنَّا قَدْ قَتَلْنَا یَوْمَ بَدْرٍ*** أَبَا جَهْلٍ وَ عُتْبَةَ وَ الْوَلِیدَا
وَ قَتَّلْنَا سَرَاةَ النَّاسِ طُرّاً*** وَ غَنَّمْنَا الْوَلَائِدَ وَ الْعَبِیدَا
وَ شَیْبَةَ قَدْ قَتَلْنَا یَوْمَ ذَاكُمْ*** عَلَی أَثْوَابِهِ عَلَقاً حَسِیدَا
فَبُوِّئَ مِنْ جَهَنَّمَ شَرَّ دَارٍ*** عَلَیْهَا لَمْ یَجِدْ عَنْهَا مَحِیدَا
وَ مَا سِیَّانِ مَنْ هُوَ فِی جَحِیمٍ*** یَكُونُ شَرَابُهُ فِیهَا صَدِیداً
وَ مَنْ هُوَ فِی الْجِنَانِ یَدِرُّ فِیهَا*** عَلَیْهِ الرِّزْقُ مُغْتَبِطاً (1) حَمِیداً (2)
وَ فِیهِ أَیْضاً بَعْدَ قَتْلِ طَلْحَةَ
أَصُولُ بِاللَّهِ الْعَزِیزِ الْأَمْجَدِ*** وَ فَالِقِ الْإِصْبَاحِ رَبِّ الْمَسْجِدِ
أَنَا عَلِیٌّ وَ ابْنُ عَمِّ الْمُهْتَدِی (3)
وَ فِیهِ أَیْضاً
اللَّهُ حَیٌّ قَدِیمٌ قَادِرٌ صَمَدٌ ***وَ لَیْسَ یَشْرَكُهُ فِی مُلْكِهِ أَحَدٌ
هُوَ الَّذِی عَرَّفَ الْكُفَّارَ مَنْزِلَهُمْ*** وَ الْمُؤْمِنُونَ سَیَجْزِیهِمْ كَمَا وُعِدُوا (4)
فَإِنْ یَكُنْ دَوْلَةٌ كَانَتْ لَنَا (5) عِظَةً***فَهَلْ عَسَی أَنْ یُرَی فِی غَیِّهَا رَشَدٌ
وَ یَنْصُرُ اللَّهُ مَنْ وَالاهُ إِنَّ لَهُ***نَصْراً وَ یُمْثِلُ بِالْكُفَّارِ إِذْ عَنَدُوا
فَإِنْ نَطَقْتُمْ بِفَخْرٍ لَا أَباً لَكُمُ***فِیمَنْ تَضَمَّنَ مِنْ إِخْوَانِنَا اللَّحَدُ
فَإِنَّ طَلْحَةَ غَادَرْنَاهُ مُنْجَدِلَا***وَ لِلصَّفَائِحِ نَارٌ بَیْنَنَا تَقِدُ
وَ الْمَرْءُ عُثْمَانُ أَرْدَتْهُ أَسِنَّتُنَا***فَجَیْبُ زَوْجَتِهِ إِذْ خُبِّرَتْ قِدَدٌ
فِی تِسْعَةٍ إِذْ تَوَلَّوْا بَیْنَ أَظْهُرِهِمْ***لَمْ یَنْكُلُوا مِنْ حِیَاضِ الْمَوْتِ إِذْ وَرَدُوا (6)
ص: 119
كَانُوا الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَ أَكْرَمَهَا*** شُمُّ الْأُنُوفِ وَ حَیْثُ الْفَرْعِ وَ الْعَدَدُ (1)
وَ أَحْمَدُ الْخَیْرِ قَدْ أَرْدَی عَلَی عَجَلٍ***تَحْتَ الْعَجَاجِ أُبَیّاً وَ هُوَ مُجْتَهِدٌ
وَ ظَلَّتِ الطَّیْرُ وَ الضَّبْعَانُ تَرْكَبُهُ***فَحَامِلٌ قِطْعَةً مِنْهُمْ وَ مُقْتَعِدٌ
وَ مَنْ قَتَلْتُمْ عَلَی مَا كَانَ مِنْ عَجَبٍ***مِنَّا فَقَدْ صَادَفُوا خَیْراً وَ قَدْ سُعِدُوا
لَهُمْ جِنَانٌ مِنَ الْفِرْدَوْسِ طَیِّبَةً***لَا یَعْتَرِیهِمْ بِهَا حَرٌّ وَ لَا صَرَدٌ
صَلَّی الْإِلَهُ عَلَیْهِمْ كُلَّمَا ذَكَرُوا***فَرُبَّ مَشْهَدِ صِدْقٍ قَبْلَهُ شَهِدُوا
قَوْمٌ وَفَوْا لِرَسُولِ اللَّهِ وَ احْتَسَبُوا***شُمُّ الْعَرَانِینَ مِنْهُمْ حَمْزَةُ الْأَسَدُ
وَ مُصْعَبٌ ظَلَّ لَیْثاً دُونَهُ حَرَداً (2)حَتَّی تَزَمَّلَ مِنْهُ ثَعْلَبٌ جَسَدٌ
لَیْسُوا كَقَتْلَی مِنَ الْكُفَّارِ أَدْخَلَهُمْ***نَارَ الْجَحِیمِ عَلَی أَبْوَابِهَا الرَّصَدُ (3)
وَ فِیهِ أَیْضاً:
رَأَیْتُ الْمُشْرِكِینَ بَغَوْا عَلَیْنَا
إِلَی قَوْلِهِ
وَ قَدْ أَوْدَی وَ جَاهَدَ غَیْرَ آلٍ
وَ قَدْ فَلَّلْتُ خَیْلَهُمُ بِبَدْرٍ*** وَ أَتْبَعْتُ الْهَزِیمَةَ بِالرِّجَالِ
إِلَی قَوْلِهِ بِالصِّقَالِ
كَأَنَّ الْمِلْحَ خَالَطَهُ إِذَا مَا*** تَلَظَّی كَالْعَتِیقَةِ فِی الظِّلَالِ (4)
ص: 120
«49»-وَ فِی شَرْحِ الدِّیوَانِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِی طَلْحَةَ ارْتَجَزَ یَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ
أَنَا ابْنُ عَبْدِ الدَّارِ ذِی الْفُضُولِ*** وَ إِنَّكَ عِنْدِی یَا عَلِیُّ مَقْبُولٌ
أَوْ هَارِبٌ خَوْفُ الرَّدَی مَفْلُولٌ
فَأَجَابَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِمَا فِی الدِّیوَانِ:
هَذَا مَقَامِی مُعْرَضٌ مَبْذُولٌ ***مَنْ یَلْقَ سَیْفِی فَلَهُ الْعَوِیلُ
وَ لَا أَخَافُ (2) الصَّوْلَ بَلْ أَصُولُ*** إِنِّی عَنِ الْأَعْدَاءِ لَا أَزُولُ
یَوْماً لَدَی الْهَیْجَاءِ وَ لَا أَحُولُ*** وَ الْقَرْنُ عِنْدِی فِی الْوَغَی مَقْتُولٌ
أَوْ هَالِكٌ بِالسَّیْفِ أَوْ مَغْلُولٌ
وَ قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی جَوَابِ رَجَزِ عُمَرَ بْنِ أَخْنَسِ بْنِ شَرِیقٍ
اخْسَأْ عَلَیْكَ اللَّعْنُ مِنْ جَاهِدٍ*** یَا ابْنَ لَعِینٍ لَاحَ بِالْأَرْذَلِ
الْیَوْمَ أَعْلُوكَ بِذِی رَوْنَقٍ*** كَالْبَرْقِ فِی الْمُخْلَوْلِقِ الْمُسْبِلِ
یَفْرِی شُئُونَ الرَّأْسِ لَا یَنْثَنِی (4)*** بَعْدَ فِرَاشِ الْحَاجِبِ الْأَجْزَلِ
أَرْجُو بِذَلِكَ الْفَوْزَ فِی جَنَّةٍ*** عَالِیَةٍ فِی أَكْرَمِ الْمَدْخَلِ
وَ فِیهِ أَیْضاً مُخَاطِباً لِأُسَامَةَ بْنِ زَیْدٍ (6) فِی تِلْكَ الْغَزْوَةِ
لَسْتُ أَرَی مَا بَیْنَنَا حَاكِماً*** إِلَّا الَّذِی بِالْكَفِّ تَبَّارٌ
وَ صَارِماً أَبْیَضَ مِثْلَ الْمَهَا*** یَبْرُقُ فِی الرَّاحَةِ ضَرَّارٌ
مَعِی حُسَامٌ قَاطِعٌ بَاتِرٌ*** تَسْطَعُ مِنْ تِضْرَابِهِ النَّارُ
ص: 121
إِنَّا أُنَاسٌ دِینُنَا صَادِقٌ*** إِنَّا عَلَی الْحَرْبِ لَصَبَّارٌ
(1) وَ فِیهِ أَیْضاً مُخَوِّفاً لَهُ
سَوْفَ یَرَی الْجَمْعُ ضِرَابَ الْفَاتِكِ الْحَلَابِسِ (2)*** وَ طَعْنَةً قَدْ شَدَّهَا لِكَبْوَةِ الْفَوَارِسِ
الْیَوْمَ أُضْرِمُ نَارَهَا بِجَذْوَةٍ لِقَابِسٍ ***حَتَّی تَرَی فُرْسَانَهَا تَخِرُّ لِلْمَعَاطِسِ (3)
بیان: دعت دركا أی لنفسها درك الجحیم أو الناس إلیها و الدرك أیضا اللحاق و التبعة و بشرت قوما كالهنود فی الكفر أو قومها المنسوبین إلیها و التقتیل إكثار القتل و السراة الأشراف قوله غنمنا بالتشدید أی جعلناهم غنائم علی أثوابه كأن تقدیره تركنا علی أثوابه علقا بالتحریك أی دما غلیظا أو جامدا و الجسید من قولهم جسد به الدم إذا لصق به قوله تقد أی تلتهب قوله قدد أی قطع و القد قطع الشی ء طولا قوله كانوا الذوائب أی الرؤساء و الأشراف و فهر بالكسر أبو قبیلة من قریش و الشم بالضم جمع الأشم و الشمم ارتفاع قصبة الأنف و استواء أعلاها و إشراف الأرنبة قلیلا و هو كنایة عن الرفعة و العلو و شرف الأنفس یقال شمخ بأنفه إذا تكبر و الفرع الولد و العجاج الغبار.
قوله فحامل قطعة أی بعضها تحمل منه قطعة و بعضها تركبه و تأكل منه و الصرد البرد و العرانین الأنوف و رمله بالدم لطخه و فی بعض النسخ بالزای من تزمل أی تلفف به و الثعلب طرف الرمح الداخل فی السنان.
قوله غیر آل أی غیر مقصر و الأسل الرماح و فللت الجیش هزمته و التشدید للمبالغة و التكثیر قوله حودث أی جلی و عقیقة البرق ما انعق منه أی تضرب فی السحاب و یقال عرضت الشی ء فأعرض أی أظهرته فظهر و خسأ بعد و رونق السیف ماؤه و حسنه و المخلولق البالی الدارس و الأسبال الإرسال
ص: 122
و الفری القطع و الشئون ملتقی عظام الرأس و فراش الرأس عظام رقاق تلی القحف و الجزل القطع و بتار بتقدیم الموحدة علی المثناة أی قطاع و فی بعض النسخ بالعكس من التبار و هو الهلاك و المها البلور و الباتر السیف القاطع و التضراب مبالغة فی الضرب و الفاتك الجری ء و الحلابس بالضم الشجاع و فی بعض النسخ الخنابس و هو الكریه المنظر و یقال الأسد حنابس و كبا لوجهه كبوا سقط و ضمیر نارها للحرب و الجذوة مثلثة الجمرة و قبست منه نارا طلبته و المعطس كالمجلس الأنف.
«50»-أقول قال عبد الحمید بن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة لما رجع من حضر بدرا من المشركین إلی مكة وجدوا العیر التی قدم بها أبو سفیان موقوفة فی دار الندوة فاتفقوا علی أن یحتبسوها أو أرباحها لیجهزوا بها جیشا إلی محمد صلی اللّٰه علیه و آله فبعثوا إلی العرب و استنصروهم فخرجوا و هم ثلاثة آلاف بمن ضوی إلیهم بعده و سلاح كثیر و قادوا مائتی فرس و كان فیهم سبعمائة دارع و ثلاثة آلاف بعیر فلما أجمعوا المسیر (1) كتب العباس بن عبد المطلب كتابا و ختمه و استأجر رجلا من بنی غفار و شرط علیه أن یسیر ثلاثا إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یخبره أن قریشا قد أجمعت إلیك (2) فما كنت صانعا إذ أحلوا بك فاصنعه.
فَلَمَّا شَاعَ الْخَبَرُ فِی النَّاسِ ظَهَرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله الْمِنْبَرَ (3) فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی رَأَیْتُ فِی مَنَامِی كَأَنِّی فِی دِرْعٍ حَصِینَةٍ وَ رَأَیْتُ كَأَنَّ سَیْفِی ذَا الْفَقَارِ انْقَصَمَ (4) مِنْ عِنْدِ ظُبَتِهِ (5) وَ رَأَیْتُ بَقَراً تُذْبَحُ وَ رَأَیْتُ كَأَنِّی مُرْدِفٌ كَبْشاً
ص: 123
قَالَ النَّاسُ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا أَوَّلْتَهَا قَالَ أَمَّا الدِّرْعُ الْحَصِینَةُ فَالْمَدِینَةُ فَامْكُثُوا فِیهَا وَ أَمَّا انْقِصَامُ سَیْفِی مِنْ عِنْدَ ظُبَتِهِ فَمُصِیبَةٌ فِی نَفْسِی وَ أَمَّا الْبَقَرُ الْمَذْبَحُ فَقَتْلَی فِی أَصْحَابِی وَ أَمَّا أَنِّی مُرْدِفٌ كَبْشاً فَكَبْشُ الْكَتِیبَةِ نَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَ رُوِیَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: أَمَّا انْقِصَامُ سَیْفِی فَقَتْلَةُ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَیْتِی.
وَ رُوِیَ أَنَّهُ قَالَ: وَ رَأَیْتُ فِی سَیْفِی فَلًّا فَكَرِهْتُهُ هو الذی أصاب وجهه.
قَالَ الْوَاقِدِیُّ فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَشِیرُوا عَلَیَّ وَ رَأَی صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ لَا یَخْرُجَ مِنَ الْمَدِینَةِ لِهَذِهِ الرُّؤُیَا فقام عبد اللّٰه بن أبی فقال یا رسول اللّٰه كنا نقاتل فی الجاهلیة فی هذه المدینة و نجعل النساء و الذراری فی هذه الصیاصی و نجعل معهم الحجارة یا رسول اللّٰه إن مدینتنا عذراء ما فضت (1) علینا قط و ما خرجنا إلی عدو منها قط إلا أصاب منا و ما دخل علینا قط إلا أصبناهم فكان رأی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مع رأیه و كان ذلك رأی الأكابر من المهاجرین و الأنصار فقام فتیان أحداث لم یشهدوا بدرا و طلبوا من رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الخروج إلی عدوهم و رغبوا فی الشهادة و قال رجال من أهل التیه (2) و أهل السن منهم حمزة و سعد بن عبادة و النعمان بن مالك فی غیرهم (3) من الأوس و الخزرج إنا نخشی یا رسول اللّٰه أن یظن عدونا أنا كرهنا الخروج إلیهم جبنا عن لقائهم فیكون هذا جرأة منهم علینا (4) فقال حمزة و الذی أنزل علیه الكتاب لا أطعم الیوم طعاما حتی أجالدهم بسیفی خارجا من
ص: 124
المدینة و كان یقال كان حمزة یوم الجمعة صائما و یوم السبت صائما فلاقاهم و هو صائم.
و قام خیثمة أبو سعد بن خیثمة فقال یا رسول اللّٰه إن قریشا مكثت حولا تجمع الجموع و تستجلب العرب فی بوادیها ثم جاءونا و قد قادوا الخیل حتی نزلوا بساحتنا فیحضروننا (1) فی بیوتنا و صیاصینا ثم یرجعون وافرین لم یكلموا فیجرئهم ذلك علینا حتی یشنوا الغارات علینا و یضع الإرصاد و العیون علینا و عسی اللّٰه أن یظفرنا بهم فتلك عادة اللّٰه عندنا أو یكون الأخری (2) فهی الشهادة لقد أخطأتنی وقعة بدر و قد كنت علیها حریصا لقد بلغ من حرصی أن ساهمت ابنی فی الخروج فخرج سهمه فرزق الشهادة و قد رأیت ابنی البارحة فی النوم فی أحسن صورة یسرع فی ثمار الجنة و أنهارها و هو یقول الحق بنا ترافقنا فی الجنة فقد وجدت ما وعدنی ربی حقا و قد و اللّٰه یا رسول اللّٰه أصبحت مشتاقا إلی مرافقته فی الجنة و قد كبرت سنی و رق عظمی و أحببت لقاء ربی فادع اللّٰه أن یرزقنی الشهادة فدعا له رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بذلك فقتل بأحد شهیدا فقال كل منهم مثل ذلك فقال إنی أخاف علیكم الهزیمة فلما أبوا إلا الخروج صلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الجمعة بالناس ثم وعظهم و أمرهم بالجد و الاجتهاد و أخبرهم أن لهم النصر ما صبروا ثم صلی العصر و لبس السلاح و خرج و كان مقدم قریش یوم الخمیس لخمس خلون من شوال و كانت الوقعة یوم السبت لسبع خلون من شوال و باتت وجوه الأوس و الخزرج لیلة الجمعة علیهم السلاح فی المسجد بباب النبی صلی اللّٰه علیه و آله خوفا من تبییت المشركین و حرست المدینة تلك اللیلة حتی أصبحوا.
قال فَلَمَّا سَوَّی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الصُّفُوفَ بِأُحُدٍ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ
ص: 125
أَیُّهَا النَّاسُ أُوصِیكُمْ بِمَا أَوْصَانِی بِهِ اللَّهُ فِی كِتَابِهِ مِنَ الْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ وَ التَّنَاهِی عَنْ مَحَارِمِهِ ثُمَّ إِنَّكُمُ الْیَوْمَ بِمَنْزِلِ أَجْرٍ وَ ذُخْرٍ لِمَنْ ذَكَرَ الَّذِی عَلَیْهِ ثُمَّ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَی الصَّبْرِ وَ الْیَقِینِ وَ الْجِدِّ وَ النَّشَاطِ فَإِنَّ جِهَادَ الْعَدُوِّ شَدِیدٌ كَرِیهٌ قَلِیلٌ مَنْ یَصْبِرُ عَلَیْهِ إِلَّا مَنْ عَزَمَ لَهُ عَلَی رُشْدِهِ (1) إِنَّ اللَّهَ مَعَ مَنْ أَطَاعَهُ وَ إِنَّ الشَّیْطَانَ مَعَ مَنْ عَصَاهُ فَاسْتَفْتِحُوا (2) أَعْمَالَكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَی الْجِهَادِ وَ الْتَمِسُوا بِذَلِكَ مَا وَعَدَكُمُ اللَّهُ وَ عَلَیْكُمْ بِالَّذِی أَمَرَكُمْ بِهِ فَإِنِّی حَرِیصٌ (3) عَلَی رُشْدِكُمْ إِنَّ الِاخْتِلَافَ وَ التَّنَازُعَ وَ التَّثَبُّطَ (4) مِنْ أَمْرِ الْعَجْزِ وَ الضَّعْفِ وَ هُوَ مِمَّا لَا یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ لَا یُعْطِی عَلَیْهِ النَّصْرَ وَ الظَّفَرَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ قُذِفَ فِی قَلْبِی أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَی حَرَامٍ فَرَغِبَ عَنْهُ ابْتِغَاءَ مَا عِنْدَ اللَّهِ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ (5) وَ مَنْ صَلَّی عَلَیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ مَلَائِكَتُهُ عَشْراً وَ مَنْ أَحْسَنَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَی اللَّهِ فِی عَاجِلِ دُنْیَاهُ وَ فِی (6) آجِلِ آخِرَتِهِ وَ مَنْ كَانَ یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَیْهِ الْجُمُعَةُ (7) یَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا صَبِیّاً أَوِ امْرَأَةً أَوْ مَرِیضاً أَوْ عَبْداً مَمْلُوكاً وَ مَنِ اسْتَغْنَی عَنْهَا اسْتَغْنَی اللَّهُ عَنْهُ وَ اللَّهُ غَنِیٌّ حَمِیدٌ مَا أَعْلَمُ مِنْ عَمَلٍ یُقَرِّبُكُمْ إِلَی اللَّهِ إِلَّا وَ قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ وَ لَا أَعْلَمُ مِنْ عَمَلٍ یُقَرِّبُكُمْ إِلَی النَّارِ إِلَّا وَ قَدْ نَهَیْتُكُمْ عَنْهُ وَ إِنَّهُ قَدْ نَفَثَ (8) الرُّوحُ الْأَمِینُ فِی رُوعِی أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّی تَسْتَوْفِیَ أَقْصَی رِزْقِهَا لَا یَنْقُصُ مِنْهُ شَیْ ءٌ وَ إِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَ أَجْمِلُوا فِی طَلَبِ الرِّزْقِ وَ لَا یَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاؤُهُ عَلَی أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِیَةِ
ص: 126
رَبِّكُمْ فَإِنَّهُ لَنْ یُقْدَرَ (1) عَلَی مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ قَدْ بَیَّنَ لَكُمُ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامَ غَیْرَ أَنَّ بَیْنَهُمَا شَبَهاً مِنَ الْأَمْرِ لَمْ یَعْلَمْهَا كَثِیرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَنْ عُصِمَ فَمَنْ تَرَكَهَا حَفِظَ عِرْضَهُ وَ دِینَهُ وَ مَنْ وَقَعَ فِیهَا كَانَ كَالرَّاعِی إِلَی جَنْبِ الْحِمَی أَوْشَكَ أَنْ یَقَعَ فِیهِ وَ مَا (2) مِنْ مَلَكٍ إِلَّا وَ لَهُ حِمًی أَلَا وَ إِنَّ حِمَی اللَّهِ مَحَارِمُهُ وَ الْمُؤْمِنُ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ كَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَی تَدَاعَی عَلَیْهِ (3) سَائِرُ جَسَدِهِ وَ السَّلَامُ عَلَیْكُمْ (4).
قال الواقدی و برز طلحة بن أبی طلحة فصاح من یبارز فقال علی علیه السلام هل لك فی مبارزتی قال نعم فبرز (5) بین الصفین و رسول اللّٰه جالس تحت الرایة علیه درعان و مغفر و بیضة فالتقیا فبدره علی علیه السلام بضربة علی رأسه فمضی السیف حتی فلق هامته إلی أن انتهی إلی لحیته فوقع و انصرف علی علیه السلام فقیل له هلا دففت (6) علیه قال إنه لما صرع استقبلتنی عورته (7) فعطفتنی علیه الرحم و قد علمت أن اللّٰه سیقتله هو كبش الكتیبة فسر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و كبر تكبیرا عالیا و كبر المسلمون.
و ساق القصة إلی أن قال ثم حمل اللواء أرطأة بن عبد شرحبیل فقتله علی علیه السلام ثم حمله صواب غلام بنی عبد الدار فقیل قتله علی علیه السلام و قیل سعد بن أبی وقاص و قیل قزمان.
قال الواقدی و قالوا ما ظفر اللّٰه نبیه فی موطن قط ما ظفره و أصحابه یوم أحد حتی عصوا الرسول و تنازعوا فی الأمر لقد قتل أصحاب اللواء و انكشف
ص: 127
المشركون و نساؤهم یدعون بالویل بعد ضرب الدفوف فلما ترك أصحاب عبد اللّٰه بن جبیر مراكزهم و نظر خالد بن الولید إلی خلاء الجبل و قلة أهله فكر بالخیل و تبعه عكرمة بالخیل و انطلقا إلی موضع الرماة فحملوه علیهم فراماهم القوم حتی أصیبوا و رامی (1) عبد اللّٰه بن جبیر حتی فنیت نبله ثم طاعن بالرمح حتی انكسر ثم كسر جفن سیفه فقاتل حتی قتل.
