دروس حوزه - پايه پنجم

مشخصات كتاب

سرشناسه:مركز تحقيقات رايانه اي قائميه اصفهان،1389

عنوان و نام پديدآور:دروس حوزه (پايه پنجم)/ واحد تحقيقات مركز تحقيقات رايانه اي قائميه اصفهان

مشخصات نشر:اصفهان:مركز تحقيقات رايانه اي قائميه اصفهان 1389.

مشخصات ظاهري:نرم افزار تلفن همراه و رايانه

موضوع : حوزه و دانشگاه.

موضوع : حوزه هاي علميه-- ايران.

موضوع : دانشگاه ها و مدارس عالي-- ايران.

شناسه افزوده : مركز تحقيقات رايانه اي قائميه اصفهان

اصول المظفر

تعريف علم الأصول

تعريف علم الأصول:

علم أصول الفقه هو (علم يبحث فيه عن قواعد تقع نتيجتها في طرق استنباط الحكم الشرعي). (مثاله) - إن الصلاة واجبة في الشريعة الإسلأمية المقدسة و قد دل علي و جوبها من القران الكريم قوله تعالي: (وإن أقيموا الصلاة). (إن الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا). و لكن دلالة الآية الأولي متوقفة علي ظهور صيغة الأمر نحو (أقيموا) هنا - في الوجوب و متوقفة أيضا علي إن ظهور القران حجة يصح الاستدلال به. و هاتان المسألتان يتكفل ببيانهما (علم الأصول). فإذا علم الفقيه من هذا العلم إن صيغة الأمر ظاهرة في الوجوب و إن ظهور القران حجة - استطاع إن يستنبط من هذه الآية الكريمة المذكورة إن الصلاة واجبة. و هكذا في كل حكم شرعي مستفاد من أي دليل شرعي أو عقلي لا بد إن يتوقف استنباطه من الدليل علي مسألة أو أكثر من مسائل هذا العلم.

ص 6

الحكم: واقعي و ظاهري. و الدليل: اجتهادي و فقاهتي. ثم لا يخفي إن الحكم الشرعي الذي جاء ذكره في التعريف السابق علي نحوين:

1 إن يكون ثابتا للشيء بما هو في نفسه فعل من الأفعال، كالمثال المتقدم اعني. وجوب الصلاة، فالوجوب ثابت للصلاة بما هي صلاة في نفسها و فعل من الأفعال مع

قطع النظر عن أي شيء آخر. و يسمي مثل هذا الحكم (الحكم الواقعي). و الدليل الدال عليه (الدليل الاجتهادي).

2 إن يكون ثابتا للشيء بما إنه مجهول حكمه الواقعي، كما إذا اختلف الفقهاء في حرمة النظر إلي الأجنبية، أو وجوب الإقأمة للصلاة. فعند عدم قيأم الدليل علي أحد الأقوال لدي الفقيه يشك في الحكم الواقعي الأولي المختلف فيه و لأجل ألا يبقي في مقام العمل متحيرا لا بد له من وجود حكم آخر و لو كان عقليا، كوجوب الاحتياط أو البراءة أو عدم الاعتناء بالشك. و يسمي مثل هذا الحكم الثانوي (الحكم الظاهري). و الدليل الدال عليه (الدليل الفقاهتي) أو (الأصل العملي). و مباحث الأصول منها ما يتكفل للبحث عما تقع نتيجته في طريق استنباط الحكم الواقعي و منها ما يقع في طريق الحكم الظاهري. و يجمع الكل. (وقوعها في طريق استنباط الحكم الشرعي) عدي ما ذكرناه في التعريف. موضوع علم الأصول: إن هذا العلم غير متكفل للبحث عن موضوع خاص، بل يبحث عن موضوعات شتي تشترك كلها في غرضنا المهم منه و هو استنباط الحكم الشرعي. فلا وجه لجعل موضوع هذا العلم خصوص (الأدلة الأربعة) فقط و هي الكتاب و السنة و الإجماع و العقل، أو بإضافة الاستصحاب، أو بإضافة القياس و الاستحسان، كما صنع المتقدمون. و لا حاجة إلي الالتزأم بأن العلم لا بد له من موضوع يبحث عن

ص 7

عوارضه الذاتية في ذلك العلم، كما تسالمت عليه كلمة المنطقيين، فإن هذا لا ملزم له و لا دليل عليه. فائدته: إن كل متشرع يعلم إنه ما من فعل من أفعال الإنسان الاختيارية الا و له حكم في الشريعة الإسلأمية المقدسة من وجوب أو حرمة أو

نحوهما من الأحكام الخمسة. و يعلم أيضا إن تلك الأحكام ليست كلها معلومة لكل أحد بالعلم الضروري، بل يحتاج أكثرها لإثباتها إلي إعمال النظر و إقأمة الدليل، أي إنها من العلوم النظرية. و علم الأصول هو العلم الوحيد المدون للاستعانة به علي الاستدلال علي إثبات الأحكام الشرعية، ففائدته أذن الاستعانة علي الاستدلال للأحكام من أدلتها.

المقدمة

المدخل

المقدمة

1- حقيقة الوضع

2- من الواضع؟

3 - الوضع تعييني و تعيني

4 - أقسأم الوضع

5- استحالة القسم الرابع

6 - وقوع الوضع العام و الموضوع له الخاص و تحقيق المعني الحرفي

7- الاستعمال حقيقي و مجازي

8 - الدلالة تابعة للإرادة

9 - الوضع شخصي و نوعي

10 - وضع المركبات

11- علأمات الحقيقة و المجاز

12 - الأصول اللفظية

13 - الترادف و الاشتراك:

14 - الحقيقة الشرعية:

تنبيهان

1 - لا يجري النزاع في المعاملات بمعني المسببات:

2 - لا ثمرة للنزاع في المعاملات الا في الجملة:

تبحث عن أمور لها علاقة بوضع الألفاظ و استعمالها و دلالتها و فيها أربعة عشر مبحثا:

1- حقيقة الوضع

1- حقيقة الوضع

لاشك إن دلالة الألفاظ علي معانيها في أية لغة كانت ليست ذاتية، كذاتية دلالة الدخان - مثلا - علي وجود النار و إن توهم ذلك بعضهم، لأن لازم هذا الزعم إن يشترك جميع البشر في هذه الدلالة، مع إن الفارسي مثلا لا يفهم الألفاظ العربية و لا غيرها من دون تعلم و كذلك العكس في جميع اللغات. و هذا واضح و عليه، فليست دلالة الألفاظ علي معانيها الا بالجعل و التخصيص من واضع تلك الألفاظ لمعانيها. ولذ تدخل الدلالة اللفظية هذه في الدلالة الوضعية.

2- من الواضع؟

2- من الواضع؟

ولكن من ذلك الواضع الأول في كل لغة من اللغات؟ قيل: إن الواضع لا بد إن يكون شخصا واحدا يتبعه جماعة من البشر في التفاهم بتلك اللغة. و قيل - و هو الأقرب إلي الصواب - إن الطبيعة البشرية حسب القوة المودعة من الله تعالي فيها تقتضي إفادة مقاصد الإنسان بالألفاظ،

ص 10

فيخترع من عند نفسه لفظا مخصوصا عند إرادة معني مخصوص - كما هو المشاهد من الصبيان عند أول أمرهم - فيتفاهم مع الآخرين الذين يتصلون به و الآخرون كذلك يخترعون من أنفسهم ألفاظا لمقاصدهم و تتألف علي مرور الزمن من مجموع ذلك طائفة صغيرة من الألفاظ، حتي تكون لغة خاصة، لها قواعدها يتفاهم بها قوم من البشر. و هذه اللغة قد تتشعب بين أقوأم متباعدة و تتطور عند كل قوم بما يحدث فيها من التغيير و الزيادة، حتي قد تنبثق منها لغات أخري فيصبح لكل جماعة لغتهم الخاصة. و عليه، تكون حقيقة الوضع هو جعل اللفظ بإزاء المعني و تخصيصه به. و مما يدل علي اختيار القول الثاني في الواضع إنه لو كان الواضع شخصا واحدا

لنقل ذلك في تاريخ اللغات و لعرف عند كل لغة واضعها.

3 - الوضع تعييني و تعيني

3 - الوضع تعييني و تعيني

ثم إن دلالة الألفاظ علي معانيها الأصل فيها إن تكون ناشئة من الجعل و التخصيص و يسمي الوضع حينئذ (تعيينيا). و قد تنشأ الدلالة من اختصاص و يسمي بالمعني الحاصل هذا الاختصاص من الكثرة في الاستعمال علي درجة من الكثرة إنه تألفه الأذهان بشكل إذا سمع اللفظ ينتقل السأمع منه إلي المعني. و يسمي الوضع حينئذ (تعينيا).

4 - أقسأم الوضع

4 - أقسأم الوضع

لا بد في الوضع من تصور اللفظ و المعني؟ لأن الوضع حكم علي المعني و علي اللفظ و لا يصح الحكم علي الشيء الا بعد تصوره و معرفته بوجه من الوجوه و لو علي نحو الإجمال، لأن تصور الشيء قد يكون بنفسه و قد يكون بوجهه أي بتصور عنوان عام ينطبق عليه و يشار به إليه إذ يكون ذلك العنوان العام مرآة و كاشفا عنه كم إذا حكمت علي شبح من بعيد إنه ابيض مثلا و أنت لا تعرفه بنفسه إنه أي شيء هو و أكثر ما تعرف عنه - مثلا إنه شيء من الأشياء أو حيوان من الحيوانات. فقد صح حكمك عليه بأنه ابيض مع إنك لم تعرفه و لم تتصوره بنفسه و إنما تصورته بعنوان إنه شيء أو حيوان لا أكثر

ص 11

وأشرت به إليه. و هذا ما يسمي في عرفهم (تصور الشيء بوجهه) و هو كاف لصحة الحكم علي الشيء. و هذا بخلاف المجهول محضا فإنه لا يمكن الحكم عليه أبدا. و علي هذا، فإنه يكفينا في صحة الوضع للمعني إن نتصوره بوجهه، كما لو كنا تصورناه بنفسه. و لما عرفن إن المعني لا بد من تصوره و إن تصوره علي نحوين - فإنه بهذا الاعتبار و باعتبار

ثان هو إن المعني قد يكون خاصا أي جزئيا و قد يكون عاما أي كليا، نقول إن الوضع ينقسم إلي أربعة أقسأم عقلية:

1 - إن يكون المعني المتصور جزئيا و الموضوع له نفس الجزئي، أي إن الموضوع له معني متصور بنفسه لا بوجهه. و يسمي هذا القسم (الوضع خاص و الموضوع له خاص).

2 - إن يكون المتصور كليا و الموضوع له نفس ذلك الكلي أي إن الموضوع له كلي متصور بنفسه لا بوجهه. و يسمي هذا القسم (الوضع عام و الموضوع له عام).

3 - إن يكون المتصور كليا و الموضوع له أفراد الكلي لا نفسه، أي إن الموضوع له جزئي غير متصور بنفسه بل بوجهه و يسمي هذا القسم (الوضع عام و الموضوع له خاص).

4 - إن يكون المتصور جزئيا و الموضوع له كليا لذلك الجزئي و يسمي هذا القسم (الوضع خاص و الموضوع له عام). إذا عرفت هذه الأقسأم المتصورة العقلية، فنقول. لا نزاع في أمكان الأقسأم الثلاثة الأولي، كما لا نزاع في وقوع القسمين الأولين. و مثال الأول الأعلام الشخصية كمحمد و علي و جعفر و مثال الثاني أسماء الأجناس كماء و سماء و نجم و إنسان و حيوان. و إنما النزاع وقع في أمرين: الأول في أمكان القسم الرابع و الثاني في وقوع القسم الثالث بعد التسليم بأمكانه. و الصحيح عندنا استحالة الرابع و وقوع

ص 12

الثالث و مثاله الحروف و أسماء الإشارة و الضمائر و الاستفهأم و نحوها علي ما سيأتي.

5- استحالة القسم الرابع

5- استحالة القسم الرابع

أما استحالة الرابع و هو الوضع الخاص و الموضوع له العام فنقول في بيانه: إن النزاع في أمكان ذلك ناشئ من النزاع في أمكان إن يكون الخاص وجه

و عنوانا للعام و ذلك لما تقدم إن المعني الموضوع له لا بد من تصوره بنفسه أو بوجهه لاستحالة الحكم علي المجهول و المفروض في هذا القسم إن المعني الموضوع له لم يكن متصورا و إنما تصور الخاص فقط و إلا لو كان متصورا بنفسه و لو بسبب تصور الخاص كان من القسم الثاني و هو الوضع العام و الموضوع له العام. و لا كلأم في أمكانه بل في وقوعه كما تقدم. فلا بد حينئذ للقول بأمكان القسم الرابع من إن نفرض إن الخاص يصح إن يكون وجها من وجوه العام وجهة من جهاته حتي يكون تصوره كافيا عن تصور العام بنفسه و مغني عنه، لأجل إن يكون تصورا للعام بوجه. و لكن الصحيح الواضح لكل مفكر إن الخاص ليس من وجوه العام بل الأمر بالعكس من ذلك، فإن العام هو وجه من وجوه الخاص وجهة من جهاته. و لذا قلنا بأمكان القسم الثالث و هو (الوضع العام و الموضوع له الخاص) لأنا إذ تصورنا العام فقد تصورنا في ضمنه جميع أفراده بوجه، فيمكن الوضع لنفس ذلك العام من جهة تصوره بنفسه فيكون من القسم الثاني و يمكن الوضع لأفراده من جهة تصورها بوجهها فيكون من الثالث. بخلاف الأمر في تصور الخاص فلا يمكن الوضع معه الا لنفس ذلك الخاص و لا يمكن الوضع للعام لأنا لم نتصوره أصلا لا بنفسه بحسب الفرض و لا بوجهه إذ ليس الخاص وجها له. و يستحيل الحكم علي المجهول المطلق.

6 - وقوع الوضع العام و الموضوع له الخاص و تحقيق المع

6 - وقوع الوضع العام و الموضوع له الخاص و تحقيق المعني الحرفي

أما وقوع القسم الثالث، فقد قلنا: إن مثاله وضع الحروف و ما يلحق بها

ص 13

من أسماء

الإشارة و الضمائر و الموصولات و الاستفهأم و نحوها. و قبل إثبات ذلك لا بد من (تحقيق معني الحرف و ما يمتاز به عن الاسم) فنقول: الأقوال في وضع الحروف و ما يلحق بها من الأسماء ثلاثة:

1 - إن الموضوع له في الحروف هو بعينه الموضوع له في الأسماء المسانخة لها في المعني، فمعني (من) الابتدائية هو عين معني كلمة الابتداء بلا فرق. و كذا معني (علي) معني كلمة الاستعلاء و معني (في) معني كلمة الظرفية. . و هكذا. و إنما الفرق في جهة أخري و هي إن الحرف وضع لأجل إن يستعمل في معناه إذا لوحظ ذلك المعني حالة و آلة لغيره، أي إذا لوحظ المعني غير مستقل في نفسه و الاسم وضع لأجل إن يستعمل في معناه إذا لوحظ مستقلا في نفسه. مثلا - مفهوم (الابتداء) معني واحد وضع له لفظان أحدهما لفظ (الابتداء) و الثاني كلمة (من) لكن الأول وضع له لأجل إن يستعمل فيه عندما يلاحظ المستعمل مستقلا في نفسه، كما إذا قيل (ابتداء السير كان سريع). و الثاني وضع له لأجل إن يستعمل فيه عندما يلاحظه المستعمل غير مستقل في نفسه، كم إذا قيل (سرت من النجف). فتحصل إن الفرق بين معني الحرف و معني الاسم إن الأول يلاحظه المستعمل حين الاستعمال آلة لغيره و غير مستقل في نفسه و الثاني يلاحظه حين الاستعمال مستقلا، مع إن المعني في كليهما واحد. و الفرق بين وضعيهما إنما هو الغاية فقط. و لازم هذا القول إن الوضع و الموضوع له في الحروف عامان. و هذا القول منسوب إلي الشيخ الرضي نجم الأئمة و اختاره المحقق صاحب الكفاية.

2 - إن الحروف لم توضع

لمعان أصلا، بل حالها حال علأمات الإعراب في إفادة كيفية خاصة في لفظ آخر، فكما إن علأمة الرفع في قولهم (حدثنا زرارة) تدل علي إن زرارة فاعل الحديث كذلك (من) في المثال المتقدم تدل علي إن النجف مبتدأ منها و السير مبتدأ به.

ص 14

3 - إن الحروف موضوعة لمعان متبأينة في حقيقتها و سنخها للمعاني الاسمية، فإن المعاني الاسمية في حد ذاتها معان مستقلة في أنفسها و معاني الحروف لا استقلال له بل هي متقومة بغيرها. و الصحيح هذا القول الثالث. و يحتاج إلي توضيح و بيان: إن المعاني الموجودة في الخارج علي نحوين: الأول - ما يكون موجودا في نفسه، (كزيد) الذي هو من جنس الجوهر و (قيأمه) مثلا الذي هو من جنس العرض، فإن كلا منهما موجود في نفسه. و الفرق إن الجوهر موجود في نفسه لنفسه و العرض موجود في نفسه لغيره. الثاني - ما يكون موجودا لا في نفسه، كنسبة القيأم إلي زيد. و الدليل علي كون هذ المعني لا في نفسه: إنه لو كان للنسب و الروابط وجودات استقلالية، للزم وجود الرابط بينها و بين موضوعاتها، فننقل الكلام إلي ذلك الرابط و المفروض إنه موجود مستقل، فل بد له من رابط أيضا. . و هكذا ننقل الكلام إلي هذا الرابط فيلزم التسلسل و التسلسل باطل، فيعلم من ذلك إن وجود الروابط و النسب في حد ذاته متعلق بالغير و لا حقيقة له الا التعلق بالطرفين. ثم إن الإنسان في مقام إفادة مقاصده كما يحتاج إلي التعبير عن المعاني المستقلة كذلك يحتاج إلي التعبير عن المعاني غير المستقلة في ذاتها، فحكمة الوضع تقتضي إن توضع بإزاء كل القسمين ألفاظ خاصة و

الموضوع بإزاء المعاني المستقلة هي الأسماء و الموضوع بإزاء المعاني غير المستقلة هي الحروف و ما يلحق بها. و هذه المعاني غير المستقلة لما كانت علي أقسأم شتي فقد وضع بإزاء كل قسم لفظ يدل عليه، أو هيئة لفظية تدل عليه. مثلا - إذا قيل (نزحت البئر في دارنا بالدلو) ففيه عدة نسب مختلفة و معان غير مستقلة: احدها نسبة النزح إلي فاعله و الدال عليها هيئة الفعل للمعلوم و ثانيتها نسبته إلي ما وقع عليه أي مفعوله و هو البئر و الدال عليها هيئة النصب

ص 15

في الكلمة و ثالثتها إلي المكان و الدال عليها كلمة (في) و رابعتها نسبته إلي الآلة و الدال عليها لفظ الباقي في كلمة (بالدلو). و من هنا يعلم إن الدال علي المعاني غير المستقلة ربما يكون لفظا مستقلا كلفظة من و الي و في. و ربما يكون هيئة في اللفظ كهيئات المشتقات و الأفعال و هيئات الإعراب،

(النتيجة):

فقد تحقق مما بيناه إن الحروف لها معان تدل عليها كالأسماء و الفرق إن المعاني الاسمية مستقلة في أنفسها و قابلة لتصورها في ذاتها و إن كانت في الوجود الخارجي محتاجة إلي غيرها كالأعراض و أم المعاني الحرفية فهي معان غير مستقلة و غير قابلة للتصور الا في ضمن مفهوم آخر. و من هنا يشبه كل أمر مستقل بالمعني الحرفي.

(بطلان القولين الأولين)

وعلي هذا، يظهر بطلان القول الثاني القائل إن الحروف لا معاني لها و كذلك القول الأول القائل إن المعني الحرفي و الاسمي متحدان بالذات مختلفان باللحاظ. و يرد هذا القول أيضا إنه لو صح اتحاد المعنيين لجاز استعمال كل من الحرف و الاسم في موضع الآخر، مع إنه لا يصح بالبداهة حتي

علي نحو المجاز، فلا يصح بدل قولنا: زيد في الدار - مثلا - إن يقال زيد الظرفية الدار. و قد أجيب عن هذا الإيراد بأنه إنما لا يصح أحدهما في موضع الآخر لأن الواضع اشترط ألا يستعمل لفظ الظرفية الا عند لحاظ معناه مستقلا و لا يستعمل لفظ (في) الا عند لحاظ معناه غير مستقل و آلة لغيره. ولكنه جواب غير صحيح لأنه ل دليل علي وجوب أتباع ما يشترطه الواضع إذا لم يكن اشتراطه يوجب اعتبار خصوصية في اللفظ و المعني. و علي تقدير إن يكون الواضع ممن تجب طاعته فمخالفته توجب العصيان ل غلط الكلام.

ص 16

(زيادة أيضاح)

إذ قد عرفت إن الموجودات (1) منها ما يكون مستقلا في الوجود و منه ما يكون رابطا بين موجودين - فاعلم إن كل كلأم مركب من كلمتين أو أكثر إذا ألقيت كلماته بغير ارتباط بينهما فإن كل واحد منها كلمة مستقلة في نفسها لا ارتباط له بالأخري و إنما الذي يربط بين المفردات و يؤلفها كلأما واحدا هو الحرف أو إحدي الهيئات الخاصة. فأنت إذا قلت مثلا: إنا. كتب. قلم - لا يكون بين هذه الكلمات ربط و إنما هي مفردات صرفة منثورة. أما إذا قلت: كتبت بالقلم - كان كلأما واحدا مرتبط بعضه مع بعض مفهما للمعني المقصود منه. و ما حصل هذا الارتباط و الوحدة الكلامية ال بفضل الهيئة المخصوصة لكتبت و حرف الباء و أل. و عليه يصح إن يقال إن الحروف هي روابط المفردات المستقلة و المؤلفة للكلأم الواحد و الموحدة للمفردات المختلفة، شأنها شأن النسبة بين المعاني المختلفة و الرابطة بين المفاهيم غير المربوطة. فكما إن النسبة رابطة بين المعاني و مؤلفة

بينها فكذلك الحرف الدال عليها رابط بين الألفاظ و مؤلف بينها. و الي هذا أشار سيد الأولياء أمير المؤمنين عليه السلأم بقوله المعروف في تقسيم الكلمات: (الاسم ما أنبأ عن المسمي و الفعل ما أنبأ عن حركة المسمي و الحرف ما أوجد معني في غيره). فأشار إلي إن المعاني الاسمية معان استقلالية و معاني الحروف غير مستقلة في نفسها و إنما هي تحدث الربط بين المفردات. و لم نجد في تعاريف القوم للحرف تعريفا جأمعا صحيحا مثل هذا التعريف.

(هامش)

(1) ينبغي إن يقال للتوضيح إن الموجودات علي أربعة إنحاء: موجود في نفسه لنفسه بنفسه و هو واجب الوجود و موجود في نفسه لنفسه و هو الجوهر كالجسم و النفس و موجود في نفسه لغيره بغيره و هو العرض و موجود في غيره و هو أضعفها و هو المعني الحرفي المعبر عنه بالرابط. فالأقسأم الثلاثة الأولي الموجودات المستقلة و الرابع، عداها الذي هو المعني الحرفي؟ ؟ الذي لا وجود له الا وجود طرفيه.

ص 17

الوضع في الحروف عام و الموضوع له خاص

إذا اتضح جميع ما تقدم يظهر إن كل نسبة حقيقتها متقومة بطرفيها علي وجه لو قطع النظر عن الطرفين لبطلت و انعدمت، فكل نسبة في وجودها الرابط مباينة لأية نسبة أخري و لا تصديق عليها و هي في حد ذاتها مفهوم جزئي حقيقي. و عليه لا يمكن فرض النسبة مفهوما كليا ينطبق علي كثيرين و هي متقومة بالطرفين و إلا لبطلت و انسلخت عن حقيقة كونها نسبة. ثم إن النسب غير محصورة فلا يمكن تصور جميعها للواضع، فلا بد في مقام الوضع لها من تصور معني اسمي يكون عنوانا للنسب غير المحصورة حاكيا عنها و ليس العنوان

في نفسه نسبة، كمفهوم لفظ (النسبة الابتدائية) المشار به إلي أفراد النسب الابتدائية الكلامية. ثم يضع لنفس الأفراد غير المحصورة التي لا يمكن التعبير عنها الا بعنوانها. و بعبارة أخري إن الموضوع له هو النسبة الابتدائية بالحمل الأولي فليست بنسبة حقيقة بل تكون طرفا للنسبة كما لو قلت: الابتداء كان من هذا المكان. و من هذا يعلم حال أسماء الإشارة و الضمائر و الموصولات و نحوها. فالوضع في الجميع عام و الموضوع له خاص.

7- الاستعمال حقيقي و مجازي

7- الاستعمال حقيقي و مجازي

استعمال اللفظ في معناه الموضوع له (حقيقة) و استعماله في غيره المناسب له (مجاز) و في غير المناسب (غلط). و هذا أمر محل وفاق. ولكنه وقع الخلاف في الاستعمال المجازي في إن صحته هل هي متوقفة علي ترخيص الواضع و ملاحظة العلاقات المذكورة في علم البيان، أو إن صحته طبعية تابعة لاستحسان الذوق السليم، فكلما كان المعني غير الموضوع له مناسبا للمعني الموضوع له و استحسنه الطبع صح استعمال اللفظ فيه و إلا فلا؟

ص 18

وإلا رجع القول الثاني، لأنا نجد صحة استعمال الأسد في الرجل الشجاع مجازا و إن منع منه الواضع و عدم صحة استعماله مجازا في كريه رائحة الفم - كما يمثلون - و إن رخص الواضع. و مؤيد ذلك اتفاق اللغات المختلفة غالبا في المعاني المجازية فتري في كل لغة يعبر عن الرجل الشجاع باللفظ الموضوع للأسد. و هكذا في كثير من المجازات الشائعة عند البشر.

8 - الدلالة تابعة للإرادة

8 - الدلالة تابعة للإرادة

قسموا الدلالة إلي قسمين: التصورية و التصديقية:

1 - (التصورية) و هي إن ينتقل ذهن الإنسان إلي معني اللفظ بمجرد صدوره من لافظ و لو علم إن اللافظ لم يقصده، كانتقال الذهن إلي المعني الحقيقي عند استعمال اللفظ في معني مجازي، مع إن المعني الحقيقي ليس مقصودا للمتكلم، كانتقال الذهن إلي المعني من اللفظ الصادر من الساهي أو النائم أو الغالط. 2 - (التصديقية) و هي دلالة اللفظ علي إن المعني مراد للمتكلم في اللفظ و قاصد لاستعماله فيه. و هذه الدلالة متوقفة علي عدة أشياء (أولا) علي إحراز كون المتكلم في مقام البيان و الإفادة و (ثانيا) علي إحراز إنه جاد غير هازل و (ثالثا) علي إحراز إنه

قاصد لمعني كلأمه شاعر به و (رابع) علي عدم نصب قرينة علي إرادة خلاف الموضوع له و إلا كانت الدلالة التصديقية علي طبق القرينة المنصوبة. و المعروف إن الدلالة الأولي (التصورية) معلولة للوضع، أي إن الدلالة الوضعية هي الدلالة التصورية. و هذا هو مراد من يقول:

(إن الدلالة غير تابعة للإرادة بل تابعة لعلم السأمع بالوضع). و الحق إن الدلالة تابعة للإرادة و أول من تنبه لذلك فيما نعلم الشيخ نصير الدين الطوسي أعلي الله مقامه، لأن الدلالة في الحقيقة منحصرة في الدلالة التصديقية و الدلالة التصورية التي يسمونها دلالة ليست بدلالة و إن سميت كذلك فإنه من باب التشبيه و التجوز، لأن التصورية في الحقيقة هي

ص 19

من باب تداعي المعاني الذي يحصل بأدني مناسبة فتقسيم الدلالة إلي تصديقية و تصورية تقسيم الشيء إلي نفسه و الي غيره. و السر في ذلك إن الدلالة حقيقة - كما فسرناها في كتاب المنطق الجزء الأول بحث الدلالة - هي إن يكشف الدال عن وجود المدلول، فيحصل من العلم به العلم بالمدلول، سواء كان الدال لفظا أو غير لفظ. مثلا - إن طرقة الباب يقال إنها دالة علي وجود شخص علي الباب طالب لأهل الدار، باعتبار إن المطرقة موضوعة لهذه الغاية. و تحليل هذا المعني إن سماع الطرقة يكشف عن وجود طالب قاصد للطلب فيحصل من العلم بالطرقة، العلم بالطارق و قصده و لذلك يتحرك السأمع إلي إجابته. لا إنه ينتقل ذهن السأمع من تصور الطرقة إلي تصور شخص ما، فإن هذا الأنتقال قد يحصل فمجرد تصور معني الباب أو الطرقة من دون إن يسمع طرقة و لا يسمي ذلك دلالة. و لذا إن الطرقة - لو كانت علي

نحو مخصوص يحصل من حركة الهواء مثلا - لا تكون دالة علي ما وضعت له المطرقة و إن خطر في ذهن السأمع معني ذلك. و هكذا نقول في دلالة الألفاظ علي معانيه بدون فرق، فإن اللفظ إذا صدر من المتكلم علي نحو يجرز معه إنه جاد فيه غير هازل و إنه عن شعور و قصد و إن غرضه البيان و الإفهأم و معني إحراز ذلك إن السأمع علم بذلك، فإن كلأمه يكون حينئذ دالا علي وجود المعني أي وجوده في نفس المتكلم بوجود قصدي، فيكون علم السأمع بصدور الكلام منه يستلزم علمه بأن المتكلم قاصد لمعناه لأجل إن يفهمه السأمع. و بهذا يكون الكلام دالا كما تكون الطرقة دالة. و ينعقد بهذا للكلأم ظهور في معناه الموضوع له أو المعني الذي أقيمت علي أرادته قرينة. و لذا نحن عرفن الدلالة اللفظية في المنطق (1 / 26) بأنها (هي كون اللفظ بحالة ينشأ من العلم بصدوره من المتكلم العلم بالمعني المقصود به). و من هنا سمي المعني معني، أي المقصود، من عناه إذا قصده. و لأجل إن يتضح هذا الأمر جيدا اعتبر باللافتات التي توضع في هذا

ص 20

العصر للدلالة علي إن الطريق مغلوق - مثلا - أو إن الاتجاه في الطريق إلي اليمين أو اليسار و نحو ذلك. فإن اللافتة إذا كانت موضوعة في موضعها اللائق علي وجه منظم بنحو يظهر منه إن وضعها لهدأية المستطرقين كان مقصودا لواضعها، فإن وجودها هكذا يدل حينئذ علي ما يقصد منها من غلق الطريق أو الاتجاه. أما لو شاهدتها مطروحة في الطريق مهملة أو عند الكاتب يرسمها فإن المعني المكتوب يخطر في ذهن القارئ و لكن لا تكون دالة

عنده علي إن الطريق مغلوقة أو إن الاتجاه كذا، بل أكثر ما يفهم من ذلك إنه ستوضع لتدل علي هذا بعد ذلك لا إن لها الدلالة فعلا.

9 - الوضع شخصي و نوعي

9 - الوضع شخصي و نوعي

قد عرفت في المبحث الرابع إنه لا بد في الوضع من تصور اللفظ و المعني و عرفت هناك إن المعني تارة يتصوره الواضع بنفسه و أخري بوجهه و عنوانه. فاعرف هنا إن اللفظ أيضا كذلك ربم يتصوره الواضع بنفسه و يضعه للمعني كما هو الغالب في الألفاظ، فيسمي الوضع حينئذ (شخصيا). و ربما يتصوره بوجهه و عنوانه، فيسمي الوضع (نوعيا). و مثال الوضع النوعي الهيئات، فإن الهيئة غير قابلة للتصور بنفسها، بل إنما يصح تصورها في مادة من مواد اللفظ كهيئة كلمة ضرب مثلا - و هي هيئة الفعل الماضي - فإن تصورها لا بد إن يكون في ضمن الضاد و الراء و الباء أو ضمن الفاء و العين و اللأم في فعل. و لما كانت المواد غير محصورة و لا يمكن تصور جميعها فلا بد من الإشارة إلي أفرادها بعنوان عام فيضع كل هيئة تكون علي زنة فعل مثلا أو زنة فاعل أو غيرهما و يتوصل إلي تصور ذلك العام بوجود الهيئة في إحدي المواد كمادة فعل التي جرت الاصطلاحات عليها عند علماء العربية.

10 - وضع المركبات

10 - وضع المركبات

ثم إن الهيئة الموضوعة؟ ؟ لمعني تارة تكون في المفردات كهيئات المشتقات التي تقدمت الإشارة إليها و أخري في المركبات كالهيئة التركيبية بين المبتدأ و الخبر

ص 21

لإفادة حمل شيء علي شيء و كهيئة تقديم ماحقه التأخير لإفادة الاختصاص. و من هنا تعرف إنه لا حاجة إلي وضع الجمل و المركبات في إفادة معانيها زائدا علي وضع المفردات بالوضع الشخصي و الهيئات بالوضع النوعي - كما قيل - بل هو لغو محض. و لعل من ذهب إلي وضعها أراد به وضع الهيئات التركيبية

لا الجملة بأسرها بموادها و هيئاتها زيادة علي وضع أجزائها. فيعود النزاع حينئذ لفظيا.

11- علأمات الحقيقة و المجاز

11- علأمات الحقيقة و المجاز

علأمات الحقيقة و المجاز:

قد يعلم الإنسان - أما من طريق نص أهل اللغة أو لكونه نفسه من أهل اللغة - إن لفظ كذا موضوع لمعني كذا و لا كلأم لأحد في ذلك، فإنه من الواضح إن استعمال اللفظ في ذلك المعني حقيقة و في غيره مجاز. و قد يشك في وضع لفظ مخصوص لمعني مخصوص، فلا يعلم إن استعماله فيه هل كان علي سبيل الحقيقة فلا يحتاج إلي نصب قرينة عليه، أو علي سبيل المجاز فيحتاج إلي نصب القرينة. و قد ذكر الأصوليون لتعيين الحقيقة من المجاز - أي لتعيين إنه موضوع لذلك المعني أو غير موضوع - طرقا و علأمات كثيرة نذكر هنا أهمها:

(الأولي - التبادر)

دلالة كل لفظ علي أي معني لا بد لها من سبب. و السبب لا يخلو فرضه عن أحد أمور ثلاثة: المناسبة الذاتية. و قد عرفت بطلانها، أو العلقة الوضعية، أو القرينة الحالية أو المقالية. فإذا علم إن الدلالة مستندة إلي نفس اللفظ من غير اعتماد علي قرينة فإنه يثبت إنها من جهة العلقة الوضعية. و هذا هو المراد بقولهم (التبادر علأمة الحقيقة). و المقصود من كلمة التبادر هو إنسباق المعني من نفس اللفظ مجردا عن كل قرينة. و قد يعترض علي ذلك بأن التبادر لا بد له من سبب و ليس هو إلا العلم بالوضع، لأن من الواضح إن الأنسباق لا يحصل من اللفظ إلي معناه في أية

ص 22

لغة لغير العالم بتلك اللغة، فيتوقف التبادر علي العلم بالوضع. فلو أردنا إثبات الحقيقة و تحصيل العلم بالوضع بسبب التبادر - لزم الدور

المحال. فلا يعقل - علي هذ - إن يكون التبادر علأمة للحقيقة يستفاد منه العلم بالوضع و المفروض إنه مستفاد من العلم بالوضع. و (الجواب): إن كل فرد من أية أمة يعيش معها لا بد إن يستعمل الألفاظ المتداولة عندها تبعا لها و لا بد إن يرتكز في ذهنه معني اللفظ ارتكازا يستوجب إنسباق ذهنه إلي المعني عند سماع اللفظ و قد يكون ذلك الارتكاز من دون التفات تفصيلي إليه و إلي خصوصيات المعني. فإذا أراد الإنسان معرفة المعني و تلك الخصوصيات و توجهت نفسه إليه - فإنه يفتش عما هو مرتكز في نفسه من المعني، فينظر إليه مستقل عن القرينة، فيري إن المتبادر من اللفظ الخاص ما هو من معناه الارتكازي. فيعرف إنه حقيقة فيه. فالعلم بالوضع لمعني خاص بخصوصياته التفصيلية أي الالتفات التفصيلي إلي الوضع و التوجه إليه يتوقف علي التبادر و التبادر إنما هو موقوف علي العلم الارتكازي بوضع اللفظ لمعناه غير الملتفت إليه. و الحاصل إن هناك علمين: أحدهما يتوقف علي التبادر و هو العلم التفصيلي و الآخر يتوقف التبادر عليه و هو العلم الإجمالي الارتكازي. هذا الجواب بالقياس إلي العالم بالوضع و أما بالقياس إلي غير العالم به فلا يعقل حصول التبادر عنده لفرض جهله باللغة. نعم يكون التبادر أمارة علي الحقيقة عنده إذا شاهد التبادر عند أهل اللغة، يعني إن الأمارة عنده تبادر غيره من أهل اللغة. مثلا إذا شاهد الأعجمي من أصحاب اللغة العربية إنسباق أذهانهم من لفظ الماء المجرد عن القرينة إلي الجسم السائل البارد بالطبع، فلا بد إن يحصل له العلم بأن هذا اللفظ موضوع لهذا المعني عندهم. و عليه فلا دور هنا لأن علمه يتوقف

علي التبادر يتوقف علي علم غيره.

(العلأمة الثانية - عدم صحة السلب و صحته، الحمل و عدمه)

ذكروا: إن عدم صحة سلب اللفظ عن المعني الذي يشك في وضعه له

ص 23

علأمة إنه حقيقة فيه و إن صحة السلب علأمة علي إنه مجاز فيه. و ذكروا أيضا: إن صحة حمل اللفظ علي ما يشك في وضعه له علأمة الحقيقة و عدم صحة الحمل علأمة علي المجاز. و هذا ما يحتاج إلي تفصيل و بيان، فلتحقيق الحمل و عدمه و السلب و عدمه نسلك الطرق الآتية:

1 - نجعل المعني الذي يشك في وضع اللفظ له (موضوعا) و نعبر عنه بأي لفظ كان يدل عليه. ثم نجعل اللفظ المشكوك في وضعه لذلك المعني (محمولا) بما له من المعني الارتكازي. ثم نجرب إن نحمل بالحمل الأولي اللفظ بما له من المعني المرتكز في الذهن علي ذلك اللفظ الدال علي المعني المشكوك وضع اللفظ له. و الحمل الأولي ملاكه الاتحاد في المفهوم و التغاير بالاعتبار (1). و حينئذ إذا أجرينا هذه التجربة فإن وجدنا عند أنفسنا صحة الحمل و عدم صحة السلب علمنا تفصيلا بأن اللفظ موضوع لذلك المعني. و إن وجدنا عدم صحة الحمل و صحة السلب علمنا إنه ليس موضوعا لذلك المعني بل يكون استعماله فيه مجازا.

2 - إذا لم يصح عندنا الحمل الأولي نجرب إن نحمله هذه المرة بالحمل الشايع الصناعي الذي ملاكه الاتحاد وجودا و التغاير مفهوما. و حينئذ، فإن صح الحمل علمنا إن المعنيين متحدان وجودا سواء كانت النسبة التساوي أو العموم من وجه (2) أو مطلقا و لا يتعين واحد منها بمجرد صحة الحمل. و إن لم يصح الحمل وصح السلب علمن أنهما متبأينان.

(هامش)

(1) و قد

شرحنا الحمل و أقسأمه في الجزء الأول من المنطق ص 76. من الطبعة الثانية. (2) إنما يفرض العموم من وجه إذا كانت القضية مهملة. (*)

ص 24

3 - نجعل موضوع القضية أحد مصاديق المعني المشكوك وضع اللفظ له لا نفس المعني المذكور. ثم نجرب الحمل - و ينحصر الحمل في هذه التجربة بالحمل الشايع - فإن صح الحمل علم منه حال المصداق من جهة كونه أحد المصاديق الحقيقة لمعني اللفظ الموضوع له سواء كان ذلك المعني نفس المعني المذكور أو غيره المتحد معه وجودا. كما يستعلم منه حال الموضوع له في الجملة من جهة شموله لذلك المصداق. بل قد يستعلم منه تعيين الموضوع له، مثلما إذا كان الشك في وضعه لمعني عام أو خاص. كلفظ (الصعيد) المردد بين إن يكون موضوعا لمطلق وجه الأرض أو لخصوص التراب الخالص، فإذا وجدنا صحة الحمل و عدم صحة السلب بالقياس إلي غير التراب الخالص من مصاديق الأرض يعلم قهرا تعيين وضعه لعموم الأرض. و إن لم يصح الحمل وصح السلب علم إنه ليس من أفراد الموضوع له و مصاديقه الحقيقية و إذا كان قد استعمل فيه اللفظ فالاستعمال يكون مجازا أما فيه رأسا أو في معني يشمله و يعمه. تنبيه: إن الدور الذي ذكر في التبادر يتوجه إشكاله هنا أيضا. و الجواب عنه نفس الجواب هناك، لأن صحة الحمل و صحة السلب إنما هما باعتبار ما للفظ من المعني المرتكز إجمالا، فلا تتوقف العلأمة الا علي العلم الارتكازي و ما يتوقف علي العلأمة هو العلم التفصيلي. هذا كله بالنسبة إلي العارف باللغة. و أم الجاهل بها فيرجع إلي أهلها في صحة الحمل و السلب و عدمهما كالتبادر.

(العلأمة الثالثة -

الاطراد) و ذكروا من جملة علأمات الحقيقة و المجاز الاطراد و عدمه، فالاطراد علأمة الحقيقة و علأمة المجاز. و معني الاطراد: إن اللفظ لا تختص صحة استعماله بالمعني المشكوك بمقام دون مقام و لا بصورة دون صورة، كما لا يختص بمصداق دون مصداق.

ص 25

والصحيح إن الاطراد ليس علأمة للحقيقة، لأن صحة استعمال اللفظ في معني بما له من الخصوصيات مرة واحدة تستلزم صحته دائما سواء كان حقيقة أم مجازا. فالاطراد لا يختص بالحقيقة حتي يكون علأمة لها.

12 - الأصول اللفظية

12 - الأصول اللفظية

تمهيد:

اعلم إن الشك في اللفظ علي نحوين:

1 - الشك في وضعه لمعني من المعاني.

2 - الشك في المراد منه بعد فرض العلم بالوضع، كان يشك في إن المتكلم أراد بقوله (رأيت أسدا) معناه الحقيقي أو معناه المجازي، مع العلم بوضع لفظ الأسد للحيوان المفترس و بأنه غير موضوع للرجل الشجاع. أما (النحو الأول) فقد كان البحث السابق معقودا لأجله، لغرض بيان العلأمات المثبتة للحقيقة أو المجاز، أي المثبتة للوضع أو عدمه. و هنا نقول: إن الرجوع إلي تلك العلأمات و أشباهها كنص أهل اللغة أمر لا بد منه في إثبات أوضاع اللغة أية لغة كانت و لا يكفي في إثباتها إن نجد في كلأم أهل تلك اللغة استعمال اللفظ في المعني الذي شك في وضعه له، لأن الاستعمال كما يصح في المعني الحقيقي يصح في المعني المجازي و ما يدرينا لعل المستعمل اعتمد علي قرينة حالية أو مقالية في تفهيم المعني المقصود له فاستعمله فيه علي سبيل المجاز. و لذا اشتهر في لسان المحققين حتي جعلوه كقاعدة قولهم: إن الاستعمال اعم من الحقيقة و المجاز. و من هنا نعلم بطلان طريقة العلماء السابقين لإثبات وضع

اللفظ بمجرد وجدان استعماله في لسان العرب، كما وقع ذلك لعلم الهدي السيد المرتضي قدس سره فإنه كان يجري أصالة الحقيقة في الاستعمال، بينما إن أصالة الحقيقة إنما تجري عند الشك في المراد لا في الوضع، كما سيأتي. و أم (النحو الثاني) فالمرجع فيه لإثبات مراد المتكلم الأصول اللفظية و هذا

ص 26

البحث معقود لأجلها. فينبغي الكلام فيها من جهتين: أولا في ذكرها و في ذكر موارده. ثانيا - في حجيتها و مدرك حجيتها. أما من (الجهة الأولي) فنقول: أهم الأصول اللفظية ما يأتي:

1 - أصالة الحقيقة:

وموردها ما إذا شك في إرادة المعني الحقيقي أو المجازي من اللفظ بأن لم يعلم وجود القرينة علي إرادة المجاز مع احتمال وجودها، فيقال حينئذ (الأصل الحقيقة)، أي الأصل إن نحمل الكلام علي معناه الحقيقي، فيكون حجة فيه للمتكلم علي السأمع و حجة فيه للسأمع علي المتكلم، فلا يصح من السأمع الاعتذار في مخالفة الحقيقة، بأن يقول للمتكلم: لعلك أردت المعني المجازي و لا يصح الاعتذار من المتكلم بأن يقول للسأمع: إني أردت المعني المجازي.

2 - أصالة العموم:

وموردها م إذا ورد لفظ عام و شك في إرادة العموم منه أو الخصوص أي شك في تخصيصه، فيقال حينئذ (الأصل العموم) فيكون حجة في العموم علي المتكلم أو السأمع.

3 - أصالة الإطلاق:

وموردها ما إذا ورد لفظ مطلق له حالات و قيود يمكن إرادة بعضها منه و شك في إرادة هذ البعض لاحتمال وجود القيد، فيقال:

(الأصل الإطلاق) فيكون حجة علي السأمع و المتكلم كقوله تعالي: أحل الله البيع فلو شك - مثلا - في البيع إنه هل يشترط في صحته إن ينشأ بألفاظ عربية، فإننا نتمسك بأصالة إطلاق البيع في الآية لنفي اعتبار

هذا الشرط و التقييد به فنحكم حينئذ بجواز البيع بالألفاظ غير العربية.

4 - أصالة عدم التقدير:

وموردها ما إذا احتمل التقدير في الكلام و ليس هناك دلالة علي التقدير،

ص 27

فالأصل عدمه. و يلحق بأصالة عدم التقدير أصالة عدم النقل و أصالة عدم الاشتراك. و موردهما ما إذا احتمل معني ثان موضوع له اللفظ، فإن كان هذا الاحتمال مع فرض هجر المعني الأول و هو المسمي بالمنقول فالأصل (عدم النقل) و إن كان مع عدم هذا الفرض و هو المسمي بالمشترك فإن الأصل (عدم الاشتراك)، فيحمل اللفظ في كل منهما علي إرادة المعني الأول ما لم يثبت النقل و الاشتراك. أما إذا ثبت النقل فإنه يحمل علي المعني الثاني و إذا ثبت الاشتراك فإن اللفظ يبقي مجملا لا يتعين في أحد المعنيين ال بقرينة علي القاعدة المعروفة في كل مشترك.

5 - أصالة الظهور:

وموردها ما إذا كان اللفظ ظاهرا في معني خاص لا علي وجه النص فيه الذي لا يحتمل معه الخلاف، بل كان يحتمل إرادة خلاف الظاهر، فإن الأصل حينئذ إن يحمل الكلام علي الظاهر فيه. و في الحقيقة إن جميع الأصول المتقدمة راجعة إلي هذا الأصل، لأن اللفظ مع احتمال المجاز - مثلا - ظاهر في الحقيقة و مع احتمال التخصيص ظاهر في العموم و مع احتمال التقييد ظاهر في الإطلاق و مع احتمال التقدير ظاهر في عدمه. فمؤدي أصالة الحقيقة نفس مؤدي أصالة الظهور في مورد احتمال التخصيص. . و هكذا في باقي الأصول المذكورة. فلو عبرن بدلا عن كل من هذه الأصول بأصالة الظهور كان التعبير صحيحا مؤديا للغرض، بل كله يرجع اعتبارها إلي اعتبار أصالة الظهور، فليس عندنا في الحقيقة الا أصل واحد

هو أصالة الظهور و لذا لو كان الكلام ظاهرا في المجاز و احتمل إرادة الحقيقة انعكس الأمر و كان الأصل من اللفظ المجاز، بمعني إن الأصل الظهور و مقتضاه الحمل علي المعني المجازي و لا تجري أصالة الحقيقة حينئذ. و هكذا لو كان الكلام ظاهرا في التخصيص أو التقييد.

حجية الأصول اللفظية:

وهي الجهة الثانية من البحث عن الأصول اللفظية و البحث عنها يأتي في

ص 28

بابه و هو باب مباحث الحجة. و لكن ينبغي الآن إن نتعجل في البحث عنها لكثرة الحاجة إليها، مكتفين بالإشارة فنقول: إن المدرك و الدليل في جميع الأصول اللفظية واحد و هو تبني العقلاء في الخطابات الجارية بينهم علي الأخذ بظهور الكلام و عدم الاعتناء باحتمال إرادة خلاف الظاهر، كما لا يعتنون باحتمال الغفلة أو الخطأ أو الهزل أو إرادة الأهمال و الإجمال، فإذا احتمل الكلام المجاز أو التخصيص أو التقييد أو التقدير لا يوقفهم ذلك عن الأخذ بظاهره، كما يلغون أيضا احتمال الاشتراك و النقل و نحوهما. و لابد: إن الشارع قد أمضي هذا البناء و جري في خطاباته علي طريقتهم هذه و إلا لزجرنا و نهانا عن هذا البناء في خصوص خطاباته، أو لبين لنا طريقته لو كان له غير طريقتهم طريقة خاصة يجب أتباعها و لا يجوز التعدي عنها إلي غيرها. فيعلم من ذلك علي سبيل الجزم إن الظاهر حجة عنده كما هو عند العقلاء بلا فرق.

13 - الترادف و الاشتراك

13 - الترادف و الاشتراك:

لا ينبغي الإشكال في أمكان الترادف و الاشتراك، بل في وقوعهما في اللغة العربية، فلا يصغي إلي مقالة من انكرهما. و هذه بين أيدينا اللغة العربية و وقوعهم فيها واضح لا يحتاج إلي بيان. و لكن ينبغي إن

نتكلم في نشأتهما، فإنه يجوز إن يكون من وضع واضع واحد، بأن يضع شخص واحد لفظين لمعني واحد أو لفضا لمعنيين و يجوز إن يكونا من وضع واضعين متعددين، فتضع قبيلة - مثلا - لفظا لمعني و قبيلة أخري لفظا آخر لذلك المعني، أو تضع قبيلة لفظا لمعني و قبيلة. أخري ذلك اللفظ لمعني آخر. و عند الجمع بين هذه اللغات باعتبار إن كل لغة منها لغة عربية صحيحة يجب أتباعها يحصل الترادف و الاشتراك. و الظاهر إن الاحتمال الثاني أقرب إلي واقع اللغة العربية كم صرح به بعض المؤرخين للغة و علي الأقل فهو الأغلب في نشأة الترادف و الاشتراك ولذ نسمع علماء العربية يقولون: لغة الحجاز كذا و لغة حمير كذا و لغة تميم

ص 29

كذا … و هكذا. فهذا دليل علي تعدد الوضع بتعدد القبائل و الأقوأم و الأقطار في الجملة. و لا تهمنا الإطالة في ذلك.

استعمال اللفظ في أكثر من معني:

ولا شك في جواز استعمال اللفظ المشترك في أحد معانيه بمعونة القرينة المعينة و علي تقدير عدم القرينة يكون اللفظ مجملا لا دلالة له علي أحد معانيه. كما لا شبهة في جواز استعماله في مجموع معانيه بما هو مجموع المعاني غاية الأمر يكون هذا الاستعمال مجازا يحتاج إلي القرينة، لأنه استعمال للفظ في غير ما وضع له. و إنما وقع البحث و الخلاف في جواز إرادة أكثر من معني واحد من المشترك في استعمال واحد، علي إن يكون كل من المعاني مرادا من اللفظ علي حدة و كان اللفظ قد جعل للدلالة عليه وحده. و للعلماء في ذلك أقوال و تفصيلات كثيرة لا يهمنا الآن التعرض لها. و إنما الحق عندن عدم

جواز مثل هذا الاستعمال (الدليل): إن استعمال أي لفظ في معني إنما هو بمعني أيجاد ذلك المعني باللفظ، لكن لا بوجوده الحقيقي، بل بوجوده الجعلي التنزيلي، لأن وجود اللفظ وجود للمعني تنزيلا. فهو وجود واحد ينسب إلي اللفظ حقيقة، أولا و بالذات و الي المعني تنزيلا، ثانيا و بالعرض (1) فإذا أوجد المتكلم اللفظ لأجل استعماله في المعني فكأنما أوجد المعني و ألقاه بنفسه إلي المخاطب. فلذلك يكون اللفظ ملحوظ للمتكلم بل للسأمع آلة و طريقا للمعني و فانيا فيه و تبعا للحاظه و الملحوظ بالأصالة و الاستقلال هو المعني نفسه. و هذا نظير الصورة في المرآة، فإن الصورة موجودة بوجود المرآة و الوجود الحقيقي للمرآة و هذا الوجود نفسه ينسب إلي الصورة ثانيا و بالعرض. فإذا

(هامش)

(1) راجع عن توضيح الوجود اللفظي للمعني الجزء الأول من المنطق ص 22 الطبعة الثانية للمؤلف. (*)

ص 30

نظر الناظر إلي الصورة في المرآة فإنما ينظر إليها بطريق المرآة بنظرة واحدة هي للصورة بالاستقلال و الأصالة و للمرآة بالآلية و التبع فتكون المرآة كاللفظ ملحوظة تبعا للحاظ الصورة و فانية فيها فناء العنوان في المعنون (1). و علي هذا، لا يمكن استعمال لفظ واحد الا في معني واحد، فإن استعماله في معنيين مستقلا بأن يكون كل منهما مرادا من اللفظ كما إذا لم يكن الا نفسه، يستلزم لحاظ كل منهما بالأصالة، فل بد من لحاظ اللفظ في إن واحد مرتين بالتبع و معني ذلك اجتماع لحاظين في إن واحد علي ملحوظ واحد أعني به اللفظ الفاني في كل من المعنيين. و هو محال بالضرورة فإن الشيء الواحد لا يقبل الا وجودا واحدا في النفس في إن واحد. الا تري إنه

لا يمكن إن يقع لك إن تنظر في مرآة واحدة إلي صورة تسع المرآة كلها و تنظر - في نفس الوقت - إلي صورة أخري تسعها أيضا. إن هذا لمحال. و كذلك النظر في اللفظ إلي معنيين، علي إن يكون كل منهما قد استعمل فيه اللفظ مستقلا و لم يحك الا عنه. نعم يجوز لحاظ اللفظ فإني في معني في استعمال، ثم لحاظه فإنيا في معني آخر في استعمال ثان، مثل ما تنظر في المرآة إلي صورة تسعها، ثم تنظر في وقت آخر إلي صورة أخري تسعها. و كذا يجوز لحاظ اللفظ في مجموع معنيين في استعمال واحد و لو مجازا مثلما تنظر في المرآة في إن واحد إلي صورتين لشيئين مجتمعين. و في الحقيقة إنما استعملت اللفظ في معني واحد هو مجموع المعنيين و نظرت في المرآة إلي صورة واحدة لمجموع الشيئين.

تنبيهان:

(الأول)

إنه لا فرق في جواز الاستعمال في المعنيين بين إن يكونا

(هامش)

(1) راجع عن توضيح فناء العنوان في المعنون الجزء الأول من المنطق ص 55 من الطبعة الثانية. (*)

ص 31

حقيقيين أو مجازيين أو مختلفين، فإن المانع و هو تعلق لحاظين بملحوظ واحد في إن واحد موجود في الجميع، فلا يختص بالمشترك كما اشتهر.

(الثاني)

ذكر بعضهم إن الاستعمال في أكثر من معني إن لم يجز في المفرد يجوز في التثنية و الجمع، بأن يراد من كلمة عينين - مثلا - فرد من العين الباصرة و فرد من العين النابعة، فلفظ عين - و هو مشترك - قد استعمل حال التثنية في معنيين: في الباصرة و النابعة. و هذا شأنه في الأمكان و الصحة شأن ما لو أريد معني واحد من كلمة عينين بأن يراد بها فردان

من العين الباصرة مثلا، فإذا صح هذا فليصح ذاك بلا فرق. و استدل علي ذلك بما ملخصه: إن التثنية و الجمع في قوة تكرار الواحد بالعطف، فإذا قيل: عينان فكأنما قيل: عين و عين. و إذ يجوز في قولك (عين و عين) إن تستعمل أحدهما في الباصرة و الثانية في النابعة فكذلك ينبغي إن يجوز فيما هو بقوتهما أعني (عينين). و كذا الحال في الجمع. و الصحيح عندنا عدم الجواز في التثنية و الجمع كالمفرد. و (الدليل) إن التثنية و الجمع و إن كانا موضوعين لإفادة التعدد، الا إن ذلك من جهة وضع الهيئة في قبال وضع المادة و هي - أي المادة - نفس لفظ المفرد الذي طرأت عليه التثنية و الجمع. فإذا قيل (عينان) مثلا، فإن أريد من المادة خصوص الباصرة فالتعدد يكون فيها أي فردان منهما و إن أريد منها خصوص النابعة مثلا فالتعدد يكون بالقياس إليها، فلو أريد الباصرة و النابعة فل بد إن يراد التعدد من كل منهما أي فرد من الباصرة و فرد من النابعة، لكنه مستلزم لاستعمال المادة في أكثر من معني و قد عرفت استحالته. و أما إن التثنية و الجمع في قوة تكرار الواحد فمعناه إنها تدل علي تكرار أفراد المعني المراد من المادة ل تكرار نفس المعني المراد منها. فلو أريد من استعمال التثنية أو الجمع فردان أو فرد من طبيعتين أو طبائع متعددة لا يمكن ذلك أبدا الا إن يراد من المادة (المسمي بهذ اللفظ) علي نحو المجاز، فتستعمل المادة في معني واحد و هو معني (مسمي هذا اللفظ) و إن كان مجازا، نظير الأعلام الشخصية غير القابلة لعروض التعداد علي مفاهيمها الجزئية الا

بتأويل المسمي. فإذا قيل (محمدان) فمعناه فردان فمعناه فردان من المسمي بلفظ (محمد)،

ص 32

فاستعملت المادة و هي لفظ محمد في مفهوم المسمي مجازا.

14 - الحقيقة الشرعية

14 - الحقيقة الشرعية:

لا شك في إنا - نحن المسلمين - نفهم من بعض الألفاظ المخصوصة كالصلاة و الصوم و نحوهم معاني خاصة شرعية و نجزم بأن هذه المعاني حادثة لم يكن يعرفها أهل اللغة العربية قبل الإسلأم و إنما نقلت تلك الألفاظ من معانيها اللغوية إلي هذه المعاني الشرعية. هذا لا شك فيه و لكن الشك وقع عند الباحثين في إن هذا النقل وقع في عصر الشارع المقدس علي نحو الوضع التعييني أو التعيني فتثبت الحقيقة الشرعية، أو إنه وقع في عصر بعده علي لسان أتباعه المتشرعة فلا تثبت الحقيقة الشرعية، بل الحقيقة المتشرعية. و الفائدة من هذا النزاع تظهر في الألفاظ الواردة في كلأم الشارع مجردة عن القرينة سواء كانت في القران الكريم أم السنة. فعلي القول الأول يجب حملها علي المعاني الشرعية و علي الثاني تحمل علي المعاني اللغوية أو يتوقف فيها فلا تحمل علي المعاني الشرعية و لا علي اللغوية، بناء علي رأي من يذهب إلي التوقف فيما إذا دار الأمر بين المعني الحقيقي و بين المجاز المشهور، إذ من المعلوم إنه إذا لم تثبت الحقيقة الشرعية فهذه المعاني المستحدثة تكون - علي الأقل - مجازا مشهورا في لسان صلي الله عليه و آله. و التحقيق في المسألة إن يقال:

إن نقل تلك الألفاظ إلي المعاني المستحدثة أما بالوضع التعييني أو التعيني: أما (الأول) فهو مقطوع العدم لأنه لو كان لنقل إلينا بالتواتر أو بالآحاد علي الأقل، لعدم الداعي إلي الإخفاء، بل الدواعي متظافرة علي نقله، مع إنه لم

ينقل ذلك أبدا. و أما (الثاني) فهو مما لا ريب فيه بالنسبة إلي زمان أمأمنا أمير المؤمنين عليه السلأم، لأن اللفظ إذا استعمل في معني خاص في لسان جماعة كثيرة زمانا معتدا به - لا سيما إذا كان المعني جديد - يصبح حقيقة فيه بكثرة الاستعمال،

ص 33

فكيف إذا كان ذلك عند المسلمين قاطبة في سنين متمادية. فلا بد - أذن - من حمل تلك الألفاظ علي المعاني المستحدثة فيما إذا تجردت عن القرائن في روايات الأئمة عليهم السلأم. نعم كونها حقيقة فيها في خصوص زمان النبي صلي الله عليه و آله غير معلوم و إن كان غير بعيد، بل من المظنون ذلك و لكن الظن في هذا الباب لا يغني عن الحق شيئ. غير إنه لا أثر لهذا الجهل، نظرا إلي إن السنة النبوية غير مبتلي بها الا ما نقل لنا من طريق آل البيت عليهم السلأم علي لسانهم و قد عرفت الحال في كلماتهم إنه ل بد من حملها علي المعاني المستحدثة. و أما القران المجيد فأغلب ما ورد فيه من هذه الألفاظ أو كله محفوف بالقرائن المعينة لإرادة المعني الشرعي، فلا فائدة مهمة في هذا النزاع بالنسبة إليه. علي إن الألفاظ الشرعية ليست علي نسق واحد، فإن بعضه كثير التدوال كالصلاة و الصوم و الزكاة و الحج، لا سيما الصلاة التي يؤدونها كل يوم خمس مرات، فمن البعيد جدا ألا تصبح حقائق في معانيها المستحدثة بأقرب وقت في لسان صلي الله عليه و آله.

الصحيح و الأعم:

من ملحقات المسألة السابقة مسألة (الصحيح و الأعم). فقد وقع النزاع في إن ألفاظ العبادات أو المعاملات أهي أسأم موضوعة للمعاني الصحيحة أو للأعم منها و من الفاسدة.

و قبل بيان المختار لا بد من تقديم مقدمات: (الأولي) إن هذا النزاع لا يتوقف علي ثبوت الحقيقة الشرعية، لأنه قد عرفت إن هذه الألفاظ مستعملة في لسان المتشرعة بنحو الحقيقة و لو علي نحو الوضع التعيني عندهم. و لا ريب إن استعمالهم كان يتبع الاستعمال في لسان الشارع، سواء كان استعماله علي نحو الحقيقة أو المجاز. فإذا عرفنا - مثلا - إن هذه الألفاظ في عرف المتشرعة كانت حقيقة في خصوص الصحيح، يستكشف منه إن المستعمل فيه في لسان الشارع هو الصحيح أيضا، مهما كان استعماله عنده أحقيقة كان أم مجازا. كما لو علم

ص 34

إنها كانت حقيقة في الأعم في عرفهم كان ذلك أمارة علي كون المستعمل فيه في لسانه هو الأعم أيضا و إن كان استعماله علي نحو المجاز. (الثانية) - إن المراد من الصحيحة من العبادة أو المعاملة: هي التي تمت أجزاؤها و كملت شروطها و الصحيح أذن معناه: تأم الإجزاء و الشرائط، فالنزاع يرجع هنا إلي إن الموضوع له خصوص تأم الإجزاء و الشرائط من العبادة أو المعاملة، أو الأعم منه و من الناقص. (الثالثة) - إن ثمرة النزاع هي: صحة رجوع القائل بالوضع للأعم - المسمي (بالأعمي) - إلي أصالة الإطلاق، دون القائل بالوضع للصحيح - المسمي (بالصحيحي) فإنه لا يصح له الرجوع إلي أصالة إطلاق اللفظ. توضيح ذلك: إن المولي إذا أمرنا بإيجاد شيء و شككنا في حصول امتثاله بالإتيان بمصداق خارجي فله صورتان يختلف الحكم فيهما:

1 - إن يعلم صدق عنوان المأمور به علي ذلك المصداق و لكن يحتمل دخل قيد زائد في غرض المولي غير متوفر في ذلك المصداق، كما إذ أمر المولي يعتق رقبة، فإنه يعلم

بصدق عنوان المأمور به علي الرقبة الكافرة و لكن يشك في دخل وصف الإيمان في غرض المولي فيحتمل إن يكون قيدا للمأمور به. فالقاعدة في مثل هذا: الرجوع إلي أصالة الإطلاق في نفي اعتبار القيد المحتمل اعتباره فلا يجب تحصيله، بل يجوز الاكتفاء في الامتثال بالمصداق المشكوك، فيمتثل في المثال لو اعتق رقبة كافرة.

2 - إن يشك في صدق نفس عنوان المأمور به علي ذلك المصداق الخارجي، كم إذا أمر المولي بالتيمم بالصعيد و لا ندري إن ما عدا التراب هل يسمي صعيدا أول فيكون شكنا في صدق الصعيد علي غير التراب. و في مثله لا يصح الرجوع إلي أصالة الإطلاق لإدخال المصداق المشكوك في عنوان المأمور به ليكتفي به في مقام الامتثال، بل لا بد من الرجوع إلي الأصول

ص 35

العملية، مثل قاعدة الاحتياط أو البراءة. و من هذا البيان تظهر ثمرة النزاع في المقام الذي نحن فيه، فإنه في فرض الأمر بالصلاة و الشك في إن السورة - مثلا - جزء للصلاة أم لا إن قلنا إن الصلاة اسم للأعم، كانت المسألة من باب الصورة الأولي، لأنه بناء علي هذا القول يعلم بصدق عنوان الصلاة علي المصداق الفاقد للسورة و إنم الشك في اعتبار قيد زائد علي المسمي، فيتمسك حينئذ بإطلاق كلأم المولي في نفي اعتبار القيد الزائد و هو كون السورة جزءا من الصلاة و يجوز الاكتفاء في الامتثال بفاقدها. و إن قلنا إن الصلاة اسم للصحيح كانت المسألة من باب الصورة الثانية لأنه عند الشك في اعتبار السورة يشك في صدق عنوان المأمور به (اعني الصلاة) علي المصداق الفاقد للسورة، إذ عنوان المأمور به هو الصحيح و الصحيح هو عنوان المأمور به،

فم ليس بصحيح ليس بصلاة. فالفاقد للجزء المشكوك كما يشك في صحته يشك في صدق عنوان المأمور به عليه. فلا يصح الرجوع إلي أصالة الإطلاق لنفي اعتبار جزئية السورة حتي يكتفي بفاقدها في مقام الامتثال، بل لا بد من الرجوع إلي أصالة الاحتياط أو أصالة الاحتياط أو أصالة البراءة علي خلاف بين العلماء في مثله سيأتي في بابه إن شاء الله تعالي.

المختار في المسألة:

إذا عرفت ما ذكرنا من المقدمات فالمختار عندنا هو الوضع للأعم. و الدليل التبادر و عدم صحة السلب عن الفاسد و هما أمارتا الحقيقة - كما تقدم .

وهم و دفع:

(الوهم) - قد يتعرض علي المختار فيقال:

إنه لا يمكن الوضع بإزاء الأعم، لأن الوضع له يستدعي إن نتصور معني كليا جأمعا بين أفراده و مصاديقه هو الموضوع له، كما في أسماء الأجناس. و كذلك الوضع للصحيح يستدعي تصور كلي جأمع بين مراتبه و أفراده.

ص 36

و لا شك إن مراتب الصلاة - مثلا - الفاسدة و الصحيحة كثيرة متفاوتة و ليس بينها قدر جأمع يصح وضع اللفظ بإزائه. توضيح ذلك: إن أي جزء من إجزاء الصلاة حتي الأركان إذ فرض عدمه يصح اسم الصلاة علي الباقي، بناء علي القول بالأعم، كما يصح صدقه مع وجوده و فقدان غيره من الإجزاء. و عليه يكون كل جزء مقوما للصلاة عند وجوده غير مقوم عند عدمه، فيلزم التبدل في حقيقة الماهية، بل يلزم الترديد فيها عند وجود تمأم الإجزاء لأن أي جزء منها لو فرض عدمه يبقي صدق الاسم علي حاله. وكل منهما - أي التبدل و الترديد في الحقيقة الواحدة - غير معقول إذ إن كل ماهية تفرض لا بد إن تكون متعينة في حد ذاتها

و إن كانت مبهمة من جهة تشخصاتها الفردية و التبدل أو الترديد في ذات الماهية معناه أبهأمها في حد ذاتها و هو مستحيل. (الدفع): إن هذا التبادل في الإجزاء و تكثر مراتب الفاسدة لا يمنع من فرض قدر مشترك جأمع بين الأفراد و لا يلزم التبدل و الترديد في ذات الحقيقة الجأمعة بين الأفراد. و هذا نظير لفظ (الكلمة) الموضوع لم تركب من حرفين فصاعدا و يكون الجأمع بين الأفراد هو ما تركب من حرفين فصاعدا، مع إن الحروف كثيرة، فربما تتركب الكلمة من الألف و الباء كأب و يصدق عليها إنها كلمة و ربما تتركب من حرفين آخرين مثل يد و يصدق عليها إنها كلمة. . و هكذا. فكل حرف يجوز إن يكون داخلا و خارجا في مختلف الكلمات، مع صدق اسم الكلمة. و كيفية تصحيح الوضع في ذلك: إن الواضع يتصور - أولا - جميع الحروف الهجائية، ثم يضع لفظ (الكلمة) بإزاء طبيعة المركب من اثنين فصاعدا إلي حد سبعة حروف مثلا. و الغرض من التقييد بقولن (فصاعدا) بيان الكلمة تصدق علي الأكثر من حرفين كصدقها علي المركب من حرفين. ول يلزم الترديد في الماهية، فإن الماهية الموضوع لها هي طبيعة اللفظ الكلي المتركب من حرفين فصاعدا و التبدل و الترديد إنما يكون في إجزاء

ص 37

أفرادها. و قد يسمي ذلك الكلي في المعين أو الكلي المحصور في إجزاء معينة. و في المثال أجزاؤه المعينة هي الحروف الهجائية كلها. و علي هذا ينبغي إن يقاس لفظ الصلاة مثلا، فإنه يمكن تصور جميع إجزاء الصلاة في مراتبها كلها و هي - أي هذا الإجزاء - معينة معروفة كالحروف الهجائية، فيضع اللفظ بإزاء طبيعة العمل المركب

من خمسة إجزاء منها - مثلا - فصاعدا، فعند وجود تمأم الإجزاء يصدق علي المركب إنه صلاة و عند وجود بعضها - و لو خمسة علي أقل تقدير علي الفرض - يصدق اسم الصلاة أيضا. بل الحق إن الذي لا يمكن تصور الجأمع فيه هو خصوص المراتب الصحيحة و هذا المختصر لا يسع تفصيل ذلك.

تنبيهان

تنبيهان

1 - لا يجري النزاع في المعاملات بمعني المسببات:

إن ألفاظ المعاملات - كالبيع و النكاح - و الإيقاعات كالطلاق و العتق يمكن تصوير وضعها علي أحد نحوين.

1 - إن تكون موضوعة للأسباب التي تسبب مثل الملكية و الزوجية و الفراق و الحرية و نحوه. و نعني بالسبب إنشاء العقد و الإيقاع، كالإيجاب و القبول معا في العقود و الإيجاب فقط في الإيقاعات. و إذا كانت كذلك فالنزاع المتقدم يصح إن نفرضه في ألفاظ المعاملات من كونها أسأمي لخصوص الصحيحة أعني تأمة الإجزاء و الشرائط في المسبب، أو للأعم من الصحيحة و الفاسدة. و نعني بالفاسدة مالا يؤثر في المسبب أما لفقدان جزء أو شرط.

2 - إن تكون موضوعة للمسببات و نعني بالمسبب نفس الملكية و الزوجية و الفراق و الحرية و نحوها. و علي هذا فالنزاع المتقدم لا يصح فرضه في المعاملات، لأنها لا تتصف بالصحة و الفساد، لكونها بسيطة غير مركبة من إجزاء و شرائط، بل إنما تتصف بالوجود تارة و بالعدم أخري. فهذا عقد البيع - مثلا - أما إن يكون واجدا لجميع ما هو معتبر في صحة العقد أولا، فإن كان الأول اتصف

ص 38

بالصحة و إن كان الثاني اتصف بالفساد. و لكن الملكية المسببة للعقد يدور أمرها بين الوجود و العدم لأنها توجد عند صحة العقد و

عند فساده لا توجد أصلا لا إنها توجد فاسدة. فإذا أريد من البيع نفس المسبب و هو الملكية المنتقلة إلي المشتري فلا تتصف بالصحة و الفساد حتي يمكن تصوير النزاع فيها.

2 - لا ثمرة للنزاع في المعاملات الا في الجملة:

قد عرفت إنه علي القول بوضع ألفاظ (العبادات) للصحيحة لا يصح التمسك بالإطلاق عند الشك في اعتبار شيء فيها، جزءا كان أو شرطا، لعدم إحراز صدق الاسم علي الفاقد له. و إحراز صدق الاسم علي الفاقد شرط في صحة التمسك بالإطلاق. الا إن هذ الكلام لا يجري في ألفاظ (المعاملات)، لأن معانيها غير مستحدثة و الشارع بالنسبة إليها كواحد من أهل العرف، فإذا استعمل أحد ألفاظها فيحمل لفظه علي معناه الظاهر فيه عندهم الا إذا نصب قرينة علي خلافه. فإذا شككنا في اعتبار شيء - عند الشارع - في صحة البيع مثلا و لم ينصب قرينة علي ذلك في كلأمه، فإنه يصح التمسك بإطلاقه لدفع هذا الاحتمال، حتي لو قلنا بأن ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيح، لأن المراد من الصحيح هو الصحيح عند العرف العام، لا عند الشارع. فإذا اعتبر الشارع قيدا زائد علي ما يعتبره العرف كان ذلك قيدا زائدا علي أصل معني اللفظ، فلا يكون دخيلا في صدق عنوان المعاملة الموضوعة - حسب الفرض - للصحيح، علي المصداق المجرد عن القيد. و حالها في ذلك حال ألفاظ العبادات لو كانت موضوعة للأعم. نعم إذا احتمل إن هذ القيد دخيل في صحة المعاملة عند أهل العرف أنفسهم أيضا، فلا يصح التمسك بالإطلاق لدفع هذا الاحتمال، بناء علي القول بالصحيح (كما هو شأن ألفاظ العبادات)، لأن الشك يرجع إلي الشك

ص 39

في صدق عنوان المعاملة. و أما علي

القول بالأعم، فيصح التمسك بالإطلاق لدفع الاحتمال. فتظهر ثمرة النزاع - علي هذا - في ألفاظ المعاملات أيضا، ولكنها ثمرة نادرة. * * *

ص 41

المقصد الاول: مباحث الالفاظ و فيه مباحث

المقصد الاول: مباحث الالفاظ

المصد الاول: مباحث الالفاظ

تمهيد:

المقصود من (مباحث الألفاظ) تشخيص ظهور الألفاظ من ناحية عامة أما بالوضع أو بإطلاق الكلام، لتكون نتيجتها قواعد كلية تنقح صغريات أصالة الظهور التي سنبحث عن حجيتها في المقصد الثالث. و قد سبقت الإشارة إليه. و تلك المباحث تقع في هيئات الكلام التي يقع فيها الشك و النزاع، سواء كانت هيئات المفردات كهيئة المشتق و الأمر و النهي، أو هيئات الجمل كالمفاهيم و نحوها. أما البحث عن مواد الألفاظ الخاصة و بيان وضعها و ظهورها - مع إنها تنقح أيضا صغريات أصالة الظهور - فإنه لا يمكن ضبط قاعدة كلية عامة فيها. فلذا لا يبحث عنها في علم الأصول. و معاجم اللغة و نحوها هي المتكفلة بتشخيص مفرداتها. و علي أي حال، فنحن نعقد (مباحث الألفاظ) في سبعة أبواب: 1 - المشتق.

2 - الأوأمر.

3 - النواهي.

4 - المفاهيم.

5 - العام و الخاص.

6 - المطلق و المقيد.

7 - المجمل و المبين.

ص 45

الباب الاول: المشتق

الباب الاول: المشتق

المشتق

اختلف الأصوليون من القديم في المشتق: في إنه حقيقة في خصوص ما تلبس بالمبدأ في الحال و مجاز فيما انقضي عنه التلبس، أو إنه حقيقة في كليهما، بمعني إنه موضوع للأعم منهما؟ بعد اتفاقهم علي إنه مجاز فيما يتلبس بالمبدأ في المستقبل. - ذهب المعتزلة و جماعة من المتأخرين من أصحابنا إلي الأول. - و ذهب الأشاعرة و جماعة من المتقدمين من أصحابنا إلي الثاني. و الحق هو القول الأول. و للعلماء أقوال أخر فيها تفصيلات بين هذين القولين لا يهمنا التعرض لها بعد اتضاح الحق فيما يأتي. و أهم شيء يعنينا في هذه المسألة - قبل بيان الحق فيها و هو أصعب ما فيها - إن نفهم محل

النزاع و موضع النفي و الإثبات. و لأجل إن يتضح في الجملة موضع الخلاف نذكر مثالا له فنقول: إنه ورد كراهة الوضوء و الغسل بالماء المسخن بالشمس، فمن قال بالأول لا بد ألا يقول بكراهتهما بالماء الذي برد و انقضي عنه التلبس، لأنه عنده لا يصدق عليه حينئذ إنه مسخن بالشمس، بل كان مسخنا. و من قال بالثاني لا بد إن يقول بكراهتهما بالماء حال انقضاء التلبس أيضا، لأنه عنده يصدق عليه إنه مسخن حقيقة بلا مجاز. و لتوضيح ذلك نذكر الآن أربعة أمور مذللة لتلك الصعوبة، ثم نذكر القول المختار و دليله: 1 - ما المراد من المشتق المبحوث عنه؟

اعلم إن (المشتق) باصطلاح النحاة ما يقابل الجأمد و مرادهم واضح.

ص 48

ولكن ليس هو موضع النزاع هنا بل بين المشتق بمصطلح النحويين و بين المشتق المبحوث عنه عموم و خصوص من وجه. لأن موضع النزاع هنا يشمل كل ما يحمل علي الذات باعتبار قيأم صفة فيها خارجة عنها تزول عنها و إن كان باصطلاح النحاة معدودا من الجوأمد، كلفظ الزوج و الأخ و الرق و نحو ذلك. و من جهة أخري لا يشمل الفعل بأقسأمه و لا المصدر و إن كانت تسمي مشتقات عند النحويين. و السر في ذلك إن موضع النزاع هنا يعتبر فيه شيئان:

1 - إن يكون جاريا علي الذات، بمعني إنه يكون حاكيا عنها و عنوانا لها، نحو اسم الفاعل و اسم المفعول و أسماء المكان و الآلة و غيرهما و ما شابه هذه الأمور من الجوأمد. و من أجل هذا الشرط لا يشمل هذا النزاع الأفعال و لا المصادر، لأنها كلها ل تحكي عن الذات و لا تكون عنوانا لها و

إن كانت تسند إليها.

2 - ألا تزول الذات بزوال تلبسها بالصفة - و نعني بالصفة المبدأ الذي منه يكون النزاع المشتق و اشتقاقه و يصح صدقه علي الذات - بمعني إن تكون الذات باقية محفوظة لو زال تلبسها بالصفة، فهي تتلبس بها تارة و لا تتلبس بها أخري و الذات تلك الذات في كلا الحالين. و إنما نشترط ذلك فلأجل إن نتعقل انقضاء التلبس بالمبدأ مع بقاء الذات حتي يصح إن نتنازع في صدق المشتق حقيقة عليها مع انقضاء حال التلبس بعد الاتفاق علي صدقه حقيقة عليها حال التلبس. و إلا لو كانت الذات تزول بزوال التلبس لا يبقي معني لفرض صدق المشتق علي الذات مع انقضاء حال التلبس لا حقيقة و لا مجازا. و علي هذا، لو كان المشتق من الأوصاف التي تزول الذات بزوال التلبس بمبادئها، فلا يدخل في محل النزاع و إن صدق عليها اسم المشتق، مثلها لو كان من الأنواع أو الأجناس أو الفصول بالقياس إلي الذات، كالناطق و الصاهل و الحساس و المتحرك بالإرادة.

ص 49

واعتبر ذلك في مثال كراهة الجلوس للتغوط تحت الشجرة المثمرة، فإن هذا المثال يدخل في محل النزاع لو زالت الثمرة عن الشجرة، فيقال:

هل يبقي اسم المثمرة صادقا حقيقة عليها حينئذ فيكره الجلوس أو لا؟ أما لو اجتثت الشجرة فصارت خشبة فإنها لا تدخل في محل النزاع، لأن الذات و هي (الشجرة) قد زالت بزوال الوصف الداخل في حقيقتها، فل يتعقل معه بقاء وصف الشجرة المثمرة لها، لا حقيقة و لا مجازا. و أما الخشب فهو ذات أخري لم يكن فيما مضي قد صدق عليه - بما إنه خشب - وصف الشجرة المثمرة حقيقة، إذ لم يكن

متلبسا بما هو خشب بالشجرة ثم زال عنه التلبس. * * * و بناء علي اعتبار هذين الشرطين يتضح ما ذكرناه في صدر البحث من إن موضع النزاع في المشتق يشمل كل ما كان جاريا علي الذات باعتبار قيأم صفة خارجة عن الذات و إن كان معدودا من الجوأمد اصطلاحا. و يتضح أيضا عدم شمول النزاع للأفعال و المصادر. كما يتضح إن النزاع يشمل كل وصف جار علي الذات و لا يفرق فيه بين إن يكون مبدأه من الأعراض الخارجية المتأصلة كالبياض و السواد و القيأم و القعود، أو من الأمور الأنتزاعية كالفوقية و التحتية و التقدم و التأخر أو من الأمور الاعتبارية المحضة كالزوجية و الملكية و الوقف و الحرية.

2 - جريان النزاع في اسم الزمان

بناء علي ما تقدم قد يظن عدم جريان النزاع في اسم الزمان، لأنه قد تقدم إنه يعتبر في جريانه بقاء الذات مع زوال الوصف، مع إن زوال الوصف في اسم الزمان ملازم لزوال الذات، لأن الزمان متصرم الوجود فكل جزء منه ينعدم بوجود الجزء اللاحق، فلا تبقي ذات مستمرة. فإذا كان يوم الجمعة مقتل زيد - مثل - فيوم السبت الذي بعده ذات أخري من الزمان لم يكن لها وصف القتل فيها و يوم الجمعة تصرم و زال كما زال نفس الوصف. و الجواب: إن هذا صحيح لو كان لاسم الزمان لفظ مستقل مخصوص،

ص 50

ولكن الحق إن هيئة اسم الزمان موضوعة لما هو يعم اسم الزمان و المكان و يشملهما معا، فمعني (المضرب) مثلا: الذات المتصفة بكونها ظرفا للضرب و الظرف أعم من إن يكون زمانا أو مكانا و يتعين أحدهما بالقرينة. و الهيئة إذا كانت موضوعة للجأمع بين

الظرفين، فهذا الجأمع يكفي في صحة الوضع له و تعميمه لما تلبس بالمبدأ و ما انقضي عنه إن يكون أحد فرديه يمكن إن يتصور فيه انقضاء المبدأ و بقاء الذات. و الخلاصة: إن النزاع حينئذ يكون في وضع أصل الهيئة التي تصلح للزمان و المكان لا لخصوص اسم الزمان. و يكفي في صحة الوضع للأعم أمكان الفرد المنقضي عنه المبدأ في أحد أقسأمه و إن أمتنع الفرد الآخر.

3 - اختلاف المشتقات من جهة المبادئ

وقد يتوهم بعضهم إن النزاع هنا لا يجري في بعض المشتقات الجارية علي الذات، مثل النجار و الخياط و الطبيب و القاضي و نحو ذلك مما كان للحرف و المهن، بل في هذه من المتفق عليه إنه موضوع للأعم. و منشأ الوهم إنا نجد صدق هذه المشتقات حقيقة علي من انقضي عنه التلبس بالمبدأ - من غير شك - و ذلك نحو صدقها علي من كان نائما - مثلا - مع إن النائم غير متلبس بالنجارة فعلا أو الخياطة أو الطبابة أو القضاء و لكنه كان متلبسا بها في زمان مضي. و كذلك الحال في أسماء الآلة كالمنشار و المقود و المكنسة فإنها تصدق علي ذواته حقيقة مع عدم التلبس بمبادئها. و الجواب عن ذلك: إن هذا التوهم منشأه الغفلة عن معني المبدأ المصحح لصدق المشتق فإنه يختلف باختلاف المشتقات، لأنه تارة يكون من الفعليات و أخري من الملكات و ثالثة من الحرف و الصناعات. (مثلا): اتصاف زيد بأنه قائم إنما يتحقق إذا تلبس بالقيأم فعلا، لأن القيأم يؤخذ علي نحو الفعلية مبدأ لوصف (قائم) و يفرض الانقضاء بزوال فعلية القيأم عنه. و أما اتصافه بأنه عالم بالنحو أو إنه قاضي البلد،

فليس بمعني إنه يعلم ذلك فعلا أو إنه مشغول بالقضاء بين الناس فعلا، بل بمعني إن له ملكة العلم أو منصب القضاء، فما دامت الملكة أو الوظيفة موجودتين فهو متلبس بالمبدأ حالا و إن كان نائما أو

ص 51

غافلا. نعم يصح إن نتعقل الانقضاء إذا زالت الملكة أو سلبت عنه الوظيفة و حينئذ يجري النزاع في إن وصف القاضي - مثلا - هل يصدق حقيقة علي من زال عنه منصب القضاء و كذلك الحال في مثل النجار و الخياط و المنشار فلا يتصور فيها الانقضاء الا بزوال حرفة النجارة و مهنة الخياطة و شأنية النشر في المنشار. و الخلاصة: إن الزوال و الانقضاء في كل شيء بحسبه و النزاع في المشتق إنما هو في وضع الهيئات مع قطع النظر عن خصوصيات المبادئ المدلول عليها بالمواد التي تختلف اختلافا كثيرا.

4 - استعمال المشتق بلحاظ حال التلبس حقيقة

اعلم إن المشتقات التي هي محل النزاع بأجمعها هي من الأسماء. و الأسماء مطلقا لا دلالة لها علي الزمان حتي اسم الفاعل و اسم المفعول فإنه كما يصدق العالم حقيقة علي من هو عالم فعلا كذلك يصدق حقيقة علي من كان عالما فيم مضي أو يكون عالما فيما يأتي بلا تجوز إذا كان إطلاقه عليه بلحاظ حال التلبس بالمبدأ، كما إذا قلنا: كان عالما أو سيكون عالما، فإن ذلك حقيقة بلا ريب، نظير الجوأمد لو تقول فيها مثلا: الرماد كان خشبا أو الخشب سيكون رمادا. فأذن إذا كان الأمر كذلك فما موقع النزاع في إطلاق المشتق علي ما مضي عليه التلبس إنه حقيقة أو مجاز؟

نقول: إن الإشكال و النزاع هنا إنما هو فيما إذا انقضي التلبس بالمبدأ و أريد إطلاق المشتق

فعلا علي الذات التي انقضي عنها التلبس، أي إن الإطلاق عليها بلحاظ حال النسبة و الإسناد الذي هو حال النطق غالبا، كان تقول مثلا: (زيد عالم فعلا) أي إنه الآن موصوف بأنه عالم، لأنه كان فيما مضي عالما، كمثال إثبات الكراهة للوضوء بالماء المسخن بالشمس سابقا بتعميم لفظ المسخن في الدليل لما كان مسخن.

ص 52

فتحصل مما ذكرناه ثلاثة أمور:

1 - إن إطلاق المشتق بلحاظ حال التلبس حقيقة مطلقا، سواء كان بالنظر إلي ما مضي أو الحال أو المستقبل. و ذلك بالاتفاق.

2 - إن إطلاقه علي الذات فعلا بلحاظ حال النسبة و الإسناد قبل زمان التلبس لأنه سيتلبس به فيم بعد، مجاز بلا إشكال و ذلك بعلاقة الأول أو المشارفة. و هذا متفق عليه أيضا.

3 - إن إطلاقه علي الذات فعلا - أي بلحاظ حال النسبة و الإسناد - لأنه كان متصفا به سابقا، هو محل الخلاف و النزاع فقال قوم بأنه حقيقة و قال آخرون بأنه مجاز.

المختار:

إذ عرفت ما تقدم من الأمور، فنقول: الحق إن المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدأ و مجاز في غيره. و (دليلنا) التبادر و صحة السلب عمن زال عنه الوصف، فلا يقال لمن هو قاعد بالفعل: إنه قائم. و لا لمن هو جاهل بالفعل: إنه عالم. و ذلك لمجرد إنه كان قائما أو عالما فيما سبق. نعم يصح ذلك علي نحو المجاز، أو يقال:

إنه كان قائما أو عالما، فيكون حقيقة حينئذ، إذ يكون الإطلاق بلحاظ حال التلبس. و عدم تفرقة بعضهم بين الإطلاق بلحاظ حال التلبس و بين الإطلاق بلحاظ حال النسبة و الإسناد هو الذي أوهم القول بوضع المشتق للأعم، إذ وجد إن الاستعمال يكون علي نحو الحقيقة فعلا

مع إن التلبس قد مضي، ولكنه غفل عن إن الإطلاق كان بلحاظ حال التلبس، فلم يستعمله - في الحقيقة - الا في خصوص المتلبس بالمبدأ، لا فيما مضي عنه التلبس حتي يكون شاهدا له. ثم إنك عرفت - فيما سبق - إن زوال الوصف يختلف باختلاف

ص 53

المواد من جهة كون المبدأ أخذ علي نحو الفعلية، أو علي نحو الملكة أو الحرفة. فمثل صدق الطبيب حقيقة علي من لا يشتغل بالطبابة فعلا لنوم أو راحة أو أكل لا يكشف عن كون المشتق حقيقة في الأعم - كما قيل - و ذلك لأن المبدأ فيه أخذ علي نحو الحرفة أو الملكة و هذا لم يزل تلبسه به حين النوم أو الراحة. نعم إذا زالت الملكة أو الحرفة عنه كان إطلاق الطبيب عليه مجازا، إذا لم يكن بلحاظ حال التلبس كما قيل: هذا طبيبن بالأمس، بأن يكون قيد (بالأمس) لبيان حال التلبس. فإن هذا الاستعمال لا شك في كونه علي نحو الحقيقة. و قد سبق بيان ذلك.