فروی رافع بن خدیج قال لما قتل خالد الرماة أقبل بالخیل و عكرمة یتلوه فخالطنا و قد انتقضت صفوفنا و نادی إبلیس و تصور فی صورة جعال بن سراقة أن محمدا قد قتل ثلاث صرخات فابتلی یومئذ جعال ببلیة عظیمة حین تصور إبلیس فی صورته و إن جعالا لیقاتل مع المسلمین أشد القتال و إنه إلی جنب أبی بردة و خوات بن جبیر قال رافع فو اللّٰه ما رأینا دولة كانت أسرع من دولة المشركین علینا و أقبل المسلمون علی جعال یریدون قتله فشهد له خوات و أبو بردة أنه كان إلی جنبهما حین صاح الصائح و أن الصائح غیره قال رافع أتینا من قبل أنفسنا و معصیة نبینا و اختلط المسلمون و صاروا یقتلون و یضرب بعضهم بعضا ما یشعرون (2) بما یصنعون من الدهش و العجل. (3).
و روی أبو عمر محمد بن عبد الواحد اللغوی و رواه أیضا محمد بن حبیب فی أمالیه أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لما فر معظم أصحابه عنه یوم أحد كثرت علیه كتائب المشركین و قصدته كتیبة من بنی كنانة ثم من بنی عبد مناف (4) بن كنانة فیها بنو سفیان بن عویف و هم خالد بن ثعلب (5) و أبو الشعشاء بن سفیان و أبو الحمراء بن سفیان و غراب بن سفیان فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یا علی اكفنی هذه الكتیبة فحمل علیها
ص: 128
و إنها لتقارب خمسین فارسا و هو علیه السلام راجل فما زال یضربها بالسیف حتی تتفرق عنه ثم تجتمع علیه هكذا مرارا حتی قتل بنی سفیان بن عویف الأربعة و تمام العشرة منها ممن لا یعرف أسماؤهم فقال جبرئیل علیه السلام لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله (1) إن هذه للمواساة (2) لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتی فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و ما یمنعه و هو منی و أنا منه فقال جبرئیل و أنا منكما قال و سمع ذلك الیوم صوت من قبل السماء لا یری شخص الصارخ به ینادی مرارا لا سیف إلا ذو الفقار و لا فتی إلا علی.
فسئل رسول اللّٰه عنه فقال هذا جبرئیل.
قلت و قد روی هذا الخبر جماعة من المحدثین و هو من الأخبار المشهورة و وقفت علیه فی بعض نسخ مغازی محمد بن إسحاق و سألت شیخی عبد الوهاب بن سكینة عن هذا الخبر فقال خبر صحیح فقلت له فما بال الصحاح لم تشتمل علیه قال و كل (3) ما كان صحیحا تشتمل علیه كتب الصحاح كم قد أهمل (4) جامعوا الصحاح من الأخبار الصحیحة. (5).
قال الواقدی و قال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یومئذ من یأخذ هذا السیف بحقه فقال عمر أنا فأعرض عنه فقام الزبیر فأعرض عنه ثم عرضه الثالثة فقال أبو دجانة أنا یا رسول اللّٰه آخذه بحقه فدفعه إلیه فما رئی أحد قاتل أفضل من قتاله و كان حین أعطاه مشی بین الصفین و اختال فی مشیته فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إن هذه لمشیة یبغضها اللّٰه تعالی إلا فی مثل هذا الموطن.
ص: 129
قال و كان مخیریق الیهودی من أحبار الیهود فقال یوم السبت و رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بأحد یا معشر الیهود و اللّٰه إنكم لتعلمون أن محمدا نبی و أن نصره علیكم حق فقالوا ویحك الیوم یوم السبت فقال لا سبت ثم أخذ سلاحه و حضر مع النبی صلی اللّٰه علیه و آله فأصیب فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مخیریق خیر یهود.
قال و كان قال حین خرج إلی أحد إن أصبت فأموالی لمحمد یضعها حیث أراه اللّٰه فهی عامة صدقات النبی صلی اللّٰه علیه و آله قال و كان عمرو بن الجموح رجلا أعرج فلما كان یوم أحد و كان له بنون أربعة یشهدون مع النبی صلی اللّٰه علیه و آله المشاهد أمثال الأسد أراد قومه أن یحبسوه و قالوا أنت رجل أعرج و لا حرج علیك و قد ذهب بنوك مع النبی صلی اللّٰه علیه و آله قال بخ یذهبون إلی الجنة و أجلس أنا عندكم فقالت هند بنت عمرو بن حرام امرأته كأنی أنظر إلیه مولیا قد أخذ درقته و هو یقول اللّٰهم لا تردنی إلی أهلی فخرج و لحقه بعض قومه یكلمونه فی القعود فأبی و جاء إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال یا رسول اللّٰه إن قومی یریدون أن یحبسونی هذا الوجه (1) و الخروج معك و اللّٰه إنی لأرجو أن أطأ بعرجتی هذه فی الجنة فقال له أما أنت فقد عذرك (2) اللّٰه و لا جهاد علیك فأبی فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله لقومه و بنیه لا علیكم أن لا تمنعوه لعل اللّٰه یرزقه الشهادة فخلوا عنه فقتل یومئذ شهیدا قال فحملته هند بعد شهادته و ابنها خلاد و أخاها عبد اللّٰه علی بعیر فلما بلغت منقطع الحرة برك البعیر فكان كلما توجهه إلی المدینة برك و إذا وجهته إلی أحد أسرع فرجعت إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله فأخبرته بذلك فقال صلی اللّٰه علیه و آله إن الجمل لمأمور هل قال عمرو شیئا قالت نعم إنه لما توجه إلی أحد استقبل القبلة ثم قال اللّٰهم لا تردنی إلی أهلی و ارزقنی الشهادة فقال صلی اللّٰه علیه و آله فلذلك الجمل لا یمضی إن منكم یا معشر الأنصار من لو أقسم علی اللّٰه لأبره منهم عمرو بن الجموح
ص: 130
یا هذه (1) ما زالت الملائكة مظلة علی أخیك من لدن قتل إلی الساعة فینظرون (2) أین یدفن ثم مكث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی قبرهم ثم قال یا هند قد ترافقوا فی الجنة جمیعا بعلك و ابنك و أخوك فقالت هند یا رسول اللّٰه فادع لی عسی أن یجعلنی معهم.
قال و كان جابر یقول لما استشهد أبی جعلت عمتی تبكی فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله ما یبكیها ما زالت الملائكة تظل علیه بأجنحتها حتی دفن.
و قال عبد اللّٰه بن عمرو بن حرام رأیت فی النوم قبل یوم أحد بأیام مبشر بن عبد المنذر أحد الشهداء ببدر یقول لی أنت قادم علینا فی أیام فقلت فأین أنت قال فی الجنة نسرح منها حیث نشاء فقلت له أ لم تقتل یوم بدر قال بلی ثم أحییت فذكر ذلك لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال هذه الشهادة یا با جابر.
قال و قال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یوم أحد ادفنوا عبد اللّٰه بن عمرو و عمرو بن الجموح فی قبر واحد و یقال إنهما وجدا و قد مثل بهما كل مثلة قطعت آرابهما (3) عضوا عضوا فلا یعرف أبدانهما فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله ادفنوهما فی قبر واحد و یقال إنما دفنهما فی قبر واحد لما كان بینهما من الصفاء فقال ادفنوا هذین المتحابین فی الدنیا فی قبر واحد فدخل السیل علیهما و كان قبرهما مما یلی السیل (4) فحفر عنهما و علیهما نمرتان و عبد اللّٰه قد أصابه جرح فی وجهه فیده علی وجهه فأمیطت (5) یده عن جرحه فثعب (6) الدم فردت إلی مكانها فسكن الدم.
قال الواقدی و كان جابر یقول رأیته (7) فی حفرته كأنه نائم ما تغیر
ص: 131
من حاله قلیل و لا كثیر فقیل أ فرأیت أكفانه قال إنما كفن فی نمرة خمر بها وجهه و علی رجلیه الحرمل (1) فوجدنا النمرة كما هی و الحرمل علی رجلیه كهیئته و بین ذلك و بین دفنه ست و أربعون سنة فشاورهم (2) جابر فی أن یطیبه بمسك فأبی ذلك أصحاب النبی صلی اللّٰه علیه و آله و قالوا لا تحدثوا فیهم (3) شیئا.
قال و یقال إن معاویة لما أراد أن یجری العین التی أحدثها بالمدینة و هی كظامة نادی منادیه بالمدینة من كان له قتیل بأحد فلیشهد فخرج الناس إلی قتلاهم فوجدوهم رطابا یتثنون فأصابت المسحاة رجل رجل منهم فثعبت (4) دما فقال أبو سعید الخدری لا ینكر بعد هذا منكر أبدا.
قال و وجد عبد اللّٰه بن عمرو بن حرام و عمرو بن الجموح فی قبر و خارجة بن زید و سعید بن الربیع فی قبر فأما قبر عبد اللّٰه و عمرو فحول و ذلك أن القناة كانت تمر علی قبرهما و أما قبر خارجة و سعد فترك لأن مكانه كان معتزلا و لقد كانوا یحفرون التراب فكلما حفروا قترة (5) من تراب فاح علیهم المسك.
قال الواقدی و كانت نسیبة بنت كعب قد شهدت أحدا و ابناها عمارة بن غزیة و عبد اللّٰه بن زید و زوجها غزیة و خرجت و معها شن لها فی أول النهار ترید تسقی الجرحی فقاتلت یومئذ و أبلت بلاء حسنا فجرحت اثنی عشر جرحا بین طعنة برمح أو ضربة بسیف فكانت أم سعد تحدث فتقول دخلت علیها فقلت لها یا خالة حدثینی خبرك فقالت خرجت أول النهار إلی أحد و أنا أنظر ما یصنع الناس و معی سقاء فیه ماء فانتهیت إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو فی الصحابة و الدولة و الریح للمسلمین فلما انهزم المسلمون انحزت إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فجعلت أباشر القتال
ص: 132
و أذب عن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالسیف و أرمی بالقوس حتی خلصت إلی الجراح فرأیت علی عاتقها جرحا أجوف له غور فقلت یا أم عمارة من أصابك بهذا قالت أقبل ابن قمیئة و قد ولی الناس عن رسول اللّٰه یصیح دلونی علی محمد لا نجوت إن نجا فاعترض له مصعب بن عمیر و ناس معه فكنت فیهم فضربنی هذه الضربة و لقد ضربته علی ذاك ضربات و لكن عدو اللّٰه كان علیه درعان فقلت لها یدك ما أصابها قال أصیبت یوم الیمامة لما جعلت الأعراب تهزم بالناس نادت الأنصار أخلصونا فأخلصت الأنصار فكنت معهم حتی انتهینا إلی حدیقة الموت فاقتتلنا علیها ساعة حتی قتل أبو دجانة علی باب الحدیقة و دخلتها و أنا أرید عدو اللّٰه مسیلمة فتعرض لی رجل فضرب یدی فقطعها فو اللّٰه ما كانت لی ناهیة و لا عرجت علیها حتی وقفت علی الخبیث مقتولا و ابنی عبد اللّٰه بن زید یمسح سیفه بثیابه فقلت أ قتلته قال نعم فسجدت شكرا لله عز و جل و انصرفت.
قال و كان ضمرة بن سعید یحدث عن آبائه عن جدته و كانت قد شهدت أحدا تسقی الماء قالت سمعت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یقول یومئذ لمقام نسیبة بنت كعب الیوم خیر من مقام فلان و فلان و كان یراها یومئذ تقاتل أشد القتال حتی جرحت ثلاثة عشر جرحا.
قال ابن أبی الحدید قلت لیت الراوی لم یكن هذه الكنایة و كان یذكر من هما بأسمائهما حتی لا یترامی الظنون إلی أمور مشتبهة و من أمانة الحدیث (1) أن یذكر الحدیث علی وجهه و لا یكتم منه شیئا فما باله كتم اسم هذین الرجلین. (2)
أقول: إن الراوی لعله كان معذورا فی التكنیة باسم الرجلین تقیة و كیف كان یمكنه التصریح باسم صنمی قریش و شیخی المخالفین الذین كانوا یقدمونهما علی أمیر المؤمنین علیه السلام مع أن كنایته أبلغ من الصریح إذ ظاهر أن الناس كانوا
ص: 133
لا یبالون بذكر أحد من الصحابة بما كان واقعا إلا بذكرهما و ذكر ثالثهما و أما سائر بنی أمیة و أجداد سائر خلفاء الجور فلم یكونوا حاضرین فی هذا المشهد فی عسكر المسلمین حتی یكنی بذكرهم تقیة من أولادهم و أتباعهم و قد تقدم فی روایة علی بن إبراهیم ذكر الثالث أیضا معهما و ذكره كان أولی لأن فراره كان أعرض و سیأتی القول فی ذلك.
رجعنا إلی كلام ابن أبی الحدید.
قال روی الواقدی بإسناده عن عبد اللّٰه بن زید قال شهدت أحدا مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فلما تفرق الناس عنه دنوت منه و أمی تذب عنه فقال ابن أم عمارة قلت نعم قال ارم فرمیت بین یدیه رجلا من المشركین بحجر و هو علی فرس فأصیب عین الفرس فاضطرب الفرس حتی وقع هو و صاحبه و جعلت أعلوه بالحجارة حتی نضدت علیه منها وقرا (1) و النبی صلی اللّٰه علیه و آله ینظر إلی و یتبسم فنظر إلی جرح بأمی علی عاتقها فقال أمك أمك اعصب جرحها بارك اللّٰه علیكم من أهل بیت لمقام أمك خیر من مقام فلان و فلان و مقام ربیبك یعنی زوج أمه خیر من مقام فلان و فلان و مقامك خیر من مقام فلان و فلان رحمكم اللّٰه أهل البیت فقالت أمی ادع اللّٰه لنا یا رسول اللّٰه أن نرافقك فی الجنة فقال اللّٰهم اجعلهم رفقائی فی الجنة قالت فما أبالی ما أصابنی من الدنیا.
قال الواقدی و أقبل وهب بن قابوس المزنی و معه ابن أخیه الحارث بن عقبة بغنم لهما من جبل جهینة (2) فوجدا المدینة خلوا فسألا أین الناس قالوا بأحد خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یقاتل المشركین من قریش فقالا لا نبتغی أثرا بعد عین فخرجا حتی أتیا النبی صلی اللّٰه علیه و آله بأحد فوجدا القوم یقتتلون و الدولة لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أصحابه فأغارا مع المسلمین فی النهب و جاءت الخیل من ورائهم خالد و عكرمة فاختلط الناس فقاتلا أشد
ص: 134
القتال فانفرقت فرقة من المشركین فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من لهذه الفرقة فقال وهب أنا فقام فرماهم بالنبل حتی انصرفوا ثم رجع فانفرقت فرقة أخری فقال صلی اللّٰه علیه و آله من لهذه الكتیبة فقال المزنی أنا یا رسول اللّٰه فقام فذبها بالسیف حتی ولت ثم رجع فطلعت كتیبة أخری فقال صلی اللّٰه علیه و آله من یقوم لهؤلاء فقال المزنی أنا یا رسول اللّٰه فقال قم و أبشر بالجنة فقام مسرورا یقول و اللّٰه لا أقیل و لا أستقیل فجعل یدخل فیهم و یضرب بالسیف و رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ینظر إلیه و المسلمون حتی خرج من أقصی الكتیبة و رسول اللّٰه یقول اللّٰهم ارحمه ثم یرجع فیهم فما زال كذلك و هم محدقون به حتی اشتملت علیه أسیافهم و رماحهم فقتلوه فوجد به یومئذ عشرون طعنة بالرماح كلها قد دخلت إلی مقتل (1) و مثل به أقبح المثل یومئذ ثم قام ابن أخیه فقاتل كنحو قتاله حتی قتل.
و قال سعد بن أبی وقاص أشهد لرأیت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله واقفا علی المزنی و هو مقتول و هو یقول رضی اللّٰه عنك فإنی عنك راض ثم رأیت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قام علی قدمیه و قد ناله من ألم الجراح ما ناله علی قبره (2) حتی وضع فی لحده و علیه بردة لها أعلام حمر فمد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله البردة علی رأسه فخمره و أدرجه فیها طولا فبلغت نصف ساقیه فأمرنا فجمعنا الحرمل فجعلناه علی رجلیه و هو فی لحده ثم انصرف.
قال الواقدی و أقبل ضرار بن الخطاب فضرب عمر بن الخطاب لما جال المسلمون تلك الجولة بالقناة و قال یا ابن الخطاب إنها نعمة مشكورة ما كنت لأقتلك.
قال و قال علی علیه السلام لما كان یوم أحد و جال الناس تلك الجولة أقبل أمیة بن أبی حذیفة بن المغیرة و هو دارع مقنع فی الحدید ما یری منه إلا عیناه و هو یقول یوم بیوم بدر فعرض له رجل من المسلمین فقتله أمیة فصمدت له
ص: 135
فضربته بالسیف علی هامته و علیه بیضة و تحت البیضة مغفر فنبا سیفی (1) و كنت رجلا قصیرا فضربنی بسیفه فاتقیت بالدرقة فلحج (2) سیفه فضربته و كان درعه مشمرة (3) فقطعت رجلیه فوقع و جعل یعالج سیفه حتی خلصه من الدرقة و جعل یناوشنی و هو بارك حتی نظرت إلی فتق إبطه (4) فضربته فمات..
قال الواقدی بینا عمر بن الخطاب یومئذ فی رهط من المسلمین قعودا (5) إذ مر بهم أنس بن النضر فقال ما یقعدكم قالوا قتل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال فما تصنعون بالحیاة بعده قوموا فموتوا علی ما مات علیه ثم قام (6) فجالد بسیفه حتی قتل و قالوا إن مالك بن الدخشم مر علی خارجة بن زید و هو قاعد و فی حشوته (7) ثلاثة عشر جرحا كلها قد خلصت إلی مقتل فقال مالك أ علمت أن محمدا قد قتل قال خارجة فإن كان محمد قتل فإن اللّٰه حی لا یقتل و لا یموت و أن محمدا قد بلغ فاذهب أنت فقاتل عن دینك قال و مر مالك بن الدخشم أیضا علی سعد بن الربیع و به اثنا عشر جرحا كلها قد خلص إلی مقتل فقال أ ما علمت أن محمدا قد قتل فقال سعد أشهد أن محمدا قد بلغ رسالة ربه فقاتل أنت عن دینك فإن اللّٰه حی لا یموت. (8).
ص: 136
قال ابن أبی الحدید قد روی كثیر من المحدثین أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال لعلی علیه السلام حین سقط ثم أقیم اكفنی هؤلاء لجماعة قصدت نحوه فحمل علیهم فهزمهم و قتل منهم عبد اللّٰه بن حمید ثم حملت علیهم (1) طائفة أخری فقال له اكفنی هؤلاء فحمل علیهم فانهزموا من بین یدیه و قتل منهم أمیة بن حذیفة المخزومی (2).
و قال جمیع من قتل یوم أحد من المشركین ثمانیة و عشرون قتل علی علیه السلام منهم ما اتفق علیه و ما اختلف فیه اثنی عشر و هو إلی جملة القتلی كعدة من قتل ببدر إلی جملة القتلی یومئذ و هو قریب من النصف. (3).
ثم قال القول فیمن ثبت من المسلمین مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یوم أحد قال الواقدی حدثنی موسی بن یعقوب عن عمته عن أمها عن المقداد قال لما تصاف القوم للقتال یوم أحد جلس رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله تحت رایة مصعب بن عمیر فلما قتل أصحاب اللواء هزم المشركون الهزیمة الأولی و أغار المسلمون علی معسكرهم ینهبونه ثم كر المشركون علی المسلمین فأتوهم عن خلفهم فتفرق الناس و نادی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی أصحاب الألویة فقتل مصعب حامل لوائه و أخذ رایة الخزرج سعد بن عبادة فقام رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله تحتها و أصحابه محدقون به و دفع لواء المهاجرین إلی أبی الردم أحد بنی عبد الدار آخر نهار ذلك الیوم و نظرت إلی لواء الأوس مع أسید بن حضیر فناوشوا المشركین ساعة و اقتتلوا علی اختلاط من الصفوف و نادی المشركون بشعارهم یا للعزی یا لهبل فأوجعوا (4) و اللّٰه فینا قتلا ذریعا (5) و نالوا من رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ما نالوا لا و الذی بعثه بالحق ما زال
ص: 137
شبرا واحدا إنه لفی وجه العدو تثوب إلیه طائفة من أصحابه مرة و تتفرق عنه مرة فربما رأیته قائما یرمی حتی تحاجزوا (1) و كانت العصابة التی ثبتت مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرین و سبعة من الأنصار فأما المهاجرون فعلی علیه السلام و أبو بكر و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبی وقاص و طلحة بن عبید اللّٰه و أبو عبیدة بن الجراح و الزبیر بن العوام و أما الأنصار فالحباب بن المنذر و أبو دجانة و عاصم بن ثابت و الحارث بن الصمة و سهل بن حنیف و سعد بن معاذ و أسید بن حضیر.
قال الواقدی و قد روی أن سعد بن عبادة و محمد بن مسلمة ثبتا یومئذ و لم یفرا و من روی ذلك جعلهما مكان سعد بن معاذ و أسید بن حضیر.
قال الواقدی و بایعه یومئذ علی الموت ثمانیة ثلاثة من المهاجرین علی و طلحة و الزبیر و خمسة من الأنصار أبو دجانة و الحارث بن الصمة و الحباب بن المنذر و عاصم بن ثابت و سهل بن حنیف و لم یقتل منهم ذلك الیوم أحد و أما باقی المسلمین ففروا و رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یدعوهم فی أخراهم حتی انتهی من انتهی (2) منهم إلی قریب من المهراس.
قال الواقدی و حدثنی عتبة بن جبیرة عن یعقوب بن عمر بن قتادة (3) قال ثبت یومئذ بین یدیه ثلاثون رجلا كلهم یقول وجهی دون وجهك و نفسی دون نفسك و علیك السلام غیر مودع.
قلت قد اختلف فی عمر بن الخطاب هل ثبت یومئذ أم لا مع اتفاق الرواة كافة علی أن عثمان لم یثبت فالواقدی ذكر أنه لم یثبت و أما محمد بن إسحاق و البلاذری فجعلاه مع من ثبت و لم یفر و اتفقوا كلهم علی أن ضرار بن الخطاب الفهری قرع رأسه بالرمح و قال إنها نعمة مشكورة یا ابن الخطاب إنی آلیت
ص: 138
أن لا أقتل رجلا من قریش روی ذلك محمد بن إسحاق و غیره و لم یختلفوا فی ذلك و إنما اختلفوا هل قرعه بالرمح و هو فار هارب أم مقدم ثابت (1) و لم تختلف (2) الرواة من أهل الحدیث أن أبا بكر لم یفر یومئذ و أنه ثبت فیمن ثبت و إن لم یكن نقل عنه قتل أو قتال (3) و الثبوت جهاد و فیه وحده كفایة و أما روایة الشیعة (4) فإنهم یروون أنه لم یثبت إلا علی و طلحة و الزبیر و أبو دجانة و سهل بن حنیف و عاصم بن ثابت و فیهم من یروی أنه ثبت معه أربعة عشر رجلا من المهاجرین و الأنصار (5) و لا یعدون أبا بكر و عمر بینهم (6) و روی كثیر من أصحاب الحدیث أن عثمان جاء بعد ثالثة إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فسأله إلی أین انتهیت فقال إلی الأعوص فقال لقد ذهبت (7) فیها عریضة (8)
ص: 139
قال ابن أبی الحدید و حضرت عند محمد بن معد العلوی علی رأی الإمامیة (1) و قارئ یقرأ عنده مغازی الواقدی فقرأ حدثنا الواقدی عن ابن أبی سبرة عن خالد بن ریاح عن أبی سفیان مولی ابن أبی أحمد عن محمد بن مسلمة قال سمعت أذنای و أبصرت عینای رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یقول یوم أحد و قد انكشف الناس إلی الجبل و هو یدعوهم و هم لا یلوون علیه سمعته یقول إلی یا فلان إلی یا فلان أنا رسول اللّٰه فما عرج علیه واحد منهما و مضیا.
فأشار ابن معد إلی أی اسمع فقلت و ما فی هذا قال هذه كنایة عنهما فقلت و یجوز أن لا یكون عنهما لعله عن غیرهما قال لیس فی الصحابة من یحتشم من ذكره بالفرار (2) و ما شابهه من العیب فیضطر القائل إلی الكنایة إلا هما قلت له هذا ممنوع (3) فقال دعنا من جدلك و منعك ثم حلف أنه ما عنی الواقدی غیرهما و أنه لو كان غیرهما لذكرهما صریحا.
قال الواقدی و كان ممن ولی عمر و عثمان و الحارث بن حاطب و ثعلبة بن حاطب و سواد بن غزیة و سعد بن عثمان و عقبة بن عثمان و خارجة بن عامر (4) و أوس بن قبطی فی نفر من بنی حارثة. (5) و احتج أیضا من قال بفرار عمر
بما رواه الواقدی فی قصة الحدیبیة قال قال عمر یومئذ یا رسول اللّٰه أ لم تكن حدثتنا أنك ستدخل المسجد الحرام و
ص: 140
تأخذ مفتاح الكعبة و تعرف (1) مع المعرفین و هدینا لم یصل إلی البیت و لا نحر فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أ قلت لكم فی سفركم هذا قال عمر لا قال أما إنكم ستدخلونه و آخذ مفتاح الكعبة و أحلق رأسی و رءوسكم ببطن مكة و أعرف مع المعرفین ثم أقبل علی عمر و قال أ نسیتم یوم أحد إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلی أَحَدٍ و أنا أدعوكم فی أخراكم أ نسیتم یوم الأحزاب إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ أ نسیتم یوم كذا و جعل یذكرهم أمورا أ نسیتم یوم كذا فقال المسلمون صدق اللّٰه و رسوله أنت یا رسول اللّٰه أعلم باللّٰه منا فلما دخل عام القضیة و حلق رأسه قال هذا الذی كنت وعدتكم به فلما كان یوم الفتح و أخذ مفتاح الكعبة قال ادعوا لی عمر بن الخطاب فجاء فقال هذا الذی كنت قلت لكم.
قالوا فلو لم یكن فر یوم أحد لما قال له أ نسیتم یوم أحد إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلی أَحَدٍ.
هذا آخر ما أردنا نقله من كلام ابن أبی الحدید. (2) أقول و العجب منه أنه ادعی هنا اتفاق الرواة علی أنه ثبت أبو بكر و لم یفر مع أنه قال عند ذكر أجوبة شیخه أبی جعفر الإسكافی عما ذكره الجاحظ فی فضل إسلام أبی بكر علی إسلام علی علیه السلام حیث قال الجاحظ و قد ثبت أبو بكر مع النبی صلی اللّٰه علیه و آله یوم أحد كما ثبت علی فلا فخر لأحدهما علی صاحبه فی ذلك الیوم قال شیخنا أبو جعفر أما ثباته یوم أحد فأكثر المؤرخین و أرباب السیرة ینكرونه و جمهورهم یروی أنه لم یبق مع النبی صلی اللّٰه علیه و آله إلا علی علیه السلام و طلحة و الزبیر و أبو دجانة و قد روی عن ابن عباس أنه قال و لهم خامس و هو عبد اللّٰه بن مسعود و منهم من أثبت سادسا و هو المقداد بن عمرو و روی یحیی بن سلمة بن كهیل قال قلت لأبی كم ثبت مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یوم أحد كل منهم یدعیه فقال اثنان
ص: 141
قلت من هما قال علی و أبو دجانة انتهی. (1) فقد ظهر أن ثبات أبی بكر أیضا لیس مما أجمعت علیه رواتهم و اتفقت روایاتهم مع اتفاق روایات الشیعة علی عدمه و هی محفوفة بالقرائن الظاهرة إذ من المعلوم أن مع ثباته لا بد أن ینقل منه إما ضرب أو طعن و العجب منه أنه حیث لم یكن من الطاعنین كیف لم یصر من المطعونین و لما لم یكن من الجارحین لم لم یكن من المجروحین و إن لم یتحرك لقتال مع كونه بمرأی من المشركین و مسمع لم لم یذكر فی المقتولین إلا أن یقال إن المشركین كانوا یرونه منهم باطنا فلذا لم یتعرضوا له كما لم یقتل ضرار عمر و لعمری یمكن أن یقال لو كان حضر میت تلك الوقعة لكان یذكر منه بعض ما ینسب إلی الأحیاء و لا یدعی مثل ذلك إلا من لیس له حظ من العقل و الحیاء.
و لنوضح بعض ما ربما اشتبه فیما نقلنا عنه ضوی إلیهم كرمی انضم ما فضت أی كسرت و التیه بالكسر الكبر و الصیاصی الحصون لم یكلموا علی بناء المفعول أی لم یجرحوا و الرصد بالتحریك الذین یرقبون العدو و الجمع أرصاد.
و فی النهایة فیه كمثل الجسد إذا اشتكی بعضه تداعی سائره بالسهر و الحمی كأنه بعضا دعا بعضا و منه قولهم تداعت الحیطان أی تساقطت أو كادت و منه تداعت إلیكم الأمم أی اجتمعوا و دعا بعضكم بعضا انتهی.
و ثعب الماء و الدم كمنع فجره فانثعب ذكره الفیروزآبادی و قال القترة بالفتح الغبرة و القتر بالضم الناحیة و الجانب و القتر القدر و یحرك و قال الریح الغلبة و القوة و النصرة انتهی.
انحزت أی عدلت عما كنت فیه متوجها إلیه و الأعوص موضع قرب المدینة.
ص: 142
ثم قال ابن أبی الحدید فی ذكر أسماء من قتل من المسلمین بأحد قال الواقدی ذكر سعید بن المسیب و أبو سعید الخدری أنه قتل من الأنصار خاصة أحد و سبعون (1) و بمثله قال مجاهد قال فأربعة من قریش و هم حمزة قتله وحشی و عبد اللّٰه بن جحش قتله الأخنس (2) بن شریق و شماس بن عثمان قتله أبی بن خلف و مصعب بن عمیر قتله ابن قمیئة قال و قد زاد قوم خامسا و هو سعد مولی حاطب من بنی أسد و قال قوم أیضا إن أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومی جرح یوم أحد و مات من تلك الجراحة بعد أیام.
قال الواقدی و قال قوم قتل ابنا الهیت من بنی سعد و هما عبد اللّٰه و عبد الرحمن و رجلان من مزینة و هما وهب بن قابوس و ابن أخیه الحارث بن عتبة بن قابوس فیكون جمیع من قتل من المسلمین ذلك الیوم أحدا و ثمانین رجلا انتهی. (3)
أقول: الأصوب ما مر فی الأخبار المعتبرة من أن المقتولین من المسلمین بأحد سبعون و یحتمل أن یكون السبعون من المهاجرین و الأنصار و الباقون ممن لحقهم من خارج المدینة كما عرفت.
«51»-أَقُولُ وَ رَوَی الْكَازِرُونِیُّ فِی الْمُنْتَقَی عَنْ رَبِیعَةَ بْنِ الْحَارِثِ (4) قَالَ: أَعْطَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مُصْعَبَ بْنَ عُمَیْرٍ اللِّوَاءَ یَوْمَ أُحُدٍ فَقُتِلَ مُصْعَبٌ فَأَخَذَهُ مَلَكٌ فِی صُورَةِ
ص: 143
مُصْعَبٍ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ فِی آخِرِ النَّهَارِ تَقَدَّمْ یَا مُصْعَبُ فَالْتَفَتَ إِلَیْهِ الْمَلَكُ وَ قَالَ لَسْتُ بِمُصْعَبٍ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ مَلَكٌ أُیِّدَ بِهِ (1).
«52»-وَ قَالَ ابْنُ الْأَثِیرِ فِی كَامِلِ التَّوَارِیخِ كَانَ الَّذِی قَتَلَ أَصْحَابَ اللِّوَاءِ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَهُ أَبُو رَافِعٍ قَالَ فَلَمَّا قَتَلَهُمْ أَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله جَمَاعَةً مِنَ الْمُشْرِكِینَ فَقَالَ لِعَلِیٍّ احْمِلْ عَلَیْهِمْ فَحَمَلَ فَفَرَّقَهُمْ وَ قَتَلَ مِنْهُمْ ثُمَّ أَبْصَرَ جَمَاعَةً أُخْرَی فَقَالَ لَهُ فَاحْمِلْ عَلَیْهِمْ فَحَمَلَ وَ فَرَّقَهُمْ وَ قَتَلَ مِنْهُمْ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ یَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ الْمُوَاسَاةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّهُ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ وَ أَنَا مِنْكُمَا قَالَ فَسَمِعُوا صَوْتاً لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ (2) قَالَ وَ قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِأُحُدٍ قِتَالًا شَدِیداً فَرَمَی بِالنَّبْلِ حَتَّی فَنِیَ نَبْلُهُ وَ انْكَسَرَتْ سِیَةُ قَوْسِهِ وَ انْقَطَعَ وَتَرُهُ وَ لَمَّا جُرِحَ رَسُولُ اللَّهِ جَعَلَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَنْقُلُ لَهُ الْمَاءَ فِی دَرَقَتِهِ مِنَ الْمِهْرَاسِ (3) وَ یَغْسِلُهُ فَلَمْ یَنْقَطِعِ الدَّمُ فَأَتَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ وَ جَعَلَتْ تُعَانِقُهُ وَ تَبْكِی وَ أَحْرَقَتْ حَصِیراً وَ جَعَلَتْ عَلَی الْجُرْحِ مِنْ رِمَادِهِ فَانْقَطَعَ الدَّمُ وَ قَالَ وَ انْتَهَتِ الْهَزِیمَةُ بِجَمَاعَةٍ فِیهِمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَ غَیْرُهُ إِلَی الْأَعْوَصِ فَأَقَامُوا بِهِ ثَلَاثَةً ثُمَّ أَتَوُا النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ لَهُمْ حِینَ رَآهُمْ لَقَدْ ذَهَبْتُمْ فِیهَا عَرِیضَةً (4) وَ قَالَ فِی ذِكْرِ غَزْوَةِ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ وَ ظَفَرَ فِی طَرِیقِهِ بِمُعَاوِیَةَ بْنِ الْمُغِیرَةِ بْنِ أَبِی الْعَاصِ وَ بِأَبِی غُرَّةَ (5) الْجُمَحِیِّ وَ كَانَ أَبُو غُرَّةَ (6) أُسِرَ یَوْمَ بَدْرٍ فَأَطْلَقَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله لِأَنَّهُ شَكَا إِلَیْهِ فَقْراً وَ كَثْرَةَ الْعِیَالِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَیْهِ الْعُهُودَ أَنْ لَا یُقَاتِلَهُ وَ لَا یُعِینَ عَلَی قِتَالِهِ فَخَرَجَ مَعَهُمْ یَوْمَ أُحُدٍ وَ حَرَّضَ عَلَی الْمُسْلِمِینَ فَلَمَّا أُتِیَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ یَا مُحَمَّدُ امْنُنْ عَلَیَّ قَالَ الْمُؤْمِنُ لَا یُلْدَغُ مِنْ
ص: 144
جُحْرٍ مَرَّتَیْنِ وَ أَمَرَ بِهِ فَقَتَلَهُ وَ أَمَّا مُعَاوِیَةُ وَ هُوَ الَّذِی جَدَعَ أَنْفَ حَمْزَةَ وَ مَثَّلَ بِهِ مَعَ مَنْ مَثَّلَ بِهِ وَ كَانَ قَدْ أَخْطَأَ الطَّرِیقَ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَی دَارَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ لَهُ عُثْمَانُ أَهْلَكْتَنِی وَ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ فَقَالَ أَنْتَ أَقْرَبُهُمْ مِنِّی رَحِماً وَ قَدْ جِئْتُكَ لِتُجِیرَنِی فَأَدْخَلَهُ عُثْمَانُ دَارَهُ وَ صَیَّرَهُ فِی نَاحِیَةٍ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله لِیَأْخُذَ لَهُ مِنْهُ أَمَاناً فَسَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ إِنَّ مُعَاوِیَةَ فِی الْمَدِینَةِ وَ قَدْ أَصْبَحَ بِهَا فَاطْلُبُوهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا كَانَ لِیَعْدُوَ مَنْزِلَ عُثْمَانَ فَاطْلُبُوهُ فَدَخَلُوا مَنْزِلَ عُثْمَانَ فَأَشَارَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ إِلَی الْمَوْضِعِ الَّذِی صَیَّرَهُ فِیهِ فَاسْتَخْرَجُوا مِنْ تَحْتِ حِمَارَةٍ لَهُمْ فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ عُثْمَانُ حِینَ رَآهُ وَ الَّذِی بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُ إِلَّا لِأَطْلُبَ لَهُ الْأَمَانَ فَهَبْهُ لِی فَوَهَبَهُ لَهُ وَ أَجَّلَهُ ثَلَاثَةَ أَیَّامٍ وَ أَقْسَمَ لَئِنْ وُجِدَ بَعْدَهَا یَمْشِی فِی أَرْضِ الْمَدِینَةِ وَ مَا حَوْلَهَا لَیَقْتُلَنَّهُ فَخَرَجَ عُثْمَانُ فَجَهَّزَهُ وَ اشْتَرَی لَهُ بَعِیراً ثُمَّ قَالَ لَهُ ارْتَحِلْ وَ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی حَمْرَاءِ الْأَسَدِ وَ أَقَامَ مُعَاوِیَةُ إِلَی الْیَوْمِ الثَّالِثِ لِیَعْرِفَ أَخْبَارَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ یَأْتِیَ بِهَا قُرَیْشاً فَلَمَّا كَانَ فِی الْیَوْمِ الرَّابِعِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ مُعَاوِیَةَ أَصْبَحَ قَرِیباً لَمْ یَبْعُدْ فَاطْلُبُوهُ فَأَصَابُوهُ وَ قَدْ أَخْطَأَ الطَّرِیقَ فَأَدْرَكُوهُ وَ كَانَ اللَّذَانِ أَسْرَعَا فِی طَلَبِهِ زَیْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَ عَمَّارَ بْنَ یَاسِرٍ فَوَجَدَاهُ بِالْحِمَاءِ فَضَرَبَهُ زَیْدٌ بِالسَّیْفِ فَقَالَ عَمَّارٌ إِنَّ لِی فِیهِ حَقّاً فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَاهُ ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَی الْمَدِینَةِ بِخَبَرِهِ وَ رَوَی هَذَا الْخَبَرَ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ أَیْضاً وَ أَكْثَرَ اللَّفْظَ لَهُ ثُمَّ قَالَ وَ یُقَالُ إِنَّهُ أُدْرِكَ عَلَی ثَمَانِیَةِ أَمْیَالٍ مِنَ الْمَدِینَةِ فَلَمْ یَزَلْ زَیْدٌ وَ عَمَّارٌ یَرْمِیَانِهِ بِالنَّبْلِ حَتَّی مَاتَ وَ هَذَا كَانَ جَدُّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ لِأُمِّهِ انْتَهَی (1).
أقول: هذه القصة كانت سبب قتل عثمان ابنة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله كما سیأتی شرحه إن شاء اللّٰه فی مثالبه و باب أحوال أولاد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و غیرهما.
ص: 145
و قال ابن الأثیر و فیها یعنی السنة الثالثة من الهجرة قیل ولد الحسن بن علی علیهما السلام فی النصف من شهر رمضان و فیها علقت فاطمة بالحسین علیه السلام و كان بین ولادتها و حملها خمسون یوما (1).
«53»-وَ فِی الدِّیوَانِ الْمَنْسُوبِ إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ صِمَّةَ بَعَثَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی أُحُدٍ لِحَاجَةٍ فَأَبْطَأَ فَأَنْشَأَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ:
لَاهُمَّ إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ صِمَّةَ*** كَانَ وَفِیّاً وَ بِنَا ذَا ذِمَّةٍ
أَقْبَلَ فِی مَهَامِهَ مُهِمَّةٍ*** فِی لَیْلَةٍ لَیْلَاءَ مُدْلَهِمَّةٍ (2)
بَیْنَ رِمَاحٍ وَ سُیُوفٍ جَمَّةٍ***یَبْغِی رَسُولَ اللَّهِ فِیهَا ثَمَّةَ
لَا بُدَّ مِنْ بَلِیَّةٍ مُلِمَّةٍ (3)
ص: 146
الآیات؛
آل عمران: «وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْواتاً»(الآیة)(169)
تفسیر: قال الطبرسی رحمه اللّٰه: قیل: نزلت فی شهداء بئر معونة و كان سبب ذلك علی ما رواه محمد بن إسحاق بن یسار بإسناده عن أنس و غیره قال قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة و كان سید بنی عامر بن صعصعة علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله المدینة و أهدی له هدیة فأبی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أن یقبلها و قال یا أبا براء لا أقبل هدیة مشرك فأسلم إن أردت أن أقبل هدیتك و قرأ علیه القرآن فلم یسلم و لم یبعد و قال یا محمد إن أمرك هذا الذی تدعو إلیه حسن جمیل فلو بعثت رجالا من أصحابك إلی أهل نجد فدعوهم إلی أمرك رجوت أن یستجیبوا لك فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إنی أخشی علیهم أهل نجد فقال أبو براء أنا لهم جار فابعثهم فلیدعوا الناس إلی أمرك فبعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله المنذر بن عمرو أخا بنی ساعدة فی سبعین (1) رجلا من خیار المسلمین منهم الحارث بن الصمة و حرام بن ملحان و عروة بن أسماء بن الصلت السلمی و نافع بن بدیل بن ورقاء الخزاعی و عامر بن فهیرة مولی أبی بكر و ذلك فی صفر سنة أربع من الهجرة علی رأس أربعة أشهر من أحد فساروا حتی نزلوا بئر معونة (2) فلما نزلوا قال بعضهم لبعض أیكم یبلغ رسالة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أهل هذا الماء فقال حرام بن ملحان أنا فخرج بكتاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی عامر بن الطفیل فلما أتاهم لم ینظر عامر فی كتاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال
ص: 147
حرام یا أهل بئر معونة إنی رسول رسول اللّٰه إلیكم و إنی أشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أشهد أن محمدا رسول اللّٰه فآمنوا باللّٰه و رسوله فخرج إلیه رجل من كسر (1) البیت برمح فضرب به فی جنبه حتی خرج من الشق الآخر فقال اللّٰه أكبر فزت و رب الكعبة ثم استصرخ عامر بن الطفیل بنی عامر علی المسلمین فأبوا أن یجیبوه إلی ما دعاهم إلیه و قالوا لن نخفر أبا براء و قد عقد لهم عقدا و جوارا فاستصرخ علیهم قبائل من بنی سلیم عصیة و رعلا و ذكوان (2) فأجابوه إلی ذلك فخرجوا حتی غشوا القوم فأحاطوا بهم فی رحالهم فلما رأوهم أخذوا السیوف فقاتلوهم حتی قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زید فإنهم تركوه و به رمق فارتث من بین القتلی فعاش حتی قتل یوم الخندق و كان فی سرح القوم عمرو بن أمیة الضمری (3) و رجل من الأنصار أحد بنی عمرو بن عوف (4) فلم ینبئهما (5) بمصاب أصحابهما إلا الطیر تحوم حول العسكر فقالوا و اللّٰه إن لهذا الطیر لشأنا فأقبلا لینظرا إلیه فإذا القوم فی دمائهم و إذا الخیل التی أصابتهم واقفة فقال الأنصاری لعمرو بن أمیة ما ذا تری فقال أری أن نلحق برسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فنخبره الخبر فقال الأنصاری لكنی ما كنت لأرغب بنفسی عن موطن قتل فیه المنذر بن عمرو ثم قاتل القوم حتی قتل و أخذوا عمرو بن أمیة أسیرا فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفیل و جز ناصیته و أعتقه عن رقبة زعم أنها كانت علی أبیه (6) فقدم عمرو بن أمیة علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أخبره الخبر فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 148
هذا عمل أبی براء قد كنت لهذا كارها متخوفا فبلغ ذلك أبا براء فشق علیه إخفار عامر إیاه و ما أصاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بسببه (1) فقال حسان بن ثابت یحرض أبا براء علی عامر بن الطفیل:
بنی أم البنین أ لم یرعكم***و أنتم من ذوائب أهل نجد
تهكم عامر بأبی براء***لیخفره و ما خطأ كعمد
ألا أبلغ ربیعة ذا المساعی*** فما أحدثت فی الحدثان بعدی
أبوك أبو الحروب أبو براء***و خالك ماجد حكم بن سعد
و قال كعب بن مالك:
لقد طارت شعاعا كل وجه***خفارة ما أجار أبو براء
بنی أم البنین أ ما سمعتم***دعاء المستغیث مع النساء
و تنویه الصریخ بلی و لكن*** عرفتم أنه صدق اللقاء
فلما بلغ ربیعة بن أبی براء قول حسان و قول كعب حمل علی عامر بن الطفیل فطعنه فخر عن فرسه فقال هذا عمل أبی براء إن مت فدمی لعمی فلا یبتعن سوای و إن أعش فساری فیه الرأی (2) قال فأنزل اللّٰه فی شهداء بئر معونة قرآنا بلغوا عنا قومنا بأنا لقینا (3) ربنا فرضی عنا و رضینا عنه ثم نسخت و رفعت بعد ما قرأناها و أنزل اللّٰه وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ الآیة.
بیان: و لم یبعد أی لم ینكر كثیرا و فی القاموس بئر معونة بضم العین قرب المدینة و قال الكسر و یكسر جانب البیت و قال خفره و به خفرا و خفورا نقض عهده و غدره كأخفره و عصیة كسمیة بطن من بنی سلیم یقال ارتث فلان علی بناء المجهول أی حمل من المعركة جریحا و به رمق قوله فی سرح القوم أی عند دوابهم حیث ذهبت للرعی و التحریض الحث و راعه أفزعه و
ص: 149
الذؤابة من كل شی ء أعلاه و التهكم الاستهزاء و ما خطأ كعمد أی لم یفعل ذلك خطأ لیعفی عنه بل فعله عمدا و فی القاموس المسعاة المكرمة و المعلاة فی أنواع المجد.
فما أحدثت استفهام علی التعجب و یحتمل النفی.
و فی القاموس ذهبوا شعاعا متفرقین و طار فؤاده شعاعا تفرقت همومه و قال الخفارة بالضم الذمة و قال نوهه و به دعاه و قال الصریخ المغیث و المستغیث و قال الصدق الصلب المستوی من الرماح و الرجال و الكامل من كل شی ء و هی صدقة و قوم صدقون و نساء صدقات و رجل صدق اللقاء و النظر انتهی.
و ضمیر أنه لعامر.
أقول: روی مثل هذه القصة فی إعلام الوری (1) و ابن شهرآشوب فی المناقب (2) و فی الأول فبعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله المنذر بن عمرو فی بضعة و عشرین رجلا و قیل فی أربعین رجلا و قیل فی سبعین رجلا من خیار المسلمین.
و فیه فشق علیه إخفار عامر إیاه و ما أصاب من أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و نزل به الموت فحمل ربیعة بن أبی براء علی عامر بن طفیل و هو فی نادی قومه فأخطأ مقاتله فأصاب فخذه فقال عامر هذا عمل عمی أبی براء إن مت فدمی لعمی لا تطلبوه به.
«1»-قب، المناقب لابن شهرآشوب كَانَتْ بَعْدَ غَزْوَةِ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ غَزْوَةُ الرَّجِیعِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَرْثَدَ بْنَ أَبِی مَرْثَدٍ الْغَنَوِیَّ حَلِیفَ حَمْزَةَ وَ خَالِدَ بْنَ الْبُكَیْرِ وَ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ الْأَفْلَجِ وَ خُبَیْبَ بْنَ عَدِیٍّ وَ زَیْدَ بْنَ دَثِنَةَ وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَارِقٍ وَ أَمِیرُ الْقَوْمِ مَرْثَدٌ لَمَّا قَدِمَ عَلَیْهِ رَهْطٌ مِنْ عَضَلٍ وَ الدِّیشِ وَ قَالُوا ابْعَثْ مَعَنَا نَفَراً مِنْ قَوْمِكَ یُعَلِّمُونَنَا الْقُرْآنَ وَ یُفَقِّهُونَنَا فِی الدِّینِ فَخَرَجُوا مَعَ الْقَوْمِ إِلَی بَطْنِ الرَّجِیعِ وَ هُوَ مَاءٌ لِهُذَیْلٍ فَقَتَلَهُمْ حَیٌ
ص: 150
مِنْ هُذَیْلٍ یُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْیَانَ وَ أُصِیبُوا جَمِیعاً وَ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ (1) أَنَّ هُذَیْلًا حِینَ قَتَلَتْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ أَرَادُوا رَأْسَهُ لِیَبِیعُوهُ مِنْ سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدٍ وَ قَدْ كَانَتْ نَذَرَتْ حِینَ أُصِیبَ ابْنَاهَا بِأُحُدٍ لَئِنْ قَدَرَتْ عَلَی رَأْسِهِ لَتَشْرَبَنَّ فِی قِحْفِهِ (2) الْخَمْرَ فَمَنَعَتْهُمُ الدَّبَرُ فَلَمَّا حَالَتْ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَهُ قَالُوا دَعُوهُ حَتَّی نُمْسِیَ فَتَذْهَبَ عَنْهُ فَبَعَثَ اللَّهُ الْوَادِیَ فَاحْتَمَلَ عَاصِماً فَذَهَبَ بِهِ وَ قَدْ كَانَ عَاصِمٌ أَعْطَی اللَّهَ عَهْداً أَنْ لَا یَمَسَّ مُشْرِكاً وَ لَا یَمَسَّهُ مُشْرِكٌ أَبَداً فِی حَیَاتِهِ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ مِمَّا امْتَنَعَ مِنْهُ فِی حَیَاتِهِ (3).