ص 55

الباب الثاني: الاوامر

اشارة

الباب الثاني: الاوامر

الاوامر:

وفيه بحثان:

- في مادة الأمر

- و صيغة الأمر

- و خاتمة في تقسيمات الواجب

المبحث الأول مادة الأمر

المبحث الأول مادة الأمر

ماد ة الامر:

وهي كلمة (الأمر) المؤلفة من الحروف (أ. م. ر) و فيها ثلاث مسائل

1 - معني كلمة الأمر

قيل: إن كلمة (الأمر) لفظ مشترك بين الطلب و غيره مم تستعمل فيه هذه الكلمة، كالحادثة و الشأن و الفعل، كما تقول (جئت لأمر كذا)، أو (شغلني أمر) أو (أتي فلأن بأمر عجيب). و لا يبعد إن تكون المعاني التي تستعمل فيه كلمة الأمر ما خلا الطلب ترجع إلي معني واحد جأمع بينها و هو مفهوم (الشيء). فيكون لفظ الأمر مشتركا بين معنيين فقط: (الطلب) و (الشيء). و المراد من الطلب: إظهار الإرادة و الرغبة بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو نحو هذه الأمور مما يصح إظهار الإرادة و الرغبة و إبرازهما به (1) فمجرد الإرادة و الرغبة من دون إظهارها بمظهر ل تسمي طلبا. و الظاهر إنه ليس كل طلب يسمي أمرا، بل بشرط مخصوص سيأتي ذكره في المسألة الثانية فتفسير الأمر بالطلب من باب تعريف الشيء بالأعم.

(هامش)

(1) و الظاهر إن تفسير بعض الأصوليين للفظ الأمر بأنه (الطلب بالقول) ليس القصد منه إن لهم اصطلاحا مخصوصا فيه، بل باعتبار إنه أحد مصاديق المعني. فإن الأمر كما يصدق علي الطلب بالقول يصدق علي الطلب بالكتابة أو الإشارة أو نحوهم.

ص 58

والمراد من الشيء من لفظ الأمر أيضا ليس كل شيء علي الإطلاق، فيكون تفسيره به من باب تعريف الشيء بالأعم أيضا، فإن الشيء لا يقال له (أمر) الا إذا كان من الأفعال و الصفات و لذا لا يقال:

رأيت أمر إذا رأيت إنسانا أو شجرا أو حائطا. و لكن ليس المراد

من الفعل و الصفة المعني الحدثي أي المعني المصدري بل المراد منه نفس الفعل أو الصفة بما هو موجود في نفسه. يعني لم يلاحظ فيه جهة الصدور من الفاعل و الإيجاد و هو المعبر عنه عند بعضهم بالمعني: الاسم المصدري، أي ما يدل عليه اسم المصدر. ولذ لا يشتق منه فلا يقال:

(أمر. يأمر. أمر. مأمور) بالمعني المأخوذ من الشيء و لو كان معني حدثيا لاشتق منه. بخلاف الأمر بمعني الطلب فإن المقصود منه المعني الحدثي وجهة الصدور و الإيجاد و لذا يشتق منه فيقال:

(أمر. يأمر. أمر. مأمور). و الدليل علي إن لفظ الأمر مشترك بين معنيين الطلب و الشيء، لا إنه موضوع للجأمع بينهما:

1 - إن (الأمر) - كما تقدم - بمعني الطلب يصح الاشتقاق منه و لا يصح الاشتقاق منه بمعني الشيء. و الاختلاف بالاشتقاق و عدمه دليل علي تعدد الوضع.

2 - إن (الأمر) بمعني الطلب يجمع علي أوأمر و بمعني الشيء علي (أمور) و اختلاف الجمع في المعنيين دليل علي تعدد الوضع.

2 - اعتبار العلو في معني الأمر

قد سبق إن الأمر يكون بمعني الطلب و لكن لا مطلقا بل بمعني طلب مخصوص. و الظاهر إن الطلب المخصوص هو الطلب من العالي إلي الداني، فيعتبر فيه العلو في الأمر. و عليه لا يسمي الطلب من الداني إلي العالي أمرا، بل يسمي (استدعاء). و كذا لا يسمي الطلب من المساوي إلي مساويه في العلو أو الحطة أمرا، بل يسمي (التماسا) و إن استعمل الداني أو المساوي و أظهر علوه

ص 59

وترفعه و ليس هو بعال حقيقة. أما العالي فطلبه يكون أمرا و إن لم يكن متظاهرا بالعلو. كل هذا بحكم التبادر و صحة سلب الأمر عن

طلب غير العالي و لا يصح إطلاق الأمر علي الطلب من غير العالي الا بنحو العناية و المجاز و إن استعلي.

3- دلالة لفظ الأمر علي الوجوب

اختلفوا في دلالة لفظ الأمر بمعني (الطلب) علي الوجوب، فقيل: إنه موضوع لخصوص الطلب الوجوبي. و قيل: للأعم منه و من الطلب الندبي. و قيل مشترك بينهما اشتراك لفظيا. و قيل غير ذلك. و الحق عندنا إنه دال علي الوجوب و ظاهر فيه، فيما إذا كان مجردا و عاريا عن قرينة علي الاستحباب. و إحراز هذا الظهور بهذا المقدار كاف في صحة استنباط الوجوب من الدليل الذي يتضمن كلمة (الأمر) و لا يحتاج إلي إثبات منشأ هذ الظهور هل هو الوضع أو شيء آخر. و لكن من ناحية علمية صرفة يحسن إن نفهم منشأ هذ الظهور، فقد قيل: إن معني الوجوب مأخوذ قيدا في الموضوع له لفظ الأمر. و قيل: مأخوذ قيدا في المستعمل فيه إن لم يكن مأخوذا في الموضوع له. و الحق إنه ليس قيدا في الموضوع له و لا في المستعمل فيه. بل منشأ هذا الظهور من جهة حكم العقل بوجوب طاعة الأمر، فإن العقل يستقل بلزوم الانبعاث عن بعث المولي و الإنزجار عن زجره، قضاء لحق المولوية و العبودية، فبمجرد بعث المولي يجد العقل إنه لا بد للعبد من الطاعة و الانبعاث ما لم يرخص في تركه و يأذن في مخالفته. فليس المدلول للفظ الأمر الا الطلب من العالي و لكن العقل هو الذي يلزم العبد الانبعاث و يوجب عليه الطاعة لأمر المولي ما لم يصرح المولي بالترخيص و يأذن بالترك.

ص 60

وعليه فلا يكون استعماله في موارد الندب مغايرا لاستعماله في موارد الوجوب من جهة المعني

المستعمل فيه اللفظ. فليس هو موضوعا للوجوب، بل و لا موضوعا للأعم من الوجوب و الندب، لأن الوجوب و الندب ليسا من التقسيمات اللاحقة للمعني المستعمل فيه اللفظ، بل من التقسيمات اللاحقة للأمر بعد استعماله في معناه الموضوع له.

ص 61

المبحث الثاني صيغة الأمر
1 - معني صيغة الأمر

صيغة الأمر، أي هيئته، كصيغة افعل و نحوها (1): تستعمل في موارد كثيرة: (منها) البعث، كقوله تعالي (فأقيموا الصلاة). (أوفوا بالعقود). و (منها) التهديد، كقوله تعالي: (اعملوا ما شئتم). و (منه) التعجيز، كقوله تعالي: (فأتوا بسورة من مثله). و غير ذلك، من التسخير و الإنذار و الترجي و التمني و نحوها. و لكن الظاهر إن الهيئة في جميع هذه المعاني استعملت في معني واحد، لكن ليس هو واحدا من هذه المعاني، لأن الهيئة مثل (افعل) شأنها شأن الهيئات الأخري وضعت لإفادة نسبة خاصة كالحروف و لم توضع لإفادة معان مستقلة، فل يصح إن يراد منها مفاهيم هذه المعاني المذكورة التي هي معان اسمية. و عليه، فالحق إنها موضوعة للنسبة الخاصة القائمة بين المتكلم و المخاطب و المادة و المقصود من المادة الحدث الذي وقع عليه مفاد الهيئة، مثل الضرب و القيأم و القعود في اضرب و قم و اقعد و نحو ذلك. و حينئذ ينتزع منها عنوان

(هامش)

(1) المقصود بنحو صيغة أفعل: أية صيغة و كلمة تؤدي مؤداها في الدلالة علي الطلب و البعث، كالفعل المضارع المقرون بلأم الأمر أو المجرد منه إذا قصد به إنشاء الطلب نحو قولنا: (تصلي. تغتسل. أطلب منك كذا) أو جملة اسمية نحو (هذا مطلوب منك) أو اسم فعل نحو: صه و مه و مهلا و غير ذلك.

ص 62

طالب و مطلوب منه و مطلوب. فقولنا: (اضرب)، يدل علي النسبة الطلبية بين

الضرب و المتكلم و المخاطب و معني ذلك جعل الضرب علي عهدة المخاطب و بعثه نحوه و تحريكه إليه و جعل الداعي في نفسه للفعل. و علي هذا فمدلول هيئة الأمر و مفادها هو النسبة الطلبية و إن شئت فسمها النسبة البعثية، لغرض إبراز جعل المأمور به - أي المطلوب - في عهدة المخاطب و جعل الداعي في نفسه و تحريكه و بعثه نحوه. ما شئت فعبر. غير إن هذا الجعل أو الإنشاء يختلف فيه الداعي له من قبل المتكلم، (فتارة) يكون الداعي له هو البعث الحقيقي و جعل الداعي في نفس المخاطب لفعل المأمور به، فيكون هذا الإنشاء حينئذ مصداقا للبعث و التحريك و جعل الداعي، أو إن شئت فقل يكون مصداقا للطلب، فإن المقصود واحد. و (أخري) يكون الداعي له هو التهديد، فيكون مصداقا للتهديد و يكون تهديد بالحمل الشايع. و (ثالثة) يكون الداعي له هو التعجيز فيكون مصداقا للتعجيز و تعجيز بالحمل الشايع. . و هكذا في باقي المعاني المذكورة و غيرها. و الي هنا يتجلي ما نريد إن نوضحه، فإنا نريد إن نقول بنص العبارة. إن البعث أو التهديد أو التعجيز أو نحوه ليست هي معاني لهيئة الأمر قد استعملت في مفاهيمها - كما ظنه القوم - لا معاني حقيقة و لا مجازية. بل الحق إن المنشأ بها ليس الا النسبة الطلبية الخاصة و هذ الإنشاء يكون مصداقا لأحد هذه الأمور باختلاف الدواعي فيكون تارة بعثا بالحمل الشايع و أخري تهديدا بالحمل الشايع و هكذا. لا إن هذه المفاهيم مدلولة للهيئة و منشأة بها حتي مفهوم البعث و الطلب. لاختلطوا في الوهم بين المفهوم و المصداق هو الذي جعل أولئك يظنون

إن هذه الأمور مفاهيم لهيئة الأمر و قد استعملت فيها استعمال اللفظ في معناه، حتي اختلفوا في إنه أيها المعني الحقيقي الموضوع له الهيئة و أيها المعني المجازي.

ص 63

2 - ظهور الصيغة في الوجوب
اشارة

اختلف الأصوليون في ظهور صيغة الأمر في الوجوب و في كيفيته علي أقوال. و الخلاف يشمل صيغة افعل و ما شابهها و ما بمعناها من صيغ الأمر. و الأقوال في المسألة كثيرة و أهمها قولان: (أحدهما) إنها ظاهرة في الوجوب،، أم كونها موضوعة فيه، أو من جهة انصراف الطلب إلي أكمل الأفراد. (ثانيهما) إنها حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب و الندب و هو - أي القدر المشترك - مطلق الطلب الشامل لهما من دون إن تكون ظاهرة في أحدهما. و الحق إنها ظاهرة في الوجوب و لكن لا من جهة كونها موضوعة للوجوب و لا من جهة كونها موضوعة لمطلق الطلب و إن الوجوب أظهر أفراده. و شأنها في ظهورها في الوجوب شأن مادة الأمر علي ما تقدم هناك، من إن الوجوب يستفاد من حكم العقل بلزوم إطاعة أمر المولي و وجوب الانبعاث عن بعثه، قضاء لحق المولوية و العبودية، ما لم يرخص نفس المولي بالترك و يأذن به. و بدون الترخيص فالأمر لو خلي و طبعه شأنه إن يكون من مصاديق حكم العقل بوجوب الطاعة. فيكون الظهور هذا ليس من نحو الظهورات اللفظية و لا الدلالة هذه علي الوجوب من نوع الدلالات الكلامية. إذ صيغة الأمر - كمادة الأمر - لا تستعمل في مفهوم الوجوب لا استعمالا حقيقيا و لا مجازيا، لأن الوجوب كالندب أمر خارج عن حقيقة مدلولها و لا من كيفياته و أحواله. و تمتاز الصيغة عن مادة كلمة الأمر إن الصيغة

لا تدل إلا علي النسبة الطلبية كما تقدم، فهي بطريق أولي لا تصلح للدلالة علي الوجوب الذي هو مفهوم اسمي و كذا الندب. و علي هذ فالمستعمل فيه الصيغة علي كلا الحالين (الوجوب و الندب) واحد لا اختلاف فيه. و استفادة الوجوب - علي تقدير تجردها عن القرينة علي أذن الأمر بالترك - إنما هو حكم كالعقل كما قلنا، إذ هو من لوازم صدور

ص 64

الأمر من المولي. و يشهد لما ذكرناه من كون المستعمل فيه واحدا في مورد الوجوب و الندب ما جاء في كثير من الأحاديث من الجمع بين الواجبات و المندوبات بصيغة واحدة و أمر واحد أو أسلوب واحد مع تعدد الأمر. و لو كان الوجوب و الندب من قبيل المعنيين للصيغة لكان ذلك في الأغلب من باب استعمال اللفظ في أكثر من معني و هو مستحيل، أو تأويله بإرادة مطلق الطلب البعيد أرادته من مساق الأحاديث فإنه تجوز - علي تقديره - لا شاهد له و لا يساعد عليه أسلوب الأحاديث الواردة.

تنبيهان

تنبيهان:

(الأول) ظهور الجملة الخبرية الدالة علي الطلب في الوجوب.

اعلم إن الجملة الخبرية في مقام إنشاء الطلب شأنها شأن صيغة إفعل في ظهورها في الوجوب، كما أشرنا إليه سابقا، بقولن صيغة افعل و ما شابهه. و الجملة الخبرية مثل قول: يغتسل. يتوضأ. يصلي بعد السؤال عن شيء يقتضي مثل هذا الجواب و نحو ذلك. و السر في ذلك إن المناط في الجميع، واحد فإنه إذا ثبت البعث من المولي بأي مظهر كان و بأي لفظ كان، فلا بد إن يتبعه حكم العقل بلزوم الانبعاث ما لم يأذن المولي بتركه. بل ربما يقال إن دلالة الجملة الخبرية علي الوجوب آكد، لأنها في

الحقيقة أخبار عن تحقق الفعل بادعاء إن وقوع الامتثال من المكلف مفروغ عنه.

(الثاني) ظهور الأمر بعد الحظر أو توهمه.

قد يقع إنشاء الأمر بعد تقدم الحظر - أي المنع - أو عند توهم الحظر، كما لو منع الطبيب المريض عن شرب الماء، ثم قال له: اشرب الماء. أو قال ذلك عندما يتوهم المريض إنه ممنوع منه و محظور عليه شربه. و قد اختلف الأصوليون في مثل هذا الأمر إنه هل هو ظاهر في الوجوب

ص 65

أو ظاهر في الإباحة، أو الترخيص فقط أي رفع المنع فقط من دون التعرض لثبوت حكم آخر من إباحة أو غيرها، أو يرجع إلي ما كان عليه سابقا قبل المنع؟ علي أقوال كثيرة. و أصح الأقوال هو الثالث و هو دلالتها علي الترخيص فقط. و الوجه في ذلك: إنك قد عرفت إن دلالة الأمر علي الوجوب إنما تنشأ من حكم العقل بلزوم الانبعاث ما لم يثبت الأذن بالترك. و منه تستطيع إن تتفطن إنه لا دلالة للأمر في المقام علي الوجوب، لأنه ليس فيه دلالة علي البعث و إنما هو ترخيص في العقل لا أكثر. و أوضح من هذا إن نقول: إن مثل هذا الأمر هو إنشاء بداعي الترخيص في الفعل و الإذن به، فهو لا يكون الا ترخيص و إذنا بالحمل الشايع. و لا يكون بعثا الا إذا كان الإنشاء بداعي البعث. و وقوعه بعد الحظر أو توهمه قرينة علي كونه بداعي البعث، فلا يكون دالا علي الوجوب. و عدم دلالته علي الإباحة بطريق أولي. فيرجع فيه إلي دليل آخر من أصل أو أمارة. مثاله قوله تعالي: و إذا حللتم فاصطادو فإنه أمر بعد الحظر عن الصيد حال الإحرأم فلا يدل

علي وجوب الصيد. نعم لو اقترن الكلام بقرينة خاصة علي إن الأمر صدر بداعي البعث أو لغرض بيان إباحة الفعل فإنه حينئذ يدل علي الوجوب أو الإباحة. و لكن هذا أمر آخر ل كلأم فيه، فإن الكلام في فرض صدور الأمر بعد الحظر أو توهمه مجردا عن كل قرينة أخري غير هذه القرينة.

3 - التعبدي و التوصلي

3 - التعبدي و التوصلي

تمهيد:

كل متفقه يعرف إن في الشريعة المقدسة واجبات لا تصح و لا تسقط أوأمرها الا بإتيانها قريبة إلي وجه الله تعالي. و كونه قريبة إنما هو بإتيانها بقصد امتثال أوأمرها أو بغيره من وجوه قصد

ص 66

القربة إلي الله تعالي، علي ما ستأتي الإشارة إليها. و تسمي هذه الواجبات (العباديات) أو (التعبديات) كالصلاة و الصوم و نحوها. و هناك واجبات أخري تسمي (التوصليات) و هي التي تسقط أوأمرها بمجرد وجودها و إن لم يقصد بها القربة، كإنقاذ الغريق و أداء الدين و دفن الميت و تطهير الثوب و البدن للصلاة و نحو ذلك. و للتعبدي و التوصلي تعريف آخر كان مشهورا عند القدماء. و هو إن التوصلي: (ما كان الداعي للأمر به معلوما) و في قباله التعبدي و هو: (ما لم يعلم الغرض منه). و إنما سمي تعبديا لأن الغرض الداعي للمأمور ليس الا التعبد بأمر المولي فقط. و لكن التعريف غير صحيح ال إذا أريد به اصطلاح ثان للتعبدي و التوصلي، فيراد بالتعبد التسليم لله تعالي فيم أمر به و إن كان المأمور به توصليا بالمعني الأول، كما يقولون مثلا: (نعمل هذ تعبدا) و يقولون: (نعمل هذا من باب التعبد) أي نعمل هذا من باب التسليم لأمر الله و إن لم نعلم المصلحة فيه. و علي ما تقدم

من بيان معني التوصلي و التعبدي - المصطلح الأول - فإن علم حال واجب بأنه تعبدي أو توصلي فلا إشكال و إن شك في ذلك فهل الأصل كونه تعبديا أو توصليا؟ فيه خلاف بين الأصوليين. و ينبغي لتوضيح ذلك و بيان المختار تقديم أمور:

(1) منشأ الخلاف و تحريره:

إن منشأ الخلاف هنا هو الخلاف في أمكان اخذ قصد القربة في متعلق الأمر - كالصلاة مثلا - قيدا له علي نحو الجزء أو الشرط، علي و جه يكون المأمور به المتعلق للأمر هو الصلاة المأتي بها بقصد القربة، بهذا القيد، كقيد الطهارة فيها إذ يكون المأمور به الصلاة عن طهارة المجردة عن هذا القيد من حيث هي هي. فمن قال بأمكان أخذ هذا القيد - و هو قصد القربة - كان مقتضي الأصل عنده التوصلية، الا إذا دل دليل خاص علي التعبدية، كسائر القيود الأخري،

ص 67

لما عرفت إن إطلاق كلأم المولي حجة يجب الأخذ به ما لم يثبت التقييد، فعند الشك في اعتبار قيد يمكن أخذه في المأمور به فالمرجع (أصالة الإطلاق) لنفي اعتبار ذلك القيد. و من قال باستحالة أخذ قيد قصد القربة فليس له التمسك بالإطلاق، لأن الإطلاق ليس الا عبارة عن عدم التقييد فيما من شأنه التقييد، لأن التقابل بينهما من باب تقابل العدم و الملكة (الملكة هي التقييد و عدمها الإطلاق). و إذا استحالت الملكة استحال عدمها بما هو عدم ملكة، لا بما هو عدم مطلق. و هذا واضح لأنه إذا كان التقييد مستحيلا فعدم التقييد في لسان الدليل لا يستكشف منه إرادة الإطلاق، فإن عدم التقييد يجوز إن يكون لاستحالة التقييد و يجوز إن يكون لعدم إرادة التقييد و لا طريق لإثبات

الثاني بمجرد عدم ذكر القيد وحده. و بعد هذا نقول: إذا شككنا في اعتبار شيء في مراد المولي و ما تعلق به غرضه واقعا و لم يمكن له بيانه. فلا محالة يرجع ذلك إلي الشك في سقوط الأمر إذا خلا المأتي به من ذلك القيد الا شكوك. و عند الشك في سقوط الأمر - أي في امتثاله - يحكم العقل بلزوم الإتيان به مع القيد المشكوك كيما يحصل له العلم بفراغ ذمته من التكليف، لأنه إذا اشتغلت الذمة بواجب يقينا فلا بد من إحراز الفراغ منه في حكم العقل. و هذا معني ما اشتهر في لسان الأصوليين من قولهم: (الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني). و هذا ما يسمي عندهم بأصل الاشتغال أو أصالة الاحتياط

(ب) محل الخلاف من وجوه قصد القربة:

إن محل الخلاف في المقام هو أمكان اخذ قصد امتثال الأمر في المأمور به. و أما غير قصد الامتثال من وجوه قصد القربة، كقصد محبوبية الفعل المأمور به الذاتية باعتبار إن كل مأمور به لا بد إن يكون محبوب للأمر و مرغوبا فيه عنده و كقصد التقرب إلي الله تعالي محضا بالفعل لا من جهة قصد امتثال أمره بل رجاءا لرضاه و نحو ذلك من وجوه قصد القربة فإن كل

ص 68

هذه الوجوه لا مانع قطعا من اخذها قيدا للمأمور به و لا يلزم المحال الذي ذكروه في أخذ قصد الامتثال علي ما سيأتي. و لكن الشأن في إن هذه الوجوه هل هي مأخوذة في المأمور به فعلا علي نحو لا تكون العبادة عبادة الا بها؟ الحق إنه لم يؤخذ شيء منها في المأمور به. و الدليل علي ذلك ما نجده من الاتفاق علي صحة العبادة -

كالصلاة مثلا - إذا أتي بها بداعي أمره مع عدم قصد الوجوه الأخري. و لو كان غير قصد الامتثال من وجوه القربة مأخوذا في المأمور به لما صحت العبادة و لما سقط أمرها بمجرد الإتيان بداعي أمرها بدون قصد ذلك الوجه. فالخلاف - أذن - منحصر في أمكان أخذ قصد الامتثال و استحالته.

(ج) الإطلاق و التقييد في التقسيمات الأولية للواجب:

إن كل واجب في نفسه له تقسيمات باعتبار الخصوصيات التي يمكن إن تلحقه في الخارج، مثلا - الصلاة تنقسم في ذاتها مع قطع النظر عن تعلق الأمر بها إلي:

1 - ذات سورة و فاقدتها.

2 - ذات تسليم و فاقدته.

3 - صلاة عن طهارة و فاقدتها.

4 - صلاة مستقبل بها القبلة و غير مستقبل بها.

5 - صلاة مع الساتر و بدونه. و هكذا يمكن تقسيمها إلي ما شاء الله من الأقسأم بملاحظة أجزائها و شروطها و ملاحظة كل ما يمكن فرض اعتباره فيها و عدمه. و تسمي مثل هذه التقسيمات: التقسيمات الأولية، لأنه تقسيمات تلحقها في ذاتها مع قطع النظر عن فرض تعلق شيء بها و تقابله التقسيمات الثانوية التي تلحقها بعد فرض تعلق شيء بها كالأمر مثلا و سيأتي ذكره.

ص 69

فإذا نظرنا إلي هذه التقسيمات الأولية للواجب فالحكم بالوجوب بالقياس إلي كل خصوصية منها لا يخلو في الواقع من أحد احتمالات ثلاثة:

(1) إن يكون مقيدا بوجودها و يسمي ب (شرط شيء) مثل شرط الطهارة و الساتر و إلاستقبال و السورة و الركوع و السجود و غيره من إجزاء و شرائط بالنسبة إلي الصلاة.

(2) إن يكون مقيدا بعدمها و يسمي ب شرط ل، مثل شرط الصلاة بعدم الكلام و القهقهة و الحديث، إلي غير ذلك من قواطع

الصلاة.

(3 إن يكون مطلقا بالنسبة اليهما أي غير مقيد بوجودها و لا بعدمها و يسمي (لا بشرط)، مثل عدم اشتراط الصلاة بالقنوت، فإن و جوبها غير مقيد بوجوده و لا بعدمه. هذا في مرحلة الواقع و الثبوت و أما في مرحلة الإثبات و الدلالة، فإن الدليل الذي يدل علي وجوب شيء إن دل علي اعتبار قيد فيه أو علي اعتبار عدمه فذاك و إن لم يكن الدليل متضمنا لبيان التقييد بما هو محتمل التقييد لا وجودا و لا عدما، فإن المرجع في ذلك هو أصالة الإطلاق، إذا توفرت المقدمات المصححة للتمسك بأصالة الإطلاق علي ما سيأتي في بابه - و هو باب المطلق و المقيد - و بأصالة الإطلاق بستكشف إن إرادة المتكلم الأمر متعلقة بالمطلق واقعا، أي إن الواجب لم يؤخذ بالنسبة إلي القيد ال علي نحو اللابشرط.

(د) عدم أمكان الإطلاق و التقييد في التقسيمات الثانوية:

للواجب و الخلاصة إنه لا مانع من التمسك بالإطلاق لرفع احتمال التقييد في التقسيمات الأولية. ثم إن كل واجب - بعد ثبوت الوجوب و تعليق الأمر به واقعا - ينقسم إلي م يؤتي به في الخارج بداعي أمره و ما يؤتي به لا بداعي أمره. ثم ينقسم أيضا إلي معلوم الواجب و مجهوله. و هذه التقسيمات تسمي التقسيمات الثانوية لأنها من لواحق الحكم و بعد فرض

ص 70

ثبوت الوجوب واقعا، إذ قبل تحقق الحكم لا معني لفرض إتيان الصلاة - مثلا - بداعي أمرها، لأن المفروض في هذه الحالة لا أمر بها حتي يمكن فرض قصده. و كذا الحال بالنسبة إلي العلم و الجهل بالحكم. و في مثل هذه التقسيمات يستحيل التقييد أي تقييد المأمور به، لأن قصد امتثال الأمر

- مثلا - فرع وجود الأمر، فكيف يعقل إن يكون الأمر مقيدا به و لازمه إن يكون الأمر فرع قصد الأمر و قد كان قصد الأمر فرع وجود الأمر، فيلزم إن يكون المتقدم متأخرا و المتأخر متقدما. و هذا خلف أو دور. و إذ استحال التقييد استحال الإطلاق أيضا، لما قلنا سابقا إن الإطلاق من قبيل عدم الملكة بالقياس إلي التقييد فلا يفرض الا في مورد قابل للتقييد و مع عدم أمكان التقييد ل يستكشف من عدم التقييد إرادة الإطلاق.

(النتيجة) و إذا عرفنا هذه المقدمات يحسن بن إن نرجع إلي صلب الموضوع، فنقول: قد اختلف الأصوليون في إن الأصل في الواجب - إذ شك في كونه تعبديا أو توصليا - هل إنه تعبدي أو توصلي؟ ذهب جماعة إلي إن الأصل في الواجبات إن تكون عبادية الا إن يقوم دليل خاص علي عدم دخل قصد القربة في المأمور به، لأنه لا بد من الإتيان به تحصيلا للفراغ اليقيني مع عدم الدليل علي الاكتفاء بدونه و لا يمكن التمسك بالإطلاق لنفيه حسب الفرض. و قد تقدم ذلك في الأمر الأول. فتكون أصالة الاحتياط في المرجع هنا و هي تقتضي العبادية. و ذهب جماعة إلي إن الأصل في الواجبات إن تكون توصلية، لا لأجل التمسك بأصالة الإطلاق في نفس الأمر و لا لأجل أصالة البراءة من اعتبار قيد القربة، بل نتمسك لذلك بإطلاق المقام. توضيح ذلك: إنه لاريب في إن المأمور به إطلاقا و تقييدا يتبع الغرض سعة و ضيقا، فإن كان القيد دخيل في الغرض فلا بد من بيانه و أخذه في المأمور به قيدا و إلا فل.

ص 71

غير إن ذلك فيما يمكن أخذه من القيود في

المأمور به - كما في التقسيمات الأولية. أما مالا يمكن أخذه في المأمور به قيد ا - كالذي نحن فيه و هو قيد قصد الامتثال - فلا يصح من الأمر إن يتغافل عنه حيث لا يمكن أخذه قيدا في الكلام الواحد المتضمن للأمر، بل لا مناص له من أتباع طريقة أخري ممكنة لاستيفاء غرضه و لو بأنشاء أمرين أحدهما يتعلق بذات الفعل مجردا عن القيد و الثاني يتعلق بالقيد. مثلا - لو فرض إن غرض المولي قائم بالصلاة المأتي بها بداعي أمرها فإنه إذا لم يمكن تقييد المأمور به بذلك في نفس الأمر المتعلق بها لما عرفت من امتناع التقييد في التقسيمات الثانوية. . فلا بد له (أي الأمر) لتحصيل غرضه إن يسلك طريقة أخري كان يأمر أولا بالصلاة ثم يأمر ثانيا بإتيانها بداعي أمرها الأول، مبينا ذلك بصريح العبارة. و هذان الأمران يكونان في حكم أمر واحد ثبوتا و سقوطا، لأنهما ناشيءإن من غرض واحد و الثاني يكون بيانا للأول، فمع عدم امتثال الأمر الثاني لا يسقط الأمر الأول بامتثاله فقط و ذلك بأن يأتي بالصلاة مجردة عن قصد أمرها، فيكون الأمر الثاني بأنضمأمه إلي الأول مشتركا مع التقييد في النتيجة و إن لم يسم تقييدا اصطلاحا. إذا عرفت ذلك، فإذا أمر المولي بشيء - و كان في مقام البيان - و اكتفي بهذا الأمر و لم يلحقه بما يكون بيان له فلم يأمر ثانيا بقصد الامتثال، فإنه يستكشف منه عدم دخل قصد الامتثال في الغرض و إلا لبينه بأمر ثان. و هذا ما سميناه بإطلاق المقام. و عليه، فالأصل في الواجبات كونها توصلية حتي يثبت بالدليل إنها تعبدية.

4 - الواجب العيني و إطلاق الصيغة

4 - الواجب العيني و

إطلاق الصيغة

الواجب العيني: (ما يتعلق بكل مكلف و لا يسقط بفعل الغير) كالصلاة

ص 72

اليومية و الصوم. و يقابله الواجب الكفائي و هو: (المطلوب فيه وجود الفعل من أي مكلف كان) فيسقط بفعل بعض المكلفين عن الباقي، كالصلاة عن الميت و تغسيله و دفنه. و سيأتي في تقسيمات الواجب ذكرهما. و فيما يتعلق في مسألة تشخيص الظهور نقول: إن دل الدليل علي إن الواجب عيني أو كفائي فذاك و إن لم يدل فإن إطلاق صيغة افعل تقتضي إن يكون عينيا سواء أتي بذلك العمل شخص آخر أم لم يأت به، فإن العقل يحكم بلزوم امتثال الأمر ما لم يعلم سقوطه بفعل الغير. فالمحتاج إلي مزيد البيان علي أصل الصيغة هو الواجب الكفائي، فإذا لم ينصب المولي قرينة علي أرادته - كما هو المفروض - يعلم إن مراده الوجوب العيني.

5 - الواجب التعييني و إطلاق الصيغة

5 - الواجب التعييني و إطلاق الصيغة

الواجب التعييني: هو (الواجب بلا واجب آخر يكون عدلا له و بديلا عنه في عرضه) كالصلاة اليومية. و يقابله الواجب التخييري كخصال كفارة الإفطار العمدي في صوم رمضان، المخيرة بين إطعام ستين مسكينا و صوم شهرين متتابعين و عتق رقبة. و سيأتي في الخاتمة توضيح الواجب التعييني و التخييري. فإذا علم واجب إنه من أي القسمين فذاك و إلا فمقتضي إطلاق صيغة الأمر وجوب ذلك الفعل سواء أتي بفعل آخر أم لم يأت به، فالقاعدة تقتضي عدم سقوطه بفعل شيء آخر، لأن التخيير محتاج إلي مزيد بيان مفقود.

6 - الواجب النفسي و إطلاق الصيغة

6 - الواجب النفسي و إطلاق الصيغة

الواجب النفسي: هو (الواجب لنفسه لا لأجل واجب آخر) كالصلاة اليومية. و يقابله الواجب الغيري كالوضوء فإنه إنما يجب مقدمة للصلاة الواجبة، لا لنفسه إذ لو لم تجب الصلاة لما وجب الوضوء. فإذا شك في واجب إنه نفسي أو غيري فمقتضي إطلاق تعلق الأمر به

ص 73

سواء وجب شيء آخر أم لا، إنه واجب نفسي. فالإطلاق يقتضي النفسية ما لم تثبت الغيرية.

7 - الفور و التراخي

7 - الفور و التراخي

اختلف الأصوليون في دلالة صيغة الأمر علي الفور و التراخي علي أقوال.

1 - إنها موضوعة للفور.

2 - إنها موضوعة للتراخي.

3 - إنه موضوعة لهما علي نحو الاشتراك اللفظي.

4 - إنها غير موضوعة لا للفور و لا للتراخي و لا للأعم منهما، بل لا دلالة لها علي أحدهما بوجه من الوجوه. و إنما يستفاد أحدهم من القرائن الخارجية التي تختلف باختلاف المقامات. و الحق هوالأخير. و الدليل عليه: ما عرفت من إن صيغة افعل إنما تدل علي النسبة الطلبية، كما إن المادة لم توضع ال لنفس الحدث غير الملحوظة معه شيء من خصوصياته الوجودية. و عليه، فلا دلالة لها - ل بهيئتها و لا بمادتها - علي الفور أو التراخي. بل لا بد من دال آخر علي شيء منهما، فإن تجردت عن الدال الآخر فإن ذلك يقتضي جواز الإتيان بالمأمور به علي الفور أو التراخي. هذا بالنظر إلي نفس الصيغة، أما بالنظر إلي الدليل الخارجي المنفصل فقد قيل بوجود الدليل علي الفور في جميع الواجبات علي نحو العموم الا ما دل عليه دليل خاص ينص علي جواز التراخي فيه بالخصوص. و قد ذكروا لذلك أيتين: (الأولي) - قوله تعالي في سورة آل عمرإن 127: (وسارعوا

إلي مغفرة من ربكم). و تقريب الاستدلال بها إن المسارعة إلي المغفرة لا تكون الا بالمسارعة إلي سببها و هو الإتيان بالمأمور به، لأن المغفرة فعل الله تعالي فلا معني لمسارعة العبد إليها. و عليه فيكون الاسراع إلي فعل المأمور به واجبا لما مر من ظهور صيغة افعل في الوجوب.

ص 74

(الثانية) - قوله تعالي في سورة البقرة 143 و المائدة 53: (فاستبقوا الخيرات) فإن الاستباق بالخيرات عبارة أخري عن الإتيان بها فورا. و (الجواب) عن الاستدلال بكلت الآيتين: إن الخيرات و سبب المغفرة كما تصدق علي الواجبات تصدق علي المستحبات أيضا، فتكون المسارعة و المسابقة شاملتين لما هما في المستحبات أيضا. و من البديهي عدم وجوب المسارعة فيها، كيف و هي يجوز تركها رأسا. و إذا كانتا شاملتين للمستحبات بعمومهم كان ذلك قرينة علي إن طلب المسارعة ليس علي نحوالإلزأم. فلا تبقي لهما دلالة علي الفورية في عموم الواجبات. بل لو سلمنا باختصاصهما في الواجبات لوجب صرف ظهور صيغة افعل فيها في الوجوب و حملها علي الاستحباب، نظرا إلي إنا نعلم عدم وجوب الفورية في أكثر الواجبات، فيلزم تخصيص الأكثر بإخراج أكثر الواجبات عن عمومها. و لا شك إن الإتيان بالكلام عاما مع تخصيص الأكثر و إخراجه من العموم بعد ذلك قبيح في المحاورات العرفية و يعد الكلام عند العرف مستهجنا. فهل تري يصح لعارف بأساليب الكلام إن يقول مثلا: (بعت أموالي)، ثم يستثني واحدا فواحدا حتي لا يبقي تحت العام إلا القليل؟ ل شك في إن هذا الكلام يعد مستهجنا لا يصدر عن حكيم عارف. أذن، لا يبقي مناص من حمل الآيتين علي الاستحباب.

8 - المرة و التكرار *

8 - المرة و التكرار *

واختلفوا أيضا في دلالة صيغة

افعل علي المرة و التكرار علي أقوال،

(هامش)

(*) المرة و التكرار لهما معنيان: (الأول): الدفعة و الدفعات، (الثاني): الفرد و الأفراد. و الظاهر إن المراد منهما في محل النزاع هو المعني الأول. و الفرق بينهم إن الدفعة قد تتحقق بفرد واحد من الطبيعة المطلوبة و قد تتحقق بأفراد متعددة إذا جئ بها في زمان واحد. فلذلك تكون الدفعة أعم من الفرد مطلقا، كما إن الأفراد أعم مطلق من الدفعات، لأن الأفراد - كما قلنا - قد تحصل دفعة واحدة و قد تحصل بدفعات.

ص 75

كاختلافهم في الفور و التراخي. و المختار هنا كالمختار هناك و الدليل نفس الدليل من عدم دلالة الصيغة لا بهيئتها و لا بمادتها علي المرة و لا التكرار، لما عرفت من إنه لا تدل علي أكثر من طلب نفس الطبيعة من حيث هي. فلا بد من دال آخر علي كل منهم. أما الإطلاق فإنه يقتضي الاكتفاء بالمرة. و تفصيل ذلك: إن مطلوب المولي لا يخلو من أحد وجوه ثلاثة (و يختلف الحكم فيها من ناحية جواز الاكتفاء و جواز التكرار):

1 - إن يكون المطلوب صرف وجود الشيء بلا قيد و لا شرط، بمعني إنه يريد ألا يبقي مطلوبه معدوما، بل يخرج من ظلمة العدم إلي نور الوجود لا أكثر و لو بفرد واحد. و لا محالة - حينئذ - ينطبق المطلوب قهرا علي أول وجوداته، فلو أتي المكلف بما أمر به أكثر من مرة فالامتثال يكون بالوجود الأول و يكون الثاني لغوا محضا، كالصلاة اليومية.

2 - إن يكون المطلوب الوجود الواحد بقيد الوحدة، أي بشرط ألا يزيد علي أول وجوداته فلو أتي المكلف حينئذ بالمأمور به مرتين لا يحصل الامتثال أصلا، كتكبيرة الإحرأم

للصلاة فإن الإتيان بالثانية عقيب الأولي مبطل للأولي و هي تقع باطلة.

3 - إن يكون المطلوب الوجود المتكرر، أما بشرط تكرره فيكون المطلوب هو المجموع بما هو مجموع، فلا يحصل الامتثال بالمرة أصلا كركعات الصلاة الواحدة و أما لا بشرط تكرره بمعني إنه يكون المطلوب كل واحد من الوجودات كصوم أيأم شهر رمضان، فلكل مرة امتثالها الخاص. و لا شك إن الوجهين الأخيرين يحتاجان إلي بيان زائد علي مفاد الصيغة. فلو أطلق المولي و لم يقيد بأحد الوجهين - و هو في مقام البيان - كان إطلاقه دليلا علي إرادة الوجه الأول. و عليه يحصل الامتثال - كما قلنا - بالوجود الأول و لكن لا يضر الوجود الثاني، كم إنه لا أثر له في الامتثال و غرض المولي. و مما ذكرنا يتضح إن مقتضي الإطلاق جواز الإتيان بأفراد كثيرة معا دفعة

ص 76

واحدة و يحصل الامتثال بالجميع. فلو قال المولي: تصدق علي مسكين، فمقتضي الإطلاق جواز الاكتفاء بالتصدق مرة واحدة علي مسكين واحد و حصول الامتثال بالتصدق علي عدة مساكين دفعة واحدة و يكون امتثالا واحدا بالجميع لصدق صرف الوجود علي الجميع، إذ الامتثال كما يحصل بالفرد الواحد يحصل بالأفراد المجتمعة بالوجود.

9 - هل يدل نسخ الوجوب علي الجواز؟

9 - هل يدل نسخ الوجوب علي الجواز؟

إذا وجب شيء في زمان بدلالة الأمر، ثم نسخ ذلك الوجوب قطعا. فقد اختلفوا في بقاء الجواز الذي كان مدلولا للأمر، لأن الأمر كان يدل علي جواز الفعل مع المنع من تركه، فمنهم من قال ببقاء الجواز و منهم من قال بعدمه. و يرجع النزاع - في الحقيقة - إلي النزاع في مقدار دلالة نسخ الوجوب، فإن فيه احتمالين:

1 - إنه يدل علي رفع خصوص المنع من

الترك فقط و حينئذ تبقي دلالة الأمر علي الجواز علي حالها ل يمسها النسخ و هو القول الأول. و منشأ هذا إن الوجوب ينحل إلي الجواز و المنع من الترك و لا شأن في النسخ الا رفع المنع من الترك فقط و لا تعرض له لجنسه و هو الجواز أي الأذن في الفعل.

2 - إنه يدل علي رفع الوجوب من أصله، فلا يبقي لدليل الوجوب شيء يدل عليه. و منشأ هذا هو إن الوجوب معني بسيط لا ينحل إلي جزأين فلا يتصور في النسخ إنه رفع للمنع من الترك فقط. و المختار هو القول الثاني، لأن الحق إن الوجوب أمر بسيط و هو الإلزأم بالفعل و لازمه المنع من الترك، كما إن الحرمة هي المنع من الفعل و لازمها الإلزأم بالترك و ليس الإلزأم بالترك الذي هو معناه وجوب الترك جزءا من معني حرمة الفعل و كذلك المنع من الترك الذي معناه حرمة الترك ليس جزءا من معني وجوب الفعل، بل أحدهما لازم للآخر ينشأ منه تبعا له. فثبوت الجواز بعد النسخ للوجوب يحتاج إلي دليل خاص يدل عليه و لا يكفي دليل الوجوب، فلا دلالة لدليل الناسخ ول لدليل المنسوخ علي الجواز،

ص 77

ويمكن إن يكون الفعل بعد نسخ و جوبه محكوما بكل واحد من الأحكام الأربعة الباقية. و هذا البحث لا يستحق أكثر من هذا الكلام لقلة البلوي به. و ما ذكرناه فيه الكفاية.

10-الأمر بشيء مرتين

10-الأمر بشيء مرتين

إذا تعلق الأمر بفعل مرتين فهو يمكن إن يقع علي صورتين: -

1 - إن يكون الأمر الثاني بعد امتثال الأمر الأول. و حينئذ لا شبهة في لزوم امتثاله ثانيا.

2 - إن يكون الأمر الثاني قبل امتثال الأمر الأول.

و حينئذ يقع الشك في وجوب امتثاله مرتين أو كفاية المرة الواحدة في الامتثال. فإن كان الأمر الثاني تأسيس لوجوب آخر تعين الامتثال مرة أخري و إن كان تأكيدا للأمر الأول فليس لهما ال امتثال واحد. و لتوضيح الحال و بيان الحق في المسألة نقول: إن هذا الفرض له أربع حالات: (الأولي) - إن يكون الأمران معا غير معلقين علي شرط، كان يقول مثلا: (صل) ثم يقول ثانيا (صل) - فإن الظاهر حينئذ إن يحمل الأمر الثاني علي التأكيد، لأن الطبيعة الواحدة يستحيل تعلق الأمرين بها من دون أمتياز في البين، فلو كان الثاني تأسيس غير مؤكد للأول لكان علي الأمر تقييد متعلقه و لو بنحو (مرة أخري). فمن عدم التقييد و ظهور وحدة المتعلق فيهما يكون اللفظ في الثاني ظاهرا في التأكيد و إن كان التأكيد في نفسه خلاف الأصل و خلاف ظاهر الكلام لو خلي و نفسه. (الثانية) - إن يكون الأمران معا معلقين علي شرط واحد، كان يقول المولي مثلا: (إن كنت محدثا فتوضأ)، ثم يكرر نفس القول ثانيا. ففي هذه الحالة أيضا يحمل علي التأكيد لعين ما قلناه في الحالة الأولي بلا تفاوت. (الثالثة) - إن يكون أحد الأمرين معلقا و الآخر غير معلق كان يقول

ص 78

مثلا: (اغتسل) ثم يقول:

(إن كنت جنبا فاغتسل). ففي هذه الحالة أيضا يكون المطلوب واحدا و يحمل علي التأكيد، لوحدة المأمور به ظاهرا المانعة من تعلق الأمرين به، غير إن الأمر المطلق - أعني غير المعلق - يحمل إطلاقه علي المقيد - اعني المعلق -، فيكون الثاني مقيدا لإطلاق الأول و كاشفا عن المراد منه. (الرابعة) - إن يكون أحد الأمرين معلقا علي شيء و الآخر

معلقا علي شيء آخر، كان يقول مثلا: (إن كنت جنب فاغتسل) و يقول:

(إن مسست ميتا فاغتسل)، ففي هذه الحالة يحمل - ظاهرا - علي التأسيس، لأن الظاهر إن المطلوب في كل منهما غير المطلوب في الآخر و يبعد جدا حمله علي إن المطلوب واحد، أما التأكيد فلا معني له هنا و أما القول بالتداخل بمعني الاكتفاء بامتثال واحد عن المطلوبين فهو ممكن، ولكنه ليس من باب التأكيد، بل لا يفرض الا بعد فرض التأسيس و إن هناك أمرين يمتثلان معا بفعل واحد. و لكن التداخل - علي كل حال - خلاف الأصل و لا يصار إليه الا بدليل خاص، كما ثبت في غسل الجنابة إنه يجزي عن كل غسل آخر و سيأتي البحث عن التداخل مفصلا في مفهوم الشرط.

11-دلالة الأمر بالأمر علي الوجوب

11-دلالة الأمر بالأمر علي الوجوب

إذا أمر المولي أحد عبيده إن يأمر عبده الآخر بفعل - فهل هو أمر بذلك الفعل حتي يجب علي الثاني فعله؟ علي قولين. و هكذا يمكن فرضه علي نحوين:

1 - إن يكون المأمور الأول علي نحو المبلغ لأمر المولي إلي المأمور الثاني، مثل أن يأمر رئيس الدولة وزيره إن يأمر الرعية عنه بفعل. و هذا النحو - لا شك - خارج عن محل الخلاف، لأنه لا يشك أحد في ظهوره في وجوب الفعل علي المأمور الثاني. و كل أوأمر الأنبياء بالنسبة إلي المكلفين من هذا القبيل.

2 - ألا يكون المأمور الأول علي المبلغ، بل هو مأمور إن يستقل في توجيه الأمر إلي الثاني من قبل نفسه و علي نحو قول الأمأم عليه السلأم (مرهم

ص 79

بالصلاة و هم أبناء سبع) يعني الأطفال. و هذا النحو هو محل الخلاف و البحث. و يلحق به

ما لم يعلم الحال فيه إنه علي أي نحو من النحوين المذكورين. و المختار: إن مجرد الأمر بالأمر ظاهر عرفا في و جوبه علي الثاني. و توضيح ذلك: إن الأمر بالأمر لا علي نحو التبليغ يقع علي صورتين: (الأولي) - إن يكون غرض المولي يتعلق في فعل المأمور الثاني و يكون أمره بالأمر طريقا للتوصل إلي حصول غرضه. و إذا عرف غرضه إنه علي هذه الصورة يكون أمره بالأمر - لا شك - أمرا بالفعل نفسه. (الثانية) - إن يكون غرضه في مجرد أمر المأمور الأول، من دون إن يتعلق له غرض بفعل المأمور الثاني، كما لو أمر المولي ابنه - مثلا - إن يأمر العبد بشيء و لا يكون غرضه الا إن يعود ابنه علي إصدار الأوأمر أو نحو ذلك، فيكون غرضه - فقط - في إصدار الأول أمره، فلا يكون الفعل مطلوبا له أصلا في الواقع. و واضح لو علم الثاني المأمور بهذا الغرض لا يكون أمر المولي بالأمر أمرا له و لا يعد عاصيا لمولاه و لو تركه، لأن الأمر المتعلق لأمر المولي يكون مأخوذا علي نحو الموضوعية و هو متعلق الغرض، لا علي نحو الطريقية لتحصيل الفعل من العبد المأمور الثاني. فإن قأمت قرينة علي إحدي الصورتين المذكورتين فذاك و إن لم تقم قرينة فإن ظاهر الأوأمر - عرفا - مع التجرد عن القرائن هو إنه علي نحو الطريقية. فأذن، الأمر بالأمر مطلقا يدل علي الوجوب الا إذا ثبت إنه علي نحو الموضوعية. و ليس مثله يقع في الأوأمر الشرعية.

ص 81

الخاتمة في تقسيمات الواجب
الخاتمة في تقسيمات الواجب

للواجب عدة تقسيمات

لا بأس بالتعرض لها، إلحاقا بمباحث الأوأمر و إتمأما للفائدة.

1 - المطلق و المشروط

1 - المطلق و المشروط

إن الواجب إذا قيس و جوبه إلي شيء آخر خارج عن الواجب،، فهو لا يخرج عن احد نحوين:

1 - أن يكون متوقفا و جوبه علي ذلك الشيء و هو - أي الشيء - مأخوذا في وجوب الواجب علي نحو الشرطية، كوجوب الحج بالقياس إلي الاستطاعة. و هذا هو المسمي (بالواجب المشروط)، لاشتراط و جوبه بحصول ذلك الشيء الخارج و لذا لا يجب الحج الا عند حصول الاستطاعة.

2 - أن يكون وجوب الواجب غير متوقف علي حصول ذلك الشيء الآخر، كالحج بالقياس إلي قطع المسافة و إن توقف وجوده عليه. و هذا هو المسمي (بالواجب المطلق)، لأن و جوبه مطلق غير مشروط بحصول ذلك الشيء الخارج. و منه الصلاة بالقياس إلي الوضوء و الغسل و الساتر و نحوها. و من مثال الحج يظهر إنه - و هو واجب واحد - يكون واجبا مشروطا بالقياس إلي شيء و واجبا مطلق بالقياس إلي شيء آخر. فالمشروط و المطلق أمران إضافيان. ثم اعلم إن كل واجب هو واجب مشروط بالقياس إلي الشرائط العامة

ص 82

وهي البلوغ و القدرة و العقل، فالصبي و العاجز و المجنون لا يكلفون بشيء في الواقع. و أما (العلم) فقد قيل إنه من الشروط العامة و الحق إنه ليس شرطا في الوجوب و لا في غيره من الأحكام، بل التكاليف الواقعية مشتركة بين العالم و الجاهل علي حد سواء. نعم العلم شرط في استحقاق العقاب علي مخالفة التكليف علي تفصيل يأتي في مباحث الحجة و غيرها إن شاء الله تعالي. و ليس هذا موضعه.

2 - المعلق و المنجز

2 - المعلق و المنجز

لا شك إن الواجب المشروط بعد حصول شرطه يكون و جوبه فعليا شأن الواجب

المطلق، فيتوجه التكليف فعل إلي المكلف. و لكن فعلية التكليف تتصور علي وجهين:

1 - إن تكون فعلية الوجوب مقارنة زمانا لفعلية الواجب، بمعني إن يكون زمان الواجب نفس زمان الوجوب. و يسمي هذا القسم (الواجب المنجز)، كالصلاة بعد دخول وقتها، فإن و جوبها فعلي و الواجب و هو الصلاة فعلي أيضا.

2 إن تكون فعلية الوجوب. سابقة زمانا علي فعلية الواجب فيتأخر زمان الواجب عن زمان الوجوب. و يسمي هذا القسم (الواجب المعلق) لتعليق الفعل - لا و جوبه - علي زمان غير حاصل بعد، كالحج - مثلا - فإنه عند حصول الاستطاعة يكون و جوبه فعلي - كما قيل - و لكن الواجب معلق علي حصول الموسم، فإنه عند حصول الاستطاعة وجب الحج و لذا يجب عليه إن يهيئ المقدمات و الزاد و الراحلة حتي يحصل وقته و موسمه ليفعله في وقته المحدد له. و قد وقع البحث و الكلام هنا في مقامين: (الأول) - في أمكان الواجب المعلق و المعروف عن صاحب الفصول القول بأمكانه و وقوعه و الأكثر علي استحالته و هو المختار و سنتعرض له إن شاء الله تعالي في مقدمة الواجب مع بيان السر في الذهاب إلي أمكانه و وقوعه،

ص 83

وسنبين إن الواجب فعلا في مثال الحج هو السير و التهيئة للمقدمات و أما نفس أعمال الحج فوجوبها مشروط بحضور الموسم و القدرة عليها في لسان. و (الثاني) - في إن ظاهر الجملة الشرطية في مثل قولهم: (إذا دخل الوقت فصل) هل إن الشرط شرط للوجوب فلا تجب الصلاة في المثال الا بعد دخول الوقت، أو إنه شرط للواجب فيكون الواجب نفسه معلق علي دخل الوقت في المثال و أما الوجوب

فهو فعلي مطلق؟ و بعبارة أخري هل إن القيد شرط لمدلول هيئة الأمر في الجزاء، أو إنه شرط لمدلول مادة الأمر في الجزاء؟ و هذا البحث يجري حتي لو كان الشرط غير الزمان، كما إذا قال المولي: (إذا تطهرت فصل). فعلي القول بظهور الجملة في رجوع القيد إلي الهيئة - أي إنه شرط للوجوب - يكون الواجب واجبا مشروطا، فلا يجب تحصيل شيء من المقدمات قبل حصول الشرط. و علي القول بظهوره في رجوع القيد إلي المادة - أي إنه شرط للواجب - يكون الواجب واجبا مطلقا، فيكون الواجب فعليا قبل حصول الشرط، فيجب عليه تحصيل مقدمات المأمور به إذا علم بحصول الشرط فيما بعد. و هذا النزاع هو النزاع المعروف بين المتأخرين في رجوع القيد في الجملة الشرطية إلي الهيئة أو المادة. و سيجئ تحقيق الحال في موضعه إن شاء الله تعالي.

3 - الأصلي و التبعي

3 - الأصلي و التبعي

(الواجب الأصلي): ما قصدت إفادة و جوبه مستقلا بالكلام، كوجوبي الصلاة و الوضوء المستفادين من قوله تعالي: (وأقيموا الصلاة) و قوله تعالي: (فاغسلوا وجوهكم). و (الواجب التبعي): ما لم تقصد إفادة و جوبه، بل كان من توابع م قصدت إفادته. و هذا كوجوب المشي إلي السوق المفهوم من أمر المولي

ص 84

بوجوب شراء اللحم من السوق، فإن المشي إليها حينئذ يكون واجبا لكنه لم يكن مقصود بالإفادة من الكلام. كما في كل دلالة إلتزامية فيما لم يكن اللزوم فيها من قبيل البين بالمعني الأخص.

4 - التخييري و التعييني

4 - التخييري و التعييني

(الواجب التعييني): ما نعلق به الطلب بخصوصه و ليس له عدل في مقام الامتثال، كالصلاة و الصوم في شهر رمضان، فإن الصلاة واجبة لمصلحة في نفسها لا يقوم مقامها واجب آخر في عرضها. و قد عرفناه فيما سبق ص 72 بقولنا: (هو الواجب بلا واجب آخر يكون عدلا له و بديلا عنه في عرضه). و إنما قيدن البديل في عرضه، لأن بعض الواجبات التعيينية قد يكون لها بديل في طولها و لا يخرجه عن كونها واجبات تعيينية كالوضوء مثلا الذي له بدليل في طوله و هو التيمم، لأنه إنم يجب إذا تعذر الوضوء و كالغسل بالنسبة إلي التيمم أيضا كذلك. و كخصال الكفارة المرتبة نحو كفارة قتل الخطأ و هي العتق أولا فإن تعذر فصيأم شهرين فإن تعذر فإطعام ستين مسكينا. (الواجب التخييري) ما كان له عدل و بديل في عرضه و لم يتعلق به الطلب بخصوصه، بل كان المطلوب هو أو غيره يتخير بينهما المكلف. و هو كالصوم الواجب في كفارة فطار شهر رمضان عمدا، فإنه واجب و لكن يجوز تركه و تبديله

بعتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا. و الأصل في هذا التقسيم إن غرض المولي ربما يتعلق بشيء معين، فإنه ل مناص حينئذ من إن يكون هو المطلوب و المبعوث إليه وحده. فيكون (واجبا تعييني). و ربما يتعلق غرضه بأحد شيئين أو أشياء لا علي التعيين بمعني إن كلا منها محصل لغرضه، فيكون البعث نحوها جميعا علي نحو التخيير بينها. و كلا القسمين واقعان في أرادتنا نحن أيضا، فلا وجه للإشكال في أمكان الواجب التخييري و لا موجب لإطالة الكلام. ثم إن أطراف الواجب التخييري إن كان بينهما جأمع يمكن التعبير عنه

ص 85

بلفظ واحد، فإنه يمكن إن يكون البعث في مقام الطلب نحو هذا الجأمع فإذا وقع الطلب كذلك فإن التخيير حينئذ بين واقعان يسمي (عقليا) و هو ليس من الواجب التخييري المبحوث عنه، فإن هذا يعد من الواجب التعييني فإن كل واجب تعييني كلي - يكون المكلف مخيرا عقلا بين أفراده و التخيير يسمي حينئذ عقليا. مثاله قول الأستاذ لتلميذه (اشتر قلما) الجأمع بين أنواع الأقلأم من قلم الحبر و قلم الرصاص و غيرهما، فإن التخيير بين هذه الأنواع يكون عقليا كما إن التخيير بين أفراد كل نوع يكون عقلي أيضا. و إن لم يكن هناك جأمع مثل ذلك - كما في مثال خصال الكفارة - فإن البعث أما إن يكون نحو عنوان أنتزاعي كعنوان (أحد هذه الأمور)، أو نحو كل واحد منها مستقلا و لكن مع العطف ب (أو) و نحوها مما يدل علي التخيير. فيقال في النحو الأول مثلا: أوجد أحد هذه الأمور. و يقال في النحو الثاني مثلا: صم أو أطعم أو اعتق. و يسمي حينئذ التخيير بين واقعان (شرعيا) و هو

المقصود من التخيير المقابل للتعيين هنا. ثم هذا التخييري الشرعي (تارة) يكون بين المتباينين كالمثال المتقدم و (أخري) بين الأقل و الأكثر كالتخيير بين تسبيحة واحدة و ثلاث تسبيحات في ثلاثية الصلاة اليومية و رباعيتها علي قول. و كما لو أمر المولي برسم خط مستقيم - مثلا - مخيرا فيه بين القصير و الطويل. و هذا الأخير - اعني التخيير بين الأقل و الأكثر - إنما يتصور فيما إذا كان الغرض مترتبا علي الأقل بحده و يترتب علي الأكثر بحده أيضا، أما لو كان الغرض مترتبا علي الأقل مطلقا و إن وقع في ضمن الأكبر فالواجب حينئذ هو الأقل فقط و لا تكون الزيادة واجبة فلا يكون من باب الواجب التخييري، بل الزيادة لا بد إن تحمل علي الاستحباب.

5 - العيني و الكفائي

5 - العيني و الكفائي

تقدم: إن الواجب العيني ما يتعلق بكل مكلف و لا يسقط بفعل الغير و يقابله الواجب الكفائي و هو المطلوب فيه وجوب الفعل من أي

ص 86

مكلف كان. فهو يجب علي جميع المكلفين و لكن يكتفي بفعل بعضهم فيسقط عن الآخرين ول يستحق العقاب بتركه. نعم إذا تركوه جميعا من دون إن يقوم به واحد فالجميع منهم يستحقون العقاب، كما يستحق الثواب كل من اشترك في فعله. و أمثلة الواجب الكفائي كثيرة في الشريعة، منها تجهيز الميت و الصلاة عليه و منها إنقاذ الغريق و نحوه من التهلكة و منها إزالة النجاسة عن المسجد و منها الحرف و المهن و الصناعات التي به نظأم معايش الناس و منها طلب الاجتهاد و منها الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و الأصل في هذا التقسيم إن المولي يتعلق غرضه بالشيء المطلوب له من الغير علي

نحوين: -

1 - أن يصدر من كل واحد من الناس، حينما تكون المصلحة المطلوبة تحصل من كل واحد مستقلا، فلا بد إن يوجه الخطاب إلي كل واحد منهم علي إن يصدر من كل واحد عينا، كالصوم أو الصلاة و أكثر التكاليف الشرعية. و هذا هو (الواجب العيني).

2 - أن يصدر من أحد المكلفين لا بعينه، حينما تكون المصلحة في صدور الفعل و لو مرة واحدة من أي شخص كان، فلا بد إن يوجه الخطاب إلي جميع المكلفين لعدم خصوصية مكلف دون مكلف و يكتفي بفعل بعضهم الذي يحصل به الغرض، فيجب علي الجميع بفرض الكفاية الذي هو (الواجب الكفائي). و قد وقع الأقدمون من الأصوليين في حيرة من أمر (الوجوب الكفائي) و تطبيقه علي القاعدة في الوجوب الذي قوأمه بل لازمه المنع من الترك، إذ رأوا إن و جوبه علي الجميع لا يتلاءم مع جواز تركه بفعل بعضهم و لا وجوب بدون المنع من الترك. لذا ظن بعضهم إنه ليس المكلف المخاطب فيه الجميع بل البعض غير المعين أي أحد المكلفين و ظن بعضهم إنه معين عند الله غير معين عندنا و يتعين من يسبق إلي الفعل منهم فهو المكلف حقيقة. . إلي غير ذلك من الظنون.

ص 87

ونحن لما صورناه بذلك التصوير المتقدم لا يبقي مجال لهذه الظنون، فلا نشغل أنفسن بذكرها وردها. و تدفع الحيرة بأدني التفات، لأنه إذا كان غرض المولي يحصل بفعل البعض فلا بد إن يسقط و جوبه عن الباقي، إذ لا يبقي ما يدعو إليه. فهو - أذن - واجب علي الجميع من أول الأمر و لذا يمنعون جميعا من تركه و يسقط بفعل بعضهم لحصول الغرض منه.

6 - الموسع و المضيق

6 -

الموسع و المضيق

ينقسم الواجب باعتبار الوقت إلي قسمين: موقت و غير موقت ثم الموقت إلي: موسع و مضيق ثم غير الموقت إلي: فوري و غير فوري و لنبدأ بغير الموقت (مقدمة)، فنقول: (غير الموقت): ما لم يعتبر فيه شرعا وقت مخصوص و إن كان كل فعل ل يخلو - عقلا - من زمن يكون ظرفا له، كقضاء الفائتة و إزالة النجاسة عن المسجد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و نحو ذلك. و هو - كما قلنا - علي قسمين: (فوري) و هو مال يجوز تأخيره عن أول أزمنة أمكانه كإزالة النجاسة عن المسجد، ورد السلأم و الأمر بالمعروف. و (غير فوري) و هو ما يجوز تأخيره عن أول أزمنة أمكانه، كالصلاة علي الميت و قضاء الصلاة الفائتة و الزكاة و الخمس. و (الموقت): ما اعتبر فيه شرعا وقت مخصوص، كالصلاة و الحج و الصوم و نحوها. و هو لا يخلو - عقلا - من وجوه ثلاثة: أما إن يكون فعله زائدا علي وقته المعين له أو مساويا له أو ناقصا عنه. و (الأول) ممتنع، لأنه من التكليف بما لا يطاق. و (الثاني) لا ينبغي الإشكال في أمكانه و وقوعه. و هو المسمي (المضيق) كالصوم إذ فعله ينطبق علي وقته بلا زيادة و لا نقصان من طلوع الفجر إلي الغروب.

ص 88

و (الثالث) هو المسمي (الموسع)، لأن فيه توسعة علي المكلف في أول الوقت و في أثنائه و آخره، كالصلاة اليومية و صلاة الآيات، فإنه لا يجوز تركه في جميع الوقت و يكتفي بفعله مرة واحدة في ضمن الوقت المحدد له. و لا إشكال عند العلماء في ورود ما ظاهره التوسعة في الشريعة و إنما

اختلفوا في جوازه عقلا علي قولين: أمكانه و امتناعه و من قال بامتناعه أول ما ورد علي الوجه الذي يدفع الإشكال عنده علي ما سيأتي. و الحق عندنا جواز الموسع عقلا و وقوعه شرعا. و منشأ الإشكال عند القائل بامتناع الموسع، إن حقيقة الوجوب متقومة بالمنع من الترك - كما تقدم -، فينافيه الحكم بجواز تركه في أول الوقت أو وسطه. و الجواب عنه واضح، فإن الواجب الموسع فعل واحد و هو طبيعة الفعل المقيد بطبيعة الوقت المحدود بحدين علي ألا يخرج الفعل عن الوقت، فتكون الطبيعة بملاحظة ذاتها واجبة لا يجوز تركها. غير إن الوقت لما كان يسع لإيقاعها فيه عدة مرات، كان لها أفراد طولية تدريجية مقدرة الوجود في أول الوقت و ثانية و ثالثة إلي آخره، فيقع التخيير العقلي بين الأفراد الطولية كالتخيير العقلي بين الأفراد العرضية للطبيعة المأمور بها، فيجوز الإتيان بفرد و ترك الآخر من دون إن يكون جواز الترك له مساس في نفس المأمور به و هو طبيعة الفعل في الوقت المحدود. فلا منافاة بين وجوب الطبيعة بملاحظة ذاتها و بين جواز ترك أفرادها عدا فرد واحد. و القائلون بالامتناع التجأوا إلي تأويل ما ظاهره التوسعة في الشريعة، فقال بعضهم: بوجوبه في أول الوقت و الإتيان به في الزمان الباقي يكون من باب القضاء و التدارك لما فات من الفعل في أول الوقت. و قال آخر بوجوبه في آخر الوقت و الإتيان به قبله من باب النقل يسقط به الغرض، نظير أيقاع غسل الجمعة في يوم الخميس و ليلة الجمعة. و قيل غير ذلك.

ص 89

وكلها أقوال متروكة عند علمائنا، واضحة البطلان. فلا حاجة إلي الإطالة في ردها.

هل يتبع القضاء

الأداء؟

مما يتفرع عادة علي البحث عن الموقت (مسألة تبعية القضاء للأداء) و هي من مباحث الألفاظ و تدخل في باب الأوأمر. و لكن أخر ذكرها إلي الخاتمة مع إن من حقها إن تذكر قبلها، لأنها - كما قلنا - من فروع بحث الموقت عادة. فنقول: إن الموقت قد يفوت في وقته أما لتركه عن عذر أو عن عمد و اختيار و أما لفساده لعذر أو لغير عذر. فإذا فات علي أي نحو من هذه الآنحاء، فقد ثبت في الشريعة وجوب تدارك بعض الواجبات كالصلاة و الصوم، بمعني إن يأتي بها خارج الوقت. و يسمي هذا التدارك (قضاء). و هذا لا كلأم فيه. الا إن الأصوليين اختلفوا في إن وجوب القضاء: هل هو علي مقتضي القاعدة، بمعني إن الأمر بنفس الموقت يدل علي وجوب قضائه إذا فات في وقته، فيكون وجوب القضاء بنفس دليل الأداء، أو إن القاعدة لا تقتضي ذلك، بل وجوب القضاء يحتاج إلي دليل خاص غير نفس دليل الأداء؟ و في المسألة أقوال ثلاثة: قول بالتبعية مطلقا. و قول بعدمها مطلقا. و قول بالتفصيل بين ماإذا كان الدليل علي التوقيت متصلا، فلا تبعية و بين ماإذا كان منفصلا، فالقضاء تابع للأداء. و الظاهر إن منشأ النزاع في المسألة يرجع إلي المستفاد من التوقيت هو وحدة المطلوب أو تعدده؟ أي إن في الموقت مطلوبا واحدا هو الفعل المقيد بالوقت بما هو مقيد، أو مطلوبين و هما ذات الفعل و كونه واقعا في وقت معين؟ فعلي الأول إذا فات الامتثال في الوقت لم يبق طلب بنفس الذات، فلا بد من

ص 90

فرض أمر جديد للقضاء بالإتيان بالفعل خارج الوقت. و علي الثاني إذا فات الامتثال في

الوقت فإنما فات امتثال أحد الطلبين و هو طلب كونه في الوقت المعين و أما الطلب بذات الفعل فباق علي حاله. و لذا ذهب بعضهم إلي التفصيل المذكور باعتبار إن المستفاد من دليل التوقيت في المتصل وحدة المطلوب فيحتاج القضاء إلي أمر جديد و المستفاد في المنفصل تعدد المطلوب، فلا يحتاج القضاء إلي أمر جديد و يكون تابعا للأداء. و المختار هو القول الثاني و هو عدم التبعية مطلقا. لأن الظاهر من التقييد إن القيد ركن في المطلوب: فإذا قال مثلا: (صم يوم الجمعة) فلا يفهم منه الا مطلوب واحد لغرض واحد و هو خصوص صوم هذا اليوم، لا إن الصوم بذاته مطلوب و كونه في يوم الجمعة مطلوب آخر. و أما في مورد دليل التوقيت المنفصل، كما إذا قال:

(صم) ثم قال مثلا: (اجعل صومك يوم الجمعة)، فأيضا كذلك، نظرا إلي إن هذا من باب المطلق و المقيد، فيجب فيه حمل المطلق علي المقيد و معني حمل المطلق علي المقيد هو: تقييد أصل المطلوب الأول بالقيد، فيكشف ذلك التقييد عن إن المراد بالمطلق واقعا من أول الأمر خصوص المقيد، فيصبح الدليلان بمقتضي الجمع بينهما دليلا واحدا، لا إن المقيد مطلوب آخر غير المطلق و إلا كان معني ذلك بقاء المطلق علي إطلاقه، فلم يكن حملا و لم يكن جمعا بين الدليلين، بل يكون أخذا بالدليلين. نعم يمكن إن يفرض - و إن كان هذا فرضا بعيد الوقوع في الشريعة - إن يكون دليل التوقيت المنفصل مقيدا بالتمكن كان يقول في المثال: (اجعل صومك يوم الجمعة إن تمكنت) أو كان دليل التوقيت ليس فيه إطلاق يعم صورتي التمكن و عدمه و صورة التمكن هي القدر المتيقن

منه. فإن في هذا الفرض يمكن التمسك بإطلاق دليل الواجب لإثبات وجوب الفعل خارج الوقت

، لأن دليل التوقيت غير صالح لتقييد إطلاق دليل الواجب الا في صورة التمكن و مع الاضطرار إلي ترك الفعل في الوقت يبقي دليل الواجب علي إطلاقه.

ص 91

وهذا الفرض هو الذي يظهر من الكفاية لشيخ أساتذتنا الآخند قدس سره، ولكنه فرض بعيد جدا. علي إنه مع هذا الفرض لا يصدق الفوت و لا القضاء، بل يكون و جوبه خارج الوقت من نوع الأداء.

ص 93

الباب الثالث: النواهي و فيه خمس مسائل

الباب الثالث: النواهي و فيه خمس مسائل

1 - مادة النهي

والمقصود بها كلمة (النهي) كمادة الأمر. و هي عبارة عن طلب العالي من الداني ترك الفعل. أو فقل - علي الاصح - إنها عبارة عن زجر العالي للدإني عن الفعل و ردعه عنه و لازم ذلك طلب الترك، فيكون التفسير الأول تفسير باللازم علي ما سيأتي توضيحه. و هي - كلمة النهي - ككلمة الأمر في الدلالة علي الإلزأم عقلا لا وضعا و إنما الفرق بينهما إن المقصود في الأمر الإلزأم بالفعل و المقصود في النهي الإلزأم بالترك. و عليه تكون مادة النهي ظاهرة في الحرمة، كما إن مادة الأمر ظاهرة في الوجوب.

2 - صيغة النهي

المراد من صيغة النهي: كل صيغة تدل علي طلب الترك. أو فقل - علي الاصح -: كل صيغة تدل علي الزجر عن الفعل و ردعه عنه كصيغة (لا تفعل) أو (إياك إن تفعل) و نحو ذلك. و المقصود ب (الفعل): الحدث الذي يدل عليه المصدر و إن لم يكن أمرا وجوديا، فيدخل فيها - علي هذا - نحو قولهم: (لا تترك الصلاة)، فإنها من صيغ النهي لا من صيغ الأمر. كما إن قولهم:

(اترك شرب الخمر) تعد من صيغ الأمر لا من صيغ النهي و إن أدت مؤدي (لا تشرب الخمر). و السر في ذلك واضح، فإن المدلول المطابقي لقولهم (لا تترك) هو الزجر

ص 96

والنهي عن ترك الفعل و إن كان لازمه الأمر بالفعل فيدل عليه بالدلالة الإلتزامية. و المدلول المطابقي لقولهم (اترك) هو الأمر بترك الفعل و إن كان لازمه النهي عن الفعل فيدل عليه بالدلالة و الإلتزامية.

3 - ظهور صيغة النهي في التحريم

الحق إن صيغة النهي ظاهرة في التحريم و لكن لا لأنها موضوعة لمفهوم الحرمة و حقيقة فيه كم هو المعروف. بل حالها في ذلك حال ظهور صيغة افعل في الوجوب، فإنه قد قلنا هناك إن هذا الظهور إنما هو بحكم العقل، لا إن الصيغة موضوعة و مستعملة في مفهوم الوجوب. و كذلك صيغة لا تفعل، فإنها أكثر ما تدل علي النسبة الزجرية بين الناهي و المنهي عنه و المنهي. فإذا صدرت ممن تجب طاعته و نهيب؟ ؟ الإنزجار بزجره و الانتهاء عما نهي عنه و لم ينصب قرينة علي جواز الفعل، كان مقتضي وجوب طاعة هذا المولي و حرمة عصيانه عقل - قضاء لحق العبودية و المولوية - عدم جواز ترك الفعل الذي نهي عنه الا مع الترخيص من قبله. فيكون - علي هذا - نفس صدور النهي من المولي بطبعه مصداقا لحكم العقل بوجوب الطاعة و حرمة المعصية، فيكون النهي مصداقا للتحريم حسب ظهوره الإطلاقي، لا إن التحريم - الذي هو مفهوم اسمي - وضعت له الصيغة و استعملت فيه. و الكلام هنا كالكلام في صيغة افعل بلا فرق من جهة الأقوال و الاختلافات.

4 - ما المطلوب في النهي

كل م تقدم ليس فيه

خلاف جديد غير الخلاف الموجود في صيغة افعل. و إنما اختص النهي في خلاف واحد و هو إن المطلوب في النهي هل هو مجرد الترك أو كف النفس عن الفعل. و الفرق بينهما: إن المطلوب علي القول الأول أمر عدمي محض و المطلوب علي القول الثاني أمر وجودي، لأن الكف فعل من أفعال النفس.

ص 97

والحق هو القول الأول. و منشأ القول الثاني توهم هذا القائل إن الترك - الذي معناه إبقاء عدم الفعل المنهي عنه علي حاله - ليس بمقدور للمكلف، لأنه أزلي خارج عن القدرة، فلا يمكن تعلق الطلب به. و المعقول من النهي إن يتعلق فيه الطلب بردع النفس و كفها عن الفعل و هو فعل نفساني يقع تحت الاختيار. و الجواب عن هذا التوهم: إن عدم المقدورية في الأزل علي العدم لا ينافي المقدورية بقاءا و استمرارا، إذ القدرة علي الوجود تلازم القدرة علي العدم، بل القدرة علي العدم علي طبع القدرة علي الوجود و إلا لو كان العدم غير مقدور بقاء لما كان الوجود مقدورا، فإن المختار القادر هو الذي إن شاء الله فعل و إن لم يشأ لم يفعل. و التحقيق إن هذا البحث ساقط من أصله، فإنه - كما اشرنا إليه فيما سبق - ليس معني النهي هو الطلب، حتي يقال إن المطلوب هو الترك أو الكف و إنما طلب الترك من لوازم النهي و معني النهي المطابقي هو الزجر و الردع. نعم الردع عن الفعل يلزمه عقلا طلب الترك، كما إن البعث نحو الفعل في الأمر يلزمه عقلا الردع عن الترك. فالأمر و النهي كلاهما يتعلقان بنفس الفعل رأسا، فل موقع للحيرة و الشك في إن الطلب في

النهي يتعلق بالترك أو الكف.

5 - دلالة صيغة النهي علي الدوأم و التكرار

اختلفوا في دلالة (صيغة النهي) علي التكرار أو المرة كالاختلاف في صيغة افعل. و الحق هنا ما قلناه هناك بلا فرق، فلا دلالة لصيغة (ل تفعل) لا بهيئتها و لا بمادتها علي الدوأم و التكرار و لا علي المرة و إنما المنهي عنه صرف الطبيعة، كما إن المبعوث نحوه في صيغة افعل صرف الطبيعة. غير إن بينهما فرقا من ناحية عقلية في مقام الامتثال، فإن امتثال النهي بالإنزجار عن فعل الطبيعة، ول يكون ذلك الا بترك جميع أفرادها فإنه لو فعلها مرة واحدة ما كان ممتثلا. و أم امتثال الأمر فيتحقق بإيجاد أول وجود من

ص 98

أفراد الطبيعة و لا تتوقف طبيعة الامتثال علي أكثر من فعل المأمور به مرة واحدة. و ليس هذا الفرق من أجل وضع الصيغتين و دلالتهما، بل ذلك مقتضي طبع النهي و الأمر عقلا. (تنبيه) لم نذكر هنا ما اعتاد المؤلفون ذكره من بحثي اجتماع الأمر و النهي و دلالة النهي علي الفساد، لأنهما داخلان في (المباحث العقلية)، كما سيأتي و ليس هم من مباحث الألفاظ. و كذلك بحث مقدمة الواجب و مسألة الضد و مسألة الإجزاء ليست من مباحث الألفاظ أيضا. و سنذكر الجميع في المقصد الثاني (المباحث العقلية) إن شاء الله تعالي.

الباب الرابع: المفاهيم

تمهيد

الباب الرابع: المفاهيم

في معني كلمة (المفهوم) و في النزاع في حجيته و في أقسأمه. فهذه ثلاثة مباحث:

1 - معني كلمة المفهوم

تطلق كلمة المفهوم علي ثلاثة معان:

1 - المعني المدلول للفظ الذي يفهم منه، فيساوي كلمة المدلول، سواء كان مدلولا لمفرد أو جملة و سواء كان مدلولا حقيقيا أو مجازيا.

2 - ما يقابل المصداق، فيراد منه

كل معني يفهم و إن لم يكن مدلولا للفظ، فيعم المعني الأول و غيره.

3 - ما يقابل المنطوق و هو أخص من الأولين: و هذا هو المقصود بالبحث هنا. و هو اصطلاح أصولي يختص بالمدلولات الإلتزامية للجمل التركيبية سواء كانت إنشائية أو إخبارية، فلا يقال لمدلول المفرد مفهوم و إن كان من المدلولات الإلتزامية. أما المنطوق فمقصودهم منه ما يدل عليه اللفظ في حد ذاته علي وجه يكون اللفظ المنطوق حأملا لذلك المعني و قالبا له، فيسمي المعني (منطوقا) تسمية للمدلول باسم الدال. و لذلك يختص المنطوق بالمدلول المطابقي فقط و إن كان المعني مجازا قد استعمل فيه اللفظ بقرينة. و عليه، فالمفهوم الذي يقابله ما لم يكن اللفظ حأملا له دالا عليه بالمطابقة

ص 102

ولكن يدل عليه باعتباره لازما لمفاد الجملة بنحو اللزوم البين بالمعني الأخص (1) و لأجل هذا يختص المفهوم بالمدلول الإلتزأمي مثاله: قولهم (إذا بلغ الماء كرا ل ينجسه شيء). فالمنطوق فيه هو مضمون الجملة و هو عدم تنجس الماء البالغ كرا بشيء من النجاسات. و المفهوم - علي تقدير إن يكون لمثل هذه الجملة مفهوم - إنه إذا لم يبلغ كرا يتنجس. و علي هذا يمكن تعريفهما بما يلي: المنطوق: (هو حكم دل عليه اللفظ في محل النطق). و المفهوم: (هو حكم دل عليه اللفظ لا في محل النطق). و المراد من الحكم: الحكم بالمعني الأعم، لا خصوص أحد الأحكام الخمسة. و عرفوهما أيضا بأنهما حكم مذكور و حكم غير مذكور و أنهما حكم لمذكور و حكم لغير مذكور و كلها لا تخلو عن مناقشات طويلة الذيل. و الذي يهون الخطب إنها تعريفات لفظية لا يقصد منها الدقة في التعريف و

المقصود منها واضح كما شرحناه.

2 - النزاع في حجية المفهوم

لاشك إن الكلام إذا كان له مفهوم يدل عليه فهو ظاهر فيه، فيكون حجة من المتكلم علي السأمع و من السأمع علي المتكلم، كسائر الظواهر الأخري. أذن، ما معني النزاع في حجية المفهوم حينما يقولون مثلا: هل مفهوم الشرط حجة أولا؟ و علي تقديره، فلا يدخل هذا النزاع في مباحث الألفاظ التي كان الغرض

(هامش)

(1) راجع كتاب المنطق للمؤلف، الجزء الأول ص 79 عن معني البين و أقسأمه.

ص 103

منها تشخيص الظهور في الكلام و تنقيح صغريات حجية الظهور، بل ينبغي إن يدخل في مباحث الحجة كالبحث عن حجية الظهور و حجية الكتاب و نحو ذلك. و الجواب: إن النزاع هنا في الحقيقة إنما هو في وجود الدلالة علي المفهوم، أي في أصل ظهور الجملة فيه و عدم ظهورها. و بعبارة أوضح، النزاع هنا في حصول المفهوم للجملة لا في حجيته بعد فرض حصوله. فمعني النزاع في مفهوم الشرط - مثلا - إن الجملة الشرطية مع قطع النظر عن القرائن الخاصة هل تدل علي انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط؟ و هل هي ظاهرة في ذلك؟ ل إنه بعد دلالتها علي هذا المفهوم و ظهورها فيه يتنازع في حجيته، فإن هذا لا معني له و إن أوهم ذلك ظاهر بعض تعبيراتهم، كما يقولون مثلا: مفهوم الشرط حجة أم لا. و لكن غرضهم ما ذكرنا. كما إنه لا نزاع في دلالة بعض الجمل علي مفهوم لها إذا كانت له قرينة خاصة علي ذلك المفهوم، فإن هذا ليس موضع كلأمهم. بل موضوع الكلام و محل النزاع في دلالة نوع تلك الجملة كنوع الجملة الشرطية علي المفهوم مع تجردها عن القرائن الخاصة.

3

- أقسأم المفهوم

ينقسم المفهوم إلي مفهوم الموافقة و مفهوم المخالفة:

1 - (مفهوم الموافقة): ما كان الحكم في المفهوم موافقا في السنخ للحكم الموجود في المنطوق، فإن كان الحكم في المنطوق الوجوب - مثلا - كان في المفهوم الوجوب أيضا و هكذا. كدلالة الأولوية في مثل قوله تعالي: (ولا تقل لهما أف) علي النهي عن الضرب و الشتم للأبوين و نحو ذلك مما هو أشد إهانة و إيلأما من التأفيف المحرم بحكم الآية.

ص 104

وقد يسمي هذا المفهوم (فحوي الخطاب). و لا نزاع في حجية مفهوم الموافقة، بمعني دلالة الأولوية علي تعدي الحكم إلي ما هو أولي في علة الحكم و له تفصيل كلأم يأتي في موضعه.

2 - (مفهوم المخالفة): ما كان الحكم فيه مخالفا في السنخ للحكم الموجود في المنطوق و له موارد كثيرة وقع الكلام فيها نذكرها بالتفصيل و هي ستة:

1 - مفهوم الشرط.

2 - مفهوم الوصف

3 - مفهوم الغاية.

4 - مفهوم الحصر.

5 - مفهوم العدد.

6 - مفهوم اللقب.

الأول - مفهوم الشرط

الأول - مفهوم الشرط

تحرير محل النزاع:

لاشك في إن الجملة الشرطية يدل منطوقها - بالوضع - علي تعليق التالي فيها علي المقدم الواقع موقع الفرض و التقدير. و هي علي نحوين:

1 - إن تكون مسوقة لبيان موضوع الحكم، أي إن المقدم هو نفس موضوع الحكم، حيث يكون الحكم في التالي منوطا بالشرط في المقدم علي وجه لا يعقل فرض الحكم بدونه، نحو قولهم: (إن رزقت ولدا فاختنه)، فإنه في المثال لا يعقل فرض ختان الولد الا بعد فرض وجوده. و منه قوله تعالي: (ولا تكرهوا فتياتكم علي البغاء إن أردن تحصنا) فإنه لا يعقل فرض الإكراه

ص 105

علي البغاء الا بعد فرض إرادة التحصن من قبل الفتيات. و

قد اتفق الأصوليون علي إنه لا مفهوم لهذا النحو من الجملة الشرطية، لأن انتفاء الشرط معناه انتفاء موضوع الحكم، فلا معني للحكم بانتفاء التالي علي تقدير انتفاء المقدم إلا علي نحو السالبة بانتفاء الموضوع. و لا حكم حينئذ بالانتفاء، بل هو انتفاء الحكم. فلا مفهوم للشرطية في المثالين، فلا يقال:

(إن لم ترزق ولدا فلا تختنه) و لا يقال:) (إن لم يردن تحصن فأكرهوهن علي البغاء).

2 - ألا تكون مسوقة لبيان الموضوع، حيث يكون الحكم في التالي منوطا بالشرط علي وجه يمكن فرض الحكم بدونه، نحو قولهم: (إن أحسن صديقك فأحسن إليه)، فإن فرض الإحسان إلي الصديق لا يتوقف عقلا علي فرض صدور الإحسان منه، فإنه يمكن الإحسان إليه أحسن أو لم يحسن. و هذا النحو الثاني من الشرطية هو محل النزاع في مسألتنا و مرجعه إلي النزاع في دلالة الشرطية علي انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط، بمعني إنه هل يستكشف من طبع التعليق علي الشرط انتفاء نوع الحكم المعلق - كالوجوب مثلا - علي تقدير انتفاء الشرط. و إنما قلنا (نوع الحكم)، لأن شخص كل حكم في القضية الشرطية أو غيرها ينتفي بانتفاء موضوعه أو أحد قيود الموضوع، سواء كان للقضية مفهوم أو لم يكن. و في مفهوم الشرطية قولان أقواهما إنها تدل علي الانتفاء عند الانتفاء.

المناط في مفهوم الشرط:

إن دلالة الجملة الشرطية علي المفهوم تتوقف علي دلالته - بالوضع أو بالإطلاق - علي أمور ثلاثة مترتبة:

1 - دلالتها علي الارتباط و الملازمة بين المقدم و التالي.

2 - دلالتها - زيادة علي الارتباط و الملازمة - علي إن التالي معلق علي المقدم

ص 106

ومترتب عليه و تابع له، فيكون المقدم سببا للتالي. و المقصود من السبب

هنا هو كل م يترتب عليه الشيء و إن كان شرطا و نحوه، فيكون أعم من السبب المصطلح في فن المعقول.

3 - دلالتها - زيادة علي ما تقدم - علي انحصار السببية في المقدم، بمعني إنه لا سبب بديل له يترتب عليه التالي. و توقف المفهوم للجملة الشرطية علي هذه الأمور الثلاثة واضح، لأنه لو كانت الجملة اتفاقية، أو كان التالي غير مترتب علي المقدم، أو كان مترتبا و لكن لا علي نحو الانحصار فيه - فإنه في جميع ذلك لا يلزم من انتفاء المقدم انتفاء التالي. و إنما الذي ينبغي إثباته هنا، هو إن الجملة ظاهرة في هذه الأمور الثلاثة وضعا أو إطلاقا لتكون حجة في المفهوم. و الحق ظهور الجملة الشرطية في هذه الأمور وضعا في بعضها و إطلاقا في البعض الآخر.

1 - أما دلالتها علي الارتباط و وجود العلقة اللزومية بين الطرفين، فالظاهر إنه بالوضع بحكم التبادر. و لكن لا بوضع خصوص أدوات الشرط حتي ينكر وضعها لذلك، بل بوضع الهيئة التركيبية للجملة الشرطية بمجموعها. و عليه فاستعمالها في الاتفاقية يكون بالعناية و ادعاء التلازم و الارتباط بين المقدم و التالي إذا اتفقت لهما المقارنة في الوجود.

2 - و أما دلالتها علي إن التالي مترتب علي المقدم بأي نحو من إنحاء الترتب فهو بالوضع أيضا و لكن لا بمعني إنها موضوعة بوضعين: وضع للتلازم و وضع آخر للترتب، بل بمعني إنها موضوعة بوضع واحد للارتباط الخاص و هو ترتب التالي علي المقدم. و الدليل علي ذلك هو تبادر ترتب التالي علي المقدم عنها، فإنها تدل علي إن المقدم وضع فيها موضع الفرض و التقدير و علي تقدير حصوله فالتالي حاصل عنده تبعا

أي يتلوه في الحصول. أو فقل إن المتبادر منه لا بدية الجزاء

ص 107

عند فرض حصول الشرط. و هذا لا يمكن إن ينكره الا مكابر أو غافل فإن هذا هو معني التعليق الذي هو مفاد الجملة الشرطية التي لا مفاد لها غيره. و من هنا سموا الجزء الأول منها شرطا و مقدما و سموا الجزء الثاني جزاءا و تاليا. فإذا كانت جملة إنشائية أي إن التالي متضمن لإنشاء حكم تكليفي أو وضعي، فإنها تدل علي تعليق الحكم علي الشرط، فتدل علي انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط المعلق عليه الحكم. و إذا كانت جملة خبرية أي إن التالي متضمن لحكاية خبر، فإنها تدل علي تعليق حكايته علي المقدم، سواء كان المحكي عنه خارجا و في الواقع مترتبا علي المقدم فتتطابق الحكاية مع المحكي عنه كقولنا إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، أو مترتب عليه بأن كان العكس كقولنا: إن كان النهار موجودا فالشمس طالعة، أو كان لا ترتب بينهما كالمتضاعفين في مثل قولن: إن كان خالد ابنا لزيد فزيد أبوه.

3 - و أما دلالتها علي إن الشرط منحصر، فبالإطلاق، لأنه لو كان هناك شرط آخر للجزاء بديل لذلك الشرط و كذا لو كان معه شيء آخر يكونان معا شرطا للحكم - لاحتاج ذلك إلي بيان زائد أما بالعطف بأو في الصورة الأولي، أو العطف بالواو في الصورة الثانية، لأن الترتب علي الشرط ظاهر في إنه بعنوانه الخاص مستقلا هو الشرط المعلق عليه الجزاء فإذا أطلق تعليق الجزاء علي الشرط فإنه يستكشف منه إن الشرط مستقل لا قيد آخر معه و إنه منحصر لا بديل و لا عدل له و إلا لوجب علي الحكيم بيانه و هو -

حسب الفرض - في مقام البيان. و هذا نظير ظهور صيغة أفعل بإطلاقه في الوجوب التعيني و التعييني. * * * و إلي هنا تم لنا ما أردنا إن نذهب إليه من ظهور الجملة الشرطية في الأمور التي بها تكون ظاهرة في المفهوم.

ص 108

وعلي كل حال، إن ظهور الجملة الشرطية في المفهوم ممالا ينبغي إن يتطرق إليه الشك الا مع قرينة صارفة أو تكون واردة لبيان الموضوع. و يشهد لذلك استدلال أمأمنا الصادق عليه السلأم بالمفهوم في رواية أبي بصير قال:

(سألت أبا عبد الله عن الشاة تذبح فل تتحرك و يهراق منها دم كثير عبيط، فقال:

لا تأكل! إن عليا كان يقول:

إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل)، فإن استدلال الأمأم بقول علي عليه السلأم لا يكون إلا إذا كان له مفهوم و هو: إذا لم تركض الرجل أو لم تطرف العين فلا تأكل.

إذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء:

ومن لواحق مبحث (مفهوم الشرط) مسألة ما إذا وردت جملتان شرطيتان أو أكثر و قد تعدد الشرط فيهما و كان الجزاء واحدا. و هذا يقع علي نحوين:

1 إن يكون الجزاء غير قابل للتكرار، نحو التقصير في السفر فيما ورد: (إذا خفي الأذان فقصر. و إذا خفيت الجدران فقصر).

2 - إن يكون الجزاء قابلا للتكرار كما في نحو (إذا أجنبت فاغتسل. إذا مسست ميتا فاغتسل). أما (النحو الأول)، فيقع فيه التعارض بين الدليلين بناء علي مفهوم الشرط و لكن التعارض إنما هو بين مفهوم كل منهما مع منطوق الآخر، كما هو واضح. فلا بد من التصرف فيهما بأحد وجهين: (الوجه الأول) - إن نقيد كلا من الشرطين من ناحية ظهورهما في الاستقلال بالسببية، ذلك الظهور الناشئ من الإطلاق -

كما سبق - الذي يقابله التقييد بالعطف بالواو، فيكون الشرط في الحقيقة هو المركب من الشرطين و كل منهما يكون جزء السبب و الجملتان تكونان حينئذ كجملة واحدة مقدمها المركب من الشرطين، بأن يكون مؤداهما هكذا: (إذا خفي الأذان و الجدران معا فقصر). و ربما يكون لهاتين الجملتين معا حينئذ مفهوم واحد و هو انتفاء الجزاء

ص 109

عند انتفاء الشرطين معا أو أحدهما، كما لو كانا جملة واحدة. (الوجه الثاني) - إن نقيدهما من ناحية ظهورهما في الانحصار، ذلك الظهور الناشئ من الإطلاق المقابل للتقييد بأو. و حينئذ يكون الشرط أحدهما علي البدلية، أو الجأمع بينهما علي إن يكون منهما مصداقا له و ذلك حينما يمكن فرض الجأمع بينهما و لو كان عرفيا. و إذ يدور الأمر بين الوجهين في التصرف، فأيهما أولي؟ هل الأولي تقييد ظهور الشرطيتين في الاستقلال أو تقييد ظهورهما في الانحصار؟ قولان في المسألة. و الأوجه - علي الظاهر - هو التصرف الثاني، لأن منشأ التعارض بينهما هو ظهورهما في الانحصار الذي يلزم منه الظهور في المفهوم، فيتعارض منطوق كل منهما مع مفهوم الآخر كما تقدم، فلا بد من رفع اليد عن ظهور كل منهما في الانحصار بالإضافة إلي المقدار الذي دل عليه منطوق الشرطية الأخري، لأن ظهور المنطوق أقوي، أما ظهور كل من الشرطيتين في الاستقلال فلا معارض له حتي ترفع اليد عنه. و إذا ترجح القول الثاني و هو التصرف في ظهور الشرطين في الانحصار. يكون كل من الشرطين مستقلا في التأثير، فإذا أنفرد أحدهما كان له التأثير في ثبوت الحكم. و إن حصلا معا، فإن كان حصولهما بالتعاقب كان التأثير للسابق. و إن تقارنا كان الأثر لهما معا و

يكونان كالسبب الواحد، لامتناع تكرار الجزاء حسب الفرض. * * * و أما (النحو الثاني) - و هو ما إذا كان الجزاء قابلا للتكرار - فهو علي صورتين:

1 - إن يثبت بالدليل إن كلا من الشرطين جزء السبب. و لا كلأم حينئذ في إن الجزاء واحد يحصل عند حصول الشرطين معا.

2 - إن يثبت من دليل مستقل أو من ظاهر دليل الشرط إن كلا من

ص 110

الشرطين سبب مستقل، سواء كان للقضية الشرطية مفهوم أم لم يكن - فقد وقع الخلاف فيم إذا اتفق وقوع الشرطين معا في وقت واحد أو متعاقبين: إن القاعدة أي شيء تقتضي؟ هل تقتضي تداخل الأسباب فيكون لها جزاء واحد كما في مثال تداخل موجبات الوضوء من خروج البول أو الغائط و النوم و نحوهما، أم تقتضي عدم التداخل فيتكرر الجزاء بتكرار الشروط، كما في مثال تعدد وجوب الصلاة بتعدد أسبابه من دخول وقت اليومية و حصول الآيات؟ أقول: لاشبهة في إنه إذا ورد دليل خاص علي التداخل أو عدمه وجب الأخذ بذلك الدليل. و أما مع عدم ورود الدليل الخاص فهو محل الخلاف. و الحق إن القاعدة فيه عدم التداخل. بيان ذلك: إن لكل شرطية ظهورين:

1 ظهور الشرط فيها في الاستقلال بالسببية. و هذا الظهور يقتضي إن يتعدد الجزء في الشرطيتين موضوعتي البحث، فلا تتداخل الأسباب.

2 - ظهور الجزاء فيها في إن متعلق الحكم فيه صرف الوجود. و لما كان صرف الشيء ل يمكن إن يكون محكوما بحكمين، فيقتضي ذلك إن يكون لجميع الأسباب جزاء واحد و حكم واحد عند فرض اجتماعها. فتتداخل الأسباب. و علي هذا، فيقع التنافي بين هذين الظهورين، فإذا قدمنا الظهور الأول لا بد إن نقول

بعدم التداخل. و إذا قدمنا الظهور الثاني لابد إن نقول بالتداخل، فأيهما أولي بالتقديم؟ و الأرجح إن الأولي بالتقديم ظهور الشرط علي ظهور الجزاء، لأن الجزاء لما كان معلقا علي الشرط فهو تابع له ثبوتا و إثباتا، فإن كان واحدا كان الجزاء واحدا و إن كان متعددا كان متعددا. و إذا كان المقدم متعددا - حسب فرض ظهور الشرطيتين - كان الجزاء تبعا له. و عليه لا

ص 111

يستقيم للجزاء ظهور في وحدة المطلوب. فيخرج المقام عن باب التعارض بين الظهورين، بل يكون الظهور في التعداد رافعا للظهور في الوحدة، لأن الظهور في الوحدة لا يكون ال بعد فرض سقوط الظهور في التعداد أو بعد فرض عدمه، أما مع وجوده فلا ينعقد الظهور في الوحدة. فالقاعدة في المقام - أذن - (عدم التداخل). و هو مذهب أساطين العلماء الأعلام قدس الله أسرارهم.

تنبيهان

1 - تداخل المسبيات:

إن البحث في المسألة السابقة إنما هو عما إذا تعددت الأسباب، فيتسأل فيها عما إذا كان تعددها يقتضي المغايرة في الجزاء و تعدد المسببات - بالفتح - أو لا يقتضي فتتداخل الأسباب و ينبغي إن تسمي (بمسألة تداخل الأسباب). و بعد الفراغ عن عدم تداخل الأسباب هناك، ينبغي إن يبحث إن تعدد المسببات إذا كانت تشترك في الاسم و الحقيقة كالأغسال هل يصح إن يكتفي عنها بوجود واحد لها أو لا يكتفي؟ . و هذه مسألة أخري غير ما تقدم تسمي (بمسألة تداخل المسببات) و هي من ملحقات الأولي. و القاعدة فيها أيضا: عدم التداخل. و السر في ذلك: إن سقوط الواجبات المتعددة بفعل واحد و إن أتي به بنية امتثال الجميع يحتاج إلي دليل خاص، كما ورد في الأغسال بالاكتفاء بغسل

الجنابة عن باقي الأغسال و ورد أيضا جواز الاكتفاء بغسل واحد عن أغسال متعددة. و مع عدم ورود الدليل الخاص فإن كل وجوب يقتضي امتثالا خاصا به لا يغني عنه امتثال الآخر و إن اشتركت الواجبات في الاسم و الحقيقة. نعم قد يستثني من ذلك ما إذا كان بين الواجبين نسبة العموم و الخصوص

ص 112

من وجه و كان دليل كل منهما مطلقا بالإضافة إلي مورد الاجتماع، كما إذا قال - مثل - تصدق علي مسكين و قال - ثانيا - تصدق علي ابن سبيل، فجمع العنوانين شخص واحد بأن كان فقيرا و ابن سبيل فإن التصدق عليه يكون مسقطا للتكليفين.

2 - الأصل العملي في المسألتين:

إن مقتضي الأصل العملي عند الشك في تداخل الأسباب هو التداخل، لأن تأثير السببين في تكليف واحد متيقن و إنما الشك في تكليف ثان زائد. و الأصل في مثله البراءة. و بعكسه في مسألة تداخل المسببات، فإن الأصل يقتضي فيه عدم التداخل كما مرت الإشارة إليه، لأنه بعد ثبوت التكاليف المتعددة بتعدد الأسباب يشك في سقوط التكاليف الثابتة لو فعل فعلا واحدا. و مقتضي القاعدة - في مثله - الاشتغال، بمعني إن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، فلا يكتفي بفعل واحد في مقام الامتثال.

الثاني - مفهوم الوصف

الثاني - مفهوم الوصف

موضوع البحث:

المقصود بالوصف هنا: ما يعم النعت و غيره، فيشمل الحال و التمييز و نحوهما مما يصلح إن يكون قيدا لموضوع التكليف. كما إنه يختص بم إذا كان معتمدا علي موصوف، فلا يشمل ما إذا كان الوصف نفسه موضوعا للحكم نحو (والسارق و السارقة فاقطعوا أيديهما) فإن مثل هذا يدخل في باب مفهوم اللقب. و السر في ذلك إن الدلالة علي انتفاء الوصف لا

بد فيها من فرض موضوع ثابت للحكم يقيد بالوصف مرة و يتجرد عنه أخري، حتي يمكن فرض نفي الحكم عنه. و يعتبر - أيضا - في المبحوث عنه هنا إن يكون أخص من الموصوف مطلق

ص 113

أو من وجه، لأنه لو كان مساويا أو أعم مطلقا لا يوجب تضييقا و تقييدا في الموصوف، حتي يصح فرض انتفاء الحكم عن الموصوف عند انتفاء الوصف. و أما دخول الأخص من وجه في محل البحث فإنما هو بالقياس إلي مورد افتراق الموصوف عن الوصف، ففي مثال (في الغنم السائمة زكاة) يكون مفهومه - لو كان له مفهوم - عدم وجوب الزكاة في الغنم غير السائمة و هي المعلوفة. و أما بالقياس إلي مورد افتراق الوصف عن الموصوف فلا دلالة له علي المفهوم قطعا، فلا يدل المثال علي عدم الزكاة في غير الغنم السائمة أو غير السائمة كالإبل - مثلا - لأن الموضوع - و هو الموصوف الذي هو الغنم في المثال - يجب إن يكون محفوظا في المفهوم و لا يكون متعرضا لموضوع آخر لا نفيا و لا إثباتا. فما عن بعض الشافعية من القول بدلالة القضية المذكورة علي عدم الزكاة في الإبل المعلوفة ل وجه له قطعا.

الأقوال في المسألة و الحق فيها:

لاشك في دلالة التقييد بالوصف علي المفهوم عند وجود القرينة الخاصة و لا شك في عدم الدلالة عند وجود القرينة علي ذلك، مثلما إذا ورد الوصف مورد الغالب الذي يفهم منه عدم إناطة الحكم به وجودا و عدما، نحو قوله تعالي: (وربائبكم اللائي في حجوركم) فإنه لا مفهوم لمثل هذه القضية مطلقا، إذ يفهم منه إن وصف الربائب بأنها في حجوركم لأنها غالبا تكون كذلك و الغرض

منه الإشعار بعلة الحكم، إذ إن اللائي تربي في الحجور تكون كالبنات. و إنما الخلاف عند تجرد القضية عن القرائن الخاصة، فإنهم اختلفوا في إن مجرد التقييد بالوصف هل يدل علي المفهوم أي انتفاء حكم الموصوف عند انتفاء الوصف أو لا يدل؟ نظير الاختلاف المتقدم في التقييد بالشرط و في المسألة قولان و المشهور القول الثاني و هو عدم المفهوم. و السر في الخلاف يرجع إلي إن التقييد المستفاد من الوصف هل هو تقييد

ص 114

لنفس الحكم أي إن الحكم منوط به، أو إنه تقييد لنفس موضوع الحكم أو متعلق الموضوع باختلاف الموارد، فيكون الموضوع أو متعلق الموضوع هو المجموع المؤلف من الموصوف و الوصف؟ . فإن كان الأول فإن التقييد بالوصف يكون ظاهرا في انتفاء الحكم عند انتفائه بمقتضي الإطلاق، لأن الإطلاق يقتضي - بعد فرض إناطة الحكم بالوصف - انحصاره فيه كم قلنا في التقييد بالشرط. و إن كان الثاني، فإن التقييد لا يكون ظاهرا في انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف، لأنه حينئذ يكون من قبيل مفهوم اللقب، إذ إنه بكون التعبير بالوصف و الموصوف لتحديد موضوع الحكم فقط، لا إن الموضوع ذات الموصوف و الوصف قيد للحكم عليه، مثلما إذا قال القائل: (اصنع شكلا رباعيا قائم الزوايا متساوي الأضلاع) فإن المفهوم منه إن المطلوب صنعه هو المربع فعبر عنه بهذه القيود الدالة عليه، حيث يكون الموضوع هو مجموع المعني المدلول عليه بالعبارة المؤلفة من الموصوف و الوصف و هي في المثال (شكل رباعي قائم الزوايا متساوي الأضلاع) و هي بمنزلة كلمة مربع، فكم إن جملة (اصنع مربعا) لا تدل علي الانتفاء عند الانتفاء كذلك ما هو بمنزلتها لا تدل عليه، لأنه في الحقيقة

يكون من قبيل الوصف غير المعتمد علي الموصوف. إذا عرفت ذلك، فنقول: إن الظاهر في الوصف - لو خلي و طبعه من دون قرينة - إنه من قبيل الثاني أي إنه قيد للموضوع لا للحكم، فيكون الحكم من جهته مطلقا غير مقيد. فلا مفهوم للوصف. و من هذا التقرير يظهر بطلان ما استدلوا به لمفهوم الوصف بالأدلة الآتية:

1 - إنه لو لم يدل الوصف علي الانتفاء عند الانتفاء لم تبق فائدة فيه. و الجواب: إن الفائدة غير منحصرة برجوعه إلي الحكم. و كفي فائدة فيه تحديد موضوع الحكم و تقييده به.

2 - إن الأصل في القيود إن تكون احترازية.

ص 115

والجواب: إن هذا مسلم و لكن معني الاحتراز هو تضييق دائرة الموضوع و إخراج ما عد القيد عن شمول شخص الحكم له. و نحن نقول به و ليس هذا من المفهوم في شيء، لأن إثبات الحكم لموضوع لا ينفي ثبوت سنخ الحكم لما عداه، كما في مفهوم اللقب. و الحاصل إن كون القيد احترازيا لا يلزم إرجاعه قيدا للحكم.

3 - إن الوصف مشعر بالعلية، فيلزم إناطة الحكم به. و الجواب: إن هذا الإشعار و إن كان مسلما، إلا إنه ما لم يصل إلي حد الظهور لا ينفع في الدلالة علي المفهوم.

4 - الاستدلال بالجمل التي ثبتت دلالتها علي المفهوم، مثل قوله صلي الله عليه و آله: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ ). و الجواب: إن ذلك علي تقديره لا ينفع، لأنا لا نمنع، من دلالة التقييد بالوصف علي المفهوم أحيانا لوجود قرينة و إنما موضوع البحث في اقتضاء طبع الوصف لو خلي و نفسه للمفهوم. و خصوص المثال نجد القرينة علي إناطة الحكم بالغني موجودة من جهة مناسبة

الحكم و الموضوع، فيفهم إن السبب في الحكم كون المدين غنيا، فيكون مطلبه ظلما، بخلاف المدين الفقير، لعجزه عن أداء الدين، فلا يكون مطلبه ظلما. * * *

الثالث - مفهوم الغاية

الثالث - مفهوم الغاية

إذا ورد التقييد بالغاية نحو (وأتموا الصيأم إلي الليل) و نحو (كل شيء حلال حتي تعرف إنه حرأم بعينه) - فقد وقع خلاف الأصوليين فيه من جهتين: (الجهة الأولي) - في دخول الغاية في المنطوق أي في حكم المغيي، فقد اختلفوا في إن الغاية و هي الواقعة بعد أداة الغاية نحو (إلي) و (حتي) هل هي

ص 116

داخلة في المغيي حكما، أو خارجة عنه و إنما ينتهي إليها المغيي موضوعا و حكما؟ علي أقوال: (منها) التفصيل بين كونها من جنس المغيي فتدخل فيه نحو صمت النهار إلي الليل و بين كونها من غير جنسه فلا تدخل كمثال كل شيء حلال. (و منها) التفصيل بين كون الغاية واقعة بعد (إلي) فلا تدخل فيه. و بين كونها واقعة بعد (حتي) فتدخل نحو (كل السمكة حتي رأسها). و الظاهر إنه لا ظهور لنفس التقييد بالغاية في دخولها في المغيي و لا في عدمه، بل يتبع ذلك الموارد و القرائن الخاصة الحافة بالكلام. نعم، ل ينبغي الخلاف في عدم دخول الغاية فيما إذا كانت غاية للحكم، كمثال كل شيء حلال، فإنه لا معني لدخول معرفة الحرام في حكم الحلال. ثم إن المقصود من كلمة (حتي) التي يقع الكلام عنها هي (حتي الجارة)، دون العاطفة و إن كانت تدخل علي الغاية أيضا، لأن العاطفة يجب دخول ما بعدها في حكم ما قبلها لأن هذا هو معني العطف، فإذا قلت: مات الناس حتي الأنبياء فإن معناه إن الأنبياء ماتوا أيضا. بل

(حتي العاطفة) تفيد إن الغاية هو الفرد الفائق علي سائر أفراد المغيي في القوة أو الضعف، فكيف يتصور المعطوف بها داخلا في الحكم، بل قد يكون هو الأسبق في الحكم نحو: مات كل أب حتي آدم. (الجهة الثانية) في مفهوم الغاية. و هي موضوع البحث هنا فإنه قد اختلفوا في إن التقييد بالغاية - مع قطع النظر عن القرائن الخاصة - هل يدل علي انتفاء سنخ الحكم عما وراء الغاية و من الغاية نفسها أيضا إذا لم تكن داخلة في المغيي، أولا؟ فنقول: إن المدرك في دلالة الغاية علي المفهوم كالمدرك في الشرط و الوصف، فإذا كانت قيد للحكم كانت ظاهرة في انتفاء الحكم فيما وراءها و أما إذا كانت قيدا للموضوع أو المحمول فقط فلا دلالة لها علي المفهوم. و عليه فما علم في التقييد بالغاية إنه راجع إلي الحكم فلا إشكال في

ص 117

ظهوره في المفهوم مثل قوله (ع) (كل شيء طاهر حتي تعلم إنه نجس) و كذلك مثال كل شيء حلال. و إن لم يعلم ذلك من القرائن فلا يبعد القول بظهور الغاية في رجوعها إلي الحكم و إنها غاية للنسبة الواقعة قبلها و كونها غاية لنفس الموضوع أو نفس المحمول هو الذي يحتاج إلي البيان و القرينة. فالقول بمفهوم الغاية هو المرجح عندنا.

الرابع - مفهوم الحصر

الرابع - مفهوم الحصر

معني الحصر:

الحصر له معنيان:

1 - القصر بالاصطلاح المعروف عند علماء البلاغة، سواء كان من نوع قصر الصفة علي الموصوف، نحو (لا سيف إلا ذو الفقار ول فتي إلا علي)، أم من نوع قصر الموصوف علي الصفة، نحو (وما محمد إلا رسول، إنما أنت منذر).

2 - ما يعم القصر و الاستثناء الذي لا يسمي قصرا بالاصطلاح نحو

(فشربوا ال قليلا). و المقصود به هنا هو هذا المعني الثاني.

اختلاف مفهوم الحصر باختلاف أدواته:

إن مفهوم الحصر يختلف حاله باختلاف أدوات الحصر كما ستري، فلذلك كان علينا إن نبحث عنها واحدة واحدة، فنقول:

1 - (إلا). و هي تأتي لثلاثة وجوه:

1 - صفة بمعني غير.

2 - استثنائية.

3 - أداة حصر بعد النفي.

ص 118

أما (الا الوصفية) فهي تقع وصفا لما قبلها كسائر الأوصاف الأخري. فهي تدخل من هذه الجهة في مفهوم الوصف، فإن قلنا هناك إن للوصف مفهوما فهي كذلك و إلا فلا. و قد رجحنا فيما سبق إن الوصف لا مفهوم له، فإذا قال المقر مثلا: (في ذمتي عشرة دراهم الا درهم) بجعل (الا درهم) وصفا، فإنه يثبت في ذمته تمأم العشرة الموصوفة بأنه ليست بدرهم. و لا يصح إن تكون استثنائية لعدم نصب درهم. و لا مفهوم لها حينئذ فلا تدل علي عدم ثبوت شيء آخر في ذمته لزيد. و أما (الا الاستثنائية) فلا ينبغي الشك في دلالتها علي المفهوم و هو انتفاء حكم المستثني منه عن المستثني، لأن (الا) موضوعة للإخراج و هو الاستثناء و لازم هذا الإخراج باللزوم البين بالمعني الأخص إن يكون المستثني محكوما بنقيض حكم المستثني منه. و لما كان هذا اللزوم بينا ظن بعضهم إن هذ المفهوم من باب المنطوق. و أما (أداة الحصر بعد النفي) نحو (لا صلاة إلا بطهور)، فهي في الحقيقة من نوع الاستثنائية. (فرع) - لو شككنا في مورد إن كلمة (إل) (للاستثناء) أو وصفية، مثل ما لو قال المقر: (ليس في ذمتي لزيد عشرة دراهم ال درهم)، إذ يجوز في المثال إن تكون إلا وصفية و يجوز إن تكون استثنائية - فإن الأصل في كلمة

(إلا) أن تكون للاستثناء فيثبت في ذمته في المثال درهم واحد. أما لو كانت وصفية فإنه لا يثبت في ذمته شيء، لأنه يكون قد نفي العشرة الدراهم كلها الموصوفة تلك الدراهم بأنها ليست بدرهم.

2 - (إنما). و هي أداة حصر مثل كلمة (إلا)، فإذ استعملت في حصر الحكم في موضوع معين دلت بالملازمة البينة علي انتفائه عن غير ذلك الموضوع و هذا واضح.

3 - (بل). و هي للإضراب و تستعمل في وجوه ثلاثة: (الأول) - للدلالة علي إن المضروب عنه وقع عن غفلة أو علي نحو الغلط. و لا دلالة لها حينئذ علي الحصر. و هو واضح.

ص 119

(الثاني) - للدلالة علي تأكيد المضروب عنه و تقريره، نحو: زيد عالم بل شاعر. ول دلالة لها أيضا حينئذ علي الحصر. (الثالث) - للدلالة علي الردع و إيصال ما ثبت أولا، نحو (أم يقولون به جنة، بل جاءهم بالحق). فتدل علي الحصر، فيكون لها مفهوم و هذه الآية الكريمة تدل علي انتفاء مجيئه بغير الحق.

4 - و هناك هيئات غير الأدوات تدل علي الحصر، مثل تقدم المفعول نحو (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) و مثل تعريف المسند إليه بلأم الجنس مع تقديمه نحو (العالم محمد) و (إن القول ما قالت حذأم). و نحو ذلك مما هو مفصل في علم البلاغة. فإن هذه الهيئات ظاهرة في الحصر، فإذا استفيد منه الحصر فلا ينبغي الشك في ظهورها في المفهوم، لأنه لازم للحصر لزوما بينا. و تفصيل الكلام فيها لا يسعه هذا المختصر. و علي كل حال، فإن كل ما يدل علي الحصر فهو دال علي المفهوم بالملازمة البينة.

الخأمس - مفهوم العدد

الخأمس - مفهوم العدد

لا شك في إن تحديد الموضوع بعدد خاص

لا يدل علي انتفاء الحكم فيما عداه، فإذا قيل: (صم ثلاثة أيأم من كل شهر) فإنه لا يدل علي عدم استحباب صوم غير الثلاثة الأيأم. فلا يعارض الدليل علي استحباب صوم أيأم أخر. نعم لو كان الحكم للوجوب - مثلا - و كان التحديد بالعدد من جهة الزيادة لبيان الحد الأعلي - فلا شبهة في دلالته علي عدم وجوب الزيادة كدليل صوم ثلاثين يوما من شهر رمضان. و لكن هذه الدلالة من جهة خصوصية المورد لا من جهة أصل التحديد بالعدد، حتي يكون لنفس العدد مفهوم. فالحق إن التحديد بالعدد لا مفهوم له.

ص 120

السادس - مفهوم اللقب

السادس - مفهوم اللقب

المقصود باللقب: كل اسم - سواء كان مشتقا أم جأمدا - وقع موضوعا للحكم كالفقير في قولهم: أطعم الفقير و كالسارق و السارقة في قوله تعالي: (السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما). و معني مفهوم اللقب نفي الحكم عما لا يتناوله عموم الاسم. و بعد إن استشكلنا في دلالة الوصف علي المفهوم فعدم دلالة اللقب أولي، فإن نفس موضوع الحكم بعنوانه لا يشعر بتعليق الحكم عليه فضلا عن إن يكون له ظهور في الانحصار. نعم غاية ما يفهم من اللقب عدم تناول شخص الحكم لغير ما يشمله عموم الاسم و هذا لا كلأم فيه، أما عدم ثبوت نوع الحكم لموضوع آخر فلا دلالة له عليه أصلا. و قد قيل: إن مفهوم اللقب أضعف المفهومات.

خاتمة في دلالة الاقتضاء و التنبيه و الإشارة

تمهيد:

يجري كثيرا علي لسان الفقهاء و الأصوليين ذكر دلالة الاقتضاء و التنبيه و الإشارة و لم تشرح هذه الدلالات في أكثر الكتب الأصولية المتعارفة. و لذلك رأينا إن نبحث عنها بشيء من التفصيل لفائدة المبتدئين. و البحث عنها يقع

من جهتين: الأولي في مواقع هذه الدلالات الثلاث و إنها من أي أقسأم الدلالات و الثانية في حجيتها.

الجهة الأولي - مواقع الدلالات الثلاث

قد تقدم إن (المفهوم) هو مدلول الجملة التركيبية اللازمة للمنطوق لزوما

ص 121

بينا بالمعني الأخص. و يقابله (المنطوق) الذي هو مدلول ذات اللفظ بالدلالة المطابقية. و لكن يبقي هناك من المدلولات ما لا يدخل في المفهوم و لا في المنطوق اصطلاحا، كما إذا دل الكلام بالدلالة الإلتزامية (1) علي لفظ مفرد أو معني مفرد ليس مذكورا في المنطوق صريحا، أو إذا دل الكلام علي مفاد جملة لازمة للمنطوق الا إن اللزوم ليس علي نحو اللزوم البين بالمعني الأخص. فإن هذه كلها لا تسمي مفهوما ول منطوقا، أذن ماذا تسمي هذه الدلالة في هذه المقامات؟ نقول: الأنسب إن نسمي مثل هذه الدلالة - علي وجه العموم - (الدلالة السياقية)، كما ربما يجري هذا التعبير في لسان جملة من الأساطين لتكون في مقابل الدلالة المفهومية و المنطوقية. و المقصود بها - علي هذا -: إن سياق الكلام يدل علي المعني المفرد أو المركب أو اللفظ المقدر. و قسموه إلي الدلالات الثلاث المذكورة: الاقتضاء و التنبيه و الإشارة. فلنبحث عنها واحدة واحدة:

1 - دلالة الاقتضاء

وهي إن تكون الدلالة مقصودة للمتكلم بحسب العرف و يتوقف صدق الكلام أو صحته عقلا أو شرعا أو لغة أو عادة عليها. مثالها قوله صلي الله عليه و آله: (لا ضرر و لا ضرار في الإسلأم)، فإن صدق الكلام يتوقف علي تقدير الأحكام و الآثار الشرعية لتكون هي المنفية حقيقة، لوجود الضرر و الضرار قطعا عند المسلمين. فيكون النفي للضرر باعتبار نفي آثاره الشرعية و أحكامه. و مثله (رفع عن أمتي ما ل

يعلمون و ما

(هامش)

(1) المقصود من الدلالة الإلتزامية ما يعم الدلالة التضمنية باصطلاح المناطقة باعتبار رجوع الدلالة التضمنية إلي الإلتزامية لأنها لا تتم الا حيث يكون معني الجزء لازما للكل فتكون الدلالة من ناحية الملازمة بينهم.

ص 122

اضطروا إليه. . ). مثال آخر، قوله عليه السلأم: (لا صلاة لمن جاره المسجد إلا في المسجد) فإن صدق الكلام و صحته تتوقف علي تقدير كلمة (كأملة) محذوفة ليكون النفي كمال الصلاة، لا أصل الصلاة. مثال ثالث، قوله تعالي: (وأسأل القرية)، فإن صحته عقل تتوقف علي تقدير لفظ (أهل)، فيكون من باب حذف المضاف، أو علي تقدير معني أهل، فيكون من باب المجاز في الإسناد. مثال رابع، قولهم: (أعتق عبدك عني علي ألف) فإن صحة هذ الكلام شرعا تتوقف علي طلب تمليكه أولا له بألف لأنه لا عتق إلا في ملك فيكون التقدير ملكني العبد بألف ثم أعتقه عني. مثال خأمس، قول الشاعر: نحن بما عندنا و أنت بما * عندك راض و الرأي مختلف فإن صحته لغة تتوقف علي تقدير (رضوان) خبرا للمبتد (نحن)، لأن راض مفرد لا يصح إن يكون خبرا لنحن. و جميع الدلالات الإلتزامية علي المعاني المفردة و جميع المجازات في الكلمة أو في الإسناد ترجع إلي (دلالة الاقتضاء). فإن قال قائل: إن دلالة اللفظ علي معناه المجازي من الدلالة المطابقية فكيف جعلتم المجاز من نوع دلالة الاقتضاء - نقول له: هذا صحيح و مقصودنا من كون الدلالة علي المعني المجازي من نوع دلالة الاقتضاء، هو دلالة نفس القرينة المحفوف بها الكلام علي إرادة المعني المجازي من اللفظ، لا دلالة نفس اللفظ عليه بتوسط القرينة. (والخلاصة): إن المناط في دلالة الاقتضاء شيئان: الأول إن تكون الدلالة

مقصودة و الثاني إن يكون الكلام لا يصدق أو لا يصح بدونها. و لا يفرق فيها بين إن يكون لفظا مضمرا، أو معني مرادا: حقيقيا أو مجازي.

ص 123

2 - دلالة التنبيه

وتسمي (دلالة الإيماء) أيضا و هي كالأولي في اشتراط القصد عرف و لكن من غير إن يتوقف صدق الكلام أو صحته عليها و إنما سياق الكلام ما يقطع معه بإرادة ذلك اللازم أو يستبعد عدم أرادته. و بهذا تفترق عن دلالة الاقتضاء لأنها كم تقدم يتوقف صدق الكلام أو صحته عليها. و لدلالة التنبيه موارد كثيرة نذكر أهمها:

1 - ما إذا أراد المتكلم بيان أمر فنبه عليه بذكر ما يلازمه عقلا أو عرفا، كما إذا قال القائل: (دقت الساعة العاشرة) مثلا، حيث تكون الساعة العاشرة موعدا له مع المخاطب لينبهه علي حلول الموعد المتفق عليه. أو قال:

(طلعت الشمس) مخاطبا من قد استيقظ من نومه حينئذ، لبيان فوات وقت أداء صلاة الغداة. أو قال:

(إني عطشان) للدلالة علي طلب الماء. و من هذا الباب ذكر الخبر لبيان لازم الفائدة، مثل ما لو أخبر المخاطب. بقوله:

(إنك صائم) لبيان إنه عالم بصومه. و من هذا الباب أيضا الكنايات إذا كان المراد الحقيقي مقصودا بالإفادة من اللفظ، ثم كني به عن شيء آخر.

2 - ما إذا أقترن الكلام بشيء يفيد كونه علة للحكم أو شرطا أو مانعا أو جزءا، أو عدم هذه الأمور. فيكون ذكر الحكم تنبيها علي كون ذلك الشيء علة أو شرطا أو مانعا أو جزءا أو عدم كونه كذلك. مثاله قول المفتي: (أعد الصلاة) لمن سأله عن الشك في أعداد الثنائية فإنه يستفاد منه إن الشك المذكور علة لبطلان الصلاة و للحكم بوجوب الإعادة. مثال آخر قوله

عليه السلأم: (كفر) لمن قال له: واقعت أهلي في نهار شهر رمضان، فإنه يفيد إن الوقاع في الصوم الواجب موجب للكفارة. و مثال ثالث، قوله:

(بطل البيع) لمن قال له: (بعت السمك في النهر) فيفهم منه اشتراط القدرة علي التسليم في البيع.

ص 124

ومثال رابع قوله:

(لا تعيد) لمن سأل عن الصلاة في الحمأم، فيفهم منه عدم مانعية الكون في الحمأم للصلاة. . و هكذا.

3 - ما إذا اقترن الكلام بشيء يفيد تعيين بعض متعلقات الفعل، كما إذا قال القائل: (وصلت إلي النهر و شربت)، فيفهم من هذه المقارنة إن المشروب هو الماء و إنه من النهر. و مثل ما إذا قال:

(قمت و خطبت) أي و خطبت قائم. . و هكذا.

3 - دلالة الإشارة

ويشترط فيها - علي عكس الدلالتين السابقتين ألا تكون الدلالة مقصودة بالقصد الاستعمالي بحسب العرف، لكن مدلولها لازم لمدلول الكلام لزوما غير بين أو لزوما بينا بالمعني الأعم، سواء استنبط المدلول من كلأم واحدا أم من كلأمين. مثال ذلك دلالة الآيتين علي أقل الحمل و هما أية (وحمله و فصاله ثلاثون شهرا) و أية (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كأملين)، فإنه بطرح الحولين من ثلاثين شهرا يكون الباقي ستة أشهر فيعرف إنه أقل الحمل. و من هذا الباب دلالة وجوب الشيء علي وجوب مقدمته، لأنه لازم لوجوب ذي المقدمة باللزوم البين بالمعني الأعم. و لذلك جعلوا وجوب المقدمة و جوبا تبعيا لا أصليا، لأنه ليس مدلولا للكلأم بالقصد، وإنم يفهم بالتبع، أي بدلالة الإشارة.

الجهة الثانية - حجية هذه الدلالات

أما دلالة (الاقتضاء و التنبيه)، فلا شك في حجيتهما إذا كانت هناك دلالة و ظهور، لأنه من باب حجية الظواهر. و لا كلأم في ذلك. و أما دلالة

(الإشارة) فحجيتها من باب حجية الظواهر محل نظر و شك،

ص 125

لأن تسميتها بالدلالة من باب المسأمحة، إذ المفروض إنها غير مقصودة و الدلالة تابعة للإرادة و حقها إن تسمي إشارة و إشعارا فقط بغير لفظ الدلالة فليست هي من الظواهر في شيء حتي تكون حجة من هذه الجهة. نعم هي حجة من باب الملازمة العقلية حيث تكون ملازمة، فيستكشف منها لازمها سواء كان حكما أم غير حكم، كالأخذ بلوازم إقرار المقر و إن لم يكن قاصدا لها أو كان منكرا للملازمة. و سيأتي في محله في باب الملازمات العقلية إن شاء الله تعالي.

ص 127

الباب الخامس: العام و الخاص

الباب الخامس: العام و الخاص

تمهيد:

(العام و الخاص):

هما من المفاهيم الواضحة البديهية التي لا تحتاج إلي التعريف الا لشرح اللفظ و ترقيب المعني إلي الذهن، فلذلك لا محل لتعريفهما بالتعاريف الحقيقية. و القصد من (العام): اللفظ الشامل بمفهومه لجميع ما يصلح انطباق عنوانه عليه في ثبوت الحكم له. و قد يقال للحكم إنه عام أيضا باعتبار شموله لجميع أفراد الموضوع أو المتعلق أو المكلف. و القصد من (الخاص): الحكم الذي لا يشمل الا بعض أفراد موضوعه أو المتعلق أو المكلف، أو إنه اللفظ الدال علي ذلك. (والتخصيص): هو إخراج بعض الأفراد عن شمول الحكم العام، بعد إن كان اللفظ في نفسه شاملا له لول التخصيص. (والتخصص): هو إن يكون اللفظ من أول الأمر - بلا تخصيص - غير شامل لذلك الفرد غير المشمول للحكم.

أقسأم العام:

ينقسم العام إلي ثلاثة أقسأم باعتبار تعلق الحكم به:

1 - (العموم الاستغراقي) و هو إن يكون الحكم شاملا لكل فرد فرد، فيكون كل فرد وحده موضوعا للحكم و لكل حكم متعلق بفرد من الموضوع عصيان خاص نحو (أكرم

كل عالم).

2 - (العموم المجموعي) و هو إن يكون الحكم ثابتا للمجموع بما هو

ص 130

مجموع فيكون المجموع موضوعا واحدا، كوجوب الإيمان بالأئمة، فلا يتحقق الامتثال ال بالإيمان بالجميع.

3 - (العموم البدلي) و هو إن يكون الحكم لواحد من الأفراد علي البدل، فيكون فرد واحد فقط - علي البدل - موضوعا للحكم، فإذا أمتثل في واحد سقط التكليف، نحو أعتق أية رقبة شئت. فإن قال قائل: إن عد هذا القسم الثالث من أقسأم العموم فيه مسأمحة ظاهرة لأن البدلية تنافي العموم، إذ المفروض إن متعلق الحكم أو موضوعه ليس إلا فردا واحدا فقط. نقول في جوابه: العموم في هذا القسم معناه عموم البدلية، أي صلاح كل فرد لأن يكون متعلقا أو موضوعا للحكم. نعم إذا كان استفادة العموم من هذا القسم بمقتضي الإطلاق، فهو يدخل في المطلق لا في العام. و علي كل حال، إن عموم متعلق الحكم لأحواله و أفراده إذا كان متعلقا للأمر الوجوبي أو الاستحبابي، فهو علي الأكثر من نوع العموم البدلي. إذا عرفت هذا التمهيد، فينبغي إن نشرع في تفصيل مباحث العام و الخاص في فصول:

1 - (ألفاظ العموم)

لا شك إن للعموم ألفاظا تخصه دالة عليه أما بالوضع أو بالإطلاق بمقتضي مقدمات الحكمة. و هي أما إن تكون ألفاظ مفردة مثل (كل) و ما في معناها مثل (جميع) و (تمأم) و (أي) و (دائما) و أما إن تكون هيئات لفظية كوقوع النكرة في سياق النفي أو النهي و كون اللفظ جنسا محلي باللأم جمعا كان أو مفردا. فلنتكلم عنها بالتفصيل:

1 - لفظة (كل) و ما في معناها،

فإنه من المعلوم دلالتها بالوضع علي عموم مدخولها سواء كان عموما استغراقيا أو مجموعيا و إن

العموم معناه الشمول لجميع أفرادها مهما كان لها من الخصوصيات اللاحقة لمدخوله.

ص 131

2 - (وقوع النكرة في سياق النفي أو النهي)

فإنه لا شك في دلالتها علي عموم السلب لجميع أفراد النكرة عقلا، لا وضعا، لأن عدم الطبيعة إنما يكون بعدم جميع أفراده. و هذا واضح لا يحتاج إلي مزيد بيان. 3 - (الجمع المحلي باللأم و المفرد المحلي به) لا شك في استفادة العموم منهما عند عدم العهد و لكن الظاهر إنه ليس ذلك بالوضع في المفرد المحلي باللأم و إنما يستفاد بالإطلاق بمقتضي الحكمة و لا فرق بينهما من جهة العموم في استغراق جميع الأفراد فردا فردا. و قد توهم بعضهم: إن معني استغراق الجمع المحلي و كل جمع مثل أكرم جميع العلماء هو استغراق بلحاظ مراتب الجمع، لا بلحاظ الأفراد فردا فردا، فيشمل كل جماعة جماعة و يكون بمنزلة قول القائل: (أكرم جماعة جماعة)، فيكون موضوع الحكم كل جماعة علي حدة لا كل مفرد، فإكرأم شخص واحد لا يكون امتثالا للأمر. و ذلك نظير عموم التثنية، فإن الاستغراق فيها بملاحظة مصاديق التثنية، فيشمل كل اثنين اثنين، فإذا قال:

(أكرم كل عالمين) فموضوع الحكم كل اثنين من العلماء لا كل فرد. و منشأ هذا التوهم إن معني الجمع الجماعة، كما إن معني التثنية الاثنين فإذا دخلت أداة العموم عليه دلت علي العموم بلحاظ كل جماعة جماعة، كما إذا دخلت علي المفرد دلت علي العموم بلحاظ كل فرد فرد و علي التثنية دلت عليه لحاظ كل اثنين اثنين، لأن أداة العموم تفيد عموم مدخولها. و لكن هذا توهم فاسد للفرق بين التثنية و الجمع، لأن التثنية تدل علي الاثنين المحدودة من جانب القلة و الكثرة. بخلاف

الجمع، فإنه يدل علي ما هو محدود من جانب القلة فقط، لأن أقل الجمع ثلاثة و أما من جانب الكثرة فغير محدود أبدا. فكل ما تفرض لذلك اللفظ المجموع من أفراد مهما كثرت فهي مرتبة من الجمع واحدة و جماعة واحدة، حتي لو أريد جميع الأفراد بأسرها، فإنها كلها مرتبة واحدة من الجمع، لا مجموعة مراتب له. فيكون معني استغراق الجمع عدم الوقوف علي حد خاص من حدود

ص 132

الجمع و مرتبة دانية منه، بل المقصود أعلي مراتبه. فيذهب استغراقه إلي آخر الآحاد ل إلي آخر المراتب، إذ ليس هناك بلحاظ جميع الأفراد إلا مرتبة واحدة لا مراتب متعددة و ليس الا حد واحد هو الحد الأعلي، لا حدود متكثرة، فهو من هذه الجهة كاستغراق المفرد معناه عدم الوقوف علي حد خاص، فيذهب إلي آخر الآحاد. نعم الفرق بينهما إنم هو في عدم الاستغراق، فإن عدم استغراق المفرد يوجب الاقتصار علي واحد. و عدم استغراق الجمع يوجب الاقتصار علي أقل الجمع و هو ثلاثة.

2 - المخصص المتصل و المنفصل

إن تخصيص العام علي نحوين:

1 - إن يقترن به مخصصة في نفس الكلام الواحد الملقي من المتكلم كقولنا: (أشهد إن لا إله إلا الله). و يسمي المخصص (المتصل). فيكون قرينة علي إرادة ما عدا الخاص من العموم. و تلحق به - بل هي منه - القرينة الحالية المكتنف بها الكلام الدالة علي إرادة الخصوص، علي وجه يصح تعويل المتكلم عليها في بيان مراده.

2 - ألا يقترن به مخصصه في نفس الكلام، بل يرد في كلأم آخر مستقل قبله أو بعده. و يسمي المخصص (المنفصل)، فيكون أيضا قرينة علي إرادة ما عدا الخاص من العموم، كالأول. فأذن لا فرق

بين القسمين من ناحية القرينة علي مراد المتكلم و إنما الفرق بينهما من ناحية أخري و هي ناحية انعقاد الظهور في العموم: ففي المتصل لا ينعقد للكلأم ظهور إلا في الخصوص و في المنفصل ينعقد ظهور العام في عمومه، غير إن الخاص ظهوره أقوي، فيقدم عليه من باب تقديم الأظهر علي الظاهر أو النص علي الظاهر. و السر في ذلك: إن الكلام مطلقا - العام و غيره - لا يستقر له الظهور و لا ينعقد الا بعد الانتهاء منه و الانقطاع عرفا، علي وجه لا يبقي بحسب

ص 133

العرف مجال لإلحاقه بضميمة تصلح لأن تكون قرينة تصرفه عن ظهوره الابتدائي الأولي و إلا فالكلام مادام متصلا عرفا فإن ظهوره مراعي، فإن انقطع من دون ورود قرينة علي خلافه استقر ظهوره الأول و انعقد الكلام عليه و إن لحقته القرينة الصارفة تبدل ظهوره الأول إلي ظهور آخر حسب دلالة القرينة و انعقد حينئذ علي الظهور الثاني. ولذ لو كانت القرينة مجملة أو إن وجد في الكلام ما يحتمل إن يكون قرينة أوجب ذلك عدم انعقاد الظهور الأول و إلا ظهور آخر، فيعود الكلام برمته مجملا. هذا من ناحية كلية في كل كلأم. و مقامنا من هذا الباب، لأن المخصص - كما قلنا - من قبيل القرينة الصارفة، فالعام له ظهور ابتدائي - أو بدوي - في العموم، فيكون مراعي بانقطاع الكلام و انتهائه، فإن لم يلحقه ما يخصصه استقر ظهوره الابتدائي و انعقد علي العموم و إن لحقته قرينة التخصيص قبل الانقطاع تبدل ظهوره الأول و انعقد له ظهوره آخر حسب دلالة المخصص المتصل. أذن فالعام المخصص بالمتصل لا يستقر و لا ينعقد له ظهوره في العموم،

بخلاف المخصص بالمنفصل، لأن الكلام بحسب الفرض قد انقطع بدون ورود ما يصلح للقرينة علي التخصيص، فيستقر ظهوره الابتدائي في العموم. غير إنه إذا ورد المخصص المنفصل يزاحم ظهور العام، فيقدم عليه من باب إنه قرينة عليه كاشفة عن المراد الجدي.

3 - هل استعمال العام في المخصص مجاز؟

قلنا: إن المخصص بقسميه قرينة علي إرادة ما عدا الخاص من لفظ العموم، فيكون المراد من العام بعض ما يشمله ظاهره. فوقع الكلام في إن هذا الاستعمال هل هو علي نحو المجاز أو الحقيقة. و اختلف العلماء فيه علي أقوال كثيرة: (منها) إنه مجاز مطلقا و (منها) إنه حقيقة مطلقا. و (منه) التفصيل بين المخصص بالمتصل و بين المخصص بالمنفصل، فإن كان التخصيص بالأول فهو حقيقة دون ما كان بالثاني و قيل: بالعكس.

ص 134

والحق عندنا هو القول الثاني أي إنه حقيقة مطلقا. (الدليل) - إن منشأ توهم القول بالمجاز إن أداة العموم لما كانت موضوعة للدلالة علي سعة مدخولها و عمومه لجميع أفراده، فلو أريد منه بعضه فقد استعملت في غير ما وضعت له، فيكون الاستعمال مجاز. و هذا التوهم يدفع بأدني تأمل، لأنه في التخصيص بالمتصل كقولك - مثلا -: أكرم كل عالم إلا الفاسقين لم تستعمل أداة العموم إلا في معناها و هي الشمول لجميع أفراد مدخولها، غاية الأمر إن مدخولها تارة يدل عليه لفظ واحد مثل أكرم كل عادل و أخري يدل عليه أكثر من لفظ واحد في صورة التخصيص، فيكون التخصيص معناه إن مدخول (كل) ليس ما يصدق عليه لفظ عالم مثلا بل هو خصوص العالم العادل في المثال. و أما (كل) فهي باقية علي مالها من الدلالة علي العموم و الشمول، لأنها تدل

حينئذ علي الشمول لكل عادل من العلماء و لذا لا يصح إن يوضع مكانها كلمة (بعض)، فلا يستقيم المعني لو قلت: أكرم بعض العلماء إلا الفاسقين و إلا لما صح الاستثناء كما لا يستقيم لو قلت: أكرم بعض العلماء العدول، فإنه لا يدل علي تحديد الموضوع كما لو كانت (كل) و الاستثناء موجودين. و الحاصل إن لفظة (كل) و سائر أدوات العموم في مورد التخصيص لم تستعمل الا في معناها و هو الشمول. و لا معني للقول بأن المجاز في نفس مدخولها، لأن مدخولها مثل كلمة عالم موضوع لنفس الطبيعة من حيث هي، لا الطبيعة بجميع أفرادها أو بعضها. و إرادة الجميع أو البعض إنما يكون من دلالة لفظة أخري ك (كل) أو (بعض)، فإذا قيد مدخولها و أريد منه المقيد بالعدالة في المثال المتقدم لم يكن مستعملا إل في معناه. و هو من له العلم و تكون إرادة ما عدا الفاسق من العلماء من دلالة المجموع القيد و المقيد، من باب تعدد الدال و المدلول. و سيجئ إن شاء الله تعالي إن تقييد المطلق لا يوجب مجازا. هذا الكلام كله عن المخصوص بالمتصل. و كذلك الكلام عن المخصوص

ص 135

بالمنفصل، لأنا قلنا: إن التخصيص بالمنفصل معناه جعل الخاص قرينة منفصلة علي تقييد مدخول (كل) بما عدا الخاص، فلا تصرف في أداة العموم و لا في مدخولها و يكون أيضا من باب تعدد الدال و المدلول. و لو فرض إن المخصص المنفصل ليس مقيدا لمدخول أداة العموم، بل هو تخصيص للعموم نفسه فإن هذا لا يلزم منه إن يكون المستعمل فيه في العام هو البعض، حتي يكون مجازا، بل إنما يكشف الخاص عن المراد الجدي من

العام.

4 - حجية العام المخصص في الباقي

إذا شككنا في شمول العام - المخصص - لبعض أفراد الباقي من العام بعد التخصيص، فهل العام حجة في هذا البعض، فيتمسك بظاهر العموم لإدخاله في حكم العام؟ علي أقوال: مثلا، إذا قال المولي: (كل ماء طاهر)، ثم استثني من العموم بدليل متصل أو منفصل الماء المتغير بالنجاسة و نحن احتملنا استثناء الماء القليل الملاقي للنجاسة بدون تغيير، فإذا قلنا بأن العام المخصص حجة في الباقي نطرد هذ الاحتمال بظاهر عموم العام في جميع الباقي، فنحكم بطهارة الماء الملاقي غير المتغير. و إذا لم نقل بحجيته في الباقي يبقي هذا الاحتمال معلقا لا دليل عليه من العام، فنلتمس، له دليلا آخر يقول بطهارته أو نجاسته. و الأقوال في المسألة كثيرة: منها التفصيل بين المخصص بالمتصل فيكون حجة في الباقي و بين المخصص بالمنفصل فل يكون حجة. و قيل بالعكس و الحق في المسألة هو الحجية مطلقا، لأن أساس النزاع ناشئ من النزاع في المسألة السابقة و هي إن العام المخصص مجاز في الباقي أم لا؟ و من قال بالمجاز يستشكل في ظهور العام و حجيته في جميع الباقي من جهة إن المفروض إن استعمال العام في تمأم الباقي مجاز و استعماله في بعض الباقي مجاز آخر أيضا، فيقع النزاع في إن المجاز الأول أقرب إلي الحقيقة، فيكون العام ظاهرا فيه أو إن المجازين متساويان، فلا ظهور في أحدهما. فإذا كان المجاز الأول هو الظاهر كان العام حجة في تمأم الباقي و إلا فلا يكون حجة.

ص 136

أما نحن الذين نقول بأن العام المخصص حقيقة كما تقدم، ففي راحة من هذا النزاع، لأن قلنا: إن أداة العموم باقية علي ما لها

من معني الشمول لجميع أفراد مدخولها، فإذ خرج من مدخولها بعض الأفراد بالتخصيص بالمتصل أو المنفصل فلا تزال دلالتها علي العموم باقية علي حالها و إنما مدخولها تتضيق دائرته بالتخصيص. فحكم العام المخصص حكم العام غير المخصص في ظهوره في الشمول لكل ما يمكن إن يدخل فيه. و علي أي حال، بعد القول بأن العام المخصص حقيقة في الباقي علي ما بيناه لا يبقي شك في حجيته في الباقي. و أيما يقع الشك علي تقدير القول بالمجازية، فقد نقول إنه حجة في الباقي علي هذا التقدير و قد لا نقول. لا إنه كل من يقول بالمجازية يقول بعدم الحجية، كما توهم ذلك بعضهم.

5 - هل يسري إجمال المخصص إلي العام؟

هل يسري إجمال المخصص إلي العام؟

كان البحث السابق و هو (حجية العام في الباقي) في فرض إن الخاص مبين لا إجمال فيه و إنما الشك في تخصيص غيره ما علم خروجه عن الخاص. و علينا الآن إن نبحث عن حجية العام في فرض إجمال الخاص. و الإجمال علي نحوين.

1 - (الشبهة المفهومية) - و هي في فرض الشك في نفس مفهوم الخاص بأن كان مجملا، نحو قوله (ع): (كل ماء طاهر إلا ما تغير طعمه أو لونه أو ريحه) الذي يشك فيه إن المراد من التغير خصوص التغير الحسي أو ما يشمل التغير التقديري. و نحو قولن: (أحسن الظن إلا بخالد) الذي يشك فيه إن المراد من خالد هو خالد بن بكر أو خالد بن سعد، مثلا.

2 - (الشبهة المصداقية) و هي في فرض الشك في دخول فرد من أفراد العام في الخاص مع وضوح مفهوم الخاص، بأن كان مبينا لا إجمال فيه، كما

ص 137

إذا شك

في مثال الماء السابق إن ماء معينا، أتغير بالنجاسة فدخل في حكم الخاص أم لم يتغير فهو لا يزال باقيا علي طهارته. و الكلام في الشبهتين يختلف اختلافا بين. فلنفرد لكل منهما بحثا مستقلا.

(أ - الشبهة المفهومية) الدوران في الشبهة المفهومية (تارة) يكون بين الأقل و الأكثر، كالمثال الأول، فإن الأمر دائر فيه بين تخصيص خصوص التغير الحسي أو يعم التقديري، (فالأقل) هو التغير الحسي و هو المتيقن. (و الأكثر) هو الأعم منه و من التقديري. (وأخري) يكون بين المتباينين كالمثال الثاني، فإن الأمر دائر فيه بين تخصيص خالد بن بكر و بين خالد بن سعد و لا قدر متيقن في البين. ثم علي كل من التقديرين، أما إن يكون المخصص متصلا أو منفصلا. و الحكم في المقام يختلف باختلاف هذه الأقسأم الأربعة في الجملة، فلنذكرها بالتفصيل:

1، 2 - فيما إذا كان المخصص (متصلا) سواء كان الدوران فيه بين الأقل الأكثر أو بين المتباينين، فإن الحق فيه إن إجمال المخصص يسري إلي العام أي إنه لا يمكن التمسك بأصالة العموم لإدخال المشكوك في حكم العام. و هو واضح علي ما ذكرناه سابقا من إن المخصص المتصل من نوع قرينة الكلام المتصلة، فلا ينعقد للعام ظهور إلا فيما عدا الخاص، فإذا كان الخاص مجملا سري أجماله إلي العام، لأن ما عدا الخاص غير معلوم، فلا ينعقد للعام ظهور فيما لم يعلم خروجه عن عنوان الخاص.

3 - في الدوران بين (الأقل و الأكثر) إذا كان المخصص (منفصلا) فإن الحق فيه إن إجمال الخاص لا يسري إلي العام، أي إنه يصح التمسك بأصالة العموم لإدخال ما عدا الأقل في حكم العام. و الحجة فيه واضحة بناء علي م

تقدم في الفصل الثاني من إن العام المخصص بالمنفصل ينعقد له ظهور في

ص 138

العموم و إذا كان يقدم عليه الخاص فمن باب تقديم أقوي الحجتين فإذا كان الخاص مجمل في الزائد علي القدر المتيقن منه، فلا يكون حجة في الزائد، لأنه - حسب الفرض - مجمل لا ظهور له فيه و إنما تنحصر حجيته في القدر المتيقن و هو الأقل. فكيف يزاحم العام المنعقد ظهوره في الشمول لجميع أفراده التي منها القدر المتيقن من الخاص و منه القدر الزائد عليه المشكوك دخوله في الخاص. فإذا خرج القدر المتيقن بحجة أقوي من العام يبقي القدر الزائد لا مزاحم لحجية العام و ظهوره فيه.

4 - في الدوران بين (المتباينين) إذا كان المخصص (منفصلا)، فإن الحق فيه أن إجمال الخاص يسري إلي العام، كالمخصص المتصل، لأن المفروض حصول العلم الإجمالي بالتخصيص واقعا و إن تردد بين شيئين، فيسقط العموم عن الحجية في كل واحد منهما. و الفرق بينه و بين المخصص المتصل المجمل إنه في المتصل يرتفع ظهور الكلام في العموم رأسا و في المنفصل المردد بين المتباينين ترتفع حجية الظهور و إن كان الظهور البدوي باقيا، فلا يمكن التمسك بأصالة العموم في أحد المرددين. بل لو فرض إنها تجري بالقياس إلي أحدهما فهي تجري أيضا بالقياس إلي الآخر و لا يمكن جريانهما معا لخروج أحدهما عن العموم قطعا، فيتعارضان و يتساقطان. و إن كان الحق إن نفس وجود العلم الإجمالي يمنع من جريان أصالة العموم في كل منهما رأسا لا إنها تجري فيهما فيحصل التعارض ثم التساقط.

(ب - الشبهة المصداقية) قلنا: إن الشبهة المصداقية تكون في فرض الشك في دخول فرد من أفراد م ينطبق عليه العام

في المخصص، مع كون المخصص مبينا لا إجمال فيه و إنما الإجمال في المصداق. فلا يدري إن هذا الفرد متصف بعنوان الخاص فخرج عن حكم العام، أم لم يتصف فهو مشمول لحكم العام، كالمثال

ص 139

المتقدم و هو الماء المشكوك تغيره بالنجاسة و كمثال الشك في اليد علي مال إنها يد عادية أو يد أمانة، فيشك في شمول العام لها و هو قوله صلي الله عليه و آله: (علي اليد ما أخذت حتي تؤدي)، لأنها يد عادية، أو خروجها منه لأنها يد أمانة، لما دل علي عدم ضمان يد الأمانة المخصص لذلك العموم. ربما ينسب إلي المشهور من العلماء الاقدمين القول بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية و لذا أفتوا في مثال اليد المشكوكة بالضمان. و قد يستدل لهذا القول: بأن انطباق عنوان العام علي المصداق المردد معلوم فيكون العام حجة فيه ما لم يعارض بحجة أقوي و أما انطباق عنوان الخاص عليه فغير معلوم، فلا يكون الخاص حجة فيه، فلا يزاحم العام و هو نظير ما قلناه في المخصص المنفصل في الشبهة المفهومية عند الدوران بين الأقل و الأكثر. و الحق عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية في المتصل و المنفصل معا. و دليلنا علي ذلك: إن المخصص لما كان حجة أقوي من العام، فإنه موجب لقصر حكم العام علي باقي أفراده و رافع لحجية العام في بعض مدلوله. و الفرد المشكوك مردد بين دخوله فيما كان العام حجة فيه و بين خروجه عنه مع عدم دلالة العام علي دخوله فيما هو حجة فيه، فلا يكون العام حجة فيه بلا مزاحم كما قيل في دليلهم. و لئن كان انطباق عنوان العام عليه معلوما، فليس

هو معلوم الانطباق عليه بما هو حجة. و الحاصل، إن هناك عندنا حجتين معلومتين حسب الفرض (إحداهما) العام، هو حجة فيما عدا الخاص. (وثانيتهما) المخصص و هو حجة في مدلوله و المشتبه مردد بين دخوله في تلك الحجة أو هذه الحجة. و بهذا يظهر الفرق بين الشبهة المصداقية و بين الشبهة المفهومية في المنفصل عند الدوران بين الأقل و الأكثر. فإن الخاص في الشبهة المفهومية ليس حجة إلا في الأقل و الزائد المشكوك ليس مشكوك الدخول فيما كان الخاص معلوم الحجية فيه بل الخاص مشكوك إنه جعل حجة فيه أم لا. و مشكوك الحجية في

ص 140

شيء ليس بحجة - قطعا - في ذلك الشيء (1). و أما العام فهو حجة إلا فيما كان الخاص حجة فيه. و عليه لا يكون الأكثر مرددا بين دخوله في تلك الحجة أو هذه الحجة، كالمصداق المردد، بل هو معلوم إن الخاص ليس حجة فيه لمكان الشك، فلا يزاحم حجية العام فيه. و أما فتوي المشهور بالضمان في اليد المشكوكة إنها يد عادية أو يد أمانة فلا يعلم إنها لأجل القول بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية و لعل لها وجها آخر ليس المقام محل ذكره.

(تنبيه) - في جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية

إذ كان المخصص لبيا - المقصود من المخصص (اللبي): ما يقابل اللفظي، كالإجماع و دليل العقل اللذين هما دليلان و ليسا من نوع الألفاظ فقد نسب إلي الشيخ المحقق الأنصاري (قدس سره) جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية مطلقا إذا كان المخصص لبي. و تبعه جماعة من المتأخرين عنه. و ذهب المحقق شيخ أساتذتنا (صاحب الكفاية) قدس سره إلي التفصيل بين ما إذا كان المخصص اللبي مما

يصح إن يتكل عليه المتكلم في بيان مراده بأن كان عقليا ضروريا، فإنه يكون كالمتصل، فلا ينعقد للعام ظهور في العموم فلا مجال للتمسك بالعام في الشبهة المصداقية - و بين ما إذا لم يكن كذلك، كما إذا

(هامش)

(1) سيأتي في (مباحث الحجة): إن قوأم حجية الشيء بالعلم، لأنه إنما يكون الشيء صالحا لأن يحتج به المولي علي العبد إذا كان و أصلا إليه بالعلم، فالعلم مأخوذ في موضوع الحجة فعند الشك في حجية شيء يرتفع موضوعها، فيعلم بعدم حجيته. و معني الشك في حجيته احتمال إنه نصبه الشارع حجة واقعا علي تقدير و صوله. و حيث لم يصل نقطع بعدم حجيته فعلا فيزول ذلك الاحتمال البدوي عند الالتفات إلي ذلك لا إنه حين الشك في الحجية يقطع بعدم الحجية و إلا للزم اجتماع الشك و القطع بشيء واحد في إن واحد و هو محال.

ص 141

لم يكن التخصيص ضروريا علي وجه يصح إن يتكل عليه المتكلم، فإنه لا مانع من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لبقاء العام علي ظهوره و هو حجة بلا مزاحم. و استشهد علي ذلك بما ذكره من الطريقة المعروفة و السيرة المستمرة الما لوفة بين العقلاء، كم إذا أمر المولي منهم عبده بإكرأم جيرانه و حصل القطع للعبد بأن المولي لا يريد إكرأم من كان عدوا له من الجيران، فإن العبد ليس له ألا يكرم من يشك في عداوته و للمولي إن يؤاخذه علي عدم إكرأمه و لا يصح منه الاعتذار بمجرد احتمال العداوة، لأن بناء العقلاء و سيرتهم هي ملاك حجية أصالة الظهور، فيكون ظهور العام - في هذا المقام - حجة بمقتضي بناء العقلاء. و زاد علي ذلك بأنه يستكشف

من عموم العام للفرد المشكوك إنه ليس فردا للخاص الذي علم خروجه من حكم العام. و مثل له بعموم قوله (لعن الله بني فلأن قاطبة) المعلوم منه خروج من كان مؤمنا منهم فإن شك في أيمان شخص يحكم بجواز لعنه للعموم. و كل من جاز لعنه ليس مؤمنا. فينتج من الشكل الأول (هذا الشخص ليس مؤمنا). هذا خلاصة رأي صاحب الكفاية (قدس سره) و لكن شيخنا المحقق الكبير النائيني أعلي الله مقامه لم يرتض هذا التفصيل. و لا إطلاق رأي الشيخ قدس سره، بل ذهب إلي تفصيل آخر. (وخلاصته): إن المخصص اللبي سواء كان عقليا ضروريا يصح إن يتكل عليه المتكلم في مقام التخاطب، أو لم يكن كذلك، بأن كان عقليا نظريا أو إجماعا - فإنه كالمخصص اللفظي كاشف عن تقييد المراد الواقعي في العام: من عدم كون موضوع الحكم الواقعي باقيا علي إطلاقه الذي يظهر فيه العام فلا مجال للتمسك بالعام في الفرد المشكوك بلا فرق بين اللبي و اللفظي، لأن المانع من التمسك بالعام مشترك بينهما و هو انكشاف تقييد موضوع الحكم واقعا. و لا يفرق في هذه الجهة بين إن يكون الكاشف لفظي أو لبيا. و استثني من ذلك ما إذا كان المخصص اللبي لم يستكشف منه تقييد

ص 142

موضوع الحكم واقعا، بأن كان العقل إنما أدرك ما هو ملاك حكم الشارع واقعا، أو قأم الإجماع علي كونه ملاكا لحكم الشارع (كما إذا أدرك العقل أو قأم الإجماع علي إن ملاك لعن بني فلأن هو كفرهم) فإن ذلك لا يوجب تقييد موضوع الحكم لأن الملاك لا يصلح لتقييده، بل من العموم يستكشف وجود الملاك في جميعهم. فإذا شك في وجود الملاك في فرد

يكون عموم الحكم كاشفا عن وجوده فيه. نعم لو علم بعدم وجود الملاك في فرد يكون الفرد نفسه خارجا كما لو أخرجه المولي بالنص عليه، لا إنه يكون كالمقيد لموضوع العام. و أما سكوت المولي عن بيانه، فهو أما لمصلحة أو لغفلة إذا كان من الموالي العاديين. نعم لو تردد الأمر بين إن يكون المخصص كاشفا عن الملاك أو مقيدا لعنوان العام فإن التفصيل الذي ذكره صاحب الكفاية يكون وجيها. (والحاصل): إن المخصص إن أحرزنا إنه كاشف عن تقييد موضوع العام، فلا يجوز التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية أبدا و إن أحرزنا إنه كاشف عن ملاك الحكم فقط من دون تقييد فلا مانع من التمسك بالعموم، بل يكون كاشفا عن وجود الملاك في المشكوك. و إن تردد أمره و لم يحرز كونه قيدا أو ملاكا، فإن كان حكم العقل ضروريا يمكن الاتكال عليه في التفهيم فيلحق بالقسم الأول و إن كان نظريا أو إجماعا لا يصح الاتكال عليه فيلحق بالقسم الثاني، فيتمسك بالعموم، لجواز إن يكون الفرد المشكوك قد أحرز المولي وجود الملاك فيه، مع احتمال إن ما أدركه العقل أو قأم عليه الإجماع من قبيل الملاكات. هذا كله حكاية أقوال علمائنا في المسألة. و إنما أطلت في نقلها لأن هذه المسألة حادثة، أثاره شيخنا الأنصاري (قدس سره) مؤسس الأصول الحديث. و اختلف فيها أساطين مشايخنا و نكتفي بهذا المقدار دون بيان ما نعتمد عليه من الأقوال لئلا نخرج عن الغرض الذي وضعت له الرسالة. و بالاختصار إن ما ذهب إليه الشيخ هو الأولي بالاعتماد. و لكن مع تحرير

ص 143

لقوله علي غير ما هو المعروف عنه (1).

(هامش)

(1) و توضيح ذلك: إن كل عام ظاهر في

العموم لا بد إن يتضمن ظهورين.

1 - ظهوره في عدم منافاة أية صفة من الصفات أو أي عنوان من العناوين لحكمه.

2 - ظهوره في عدم وجود المنافي أيضا. أي إنه ظاهر في عدم المنافاة و عدم المنافي معه. فإن معني ظهور عموم (أكرم جيراني) - مثلا -: إنه ليس هناك صفة أو عنوان ينافي الحكم بوجوب إكرأم الجيران، نحو صفة العداوة أو الفسق أو نحو ذلك، كما إن معناه أيضا إنه ليس يوجد في الجيران من فيه صفة أو عنوان ينافي الحكم بوجوب إكرأمه. و هذا واضح لا غبار فيه. فإذا جاء بعد انعقاد هذا الظهور في العموم مخصص منفصل لفظي، كما لو قال في المثال المتقدم: (لا تكرم الأعداء من جيراني)، فإن هذا المخصص لا شك في إنه لا يكون ظاهر في أمرين:

1 - إن صفة العداوة منافية لوجوب الإكرأم:

2 - إن في الجيران من هو علي صفة العداوة فعلا أو يتوقع منه إن يكون عدوا و إلا لو لم يوجد العدو و لا يتوقع فيهم لكان هذا التخصيص لغوا و عبثا لا يصدر من الحكيم. و علي ذلك فيكون المخصص اللفظي مزاحما للعام في الظهورين معا، فيسقط عن الحجية فيهما معا. فإذا شككنا في فرد من الجيران إنه عدو أم لا، فلا مجال فيه للتمسك بالعام في إلحاقه بحكمه، لسقوط العام عن حجيته في شموله له، إذ يكون هذا الفرد مرددا بين دخوله فيما أصبح العام حجة فيه و بين دخوله فيما كان الخاص حجة فيه. أما لو كان هناك مخصص لبي، كما لو حكم العقل - مثلا - بأن العداوة تنافي وجوب الإكرأم، فإن هذا الحكم من العقل لا يتوقف علي إن

يكون هناك أعداء بالفعل أو متوقعون، بل العقل يحكم بهذا الحكم سواء كان هناك أعداء أم لم يكونوا أبدا، إذ لا مجال للقول بأنه لو لم يكن هناك أعداء لكان حكم العقل لغوا و عبثا، كما هو واضح بأدني تأمل و التفات. و عليه، فالحكم العقلي هذا لا يزاحم الظهور الثاني العام، أعني ظهوره في عدم المنافي، فظهوره الثاني هذا يبقي بل مزاحم. فإذا شككنا في فرد من الجيران إنه عدو أم لا فلا مانع من التمسك بالعام في إدخاله في حكمه، لأنه لا يكون هذا الفرد مرددا بين دخوله في هذه الحجة أو هذه الحجة، إذ المخصص اللبي حسب الفرض لا يقتضي وجود المنافي و ليس حجة فيه، أما العام فهو حجة فيه بلا مزاحم.

ص 144

6 - لا يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص

لا شك في إن بعض عمومات القران الكريم و السنة الشريفة ورد لها مخصصات منفصلة شرحت المقصود من تلك العمومات. و هذ معلوم من طريقة صاحب الشريعة و الأئمة الأطهار عليهم الصلاة و السلأم حتي قيل: (م من عام الا و قد خص). و لذا ورد عن أئمتنا ذم من استبدوا برأيهم في الأحكام، لأن في الكتاب المجيد و السنة عاما و خاصا و مطلقا و مقيدا. و هذه الأمور لا تعرف إلا من طريق آل البيت عليهم السلأم. و هذا ما أوجب التوقف في التسرع بالأخذ بعموم العام قبل الفحص و اليأس من وجود المخصص، لجواز إن يكون هذا العام من العمومات التي لها مخصص موجود في السنة أو في الكتاب لم يطلع عليه من وصل إليه العام. و قد نقل عدم الخلاف بل الإجماع علي عدم جواز الأخذ

بالعام قبل الفحص و اليأس. و هو الحق. و السر في ذلك واضح لما قدمناه، لأنه إذا كانت طريقة الشارع في بيان مقاصده تعتمد علي القرائن المنفصلة لا يبقي اطمئنان بظهور العام في عمومه فإنه يكون ظهورا بدويا. و للشارع الحجة علي المكلف إذا قصر في الفحص عن المخصص.

(هامش)

= فظهر من هذا البيان إن الفرق عظيم بين المخصص اللبي و المخصص اللفظي من هذه الناحية، لأنه في المخصص اللبي يبقي العام حجة في ظهوره الثاني من دون إن يكون المختص متعرضا له و لا يسقط العام عن الحجية في ظهوره إلا بمقدار المزاحمة لا أكثر. و هذا بخلاف المخصص اللفظي فإنه ظاهر في الأمرين معا كما قدمناه، فيكون مزاحما للعام فيهما معا. و لا فرق في المخصص اللبي بين إن يكون ضروريا أو يكون غير ضروري و لا بين إن يكون كاشفا عن تقييد موضوع العام أو كاشفا عن ملاك الحكم، فإنه في جميع هذه الصور لا يقتضي وجود المنافي. و بهذا التحرير للمسألة يتجلي مرأم الشيخ الأعظم إنه الأولي بالاعتماد.

ص 145

أما إذا بذل وسعه و فحص عن المخصص في مظانه، حتي حصل له الاطمئنان بعدم وجوده فله الأخذ بظهور العام. و ليس للشارع حجة عليه فيما لو كان هناك مخصصا واقعا، لم يتمكن المكلف من الوصول إليه عادة بالفحص بل للمكلف إن يحتج فيقول:

إني فحصت عن المخصص فلم أظفر به و لو كان مخصص هناك كان ينبغي بيانه علي وجه لو فحصنا عنه عادة لوجدناه في مظانه. و إلا فلا حجة فيه علينا. و هذا الكلام جار في كل ظهور، فإنه لا يجوز الأخذ به الا بعد الفحص عن القرائن المنفصلة. فإذا فحص المكلف

و لم يظفر بها فله إن يأخذ بالظهور و يكون حجة عليه. و من هنا نستنتج قاعدة عامة تأتي في محلها و نستوفي البحث عنها إن شاء الله تعالي و المقام من صغرياتها و هي: (إن أصالة الظهور لا تكون حجة إلا بعد الفحص و اليأس عن القرينة). أما بيان مقدار الفحص الواجب أهو الذي يوجب اليأس علي نحو القطع بعدم القرينة أو علي نحو الظن الغالب و الاطمئنان بعدمها؟ ؟ ، فذلك موكول إلي محله. و المختار كفاية الاطمئنان. و الذي يهون الخطب في هذه العصور المتأخرة أن علمائنا قدس الله تعالي أرواحهم قد بذلوا جهودهم علي تعاقب العصور في جمع الأخبار و تبويبها و البحث عنها و تنقيحها في كتب الأخبار و الفقه، حتي إن الفقيه أصبح الآن يسهل عليه الفحص عن القرائن بالرجوع إلي مظانها المهيئة، فإذا لم يجده بعد الفحص يحصل له القطع غالبا بعدمها.

7 - تعقيب العام بضمير يرجع إلي بعض أفراده

قد يرد عام ثم ترد بعده جملة فيها ضمير يرجع إلي بعض أفراد العام بقرينة خاصة. مثل قوله تعالي (2: 282) (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء. . ) إلي قوله:

(وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) فإن المطلقات عامة للرجعيات و غيرها و لكن الضمير في بعولتهن يراد به خصوص الرجعيات.

ص 146

فمثل هذا الكلام يدور فيه الأمر بين مخالفتين للظاهر، أما:

1 - مخالفة ظهور العام في العموم، بأن يجعل مخصوصا بالبعض الذي يرجع إليه الضمير. و أما:

2 - مخالفة ظهور الضمير في رجوعه إلي ما تقدم عليه من المعني الذي دل عليه اللفظ بأن يكون مستعمل علي سبيل الاستخدام، فيراد منه البعض و العام يبقي علي دلالته علي العموم - فأي

المخالفتين أولي؟ وقع الخلاف علي أقوال ثلاثة: (الأول) - إن أصالة العموم هي المقدمة، فيلتزم بالمخالفة الثانية. (الثاني) - إن أصالة عدم الاستخدام هي المقدمة، فيلتزم بالمخالفة الأولي. (الثالث) - عدم جريان الأصلين معا و الرجوع إلي الأصول العملية. أما عدم جريان أصالة العموم فلوجود ما يصلح إن يكون قرينة في الكلام و هو عود الضمير علي البعض، فلا ينعقد ظهور العام في العموم. و أما إن أصالة عدم الاستخدام لا تجري فلأن الأصول اللفظية يشترط في جريانها - كما سبق أول الكتاب - إن يكون الشك في مراد المتكلم، فلو كان المراد معلوما - كما في المقام - و كان الشك في كيفية الاستعمال، فلا تجري قطعا. و الحق إن أصالة العموم جارية و لا مانع منها، لأن ننكر إن يكون عود الضمير إلي بعض أفراد العام موجبا لصرف ظهور العموم، إذ لا يلزم من تعين البعض من جهة مرجعية الضمير بقرينة إن يتعين إرادة البعض من جهة حكم العام الثابت له بنفسه لأن الحكم في الجملة المشتملة علي الضمير غير الحكم في الجملة المشتملة علي العام و لا علاقة بينهما، فلا يكون عود الضمير علي بعض العام من القرائن التي تصرف ظهوره عن عمومه. و اعتبر ذلك في المثال، فلو قال المولي: (العلماء يجب إكرأمهم) ثم قال:

(وهم يجوز تقليدهم) و أريد من ذلك (العدول) بقرينة، فإنه واضح في هذا المثال إن تقييد الحكم الثاني بالعدول لا يوجب تقييد الحكم الأول بذلك، بل ليس فيه إشعار به. و لا يفرق في ذلك بين إن يكون التقييد بمتصل كما في مثالنا أو

ص 147

بمنفصل كما في الآية.

8 - تعقيب الاستثناء لجمل متعددة

قد ترد عمومات متعددة في

كلأم واحد ثم يتعقبها استثناء في أخرها فيشك حينئذ في رجوع الاستثناء لخصوص الجملة الأخيرة أو لجميع الجمل. مثاله قوله تعالي: (وَ الَّذينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلاَّ الَّذينَ تابُوا ) فإنه يحتمل إن يكون هذا الاستثناء من الحكم الأخير فقط و هو فسق هؤلاء. و يحتمل إن يكون استثناء منه و من الحكم بعدم قبول شهادتهم و الحكم بجلدهم الثمانين. و اختلف العلماء في ذلك علي أربعة أقوال:

1 - ظهور الكلام في رجوع الاستثناء إلي خصوص الجملة الأخيرة و إن كان رجوعه إلي غير الأخيرة ممكنا، ولكنه يحتاج إلي قرينة عليه.

2 - ظهوره في رجوعه إلي جميع الجمل. و تخصيصه بالأخيرة فقط هو الذي يحتاج إلي الدليل.

3 - عدم ظهوره في واحد منها و إن كان رجوعه إلي الأخيرة متيقنا علي كل حال. أما ما عدا الأخيرة فتبقي مجملة لوجود ما يصلح للقرينة فل ينعقد لها ظهور في العموم، فلا تجري أصالة العموم فيها.

4 - التفصيل بين ما إذا كان الموضوع واحدا للجمل المتعاقبة لم يتكرر ذكره و قد ذكر في صدر الكلام مثل قولك: (أحسن إلي الناس و احترمهم و اقض حوائجهم إلا الفاسقين) - و بين ما إذا كان الموضوع متكررا ذكره لكل جملة كالآية الكريمة المتقدمة و إن كان الموضوع في المعني واحدا في الجميع. فإن كان من قبيل الأول فهو ظاهر في رجوعه إلي الجميع لأن الاستثناء إنما هو من الموضوع باعتبار الحكم و الموضوع لم يذكر إلا في صدر الكلام فقط، فلا بد من رجوع الاستثناء إليه، فيرجع إلي الجميع. و إن كان

من قبيل

ص 148

الثاني، فهو ظاهر في الرجوع إلي الأخيرة، لأن الموضوع قد ذكر فيها مستقلا فقد أخذ الاستثناء محله و يحتاج تخصيص الجمل السابقة إلي دليل آخر مفقود بالفرض، فيتمسك بأصالة عمومها. و أما ما قيل: إن المقام من باب اكتناف الكلام بما يصلح لأن يكون قرينة، فلا ينعقد للجمل الأولي ظهور في العموم - فلا وجه له، لأنه لما كان المتكلم حسب الفرض قد كرر الموضوع بالذكر و اكتفي باستثناء واحد و هو يأخذ محله بالرجوع إلي الأخيرة، فلو أراد إرجاعه إلي الجميع لوجب إن ينصب قرينة علي ذلك و إلا كان مخل ببيانه. و هذا (القول الرابع) هو أرجح الأقوال و به يكون الجمع بين كلمات العلماء: فمن ذهب إلي القول برجوعه إلي خصوص الأخيرة، فلعله كان ناظرا إلي مثل الآية المباركة التي تكرر فيها الموضوع. و من ذهب إلي القول برجوعه إلي الجميع فلعله كان ناظرا إلي الجمل التي لم يذكر فيها الموضوع إلا في صدر الكلام. فيكون النزاع علي هذا لفظيا و يقع التصالح بين المتنازعين.

9 - التخصيص العام بالمفهوم

(المفهوم) ينقسم كما تقدم إلي الموافق و المخالف، فإذا ورد عام و مفهوم أخص مطلقا، فلا كلأم في تخصيص العام بالمفهوم إذا كان (مفهوما موافقا)، مثاله قوله تعالي: (أوفوا بالعقود) فإنه عام يشمل كل عقد يقع باللغة العربية و غيرها، فإذا ورد دليل علي اعتبار إن يكون العقد بصيغة الماضي فقد قيل إنه يدل بالأولوية علي اعتبار العربية في العقد، لأنه لما دل علي عدم صحة العقد بالمضارع من العربية، فلئن لم يصح من لغة أخري فمن طريق أولي. و لا شك إن مثل هذا المفهوم إن ثبت فإنه يخصص العام المتقدم،

لأنه كالنص أو أظهر من عموم العام، فيقدم عليه. و أما التخصيص (بالمفهوم المخالف) فمثاله قوله تعالي: (إن الظن لا يغني عن الحق شيئا) الدال بعمومه علي عدم اعتبار كل ظن حتي الظن الحاصل من خبر العادل. و قد وردت أية أخري هي: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينو. . ) الدالة بمفهوم الشرط علي جواز الأخذ بخبر غير الفاسق بغير تبين.

ص 149

فهل يجوز تخصيص ذلك العام بهذا المفهوم المخالف؟ قد اختلفوا علي أقوال: فقد قيل بتقديم العام و لا يجوز تخصيصه بهذا المفهوم. و قيل بتقديم المفهوم. و قيل بعدم تقديم أحدهما علي الآخر فيبقي الكلام مجملا. و فصل بعضهم تفصيلات كثيرة يطول الكلام عليه. (والسر في هذا الخلاف) إنه لما كان ظهور المفهوم المخالف ليس من القوة بحيث يبلغ درجة ظهور المنطوق أو المفهوم الموافق - وقع الكلام في إنه أقوي من ظهور العام فيقدم عليه، أو إن العام أقوي فهو المقدم، أو أنهما متساويان في درجة الظهور فل يقدم أحدهما علي الآخر، أو إن ذلك يختلف باختلاف المقامات. و الحق إن المفهوم لم كان أخص من العام حسب الفرض فهو قرينة عرفا علي المراد من العام و القرينة تقدم علي ذي القرينة و تكون مفسرة لما يراد من ذي القرينة و لا يعتبر إن يكون ظهورها أقوي من ظهور ذي القرينة. نعم لو فرض إن العام كان نصا في العموم فإنه يكون هو قرينة علي المراد من الجملة ذات المفهوم فلا يكون لها مفهوم حينئذ. و هذا أمر آخر.

10 - تخصيص الكتاب العزيز بخبر الواحد

يبدو من الصعب علي المبتدئ إن يؤمن لأول وهلة بجواز تخصيص العام الوارد في القران الكريم بخبر الواحد، نظرا

إلي إن الكتاب المقدس إنم هو وحي منزل من الله لا ريب فيه و الخبر ظني يحتمل فيه الخطأ و الكذب، فكيف يقدم علي الكتاب. و لكن سيرة العلماء من القديم علي العمل بخبر الواحد إذا كان مخصصا للعام القراني، بل لا تجد علي الأغلب خبرا معمولا به من بين الأخبار التي بأيدينا في المجأميع إلا و هو مخالف لعام أو مطلق في القران و لو مثل عمومات الحل و نحوها. بل علي الظاهر إن مسألة تقديم الخبر الخاص علي الآية القرانية العامة من المسائل المجمع عليها من غير خلاف بين علمائنا، فما السر في ذلك مع قلناه؟ نقول: لا ريب في إن القران الكريم - و إن كان قطعي السند - فيه

ص 150

متشابه و محكم (نص علي ذلك القران نفسه) و المحكم نص و ظاهر و الظاهر منه عام و مطلق. كما لا ريب أيضا في إنه ورد في كلأم النبي و الأئمة عليهم الصلاة و السلأم ما يخصص كثيرا من عمومات القران و ما يقيد كثيرا من مطلقاته و ما يقوم قرينة علي صرف جملة من ظواهره. و هذا قطعي لا يشك فيه أحد. فإن كان الخبر قطعي الصدور فلا كلأم في ذلك و إن كان غير قطعي الصدور و قد قأم الدليل القطعي علي إنه حجة شرعا، لأنه خبر عادل مثلا و كان مضمون الخبر أخص من عموم الآية القرانية - فيدور الأمر بين إن نطرح الخبر بمعني إن نكذب راوية و بين إن نتصرف بظاهر القران، لأنه لا يمكن التصرف بمضمون الخبر، لأنه نص أو أظهر و لا بسند القران لأنه قطعي. و مرجع ذلك إلي الدوران - في الحقيقة -

بين مخالفة الظن بصدق الخبر و بين مخالفة الظن بعموم الآية. أو فقل يدور الأمر بين طرح دليل حجية الخبر و بين طرح أصالة العموم، فأي الدليلين أولي بالطرح؟ و أيهما أولي بالتقديم؟ فنقول: لا شك إن الخبر صالح لأن يكون قرينة علي التصرف في ظاهر الكتاب، لأنه بدلالته ناظر و مفسر لظاهر الكتاب بحسب الفرض. و علي العكس من ظاهر الكتاب، فإنه غير صالح لرفع اليد عن دليل حجية الخبر لأنه لا علاقة له فيه من هذه الجهة - حسب الفرض - حتي يكون ناظرا إليه و مفسرا له. فالخبر لسانه لسان المبين للكتاب، فيقدم عليه. و ليس الكتاب بظاهره بصدد بيان دليل حجية الخبر حتي يقدم عليه. و إن شئت فقل: إن الخبر بحسب الفرض قرينة علي الكتاب و الأصل الجاري في القرينة - و هو هنا أصالة عدم كذب الراوي - مقدم علي الأصل الجاري في ذي القرينة و هو هن أصالة العموم.

11 - الدوران بين التخصيص و النسخ

الدوران بين التخصيص و النسخ

اعلم إن العام و الخاص المنفصل يختلف حالهما من جهة العلم بتأريخهما معا أو بتأريخ أحدهما، أو الجهل بهما معا: فقد يقال في بعض الأحوال بتعيين

ص 151

إن يكون الخاص ناسخا للعام أو منسوخا له، أو مخصصا إياه. و قد يقع الشك في بعض الصور و لتفصيل الحال نقول: إن الخاص و العام من ناحية تأريخ صدورهما لا يخلوان من خمس حالات، فأما إن يكونا معلومي التأريخ، أو مجهولي التأريخ، أو أحدهما مجهولا و الآخر معلوما. هذه ثلاث صور. ثم المعلوم تاريخهما: أما إن يعلم تقارنهما عرفا أو يعلم تقدم العام أو يعلم تأخر العام. فتكون الصور خمسا:

(الصورة الأولي)

إذا كانا معلومي

التأريخ مع العلم بتقارنهما عرفا، فإنه لا مجال لتوهم النسخ فيهما.

(الصورة الثانية)

إذا كانا معلومي التاريخ مع تقدم العام، فهذه علي صورتين:

1 - إن يكون ورود الخاص قبل العمل بالعام. و الظاهر إنه لا إشكال حينئذ في حمله علي التخصيص بغير كلأم، أما لأن النسخ لا يكون قبل وقت العمل بالمنسوخ كما قيل و أما لأن الأولي فيه التخصيص كما سيأتي في الصورة الآتية.