بیان: الدبر بالفتح جماعة النحل.
«2»-أَقُولُ قَالَ الْكَازِرُونِیُّ رَوَی ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَشْیَاخِهِ أَنَّ قَوْماً مِنَ الْمُشْرِكِینَ قَدِمُوا عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالُوا إِنَّ فِینَا إِسْلَاماً فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَراً مِنْ أَصْحَابِكَ یُفَقِّهُونَنَا وَ یُقْرِءُونَنَا الْقُرْآنَ وَ یُعَلِّمُونَنَا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ فَبَعَثَ مَعَهُمْ عَشَرَةً مِنْهُمْ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَ مَرْثَدُ بْنُ أَبِی مَرْثَدٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقٍ وَ خُبَیْبُ بْنُ عَدِیٍّ وَ زَیْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ وَ خَالِدُ بْنُ أَبِی الْبُكَیْرِ (4) وَ مُعَقِّبُ بْنُ عُبَیْدٍ وَ أَمَّرَ عَلَیْهِمْ مَرْثَداً وَ قِیلَ عَاصِماً فَخَرَجُوا حَتَّی إِذَا كَانُوا بِالرَّجِیعِ وَ هُوَ مَاءٌ لِهُذَیْلٍ غَدَرُوا بِالْقَوْمِ وَ اسْتَصْرَخُوا عَلَیْهِمْ هُذَیْلًا فَخَرَجَ بَنُو لِحْیَانَ فَلَمْ یَرْعَ الْقَوْمَ إِلَّا رِجَالٌ بِأَیْدِیهِمُ السُّیُوفُ فَأَخَذَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سُیُوفَهُمْ فَقَالُوا لَهُمْ إِنَّا وَ اللَّهِ مَا نُرِیدُ قِتَالَكُمْ إِنَّمَا نُرِیدُ أَنْ نُصِیبَ بِكُمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَ لَكُمُ الْعَهْدُ وَ الْمِیثَاقُ أَنْ لَا نَقْتُلَكُمْ فَأَمَّا عَاصِمٌ وَ مَرْثَدٌ وَ خَالِدٌ وَ مُعَقِّبٌ فَقَالُوا وَ اللَّهِ لَا نَقْبَلُ مِنْ مُشْرِكٍ عَهْداً فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّی قُتِلُوا وَ أَمَّا زَیْدٌ وَ خُبَیْبٌ وَ ابْنُ طَارِقٍ فَاسْتَأْسَرُوا وَ أَمَّا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ نَثَرَ كِنَانَتَهُ وَ فِیهَا سَبْعَةُ أَسْهُمٍ فَقَتَلَ بِكُلِ
ص: 151
سَهْمٍ رَجُلًا مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِینَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّی حَمَیْتُ دِینَكَ صَدْرَ النَّهَارِ فَارْحَمْ لَحْمِی آخِرَ النَّهَارِ ثُمَّ أَحَاطَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فَقَتَلُوهُ وَ أَرَادُوا رَأْسَ عَاصِمٍ لِیَبِیعُوهُ مِنْ سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدٍ وَ كَانَتْ نَذَرَتْ أَنْ تَشْرَبَ فِی قِحْفِهِ الْخَمْرَ لِأَنَّهُ قَتَلَ ابْنَیْهَا یَوْمَ أُحُدٍ فَحَمَتْهُ الدَّبَرُ فَقَالُوا أَمْهِلُوهُ حَتَّی یُمْسِیَ فَتَذْهَبَ عَنْهُ فَبَعَثَ اللَّهُ الْوَادِیَ فَاحْتَمَلَهُ فَسُمِّیَ حِمَی الدَّبَرِ وَ خَرَجُوا بِالنَّفَرِ الثَّلَاثَةِ حَتَّی إِذَا كَانُوا بِمُرِّ الظَّهْرَانِ انْتَزَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقٍ یَدَهُ مِنْهُمْ وَ أَخَذَ سَیْفَهُ وَ اسْتَأْخَرَ عَنْهُ الْقَوْمُ فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّی قَتَلُوهُ فَقُبِرَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَ قَدَّمُوا بِخُبَیْبٍ وَ زَیْدٍ مَكَّةَ فَابْتَاعَ حُجَیْرُ بْنُ أَبِی إِهَابٍ خُبَیْباً لِابْنِ أُخْتِهِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ لِیَقْتُلَهُ بِأَبِیهِ وَ ابْتَاعَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَیَّةَ زَیْداً لِیَقْتُلَهُ بِأَبِیهِ فَحَبَسُوهُمَا حَتَّی خَرَجَتِ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ثُمَّ أَخْرَجُوهُمَا إِلَی التَّنْعِیمِ فَقَتَلُوهُمَا وَ قَالَ قَائِلٌ لِزَیْدٍ عِنْدَ قَتْلِهِ أَ تُحِبُّ أَنَّكَ الْآنَ فِی أَهْلِكَ وَ أَنَّ مُحَمَّداً مَكَانَكَ فَقَالَ وَ اللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّداً یُشَاكُ بِشَوْكَةٍ وَ إِنِّی جَالِسٌ فِی أَهْلِی فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ وَ اللَّهِ مَا رَأَیْتُ مِنْ قَوْمٍ قَطُّ أَشَدَ حُبّاً لِصَاحِبِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ.
وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَشَرَةَ عَیْناً وَ أَمَّرَ عَلَیْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ حَتَّی إِذَا كَانُوا بِالْهَدَةِ بَیْنَ عُسْفَانَ وَ مَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَیٍّ مِنْ هُذَیْلٍ یُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْیَانَ فَنَفَرُوا إِلَیْهِمْ بِقَرِیبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ عَاصِمٌ وَ أَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَی مَوْضِعٍ فَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ فَقَالُوا لَهُمُ انْزِلُوا فَأَعْطُوا بِأَیْدِیكُمْ وَ لَكُمُ الْعَهْدُ وَ الْمِیثَاقُ أَنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَداً فَقَالَ عَاصِمٌ أَیُّهَا الْقَوْمُ أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْزِلُ فِی ذِمَّةِ كَافِرٍ اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِیَّكَ فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِماً فَنَزَلَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ عَلَی الْعَهْدِ مِنْهُمْ خُبَیْبٌ وَ زَیْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ وَ رَجُلٌ آخَرُ فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِیِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا قَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ هَذَا وَ اللَّهِ أَوَّلُ الْغَدْرِ وَ اللَّهِ لَا أَصْحَبُكُمْ إِنَّ لِی بِهَؤُلَاءِ أُسْوَةً یُرِیدُ الْقَتْلَی فَجَرُّوهُ وَ عَالَجُوهُ فَأَبَی أَنْ یَصْحَبَهُمْ فَقَتَلُوهُ وَ انْطَلَقُوا بِخُبَیْبٍ وَ زَیْدٍ حَتَّی بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَلَبِثَ خُبَیْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِیراً حَتَّی أَجْمَعُوا عَلَی قَتْلِهِ فَاسْتَعَارَ مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ (1) الْحَارِثِ مُوسَی
ص: 152
یَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ فَدَرَجَ بُنَیٌّ (1) لَهَا وَ هِیَ غَافِلَةٌ حَتَّی أَتَاهُ فَوَجَدَتْهُ جَالِساً عَلَی فَخِذِهِ وَ الْمُوسَی بِیَدِهِ قَالَ فَفَزِعَتْ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَیْبٌ فَقَالَ أَ تَخْشَیْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ إِنَّ الْغَدْرَ لَیْسَ مِنْ شَأْنِنَا قَالَتْ وَ اللَّهِ مَا رَأَیْتُ أَسِیراً قَطُّ خَیْراً مِنْ خُبَیْبٍ وَ اللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ یَوْماً یَأْكُلُ قِطْفاً مِنْ عِنَبٍ فِی یَدِهِ وَ إِنَّهُ لَمُوثَقٌ بِالْحَدِیدِ وَ مَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ وَ كَانَتْ تَقُولُ إِنَّهُ لَرِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ خُبَیْباً فَلَمَّا أَخْرَجُوهُ مِنَ الْحَرَمِ لِیَقْتُلُوهُ فِی الْحِلِّ قَالَ لَهُمْ خُبَیْبٌ دَعُونِی أصلی (أُصَلِ) رَكْعَتَیْنِ فَتَرَكُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَیْنِ فَقَالَ وَ اللَّهِ لَوْ لَا أَنْ تَحْسَبُوا أَنَّ مَا بِی جَزَعٌ لَزِدْتُ اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَداً وَ اقْتُلْهُمْ بَدَداً وَ لَا تُبْقِ (2) مِنْهُمْ أَحَداً وَ قَالَ
فَلَسْتُ أُبَالِی حِینَ أُقْتَلُ مُسْلِماً***عَلَی أَیِّ جَنْبٍ (3) كَانَ فِی اللَّهِ مَصْرَعِی
وَ ذَلِكَ فِی ذَاتِ الْإِلَهِ وَ إِنْ یَشَأْ***یُبَارِكْ عَلَی أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعٍ(4)
فَصَلَبُوهُ حَیّاً فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَیْسَ لِی أَحَدٌ حَوَالَیَّ یُبْلِغُ سَلَامِی رَسُولَكَ فَأَبْلِغْهُ سَلَامِی (5) ثُمَّ قَامَ إِلَیْهِ أَبُو عُقْبَةَ بْنُ الْحَارِثِ (6) فَقَتَلَهُ فَكَانَ خُبَیْبٌ هُوَ
ص: 153
سَنَّ الصَّلَاةَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قُتِلَ (1) صَبْراً قَالَ مُعَاوِیَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ وَ لَقَدْ رَأَیْتُ أَبَا سُفْیَانَ یُلْقِینِی إِلَی الْأَرْضِ فَرَقاً مِنْ دَعْوَةِ خُبَیْبٍ وَ كَانُوا یَقُولُونَ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا دُعِیَ عَلَیْهِ فَاضْطَجَعَ زَلَّتْ عَنْهُ الدَّعْوَةُ فَلَمَّا بَلَغَ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله هَذَا الْخَبَرُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ أَیُّكُمْ یَخْتَزِلُ خُبَیْباً عَنْ خَشَبَتِهِ فَقَالَ الزُّبَیْرُ أَنَا یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ صَاحِبِی الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ فَخَرَجَا یَمْشِیَانِ بِاللَّیْلِ وَ یَكْمُنَانِ بِالنَّهَارِ حَتَّی أَتَیَا التَّنْعِیمَ لَیْلًا وَ إِذَا حَوْلَ الْخَشَبَةِ أَرْبَعُونَ مِنَ الْمُشْرِكِینَ نِیَامٌ نَشَاوَی (2) فَأَنْزَلَاهُ فَإِذَا هُوَ رَطْبٌ یَتَثَنَّی لَمْ یُنْتِنْ مِنْهُ شَیْ ءٌ بَعْدَ أَرْبَعِینَ یَوْماً وَ یَدُهُ عَلَی جِرَاحَتِهِ وَ هِیَ تَبِضُّ دَماً اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَ الرِّیحُ رِیحُ الْمِسْكِ فَحَمَلَهُ الزُّبَیْرُ عَلَی فَرَسِهِ وَ سَارُوا فَانْتَبَهَ الْكُفَّارُ وَ قَدْ فَقَدُوا خُبَیْباً فَأَخْبَرُوا قُرَیْشاً فَرَكِبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ فَلَمَّا لَحِقُوهُمْ قَذَفَ الزُّبَیْرُ خُبَیْباً فَابْتَلَعَتْهُ الْأَرْضُ فَسُمِّیَ بَلِیعَ الْأَرْضِ فَقَالَ الزُّبَیْرُ مَا جَرَّأَكُمْ عَلَیْنَا یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ ثُمَّ رَفَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ فَقَالَ أَنَا الزُّبَیْرُ بْنُ عَوَّامٍ (3) وَ أُمِّی صَفِیَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ صَاحِبِی الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ أَسَدَانِ رَابِضَانِ یَدْفَعَانِ عَنْ أَشْبَالِهِمَا فَإِنْ شِئْتُمْ نَاضَلْتُكُمْ وَ إِنْ شِئْتُمْ نَازَلْتُكُمْ وَ إِنْ شِئْتُمُ انْصَرَفْتُمْ فَانْصَرَفُوا إِلَی مَكَّةَ وَ قَدِمَا عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله. (4).
بیان مرثد كمسكن و خبیب كزبیر و الدثنة ككلمة و الموسی بضم المیم و فتح السین ما یحلق به و الاستحداد الاحتلاق بالحدید و الشلو بالكسر العضو و الجسد من كل شی ء و التمزیع التفریق و تمزعوه بینهم اقتسموه
ص: 154
و المزعة بالضم و الكسر القطعة من اللحم أو الشقة منه و بض الماء یبض بضا سال قلیلا قلیلا.
«3»-وَ قَالَ ابْنُ الْأَثِیرِ فِی الْكَامِلِ لَمَّا قُتِلَ عَاصِمٌ وَ أَصْحَابُهُ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ عَمْرَو بْنَ أُمَیَّةَ الضَّمْرِیَّ إِلَی مَكَّةَ مَعَ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَ أَمَرَهُمَا بِقَتْلِ أَبِی سُفْیَانَ قَالَ عَمْرٌو فَخَرَجْتُ أَنَا وَ صَاحِبِی وَ مَعِی بَعِیرٌ لِی وَ بِرِجْلِ صَاحِبِی عِلَّةٌ فَكُنْتُ أَحْمِلُهُ عَلَی بَعِیرِی حَتَّی إِذَا جِئْنَا بِبَطْنِ أَحَجَّ (1) فَعَقَلْنَا بَعِیرَنَا فِی الشِّعْبِ وَ قُلْتُ لِصَاحِبِی انْطَلِقْ بِنَا إِلَی أَبِی سُفْیَانَ لِنَقْتُلَهُ فَإِنْ خَشِیتَ شَیْئاً فَالْحَقْ بِالْبَعِیرِ فَارْكَبْهُ وَ الْحَقْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَخْبِرْهُ الْخَبَرَ وَ خَلِّ عَنِّی فَدَخَلْنَا مَكَّةَ وَ مَعِی خَنْجَرٌ إِنْ عَانَقَنِی إِنْسَانٌ ضَرَبْتُهُ (2) بِهِ فَقَالَ صَاحِبِی هَلْ لَكَ أَنْ تَبْدَأَ فَتَطُوفَ وَ تُصَلِّیَ رَكْعَتَیْنِ (3) فَقُلْتُ إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ یَجْلِسُونَ بِأَفْنِیَتِهِمْ وَ أَنَا أَعْرَفُ بِهَا فَلَمْ یَزَلْ حَتَّی أَتَیْنَا الْبَیْتَ فَطُفْنَا (4) ثُمَّ خَرَجْنَا فَمَرَرْنَا بِمَجْلِسٍ لَهُمْ فَعَرَفَنِی بَعْضُهُمْ فَصَرَخَ بِأَعْلَی صَوْتِهِ هَذَا عَمْرُو بْنُ أُمَیَّةَ فَثَارَ أَهْلُ مَكَّةَ إِلَیْنَا وَ قَالُوا مَا جَاءَ إِلَّا لِشَرٍّ وَ كَانَ فَاتِكاً مُتَشَیْطِناً فِی الْجَاهِلِیَّةِ فَقُلْتُ لِصَاحِبِی النَّجَاءَ هَذَا الَّذِی كُنْتُ أَحْذَرُ أَمَّا أَبُو سُفْیَانَ فَلَیْسَ إِلَیْهِ سَبِیلٌ فَانْجُ بِنَفْسِكَ فَعُدْنَا حَتَّی صَعِدْنَا الْجَبَلَ فَدَخَلْنَا فِی غَارٍ فَبَیْنَا نَحْنُ فِیهِ لَیْلَتَنَا (5) نَنْتَظِرُ أَنْ یَسْكُنَ الطَّلَبُ قَالَ فَوَ اللَّهِ إِنِّی لَفِیهِ إِذْ أَقْبَلَ عُثْمَانُ بْنُ مَالِكٍ التَّیْمِیُّ بِفَرَسٍ لَهُ (6) فَقَامَ عَلَی بَابِ الْغَارِ فَخَرَجْتُ إِلَیْهِ فَضَرَبْتُهُ بِالْخَنْجَرِ فَصَاحَ صَیْحَةً أَسْمَعَ أَهْلَ مَكَّةَ فَأَقْبَلُوا إِلَیْهِ وَ رَجَعْتُ إِلَی مَكَانِی فَوَجَدُوهُ وَ بِهِ رَمَقٌ فَقَالُوا مَنْ ضَرَبَكَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ
ص: 155
أُمَیَّةَ ثُمَّ مَاتَ وَ لَمْ یَقْدِرْ أَنْ یُخْبِرَهُمْ بِمَكَانِی وَ شَغَلَهُمْ قَتْلُ صَاحِبِهِمْ عَنْ طَلَبِی فَاحْتَمَلُوهُ وَ مَكَثْنَا فِی الْغَارِ یَوْمَیْنِ حَتَّی سَكَنَ (1) الطَّلَبُ ثُمَّ خَرَجَا إِلَی التَّنْعِیمِ فَإِذَا خَشَبَةُ خُبَیْبٍ وَ حَوْلَهُ حَرَسٌ فَصَعِدْتُ خَشَبَتَهُ فَاحْتَمَلْتُهُ عَلَی ظَهْرِی فَمَا مَشَیْتُ إِلَّا نَحْواً مِنْ أَرْبَعِینَ خُطْوَةً حَتَّی بَدَرُوا بِی فَطَرَحْتُهُ فَاشْتَدُّوا فِی أَثَرِی فَأَعْیَوْا وَ رَجَعُوا وَ انْطَلَقَ صَاحِبِی فَرَكِبَ الْبَعِیرَ وَ أَتَی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَخْبَرَهُ وَ أَمَّا خُبَیْبٌ فَلَمْ یُرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَأَنَّ الْأَرْضَ ابْتَلَعَتْهُ قَالَ وَ سِرْتُ حَتَّی دَخَلْتُ غَارَ الضَّجْنَانِ (2) وَ مَعِی قَوْسِی وَ أَسْهُمِی فَبَیْنَا أَنَا فِیهِ إِذْ دَخَلَ مِنْ بَنِی أَعْوَرَ طَوِیلٌ (3) یَسُوقُ غَنَماً لَهُ فَقَالَ مَنِ الرَّجُلُ فَقُلْتُ مِنْ بَنِی الدُّئِلِ فَاضْطَجَعَ مَعِی وَ رَفَعَ عَقِیرَتَهُ (4) یَتَغَنَّی وَ یَقُولُ:
وَ لَسْتُ بِمُسْلِمٍ مَا دُمْتُ حَیّاً*** وَ لَسْتُ أَدِینُ دِینَ الْمُسْلِمِینَا
ثُمَّ نَامَ فَقَتَلْتُهُ ثُمَّ سِرْتُ فَإِذَا رَجُلَانِ بَعَثَهُمَا قُرَیْشٌ یَتَجَسَّسَانِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَرَمَیْتُ أَحَدَهُمَا بِسَهْمٍ فَقَتَلْتُهُ وَ اسْتَأْسَرْتُ الْآخَرَ فَقَدِمْتُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ فَضَحِكَ وَ دَعَا لِی بِخَیْرٍ (5).
ص: 156
الآیات؛
الحشر: «هُوَ الَّذِی أَخْرَجَ الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِیارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ یَخْرُجُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَیْثُ لَمْ یَحْتَسِبُوا وَ قَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ یُخْرِبُونَ بُیُوتَهُمْ بِأَیْدِیهِمْ وَ أَیْدِی الْمُؤْمِنِینَ فَاعْتَبِرُوا یا أُولِی الْأَبْصارِ* وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَیْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِی الدُّنْیا وَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ مَنْ یُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعِقابِ* ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِینَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلی أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَ لِیُخْزِیَ الْفاسِقِینَ»(2)
(إلی قوله تعالی): «أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ نافَقُوا یَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لا نُطِیعُ فِیكُمْ أَحَداً أَبَداً وَ إِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَ اللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* لَئِنْ أُخْرِجُوا لا یَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَ لَئِنْ قُوتِلُوا لا یَنْصُرُونَهُمْ وَ لَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَیُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا یُنْصَرُونَ* لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِی صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَفْقَهُونَ* لا یُقاتِلُونَكُمْ جَمِیعاً إِلَّا فِی قُریً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَیْنَهُمْ شَدِیدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِیعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتَّی ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَعْقِلُونَ* كَمَثَلِ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِیباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ* كَمَثَلِ الشَّیْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّی بَرِی ءٌ مِنْكَ إِنِّی أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِینَ *فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِی النَّارِ خالِدَیْنِ فِیها وَ ذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِینَ»(11-17)
تفسیر: قال الطبرسی رحمه اللّٰه: هُوَ الَّذِی أَخْرَجَ قیل نزلت السورة فی إجلاء بنی النضیر من الیهود فمنهم من خرج إلی خیبر و منهم من خرج إلی الشام
ص: 157
عن مجاهد و قتادة و ذلك
أن النبی صلی اللّٰه علیه و آله لما دخل المدینة صالحه بنو النضیر علی أن لا یقاتلوه و لا یقاتلوا معه فقبل ذلك منهم فلما غزا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بدرا و ظهر علی المشركین قالوا و اللّٰه إنه للنبی (1) الذی وجدنا نعته فی التوراة لا ترد له رایة فلما غزا صلی اللّٰه علیه و آله غزاة أحد و هزم المسلمون ارتابوا و نقضوا العهد فركب كعب بن الأشرف فی أربعین راكبا من الیهود إلی مكة فأتوا قریشا و حالفوهم و عاقدوهم علی أن تكون كلمتهم واحدة علی محمد صلی اللّٰه علیه و آله ثم دخل أبو سفیان فی أربعین و كعب فی أربعین من الیهود المسجد و أخذ بعضهم علی بعض المیثاق بین الأستار و الكعبة ثم رجع كعب بن الأشرف و أصحابه إلی المدینة و نزل جبرئیل و أخبر النبی صلی اللّٰه علیه و آله بما تعاقد علیه كعب و أبو سفیان و أمره بقتل كعب بن الأشرف فقتله محمد بن مسلمة الأنصاری و كان أخاه من الرضاعة.
قال محمد بن إسحاق خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی بنی النضیر یستعینهم فی دیة القتیلین من بنی عامر اللذین قتلهما عمرو بن أمیة الضمری و كان بین بنی النضیر و بین عامر عقد و حلف فلما أتاهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یستعینهم فی الدیة قالوا نعم یا أبا القاسم نعینك علی ما أحببت ثم خلا بعضهم ببعض فقال (2) إنكم لن تجدوا الرجل علی مثل حالته هذه و رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی جانب جدار من بیوتهم قاعد فقالوا من رجل یعلو علی هذا البیت و یلقی علیه صخرة و رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی نفر من أصحابه فأتاه الخبر من السماء بما أراد القوم فقام و قال لأصحابه لا تبرحوا فخرج راجعا إلی المدینة و لما استبطئوا النبی صلی اللّٰه علیه و آله قاموا فی طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدینة فسألوه عنه فقال رأیته داخلا المدینة فأقبل أصحاب النبی صلی اللّٰه علیه و آله حتی انتهوا إلیه فأخبرهم الخبر بما أرادت الیهود من الغدر و أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله محمد بن مسلمة بقتل كعب بن الأشرف فخرج و معه سلكان بن سلامة و ثلاثة من بنی الحارث و خرج النبی صلی اللّٰه علیه و آله علی أثرهم (3) و جلس فی موضع ینتظر رجوعهم فذهب محمد بن
ص: 158
مسلمة مع القوم إلی قرب قصره و أجلس قومه عند جدار و ناداه یا كعب فانتبه و قال من أنت قال أنا محمد بن مسلمة أخوك جئتك أستقرض منك دراهم فإن محمدا یسألنا الصدقة و لیس معنا الدراهم فقال كعب لا أقرضك إلا بالرهن قال معی رهن انزل فخذه و كانت له امرأة بنی بها تلك اللیلة عروسا فقالت لا أدعك تنزل لأنی أری حمرة الدم فی ذلك الصوت فلم یلتفت إلیها و خرج فعانقه محمد بن مسلمة و هما یتحادثان حتی تباعدا من القصر إلی الصحراء ثم أخذ رأسه و دعا بقومه و صاح كعب فسمعت امرأته فصاحت و سمع بنو النضیر صوتها فخرجوا نحوه فوجدوه قتیلا و رجع القوم سالمین إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فلما أسفر الصبح أخبر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أصحابه بقتل كعب ففرحوا و أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بحربهم و السیر إلیهم فسار بالناس حتی نزل بهم فتحصنوا منه فی الحصن و أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بقطع النخل و التحریق فیها فنادوه یا محمد قد كنت تنهی عن الفحشاء فما بالك تقطع النخل و تحرقها فأنزل اللّٰه سبحانه ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِینَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها الآیة و هی البؤیرة فی قول حسان
و هان علی سراة بنی لؤی***حریق بالبؤیرة مستطیر
و البؤیرة تصغیر بؤرة و هی إرة النار أی حفرتها و قال ابن عباس كان النبی صلی اللّٰه علیه و آله حاصرهم حتی بلغ منهم كل مبلغ فأعطوه ما أراد منهم فصالحهم علی أن یحقن لهم دماءهم و أن یخرجهم من أرضهم و أوطانهم و أن یسیرهم إلی أذرعات بالشام و جعل لكل ثلاثة منهم بعیرا و سقاء فخرجوا إلی أذرعات و أریحا (1) إلا أهل بیتین منهم آل أبی الحقیق و آل حیی بن أخطب فإنهم لحقوا بخیبر و لحقت طائفة منهم بالحیرة و كان ابن عباس یسمی هذه السورة سورة بنی النضیر
ص: 159
و عن محمد بن مسلمة أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بعثه إلی بنی النضیر و أمره أن یؤجلهم فی الجلاء ثلاث (1) لیال.
و عن محمد بن إسحاق كان إجلاء بنی النضیر مرجع النبی صلی اللّٰه علیه و آله من أحد و كان فتح قریظة مرجعه من الأحزاب و بینهما سنتان و كان الزهری یذهب إلی أن إجلاء بنی النضیر كان قبل أحد علی رأس ستة أشهر من وقعة بدر.
الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ یعنی یهود بنی النضیر مِنْ دِیارِهِمْ بأن سلط اللّٰه المؤمنین علیهم و أمر نبیه صلی اللّٰه علیه و آله بإخراجهم من منازلهم و حصونهم و أوطانهم لِأَوَّلِ الْحَشْرِ اختلف فی معناه فقیل كان جلاؤهم ذلك أول حشر الیهود إلی الشام ثم یحشر الناس یوم القیامة إلی أرض الشام أیضا و ذلك الحشر الثانی عن ابن عباس و الزهری و الجبائی قال ابن عباس قال لهم النبی صلی اللّٰه علیه و آله اخرجوا قالوا إلی أین قال إلی أرض المحشر و قیل معناه لأول الجلاء لأنهم كانوا أول من أجلی من أهل الذمة من جزیرة العرب ثم أجلی إخوانهم من الیهود لئلا یجتمع فی بلاد العرب دینان و قیل إنما قال لِأَوَّلِ الْحَشْرِ لأن اللّٰه فتح علی نبیه صلی اللّٰه علیه و آله فی أول ما قاتلهم ما ظَنَنْتُمْ أَنْ یَخْرُجُوا أی لم تظنوا أیها المؤمنون أنهم یخرجون من دیارهم لشدتهم و شوكتهم. وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ أی و ظن بنو النضیر أن حصونهم لوثاقتها تمنعهم من سلطان اللّٰه و إنزال العذاب بهم علی ید رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حیث حصنوها و هیئوا آلات الحرب فیها فَأَتاهُمُ اللَّهُ أی أتاهم أمر اللّٰه و عذابه مِنْ حَیْثُ لَمْ یَحْتَسِبُوا أی لم یتوهموا أنه یأتیهم لما قدروا فی أنفسهم من المنعة وَ قَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ بقتل سیدهم كعب بن الأشرف یُخْرِبُونَ بُیُوتَهُمْ بِأَیْدِیهِمْ وَ أَیْدِی الْمُؤْمِنِینَ أی یهدمون بیوتهم بأیدیهم من داخل لیهربوا لأنهم خربوا ما استحسنوا منها حتی لا یكون للمسلمین و یخربها المؤمنون من خارج لیصلوا إلیهم و قیل
ص: 160
إن معنی تخریبها بأیدی المؤمنین أنهم عرضوها لذلك و قیل إنهم كانوا یخربون بیوتهم بأیدیهم بنقض الموادعة و بأیدی المؤمنین بالمقاتلة.
فَاعْتَبِرُوا یا أُولِی الْأَبْصارِ فیما نزل بهم و المراد (1) استدلوا بذلك علی صدق الرسول إذ كان وعدهم ذلك (2) وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَیْهِمُ الْجَلاءَ أی حكم علیهم أنهم یجلون عن دیارهم و ینقلون عن أوطانهم لَعَذَّبَهُمْ فِی الدُّنْیا بعذاب الاستیصال أو بالقتل و السبی كما فعل ببنی قریظة وَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ مع الجلاء عَذابُ النَّارِ لأن أحدا منهم لم یؤمن ذلِكَ الذی فعلنا بهم بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ أی خالفوا اللّٰه وَ رَسُولَهُ وَ مَنْ یُشَاقِّ اللَّهَ أی یخالفه فَإِنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعِقابِ یعاقبهم علی مشاقتهم أشد العقاب ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِینَةٍ أی نخلة كریمة و قیل كل نخلة سوی العجوة أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلی أُصُولِها فلم تقطعوها و لم تقلعوها فَبِإِذْنِ اللَّهِ أی بأمره كل ذلك سائغ لكم وَ لِیُخْزِیَ الْفاسِقِینَ من الیهود و یهینهم به. (3) أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ نافَقُوا فأبطنوا الكفر و أظهروا الإیمان یَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ فی الكفر یعنی یهود بنی النضیر لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ من دیاركم و بلادكم لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ مساعدین لكم وَ لا نُطِیعُ فِیكُمْ أی فی قتالكم و مخاصمتكم أَحَداً أَبَداً یعنون محمدا و أصحابه وَ إِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ و لندفعن عنكم وَ اللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فیما یقولونه من الخروج معهم و الدفاع عنهم.
ص: 161
قوله لَیُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ أی ینهزمون أو یسلمونهم ثُمَّ لا یُنْصَرُونَ أی لو كان لهم هذه القوة و فعلوا لم ینتفع أولئك بنصرتهم نزلت الآیة قبل إخراج بنی النضیر و أخرجوا بعد ذلك و قوتلوا فلم یخرج معهم منافق و لم ینصروهم كما أخبر اللّٰه تعالی بذلك و قیل أراد بقوله لإخوانهم بنی النضیر و بنی قریظة فأخرج بنو النضیر و لم یخرجوا معهم و قوتل بنو قریظة فلم ینصروهم لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً أی خوفا فِی صُدُورِهِمْ أی فی قلوب هؤلاء المنافقین مِنَ اللَّهِ المعنی أن خوفهم منكم أشد من خوفهم من اللّٰه ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَفْقَهُونَ الحق و لا یعلمون عظمة اللّٰه و شدة عقابه لا یُقاتِلُونَكُمْ جَمِیعاً معاشر المؤمنین إِلَّا فِی قُریً مُحَصَّنَةٍ أی ممتنعة حصینة أی لا یبرزون لحربكم و إنما یقاتلونكم متحصنین بالقری أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ أی یرمونكم من وراء الجدران بالنبل و الحجر بَأْسُهُمْ بَیْنَهُمْ شَدِیدٌ أی عداوة بعضهم لبعض شدیدة أی لیسوا بمتفقی القلوب أو قوتهم فیما بینهم شدیدة فإذا لاقوكم جبنوا و فزعوا (1) منكم بما قذف اللّٰه فی قلوبهم من الرعب تَحْسَبُهُمْ جَمِیعاً أی مجتمعین فی الظاهر وَ قُلُوبُهُمْ شَتَّی أی مختلفة متفرقة خذلهم اللّٰه باختلاف كلمتهم و قیل إنه عنی بذلك قلوب المنافقین و أهل الكتاب ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَعْقِلُونَ ما فیه الرشد مما فیه الغی (2) كَمَثَلِ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِیباً أی مثلهم فی اغترارهم بعددهم و قوتهم كمثل الذین من قبلهم یعنی المشركین الذین قتلوا ببدر و ذلك قبل غزاة بنی النضیر بستة أشهر عن الزهری و غیره و قیل یعنی بنی قینقاع عن ابن عباس و ذلك أنهم نقضوا العهد مرجع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من بدر فأمرهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أن یخرجوا فقال عبد اللّٰه بن أبی لا تخرجوا فإنی آتی النبی صلی اللّٰه علیه و آله فأكلمه فیكم أو أدخل معكم الحصن فكان هؤلاء أیضا فی إرسال عبد اللّٰه بن أبی إلیهم
ص: 162
ثم تركه (1) نصرتهم كأولئك ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ أی عقوبة كفرهم وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ فی الآخرة كَمَثَلِ الشَّیْطانِ أی مثل المنافقین فی غرورهم بنی النضیر (2) و خذلانهم إیاهم كمثل الشیطان إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ و هو عابد (3) بنی إسرائیل فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّی بَرِی ءٌ مِنْكَ فكذلك بنو النضیر اغتروا بالمنافقین ثم تبرءوا منهم عند الشدة و أسلموهم و قیل كمثل الشیطان یوم بدر إذ دعا إلی حرب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فلما رأی الملائكة رجع القهقری و قال إِنِّی أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِینَ فَكانَ عاقِبَتَهُما أی الداعی و المدعو. (4) بیان و هی البؤیرة أی قصة التحریق هی المشار إلیها فی هذا البیت قال الجوهری البؤرة الحفرة بأرت أبأر بأرا حفرت بؤرة یطبخ فیها و هی الإرة و قال الإرة موضع النار و أصله أری و الهاء عوض من الیاء و السراة بالفتح جمع سری و هی الشریف و أذرعات بكسر الراء موضع بالشام.
«1»-عم، إعلام الوری ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِی النَّضِیرِ وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَشَی إِلَی كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ یَسْتَقْرِضُهُ فَقَالَ مَرْحَباً بِكَ یَا أَبَا الْقَاسِمِ وَ أَهْلًا فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَصْحَابُهُ فَقَامَ كَأَنَّهُ یَصْنَعُ لَهُمْ طَعَاماً وَ حَدَّثَ نَفْسَهُ أَنْ یَقْتُلَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا هَمَّ بِهِ الْقَوْمُ مِنَ الْغَدْرِ فَقَامَ صلی اللّٰه علیه و آله كَأَنَّهُ یَقْضِی حَاجَةً وَ عَرَفَ أَنَّهُمْ لَا یَقْتُلُونَ أَصْحَابَهُ وَ هُوَ حَیٌّ فَأَخَذَ صلی اللّٰه علیه و آله الطَّرِیقَ نَحْوَ الْمَدِینَةِ فَاسْتَقْبَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ كَعْبٍ الَّذِینَ كَانَ أَرْسَلَ إِلَیْهِمْ یَسْتَعِینُ بِهِمْ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخْبَرَ كَعْباً بِذَلِكَ فَسَارَ الْمُسْلِمُونَ رَاجِعِینَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِیَا وَ كَانَ أَعْلَمَ الْیَهُودِ إِنَّ رَبَّهُ (5) أَطْلَعَهُ عَلَی مَا أَرَدْتُمُوهُ مِنَ الْغَدْرِ وَ لَا یَأْتِیكُمْ وَ اللَّهِ
ص: 163
أَوَّلَ مَا یَأْتِیكُمْ (1) إِلَّا رَسُولُ مُحَمَّدٍ یَأْمُرُكُمْ عَنْهُ بِالْجَلَاءِ فَأَطِیعُونِی فِی خَصْلَتَیْنِ لَا خَیْرَ فِی الثَّالِثَةِ أَنْ تُسْلِمُوا فَتَأْمَنُوا عَلَی دِیَارِكُمْ وَ أَمْوَالِكُمْ وَ إِلَّا فَإِنَّهُ یَأْتِیكُمْ مَنْ یَقُولُ لَكُمْ اخْرُجُوا مِنْ دِیَارِكُمْ فَقَالُوا هَذِهِ أَحَبُّ إِلَیْنَا قَالَ أَمَا إِنَّ الْأُولَی خَیْرٌ لَكُمْ مِنْهَا وَ لَوْ لَا أَنِّی أَفْضَحُكُمْ لَأَسْلَمْتُ ثُمَّ بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ إِلَیْهِمْ یَأْمُرُهُمْ بِالرَّحِیلِ وَ الْجَلَاءِ عَنْ دِیَارِهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ وَ أَمَرَهُ أَنْ یُؤَجِّلَهُمْ فِی الْجَلَاءِ ثَلَاثَ لَیَالٍ (2).
«2»-أَقُولُ قَالَ الْكَازِرُونِیُّ وَ غَیْرُهُ فِی شَرْحِ تِلْكَ الْقِصَّةِ كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِی النَّضِیرِ فِی رَبِیعٍ الْأَوَّلِ (3) وَ كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ بِنَاحِیَةِ الْفَرْعِ وَ مَا وَالاهَا بِقَرْیَةٍ یُقَالُ لَهَا زُهْرَةُ وَ إِنَّهُمْ لَمَّا نَقَضُوا الْعَهْدَ وَ عَاقَدُوا الْمُشْرِكِینَ عَلَی حَرْبِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله خَرَجَ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ السَّبْتِ وَ صَلَّی فِی مَسْجِدِ قُبَاءَ وَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ (4) ثُمَّ أَتَی بَنِی النَّضِیرِ فَكَلَّمَهُمْ أَنْ یُعِینُوهُ فِی دِیَةِ رَجُلَیْنِ كَانَ قَدْ آمَنَهُمَا فَقَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَیَّةَ وَ هُوَ لَا یَعْلَمُ فَقَالُوا نَفْعَلُ وَ هَمُّوا بِالْغَدْرِ بِهِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الحجاش (5) أَنَا أَظْهَرُ عَلَی الْبَیْتِ فَأَطْرَحُ عَلَیْهِ صَخْرَةً فَقَالَ سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ لَا تَفْعَلُوا فَوَ اللَّهِ لَیُخْبَرَنَّ بِمَا هَمَمْتُمْ (6) فَجَاءَ جَبْرَئِیلُ فَأَخْبَرَهُ صلی اللّٰه علیه و آله فَخَرَجَ رَاجِعاً إِلَی الْمَدِینَةِ ثُمَّ دَعَا عَلِیّاً وَ قَالَ لَا تَبْرَحْ مِنْ مَكَانِكَ فَمَنْ خَرَجَ عَلَیْكَ مِنْ أَصْحَابِی فَسَأَلَكَ عَنِّی فَقُلْ تَوَجَّهَ إِلَی الْمَدِینَةِ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ لَحِقُوا بِهِ فَبَعَثَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ إِلَیْهِمْ وَ أَمَرَهُمْ بِالْجَلَاءِ
ص: 164
وَ قَالَ لَا تُسَاكِنُونِی (1) وَ قَدْ هَمَمْتُمْ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ وَ قَدْ أَجَّلْتُكُمْ عَشْراً فَأَرْسَلَ (2) إِلَیْهِمُ ابْنُ أُبَیٍّ لَا تَخْرُجُوا فَإِنَّ مَعِی أَلْفَیْنِ مِنْ قَوْمِی وَ غَیْرِهِمْ یَدْخُلُونَ حُصُونَكُمْ فَیَمُوتُونَ مِنْ آخِرِهِمْ وَ یُمِدُّكُمْ قُرَیْظَةُ وَ حُلَفَاؤُهُمْ مِنْ غَطَفَانَ فَطَمِعَ حُیَیٌّ (3) فِیمَا قَالَ ابْنُ أُبَیٍّ فَخَرَجَ إِلَیْهِمُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَصَلَّی الْعَصْرَ بِفِنَاءِ (4) بَنِی النَّضِیرِ وَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَحْمِلُ رَایَتَهُ وَ اسْتَخْلَفَ عَلَی الْمَدِینَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَامُوا عَلَی حُصُونِهِمْ مَعَهُمُ النَّبْلُ وَ الْحِجَارَةُ فَاعْتَزَلَتْهُمْ قُرَیْظَةُ وَ خَفَرَهُمْ ابْنُ أُبَیٍّ (5) فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَطَعَ نَخْلَهُمْ وَ كَانَتِ النَّخْلَةُ مِنْ نَخِیلِهِمْ ثَمَنَ وَصِیفٍ وَ أَحَبَّ إِلَیْهِمْ مِنْ وَصِیفٍ وَ قِیلَ قَطَعُوا نَخْلَةً وَ أَحْرَقُوا نَخْلَةً وَ قِیلَ كَانَ جَمِیعُ مَا قَطَعُوا وَ أَحْرَقُوا سِتَّ نَخَلَاتٍ فَقَالُوا نَحْنُ نَخْرُجُ مِنْ بِلَادِكَ فَأَجْلَاهُمْ عَنِ الْمَدِینَةِ وَ وَلَّی إِخْرَاجَهُمْ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَ حَمَلُوا النِّسَاءَ وَ الصِّبْیَانَ وَ تَحَمَّلُوا عَلَی سِتِّمِائَةِ
ص: 165
بَعِیرٍ وَ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اخْرُجُوا وَ لَكُمْ دِمَاؤُكُمْ وَ مَا حَمَلَتِ الْإِبِلُ إِلَّا الْحَلْقَةَ وَ هِیَ السِّلَاحُ فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْأَمْوَالَ وَ الْحَلْقَةَ فَوَجَدَ مِنَ الْحَلْقَةِ خَمْسِینَ دِرْعاً وَ خَمْسِینَ بَیْضَةً وَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ أَرْبَعِینَ سَیْفاً (1) وَ كَانَتْ غَنَائِمُ بَنِی النَّضِیرِ صَفِیّاً لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خَالِصَةً لَمْ یَخْمُسْهَا وَ لَمْ یُسْهِمْ مِنْهَا لِأَحَدٍ وَ قَدْ أَعْطَی نَاساً مِنْهَا وَ رُوِیَ أَنَّهُ حَاصَرَهُمْ إِحْدَی وَ عِشْرِینَ لَیْلَةً (2).
«3»-فس، تفسیر القمی یا أَیُّهَا الرَّسُولُ لا یَحْزُنْكَ الَّذِینَ یُسارِعُونَ فِی الْكُفْرِ مِنَ الَّذِینَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ فَإِنَّهُ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِینَةِ بُطْنَانٌ مِنَ الْیَهُودِ مِنْ بَنِی هَارُونَ وَ هُمُ النَّضِیرُ وَ قُرَیْظَةُ وَ كَانَتْ قُرَیْظَةُ سَبْعَمِائَةٍ وَ النَّضِیرُ أَلْفاً وَ كَانَتِ النَّضِیرُ أَكْثَرَ مَالًا وَ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ قُرَیْظَةَ وَ كَانُوا حُلَفَاءَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیٍّ فَكَانَ إِذَا وَقَعَ بَیْنَ قُرَیْظَةَ وَ النَّضِیرِ قَتِیلٌ وَ كَانَ الْقَتِیلُ مِنْ بَنِی النَّضِیرِ قَالُوا لِبَنِی قُرَیْظَةَ لَا نَرْضَی أَنْ یَكُونَ قَتِیلٌ مِنَّا بِقَتِیلٍ مِنْكُمْ فَجَرَی بَیْنَهُمْ فِی ذَلِكَ مُخَاطَبَاتٌ كَثِیرَةٌ حَتَّی كَادُوا أَنْ یَقْتَتِلُوا (3) حَتَّی رَضِیَتْ قُرَیْظَةُ وَ كَتَبُوا بَیْنَهُمْ كِتَاباً عَلَی أَنَّهُ أَیُّ رَجُلٍ مِنَ الْیَهُودِ مِنَ النَّضِیرِ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ بَنِی قُرَیْظَةَ أَنْ یُجَنِّیَهُ (4) وَ
ص: 166
یُحَمِّمَ (1) وَ التَّجْنِیَةُ (2) أَنْ یُقْعَدَ عَلَی جَمَلٍ وَ یُوَلَّی وَجْهُهُ إِلَی ذَنَبِ الْجَمَلِ وَ یُلَطَّخَ وَجْهُهُ بِالْحَمْأَةِ (3) وَ یَدْفَعَ نِصْفَ الدِّیَةِ وَ أَیُّمَا رَجُلٍ مِنْ بَنِی قُرَیْظَةَ قَتَلَ رَجُلًا مِنَ النَّضِیرِ أَنْ یَدْفَعَ إِلَیْهِ الدِّیَةَ كَامِلَةً وَ یُقْتَلَ بِهِ فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمَدِینَةِ وَ دَخَلَ الْأَوْسُ وَ الْخَزْرَجُ فِی الْإِسْلَامِ ضَعُفَ أَمْرُ الْیَهُودِ فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِی قُرَیْظَةَ رَجُلًا مِنْ بَنِی النَّضِیرِ فَبَعَثُوا إِلَیْهِمْ بَنُو النَّضِیرِ ابْعَثُوا إِلَیْنَا بِدِیَةِ الْمَقْتُولِ وَ بِالْقَاتِلِ حَتَّی نَقْتُلَهُ فَقَالَتْ قُرَیْظَةُ لَیْسَ هَذَا حُكْمَ التَّوْرَاةِ وَ إِنَّمَا هُوَ شَیْ ءٌ غَلَبْتُمُونَا عَلَیْهِ فَإِمَّا الدِّیَةُ وَ إِمَّا الْقَتْلُ وَ إِلَّا فَهَذَا مُحَمَّدٌ بَیْنَنَا وَ بَیْنَكُمْ فَهَلُمُّوا نَتَحَاكَمْ إِلَیْهِ فَمَشَتْ بَنُو النَّضِیرِ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیٍّ وَ قَالُوا سَلْ مُحَمَّداً أَنْ لَا یَنْقُضَ شَرْطَنَا فِی هَذَا الْحُكْمِ الَّذِی بَیْنَنَا وَ بَیْنَ قُرَیْظَةَ فِی الْقَتْلِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ ابْعَثُوا (4) رَجُلًا یَسْمَعْ كَلَامِی وَ كَلَامَهُ فَإِنْ حَكَمَ لَكُمْ بِمَا تُرِیدُونَ وَ إِلَّا فَلَا تَرْضَوْا بِهِ فَبَعَثُوا مَعَهُ رَجُلًا فَجَاءَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ قُرَیْظَةَ وَ النَّضِیرَ قَدْ كَتَبُوا بَیْنَهُمْ كِتَاباً وَ عَهْداً وَثِیقاً تَرَاضَوْا بِهِ وَ الْآنَ فِی قُدُومِكَ یُرِیدُونَ نَقْضَهُ وَ قَدْ رَضُوا بِحُكْمِكَ فِیهِمْ فَلَا تَنْقُضْ عَلَیْهِمْ كِتَابَهُمْ وَ شَرْطَهُمْ فَإِنَّ بَنِی النَّضِیرِ لَهُمُ الْقُوَّةُ وَ السِّلَاحُ وَ الْكُرَاعُ وَ نَحْنُ نَخَافُ الدَّوَائِرَ (5) فَاغْتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ ذَلِكَ وَ لَمْ یُجِبْهُ بِشَیْ ءٍ فَنَزَلَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ بِهَذِهِ الْآیَاتِ یا أَیُّهَا الرَّسُولُ لا یَحْزُنْكَ الَّذِینَ یُسارِعُونَ فِی الْكُفْرِ مِنَ الَّذِینَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ الَّذِینَ هادُوا یَعْنِی الْیَهُودَ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِینَ لَمْ یَأْتُوكَ یُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ یَعْنِی عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَیٍّ وَ بَنِی النَّضِیرِ
ص: 167
یَقُولُونَ إِنْ أُوتِیتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا یَعْنِی عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَیٍّ حَیْثُ قَالَ لِبَنِی النَّضِیرِ إِنْ لَمْ یَحْكُمْ لَكُمْ بِمَا تُرِیدُونَهُ فَلَا تَقْبَلُوا وَ مَنْ یُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَیْئاً أُولئِكَ الَّذِینَ لَمْ یُرِدِ اللَّهُ أَنْ یُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِی الدُّنْیا خِزْیٌ وَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِیمٌ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَیْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ یَضُرُّوكَ شَیْئاً وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَیْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ (1) إِلَی قَوْلِهِ وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (2) قَوْلُهُ نَخْشی أَنْ تُصِیبَنا دائِرَةٌ (3) هُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیٍّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَا تَنْقُضْ حُكْمَ بَنِی النَّضِیرِ فَإِنَّا نَخَافُ الدَّوَائِرَ (4).