2 - إن يكون وروده بعد وقت العمل بالعام. و هذه الصورة هي أشكل الصور و هي التي وقع فيها الكلام في إن الخاص يجب إن يكون ناسخا، أو يجوز إن يكون مخصصا و لو في بعض الحالات. و مع الجواز يتكلم حينئذ في إن الحمل علي التخصيص هو الأولي، أو الحمل علي النسخ. فالذي يذهب إلي وجوب إن يكون الخاص ناسخ فهو ناظر إلي إن العام لما ورد وحل وقت العمل به بحسب الفرض، فتأخير الخاص عن وقت العمل لو كان مخصصا و مبينا لعموم العام يكون من باب تأخير البيان عن وقت الحاجة و هو

ص 152

قبيح من الحكيم، لأن فيه إضاعة للأحكام و لمصالح العباد بلا مبرر. فوجب إن يكون ناسخا للعام و العام باق علي عمومه يجب العمل به إلي حين ورود الخاص فيجب العمل ثانيا علي طبق الخاص. و أما من ذهب إلي جواز كونه مخصصا، فلعله ناظر إلي أن العام يجوز أن يكون واردا لبيان حكم ظاهري صوري لمصلحة اقتضت كتمان الحكم الواقعي و لو مصلحة التقية، أو مصلحة التدرج في بيان الأحكام كما هو المعلوم من طريقة النبي صلي الله عليه و آله في بيان أحكام الشريعة، مع إن الحكم الواقعي التابع للمصالح الواقعية الثابتة للأشياء بعناوينها

الأولية إنما هو علي طبق الخاص. فإذا جاء الخاص يكون كاشفا عن الحكم الواقعي، فيكون مبينا للعام و مخصصا له و أما الحكم العام الذي ثبت أولا ظاهرا و صورة إن كان قد ارتفع و أنتهي أمده، فإنه إنما ارتفع لارتفاع موضوعه و ليس هو من باب النسخ. و إذا جاز إن يكون العام واردا علي هذا النحو من بيان الحكم ظاهرا و صورة، فإن ثبت ذلك كان الخاص مخصصا أي كان كاشفا عن الواقع قطعا. و إن ثبت إنه في صدد بيان الحكم الواقعي التابع للمصالح الواقعية الثابتة للأشياء بعناوينه الأولية، فلا شك في إنه يتعين كون الخاص ناسخا له. و أما لو دار الأمر بينهما إذ لم يقم دليل علي تعيين أحدهما، فأيهما أرجح في الحمل؟ فنقول: الأقرب إلي الصواب هو الحمل علي التخصيص. و (الوجه فيه) إن أصالة العموم بما هي لا تثبت أكثر من إن م يظهر من العام هو المراد الجدي للمتكلم و لا شك إن الحكم الصوري الذي نسميه بالحكم الظاهري كالواقع مراد جدي للمتكلم لأنه مقصود بالتفهيم، فالعام ليس ظاهرا إلا في إن المراد الجدي هو العموم سواء كان العموم حكما واقعيا أو صوريا. أما إن الحكم واقعي فلا يقتضيه الظهور أبدا حتي يثبت بأصالة العموم، لا سيما إن المعلوم من؟ ؟ طريقة صاحب الشريعة هو بيان العمومات مجردة عن قرائن التخصيص و يكشف المراد الواقعي منه بدليل منفصل، حتي اشتهر

ص 153

القول بأنه (ما من عام إلا و قد خص) كما سبق. و عليه فلا دليل من أصالة العموم علي إن الحكم واقعي حتي نلتجئ إلي الحمل علي النسخ، بل إرادة الحكم الواقعي من العام علي ذلك الوجه

يحتاج إلي مؤنة بيان زائدة أكثر من ظهور العموم. و لأجل هذا قلنا: إن الحمل علي التخصيص أقرب إلي الصواب من الحمل علي النسخ و إن كان كل منهما ممكن.

(الصورة الثالثة)

إذا كانا معلومي التاريخ مع تقدم الخاص، فهذه أيضا علي صورتين:

1 - إن يرد العام قبل وقت العمل بالخاص، فلا ينبغي الإشكال في كون الخاص مخصصا.

2 - إن يرد بعد وقت العمل بالخاص، فلا مجال لتوهم وجوب الحمل علي النسخ من جهة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة، لأنه من باب تقديم البيان قبل وقت الحاجة و لا قبح فيه أصلا. و مع ذلك قيل بلزوم الحمل علي النسخ و لعل نظر هذا القائل إلي إن أصالة العموم جارية و لا مانع منها الا احتمال إن يكون الخاص المتقدم مخصصا و قرينة علي العام و لكن أيضا يحتمل إن يكون منسوخا بالعام، فلا يحرز إنه من باب القرينة. و لا شك إن الخاص المنفصل إنما يقدم علي العام لأنه أقوي الحجتين و قرينة عليه. و مع هذ الاحتمال لا يكون الخاص المنفصل أقوي في الظهور من العام. (قلت): الاصوب إن يحمل علي التخصيص كالصورة السابقة، لما تقدم من إن العام لا يدل علي أكثر من إن المراد جدي و لا يدل في نفسه علي إن الحكم واقعي تابع للمصالح الواقعية الثابتة للأشياء بعناوينها الأولية. و إنما يكون العام ناسخا للخاص إذا كانت دلالته علي هذا النحو و إلا فالعمومات الواردة في الشريعة علي الأغلب ليست كذلك. و أما احتمال النسخ، فل يقلل من ظهور الخاص في نفسه قطعا، كما لا يرفع حجيته فيما هو ظاهر فيه، فلا يخرجه عن كونه صالحا لتخصيص العام، فيقدم عليه،

لأنه أقوي في نفسه ظهور.

ص 154

بل يمكن إن يقال:

إن العام اللاحق للخاص لا ينعقد له ظهور في العموم إلا بودي بالنسبة إلي من لا يعلم بسبق الخاص، لجواز إن يعتمد المتكلم في بيان مراده علي سبقه، فيكون المخصص السابق كالمخصص المتضل أو قرينة كال الحالية، فلا يكون العام ظاهرا في العموم حتي يتوهم إنه ظاهر في ثبوت الحكم الواقعي.

(الصورتان الرابعة و الخأمسة)

إذا كانا مجهولي التاريخ أو أحدهما فقط كان مجهولا، فإنه يعلم الحال فيهما مما تقدم، فيحمل علي التخصيص بلا كلأم. و لا وجه لتوهم النسخ لا سيما بعد إن رجحنا التخصيص في جميع الصور و هذا واضح لا يحتاج إلي مزيد بيان.

ص 155

الباب السادس: المطلق و المقيد و فيه ست مسائل

اشارة

الباب السادس: المطلق و المقيد و فيه ست مسائل:

المسألة الأولي - معني المطلق و المقيد

المسألة الثانية - الإطلاق و التقييد متلازمان

المسألة الثالثة - الإطلاق في الجمل

المسألة الرابعة - هل الإطلاق بالوضع؟

المسألة الخأمسة - مقدمات الحكمة

المسألة السادسة - المطلق و المقيد المتنافيان

المسألة الأولي - معني المطلق و المقيد

المسألة الأولي - معني المطلق و المقيد

عرفوا المطلق بأنه (ما دل علي معني شائع في جنسه) و يقابله المقيد. و هذا التعريف قديم بحثوا عنه كثيرا و أحصوا عليه عدة مؤاخذات يطول شرحها. و لا فائدة في ذكرها ما دام إن الغرض من مثل هذا التعريف هو تقريب المعني الذي وضع له اللفظ، لأنه من التعاريف اللفظية. و الظاهر إنه ليس للأصوليين اصطلاح خاص في لفظي المطلق و المقيد، بل هما مستعملان بما لهما من المعني في اللغة، فإن المطلق مأخوذ من الإطلاق و هو الإرسال و الشيوع و يقابله التقييد تقابل الملكة و عدمها و الملكة التقييد و الإطلاق عدمها و قد تقدم ص 66. غاية الأمر إن إرسال كل شيء بحسبه و ما يليق به. فإذا نسب الإطلاق و التقييد إلي اللفظ - كما هو المقصود في المقام - فإنما يراد ذلك بحسب ماله من دلالة علي المعني. فيكونان وصفين للفظ باعتبار المعني. و من موارد استعمال لفظ المطلق نستطيع إن نأخذ صورة تقريبية لمعناه. فمثلا عندما نعرف العلم الشخصي و المعرف بلأم العهد لا يسميان مطلقين باعتبار معناهما، لأنه لا شيوع و لا إرسال في شخص معين - لا ينبغي إن نظن إنه ل يجوز إن يسمي العلم الشخصي مطلقا، فإنه إذا قال الأمر: (أكرم محمدا) و عرفنا إن لمحمد أحوالا مختلفة و لم يقيد الحكم بحال من الأحوال نستطيع إن

نعرف إن لفظ محمد هنا أو هذا الكلام بمجموعه يصح إن نصفه بالإطلاق بلحاظ الأحوال و إن لم يكن له شيوع باعتبار معناه الموضوع له.

ص 158

أذن للأعلام الشخصية و المعرف بلأم العهد إطلاق فلا يختص المطلق بماله معني شايع في جنسه كاسم الجنس و نحوه. و كذلك عندما نعرف إن العام لا يسمي مطلقا، فلا ينبغي إن نظن إنه لا يجوز إن يسمي مطلقا أبدا، لأنا نعرف إن ذلك إنما هو بالنسبة إلي أفراده أم بالنسبة إلي أحوال أفراده غير المفردة فإنه لا مضايقة في إن نسميه مطلقا. أذن ل مانع من شمول تعريف المطلق المتقدم (وهو ما دل علي معني شايع في جنسه) للعام باعتبار أحواله، لا باعتبار أفراده. و علي هذا فمعني المطلق هو شيوع اللفظ وسعته باعتبار ما له من المعني و أحواله و لكن لا علي إن يكون ذلك الشيوع مستعملا فيه اللفظ كالشيوع المستفاد من وقوع النكرة في سياق النفي و إلا كان الكلام عاما ل مطلقا.

المسألة الثانية - الإطلاق و التقييد متلازمان

المسألة الثانية - الإطلاق و التقييد متلازمان

أشرنا إلي التقابل بين الإطلاق و التقييد من باب تقابل الملكة و عدمها، لأن الإطلاق هو عدم التقييد فيما من شأنه إن يقيد. فيتبع الإطلاق التقييد في الأمكان، أي إنه إذا أمكن التقييد في الكلام و في لسان الدليل أمكن الإطلاق و لو أمتنع استحال الإطلاق. بمعني إنه لا يمكن فرض استكشاف الإطلاق و أرادته من كلأم المتكلم في مورد لا يصح التقييد. بل يكون مثل هذا الكلام لا مطلقا و لا مقيدا و إن كان في الواقع إن المتكلم لا بد إن يريد أحدهما. و قد تقدم مثاله في بحث التوصلي و التعبدي ص 69، إذ

قلنا: إن امتناع تقييد الأمر بقصد الامتثال يستلزم امتناع إطلاقه بالنسبة إلي هذا القيد. و ذكرنا هناك كيف يمكن استكشاف إرادة الإطلاق بإطلاق المقام لا بإطلاق الكلام الواحد.

المسألة الثالثة - الإطلاق في الجمل

المسألة الثالثة - الإطلاق في الجمل

الإطلاق لا يختص بالمفردات - كما يظهر من كلمات الأصوليين - إذ مثلوا للمطلق باسم الجنس و علم الجنس و النكرة، بل يكون في الجمل أيضا كإطلاق صيغة أفعل الذي يقتضي استفادة الوجوب العيني و التعييني و النفسي، فإن

ص 159

الإطلاق فيها إنما هو من نوع إطلاق الجملة. و مثله إطلاق الجملة الشرطية في استفادة الانحصار في الشرط. و لكن محل البحث في المسائل الآتية خصوص الألفاظ المفردة و لعل عدم شمول البحث عندهم للجمل باعتبار إن ليس هناك ضابط كلي لمطلقاتها و إن كان الأصح إن بحث مقدمات الحكمة يشملها. و قد بحث عن إطلاق بعض الجمل في مناسباتها كإطلاق صيغة أفعل و الجملة الشرطية و نحوها.

المسألة الرابعة - هل الإطلاق بالوضع؟

المسألة الرابعة - هل الإطلاق بالوضع؟

لا شك في إن الإطلاق في الأعلام بالنسبة إلي الأحوال كما تقدمت الإشارة إليه - ليس بالوضع، بل إنما يستفاد من مقدمات الحكمة. و كذلك إطلاق الجمل و ما شابهها - أيضا - ليس بالوضع بل بمقدمات الحكمة. و هذا لا خلاف فيه. و إنما الذي وقع فيه البحث هو إن الإطلاق في أسماء الأجناس و ما شابهها هل هو بالوضع أو بمقدمات الحكمة؟ أي إن أسماء الأجناس هل هي موضوعة لمعانيها بما هي شايعة و مرسلة علي وجه يكون الإرسال أي الإطلاق مأخوذا في المعني الموضوع له اللفظ - كما نسب إلي المشهور من القدماء قبل سلطان العلماء - أو إنها موضوعة لنفس المعاني بما هي و الإطلاق يستفاد من دال آخر و هو نفس تجرد اللفظ من القيد إذا كانت مقدمات الحكمة متوفرة فيه؟ - و هذا القول الثاني أول من صرح به فيما نعلم سلطان

العلماء في حاشيته علي معالم الأصول و تبعه جميع من تأخر عنه إلي يومنا هذا. و علي القول الأول يكون استعمال اللفظ في المقيد مجازا و علي القول الثاني يكون حقيقة. و الحق ما ذهب إليه سلطان العلماء، بل قيل إن نسبة القول الأول إلي المشهور مشكوك فيها. و لتوضيح هذا القول و تحقيقه ينبغي بيان أمور ثلاثة

ص 160

تنفع في هذا الباب و في غير هذا الباب (1). و بها تكشف للطالب ما وقع للعلماء الأعلام من اختلاف في التعبير في الرأي و النظر. و هذه الأمور التي ينبغي بيانها هي كما يلي:

1 - اعتبارات الماهية:

المشهور إن للماهية ثلاثة اعتبارات، إذا قيست إلي ما هو خارج عن ذاتها، ما إذا قيست الرقبة إلي الإيمان عند الحكم عليها بحكم ما كوجوب العتق. و هي:

1 - إن تعتبر الماهية مشروطة بذلك الأمر الخارج. و تسمي حينئذ (الماهية بشرط شيء) كما إذا كان يجب عتق الرقبة المؤمنة، أي بشرط كونها مؤمنة.

2 - إن تعتبر مشروطة بعدمه. و تسمي (الماهية بشرط لا) (2)، كما إذا كان القصر واجبا في الصلاة علي المسافر غير العاصي في سفره، أي بشرط عدم كونه عاصيا لله في سفره. فاخذ عدم العصيان قيدا في موضوع الحكم.

3 - إلا تعتبر مشروطة بوجوده و لا بعدمه. و تسمي (الماهية ل بشرط)، كوجوب الصلاة علي الإنسان باعتبار كونه حرا مثلا، فإن الحرية غير معتبرة ل بوجودها و لا بعدمها في وجوب الصلاة، لأن الإنسان بالنظر إلي الحرية في وجوب الصلاة عليه غير مشروط بالحرية و لا بعدمها فهو لا بشرط القياس إليها. و يسمي هذا الاعتبار الثالث (اللا بشرط القسمي) في قبال (اللا بشرط

(هامش)

(1) و قد اضطررنا

إلي الخروج عن الطريقة التي رسمناها لأنفسنا في هذا الكتاب في الاختصار. و نعتقد إن الطالب المبتدئ الذي ينتهي إلي هنا يكون علي استعداد كاف لفهم هذه الأبحاث. و اضطررنا لهذا البحث باعتبار ماله من حاجة ماسة في فهم الطالب لكثير من الأبحاث التي قد ترد عليه فيما يأتي.

(2) و قد تقال (الماهية بشرط لا شيء) و يقصدون بذلك الماهية المجردة علي وجه يكون كل ما يقارنها يعتبر زائدا عليه.

ص 161

المقسمي) الآتي ذكره. و إنما سمي قسميا لأنه قسم في مقابل القسمين الأوليين أي و البشرط لا. و هذا ظاهر لا بحث فيه. * * * ثم إن لهم اصطلاحين آخرين معروفين:

1 - قولهم: (الماهية المهملة).

2 - قولهم: (الماهية لا بشرط مقسمي). أفهذان اصطلاحان و تعبيران لمدلول واحد، أو هما اصطلاحان مختلفان في المعني؟ . و الذي يلجئنا إلي هذ الاستفسار ما وقع من الارتباك في التعبير عند كثير من مشايخنا الأعلام، فقد يظهر من بعضهم أنهما اصطلاحان لمعني واحد، كما هو ظاهر (كفاية الأصول) تبعا لبعض الفلاسفة الأجلاء. و لكن التحقيق لا يساعد علي ذلك، بل هما اصطلاحان مختلفان. و هذا جوابنا علي الاستفسار. و توضيح ذلك: إنه من المتسالم عليه الذي لا اختلاف فيه و لا اشتباه أمران: (الأول) - إن المقصود من (الماهية المهملة): الماهية من حيث هي، أي نفس الماهية بم هي مع قطع النظر عن جميع ما عداها، فيقتصر النظر علي ذاتها و ذاتياتها. (الثاني) - إن المقصود من الماهية (لا بشرط مقسمي): الماهية المأخوذة لا بشرط التي تكون مقسم للاعتبارات الثلاثة المتقدمة و هي - أي الاعتبارات الثلاثة - الماهية بشرط شيء و بشرط لا و لا بشرط قسمي.

و من هنا سمي (مقسما). و إذا ظهر ذلك فلا يصح إن يدعي إن الماهية بما هي تكون بنفسها مقسما للاعتبارات الثلاثة. و ذلك لأن الماهية لا تخلو من حالتين. و هذا إن ينظر إليها بما هي هي غير مقيسة إلي ما هو خارج عن ذاتها و إن ينظر إليها

ص 162

مقيسة إلي ما هو خارج عن ذاتها. و لا ثالث لهما و في الحالة الأولي تسمي (الماهية المهملة) كما هو مسلم. و في الثانية لا يخلو حالها من أحد الاعتبارات الثلاثة. و علي هذا فالملاحظة الأولي مباينة لجميع الاعتبارات الثلاثة و تكون قسيمة لها، فكيف يصح إن تكون مقسما لها و لا يصح أن يكون الشيء مقسما لاعتبارات نقيضه، لأن الماهية من حيث هي كما اتضح معناها ملاحظتها غير مقيسة إلي الغير و الاعتبارات الثلاثة ملاحظته مقيسة إلي الغير. علي إن اعتبار الماهية غير مقيسة اعتبار ذهني له وجود مستقل في الذهن، فكيف يكون مقسما لوجودات ذهنية أخري مستقلة و المقسم يجب إن يكون موجود بوجود أقسأمه و لا يعقل إن يكون له وجود في مقابل وجودات الأقسأم و إلا كان قسيم لها لا مقسما. و عليه، فنحن نسلم إن الماهية المهملة معناها اعتبارها (لا بشرط) و لكن ليس هو المصطلح عليه باللابشرط المقسمي فإن لهم في (لا بشرط) - علي هذ - ثلاثة اصطلاحات:

1 - لا بشرط أي شيء خارج عن الماهية و ذاتياتها و هي الماهية بما هي هي التي يقتصر فيها النظر علي ذاتها و ذاتياتها و هي الماهية المهملة.

2 - لا بشرط مقسمي و هو الماهية التي تكون مقسما للاعتبارات الثلاثة أي الماهية المقيسة إلي م هو خارج عن ذاتها. و

المقصود بلا بشرط هنا لا بشرط شيء من الاعتبارات الثلاثة، أي ل بشرط اعتبار البشرط شيء و اعتبار البشرط لا و اعتبار اللابشرط، لا إن المراد بلا بشرط هنا، لا بشرط مطلقا من كل قيد و حيثية. و ليس هذا اعتبار ذهنيا في قبال هذه الاعتبارات، بل ليس له وجود في عالم الذهن الا بوجود واحد من هذه الاعتبارات ول تعين له مستقبل غير تعيناتها و إلا لما كان مقسما.

3 - لا بشرط قسمي و هو الاعتبار الثالث من اعتبارات الماهية المقيسة إلي ما هو خارج عن ذاته.

ص 163

فأتضح إن (الماهية المهملة) شيء و (اللابشرط المقسمي) شيء آخر. كما اتضح أيضا إن الثاني لا معني لأن يجعل من اعتبارات الماهية علي وجه يثبت حكم للماهية باعتباره، أو يوضع له لفظ بحسبه.

2 - اعتبار الماهية عند الحكم عليها:

واعلم إن الماهية إذ حكم عليها فأما إن يحكم بذاتياتها و أما إن يحكم عليها بأمر خارج عنها. و لا ثالث لهما. و علي (الأول) - فهو علي صورتين -

1 - إن يكون الحكم بالحمل الأولي و ذلك في الحدود التأمة خاصة -

2 - إن يكون بالحمل الشايع و ذلك عند الحكم عليها ببعض ذاتياتها كالجنس وحده أو الفصل وحده. و علي كلا الصورتين فإن النظر إلي الماهية مقصور علي ذاتياتها غير متجاوز فيه إلي ما هو خارج عنها. و هذا لا كلأم فيه. و علي (الثاني)، فإنه لا بد من ملاحظتها مقيسة إلي ما هو خارج عنها فتخرج بذلك عن مقام ذاتها وحدها من حيث هي، أي عن تقررها الذاتي الذي لا ينظر فيه الا إلي ذاته و ذاتياتها. و هذا واضح لأن قطع النظر عن كل ما

عداها لا يجتمع مع الحكم عليها بأمر خارج عن ذاتها، لأنهما متناقضان. و عليه لو حكم عليها بأمر خارج عنها و قد لوحظت مقيسة إلي هذا الغير، فلا بد إن تكون معتبرة بأحد الاعتبارات الثلاثة المتقدمة، إذ يستحيل إن يخلو الواقع من أحدها - كما تقدم . و لا معني لاعتبارها باللابشرط المقسمي، لما تقدم إنه ليس هو تعينا مستقلا في قبال تلك التعينات، بل هو مقسم له. ثم إن هذا الغير - أي الأمر الخارج عن ذاتها - الذي لوحظت الماهية مقيسة إليه ل يخلو أما إن يكون نفس المحمول أو شيئا آخر، فإن كان هو المحمول فيتعين إن تؤخذ الماهية بالقياس إليه لا بشرط قسمي، لعدم صحة الاعتبارين الآخرين: أما أخذها بشرط شيء، أي بشرط المحمول، فلا يصح ذلك دائما لأنه

ص 164

يلزم إن تكون القضية ضرورية دائما لاستحالة انفكاك المحمول عن الموضوع بشرط المحمول. علي إن اخذ المحمول في الموضوع يلزم منه حمل الشيء علي نفسه و تقدمه علي نفسه و هو مستحيل الا إذا كان هناك تغاير بحسب الاعتبار كحمل الحيوان الناطق علي الإنسان فإنهما متغايران باعتبار الإجمال و التفصيل. و أما أخذها بشرط لا، أي بشرط عدم المحمول، فلا يصح لأنه يلزم التناقض، فإن الإنسان بشرط عدم الكتابة يستحيل حمل الكتابة عليه. و إن كان هذا الغير الخارج هو غير المحمول، فيجوز إن تكون الماهية حينئذ مأخوذة بالقياس إليه بشرط شيء كجواز تقليد المجتهد بشرط العدالة، أو بشرط لا، كوجوب صلاة الظهر يوم الجمعة بشرط عدم وجود الأمأم، أو لا بشرط، كجواز السلأم علي المؤمن مطلقا بالقياس إلي العدالة مثلا، أي لا بشرط وجودها و لا بشرط عدمها. كم يجوز إن

تكون مهملة غير مقيسة إلي شيء غير محمولها. * * * و لكن قد يستشكل في كل ذلك بأن هذه الاعتبارات الثلاثة اعتبارات ذهنية، لا موطن لها الا الذهن، فلو تقيدت الماهية بأحدها عندما تؤخذ موضوعا للحكم، للزم إن تكون جميع القضايا ذهنية عدا حمل الذاتيات التي قد اعتبرت فيها الماهية من حيث هي و لبطلت القضايا الخارجية و الحقيقية، مع إنها عمدة القضايا، بل لاستحال في التكاليف الامتثال، لأن ما هو موطنه الذهن يمتنع إيجاده في الخارج. و هذا الإشكال و جيه لو كان الحكم علي الموضوع بما هو معتبر بأحد الاعتبارات الثلاثة علي وجه يكون الاعتبار قيدا في الموضوع أو نفسه هو الموضوع. و لكن ليس الأمر كذلك، فإن الموضوع في كل تلك القضايا هو ذات الماهية المعتبرة و لكن لا بقيد الاعتبار، بمعني إن الموضوع في بشرط شيء الماهية المقترية بذلك الشيء، لا المقترنة بلحاظه و اعتباره و في بشرط لا الماهية المقترنة بعدمه لا بلحاظ عدمه و في لا بشرط الماهية غير الملاحظ معها الشيء

ص 165

ولا عدمه، لا الملاحظة بعدم لحاظ الشيء و عدمه و إلا لكانت الماهية معتبرة في الجميع بشرط شيء فقط أي بشرط اللحاظ و الاعتبار. نعم هذه الاعتبارات هي المصححة لموضوعية الموضوع علي الوجه اللازم الذي يقتضيه واقع الحكم، لا إنها مأخوذة قيدا فيه حتي تكون جميع القضايا ذهنية. و لو الأمر كذلك لكان الحكم بالذاتيات أيضا قضية ذهنية لأن اعتبار الماهية من حيث هي أيضا اعتبار ذهني. و مما يقرب ما قلناه من كون الاعتبار مصطلحا لموضوعية الموضوع لا مأخوذا فيه مع إنه لا بد منه عند الحكم بشيء، إن كل موضوع و محمول لا بد

من تصوره في مقام الحمل و إلا لاستحال الحمل و لكن هذه اللا بدية لا تجعل التصور قيدا للموضوع أو المحمول و إنما التصور هو المصحح للحمل و بدونه ل يمكن الحمل. و كذلك عند استعمال اللفظ في معناه، لا بد من تصور اللفظ و المعني و لكن التصور ليس قيدا للفظ و لا للمعني، فليس اللفظ دالا بما هو متصور في الذهن و إن كانت دلالته في ظرف التصور و لا المعني مدلولا بما هو متصور و إن كانت مدلوليته في ظرف تصوره. و يستحيل إن يكون التصور قيدا للفظ أو المعني و مع ذلك لا يصح الاستعمال بدونه، فالتصور مقوم للاستعمال لا للمستعمل فيه و لا للفظ. و كذلك هو مقوم للحمل و مصحح له، لا للمحمول و لا للمحمول عليه. و علي هذا يتضح ما نحن بصدد بيانه و هو إنه إذا أردنا إن نضع اللفظ للمعني لا يعقل إن نفسر اللحاظ علي ذات المعني بما هو هو مع قطع النظر عن كل ما عداه، لأن الوضع من المحمولات الواردة عليه، فلا بد إن يلاحظ المعني حينئذ مقيسا إلي ما هو خارج عن ذاته، فقد يؤخذ بشرط شيء و قد يؤخذ بشرط ل و قد يؤخذ لا بشرط. و لا يلزم إن يكون الموضوع له هو المعني بماله من الاعتبار الذهني، بل الموضوع له نفس المعتبر و ذاته لا بما هو معتبر و الاعتبار مصحح للوضع.

ص 166

3 - الأقوال في المسألة:

قلنا فيما سبق: إن المعروف عن قدماء الأصحاب إنهم يقولون بأن أسماء الأجناس موضوعة للمعاني المطلقة، علي وجه يكون الإطلاق قيدا للموضوع له، فلذلك ذهبوا إلي إن استعماله في المقيد مجاز و

قد صور هذا القول علي نحوين: (الأول) - إن الموضوع له المعني بشرط الإطلاق علي وجه يكون اعتباره من باب اعتباره بشرط شيء. (الثاني) - إن الموضوع له المعني المطلق أي المعتبر لا بشرط. و قد أورد علي هذ القول بتصوريه - كما تقدم - بأنه يلزم علي كلا التصورين إن يكون الموضوع له موجود ذهنيا، فتكون جميع القضايا ذهنية، فلو جعل اللفظ بماله من معناه موضوعا في القضية الخارجية أو الحقيقية وجب تجريده عن هذا القيد الذهني، فيكون مجازا دائما في القضايا المتعارفة. و هذا يكذبه الواقع. و لكن نحن قلنا: إن هذا الإيراد إنما يتوجه إذا جعل الاعتبار قيدا في الموضوع له. أما لو جعل الاعتبار مصححا للوضع فلا يلزم هذا الإيراد كما سبق. هذا قول القدماء و أما المتأخرون ابتدءا من سلطان العلماء (رحمه الله) فإنهم جميعا اتفقوا علي إن الموضوع له ذات المعني لا المعني المطلق حتي لا يكون استعمال اللفظ في المقيد مجازا. و هذا القول بهذا المقدار من البيان واضح. و لكن العلماء من أساتذتنا اختلفوا في تأدية هذا المعني بالعبارات الفنية مما أوجب الارتباك علي الباحث وإغلاق طريق البحث في المسألة. لذلك التجأنا إلي تقديم المقدمتين السابقتين لتوضيح هذه الاصطلاحات و التعبيرات الفنية التي وقعت في عباراتهم. و اختلفوا فيها علي أقوال.

1 - منهم من قال:

إن الموضوع له هو الماهية المهملة المبهمة أي الماهية من حيث هي.

ص 167

2 - و منهم من قال:

إن الموضوع له الماهية المعتبرة باللابشرط المقسمي

3 - و منهم من جعل التعبير الأول نفس التعبير الثاني.

4 - و منهم من قال:

إن الموضوع له ذات المعني لا الماهية المهملة و لا الماهية المعتبرة باللابشرط المقسمي، ولكنه

ملاحظ حين الوضع باعتبار (اللابشرط القسمي) علي إن يكون هذا الاعتبار مصححا للموضوع لا قيدا للموضوع له. و عليه يكون هذا القول نفس قول القدماء علي التصوير الثاني الا إنه لا يلزم منه إن يكون استعمال اللفظ في المقيد مجازا. و لكن المنسوب إلي القدماء إنهم يقولون: بأنه مجاز في المقيد فينحصر قولهم في التصوير الأول علي تقدير صحة النسبة إليهم. و يتضح حال هذه التعبيرات أو الأقوال من المقدمتين السابقتين فإنه يعرف منهم: (أولا) إن الماهية بما هي هي غير الماهية باعتبار اللابشرط المقسمي، لأن النظر فيه علي الأول مقصور علي ذاتها و ذاتياتها، بخلافه علي الثاني إذ تلاحظ مقيسة إلي الغير. و بهذا يظهر بطلان القول الثالث. (ثانيا) إن الوضع حكم من الأحكام و هو محمول علي الماهية خارج عن ذاتها و ذاتياتها، فلا يعقل إن يلاحظ الموضوع له بنحو الماهية بم هي هي، لأنه لا تجتمع ملاحظتها مقيسة إلي الغير و ملاحظتها مقصورة علي ذاته و ذاتياتها. و بهذا يظهر بطلان القول الأول. (ثالثا) إن اللابشرط المقسمي ليس اعتبار مستقلا في قبال الاعتبارات الثلاثة، لأن المفروض إنه مقسم لها و لا تحقق للمقسم ال بتحقق أحد أنواعه كما تقدم، فكيف يتصور إن يحكم باعتبار اللابشرط المقسمي بل ل معني لهذا علي ما تقدم توضيحه. و بهذا يظهر بطلان القول الثاني. فتعين القول الرابع و هو إن الموضوع له ذات المعني ولكنه حين الوضع يلاحظ المعني بنحو اللابشرط القسمي. و هو يطابق القول المنسوب إلي القدماء علي التصوير الثاني كما اشرنا إليه، فل اختلاف و يقع التصالح بين القدماء

ص 168

والمتأخرين إذا لم يثبت عن القدماء إنهم يقولون إنه مجاز في المقيد و هو

مشكوك فيه. بيان هذا القول الرابع: إن ذات المعني لما أراد الواضع إن يحكم عليه بوضع لفظ له، فمعناه إنه قد لاحظه مقيسا إلي الغير، فهو في هذا الحال لا يخرج عن كونه معتبر بأحد الاعتبارات الثلاثة للماهية. و إذ يراد تسرية الوضع لذات المعني بجميع أطواره و حالاته و قيوده لا بد إن يعتبر علي نحو اللابشرط القسمي. و لا منافاة بين كون الموضوع له ذات المعني و بين كون ذات المعني ملحوظا في مرحلة الوضع بنحو اللابشرط القسمي لأن هذا اللحاظ و الاعتبار الذهني - كما تقدم - صرف طريق إلي الحكم علي ذات المعني و هو المصحح للموضوع له. و حين الاستعمال في ذات المعني لا يجب إن يكون المعني ملحوظا بنحو اللابشرط القسمي، بل يجوز إن يعتبر بأي اعتبار كان ما دام الموضوع له ذات المعني فيجوز في مرحلة الاستعمال إن يقصر النظر علي نفسه و يلحظه بما هو هو و يجوز إن يلحظه مقيسا إلي الغير فيعتبر بأحد الاعتبارات الثلاثة. و ملاحظة ذات المعني بنحو اللابشرط القسمي حين الوضع تصحيحا له لا توجب إن تكون قيدا للموضوع له. و عليه فلا يكون الموضوع له موجودا ذهنيا، إذا كان له اعتبار اللابشرط القسمي حين الوضع، لأنه ليس الموضوع له هو المعتبر بما هو معتبر، بل ذات المعتبر، كما إن استعماله في المقيد لا يكون مجازا لما تقدم إنه يجوز إن يلحظ ذات المعني حين الاستعمال مقيسا إلي الغير، فيعتبر بأحد الاعتبارات الثلاثة التي منها اعتباره بشرط شيء و هو المقيد.

المسألة الخأمسة - مقدمات الحكمة

المسألة الخأمسة - مقدمات الحكمة

لما ثبت إن الألفاظ موضوعة لذات المعاني، لا للمعاني بما هي مطلقة، فلا بد في إثبات إن

المقصود من اللفظ المطلق لتسرية الحكم إلي تمأم الأفراد و المصاديق من قرينة خاصة، أو قرينة عامة تجعل الكلام في نفسه ظاهرا في أراد الإطلاق.

ص 169

وهذه القرينة العامة إنما تحصل إذا توفرت جملة مقدمات تسمي (مقدمات الحكمة). و المعروف إنها ثلاث. (الأولي) - أمكان الإطلاق و التقييد بأن يكون متعلق الحكم أو موضوعه قبل فرض تعلق الحكم به قابلا للانقسأم، فلو لم يكن قابلا للقسمة الا بعد فرض تعلق الحكم به كما في باب قصد القربة، فإنه يستحيل فيه التقييد، فيستحيل فيه الإطلاق، كما تقدم في بحث التعبدي و التوصلي. . و هذا واضح. (الثانية) - عدم نصب قرينة علي التقييد لا متصلة و لا منفصلة، لأنه مع القرينة المتصلة لا ينعقد ظهور للكلأم الا في المقيد و مع المنفصلة ينعقد للكلأم ظهور في الإطلاق، ولكنه يسقط عن الحجية لقيأم القرينة المقدمة عليه و الحاكمة، فيكون ظهوره ظهورا بدويا، كما قلنا في تخصيص العموم بالخاص المنفصل و لا تكون للمطلق الدلالة التصديقية الكاشفة عن مراد المتكلم، بل الدلالة التصديقية إنما هي علي إرادة التقييد واقعا. (الثالثة) - إن يكون المتكلم في مقام البيان، فإنه لو لم يكن في هذا المقام بأن كان في مقام التشريع فقط أو كان في مقام الأهمال أما رأسا أو لأنه في صدد بيان حكم آخر، فيكون في مقام الأهمال من جهة مورد الإطلاق - و سيأتي مثاله - فإنه في كل ذلك لا ينعقد للكلأم ظهور في الإطلاق: أما في مقام التشريع بأن كان في مقام بيان الحكم لا للعمل به فعلا بل لمجرد تشريعه، فيجوز ألا يبين تمأم مراده، مع إن الحكم في الواقع مقيد بقيد لم يذكره في

بيانه انتظارا لمجيء وقت العمل فلا يحرز إن المتكلم في صدد بيان جميع مراده. و كذلك إذا كان المتكلم في مقام الأهمال رأسا، فإنه لا ينعقد معه ظهور في الإطلاق، كما لا ينعقد للكلأم ظهور في أي مرأم. و مثله ما إذا كان في صدد حكم آخر مثل قوله تعالي: (فكلوا مما أمسكن) الوارد في مقام بيان حل صيد الكلاب المعلمة من جهة كونه ميتة و ليس هو في مقام بيان مواضع الأمساك إنها تتنجس فيجب تطهيرها أم لا، فلم يكن هو في مقام بيان هذه الجهة، فلا ينعقد للكلأم ظهور في الإطلاق من هذه الجهة.

ص 170

ولو شك في إن المتكلم في مقام البيان أو الأهمال، فإن الأصل العقلائي يقتضي بأن يكون في مقام البيان، فإن العقلاء كما يحملون المتكلم علي إنه ملتفت غير غافل و جاد غير هازل عند الشك في ذلك، كذلك يحملونه علي إنه في مقام البيان و التفهيم، لا في مقام الأهمال و الإيهأم. * * * و إذا تمت هذه المقدمات الثلاث فإن الكلام المجرد عن القيد يكون ظاهرا في الإطلاق و كاشفا عن إن المتكلم لا يريد المقيد و إلا لو كان قد أراده واقعا، لكان عليه البيان و المفروض إنه حكيم ملتفت جاد غير هازل و هو في مقام البيان و لا مانع من التقييد حسب الفرض. و إذا لم يبين و لم يقيد كلأمه فيعلم إنه أراد الإطلاق و إلا لكان مخلا بغرضه. فأتضح من ذلك إن كل كلأم صالح للتقييد و لم يقيده المتكلم مع كونه حكيما ملتفتا جادا و في مقام البيان و التفهيم، فإنه يكون ظاهرا في الإطلاق و يكون حجة علي المتكلم و

السأمع.

تنبيهان:

التنبيه الاول: القدر المتيقن في مقام التخاطب

إن الشيخ المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) أضاف إلي مقدمات الحكمة مقدمة أخري غير ما تقدم و هي ألا يكون هناك قدر متيقن في مقام التخاطب و المحاورة و إن كان لا يضر وجود القدر المتيقن خارجا في التمسك بالإطلاق. و مرجع ذلك إلي إن وجود القدر المتيقن في مقام المحاورة يكون بمنزلة القرينة اللفظية علي التقييد، فل ينعقد للفظ ظهور في الإطلاق مع فرض وجوده. و لتوضيح البحث نقول: إن كون المتكلم في مقام البيان يتصور علي نحوين:

1 - إن يكون المتكلم في صدد بيان تمأم موضوع حكمه، بأن يكون غرض المتكلم

ص 171

يوقف علي إن يبين للمخاطب و يفهمه ما هو تمأم الموضوع و إن ما ذكره هو تمأم موضوعه ل غيره.

2 - إن يكون المتكلم في صدد بيان تمأم موضوع الحكم واقعا و لو لم يفهم المخاطب إنه تمأم الموضوع، فليس له غرض الا بيان ذات موضوع الحكم بتمأمه حتي يحصل من المكلف الامتثال و إن لم يفهم المكلف تفصيل الموضوع بحدوده. فإن كان المتكلم في مقام البيان علي (النحو الأول)، فلا شك في إن وجود القدر المتيقن في مقام المحاورة لا يضر في ظهور المطلق في إطلاقه فيجوز التمسك بالإطلاق، لأنه لو كان القدر المتيقن المفروض هو تمأم الموضوع لوجب بيانه و ترك البيان اتكالا علي وجود القدر المتيقن إخلال بالغرض لأنه لا يكون مجرد ذلك بيانا لكونه تمأم الموضوع. و إن كان المتكلم في مقام البيان علي (النحو الثاني)، فإنه يجوز إن يكتفي بوجود القدر المتيقن في مقام التخاطب لبيان تمأم موضوعه واقعا، مادام إنه ليس له غرض الا إن يفهم المخاطب ذات الموضوع بتمأمه

لا بوصف التمأم أي إن يفهم ما هو تمأم الموضوع بالحمل الشائع. و بذلك يحصل التبليغ للمكلف و يمتثل في الموضوع الواقعي، لأنه هو المفهوم عنده في مقام المحاورة و لا يجب في مقام الامتثال إن يفهم إن الذي فعله هو تمأم الموضوع أو الموضوع اعم منه و من غيره. (مثلا): لو قال المولي (اشتر اللحم) و كان القدر المتيقن في مقام المحاورة هو لحم الغنم و كان هو تمأم موضوعه واقعا، فإن وجود هذا القدر المتيقن كاف لانبعاث المكلف و شرائه للحم الغنم، فيحصل موضوع حكم المولي، فلو إن المولي ليس له غرض أكثر من تحقيق موضوع حكمه، فيجوز له الاعتماد علي القدر المتيقن لتحقيق غرضه و لبيانه و لا يحتاج إلي إن يبين إنه تمأم الموضوع أما لو كان غرضه أكثر من ذلك بأن كان غرضه إن يفهم المكلف تحديد الموضوع بتمأمه، فلا يجوز له الاعتماد علي القدر المتيقن و إلا لكان مخلا بغرضه، فإذا لم يبين و أطلق الكلام، استكشف إن تمأم موضوعه هو المطلق الشامل للقدر المتيقن و غيره.

ص 172

إذا عرفت هذا التقدير فينبغي إن نبحث عما ينبغي للأمر إن يكون بصدد بيانه، هل إنه علي النحو الأول أو الثاني؟ و الذي يظهر من الشيخ صاحب الكفاية إنه لا ينبغي من الأمر أكثر من النحو الثاني، نظرا إلي إنه إذا كان بصدد بيان موضوع حكمه حقيقة كفاه ذلك لتحصيل مطلوبه و هو الامتثال. و لا يجب عليه مع ذلك بيان إنه تمأم الموضوع. نعم إذا كان هناك قدر متيقن في مقام المحاورة و كان تمأم الموضوع هو المطلق فقد يظن المكلف إن القدر المتيقن هو تمأم الموضوع و إن المولي أطلق

كلأمه اعتمادا علي وجوده - فإن المولي دفعا لهذا الوهم يجب عليه إن يبين إن المطلق هو تمأم موضوعه و إلا كان مخلا بغرضه. و من هذا ينتج إنه إذا كان هناك قدر متيقن في مقام المحاورة و أطلق المولي و لم يبين إنه تمأم الموضوع، فإنه يعرف منه إن موضوعه هو القدر المتيقن. هذ خلاصة ما ذهب إليه في الكفاية مع تحقيقه و توضيحه. و لكن شيخنا النائيني رحمه الله علي ما يظهر من التقريرات لم يرتضه و الأقرب إلي الصحة ما في الكفاية. و لا نطيل بذكر هذه المناقشة و الجواب عنها.

التنبيه الثاني: الانصراف:

اشتهر إن انصراف الذهن من اللفظ إلي بعض مصاديق معناه أو بعض أصنافه يمنع من التمسك بالإطلاق و إن تمت مقدمات الحكمة، مثل انصراف المسح في آيتي التيمم و الوضوء إلي المسح باليد و بباطنها خاصة. و الحق إن يقال:

إن انصراف الذهن إن كان ناشئا من ظهور اللفظ في المقيد بمعني إن نفس اللفظ ينصرف منه المقيد لكثرة استعماله فيه و شيوع أرادته منه - فلا شك في إنه حينئذ لا مجال للتمسك بالإطلاق، لأن هذا الظهور يجعل اللفظ بمنزلة المقيد بالتقييد اللفظي و معه لا ينعقد للكلأم ظهور في الإطلاق حتي يتمسك بأصالة الإطلاق التي هي مرجعها في الحقيقة إلي أصالة الظهور.

ص 173

وأما إذا كان الانصراف غير ناشئ من اللفظ، بل كان من سبب خارجي، كغلبة وجود الفرد المنصرف إليه أو تعارف الممارسة الخارجية له، فيكون ما لوفا قريبا إلي الذهن من دون إن يكون للفظ تأثير في هذا الانصراف، كانصراف الذهن من لفظ الماء في العراق - مثل - إلي ماء دجلة أو الفرات فالحق إنه لا أثر

لهذا الانصراف في ظهور اللفظ في إطلاقه فلا يمنع من التمسك بأصالة الإطلاق، لأن هذا الانصراف قد يجتمع مع القطع بعدم إرادة المقيد بخصوصه من اللفظ. و لذا يسمي هذا الانصراف باسم (الانصراف البدوي) لزواله عند التأمل و مراجعة الذهن. و هذا كله واضح لا ريب فيه. و إنما الشأن في تشخيص الانصراف إنه من أي النحوين، فقد يصعب التمييز أحيانا بينهما للاختلاط علي الإنسان في منش هذا الانصراف. و ما أسهل دعوي الانصراف علي لسان غير المتثبت و قد لا يسهل إقأمة الدليل علي إنه من أي نوع. فعلي الفقيه إن يتثبت في مواضع دعوي الانصراف و هو يحتاج إلي ذوق عال و سليقة مستقيمة. و قلما تخلو أية كريمة أو حديث شريف في مسألة فقهية عن انصرافات تدعي. و هنا تظهر قيمة التضلع باللغة و فقهها و آدابها. و هو باب يكثر الابتلاء به و له الأثر الكبير في استنباط الأحكام من أدلتها. ألا تري إن المسح في الآيتين ينصرف إلي المسح باليد و كون هذا الانصراف مستندا إلي اللفظ لا شك فيه و ينصرف أيضا إلي المسح بخصوص باطن اليد. و لكن قد يشك في كون هذا الانصراف مستند إلي اللفظ، فإنه غير بعيد إنه ناشئ من تعارف المسح بباطن اليد لسهولته و لأنه مقتضي طبع الإنسان في مسحه و ليس له علاقة باللفظ. و لذا إن جملة من الفقهاء أفتوا بجواز المسح بظهر اليد عند تعذر المسح بباطنها تمسكا بإطلاق الآية و لا معني للتمسك بالإطلاق لو كان للفظ ظهور في المقيد. و أما عدم تجويزهم للمسح بظاهر اليد عند الاختيار فلعله للاحتياط، إذ إن المسح بالباطن هو القدر المتيقن و

المفروض حصول الشك في كون هذا الانصراف بدويا فلا يطمأن كل الاطمئنان بالتمسك بالإطلاق عند الاختيار و طريق النجاة هو الاحتياط بالمسح بالباطن.

ص 174

المسألة السادسة - المطلق و المقيد المتنافيان

المسألة السادسة - المطلق و المقيد المتنافيان

معني التنافي بين المطلق و المقيد: إن التكليف في المطلق لا يجتمع و التكليف في المقيد مع فرض الحافظة علي ظهورهما معا، أي أنهما يتكاذبان في ظهورهما. مثل قول الطبيب مثلا: اشرب لبنا، ثم يقول:

اشرب لبن حلوا و ظاهر الثاني تعيين شرب الحلو منه. و ظاهر الأول جواز شرب غير الحلو حسب إطلاقه. و إنما يتحقق التنافي بين المطلق و المقيد إذا كان التكليف فيهما واحد كالمثال المتقدم، فلا يتنافيان لو كان التكليف في أحدهما معلقا علي شيء و في الآخر معلقا علي شيء آخر، كما إذا قال الطبيب في المثال: إذا أكلت فاشرب لبنا و عند الاستيقاظ من النوم اشرب لبنا حلوا. و كذلك لا يتنافيان لو كان التكليف في المطلق إلزأميا و في المقيد علي نحو الاستحباب ففي المثال لو وجب أصل شرب اللبن، فإنه ل ينافيه رجحان الحلو منه باعتباره احد أفراد الواجب. و كذا لا يتنافيان لو فهم من التكليف في المقيد إنه تكليف في وجود ثان غير المطلوب من التكليف الأول، كما إذ فهم في المقيد في المثال طلب شرب اللبن الحلو ثانيا بعد شرب لبن ما. إذا فهمت م سقناه لك من معني التنافي، فنقول: لو ورد في لسان الشارع مطلق و مقيد متنافيان سواء تقدم أو تأخر و سواء كان مجيء المتأخر بعد وقت العمل بالمتقدم أو قبله، فإنه لا بد من الجمع بينهما أما بالتصرف في ظهور المطلق فيحمل علي المقيد، أو بالتصرف في المقيد علي وجه

لا ينافي الإطلاق، فيبقي ظهور المطلق علي حاله. و ينبغي البحث هنا في إنه أي التصرفين أولي بالأخذ، فنقول: هذا يختلف باختلاف الصور فيهما، فإن المطلق و المقيد أما إن يكونا مختلفين في الإثبات أو النفي و أما إن يكونا متفقين. (الأول) - إن يكونا مختلفين، فلا شك حينئذ في حمل المطلق علي المقيد، لأن المقيد يكون قرينة علي المطلق، فإذا قال:

اشرب اللبن، ثم قال:

لتشرب اللبن الحأمض، فإنه يفهم منه إن المطلوب هو شرب اللبن الحلو. و هذا لا يفرق فيه بين إن يكون إطلاق المطلق بدليا، نحو قوله:

اعتق رقبة و بين إن يكون شموليا مثل قوله:

في الغنم زكاة، المقيد بقوله:

ليس في الغنم المعلوفة زكاة. (الثاني) - إن يكونا متفقين و له مقامان: المقام الأول إن يكون الإطلاق بدليا و المقام الثاني إن يكون شموليا. فإن كان الإطلاق (بدليا) فإن الأمر فيه يدور بين التصرف في ظاهر المطلق بحمله علي المقيد و بين التصرف في ظاهر المقيد و المعروف إن التصرف الأول هو الأولي، لأنه لو كانا مثبتين مثل قوله:

اعتق رقبة مؤمنة فإن المقيد ظاهر في إن الأمر فيه للوجوب التعييني، فالتصرف فيه أما بحمله علي الاستحباب، أي إن الأمر بعتق الرقبة المؤمنة بخصوصها باعتبار إنها أفضل الأفراد، أو بحمله علي الوجوب التخييري أي إن الأمر يعتق الرقبة المؤمنة باعتبار إنها أحد أفراد الواجب، لا لخصوصية فيها حتي خصوصية الأفضلية. و هذان التصرفان و إن كانا ممكنين، لكن ظهور المقيد في الوجوب التعييني مقدم علي ظهور المطلق في إطلاقه، لأن المقيد صالح لأن يكون قرينة للمطلق و لعل المتكلم اعتمد عليه في بيان مرأمه و لو في وقت آخر لا سيما مع احتمال إن المطلق

الوارد كان محفوفا بقرينة متصلة غابت عنا، فيكون المقيد كاشفا عنها. و إن كان الإطلاق (شموليا) مثل قوله:

في الغنم زكاة و قوله:

في الغنم السائمة زكاة، فلا تتحقق المنافاة بينهما حتي يجب التصرف في أحدهما لأن وجوب الزكاة في الغنم السائمة بمقتضي الجملة الثانية لا ينافي وجوب الزكاة في غير السائمة، الا علي القول بدلالة التوصيف علي المفهوم و قد عرفت إنه لا مفهوم للوصف. و عليه فلا منافاة بين الجملتين لنرفع بها عن إطلاق المطلق.

الباب السابع: المجمل و المبين و فيه مسائل

الباب السابع: المجمل و المبين و فيه مسائل:

1 - معني المجمل و المبين

عرفوا المجمل اصطلاحا: (بأنه ما لم تتضح دلالته) و يقابله المبين. و قد ناقشوا هذا التعريف بوجوده لا طائل في ذكرها و المقصود من المجمل - علي كل حال - ما جهل فيه مراد المتكلم و مقصوده إذا كان لفظا و ما جهل فيه مراد الفاعل و مقصوده إذا كان فعلا و مرجع ذلك إلي إن المجمل هو اللفظ أو الفعل الذي لا ظاهر له. و عليه يكون المبين ما كان له ظاهر يدل علي مقصود قائله أو فاعله علي وجه الظن أو اليقين، فالمبين يشمل الظاهر و النص معا. و من هذا البيان نعرف إن المجمل يشمل اللفظ و الفعل اصطلاحا و إن قيل إن المجمل مختص بالألفاظ و من باب التسأمح يطلق علي الفعل. و معني كون الفعل مجملا إن يجهل وجه وقوعه، كما لو توضأ الأمأم عليه السلأم - مثلا - بحضور واحد منه أو يحتمل إنه يتقيه، فيحتمل إن وضوءه وقع علي وجه التقية، فلا يستكشف مشروعية الوضوء علي الكيفية التي وقع عليها و يحتمل إنه وقع علي وجه الامتثال للأمر الواقعي فيستكشف منه

مشروعيته. و مثل ما إذا فعل الأمأم شيئا في الصلاة كجلسة الاستراحة - مثلا - فلا يدري إن فعله كان علي وجه الوجوب أو الاستحباب، فمن هذه الناحية يكون مجملا و إن كان من ناحية دلالته علي جواز الفعل في مقابل الحرمة يكون مبينا. و أما اللفظ فأجماله يكون لأسباب كثيرة قد يتعذر إحصاؤها (1): فإذا كان

(هامش)

(1) راجع بحث المغالطات اللفظية من الجزء الثالث من كتاب المنطق للمؤلف 143 تجد ما يعينك علي إحصاء أسباب إجمال اللفظ. (*)

ص 180

مفردا فقد يكون أجماله لكونه لفظا مشتركا و لا قرينة علي أحد معانيه كلفظ (عين) و كلمة (تضرب) المشتركة بين المخاطب و الغائبة و (المختار) المشترك بين اسم الفاعل و اسم المفعول. و قد يكون أجماله لكونه مجازا، أو لعدم معرفة عود الضمير فيه الذي هو من نوع (مغالطة المماراة)، مثل قول القائل لما سئل عن فضل أصحاب النبي صلي الله عليه و آله، فقال:

(من بنته في بيته) و كقول عقيل:: (أمرني معاوية إن أسب عليا. ألا فالعنوه!). و قد يكون الإجمال لاختلال التركيب كقوله:

و ما مثله في الناس الا مملكا * أبو أمه حي أبوه يقاربه و قد يكون الإجمال لوجود ما يصلح للقرينة، كقوله:

تعالي: (محمد رسول الله و الذين معه أشداء علي الكفار. . ) الآية، فإن هذا الوصف في الآية يدل علي عدالة جميع من كان مع النبي من أصحابه، الا إن ذيل الآية (وعد الله الذين أمنوا و عملوا الصالحات منهم مغفرة و أجرا عظيما) صالح لأن يكون قرينة علي إن المراد بجملة (والذين معه) بعضهم لا جميعهم فتصبح الآية مجملة من هذه الجهة. و قد يكون الإجمال لكون المتكلم في مقام الأهمال

و الإجمال. إلي غير ذلك من موارد الإجمال مما لا فائدة كبيرة في إحصائه و تعداده هنا. ثم اللفظ قد يكون مجملا عند شخص، مبينا عند شخص آخر. ثم (المبين) قد يكون في نفسه مبينا و قد يكون مبينا بكلأم آخر يوضح المقصود منه.

2 - المواضع التي وقع الشك في أجمالها

لكل من المجمل و المبين أمثلة من الآيات و الروايات و الكلام العربي لا حصر لها و لا تخفي علي العارف بالكلام. الا إن بعض المواضع قد وقع الشك في كونها مجملة أو مبينة و المتعارف عند الأصوليين إن يذكروا بعض الأمثلة من ذلك لشحذ الذهن و التمرين و نحن نذكر بعضها أتباعا لهم و لا

ص 181

تخلو من فائدة للطلاب المبتدئين. (فمنها) قوله تعالي: (والسارق و السارقة فاقطعوا أيديهما). فقد ذهب جماعة إلي إن هذه الآية من المجمل المتشابه، أما من جهة لفظ (القطع) باعتبار إنه يطلق علي الإبانة و يطلق علي الجرح كما يقال لمن جرح يده بالسكين قطعها، كما يقال لمن أبانها كذلك. و أما من جهة لفظ (اليد) باعتبار إن (اليد) تطلق علي العضو المعروف كله و علي المكلف إلي أصول الأصابع و علي العضو إلي الزند و الي المرفق، فيقال مثلا: تناولت بيدي و إنما تناول بالكف بل بالأنأمل فقط. و الحق إنها من ناحية لفظ (القطع) ليست مجملة، لأن المتبادر من لفظ القطع هو الإبانة و الفصل و إذا أطلق علي الجرح فباعتبار إنه أبان قسما من اليد، فتكون المسأمحة في لفظ اليد عند وجود القرينة، لا إن القطع استعمل في مفهوم الجرح. فيكون المراد في المثال من اليد بعضها، كما تقول تناولت بيدي و في الحقيقة إنما تناولت ببعضها.

و أما من ناحية (اليد)، فإن الظاهر إن اللفظ لو خلي و نفسه يستفاد منه إرادة تمأم العضو المخصوص، ولكنه غير مراد يقينا في الآية، فيتردد بين المراتب العديدة من الأصابع إلي المرفق، لأنه بعد فرض عدم إرادة تمأم العضو لم تكن ظاهرة في واحدة من هذه المراتب. فتكون الآية مجملة في نفسها من هذه الناحية و إن كانت مبينة بالأحاديث عن آل البيت عليهم السلأم الكاشفة عن إرادة القطع من أصول الأصابع. * * * و منها قوله صلي الله عليه و آله: (لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب و أمثاله من المركبات التي تشتمل علي كلمة (لا) التي لنفي الجنس نحو (لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُور) و (لا بيع الا في ملك) و (لَا صَلَاةَ لِمن جَاره الْمَسْجِد إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ ) و (لَا غِيبَةَ لِفَاسِق و (لَا جَمَاعَةَ فِي نَافِلَةٍ ) و نحو ذلك. فإن النفي في مثل هذه المركبات موجه ظاهرا لنفس الماهية و الحقيقة و قالوا: إن إرادة نفي الماهية متعذر فيها، فلا بد إن يقدر - بطريق المجاز - وصف للماهية هو المنفي حقيقة، نحو: الصحة و الكمال و الفضيلة،

ص 182

و الفائدة و نحو ذلك. و لما كان المجاز مرددا بين عدة معان كان الكلام مجملا و لا قرينة في نفس اللفظ تعين واحدا منها، فإن نفي الصحة ليس بأولي من نفي الكمال أو الفضيلة و لا نفي الكمال بأولي نفي الفائدة. . و هكذا. و أجاب بعضهم: بأن هذا إنما يتم إذا كانت ألفاظ العبادات و المعاملات موضوعة للأعم فلا يمكن فيها نفي الحقيقة. و أما إذا قلنا بالوضع للصحيح فلا يتعذر نفي الحقيقة، بل هو المتعين علي الأكثر، فلا

اجمال. و أما في غير الألفاظ الشرعية مثل قولهم (لا علم الا بعمل) فمع عدم القرينة يكون اللفظ مجملا إذ يتعذر نفي الحقيقة. أقوال: و الصحيح في توجيه البحث إن يقال:

إن (لا) في هذه المركبات لنفي الجنس، فهي تحتاج إلي اسم و خبر علي حسب ما تقتضيه القواعد النحوية. و لكن الخبر محذوف حتي في مثل (لَا غِيبَةَ لِفَاسِق) فإن (لِفَاسِق) ظرف مستقر متعلق بالخبر المحذوف. و هذا الخبر المحذوف لا بد له من قرينة، سواء كان كلمة موجود أو صحيح أو مفيد أو كأمل أو نافع أو نحوها. و ليس هو مجازا في واحد من هذه الأمور التي يصح تقديرها. و القصد إنه سواء كان المراد نفي الحقيقة أو نفي الصحة و نحوها فإنه لا بد من تقدير خبر محذوف بقرينة. و إنما يكون مجملا إذا تجرد عن القرينة. و لكن الظاهر إن القرينة حاصلة علي الأكثر و هي القرينة العامة في مثله، فإن الظاهر من نفي الجنس إن المحذوف فيه هو لفظ موجود و ما بمعناه من نحو لفظ ثابت و متحقق. فإذا تعذر تقدير هذا اللفظ العام لأي سبب كان، فإن هناك قرينة موجودة غالبا و هي مناسبة الحكم و الموضوع، فإنها تقتضي غالبا لفظ خاص مناسب مثل (لا علم الا بعمل) فإن المفهوم منه إنه لا علم نافع. و المفهوم من نحو (لَا غِيبَةَ لِفَاسِق) لا غيبة محرمة. و المفهوم من نحو (لا رضاع بعد فطأم) لا رضاع سائغ. و من نحو (لَا جَمَاعَةَ فِي نَافِلَةٍ ) لا جماعة مشروعة: و من نحو (لا إقرار لمن اقر علي نفسه بالزنا» لا إقرار نافذ أو معتبر. و من نحو (لا صلاة الا

بطهور) بناء علي الوضع للأعم لا صلاة صحيحة. و من نحو (لا صلاة لحاقن) لا صلاة كأملة بناء علي قيأم الدليل إن الحاقن لا تفسد صلاته. . و هكذا.

ص 183

وهذه القرينة و هي قرينة مناسبة الحكم للموضوع لا تقع تحت ضابطة معينة و لكنها موجودة علي الأكثر و يحتاج إدراكها إلي ذوق سليم.

(تنبيه و تحقيق)

ليس من البعيد إن يقال إن المحذوف في جميع مواقع (لا) التي هي لنفي الجنس هو كلمة موجود أو ما هو بمعناها، غاية الأمر إنه في بعض الموارد تقوم القرينة علي عدم إرادة نفي الوجود و التحقق حقيقة، فلا بد حينئذ من حملها علي نفي التحقق ادعاء و تنزيلا بأن ننزل الموجود منزلة المعدوم باعتبار عدم حصول الأثر المرغوب فيه أو المتوقع منه. يعني يدعي إن الموجود الخارجي ليس من أفراد الجنس الذي تعلق به النفي تنزيلا و ذلك لعدم حصول الأثر المطلوب منه، فمثل (لا علم الا بعمل) معناه إن العلم بلا عمل كلا علم إذ لم تحصل الفائدة المترقبة منه و مثل (لا إقرار لمن أقر بنفسه علي الزنا) معناه إن إقراره كلا إقرار باعتبار عدم نفوذه عليه و مثل (لا سهو لمن كثر عليه السهو) معناه إن سهوه كلا سهو باعتبار عدم ترتب آثار السهو عليه من سجود أو صلاة أو بطلان الصلاة. هذا إذا كان النفي من جهة تكوين الشيء و أما إذا كان النفي راجعا إلي عالم التشريع، فإن كان النفي متعلقا بالفعل دل نفيه علي عدم ثبوت حكمه في الشريعة، مثل (َ لَا رَهْبَانِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ ) فإن معني عدم ثبوتها عدم تشريع الرهبانية و إنه غير مرخص بها و مثل (لَا غِيبَةَ لِفَاسِق) فإن

معني عدم ثبوتها عدم حرمة غيبة الفاسق و كذلك نحو: و لا غش في الإسلأم و لا عمل في الصلاة و لا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج و لا جماعة في نافلة، فإن كل ذلك معناه عدم مشروعية هذه الأفعال. و إن كان النفي متعلقا بعنوان يصح انطباقه علي الحكم، فيدل النفي علي عدم تشريع حكم ينطبق عليه هذا العنوان، كما في قوله (لا حرج في الدين) و (لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَام . و علي كل حال فإن مثل هذه الجمل و المركبات ليست مجملة في حد أنفسها و قد يتفق لها إن تكون مجملة إذا تجردت عن القرينة التي تعين إنها لنفي تحقق الماهية حقيقة أو لنفيها ادعاء و تنزيلا.

ص 184

و (منها) مثل قوله تعالي: (حرمت عليكم أمهاتكم) و قوله تعالي: (أحلت لكم بهيمة الأنعام) مما أسند الحكم فيه كالتحريم و التحليل إلي العين. فقد قال بعضهم بأجمالها، نظرا إلي إن إسناد التحريم و التحليل لا يصح الا إلي الأفعال الاختيارية، أما الأعيان فلا معني لتعلق الحكم بها، بل يستحيل. و لذا تسمي الأعيان موضوعات للأحكام كما إن الأفعال تسمي متعلقات. و عليه فلا بد إن يقدر في مثل هذه المركبات فعل تصح اضافته إلي العين المذكورة في الجملة و يصح إن يكون متعلقا للحكم: ففي مثل الآية الأولي يقدر كلمة (نكاح) مثلا و في الثانية (أكل) و في مثل (و الأنعام حرمت ظهورها) يقدر ركوبها و في مثل (النفس التي حرم الله) يقدر قتلها. . و هكذا. و لكن التركيب في نفسه ليس فيه قرينة علي تعيين نوع المحذوف، فيكون في حد نفسه مجملا، فلا يدري

فيه هل إن المقدر كل فعل تصح اضافته إلي العين المذكورة في الجملة و يصح تعلق الحكم به أو إن المقدر فعل مخصوص كما قدرناه في الأمثلة المتقدمة؟ و الصحيح في هذا الباب إن يقال:

إن نفس التركيب مع قطع النظر عن ملاحظة الموضوع و الحكم و عن أية قرينة خارجية، هو في نفسه يقتضي الإجمال لولا إن الإطلاق يقتضي تقدير كل فعل صالح للتقدير، الا إذا قأمت قرينة خاصة علي تعيين نوع الفعل المقدر. و غالبا لا يخلو مثل هذا التركيب من وجود القرينة الخاصة و لو قرينة مناسبة الحكم و الموضوع. و يشهد لذلك إنا لا نتردد في تقدير الفعل المخصوص في الأمثلة المذكورة في صدر البحث و مثيلاتها و ما ذلك الا لما قلناه من وجود القرينة الخاصة و لو مناسبة الحكم و الموضوع. و يشبه إن يكون هذا الباب نظير باب (لا) المحذوف خبرها. الهمنا الله تعالي الصواب و دفع عنا الشبهات و هدإنا الصراط المستقيم.

ص 185

المقصد الثاني

تمهيد

تمهيد:

بسم الله الرحمن الرحيم

من الأدلة علي الحكم الشرعي عند الأصوليين الإمامية: (العقل)، إذ يذكرون إن الأدلة علي الأحكام الشرعية الفرعية أربعة: الكتاب و السنة و الإجماع و العقل. و سيأتي في (مباحث الحجة) وجه حجية العقل. أما هنا فإنما يبحث عن تشخيص صغريات ما يحكم به العقل المفروض إنه حجة، أي يبحث هنا عن مصاديق أحكام العقل الذي هو دليل علي الحكم الشرعي. و هذا نظير البحث في المقصد الأول (مباحث الألفاظ) عن مصاديق أصالة الظهور التي هي حجة و حجيتها إنما يبحث عنها في مباحث الحجة. و توضيح ذلك: إن هنا مسألتين:

1 - إنه إذا حكم العقل علي شيء إنه حسن شرعا أو يلزم

فيه شرعا، أو يحكم علي شيء إنه قبيح شرعا أو يلزم تركه شرعا، بأي طريق من الطرق التي سيأتي بيانها، هل يثبت بهذا الحكم العقلي حكم الشرع؟ أي إنه من حكم العقل هذا هل يستكشف منه إن الشارع واقعا قد حكم بذلك؟ و مرجع ذلك إلي إن حكم العقل هذا هل هو حجة أولا؟ و هذا البحث - كما قلنا - إنما يذكر في مباحث الحجة و ليس هنا موقعه. و سيأتي بيان أمكان حصول القطع بالحكم الشرعي من غير الكتاب و السنة و إذا حصل كيف يكون حجة.

2 - إنه هل العقل أن يدرك بطريق إن هذا الشيء مثلا حسن شرعا أو قبيح أو يلزم فعله أو تركه عند الشارع؟ يعني إن العقل بعد إدراكه

ص 188

لحسن الأفعال أو لزومها و لقبح الأشياء أو لزوم تركها في أنفسها بأي طريق من الطريق. . هل يدرك مع ذلك إنها كذلك عند الشارع؟ و هذا المقصد الثاني الذي سميناه (بحث الملازمات العقلية) عقدناه لأجل بيان ذلك في مسائل علي النحو الذي سيأتي إن شاء الله تعالي و يكون فيه تشخيص صغريات حجية العقل المبحوث عنها في المقصد الثالث (مباحث الحجة). ثم لا بد - قبل تشخيص هذه الصغريات في مسائل - من ذكر أمرين يتعلقان بالأحكام العقلية مقدمة للبحث نستعين بها علي المقصود و هما،

1 - أقسأم الدليل العقلي (*)

1 - أقسأم الدليل العقلي (*)

إن الدليل العقلي - أو فقل ما يحكم به العقل الذي يثبت به الحكم الشرعي - ينقسم إلي قسمين: ما يستقل به العقل و مالا يستقل به. و بتعبير آخر نقول: إن الأحكام العقلية علي قسمين: مستقلات و غير مستقلات. و هذه التعبيرات كثيرا ما تجري علي

السنة الأصوليين و يقصدون بها المعني الذي سنوضحه. و إن كان قد يقولون: (إن هذا ما يستقل به العقل) و لا يقصدون هذا المعني، بل يقصدون به معني آخر و هو ما يحكم به العقل بالبداهة و إن كان ليس من المستقلات العقلية بالمعني الآتي. و علي كل حال فإن هذا التقسيم يحتاج إلي شيء من التوضيح فنقول: إن العلم بالحكم الشرعي كسائر العلوم لا بد له من علة، لاستحالة وجود الممكن بلا علة. و علة العلم التصديقي لا بد إن تكون من أحد أنواع الحجة الثلاثة: القياس أو الاستقراء أو التمثيل. و ليس الاستقراء مما يثبت به الحكم الشرعي و هو واضح. و التمثيل ليس بحجة عندنا، لأنه هو القياس المصطلح عليه عند الأصوليين الذي هو ليس من مذهبنا.

(هامش)

(*) قد يستشكل في إطلاق اسم الدليل علي حكم العقل كما يطلق علي الكتاب و السنة و الإجماع. و سيأتي إن شاء الله تعالي في مباحث الحجة معني الدليل و الحجة باصطلاح الأصوليين و كيف يطلق باصطلاحهم علي حكم العقل، أي القطع.

ص 189

فيتعين إن تكون العلة للعلم بالحكم الشرعي هي خصوص القياس باصطلاح المناطقة و إذا كان كذلك فإن كل قياس لا بد إن يتألف من مقدمتين سواء كان استثنائيا أو اقترانيا. و هاتان المقدمتان قد تكونان معا غير عقليتين فالدليل الذي يتألف منهما يسمي (دليلا شرعيا) في قبال الدليل العقلي. و لا كلأم في هذا القسم هنا. و قد تكون كل منهما أو إحداهما عقيلة، أي مما يحكم العقل به من غير اعتماد علي حكم شرعي، فإن الدليل الذي يتألف منهما يسمي عقليا و هو علي قسمين:

1 - إن تكون المقدمتإن معا عقليتين كحكم العقل

بحسن شيء أو قبحه ثم حكمه بأنه كل ما حكم به العقل حكم به الشرع علي طبقه. و هو القسم الأول من الدليل العقلي و هو قسم (المستقلات العقلية).

2 - إن تكون إحدي المقدمتين غير عقلية و الآخري عقلية كحكم العقل بوجوب المقدمة عند وجوب ذيها فهذه مقدمة عقلية صرفة و ينضم إليها حكم الشرع بوجوب ذي المقدمة. و إنما يسمي الدليل الذي يتألف منهما عقليا فلأجل تغليب جانب المقدمة العقلية. و هذا هو القسم الثاني من الدليل العقلي و هو قسم (غير المستقلات العقلية). و إنما سمي بذلك لأنه - من الواضح - إن العقل لم يستقل وحده في الوصول إلي النتيجة بل استعإن بحكم الشرع في إحدي مقدمتي القياس.

2 - لماذا سميت هذه المباحث بالملازمات العقلية؟

لماذا سميت هذه المباحث بالملازمات العقلية؟

المراد بالملازمة العقلية هنا هو حكم العقل بالملازمة بين حكم الشرع و بين أمر آخر سواء كان حكما عقليا أو شرعيا أو غيرهما مثل الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري الذي يلزمه عقلا سقوط الأمر الاختياري لو زال الاضطراري في الوقت أو خارجه علي ما سيأتي ذلك في مبحث (الإجزاء). و قد يخفي علي الطالب لأول وهلة الوجه في تسمية مباحث الأحكام العقلية بالملازمات العقلية لا سيما فيما يتعلق بالمستقلات العقلية و لذلك وجب علينا إن نوضح ذلك فنقول:

ص 190

أ - أما في (المسقلات العقلية) فيظهر بعد بيان المقدمتين اللتين يتألف منهما الدليل العقلي. و هما - مثلا -: (الأولي) - (العدل يحسن فعله عقلا). و هذه قضية عقلية صرفة هي صغري القياس. و هي من المشهورات التي تطابقت عليها آراء العقلاء التي تسمي الآراء المحمودة. و هذه قضية تدخل في مباحث علم الكلام عادة و إذا بحث عنها هنا فمن باب المقدمة للبحث عن

الكبري الآتية. (الثانية) - (كل ما يحسن فعله عقلا يحسن فعله شرعا). و هذه قضية عقلية أيضا يستدل عليها بما سيأتي في محله و هي كبري للقياس و مضمونها الملازمة بين حكم العقل و حكم الشرع. و هذه الملازمة مأخوذة من دليل عقلي فهي ملازمة عقلية و ما يبحث عنه في علم الأصول فهو هذه الملازمة و من أجل هذه الملازمة تدخل المستقلات العقلية في الملازمات العقلية. و لا ينبغي إن يتوهم الطالب إن هذه الكبري معناها حجية العقل، بل نتيجة هاتين المقدمتين هكذا (العدل يحسن فعله شرعا) و هذا الاستنتاج بدليل عقلي. و قد ينكر المنكر إنه يلزم شرعا ترتيب الأثر علي هذا الاستنتاج و الاستكشاف و سنذكر إن شاء الله تعالي في حينه الوجه في هذا الإنكار الذي مرجعه إلي إنكار حجية العقل. و الحاصل نحن نبحث في المستقلات العقلية عن مسألتين: (إحداهما) الصغري و هي بيان المدركات العقلية في الأفعال الاختيارية إنه أيها ينبغي فعله و أيها لا ينبغي فعله. (ثانيهما) الكبري و هي بيان إن ما يدركه العقل هل لا بد إن يدركه الشرع أي يحكم علي طبق ما يحكم به العقل. و هذه هي المسألة الأصولية التي هي من الملازمات العقلية. و من هاتين المسألتين نهيئ موضوع حجية العقل.

2 - و أما في (غير المستقلات العقلية) فأيضا يظهر الحال فيها بعد بيان المقدمتين اللتين يتألف منهما الدليل العقلي و هما - مثلا - (الأولي) (هذا الفعل واجب) أو (هذا المأتي به مأمور به في حال الاضطرار). فمثل هذه القضايا تثبت في علم الفقه فهي شرعية. (الثانية) - (كل فعل واجب شرعا يلزمه عقلا وجوب مقدمته شرعا) أو (يلزمه عقلا حرمته

ضده شرعا) أو (كل مأتي به و هو مأمور به حال الاضطرار

ص 191

يلزمه عقلا الإجزاء عن المأمور به حال الاختيار). . و هكذا. فإن أمثال هذه القضايا أحكام عقلية مضمونها الملازمة العقلية بين ما يثبت شرعا في القضية الأولي و بين حكم شرعي آخر. و هذه الأحكام العقلية هي التي يبحث عنها في علم الأصول. و من أجل هذا تدخل في باب الملازمات العقلية.

الخلاصة:

ومن جميع ما ذكرنا يتضح إن المبحوث عنه في الملازمات العقلية هو إثبات الكبريات العقلية التي تقع في طريق إثبات الحكم الشرعي، سواء كانت الصغري عقلية كما في المستقلات العقلية، أو شرعية كما في غير المستقلات العقلية. أما الصغري فدائما يبحث عنها في علم آخر غير علم الأصول، كما إن الكبري يبحث عنها في علم الأصول و هي عبارة عن ملازمة حكم الشرع لشيء آخر بالملازمة العقلية، سواء كان ذلك الشيء الآخر حكما شرعيا أم حكما عقليا أم غيرهما. و النتيجة من الصغري و الكبري هاتين تقع صغري لقياس آخر كبراه حجية العقل و يبحث عن هذه الكبري في مباحث الحجة. و علي هذا فينحصر بحثنا هنا في بابين باب المستقلات العقلية و باب غير المستقلات العقلية، فنقول:

ص 193

الباب الاول: المستقلات العقلية

الباب الاول: المستقلات العقلية

تمهيد:

الظاهر انحصار المستقلات العقلية التي يستكشف منها الحكم الشرعي في مسألة واحدة و هي مسألة التحسين و التقبيح العقليين. و عليه يجب علينا إن نبحث عن هذه المسألة من جميع أطرافها بالتفصيل لا سيما إنه لم يبحث عنها في كتب الأصول الدارجة فنقول: وقع البحث هنا في أربعة أمور متلاحقة:

1 - إنه هل تثبت للأفعال مع قطع النظر عن حكم الشارع و تعلق خطابه بها أحكام عقلية من حسن و

قبح؟ أو إن شئت فقل: هل للأفعال حسن و قبح بسحب ذواتها و لها قيم ذاتية في نظر العقل قبل فرض حكم الشارع عليها، أو ليس لها ذلك و إنما الحسن ما حسنه الشارع و القبيح ما قبحه و الفعل مطلقا في حد نفسه من دون حكم الشارع ليس حسنا و لا قبيحا؟ و هذا هو الخلاف الاصيل بين الأشاعرة و العدلية و هو مسألة التحسين و التقبيح العقليين المعروفة في علم الكلام و عليها تترتب مسألة الاعتقاد بعدالة الله و غيرها. و إنما سميت (العدلية) عدلية لقولهم بأنه تعالي عادل، بناء علي مذهبهم في ثبوت الحسن و القبح العقليين. و نحن نبحث عن هذه المسألة هنا باعتبارها من المبادئ لمسألتنا الأصولية كا اشرنا إلي ذلك فيما سبق.

2 - إنه بعد فرض القول بأن للأفعال في حد أنفسها حسنا و قبحا، هل يتمكن العقل من إدراك وجوه الحسن و القبح مستقلا عن تعليم الشارع و بيانه أولا؟ و علي تقدير تمكنه هل للمكلف إن يأخذ به بدون بيان الشارع و تعليمه أو ليس له ذلك أما مطلقا أو في بعض الموارد؟ و هذه المسألة هي إحدي نقط الخلاف المعروفة بين الأصوليين و جماعة من

ص 196

الإخباريين و فيها تفصيل من بعضهم علي ما يأتي. و هي أيضا ليست من مباحث علم الأصول، ولكنها من المبادئ لمسألتنا الأصولية الآتية لأنه بدون القول بأن العقل يدرك وجوه الحسن و القبح لا تحقق عندنا صغري القياس التي تكلمنا عنها سابقا. و لا ينبغي إن يخفي عليكم إن تحرير هذه المسألة سببه المغالطة التي وقعت لبعضهم و إلا فبعد تحرير المسألة الأولي علي وجهها الصحيح كما سيأتي لا يبقي مجال

لهذا النزاع. فأنتظر توضيح ذلك في محله القريب.

3 - إنه بعد فرض إن للأفعال حسنا و قبحا و إن العقل يدرك الحسن و القبح، يصح إن ننتقل إلي التساؤل: عما إذا كان العقل يحكم أيضا بالملازمة بين حكمه و حكم الشرع، بمعني إن العقل إذا حكم بحسن شيء أو قبحه هل يلزم عنده عقلا إن يحكم الشارع علي طبق حكمه. و هذه هي المسألة الأصولية المعبر عنها بمسألة الملازمة التي وقع فيها النزاع فأنكر الملازمة جملة من الإخباريين و بعض الأصوليين كصاحب الفصول.

4 - إنه بعد ثبوت الملازمة و حصول القطع بأن الشارع لا بد إن يحكم علي طبق ما حكم به العقل فهل هذا القطع حجة شرعا؟ و مرجع هذا النزاع ثلاث نواح: (الأولي) - في أمكان إن ينفي الشارع حجية هذا القطع و ينهي عن الأخذ به. (الثانية) - بعد فرض أمكان نفي الشارع حجية القطع هل نهي عن الأخذ بحكم العقل و إن استلزم القطع كقول الأمأم عليه السلأم: (إن دين الله لا يصاب بالعقول) علي تقدير تفسيره بذلك؟ و النزاع في هاتين الناحيتين وقع مع الإخباريين جلهم أو كلهم. (الثالثة) بعد فرض عدم أمكان نفي الشارع حجية القطع هل معني حكم الشارع علي طبق حكم العقل هو أمره و نهيه، أو إن حكمه معناه إدراكه و علمه بأن هذا الفعل ينبغي فعله أو تركه و هو شيء آخر غير أمره و نهيه فإثبات أمره و نهيه يحتاج إلي دليل آخر و لا يكفي القطع بأن الشارع حكم بما حكم به العقل؟

ص 197

وعلي كل حال فإن الكلام في هذه النواحي سيأتي في مباحث الحجة (المقصد الثالث) و هو النزاع في حجية العقل.

و عليه فنحن نتعرض هنا للمباحث الثلاثة الأولي و نترك المبحث الرابع بنواحيه إلي المقصد الثالث: * * *

ص 199

المبحث الأول: التحسين و التقبيح العقليان

التحسين و التقبيح العقليان

اختلف الناس في حسن الأفعال و قبحها هل أنهما عقليان أو شرعيان، بمعني إن الحاكم بهما العقل أو الشرع. فقالت (الأشاعرة): لا حكم للعقل في حسن الأفعال و قبحها و ليس الحسن و القبح عائدا إلي أمر حقيقي حاصل فعلا قبل ورود بيان الشارع، بل إن ما حسنه الشارع فهو حسن و ما قبحه الشارع فهو قبيح. فلو عكس الشارع القضية فحسن ما قبحه و قبح ما حسنه لو يكن ممتنعا و انقلب الأمر فصار القبيح حسنا و الحسن قبيحا و مثلوا لذلك بالنسخ من الحرمة إلي الوجوب و من الوجوب إلي الحرمة (1). و قالت (العدلية): إن للأفعال قيما ذاتية عند العقل مع قطع النظر عن حكم الشارع فمنها ما هو حسن في نفسه و منها ما هو قبيح في نفسه و منها ما ليس له هذان الوصفان. و الشارع لا يأمر الا بما هو حسن و لا ينهي الا عما هو قبيح، فالصدق في نفسه حسن و لحسنه أمر الله تعالي به، لا إنه أمر الله تعالي به فصار حسنا و الكذب في نفسه قبيح و لذلك نهي الله تعالي عنه، لا إنه نهي عنه فصار قبيحا.

(هامش)

(1) هذا التصوير لمذهب الأشاعرة منقول عن شرح القوشجي للتجريد.

ص 200

هذه خلاصة الرأيين. و اعتقد عدم اتضاح رأي الطرفين بهذا البيان و لا تزال نقط غأمضة في البحث إذا لم نبينها بوضوح لا نستطيع إن نحكم لأحد الطرفين. و هو أمر ضروري مقدمة للمسألة الأصولية و لتوقف وجوب المعرفة عليه.

فلا بد من بسط البحث بأوسع مما أخذنا علي أنفسنا من الاختصار في هذا الكتاب، لأهمية هذا الموضوع من جهة و لعدم إعطائه حقه من التنقيح في أكثر الكتب الكلامية و الأصولية من جهة أخري. و أكلفكم قبل الدخول في هذا البحث بالرجوع إلي ما حررته في الجزء الثالث من المنطق ص 17 - 23 عن القضايا المشهورات، لتستعينوا به علي ما هنا. و الآن اعقد البحث هنا في أمور:

1 - معني الحسن و القبح و تصوير النزاع فيهما

إن الحسن و القبح لا يستعملان بمعني واحد، بل لهما ثلاثة معان، فأي هذه المعاني هو موضوع النزاع؟ فنقول: أولا - قد يطلق الحسن و القبح و يراد بهما الكمال و النقص. و يقعان وصفا بهذا المعني للأفعال الاختيارية و لمتعلقات الأفعال. فيقال مثلا: العلم حسن و التعلم حسن و يضد ذلك يقال:

الجهل قبيح و إهمال و التعلم قبيح. و يراد بذلك إن العلم و التعلم كمال للنفس و تطور في وجودها و إن الجهل و إهمال التعلم نقصان فيها و تأخر في وجودها. و كثير من الأخلاق الإنسانية حسنها و قبحها باعتبار هذا المعني، فالشجاعة و الكرم و الحلم و العدالة و الإنصاف و نحو ذلك إنما حسنها باعتبار إنها كمال للنفس و قوة في وجودها. و كذلك أضدادها قبيحة لأنها نقصان في وجود النفس و قوتها. و لا ينافي ذلك إنه يقال للأولي حسنة و للثانية قبيحة باعتبار معني آخر من المعنيين الآتيين.

ص 201

وليس للأشاعرة ظاهرا نزاع في الحسن و القبح بهذا المعني، بل جملة منهم يعترفون بأنهما عقليان، لأن من القضايا اليقينيات التي وراءها واقع خارجي تطابقه، علي ما سيأتي. (ثانيا) - أنهما قد

يطلقان و يراد الملائمة للنفس و المنافرة لها و يقعان وصفا بهذا المعني أيضا للأفعال و متعلقاتها من أعيان و غيرها. فيقال في المتعلقات: هذا المنظر حسن جميل. هذا الصوت حسن مطرب، هذا المذوق حلو حسن. . و هكذا. و يقال في الأفعال: نوم القيلولة حسن. الأكل عند الجوع حسن. و الشرب بعد العطش حسن. و هكذا. و كل هذه الأحكام لأن النفس تلتذ بهذه الأشياء و تتذوقها لملائمتها لها. و بضد ذلك يقال في المتعلقات و الأفعال: هذا المنظر قبيح. ولولة النائحة قبيحة. النوم علي الشبع قبيح. . و هكذا. و كل ذلك لأن النفس تتألم أو تشمئز من ذلك. فيرجع معني الحسن و القبح - في الحقيقة - إلي معني اللذة و الألم، أو فقل إلي معني الملائمة للنفس و عدمها، ما شئت فعبر فإن المقصود واحد. ثم إن هذا المعني من الحسن و القبح يتسع إلي أكثر من ذلك، فإن الشيء قد لا يكون في نفسه ما يوجب لذة أو ألما، ولكنه بالنظر إلي ما يعقبه من أثر تلتذ به النفس أو تتألم منه يسمي أيضا حسنا أو قبيحا، بل قد يكون الشيء في نفسه قبيحا تشمئز منه النفس كشرب الدواء المر ولكنه باعتبار ما يعقبه من الصحة و الراحة التي هي أعظم بنظر العقل من ذلك الألم الوقتي يدخل فيما يستحسن. كما قد يكون الشيء بعكس ذلك حسنا تلتذ به النفس كالأكل اللذيذ المضر بالصحة و لكن ما يعقبه من مرض أعظم من اللذة الوقتية يدخل فيما يستقبح. و الإنسان بتجاربه الطويلة و بقوة تمييزه العقلي يستطيع إن يصنف الأشياء و الأفعال إلي ثلاثة أصناف: ما يستحسن و ما يستقبح و

ما ليس له هاتان المزيتان. و يعتبر هذا التقسيم بحسب ماله من الملائمة و المنافرة و لو بالنظر إلي الغاية القريبة أو البعيدة التي هي قد تسمو عند العقل علي ماله من لذة وقتية أو ألم وقتي، كمن يتحمل المشاق الكثيرة و يقاسي الحرمان في سبيل طلب

ص 202

العلم أو الجاه أو الصحة أو المال و كمن يستنكر بعض اللذات الجسدية استكراها لشؤم عواقبها. و كل ذلك يدخل في الحسن و القبح بمعني الملائم و غير الملائم، قال القوشجي في شرحه للتجريد عن هذا المعني: (وقد يعبر عنهما - أي الحسن و القبح - بالمصلحة و المفسدة فيقال:

الحسن ما فيه مصلحة و القبح ما فيه مفسدة. و ما خلا منهما لا يكون شيئا منهما). و هذا راجع إلي ما ذكرنا و ليس المقصود إن للحسن و القبح معني آخر بمعني ماله المصلحة أو المفسدة غير معني الملاءمة و المنافرة، فإن استحسإن المصلحة إنما يكون للملائمة و استقباح المفسدة للمنافرة. و هذا المعني من الحسن و القبح أيضا ليس للأشاعرة فيه نزاع، بل هما عندهم بهذا المعني عقليان، أي مما قد يدركه العقل من غير توقف علي حكم الشرع. و من توهم إن النزاع بين القوم في هذا المعني فقد ارتكب شططا و لم يفهم كلأمهم. (ثالثا) إنهما يطلقان و يراد بهما المدح و الذم و يقعان وصفا بهذا المعني للأفعال الاختبارية فقط. و معني ذلك: إن الحسن ما أستحق فاعله عليه المدح و الثواب عند العقلاء كافة و القبيح ما استحق عليه فاعله الذم و العقاب عندهم كافة. و بعبارة أخري إن الحسن ما ينبغي فعله عند العقلاء، أي إن العقل الكل يدرك إنه ينبغي فعله

و القبيح ما ينبغي تركه عندهم، أي إن العقل عند الكل يدرك إنه لا ينبغي فعله أو ينبغي تركه. و هذا الإدراك للعقل هو معني حكمه بالحسن و القبح و سيأتي توضيح هذه النقطة، فإنها مهمة جدا في الباب. و هذا المعني الثالث هو موضوع النزاع، فالأشاعرة إنكروا إن يكون للعقل إدراك و ذلك من دون الشرع و خالفتهم العدلية فأعطوا للعقل هذا الحق من الإدراك. (تنبيه) - و مما يجب إن يعلم هنا إن الفعل الواحد قد يكون حسنا أو قبيحا بجميع المعاني الثلاثة، كالتعلم و الحلم و الإحسان، فإنها كمال للنفس،

ص 203

وملائمة لها باعتبار مالها من نفع و مصلحة و مما ينبغي إن يفعلها الإنسان عند العقلاء. و قد يكون الفعل حسنا بأحد المعاني، قبيحا أو ليس بحسن بالمعني الآخر كالغناء - مثلا - فإنه حسن بمعني الملائمة للنفس و لذا يقولون عنه إنه غذاء للروح (1) و ليس حسنا بالمعني الأول أو الثالث فإنه لا يدخل عند العقلاء بما هم عقلاء فيما ينبغي إن يفعل و ليس كمالا للنفس و إن كان هو كمالا للصوت بما هو صوت فيدخل في المعني الأول للحسن من هذه الجهة و مثله التدخين أو ما تعتاده النفس من المسكرات و المخدرات فإن هذه حسنة بمعني الملائمة فقط و ليس كمالا للنفس و لا مما ينبغي فعلها عند العقلاء بما هم عقلاء.

2 - واقعية الحسن و القبح في معانيه و رأي الأشاعرة

إن الحسن بالمعني الأول أي الكمال و كذا مقابله أي القبح أمر واقعي خارجي لا يختلف باختلاف الآنظار و إلاذواق و لا يتوقف علي وجود من يدركه و يعقله. بخلاف الحسن بالمعنيين الأخيرين. و هذا ما

يحتاج إلي التوضيح و التفصيل، فنقول:

1 - أما (الحسن بمعني الملائمة) و كذا ما يقابله، فليس له في نفسه بإزاء في الخارج يحاذيه و يحكي عنه و إن كان منشأه قد يكون أمرا خارجيا، كاللون و الرائحة و الطعم و تناسق الإجزاء و نحو ذلك. بل حسن الشيء يتوقف علي وجود الذوق العام أو الخاص، فإن الإنسان هو الذي يتذوق المنظور أو المسموع أو المذوق بسبب ما عنده من ذوق يجعل هذا الشيء ملائما لنفسه، فيكون حسنا عنده أو غير ملائم فيكون قبيحا عنده. فإذا أختلفت الاذواق في الشيء كان حسنا عند قوم قبيحا عند آخرين. و إذا اتفقوا في ذوق عام كان ذلك الشيء حسنا عندهم جميعا، أو قبيحا كذلك.

(هامش)

(1) كان هذا التعبير يريد إن يحأول قائلوه به دعوي إن الغناء كمال للنفس في سماعه و هو مغالطة و أيهأم منهم.

ص 204

والحاصل إن الحسن بمعني الملائم ليس صفة واقعية للأشياء كالكمال و ليس واقعية هذه الصفة الا إدراك الإنسان و ذوقه فلو لم يوجد إنسان يتذوق و لا من يشبهه في ذوقه لم تكن الأشياء في حد أنفسها حسن بمعني الملائمة. و هذا مثل ما يعتقده الرأي الحديث في الالوإن، إذ يقال إنها لا واقع لها بل هي تحصل من إنعكاسات اطياف الضوء علي الاجسأم، ففي الظلأم حيث لا ضوء ليست هناك ألوإن موجودة بالفعل، بل الموجود حقيقة اجسأم فيها صفات حقيقية هي منشأ لأنعكاس الاطياف عند وقوع الضوء عليها و ليس كل واحد من الالوإن الا طيفا أو اطيافا فأكثر تركبت. و هكذا نقول في حسن الأشياء و جمالها بمعني الملاءمة و الشيء الواقعي فيها ما هو منشأ الملائمة في الأشياء كالطعم و

الرائحة و نحوهما، الذي هو كالصفة في الجسم إذ تكون منشأ لأنعكاس اطياف الضوء. كما إن نفس اللذة و إلالم أيضا أمران واقعيإن و لكن هما الحسن و القبح اللذإن ليسا هما من صفات الأشياء و اللذة و إلالم من صفات النفس المدركة للحسن و القبح.

2 - و أما (الحسن بمعني ما ينبغي إن يفعل عند العقل) فكذلك ليس له واقعية الا إدراك العقلاء، أو فقل تطابق اراء العقلاء. و الكلام فيه كالكلام في الحسن بمعني الملائمة. و سيأتي تفصيل معني تطابق العقلاء علي المدح و الذم أو إدراك العقل للحسن و القبح. و علي هذا فإن كان غرض الأشاعرة من إنكار الحسن و القبح إنكار واقعيتهما بهذا المعني من الواقعية فهو صحيح. و لكن هذا بعيد عن أقوالهم لأنه لما كانوا يقولون بحسن الأفعال و قبحها بعد حكم الشارع فإنه يعلم منه إنه ليس غرضهم ذلك لأن حكم الشارع لا يجعل لهما واقعية و خارجية. كيف و قد رتبوا علي ذلك بأن وجوب المعرفة و الطاعة ليس بعقلي بل شرعي. و إن كان غرضهم إنكار إدراك العقل كما هو الظاهر من أقوالهم فسيأتي تحقيق الحق فيه و إنهم ليسوا علي صواب في ذلك.

3 - العقل العملي و النظري

إن المراد من العقل - إذ يقولون إن العقل يحكم بحسن الشيء أو قبحه

ص 205

بالمعني الثالث من الحسن و القبح - هو (العقل العملي) في مقابل (العقل النظري). و ليس الاختلاف بين العقلين الا بالاختلاف بين المدركات، فإن كان المدرك - بالفتح - مما ينبغي إن يفعل أو لا يفعل مثل حسن العدل و قبح الظلم فيسمي إدراكه (عقلا عمليا) و إن كان المدرك مما ينبغي إن

يعلم مثل قولهم: (الكل اعظم من الجزء) الذي لا علاقة له بالعمل، فيسمي إدراكه (عقلا نظريا). و معني حكم العقل - علي هذا - ليس الا إدراك إن الشيء مما ينبغي إن يفعل أو يترك. و ليس للعقل إنشاء بعث و زجر و لا أمر و نهي الا بمعني إن هذا الإدراك يدعو العقل إلي العمل، أي يكون سببا لحدوث الإرادة في نفسه. للعمل و فعل ما ينبغي. أذن - المراد من الأحكام العقلية هي مدركات العقل العملي و آراؤه. و من هنا تعرف إن المراد من العقل المدرك للحسن و القبح بالمعني الأول. إن المراد به هو العقل النظري، لأن الكمال و النقص مما ينبغي إن يعلم، لا مما ينبغي إن يعمل. نعم إذا أدرك العقل كمال الفعل أو نقصه، فإنه يدرك معه إنه ينبغي فعله أو تركه فيستعين العقل العملي بالعقل النظري. أو فقل يحصل العقل العملي فعلا بعد حصول العقل النظري. و كذا المراد من العقل المدرك للحسن و القبح بالمعني الثاني هو العقل النظري، لأن الملائمة و عدمها أو المصلحة و المفسدة مما ينبغي إن يعلم و يستتبع ذلك إدراك إنه ينبغي الفعل أو الترك علي طبق ما علم. و من العجيب ما جاء في جأمع السعادات ج 1 ص 59 المطبوع بالنجف سنة 1368 إذ يقول ردا علي الشيخ الرئيس خريت هذه الصناعة: (إن المطلق الإدراك و الإرشاد إنما هو من العقل النظري، فهو بمنزلة المشير الناصح و العقل العملي بمنزلة المنفذ لإشاراته). و هذا منه خروج عن الاصطلاح. و ما ندري ما يقصد من العقل العملي إذا كان الإرشاد و النصح للعقل النظري؟ . و ليس هناك عقلان في

الحقيقة كما قدمنا، بل هو عقل واحد و لكن الاختلاف في مدركاته و متعلقاته و للتمييز بين الموارد يسمي تارة عمليا و أخري نظريا و كأنه يريد من العقل العملي

ص 206

نفس التصميم و الإرادة للعمل و تسمية الإرادة عقلا وضع جديد في اللغة.

4 - أسباب حكم العقل العملي بالحسن و القبح

إن الإنسان إذ يدرك إن الشيء ينبغي فعله فيمدح فاعله، أو لا ينبغي فعله فيذم فاعله، لا يحصل له هذا الإدراك جزافا و اعتباطا و هذا شأن كل ممكن حادث بل لا بد له من سبب. و سببه بالاستقراء أحد أمور خمسة نذكرها هنا لنذكر ما يدخل منها في محل النزاع في مسألة التحسين و التقبيح العقليين، فنقول: (الأول) - إن يدرك إن هذا الشيء كمال للنفس أو نقص لها، فإن إدراك العقل لكماله أو نقصه يدفعه للحكم بحسن أو فعله أو قبحه كما تقدم قريبا، تحصيلا لذلك الكمال أو دفعا لذلك النقص. (الثاني) - إن يدرك ملائمة الشيء للنفس أو عدمها أما بنفسه أو لما فيه من نفع عام أو خاص، فيدرك حسن فعله أو قبحه تحصيلا للمصلحة أو دفعا للمفسدة. و كل من هذين الإدراكين - اعني إدراك الكمال أو النقض و إدراك الملائمة أو عدمها - يكون علي نحوين:

1 - إن يكون الإدراك لواقعة جزئية خاصة، فيكون حكم الإنسان بالحسن و القبح بدافع المصلحة الشخصية. و هذا الإدراك لا يكون بقوة العقل، لأن العقل شأنه إدراك الأمور الكلية لا الأمور الجزئية، بل إنما يكون إدراك الأمور الجزئية بقوة الحس أو الوهم أو الخيال و إن كان هذا الإدراك قد يستتبع مدحا أو ذما لفاعله و لكن هذا المدح أو الذم لا ينبغي

إن يسمي عقليا بل قد يسمي - بالتعبير الحديث - (عاطفيا) لأن سببه تحكيم العاطفة الشخصية و لا بأس بهذا التعبير.

2 - إن يكون الإدراك لأمر كلي، فيحكم الإنسان بحسن الفعل لكونه كمالا للنفس، كالعلم و الشجاعة، أو لكونه فيه مصلحة نوعية كمصلحة العدل لحفظ النظأم و بقاء النوع الإنساني. فهذا الإدراك إنما يكون بقوة العقل بما هو عقل، فيستتبع مدحا من جميع العقلاء. و كذا في إدراك قبح الشيء باعتبار كونه نقصا للنفس كالجهل، أو لكونه فيه مفسدة نوعية كالظلم، فيدرك العقل بما هو عقل ذلك و يستتبع ذما من

ص 207

جميع العقلاء. فهذا المدح و الذم إذا تطابقت عليه جميع آراء العقلاء باعتبار تلك المصلحة أو المفسدة النوعيتين، أو باعتبار ذلك الكمال أو النقص النوعين - فإنه يعتبر من الأحكام العقلية التي هي موضوع النزاع. و هو معني الحسن و القبح العقليين الذي هو محل النفي و الإثبات. و تسمي هذه الأحكام العقلية العامة (الآراء المحمودة) و (التأديبات الصلاحية). و هي من قسم القضايا المشهورات التي هي قسم برأسه في مقابل القضايا الضروريات. فهذه القضايا غير معدودة من قسم الضروريات، كما توهمه بعض الناس و منهم الأشاعرة كما سيأتي في دليلهم. و قد أوضحت ذلك في الجزء الثالث من (المنطق) في مبادئ القياسات، فراجع. و من هنا يتضح لكم جيدا إن العدلية - إذ يقولون بالحسن و القبح العقليين - يريدون إن الحسن و القبح من الآراء المحمودة و القضايا المشهورة المعدودة من التأديبات الصلاحية و هي التي تطابقت عليها آراء العقلاء بما هم عقلاء. و القضايا المشهورة ليس لها واقع وراء تطابق الآراء، أي إن واقعها ذلك. فمعني حسن العدل أو العلم عندهم

إن فاعله ممدوح لدي العقلاء و معني قبح الظلم و الجهل إن فاعله مذموم لديهم (1). و يكفينا شاهدا علي ما نقول - من دخول أمثال هذه القضايا في المشهورات الصرفية التي لا واقع لها الا الشهرة و إنها ليست من قسم الضروريات ما قاله الشيخ الرئيس في منطق الإشارات: (و منها الآراء المسماة بالمحمودة. و ربما خصصناها باسم الشهرة إذ لا عمدة لها الا الشهرة و هي آراء لو خلي الإنسان و عقله المجرد و وهمه و حسه و لم يؤدب بقبول قضأياها و إلاعتراف بها. . لم يقض بها الإنسان طاعة لعقله أو و همه أو حسه، مثل حكمنا بأن سلب مال الإنسان قبيح و إن الكذب قبيح لا ينبغي إن يقدم عليه. . ). و هكذا وافقه شارحها العظيم الخواجا نصير الدين الطوسي.

(هامش)

(1) و لا ينافي هذا إن العلم حسن من جهة أخري و هي جهة كونه كمالا للنفس و الجهل قبيح لكونه نقصانا. (*)

ص 208

(الثالث) و من أسباب الحكم بالحسن و القبح (الخلق الإنساني) الموجود في كل إنسان علي اختلافهم في أنواعه، نحو خلق الكرم و الشجاعة. فإن وجود هذا الخلق يكون سببا لإدراك إن أفعال الكرم - مثلا - مما ينبغي فعلها فيمدح فاعلها و أفعال البخل مما ينبغي تركها فيذم فاعلها. و هذا الحكم من العقل قد لا يكون من جهة المصلحة العامة أو المفسدة العامة و لا من جهة الكمال للنفس أو النقص، بل بدافع الخلق الموجود. و إذا كان هذا الخلق عاما بين جميع العقلاء يكون هذا الحسن و القبح مشهورا بينهم تتطابق عليهم آراؤهم. و لكن إنما يدخل في محل النزاع إذا كان الخلق من جهة

أخري فيه كمال للنفس أو مصلحة عامة نوعية فيدعو ذلك إلي المدح و الذم. و يجب الرجوع في هذا القسم إلي ما ذكرته عن (الخلقيات) في المنطق (ج 3 ص 20) لتعرف توجيه قضاء الخلق الإنساني بهذه المشهورات (الرابع) و من أسباب الحكم بالحسن و القبح (الانفعال النفساني)، نحو الرقة و الرحمة و الشفقة و الحياء و الأنفة و الحمية و الغيرة. . إلي غير ذلك من انفعالات النفس التي لا يخلو منها إنسان غالبا. فنري الجمهور يحكم بقبح تعذيب الحيوان أتباعا لما في الغريزة من الرقة و العطف و الجمهور يمدح من يعين الضعفاء و المرضي و يعني برعاية الأيتأم و المجانين بل الحيوانات لأنه مقتضي الرحمة و الشفقة. و يحكم بقبح كشف العورة و الكلام البذئ لأنه مقتضي الحياء. و يمدح المدافع عن الأهل و العشيرة و الوطن و الأمة لأنه مقتضي الغيرة و الحمية. . إلي غير ذلك من أمثال هذه الأحكام العامة بين الناس. و لكن هذا الحسن و القبح لا يعدان حسنا و قبحا عقليين، بل ينبغي إن يسميا عاطفيين أو انفعاليين. و تسمي القضايا هذه عند المنطقيين ب (الانفعاليات). و لأجل هذا لا يدخل هذا الحسن و القبح في محل النزاع مع الأشاعرة و لا نقول نحن بلزوم متابعة الشرع للجمهور في هذه الأحكام، لأنه ليس للشارع هذه الانفعالات. بل يستحيل وجودها فيه لأنها من صفات الممكن. و إنما نحن نقول بملازمة حكم الشارع لحكم العقل بالحسن و القبح في الآراء المحمودة و التأديبات الصلاحية - علي ما سيأتي - فباعتبار إن الشارع من العقلاء بل رئيسهم، بل خالق العقل، فلا بد إن يحكم بحكمهم بما هم عقلاء و

لكن لا يجب إن يحكم بحكمهم بما هم عاطفيون. و لا نقول إن

ص 209

الشارع يتابع الناس في أحكامهم متابعة مطلقة. (الخأمس) - و من الأسباب (العادة عند الناس)، كاعتيادهم احترأم القادم - مثلا - بالقيأم له و احترأم الضيف بالطعام، فيحكمون لأجل ذلك بحسن القيأم للقادم و إطعام الضيف. و العادات العامة كثيرة و متنوعة، فقد تكون العادة تختص بأهل بلد أو قطر أو أمة و قد تعم جميع الناس في جميع العصور أو في عصر. فتختلف لأجل ذلك القضايا التي يحكم بها بحسب العادة، فتكون مشهورة عند القوم الذين لهم تلك العادة دون غيرهم. و كما يمدح الناس المحافظين علي العادات العامة يذمون المستهينين بها، سواء كانت العادة حسنة من ناحية عقلية أو عاطفية أو شرعية، أو سيئة قبيحة من إحدي هذه النواحي: فتراهم يذمون من يرسل لحيته إذا اعتادوا حلقها و يذمون الحليق إذا اعتادوا إرسالها و تراهم يذمون من يلبس غير الما لوف عندهم لمجرد إنهم لم يعتادوا لبسه، بل ربما يسخرون به أو يعدونه مارقا. و هذا الحسن و القبح أيضا ليسا عقليين، بل ينبغي إن يسميا (عاديين) لأن منشأهما العادة. و تسمي القضايا فيهما في عرف المناطقة (العاديات). و لذا لا يدخل أيضا هذا الحسن و القبح في محل النزاع. و لا نقول نحن - أيضا - بلزوم متابعة الشارع للناس في أحكامهم هذه، لأنهم لم يحكموا فيها بما هم عقلاء بل بما هم معتادون، أي بدافع العادة. نعم بعض العادات قد تكون موضوعا لحكم الشارع، مثل حكمه بحرمة لباس الشهرة، أي اللباس غير المعتاد لبسه عند الناس. و لكن هذا الحكم لا لأجل المتابعة لحكم الناس، بل لأن مخالفة

الناس في زيهم علي وجه يثير فيهم السخرية و الاشمئزاز فيه مفسدة موجبة لحرمة هذا اللباس شرعا و هذا شيء آخر غير ما نحن فيه. * * * فتحصل من جميع ما ذكرنا - و قد أطلنا الكلام لغرض كشف الموضوع كشفا تأما - إنه ليس كل حسن و قبح بالمعني الثالث موضوعا للنزاع مع الأشاعرة، بل خصوص ما كان سببه إدراك كمال الشيء أو نقصه علي نحو كلي و ما كان سببه إدراك ملائمته أو عدمها علي نحو كلي أيضا من جهة

ص 210

مصلحة نوعية أو مفسدة نوعية فإن الأحكام العقلية الناشئة من هذه الأسباب هي أحكام للعقلاء بما هم عقلاء و هي التي ندعي فيها إن الشارع لا بد إن يتابعهم في حكمهم. و بهذا تعرف ما وقع من الخلط في كلأم جملة من الباحثين عن هذا الموضوع.

5 - معني الحسن و القبح الذاتيين

إن الحسن و القبح بالمعني الثالث ينقسمان إلي ثلاثة أقسأم:

1 - ما هو (علة) للحسن و القبح و يسمي الحسن و القبح فيه ب (الذاتيين)، مثل العدل و الظلم و العلم و الجهل. فإن العدل بما هو عدل لا يكون الا حسنا أبدا أي إنه متي ما صدق عنوان العدل فإنه لا بد إن يمدح عليه فاعله عند العقلاء و يعد عندهم محسنا. و كذلك الظلم بما هو ظلم لا يكون الا قبيحا، أي إنه متي ما صدق عنوان الظلم فإن فاعله مذموم عندهم و يعد مسيئا.

2 - ما هو (مقتض) لهما و يسمي الحسن و القبح فيه ب (العرضيين) مثل تعظيم الصديق و تحقيره، فإن تعظيم الصديق لو خلي و نفسه فهو حسن ممدوح عليه و تحقيره كذلك قبيح لو

خلي و نفسه. و لكن تعظيم الصديق بعنوان إنه تعظيم الصديق يجوز إن يكون قبيحا مذموما كما إذا كان سببا لظلم ثالث، بخلاف العدل فإنه يستحيل إن يكون قبيحا مع بقاء صدق عنوان العدل. كذلك تحقير الصديق بعنوان إنه تحقير له يجوز إن يكون حسنا ممدوحا عليه كما إذا كان سببا لنجاته و لكن يستحيل إن يكون الظلم حسنا مع بقاء صدق عنوان الظلم.

3 - ما لا عليه له و لا اقتضاء فيه في نفسه للحسن و القبح أصلا و إنما قد يتصف بالحسن تارة إذا انطبق عليه عنوان حسن كالعدل و قد يتصف بالقبح أخري إذا انطبق عليه عنوان قبيح كالظلم. و قد لا ينطبق عليه عنوان أحدهما فلا يكون حسنا و لا قبيحا، كالضرب مثلا فإنه حسن للتأديب و قبيح للتشفي و لا حسن و لا قبيح كضرب غير ذي الروح. و معني كون الحسن أو القبح ذاتيا: إن العنوان المحكوم عليه باحدهما بما هو في نفسه و في حد ذاته يكون محكوما به، لا من جهة اندراجه تحت عنوان آخر. فلا يحتاج إلي واسطة في اتصافهم باحدهما.

ص 211

ومعني كونه مقتضيا لأحدهما: إن العنوان ليس في حد ذاته متصفا به بل بتوسط عنوان آخر، ولكنه لو خلي و طبعه كان داخلا تحت العنوان الحسن أو القبيح ألا تري إن تعظيم الصديق لو خلي و نفسه يدخل تحت عنوان العدل الذي هو حسن في ذاته، أي بهذا الاعتبار تكون لهم مصلحة نوعية عامة. أما لو كان سببا لهلاك نفس محترمة كان قبيحا لأنه يدخل حينئذ بما هو تعظيم الصديق تحت عنوان الظلم و لا يخرج عن عنوان كونه تعظيما للصديق. و كذلك يقال في

تحقير الصديق، فإنه لو خلي و نفسه يدخل تحت عنوان الظلم الذي هو قبيح بحسب ذاته، أي بهذا الاعتبار تكون له مفسدة نوعية عامة. فلو كان سببا لنجاة نفس محترمة كان حسنا لأنه يدخل حينئذ تحت عنوان العدل و لا يخرج عن عنوان كونه تحقيرا للصديق. و أما العناوين من القسم الثالث فليست في حد ذاتها لو خليت و أنفسها داخلة تحت عنوان حسن أو قبيح، فلذلك لا تكون لها علية و لا اقتضاء. و علي هذا يتضح معني العلية و الاقتضاء هنا، فإن المراد من العلية إن العنوان بنفسه هو تمأم موضوع حكم العقلاء بالحسن أو القبح. و المراد من الاقتضاء إن العنوان لو خلي و طبعه يكون داخلا فيما هو موضوعا لحكم العقلاء بالحسن أو القبح. و ليس المراد من العلية و الاقتضاء ما هو معروف من معناهما إنه بمعني التأثير و الإيجاد فإنه من البديهي إنه لا علية و لا اقتضاء لعناوين الأفعال في أحكام العقلاء الا من باب علية الموضوع لمحموله.

6 - أدلة الطرفين

بتقديم الأمور السابقة نستطيع إن نواجه أدلة الطرفين بعين بصيرة، لنعطي الحكم العادل لأحدهما و نأخذ النتيجة المطلوبة. و نحن نبحث عن ذلك في عدة مواد، فنقول:

1 - إنا ذكرنا إن قضية الحسن و القبح من القضايا المشهورات و أشرنا إلي ما كنتم درستموه في الجزء الثالث من المنطق من إن المشهورات قسم يقابل الضروريات الست كلها. و منه نعرف المغالطة في دليل الأشاعرة و هو أهم أدلتهم إذ يقولون: (لو كانت قضية الحسن و القبح مما يحكم به العقل لما كان فرق بين حكمه

ص 212

في هذه القضية و بين حكمه بأن الكل أعظم من الجزء. و لكن

الفرق موجود قطعا إذ الحكم الثاني لا يختلف فيه اثنان مع وقوع الاختلاف في الأول). و هذا الدليل من نوع القياس الاستثنائي قد استثني فيه نقيض التالي لينتج نقيض المقدم. و الجواب عنه: إن المقدمة الأولي و هي الجملة الشرطية ممنوعة و منعها يعلم مما تقدم آنفا، لأن قضية الحسن و القبح - كما قلنا - من المشهورات و قضية إن الكل أعظم من الجزء من الأوليات اليقينيات، فلا ملازمة بينهما و ليس هما من باب واحد حتي يلزم من كون القضية الأولي مما يحكم به العقل الا يكون فرق بينها و بين القضية الثانية. و ينبغي إن نذكر جميع الفروق بين المشهورات هذه و بين الأوليات، ليكون أكثر وضوحا بطلان قياس إحداهما علي الأخري. و الفارق من وجوه ثلاثة: (الأول) - إن الحاكم في قضايا التأديبات العقل العملي و الحاكم في الأوليات العقل النظري. (الثاني) - إن القضية التأديبية لا واقع لها الا تطابق آراء العقلاء و الأوليات لها واقع خارجي. (الثالث) - إن القضية التأديبية لا يجب إن يحكم بها كل عاقل لو خلي و نفسه و لم يتأدب بقبولها و الاعتراف بها، كما قال الشيخ الرئيس علي ما نقلناه من عبارته فيما سبق في الأمر الثاني. و ليس كذلك القضية الأولية التي يكفي تصور طرفيها في الحكم، فإنه لا بد ألا يشذ عاقل في الحكم بها لأول وهلة.

2 - و من أدلتهم علي إنكار الحسن و القبح العقليين إن قالوا: إنه لو كان ذلك عقليا لما اختلف حسن الأشياء و قبحها باختلاف الوجوه و الاعتبارات كالصدق إذ يكون مرة ممدوحا عليه و أخري مذموما عليه، إذا كان فيه ضرر كبير. و كذلك

الكذب بالعكس يكون مذموما عليه و ممدوحا عليه، إذا كان فيه نفع كبير. كالضرب و القيأم و القعود و نحوها مما يختلف حسنه و قبحه. و الجواب عن هذا الدليل و أشباهه يظهر مما ذكرناه من أحسن الأشياء و قبحها علي إنحاء ثلاثة، فما كان ذاتيا لا يقع فيه اختلاف، فإن العدل بما هو

ص 213

عدل لا يكون قبيحا أبدا و كذلك الظلم بما هو ظلم لا يكون حسنا أبدا، أي إنه مادام عنوان العدل صادقا فهو ممدوح و ما دام عنوان الظلم صادقا فهو مذموم. و أما ما كان عرضيا فإنه يختلف بالوجوه و الاعتبارات، فمثلا الصدق إن دخل تحت عنوان العدل كان ممدوحا و إن دخل تحت عنوان الظلم كان قبيحا. و كذلك الكذب و ما ذكر من الأمثلة. و الخلاصة إن العدلية لا يقولون بأن جميع الأشياء لا بد إن تتصف بالحسن أبدا أو بالقبح أبدا، حتي يلزم ما ذكر من الإشكال.

3 - و قد استدل العدلية علي مذهبهم بما خلاصته: (إنه من المعلوم ضرورة حسن الإحسان و قبح الظلم عند كل عاقل من غير اعتبار شرع، فإن ذلك يدركه حتي منكر الشرائع). و أجيب عنه، بأن الحسن و القبح في ذلك بمعني الملاءمة و المنافرة أو بمعني صفة الكمال و النقص و هو مسلم لا نزاع فيه. و أما بالمعني المتنازع فيه فإنا لا نسلم جزم العقلاء به. و نحن نقول: إن من يدعي ضرورة حكم العقلاء بحسن الإحسان و قبح الظلم يدعي ضرورة مدحهم لفاعل الإحسان و ذمهم لفاعل الظلم. و لا شك في إن هذا المدح و الذم من العقلاء ضروريإن لتواتره عن جميع الناس و منكره مكابر. و الذي

يدفع العقلاء لهذا - كما قدمنا - شعورهم بأن العدل كمال للعادل و ملاءمته لمصلحة النوع الإنساني و بقائه و شعورهم بنقص الظلم و منافرته لمصلحة النوع الإنساني و بقائه.

4 - و استدل العدلية أيضا بأن الحسن و القبح لو كانا لا يثبتإن الا من طريق الشرع، فهما لا يثبتإن أصلا حتي من طريق الشرع. و قد صور بعضهم هذه الملازمة علي النحوإلاتي: إن الشارع إذا أمر بشيء فلا يكون حسنا الا إذا مدح مع ذلك الفاعل عليه و إذا نهي عن شيء فلا يكون قبيحا الا إذا ذم الفاعل عليه. و من أين تعرف إنه يجب إن يمدح الشارع فاعل المأمور به و يذم فاعل المنهي عنه، الا إذا كان ذلك واجبا عقلا، فتوقف حسن المأمور به و قبح المنهي عنه علي حكم العقل و هو المطلوب.

ص 214

ثم لو ثبت إن الشارع مدح فاعل المأمور به و ذم فاعل المنهي عنه و المفروض إن مدح الشارع ثوابه و ذمه عقابه، فمن أين نعرف إنه صادق في مدحه و ذمه الا إذا ثبت إن الكذب قبيح عقلا يستحيل عليه، فيتوقف ثبوت الحسن و القبح شرعا علي ثبوتهما عقلا، فلو لو يكن لهما ثبوت عقلا فلا ثبوت لهما شرعا. و قد أجاب بعض الأشاعرة عن هذا التصوير بأنه يكفي في كون الشيء حسنا إن يتعلق به الأمر و في كونه قبيحا إن يتعلق به النهي و الأمر و النهي - حسب الفرض - ثابتان وجدانا. و لا حاجة إلي فرض ثبوت مدح و ذم من الشارع. و هذا الكلام - في الحقيقة - يرجع إلي أصل النزاع في معني الحسن و القبح، فيكون الدليل و جوابه

صرف دعوي و مصادرة علي المطلوب، لأن المستدل يرجع قوله إلي إنه يجب المدح و الذم عقلا لأنهما واجبان في اتصاف الشيء بالحسن و القبح و المجيب يرجع قوله إلي أنهما لا يجبان عقلا لأنهما غير واجبين في الحسن و القبح. و الأحسن تصوير الدليل علي وجه آخر، فنقول: إنه من المسلم عند الطرفين وجوب طاعة الأوأمر و النواهي الشرعية و كذلك وجوب المعرفة. و هذا الوجوب عند الأشاعرة وجوب شرعي حسب دعواهم، فنقول لهم: من أين يثبت هذا الوجوب؟ لا بد إن يثبت بأمر من الشارع. فننقل الكلام إلي هذا الأمر، فنقول لهم: من أين تجب طاعة هذا الأمر، فإن كان هذا الوجوب عقليا فهو المطلوب و إن كان شرعيا أيضا فلا بد له من أمر و لا بد له من طاعة فننقل الكلام إليه. . و هكذا نمضي إلي غير النهاية. و لا نقف حتي ننتهي إلي طاعة و جوبها عقلي لا تتوقف علي أمر الشارع. و هو المطلوب. بل ثبوت الشرائع من أصلها يتوقف علي التحسين و التقبيح العقليين و لو كان ثبوتها من طريق شرعي لاستحال ثبوتها، لأنا ننقل الكلام إلي هذا الطريق الشرعي فيتسلسل إلي غير النهاية. و النتيجة: إن ثبوت الحسن و القبح شرعا يتوقف علي ثبوتهما عقلا.

ص 215

المبحث الثاني: إدراك العقل للحسن و القبح

بعد ما تقدم من ثبوت الحسن و القبح العقليين في الأفعال، فقد نسب بعضهم إلي جماعة الإخباريين - علي ما يظهر من كلمات بعضهم - إنكار إن يكون للعقل حق إدراك ذلك الحسن و القبح. فلا يثبت شيء من الحسن و القبح الواقعيين بإدراك العقل. و الشيء الثابت قطعا عنهم علي الإجمال القول بعدم جواز

الاعتماد علي شيء من الإدراكات العقلية في إثبات الأحكام الشرعية. و قد فسر هذا القول بأحد وجوه ثلاثة (1) حسب اختلاف عبارات الباحثين منهم:

1 - إنكار إدراك العقل للحسن و القبح الواقعيين. و هذه هي مسألتنا التي عقدنا لها هذا المبحث الثاني.

2 - بعد الاعتراف بثبوت إدراك العقل إنكار الملازمة بينه و بين حكم الشرع و هذه هي المسألة الآتية في (المبحث الثالث).

3 - بعد الاعتراف بثبوت إدراك العقل و ثبوت الملازمة إنكار وجوب إطاعة الحكم الشرعي الثابت من طريق العقل و مرجع ذلك إلي إنكار حجية العقل. و سيأتي البحث عن ذلك في الجزء الثالث من هذا الكتاب (مباحث الحجة).

(هامش)

(1) سيأتي إن هناك وجها رابعا لحمل كلأمهم عليه بما أولنا به رأي صاحب الفصول الآتي و هو إنكار إدراك العقل لملاكات الأحكام الشرعية. و هو وجه وجيه سيأتي بيانه و تأييده و به تحل عقدة النزاع و يقع التصالح بين الطرفين. (*)

ص 216

وعليه، فإن أرادوا التفسير الأول بعد الاعتراف بثبوت الحسن و القبح العقليين فهو كلأم لا معني له، لأنه قد تقدم إنه لا واقعية للحسن و القبح بالمعني المتنازع فيه مع الأشاعرة و هو المعني الثالث الا إدراك العقلاء لذلك و تطابق آرائهم علي مدح فاعل الحسن و ذم فاعل القبيح علي ما أوضحناه فيما سبق. و إذا اعترفوا بثبوت الحسن و القبح بهذا المعني فهو اعتراف بإدراك العقل. و لا معني للتفكيك بين ثبوت الحسن و القبح و بين إدراك العقل لهما الا إذا جاز تفكيك الشيء عن نفسه. نعم إذا فسروا الحسن و القبح بالمعنيين الأولين جاز هذا التفكيك ولكنهما ليسا موضع النزاع عندهم. و هذا الأمر واضح لا يحتاج إلي

أكثر من هذا البيان بعدما قدمناه في المبحث الأول.

ص 217

المبحث الثالث: ثبوت الملازمة العقلية بين حكم العقل و حكم الشرع

ثبوت الملازمة العقلية بين حكم العقل و حكم الشرع

ومعني الملازمة العقلية هنا - علي ما تقدم - إنه إذا حكم العقل بحسن شيء أو قبحه هل يلزم عقلا إن يحكم الشرع علي طبقه؟ و هذه هي المسألة الأصولية التي تخص علمنا و كل ما تقدم من الكلام كان كالمقدمة لها. و قد قلنا سابقا: إن الإخباريين فسر كلأمهم - في أحد الوجوه الثلاثة المتقدمة الذي يظهر من كلأم بعضهم - بإنكار هذه الملازمة. و أما الأصوليون فقد أنكرها منهم صاحب الفصول و لم نعرف له موافقا و سيأتي توجيه كلأمهم و كلأم الإخباريين. و الحق إن الملازمة ثابتة عقلا، فإن العقل إذا حكم بحسن شيء أو قبحه - أي إنه إذا تطابقت آراء العقلاء جميعا بما هم عقلاء علي حسن شيء لما فيه من حفظ النظأم و بقاء النوع أو علي قبحه لما فيه من الإخلال بذلك - فإن الحكم هذا يكون بادي رأي الجميع فلا بد إن يحكم الشارع بحكمهم، لأنه منهم بل رئيسهم. فهو بما هو عاقل - بل خالق العقل - كسائر العقلاء لابد إن يحكم بما يحكمون. و لو فرضنا إنه لم يشاركهم في حكمهم لما كان ذلك الحكم بادي رأي الجميع و هذا خلاف الفرض. و بعد ثبوت ذلك ينبغي إن نبحث هنا عن مسألة أخري و هي إنه لو ورد من الشارع أمر في مورد حكم العقل كقوله تعالي: (أطيعوا الله و الرسول) فهذا الأمر من الشارع هل هو أمر مولوي أي إنه أمر منه بما هو مولي، أو إنه

أمر إرشادي أي إنه أمر لأجل الإرشاد إلي ما حكم به العقل، أي إنه أمر منه بما هو عاقل؟ و بعبارة أخري إن النزاع هنا في إن مثل هذا الأمر من الشارع هل هو أمر تأسيسي و هذا معني إنه مولوي أو إنه أمر تأكيدي و هو

ص 218

معني إنه إرشادي؟ لقد وقع الخلاف في ذلك و الحق إنه للإرشاد حيث يفرض إن حكم العقل هذا كاف لدعوة المكلف إلي الفعل الحسن و اندفاع أرادته للقيأم به، فلا حاجة إلي جعل الداعي من قبل المولي ثانيا، بل يكون عبثا و لغوا، بل هو مستحيل لأنه يكون من باب تحصيل الحاصل. و عليه، فكل ما يرد في لسان الشرع من الأوأمر في موارد المستقلات العقلية لا بد إن يكون تأكيدا لحكم العقل لا تأسيسا. نعم لو قلنا بأن ما تطابقت عليه آراء العقلاء هو استحقاق المدح و الذم فقط، علي وجه لا يلزم منه استحقاق الثواب و العقاب من قبل المولي، أو إنه يلزم منه ذلك بل هو عينه (1) و لكن لا يدرك ذلك كل أحد فيمكن الا يكون نفس إدراك استحقاق المدح و الذم كافيا لدعوة كل احد إلي الفعل الا للأفذاذ من الناس، فلا يستغني أكثر الناس عن الأمر من المولي المترتب علي موافقته الثواب و علي مخالفته العقاب في مقام الدعوة إلي الفعل و انقياده، فإذا ورد أمر من المولي في مورد حكم العقل المستقل فلا مانع من حمله علي الأمر المولوي، الا إذا استلزم منه محال التسلسل كالأمر بالطاعة و الأمر بالمعرفة. بل مثل هذه الموارد لا معني لأن يكون الأمر فيها مولويا، لأنه لا يترتب علي موافقته و مخالفته غير ما

يترتب علي متعلق المأمور به، نظير الأمر بالاحتياط في أطراف العلم الإجمالي.

توضيح و تعقيب:

والحق إن الالتزأم بالتحسين و التقبيح العقليين هو نفس الالتزأم بتحسين الشارع و تقبيحه، وفقا لحكم العقلاء لأنه من جملتهم، لا أنهما شيئان أحدهما يلزم الآخر و إن توهم ذلك بعضهم.

(هامش)

(1) الحق كما - صرح بذلك كثير من العلماء المحققين - إن معني استحقاق المدح ليس إلا استحقاق الثواب و معني استحقاق الذم ليس الا استحقاق العقاب، بمعني إن المراد من المدح ما يعم الثواب لأن المراد بالمدح المجازاة بالخير و المراد من الذم ما يعم العقاب لأن المراد به المكافأة بالشر. و لذا قالوا: إن مدح الشارع ثوابه و ذمه عقابه و أرادوا به هذا المعني. (*)

ص 219

ولذا تري أكثر الأصوليين و الكلاميين لم يجعلوهما مسألتين بعنوانين، بل لم يعنونوا الا مسألة واحدة هي مسألة التحسين و التقبيح العقليين. و عليه، فلا وجه للبحث عن ثبوت الملازمة بعد فرض القول بالتحسين و التقبيح. و أما نحن فإنما جعلنا الملازمة مسألة مستقلة فللخلاف الذي وقع فيها بتوهم التفكيك. و من العجيب ما عن صاحب الفصول - رحمه الله - من إنكاره للملازمة مع قوله بالتحسين و التقبيح العقليين و كأنه ظن إن كل ما أدركه العقل من المصالح و المفاسد - و لو بطريق نظري أو من غير سبب عام من الأسباب المتقدم ذكرها - يدخل في مسألة التحسين و التقبيح و إن القائل بالملازمة يقول بالملازمة أيضا في مثل ذلك. و لكن نحن قلنا: إن قضايا التحسين و التقبيح هي القضايا التي تطابقت عليها آراء العقلاء كافة بما هم عقلاء و هي بادي رأي الجميع و في مثلها نقول بالملازمة لا

مطلقا. فليس كل ما أدركه العقل من أي سبب كان و لو لم نتطابق عليه الآراء أو تطابقت و لكن لا بما هم عقلاء يدخل في هذه المسألة. و قد ذكرنا نحن سابقا: إن ما يدركه العقل من الحسن و القبح بسبب العادة أو الانفعال و نحوهما و ما يدركه لا من سبب عام للجميع - لا يدخل في موضوع مسألتنا. و نزيد هذا بيانا و توضيحا هنا، فنقول: إن مصالح الأحكام الشرعية المولوية التي هي نفسها ملاكات أحكام الشارع لا تندرج تحت ضابط نحن ندركه بعقولنا، إذ لا يجب فيها إن تكون هي بعينها المصالح العمومية المبني عليها حفظ النظأم العام و إبقاء النوع التي هي - أعني هذه المصالح العمومية - مناطات الأحكام العقلية في مسألة التحسين و التقبيح العقليين. و علي هذا، فلا سبيل للعقل بما هو عقل إلي إدراك جميع ملاكات الأحكام الشرعية. فإذا أدرك العقل المصلحة في شيء أو المفسدة في آخر و لم يكن إدراكه مستندا إلي إدراك المصلحة أو المفسدة العامتين اللتين يتساوي في إدراكهما جميع العقلاء، فإنه - اعني العقل - لا سبيل له إلي الحكم بأن هذا المدرك يجب إن يحكم به الشارع علي طبق حكم العقل، إذ يحتمل إن هناك ما

ص 220

هو مناط لحكم الشارع غير ما أدركه العقل، أو إن هناك مانعا يمنع من حكم الشارع علي طبق ما أدركه العقل و إن كان ما أدركه مقتضيا لحكم الشارع. و لأجل هذا نقول: إنه ليس كل ما حكم به الشرع يجب إن يحكم به العقل و الي هذا يرمي قول أمأمنا الصادق عليه السلأم: (إن دين الله لا يصاب بالعقل) و لأجل هذا أيضا

نحن لا نعتبر القياس و الاستحسان من الأدلة الشرعية علي الأحكام. * * * و علي هذا التقدير، فإن كان ما أنكره صاحب الفصول و الأخباريون من الملازمة هي الملازمة في مثل تلك المدركات العقلية التي هي ليست من المستقلات العقلية التي تطابقت عليها آراء العقلاء بما هم عقلاء - فإن إنكارهم في محله و هم علي حق فيه لا نزاع لنا معهم فيه. و لكن هذا أمر أجنبي عن الملازمة المبحوث عنها في المستقلات العقلية. و إن كان ما انكروه هي مطلق الملازمة حتي في المستقلات العقلية كما قد يظهر من بعض تعبيراتهم فهم ليسوا علي حق فيما انكروا و لا مستند لهم. و علي هذا فيمكن التصالح بين الطرفين بتوجيه كلأم الإخباريين و صاحب الفصول بما يتفق و ما أوضحناه و لعله لا يأباه بعضهم كلأمهم.

ص 221

الباب الثاني غير المستقلات العقلية

الباب الثاني غير المستقلات العقلية

تمهيد:

سبق إن قلنا: إن المراد من (غير المستقلات العقلية) هو ما لم يستقل العقل به وحده في الوصول إلي النتيجة، بل يستعين بحكم شرعي (1) في إحدي مقدمتي القياس (وهي الصغري) و المقدمة الأخري (وهي الكبري) مثاله حكم العقل بالملازمة بين وجوب ذي المقدمة شرعا و بين وجوب الحكم العقلي الذي هو عبارة عن حكم العقل بالملازمة عقلا بين الحكم في المقدمة الأولي و بين حكم شرعي آخر. و هذه الملازمة العقلية لها عدة موارد وقع فيها البحث و صارت موضعا للنزاع

ونحن ذاكرون هنا أهم هذه المواضع في مسائل:

المسألة الأولي: الإجزاء (2)

المسألة الأولي: الإجزاء (2)

تصدير:

لاشك في إن المكلف إذا فعل بما أمر به مولاه علي الوجه المطلوب - أي اتي بالمطلوب علي طبق ما أمر به جأمعا لجميع ما هو معتبر فيه من الإجزاء أو

(هامش)

(1) قلنا (يستعين بحكم شرعي) و لم نقل (إن المقدمة شرعية) لتعميم بحث غير المستقلات العقلية لمسألة الإجزاء، فإن صغري مسألة الإجزاء هكذا: (هذا الفعل إتيان بالمأمور به شرعا) و الحكم بأن الفعل إتيان بالمأمور به يستعان فيه بالحكم الشرعي و هو الأمر المفروض ثبوته.

(2) الإجزاء: مصدر (أجزأ) أي أغني عنه و قأم مقامه.

ص 224

الشرائط شرعية أو عقلية - فإن هذا الفعل منه يعتبر امتثالا لنفس ذلك الأمر، سواء كان الأمر اختياريا واقعيا، أو اضطراريا، أو ظاهريا. و ليس في هذا خلاف أو يمكن إن يقع فيه الخلاف. و كذا لا شك و لا خلاف في هذا الامتثال علي تلك الصفة يجزئ و يكتفي به عن امتثال آخر، لأن المكلف - حسب الفرض - قد جاء بما عليه من التكليف علي الوجه المطلوب. و كفي! و حينئذ يسقط الأمر

الموجه إليه، لأنه قد حصل بالفعل ما دعا إليه و أنتهي أمده. و يستحيل إن يبقي بعد حصول غرضه و ما كان قد دعا إليه، لانتهاء أمد دعوته بحصول غايته الداعية إليه، الا إذا جوزنا المحال و هو حصول المعلول بلا علة (1). و إنما وقع الخلاف - أو يمكن إن يقع - في مسألة الإجزاء فيما إذا كان هناك

(هامش)

(1) و إذا صح إن يقال شيء في هذا الباب فليس في إجزاء المأتي به و الاكتفاء بامتثال الأمر، فإن هذا قطعي كما قلنا في المتن - و إنما الذي يصح إن يقال و يبحث عنه ففي جواز الامتثال مرة أخري بدلا عن الامتثال الأول علي وجه يلغي الامتثال الأول و يكتفي بالثاني. و هو خارج عن مسألة الإجزاء و يعبر عنه في لسان الأصوليين بقولهم: (تبديل الامتثال بالامتثال). و قد يتصور الطالب إن هذا لا مانع منه عقلا، بأن يتصور إن هناك حالة منتظرة بعد الامتثال الأول، بمعني إن نتصور إن الغرض من الأمر لم يحصل بمجرد الامتثال الأول فلا يسقط عنده الأمر، بل يبقي مجال لامتثاله ثانيا، لا سيما إذا كان الامتثال الثاني أفضل. و يساعد علي هذا التصوير إنه قد ورد في الشريعة ما يؤيد ذلك بظاهره مثل ما ورد في باب إعادة من صلي فرأدي عند حضور الجماعة: (إن الله تعالي يختار أحبهما إليه). و الحق عدم جواز تبديل الامتثال بامتثال آخر، لأن الإتيان بالمأمور به بحدوده و قيوده علة تأمة لحصول الغرض، فلا تبقي حالة منتظرة بعد الامتثال الأول فيسقط الأمر لانتهاء أمده كما قلنا في المتن. أما ما ورد في جواز ذلك فيحمل علي استحباب الإعادة بأمر آخر ندبي و

ينبغي إن يحمل قوله عليه السلأم (يختار أحبهما إليه) علي إن المراد يختار ذلك في مقام عطاء الثواب و الأجر، لا في مقام امتثال الأمر الوجوبي بالصلاة و إن الامتثال يقع بالثاني. (*)

ص 225

أمران: أمر أولي واقعي لم يمتثله المكلف أما لتعذره عليه أو لجهله به و أمر ثانوي أما اضطراري في صورة تعذر الأول و أما ظاهري في صورة الجهل بالأول. فإنه إذا أمتثل المكلف هذا الأمر الثانوي الاضطراري أو الظاهري ثم زال العذر و الاضطرار أو زال الجهل و انكشف الواقع - صح الخلاف في كفاية ما أتي به امتثالا للأمر الثاني عن امتثال الأمر الأول و أجزائه عنه إعادة في الوقت و قضاء في خارجه. و لأجل هذا عقدت هذه المسألة (مسألة الإجزاء). و حقيقتها هو البحث عن ثبوت الملازمة - عقلا - بين الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري أو الظاهري و بين الإجزاء و الاكتفاء به عن امتثال الأمر الأولي الاختياري الواقعي. و قد عبر بعض علماء الأصول المتأخرين عن هذه المسألة بقوله:

(هل الإتيان بالمأمور به علي وجهه يقتضي الإجزاء أو لا يقتضي). و المراد من (الاقتضاء) في كلأمه: الاقتضاء بمعني العلية و التأثير أي إنه هل يلزم - عقلا - من الإتيان بالمأمور به سقوط التكليف شرعا أداء و قضاء. و من هنا تدخل هذه المسألة في باب الملازمات العقلية، علي ما حررنا البحث في صدر هذا المقصد عن المراد بالملازمة العقلية. و لا وجه لجعلها من باب مباحث الألفاظ لأن ذلك ليس من شؤون الدلالة اللفظية. و علينا إن نعقد البحث في مقامين: (الأول) في إجزاء المأمور به بالأمر الاضطراري (الثاني) في إجزاء المأمور به بالأمر الظاهري:

المقام الأول -

الأمر الاضطراري

وردت في الشريعة المطهرة أوأمر لا تحصي تختص بحال الضروريات و تعذر امتثال الأوأمر الأولي أو بحال الحرج في امتثالها: مثل التيمم و وضوء الجبيرة و غسلها و صلاة العاجز عن القيأم أو القعود و صلاة الغريق. و لا شك في إن الاضطرار ترتفع به فعلية التكليف، لأن الله تعالي لا يكلف نفسا الا وسعها. و قد ورد في الحديث النبوي المشهور الصحيح (رفع علي أمتي ما اضطروا إليه)

ص 226

غير إن الشارع المقدس - حرصا علي بعض العبادات لا سيما الصلاة التي لا تترك بحال - أمر عباده بالاستعاضة عما اضطروا إلي تركه بالإتيان ببدل عنه: فأمر - مثلا - بالتيمم بدلا عن الوضوء أو الغسل و قد جاء في الحديث (يكفيك عشر سنين). و أمر بالمسح علي الجبيرة بدلا عن غسل بشرة العضو في الوضوء و الغسل. و أمر بالصلاة من جلوس بدلا عن الصلاة من قيأم. . و هكذا فيما لا يحصي من الأوأمر الواردة في حال اضطرار المكلف و عجزه عن امتثال الأمر الأولي الاختياري أو في حال الحرج في أمثاله. و لا شك في إن هذه الأوأمر الاضطرارية هي أوأمر واقعية حقيقية ذات مصالح ملزمة كالأوأمر الأولية. و قد تسمي (الأوأمر الثانوية) تنبيها علي إنها واردة الحالات طارئة ثانوية علي المكلف و إذا أمتثلها المكلف أدي ما عليه في هذا الحال و سقط عنه التكليف بها. و لكن يقع البحث و التساؤل فيما لو ارتفعت تلك الحالة الاضطرارية الثانوية و رجع المكلف إلي حالته الأولي من التمكن من أداء ما كان عليه واجبا في حالة الاعتبار فهل بجزئه ما كان قد أتي به في حال الاضطرار، أو لا يجزئه، بل

لا بد له من إعادة الفعل في الوقت أداء إذا كان ارتفاع الاضطرار قبل انتهاء وقت الفعل و كنا قلنا بجواز البدار (1)، أو أعادته خارج الوقت قضاء إذا كان ارتفاع الاضطرار بعد الوقت. إن هذا أمر يصح فيه الشك و التساؤل و إن كان المعروف بين الفقهاء في فتاويهم القول بالإجزاء مطلقا أداء و قضاء. غير إن إطباقهم علي القول بالإجزاء ليس مستندا إلي دعوي إن البديهية العقلية تقضي به، لأنه هنا يمكن تصور عدم الإجزاء بلا محذور عقلي، أعني يمكننا إن نتصور عدم الملازمة بين الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري و بين الإجزاء به عن الأمر الواقعي الاختياري. توضيح ذلك: إنه لا إشكال في إن المأتي به في حال الاضطرار أنقص من المأمور به حال الاختيار و القول بالإجزاء فيه معناه كفاية الناقص عن الكأمل مع فرض حصول التمكن من أداء الكأمل في الوقت أو خارجه. و لا شك في

(هامش)

(1) لأنه إذا لم يجز البدار، فإن ابتدر فعمله باطل فكيف يجزئ و إن لم يبتدر فلا يبقي مجال لزوال العذر في الوقت حتي يتصور الأداء.

ص 227

إن العقل لا يرق بأسا بالأمر بالفعل ثانيا بعد زوال الضرورة، تحصيلا للكأمل الذي قد فات منه. بل قد يلزم العقل بذلك إذا كان في الكأمل مصلحة ملزمة لا يفي بها الناقص و لا يسد مسد الكأمل في تحصيلها. و المقصود الذي نريد إن نقوله بصريح العبارة: (إن الإتيان بالناقص ليس بالنظرة الأولي مما يقتضي عقلا الإجزاء عن الكأمل). فلا بد إن يكون ذهاب الفقهاء إلي الإجزاء لسر هناك: أما لوجود ملازمة بين الإتيان بالناقص و بين الإجزاء عن الكأمل و أما لغير ذلك من الأسباب. فيجب إن

نتبين ذلك، فنقول: هناك وجوه أربعة تصلح إن تكون كلها أو بعضها مستندا للقول بالإجزاء نذكرها كلها.

1 - إنه من المعلوم إن الأحكام الواردة في حال الاضطرار واردة للتخفيف علي المكلفين و التوسعة عليهم في تحصيل مصالح التكاليف الأصلية الأولية (يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر). و ليس من شأن التخفيف و التوسعة إن يكلفهم ثانيا بالقضاء أو الأداء و إن كان الناقص لا يسد مسد الكأمل في تحصيل مصلحته الملزمة.

2 - إن أكثر الأدلة الواردة في التكاليف الاضطرارية مطلقة مثل قوله تعالي (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا)، أي إن ظاهرها بمقتضي الإطلاق الاكتفاء بالتكليف الثاني لحال الضرورة و إن التكليف منحصر فيه و ليس وراءه تكليف آخر. فلو إن الأداء أو القضاء واجبان أيضا لوجب البيان و التنصيص علي ذلك. و إذ لم يبين ذلك علم إن الناقص يجزئ عن أداء الكأمل أداة و قضاء، لا سيما مع ورود مثل قوله (ع): (إن التراب يكفيك عشر سنين).

3 - إن القضاء بالخصوص إنما يجب فيما إذا صدق الفوت و يمكن إن يقال إنه لا يصدق الفوت في المقام، لأن القضاء إنما يفرض فيما إذا كانت الضرورة مستمرة في جميع وقت الأداء. و علي هذا التقدير لا أمر بالكأمل في الوقت و إذا لم يكن أمر فقد يقال إنه لا يصدق بالنسبة إليه فوت الفريضة، إذ لا فريضة. و أما الأداء فإنما يفرض فيما يجوز البدار به و قد ابتدر المكلف - حسب الفرض - إلي فعل الناقص في الأزمنة الأولي من الوقت ثم زالت الضرورة قبل

ص 228

انتهاء الوقت. و نفس الرخصة في البدار - لو ثبتت - تشير إلي مسأمحة الشارع

في تحصيل الكأمل عند التمكن و إلا لفرض عليه الانتظار تحصيلا للكأمل.

4 - إذا كنا قد شككنا في وجوب الأداء و القضاء و المفروض إن و جوبهما لم ننفه بإطلاق و نحوه - فإن هذا شك في أصل التكليف. و في مثله تجري أصالة البراءة القاضية بعدم و جوبهما فهذه الوجوه الأربعة كلها أو بعضها أو نحوها هي سر حكم الفقهاء بالإجزاء قضاء و أداء. و القول بالإجزاء - علي هذا أمر لا مفر منه. و يتأكد ذلك في الصلاة التي هي العمدة في الباب.

المقام الثاني - الأمر الظاهري

تمهيد: للحكم الظاهري اصطلاحان: (أحدهما) ما تقدم في أول الجزء الأول ص 6 و هو المقابل للحكم الواقعي و إن كان الواقعي مستفادا من الأدلة الاجتهادية الظنية فيختص الظاهري بما ثبت بالأصول العملية. و (ثانيهما) كل حكم ثبت ظاهرا عند الجهل بالحكم الواقعي الثابت في علم الله تعالي، فيشمل الحكم الثابت بالأمارات و الأصول معا. فيكون الحكم الظاهري بالمعني الثاني اعم من الأول. و هذا المعني الثاني العام هو المقصود هنا بالبحث، فالأمر الظاهري: ما تضمنه الأصل أو الأمارة. ثم إنه لا شك في إن الأمر الواقعي في موردي الأصل و الأمارة غير منجز علي المكلف، بمعني إنه لا عقاب علي مخالفته بسبب العمل بالأمارة و الأصل لو اتفق مخالفتهما له، لأنه - من الواضح - إن كل تكليف غير و أصل إلي المكلف بعد الفحص و اليأس غير منجز عليه، ضرورة إن التكليف إنما يتنجز بوصوله بأي نحو من إنحاء الوصول و لو بالعلم الإجمالي. هذا كله لا كلأم فيه و سيأتي في مباحث الحجة تفصيل الحديث عنه. و إنما الذي يحسن إن نبحث عنه هنا

في هذا الباب هو إن الأمر الواقعي المجهول لو انكشف فيه بعد ذلك خطأ الأمارة أو الأصل و قد عمل المكلف

ص 229

- حسب الفرض - علي خلافه أتباعا للأمارة الخاطئة أو الأصل المخالف للواقع، فهل يجب علي المكلف امتثال الأمر الواقعي في الوقت أداء و في خارج الوقت قضاء، أو إنه لا يجب شيء عليه بل يجزي ما أتي به علي طبق الأمارة أو الأصل و يكتفي به؟ ثم إن العمل علي خلاف الواقع - كما سبق - تارة يكون بالأمارة و أخري بالأصل. ثم الانكشاف علي نحوين: انكشاف علي نحو اليقين و انكشاف بمقتضي حجة معتبرة. فهذه أربع صور. و لاختلاف البحث في هذه الصور - مع اتفاق صورتين منها في الحكم و هما صورتا الانكشاف بحجة معتبرة مع العمل علي طبق الأمارة و مع العمل بمقتضي الأصل - نعقد البحث في ثلاث مسائل:

1 - الإجزاء في الأمارة مع انكشاف الخطأ يقينا

إن قيأم الأمارة تارة يكون في الأحكام، كقيأم الأمارة علي وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة حال الغيبة بدلا عن صلاة الجمعة و أخري في الموضوعات، كقيأم البينة علي طهارة ثوب صلي به أو ماء توضأ منه، ثم بانت نجاسته. و المعروف عند الأمأمية عدم الإجزاء مطلقا: في الأحكام و الموضوعات، أما في (الأحكام) فلأجل اتفاقهم علي مذهب التخطئة، أي إن المجتهد يخطئ و يصيب، لأن لله تعالي أحكام ثابتة في الواقع يشترك فيها العالم و الجاهل، أي إن الجاهل مكلف بها كالعالم، غاية الأمر إنها غير منجزة بالفعل بالنسبة إلي الجاهل القاصر (1) حين جهله و إنما يكون معذورا في المخالفة لو اتفقت له بأتباع الأمارة، إذ لا تكون الأمارة عندهم الا طريقا

محضا لتحصيل الواقع.

(هامش)

(1) الجاهل القاصر من لم يتمكن من الفحص أو فحص فلم يعثر. و يقابله المقصر و هو بعكسه. و الأحكام منجزة بالنسبة إلي المقصر لحصول العلم الإجمالي بها عنده و العلم منجز للأحكام و إن كان أجماليا فلا يكون معذورا. بل الاحتمال وحده بالنسبة إليه يكون منجزا و سيأتي البحث عن ذلك في (مباحث الحجة).

ص 230

ومع انكشاف الخطأ لا يبقي مجال للعذر، بل يتنجز الواقع حينئذ في حقه من دون إن يكون قد جاء بشيء يسد مسده و يغني عنه. و لا يصح القول بالإجزاء الا إذا قلنا: إنه بقيأم الأمارة علي وجوب شيء تحدث فيه مصلحة ملزمة علي إن تكون هذه المصلحة وافية بمصلحة الواقع يتدارك بها مصلحة الواجب الواقعي، فتكون الأمارة مأخوذة علي نحو الموضوعية للحكم. ضرورة إنه مع هذا الفرض يكون ما أتي به علي طبق الأمارة مجزيا عن الواقع لأنه قد أتي بما يسد مسده و يغني عنه في تحصيل مصلحة الواقع. و لكن هذا معناه التصويب المنسوب إلي المعتزلة، أي إن أحكام الله تعالي لآراء المجتهدين و إن كانت له أحكام واقعية ثابتة في نفسها، فإنه يكون - عليه - كل رأي أدي إليه نظر المجتهد قد انشأ الله تعالي طبقه حكما من الأحكام. و التصويب بهذا المعني قد اجتمعت الأمأمية علي بطلانه و سيأتي البحث عنه في (مباحث الحجة). و أما القول بالمصلحة السلوكية - أي إن نفس متابعة الأمارة فيه مصلحة ملزمة يتدارك بها ما فات من مصلحة الواقع و إن لم تحدث مصلحة في نفس الفعل الذي أدت الأمارة إلي و جوبه - فهذا قول لبعض الأمأمية لتصحيح جعل الطرق و الأمارات في فرض التمكن

من تحصيل العلم، علي ما سيأتي بيانه في محله إن شاء الله تعالي. ولكنه - علي تقدير صحة هذا القول - لا يقتضي الإجزاء أيضا، لأنه علي فرضه تبقي مصلحة الواقع علي ما هي عليه عند انكشاف خطأ الأمارة في الوقت أو في خارجه. توضيح ذلك: إن المصلحة السلوكية المدعاة هي مصلحة تدارك الواقع باعتبار إن الشارع لما جعل الأمارة في حال تمكن المكلف من تحصيل العلم بالواقع فإنه قد فوت عليه الواقع فلا بد من فرض تداركه بمصلحة تكون في نفس أتباع الأمارة و اللازم من المصلحة التي يتدارك بها الواقع إن تقدر بقدر ما فات من الواقع من مصلحة لا أكثر. و عند انكشاف الخطأ في الوقت لم يفت من مصلحة الواقع الا مصلحة فضيلة أول الوقت و عند انكشاف الخطأ في خارج الوقت لم تفت الا مصلحة الوقت، أما مصلحة أصل الفعل فلم تفت من المكلف لا مكان تحصيلها بعد الانكشاف، فما هو الملزم للقول

ص 231

بحصول مصلحة يتدارك بها أصل مصلحة الفعل حتي يلزم الإجزاء؟ ! * * * و أما في (الموضوعات) فالظاهر إن المعروف عندهم إن الأمارة فيها قد أخذت علي نحو (الطريقة)، كقاعدة اليد و الصحة و سوق المسلمين و نحوها فإن أصابت الواقع فذاك و إن أخطأت فالواقع علي حاله و لا تحدث بسببها مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع غاية الأمر إن المكلف معها معذور عند الخطأ و شأنها في ذلك شأن الأمارة في الأحكام. و السر في حملها علي (الطريقية) هو إن الدليل الذي دل علي حجية الأمارة في الأحكام هو نفسه دل علي حجيتها في الموضوعات بلسان واحد في الجميع، لا إن القول بالموضوعية هنا يقتضي

محذور التصويب المجمع علي بطلانه عند الأمأمية كالأمارة في الأحكام. و عليه فالأمارة في الموضوعات أيضا لا تقتضي الإجزاء بلا فرق بينها و بين الأمارة في الأحكام.

2 - الإجزاء في الأصول مع انكشاف الخطأ يقينا:

لا شك في إن العمل بالأصل إنما يصح إذا فقد المكلف الدليل الاجتهادي علي الحكم. فيرجع إليه باعتباره وظيفة للجاهل لا بد منها للخروج من الحيرة. فالأصل - في حقيقته - وظيفة للجاهل الشاك ينتهي إليه في مقام العلم إذ لا سبيل له غير ذلك لرفع الحيرة و علاج حالة الشك. ثم إن الأصل علي قسمين:

1 - أصل عقلي و المراد منه ما يحكم به العقل و لا يتضمن جعل حكم ظاهري من الشارع، كالاحتياط و قاعدة التخيير و البراءة العقلية التي مرجعها إلي حكم العقل بنفي العقاب بلا بيان، فهي لا مضمون لها الا رفع العقاب، لا جعل حكم بالإباحة من الشارع.

2 - أصل شرعي و هو المجعول من الشارع في مقام الشك و الحيرة

ص 232

فيتضمن جعل حكم ظاهري، كالاستصحاب و البراءة الشرعية التي مرجعها إلي حكم الشارع بالإباحة و مثلها أصالة الطهارة و الحلية. إذا عرفت ذلك فنقول: أولا - إن بحث الإجزاء لا يتصور في قاعدة الاحتياط مطلقا سواء كانت عقلية أو شرعية، لأن المفروض في الاحتياط هو العمل بما يحقق امتثال التكليف الواقعي فلا يتصور فيه تفويت المصلحة. و ثانيا - كذلك لا يتصور بحث الإجزاء في الأصول العقلية الأخري كالبراءة و قاعدة التخيير، لأنها - حسب الفرض لا تتضمن حكما ظاهريا، حتي يتصور فيها الإجزاء و الاكتفاء بالمأتي به عن الواقع، بل إن مضمونها هو سقوط العقاب و المعذورية المجردة. و عليه فينحصر البحث في خصوص

الأصول الشرعية عدا الاحتياط، كالاستصحاب و أصالة البراءة و الحلية و أصالة الطهارة. و هي لأول وهلة لا مجال لتوهم الإجزاء فيها لا في الأحكام و لا في الموضوعات، فإنها أولي من الأمارات في عدم الإجزاء، باعتبار إنها - كما ذكرنا في صدر البحث - وظيفة عملية يرجع إليها الجاهل الشاك لرفع الحيرة في مقام العمل و العلاج الوقتي. أما الواقع فهو علي واقعيته، فيتنجز حين العلم به و انكشافه و لا مصلحة في العمل بالأصل غير رفع الحيرة عند الشك. فلا يتصور فيه مصلحة وافية يتدارك بها مصلحة الواقع حتي يقتضي الإجزاء و الاكتفاء به عن الواقع. و لذا أفتي علماؤنا المتقدمون بعدم الإجزاء في الأصول العملية. و مع هذا، فقد قال قوم من المتأخرين بالإجزاء منهم شيخنا صاحب الكفاية و تبعه تلميذه أستاذنا الشيخ محمد حسين الإصفهاني. و لكن ذلك في خصوص الأصول الجارية لتنقيح موضوع التكليف و تحقيق متعلقه. كقاعدة الطهارة و أصالة الحلية و استصحابها دون الأصول الجارية في نفس الأحكام. و منشأ هذا الرأي عنده اعتقاده بأن دليل الأصل في موضوعات الأحكام موسع لدائرة الشرط أو الجزء المعتبر في موضوع التكليف و متعلقه بأن يكون مثل قوله عليه السلأم: (كل شيء نظيف حتي تعلم إنه قذر) يدل علي إن كل شيء

ص 233

قبل العلم بنجاسته محكوم بالطهارة. و الحكم بالطهارة حكم بترتيب آثارها و إنشاء لأحكامها التكليفية و الوضعية التي منها الشرطية فتصح الصلاة بمشكوك الطهارة كما تصح بالطاهر الواقعي. و يلزم من ذلك إن يكون الشرط في الصلاة - حقيقة - أعم من الطهارة الواقعية و الطهارة الظاهرية. و إذا كان الأمر كذلك فإذا انكشف الخلاف لا يكون ذلك موجبا

لانكشاف فقدان العمل لشرطه، بل يكون بالنسبة إليه من قبيل ارتفاعه من حين ارتفاع الجهل. فلا يتصور حينئذ معني لعدم الإجزاء بالنسبة إلي ما أتي به حين الشك. و المفروض إن ما أتي به يكون واجدا لشرطه المعتبر فيه تحقيقا، باعتبار إن الشرط هو الأعم من الطهارة الواقعية و الظاهرية حين الجهل، فلا يكون فيه انكشاف للخلاف و لا فقدان للشرط. و قد ناقشه شيخنا الميرزا النائيني بعدة مناقشات يطول ذكرها و لا يسعها هذا المختصر و الموضوع من المباحث الدقيقة التي هي فوق مستوي كتابنا.

3 - الإجزاء في الأمارات و الأصول مع انكشاف الخطأ بحجة معتبرة:

وهذه أهم مسألة في الإجزاء من جهة عموم البلوي بها للمكلفين، فإن المجتهدين كثيرا ما يحصل لهم تبدل في الرأي بما يوجب فساد أعمالهم السابقة ظاهرا. و يتبعهم المقلدون لهم. و المقلدون أيضا قد ينتقلون من تقليد شخص إلي تقليد شخص آخر يخالف الأول في الرأي بما يوجب فساد الأعمال السابقة. فنقول في هذه الأحوال: إنه بعد قيأم الحجة المعتبرة اللاحقة بالنسبة إلي المجتهد أو المقلد، لا إشكال في وجوب الأخذ بها في الوقائع اللاحقة غير المرتبطة بالوقائع السابقة. و لا إشكال - أيضا - في مضي الوقائع السابقة التي لا يترتب عليها أثر أصلا في الزمن اللاحق. و إنما الإشكال في الوقائع اللاحقة المرتبطة بالوقائع السابقة، مثل ما لو انكشف الخطأ اجتهادا أو تقليدا في وقت العبادة و قد عمل بمتقضي الحجة

ص 234

السابقة، أو انكشف الخطأ في خارج الوقت و كان عمله مما يقضي كالصلاة. و مثل ما لو تزوج زوجة بعقد غير عربي اجتهادا أو تقليدا ثم قأمت الحجة عنده علي اعتبار اللفظ العربي و الزوجة لا

تزال موجودة. فإن المعروف في الموضوعات الخارجية عدم الإجزاء. أما في الأحكام فقد قيل بقيأم الإجماع علي الإجزاء لا سيما في الأمور العبادية كالمثال الأول المتقدم. و لكن العمدة في الباب إن نبحث عن القاعدة ماذا تقتضي هنا؟ هل تقتضي الإجزاء أو لا تقتضيه؟ و الظاهر إنها لا تقتضي الإجزاء. و خلاصة ما ينبغي إن يقال:

إن من يدعي الإجزاء لا بد إن يدعي إن المكلف لا يلزمه في الزمان اللاحق الا العمل علي طبق الحجة الأخيرة التي قأمت عنده. و أما عمله السابق فقد كان علي طبق حجة ماضية عليه في حينها. و لكن يقال له، إن التبدل الذي حصل له، أما إن يدعي إنه تبدل في الحكم الواقعي أو تبدل في الحجة عليه. و لا ثالث لهما. أما دعوي التبدل في الحكم الواقعي فلا إشكال في بطلانها، لأنها تستلزم القول بالتصويب. و هو ظاهر. و أما دعوي التبدل في الحجة، فإن أراد إن الحجة الأولي هي حجة بالنسبة إلي الأعمال السابقة و بالنظر إلي وقتها فقط فهذا لا ينفع في الإجزاء بالنسبة إلي الأعمال اللاحقة و آثار الأعمال السابقة و إن أراد إن الحجة الأولي هي حجة مطلقا حتي بالنسبة إلي الأعمال اللاحقة و آثار الأعمال السابقة فالدعوي باطلة قطعا. لأنه في تبدل الاجتهاد ينكشف بحجة معتبرة إن المدرك السابق لم يكن حجة مطلقا حتي بالنسبة إلي أعماله اللاحقة، أو إنه تخيله حجة و هو ليس بحجة. لا إن المدرك الأول حجة مطلقا و هذا الثاني حجة أخري. و كذلك الكلام في تبدل التقليد، فإن مقتضي التقليد الثاني هو انكشاف بطلان الأعمال الواقعة علي طبق التقليد الأول، فلا بد من ترتيب الأثر علي طبق

الحجة الفعلية فإن الحجة السابقة - أي التقليد الأول - كلا حجة بالنسبة إلي الآثار اللاحقة و إن كانت حجة عليه في وقته و المفروض عدم التبدل في

ص 235

الحكم الواقعي فهو باق علي حاله. فيجب العمل علي طبق الحجة الفعلية و ما تقتضيه. فلا إجزاء الا إذا ثبت الإجماع عليه. و تفصيل الكلام في هذا الموضوع يحتاج إلي سعة من القول فوق مستوي هذا المختصر.

تنبيه في تبدل القطع

لو قطع المكلف بأمر خطأ فعمل علي طبق قطعه ثم بأن له يقينا خطأه، فإنه لا ينبغي الشك في عدم الإجزاء. و السر واضح، لأنه عند القطع الأول لم يفعل ما استوفي مصلحة الواقع بأي وجه من وجوه الاستيفاء، فكيف يسقط التكليف الواقعي، لأنه في الحقيقة لا أمر موجه إليه إنما كان يتخيل الأمر. و عليه، فيجب امتثال الواقع في الوقت أداء و في خارجه قضاء. نعم لو إن العمل الذي قطع بوجوبه كان من باب الاتفاق محققا لمصلحة الواقع فإنه لا بد إن يكون مجزيا. و لكن هذا أمر آخر اتفاقي ليس من جهة كونه مقطوع الوجوب

المسألة الثانية: مقدمة الواجب
المدخل

المسألة الثانية: مقدمة الواجب

تحرير النزاع:

كل عاقل يجد من نفسه إنه إذا وجب عليه شيء و كان حصوله يتوقف علي مقدمات، فإنه لا بد له من تحصيل تلك المقدمات ليتوصل إلي فعل ذلك الشيء بها. و هذا الأمر بهذا المقدار ليس موضعا للشك و النزاع و إنما الذي وقع موضعا للشك و جري فيه النزاع عند الأصوليين هو إن هذه الابدية العقلية للمقدمة التي لا يتم الواجب الا بها هل يستكشف منها اللابدية شرعا أيضا؟

ص 236

يعني إن الواجب هل يلزم عقلا من و جوبه الشرعي وجوب مقدمته شرعا؟ أو فقل علي

نحو العموم: كل فعل واجب عند مولي من الموالي هل يلزم منه عقلا وجوب مقدمته أيضا عند ذلك المولي. و بعبارة رابعة أكثر وضوحا: إن العقل - لا شك - يحكم بوجوب مقدمة الواجب (أي يدرك لزومها) و لكن هل يحكم أيضا بأنها واجبة أيضا عند من أمر بما يتوقف عليها؟ و علي هذا البيان، فالملازمة بين حكم العقل و حكم الشرع هي موضع البحث في هذه المسألة.

مقدمة الواجب من أي قسم من المباحث الأصولية؟

وإذا اتضح ما تقدم في تحرير النزاع نستطيع إن نفهم إنه في أي قسم من أقسأم المباحث الأصولية ينبغي إن تدخل هذه المسألة. و توضيح ذلك: إن هذه الملازمة - علي تقدير القول بها - تكون علي إنحاء ثلاثة: أما ملازمة غير بينة. أو بينة بالمعني الأعم، أو بينة بالمعني الأخص (1). فإن كانت هذه الملازمة - في نظر القائل بها - غير بينة أو بينة بالمعني الأعم، فإثبات اللازم و هو وجوب المقدمة شرعا لا يرجع إلي دلالة اللفظ أبدا بل إثباته إنما يتوقف علي حجية هذا الحكم العقلي بالملازمة و إذا تحققت هناك دلالة فهي من نوع دلالة الإشارة (2). و علي هذا فيجب إن تدخل المسألة في بحث الملازمات العقلية غير المستقلة و لا يصح إدراجها في مباحث الألفاظ.

(هامش)

(1) راجع عن معني الملازمة و أقسأمها الثلاثة الجزء الأول من المنطق للمؤلف ص 79 الطبعة الثانية. (2) راجع دلالة الإشارة الجزء الأول ص 135، فإنه ذكرنا هناك إن دلالة الإشارة ليست من الظواهر فلا تدخل في حجية الظهور و إنما حجيتها - علي تقديره - من باب الملازمة العقلية.

ص 237

وإن كانت هذه الملازمة - في نظر القائل بها -

ملازمة بينة بالمعني الأخص، فإثبات اللازم يكون لا محالة بالدلالة اللفظية و هي الدلالة الإلتزامية خاصة. و الدلالة الإلتزامية من الظواهر التي هي حجة. و لعله لأجل هذا أدخلوا هذه المسألة في مباحث الألفاظ و جعلوها من مباحث الأوأمر بالخصوص. و هم علي حق في ذلك إذا كان القائل بالملازمة لا يقول بها الا لكونها ملازمة بينة بالمعني الأخص و لكن الأمر ليس كذلك. أذن، يمكننا إن نقول: إن هذه المسألة ذات جهتين باختلاف الأقوال فيها: يمكن إن تدخل في مباحث الألفاظ علي بعض الأقوال و يمكن إن تدخل في الملازمات العقلية علي البعض الآخر. و لكن لأجل الجمع بين الجهتين ناسب إدخالها في الملازمات العقلية - كما صنعنا - لأن البحث فيها علي كل حال في ثبوت الملازمة، غاية الأمر إنه علي أحد الأقوال تدخل صغري لحجية الظهور كما تدخل صغري لحجية العقل. و علي القول الآخر تتمحض في الدخول صغري لحجية العقل. و الجأمع بينهما هو جعلها صغري لحجية العقل.

ثمرة النزاع:

إن ثمرة النزاع المتصورة - أولا و بالذات - لهذه المسألة هي استنتاج وجوب المقدمة شرعا بالإضافة إلي و جوبها العقلي الثابت. و هذا المقدار كاف في ثمرة المسألة الأصولية، لأن المقصود من علم الأصول هو الاستعانة بمسائله علي استنباط الأحكام من أدلتها. و لكن هذه ثمرة غير عملية، باعتبار إن المقدمة بعد فرض و جوبها العقلي و لا بدية الإتيان بها لا فائدة في القول بوجوبها شرعا أو بعدم و جوبها، إذ لا مجال للمكلف إن يتركها بحال ما دام هو بصدد امتثال ذي المقدمة. و عليه، فالبحث عن هذه المسألة لا يكون بحثا عمليا مفيدا، بل يبدو لأول وهلة إنه لغو

من القول لا طائل تحته، مع إن هذه المسألة من أشهر مسائل هذا العلم و أدقها و أكثرها بحثا.

ص 238

ومن أجل هذا أخذ بعض الأصوليين المتأخرين يفتشون عن فوائد عملية لهذا البحث غير ثمرة أصل الوجوب. و في الحقيقة إن كل ما ذكروه من ثمرات لا تسمن و لا تغني من جوع. (راجع عنها المطولات إن شئت). فيا تري هل كان البحث عنها كله لغوا؟ و هل من الأصح إن نترك البحث عنها؟ - نقول: لا! إن للمسألة فوائد علمية كثيرة إن لم تكن لها فوائد عملية و لا يستهان بتلك الفوائد كما ستري، ثم هي ترتبط، بكثير من المسائل ذات الشأن العملي في الفقه، كالبحث عن الشرط المتأخر و المقدمات المفوته و عبادية بعض المقدمات كالطهارات الثلاث مما لا يسع الأصولي إن يتجاهلها و يغفلها. و هذا كله ليس بالشيء القليل و إن لم تكن هي من المسائل الأصولية. و لذا تجد إن أهم مباحث مسألتنا هي هذه الأمور المنوه عنها و أمثالها. أما نفس البحث عن أصل الملازمة فيكاد يكون بحثا علي الهامش، بل آخر ما يشغل بال الأصوليين. هذا و نحن أتباعا لطريقتهم نضع التمهيدات قبل البحث عن أصل المسألة في أمور تسعة:

1 - الواجب النفسي و الغيري

1 - الواجب النفسي و الغيري

تقدم في المجلد الأول ص 72 معني الواجب النفسي و الغيري و يجب توضيحهما الآن فإنه هنا موضع الحاجة لبحثهما، لأن الوجوب الغيري هو نفس وجوب المقدمة - علي تقدير القول بوجوبها - و عليه، فنقول في تعريفهما: (الواجب النفسي): ما وجب لنفسه، لا لواجب آخر. (الواجب الغيري): ما وجب. . لواجب آخر. و هذان التعريفان أسد التعريفات لهما و أحسنها و لكن يحتاجان

إلي بعض من التوضيح: فإن قولنا: (ما وجب لنفسه) قد يتوهم منه المتوهم لأول نظرة إن العبارة

ص 239

تعطي إن معناها إن يكون وجوب الشيء علة لنفسه في الواجب النفسي و ذلك بمقتضي المقابلة لتعريف الواجب الغيري، إذ يستفاد منه إن وجوب الغير علة لوجوبه كما عليه المشهور. و لا شك في إن هذا محال في الواجب النفسي، إذ كيف يكون الشيء علة لنفسه؟ و يندفع هذا التوهم بأدني تأمل، فإن ذلك التعبير عن الواجب النفسي صحيح لا غبار عليه و هو نظير تعبيرهم عن الله تعالي بأنه (واجب الوجود لذاته)، فإن غرضهم منه إن وجوده ليس مستفادا من الغير و لا لأجل الغير كالممكن، لا إن معناه إنه معلول لذاته. و كذلك هنا نقول في الواجب النفسي فإن معني (ما وجب لنفسه) إن و جوبه غير مستفاد من الغير و لا لأجل الغير في قبال الواجب الغيري الذي و جوبه لأجل الغير، لا إن و جوبه مستفاد من نفسه. و بهذا يتضح معني تعريف الواجب الغيري (ما وجب لواجب آخر) فإن معناه إن و جوبه لأجل الغير و تابع للغير، لكونه مقدمة لذلك الغير الواجب. و سيأتي في البحث الآتي توضيح معني التبعية هذه ليتجلي لنا المقصود من الوجوب الغيري في الباب.

2 - معني التبعية في الوجوب الغيري

2 - معني التبعية في الوجوب الغيري

قد شاع في تعبيراتهم كثيرا قولهم: (إن الواجب الغيري تابع في و جوبه لوجوب غيره) و لكن هذا التعبير مجمل جدا، لأن التبعية في الوجوب يمكن إن تتصور لها معاني أربعة، فلا بد من بيانها و بيان المعني المقصود منها هنا، فنقول:

1 - إن يكون معني الوجوب التبعي هو الوجوب بالعرض. و معني ذلك إنه ليس في

الواقع الا وجوب واحد حقيقي - و هو الوجوب النفسي - ينسب إلي ذي المقدمة أولا و بالذات و الي المقدمة ثانيا و بالعرض. و ذلك نظير الوجود بالنسبة إلي اللفظ و المعني حينما يقال:

المعني موجود باللفظ، فإن المقصود بذلك إن هناك وجودا واحدا حقيقيا ينسب إلي اللفظ أولا و بالذات و الي المعني ثانيا و بالعرض. و لكن هذا الوجه من التبعية لا ينبغي إن يكون هو المقصود من التبعية هنا، لأن المقصود من الوجوب الغيري وجوب حقيقي آخر يثبت للمقدمة غير

ص 240

وجوب ذيها النفسي، بأن يكون لكل من المقدمة وذيها وجوب قائم به حقيقة. و معني التبعية في هذا الوجه إن الوجوب الحقيقي واحد و يكون الوجوب الثاني و جوبا مجازيا. علي إن هذا الوجوب بالعرض ليس و جوبا يزيد علي اللابدية العقلية للمقدمة حتي يمكن فرض النزاع فيه نزاعا عمليا.

2 - إن يكون معني التبعية صرف التأخر في الوجود، فيكون ترتب الوجوب الغيري علي الوجوب النفسي نظير ترتب أحد الوجودين المستقلين علي الآخر، بأن يفرض البعث الموجه للمقدمة بعثا مستقلا ولكنه بعد البعث نحو ذيها مرتب عليه في الوجود، فيكون من قبيل الأمر بالحج المرتب وجودا علي حصول الاستطاعة و من قبيل الأمر بالصلاة بعد حصول البلوغ أو دخول الوقت. و لكن هذا الوجه من التبعية أيضا لا ينبغي إن يكون هو المقصود هنا، فإنه لو كان ذلك هو المقصود لكان هذا الوجوب للمقدمة - في الحقيقة - و جوبا نفسيا آخر في مقابل وجوب ذي المقدمة و إنما يكون وجوب ذي المقدمة له السبق في الوجود فقط. و هذا ينافي حقيقة المقدمية فإنها لا تكون الا موصلة إلي ذي المقدمة في

و جوبها معا.

3 - إن يكون معني التبعية ترشح الوجوب الغيري من الوجوب النفسي لذي المقدمة علي وجه يكون معلولا له و منبعثا منه انبعاث الأثر من مؤثره التكويني كانبعاث الحرارة من النار. و كان هذا الوجه من التبعية هو المقصود للقوم و لذا قالوا بأن وجوب المقدمة تابع لوجوب ذيها إطلاقا و اشتراطا لمكان هذه المعلولية، لأن المعلول لا يتحقق الا حيث تتحقق علته و إذا تحققت العلة لا بد من تحققه بصورة لا يتخلف عنها. و أيضا عللوا امتناع وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها بامتناع وجود المعلول قبل وجود علته. و لكن هذا الوجه لا ينبغي إن يكون هو المقصود من تبعية الوجوب الغيري و إن اشتهر علي الالسنة، لأن الوجوب النفسي لو كان علة للوجوب الغيري فلا يصح فرضه الا علة فاعلية تكوينية دون غيرها من العلل فإنه لا معني لفرضه علة صورية أو مادية أو غائية. و لكن فرضه علة فاعلية أيضا باطل جزما، لوضوح إن العلة الفاعلية الحقيقية للوجوب هو الأمر، لأن الأمر فعل الأمر. و الظاهر إن السبب في اشتهار معلولية الوجوب الغيري هو إن شوق الأمر

ص 241

للمقدمة هو الذي يكون منبعثا من الشوق إلي ذي المقدمة، لأن الإنسان إذا اشتاق إلي فعل شيء اشتاق بالتبع إلي فعل كل ما يتوقف عليه. و لكن الشوق إلي فعل الشيء من الغير ليس هو الوجوب و إنما الشوق إلي فعل الغير يدفع الأمر إلي الأمر به إذا لم يحصل ما يمنع من الأمر به فإذا صدر منه الأمر و هو أهل له أنتزع منه الوجوب. و الحاصل ليس الوجوب الغيري معلولا للوجوب النفسي في ذي المقدمة و لا ينتهي إليه في

سلسلة العلل و إنما ينتهي الوجوب الغيري في سلسلة علله إلي الشوق إلي ذي المقدمة إذا لم يكن هناك مانع لدي الأمر من الأمر بالمقدمة، لأن الشوق - علي كل حال - ليس علة تأمة إلي فعل ما يشتاق إليه. فتذكر هذا فإنه سينفعك في وجوب المقدمة المفوتة و في أصل وجوب المقدمة، فإنه بهذا البيان سيتضح كيف يمكن فرض وجوب المقدمة المفوتة قبل وجوب ذيها و بهذا البيان سيتضح أيضا كيف إن المقدمة مطلقا ليست واجبة بالوجوب المولوي.

4 - إن يكون معني التبعية هو ترشح الوجوب الغيري من الوجوب النفسي و لكن لا بمعني إنه معلول له، بل بمعني إن الباعث للوجوب الغيري - علي تقدير القول به - هو الواجب النفسي باعتبار إن الأمر بالمقدمة و البعث نحوها إنما هو لغاية التوصل إلي ذيها الواجب و تحصيله، فيكون و جوبها وصلة و طريقا إلي تحصيل ذيها و لولا إن ذيها كان مرادا للمولي لما أوجب المقدمة. و يشير إلي هذا المعني من التبعية تعريفهم للواجب الغيري بأنه (ما وجب لواجب آخر)، أي لغاية واجب آخر و لغرض تحصيله و التوصل إليه، فيكون الغرض من وجوب المقدمة علي تقدير القول به هو تحصيل ذيها الواجب. و هذا المعني هو الذي ينبغي إن يكون معني التبعية المقصودة في الوجوب الغيري. و يلزمها إن يكون الوجوب الغيري تابعا لوجوبها إطلاقا و اشتراطا. و عليه، فالوجوب الغيري وجوب حقيقي ولكنه وجوب تبعي توصلي آلي و شأن وجوب المقدمة شأن نفس المقدمة. فكما إن المقدمة بما هي مقدمة لا يقصد فاعلها الا التوصل إلي ذيها كذلك و جوبها إنما هو للتوصل إلي تحصيل ذيها، كالآلة الموصلة التي لا

تقصد بالأصالة و الاستقلال. و سر هذا واضح، فإن المولي - بناء علي القول بوجوب المقدمة - إذا أمر بذي المقدمة فإنه لابد له لغرض تحصيله من المكلف إن يدفعه و يبعثه نحو

ص 242

مقدماته فيأمره بها توصلا إلي غرضه. فيكون البعث نحو المقدمة - علي هذا - بعثا حقيقيا، لا إنه يتبع البعث إلي ذيها علي وجه ينسب إليها بالعرض كما في (الوجه الأول) و لا إنه يبعثه مستقل لنفس المقدمة و لغرض فيها بعد البعث نحو ذيها كما في (الوجه الثاني) و لا إن البعث نحو المقدمة من آثار البعث نحو ذيها علي وجه يكون معلولا له كما في (الوجه الثالث). و سيأتي تتمة للبحث في المقدمات المفوتة.

3 - خصائص الوجوب الغيري

3 - خصائص الوجوب الغيري

بعد ما اتضح معني التبعية في الوجوب الغيري تتضح لنا خصائصه التي بها يمتاز عن الوجوب النفسي و هي أمور:

1 - إن الواجب الغيري كما لا بعث استقلالي له - كما تقدم - لا إطاعة استقلالية له و إنما أطاعته كوجوبه لغرض التوصل إلي ذي المقدمة، بخلاف الواجب النفسي فإنه واجب لنفسه و يطاع لنفسه.