بیان: أن یجنیه بالجیم و النون كذا فی أكثر النسخ و كأنه من الجنایة أی یظهر علیه أثر الجنایة و فی بعضها بالحاء المهملة و الظاهر أن یحممه من التحمیم بدون و یحمم كما سیأتی.
و قال فی النهایة فیه مر یهودی محمم مجلود أی مسود الوجه من الحممة الفحمة و جمعها حمم انتهی.
و كذا الظاهر بالحممة و فی أكثر النسخ بالحمأة و هی الطین الأسود المنتن.
«4»-فس، تفسیر القمی هُوَ الَّذِی أَخْرَجَ الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِیارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ یَخْرُجُوا (5) قَالَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِینَةِ ثَلَاثَةُ أَبْطُنٍ مِنَ الْیَهُودِ بَنِی النَّضِیرِ (6) وَ قُرَیْظَةَ وَ قَیْنُقَاعَ وَ كَانَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَهْدٌ وَ مُدَّةٌ
ص: 168
فَنَقَضُوا عَهْدَهُمْ وَ كَانَ سَبَبَ ذَلِكَ فِی بَنِی النَّضِیرِ فِی نَقْضِ عَهْدِهِمْ أَنَّهُ أَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَسْتَسْلِفُهُمْ دِیَةَ رَجُلَیْنِ قَتَلَهُمَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ غِیلَةً یَعْنِی یَسْتَقْرِضُ وَ كَانَ قَصَدَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَی كَعْبٍ قَالَ مَرْحَباً یَا أَبَا الْقَاسِمِ وَ أَهْلًا وَ قَامَ كَأَنَّهُ یَصْنَعُ لَهُ الطَّعَامَ وَ حَدَّثَ نَفْسَهُ أَنْ یَقْتُلَ (1) رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ یُتْبِعَ (2) أَصْحَابَهُ فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمَدِینَةِ وَ قَالَ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِیِّ اذْهَبْ إِلَی بَنِی النَّضِیرِ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ أَخْبَرَنِی بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ مِنَ الْغَدْرِ فَإِمَّا أَنْ تَخْرُجُوا مِنْ بَلَدِنَا وَ إِمَّا أَنْ تَأْذَنُوا بِحَرْبٍ (3) فَقَالُوا نَخْرُجُ مِنْ بِلَادِكَ (4) فَبَعَثَ إِلَیْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ أَلَّا تَخْرُجُوا وَ تُقِیمُوا (5) وَ تُنَابِذُوا مُحَمَّداً (6) الْحَرْبَ فَإِنِّی أَنْصُرُكُمْ أَنَا وَ قَوْمِی وَ حُلَفَائِی فَإِنْ خَرَجْتُمْ خَرَجْتُ مَعَكُمْ وَ إِنْ قَاتَلْتُمْ قَاتَلْتُ مَعَكُمْ فَأَقَامُوا وَ أَصْلَحُوا حُصُونَهُمْ وَ تَهَیَّئُوا لِلْقِتَالِ وَ بَعَثُوا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّا لَا نَخْرُجُ فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ كَبَّرَ وَ كَبَّرَ أَصْحَابُهُ وَ قَالَ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ تَقَدَّمْ إِلَی بَنِی النَّضِیرِ فَأَخَذَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ الرَّایَةَ وَ تَقَدَّمَ وَ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَحَاطَ بِحِصْنِهِمْ وَ غَدَرَ بِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِذَا ظَفِرَ بِمُقَدَّمِ بُیُوتِهِمْ حَصَّنُوا مَا یَلِیهِمْ وَ خَرَّبُوا مَا یَلِیهِ وَ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ مِمَّنْ كَانَ لَهُ بَیْتٌ حَسَنٌ خَرَّبَهُ وَ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَرَ بِقَطْعِ نَخْلِهِمْ فَجَزِعُوا مِنْ ذَلِكَ وَ قَالُوا یَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُكَ بِالْفَسَادِ إِنْ كَانَ لَكَ هَذَا فَخُذْهُ وَ إِنْ كَانَ لَنَا فَلَا تَقْطَعْهُ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا یَا مُحَمَّدُ نَخْرُجُ مِنْ بِلَادِكَ فَأَعْطِنَا (7)
ص: 169
مَالَنَا فَقَالَ لَا وَ لَكِنْ تَخْرُجُونَ وَ لَكُمْ مَا حَمَلَتِ الْإِبِلُ فَلَمْ یَقْبَلُوا ذَلِكَ فَبَقُوا أَیَّاماً ثُمَّ قَالُوا نَخْرُجُ وَ لَنَا مَا حَمَلَتِ الْإِبِلُ فَقَالَ لَا وَ لَكِنْ تَخْرُجُونَ وَ لَا یَحْمِلُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَیْئاً فَمَنْ وَجَدْنَا مَعَهُ شَیْئاً مِنْ ذَلِكَ قَتَلْنَاهُ فَخَرَجُوا عَلَی ذَلِكَ وَ وَقَعَ قَوْمٌ مِنْهُمْ إِلَی فَدَكٍ وَ وَادِی الْقُرَی وَ خَرَجَ قَوْمٌ مِنْهُمْ إِلَی الشَّامِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِیهِمْ هُوَ الَّذِی أَخْرَجَ الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِیارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ یَخْرُجُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَیْثُ لَمْ یَحْتَسِبُوا إِلَی قَوْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعِقابِ (1) وَ أَنْزَلَ عَلَیْهِ فِیمَا عَابُوهُ مِنْ قَطْعِ النَّخْلِ ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِینَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلی أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَ لِیُخْزِیَ الْفاسِقِینَ إِلَی قَوْلِهِ رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ (2) وَ أَنْزَلَ عَلَیْهِ فِی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیٍّ وَ أَصْحَابِهِ أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ نافَقُوا یَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لا نُطِیعُ فِیكُمْ أَحَداً أَبَداً وَ إِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَ اللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ إِلَی قَوْلِهِ ثُمَّ لا یُنْصَرُونَ (3) ثُمَّ قَالَ كَمَثَلِ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ یَعْنِی بَنِی قَیْنُقَاعَ قَرِیباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ ثُمَّ ضَرَبَ فِی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیٍّ وَ بَنِی النَّضِیرِ مَثَلًا فَقَالَ كَمَثَلِ الشَّیْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّی بَرِی ءٌ مِنْكَ إِنِّی أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِینَ قَوْلُهُ (4) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِی النَّارِ خالِدَیْنِ فِیها وَ ذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِینَ (5).
فِیهِ (6) زِیَادَةُ أَحْرُفٍ لَمْ یَكُنْ (7) فِی رِوَایَةِ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ
حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ (8) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِیثَمٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی
ص: 170
حَمْزَةَ- عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ- عَنْ أَبِی بَصِیرٍ فِی غَزْوَةِ بَنِی النَّضِیرِ وَ زَادَ فِیهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِلْأَنْصَارِ إِنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُ إِلَیْكُمُ (1) الْمُهَاجِرِینَ وَ قَسَمْتُهَا فِیهِمْ وَ إِنْ شِئْتُمْ قَسَمْتُهَا بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَهُمْ وَ تَرَكْتُهُمْ مَعَكُمْ قَالُوا قَدْ شِئْنَا أَنْ تَقْسِمَهَا فِیهِمْ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَیْنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ دَفَعَهُمْ عَنِ الْأَنْصَارِ وَ لَمْ یُعْطِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَّا رَجُلَیْنِ وَ هُمَا سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ وَ أَبُو دُجَانَةَ فَإِنَّهُمَا ذَكَرَا حَاجَةً (2).
بیان ظاهر الخبر أن النبی صلی اللّٰه علیه و آله لما جعل المهاجرین مع الأنصار و ضمنهم نفقاتهم خیر الأنصار فی هذا الوقت بین أن یقسم غنائم بنی النضیر بین الجمع و یكون المهاجرون مع الأنصار كما كانوا و بین أن یخص بها المهاجرین و لا یكونوا بعد ذلك مع الأنصار فاختاروا الأخیر (3).
«5»-وَ رَوَی الطَّبْرِسِیُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِی مَجْمَعِ الْبَیَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
ص: 171
اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ بَنِی النَّضِیرِ لِلْأَنْصَارِ إِنْ شِئْتُمْ قَسَمْتُمْ لِلْمُهَاجِرِینَ مِنْ دِیَارِكُمْ وَ أَمْوَالِكُمْ وَ تُشَارِكُونَهُمْ فِی هَذِهِ الْغَنِیمَةِ وَ إِنْ شِئْتُمْ كَانَتْ لَكُمْ دِیَارُكُمْ وَ أَمْوَالُكُمْ وَ لَمْ یُقْسَمْ لَكُمْ شَیْ ءٌ مِنَ الْغَنِیمَةِ فَقَالَ الْأَنْصَارُ بَلْ نَقْسِمُ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِنَا (1) وَ نُؤْثِرُهُمْ بِالْغَنِیمَةِ وَ لَا نُشَارِكُهُمْ فِیهَا فَنَزَلَ وَ یُؤْثِرُونَ عَلی أَنْفُسِهِمْ (2) الْآیَةَ.
«6»-قب، المناقب لابن شهرآشوب شا، الإرشاد وَ لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی بَنِی النَّضِیرِ عَمَدَ (3) عَلَی حِصَارِهِمْ فَضَرَبَ قُبَّةً (4) فِی أَقْصَی بَنِی حَطْمَةَ مِنَ الْبَطْحَاءِ فَلَمَّا أَقْبَلَ (5) اللَّیْلُ رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِی النَّضِیرِ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ الْقُبَّةَ (6) فَأَمَرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ تُحَوَّلَ قُبَّتُهُ (7) إِلَی السَّفْحِ وَ أَحَاطَ بِهَا الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ فَلَمَّا اخْتَلَطَ الظَّلَامُ فَقَدُوا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ النَّاسُ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَا نَرَی (8) عَلِیّاً فَقَالَ عَلَیْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ أَرَاهُ فِی بَعْضِ مَا یُصْلِحُ شَأْنَكُمْ فَلَمْ یَلْبَثْ أَنْ جَاءَ بِرَأْسِ الْیَهُودِیِّ الَّذِی رَمَی النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ كَانَ یُقَالُ لَهُ عَزُورَا (9) فَطَرَحَهُ بَیْنَ یَدَیِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله كَیْفَ صَنَعْتَ فَقَالَ إِنِّی رَأَیْتُ هَذَا الْخَبِیثَ جَرِیّاً شُجَاعاً فَكَمَنْتُ لَهُ وَ قُلْتُ مَا أَجْرَأَهُ أَنْ یَخْرُجَ إِذَا اخْتَلَطَ اللَّیْلُ (10) یَطْلُبُ مِنَّا غِرَّةً فَأَقْبَلَ مُصْلِتاً بِسَیْفِهِ فِی تِسْعَةِ نَفَرٍ مِنَ الْیَهُودِ فَشَدَدْتُ عَلَیْهِ وَ قَتَلْتُهُ فَأَفْلَتَ أَصْحَابُهُ وَ لَمْ یَبْرَحُوا قَرِیباً فَابْعَثْ مَعِی نَفَراً فَإِنِّی أَرْجُو أَنْ أَظْفَرَ بِهِمْ
ص: 172
فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَعَهُ عَشَرَةً فِیهِمْ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ فَأَدْرَكُوهُمْ قَبْلَ أَنْ یَلِجُوا (1) الْحِصْنَ فَقَتَلُوهُمْ وَ جَاءُوا بِرُءُوسِهِمْ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَمَرَ أَنْ تُطْرَحَ فِی بَعْضِ آبَارِ بَنِی حَطْمَةَ (2) وَ كَانَ ذَلِكَ سَبَبُ فَتْحِ حُصُونِ بَنِی النَّضِیرِ وَ فِی تِلْكَ اللَّیْلَةِ قُتِلَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَ اصْطَفَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمْوَالَ بَنِی النَّضِیرِ وَ كَانَتْ أَوَّلُ صَافِیَةٍ قَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَیْنَ الْمُهَاجِرِینَ الْأَوَّلِینَ وَ أَمَرَ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ فَحَازَ مَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْهَا فَجَعَلَهُ صَدَقَةً وَ كَانَ فِی یَدِهِ مُدَّةَ (3) حَیَاتِهِ ثُمَّ فِی یَدِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ بَعْدَهُ وَ هُوَ فِی وُلْدِ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ حَتَّی الْیَوْمَ وَ فِیمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی هَذِهِ الْغَزَاةِ وَ قَتْلِهِ الْیَهُودِیَّ وَ مَجِیئِهِ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله بِرُءُوسِ التِّسْعَةِ (4) النَّفَرِ یَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
لِلَّهِ أَیُّ كَرِیهَةٍ أَبْلَیْتُهَا*** بِبَنِی قُرَیْظَةَ (5) وَ النُّفُوسُ تُطْلِعُ
أَرْدَی رَئِیسَهُمْ وَ آبَ بِتِسْعَةٍ* طَوْراً یُشِلُّهُمْ وَ طَوْراً یَدْفَعُ (6)
بیان: قوله طورا أی تارة و قال الجوهری مر فلان یشلهم بالسیف یكسؤهم (7) و یطردهم (8).
ص: 173
الآیات؛
النساء: «وَ إِذا كُنْتَ فِیهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ (إلی قوله): كِتاباً مَوْقُوتاً»(102-103)
تفسیر: قال الطبرسی رحمه اللّٰه بعد تفسیر الآیات فی صلاة الخوف: و فی الآیة
ص: 174
دلالة علی صدق النبی صلی اللّٰه علیه و آله و صحة نبوته و ذلك أنها نزلت و النبی صلی اللّٰه علیه و آله بعسفان و المشركون بضجنان فتوافقوا فصلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله بأصحابه صلاة الظهر بتمام الركوع و السجود فهم المشركون أن یغیروا علیهم فقال بعضهم إن لهم صلاة أخری أحب إلیهم من هذه یعنون صلاة العصر فأنزل اللّٰه علیه هذه الآیة فصلی بهم العصر صلاة الخوف و كان ذلك سبب إسلام خالد بن الولید.
و ذكر أبو حمزة الثمالی فی تفسیره أن النبی صلی اللّٰه علیه و آله غزا محاربا و بنی أنمار (1) فهزمهم اللّٰه و أحرزوا الذراری و الأموال فنزل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و المسلمون و لا یرون من العدو أحدا فوضعوا أسلحتهم و خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لبعض حاجته (2) و قد وضع سلاحه فجعل بینه و بین أصحابه الوادی فأتی قبل أن یفرغ من حاجته السیل فی الوادی (3) و السماء ترش فحال الوادی بین رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و بین أصحابه و جلس فی ظل سمرة (4) فبصر به غورث بن الحارث المحاربی فقال له أصحابه یا غورث هذا محمد قد انقطع من أصحابه فقال قتلنی اللّٰه إن لم أقتله و انحدر من الجبل و معه السیف و لم یشعر به رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلا و هو قائم علی رأسه و معه السیف قد سله من غمده و قال یا محمد من یعصمك منی الآن فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله اللّٰه فانكب عدو اللّٰه لوجهه فقام رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأخذ سیفه و قال یا غورث من یمنعك منی الآن قال لا أحد قال أ تشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أنی عبد اللّٰه و رسوله قال لا و لكنی أعهد أن لا أقاتلك أبدا و لا أعین علیك عدوا فأعطاه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله سیفه فقال له غورث و اللّٰه لأنت خیر منی قال صلی اللّٰه علیه و آله إنی أحق بذلك و خرج غورث إلی أصحابه فقالوا یا غورث لقد رأیناك قائما علی رأسه
ص: 175
بالسیف فما منعك منه قال اللّٰه أهویت له بالسیف لأضربه فما أدری من زلخنی بین كتفی فخررت لوجهی و خر سیفی و سبقنی إلیه محمد فأخذه و لم یلبث الوادی أن سكن فقطع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی أصحابه فأخبرهم الخبر و قرأ علیهم إِنْ كانَ بِكُمْ أَذیً مِنْ مَطَرٍ الآیة. (1).
بیان: فی القاموس الزلخ المزلة تزل منها الأقدام لندوته أو ملاسته و زلخه بالرمح زجه و زلخه تزلیخا ملسه.
«1»-عم، إعلام الوری ثُمَّ كَانَتْ بَعْدَ غَزْوَةٍ بَنِی النَّضِیرِ غَزْوَةُ بَنِی لِحْیَانَ (2) وَ هِیَ الْغَزْوَةُ الَّتِی صَلَّی فِیهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ بِعُسْفَانَ حِینَ أَتَاهُ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ بِمَا هَمَّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ وَ قِیلَ إِنَّ هَذِهِ الْغَزْوَةَ كَانَتْ بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِی قُرَیْظَةَ ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِی النَّضِیرِ بِشَهْرَیْنِ قَالَ الْبُخَارِیُّ إِنَّهَا (3) كَانَتْ بَعْدَ خَیْبَرَ لَقِیَ بِهَا جَمْعاً مِنْ غَطَفَانَ وَ لَمْ یَكُنْ بَیْنَهُمَا حَرْبٌ وَ قَدْ خَافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً حَتَّی صَلَّی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله صَلَاةَ الْخَوْفِ ثُمَّ انْصَرَفَ بِالنَّاسِ (4) وَ قِیلَ إِنَّمَا سُمِّیَتْ ذَاتَ الرِّقَاعِ لِأَنَّهُ جَبَلٌ فِیهِ بُقَعُ حُمْرَةٍ وَ سَوَادٍ وَ بَیَاضٍ فَسُمِّیَ ذَاتَ الرِّقَاعِ وَ قِیلَ إِنَّمَا سُمِّیَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَقْدَامَهُمْ نَقِبَتْ فِیهَا فَكَانُوا
ص: 176
یَلُفُّونَ عَلَی أَرْجُلِهِمُ الْخِرَقَ (1).
«2»-أَقُولُ قَالَ ابْنُ الْأَثِیرِ فِی الْكَامِلِ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِالْمَدِینَةِ بَعْدَ بَنِی النَّضِیرِ شَهْرَیْ رَبِیعٍ ثُمَّ غَزَا نَجْداً یُرِیدُ بَنِی مُحَارِبٍ وَ بَنِی ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ وَ هِیَ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَلَقِیَ الْمُشْرِكِینَ وَ لَمْ یَكُنْ قِتَالٌ وَ خَافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً فَنَزَلَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ وَ أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَ كَانَ زَوْجُهَا غَائِباً فَلَمَّا أَتَی أَهْلَهُ أُخْبِرَ الْخَبَرَ فَحَلَفَ لَا یَنْتَهِی حَتَّی یُهَرِیقَ فِی أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَخَرَجَ یَتْبَعُ أَثَرَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ مَنْ یَحْرُسُنَا اللَّیْلَةَ فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ (2) فَأَقَامَا بِفَمِ شِعْبٍ نَزَلَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَاضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِیُّ وَ حَرَسَ الْأَنْصَارِیُّ أَوَّلَ اللَّیْلِ وَ قَامَ یُصَلِّی وَ جَاءَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ فَرَأَی شَخْصَهُ (3) فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِیهِ فَانْتَزَعَهُ وَ ثَبَتَ قَائِماً یُصَلِّی ثُمَّ رَمَاهُ بِسَهْمٍ آخَرَ فَأَصَابَهُ فَنَزَعَهُ وَ ثَبَتَ یُصَلِّی ثُمَّ رَمَاهُ الثَّالِثَ (4) فَوَضَعَهُ فِیهِ فَانْتَزَعَهُ ثُمَّ رَكَعَ وَ سَجَدَ ثُمَّ أَیْقَظَ صَاحِبَهُ وَ أَعْلَمَهُ فَوَثَبَ فَلَمَّا رَآهُمَا الرَّجُلُ عَرَفَ أَنَّهُمَا عَلِمَا بِهِ فَلَمَّا رَأَی الْمُهَاجِرِیُّ مَا بِالْأَنْصَارِیِّ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ أَ لَا أَیْقَظْتَنِی أَوَّلَ مَا رَمَاكَ قَالَ كُنْتُ فِی سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا (5) فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا فَلَمَّا تَتَابَعَ عَلَیَّ الرَّمْیُ وَ رَكَعْتُ أَعْلَمْتُكَ وَ ایْمُ اللَّهِ لَوْ لَا خَوْفُ أَنْ أُضَیِّعَ ثَغْراً أَمَرَنِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِحِفْظِهِ لَقَطَعَ نَفَسِی قَبْلَ أَنْ أَقْطَعَهَا وَ قِیلَ إِنَّ هَذِهِ الْغَزْوَةَ كَانَتْ فِی الْمُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسٍ (6).
«3»-قب، المناقب لابن شهرآشوب غَزْوَةُ بَنِی لِحْیَانَ فِی جُمَادَی الْأُولَی وَ كَانَ بَیْنَهُمَا الرَّمْیُ بِالْحِجَارَةِ
ص: 177
وَ صَلَّی فِیهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ بِعُسْفَانَ وَ یُقَالُ فِی ذَاتِ الرِّقَاعِ مَعَ غَطَفَانَ وَ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ النَّضِیرِ بِشَهْرَیْنِ وَ قَالَ الْبُخَارِیُّ بَعْدَ خَیْبَرَ وَ لَمْ یَكُنْ حَرْبٌ (1).
«4»-أَقُولُ قَالَ الْكَازِرُونِیُّ فِی حَوَادِثِ السَّنَةِ الْخَامِسَةِ وَ فِیهَا كَانَتْ غَزَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَ كَانَ سَبَبُهَا أَنَّ قَادِماً قَدِمَ الْمَدِینَةَ بِجَلَبٍ (2) لَهُ فَأُخْبِرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّ أَنْمَاراً وَ ثَعْلَبَةَ قَدْ جَمَعُوا لَهُمُ الْجُمُوعَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَخَرَجَ لَیْلَةَ السَّبْتِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ (3) فِی أَرْبَعِمِائَةٍ وَ قِیلَ فِی سَبْعِمِائَةٍ (4) فَمَضَی حَتَّی أَتَی مَحَالَّهُمْ بِذَاتِ الرِّقَاعِ وَ هِیَ جَبَلٌ فَلَمْ یَجِدْ إِلَّا نِسْوَةً فَأَخَذَهُنَّ وَ فِیهِنَّ جَارِیَةٌ وَضِیئَةٌ وَ هَرَبَتِ الْأَعْرَابُ إِلَی رُءُوسِ الْجِبَالِ وَ خَافَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ یُغِیرُوا عَلَیْهِمْ فَصَلَّی بِهِمُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله صَلَاةَ الْخَوْفِ وَ كَانَ أَوَّلَ مَا صَلَّاهَا وَ انْصَرَفَ رَاجِعاً إِلَی الْمَدِینَةِ فَابْتَاعَ مِنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ جَمَلًا بِأُوقِیَّةٍ وَ شَرَطَ لَهُ ظَهْرَهُ إِلَی الْمَدِینَةِ وَ سَأَلَهُ عَنْ دِینِ أَبِیهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ إِذَا قَرُبْتَ الْمَدِینَةَ وَ أَرَدْتَ أَنْ تَجُدَّ (5) نَخْلَكَ فَآذِنِّی وَ اسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (6) فِی تِلْكَ اللَّیْلَةِ خَمْساً وَ عِشْرِینَ مَرَّةً وَ فِی التِّرْمِذِیِّ سَبْعِینَ مَرَّةً.
وَ فِی مُسْلِمٍ (7) مِنْ حَدِیثِ أَبِی نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ تَبِیعُنِیهِ بِكَذَا وَ كَذَا وَ اللَّهُ یَغْفِرُ لَكَ فَمَا زَالَ یَزِیدُنِی وَ اللَّهُ یَغْفِرُ لَكَ قَالَ أَبُو نَضْرَةَ وَ كَانَتْ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْمُسْلِمُونَ افْعَلْ كَذَا وَ اللَّهُ یَغْفِرُ لَكَ وَ كَانَتْ غَیْبَتُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ لَیْلَةً (8).