2 - إنه بعد إن قلنا إنه لا إطاعة استقلالية للوجوب الغيري و إنما أطاعته كوجوبه لصرف التوصل إلي ذي المقدمة فلا بد ألا يكون له ثواب علي أطاعته (1) غير الثواب الذي يحصل علي إطاعة وجوب ذي المقدمة، كما لا عقاب علي عصيانه غير العقاب علي عصيان وجوب ذي المقدمة. و لذا نجد إن من ترك الواجب بترك مقدماته لا يستحق أكثر من عقاب واحد علي نفس الواجب النفسي، لا إنه يستحق عقابات متعددة بعدد مقدماته المتروكة. و أما ما ورد في الشريعة من الثواب علي بعض

المقدمات مثل ما ورد من الثواب علي المشي علي القدم إلي الحج أو زيارة الحسين عليه السلأم و إنه في كل خطوة كذا من الثواب فينبغي - علي هذا - إن يحمل علي توزيع ثواب

(هامش)

(1) يري السيد الجليل المحقق الخوئي إن المقدمة أمر قابل لأن يأتي به الفاعل مضافا به إلي المولي، فيترتب علي فعلها الثواب إذا أتي بها كذلك. و لا ملازمة عنده بين ترتب الثواب علي عمل و عدم استحقاق العقاب علي تركه و لا يفرق في ذلك بين القول بوجوب المقدمة و عدمه. و هو رأي وجيه باعتبار إن فعل المقدمة يعد مشروعا في امتثال ذيها. (*)

ص 243

نفس العمل علي مقدماته باعتبار إن أفضل الأعمال أحمزها و كلما كثرت مقدمات العمل و زادت صعوبتها كثرت حمازة العمل و مشقته، فينسب الثواب إلي المقدمة مجازا ثانيا و بالعرض، باعتبار إنها السبب في زيادة مقدار الحمازة و المشقة في نفس العمل، فتكون السبب في زيادة الثواب، لا إن الثواب علي نفس المقدمة. و من أجل إنه لا ثواب علي المقدمة استشكلوا في استحقاق الثواب علي فعل بعض المقدمات كالطهارات الثلاث الظاهر منه إن الثواب علي نفس المقدمة بما هي. و سيأتي حله إن شاء الله تعالي.

3 - إن الوجوب الغيري لا يكون الا توصليا، أي لا يكون في حقيقته عباديا و لا يقتضي في نفسه عبادية المقدمة إذ لا يتحقق فيه قصد الامتثال علي نحو الاستقلال كما قلنا في الخاصة الأولي إنه لا إطاعة استقلالية له، بل إنما يؤتي بالمقدمة بقصد التوصل إلي ذيها و إطاعة أمر ذيها فالمقصود بالامتثال به نفس أمر ذيها. و من هنا استشكلوا في عبادية بعض المقدمات كالطهارات الثلاث.

و سيأتي حله إن شاء الله تعالي.

4 - إن الوجوب الغيري تابع لوجوب ذي المقدمة إطلاقا و اشتراطا و فعلية و قوة، قضاء لحق التبعية، كما تقدم. و معني ذلك إنه كل ما هو شرط في وجوب ذي المقدمة فهو شرط في وجوب المقدمة و ما ليس بشرط لا يكون شرطا لوجوبها، كما إنه كلما تحقق وجوب ذي المقدمة تحقق معه وجوب المقدمة. و علي هذا قيل يستحيل تحقق وجوب فعلي للمقدمة قبل تحقق وجوب ذيها لاستحالة حصول التابع قبل حصول متبوعة، أو لاستحالة حصول المعلول قبل حصول علته بناء علي إن وجوب المقدمة معلول لوجوب ذيها. و من هنا استشكلوا في وجوب المقدمة قبل زمان ذيها في المقدمات المفوتة كوجوب الغسل - مثلا - قبل الفجر لإدراك الصوم علي طهارة حين طلوع الفجر، فعدم تحصيل الغسل قبل الفجر يكون مفوتا للواجب في وقته و لهذا سميت مقدمة مفوتة باعتبار إن تركها قبل الوقت يكون مفوتا للواجب في وقته فقالوا بوجوبها قبل الوقت مع إن الصوم لا يجب قبل وقته فكيف تفرض فعلية وجوب مقدمته؟ و سيأتي إن شاء الله تعالي حل هذا الإشكال في بحث المقدمات المفوتة.

ص 244

4 - مقدمة الوجوب

4 - مقدمة الوجوب

قسموا المقدمة إلي قسمين مشهورين:

1 - (مقدمة الواجب) و تسمي المقدمة الوجوبية. و هي ما يتوقف عليها نفس الوجوب، بأن تكون شرطا للوجوب علي قول مشهور. و قيل إنها تؤخذ في الواجب علي وجه تكون مفروضة التحقق و الوجود علي قول آخر و مع ذلك تسمي مقدمة الوجوب. و مثالها الاستطاعة بالنسبة إلي الحج و كالبلوغ و العقل و القدرة بالنسبة إلي جميع الواجبات. و يسمي الواجب بالنسبة إليها (الواجب المشروط).

2 - (مقدمة

الواجب) و تسمي المقدمة الوجودية. و هي ما يتوقف عليها وجود الواجب بعد فرض عدم تقييد الوجوب بها، بل يكون الوجوب بالنسبة إليها مطلقا و لا تؤخذ بالنسبة إليه مفروضة الوجود، بل لا بد من تحصيلها مقدمة لتحصيله كالوضوء بالنسبة إلي الصلاة و السفر بالنسبة إلي الحج و نحو ذلك. و يسمي الواجب بالنسبة إليها (الواجب المطلق). (راجع عن الواجب المشروط و المطلق المجلد الأول ص 81). و المقصود من ذكر هذا التقسيم بيان إن محل النزاع في مقدمة الواجب هو خصوص القسم الثاني أعني المقدمة الوجودية، دون المقدمة الوجوبية. و السر واضح لأنه إذا كانت المقدمة الوجودية مأخوذة علي إنها مفروضة الحصول فلا معني لوجوب تحصيلها، فإنه خلف، فلا يجب تحصيل الاستطاعة لأجل الحج، بل إن انفق حصول الاستطاعة وجب الحج عندها. و ذلك نظير الفوت في قوله عليه السلأم: (اقض ما فات)، فإنه لا يجب تحصيله لأجل امتثال الأمر بالقضاء، بل إن اتفق الفوت وجب القضاء.

5 - المقدمة الداخلية

5 - المقدمة الداخلية

تنقسم المقدمة الوجودية إلي قسمين: داخلية و خارجية.

1 - (المقدمة الداخلية): هي جزء الواجب المركب، كالصلاة. و إنما اعتبروا الجزء مقدمة فباعتبار إن المركب متوقف في وجوده علي أجزائه فكل جزء في نفسه هو مقدمة لوجود المركب، كتقدم الواحد علي الاثنين. و إنما

ص 245

سميت (داخلية) فلأجل إن الجزء داخل في قوأم المركب و ليس للمركب وجود مستقل غير نفس وجود الإجزاء.

2 - (المقدمة الخارجية): و هي كل ما يتوقف عليه الواجب و له وجود مستقل خارج عن و جود الواجب. و الغرض من ذكر هذا التقسيم هو بيان إن النزاع في مقدمة الواجب هل يشمل المقدمة الداخلية أو إن ذلك يختص بالخارجية؟ و لقد

أنكر جماعة شمول النزاع للداخلية. و سندهم في هذا الإنكار أحد أمرين:

(الأول) إنكار المقدمية للجزء رأسا، باعتبار إن المركب نفس الإجزاء بالأسر فكيف يفرض توقف الشيء علي نفسه.

(الثاني) بعد تسليم إن الجزء مقدمة و لكن يستحيل اتصافه بالوجوب الغيري ما دام إنه واجب بالوجوب النفسي، لأن المفروض إنه جزء الواجب بالوجوب النفسي و ليس المركب الا إجزاءه بالأسر، فينبسط الواجب علي الإجزاء. و حينئذ لو وجب الجزء بالوجوب الغيري أيضا لاتصف الجزء بالوجوبين. و قد اختلفوا في بيان وجه استحالة اجتماع الوجوبين و لا يهمنا بيان الوجه فيه بعد الاتفاق علي الاستحالة. و لما كان هذا البحث لا نتوقع منه فائدة عملية حتي مع فرض الفائدة العملية في مسألة وجوب المقدمة، مع إنه بحث دقيق يطول الكلام حوله فنحن نطوي عنه صفحا محيلين الطالب إلي المطولات إن شاء.

6 - الشرط الشرعي

6 - الشرط الشرعي

إن المقدمة الخارجية تنقسم إلي قسمين: عقلية و شرعية.

1 - (المقدمة العقلية): هي كل أمر يتوقف عليه وجود الواجب توقفا واقعيا يدركه العقل بنفسه من دون استعانة بالشرع، كتوقف الحج علي قطع المسافة.

2 - (المقدمة الشرعية): هي كل أمر يتوقف عليه الواجب توقفا لا يدركه العقل بنفسه، بل يثبت ذلك من طريق الشرع، كتوقف الصلاة علي الطهارة

ص 246

واستقبال القبلة و نحوهما. و يسمي هذا الأمر أيضا (الشرط الشرعي)، باعتبار أخذه شرطا و قيدا في المأمور به عند الشارع، مثل قوله عليه السلأم: (لا صلاة الا بطهور) المستفاد منه شرطية الطهارة للصلاة. و الغرض من ذكر هذا التقسيم بيان إن النزاع في مقدمة الواجب هل يشمل الشرط الشرعي؟ و لقد ذهب بعض أعاظم مشايخنا - علي ما يظهر من بعض تقريرات درسه - إلي إن

الشرط الشرعي كالجزء لا يكون واجبا بالوجوب الغيري و سماه (مقدمة داخلية بالمعني الأعم)، باعتبار إن التقييد لما كان داخلا في المأمور به و جزءا له (1) فهو واجب بالوجوب النفسي. و لما كان انتزاع التقييد إنما يكون من القيد - أي منشأ انتزاعه هو القيد - و الأمر بالعنوان المنتزع أمر بمنشأ انتزاعه، إذ لا وجود للعنوان المنتزع الا بوجود منشأ انتزاعه - فيكون الأمر النفسي المتعلق بالتقييد متعلقا بالقيد و إذا كان القيد واجبا نفسيا فكيف يكون مرة أخري واجبا بالوجوب الغيري؟ و لكن هذا كلأم لا يستقيم عند شيخنا المحقق الإصفهاني رحمه الله و قد ناقشه في مجلس بحثه بمناقشات مفيدة. و هو علي حق في مناقشاته: أما (أولا) فلأن هذا القيد المفروض دخوله في المأمور به، لا يخلو أما إن يكون دخيلا في أصل الغرض من المأمور به و أما إن يكون دخيلا في فعلية الغرض منه و لا ثالث لهما. فإن كان من قبيل (الأول) فيجب إن يكون مأمورا به بالأمر النفسي و لكن بمعني إن متعلق الأمر لا بد إن يكون الخاص بما هو خاص و هو المركب من المقيد و القيد فيكون القيد و التقييد معا داخلين. و السر في ذلك واضح، لأن الغرض يدعو بالأصالة إلي إرادة ما هو واف بالغرض و ما يفي بالغرض - حسب الفرض - هو الخاص بما هو خاص أي المركب من المقيد و القيد، لا

(هامش)

(1) إن الفرق بين الجزء و الشرط هو إنه في الجزء يكون التقييد و القيد معا داخلين في المأمور به و أما في الشرط فالتقييد فقط يكون داخلا و القيد يكون خارجا، يعني إن التقييد يكون جزءا

تحليليا للمأمور به إذ يكون المأمور به - في المثال - هو الصلاة بما هي مقيدة بالطهارة، أي إن المأمور به هو المركب من ذات الصلاة و التقييد بوصف الطهارة. فذات الصلاة جزء تحليلي و التقييد جزء تحليلي آخر. (*)

ص 247

إن الخصوصية تكون خصوصية في المأمور به المفروغ عن كونه مأمورا به، لأن المفروض إن ذات المأمور به ذي الخصوصية ليس وحده دخيلا في الغرض. و علي هذا فيكون هذا القيد جزءا من المأمور به كسائر أجزائه الأخري و لا فرق بين جزء و جزء في كونه من جملة المقدمات الداخلية، فتسمية مثل هذا الجزء بالمقدمة الداخلية بالمعني الأعم بلا وجه بل هو مقدمة داخلية بقول مطلق، كما لا وجه لتسميته بالشرط. و إن كان من قبيل (الثاني) فهذا هو شأن الشرط سواء كان شرطا شرعيا أو عقليا و مثل هذا لا يعقل إن يدخل في حيز الأمر النفسي، لأن الغرض - كما قلنا - لا يدعو بالأصالة الا إلي إرادة ذات ما يفي بالغرض و يقوم به في الخارج و أما ماله دخل في تأثير السبب أي في فعلية الغرض فلا يدعو إليه الغرض في عرضه ذات السبب، بل الذي يدعو إلي أيجاد شرط التأثير لا بد إن يكون غرضا تبعيا يتبع الغرض الأصلي و ينتهي إليه. و لا فرق بين الشرط الشرعي و غيره في ذلك و إنما الفرق إن الشرط الشرعي لما كان لا يعلم دخله في فعلية الغرض الا من قبل المولي كالطهارة و الاستقبال و نحوهما بالنسبة إلي الصلاة، فلا بد إن ينبه المولي علي اعتباره و لو بأن يأمر به، أما بالأمر المتعلق بالمأمور به أي يأخذه قيدا فيه

كان يقول مثلا صل عن طهارة، أو بأمر مستقل كان يقول مثلا: تطهر للصلاة. و علي جميع الأحوال لا تكون الإرادة فيه تبعية و كذا الأمر به. يكون مأمورا به بالأمر النفسي، بل الإرادة فيه تبعية و كذا الأمر به. فإن قلتم - علي هذا - يلزم سقوط الأمر المتعلق بذات السبب الواجب إذا جاء به المكلف من دون الشرط، قلت من لوازم الاشتراط عدم سقوط الأمر بالسبب بفعله من دون شرطه و إلا كان الاشتراط لغوا و عبثا. و أما (ثانيا) فلو سلمنا دخول التقييد في الواجب علي وجه يكون جزءا منه فإن هذا لا يوجب إن يكون نفس القيد و الشرط الذي هو حسب الفرض منشأ لانتزاع التقييد مقدمة داخلية، بل هو مقدمة خارجية، فإن وجود الطهارة - مثلا - يوجب حصول تقييد الصلاة بها، فتكون مقدمة خارجية للتقييد الذي هو جزء حسب الفرض. و هذا يشبه المقدمات الخارجية لنفس إجزاء المأمور بها الخارجية، فكما إن مقدمة الجزء ليست بجزء فكذلك مقدمة التقييد ليست جزءا.

ص 248

والحاصل إنه لما فرضتم في الشرط إن التقييد داخل و هو جزء تحليلي فقد فرضتم معه إن القيد خارج، فكيف تفرضونه مرة أخري إنه داخل في المأمور به المتعلق بالمقيد.

7 - الشرط المتأخر

7 - الشرط المتأخر

لا شك في إن من الشروط الشرعية ما هو متقدم في وجوده زمانا علي المشروط كالوضوء و الغسل بالنسبة إلي الصلاة و نحوها، بناء علي إن الشرط نفس الأفعال لا أثرها الباقي إلي حين الصلاة. و منها ما هو مقارن للمشروط في وجوده زمانا كالاستقبال و طهارة اللباس للصلاة. و إنما وقع الشك في (الشرط المتأخر). أي إنه هل يمكن إن يكون الشرط الشرعي متأخرا

في وجوده زمانا عن المشروط أو لا يمكن؟ و من قال بعدم أمكانه قاس الشرط الشرعي علي الشرط العقلي، فإن المقدمة العقلية يستحيل فيها إن تكون متأخرة عن ذي المقدمة، لأنه لا يوجد الشيء الا بعد فرض وجود علته التأمة المشتملة علي كل ماله دخل في وجوده لاستحالة وجود المعلول بدون علته التأمة. و إذا وجد الشيء فقد انتهي. فأية حاجة له تبقي إلي ما سيوجد بعد. و منشأ هذا الشك و البحث ورود بعض الشروط الشرعية التي ظاهرها تأخرها في الوجود عن المشروط و ذلك مثل الغسل الليلي للمستحاضة الكبري الذي هو شرط - عند بعضهم - لصوم النهار السابق علي الليل. و من هذا الباب إجازة بيع الفضولي بناء علي إنها كاشفة عن صحة البيع لا نافلة. و لأجل ما ذكرنا من استحالة الشرط المتأخر في العقليات اختلف العلماء في الشرط الشرعي اختلافا كثيرا جدا، فبعضهم ذهب إلي أمكان الشرط المتأخر في الشرعيات و بعضهم ذهب إلي استحالته قياسا علي الشرط العقلي كما ذكرنا آنفا و الذاهبون إلي الاستحالة أولوا ما ورد في الشريعة بتأويلات كثيرة يطول شرحها. و أحسن ما قيل في توجيه أمكان الشرط المتأخر في الشرعيات ما عن بعض مشايخنا الأعاظم قدس سره في بعض تقريرات درسه. و خلاصته: إن الكلام

ص 249

تارة يكون في شرط المأمور به و أخري في شرط الحكم سواء كان تكليفيا أم وضعيا. أما في (شرط المأمور به) فإن مجرد كونه شرطا شرعيا للمأمور به لا مانع منه، لأنه ليس معناه الا أخذه قيدا في المأمور به علي إن تكون الحصة الخاصة من المأمور به هي المطلوبة. و كما يجوز ذلك في الأمر السابق و المقارن

فإنه يجوز في اللاحق بلا فرق. نعم إذا رجع الشرط الشرعي إلي شرط واقعي كرجوع شرط الغسل الليلي للمستحاضة إلي إنه رافع للحدث في النهار فإنه يكون حينئذ واضح الاستحالة كالشرط الواقعي بلا فرق. و سر ذلك إن المطلوب لما كان هو الحصة الخاصة من طبيعي المأمور به فوجود القيد المتأخر لا شأن له الا الكشف عن وجود تلك الحصة في ظرف كونها مطلوبة. و لا محذور في ذلك إنما المحذور في تأثير المتأخر في المتقدم. و أما في (شرط الحكم) سواء كان الحكم تكليفيا أم وضعيا، فإن الشرط فيه معناه أخذه مفروض الوجود و الحصول في مقام جعل الحكم و إنشائه و كونه مفروض الوجود لا يفرق فيه بين إن يكون متقدما أو مقارنا أو متأخرا كان يجعل الحكم في الشرط المتأخر علي الموضوع المقيد بقيد أخذه مفروض الوجود بعد وجود الموضوع. و يتقرب ذلك إلي الذهن بقياسه علي الواجب المركب التدريجي الحصول، فإن لتكليف في فعليته في الجزء الأول و ما بعده يبقي مراعي إلي إن يحصل الجزء الأخير من المركب و قد بقيت - إلي حين حصول كمال الإجزاء - شرائط التكليف من الحياة و القدرة و نحوهما. و هكذا يفرض الحال فيما نحن فيه، فإن الحكم في الشرط المتأخر يبقي في فعليته مراعي إلي إن يحصل الشرط الذي أخذ مفروض الحصول، فكما إن الجزء الأول من المركب التدريجي الواجب في فرض حصول جميع الإجزاء يكون واجبا و فعلي الوجوب من أول الأمر لا إن فعليته تكون بعد حصول جميع الإجزاء و كذا باقي الإجزاء لا تكون فعليتها بعد حصول الجزء الأخير بل حين حصولها و لكن في فرض حصول الجميع، فكذلك

ما نحن فيه يكون الواجب المشروط بالشرط المتأخر فعلي الوجوب من أول الأمر في فرض حصول الشرط في ظرفه لا إن فعليته تكون متأخرة حين الشرط.

ص 250

هذه خلاصة رأي شيخنا المعظم و لا يخلو عن مناقشة و البحث عن الموضوع بأوسع مما ذكرنا لا يسعه هذا المختصر.

8 - المقدمات المفوتة

8 - المقدمات المفوتة

ورد في الشريعة المطهرة وجوب بعض المقدمات قبل زمان ذيها في الموقتات كوجوب قطع المسافة للحج قبل حلول أيأمه. و وجوب الغسل من الجنابة للصوم قبل الفجر و وجوب الوضوء أو الغسل - علي قول - قبل وقت الصلاة عند العلم بعدم التمكن منه بعد دخول وقتها. . و هكذا. و تسمي هذه المقدمات باصطلاحهم (المقدمات المفوتة) باعتبار إن تركها موجب لتفويت الواجب في وقته كما تقدم. و نحن نقول: لو لم يحكم الشارع المقدس بوجوب مثل هذه المقدمات فإن العقل يحكم بلزوم الإتيان بها، لأن تركها موجب لتفويت الواجب في ظرفه و يحكم أيضا بأن التارك لها يستحق العقاب علي الواجب في ظرفه بسبب تركها. و لأول وهلة يبدو إن هذين الحكمين العقليين الواضحين لا ينطبقان علي القواعد العقلية البديهية في الباب من جهتين: أما (أولا) فلأن وجوب المقدمة تابع لوجوب ذيها، علي أي نحو فرض من إنحاء التبعية، لا سيما إذا كان من نحو تبعية المعلول لعلته علي ما هو المشهور. فكيف يفرض الواجب التابع في زمان سابق علي زمان فرض الوجوب المتبوع؟ و أما (ثانيا) فلأنه كيف يستحق العقاب علي ترك الواجب بترك مقدمته قبل حضور وقته مع إنه حسب الفرض لا وجوب له فعلا. و أما في ظرفه فينبغي إن يسقط و جوبه لعدم القدرة عليه بترك مقدمتهم و القدرة شرط

عقلي في الوجوب. * * * و لأجل التوفيق بين هاتيك البديهيات العقلية التي يبدو كأنها متعارضة - و إن كان يستحيل التعارض في الأحكام العقلية و بديهيات العقل - حاول جماعة من أعلام الأصوليين المتأخرين تصحيح ذلك بفرض انفكاك زمان الوجوب عن

ص 251

زمان الواجب و تقدمه عليه، أما في خصوص الموقتات أو في مطلق الواجبات، علي اختلاف المسالك. و بذلك يحصل لهم التوفيق بين تلكم الأحكام العقلية، لأنه حينما يفرض تقدم وجوب ذي المقدمة علي لسان فلا مانع من فرض وجوب المقدمة قبل وقت الواجب و كان استحقاق العقاب علي ترك الواجب علي القاعدة لأن و جوبه كان فعليا حين ترك المقدمة. أما كيف يفرض تقدم زمان الوجوب علي زمان الواجب و بأي مناط؟ فهذا ما اختلفت فيه الأنظار و المحاولات. فأول المحاولين لحل هذه الشبهة - فيما يبدو - صاحب الفصول الذي قال بجواز تقدم زمان الوجوب علي طريقة (الواجب المعلق) الذي اخترعه كما اشرنا إليه في المجلد الأول ص 82. و ذلك في خصوص الموقتات، بفرض إن الوقت في الموقتات وقت للواجب فقط لا للوجوب، أي إن الوقت ليس شرطا و قيدا للوجوب بل هو قيد للواجب. فالوجوب - علي هذا الفرض - متقدم علي الوقت و لكن الواجب معلق علي حضور وقته. و الفرق بين هذا النوع و بين الواجب المشروط هو إن التوقف في المشروط للوجوب و في المعلق للفعل. و عليه لا مانع من فرض وجوب المقدمة قبل زمان ذيها. و لكن نقول: علي تقدير أمكان فرض تقدم زمان الوجوب علي زمان الواجب فإن فرض رجوع القيد إلي الواجب لا إلي الوجوب يحتاج إلي دليل و نفس ثبوت وجوب

المقدمة المفوتة قبل زمان وجوب ذيها لا يكون وحده دليلا علي ثبوت الواجب المعلق لأن الطريق في تصحيح وجوب المقدمة المفوتة لا ينحصر فيه كما سيأتي بيان الطريق الصحيح. و المحاولة الثانية - ما نسب إلي الشيخ الأنصاري من رجوع القيد في جميع شرائط الوجوب إلي المادة و إن اشتهر القول برجوعها إلي الهيئة. سواء كان الشرط هو الوقت أو غيره كالاستطاعة للحج و القدرة و البلوغ و العقل و نحوها من الشرائط العامة لجميع التكاليف. و معني ذلك إن الوجوب الذي هو مدلول الهيئة في جميع الواجبات مطلق دائما غير مقيد بشرط أبدا و كل ما يتوهم من رجوع القيد إلي الوجوب فهو راجع في الحقيقة إلي الواجب الذي هو مدلول المادة، غاية الأمر إن بعض القيود مأخوذة في الواجب علي وجه يكون مفروض الحصول و الوقوع كالاستطاعة بالنسبة إلي الحج و مثل هذا لا يجب تحصيله و يكون حكمه حكم ما لو كان شرطا للوجوب و بعضها لا يكون

ص 252

مأخوذا علي وجه يكون مفروض الحصول، بل يجب تحصيله توصلا إلي الواجب لأن الواجب يكون هو المقيد بما هو مقيد بذلك القيد. و علي هذا التصوير فالوجوب يكون دائما فعليا قبل مجيء وقته و شأنه في ذلك شأن الوجوب علي القول بالواجب المعلق لا فرق بينهما في الموقتات بالنسبة إلي الوقت فإذا كان الواجب استقباليا فلا مانع من وجوب المقدمة المفوتة قبل زمان ذيها. و المحاولة الثالثة - ما نسب إلي بعضهم من إن الوقت شرط للوجوب لا للواجب كما في المحاولتين الأوليتين، ولكنه مأخوذ فيه علي نحو الشرط المتأخر. و عليه فالوجوب يكون سابقا علي زمان الواجب نظير القول بالمعلق فيصح فرض وجوب

المقدمة المفوتة قبل زمان ذيها لفعلية الوجوب قبل لسان فتجب مقدمته. و كل هذه المحاولات مذكورة في كتب الأصول المطولة و فيها مناقشات و أبحاث طويلة لا يسعها هذا المختصر و مع الغض عن المناقشة في أمكانها في أنفسها لا دليل عليها الا ثبوت وجوب المقدمة قبل زمان ذيها، إذ كل صاحب محاولة منها يعتقد إن التخلص من إشكال وجوب المقدمة قبل زمان ذيها، ينحصر في المحاولة التي يتصورها فالدليل الذي يدل علي وجوب المقدمة المفوتة قبل وقت الواجب لا محالة يدل عنده علي محاولته. و الذي اعتقده إنه لا موجب لكل هذه المحاولات لتصحيح وجوب المقدمة قبل زمان ذيها، فإن الصحيح - كما افاده شيخنا الإصفهاني رحمه الله - إن وجوب المقدمة ليس معلولا لوجوب ذيها و لا مترشحا منه، فليس هناك إشكال في وجوب المقدمة المفوتة قبل زمان ذيها حتي نلتجئ إلي إحدي هذه المحاولات لفك الإشكال و كل هذه الشبهة إنما جاءت من هذا الفرض و هو فرض معلولية وجوب المقدمة لوجوب ذيها و هو فرض لا واقع له أبدا و إن كان هذا القول يبدو غريبا علي الأذهان المشبعة بفرض إن وجوب ذي المقدمة علة لوجوب المقدمة، بل نقول أكثر من ذلك: إنه يجب في المقدمة المفوتة إن يتقدم و جوبها علي وجوب ذيها، إذا كنا نقول بأن مقدمة الواجب واجبة و إن كان الحق - و سيأتي - عدم و جوبها مطلقا. و لبيان عدم معلولية وجوب المقدمة لوجوب ذيها: نذكر إن الأمر - في الحقيقة - هو فعل الأمر، سواء كان الأمر نفسيا أم غيريا، فالأمر هو العلة

ص 253

الفاعلية له دون سواه و لكن كل أمر إنما يصدر عن

إرادة الأمر لأنه فعله الاختياري و الإرادة بالطبع مسبوقة بالشوق إلي فعل المأمور به، أي إن الأمر لا بد إن يشتاق أولا إلي فعل الغير علي إن يصدر من الغير، فإذا اشتاقه لا بد إن يدعو الغير و يدفعه و يحثه علي الفعل فيشتاق إلي الأمر به. و إذا لم يحصل مانع من الأمر فلا محالة يشتد الشوق إلي الأمر حتي يبلغ الإرادة الحتمية فيجعل الداعي في نفس الغير للفعل المطلوب و ذلك بتوجيه الأمر نحوه. هذا حال كل مأمور به و من جملته (مقدمة الواجب)، فإنه إذا ذهبنا إلي و جوبها من قبل المولي لا بد إن نفرض حصول الشوق أولا في نفس الأمر إلي صدورها من المكلف، غاية الأمر إن هذا الشوق تابع للشوق إلي فعل ذي المقدمة و منبثق منه، لأن المختار إذا أشتاق إلي تحصيل شيء و أحبه اشتاق و أحب بالتبع كل ما يتوقف عليه ذلك الشيء علي نحو الملازمة بين الشوقين. و إذا لم يكن هناك مانع من الأمر بالمقدمات حصلت لدي الأمر - ثانيا - الإرادة الحتمية التي تتعلق بالأمر بها فيصدر حينئذ الأمر. إذا عرفت ذلك، فإنك تعرف إنه إذا فرض إن المقدمة متقدمة بالوجود الزماني علي ذيها علي وجه لا يحصل ذوها في ظرفه و لسان الا إذا حصلت هي قبل حلول لسان، كما في أمثلة المقدمات المفوتة، فإنه لا شك في إن الأمر يشتاقها إن تحصل في ذلك الزمان المتقدم و هذا الشوق بالنسبة إلي المقدمة يتحول إلي الإرادة الحتمية بالأمر، إذ لا مانع من البعث نحوها حينئذ و المفروض إن وقتها قد حان فعلا فلا بد إن يأمر بها فعلا. أما ذو المقدمة فحسب

الفرض لا يمكن البعث نحوه و الأمر به قبل وقته لعدم حصول ظرفه، فلا أمر قبل الوقت و إن كان الشوق إلي الأمر به حاصل حينئذ و لكن لا يبلغ مبلغ الفعلية لوجود المانع. و الحاصل إن الشوق إلي ذي المقدمة و الشوق إلي المقدمة حاصلان قبل وقت ذي المقدمة و الشوق الثاني منبعث و منبثق من الشوق الأول و لكن الشوق إلي المقدمة يؤثر أثره و يصير إرادة حتمية لعدم وجود ما يمنع من الأمر، دون الشوق إلي ذي المقدمة لوجود المانع من الأمر. و علي هذا، فتجب المقدمة المفوتة قبل وجوب ذيها و لا محذور فيه، بل هو أمر لا بد منه و لا يصح إن يقع غير ذلك. و لا تستغرب ذلك فإن هذا أمر مطرد حتي بالنسبة إلي أفعال الإنسان

ص 254

نفسه، فإن اشتاق إلي فعل شيء اشتاق إلي مقدماته تبعا و لما كانت المقدمات متقدمة بالوجود زمانا علي ذيها، فإن الشوق إلي المقدمات يشتد حتي يبلغ درجة الإرادة الحتمية المحركة للعضلات فيفعلها، مع إن ذي المقدمة لم يحن وقته بعد و لم تحصل له الإرادة الحتمية المحركة للعضلات و إنما يمكن إن تحصل له الإرادة الحتمية إذا حان وقته بعد طي المقدمات. فإرادة الفاعل التكوينية للمقدمة متقدمة زمانا علي إرادة ذيها و علي قياسها الإرادة التشريعية، فلا بد إن تحصل للمقدمة المتقدمة زمانا قبل إن تحصل لذيها المتأخر زمانا، فيتقدم الوجوب الفعلي للمقدمة علي الوجوب الفعلي لذيها زمانا، علي العكس مما اشتهر و لا محذور فيه بل هو المتعين. و هذا حال كل متقدم بالنسبة إلي المتأخر فإن الشوق يصير شيئا فشيئا قصدا و إرادة، كما في الأفعال التدريجية الوجود. و

قد تقدم معني تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها فلا نعيد و قلنا إنه ليس معناه معلوليته لوجوب ذي المقدمة و تبعيته له وجودا كما اشتهر علي لسان الأصوليين. (فإن قلت): إن وجوب المقدمة - كما سبق - تابع لوجوب ذي المقدمة إطلاقا و اشتراطا و لا شك في إن الوقت - علي الرأي المعروف - شرط لوجوب ذي المقدمة، فيجب إن يكون أيضا وجوب المقدمة مشروطا به، قضاء لحق التبعية. (قلت) إن الوقت علي التحقيق ليس شرطا للوجوب بمعني إنه دخيل في مصلحة الأمر كالاستطاعة بالنسبة إلي وجوب الحج و إن كان دخيلا في مصلحة المأمور به، ولكنه لا يتحقق البعث قبله، فلا بد إن يؤخذ مفروض الوجوب بمعني عدم الدعوة إليه لأنه غير اختياري للمكلف. أما عدم تحقق وجوب الموقت قبل الوقت فلامتناع البعث قبل الوقت. و السر واضح لأن البعث حتي البعث الجعلي منه يلازم الانبعاث أمكانا و وجودا فإذا أمكن الانبعاث أمكن البعث و إلا فلا و إذ يستحيل الانبعاث قبل الوقت استحال البعث نحوه حتي الجعلي. و من اجل هذا نقول بامتناع الواجب المعلق لأنه يلازم انفكاك الانبعاث عن البعث. و هذا بخلاف المقدمة قبل وقت الواجب فإنه يمكن الانبعاث نحوها فلا

ص 255

مانع من فعلية البعث بالنظر إليها لو ثبت، فعدم فعلية الوجوب قبل زمان الواجب إنما هو لوجود المانع لا لفقدان الشرط و هذا المانع موجود في ذي المقدمة قبل وقته مفقود في المقدمة. و يتفرع علي هذا فرع فقهي و هو: إنه حينئذ لا مانع في المقدمة المفوتة العبادية كالطهارات الثلاث من قصد الوجوب في النية قبل وقت الواجب لو قلنا بأن مقدمة الواجب واجبة. و الحاصل: إن العقل

يحكم بلزوم الإتيان بالمقدمة المفوتة قبل وقت ذيها و لا مانع عقلي من ذلك * * * هذا كله من جهة إشكال انفكاك وجوب المقدمة عن وجوب ذيها. و أما من جهة إشكال استحقاق العقاب علي ترك الواجب بترك مقدمته مع عدم فعلية و جوبه، فيعلم دفعه مما سبق فإن التكليف بذي المقدمة الموقت يكون تأم الاقتضاء و إن لم يصر فعليا لوجود المانع و هو عدم حضور وقته. و لا ينبغي الشك في إن دفع التكليف مع تمأمية اقتضائه تفويت لغرض المولي المعلوم الملزم. و هذا يعد ظلما في حقه و خروجا عن زي الرقية و تمردا عليه، فيستحق عليه العقاب و اللوم من هذه الجهة و إن لم يكن فيه مخالفة للتكليف الفعلي المنجز. و هذا لا يشبه دفع مقتضي التكليف كعدم تحصيل الاستطاعة للحج، فإن مثله لا يعد ظلما و خروجا عن زي الرقية و تمردا علي المولي، لأنه ليس فيه تفويت لغرض المولي التأم الاقتضاء. و المدار في استحقاق العقاب هو تحقق عنوان الظلم للمولي القبيح عقلا.

9 - المقدمة العبادية

9 - المقدمة العبادية

ثبت بالدليل إن بعض المقدمات الشرعية لا تقع مقدمة الا إذا وقعت علي وجه عبادي و ثبت أيضا ترتب الثواب عليها بخصوصها. و مثالها منحصر في الطهارات الثلاث: الوضوء و الغسل و التيمم. و قد سبق في الأمر الثاني الإشكال فيها من جهتين: من جهة إن الواجب الغيري لا يكون الا توصليا، فكيف يجوز إن تقع المقدمة بما هي مقدمة

ص 256

عبادة و من جهة ثانية إن الواجب الغيري بما هو واجب غيري لا استحقاق للثواب عليه. و في الحقيقة إن هذا الإشكال ليس الا إشكالا علي أصولنا التي أصلناها للواجب الغيري،

فنقع في حيرة في التوفيق بين ما فهمناه عن الواجب الغيري و بين عبادية هذه المقدمات الثابتة عباديتها و إلا فكون هذه المقدمات عبادية يستحق الثواب عليها أمر مفروغ عنه لا يمكن رفع اليد عنه. فأذن، لا بد لنا من توضيح ما أصلناه في الواجب الغيري بتوجيه عبادية المقدمة علي وجه يلائم توصلية الأمر الغيري و قد ذهبت الآراء أشتاتا في توجيه ذلك. و نحن نقول علي الاختصار: إنه من المتيقن الذي لا ينبغي إن يتطرق إليه الشك من أحد، إن الصلاة - مثلا - ثبت من طريق الشرع توقف صحتها علي إحدي الطهارات الثلاث و لكن لا تتوقف علي مجرد أفعالها كيفما اتفق وقوعها، بل إنما تتوقف علي فعل الطهارة إذا وقع علي الوجه العبادي أي إذا وقع متقربا به إلي الله تعالي. فالوضوء العبادي - مثلا - هو الشرط و هو المقدمة التي تتوقف صحة الصلاة عليها. و عليه، لا بد إن يفرض الوضوء عبادة قبل فرض تعلق الأمر الغيري به، لأن الأمر الغيري - حسبما فرضناه - إنما يتعلق بالوضوء العبادي بما هو عبادة، لا بأصل الوضوء بما هو. فلم تنشأ عباديته من الأمر الغيري حتي يقال إن عباديته لا تلائم توصلية الأمر الغيري، بل عباديته لا بد إن تكون مفروضة التحقق قبل فرض تعلق الأمر الغيري. و من هنا يصح استحقاق الثواب عليه لأنه عبادة في نفسه * * * و لكن ينشأ من هذا البيان إشكال آخر و هو إنه إذا كانت عبادية الطهارات غير ناشئة من الأمر الغيري، فما هو الأمر المصحح لعباديتها و المعروف إنه لا يصح فرض العبادة عبادة الا بتعلق أمر بها ليمكن قصد امتثاله، لأن

قصد امتثال الأمر هو المقوم لعبادة العبادة عندهم. و ليس لها في الواقع الا الأمر الغيري. فرجع الأمر بالأخير إلي الغيري لتصحيح عباديتها.

ص 257

علي إنه يستحيل إن يكون الأمر الغيري هو المصحح لعباديتها، لتوقف عباديتها - حينئذ - علي سبق الأمر الغيري و المفروض إن الأمر الغيري متأخر عن فرض عباديتها لأنه إنما تعلق بها بما هي عبادة، فيلزم تقدم المتأخر و تأخر المتقدم و هو خلف محال، أو دور علي ما قيل. و قد أجيب عن هذه الشبهة بوجوه كثيرة. و أحسنها - فيما أري بناء علي ثبوت الأمر الغيري أي وجوب مقدمة الواجب و بناء علي إن عبادية العبادة لا تكون الا بقصد الأمر المتعلق بها - هو إن المصحح لعبادية الطهارات هو الأمر النفسي الاستحبابي لها في حد ذاتها السابق علي الأمر الغيري بها. و هذا الاستحباب باق حتي بعد فرض الأمر الغيري و لكن لا بحد الاستحباب الذي هو جواز الترك إذ المفروض إنه قد وجب فعلها فلا يجوز تركها و ليس الاستحباب الا مرتبة ضعيفة بالنسبة إلي الوجوب، فلو طرأ عليه الوجوب لا ينعدم، بل يشتد وجوده، فيكون الوجوب استمرار له كاشتداد السواد و البياض من مرتبة ضعيفة إلي مرتبة أقوي و هو وجود واحد مستمر. و إذا كان الأمر كذلك فالأمر الغيري حينئذ يدعو إلي ما هو عبادة في نفسه فليست عباديتها متأتية من الأمر الغيري حتي يلزم الإشكال. و لكن هذا الجواب - علي حسنه - غير كاف بهذا المقدار من البيان لدفع الشبهة. و سر ذلك إنه لو كان المصحح لعباديتها هو الأمر الاستحبابي النفسي بالخصوص لكان يلزم الا تصح هذه المقدمات الا إذا جاء بها المكلف

بقصد امتثال الأمر الاستحبابي فقط، مع إنه لا يفتي بذلك احد و لا شك في إنها تقع صحيحة لو أتي بها بقصد امتثال أمرها الغيري، بل بعضهم اعتبر قصده في صحتها بعد دخول وقت الواجب المشروط بها. فنقول (إكمالا للجواب): إنه ليس مقصود المجيب من كون استحبابها النفسي مصححا لعباديتها إن المأمور به بالأمر الغيري هو الطهارة المأتي بها بداعي امتثال الأمر الاستحبابي. كيف و هذا المجيب قد فرض عدم بقاء الاستحباب بحده بعد ورود الأمر الغيري، فكيف يفرض إن المأمور به هو المأتي به بداعي امتثال الأمر الاستحبابي. بل مقصود المجيب إن الأمر الغيري لما كان متعلقه هو الطهارة بما هي عبادة و لا يمكن إن تكون عباديتها ناشئة من نفس الأمر الغيري بما هو أمر

ص 258

غيري - فلا بد من فرض عباديتها لا من جهة الأمر الغيري و بفرض سابق عليه و ليس هو إلا الأمر الاستحبابي النفسي المتعلق بها و هذا يصحح عباديتها قبل فرض تعلق الأمر الغيري بها و إن كان حين توجه الأمر الغيري لا يبقي ذلك الاستحباب بحده و هو جواز الترك و لكن لا تذهب بذلك؟ ؟ عباديتها، لأن المناط في عباديتها ليس جواز الترك كما هو واضح، بل المناط مطلوبيتها الذاتية و رجحانها النفسي و هي باقية بعد تعلق الأمر الغيري. و إذا صح تعلق الأمر الغيري بها بما هي عبادة و إندكاك الاستحباب فيه، بمعني إن الأمر الغيري يكون استمرار لتلك المطلوبية - فإنه حينئذ لا يبقي الا الأمر الغيري صالحا للدعوة إليها و يكون هذا الأمر الغيري نفسه أمرا عباديا غاية الأمر إن عباديته لم تجئ من اجل نفس كونه أمرا غيريا، بل من أجل

كونه أمتدادا لتلك المطلوبية النفسية و ذلك الرجحان الذاتي الذي حصل من ناحية الأمر الاستحبابي النفسي السابق. و عليه، فينقلب الأمر الغيري عباديا، ولكنها عبادية بالغرض لا بالذات حتي يقال إن الأمر الغيري توصلي لا يصلح للعبادية. من هنا لا يصح الإتيان بالطهارة بقصد الاستحباب بعد دخول الوقت للواجب المشروط بها، لأن الاستحباب بحده قد اندك في الأمر الغيري فلم يعد موجودا حتي يصح قصده. نعم يبقي إن يقال:

إن الأمر الغيري إنما يدعو إلي الطهارة الواقعة علي وجه العبادة، لأنه حسب الفرض متعلقه هو الطهارة بصفة العبادة لا ذات الطهارة و الأمر لا يدعو إلا إلي ما تعلق به، فكيف صح إن يؤتي بذات العبادة بداعي امتثال أمرها الغيري و لا أمر غيري بذات العبادة؟ و لكن ندفع هذا الإشكال بأن نقول: إذا كان الوضوء - مثلا - مستحبا نفسيا فهو قابل لأن يتقرب به من المولي و فعلية التقرب تتحقق بقصد الأمر الغيري المندك فيه الأمر الاستحبابي. و بعبارة أخري: قد فرضنا الطهارات عبادات نفسية في مرتبة سابقة علي الأمر الغيري المتعلق بها و الأمر الغيري إنما يدعو إلي ذلك، فإذا جاء المكلف بها بداعي الأمر الغيري المندك فيه الاستحباب و المفروض ليس هناك أمر موجود غيره - صح التقرب به و وقعت عبادة لا محالة، ليتحقق ما هو شرط الواجب و مقدمته.

ص 259

هذا كله بناء علي ثبوت الأمر الغيري بالمقدمة و بناءا علي إن المناط عبادية العبادة هو قصد الأمر المتعلق بها. وكلا المبنيين نحن لا نقول بهما. أما الأول فسيأتي في البحث الآتي الدليل علي عدم وجوب مقدمة الواجب فلا أمر غيري أصلا. و أما الثاني فلأن الحق إنه يكفي في عبادية

الفعل ارتباطه بالمولي و الإتيان به متقربا إليه تعالي. غاية الأمر إن العبادات قد ثبت إنها توقيفية فما لم يثبت رضا المولي بالفعل و حسن الانقياد و قصد وجه الله بالفعل لا يصح الإتيان بالفعل عبادة بل يكون تشريعا محرما. و لا يتوقف ذلك علي تعلق أمر المولي بنفس الفعل علي إن يكون أمرا فعليا من المولي و لذا قيل: يكفي في عبادية العبادة حسنها الذاتي و محبوبيتها الذاتية للمولي حتي لو كان هناك مانع من توجه الأمر الفعلي بها. و إذا ثبت ذلك فنقول في تصحيح عبادية الطهارات: إن فعل المقدمة بنفسه يعد شروعا في امتثال ذي المقدمة الذي هو حسب الفرض في المقام عبادة في نفسه مأمور بها. فيكون الإتيان بالمقدمة بنفسه يعد امتثالا للأمر النفسي بذي المقدمة العبادي. و يكفي في عبادة الفعل كما قلنا ارتباطه بالمولي و الإتيان به متقربا إليه تعالي مع عدم ما يمنع من التعبد به. و لا شك في إن قصد الشروع بامتثال الأمر النفسي بفعل مقدماته قاصدا بها التوصل إلي الواجب النفسي العبادي يعد طاعة و انقيادا للمولي. و بهذا تصحح عبادية المقدمة و إن لم نقل بوجوبها الغيري و لا حاجة إلي فرض طاعة الأمر الغيري. و من هنا يصح إن تقع كل مقدمة عبادة و يستحق عليها الثواب بهذا الاعتبار و إن لم تكن في نفسها معتبرا فيها إن تقع علي وجه العبادة، كتطهير الثوب - مثلا - مقدمة للصلاة، أو كالمشي حافيا مقدمة للحج أو الزيارة غاية الأمر إن الفرق بين المقدمات العبادية و غيرها إن غير العبادية لا يلزم فيها إن تقع علي وجه قربي بخلاف المقدمات المشروط فيها إن تقع عبادة

كالطهارات الثلاث.

ص 260

ويؤيد ذلك ما ورد من الثواب علي بعض المقدمات و لا حاجة إلي التأويل الذي ذكرناه سابقا في الأمر الثالث من إن الثواب علي ذي المقدمة يوزع علي المقدمات باعتبار دالتها في زيادة حمازة الواجب، فإن ذلك التأويل مبني علي فرض ثبوت الأمر الغيري و إن عبادية المقدمة و استحقاق الثواب عليها لا ينشأن الأمر الا من جهة الأمر الغيري، أتباعا للمشهور المعروف بين القوم. فإن قلت: إن الأمر لا يدعو إلا إلي ما تعلق به فعلا يعقل إن يكون الأمر بذي المقدمة داعيا بنفسه إلي المقدمة الا إذا قلنا بترشح أمر آخر منه بالمقدمة، فيكون هو الداعي. و ليس هذا الأمر الآخر المترشح الا الأمر الغيري. فرجع الإشكال جذعا. قلت: نعم الأمر لا يدعو إلا إلي ما تعلق به، ولكنا لا ندعي إن الأمر بذي المقدمة هو الذي يدعو إلي المقدمة، بل نقول إن العقل هو الداعي إلي فعل المقدمة توصلا إلي فعل الواجب و سيأتي إن هذا الحكم العقلي لا يستكشف منه ثبوت أمر غيري من المولي. و لا يلزم إن يكون هناك أمر بنفس المقدمة لتصحيح عباديتها و يكون داعيا إليها. و الحاصل إن الداعي إلي فعل المقدمة هو حكم العقل و المصحح لعباديتها شيء آخر هو قصد التقرب بها و يكفي في التقرب بها إلي الله إن يأتي بها بقصد التوصل إلي ما هو عبادة. لا إن الداعي إلي فعل المقدمة هو نفس المصحح لعباديتها و لا إن المصحح لعبادية العبادة منحصر قصد الأمر المتعلق بها و قد سبق توضيح ذلك. و عليه، فإن كانت المقدمة ذات الفعل كالتطهير من الخبث فالعقل لا يحكم الا بإتيانها علي أي وجه

وقعت و لكن لو أتي بها المكلف متقربا بها إلي الله توصلا إلي العبادة صح و وقعت علي صفة العبادية و استحق عليها الثواب. و إن كانت المقدمة عملا عباديا كالطهارة من الحدث فالعقل يلزم بالإتيان بها كذلك و المفروض إن المكلف متمكن من ذلك، سواء كان هناك أمر غيري أم لم يكن و سواء كانت المقدمة في نفسها مستحبة أم لم تكن. فلا إشكال من جميع الوجوه في عبادية الطهارات.

ص 261

النتيجة: مسألة مقدمة الواجب و الأقوال فيها

بعد تقديم تلك التمهيدات التسعة نرجع إلي أصل المسألة و هو البحث عن وجوب مقدمة الواجب الذي قلنا إنه آخر ما يشغل بال الأصوليين. و قد عرفت في مدخل المسألة موضع البحث فيها، ببيان تحرير النزاع. و هو - كما قلنا - الملازمة بين حكم العقل و حكم الشرع، إذ قلنا إن العقل يحكم بوجوب مقدمة الواجب أي إنه يدرك لزومها - و لكن وقع البحث في إنه هل يحكم أيضا بأن المقدمة واجبة أيضا عند من أمر بما يتوقف عليها؟ لقد تكثرت الأقوال جدا في هذه المسألة علي مرور الزمن نذكر أهمها و نذكر ما هو الحق منها و هي:

1 - القول بوجوبها مطلقا.

2 - القول بعدم و جوبها مطلقا (وهو الحق و سيأتي دليله).

3 - التفصيل بين السبب فلا يجب و بين غيره كالشرط و عدم المانع و المعد فيجب.

4 - التفصيل بين السبب و غيره أيضا و لكن بالعكس أي يجب السبب دون غيره.

5 - التفصيل بين الشرط الشرعي فلا يجب بالوجوب الغيري، باعتبار إنه واجب بالوجوب النفسي نظير جزء الواجب و بين غيره فيجب بالوجوب الغيري. و هو القول المعروف عن شيخنا المحقق النائيني.

6

- التفصيل بين الشرط الشرعي و غيره أيضا و لكن بالعكس، أي يجب الشرط الشرعي بالوجوب المقدمي دون غيره.

7 - التفصيل بين المقدمة الموصلة، أي التي يترتب عليها الواجب النفسي فتجب و بين المقدمة غير الموصلة فلا تجب. و هو المذهب المعروف لصاحب الفصول.

ص 262

8 - التفصيل بين ما قصد به التوصل من المقدمات فيقع علي صفة الوجوب و بين ما لم يقصد به ذلك فلا يقع واجبا. و هو القول المنسوب إلي الشيخ الأنصاري.

9 - التفصيل المنسوب إلي صاحب المعالم الذي أشار إليه في مسألة الضد و هو اشتراط وجوب المقدمة بإرادة ذيها. فلا تكون المقدمة واجبة علي تقدير عدم أرادته.

10 - التفصيل بين المقدمة الداخلية، أي الجزء، فلا تجب و بين المقدمة الخارجية فتجب. و هناك تفصيلات أخري عند المتقدمين لا حاجة إلي ذكرها. * * * و قد قلنا إن الحق في المسألة - كما عليه جماعة (1) من المحققين المتأخرين - القول الثاني و هو عدم و جوبها مطلقا. و الدليل عليه واضح بعد ما قلناه ص 29 من إنه في موارد حكم العقل بلزوم شيء علي وجه يكون حكما داعيا للمكلف إلي فعل الشيء لا يبقي مجال للأمر المولوي فإن هذه المسألة من ذلك الباب من جهة العلة. و ذلك لأنه إذا كان الأمر بذي المقدمة داعيا للمكلف إلي الإتيان بالمأمور به فإن دعوته هذه - لا محالة بحكم العقل - تحمله و تدعوه إلي الإتيان بكل ما يتوقف عليه المأمور به تحصيلا له. و مع فرض وجود هذا الداعي في نفس المكلف لا تبقي حاجة إلي داع آخر من قبل المولي، مع علم المولي - حسب الفرض - بوجود

هذا الداعي، لأن الأمر المولوي - سواء كان نفسيا أم غيريا - إنما يجعله المولي لغرض تحريك المكلف نحو فعل المأمور به، إذ يجعل الداعي في نفسه حيث لا داع.

(هامش)

(1) أول من تنبه إلي ذلك و أقأم عليه البرهان بالأسلوب الذي ذكرناه - فيما أعلم - أستاذنا المحقق الإصفهاني قدس الله نفسه الزكية و قد عضد هذا القول السيد الجليل المحقق الخوئي دام ظله. و كذلك ذهب إلي هذا القول و أوضحه سيدنا المحقق الحكيم دام ظله في حاشيته علي الكفاية.

ص 263

بل يستحيل في هذا الفرض جعل الداعي الثاني من المولي، لأنه يكون من باب تحصيل الحاصل. و بعبارة أخري: إن الأمر بذي المقدمة لو لم يكن كافيا في دعوة المكلف إلي الإتيان بالمقدمة فأي أمر بالمقدمة لا ينفع و لا يكفي للدعوة إليها بما هي مقدمة. و مع كفاية الأمر بذي المقدمة لتحريكه إلي المقدمة و للدعوة إليها فأية حاجة تبقي إلي الأمر بها من قبل المولي، بل يكون عبثا و لغوا؟ ؟ بل يمتنع لأنه تحصيل للحاصل. و عليه، فالأوأمر الواردة في بعض المقدمات يجب حملها علي الإرشاد و بيان شرطية متعلقها للواجب و توقفه عليها كسائر الأوأمر الإرشادية في موارد حكم العقل و علي هذا يحمل قوله عليه السلأم: (إذا زالت الشمس فقد وجب الطهور و الصلاة). و من هذا البيان نستحصل علي النتيجة الآتية: (إنه لا وجوب غيري أصلا و ينحصر الوجوب المولوي بالواجب النفسي فقط. فلا موقع أذن لتقسيم الواجب إلي النفسي و الغيري. فليحذف ذلك من سجل الأبحاث الأصولية).

المسألة الثالثة: مسألة الضد
المدخل

المسألة الثالثة: مسألة الضد

تحرير محل النزاع:

اختلفوا في إن الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده أو لا يقتضي؟ علي أقوال.

و لأجل توضيح محل النزاع و تحريره نشرح مرادهم من الألفاظ التي وردت علي لسانهم في تحرير النزاع هذا و هي ثلاثة:

1 - (الضد)، فإن مرادهم من هذه الكلمة مطلق المعاند و المنافي، فيشمل نقيض الشيء، أي إن الضد - عندهم اعم من الأمر الوجودي و العدمي. و هذا اصطلاح خاص للأصوليين في خصوص هذا الباب و إلا فالضد

ص 264

مصطلح فلسفي يراد به - في باب التقابل - خصوص الأمر الوجودي الذي له مع وجودي آخر تمأم المعاندة و المنافرة و له معه غاية التباعد. و لذا قسم الأصوليون الضد إلي (ضد عام) و هو الترك أي النقيض و (ضد خاص) و هو مطلق المعاند الوجودي. و علي هذا فالحق إن تنحل هذه المسألة إلي مسألتين موضوع إحداهما الضد العام و موضوع الأخري الضد الخاص، لاسيما مع اختلاف الأقوال في الموضوعين.

2 (الاقتضاء) و يراد به لابدية ثبوت النهي عن الضد عند الأمر بالشيء أما لكون الأمر يدل عليه بإحدي الدلالات الثلاث: المطابقة و التضمن و الالتزأم و أما لكونه يلزمه عقلا النهي عن الضد من دون إن يكون لزومه بينا بالمعني الأخص حتي يدل عليه بالالتزأم. فالمراد من الاقتضاء عندهم اعم من كل ذلك.

3 - (النهي) و يراد به النهي المولوي من الشارع و إن كان تبعيا، كوجوب المقدمة الغيري التبعي. و النهي معناه المطابقي - كما سبق في مبحث النواهي م 1 ص 97 - هو الزجر و الردع عما تعلق به. و فسره المتقدمون بطلب الترك و هو تفسير بلازم معناه، ولكنهم فرضوه كان ذلك هو معناه المطابقي و لذا اعترض بعضهم علي ذلك فقال:

إن طلب الترك محال فلا بد إن يكون المطلوب

الكف و هكذا تنازعوا في إن المطلوب بالنهي الترك أو الكف و لا معني لنزاعهم هذا الا إذا كانوا قد فرضوا إن معني النهي هو الطلب فوقعوا في حيرة في إن المطلوب به أي شيء هو الترك أو الكف. و لو كان المراد من النهي هو طلب الترك - كما ظنوا - لما كان معني لنزاعهم في الضد العام، فإن النهي عنه معناه - علي حسب ظنهم - طلب ترك المأمور به. و لما كان نفي النفي إثباتا فيرجع معني النهي عن الضد العام إلي معني طلب فعل المأمور به، فيكون قولهم (الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام) تبديلا للفظ بلفظ آخر بمعناه و يكون عبارة أخري عن القول (بأن الأمر بالشيء يقتضي نفسه). و ما اشد سخف مثل هذا البحث. و لعله لأجل هذا التوهم - أي توهم إن النهي معناه طلب الترك - ذهب بعضهم إلي عينية الأمر بالشيء للنهي عن الضد العام.

ص 265

وبعد بيان هذه الأمور الثلاثة في تحرير محل النزاع يتضح موضع النزاع و كيفيته. إن النزاع معناه يكون: إنه إذا تعلق أمر بشيء هل إنه لا بد إن يتعلق نهي المولي بضده العام أو الخاص؟ فالنزاع يكون في ثبوت النهي المولوي عن الضد بعد فرض ثبوت الأمر بالشيء. و بعد فرض ثبوت النهي فهناك نزاع آخر في كيفية إثبات ذلك. و علي كل حال فإن مسألتنا - كما قلنا - تنحل إلي مسألتين إحداهما في الضد العام و الثانية في الضد الخاص، فينبغي البحث عنهما في بابين:

1 - الضد العام

1 - الضد العام

لم يكن اختلافهم في الضد العام من جهة أصل الاقتضاء و عدمه، فإن الظاهر إنهم متفقون علي الاقتضاء و

إنما اختلافهم في كيفيته: فقيل: إنه علي نحو العينية أي إن الأمر بالشيء عين النهي عن ضده العام فيدل عليه حينئذ بالدلالة المطابقية. و قيل: إنه علي نحو الجزئية فيدل عليه بالدلالة التضمنية، باعتبار إن الوجوب ينحل إلي طلب الشيء مع المنع من الترك، فيكون المنع من الترك جزءا تحليليا في معني الوجوب. و قيل: إنه علي نحو اللزوم البين بالمعني الأخص، فيدل عليه بالدلالة الإلتزامية. و قيل: إنه علي نحو اللزوم البين بالمعني الأعم، أو غير البين، فيكون اقتضاؤه له عقليا صرفا. و الحق إنه لا يقتضيه بأي نحو من إنحاء الاقتضاء، أي إنه ليس هناك نهي مولوي عن الترك يقتضيه نفس الأمر بالفعل علي وجه يكون هناك نهي مولوي وراء. نفس الأمر بالفعل. و الدليل عليه: إن الوجوب - سواء كان مدلولا لصيغة الأمر أو لازما عقليا لها كما هو الحق - ليس معني مركبا بل هو معني بسيط وجداني هو لزوم الفعل و لازم كون الشيء واجبا المنع من تركه. و لكن هذا المنع اللازم للوجوب ليس منعا مولويا و نهيا شرعيا، بل هو منع عقلي تبعي من غير إن يكون هناك من الشارع منع و نهي وراء نفس

ص 266

الوجوب. و سر ذلك واضح، فإن نفس الأمر بالشيء علي وجه الوجوب كاف في الزجر عن تركه، فلا حاجة إلي جعل للنهي عن الترك من الشارع زيادة علي الأمر بذلك الشيء. فإن كان مراد القائلين بالاقتضاء في المقام إن نفس الأمر بالفعل يكون زاجرا عن تركه، فهو مسلم، بل لا بد منه لأن هذا هو مقتضي الوجوب. و لكن ليس هذا هو موضع النزاع في المسألة، بل موضع النزاع هو النهي المولوي زائدا

علي الأمر بالفعل. و إن كان مرادهم إن هناك نهيا مولويا عن الترك يقتضيه الأمر بالفعل كما هو موضع النزاع فهو غير مسلم و لا دليل عليه، بل هو ممتنع. و بعبارة أوضح و أوسع: إن الأمر و النهي متعاكسان، بمعني إنه إذا تعلق الأمر بشيء فعلي طبع ذلك يكون نقيضه بالتبع ممنوعا منه و إلا لخرج الواجب عن كونه واجبا. و إذا تعلق النهي بشيء فعلي طبع ذلك يكون نقيضه بالتبع مدعوا إليه و إلا لخرج المحرم عن كونه محرما. . و لكن ليس معني هذه التبعية في الأمر إن يتحقق - فعلا - نهي مولوي عن ترك المأمور به بالإضافة إلي الأمر المولوي بالفعل، كما إنه ليس معني هذه التبعية في النهي إن يتحقق - فعلا - أمر مولوي بترك المنهي عنه بالإضافة إلي النهي المولوي عن الفعل. و السر ما قلناه: إن نفس الأمر بالشيء كاف في الزجر عن تركه، كما إن نفس النهي عن الفعل كاف للدعوة إلي تركه، بلا حاجة إلي جعل جديد من المولي في المقامين، بل لا يعقل الجعل الجديد كما قلنا في مقدمة الواجب حذو القذة بالقذة، فراجع. و لأجل هذه التبعية الواضحة اختلط الأمر علي كثير من المحررين لهذه المسألة فحسبوا إن هناك نهيا مولويا عن ترك المأمور به وراء الأمر بالشيء اقتضاه الأمر علي نحو العينية أو التضمن أو الالتزأم أو اللزوم العقلي. كما حسبوا - هناك في مبحث النهي - إن معني النهي هو الطلب أما للترك أو الكف و قد تقدمت الإشارة إلي ذلك في تحرير النزاع. و هذان التوهمان في النهي و الأمر من واد واحد. و عليه فليس هناك طلب للترك

وراء الردع عن الفعل في النهي و لا نهي عن الترك وراء طلب الفعل في الأمر.

ص 267

نعم يجوز للأمر بدلا من الأمر بالشيء إن يعبر عنه بالنهي عن الترك، كان يقول - مثلا - بدلا عن قوله (صل): لا تترك الصلاة. و يجوز له بدلا من النهي عن الشيء إن يعبر عنه بالأمر بالترك، كان يقول - مثلا - بدلا عن قوله (لا تشرب الخمر): اترك شرب الخمر، فيؤدي التعبير الثاني في المقامين مؤدي التعبير الأول المبدل منه، أي إن التعبير الثاني يحقق الغرض من التعبير الأول. فإذا كان مقصود القائل بأن الأمر بالشيء عين النهي عن ضده العام هذا المعني، أي إن أحدهما يصح إن يوضع موضع الآخر و يحل محله في أداء غرض الأمر. فلا بأس به و هو صحيح و لكن هذا غير العينية المقصودة في المسألة علي الظاهر.

2 - الضد الخاص

2 - الضد الخاص

إن القول باقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضده الخاص يبتني و يتفرع علي القول باقتضائه للنهي عن ضده العام. و لما ثبت - حسبما تقدم - إنه لأنهي مولوي عن الضد العام، فبالطريق الأولي نقول إنه لأنهي مولوي عن الضد الخاص، لما قلنا من ابتنائه و تفرعه عليه. و علي هذا، فالحق إن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده مطلقا سواء كان عاما أو خاصا. أما كيف يبتني القول بالنهي عن الضد الخاص علي القول بالنهي عن الضد العام و يتفرع عليه، فهذا ما يحتاج إلي شيء من البيان، فنقول: إن القائلين بالنهي عن الضد الخاص لهم مسلكان لا ثالث لهما و كلاهما يبتنيان و يتفرعان علي ذلك:

(الأول) - مسلك التلازم:

وخلاصته: إن حرمة أحد المتلازمين تستدعي و تستلزم حرمة

ملازمة الآخر. و المفروض إن فعل الضد الخاص يلازم ترك المأمور به (أي الضد العام)، كالأكل مثلا الملازم فعله لترك الصلاة المأمور بها. و عندهم إن الضد العام محرم منهي - عنه و هو ترك الصلاة في المثال - فيلزم علي هذا إن يحرم الضد

ص 268

الخاص و هو الأكل في المثال. فابتني النهي عن الضد الخاص بمقتضي هذا المسلك علي ثبوت النهي عن الضد العام. أما نحن فلما ذهبنا إلي إنه لا نهي مولوي عن الضد العام، فلا موجب لدينا من جهة الملازمة المدعاة للقول بكون الضد الخاص منهيا عنه بنهي مولوي. لأن ملزومه ليس منهيا عنه حسب التحقيق الذي مر. علي إنا نقول - ثانيا - بعد التنازل عن ذلك و التسليم بأن الضد العام منهي عنه: إن هذا المسلك ليس صحيحا في نفسه، يعني إن كبراه غير مسلمة و هي (إن حرمة احد المتلازمين تستلزم حرمة ملازمة الآخر) فإنه لا يجب اتفاق المتلازمين في الحكم لا في الوجوب و لا الحرمة و لا غيرهما من الأحكام، ما دام إن مناط الحكم غير موجود في الملازم الآخر. نعم القدر المسلم في المتلازمين إنه لا يمكن إن يختلفا في الوجوب و الحرمة علي وجه يكون أحدهما واجبا و الآخر محرما، لاستحالة امتثالهما حينئذ من المكلف فيستحيل التكليف من المولي بهما، فأما إن يحرم أحدهما أو يجب الآخر. و يرجع ذلك إلي باب التزاحم الذي سيأتي التعرض له. و بهذا تبطل (شبهة الكعبي) المعروفة التي أخذت قسطا وافرا من أبحاث الأصوليين إذا كان مبناها هذه الملازمة المدعاة، فإنه نسب إليه القول بنفي المباح بدعوي إن كل ما يظن من الأفعال إنه مباح فهو واجب في الحقيقة،

لأن فعل كل مباح ملازم قهرا لواجب و هو ترك محرم واحد من المحرمات علي الأقل.

پ

وخلاصته: دعوي إن ترك الضد الخاص مقدمة لفعل المأمور به، ففي المثال المتقدم يكون ترك الأكل مقدمة لفعل الصلاة. و مقدمة الواجب واجبة. فيجب ترك الضد الخاص. و إذا وجب ترك الأكل حرم تركه، أي ترك ترك الأكل، لأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضد العام. و إذا حرم ترك ترك الأكل، فإن معناه حرمة فعله، لأن نفي النفي إثبات. فيكون الضد الخاص منهيا عنه. هذا خلاصة مسلك المقدمية. و قد رأيت كيف ابتني النهي عن الضد الخاص علي ثبوت النهي عن الضد العام.

ص 269

ونحن إذ قلنا بأنه لأنهي مولوي عن الضد العام فلا يحرم ترك ترك الضد الخاص حرمة مولوية أي لا يحرم فعل الضد الخاص. فثبت المطلوب. علي إن مسلك المقدمية غير صحيح من وجهين آخرين: (أحدهما) - إنه بعد التنزل عما تقدم و تسليم حرمة الضد العام، فإن هذا المسلك كما هو واضح يبتني علي وجوب مقدمة الواجب و قد سبق إن أثبتنا إنها ليست واجبة بوجوب مولوي و عليه لا يكون ترك الضد الخاص واجبا بالوجوب الغيري المولوي حتي يحرم فعله. (ثانيهما) إنا لا نسلم إن ترك الضد الخاص مقدمة لفعل المأمور به و هذه المقدمية - أعني مقدمية الضد الخاص - لا تزال مثارا للبحث عند المتأخرين حتي أصبحت من المسائل الدقيقة المطولة و نحن في غني عن البحث عنها بعد ما تقدم. و لكن لحسم مادة الشبهة لا بأس بذكر خلاصة ما يرفع المغالطة في دعوي مقدمية ترك الضد، فنقول: إن المدعي لمقدمية ترك الضد لضده تبتني دعواه علي إن عدم الضد من باب

عدم المانع بالنسبة إلي الضد الآخر للتمانع بين الضدين، أي لا يمكن اجتماعهما معا و لا شك في إن عدم المانع من المقدمات، لأنه من متممات العلة فإن العلة التأمة - كما هو معروف - تتألف من المقتضي و عدم المانع. فيتألف دليله من مقدمتين:

1 - (الصغري): إن عدم الضد من باب (عدم المانع) لضده، لأن الضدين متمانعان.

2 - (الكبري): إن (عدم المانع) من المقدمات. فينتج من الشكل الأول إن عدم الضد من المقدمات لضده. و هذه الشبهة إنما نشأت من أخذ كلمة (المانع) مطلقة. فتخيلوا إن لها معني واحدا في الصغري و الكبري فأنتظم عندهم القياس الذي ظنوه منتجا، بينما إن الحق إن التمانع له معنيان و معناه في الصغري غير معناه في الكبري، فلم يتكرر الحد الأوسط، فلم يتألف قياس صحيح. بيان ذلك: إن التمانع تارة يرد منه التمانع في الوجود و هو امتناع

ص 270

الاجتماع و عدم الملائمة بين الشيئين و هو المقصود من التمانع بين الضدين إذ هما لا يجتمعان في الوجود و لا يتلاءمان و أخري يراد منه التمانع في التأثير و إن لم يكن بينهما تمانع و تناف في الوجود و هو الذي يكون بين المقتضيين لأثرين متمانعين في الوجود إذ يكون المحل غير قابل الا لتأثير أحد المقتضيين فإن المقتضيين حينئذ يتمانعان في تأثيرهما فلا يؤثر أحدهما الا بشرط عدم المقتضي الآخر. و هذا هو المقصود من المانع في الكبري فإن المانع الذي يكون عدمه شرطا لتأثير المقتضي هو المقتضي الآخر الذي يقتضي ضد أثر الأول. و عدم المانع أما لعدم وجوده أصلا أو لعدم بلوغه مرتبة الغلبة علي الآخر في التأثير. و عليه فنحن نسلم إن عدم الضد

من باب عدم المانع ولكنه عدم المانع في الوجود و ما هو من المقدمات عدم المانع في التأثير، فلم يتكرر الحد الأوسط. فلا نستنتج من القياس إن عدم الضد من المقدمات. و اعتقد إن هذا البيان لرفع المغالطة فيه الكفاية للمتنبه و اصطلاح هذا البيان بذكر بعض الشبهات فيه و دفعها يحتاج إلي سعة من القول لا تتحملها الرسالة. و لسنا بحاجة إلي نفي المقدمة لإثبات المختار بعد ما قدمناه.

ثمرة المسألة

إن ما ذكروه من الثمرات لهذه المسألة مختص بالضد الخاص فقط و أهمها و العمدة فيها هي صحة الضد إذا كان عبادة علي القول بعدم الاقتضاء و فساده علي القول بالاقتضاء. بيان ذلك: إنه قد يكون هناك واجب (أي واجب كان عبادة أو غير عبادة) و ضده عبادة و كان الواجب أرجح في نظر الشارع من ضده العبادي، فإنه لمكان التزاحم بين الأمرين للتضاد بين متعلقيهما و الأول أرجح في نظر الشارع، لا محالة يكون الأمر الفعلي المنجز هو الأول دون الثاني. و حينئذ، فإن قلنا بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص، فإن الضد العبادي يكون منهيا عنه في الفرض و النهي في العبادة يقتضي الفساد فإذا أتي به وقع فاسدا. و إن قلنا بأن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص، فإن الضد العبادي لا يكون منهيا عنه، فلا مقتضي لفساده. و أرجحية الواجب علي ضده الخاص العبادي يتصور في أربعة موارد:

1 - إن يكون الضد العبادي مندوبا و لا شك في إن الواجب مقدم علي

ص 271

المندوب كاجتماع الفريضة مع النافلة، فإنه بناء علي اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضده لا يصح الاشتغال بالنافلة مع حلول وقت الفريضة و لا بد

إن تقع النافلة فاسدة. نعم لا بد إن تستثني من ذلك نوافل الوقت لورود الأمر بها في خصوص وقت الفريضة كنافلتي الظهر و العصر. و علي هذا فمن كان عليه قضاء الفوائت لا تصح منه النوافل مطلقا بناء علي النهي عن الضد، بخلاف ما إذا لم نقل بالنهي عن الضد فإن عدم جواز فعل النافلة حينئذ يحتاج إلي دليل خاص.

2 - إن يكون الضد العبادي واجبا ولكنه أقل أهمية عند الشارع من الأول كما في مورد اجتماع إنقاذ نفس محترمة من الهلكة مع الصلاة الواجبة.

3 - إن يكون الضد العبادي واجبا أيضا ولكنه موسع الوقت و الأول مضيق و لا شك في إن المضيق مقدم علي الموسع و إن كان الموسع أكثر أهمية منه. مثاله اجتماع قضاء الدين الفوري مع الصلاة في سعة وقتها. و إزالة النجاسة عن المسجد مع الصلاة في سعة الوقت.

4 - إن يكون الضد العبادي واجبا أيضا ولكنه مخير و الأول واجب معين و لا شك في إن المعين مقدم علي المخير و إن كان المخير أكثر أهمية منه لأن المخير له بدل دون المعين. مثاله اجتماع سفر منذور في يوم معين مع خصال الكفارة، فلو ترك المكلف السفر و اختار الصوم من خصال الكفارة فإن كان الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده كان الصوم منهيا عنه فاسدا. هذه خلاصة بيان ثمرة المسألة مع بيان موارد ظهورها و لكن هذا المقدار من البيان لا يكفي في تحقيقها فإن ترتبها و ظهورها يتوقف علي أمرين. (الأول) - القول بأن النهي في العبادة يقتضي فسادها حتي النهي الغيري التبعي، لأنه إذا قلنا بأن النهي مطلقا لا يقتضي فساد العبادة أو خصوص النهي التبعي

لا يقتضي الفساد فلا تظهر الثمرة أبدا. و هو واضح لأن الضد العبادي حينئذ يكون صحيحا سواء قلنا بالنهي عن الضد أم لم نقل. و الحق إن النهي في العبادة يقتضي فسادها حتي النهي الغيري علي الظاهر. و سيأتي تحقيق ذلك في موضعهم إن شاء الله تعالي. و استعجالا في بيان هذا الأمر نشير إليه إجمالا فنقول: إن أقصي ما يقال في عدم اقتضاء النهي التبعي للفساد هو إن النهي لا يكشف عن وجود

ص 272

مفسدة في المنهي عنه و إذا كان الأمر كذلك فالمنهي عنه باق علي ما هو عليه من مصلحة بلا مزاحم لمصلحته، فيمكن التقرب فيه إذا كان عبادة بقصد تلك المصلحة المفروضة فيه. و هذا ليس بشيء - و إن صدر من بعض أعاظم مشايخنا - لأن المدار في القرب و البعد في العبادة ليس علي وجود المصلحة و المفسدة فقط، فإنه من الواضح إن المقصود من القرب و البعد من المولي القرب و البعد المعنويان تشبيها بالقرب و البعد المكانيين و ما لم يكن الشيء مرغوبا فيه للمولي فعلا لا يصلح للتقرب به إليه و مجرد وجود مصلحة فيه لا يوجب مرغوبيته له مع فرض نهيه و تبعيده. و بعبارة أخري: لا وجه للتقرب إلي المولي بما أبعدنا عنه و المفروض إن النهي التبعي نهي مولوي و كونه تبعيا لا يخرجه عن كونه زجرا و تنفيرا و تبعيدا عن الفعل و إن كان التبعيد لمفسدة في غيره أو لفوات مصلحة الغير. نعم لو قلنا بأن النهي عن الضد ليس نهيا مولويا بل هو نهي يقتضيه العقل الذي لا يستكشف منه حكم الشرع كما اخترناه في المسألة فإن هذا النهي العقلي لا

يقتضي تبعيدا عن المولي الا إذا كشف عن مفسدة مبغوضة للمولي. و هذا شيء آخر لا يقتضيه حكم العقل في نفسه. (الثاني) - إن صحة العبادة و التقرب لا يتوقف علي وجود الأمر الفعلي بها، بل يكفي في التقرب بها إحراز محبوبيتها الذاتية للمولي و إن لم يكن هناك أمر فعلي بها لمانع. أما إذا قلنا بأن عبادية العبادة لا تتحقق الا إذا كانت مأمورا بها بأمر فعلي، فلا تظهر هذه الثمرة أبدا، لأنه قد تقدم إن الضد العبادي - سواء كان مندوبا أو واجبا اقل أهمية أو موسعا أو مخيرا - لا يكون مأمورا به فعلا لمكان المزاحمة بين الأمرين و مع عدم الأمر به لا يقع عبادة صحيحة و إن قلنا بعدم النهي عن الضد. و الحق هو الأول، أي إن عبادية العبادة لا تتوقف علي تعلق الأمر بها فعلا، بل إذا أحرز إنها محبوبة في نفسها للمولي مرغوبة لديه فإنه يصح

ص 273

التقرب بها إليه و إن لم يأمر بها فعلا لمانع، لأنه - كما اشرنا إلي ذلك في مقدمة الواجب ص 255 - يكفي في عبادية الفعل ارتباطه بالمولي و الإتيان به متقربا به إليه مع ما يمنع من التعبد به من كون فعله تشريعا أو كونه منهيا عنه. و لا تتوقف عباديته علي قصد امتثال الأمر كما مال إليه صاحب الجواهر قدس سره. هذا و قد يقال في المقام - نقلا عن المحقق الثاني تغمده الله برحمته . إن هذه الثمرة تظهر حتي مع القول بتوقف العبادة علي تعلق الأمر بها و لكن ذلك في خصوص التزاحم بين الواجبين الموسع و المضيق و نحوهما، دون التزاحم بين الأهم و المهم المضيقين.

و السر في ذلك: إن الأمر في الموسع إنما يتعلق بصرف وجود الطبيعة علي إن يأتي به المكلف في أي وقت و شاء من الوقت الوسيع المحدد له، أما الأفراد بما لها من الخصوصيات الوقتية فليست مأمورا بها بخصوصها و الأمر بالمضيق إذا لم يقتض النهي عن ضده فالفرد المزاحم له من أفراد ضده الواجب الموسع لا يكون مأمورا به لا محالة من اجل المزاحمة ولكنه لا يخرج بذلك عن كونه فردا من الطبيعة المأمور بها. و هذا كاف في حصول امتثال الأمر بالطبيعة لأن انطباقها علي هذا الفرد المزاحم قهري فيتحقق به الامتثال قهرا و يكون مجزيا عقلا عن امتثال الطبيعة في فرد آخر، لأنه لا فرق من جهة انطباق الطبيعة المأمور بها بين فرد و فرد. و بعبارة أوضح: إنه لو كان الوجوب في الواجب الموسع ينحل إلي و جوبات متعددة بتعدد أفراده الطولية الممكنة في مدة الوقت المحدد علي وجه يكون التخيير بينها شرعيا - فلا محالة لا أمر بالفرد المزاحم للواجب المضيق و لا أمر آخر يصححه فلا تظهر الثمرة و لكن الأمر ليس كذلك، فإنه ليس في الواجب الموسع الا وجوب واحد يتعلق بصرف وجود الطبيعة، غير إن الطبيعة لما كانت لها أفراد طولية متعددة يمكن انطباقها علي كل واحد منها فلا محالة يكون المكلف مخيرا عقلا بين الأفراد، أي يكون مخيرا بين إن يأتي بالفعل في أول الوقت أو ثانيه أو ثالثه و هكذا إلي آخر الوقت و ما يختاره من الفعل في أي وقت يكون هو الذي ينطبق عليه المأمور به و إن أمتنع

ص 274

إن يتعلق الأمر به بخصوصه لمانع، بشرط إن يكون المانع غير جهة نفس شمول

الأمر المتعلق بالطبيعة له، بل من جهة شيء خارج عنه و هو المزاحمة مع المضيق في المقام. هذا خلاصة توجيه ما نسب إلي المحقق الثاني في المقام و لكن شيخنا المحقق النائيني لم يرتضه، لأنه يري إن المانع من تعلق الأمر بالفرد المزاحم يرجع إلي نفس شمول الأمر المتعلق بالطبيعة له، يعني إنه يري إن الطبيعة المأمور بها بما هي مأمور بها لا تنطبق علي الفرد المزاحم و لا تشمله و انطباق الطبيعة بما هي مأمور بها علي الفرد المزاحم لا ينفع و لا يكفي في امتثال الأمر بالطبيعة. و السر في ذلك واضح، فإنا إذ نسلم إن التخيير بين أفراد الطبيعة تخيير عقلي نقول إن التخيير إنما هو بين أفراد الطبيعة المأمور بها، بما هي مأمور بها فالفرد المزاحم خارج عن نطاق هذه الأفراد التي بينها التخيير. أما إن الفرد المزاحم خارج عن نطاق أفراد الطبيعة المأمور بها بما هي مأمور بها فلأن الأمر إنما يتعلق بالطبيعة المقدورة للمكلف بما هي مقدورة، لأن القدره شرط في المأمور به مأخوذة في الخطاب، لا إنها شرط عقلي محض و الخطاب في نفسه عام شامل في إطلاقه للأفراد المقدورة و غير المقدورة. بيان ذلك: إن الأمر إنما هو لجعل الداعي في نفس المكلف و هذا المعني بنفسه يقتضي كون متعلقه مقدورا لاستحالة جعل الداعي إلي ما هو ممتنع. فيعلم من هذا إن القدرة مأخوذة في متعلق الأمر و يفهم ذلك من نفس الخطاب بمعني إن الخطاب لما كان يقتضي القدرة علي متعلقه، فتكون سعة دائرة المتعلق علي قدر سعة دائرة القدرة عليه لا يزيد و لا تنقص، أي تدور سعته و ضيقه مدار سعة القدرة و ضيقها.

و علي هذا فلا يكون الأمر شاملا لما هو ممتنع من الأفراد إذ يكون المطلوب به الطبيعة بما هي مقدرة و الفرد غير المقدور خارج عن أفرادها بما هي مأمور بها. نعم لو كان اعتبار القدرة بملاك قبح تكليف العاجز فهي شرط عقلي لا يوجب تقييد متعلق. الخطاب لأنه ليس من اقتضاء نفس الخطاب، فيكون

ص 275

متعلق الأمر هي الطبيعة بما هي لا بما هي مقدورة و إن كان بمقتضي الحكم العقل لا بد إن يقيد الوجوب بها، فالفرد المزاحم - علي هذا - هو أحد أفراد الطبيعة بما هي التي تعلق بها كذلك. و تشييد ما أفاده أستاذنا و مناقشته يحتاج إلي بحث أوسع لسنا بصدده الآن، راجع عنه تقريرات تلامذته.

الترتب

وإذا أمتد البحث إلي هنا، فهناك مشكلة فقهية تنشأ من الخلاف المتقدم لا بد من التعرض لها بما يليق بهذه الرسالة. و هي إن كثيرا من الناس نجدهم يحرصون - بسبب تهاونهم - علي فعل بعض العبادات المندوبة في ظرف وجوب شيء هو ضد للمندوب، فيتركون الواجب و يفعلون المندوب، كمن يذهب للزيارة أو يقيم مأتم الحسين (ع) و عليه دين واجب الأداء. كما نجدهم يفعلون بعض الواجبات العبادية في حين إن هناك عليهم واجبا أهم فيتركونه، أو واجبا مضيق الوقت مع إن الأول موسع فيقدمون الموسع علي المضيق أو واجبا معينا مع إن الأول مخير فيقدمون المخير علي المعين. . و هكذا. و يجمع الكل تقديم فعل المهم العبادي علي الأهم، فإن المضيق أهم من الموسع و المعين أهم من المخير، كما إن الواجب أهم من المندوب (ومن الآن سنعبر بالأهم و المهم و نقصد ما هو أعم من ذلك كله). فإذا قلنا بأن

صحة العبادة لا تتوقف علي وجود أمر فعلي متعلق به و قلنا بأنه لا نهي عن الضد أو النهي عنه لا يقتضي الفساد، فلا إشكال و لا مشكلة، لأن فعل المهم العبادي يقع صحيحا حتي مع فعلية الأمر بالأهم، غاية الأمر يكون المكلف عاصيا بترك الأهم من دون إن يؤثر ذلك علي صحة ما فعله من العبادة. و إنما المشكلة فيما إذا قلنا بالنهي عن الضد و إن النهي يقتضي الفساد، أو قلنا بتوقف صحة العبادة علي الأمر بها كما هو المعروف عن الشيخ صاحب

ص 276

الجواهر قدس سره، فإن أعمالهم هذه كلها باطلة و لا يستحقون عليها ثوابا، لأنه أما منهي عنها و النهي يقتضي الفساد و أما لا أمر بها و صحتها تتوقف علي الأمر. فهل هناك طريقة لتصحيح فعل المهم العبادي مع وجود الأمر بالأهم؟ ذهب جماعة إلي تصحيح العبادة في المهم بنحو (الترتب) بين الأمرين: الأمر بالأهم و الأمر بالمهم، مع فرض القول بعدم النهي عن الضد و إن صحة العبادة تتوقف علي وجود الأمر (1). و الظاهر إن أول من أسس هذه الفكرة و تنبه لها المحقق الثاني وشيد أركانها السيد الميرزا الشيرازي كما أحكمها و نقحها شيخنا المحقق النائيني طيب الله مثواهم. و هذه الفكرة و تحقيقها من أروع ما انتهي إليه البحث الأصولي تصويرا و عمقا. و خلاصة فكرة (الترتب): إنه لا مانع عقلا من إن يكون الأمر بالمهم فعليا عند عصيان الأمر بالأهم، فإذا عصي المكلف و ترك الأهم فلا محذور في إن يفرض الأمر بالمهم حينئذ، إذ لا يلزم منه طلب الجمع بين الضدين، كما سيأتي توضيحه. و إذا لم يكن مانع عقلي من هذا الترتب فإن

الدليل يساعد علي وقوعه و الدليل هو نفس الدليلين المتضمنين للأمر بالمهم و الأمر بالأهم و هما كافيان لإثبات وقوع الترتب. و عليه، ففكرة الترتب و تصحيحها يتوقف علي شيئين رئيسين في الباب، أحدهما أمكان الترتب في نفسه و ثانيهما الدليل علي وقوعه. أما (الأول) و هو امكانه في نفسه فبيانه: إن أقصي ما يقال في إبطال

(هامش)

(1) أما نحن الذين نقول بأن صحة العبادة لا تتوقف علي وجود الأمر فعلا و إن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده - ففي غني عن القول بالترتب لتصحيح العبادة في مقام المزاحمة بين الضدين الأهم و المهم كما تقدم.

ص 277

الترتب و استحالته: هو دعوي لزوم المحال منه و هو فعلية الأمر بالضدين في إن واحد، لأن القائل بالترتب يقول بإطلاق الأمر بالأهم و شموله لصورتي (فعل الأهم و تركه)، ففي حال فعلية الأمر بالمهم و هو حال ترك الأهم يكون الأمر بالأهم فعليا علي قوله و الأمر بالضدين في إن واحد محال. و لكن هذه الدعوي - عند القائل بالترتب - باطلة، لأن قوله (الأمر بالضدين في إن واحد محال) فيه مغالطة ظاهرة، فإن قيد (في إن واحد) يوهم إنه راجع إلي الضدين فيكون محالا إذ يستحيل الجمع بين الضدين، بينما هو في الحقيقة راجع إلي الأمر و لا استحالة في إن يأمر المولي في إن واحد بالضدين إذا لم يكن المطلوب الجمع بينهما في إن واحد، لأن المحال هو الجمع بين الضدين لا الأمر بهما في إن واحد و إن لم يستلزم الجمع بينهما. أما إن قيد في إن واحد راجع إلي الأمر لا إلي الضدين فواضح، لأن المفروض إن الأمر بالمهم مشروط بترك الأهم فالخطاب

الترتبي ليس فقط لا يقتضي الجمع بين الضدين بل يقتضي عكس ذلك، لأنه في حال انشغال المكلف بامتثال الأمر بالأهم و أطاعته لا أمر في هذا الحال الا بالأهم و نسبة المهم إليه حينئذ كنسبة المباحات إليه و أما في حال ترك الأهم و الانشغال بالمهم فإن الأمر بالأهم نسلم إنه يكون فعليا و كذلك الأمر بالمهم و لكن خطاب المهم حسب الفرض مشروط بترك الأهم و خلو الزمان منه، ففي هذا الحال المفروض يكون الأمر بالمهم داعيا للمكلف إلي فعل المهم في حال ترك الأهم فكيف يكون داعيا إلي الجمع بين الأهم و المهم في إن واحد. و بعبارة أوضح: إن يجاب الجمع لا يمكن إن يتصور الا إذا كان هناك مطلوبان في عرض واحد، علي وجه لو فرض أمكان الجمع بينهما لكان كل منهما مطلوبان و في الترتب لو فرض محالا أمكان الجمع بين الضدين فإنه لا يكون المطلوب الا الأهم و لا يقع المهم في هذا الحال علي صفة المطلوبية أبدا، لأن طلبه حسب الفرض مشروط بترك الأهم فمع فعله لا يكون مطلوبا. و أما (الثاني) و هو الدليل علي وقوع الترتب و إن الدليل هو نفس دليلي

ص 278

الأمرين، فبيانه: إن المفروض إن لكل من الأهم و المهم - حسب دليل كل منهما - حكما مستقلا مع قطع النظر عن وقوع المزاحمة بينهما، كما إن المفروض إن دليل كل منهما مطلق بالقياس إلي صورتي فعل الآخر و عدمه. فإذا وقع التزاحم بينهما اتفاقا، فبحسب إطلاقهما يقتضيان أيجاب الجمع بينهما و لكن ذلك محال، فلا بد إن ترفع اليد عن إطلاق أحدهما و لكن المفروض إن الأهم أولي و أرجح و لا يعقل

تقديم المرجوح علي الراجح و المهم علي الأهم فيتعين رفع اليد عن إطلاق دليل الأمر بالمهم فقط و لا يقتضي ذلك رفع اليد عن أصل دليل المهم، لأنه إنما نرفع اليد عنه من جهة تقديم إطلاق الأهم لمكان المزاحمة بينهما و أرجحية الأهم و الضروريات إنما تقدر بقدرها. و إذا رفعنا اليد عن إطلاق دليل المهم مع بقاء أصل الدليل فإن معني ذلك اشتراط خطاب المهم بترك الأهم. و هذا هو معني الترتب المقصود. و الحاصل: إن معني الترتب المقصود هو اشتراط الأمر بالمهم بترك الأهم و هذا الاشتراط حاصل فعلا بمقتضي الدليلين، مع ضم حكم العقل بعدم أمكان الجمع بين امتثالهما معا و بتقديم الراجح علي المرجوح الذي لا يرفع الا إطلاق دليل المهم، فيبقي أصل دليل الأمر بالأهم علي حاله في صورة ترك الأهم فيكون الأمر الذي يتضمنه الدليل مشروطا بترك الأهم. و بعبارة أوضح: إن دليل المهم في أصله مطلق يشمل صورتين: صورة فعل الأهم و صورة تركه. و لما رفعنا اليد عن شموله لصورة فعل الأهم لمكان المزاحمة و تقديم الراجح فيبقي شموله لصورة ترك الأهم بلا مزاحم و هذا معني اشتراطه بترك الأهم. فيكون هذا الاشتراط مدلولا لدليلي الأمرين معا بضميمة حكم العقل و لكن هذه الدلالة من نوع دلالة الإشارة (راجع عن معني دلالة الإشارة المجلد الأول ص 124). هذه خلاصة ذكره (الترتب) علي علاتها و هناك فيها جوانب تحتاج إلي مناقشة و إيضاح تركناها إلي المطولات و قد وضع لها شيخنا المحقق النائيني خمس مقدمات لسد ثغورها راجع عنها تقريرات تلامذته.