ص: 178
«5»-وَ قَالَ ابْنُ الْأَثِیرِ فِی جُمَادَی الْأُولَی مِنَ السَّنَةِ السَّادِسَةِ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی بَنِی لِحْیَانَ یَطْلُبُ بِأَصْحَابِ الرَّجِیعِ خُبَیْبِ بْنِ عَدِیٍّ وَ أَصْحَابِهِ وَ أَظْهَرَ أَنَّهُ یُرِیدُ الشَّامَ لِیُصِیبَ مِنَ الْقُوَّةِ غِرَّةً وَ أَسْرَعَ السَّیْرَ حَتَّی نَزَلَ عَلَی مَنَازِلِ بَنِی لِحْیَانَ (1) بَیْنَ أَثَحٍ (2) وَ عُسْفَانَ فَوَجَدَهُمْ قَدْ حَذِرُوا وَ تَمَنَّعُوا فِی رُءُوسِ الْجِبَالِ فَلَمَّا أَخْطَأَهُ مَا أَرَادَ مِنْهُمْ خَرَجَ فِی مِائَتَیْ رَاكِبٍ حَتَّی نَزَلَ عُسْفَانَ تَخْوِیفاً لِأَهْلِ مَكَّةَ وَ أَرْسَلَ فَارِسَیْنِ مِنَ الصَّحَابَةِ حَتَّی بَلَغَا كُرَاعَ الْغَمِیمِ ثُمَّ عَادَ (3).
«6»-كا، الكافی حُمَیْدُ بْنُ زِیَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ (4) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَیُّوبَ وَ عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ جَمِیعاً عَنِ الْبَزَنْطِیِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ تَحْتَ شَجَرَةٍ عَلَی شَفِیرِ وَادٍ فَأَقْبَلَ سَیْلٌ فَحَالَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ أَصْحَابِهِ فَرَآهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ وَ الْمُسْلِمُونَ قِیَامٌ عَلَی شَفِیرِ الْوَادِی یَنْتَظِرُونَ مَتَی یَنْقَطِعُ السَّیْلُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ لِقَوْمِهِ أَنَا أَقْتُلُ مُحَمَّداً فَجَاءَ وَ شَدَّ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِالسَّیْفِ ثُمَّ قَالَ مَنْ یُنْجِیكَ مِنِّی یَا مُحَمَّدُ فَقَالَ رَبِّی وَ رَبُّكَ فَنَسَفَهُ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ فَرَسِهِ فَسَقَطَ عَلَی ظَهْرِهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ فَأَخَذَ (5) السَّیْفَ وَ جَلَسَ عَلَی صَدْرِهِ وَ قَالَ مَنْ یُنْجِیكَ مِنِّی یَا غَوْرَثُ فَقَالَ جُودُكَ وَ كَرَمُكَ یَا مُحَمَّدُ فَتَرَكَهُ وَ قَامَ (6) وَ هُوَ یَقُولُ وَ اللَّهِ لَأَنْتَ خَیْرٌ مِنِّی وَ أَكْرَمُ (7).
عم، إعلام الوری مرسلا مثله (8) بیان النسف القلع (9).
5- قال البلاذری: و فی سنة اربع من الهجرة حرمت الخمر.
ص: 179
الآیات؛
النساء: «فَقاتِلْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِینَ عَسَی اللَّهُ أَنْ یَكُفَّ بَأْسَ الَّذِینَ كَفَرُوا وَ اللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَ أَشَدُّ تَنْكِیلًا»(84)
(و قال تعالی): «وَ لا تَهِنُوا فِی ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ یَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا یَرْجُونَ وَ كانَ اللَّهُ عَلِیماً حَكِیماً»(104)
ص: 180
تفسیر:
قال الطبرسی رحمه اللّٰه فی قوله تعالی: فَقاتِلْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ قال الكلبی إن أبا سفیان لما رجع إلی مكة یوم أحد و أعد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله موسم بدر الصغری و هی سوق یقوم فی ذی القعدة فلما بلغ المیعاد (1) قال للناس اخرجوا إلی المیعاد فتثاقلوا و كرهوا ذلك كراهة شدیدة أو بعضهم فأنزل اللّٰه عز و جل
ص: 181
هذه الآیة فحرض النبی صلی اللّٰه علیه و آله المؤمنین فتثاقلوا عنه و لم یخرجوا فخرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی سبعین (1) راكبا حتی أتی موسم بدر فكفاهم اللّٰه بأس العدو و لم یوافهم أبو سفیان و لم یكن قتال یومئذ و انصرف رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بمن معه سالمین.
لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ أی إلا فعل نفسك وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِینَ علی القتال أی و حثهم علیه عَسَی اللَّهُ أَنْ یَكُفَّ بَأْسَ الَّذِینَ كَفَرُوا أی یمنع شدة الكفار و عسی من اللّٰه موجب (2) وَ اللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً أی أشد نكایة فی الأعداء وَ أَشَدُّ تَنْكِیلًا أی عقوبة و قیل التنكیل الشهرة بالأمور الفاضحة. (3) و فی قوله تعالی وَ لا تَهِنُوا قیل نزلت فی الذهاب إلی بدر الصغری لموعد أبی سفیان یوم أحد (4).
«1»-عم، إعلام الوری ثُمَّ كَانَتْ بَعْدَ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأَخِیرَةُ فِی شَعْبَانَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی بَدْرٍ لِمِیعَادِ أَبِی سُفْیَانَ فَأَقَامَ عَلَیْهَا ثَمَانَ لَیَالٍ وَ خَرَجَ أَبُو سُفْیَانَ فِی أَهْلِ تِهَامَةَ فَلَمَّا نَزَلَ الظَّهْرَانَ بَدَا لَهُ فِی الرُّجُوعِ وَ وَافَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَصْحَابُهُ السُّوقَ فَاشْتَرَوْا وَ بَاعُوا وَ أَصَابُوا بِهَا رِبْحاً حَسَناً (5).
«2»-أقول قال فی المنتقی فی سیاق حوادث السنة الرابعة و فیها ولد الحسین علیه السلام لثلاث لیال خلون من شعبان و فیها كانت غزوة بدر الصغری لهلال ذی القعدة و ذلك
أن أبا سفیان لما أراد أن ینصرف یوم أحد نادی الموعد بیننا و بینكم بدر الصغری رأس الحول نلتقی بها و نقتتل فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قولوا نعم إن شاء اللّٰه فافترق الناس علی ذلك و تهیأت قریش للخروج فلما دنا الموعد كره
ص: 182
أبو سفیان الخروج و قدم نعیم بن مسعود الأشجعی مكة فقال له أبو سفیان إنی قد واعدت محمدا و أصحابه أن نلتقی ببدر و قد جاء ذلك الوقت و هذا عام جدب و إنما یصلحنا عام خصب و أكره أن یخرج محمد و لا أخرج فیجترئ علینا فنجعل لك فریضة (1) یضمنها لك سهیل بن عمرو علی أن تقدم المدینة و تعوقهم عن الخروج فقدم المدینة و أخبرهم بجمع أبی سفیان و ما معه من العدة و السلاح فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و الذی نفسی بیده لأخرجن و إن لم یخرج معی أحد و استخلف علی المدینة عبد اللّٰه بن رواحة و حمل لواءه علی علیه السلام و سار معه ألف و خمسمائة و الخیل عشرة أفراس و خرجوا ببضائع لهم و تجارات و كانت بدر الصغری مجتمعا تجتمع فیه العرب و سوقا یقوم لهلال ذی القعدة إلی ثمان تخلو منه ثم تتفرق الناس إلی بلادهم فانتهوا إلی بدر لیلة هلال ذی القعدة و قامت السوق صبیحة الهلال فأقاموا بها ثمانیة أیام و باعوا تجارتهم فربحوا للدرهم درهما و انصرفوا و قد سمع الناس بمسیرهم و خرج أبو سفیان من مكة فی قریش و هم ألفان و معه خمسون فرسا حتی انتهوا إلی مر الظهران ثم قال ارجعوا فإنه لا یصلحنا إلا عام خصب یرعی فیه الشجر و یشرب فیه اللبن و هذا عام جدب فسمی أهل مكة ذلك الجیش جیش السویق یقولون خرجوا یشربون السویق.
فقال صفوان بن أمیة لأبی سفیان قد نهیتك أن تعد القوم قد اجترءوا علینا و رأونا قد أخلفناهم ثم أخذوا فی الكید و التهیؤ لغزوة الخندق و فیها رجم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الیهودی و الیهودیة فی ذی القعدة و نزل قوله تعالی وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ و فیها حرمت الخمر و جملة القول فی تحریم الخمر أن اللّٰه تعالی أنزل فی الخمر أربع آیات نزلت بمكة وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِیلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً (2) فكان المسلمون یشربونها و هی لهم حلال یومئذ ثم نزلت فی مسألة عمر و معاذ بن جبل یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ
ص: 183
الْمَیْسِرِ (1) الآیة فتركها قوم لقوله إِثْمٌ كَبِیرٌ و شربها قوم لقوله وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ إلی أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعا ناسا من أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أتاهم بخمر فشربوا و سكروا فحضرت صلاة المغرب فقدموا بعضهم لیصلی بهم فقرأ قُلْ یا أَیُّهَا الْكافِرُونَ (2) أعبد ما تعبدون هكذا إلی آخر السورة بحذف لا فأنزل اللّٰه تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاری (3) الآیة فحرم السكر فی أوقات الصلوات فلما نزلت فی هذه الآیة تركها قوم و قالوا لا خیر فی شی ء یحول بیننا و بین الصلاة و تركها قوم فی أوقات الصلاة و شربوها فی غیر حین الصلاة حتی كان الرجل یشرب بعد صلاة العشاء فیصبح و قد زال عنه السكر و یشرب بعد الصبح فیصحو إذا جاء وقت الظهر و دعا عتبان بن مالك رجالا من المسلمین فیهم سعد بن أبی وقاص و كان قد شوی لهم رأس بعیر فأكلوا منه و شربوا الخمر حتی سكروا منها ثم إنهم افتخروا عند ذلك و انتسبوا و تناشدوا الأشعار فأنشد سعد قصیدة فیها هجاء الأنصار و فخر لقومه فأخذ رجل من الأنصار لحی (4) البعیر فضرب به رأس سعد فشجه موضحة (5) فانطلق سعد إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و شكا إلیه الأنصاری فقال عمر اللّٰهم بین لنا رأیك فی الخمر بیانا شافیا فأنزل اللّٰه تعالی إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ (6) الآیة و فیها سرق ابن أبیرق. (7)
أقول: سیأتی شرح القصة فی باب أحوال أصحابه صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 184
ثم قال و فیها تزوج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أم سلمة فی شوالها و اسمها هند بنت أمیة بن المغیرة بن عبد اللّٰه بن عمر بن مخزوم و كانت قبله صلی اللّٰه علیه و آله عند أبی سلمة عبد اللّٰه بن عبد الأسد فولدت له سلمة و عمر و زینب ثم توفی فخلف علیها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله. (1)
رُوِیَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ جَاءَ إِلَی أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَدِیثاً أَحَبَّ إِلَیَّ مِنْ كَذَا وَ كَذَا سَمِعْتُهُ یَقُولُ لَا یُصَابُ أَحَدٌ بِمُصِیبَةٍ فَیَسْتَرْجِعُ عِنْدَ ذَلِكَ وَ یَقُولُ اللَّهُمَّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِیبَتِی هَذِهِ اللَّهُمَّ اخْلُفْنِی فِیهَا خَیْراً مِنْهَا إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَلَمَّا أُصِبْتُ بِأَبِی سَلَمَةَ قُلْتُ اللَّهُمَّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِیبَتِی وَ لَمْ تَطِبْ نَفْسِی أَنْ أَقُولَ اللَّهُمَّ اخْلُفْنِی فِیهَا خَیْراً مِنْهَا ثُمَّ قُلْتُ مَنْ خَیْرٌ مِنْ أَبِی سَلَمَةَ أَ لَیْسَ أَ لَیْسَ ثُمَّ قُلْتُ ذَلِكَ فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَرْسَلَ إِلَیْهَا أَبُو بَكْرٍ یَخْطُبُهَا فَأَبَتْ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَیْهَا عُمَرُ یَخْطُبُهَا فَأَبَتْ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَیْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَتْ مَرْحَباً بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله.
و قال الهیثم بن عدی أول من هلك من أزواج النبی صلی اللّٰه علیه و آله زینب (2) هلكت فی خلافة عمر و آخر من هلك منهن أم سلمة هلكت زمن یزید بن معاویة سنه ثنتین و ستین.
و فیها توفت (توفیت) زینب بنت خزیمة أم المؤمنین و توفی عبد اللّٰه بن عثمان من رقیة بنت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ولد فی الإسلام فاكتنی به عثمان فبلغ ست سنین فنقره دیك فی عینه فمرض فمات فی جمادی الأولی و صلی علیه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و فیها توفی أبو سلمة عبد اللّٰه بن عبد الأسد بن هلال و فیها توفت (توفیت) فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أم علی علیه السلام و كانت صالحة (3) و كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یزورها و یقیل فی بیتها و لما توفیت نزع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قمیصه فألبسها إیاه (4).
ص: 185
الآیات؛
البقرة: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا یَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّی یَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتی نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِیبٌ»(214)
آل عمران: «قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِی الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِیَدِكَ الْخَیْرُ إِنَّكَ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ* تُولِجُ اللَّیْلَ
ص: 186
فِی النَّهارِ وَ تُولِجُ النَّهارَ فِی اللَّیْلِ وَ تُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِّ وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَیْرِ حِسابٍ»(27)
الأنفال: «الَّذِینَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ یَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِی كُلِّ مَرَّةٍ وَ هُمْ لا یَتَّقُونَ* فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِی الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ یَذَّكَّرُونَ* وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِیانَةً فَانْبِذْ إِلَیْهِمْ عَلی سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْخائِنِینَ»(56-58)
الأحزاب: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَیْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ رِیحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیراً* إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا* هُنالِكَ ابْتُلِیَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِیداً* وَ إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً* وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ یا أَهْلَ یَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَ یَسْتَأْذِنُ فَرِیقٌ مِنْهُمُ النَّبِیَّ یَقُولُونَ إِنَّ بُیُوتَنا عَوْرَةٌ وَ ما هِیَ بِعَوْرَةٍ إِنْ یُرِیدُونَ إِلَّا فِراراً* وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَیْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَ ما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا یَسِیراً* وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا یُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَ كانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا* قُلْ لَنْ یَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِیلًا* قُلْ مَنْ ذَا الَّذِی یَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَ لا یَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِیًّا وَ لا نَصِیراً* قَدْ یَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِینَ مِنْكُمْ وَ الْقائِلِینَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَیْنا وَ لا یَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِیلًا* أَشِحَّةً عَلَیْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَیْتَهُمْ یَنْظُرُونَ إِلَیْكَ تَدُورُ أَعْیُنُهُمْ كَالَّذِی یُغْشی عَلَیْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَی الْخَیْرِ أُولئِكَ لَمْ یُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَ كانَ ذلِكَ عَلَی اللَّهِ یَسِیراً* یَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ یَذْهَبُوا وَ إِنْ یَأْتِ الْأَحْزابُ یَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِی الْأَعْرابِ یَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَ لَوْ كانُوا فِیكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِیلًا* لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ یَرْجُوا اللَّهَ وَ الْیَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِیراً* وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ما زادَهُمْ إِلَّا إِیماناً وَ تَسْلِیماً* مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی
ص: 187
نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِیلًا* لِیَجْزِیَ اللَّهُ الصَّادِقِینَ بِصِدْقِهِمْ وَ یُعَذِّبَ الْمُنافِقِینَ إِنْ شاءَ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِیماً*وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِینَ كَفَرُوا بِغَیْظِهِمْ لَمْ یَنالُوا خَیْراً وَ كَفَی اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتالَ وَ كانَ اللَّهُ قَوِیًّا عَزِیزاً* وَ أَنْزَلَ الَّذِینَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَیاصِیهِمْ وَ قَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِیقاً* تَقْتُلُونَ وَ تَأْسِرُونَ فَرِیقاً وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِیارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَ كانَ اللَّهُ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیراً»(9-27)
تفسیر: قال الطبرسی رحمه اللّٰه فی قوله تعالی: أَمْ حَسِبْتُمْ قیل نزلت یوم الخندق لما اشتدت المخافة و حوصر المسلمون فی المدینة فدعاهم اللّٰه إلی الصبر و وعدهم بالنصر و قیل نزلت فی حرب أحد لما قال عبد اللّٰه بن أبی لأصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی متی تقتلون أنفسكم لو كان محمد صلی اللّٰه علیه و آله نبیا لما سلط اللّٰه علیه الأسر و القتل و قیل نزلت فی المهاجرین من أصحاب النبی صلی اللّٰه علیه و آله إلی المدینة إذ تركوا دیارهم و أموالهم و مستهم الضراء وَ لَمَّا یَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ أی و لما تمتحنوا و تبتلوا بمثل ما امتحنوا به فتصبروا كما صبروا مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ البأساء نقیض النعماء و الضراء نقیض السراء (1) وَ زُلْزِلُوا أی حركوا بأنواع البلایا (2) حَتَّی یَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتی نَصْرُ اللَّهِ قیل استعجال للموعود و إنما قاله الرسول استبطاء للنصر علی جهة التمنی و قیل إن معناه الدعاء لله بالنصر أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِیبٌ قیل إن هذا من كلامهم فإنهم قالوا عند الإیاس متی نصر اللّٰه ثم تفكروا فعلموا أن اللّٰه منجز وعده فقالوا ذلك و قیل إن الأول كلام المؤمنین و الثانی كلام الرسول. (3) و قال فی قوله تعالی قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ قیل لما فتح رسول اللّٰه
ص: 188
صلی اللّٰه علیه و آله مكة و وعد أمته ملك فارس و الروم قالت المنافقون و الیهود هیهات من أین لمحمد ملك فارس و الروم أ لم تكفه المدینة و مكة حتی طمع فی الروم و فارس فنزلت هذه الآیة عن ابن عباس و أنس
و قیل إن النبی صلی اللّٰه علیه و آله خط الخندق عام الأحزاب و قطع لكل عشرة أربعین ذراعا فاحتج المهاجرون و الأنصار فی سلمان و كان رجلا قویا فقال المهاجرون سلمان منا و قالت الأنصار سلمان منا فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَیْتِ.
قال عمرو بن عوف كنت أنا و سلمان و حذیفة و النعمان بن مقرن المزنی و ستة من الأنصار فی أربعین ذراعا فحفرنا حتی إذا كنا بجب ذی باب (1) أخرج اللّٰه من باطن (2) الخندق صخرة مروة (3) كسرت حدیدنا و شقت علینا فقلنا یا سلمان ارق إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أخبره خبر هذه الصخرة فإما أن نعدل عنها فإن المعدل قریب و إما أن یأمرنا فیه بأمره فإنا لا نحب أن نتجاوز خطه قال فرقی سلمان إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو ضارب علیه قبة تركیة فقال یا رسول اللّٰه خرجت صخرة بیضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حدیدنا و شقت علینا حتی ما یحیك (4) فیها قلیل و لا كثیر فمرنا فیها بأمرك فإنا لا نحب أن نتجاوز خطك قال فهبط رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مع سلمان الخندق و التسعة علی شفة الخندق فأخذ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله المعول من ید سلمان فضربها به ضربة صدعها و برق منها برق أضاء ما بین لابتیها حتی لكأن مصباحا فی جوف بیت مظلم فكبر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله تكبیرة فتح و كبر المسلمون ثم ضربها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ثانیة فبرق منها برق أضاء ما بین لابتیها حتی لكأن مصباحا فی جوف بیت مظلم فكبر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله تكبیرة فتح و كبر المسلمون
ص: 189
ثم ضرب بها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ثالثة فكسرها و برق منها برق أضاء ما بین لابتیها حتی لكأن مصباحا فی جوف بیت مظلم فكبر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله تكبیرة فتح و كبر المسلمون و أخذ بید سلمان و رقی فقال سلمان بأبی أنت و أمی یا رسول اللّٰه لقد رأیت منك شیئا ما رأیته منك قط فالتفت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی القوم وَ قَالَ رَأَیْتُمْ مَا یَقُولُ سَلْمَانُ فَقَالُوا نَعَمْ قَالَ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِیَ الْأُولَی فَبَرَقَ الَّذِی رَأَیْتُمْ أَضَاءَتْ لِی مِنْهَا قُصُورُ الْحِیرَةِ وَ مَدَائِنُ كِسْرَی كَأَنَّهَا أَنْیَابُ الْكِلَابِ فَأَخْبَرَنِی جَبْرَئِیلُ أَنَّ أُمَّتِی ظَاهِرَةٌ عَلَیْهَا ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِیَ الثَّانِیَةَ فَبَرَقَ الَّذِی رَأَیْتُمْ أَضَاءَتْ لِی مِنْهَا قُصُورُ الحمر (1) مِنْ أَرْضِ الرُّومِ فَكَأَنَّهَا أَنْیَابُ الْكِلَابِ فَأَخْبَرَنِی جَبْرَئِیلُ أَنَّ أُمَّتِی ظَاهِرَةٌ عَلَیْهَا ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِیَ الثَّالِثَةَ فَبَرَقَ لِی مَا رَأَیْتُمْ أَضَاءَتْ لِی مِنْهَا قُصُورُ صَنْعَاءَ كَأَنَّهَا أَنْیَابُ الْكِلَابِ وَ أَخْبَرَنِی جَبْرَئِیلُ أَنَّ أُمَّتِی ظَاهِرَةٌ عَلَیْهَا فَأَبْشِرُوا فاستبشر المسلمون و قالوا الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحصر فقال المنافقون أ لا تعجبون یمنیكم و یعدكم الباطل و یعلمكم أنه یبصر من یثرب قصور الحیرة و مدائن كسری و أنها تفتح لكم و أنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق (2) و لا تستطیعون أن تبرزوا فنزل القرآن إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً و أنزل اللّٰه تعالی فی هذه القصة قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ الآیة- رواه الثعلبی بإسناده عن عمرو بن عوف.
قوله مالِكَ الْمُلْكِ أی مالك كل مِلك و مُلك و قیل مالك العباد و ما ملكوا و قیل مالك أمر الدنیا و الآخرة و قیل مالك النبوة تُؤْتِی الْمُلْكَ أی تؤتی المُلك و أسباب الدنیا محمدا و أصحابه و أمته و تنزعه من صنادید قریش و من الروم و فارس فلا تقوم الساعة حتی یفتحها أهل الإسلام و قیل تؤتی النبوة و الإمامة من تشاء من عبادك و تولیه التصرف فی خلقك و بلادك و تنزع المُلك علی
ص: 190
هذا الوجه من الجبارین وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ بالإیمان و الطاعة وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بالكفر و المعاصی و قیل تعز المؤمن بتعظیمه و الثناء علیه و تذل الكافر بالجزیة و السبی و قیل تعز محمدا و أصحابه و تذل أبا جهل و أضرابه من المقتولین یوم بدر فی القلیب و قیل تعز من تشاء من أولیائك بأنواع العزة فی الدنیا و الدین و تذل من تشاء من أعدائك فی الدنیا و الآخرة لأنه سبحانه لا یذل أولیاءه و إن أفقرهم و ابتلاهم فإن ذلك لیس علی سبیل الإذلال بل لیكرمهم بذلك فی الآخرة بِیَدِكَ الْخَیْرُ أی الخیر كله فی الدنیا و الآخرة. (1) و قال فی قوله تعالی الَّذِینَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ أی من جملتهم أو عاهدتهم قال مجاهد أراد به یهود بنی قریظة فإنهم كانوا قد عاهدوا النبی صلی اللّٰه علیه و آله علی أن لا یضروا به و لا یمالوا علیه عدوا ثم مالوا (2) علیه الأحزاب یوم الخندق و أعانوهم علیه بالسلاح و عاهدوا مرة بعد أخری فنقضوا فانتقم اللّٰه منهم ثُمَّ یَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِی كُلِّ مَرَّةٍ أی كلما عاهدتهم نقضوا العهد و لم یفوا به وَ هُمْ لا یَتَّقُونَ نقض العهد أو عذاب اللّٰه فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ أی تصادفنهم فِی الْحَرْبِ أی ظفرت بهم فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ أی فنكل بهم تنكیلا یشرد بهم من بعدهم و یمنعهم من نقض العهد و التشرید التفریق لَعَلَّهُمْ یَذَّكَّرُونَ أی لكی یتذكروا و ینزجروا وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِیانَةً أی إن خفت یا محمد من قوم بینك و بینهم عهد خیانة فَانْبِذْ إِلَیْهِمْ عَلی سَواءٍ أی فألق ما بینك و بینهم من العهد و أعلمهم بأنك نقضت ما شرطت لهم لتكون أنت و هم فی العلم بالنقض علی استواء و قیل معنی عَلی سَواءٍ علی عدل قال الواقدی هذه الآیة نزلت فی بنی قینقاع و بهذه الآیة سار النبی صلی اللّٰه علیه و آله إلیهم. (3) و قال رحمه اللّٰه فی قوله تعالی إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ و هم الذین تحزبوا علی
ص: 191
رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أیام الخندق فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ رِیحاً و هی الصبا أرسلت علیهم حتی أكفأت قدورهم فنزعت فساطیطهم وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها الملائكة و قیل إن الملائكة لم یقاتلوا یومئذ و لكن كانوا یشجعون المؤمنین و یجبنون الكافرین وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیراً إِذْ جاؤُكُمْ أی اذكروا حین جاءكم جنود المشركین مِنْ فَوْقِكُمْ أی من فوق الوادی قبل المشرق قریظة و النضیر و غطفان وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ أی من المغرب من ناحیة مكة أبو سفیان فی قریش و من تبعه وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ أی مالت عن كل شی ء فلم تنظر إلا عدوها مقبلا من كل جانب أو عدلت الأبصار عن مقرها من الدهش و الحیرة كما یكون الجبان فلا یعلم ما یبصر وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ الحنجرة جوف الحلقوم أی شخصت القلوب من مكانها فلو لا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت عن قتادة
و قال أبو سعید الخدری قلنا یوم الخندق یا رسول اللّٰه هل من شی ء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر فقال قولوا اللّٰهم استر عوراتنا و آمن روعاتنا قال فقلناها فضرب وجوه أعداء اللّٰه بالریح فهزموا.
قال الفراء المعنی أنهم جبنوا و جزع أكثرهم و سبیل الجبان إذا اشتد خوفه أن ینتفخ سحره و السحر الریة فإذا انتفخت الریة رفعت القلوب إلی الحنجرة وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا أی اختلفت الظنون فظن بعضهم النصر و بعضهم أیس و قنط (1) و قیل ظن المنافقون أنه یستأصل محمد صلی اللّٰه علیه و آله و ظن المؤمنون أنه ینصر و قیل ظن بعضهم أن الكفار تغلبهم و ظن بعضهم أنهم یستولون علی المدینة و ظن بعضهم أن الجاهلیة تعود كما كانت و ظن بعضهم أن ما وعد اللّٰه و رسوله من نصرة الدین و أهله غرور فأقسام الظنون كثیرة خصوصا ظن الجبناء. (2) هُنالِكَ ابْتُلِیَ الْمُؤْمِنُونَ أی اختبروا و امتحنوا وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِیداً
ص: 192
أی حركوا بالخوف تحریكا شدیدا وَ إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أی شك ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً قال ابن عباس إن المنافقین قالوا یعدنا محمد أن یفتح مدائن كسری و قیصر و نحن لا نأمن أن نذهب إلی الخلاء هذا و اللّٰه الغرور وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ یعنی عبد اللّٰه بن أبی و أصحابه و قیل هم بنو سالم من المنافقین و قیل القائل أوس بن قبطی و من وافقه علی رأیه یا أَهْلَ یَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا أی لا إقامة لكم هاهنا أو لا مكان لكم تقومون فیه للقتال إذا فتح المیم فارجعوا إلی منازلكم بالمدینة و أرادوا الهرب من عسكر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله وَ یَسْتَأْذِنُ فَرِیقٌ مِنْهُمُ النَّبِیَّ فی الرجوع إلی المدینة و هم بنو حارثة و بنو سلمة یَقُولُونَ إِنَّ بُیُوتَنا عَوْرَةٌ لیست بحریزة مكشوفة لیست بحصینة أو خالیة من الرجال نخشی علیها السراق و قیل قالوا بیوتنا مما یلی العدو لا نأمن علی أهلینا وَ ما هِیَ بِعَوْرَةٍ بل هی رفیعة السمك حصینة عن الصادق علیه السلام إِنْ یُرِیدُونَ أی ما یریدون إِلَّا فِراراً و هربا من القتال و نصرة المؤمنین وَ لَوْ دُخِلَتْ البیوت أو المدینة عَلَیْهِمْ أی لو دخل هؤلاء الذین یریدون القتال و هم الأحزاب علی الذین یقولون إن بیوتنا عورة و هم المنافقون مِنْ أَقْطارِها من نواحی المدینة أو البیوت ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها أی ثم دعوا هؤلاء إلی الشرك لأشركوا وَ ما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا یَسِیراً أی و ما احتبسوا عن الإجابة إلی الكفر إلا قلیلا أو لما أقاموا بعد إعطائهم الكفر إلا قلیلا حتی یعاجلهم اللّٰه بالعذاب وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ أی من قبل الخندق لا یُوَلُّونَ الْأَدْبارَ أی بایعوا النبی صلی اللّٰه علیه و آله و حلفوا له أنهم ینصرونه و یدفعون عنه كما یدفعون عن نفوسهم و لا یرجعون عن مقاتلة العدو و لا ینهزمون قال مقاتل یرید لیلة العقبة وَ كانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا یسألون عنه فی الآخرة قُلْ لَنْ یَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ إن كان حضر آجالكم (1) فإنه لا بد من واحد منهما و إن هربتم فالهرب لا یزید فی آجالكم وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِیلًا أی و إن لم یحضر آجالكم (2) و سلمتم من الموت أو
ص: 193
القتل فی هذه الوقعة (1) لم تمتعوا فی الدنیا إلا أیاما قلائل قُلْ مَنْ ذَا الَّذِی یَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ أی یدفع عنكم قضاء اللّٰه إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أی عذابا و عقوبة أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً أی نصرا و عزا فإن أحدا لا یقدر علی ذلك وَ لا یَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِیًّا یلی أمورهم وَ لا نَصِیراً ینصرهم و یدفع عنهم قَدْ یَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِینَ مِنْكُمْ و هم الذین یعوقون غیرهم عن الجهاد مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و یثبطونهم و یشغلونهم لینصرفوا عنه و ذلك بأنهم قالوا لهم ما محمد و أصحابه إلا أكلة رأس و لو كانوا لحما لالتهمهم (2) أبو سفیان و هؤلاء الأحزاب وَ الْقائِلِینَ لِإِخْوانِهِمْ یعنی الیهود قالوا لإخوانهم المنافقین هَلُمَّ إِلَیْنا أی تعالوا و أقبلوا إلینا و دعوا محمدا و قیل القائلون هم المنافقون قالوا لإخوانهم من ضعفة المسلمین لا تحاربوا و خلوا محمدا فإنا نخاف علیكم الهلاك وَ لا یَأْتُونَ الْبَأْسَ أی و لا یحضرون القتال فی سبیل اللّٰه إِلَّا قَلِیلًا یخرجون ریاء و سمعة قدر ما یوهمون أنهم معكم و قیل لا یحضرون القتال إلا كارهین یكون (3) قلوبهم مع المشركین أَشِحَّةً عَلَیْكُمْ أی یأتون البأس بخلا بالقتال معكم و قیل بخلا بالنفقة فی سبیل اللّٰه و النصرة كَالَّذِی یُغْشی عَلَیْهِ مِنَ الْمَوْتِ و هو الذی قرب من حال الموت و غشیته أسبابه فیذهل و یذهب عقله و یشخص بصره فلا یطرف فكذلك هؤلاء تشخص أبصارهم و تحار أعینهم من شدة خوفهم فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ و جاء الأمن و الغنیمة سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أی آذوكم بالكلام و خاصموكم سلیطة ذربة و قیل معناه بسطوا ألسنتهم فیكم وقت قسمة الغنیمة یقولون أعطونا فلستم بأحق بها منا عن قتادة قال فأما عند البأس فأجبن قوم و أخذله للحق (4) و أما عند الغنیمة فأشح قوم و هو قوله أَشِحَّةً عَلَی الْخَیْرِ أی بخلا بالغنیمة یشاحون
ص: 194
المؤمنین عند القسمة و قیل بخلا بأن یتكلموا بكلام فیه خیر أُولئِكَ لَمْ یُؤْمِنُوا و إلا لما فعلوا ذلك فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ لأنها لم تقع علی الوجوه التی یستحق علیها الثواب وَ كانَ ذلِكَ أی الإحباط أو نفاقهم عَلَی اللَّهِ یَسِیراً أی هینا یَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ یَذْهَبُوا أی یظنون أن الجماعات من قریش و غطفان و أسد و الیهود الذین تحزبوا علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لم ینصرفوا و قد انصرفوا و إنما ظنوا ذلك لجبنهم و فرط حبهم قهر المسلمین وَ إِنْ یَأْتِ الْأَحْزابُ أی و إن یرجع الأحزاب إلیهم ثانیة للقتال یَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِی الْأَعْرابِ یَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ أی یود هؤلاء المنافقون أن یكونوا فی البادیة مع الأعراب یسألون الناس عن أخباركم و لا یكونوا معكم حذرا من القتل و تربصا للدوائر وَ لَوْ كانُوا فِیكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِیلًا أی و لو كانوا معكم لم یقاتلوا إلا یسیرا لیوهموا أنهم فی جملتكم لَقَدْ كانَ لَكُمْ معاشر المكلفین فِی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أی قدوة صالحة أی كان لكم برسول اللّٰه اقتداء لو اقتدیتم به فی نصرته و الصبر معه فی مواطن القتال لِمَنْ كانَ یَرْجُوا اللَّهَ بدل من قوله لكم یعنی أن الأسوة برسول اللّٰه إنما یكون لمن یرجو ما عند اللّٰه من الثواب و النعیم وَ الْیَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِیراً أی ذكرا كثیرا وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ مع كثرتهم قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ قیل إن النبی صلی اللّٰه علیه و آله كان أخبرهم أنه یتظاهر علیهم الأحزاب و وعدهم الظفر بهم فلما رأوهم تبین لهم مصداق قوله و كان ذلك معجزا له و قیل إن اللّٰه وعدهم فی سورة البقرة بقوله أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا یَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا إلی قوله إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِیبٌ (1) ما سیكون من الشدة التی تلحقهم من عدوهم فلما رأوا الأحزاب یوم الخندق قالوا هذه المقالة علما منهم أنه لا یصیبهم إلا ما أصاب الأنبیاء و المؤمنین قبلهم وَ ما زادَهُمْ مشاهدة عدوهم إِلَّا إِیماناً أی تصدیقا باللّٰه و رسوله وَ تَسْلِیماً لأمره مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ أی بایعوا أن لا یفروا فصدقوا فی لقائهم العدو فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی
ص: 195
نَحْبَهُ أی مات أو قتل فی سبیل اللّٰه فأدرك ما تمنی فذلك قضاء النحب و قیل قضی نحبه معناه فرغ من عمله و رجع إلی ربه یعنی من استشهد یوم أحد وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وعد اللّٰه من نصرة أو شهادة علی ما مضی علیه أصحابه وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِیلًا أی ما غیروا العهد الذی عاهدوا ربهم كما غیر المنافقون لِیَجْزِیَ اللَّهُ الصَّادِقِینَ بِصِدْقِهِمْ فی عهودهم وَ یُعَذِّبَ الْمُنافِقِینَ بنقض العهد إِنْ شاءَ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ إن تابوا وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِینَ كَفَرُوا یعنی الأحزاب أبا سفیان و جنوده و غطفان و من معهم من قبائل العرب بِغَیْظِهِمْ أی بغمهم الذی جاءوا به و حنقهم لم یشفوا بنیل ما أرادوا لَمْ یَنالُوا خَیْراً أملوه و أرادوه من الظفر بالنبی و المؤمنین و إنما سماه خیرا لأن ذلك كان خیرا عندهم و قیل أراد بالخیر المال وَ كَفَی اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتالَ أی مباشرة القتال بما أنزل علی المشركین من الریح الشدیدة الباردة التی أزعجتم عن أماكنهم و بما أرسل من الملائكة و بما قذف فی قلوبهم من الرعب و قیل بعلی بن أبی طالب علیه السلام و قتله عمرو بن عبد ود و كان ذلك سبب هزیمة القوم عن عبد اللّٰه بن مسعود و هو المروی عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام وَ كانَ اللَّهُ قَوِیًّا أی قادرا علی ما یشاء عَزِیزاً لا یمتنع علیه شی ء من الأشیاء. (1) ثم ذكر سبحانه ما فعل بالیهود من بنی قریظة فقال وَ أَنْزَلَ الَّذِینَ ظاهَرُوهُمْ أی عاونوا المشركین من الأحزاب و نقضوا العهد بینهم و بین رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أن لا ینصروا علیه عدوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ یعنی من الیهود و اتفق المفسرون علی أنهم بنو قریظة إلا الحسن فإنه قال هم بنو النضیر و الأول أصح (2) مِنْ صَیاصِیهِمْ أی من حصونهم وَ قَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ أی الخوف من النبی صلی اللّٰه علیه و آله و أصحابه فَرِیقاً تَقْتُلُونَ یعنی الرجال وَ تَأْسِرُونَ فَرِیقاً یعنی الذراری و النساء وَ أَوْرَثَكُمْ أی أعطاكم أَرْضَهُمْ وَ دِیارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها أی و أورثكم أرضا لم
ص: 196
تطئوها بأقدامكم بعد و سیفتحها اللّٰه علیكم و هی خیبر (1) و قیل هی الروم و فارس و قیل هی كل أرض یفتح (2) إلی یوم القیامة و قیل هی ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ مما لم یوجف علیه بخیل و لا ركاب. (3)
أقول: قال الطبرسی رحمه اللّٰه فی سیاق غزوة الخندق: ذكر محمد بن كعب القرظی و غیره من أصحاب السیر قالوا كان من حدیث الخندق أن نفرا من الیهود منهم سلام بن أبی الحقیق و حیی بن أخطب فی جماعة من بنی النضیر الذین أجلاهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله خرجوا حتی قدموا علی قریش بمكة فدعوهم إلی حرب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قالوا إنا سنكون معكم علیهم حتی نستأصلهم فقال لهم قریش یا معشر الیهود إنكم أهل الكتاب الأول فدیننا خیر أم دین محمد قالوا بل دینكم خیر من دینه فأنتم أولی بالحق منهم فهم الذین أنزل اللّٰه فیهم أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ أُوتُوا نَصِیباً مِنَ الْكِتابِ یُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ وَ یَقُولُونَ لِلَّذِینَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدی مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا سَبِیلًا إلی قوله وَ كَفی بِجَهَنَّمَ سَعِیراً فسر قریشا ما قالوا و نشطوا لما دعوهم إلیه فأجمعوا لذلك و اتعدوا له ثم خرج أولئك النفر من الیهود حتی جاءوا غطفان فدعوهم إلی حرب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أخبروهم أنهم سیكونون معهم علیه صلی اللّٰه علیه و آله و أن قریشا قد بایعوهم علی ذلك فأجابوهم فخرجت قریش و قائدهم أبو سفیان بن حرب و خرجت غطفان و قائدها عیینة بن حصین فی فزارة و الحارث بن عوف فی بنی مرة و مسعر بن جبلة الأشجعی فیمن تابعه من أشجع و كتبوا إلی حلفائهم من بنی أسد فأقبل طلیحة فیمن اتبعه من بنی أسد و هما حلیفان أسد و غطفان و كتب قریش إلی رجال من بنی سلیم فأقبل أبو الأعور السلمی فیمن اتبعه من بنی سلیم مددا لقریش فلما علم بذلك رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ضرب الخندق علی المدینة و كان الذی أشار علیه بذلك سلمان الفارسی و كان
ص: 197
أول مشهد شهده سلمان مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو یومئذ حر قال یا رسول اللّٰه إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علینا فعمل فیه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و المسلمون حتی أحكموه.
فمما ظهر من دلائل النبوة فی حفر الخندق ما
رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (1) الْحَافِظُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ كَثِیرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِیِّ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی عَنْ أَبِیهِ قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله الْخَنْدَقَ عَامَ الْأَحْزَابِ أَرْبَعِینَ ذِرَاعاً بَیْنَ عَشَرَةٍ فَاخْتَلَفَ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ فِی سَلْمَانَ وَ كَانَ رَجُلًا قَوِیّاً فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ سَلْمَانُ مِنَّا وَ قَالَتِ الْمُهَاجِرُونَ سَلْمَانُ مِنَّا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَیْتِ.
أقول: و ساق الحدیث فی كسر الصخرة و ظهور البرق مثل ما مر بروایة الثعلبی.
ثم قال و مما ظهر أیضا من آیات النبوة
ما رواه أبو عبد اللّٰه الحافظ بالإسناد عن عبد الواحد بن أیمن المخزومی قال حدثنی أیمن المخزومی قال سمعت جابر بن عبد اللّٰه قال كنا یوم الخندق نحفر الخندق فعرضت فیه كدیة (2) و هی الجبل فقلنا یا رسول اللّٰه إن كدیة (3) عرضت فیه فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله رشوا علیها ماء ثم قام فأتاها و بطنه معصوب بحجر من الجوع فأخذ المعول أو المسحاة فسمی ثلاثا ثم ضرب فعادت كثیبا أهیل (4) فقلت له ائذن لی یا رسول اللّٰه إلی المنزل ففعل فقلت للمرأة هل عندك من شی ء فقالت عندی صاع من شعیر و عناق فطحنت الشعیر و عجنته و ذبحت (5) العناق و سلختها و خلیت بین المرأة و بین ذلك ثم أتیت إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فجلست عنده ساعة ثم قلت ائذن لی یا
ص: 198
رسول اللّٰه ففعل فأتیت المرأة فإذا العجین و اللحم قد أمكنا فرجعت إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقلت إن عندنا طعیما لنا فقم یا رسول اللّٰه أنت و رجلان من أصحابك فقال و كم هو قلت صاع من شعیر و عناق فقال للمسلمین جمیعا قوموا إلی جابر فقاموا فلقیت من الحیاء ما لا یعلمه إلا اللّٰه فقلت جاء بالخلق علی صاع شعیر و عناق فدخلت علی المرأة و قلت قد افتضحت جاءك رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالخلق (1) فقالت هل كان سألك كم طعامك قلت نعم فقالت اللّٰه و رسوله أعلم قد أخبرناه ما عندنا فكشفت عنی غما شدیدا فدخل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال خذی و دعینی من اللحم فجعل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یثرد و یفرق اللحم ثم یحم هذا و یحم هذا (2) فما زال یقرب إلی الناس حتی شبعوا أجمعین و یعود التنور و القدر أملأ ما كانا ثم قال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله كلی و اهدی فلم نزل نأكل و نهدی قومنا أجمع- أورده البخاری فی الصحیح (3)..
وَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ یَوْمَ الْأَحْزَابِ وَ قَدْ وَارَی التُّرَابُ بَیَاضَ بَطْنِهِ وَ هُوَ یَقُولُ:
لَاهُمَّ (4) لَوْلَا أَنْتَ لَمَا اهْتَدَیْنَا***وَ لَا تَصَدَّقْنَا وَ لَا صَلَّیْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِینَةً عَلَیْنَا*** وَ ثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَیْنَا
إِنَّ الْأُولَی (5) قَدْ بَغَوْا عَلَیْنَا*** إِذَا (6) أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَیْنَا
ص: 199
یَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ- رواه البخاری أیضا فی الصحیح عن أبی الولید (1) عن شعبة عن أبی إسحاق عن البراء.
قالوا و لما فرغ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من الخندق أقبلت قریش حتی نزلت بین الجرف و الغابة (2) فی عشرة آلاف من أحابیشهم و من تابعهم من بنی كنانة و أهل تهامة و أقبلت غطفان و من تابعهم من أهل نجد حتی نزلوا إلی جانب أحد و خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و المسلمون حتی جعلوا ظهورهم إلی سلع (3) فی ثلاثة آلاف من المسلمین فضرب هناك عسكره و الخندق بینه و بین القوم و أمر بالذراری و النساء فرفعوا فی الآطام و خرج عدو اللّٰه حیی بن أخطب النضیری حتی أتی كعب بن أسد القرظی صاحب بنی قریظة و كان قد وادع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی قومه و عاهده علی ذلك فلما سمع كعب صوت ابن أخطب أغلق دونه حصنه فاستأذن علیه فأبی أن یفتح له فناداه یا كعب افتح لی فقال ویحك یا حیی إنك رجل مشئوم إنی قد عاهدت محمدا و لست بناقض ما بینه و بینی و لم أر منه إلا وفاء و صدقا قال ویحك
ص: 200
افتح لی أكلمك قال ما أنا بفاعل قال إن أغلقت دونی إلا علی جشیشة (1) تكره أن نأكل منها معك فأحفظ الرجل ففتح له فقال ویحك یا كعب جئتك بعز الدهر و ببحر طام جئتك بقریش علی سادتها و قادتها و بغطفان علی سادتها و قادتها قد عاهدونی أن لا یبرحوا حتی یستأصلوا محمدا و من معه فقال كعب جئتنی و اللّٰه بذل الدهر بجهام قد أهراق ماؤه برعد و ببرق (2) و لیس فیه شی ء فدعنی و محمدا و ما أنا علیه فلم أر من محمد إلا صدقا و وفاء فلم یزل حیی بكعب یفتل منه فی الذروة و الغارب (3) حتی سمح له علی أن أعطاه عهدا و میثاقا لئن رجعت قریش و غطفان و لم یصیبوا محمدا أن أدخل معك فی حصنك حتی یصیبنی ما أصابك فنقض كعب عهده و بر مما كان علیه فیما بینه و بین رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فلما انتهی الخبر إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بعث سعد بن معاذ بن النعمان بن إمرئ القیس أحد بنی عبد الأشهل و هو یومئذ سید الأوس و سعد بن عبادة أحد بنی ساعدة بن كعب بن الخزرج و هو یومئذ سید الخزرج و معهما عبد اللّٰه بن رواحة و خوات بن جبیر فقال انطلقوا حتی تنظروا أ حق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا فإن كان حقا فالحنوا لنا لحنا نعرفه و لا تفتوا أعضاد الناس و إن كانوا علی الوفاء فاجهروا به للناس فخرجوا حتی أتوهم فوجدوهم علی أخبث مما بلغهم عنهم قالوا لا عقد بیننا و بین محمد و لا عهد فشاتمهم سعد بن عبادة (4) و شاتموه فقال سعد بن معاذ دع عنك مشاتمتهم فإن ما بیننا و بینهم أعظم من المشاتمة ثم أقبلوا إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قالوا عضل و القارة لغدر (5) عضل و القارة بأصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله خبیب بن عدی و أصحابه أصحاب الرجیع فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله اللّٰه أكبر أبشروا یا معشر المسلمین.
ص: 201
و عظم عند ذلك البلاء و اشتد الخوف و أتاهم عدوهم من فوقهم و من أسفل منهم حتی ظن المؤمنون كل ظن و ظهر النفاق (1) من بعض المنافقین فأقام رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أقام المشركون علیه بضعا و عشرین لیلة لم یكن بینهم قتال إلا الرمی بالنبل إلا أن فوارس من قریش منهم عمرو بن عبد ود (2) أخو بنی عامر بن لؤی و عكرمة بن أبی جهل و ضرار بن الخطاب (3) و هبیرة بن أبی وهب و نوفل بن عبد اللّٰه قد تلبسوا للقتال و خرجوا علی خیولهم حتی مروا بمنازل بنی كنانة فقالوا تهیئوا للحرب یا بنی كنانة فستعلمون الیوم من الفرسان ثم أقبلوا تعنق (4) بهم خیولهم حتی وقفوا علی الخندق فقالوا و اللّٰه إن هذه لمكیدة ما كانت العرب تكیدها ثم تیمموا مكانا ضیقا من الخندق فضربوا خیولهم فاقتحموا فجالت بهم فی السبخة بین الخندق و سلع و خرج علی بن أبی طالب فی نفر من المسلمین حتی أخذ منهم الثغرة (5) التی منها اقتحموا و أقبلت الفرسان نحوهم و كان عمرو بن عبد ود فارس قریش و كان قد قاتل یوم بدر حتی ارتث (6) و أثبته الجراح فلم یشهد أحدا فلما كان یوم الخندق خرج معلما لیری مشهده و كان یعد بألف فارس و كان یسمی فارس یلیل لأنه أقبل فی ركب من قریش حتی إذا هو بیلیل (7) و هو واد قریب من بدر عرضت لهم بنو بكر فی عدد فقال لأصحابه امضوا فمضوا فقام فی وجوه بنی بكر حتی منع