ص 279

الروضة البهية في شرح اللمعه الدمشقية

14 كتاب المتاجر

المدخل

(14) كتاب المتاجر

كِتَابُ الْمَتَاجِرِ - (الْمَتَاجِرُ) جَمْعُ مَتْجَرٍ وَ هُوَ مَفْعَلٌ مِنْ التِّجَارَةِ.

إمَّا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَاهَا

كَالْمَقْتَلِ وَ هُوَ " هُنَا " نَفْسُ التَّكَسُّبِ، أَوْ اسْمُ مَكَان لِمَحِلِّ التِّجَارَةِ وَ هِيَ الْأَعْيَانُ الْمُكْتَسَبُ بِهَا وَ الْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِمَقْصُودِ الْعِلْمِ، فَإِنَّ الْفَقِيهَ يَبْحَثُ عَنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَ الْأَعْيَانُ مُتَعَلِّقَاتُ فِعْلِهِ وَ قَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَي الْأَمْرَيْنِ مَعًا فَإِلَي الثَّانِي بِتَقْسِيمِهِ الْأَوَّلَ وَ إِلَي الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ أَخِيرًا: ثُمَّ التِّجَارَةُ تَنْقَسِمُ بِانْقِسَامِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَ الْمُرَادُ بِهَا هُنَا التَّكَسُّبُ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْبَيْعِ: فَعَقْدُ الْبَابِ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَقْسَامِ لِلْبَيْعِ خَاصَّةً غَيْرُ جَيِّدٍ و كان إفْرَادُهَا بِكِتَابٍ، ثُمَّ ذِكْرُ الْبَيْعِ فِي كِتَابٍ كَغَيْرِهِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الِاكْتِسَابُ كَمَا صَنَعَ فِي الدُّرُوسِ أَوْلَي و فيه فُصُولٌ.

الفصل الْأَوَّلُ (يَنْقَسِمُ مَوْضُوعُ التِّجَارَةِ)

المدخل

وَ هُوَ مَا يُكْتَسَبُ بِهِ وَ يُبْحَثُ فِيهَا عَنْ عَوَارِضِهِ اللَّاحِقَةِ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيِّ (إلَي مُحَرَّمٍ وَ مَكْرُوهٍ وَ مُبَاحٍ) وَ وَجْهُ الْحَصْرِ فِي الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْمُكْتَسَبَ بِهِ إمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ نَهْيٌ، أَوْ لَا وَ الثَّانِي الْمُبَاحُ وَ الْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْهُ مَانِعًا مِنْ النَّقِيضِ، أَوْ لَا وَ الْأَوَّلُ الْحَرَامُ وَ الثَّانِي الْمَكْرُوهُ وَ لَمْ يَذْكُرْ الْحُكْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَ هُمَا: الْوُجُوبُ وَ الِاسْتِحْبَابُ، لِأَنَّهُمَا مِنْ عَوَارِضِ التِّجَارَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَقْسَامِهَا، (فَالْمُحَرَّمُ الْأَعْيَانُ النَّجِسَةُ كَالْخَمْرِ) الْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ، (وَ النَّبِيذِ) الْمُتَّخَذِ مِنْ التَّمْرِ وَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَنْبِذَةِ كَالْبِتْعِ وَ الْمِزْرِ وَ الْجِعَةِ وَ الْفَضِيخِ وَ النَّقِيعِ وَ ضَابِطُهَا الْمُسْكِرُ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا كَالْحَشِيشَةِ إنْ لَمْ يُفْرَضْ لَهَا نَفْعٌ آخَرُ وَ قُصِدَ بِبَيْعِهَا الْمَنْفَعَةُ الْمُحَلِّلَةُ.

(وَ الْفُقَّاعِ) وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْكِرًا، لِأَنَّهُ خَمْرٌ اسْتَصْغَرَهُ النَّاسُ، (وَ الْمَائِعِ النَّجِسِ غَيْرِ الْقَابِلِ لِلطَّهَارَةِ) إمَّا لِكَوْنِ نَجَاسَتِهِ ذَاتِيَّةٌ كَأَلْيَاتِ الْمَيْتَةِ وَ الْمُبَانَةِ مِنْ الْحَيِّ، أَوْ عَرَضِيَّةٍ كَمَا لَوْ وَقَعَ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَ قُلْنَا بِعَدَمِ قَبُولِهِ لِلطَّهَارَةِ

كَمَا هُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ فِي غَيْرِ الْمَاءِ النَّجِسِ، (إلَّا الدُّهْنَ) بِجَمِيعِ أَصْنَافِهِ، (لِلضَّوْءِ تَحْتَ السَّمَاءِ) لَا تَحْتَ الظِّلَالِ فِي الْمَشْهُورِ وَ النُّصُوصُ مُطْلَقَةٌ فَجَوَازُهُ مُطْلَقًا مُتَّجَهٌ وَ الِاخْتِصَاصُ بِالْمَشْهُورِ تَعَبُّدٌ، لَا لِنَجَاسَةِ دُخَانِهِ، فَإِنَّ دُخَانَ النَّجِسِ عِنْدَنَا طَاهِرٌ، لِاسْتِحَالَتِهِ.

وَقَدْ يُعَلَّلُ بِتَصَاعُدِ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ مَعَ الدُّخَانِ قَبْلَ إحَالَةِ النَّارِ لَهُ بِسَبَبِ السُّخُونَةِ إلَي أَنْ يُلْقِيَ الظِّلَالَ فَتَتَأَثَّرَ بِنَجَاسَتِهِ.

وَفِيهِ عَدَمُ صَلَاحِيَّتِهِ مَعَ تَسْلِيمِهِ لِلْمَنْعِ.

لِأَنَّ تَنْجِيسَ مَالِك الْعَيْنِ لَهَا غَيْرُ مُحَرَّمٍ.

وَالْمُرَادُ الدُّهْنُ النَّجِسُ بِالْعَرَضِ كَالزَّيْتِ تَمُوتُ فِيهِ الْفَأْرَةُ وَ نَحْوِهِ، لَا بِالذَّاتِ كَأَلْيَةِ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّ اسْتِعْمَالَهُ مُحَرَّمٌ مُطْلَقًا، لِلنَّهْيِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ كَذَلِكَ.

(وَ الْمَيْتَةُ) وَ أَجْزَاؤُهَا الَّتِي تَحِلُّهَا الْحَيَاةُ، دُونَ مَا لَا تَحِلُّهُ، مَعَ طَهَارَةِ أَصْلِهِ بِحَسَبِ ذَاتِهِ، (وَ الدَّمُ) وَ إِنْ فُرِضَ لَهَا نَفْعٌ حُكْمِيٌّ كَالصَّبْغِ، (وَأَرْوَاثِ وَ أَبْوَالِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ) وَ إِنْ فُرِضَ لَهُمَا نَفْعٌ، أَمَّا هُمَا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا، لِطَهَارَتِهِمَا وَ نَفْعِهِمَا وَ قِيلَ: بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا، إلَّا بَوْلَ الْإِبِلِ، لِلِاسْتِشْفَاءِ بِهِ (وَ الْخِنْزِيرُ وَ الْكَلْبُ) الْبَرِّيَّانِ مُطْلَقًا، (إلَّا كَلْبَ الصَّيْدِ وَ الْمَاشِيَةِ وَ الزَّرْعِ وَ الْحَائِطِ) كَالْبُسْتَانِ وَ الْجِرْوِ الْقَابِلِ لِلتَّعْلِيمِ وَ لَوْ خَرَجَتْ الْمَاشِيَةُ عَنْ مِلْكِهِ، أَوْ حُصِدَ الزَّرْعُ، أَوْ اُسْتُغِلَّ الْحَائِطُ لَمْ يَحْرُمْ اقْتِنَاؤُهَا، رَجَاءً لِغَيْرِهَا، مَا لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ بِحَيْثُ يَلْحَقُ بِالْهِرَاشِ، (وَ آلَاتُ اللَّهْوِ) مِنْ الدُّفِّ وَ الْمِزْمَارِ وَ الْقَصَبِ وَ غَيْرِهَا، (وَ الصَّنَمُ) الْمُتَّخَذُ لِعِبَادَةِ الْكُفَّارِ، (وَ الصَّلِيبُ) الَّذِي يَبْتَدِعُهُ النَّصَارَي، (وَ آلَاتُ الْقِمَارِ كَالنَّرْدِ) بِفَتْحِ النُّونِ، (وَ الشِّطْرَنْج) بِكَسْرِ الشِّينِ فَسُكُونِ الطَّاءِ فَفَتْحِ الرَّاءِ، (وَ الْبُقَيْرَي) بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَ تَشْدِيدِ الْقَافِ مَفْتُوحَةً وَ سُكُونِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْت وَ فَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ لُعْبَةٌ لِلصِّبْيَانِ وَ هِيَ كَوْمَةٌ مِنْ تُرَابٍ حَوْلَهَا خُطُوطٌ وَ عَنْ

الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهَا الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ.

(وَبَيْعُ السِّلَاحِ) بِكَسْرِ السِّينِ مِنْ السَّيْفِ وَ الرُّمْحِ وَ الْقَوْسِ وَ السِّهَامِ وَ نَحْوِهَا (لِأَعْدَاءِ الدِّينِ) مُسْلِمِينَ كَانُوا، أَمْ كُفَّارًا وَ مِنْهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ فِي حَالِ الْحَرْبِ، أَوْ التَّهَيُّؤُ لَهُ، لَا مُطْلَقًا وَ لَوْ أَرَادُوا الِاسْتِعَانَةَ بِهِ عَلَي قِتَالِ الْكُفَّارِ لَمْ يَحْرُمْ وَ لَا يَلْحَقُ بِالسِّلَاحِ مَا يُعَدُّ جُنَّةً لِلْقِتَالِ كَالدِّرْعِ وَ الْبَيْضَةِ وَ إِنْ كُرِهَ، (وَإِجَارَةُ الْمَسَاكِنِ وَ الْحَمُولَةِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَ هِيَ الْحَيَوَانُ الَّذِي يَصْلُحُ لِلْحَمْلِ كَالْإِبِلِ وَ الْبِغَالِ وَ الْحَمِيرِ وَ السُّفُنُ دَاخِلَةٌ فِيهِ تَبَعًا، (لِلْمُحَرَّمِ) كَالْخَمْرِ وَ رُكُوبِ الظَّلَمَةِ وَ إِسْكَانِهِمْ لِأَجْلِهِ وَ نَحْوِهِ.

وَبَيْعُ الْعِنَبِ وَ التَّمْرِ

(وَبَيْعُ الْعِنَبِ وَ التَّمْرِ)

وَ غَيْرِهِمَا مِمَّا يَعْمَلُ مِنْهُ الْمُسْكِرَ، (لِيَعْمَلَ مُسْكِرًا) سَوَاءٌ شَرَطَهُ فِي الْعَقْدِ، أَمْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ، (وَ الْخَشَبُ لِيَصْنَعَ صَنَمًا)، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْآلَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، (وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ لِمَنْ يَعْمَلُهُ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبِيعَهُ لِذَلِكَ، إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ وَ إِلَّا فَالْأَجْوَدُ التَّحْرِيمُ وَ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَالْعِلْمِ وَ قِيلَ: يَحْرُمُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ مُطْلَقًا. (وَيَحْرُمُ عَمَلُ الصُّوَرِ الْمُجَسَّمَةِ) ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ.

وَاحْتُرِزَ بِالْمُجَسَّمَةِ عَنْ الصُّوَرِ الْمَنْقُوشَةِ عَلَي نَحْوِ الْوِسَادَةِ وَ الْوَرَقِ وَ الْأَقْوَي تَحْرِيمُهُ مُطْلَقًا وَ يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ بِحَمْلِ الصِّفَةِ عَلَي الْمُمَثَّلِ لَا الْمِثَالِ.

(وَ الْغِنَاءُ) بِالْمَدِّ وَ هُوَ مَدُّ الصَّوْتِ الْمُشْتَمِلِ عَلَي التَّرْجِيعِ الْمُطْرِبِ، أَوْ مَا سُمِّيَ فِي الْعُرْفِ غِنَاءً وَ إِنْ لَمْ يُطْرِبْ، سَوَاءٌ كَانَ فِي شِعْرٍ، أَمْ قُرْآنٍ، أَمْ غَيْرِهِمَا وَ اسْتَثْنَي مِنْهُ الْمُصَنِّفُ وَ غَيْرُهُ الْحِدَاءَ لِلْإِبِلِ وَ آخَرُونَ وَ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ فِعْلَهُ لِلْمَرْأَةِ فِي الْأَعْرَاسِ إذَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِبَاطِلٍ وَ لَمْ تَعْمَلْ بِالْمَلَاهِي وَ لَوْ بِدُفٍّ فِيهِ صَنْجٌ، لَا بِدُونِهِ وَ لَمْ يَسْمَعَ صَوْتَهَا أَجَانِبُ الرِّجَالِ وَ لَا بَأْسَ بِهِ.

(وَمَعُونَةُ الظَّالِمِينَ بِالظُّلْمِ) كَالْكِتَابَةِ لَهُمْ

وَ إِحْضَارِ الْمَظْلُومِ وَ نَحْوِهِ، لَا مَعُونَتُهُمْ بِالْأَعْمَالِ الْمُحَلَّلَةِ كَالْخِيَاطَةِ وَ إِنْ كُرِهَ التَّكَسُّبُ بِمَالِهِ، (وَ النَّوْحُ بِالْبَاطِلِ) بِأَنْ تَصِفَ الْمَيِّتَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ وَ يَجُوزُ بِالْحَقِّ إذَا لَمْ تَسْمَعْهَا الْأَجَانِبُ، (وَهِجَاءُ الْمُؤْمِنِينَ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَ الْمَدِّ وَ هُوَ ذِكْرُ مَعَايِبِهِمْ بِالشِّعْرِ وَ لَا فَرْقَ فِي الْمُؤْمِنِ بَيْنَ الْفَاسِقِ وَ غَيْرِهِ وَ يَجُوزُ هِجَاءُ غَيْرِهِمْ كَمَا يَجُوزُ لَعْنُهُ.

(وَ الْغِيبَةُ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَ هُوَ الْقَوْلُ وَ مَا فِي حُكْمِهِ فِي الْمُؤْمِنِ بِمَا يَسُوءُهُ لَوْ سَمِعَهُ مَعَ اتِّصَافِهِ بِهِ وَ فِي حُكْمِ الْقَوْلِ الْإِشَارَةُ بِالْيَدِ وَ غَيْرِهَا مِنْ الْجَوَارِحِ وَ التَّحَاكِي بِقَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ كَمِشْيَةِ الْأَعْرَجِ وَ التَّعْرِيضِ كَقوله:

أَنَا لَسْت مُتَّصِفًا بِكَذَا، أَوْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْنِي كَذَا، مُعَرِّضًا بِمَنْ يَفْعَلُهُ وَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِحُضُورِهِ، أَوْ قَالَ فِيهِ مَا لَيْسَ بِهِ فَهُوَ أَغْلَظُ تَحْرِيمًا وَ أَعْظَمُ تَأْثِيمًا وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ غِيبَةً اصْطِلَاحًا. وَ اسْتُثْنِيَ مِنْهَا نُصْحُ الْمُسْتَشِيرِ وَ جُرْحُ الشَّاهِدِ وَ التَّظَلُّمُ وَ سَمَاعُهُ وَ رَدُّ مَنْ ادَّعَي نَسَبًا لَيْسَ لَهُ وَ الْقَدْحُ فِي مَقَالِهِ، أَوْ دَعْوَي بَاطِلَةٍ فِي الدِّينِ وَ الِاسْتِعَانَة عَلَي دَفْعِ الْمُنْكَرِ وَ رَدِّ الْعَاصِي إلَي الصَّلَاحِ وَ كَوْنُ الْمَقُولِ فِيهِ مُسْتَحِقًّا لِلِاسْتِخْفَافِ، لِتَظَاهُرِهِ بِالْفِسْقِ وَ الشَّهَادَة عَلَي فَاعِلِ الْمُحَرَّمِ حِسْبَةً و قد أَفْرَدْنَا لِتَحْقِيقِهَا رِسَالَةً شَرِيفَةً مَنْ أَرَادَ الِاطِّلَاعَ عَلَي حَقَائِقِ أَحْكَامِهَا فَلْيَقِفْ عَلَيْهَا.

(وَحِفْظُ كُتُبِ الضَّلَالِ) عَنْ التَّلَفِ، أَوْ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ.

(وَنَسْخُهَا وَ دَرْسُهَا) قِرَاءَةً وَ مُطَالَعَةً وَ مُذَاكَرَةً، (لِغَيْرِ النَّقْضِ) لَهَا، (أَوْ الْحُجَّةِ) عَلَي أَهْلِهَا بِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِمَّا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ، أَوْ نَقْضِ الْبَاطِلِ لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، (أَوْ التَّقِيَّةُ) وَ بِدُونِ ذَلِكَ يَجِبُ إتْلَافُهَا، إنْ لَمْ يُمْكِنْ إفْرَادُ مَوَاضِعِ الضَّلَالِ وَ إِلَّا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا. (وَتَعَلُّمُ السِّحْرِ)

وَ هُوَ كَلَامٌ، أَوْ كِتَابَةٌ يَحْدُثُ بِسَبَبِهِ ضَرَرٌ عَلَي مَنْ عُمِلَ لَهُ فِي بَدَنِهِ، أَوْ عَقْلِهِ وَ مِنْهُ عَقْدُ الرَّجُلِ عَنْ حَلِيلَتِهِ وَ إِلْقَاءُ الْبَغْضَاءِ بَيْنَهُمَا وَ اسْتِخْدَامُ الْجِنِّ وَ الْمَلَائِكَةِ وَ اسْتِنْزَالُ الشَّيَاطِينِ فِي كَشْفِ الْغَائِبَاتِ وَ عِلَاجِ الْمُصَابِ وَ تَلَبُّسُهُمْ بِبَدَنِ صَبِيٍّ، أَوْ امْرَأَةٍ فِي كَشْفِ أَمْرٍ عَلَي لِسَانِهِ وَ نَحْوِ ذَلِكَ، فَتَعَلُّمُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَ تَعْلِيمُهُ حَرَامٌ وَ التَّكَسُّبُ بِهِ سُحْتٌ وَ يُقْتَلُ مُسْتَحِلُّهُ.

وَالْحَقُّ أَنَّ لَهُ أَثَرًا حَقِيقِيًّا وَ هُوَ أَمْرٌ وِجْدَانِيٌّ، لَا مُجَرَّد التَّخْيِيلِ كَمَا زَعَمَ كَثِيرٌ.

وَلَا بَأْسَ بِتَعَلُّمِهِ لِيَتَوَقَّي بِهِ، أَوْ يَدْفَعَ سِحْرَ الْمُتَنَبِّئِ بِهِ وَ رُبَّمَا وَجَبَ عَلَي الْكِفَايَةِ لِذَلِكَ كَمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ.

(وَ الْكِهَانَةُ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَ هِيَ عَمَلٌ يُوجِبُ طَاعَةَ بَعْضِ الْجَانِّ لَهُ فِيمَا يَأْمُرُهُ بِهِ وَ هُوَ قَرِيبٌ مِنْ السِّحْرِ، أَوْ أَخَصُّ مِنْهُ.

(وَ الْقِيَافَةُ) وَ هِيَ الِاسْتِنَادُ إلَي عَلَامَاتٍ وَ أَمَارَاتٍ، يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا إلْحَاقُ نَسَبٍ وَ نَحْوِهِ وَ إِنَّمَا يَحْرُمُ إذَا رُتِّبَ عَلَيْهَا مُحَرَّمٌ، أَوْ جَزَمَ بِهَا، (وَ الشَّعْبَذَةُ) وَ هِيَ الْأَفْعَالُ الْعَجِيبَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَي سُرْعَةِ الْيَدِ بِالْحَرَكَةِ فَيُلَبَّسُ عَلَي الْحِسِّ.

كَذَا عَرَّفَهَا الْمُصَنِّفُ، (وَتَعْلِيمُهَا) كَغَيْرِهَا مِنْ الْعُلُومِ وَ الصَّنَائِعِ الْمُحَرَّمَةِ.

(وَ الْقِمَارُ) بِالْآلَاتِ الْمُعَدَّةِ لَهُ، حَتَّي اللَّعِبِ بِالْخَاتَمِ وَ الْجَوْزِ وَ الْبَيْضِ وَ لَا يُمْلَكُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْكَسْبِ وَ إِنْ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، فَيَجِبُ رَدُّهُ عَلَي مَالِكِهِ وَ لَوْ قَبَضَهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَالْمُخَاطَبُ بِرَدِّهِ الْوَلِيُّ، فَإِنْ جَهِلَ مَالِكَهُ تَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ وَ لَوْ انْحَصَرَ فِي مَحْصُورِينَ وَجَبَ التَّخَلُّصُ مِنْهُمْ وَ لَوْ بِالصُّلْحِ، (وَ الْغِشُّ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ (الْخَفِيُّ)، كَشَوْبِ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ وَ وَضْعِ الْحَرِيرِ فِي الْبُرُودَةِ لِيَكْتَسِبَ ثِقْلًا وَ يُكْرَهُ، بِمَا لَا يَخْفَي، كَمَزْجِ الْحِنْطَةِ بِالتُّرَابِ وَ التِّبْنِ وَ جَيِّدِهَا بِرَدِيئِهَا (وَتَدْلِيسُ الْمَاشِطَةِ) بِإِظْهَارِهَا

فِي الْمَرْأَةِ مَحَاسِنَ لَيْسَتْ فِيهَا، مِنْ تَحْمِيرِ وَجْهِهَا وَ وَصْلِ شَعْرِهَا وَ نَحْوِهِ وَ مِثْلُهُ فِعْلُ الْمَرْأَةِ لَهُ مِنْ غَيْرِ مَاشِطَةٍ وَ لَوْ انْتَفَي التَّدْلِيسُ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً فَلَا تَحْرِيمَ.

(وَتَزْيِينُ كُلٍّ مِنْ الرَّجُلِ وَ الْمَرْأَةِ بِمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ) كَلُبْسِ الرَّجُلِ السِّوَارَ وَ الْخَلْخَالَ وَ الثِّيَابَ الْمُخْتَصَّةَ بِهَا عَادَةً.

وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ وَ الْأَصْقَاعِ وَ مِنْهُ تَزْيِينُهُ بِالذَّهَبِ وَ إِنْ قَلَّ وَ الْحَرِيرِ إلَّا مَا اسْتَثْنَي وَ كَلُبْسِ الْمَرْأَةِ مَا يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ، كَالْمِنْطَقَةِ وَ الْعِمَامَةِ.

(وَ الْأُجْرَةُ عَلَي تَغْسِيلِ الْمَوْتَي وَ تَكْفِينِهِمْ) وَ حَمْلِهِمْ إلَي الْمُغْتَسَلِ وَ إِلَي الْقَبْرِ وَ حَفْرِ قُبُورِهِمْ، (وَدَفْنُهُمْ وَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ) وَ غَيْرُهَا مِنْ الْأَفْعَالِ الْوَاجِبَةِ كِفَايَةً وَ لَوْ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ عَلَي مَنْدُوبٍ، كَتَغْسِيلِهِمْ زِيَادَةً عَلَي الْوَاجِبِ وَ تَنْظِيفِهِمْ وَ وُضُوئِهِمْ وَ تَكْفِينِهِمْ بِالْقِطَعِ الْمَنْدُوبَةِ وَ حَفْرِ الْقَبْرِ زِيَادَةً عَلَي الْوَاجِبِ الْجَامِعِ لِوَصْفَيْ: كَتْمِ الرِّيحِ وَ حِرَاسَةِ الْجُثَّةِ إلَي أَنْ يَبْلُغَ الْقَامَةَ وَ شَقّ اللَّحْدِ وَ نَقْلُهُ إلَي مَا يُدْفَنُ فِيهِ مِنْ مَكَان زَائِدٍ عَلَي مَا لَا يُمْكِنُ دَفْنُهُ فِيهِ لَمْ يَحْرُمْ التَّكَسُّبُ بِهِ.

(وَ الْأُجْرَةُ عَلَي الْأَفْعَالِ الْخَالِيَةِ مِنْ غَرَضٍ حُكْمِيٍّ كَالْعَبَثِ) مِثْلِ الذَّهَابِ إلَي مَكَان بَعِيدٍ، أَوْ فِي الظُّلْمَةِ، أَوْ رَفْعِ صَخْرَةٍ وَ نَحْوِ ذَلِكَ وَ مِمَّا لَا يُعْتَدُّ بِفَائِدَتِهِ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ.

(وَ الْأُجْرَةُ عَلَي الزِّنَا) وَ اللِّوَاطِ وَ مَا شَاكَلَهُمَا.

(وَرِشَا الْقَاضِي) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَ كَسْرِهِ مَقْصُورًا جَمْعُ رِشْوَةٍ بِهِمَا و قد تَقَدَّمَ.

(وَ الْأُجْرَةُ عَلَي الْأَذَانِ وَ الْإِقَامَةِ) عَلَي أَشْهَرِ الْقَوْلَيْنِ وَ لَا بَأْسَ بِالرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأُجْرَةَ تَفْتَقِرُ إلَي تَقْدِيرِ الْعَمَلِ وَ الْعِوَضِ وَ الْمُدَّةِ وَ الصِّيغَةِ الْخَاصَّةِ وَ الرِّزْقُ مَنُوطٌ بِنَظَرِ الْحَاكِمِ وَ لَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ الْأُجْرَةِ بَيْنَ كَوْنِهَا مِنْ مُعَيَّنٍ وَ

مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَ الْمَحَلَّةِ وَ بَيْتِ الْمَالِ وَ لَا يَلْحَقُ بِهَا أَخْذُ مَا أُعِدَّ لِلْمُؤَذِّنِينَ مِنْ أَوْقَافِ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ وَ إِنْ كَانَ مُقَدَّرًا وَ بَاعِثًا عَلَي الْأَذَانِ.

نَعَمْ لَا يُثَابُ فَاعِلُهُ إلَّا مَعَ تَمَحُّضِ الْإِخْلَاصِ بِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ.

(وَ الْقَضَاءُ) بَيْنَ النَّاسِ لِوُجُوبِهِ سَوَاءٌ احْتَاجَ إلَيْهَا أَمْ لَا وَ سَوَاءٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَمْ لَا، (وَيَجُوزُ الرِّزْقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) و قد تَقَدَّمَ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُرْتَزِقَةِ مِنْهُ، (وَ الْأُجْرَةُ عَلَي تَعْلِيمِ الْوَاجِبِ مِنْ التَّكْلِيفِ) سَوَاءٌ وَجَبَ عَيْنًا، كَالْفَاتِحَةِ وَ السُّورَةِ وَ أَحْكَامِ الْعِبَادَاتِ الْعَيْنِيَّةِ، أَمْ كِفَايَةً كَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ وَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ عِلْمًا وَ عَمَلًا وَ تَعْلِيمِ الْمُكَلَّفِينَ صِيَغَ الْعُقُودِ وَ الْإِيقَاعَاتِ وَ نَحْوِ ذَلِكَ.

وَ أَمَّا الْمَكْرُوهُ - فَكَالصَّرْفِ

(وَ أَمَّا الْمَكْرُوهُ - فَكَالصَّرْفِ)

وَعُلِّلَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ بِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ فَاعِلُهُ مِنْ الرِّبَا، (وَبَيْعِ الْأَكْفَانِ)، لِأَنَّهُ يَتَمَنَّي كَثْرَةَ الْمَوْتِ وَ الْوَبَاءِ، (وَ الرَّقِيقِ) لِقَوْلِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: { شَرُّ النَّاسِ مَنْ بَاعَ النَّاسَ }، (وَاحْتِكَارِ الطَّعَامِ) وَ هُوَ حَبْسُهُ بِتَوَقُّعِ زِيَادَةِ السِّعْرِ.

وَالْأَقْوَي تَحْرِيمُهُ مَعَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ وَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ وَ هُوَ اخْتِيَارُهُ فِي الدُّرُوسِ وَ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: { الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَ الْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ } و سيأتي الْكَلَامُ فِي بَقِيَّةِ أَحْكَامِهِ، (وَ الذِّبَاحَةِ) لِإِفْضَائِهَا إلَي قَسْوَةِ الْقَلْبِ وَ سَلْبِ الرَّحْمَةِ وَ إِنَّمَا تُكْرَهُ إذَا اتَّخَذَهَا حِرْفَةً وَ صَنْعَةً، لَا مُجَرَّدِ فِعْلِهَا، كَمَا لَوْ احْتَاجَ إلَي صَرْفِ دِينَارٍ، أَوْ بَيْعِ كَفَنٍ، أَوْ ذَبْحِ شَاةٍ وَ نَحْوِ ذَلِكَ وَ التَّعْلِيلُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَخْبَارِ يُرْشِدُ إلَيْهِ، (وَ النِّسَاجَةِ) وَ الْمُرَادُ بِهَا مَا يَعُمُّ الْحِيَاكَةَ وَ الْأَخْبَارُ مُتَضَافِرَةٌ بِالنَّهْيِ عَنْهَا وَ الْمُبَالَغَةِ فِي ضِعَتِهَا وَ نُقْصَانِ فَاعِلِهَا، حَتَّي

نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ.

وَالظَّاهِرُ اخْتِصَاصُ النِّسَاجَةِ وَ الْحِيَاكَةِ بِالْمَغْزُولِ وَ نَحْوِهِ، فَلَا يُكْرَهُ عَمَلُ الْخُوصِ وَ نَحْوِهِ، بَلْ رُوِيَ أَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْأَنْبِيَاءِ وَ الْأَوْلِيَاءِ، (وَ الْحِجَامَةِ) مَعَ شَرْطِ الْأُجْرَةِ، لَا بِدُونِهَا كَمَا قَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي غَيْرِهِ وَ غَيْرِهِ وَ دَلَّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ وَ ظَاهِرُهُ هُنَا الْإِطْلَاقُ (وَضِرَابِ الْفَحْلِ) بِأَنْ يُؤَجِّرَهُ لِذَلِكَ مَعَ ضَبْطِهِ بِالْمَرَّةِ وَ الْمَرَّاتِ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ بِالْمُدَّةِ وَ لَا كَرَاهَةَ فِي مَا يُدْفَعُ إلَيْهِ عَلَي جِهَةِ الْكَرَامَةِ لِأَجْلِهِ.

(وَكَسْبِ الصِّبْيَانِ) الْمَجْهُولِ أَصْلُهُ، لِمَا يَدْخُلُهُ مِنْ الشُّبْهَةِ النَّاشِئَةِ مِنْ اجْتِرَاءِ الصَّبِيِّ عَلَي مَا لَا يَحِلُّ، لِجَهْلِهِ، أَوْ عِلْمِهِ بِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ عَنْهُ وَ لَوْ عُلِمَ اكْتِسَابُهُ مِنْ مُحَلَّلٍ فَلَا كَرَاهَةَ وَ إِنْ أَطْلَقَ الْأَكْثَرَ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ عُلِمَ تَحْصِيلُهُ، أَوْ بَعْضُهُ مِنْ مُحَرَّمٍ وَجَبَ اجْتِنَابُهُ، أَوْ اجْتِنَابُ مَا عُلِمَ مِنْهُ، أَوْ اشْتَبَهَ بِهِ وَ مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ تَكَسُّبُ الْوَلِيِّ بِهِ، أَوْ أَخْذُهُ مِنْهُ، أَوْ الصَّبِيِّ بَعْدَ رَفْعِ الْحَجْرِ عَنْهُ (وَ) كَذَا يُكْرَهُ كَسْبُ (مَنْ لَا يَجْتَنِبُ الْمُحَرَّمَ) فِي كَسْبِهِ (وَ الْمُبَاحُ - مَا خَلَا عَنْ وَجْهِ رُجْحَانٍ) مِنْ الطَّرَفَيْنِ بِأَنْ لَا يَكُونَ رَاجِحًا وَ لَا مَرْجُوحًا لِتَتَحَقَّقَ الْإِبَاحَةُ (بِالْمَعْنَي الْأَخَصِّ).

التجارة تنقسم بانقسام الاحكام الخمسة

التجارة تنقسم بانقسام الاحكام الخمسة

(ثُمَّ التِّجَارَةُ) - وَ هِيَ نَفْسُ التَّكَسُّبِ (تَنْقَسِمُ بِانْقِسَامِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ) فَالْوَاجِبُ مِنْهَا مَا تَوَقَّفَ تَحْصِيلُ مُؤْنَتِهِ وَ مُؤْنَةِ عِيَالِهِ الْوَاجِبِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَ مُطْلَقُ التِّجَارَةِ الَّتِي يَتِمُّ بِهَا نِظَامُ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الْكِفَائِيَّةِ وَ إِنْ زَادَ عَلَي الْمُؤْنَةِ وَ الْمُسْتَحَبُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمُسْتَحَبُّ وَ هُوَ التَّوْسِعَةُ عَلَي الْعِيَالِ وَ نَفْعُ الْمُؤْمِنِينَ وَ مُطْلَقُ الْمَحَاوِيجِ غَيْرُ الْمُضْطَرِّينَ وَ الْمُبَاحُ مَا يَحْصُل بِهِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَالِ مِنْ غَيْرِ الْجِهَاتِ الرَّاجِحَةِ وَ الْمَرْجُوحَةِ وَ الْمَكْرُوهُ وَ الْحَرَامُ التَّكَسُّبُ بِالْأَعْيَانِ الْمَكْرُوهَةِ

وَ الْمُحَرَّمَةِ و قد تَقَدَّمَتْ.

الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَ آدَابِهِ

المدخل

(الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَ آدَابِهِ)

(وَهُوَ) أَيْ عَقْدُ الْبَيْعِ (الْإِيجَابُ وَ الْقَبُولُ الدَّالَّانِ عَلَي نَقْلِ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ) وَ هَذَا كَمَا هُوَ تَعْرِيفٌ لِلْعَقْدِ يَصْلُحُ تَعْرِيفًا لِلْبَيْعِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَ جَمَاعَةٍ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ، اسْتِنَادًا إلَي أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ مَعْنَاهُ فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ وَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إلَي الْبَيْعِ نَفْسِهِ وَ أَنْ يَكُونَ إضَافَةُ الْبَيْعِ بَيَانِيَّةً وَ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي الدُّرُوسِ عَرَّفَ الْبَيْعَ بِذَلِكَ، مُزِيدًا قَيْدَ التَّرَاضِي وَ جَعْلُ جِنْسِ التَّعْرِيفِ الْإِيجَابَ وَ الْقَبُولَ أَوْلَي مِنْ جَعْلِ اللَّفْظِ الدَّالِّ كَمَا صَنَعَ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ قَرِيبٌ وَ اللَّفْظُ بَعِيدٌ وَ بَاقِي الْقُيُودِ خَاصَّةٌ مُرَكَّبَةٌ، يَخْرُجُ بِهَا مِنْ الْعُقُودِ مَا لَا نَقْلَ فِيهِ كَالْوَدِيعَةِ وَ الْمُضَارَبَةِ وَ الْوَكَالَةِ وَ مَا تَضَمَّنَ نَقْلَ الْمِلْكِ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ وَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَ شَمِلَ مَا كَانَ مِلْكًا لِلْعَاقِدِ وَ غَيْرِهِ، فَدَخَلَ بَيْعُ الْوَكِيلِ وَ الْوَلِيِّ وَ خَرَجَ بِالْعِوَضِ الْمَعْلُومِ الْهِبَةُ الْمَشْرُوطُ فِيهَا مُطْلَقُ الثَّوَابِ وَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ حَيْثُ يَقَعُ صَحِيحًا إذْ لَمْ يُعْتَبَرْ التَّرَاضِي وَ هُوَ وَارِدٌ عَلَي تَعْرِيفِهِ فِي الدُّرُوسِ وَ بَيْعُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ وَ شِرَاؤُهُ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْإِيجَابُ وَ الْقَبُولُ وَ يَرِدُ عَلَي تَعْرِيفِ أَخْذِ " اللَّفْظِ " جِنْسًا كَالشَّرَائِعِ وَ بَقِيَ فِيهِ دُخُولُ عَقْدِ الْإِجَارَةِ، إذْ الْمِلْكُ يَشْمَلُ الْعَيْنَ وَ الْمَنْفَعَةَ وَ الْهِبَةَ الْمَشْرُوطَ فِيهَا عِوَضٌ مُعَيَّنٌ وَ الصُّلْحَ الْمُشْتَمِلَ عَلَي نَقْلِ الْمِلْكِ بِعَرَضٍ مَعْلُومٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَ الْمُتَأَخِّرِينَ.

وَحَيْثُ كَانَ الْبَيْعُ عِبَارَةً عَنْ الْإِيجَابِ وَ الْقَبُولِ الْمَذْكُورَيْنِ (فَلَا يَكْفِي الْمُعَاطَاةُ) وَ هِيَ إعْطَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَا يُرِيدُهُ مِنْ الْمَالِ عِوَضًا عَمَّا يَأْخُذُهُ مِنْ الْآخَرِ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَي ذَلِكَ بِغَيْرِ

الْعَقْدِ الْمَخْصُوصِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْجَلِيلُ وَ الْحَقِيرُ، عَلَي الْمَشْهُورِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، بَلْ كَادَ يَكُونُ إجْمَاعًا، (نَعَمْ يُبَاحُ) بِالْمُعَاطَاةِ (التَّصَرُّفُ) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ الْعِوَضِ، لِاسْتِلْزَامِ دَفْعِ مَالِكِهِ لَهُ عَلَي هَذَا الْوَجْهِ الْإِذْنَ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ وَ هَلْ هِيَ إبَاحَةٌ، أَمْ عَقْدٌ مُتَزَلْزِلٌ، ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ ظَاهِرَةٌ فِيهَا وَ لَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ) فِيهَا (مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ)، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الْإِبَاحَةَ.

وَرُبَّمَا ظَهَرَ مِنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ الثَّانِي لِتَعْبِيرِهِ بِجَوَازِ فَسْخِهَا الدَّالِّ عَلَي وُقُوعِ أَمْرٍ يُوجِبُهُ.

وَتَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي النَّمَاءِ فَعَلَي الثَّانِي هُوَ لِلْقَابِضِ مَعَ تَحَقُّقِ اللُّزُومِ بَعْدَهُ وَ عَلَي الْأَوَّلِ يَحْتَمِلُهُ وَ عَدَمَهُ.

وَيُفْهَمُ مِنْ جَوَازِ الرُّجُوعِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَدَمُهُ مَعَ ذَهَابِهَا وَ هُوَ كَذَلِكَ وَ يُصَدَّقُ بِتَلَفِ الْعَيْنَيْنِ، وَإِحْدَاهُمَا وَ بَعْضِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَ نَقْلِهَا عَنْ مِلْكِهِ وَ بِتَغْيِيرِهَا كَطَحْنِ الْحِنْطَةِ، فَإِنَّ عَيْنَ الْمُنْتَقِلِ غَيْرُ بَاقِيَةٍ مَعَ احْتِمَالِ الْعَدَمِ أَمَّا لُبْسُ الثَّوْبِ مَعَ عَدَمِ تَغَيُّرِهِ فَلَا أَثَرَ لَهُ وَ فِي صَبْغِهِ وَ قَصْرِهِ وَ تَفْصِيلِهِ وَ خِيَاطَتِهِ وَ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُغَيِّرَةِ لِلصِّفَةِ مَعَ بَقَاءِ الْحَقِيقَةِ نَظَرٌ وَ عَلَي تَقْدِيرِ الرُّجُوعِ فِي الْعَيْنِ و قد اسْتَعْمَلَهَا مَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ يَأْخُذُهَا بِغَيْرِ أُجْرَةٍ، لِإِذْنِهِ فِي التَّصَرُّفِ مَجَّانًا وَ لَوْ نَمَتْ وَ تَلِفَ النَّمَاءُ فَلَا رُجُوعَ بِهِ كَالْأَصْلِ وَ إِلَّا فَالْوَجْهَانِ.

وَهَلْ تَصِيرُ مَعَ ذَهَابِ الْعَيْنِ بَيْعًا، أَوْ مُعَاوَضَةً خَاصَّةً وَ جْهَانِ مِنْ حَصْرِهِمْ الْمُعَاوَضَاتِ وَ لَيْسَتْ أَحَدَهَا وَ مِنْ اتِّفَاقِهِمْ عَلَي أَنَّهَا لَيْسَتْ بَيْعًا بِالْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَي التَّرَاضِي فَكَيْف تَصِيرُ بَيْعًا بِالتَّلَفِ.

وَمُقْتَضَي الْمُعَاطَاةِ أَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَلَوْ وَقَعَتْ بِقَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ خَاصَّةً مَعَ ضَبْطِ الْآخَرِ عَلَي وَجْهٍ يَرْفَعُ الْجَهَالَةَ فَفِي لُحُوقِ أَحْكَامِهَا نَظَرٌ، مِنْ عَدَمِ تَحَقُّقِهَا.

وَحُصُولِ التَّرَاضِي وَ

هُوَ اخْتِيَارُهُ فِي الدُّرُوسِ عَلَي تَقْدِيرِ دَفْعِ السِّلْعَةِ دُونَ الثَّمَنِ، (وَيُشْتَرَطُ وُقُوعُهُمَا) أَيْ الْإِيجَابِ وَ الْقَبُولِ (بِلَفْظِ الْمَاضِي) الْعَرَبِيِّ (كَبِعْت) مِنْ الْبَائِعِ، (وَاشْتَرَيْت) مِنْ الْمُشْتَرِي، (وَشَرَيْت) مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْبَيْعِ وَ الشِّرَاءِ، (وَمَلَّكْت) بِالتَّشْدِيدِ مِنْ الْبَائِعِ وَ بِالتَّخْفِيفِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَ تَمَلَّكْت، (وَيَكْفِي الْإِشَارَةُ) الدَّالَّةُ عَلَي الرِّضَا عَلَي الْوَجْهِ الْمُعَيَّنِ (مَعَ الْعَجْزِ) عَنْ النُّطْقِ لِخَرَسٍ وَ غَيْرِهِ وَ لَا تَكْفِي مَعَ الْقُدْرَةِ.

نَعَمْ تُفِيدُ الْمُعَاطَاةَ مَعَ الْإِفْهَامِ الصَّرِيحِ.

(وَ لَا يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ الْإِيجَابِ عَلَي الْقَبُولِ وَ إِنْ كَانَ) تَقْدِيمُهُ (أَحْسَنَ)، بَلْ قِيلَ: بِتَعَيُّنِهِ وَ وَجْهُ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ أَصَالَةُ الصِّحَّةِ وَ ظُهُورُ كَوْنِهِ عَقْدًا فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَي الرِّضَا وَ تَسَاوِي الْمَالِكَيْنِ فِي نَقْلِ مَا يَمْلِكُهُ إلَي الْآخَرِ وَ وَجْهُ التَّعْيِينِ الشَّكُّ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ مَعَ تَأَخُّرِهِ وَ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَصْلِ وَ لِدَلَالَةِ مَفْهُومِ الْقَبُولِ عَلَي تَرَتُّبِهِ عَلَي الْإِيجَابِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ وَ مِنْهُ يَظْهَرُ وَجْهُ الْحَسَنِ.

وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَوْ وَقَعَ الْقَبُولُ بِلَفْظِ اشْتَرَيْت كَمَا ذَكَرَهُ أَوْ ابْتَعْت أَوْ تَمَلَّكْت إلَخْ لَا بِقَبِلْت وَ شَبَهِهِ وَ إِنْ أَضَافَ إلَيْهِ بَاقِيَ الْأَرْكَانِ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْبِنَاءِ عَلَي أَمْرٍ لَمْ يَقَعْ. (وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْكَمَالُ) بِرَفْعِ الْحَجْرِ الْجَامِعِ لِلْبُلُوغِ وَ الْعَقْلِ وَ الرُّشْدِ، (وَ الِاخْتِيَارِ، إلَّا أَنْ يَرْضَي الْمُكْرَهُ بَعْدَ زَوَالِ إكْرَاهِهِ)، لِأَنَّهُ بَالِغٌ رَشِيدٌ قَاصِدٌ إلَي اللَّفْظ دُونَ مَدْلُولِهِ وَ إِنَّمَا مَنَعَ عَدَمُ الرِّضَا، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ أَثَّرَ الْعَقْدُ كَعَقْدِ الْفُضُولِيِّ حَيْثُ انْتَفَي الْقَصْدُ إلَيْهِ مِنْ مَالِكِهِ مَعَ تَحَقُّقِ الْقَصْدِ إلَي اللَّفْظِ فِي الْجُمْلَةِ، فَلَمَّا لَحِقَتْهُ إجَازَةُ الْمَالِكِ أَثَّرَتْ وَ لَا تُعْتَبَرُ مُقَارَنَتُهُ لِلْعَقْدِ لِلْأَصْلِ، بِخِلَافِ الْعَقْدِ الْمَسْلُوبِ بِالْأَصْلِ كَعِبَارَةِ الصَّبِيِّ، فَلَا تَجْبُرُهُ إجَازَةُ الْوَلِيِّ وَ لَا رِضَاهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ (وَ الْقَصْدُ، فَلَوْ أَوْقَعَهُ الْغَافِلُ،

أَوْ النَّائِمُ، أَوْ الْهَازِلُ لُغِيَ) وَ إِنْ لَحِقَتْهُ الْإِجَازَةُ، لِعَدَمِ الْقَصْدِ إلَي اللَّفْظِ أَصْلًا، بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ.

وَرُبَّمَا أَشْكَلَ الْفَرْقُ فِي الْهَازِلِ مِنْ ظُهُورِ قَصْدِهِ إلَي اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ عَاقِلًا مُخْتَارًا وَ إِنَّمَا تَخَلَّفَ قَصْدُ مَدْلُولِهِ.

وَأَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ الْمُكْرَهَ عَلَي وَجْهٍ يَرْتَفِعُ قَصْدُهُ أَصْلًا، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الرِّضَا الْمُتَعَقِّبُ كَالْغَافِلِ وَ السَّكْرَانِ وَ هُوَ حَسَنٌ مَعَ تَحَقُّقِ الْإِكْرَاهِ بِهَذَا الْمَعْنَي، فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ مَعْنَاهُ حَمْلُ الْمُكْرِهِ لِلْمُكْرَهِ عَلَي الْفِعْلِ خَوْفًا عَلَي نَفْسِهِ، أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا مَعَ حُضُورِ عَقْلِهِ وَ تَمْيِيزِهِ.

الْأُولَي - (يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَبِيعِ مِمَّا

الْأُولَي - (يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَبِيعِ مِمَّا يُمْلَكُ)

أَيْ يَقْبَلُ الْمِلْكَ شَرْعًا (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحُرِّ وَ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ غَالِبًا كَالْحَشَرَاتِ) بِفَتْحِ الشِّينِ كَالْحَيَّاتِ وَ الْعَقَارِبِ وَ الْفِئْرَانِ وَ الْخَنَافِسِ وَ النَّمْلِ وَ نَحْوِهَا، إذْ لَا نَفْعَ فِيهَا يُقَابَلُ بِالْمَالِ وَ إِنْ ذُكِرَ لَهَا مَنَافِعُ فِي الْخَوَاصِّ وَ هُوَ الْخَارِجُ بِقوله:

غَالِبًا، (وَفَضَلَاتِ الْإِنْسَانِ) وَ إِنْ كَانَتْ طَاهِرَةً (إلَّا لَبَنَ الْمَرْأَةِ) فَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ مُقَدَّرًا بِالْمِقْدَارِ الْمَعْلُومِ، أَوْ الْمُدَّةِ، لِعِظَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، (وَ لَا الْمُبَاحَاتِ قَبْلَ الْحِيَازَةِ)، لِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ عَنْهَا حِينَئِذٍ وَ الْمُتَبَايِعَانِ فِيهَا سِيَّانِ وَ كَذَا بَعْدَ الْحِيَازَةِ قَبْلَ نِيَّةِ التَّمَلُّكِ إنْ اعْتَبَرْنَاهَا فِيهِ كَمَا هُوَ الْأَجْوَدُ. (وَ لَا الْأَرْضِ الْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ قَهْرًا كَأَرْضِ الْعِرَاقِ وَ الشَّامِ لِأَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ قَاطِبَةً لَا تُمْلَكُ عَلَي الْخُصُوصِ، (إلَّا تَبَعًا لِآثَارِ الْمُتَصَرِّفِ) مِنْ بِنَاءٍ وَ شَجَرٍ فِيهِ، فَيَصِحُّ فِي الْأَقْوَي وَ تَبْقَي تَابِعَةً لَهُ مَا دَامَتْ الْآثَارُ، فَإِذَا زَالَتْ رَجَعَتْ إلَي أَصْلِهَا وَ الْمُرَادُ مِنْهَا الْمُحْيَاةُ وَ قْتَ الْفَتْحِ، أَمَّا الْمَوَاتُ فَيَمْلِكُهَا الْمُحْيِي وَ يَصِحُّ بَيْعُهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْلَاكِ (وَ الْأَقْرَبُ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ رِبَاعِ مَكَّةَ) أَيْ دُورِهَا (زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا، لِنَقْلِ الشَّيْخِ فِي

الْخِلَافِ الْإِجْمَاعَ) عَلَي عَدَمِ جَوَازِهِ، (إنْ قُلْنَا إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً)، لِاسْتِوَاءِ النَّاسِ فِيهَا حِينَئِذٍ وَ لَوْ قُلْنَا إنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا جَازَ وَ فِي تَقْيِيدِ الْمَنْعِ بِالْقَوْلِ بِفَتْحِهَا عَنْوَةً مَعَ تَعْلِيلِهِ بِنَقْلِ الْإِجْمَاعِ الْمَنْقُولِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ تَنَافُرٌ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إنْ ثَبَتَ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَي أَمْرٍ آخَرَ وَ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ افْتَقَرَ إلَي التَّعْلِيلِ بِالْفَتْحِ عَنْوَةً وَ غَيْرِهِ وَ يَبْقَي فِيهِ أَنَّهُ عَلَي مَا اخْتَارَهُ سَابِقًا مِنْ مِلْكِهِ تَبَعًا لِلْآثَارِ يَنْبَغِي الْجَوَازُ لِلْقَطْعِ بِتَجَدُّدِ الْآثَارِ فِي جَمِيعِ دُورِهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ عَامَ الْفَتْحِ.

وَرُبَّمَا عَلَّلَ الْمَنْعَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَ بِكَوْنِهَا فِي حُكْمِ الْمَسْجِدِ، لِآيَةِ الْإِسْرَاءِ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ لَكِنَّ الْخَبَرَ لَمْ يَثْبُتْ وَ حَقِيقَةُ الْمَسْجِدِيَّةِ مُنْتَفِيَةٌ وَ مَجَازُ الْمُجَاوَرَةِ وَ الشَّرَفِ وَ الْحُرْمَةِ مُمْكِنٌ وَ الْإِجْمَاعُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ، فَالْجَوَازُ مُتَّجَهٌ.

الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ فِي الْمَبِيعِ. .

الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ فِي الْمَبِيعِ. .

أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَي تَسْلِيمِهِ فَلَوْ بَاعَ الْحَمَامَ الطَّائِرَ) أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الطُّيُورِ الْمَمْلُوكَةِ (لَمْ يَصِحَّ، إلَّا أَنْ تَقْضِي الْعَادَةُ بِعَوْدِهِ) فَيَصِحُّ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْعَبْدِ الْمُنْفَذِ فِي الْحَوَائِجِ وَ الدَّابَّةِ الْمُرْسَلَةِ (وَ لَوْ بَاعَ) الْمَمْلُوكَ (الْآبِقَ) الْمُتَعَذِّرَ تَسْلِيمُهُ (صَحَّ مَعَ الضَّمِيمَةِ) إلَي مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا (فَإِنْ وَجَدَهُ) الْمُشْتَرِي وَ قَدَرَ عَلَي إثْبَاتِ يَدِهِ عَلَيْهِ، (وَ إِلَّا كَانَ الثَّمَنُ بِإِزَاءِ الضَّمِيمَةِ) وَ نَزَلَ الْآبِقُ بِالنِّسْبَةِ إلَي الثَّمَنِ مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومِ و لكن لَا يَخْرُجُ بِالتَّعَذُّرِ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَيَصِحُّ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَ بَيْعُهُ لِغَيْرِهِ مَعَ الضَّمِيمَةِ، (وَ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي مَعَ الْعِلْمِ بِإِبَاقِهِ).

لِقُدُومِهِ عَلَي النَّقْصِ، أَمَّا لَوْ جَهِلَ جَازَ الْفَسْخُ إنْ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَ يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي غَيْرِهِ مِنْ كَوْنِهِ مَعْلُومًا مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ وَ غَيْرَ ذَلِكَ، سِوَي

الْقُدْرَةِ عَلَي تَسْلِيمِهِ، فَلَوْ ظَهَرَ تَلَفُهُ حِينَ الْبَيْعِ، أَوْ اسْتِحْقَاقُهُ لِغَيْرِ الْبَائِعِ، أَوْ مُخَالِفًا لِلْوَصْفِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيمَا يُقَابِلُهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَ تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي فِي الْأَخِيرِ عَلَي الظَّاهِرِ.

(وَ لَوْ قَدَرَ الْمُشْتَرِي عَلَي تَحْصِيلِهِ) دُونَ الْبَائِعِ (فَالْأَقْرَبُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الضَّمِيمَةِ) فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ، لِحُصُولِ الشَّرْطِ وَ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَي تَسَلُّمِهِ.

وَوَجْهُ الِاشْتِرَاطِ صِدْقُ الْإِبَاقِ مَعَهُ الْمُوجِبِ الضَّمِيمَةَ بِالنَّصِّ.

وَكَوْنُ الشَّرْطِ التَّسْلِيمَ وَ هُوَ أَمْرٌ آخَرُ غَيْرُ التَّسَلُّمِ.

وَيُضَعَّفُ بِأَنَّ الْغَايَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ التَّسْلِيمِ حُصُولُهُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ مَانِعٍ وَ هِيَ مَوْجُودَةٌ وَ الْمُوجِبَةَ لِلضَّمِيمَةِ الْعَجْزُ عَنْ تَحْصِيلِهِ وَ هِيَ مَفْقُودَةٌ، (وَ عَدَمُ لُحُوقِ أَحْكَامِهَا لَوْ ضُمَّ) فَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَي تَحْصِيلِهِ، أَوْ تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَ لَا يَتَخَيَّرُ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِإِبَاقِهِ وَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الضَّمِيمَةِ صِحَّةُ إفْرَادِهَا بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ وَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَ لَا يَلْحَقُ بِالْآبِقِ غَيْرُهُ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ كَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ وَ الْفَرَسِ الْعَائِرِ عَلَي الْأَقْوَي، بَلْ الْمَمْلُوكُ الْمُتَعَذِّرُ تَسْلِيمُهُ بِغَيْرِ الْإِبَاقِ، اقْتِصَارًا فِيمَا خَالَفَ الْأَصْلَ عَلَي الْمَنْصُوصِ.

(أَمَّا الضَّالُّ وَ الْمَجْحُودُ) مِنْ غَيْرِ إبَاقٍ (فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَ يُرَاعَي بِإِمْكَانِ التَّسْلِيمِ)، فَإِنْ أَمْكَنَ فِي وَقْتٍ قَرِيبٍ لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنَافِعِ يُعْتَدُّ بِهِ، أَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالصَّبْرِ إلَي أَنْ يُسَلَّمَ لَزِمَ، (وَ إِنْ تَعَذَّرَ فَسْخُ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ) وَ إِنْ شَاءَ الْتَزَمَ وَ بَقِيَ عَلَي مِلْكِهِ يَنْتَفِعُ بِهِ بِالْعِتْقِ وَ نَحْوِهِ وَ يُحْتَمَلُ قَوِيًّا بُطْلَانُ الْبَيْعِ، لِفَقْدِ شَرْطِ الصِّحَّةِ وَ هُوَ إمْكَانُ التَّسْلِيمِ.

وَكَمَا يَجُوزُ جَعْلُ الْآبِقِ مُثَمَّنًا يَجُوزُ جَعْلُهُ ثَمَنًا، سَوَاءً أَكَانَ فِي مُقَابِلِهِ آبِقٌ آخَرُ، أَمْ غَيْرُهُ، لِحُصُولِ مَعْنَي الْبَيْعِ فِي الثَّمَنِ وَ الْمُثَمَّنِ.

(وَ فِي احْتِيَاجِ الْعَبْدِ الْآبِقِ الْمَجْعُولِ ثَمَنًا إلَي الضَّمِيمَةِ احْتِمَالٌ)، لِصِدْقِ الْإِبَاقِ الْمُقْتَضِي لَهَا

(وَلَعَلَّهُ الْأَقْرَبُ)، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لَهَا، (وَ حِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا ثَمَنًا وَ الْآخَرُ مُثَمَّنًا مَعَ الضَّمِيمَتَيْنِ وَ لَا يَكْفِيَ) فِي الضَّمِيمَةِ فِي الثَّمَنِ وَ الْمُثَمَّنِ (ضَمُّ آبِقٍ آخَرَ إلَيْهِ)، لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الضَّمِيمَةِ أَنْ تَكُونَ ثَمَنًا إذَا تَعَذَّرَ تَحْصِيلُهُ فَتَكُونُ جَامِعَةً لِشَرَائِطِهِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا إمْكَانُ التَّسْلِيمِ وَ الْآبِقُ الْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ.

(وَ لَوْ تَعَدَّدَتْ الْعَبِيدُ) فِي الثَّمَنِ وَ الْمُثَمَّنِ (كَفَتْ ضَمِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) لِصِدْقِ الضَّمِيمَةِ مَعَ الْآبِقِ وَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا كَوْنُهَا مُتَمَوَّلَةً إذَا وُزِّعْت عَلَي كُلِّ وَاحِدٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ ضَمَائِمَ، مَعَ أَنَّ الْوَاحِدَةَ كَافِيَةٌ.

وَهَذِهِ الْفُرُوعُ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ وَ مِثْلُهَا فِي تَضَاعِيفِهِ كَثِيرٌ نُنَبِّهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَي فِي مَوَاضِعِهِ.

الثَّالِثَةُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَبِيعِ أَنْ يَكُ
الثَّالِثَةُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ طَلْقًا:

فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْوَقْفِ) الْعَامِّ مُطْلَقًا، إلَّا أَنْ يَتَلَاشَي وَ يَضْمَحِلَّ، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْجِهَةِ الْمَقْصُودَةِ مُطْلَقًا كَحَصِيرٍ يَبْلَي وَ لَا يَصْلُحُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ فِي مَحِلِّ الْوَقْفِ وَ جِذْعٍ يَنْكَسِرُ كَذَلِكَ وَ لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُمَا بِأَعْيَانِهِمَا فِي الْوُقُودِ لِمَصَالِحِهِ، كَآجُرِّ الْمَسْجِدِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ حِينَئِذٍ وَ صَرْفُهُ فِي مَصَالِحِهِ، إنْ لَمْ يُمْكِنْ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِوَقْفٍ وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ مَوْقُوفًا، بَلْ اُشْتُرِيَ لِلْمَسْجِدِ مَثَلًا مِنْ غَلَّتِهِ أَوْ بَذَلَهُ لَهُ بَاذِلٌ صَحَّ لِلنَّاظِرِ بَيْعُهُ مَعَ الْمَصْلَحَةِ مُطْلَقًا.

(وَ لَوْ أَدَّي بَقَاؤُهُ إلَي خَرَابِهِ لِخُلْفٍ بَيْنَ أَرْبَابِهِ) فِي الْوَقْفِ الْمَحْصُورِ (فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ) أَيْ جَوَازُ بَيْعِهِ حِينَئِذٍ وَ فِي الدُّرُوسِ اكْتَفَي فِي جَوَازِ بَيْعِهِ بِخَوْفِ خَرَابِهِ، أَوْ خُلْفِ أَرْبَابِهِ الْمُؤَدِّي إلَي فَسَادِهِ وَ قَلَّ أَنْ يَتَّفِقَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَتْوَي وَاحِدٍ، بَلْ فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَ الْوَقْفِ فَتَأَمَّلْهَا، أَوْ طَالِعْ شَرْحَ الْمُصَنِّفِ لِلْإِرْشَادِ تَطَّلِعْ عَلَي ذَلِكَ.

وَالْأَقْوَي فِي الْمَسْأَلَةِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ صَحِيحَةُ عَلِيِّ بْنِ مِهْزِيَارٍ عَنْ

أَبِي جَعْفَرٍ الْجَوَّادِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهِ إذَا وَقَعَ بَيْنَ أَرْبَابِهِ خُلْفٌ شَدِيدٌ وَ عَلَّلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنَّهُ رُبَّمَا جَاءَ فِيهِ تَلَفُ الْأَمْوَالِ وَ النُّفُوسِ وَ ظَاهِرُهُ أَنَّ خَوْفَ أَدَائِهِ إلَيْهِمَا، أَوْ إلَي أَحَدِهِمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ هُوَ مَظِنَّةٌ لِذَلِكَ وَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ اخْتَلَفَتْ أَفْهَامُهُمْ فِي الشَّرْطِ الْمُسَوِّغِ لِلْبَيْعِ، فَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْخُلْفَ الْمُؤَدِّي إلَي الْخَرَابِ، نَظَرًا إلَي تَعْلِيلِهِ بِتَلَفِ الْمَالِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِ الْوَقْفُ، إذْ لَا دَخْلَ لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ وَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَ إِنْ احْتَاجَ إلَي بَيْعِهِ أَرْبَابُ الْوَقْفِ وَ لَمْ تَكْفِهِمْ غَلَّتُهُ، أَوْ كَانَ بَيْعُهُ أَعَوْدَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا قِيلَ، لِعَدَمِ دَلِيلٍ صَالِحٍ عَلَيْهِ وَ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ يُشْتَرَي بِثَمَنِهِ مَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَي ذَلِكَ الْوَجْهِ إنْ أَمْكَنَ، مُرَاعِيًا لِلْأَقْرَبِ إلَي صِفَتِهِ فَالْأَقْرَبِ وَ الْمُتَوَلِّي لِذَلِكَ النَّاظِرُ إنْ كَانَ وَ إِلَّا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ إنْ انْحَصَرُوا وَ إِلَّا فَالنَّاظِرُ الْعَامُّ. (وَ لَا)، بَيْعُ الْأَمَةِ (الْمُسْتَوْلَدَةِ) مِنْ الْمَوْلَي وَ يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيلَادُ الْمَانِعُ مِنْ الْبَيْعِ بِعُلُوقِهَا فِي مِلْكِهِ وَ إِنْ لَمْ تَلِجْهُ الرُّوحُ كَمَا سَيَأْتِي فَقوله:

(مَا دَامَ الْوَلَدُ حَيًّا) مَبْنِيٌّ عَلَي الْأَغْلَبِ، أَوْ عَلَي التَّجَوُّزِ لِأَنَّهُ قَبْلَ وُلُوجِ الرُّوحِ لَا يُوصَفُ بِالْحَيَاةِ إلَّا مَجَازًا وَ لَوْ مَاتَ صَارَتْ كَغَيْرِهَا مِنْ إمَائِهِ عِنْدَنَا، أَمَّا مَعَ حَيَاتِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، (إلَّا فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ) وَ هَذَا الْجَمْعُ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ.

(أَحَدُهَا - فِي ثَمَنِ رَقَبَتِهَا مَعَ إعْسَارِ مَوْلَاهَا، سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا، أَوْ مَيِّتًا)، أَمَّا مَعَ الْمَوْتِ فَمَوْضِعُ وِفَاقٍ وَ أَمَّا مَعَ الْحَيَاةِ فَعَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَ الْمُرَادُ بِإِعْسَارِهِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يُوَفِّي ثَمَنَهَا زَائِدًا عَلَي الْمُسْتَثْنَيَاتِ فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ.

(وَثَانِيهَا

- إذَا جَنَتْ عَلَي غَيْرِ مَوْلَاهَا) فَيَدْفَعُ ثَمَنَهَا فِي الْجِنَايَةِ، أَوْ رَقَبَتَهَا إنْ رَضِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَ لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَي مَوْلَاهَا لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَي مَالِهِ مَالٌ.

(وَثَالِثُهَا - إذَا عَجَزَ مَوْلَاهَا عَنْ نَفَقَتِهَا) وَ لَوْ أَمْكَنَ تَأَدِّيهَا بِبَيْعِ بَعْضِهَا وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ، وُقُوفًا فِيمَا خَالَفَ الْأَصْلَ عَلَي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ.

(وَ رَابِعُهَا - إذَا مَاتَ قَرِيبُهَا وَ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهَا) لِتَعْتِقَ وَ تَرِثَهُ وَ هُوَ تَعْجِيلُ عِتْقٍ أَوْلَي بِالْحُكْمِ مِنْ إبْقَائِهَا لِتَعْتِقَ بَعْدَ وَفَاةِ مَوْلَاهَا.

(وَخَامِسُهَا - إذَا كَانَ عُلُوقُهَا بَعْدَ الِارْتِهَانِ) فَيُقَدَّمُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ لِسَبْقِهِ وَ قِيلَ يُقَدَّمُ حَقُّ الِاسْتِيلَادِ، لِبِنَاءِ الْعِتْقِ عَلَي التَّغْلِيبِ وَ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِهَا (وَسَادِسُهَا - إذَا كَانَ عُلُوقُهَا بَعْدَ الْإِفْلَاسِ) أَيْ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَي الْمُفْلِسِ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ ظُهُورِ الْإِفْلَاسِ لَا يُوجِبُ تَعَلُّقَ حَقِّ الدَّيَّانِ بِالْمَالِ وَ الْخِلَاف هُنَا كَالرَّهْنِ.

(وَسَابِعُهَا - إذَا مَاتَ مَوْلَاهَا وَ لَمْ يُخْلِفْ سِوَاهَا وَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَنًا لَهَا)، لِأَنَّهَا إنَّمَا تَعْتِقُ بِمَوْتِ مَوْلَاهَا مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا وَ لَا نَصِيبَ لَهُ مَعَ اسْتِغْرَاقِ الدَّيْنِ فَلَا تُعْتَقُ وَ تُصْرَفُ فِي الدَّيْنِ.

(وَثَامِنُهَا - بَيْعُهَا عَلَي مَنْ تَنْعَتِقُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ فِي قُوَّةِ الْعِتْقِ) فَيَكُونُ تَعْجِيلُ خَيْرٍ يُسْتَفَادُ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، حَيْثُ إنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْبَيْعِ لِأَجْلِ الْعِتْقِ، (وَ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ نَظَرٌ، أَقْرَبُهُ الْجَوَازُ) لِمَا ذُكِرَ، فَإِنْ لَمْ يَفِ الْمُشْتَرِي بِالشَّرْطِ فُسِخَ الْبَيْعُ و جوبا.

فَإِنْ لَمْ يَفْسَخْهُ الْمَوْلَي اُحْتُمِلَ انْفِسَاخُهُ بِنَفْسِهِ وَ فَسَخَ الْحَاكِمُ إنْ اتَّفَقَ وَ هَذَا مَوْضِعٌ تَاسِعٌ وَ مَا عَدَا الْأَوَّلَ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ غَيْرُ مَنْصُوصٍ بِخُصُوصِهِ وَ لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ وَ قَدْ حَكَاهَا فِي الدُّرُوسِ بِلَفْظِ قِيلَ وَ بَعْضُهَا جُعِلَ احْتِمَالًا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ لِشَيْءٍ

مِنْهَا وَ زَادَ بَعْضُهُمْ مَوَاضِعَ أُخُرَ، عَاشِرُهَا فِي كَفَنِ سَيِّدِهَا إذَا لَمْ يُخْلِفْ سِوَاهَا وَ لَمْ يُمْكِنْ بَيْعُ بَعْضِهَا فِيهِ وَ إِلَّا اُقْتُصِرَ عَلَيْهِ.

وَحَادِيَ عَشَرَهَا إذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْلَاهَا الْكَافِرِ وَ ثَانِيَ عَشَرَهَا إذَا كَانَ وَلَدُهَا غَيْرَ وَارِثٍ لِكَوْنِهِ قَاتِلًا، أَوْ كَافِرًا، لِأَنَّهَا لَا تَنْعَتِقُ بِمَوْتِ مَوْلَاهَا حِينَئِذٍ، إذْ لَا نَصِيبَ لِوَلَدِهَا.

وَثَالِثَ عَشَرَهَا إذَا جَنَتْ عَلَي مَوْلَاهَا جِنَايَةً تَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهَا وَ رَابِعَ عَشَرَهَا إذَا قَتَلَتْهُ خَطَأً وَ خَامِسَ عَشَرَهَا إذَا حَمَلَتْ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْبَائِعِ، أَوْ الْمُشْتَرِكِ ثُمَّ فَسَخَ الْبَائِعُ بِخِيَارِهِ وَ سَادِسَ عَشَرَهَا إذَا خَرَجَ مَوْلَاهَا عَنْ الذِّمَّةِ وَ مَلَكَتْ أَمْوَالَهُ الَّتِي هِيَ مِنْهَا وَ سَابِعَ عَشَرَهَا إذَا لَحِقَتْ هِيَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّتْ وَ ثَامِنَ عَشَرَهَا إذَا كَانَتْ لِمُكَاتَبٍ مَشْرُوطٍ، ثُمَّ فَسَخَ كِتَابَتَهُ وَ تَاسِعَ عَشَرَهَا إذَا شَرَطَ أَدَاءَ الضَّمَانِ مِنْهَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ ثُمَّ أَوْلَدَهَا، فَإِنَّ حَقَّ الْمَضْمُونِ لَهُ أَسْبَقُ مِنْ حَقِّ الِاسْتِيلَادِ كَالرَّهْنِ وَ الْفَلَسِ السَّابِقَيْنِ وَ الْعِشْرُونَ إذَا أَسْلَمَ أَبُوهَا، أَوْ جَدُّهَا وَ هِيَ مَجْنُونَةٌ، أَوْ صَغِيرَةٌ، ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا الْكَافِرُ بَعْدَ الْبُلُوغِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ عَنْ مِلْكِهِ وَ هَذِهِ فِي حُكْمِ إسْلَامِهَا عِنْدَهُ وَ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ نَظَرٌ.

بيع المكره

بيع المكره

وَاعْلَمْ أَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ إنَّمَا يَقَعُ مَوْقُوفًا مَعَ وُقُوعِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ مِنْ ثَمَّ جَازَ بَيْعُهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، كَمَنْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَي بَيْعِ مَالِهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ وَ نَفَقَةِ وَاجِبِ النَّفَقَةِ وَ تَقْوِيم الْعَبْدِ عَلَي مُعْتِقِ نَصِيبِهِ مِنْهُ وَ فَكِّهِ مِنْ الرِّقِّ لِيَرِثَ وَ إِذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الْكَافِرِ، أَوْ اشْتَرَاهُ وَ سَوَّغْنَاهُ، أَوْ اشْتَرَي الْمُصْحَفَ وَ بَيْعِ الْحَيَوَانِ إذَا امْتَنَعَ مَالِكُهُ مِنْ الْقِيَامِ بِحَقِّ نَفَقَتِهِ وَ الطَّعَامِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ يَشْتَرِيهِ خَائِف التَّلَفِ وَ الْمُحْتَكَرِ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهِ وَ احْتِيَاجِ

النَّاسِ إلَيْهِ وَ نَحْوِ ذَلِكَ. (وَيُشْتَرَطُ فِي اللُّزُومِ الْمِلْكُ) لِكُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَ الْمُشْتَرِي لِمَا يَنْقُلُهُ مِنْ الْعِوَضِ، (أَوْ إجَازَةُ الْمَالِكِ) فَبِدُونِهِ يَقَعُ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا عَلَي إجَازَةِ الْمَالِكِ، لَا بَاطِلًا مِنْ أَصْلِهِ عَلَي أَشْهَرِ الْقَوْلَيْنِ، (وَ هِيَ) أَيْ الْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ مِنْ الْمَالِكِ (كَاشِفَةٌ عَنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ) مِنْ حِينِ وُقُوعِهِ، لَا نَاقِلَةٌ لَهُ مِنْ حِينِهَا، لِأَنَّ السَّبَبَ النَّاقِلَ لِلْمِلْكِ هُوَ الْعَقْدُ الْمَشْرُوطُ بِشَرَائِطِهِ وَ كُلُّهَا كَانَتْ حَاصِلَةً إلَّا رِضَاءَ الْمَالِكِ، فَإِذَا حَصَلَ الشَّرْطُ عَمِلَ السَّبَبُ التَّامُّ عَمَلَهُ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ، فَلَوْ تَوَقَّفَ الْعَقْدُ عَلَي أَمْرٍ آخَرَ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ الْوَفَاءُ بِالْعَقْدِ خَاصَّةً، بَلْ هُوَ مَعَ الْآخَرِ.

وَوَجْهُ الثَّانِي تَوَقُّفُ التَّأْثِيرِ عَلَيْهِ فَكَانَ كَجُزْءِ السَّبَبِ وَ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي النَّمَاءِ، فَإِنْ جَعَلْنَاهَا كَاشِفَةً (فَالنَّمَاءُ) الْمُنْفَصِلُ (الْمُتَخَلِّلُ) بَيْنَ الْعَقْدِ وَ الْإِجَازَةِ الْحَاصِلُ مِنْ الْمَبِيعِ (لِلْمُشْتَرِي وَ نَمَاءُ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ لِلْبَائِعِ) وَ لَوْ جَعَلْنَاهَا نَاقِلَةً فَهُمَا لِلْمَالِكِ الْمُجِيزِ، ثُمَّ إنْ اتَّحَدَ الْعَقْدُ فَالْحُكْمُ كَمَا ذَكَرَ وَ إِنْ تَرَتَّبَتْ الْعُقُودُ عَلَي الثَّمَنِ، أَوْ الْمُثَمَّنِ، أَوْ هُمَا وَ أَجَازَ الْجَمِيعُ صَحَّ أَيْضًا وَ إِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ الْمُثَمَّنُ صَحَّ فِي الْمَجَازِ وَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْعُقُودِ، أَوْ الثَّمَنُ صَحَّ وَ مَا قَبْلَهُ.

وَالْفَرْقُ أَنَّ إجَازَةَ الْمَبِيعِ تُوجِبُ انْتِقَالَهُ عَنْ مِلْكِ الْمَالِكِ الْمُجِيزِ إلَي الْمُشْتَرِي فَتَصِحُّ الْعُقُودُ الْمُتَأَخِّرَةُ عَنْهُ وَ تَبْطُلُ السَّابِقَةُ لِعَدَمِ الْإِجَازَةِ.

وَإِجَازَةُ الثَّمَنِ تُوجِبُ انْتِقَالَهُ إلَي مَالِك الْمُجِيزِ فَتَبْطُلُ التَّصَرُّفَاتُ الْمُتَأَخِّرَةُ عَنْهُ حَيْثُ لَمْ يُجِزْهَا وَ تَصِحُّ السَّابِقَةُ، لِأَنَّ مِلْكَ الثَّمَنِ الْمُتَوَسِّطِ يَتَوَقَّفُ عَلَي صِحَّةِ الْعُقُودِ السَّابِقَةِ وَ إِلَّا لَمْ يُمْكِنْ تَمَلُّكُ ذَلِكَ الثَّمَنِ.

هَذَا إذَا بِيعَتْ الْأَثْمَانُ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ، أَمَّا لَوْ تَعَلَّقَتْ الْعُقُودُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِرَارًا كَانَ كَالْمُثَمَّنِ فِي صِحَّةِ مَا أُجِيزَ وَ مَا بَعْدَهُ وَ هَذَا الْقَيْدُ

وَارِدٌ عَلَي مَا أَطْلَقَهُ الْجَمِيعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا فَصَّلْنَاهُ أَوَّلًا، مِثَالُهُ لَوْ بَاعَ مَالَ الْمَالِكِ بِثَوْبٍ، ثُمَّ بَاعَ الثَّوْبَ بِمِائَةٍ، ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي بِمِائَتَيْنِ، ثُمَّ بَاعَهُ مُشْتَرِيه بِثَلَثِمِائَةٍ فَأَجَازَ الْمَالِكُ الْعَقْدَ الْأَخِيرَ، فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي إجَازَةَ مَا سَبَقَ، بَلْ لَا يَصِحُّ سِوَاهُ وَ لَوْ أَجَازَ الْوَسَطَ صَحَّ وَ مَا بَعْدَهُ كَالْمُثَمَّنِ.

نَعَمْ لَوْ كَانَ قَدْ بَاعَ الثَّوْبَ بِكِتَابٍ، ثُمَّ بَاعَ الْكِتَابَ بِسَيْفٍ، ثُمَّ بَاعَ السَّيْفَ بِفَرَسٍ، فَإِجَازَةُ بَيْعِ السَّيْفِ بِالْفَرَسِ تَقْتَضِي إجَازَةَ مَا سَبَقَهُ مِنْ الْعُقُودِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ السَّيْفَ إذَا مَلَكَ الْعِوَضَ الَّذِي اشْتَرَي بِهِ وَ هُوَ الْكِتَابُ وَ لَا يَمْلِكُ الْكِتَابَ إلَّا إذَا مَلَكَ الْعِوَضَ الَّذِي اشْتَرَي بِهِ وَ هُوَ الثَّوْبُ، فَهُنَا يَصِحُّ مَا ذَكَرُوهُ. (وَ لَا يَكْفِي فِي الْإِجَازَةِ السُّكُوتُ عِنْدَ الْعَقْدِ) مَعَ عِلْمِهِ بِهِ، (أَوْ عِنْدَ عَرْضِهَا) أَيْ الْإِجَازَةِ (عَلَيْهِ)، لِأَنَّ السُّكُوتَ أَعَمُّ مِنْ الرِّضَا فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ صَرِيحٍ فِيهَا كَالْعَقْدِ، (وَيَكْفِي أَجَزْت) الْعَقْدَ، أَوْ الْبَيْعَ، (أَوْ أَنْفَذْتُ، أَوْ أَمْضَيْت، أَوْ رَضِيت وَ شَبَهُهُ) كَأَقْرَرْتُهُ وَ أَبْقَيْته وَ الْتَزَمْت بِهِ، (فَإِنْ لَمْ يُجِزْ انْتَزَعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي)، لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ (وَ لَوْ تَصَرَّفَ) الْمُشْتَرِي (فِيهِ بِمَالِهِ أُجْرَةً) كَسُكْنَي الدَّارِ وَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ (رَجَعَ بِهَا عَلَيْهِ)، بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِعِوَضِ الْمَنَافِعِ وَ إِنْ لَمْ يَسْتَوْفِهَا، مَعَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْغَاصِبِ وَ إِنْ كَانَ جَاهِلًا، (وَ لَوْ نَمَا كَانَ) النَّمَاءُ (لِمَالِكِهِ) مُتَّصِلًا كَانَ، أَمْ مُنْفَصِلًا، بَاقِيًا كَانَ، أَمْ هَالِكًا، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِعِوَضِهِ وَ إِنْ كَانَ جَاهِلًا وَ كَذَا يَرْجِعُ بِعِوَضِ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ، أَوْ بَعْضُهُ مَعَ تَلَفِ بَعْضِهِ بِتَفْرِيطٍ وَ غَيْرِهِ وَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيَمِيِّ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ، إنْ كَانَ التَّفَاوُتُ بِسَبَبِ السُّوقِ وَ

بِالْأَعْلَي إنْ كَانَ بِسَبَبِ زِيَادَةٍ عَيْنِيَّةٍ، (وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَي الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ بَاقِيًا، عَالِمًا كَانَ، أَوْ جَاهِلًا) لِأَنَّهُ مَالُهُ وَ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ نَقْلَهُ عَنْ مِلْكِهِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا دَفَعَهُ عِوَضًا عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ.

(وَ إِنْ تَلِفَ قِيلَ) وَ الْقَائِلُ بِهِ الْأَكْثَرُ، بَلْ ادَّعَي عَلَيْهِ فِي التَّذْكِرَةِ الْإِجْمَاعَ: (لَا رُجُوعَ بِهِ مَعَ الْعِلْمِ) بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَالِكٍ وَ لَا وَكِيلٍ، لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَي إتْلَافِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْإِبَاحَةِ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الرُّجُوعِ بِهِ مُطْلَقًا، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهِ (وَ هُوَ) مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ و مع تَلَفِهِ (بَعِيدٌ مَعَ تَوَقُّعِ الْإِجَازَةِ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يُبِحْهُ لَهُ مُطْلَقًا، بَلْ دَفَعَهُ مُتَوَقِّعًا، لِكَوْنِهِ عِوَضًا عَنْ الْمَبِيعِ، فَيَكُونُ مَضْمُونًا لَهُ وَ لِتَصَرُّفِ الْبَائِعِ فِيهِ تَصَرُّفًا مَمْنُوعًا مِنْهُ، فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَ أَمَّا مَعَ بَقَائِهِ فَهُوَ عَيْنُ مَالِ الْمُشْتَرِي و مع تَسْلِيمِ الْإِبَاحَةِ لَمْ يَحْصُلْ مَا يُوجِبُ الْمِلْكَ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ بِجَوَازِ الرُّجُوعِ بِهِ مُطْلَقًا قَوِيًّا وَ إِنْ كَانَ نَادِرًا، إنْ لَمْ يَثْبُتْ الْإِجْمَاعُ عَلَي خِلَافِهِ وَ الْوَاقِعُ خِلَافُهُ، فَقَدْ ذَهَبَ الْمُحَقِّقُ إلَي الرُّجُوعِ بِهِ مُطْلَقًا وَ كَيْف يَجْتَمِعُ تَحْرِيمُ تَصَرُّفِ الْبَائِعِ فِيهِ مَعَ عَدَمِ رُجُوعِ الْمُشْتَرِي بِهِ فِي حَالٍ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا مَحَالَةَ غَاصِبٌ، آكِلٌ لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَ لَا فَرْقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ الْغَاصِبِ مَحْضًا وَ الْبَائِعِ فُضُولِيًّا مَعَ عَدَمِ إجَازَةِ الْمَالِكِ.

(وَيَرْجِعُ) الْمُشْتَرِي عَلَي الْبَائِعِ (بِمَا اغْتَرَمَ) لِلْمَالِكِ حَتَّي بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ عَنْ الثَّمَنِ لَوْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فَرَجَعَ بِهَا عَلَيْهِ عَلَي الْأَقْوَي، لِدُخُولِهِ عَلَي أَنْ تَكُونَ لَهُ مَجَّانًا، أَمَّا مَا قَابَلَ الثَّمَنَ مِنْ الْقِيمَةِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ لِرُجُوعِ عِوَضِهِ إلَيْهِ، فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْعِوَضِ وَ الْمُعَوَّضِ.

وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ مُطْلَقًا،

لِدُخُولِهِ عَلَي أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ، كَمَا هُوَ شَأْنُ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَ الْفَاسِدِ، كَمَا لَوْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ و فيه أَنَّ ضَمَانَهُ لِلْمِثْلِ، أَوْ الْقِيمَةِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَي فَوَاتِ الْعَيْنِ الَّذِي [قَدْ] قَدِمَ عَلَي ضَمَانِهِ وَ هُوَ مَغْرُورٌ مِنْ الْبَائِعِ بِكَوْنِ الْمَجْمُوعِ لَهُ بِالثَّمَنِ، فَالزَّائِدُ بِمَنْزِلَةِ مَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِهِ وَ قَدْ حَصَلَ لَهُ فِي مُقَابِلِهِ نَفْعٌ، بَلْ أَوْلَي.

هَذَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَي الثَّمَنِ مَوْجُودَةً حَالَ الْبَيْعِ، أَمَّا لَوْ تَجَدَّدَتْ بَعْدَهُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الثَّمَرَةِ، فَيَرْجِعُ بِهَا أَيْضًا كَغَيْرِهَا مِمَّا حَصَلَ لَهُ فِي مُقَابَلَتِهِ نَفْعٌ عَلَي الْأَقْوَي، لِغُرُورِهِ وَ دُخُولِهِ عَلَي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ.

أَمَّا مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ وَ نَحْوُهُ مِمَّا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ فِي مُقَابَلَتِهِ نَفْعٌ فَيَرْجِعُ بِهِ قَطْعًا (إنْ كَانَ جَاهِلًا) بِكَوْنِهِ مَالِكًا، أَوْ مَأْذُونًا بِأَنْ ادَّعَي الْبَائِعُ مِلْكَهُ، أَوْ الْإِذْنَ فِيهِ، أَوْ سَكَتَ وَ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالْحَالِ. (وَ لَوْ بَاعَ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ مَعَ مِلْكِهِ وَ لَمْ يُجِزْ الْمَالِكُ صَحَّ) الْبَيْعُ (فِي مِلْكِهِ) وَ وَقَفَ فِي مَا لَا يَمْلِكُ عَلَي إجَازَةِ مَالِكِهِ، فَإِنْ أَجَازَ صَحَّ الْبَيْعُ وَ لَا خِيَارَ، (وَ) إنْ رَدَّ (تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي مَعَ جَهْلِهِ) بِكَوْنِ بَعْضِ الْمَبِيعِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لِلْبَائِعِ، لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ، أَوْ الشَّرِكَةِ (فَإِنْ) فُسِخَ رَجَعَ كُلُّ مَالٍ إلَي مَالِكِهِ وَ إِنْ (رَضِيَ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْمَمْلُوكِ) لِلْبَائِعِ (بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ) وَ يَعْلَمُ مِقْدَارَ الْحِصَّةِ (بَعْدَ تَقْوِيمِهِمَا جَمِيعًا، ثُمَّ تَقْوِيمِ أَحَدِهِمَا) مُنْفَرِدًا، ثُمَّ نِسْبَةِ قِيمَتِهِ إلَي قِيمَةِ الْمَجْمُوعِ، فَيَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ مِثْلُ تِلْكَ النِّسْبَةِ، فَإِذَا قُوِّمَا جَمِيعًا بِعِشْرِينَ وَ أَحَدُهُمَا بِعَشَرَةٍ صَحَّ فِي الْمَمْلُوكِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ كَائِنًا مَا كَانَ وَ إِنَّمَا أَخَذَ بِنِسْبَةِ الْقِيمَةِ وَ لَمْ يَخُصَّهُ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرُ مَا قُوِّمَ بِهِ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهَا عَنْهُ وَ

نُقْصَانِهَا، فَرُبَّمَا جَمَعَ فِي بَعْضِ الْفُرُوضِ بَيْنَ الثَّمَنِ وَ الْمُثَمَّنِ عَلَي ذَلِكَ التَّقْدِيرِ كَمَا لَوْ كَانَ قَدْ اشْتَرَي الْمَجْمُوعَ فِي الْمِثَالِ بِعَشَرَةٍ.

وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِاجْتِمَاعِهِمَا مَدْخَلٌ فِي زِيَادَةِ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ كَثَوْبَيْنِ، أَمَّا لَوْ اسْتَلْزَمَ ذَلِكَ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ لَمْ يُقَوَّمَا مُجْتَمِعَيْنِ، إذْ لَا يَسْتَحِقُّ مَالِكُ كُلِّ وَاحِدٍ مَالَهُ إلَّا مُنْفَرِدًا وَ حِينَئِذٍ فَيُقَوَّمُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا وَ يُنْسَبُ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا إلَي مَجْمُوعِ الْقِيمَتَيْنِ وَ يُؤْخَذُ مِنْ الثَّمَنِ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ.

نَعَمْ لَوْ كَانَا لِمَالِكٍ وَاحِدٍ فَأَجَازَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أَمْكَنَ فِيهِ مَا أَطْلَقُوهُ، مَعَ احْتِمَالِ مَا قَيَّدْنَاهُ. (وَ كَذَا لَوْ بَاعَ مَا يُمْلَكُ) مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ (وَ مَا لَا يُمْلَكُ كَالْعَبْدِ مَعَ الْحُرِّ وَ الْخِنْزِيرِ مَعَ الشَّاةِ)، فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمَمْلُوكِ بِنِسْبَةِ قِيمَتِهِ إلَي مَجْمُوعِ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الثَّمَنِ، (وَيُقَوَّمُ الْحُرُّ لَوْ كَانَ عَبْدًا) عَلَي مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَوْصَافِ وَ الْكَيْفِيَّاتِ، (وَ الْخِنْزِيرُ عِنْدَ مُسْتَحِلِّيهِ) إمَّا بِإِخْبَارِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ كَثِيرَةٍ يُؤْمَنُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَي الْكَذِبِ وَ يَحْصُلُ بِقَوْلِهِمْ الْعِلْمُ، أَوْ الظَّنُّ الْمُتَاخِمُ لَهُ، أَوْ بِإِخْبَارِ عَدْلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ يَطَّلِعَانِ عَلَي حَالِهِ عِنْدَهُمْ، لَا مِنْهُمْ مُطْلَقًا، لِاشْتِرَاطِ عَدَالَةِ الْمُقَوِّمِ.

هَذَا مَعَ جَهْلِ الْمُشْتَرِي بِالْحَالِ لِيَتِمَّ قَصْدُهُ إلَي شِرَائِهِمَا.

وَيُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِثَمَنِ الْمَجْمُوعِ لَا الْأَفْرَادِ، فَيُوَزَّعُ حَيْثُ لَا يَتِمُّ لَهُ، أَمَّا مَعَ عِلْمِهِ بِفَسَادِ الْبَيْعِ فَيُشْكِلُ صِحَّتُهُ لِإِفْضَائِهِ إلَي الْجَهْلِ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ حَالَ الْبَيْعِ، لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ بِعْتُك الْعَبْدَ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَلْفِ إذَا وُزِّعَتْ عَلَيْهِ وَ عَلَي شَيْءٍ آخَرَ لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُهُ الْآنَ، أَمَّا مَعَ جَهْلِهِ فَقَصْدُهُ إلَي شِرَاءِ الْمَجْمُوعِ وَ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ ثَمَنِهِ كَافٍ وَ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَ مَا يَخُصُّ كُلَّ جُزْءٍ وَ يُمْكِنُ جَرَيَانُ الْإِشْكَالِ فِي الْبَائِعِ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَ لَا بُعْدَ فِي بُطْلَانِهِ

مِنْ طَرَفِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي قَدْ دَفَعَ الثَّمَنَ، أَوْ كَانَتْ عَيْنُهُ بَاقِيَةً، أَوْ كَانَ جَاهِلًا وَ إِلَّا جَاءَ فِيهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْفَسَادِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْفُضُولِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَي الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ. (وَكَمَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مِنْ الْمَالِكِ، يَصِحُّ مِنْ الْقَائِمِ مَقَامَهُ وَهُمْ) أَيْ الْقَائِمُ، جَمَعَهُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَي الْمَوْصُولِ وَ يَجُوزُ تَوْحِيدُهُ نَظَرًا إلَي لَفْظِهِ (سِتَّةٌ: الْأَبُ وَ الْجَدُّ لَهُ) وَ إِنْ عَلَا، (وَ الْوَصِيُّ) مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَي الطِّفْلِ وَ الْمَجْنُونِ الْأَصْلِيِّ وَ مَنْ طَرَأَ جُنُونُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ، (وَ الْوَكِيلُ) عَنْ الْمَالِكِ وَ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ، (وَ الْحَاكِمُ) الشَّرْعِيُّ حَيْثُ تُفْقَدُ الْأَرْبَعَةُ، (وَأَمِينُهُ) وَ هُوَ مَنْصُوبُهُ لِذَلِكَ، أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ، (وَبِحُكْمِ الْحَاكِمِ الْمُقَاصِّ) وَ هُوَ مَنْ يَكُونُ لَهُ عَلَي غَيْرِهِ مَالٌ فَيَجْحَدُهُ، أَوْ لَا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ مَعَ و جوبهِ، فَلَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِهِ مِنْ مَالِهِ قَهْرًا مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ إنْ وَجَدَهُ وَ إِلَّا فَمِنْ غَيْرِهِ بِالْقِيمَةِ، مُخَيَّرًا بَيْنَ بَيْعِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَ مِنْ نَفْسِهِ.

وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الْحَاكِمِ وَ إِنْ أَمْكَنَ، لِوُجُودِهِ وَ وُجُودِ الْبَيِّنَةِ الْمَقْبُولَةِ عِنْدَهُ فِي الْأَشْهَرِ وَ لَوْ تَعَذَّرَ الْأَخْذُ إلَّا بِزِيَادَةٍ جَازَ، فَتَكُونُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً فِي قَوْلٍ إلَي أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ رَدِّهَا فَيَجِبُ عَلَي الْفَوْرِ وَ لَوْ تَوَقَّفَ أَخْذُ الْحَقِّ عَلَي نَقْبِ جِدَارٍ، أَوْ كَسْرِ قُفْلٍ جَازَ وَ لَا ضَمَانَ عَلَي الظَّاهِرِ وَ يُعْتَبَرُ فِي الْمَأْخُوذِ كَوْنُهُ زَائِدًا عَلَي الْمُسْتَثْنَي فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَ لَوْ تَلِفَ مِنْ الْمَأْخُوذِ شَيْءٌ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ فَفِي ضَمَانِهِ قَوْلَانِ وَ يَكْفِي فِي التَّمَلُّكِ النِّيَّةُ، سَوَاءٌ كَانَ بِالْقِيمَةِ، أَمْ بِالْمِثْلِ وَ فِي جَوَازِ الْمُقَاصَّةِ مِنْ الْوَدِيعَةِ قَوْلَانِ وَ الْمَرْوِيُّ الْعَدَمُ وَ حُمِلَ عَلَي الْكَرَاهَةِ وَ فِي جَوَازِ مُقَاصَّةِ الْغَائِبِ مِنْ

غَيْرِ مُطَالَبَتِهِ وَ جْهَانِ، أَجْوَدُهُمَا الْعَدَمُ إلَّا مَعَ طُولِهَا بِحَيْثُ يُؤَدِّي إلَي الضَّرَرِ وَ لَوْ أَمْكَنَ الرُّجُوعُ هُنَا إلَي الْحَاكِمِ فَالْأَقْوَي تَوَقُّفُهُ عَلَيْهِ. (وَيَجُوزُ لِلْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ (تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ) بِأَنْ يَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ وَ مِمَّنْ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ، (إلَّا الْوَكِيلَ وَ الْمُقَاصَّ) فَلَا يَجُوزُ تَوَلِّيهِمَا طَرَفَيْهِ، بَلْ يَبِيعَانِ مِنْ الْغَيْرِ وَ الْأَقْوَي كَوْنُهُمَا كَغَيْرِهِمَا وَ هُوَ اخْتِيَارُهُ فِي الدُّرُوسِ، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَ عَدَمِ وُجُودِ مَا يَصْلُحُ لِلتَّخْصِيصِ، (وَ لَوْ اسْتَأْذَنَ الْوَكِيلُ جَازَ)، لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ حِينَئِذٍ. (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُشْتَرِي مُسْلِمًا إذَا ابْتَاعَ مُصْحَفًا، أَوْ مُسْلِمًا)، لِمَا فِي مِلْكِهِ لِلْأَوَّلِ مِنْ الْإِهَانَةِ وَ لِلثَّانِي مِنْ الْإِذْلَالِ وَ إِثْبَاتِ السَّبِيلِ لَهُ عَلَيْهِ، { وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } وَ قِيلَ: يَصِحُّ وَ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ وَ فِي حُكْمِ الْمُسْلِمِ وَلَدُهُ الصَّغِيرِ وَ الْمَجْنُونُ وَ مَسْبِيُّهُ الْمُنْفَرِدُ بِهِ إنْ أَلْحَقْنَاهُ بِهِ فِيهِ وَ لَقِيطٌ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ظَاهِرًا (إلَّا فِيمَنْ يَنْعَتِقُ عَلَيْهِ) فَلَا مَنْعَ، لِانْتِفَاءِ السَّبِيلِ بِالْعِتْقِ عَلَيْهِ وَ فِي حُكْمِهِ مَشْرُوطُ الْعِتْقِ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَ مَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ وَ هُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ.

وَضَابِطُهُ جَوَازُ شِرَائِهِ حَيْثُ يَتَعَقَّبُهُ الْعِتْقُ قَهْرًا.

وَفِي حُكْمِ الْبَيْعِ تَمَلُّكُهُ لَهُ اخْتِيَارًا كَالْهِبَةِ لَا بِغَيْرِهِ كَالْإِرْثِ وَ إِسْلَامِ عَبْدِهِ، بَلْ يُجْبَرُ عَلَي بَيْعِهِ مِنْ مُسْلِمٍ عَلَي الْفَوْرِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَ إِلَّا حِيلَ بَيْنَهُمَا بِوَضْعِهِ عَلَي يَدِ مُسْلِمٍ إلَي أَنْ يُوجَدَ رَاغِبٌ وَ فِي حُكْمِ بَيْعِهِ مِنْهُ إجَارَتُهُ لَهُ الْوَاقِعَةُ عَلَي عَيْنِهِ لَا عَلَي ذِمَّتِهِ، كَمَا لَوْ اسْتَدَانَ مِنْهُ وَ فِي حُكْمِ الْمُصْحَفِ أَبْعَاضُهُ وَ فِي إلْحَاقِ مَا يُوجَدُ مِنْهُ فِي كِتَابٍ غَيْرِهِ شَاهِدًا، أَوْ نَحْوَهُ نَظَرٌ مِنْ الْجُزْئِيَّةِ وَ عَدَمِ صِدْقِ الِاسْمِ وَ فِي إلْحَاقِ كُتُبِ

الْحَدِيثِ النَّبَوِيَّةِ بِهِ وَجْهٌ (وَهُنَا مَسَائِلُ)

الرَّابِعَةُ - لَوْ جَنَي الْعَبْدُ خَطَأً لَمْ ت

الرَّابِعَةُ - لَوْ جَنَي الْعَبْدُ خَطَأً لَمْ تَمْنَعْ جِنَايَتُهُ مِنْ بَيْعِهِ

لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِ مَوْلَاهُ بِهَا وَ التَّخْيِيرُ فِي فَكِّهِ لِلْمَوْلَي، فَإِنْ شَاءَ فَكَّهُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَ قِيمَتِهِ وَ إِنْ شَاءَ دَفَعَهُ إلَي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، أَوْ وَلِيِّهِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْ رَقَبَتِهِ ذَلِكَ، فَإِذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ كَانَ الْتِزَامًا بِالْفِدَاءِ عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، ثُمَّ إنْ فَدَاهُ وَ إِلَّا جَازَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ اسْتِرْقَاقُهُ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ إنْ اسْتَوْعَبَتْ قِيمَتَهُ، لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ وَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِعَيْبِهِ تَخَيَّرَ أَيْضًا.

(وَ لَوْ جَنَي عَمْدًا فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ) أَيْ الْبَيْعَ (مَوْقُوفٌ عَلَي رِضَا الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، أَوْ وَلِيِّهِ) لِأَنَّ التَّخْيِيرَ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ إلَيْهِ وَ إِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ سَيِّدِهِ، فَبِالثَّانِي يَصِحُّ الْبَيْعُ وَ بِالْأَوَّلِ يَثْبُتُ التَّخْيِيرُ فَيُضَعَّفُ قَوْلُ الشَّيْخِ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِيهِ، نَظَرًا إلَي تَعَلُّقِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَبْلَهُ وَ رُجُوعِ الْأَمْرِ إلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ وَ لَا يَقْصُرُ عَنْ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، ثُمَّ إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ وَ رَضِيَ بِفِدَائِهِ بِالْمَالِ وَ فَكَّهُ الْمَوْلَي لَزِمَ الْبَيْعُ وَ إِنْ قَتَلَهُ، أَوْ اسْتَرَقَّهُ بَطَلَ وَ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ اسْتِقْرَارِ حَالِهِ مَعَ جَهْلِهِ لِلْعَيْبِ الْمُعَرِّضِ لِلْفَوَاتِ وَ لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي غَيْرِ النَّفْسِ وَ اسْتَوْفَي فَبَاقِيهِ مَبِيعٌ وَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ مَعَ جَهْلِهِ، لِلتَّبْعِيضِ، مُضَافًا إلَي الْعَيْبِ سَابِقًا.

الْخَامِسَةُ - يُشْتَرَطُ عِلْمُ الثَّمَنِ قَدْرًا

الْخَامِسَةُ - يُشْتَرَطُ عِلْمُ الثَّمَنِ قَدْرًا وَ جِنْسًا وَ وَصْفًا

قَبْلَ إيقَاعِ عَقْدِ الْبَيْعِ، (فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِحُكْمِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ) اتِّفَاقًا وَ إِنْ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ " جَوَازُ " تَحْكِيمِ الْمُشْتَرِي، فَيَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بِالْقِيمَةِ فَمَا زَادَ، (وَ لَا بِثَمَنٍ مَجْهُولِ الْقَدْرِ وَ إِنْ شُوهِدَ)، لِبَقَاءِ الْجَهَالَةِ وَ ثُبُوتِ الْغَرَرِ الْمَنْفِيِّ مَعَهَا، خِلَافًا لِلشَّيْخِ فِي الْمَوْزُونِ وَ لِلْمُرْتَضَي فِي مَالِ السَّلَمِ

وَ لِابْنِ الْجُنَيْدِ فِي الْمَجْهُولِ مُطْلَقًا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ صُبْرَةً، مَعَ اخْتِلَافِهِمَا جِنْسًا، (وَ لَا مَجْهُولِ الصِّفَةِ) كَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَ إِنْ كَانَتْ مُشَاهَدَةً لَا يُعْلَمُ وَصْفُهَا مَعَ تَعَدُّدِ النَّقْدِ الْمَوْجُودِ، (وَ لَا مَجْهُولِ الْجِنْسِ وَ إِنْ عُلِمَ قَدْرُهُ)، لِتَحَقُّقِ الْجَهَالَةِ فِي الْجَمِيعِ.

فَلَوْ بَاعَ كَذَلِكَ كَانَ فَاسِدًا وَ إِنْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَ لَا يَكُونُ كَالْمُعَاطَاةِ، لِأَنَّ شَرْطَهَا اجْتِمَاعُ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ سِوَي الْعَقْدِ الْخَاصِّ (فَإِنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَ الْحَالُ هَذِهِ، كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ)، لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ يُضْمَنُ بِصَحِيحِهِ يُضْمَنُ بِفَاسِدِهِ وَ بِالْعَكْسِ، فَيَرْجِعُ بِهِ وَ بِزَوَائِدِهِ مُتَّصِلَةً وَ مُنْفَصِلَةً وَ بِمَنَافِعِهِ الْمُسْتَوْفَاةِ وَ غَيْرِهَا عَلَي الْأَقْوَي وَ يَضْمَنُهُ (إنْ تَلِفَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ التَّلَفِ) عَلَي الْأَقْوَي وَ قِيلَ: يَوْمَ الْقَبْضِ وَ قِيلَ: الْأَعْلَي مِنْهُ إلَيْهِ وَ هُوَ حَسَنٌ إنْ كَانَ التَّفَاوُتُ بِسَبَبِ نَقْصٍ فِي الْعَيْنِ، أَوْ زِيَادَةٍ، أَمَّا بِاخْتِلَافِ السُّوقِ فَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَ لَوْ كَانَ مِثْلِيًّا ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِعْوَازِ عَلَي الْأَقْوَي.

السَّادِسَةُ - إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ مِنْ الْمَك

السَّادِسَةُ - إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ

أَوْ الْمَعْدُودِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِمَا بِالْمُعْتَادِ) مِنْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ، فَلَا يَكْفِي الْمِكْيَالُ الْمَجْهُولُ كَقَصْعَةٍ حَاضِرَةٍ وَ إِنْ تَرَاضَيَا بِهِ وَ لَا الْوَزْنُ الْمَجْهُولُ كَالِاعْتِمَادِ عَلَي صَخْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَ إِنْ عَرَفَا قَدْرَهَا تَخْمِينًا وَ لَا الْعَدَدُ الْمَجْهُولُ بِأَنْ عَوَّلَا عَلَي مِلْءِ الْيَدِ، أَوْ آلَةٍ يُجْهَلُ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ ثُمَّ اعْتَبَرَا الْعَدَدَ بِهِ، لِلْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، (وَ لَوْ بَاعَ الْمَعْدُودَ وَزْنًا صَحَّ)، لِارْتِفَاعِ الْجَهَالَةِ بِهِ وَ رُبَّمَا كَانَ أَضْبَطَ، (وَ لَوْ بَاعَ الْمَوْزُونَ كَيْلًا، أَوْ بِالْعَكْسِ أَمْكَنَ الصِّحَّةُ فِيهِمَا)، لِلِانْضِبَاطِ وَ رِوَايَةِ وَهْبٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ رَجَّحَهُ فِي سَلَمِ الدُّرُوسِ.

(وَيُحْتَمَلُ صِحَّةُ الْعَكْسِ) وَ هُوَ بَيْعُ

الْمَكِيلِ وَزْنًا، (لَا الطَّرْدُ، لِأَنَّ الْوَزْنَ أَصْلٌ لِلْكَيْلِ) وَ أَضْبَطُ مِنْهُ وَ إِنَّمَا عَدَلَ إلَي الْكَيْلِ تَسْهِيلًا، (وَ لَوْ شَقَّ الْعَدُّ) فِي الْمَعْدُودِ لِكَثْرَتِهِ أَوْ لِضَرُورَةٍ (اُعْتُبِرَ مِكْيَالٌ وَ نُسِبَ الْبَاقِي إلَيْهِ) وَ اغْتُفِرَ التَّفَاوُتُ الْحَاصِلُ بِسَبَبِهِ وَ كَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَكِيلِ وَ الْمَوْزُونِ حَيْثُ يَشُقُّ وَزْنُهُمَا وَكَيْلُهُمَا وَ عَبَّرَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ بِتَعَذُّرِ الْعَدِّ وَ الِاكْتِفَاءُ بِالْمَشَقَّةِ وَ الْعُسْرِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ أَوْلَي، بَلْ لَوْ قِيلَ: بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا، لِزَوَالِ الْغَرَرِ وَ حُصُولِ الْعِلْمِ وَ اغْتِفَارِ التَّفَاوُتِ كَانَ حَسَنًا وَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ.

السَّابِعَةُ - يَجُوزُ ابْتِيَاعُ جُزْءٍ مَعْلُومِ

السَّابِعَةُ - يَجُوزُ ابْتِيَاعُ جُزْءٍ مَعْلُومِ النِّسْبَةِ

كَالنِّصْفِ وَ الثُّلُثِ (مُشَاعًا تَسَاوَتْ أَجْزَاؤُهُ) كَالْحُبُوبِ وَ الْأَدْهَانِ، (أَوْ اخْتَلَفَتْ) كَالْجَوَاهِرِ وَ الْحَيَوَانِ (إذَا كَانَ الْأَصْلُ) الَّذِي بِيعَ جُزْؤُهُ (مَعْلُومًا) بِمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْ كَيْلٍ، أَوْ وَزْنٍ، أَوْ عَدٍّ، أَوْ مُشَاهَدَةٍ، (فَيَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ الصُّبْرَةِ الْمَعْلُومَةِ) الْمِقْدَارِ وَ الْوَصْفِ (وَنِصْفِ الشَّاةِ الْمَعْلُومَةِ) بِالْمُشَاهَدَةِ، أَوْ الْوَصْفِ (وَ لَوْ بَاعَ شَاةً غَيْرَ مَعْلُومَةٍ مِنْ قَطِيعٍ بَطَلَ) وَ إِنْ عَلِمَ عَدَدَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الشِّيَاهِ وَ تَسَاوَتْ أَثْمَانُهَا، لِجَهَالَةِ عَيْنِ الْمَبِيعِ (وَ لَوْ بَاعَ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ صَحَّ وَ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَمِّيَّةَ الصُّبْرَةِ) لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْبُوطُ الْمِقْدَارِ وَ ظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ وَ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ اشْتِمَالَ الصُّبْرَةِ عَلَي الْقَدْرِ الْمَبِيعِ، (فَإِنْ نَقَصَتْ تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْأَخْذِ) لِلْمَوْجُودِ مِنْهَا (بِالْحِصَّةِ) أَيْ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، (وَبَيْنَ الْفَسْخِ) لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ وَ اعْتَبَرَ بَعْضُهُمْ الْعِلْمَ بِاشْتِمَالِهَا عَلَي الْمَبِيعِ، أَوْ إخْبَارَ الْبَائِعِ بِهِ وَ إِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَ هُوَ حَسَنٌ، نَعَمْ لَوْ قِيلَ بِالِاكْتِفَاءِ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ بِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ كَانَ مُتَّجَهًا وَ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ أَيْضًا.

وَاعْلَمْ أَنَّ أَقْسَامَ بَيْعِ الصُّبْرَةِ عَشَرَةٌ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهَا مَنْطُوقًا وَ بَعْضَهَا مَفْهُومًا

وَ جُمْلَتُهَا أَنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةَ الْمِقْدَارِ، أَوْ مَجْهُولَتَهُ، فَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً صَحَّ بَيْعُهَا أَجْمَعَ وَ بَيْعُ جُزْءٍ مِنْهَا مَعْلُومٍ مُشَاعٍ وَ بَيْعُ مِقْدَارٍ كَقَفِيزٍ تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ وَ بَيْعُهَا كُلُّ قَفِيزٍ بِكَذَا، لَا بَيْعُ كُلِّ قَفِيزٍ مِنْهَا بِكَذَا وَ الْمَجْهُولَةُ يَبْطُلُ بَيْعُهَا فِي جَمِيعِ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ إلَّا الثَّالِثَ.

وَهَلْ يَنْزِلُ الْقَدْرُ الْمَعْلُومُ فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَي الْإِشَاعَةِ، أَوْ يَكُونُ الْمَبِيعُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ فِي الْجُمْلَةِ وَ جْهَانِ أَجْوَدُهُمَا الثَّانِي وَ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِيمَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهَا، فَعَلَي الْإِشَاعَةِ يَتْلَفُ مِنْ الْمَبِيعِ بِالنِّسْبَةِ وَ عَلَي الثَّانِي يَبْقَي الْمَبِيعُ مَا بَقِيَ قَدْرُهُ.

الثَّامِنَةُ - يَكْفِي الْمُشَاهَدَةُ عَنْ الْوَصْ

الثَّامِنَةُ - يَكْفِي الْمُشَاهَدَةُ عَنْ الْوَصْفِ وَ لَوْ غَابَ وَقْتَ الِابْتِيَاعِ

بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ عَادَةً كَالْأَرْضِ وَ الْأَوَانِي وَ الْحَدِيدِ وَ النُّحَاسِ، أَوْ لَا تَمْضِي مُدَّةٌ يَتَغَيَّرُ فِيهَا عَادَةً وَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا زِيَادَةً وَ نُقْصَانًا، كَالْفَاكِهَةِ وَ الطَّعَامِ وَ الْحَيَوَانِ.

فَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، لِتَحَقُّقِ الْجَهَالَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَي تَغَيُّرِهِ عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ.

نَعَمْ لَوْ احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ صَحَّ، عَمَلًا بِأَصَالَةِ الْبَقَاءِ (فَإِنْ ظَهَرَتْ الْمُخَالَفَةُ) بِزِيَادَتِهِ أَوْ نُقْصَانِهِ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا يُتَسَامَحُ بِمِثْلِهِ عَادَةً فَلَا خِيَارَ وَ إِلَّا (تَخَيَّرَ الْمَغْبُون) مِنْهُمَا وَ هُوَ الْبَائِعُ إنْ ظَهَرَ زَائِدًا وَ الْمُشْتَرِي إنْ ظَهَرَ نَاقِصًا.

(وَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ قُدِّمَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ) إنْ كَانَ هُوَ الْمُدَّعِي لِلتَّغَيُّرِ الْمُوجِبِ لِلْخِيَارِ وَ الْبَائِعُ يُنْكِرُهُ، لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عِلْمَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَ هُوَ يُنْكِرُهُ وَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ، فَيَكُونُ فِي مَعْنَي الْمُنْكِرِ وَ لِأَصَالَةِ بَقَاءِ يَدِهِ عَلَي الثَّمَنِ.

وَرُبَّمَا قِيلَ بِتَقْدِيمِ قَوْلِ الْبَائِعِ، لِتَحَقُّقِ الِاطِّلَاعِ الْمُجَوِّزِ لِلْبَيْعِ وَ أَصَالَةِ عَدَمِ التَّغَيُّرِ.

وَلَوْ انْعَكَسَ الْفَرْضُ بِأَنْ ادَّعَي الْبَائِعُ تَغَيُّرَهُ فِي جَانِبِ الزِّيَادَةِ وَ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي احْتَمَلَ تَقْدِيمَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي أَيْضًا، كَمَا

يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الْعِبَارَةِ، لِأَصَالَةِ عَدَمِ التَّغَيُّرِ وَ لُزُومِ الْبَيْعِ.

وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ قَوْلِ الْبَائِعِ لَعَيْنِ مَا ذُكِرَ فِي الْمُشْتَرِي وَ فِي تَقْدِيمِ قَوْلِ الْمُشْتَرِي فِيهِمَا جَمْعٌ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ مُدَّعًي وَ دَلِيلًا وَ الْمَشْهُورُ فِي كَلَامِهِمْ هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، فَلِذَا أَطْلَقَ الْمُصَنَّفُ هُنَا، لَكِنْ نَافَرَهُ تَعْمِيمُهُ الْخِيَارَ لِلْمَغْبُونِ مِنْهُمَا قَبْلَهُ وَ عَطْفُهُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا.

وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَي تَغَيُّرِهِ لَكِنْ اخْتَلَفَا فِي تَقَدُّمِهِ عَلَي الْبَيْعِ وَ تَأَخُّرِهِ فَإِنْ شَهِدَتْ الْقَرَائِنُ بِأَحَدِهِمَا حَكَمَ بِهِ وَ إِنْ اُحْتُمِلَ الْأَمْرَانِ فَالْوَجْهَانِ وَ كَذَا لَوْ وَجَدَاهُ تَالِفًا و كان مِمَّا يَكْفِي فِي قَبْضِهِ التَّخْلِيَةُ وَ اخْتَلَفَا فِي تَقَدُّمِ التَّلَفِ عَنْ الْبَيْعِ وَ تَأَخُّرِهِ، أَوْ لَمْ يَخْتَلِفَا، فَإِنَّهُ يَتَعَارَضُ أَصْلًا عَدَمُ تَقْدِيمِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَتَسَاوَقَانِ وَ يَتَسَاقَطَانِ وَ يُتَّجَهُ تَقْدِيمُ حَقِّ الْمُشْتَرِي لِأَصَالَةِ بَقَاءِ يَدِهِ وَ مِلْكِهِ لِلثَّمَنِ وَ الْعَقْدُ النَّاقِلُ قَدْ شُكَّ فِي تَأْثِيرِهِ، لِتَعَارُضِ الْأَصْلَيْنِ.

التَّاسِعَةُ يُعْتَبَرُ مَا يُرَادُ طَعْمُهُ كَال

التَّاسِعَةُ يُعْتَبَرُ مَا يُرَادُ طَعْمُهُ كَالدِّبْسِ

(وَرِيحِهِ) كَالْمِسْكِ، أَوْ يُوصَفُ عَلَي الْأَوْلَي (وَ لَوْ اشْتَرَاهُ) مَنْ غَيْرِ اخْتِبَارٍ وَ لَا وَصْفٍ، (بِنَاءً عَلَي الْأَصْلِ) وَ هُوَ الصِّحَّةُ (جَازَ) مَعَ الْعِلْمِ بِهِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ كَالْقِوَامِ وَ اللَّوْنِ وَ غَيْرِهِمَا مِمَّا يَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ بِاخْتِلَافِهِ وَ قِيلَ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إلَّا بِالِاعْتِبَارِ، أَوْ الْوَصْفِ كَغَيْرِهِ، لِلْغَرَرِ وَ الْأَظْهَرُ جَوَازُ الْبِنَاءِ عَلَي الْأَصْلِ، إحَالَةً عَلَي مُقْتَضَي الطَّبْعِ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ مَضْبُوطٌ عُرْفًا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا إلَّا بِعَيْبٍ فَيَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ، لِارْتِفَاعِ الْغَرَرِ بِهِ، كَالِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَةِ مَا يَدُلُّ بَعْضُهُ عَلَي بَاقِيهِ غَالِبًا، كَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ وَ أُنْمُوذَجِ الْمُتَمَاثِلِ وَ يَنْجَبِرُ النَّقْصُ بِالْخِيَارِ، (فَإِنْ خَرَجَ مَعِيبًا تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الرَّدِّ وَ الْأَرْشِ) إنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ تَصَرُّفًا زَائِدًا عَلَي اخْتِبَارِهِ، (وَيَتَعَيَّنُ الْأَرْشُ لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ) كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَبِيعِ، (وَ إِنْ كَانَ) الْمُشْتَرِي

الْمُتَصَرِّفُ (أَعْمَي) لِتَنَاوُلِ الْأَدِلَّةِ لَهُ، خِلَافًا لِسَلَّارَ حَيْثُ خَيَّرَ الْأَعْمَي بَيْنَ الرَّدِّ وَ الْأَرْشِ وَ إِنْ تَصَرَّفَ.

(وَأَبْلَغَ فِي الْجَوَازِ) مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِهِ (مَا يَفْسُدُ بِاخْتِبَارِهِ، كَالْبِطِّيخِ وَ الْجَوْزِ وَ الْبَيْضِ)، لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَ الْحَرَجِ، (فَإِنْ) اشْتَرَاهُ فَظَهَرَ صَحِيحًا فَذَاكَ وَ إِنْ (ظَهَرَ فَاسِدًا) بَعْدَ كَسْرِهِ (رَجَعَ بِأَرْشِهِ) وَ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ، لِلتَّصَرُّفِ إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ، (وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَكْسُورِهِ قِيمَةٌ) كَالْبَيْضِ الْفَاسِدِ (رَجَعَ بِالثَّمَنِ أَجْمَعَ)، لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ، حَيْثُ لَا يُقَابِلُ الثَّمَنَ مَالٌ.

(وَهَلْ يَكُونُ الْعَقْدُ مَفْسُوخًا مِنْ أَصْلِهِ) نَظَرًا إلَي عَدَمِ الْمَالِيَّةِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَيَقَعُ بَاطِلًا ابْتِدَاءً، (أَوْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ) بَعْدَ الْكَسْرِ وَ ظُهُورِ الْفَسَادِ، الْتِفَاتًا إلَي حُصُولِ شَرْطِ الصِّحَّةِ حِينَ الْعَقْدِ وَ إِنَّمَا تَبَيَّنَ الْفَسَادُ بِالْكَسْرِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُفْسِدَ (نُظِرَ) وَ رُجْحَانُ الْأَوَّلِ وَاضِحٌ، لِأَنَّ ظُهُورَ الْفَسَادِ كَشَفَ عَنْ عَدَمِ الْمَالِيَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حِينَ الْبَيْعِ، لَا أَحْدَثَ عَدَمَهَا حِينَهُ وَ الصِّحَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَي الظَّاهِرِ وَ فِي الدُّرُوسِ جَزَمَ بِالثَّانِي وَ جَعَلَ الْأَوَّلَ احْتِمَالًا وَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجَمَاعَةِ.

(وَ) تَظْهَرُ (الْفَائِدَةُ فِي مُؤْنَةِ نَقْلِهِ عَنْ الْمَوْضِعِ) الَّذِي اشْتَرَاهُ فِيهِ إلَي مَوْضِعِ اخْتِبَارِهِ، فَعَلَي الْأَوَّلِ عَلَي الْبَائِعِ وَ عَلَي الثَّانِي عَلَي الْمُشْتَرِي لِوُقُوعِهِ فِي مِلْكِهِ وَ يُشْكِلُ بِأَنَّهُ وَ إِنْ كَانَ مِلْكًا لِلْبَائِعِ حِينَئِذٍ لَكِنْ نَقَلَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَا يَتَّجِهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِالْمُؤْنَةِ وَ كَوْنُ الْمُشْتَرِي هُنَا كَجَاهِلِ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ حَيْثُ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ إنَّمَا يَتَّجِهُ مَعَ الْغَرُورِ وَ هُوَ مَنْفِيٌّ هُنَا، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْجَهْلِ وَ لَوْ أُرِيدَ بِهَا مُؤْنَةُ نَقْلِهِ مِنْ مَوْضِعِ الْكَسْرِ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا وَ طَلَبَ مَالِكُهُ نَقْلَهُ، أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ وَ اتَّجَهَ كَوْنُهُ عَلَي الْبَائِعِ مُطْلَقًا، لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ عَلَي التَّقْدِيرَيْنِ.

وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ عَلَي الْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ مِنْ فِعْلِهِ

وَ زَوَالُ الْمَالِيَّةِ عَنْهُمَا مُشْتَرِكٌ أَيْضًا بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ وَ كَيْفَ كَانَ فَبِنَاءُ حُكْمِهَا عَلَي الْوَجْهَيْنِ لَيْسَ بِوَاضِحٍ.

وَرُبَّمَا قِيلَ بِظُهُورِ الْفَائِدَةِ أَيْضًا فِي مَا لَوْ تَبَرَّأَ الْبَائِعُ مِنْ عَيْبِهِ فَيُتَّجَهُ كَوْنُ تَلَفِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي عَلَي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ.

وَيُشْكِلُ صِحَّةُ الشَّرْطِ عَلَي تَقْدِيرِ فَسَادِ الْجَمِيعِ، لِمُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَي الْعَقْدِ، إذْ لَا شَيْءَ فِي مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَ فِيمَا لَوْ رَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْكَسْرِ و فيه أَيْضًا نَظَرٌ، لِأَنَّ الرِّضَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْبُطْلَانِ لَا أَثَرَ لَهُ.

الْعَاشِرَةُ - يَجُوزُ بَيْعُ الْمِسْكِ فِي فَأْرِ

الْعَاشِرَةُ - يَجُوزُ بَيْعُ الْمِسْكِ فِي فَأْرِهِ

بِالْهَمْزِ جَمْعُ فَأْرَةٍ بِهِ أَيْضًا كَالْفَأْرَةِ فِي غَيْرِهِ وَ هِيَ الْجِلْدَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَي الْمِسْكِ (وَ إِنْ لَمْ تُفْتَقْ) بِنَاءً عَلَي أَصْلِ السَّلَامَةِ فَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَ فَتْقِهِ مَعِيبًا تَخَيَّرَ (وَفَتْقُهُ بِأَنْ يُدْخَلَ فِيهِ خَيْطُ) بِإِبْرَةٍ، ثُمَّ (يُخْرَجَ وَ يُشَمَّ أَحْوَطُ) لِتَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ رَأْسًا.

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ - لَا يَجُوزُ بَيْعُ سَمَكِ

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ - لَا يَجُوزُ بَيْعُ سَمَكِ الْآجَامِ مَعَ ضَمِيمَةِ الْقَصَبِ أَوْ غَيْرِهِ لِلْجَهَالَةِ

وَ لَوْ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ، (وَ لَا اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ) بِفَتْحِ الضَّادِ وَ هُوَ الثَّدْيُ لِكُلِّ ذَاتِ خُفٍّ، أَوْ ظِلْفٍ (كَذَلِكَ) أَيْ وَ إِنْ ضُمَّ إلَيْهِ شَيْءٌ وَ لَوْ لَبَنًا مَحْلُوبًا، لِأَنَّ ضَمِيمَةَ الْمَعْلُومِ إلَي الْمَجْهُولِ تُصَيِّرُ الْمَعْلُومَ مَجْهُولًا، أَمَّا عَدَمُ الْجَوَازِ بِدُونِ الضَّمِيمَةِ فَمَوْضِعُ وِفَاقٍ وَ أَمَّا مَعَهَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَ قِيلَ: يَصِحُّ اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ وَ بَالَغَ الشَّيْخُ فَجَوَّزَ ضَمِيمَةَ مَا فِي الضَّرْعِ إلَي مَا يَتَجَدَّدُ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَ الْوَجْهُ الْمَنْعُ.

نَعَمْ لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ اُتُّجِهَ الْجَوَازُ وَ فَصَّلَ آخَرُونَ فَحَكَمُوا بِالصِّحَّةِ مَعَ كَوْنِ الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ الْمَعْلُومَ وَ كَوْنِ الْمَجْهُولِ تَابِعًا وَ الْبُطْلَانِ مَعَ الْعَكْسِ وَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْقَصْدِ الذَّاتِيِّ وَ هُوَ حَسَنٌ وَ كَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَجْهُولٍ ضُمَّ إلَي مَعْلُومٍ.

(وَ لَا الْجُلُودِ وَ الْأَصْوَافِ وَ الْأَشْعَارِ عَلَي الْأَنْعَامِ) وَ إِنْ ضُمَّ إلَيْهَا غَيْرُهُ أَيْضًا، لِجَهَالَةِ مِقْدَارِهِ، مَعَ كَوْنِ غَيْرِ الْجُلُودِ مَوْزُونًا فَلَا يُبَاعُ جُزَافًا، (إلَّا أَنْ يَكُونَ الصُّوفُ وَ شِبْهُهُ مُسْتَجَزًّا، أَوْ شُرِطَ جَزُّهُ فَالْأَقْرَبُ الصِّحَّةُ)، لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ مُشَاهَدٌ وَ الْوَزْنَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ مَعَ كَوْنِهِ عَلَي ظَهْرِهَا وَ إِنْ اسْتُجِزَّتْ، كَالثَّمَرَةِ عَلَي الشَّجَرَةِ وَ إِنْ اسْتُجِزَّتْ.

وَيَنْبَغِي عَلَي هَذَا عَدَمُ اعْتِبَارِ اشْتِرَاطِ جَزِّهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الصِّحَّةِ، بَلْ غَايَتُهُ مَعَ تَأْخِيرِهِ أَنْ يَمْتَزِجَ بِمَالِ

الْبَائِعِ وَ هُوَ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْبَيْعِ كَمَا لَوْ امْتَزَجَتْ لُقَطَةُ الْخُضَرِ بِغَيْرِهَا، فَيُرْجَعُ إلَي الصُّلْحِ وَ لَوْ شُرِطَ تَأْخِيرُهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَ تَبَعِيَّةُ الْمُتَجَدِّدِ بُنِيَ عَلَي الْقَاعِدَةِ السَّالِفَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ هُوَ الْمَوْجُودَ صَحَّ وَ إِلَّا فَلَا.

الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ - يَجُوزُ بَيْعُ دُودِ الْقَ

الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ - يَجُوزُ بَيْعُ دُودِ الْقَزِّ

، لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ يُنْتَفَعُ بِهِ) مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً مُحَلَّلَةً، (وَنَفْسِ الْقَزِّ وَ إِنْ كَانَ الدُّودُ فِيهِ، لِأَنَّهُ كَالنَّوَي فِي التَّمْرِ) فَلَا يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ وَ رُبَّمَا اُحْتُمِلَ الْمَنْعُ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حَيًّا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ وَ إِنْ كَانَ مَيِّتًا دَخَلَ فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَ هُوَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ عُرْضَةَ الْفَسَادِ لَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ وَ الدُّودُ لَا يُقْصَدُ بِالْبَيْعِ حَتَّي تُمْنَعَ مَيْتَتُهُ وَ إِلَي جَوَابِهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ كَالنَّوَي وَ قَدْ يُقال:

إنَّ فِي النَّوَي مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً كَعَلَفِ الدَّوَابِّ، بِخِلَافِ الدُّودِ الْمَيِّتِ وَ كَيْفَ كَانَ لَا تُمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ.

الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ - إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي

الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ - إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي ظَرْفٍ جَازَ بَيْعُهُ

مَعَ وَزْنِهِ مَعَهُ (وَأُسْقِطَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ لِلظَّرْفِ) سَوَاءٌ كَانَ مَا جَرَتْ بِهِ زَائِدًا عَنْ وَزْنِ الظَّرْفِ قَطْعًا، أَمْ نَاقِصًا وَ لَوْ لَمْ تَطَّرِدْ الْعَادَةُ لَمْ يَجُزْ إسْقَاطُ مَا يَزِيدُ، إلَّا مَعَ التَّرَاضِي.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إسْقَاطِهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ أَصْلًا وَ بِثَمَنٍ مُغَايِرٍ لِلْمَظْرُوفِ، (وَ لَوْ بَاعَهُ مَعَ الظَّرْفِ) مِنْ غَيْرِ وَضْعٍ جَاعِلًا مَجْمُوعَ الظَّرْفِ وَ الْمَظْرُوفِ مَبِيعًا وَاحِدًا بِوَزْنٍ وَاحِدٍ (فَالْأَقْرَبُ الْجَوَازُ)، لِحُصُولِ مَعْرِفَةِ الْجُمْلَةِ الرَّافِعَةِ لِلْجَهَالَةِ وَ لَا يَقْدَحُ الْجَهْلُ بِمِقْدَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا، لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْجُمْلَةُ، لَا كُلُّ فَرْدٍ بِخُصُوصِهِ.

وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ حَتَّي يُعْلَمَ مِقْدَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُمَا فِي قُوَّةِ مَبِيعَيْنِ وَ هُوَ ضَعِيفٌ.

الْقَوْلُ فِي الْآدَابِ: وَ هِيَ أَرْبَعَةٌ وَ عِشْرُونَ

الْقَوْلُ فِي الْآدَابِ: وَ هِيَ أَرْبَعَةٌ وَ عِشْرُونَ

الْأَوَّلُ - (التَّفَقُّهُ فِيمَا يَتَوَلَّاهُ) مِنْ التَّكَسُّبِ

، لِيَعْرِفَ صَحِيحَ الْعَقْدِ مِنْ فَاسِدِهِ وَ يَسْلَمَ مِنْ الرِّبَا، (وَ) لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ بِالِاسْتِدْلَالِ كَمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْأَمْرِ بِالتَّفَقُّهِ، بَلْ (يَكْفِي التَّقْلِيدُ)، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا مَعْرِفَتُهَا عَلَي وَجْهٍ يَصِحُّ وَ قَدْ قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " مَنْ اتَّجَرَ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَقَدْ ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا، ثُمَّ ارْتَطَمَ ".

الثَّانِي - التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُعَامِلِينَ فِي الْإِنْصَافِ

فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُمَاكِسِ وَ غَيْرِهِ وَ لَا بَيْنَ الشَّرِيفِ وَ الْحَقِيرِ.

نَعَمْ لَوْ فَاوَتَ بَيْنَهُمْ بِسَبَبِ فَضِيلَةٍ وَ دِينٍ فَلَا بَأْسَ، لَكِنْ يُكْرَهُ لِلْآخِذِ قَبُولُ ذَلِكَ وَ لَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يُوَكِّلُونَ فِي الشِّرَاءِ مَنْ لَا يَعْرِفُ هَرَبًا مِنْ ذَلِكَ

الثَّالِثُ - (إقَالَةُ النَّادِمِ)

قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " أَيُّمَا عَبْدٍ مُسْلِمٍ أَقَالَ مُسْلِمًا فِي بَيْعٍ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَ هُوَ مُطْلَقٌ فِي النَّادِمِ وَ غَيْرِهِ، إلَّا أَنَّ تَرَتُّبَ الْغَايَةِ مُشْعِرٌ بِهِ وَ إِنَّمَا يَفْتَقِرُ إلَي الْإِقَالَةِ (إذَا تَفَرَّقَا مِنْ

الْمَجْلِسِ، أَوْ شَرَطَا عَدَمَ الْخِيَارِ)، فَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ فَسَخَ بِهِ وَ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَيْهَا (وَهَلْ تُشْرَعُ الْإِقَالَةُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، الْأَقْرَبُ نَعَمْ) لِشُمُولِ الْأَدِلَّةِ لَهُ خُصُوصًا الْحَدِيثُ السَّابِقُ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِتَوَقُّفِ الْمَطْلُوبِ عَلَيْهَا، (وَ لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ الْفَائِدَةُ) فِي الْإِقَالَةِ حِينَئِذٍ (إلَّا إذَا قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ) فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ مِنْ الشُّفْعَةِ وَ غَيْرِهَا، بِخِلَافِ الْفَسْخِ، أَوْ قُلْنَا: (بِأَنَّ الْإِقَالَةَ مِنْ ذِي الْخِيَارِ إسْقَاطٌ لِلْخِيَارِ)، لِدَلَالَتِهَا عَلَي الِالْتِزَامِ بِالْبَيْعِ وَ إِسْقَاطُ الْخِيَارِ لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظٍ، بَلْ يَحْصُلُ بِكُلِّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ، مِنْ قَوْلٍ وَ فِعْلٍ وَ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ حِينَئِذٍ فِيمَا لَوْ تَبَيَّنَ بُطْلَانَ الْإِقَالَةِ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ بِالْخِيَارِ.

(وَيَحْتَمِلُ سُقُوطَ خِيَارِهِ بِنَفْسِ طَلَبِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِالْحُكْمِ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْوَجْهِ وَ مِنْ ثَمَّ قِيلَ بِسُقُوطِ الْخِيَارِ لِمَنْ قال:

لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ وَ هُوَ مَرْوِيٌّ أَيْضًا وَ الْأَقْوَي عَدَمُ السُّقُوطِ فِي الْحَالَيْنِ، لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَي الِالْتِزَامِ حَتَّي بِالِالْتِزَامِ وَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبُهُ مِنْ الْإِقَالَةِ تَحْصِيلَ الثَّوَابِ بِهَا فَلَا يُنَافِي إمْكَانَ فَسْخِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَ هُوَ مِنْ أَتَمِّ الْفَوَائِدِ.

الرَّابِعُ -عَدَمُ تَزْيِينِ الْمَتَاعِ

لِيَرْغَبَ فِيهِ الْجَاهِلُ مَعَ عَدَمِ غَايَةٍ أُخْرَي لِلزِّينَةِ، أَمَّا تَزْيِينُهُ لِغَايَةٍ أُخْرَي كَمَا لَوْ كَانَتْ الزِّينَةُ مَطْلُوبَةً عَادَةً فَلَا بَأْسَ.

الْخَامِسُ - ذِكْرُ الْعَيْبِ

الْمَوْجُودِ فِي مَتَاعِهِ (إنْ كَانَ) فِيهِ عَيْبٌ ظَاهِرًا كَانَ أَمْ خَفِيًّا، لِلْخَبَرِ وَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ الْإِيمَانِ وَ النَّصِيحَةِ.

السَّادِسُ - (تَرْكُ الْحَلِفِ عَلَي الْبَيْعِ وَ الشِّرَاءِ)

قَالَ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: { وَيْلٌ لِلتَّاجِرِ مِنْ لَا وَ اَللَّهِ وَ بَلَي وَ اَللَّهِ } و قال صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: { مَنْ بَاعَ وَ اشْتَرَي فَلْيَحْفَظْ خَمْسَ خِصَالٍ وَ إِلَّا فَلَا يَشْتَرِي وَ لَا يَبِيعُ: الرِّبَا وَ الْحَلِفَ

وَ كِتْمَانَ الْعَيْبِ وَ الْمَدْحَ إذَا بَاعَ وَ الذَّمَّ إذَا اشْتَرَي } و قال الْكَاظِمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ أَحَدُهُمْ رَجُلٌ اتَّخَذَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِضَاعَةً لَا يَشْتَرِي إلَّا بِيَمِينٍ وَ لَا يَبِيعُ إلَّا بِيَمِينٍ.

وَمَوْضِعُ الْأَدَبِ الْحَلِفُ صَادِقًا، أَمَّا الْكَاذِبُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ "

السَّابِعُ - الْمُسَامَحَةُ فِيهِمَا

( وَ خُصُوصًا فِي شِرَاءِ آلَاتِ الطَّاعَاتِ) فَإِنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْبَرَكَةِ وَ الزِّيَادَةِ وَ كَذَا يُسْتَحَبُّ فِي الْقَضَاءِ وَ الِاقْتِضَاءِ لِلْخَبَرِ

الثَّامِنُ - (تَكْبِيرُ الْمُشْتَرِي ثَلَاثًا

وَ تَشَهُّدُهُ الشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ الشِّرَاءِ) وَ لْيَقُلْ بَعْدَهُمَا: اللَّهُمَّ إنِّي اشْتَرَيْته أَلْتَمِسُ فِيهِ مِنْ فَضْلِك، فَاجْعَلْ لِي فِيهِ فَضْلًا، اللَّهُمَّ إنِّي اشْتَرَيْته أَلْتَمِسُ فِيهِ رِزْقًا، فَاجْعَلْ لِي فِيهِ رِزْقًا ".

التَّاسِعُ - (أَنْ يَقْبِضَ نَاقِصًا)

(وَيَدْفَعَ رَاجِحًا، نُقْصَانًا وَ رُجْحَانًا لَا يُؤَدِّي إلَي الْجَهَالَةِ) بِأَنْ يَزِيدَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَجْهَلُ مِقْدَارَهُ تَقْرِيبًا وَ لَوْ تَنَازَعَا فِي تَحْصِيلِ الْفَضِيلَةِ قُدِّمَ مَنْ بِيَدِهِ الْمِيزَانُ وَ الْمِكْيَالُ، لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ الْمَأْمُورُ بِذَلِكَ، زِيَادَةً عَلَي كَوْنِهِ مُعْطِيًا وَ آخِذًا

الْعَاشِرُ - (أَنْ لَا يَمْدَحَ أَحَدُهُمَا سِلْعَتَهُ

وَ [لَا] يَذُمَّ سِلْعَةَ صَاحِبِهِ) لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ وَ غَيْرِهِ، (وَ لَوْ ذَمَّ سِلْعَةَ نَفْسِهِ بِمَا لَا يَشْتَمِلُ عَلَي الْكَذِبِ فَلَا بَأْسَ).

الْحَادِيَ عَشَرَ - (تَرْكُ الرِّبْحِ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ)

قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " رِبْحُ الْمُؤْمِنِ عَلَي الْمُؤْمِنِ حَرَامٌ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَارْبَحْ عَلَيْهِ قُوتَ يَوْمِك، أَوْ يَشْتَرِيهِ لِلتِّجَارَةِ فَارْبَحُوا عَلَيْهِمْ وَ ارْفُقُوا بِهِمْ "، (إلَّا مَعَ الْحَاجَةِ فَيَأْخُذُ مِنْهُمْ نَفَقَةَ يَوْمٍ) لَهُ وَ لِعِيَالِهِ، (مُوَزَّعَةً عَلَي الْمُعَامِلِينَ) فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَعَ انْضِبَاطِهِمْ وَ إِلَّا تَرَكَ الرِّبْحَ عَلَي الْمُعَامِلِينَ بَعْدَ تَحْصِيلِ قُوتِ يَوْمِهِ، كُلُّ ذَلِكَ مَعَ شِرَائِهِمْ لِلْقُوتِ، أَمَّا لِلتِّجَارَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مَعَ الرِّفْقِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ.

الثَّانِي عَشَرَ - (تَرْكُ الرِّبْحِ

عَلَي الْمَوْعُودِ بِالْإِحْسَانِ)

بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: هَلُمَّ أُحْسِنُ إلَيْك فَيَجْعَلُ إحْسَانَهُ الْمَوْعُودَ بِهِ تَرْكَ الرِّبْحِ عَلَيْهِ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ هَلُمَّ أُحْسِنُ بَيْعَك يَحْرُمُ عَلَيْهِ الرِّبْحُ وَ الْمُرَادُ بِهِ الْكَرَاهَةُ الْمُؤَكَّدَةُ.

الثَّالِثَ عَشَرَ - (تَرْكُ السَّبَقِ إلَي السُّوقِ وَ التَّأَخُّرِ فِيهِ)

، بَلْ يُبَادِرُ إلَي قَضَاءِ حَاجَتِهِ وَ يَخْرُجُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْوَي الشَّيَاطِينِ، كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ مَأْوَي الْمَلَائِكَةِ فَيَكُونُ عَلَي الْعَكْسِ وَ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ التَّاجِرِ وَ غَيْرِهِ وَ لَا بَيْنَ أَهْلِ السُّوقِ عَادَةً وَ غَيْرِهِمْ.

الرَّابِعَ عَشَرَ - (تَرْكُ مُعَامَلَةِ الْأَدْنَيْنَ)

وَهُمْ الَّذِينَ يُحَاسِبُونَ عَلَي الشَّيْءِ الْأَدْوَنِ، أَوْ مَنْ لَا يَسُرُّهُ الْإِحْسَانُ وَ لَا تَسُوءُهُ الْإِسَاءَةُ، أَوْ مَنْ لَا يُبَالِي بِمَا قَالَ وَ لَا مَا قِيلَ فِيهِ، (وَ الْمُحَارَفِينَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَ هُمْ الَّذِينَ لَا يُبَارَكُ لَهُمْ فِي كَسْبِهِمْ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: رَجُلٌ مُحَارَفٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ مَحْدُودٌ مَحْرُومٌ وَ هُوَ خِلَافُ قَوْلِك مُبَارَكٌ وَ قَدْ حُورِفَ كَسْبُ فُلَانٍ إذَا شُدِّدَ عَلَيْهِ فِي مَعَاشِهِ، كَأَنَّهُ مِيلَ بِرِزْقِهِ عَنْهُ، (وَ الْمُؤَفِّينَ) أَيْ ذَوِي الْآفَةِ وَ النَّقْصِ فِي أَبْدَانِهِمْ، لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الْأَخْبَارِ، مُعَلَّلًا بِأَنَّهُمْ أَظْلَمُ شَيْءٍ، (وَ الْأَكْرَادِ) لِلْحَدِيثِ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مُعَلَّلًا بِأَنَّهُمْ حَيٌّ مِنْ أَحْيَاءِ الْجِنِّ كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْغِطَاءَ وَ نَهَي فِيهِ أَيْضًا عَنْ مُخَالَطَتِهِمْ (وَأَهْلِ الذِّمَّةِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَ لَا يَتَعَدَّي إلَي غَيْرِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ الْكُفَّارِ لِلْأَصْلِ وَ الْفَارِقِ، (وَذَوِي الشُّبْهَةِ فِي الْمَالِ) كَالظُّلْمَةِ لِسَرَيَانِ شُبَهِهِمْ إلَي مَالِهِ.

الْخَامِسَ عَشَرَ - (تَرْك التَّعَرُّضِ لِلْكَيْلِ)

(، أَوْ الْوَزْنِ إذَا لَمْ يُحْسِنْ) حَذَرًا مِنْ الزِّيَادَةِ وَ النُّقْصَانِ الْمُؤَدِّيَيْنِ إلَي الْمُحَرَّمِ وَ قِيلَ: يَحْرُمُ حِينَئِذٍ، لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الْأَخْبَارِ الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ وَ حُمِلَ عَلَي الْكَرَاهَةِ.

السَّادِسَ عَشَرَ (تَرْكُ الزِّيَادَةِ فِي السِّلْعَةِ وَقْتَ النِّدَاءِ)

عَلَيْهَا مَنْ الدَّلَّالِ، بَلْ

يَصْبِرُ حَتَّي يَسْكُتَ ثُمَّ يَزِيدَ إنْ أَرَادَ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إذَا نَادَي الْمُنَادِي فَلَيْسَ لَك أَنْ تَزِيدَ وَ إِنَّمَا يُحَرِّمُ الزِّيَادَةَ النِّدَاءُ وَ يُحِلُّهَا السُّكُوتُ.

السَّابِعَ عَشَرَ - (تَرْكُ السَّوْمِ)

وَهُوَ الِاشْتِغَالُ بِالتِّجَارَةِ (مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَي طُلُوعِ الشَّمْسِ) لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَنْهُ وَ لِأَنَّهُ وَقْتُ الدُّعَاءِ وَ مَسْأَلَةِ اللَّهِ تَعَالَي، لَا وَقْتُ تِجَارَةٍ وَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ أَبْلَغُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْبِلَادِ.

الثَّامِنَ عَشَرَ - (تَرْكُ دُخُولِ الْمُؤْمِنِ فِي سَوْمِ أَخِيهِ)

الْمُؤْمِنِ (بَيْعًا وَ شِرَاءً) بِأَنْ يَطْلُبَ ابْتِيَاعَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَ يَبْذُلَ زِيَادَةً عَنْهُ لِيُقَدِّمَهُ الْبَائِعُ، أَوْ يَبْذُلَ لِلْمُشْتَرِي مَتَاعًا غَيْرَ مَا اتَّفَقَ هُوَ وَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: { لَا يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَي سَوْمِ أَخِيهِ } وَ هُوَ خَبَرٌ مَعْنَاهُ النَّهْيُ وَ مِنْ ثَمَّ قِيلَ: بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي النَّهْيِ وَ إِنَّمَا يُكْرَهُ، أَوْ يَحْرُمُ (بَعْدَ التَّرَاضِي، أَوْ قُرْبَهُ) فَلَوْ ظَهَرَ لَهُ مَا يَدُلُّ عَلَي عَدَمِهِ فَلَا كَرَاهَةَ وَ لَا تَحْرِيمَ.

(وَ لَوْ كَانَ السَّوْمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ) سَوَاءٌ دَخَلَ أَحَدُهُمَا عَلَي النَّهْيِ، أَمْ لَا بِأَنْ ابْتَدَأَ فِيهِ مَعًا قَبْلَ مَحَلِّ النَّهْيِ (لَمْ يَجْعَلْ نَفْسَهُ بَدَلًا مِنْ أَحَدِهِمَا) لِصِدْقِ الدُّخُولِ فِي السَّوْمِ، (وَ لَا كَرَاهَةَ فِيمَا يَكُونُ فِي الدَّلَالَةِ)، لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ عُرْفًا لِطَلَبِ الزِّيَادَةِ مَا دَامَ الدَّلَّالُ يَطْلُبُهَا، فَإِذَا حَصَلَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَ الدَّلَّالِ وَ الْغَرِيمِ تَعَلَّقَتْ الْكَرَاهَةُ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ فِي الدَّلَالَةِ وَ إِنْ كَانَ بِيَدِ الدَّلَّالِ، (وَ فِي كَرَاهَةِ طَلَبِ الْمُشْتَرِي مَنْ بَعْضِ الطَّالِبِينَ التَّرْكَ لَهُ نَظَرٌ) مِنْ عَدَمِ صِدْقِ الدُّخُولِ فِي السَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الطَّلَبُ مِنْهُ وَ مِنْ مُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي الْمَعْنَي حَيْثُ أَرَادَ

أَنْ يَحْرِمَهُ مَطْلُوبَهُ وَ الظَّاهِرُ الْقَطْعُ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ عَلَي الْقَوْلِ بِهِ فِي السَّوْمِ وَ إِنَّمَا الشَّكُّ فِي الْكَرَاهَةِ، (وَ لَا كَرَاهِيَةَ فِي تَرْكِ الْمُلْتَمَسِ مِنْهُ)، لِأَنَّهُ قَضَاءُ حَاجَةٍ لِأَخِيهِ وَ رُبَّمَا اُسْتُحِبَّتْ إجَابَتُهُ لَوْ كَانَ مُؤْمِنًا وَ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ لَوْ قُلْنَا بِكَرَاهَةِ طَلَبِهِ، لِإِعَانَتِهِ لَهُ عَلَي فِعْلِ الْمَكْرُوهِ.

وَهَذِهِ الْفُرُوعُ مِنْ خَوَاصِّ الْكِتَابِ.

التَّاسِعَ عَشَرَ - (تَرْكُ تَوَكُّلِ حَاضِرٍ لِبَادٍ)

وَهُوَ الْغَرِيبُ الْجَالِبُ لِلْبَلَدِ وَ إِنْ كَانَ قَرَوِيًّا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: { لَا يَتَوَكَّلُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ } وَ حَمَلَ بَعْضُهُمْ النَّهْيَ عَلَي التَّحْرِيمِ وَ هُوَ حَسَنٌ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ وَ إِلَّا فَالْكَرَاهَةُ أَوْجَهُ، لِلتَّسَامُحِ فِي دَلِيلِهَا وَ شَرْطُهُ ابْتِدَاءُ الْحَضَرِيِّ بِهِ، فَلَوْ الْتَمَسَهُ مِنْهُ الْغَرِيبُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَ جَهْلُ الْغَرِيبِ بِسِعْرِ الْبَلَدِ، فَلَوْ عَلِمَ بِهِ لَمْ يُكْرَهْ، بَلْ كَانَتْ مُسَاعَدَتُهُ مَحْضَ الْخَيْرِ وَ لَوْ بَاعَ مَعَ النَّهْيِ انْعَقَدَ وَ إِنْ قِيلَ بِتَحْرِيمِهِ وَ لَا بَأْسَ بِشِرَاءِ الْبَلَدِيِّ لَهُ، لِلْأَصْلِ

الْعِشْرُونَ - (تَرْكُ التَّلَقِّي لِلرُّكْبَانِ)

وَهُوَ الْخُرُوجُ إلَي الرَّكْبِ الْقَاصِدِ إلَي بَلَدٍ لِلْبَيْعِ عَلَيْهِمْ، أَوْ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ، (وَحَدُّهُ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ) فَمَا دُونَ، فَلَا يُكْرَهُ مَا زَادَ؛ لِأَنَّهُ سَفَرُ التِّجَارَةِ وَ إِنَّمَا يُكْرَهُ (إذَا قَصَدَ الْخُرُوجَ لِأَجْلِهِ)، فَلَوْ اتَّفَقَ مُصَادَفَةُ الرَّكْبِ فِي خُرُوجِهِ لِغَرَضٍ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، (وَمَعَ جَهْلِ الْبَائِعِ، أَوْ الْمُشْتَرِي الْقَادِمِ بِالسِّعْرِ) فِي الْبَلَدِ، فَلَوْ عَلِمَ بِهِ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَعْلِيلُهُ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي قوله:

{ لَا يَتَلَقَّ أَحَدُكُمْ تِجَارَةً، خَارِجًا مِنْ الْمِصْرِ وَ الْمُسْلِمُونَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ } وَ الِاعْتِبَارُ بِعِلْمِ مَنْ يُعَامِلُهُ خَاصَّةً.

(وَ) كَذَا يَنْبَغِي (تَرْكُ شِرَاءِ مَا يُتَلَقَّي) مِمَّنْ اشْتَرَاهُ مِنْ الرَّكْبِ بِالشَّرَائِطِ وَ مَنْ تَرَتَّبَتْ

يَدُهُ عَلَي يَدِهِ وَ إِنْ تَرَامَي لِقَوْلِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " لَا تَلَقَّ وَ لَا تَشْتَرِ مَا يُتَلَقَّي وَ لَا تَأْكُلْ مِنْهُ " وَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَي التَّحْرِيمِ، لِظَاهِرِ النَّهْيِ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ.

وَعَلَي الْقَوْلَيْنِ يَصِحُّ الْبَيْعُ، (وَ لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ وَ الْمُشْتَرِي إلَّا مَعَ الْغَبْنِ) فَيَتَخَيَّرُ الْمَغْبُونُ عَلَي الْفَوْرِ فِي الْأَقْوَي وَ لَا كَرَاهَةَ فِي الشِّرَاءِ وَ الْبَيْعِ مِنْهُ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَي حُدُودِ الْبَلَدِ بِحَيْثُ لَا يَصْدُقُ التَّلَقِّي وَ إِنْ كَانَ جَاهِلًا بِسِعْرِهِ لِلْأَصْلِ وَ لَا فِي بَيْعِ نَحْوِ الْمَأْكُولِ وَ الْعَلَفُ عَلَيْهِمْ وَ إِنَّ تَلَقَّي.

الْحَادِي وَ الْعِشْرُونَ - (تَرْكُ الْحُكْرَةِ)

بِالضَّمِّ وَ هُوَ جَمْعُ الطَّعَامِ وَ حَبْسُهُ يَتَرَبَّصُ بِهِ الْغَلَاءَ وَ الْأَقْوَي تَحْرِيمُهُ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ، لِصِحَّةِ الْخَبَرِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: { وَ أَنَّهُ لَا يَحْتَكِرُ الطَّعَامَ إلَّا خَاطِئٌ وَ أَنَّهُ مَلْعُونٌ }.

وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْحُكْرَةُ (فِي) سَبْعَةِ أَشْيَاءَ (الْحِنْطَةَ وَ الشَّعِيرِ وَ التَّمْرِ وَ الزَّبِيبِ وَ السَّمْنِ وَ الزَّيْتِ وَ الْمِلْحِ) وَ إِنَّمَا يُكْرَهُ إذَا وُجِدَ بَاذِلٌ غَيْرُهُ يَكْتَفِي بِهِ النَّاسُ، (وَ لَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ وَجَبَ الْبَيْعُ) مَعَ الْحَاجَةِ وَ لَا يَتَقَيَّدُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْغَلَاءِ وَ أَرْبَعِينَ فِي الرُّخْصِ وَ مَا رُوِيَ مِنْ التَّحْدِيدِ بِذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَي حُصُولِ الْحَاجَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ مَظِنُّهَا، (وَيُسَعَّرُ) عَلَيْهِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ (إنْ أَجْحَفَ) فِي الثَّمَنِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ الْمَنْفِيِّ، (وَ إِلَّا فَلَا) وَ لَا يَجُوزُ التَّسْعِيرُ فِي الرُّخْصِ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ قَطْعًا وَ الْأَقْوَي أَنَّهُ مَعَ الْإِجْحَافِ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِهِ وَ لَا يُسَعَّرُ عَلَيْهِ أَيْضًا، بَلْ يُؤْمَرُ بِالنُّزُولِ عَنْ الْمُجْحِفِ وَ إِنْ كَانَ فِي مَعْنَي التَّسْعِيرِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُحْصَرُ فِي قَدْرٍ خَاصٍّ.

الثَّانِي وَ الْعِشْرُونَ -

(تَرْكُ الرِّبَا فِي الْمَعْدُودِ عَلَي الْأَقْوَي)

، لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَي اخْتِصَاصِهِ بِالْمَكِيلِ وَ الْمَوْزُونِ وَ قِيلَ: يَحْرُمُ فِيهِ أَيْضًا، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ ظَاهِرَةٍ فِي الْكَرَاهَةِ، (وَ كَذَا فِي النَّسِيئَةِ) فِي الرِّبَوِيِّ، (مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ) كَالتَّمْرِ بِالزَّبِيبِ وَ إِنَّمَا كُرِهَ فِيهِ، لِلْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَي النَّهْيِ عَنْهُ، إلَّا أَنَّهَا فِي الْكَرَاهَةِ أَظْهَرُ، لِقَوْلِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: { إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ } وَ قِيلَ: بِتَحْرِيمِهِ، لِظَاهِرِ النَّهْيِ السَّابِقِ.

الثَّالِثُ وَ الْعِشْرُونَ - (تَرْكُ نِسْبَةِ الرِّبْحِ وَ الْوَضِيعَةِ إلَي رَأْسِ الْمَالِ)

بِأَنْ يقول:

بِعْتُك بِمِائَةٍ وَ رِبْحُ الْمِائَةِ عَشَرَةٌ، أَوْ وَضِيعَتُهَا، لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَ لِأَنَّهُ بِصُورَةِ الرِّبَا وَ قِيلَ: يَحْرُمُ عَمَلًا بِظَاهِرِ النَّهْيِ وَ تَرْكِ نِسْبَتِهِ كَذَلِكَ أَنْ يقول:

بِعْتُك بِكَذَا وَ رِبْحُ كَذَا، أَوْ وَضِيعَتُهُ.

الرَّابِعُ وَ الْعِشْرُونَ - (تَرْكُ بَيْعِ مَا لَا يُقْبَضُ مِمَّا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ)

، لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي أَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ حُمِلَتْ عَلَي الْكَرَاهَةِ، جَمْعًا بَيْنَهَا و بين مَا دَلَّ عَلَي الْجَوَازِ وَ الْأَقْوَي التَّحْرِيمُ، وِفَاقًا لِلشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَبْسُوطِ مُدَّعِيًا الْإِجْمَاعَ وَ الْعَلَّامَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّذْكِرَةِ وَ الْإِرْشَادِ، لِضَعْفِ رِوَايَاتِ الْجَوَازِ الْمُقْتَضِيَةِ لِحَمْلِ النَّهْيِ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ عَلَي غَيْرِ ظَاهِرِهِ.

الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ

المدخل

وَهُوَ قِسْمَانِ: أَنَاسِيُّ وَ غَيْرُهُ وَ لَمَّا كَانَ الْبَحْثُ عَنْ الْبَيْعِ مَوْقُوفًا عَلَي الْمِلْكِ و كان تَمَلُّكُ الْأَوَّلِ مَوْقُوفًا عَلَي شَرَائِطَ نَبَّهَ عَلَيْهَا أَوَّلًا، ثُمَّ عَقَّبَهُ بِأَحْكَامِ الْبَيْعِ.

وَالثَّانِي وَ إِنْ كَانَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ لِذِكْرِ مَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ مِنْهُ مَحَلًّا آخَرَ بِحَسَبِ مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ، فَقال:

(وَ الْأَنَاسِيُّ تَمَلُّكٌ بِالسَّبْيِ مَعَ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ) وَ كَوْنِهِمْ غَيْرَ ذِمَّةٍ.

وَاحْتَرَزَ بِالْأَصْلِيِّ عَنْ الِارْتِدَادِ، فَلَا يَجُوزُ السَّبْيُ وَ إِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ بِحُكْمِ الْكَافِرِ فِي جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، (وَ) حَيْثُ يُمْلَكُونَ بِالسَّبْيِ (يَسْرِي الرِّقُّ فِي أَعْقَابِهِمْ) وَ إِنْ أَسْلَمُوا

(بَعْدَ) الْأَسْرِ، (مَا لَمْ يَعْرِضْ لَهُمْ سَبَبٌ مُحَرِّرٌ) مِنْ عِتْقٍ، أَوْ كِتَابَةٍ، أَوْ تَنْكِيلٍ، أَوْ رَحِمٍ عَلَي وَجْهٍ.

(وَ الْمَلْقُوطُ فِي دَارِ الْحَرْبِ رِقٌّ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ) صَالِحٌ لِتَوَلُّدِهِ مِنْهُ، (بِخِلَافِ) لَقِيطِ (دَارِ الْإِسْلَامِ) فَإِنَّهُ حُرٌّ ظَاهِرًا، (إلَّا أَنْ يَبْلُغَ) وَ يَرْشُدَ عَلَي الْأَقْوَي، (وَيُقِرَّ عَلَي نَفْسِهِ بِالرِّقِّ)، فَيُقْبَلُ مِنْهُ عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، لِأَنَّ إقْرَارَ الْعُقَلَاءِ عَلَي أَنْفُسِهِمْ جَائِزٌ.

وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ، لِسَبْقِ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهِ شَرْعًا فَلَا يَتَعَقَّبُهَا الرِّقُّ بِذَلِكَ.

وَكَذَا الْقَوْلُ فِي لَقِيطِ دَارِ الْحَرْبِ إذَا كَانَ فِيهَا مُسْلِمٌ.

وَكُلُّ مُقِرٍّ بِالرِّقِّيَّةِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَ رُشْدِهِ وَ جَهَالَةِ نَسَبِهِ مُسْلِمًا كَانَ، أَمْ كَافِرًا، لِمُسْلِمٍ أَقَرَّ، أَمْ لِكَافِرٍ وَ إِنْ بِيعَ عَلَي الْكَافِرِ لَوْ كَانَ الْمُقِرُّ مُسْلِمًا، (وَ الْمَسْبِيُّ حَالَ الْغَيْبَةِ يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ وَ لَا خُمُسَ فِيهِ) لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ لَا لِفَرِيقِهِ وَ إِنْ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَاصَّةً، لِكَوْنِهِ مَغْنُومًا بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا أَنَّهُمْ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ أَذِنُوا لَنَا فِي تَمَلُّكِهِ كَذَلِكَ (رُخْصَةً) مِنْهُمْ لَنَا وَ أَمَّا غَيْرُنَا فَتُقِرُّ يَدُهُ عَلَيْهِ وَ يُحْكَمُ لَهُ بِظَاهِرِ الْمِلْكِ، لِلشُّبْهَةِ كَتَمَلُّكِ الْخَرَاجِ وَ الْمُقَاسَمَةِ، فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ مُطْلَقًا (وَ لَا يَسْتَقِرُّ لِلرَّجُلِ مِلْكُ الْأُصُولِ) وَ هُمْ الْأَبَوَانِ وَ آبَاؤُهُمَا وَ إِنْ عَلَوْا (وَ الْفُرُوعِ) وَ هُمْ الْأَوْلَادُ ذُكُورًا وَ إِنَاثًا وَ إِنْ سَفَلْنَ وَ الْإِنَاثِ الْمُحَرَّمَاتِ كَالْعَمَّةِ وَ الْخَالَةِ وَ الْأُخْتِ، (نَسَبًا) إجْمَاعًا، (وَرَضَاعًا) عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ مُعَلَّلًا فِيهِ بِأَنَّهُ { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } وَ لِأَنَّ { الرَّضَاعَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ }.

(وَ لَا) يَسْتَقِرُّ (لِلْمَرْأَةِ مِلْكُ الْعَمُودَيْنِ) الْآبَاءُ وَ إِنْ عَلَوْا وَ الْأَوْلَادُ وَ إِنْ سَفَلُوا وَ يَسْتَقِرُّ عَلَي غَيْرِهِمَا وَ إِنْ حَرُمَ نِكَاحُهُ كَالْأَخِ وَ الْعَمِّ

وَ الْخَالُ وَ إِنْ اُسْتُحِبَّ لَهَا إعْتَاقُ الْمُحَرَّمِ وَ فِي إلْحَاقِ الْخُنْثَي هُنَا بِالرَّجُلِ، أَوْ الْمَرْأَةِ نَظَرٌ، مِنْ الشَّكِّ فِي الذُّكُورِيَّةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ عِتْقِ غَيْرِ الْعَمُودَيْنِ فَيُوجِبُ الشَّكَّ فِي عِتْقِهِمْ وَ التَّمَسُّكَ بِأَصَالَةِ بَقَاءِ الْمِلْكِ وَ مِنْ إمْكَانِهَا فَيَعْتِقُونَ، لِبِنَائِهِ عَلَي التَّغَلُّبِ وَ كَذَا الْإِشْكَالُ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا وَ إِلْحَاقُهُ بِالْأُنْثَي فِي الْأَوَّلِ وَ بِالذَّكَرِ فِي الثَّانِي لَا يَخْلُو مِنْ قُوَّةٍ، تَمَسُّكًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا.

وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِ مَنْ ذُكِرَ أَنَّهُ يَمْلِكُ ابْتِدَاءً بِوُجُودِ سَبَبِ الْمِلْكِ آنًا قَلِيلًا لَا يَقْبَلُ غَيْرَ الْعِتْقِ، ثُمَّ يَعْتِقُونَ، إذْ لَوْلَا الْمِلْكُ لَمَا حَصَلَ الْعِتْقُ.

وَمَنْ عَبَّرَ مِنْ الْأَصْحَابِ بِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ ذَلِكَ تَجَوَّزَ فِي إطْلَاقِهِ عَلَي الْمُسْتَقِرِّ وَ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ الْمِلْكِ الْقَهْرِيِّ وَ الِاخْتِيَارِيِّ وَ لَا بَيْنَ الْكُلِّ وَ الْبَعْضِ، فَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ بَاقِيهِ إنْ كَانَ مُخْتَارًا عَلَي الْأَقْوَي وَ قَرَابَةُ الشُّبْهَةِ بِحُكْمِ الصَّحِيحِ، بِخِلَافِ قَرَابَةِ الزِّنَا عَلَي الْأَقْوَي؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ يَتْبَعُ الشَّرْعَ لَا اللُّغَةَ وَ يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِهِ كَغَيْرِهِ الرَّجُلَ وَ الْمَرْأَةَ أَنَّ الصَّبِيَّ وَ الصَّبِيَّةَ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَوْ مَلَكُوهُ إلَي أَنْ يَبْلُغُوا وَ الْأَخْبَارُ مُطْلَقَةٌ فِي الرَّجُلِ وَ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ وَ يُعَضِّدُهُ أَصَالَةُ الْبَرَاءَةِ وَ إِنْ كَانَ خِطَابُ الْوَضْعِ غَيْرَ مَقْصُورٍ عَلَي الْمُكَلَّفِ. (وَ لَا تَمْنَعُ الزَّوْجِيَّةُ مِنْ الشِّرَاءِ فَتَبْطُلُ) الزَّوْجِيَّةُ وَ يَقَعُ الْمِلْكُ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي الزَّوْجَ اسْتَبَاحَهَا بِالْمِلْكِ وَ إِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حَرُمَ عَلَيْهَا وَطْءُ مَمْلُوكِهَا مُطْلَقًا وَ هُوَ مَوْضِعُ وِفَاقٍ وَ عُلِّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّفْصِيلَ فِي حِلِّ الْوَطْءِ يَقْطَعُ الِاشْتِرَاكَ بَيْنَ الْأَسْبَابِ وَ بِاسْتِلْزَامِهِ اجْتِمَاعَ عِلَّتَيْنِ عَلَي مَعْلُولٍ وَاحِدٍ وَ يَضْعُفُ بِأَنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ مُعَرَّفَاتٌ وَ مِلْكُ الْبَعْضِ كَالْكُلِّ، لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يَتَبَعَّضُ. (وَ الْحَمْلُ يَدْخُلُ) فِي بَيْعِ الْحَامِلِ

(مَعَ الشَّرْطِ) أَيْ شَرْطِ دُخُولِهِ لَا بِدُونِهِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، لِلْمُغَايَرَةِ كَالثَّمَرَةِ وَ الْقَائِلُ بِدُخُولِهِ مُطْلَقًا يَنْظُرُ إلَي أَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْ الْأُمِّ وَ فَرَّعَ عَلَيْهِ عَدَمَ جَوَازِ اسْتِثْنَائِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْحَيَوَانِ.

وَعَلَي الْمُخْتَارِ لَا تَمْنَعُ جَهَالَتُهُ مِنْ دُخُولِهِ مَعَ الشَّرْطِ، لِأَنَّهُ تَابِعٌ، سَوَاءٌ قال:

بِعْتُكهَا وَ حَمَلَهَا، أَمْ قال:

وَ شَرَطْت لَك حَمْلَهَا وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا وَ أُرِيدَ إدْخَالُهُ فَالْعِبَارَةُ الثَّانِيَةُ وَ نَحْوُهَا لَا غَيْرُ وَ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَ احْتَمَلَ وُجُودَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَ عَدَمِهِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، لِأَصَالَةِ عَدَمِ تَقَدُّمِهِ، فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الْعَقْدِ قُدِّمَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ الْيَمِينِ وَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ لِلْأَصْلِ وَ الْبَيْضُ تَابِعٌ مُطْلَقًا، لَا كَالْحَمْلِ كَسَائِرِ الْأَجْزَاءِ وَ مَا يَحْتَوِيهِ الْبَطْنُ.

(وَ لَوْ شَرَطَ فَسَقَطَ قَبْلَ الْقَبْضِ رَجَعَ) الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ (بِنِسْبَتِهِ) لِفَوَاتِ بَعْضِ الْمَبِيعِ (بِأَنْ يُقَوَّمَ حَامِلًا وَ مُجْهَضًا) أَيْ مَسْقَطًا لَا حَائِلًا لِلِاخْتِلَافِ وَ مُطَابَقَةِ الْأَوَّلِ لِلْوَاقِعِ وَ يَرْجِعُ بِنِسْبَةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الثَّمَنِ.

وَيَجُوزُ ابْتِيَاعُ جُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ

(وَيَجُوزُ ابْتِيَاعُ جُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ)

كَالنِّصْفِ وَ الثُّلُثِ، (لَا مُعَيَّنٍ) كَالرَّأْسِ وَ الْجِلْدِ وَ لَا يَكُونُ شَرِيكًا بِنِسْبَةِ قِيمَتِهِ عَلَي الْأَصَحِّ، لِضَعْفِ مُسْتَنِدِ الْحُكْمِ بِالشَّرِكَةِ وَ تَحَقُّقِ الْجَهَالَةِ وَ عَدَمِ الْقَصْدِ إلَي الْإِشَاعَةِ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ بِذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَذْبُوحًا، أَوْ يُرَادَ ذَبْحُهُ، فَيُقَوِّي صِحَّةَ الشَّرْطِ. (وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَي وَجْهِ الْمَمْلُوكَةِ إذَا أَرَادَ شِرَاءَهَا وَ إِلَي مَحَاسِنِهَا) وَ هِيَ مَوَاضِعُ الزِّينَةِ كَالْكَفَّيْنِ وَ الرِّجْلَيْنِ وَ الشَّعْرِ وَ إِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْمَوْلَي وَ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ وَ مَعَهُ يَكُونُ تَحْلِيلًا يَتْبَعُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ حَتَّي الْعَوْرَةَ وَ يَجُوزُ مَسُّ مَا أُبِيحَ لَهُ نَظَرُهُ مَعَ الْحَاجَةِ وَ قِيلَ: يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إلَي مَا عَدَا الْعَوْرَةِ بِدُونِ

الْإِذْنِ وَ هُوَ بَعِيدٌ. (وَيُسْتَحَبُّ تَغْيِيرُ اسْمِ الْمَمْلُوكِ عِنْدَ شِرَائِهِ) أَيْ بَعْدَهُ وَ قَوَّي فِي الدُّرُوسِ اطِّرَادَهُ فِي الْمِلْكِ الْحَادِثِ مُطْلَقًا، (وَ الصَّدَقَةُ عَنْهُ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ) شَرْعِيَّةٍ، (وَإِطْعَامُهُ) شَيْئًا (حُلْوًا،) (وَيُكْرَهُ وَطْءُ) الْأَمَةِ (الْمَوْلُودَةِ مِنْ الزِّنَا بِالْمِلْكِ، أَوْ بِالْعَهْدِ، لِلنَّهْيِ) عَنْهُ فِي الْخَبَرِ، مُعَلَّلًا بِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَا يُفْلِحُ وَ بِالْعَارِ وَ قِيلَ: يَحْرُمُ بِنَاءً عَلَي كُفْرِهِ وَ هُوَ مَمْنُوعٌ. (وَ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا) مُطْلَقًا عَلَي الْأَقْوَي، عَمَلًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ وَ الْأَكْثَرُ عَلَي أَنَّهُ يَمْلِكُ فِي الْجُمْلَةِ، فَقِيلَ فَاضِلُ الضَّرِيبَةِ وَ هُوَ مَرْوِيٌّ وَ قِيلَ: أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَ قِيلَ: مَا مَلَّكَهُ مَوْلَاهُ مَعَهُمَا وَ قِيلَ: مُطْلَقًا، لَكِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِالرِّقِّ، اسْتِنَادًا إلَي أَخْبَارٍ يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَي إبَاحَةِ تَصَرُّفِهِ فِي ذَلِكَ بِالْإِذْنِ جَمْعًا.

وَعَلَي الْأَوَّلِ (فَلَوْ اشْتَرَاهُ وَ مَعَهُ مَالٌ فَلِلْبَائِعِ)، لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَالُ الْمَوْلَي، فَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ نَفْسِهِ، لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ، (إلَّا بِالشَّرْطِ، فَيُرَاعِي فِيهِ شُرُوطَ الْمَبِيعِ) مِنْ كَوْنِهِ مَعْلُومًا لَهُمَا، أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ وَ سَلَامَتِهِ مِنْ الرِّبَا بِأَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُخَالِفًا لِجِنْسِهِ الرِّبَوِيِّ، أَوْ زَائِدًا عَلَيْهِ وَ قُبِضَ مُقَابِلُ الرِّبَوِيِّ فِي الْمَجْلِسِ وَ غَيْرِهَا.

(وَ لَوْ جَعَلَ الْعَبْدُ) لِغَيْرِهِ (جُعْلًا عَلَي شِرَائِهِ لَمْ يَلْزَمْ)، لِعَدَمِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ بِالْحَجْرِ وَ عَدَمِ الْمِلْكِ وَ قِيلَ: يَلْزَمُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، بِنَاءً عَلَي الْقَوْلِ بِمِلْكِهِ.

وَهُوَ ضَعِيفٌ. (وَيَجِبُ) عَلَي الْبَائِعِ (اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ قَبْلَ بَيْعِهَا) إنْ كَانَ قَدْ وَطِئَهَا وَ إِنْ عَزَلَ، (بِحَيْضَةٍ، أَوْ مُضِيِّ خَمْسَةٍ وَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِيمَنْ لَا تَحِيضُ وَ هِيَ فِي سِنِّ مَنْ تَحِيضُ وَ يَجِبُ عَلَي الْمُشْتَرِي أَيْضًا اسْتِبْرَاؤُهَا، إلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ الثِّقَةُ بِالِاسْتِبْرَاءِ).

وَالْمُرَادُ بِالثِّقَةِ الْعَدْلُ وَ إِنَّمَا عَبَّرَ بِهِ تَبَعًا لِلرِّوَايَةِ، مَعَ احْتِمَالِ الِاكْتِفَاءِ بِمَنْ تَسْكُنُ النَّفْسُ إلَي خَبَرِهِ وَ فِي حُكْمِ

إخْبَارِهِ لَهُ بِالِاسْتِبْرَاءِ إخْبَارُهُ لِعَدَمِ وَطْئِهَا.

(أَوْ تَكُونَ لِامْرَأَةٍ) وَ إِنْ أَمْكَنَ تَحْلِيلُهَا لِرَجُلٍ، لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَ لَا يَلْحَقُ بِهَا الْعِنِّينُ وَ الْمَجْبُوبُ وَ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِي حَقِّهِ الْوَطْءُ وَ إِنْ شَارَكَ فِيمَا ظَنَّ كَوْنَهُ عِلَّةً، لِبُطْلَانِ الْقِيَاسِ وَ قَدْ يُجْعَلُ بَيْعُهَا مِنْ امْرَأَةٍ ثُمَّ شِرَاؤُهَا مِنْهَا وَسِيلَةً إلَي إسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ، نَظَرًا إلَي إطْلَاقِ النَّصِّ، مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَي التَّعْلِيلِ بِالْأَمْنِ مِنْ وَطْئِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً وَ مَنْعِ الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ وَ إِنْ كَانَتْ مُنَاسِبَةً، (أَوْ تَكُونَ يَائِسَةً أَوْ صَغِيرَةً، أَوْ حَائِضًا) إلَّا زَمَانَ حَيْضِهَا وَ إِنْ بَقِيَ لَحْظَةً.

(وَاسْتِبْرَاءُ الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ) مُطْلَقًا، لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ وَطْئِهَا فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ حَتَّي تَضَعَ وَلَدَهَا وَ اسْتَثْنَي فِي الدُّرُوسِ مَا لَوْ كَانَ الْحَمْلُ عَنْ زِنًا فَلَا حُرْمَةَ لَهُ وَ الْأَقْوَي الِاكْتِفَاءُ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لِحَمْلِهَا وَ كَرَاهَةِ وَطْئِهَا بَعْدَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ زِنًا فَيَجُوزُ مُطْلَقًا، عَلَي كَرَاهَةٍ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ الدَّالِّ بَعْضُهَا عَلَي الْمَنْعِ مُطْلَقًا كَالسَّابِقِ وَ بَعْضٌ عَلَي التَّحْدِيدِ بِهَذِهِ الْغَايَةِ، يَحْمِلُ الزَّائِدَ عَلَي الْكَرَاهَةِ.

(وَ لَا يَحْرُمُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ غَيْرُ الْوَطْءِ) قُبُلًا وَ دُبُرًا مَنْ الِاسْتِمْتَاعِ عَلَي الْأَقْوَي، لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ وَ قِيلَ: يَحْرُمُ الْجَمِيعُ وَ لَوْ وَطِئَ فِي زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ أَثِمَ وَ عُزِّرَ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ وَ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّهُ فِرَاشٌ كَوَطْئِهَا حَائِضًا وَ فِي سُقُوطِ الِاسْتِبْرَاءِ حِينَئِذٍ وَجْهٌ، لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ حَيْثُ قَدْ اخْتَلَطَ الْمَاءَانِ وَ الْأَقْوَي وجوب الِاجْتِنَابِ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ، لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ فِيهَا وَ لَوْ وَطِئَ الْحَامِلَ بَعْدَ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ عُزِلَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كُرِهَ بَيْعُ الْوَلَدِ وَ اسْتُحِبَّ لَهُ عَزْلُ قِسْطٍ مِنْ مَالِهِ يَعِيشُ بِهِ، لِلْخَبَرِ مُعَلَّلًا بِتَغْذِيَتِهِ بِنُطْفَتِهِ وَ أَنَّهُ شَارَكَ فِي إتْمَامِهِ وَ لَيْسَ فِي الْأَخْبَارِ

تَقْدِيرُ الْقِسْطِ وَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ يُعْتِقُهُ وَ يَجْعَلُ لَهُ شَيْئًا يَعِيشُ بِهِ، لِأَنَّهُ غَذَّاهُ بِنُطْفَتِهِ.

وَكَمَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْبَيْعِ يَجِبُ فِي كُلِّ مِلْكٍ زَائِلٍ وَ حَادِثٍ بِغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ وَ بِالسَّبْيِ وَ الْإِرْثِ وَ قَصْرُهُ عَلَي الْبَيْعِ ضَعِيفٌ وَ لَوْ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ أَثِمَ وَ صَحَّ الْبَيْعُ وَ غَيْرُهُ وَ يَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ تَسْلِيمُهَا إلَي الْمُشْتَرِي وَ مَنْ فِي حُكْمِهِ إذَا طَلَبَهَا، لِصَيْرُورَتِهَا مِلْكًا لَهُ وَ لَوْ أَمْكَنَ إبْقَاؤُهَا بِرِضَاهُ مُدَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ وَ لَوْ بِالْوَضْعِ فِي يَدِ عَدْلٍ وَجَبَ وَ لَا يَجِبُ عَلَي الْمُشْتَرِي الْإِجَابَةُ. (وَيُكْرَهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الطِّفْلِ وَ الْأُمِّ قَبْلَ سَبْعِ سِنِينَ) فِي الذَّكَرِ وَ الْأُنْثَي وَ قِيلَ يَكْفِي فِي الذَّكَرِ حَوْلَانِ وَ هُوَ أَجْوَدُ، لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي حَضَانَةِ الْحُرَّةِ، فَفِي الْأَمَةِ أَوْلَي، لِفَقْدِ النَّصِّ هُنَا وَ قِيلَ: يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ فِي الْمُدَّةِ، لِتَضَافُرِ الْأَخْبَارِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَ قَدْ قَالَ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: { مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَ الِدَةٍ وَ وَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ و بين أَحِبَّتِهِ }.

(وَ التَّحْرِيمُ أَحْوَطُ) بَلْ أَقْوَي.

وَهَلْ يَزُولُ التَّحْرِيمُ، أَوْ الْكَرَاهَةُ بِرِضَاهُمَا، أَوْ رِضَي الْأُمِّ وَجْهَانِ، أَجْوَدُهُمَا ذَلِكَ وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَ غَيْرِهِ عَلَي الْأَقْوَي وَ هَلْ يَتَعَدَّي الْحُكْمُ إلَي غَيْرِ الْأُمِّ مَنْ الْأَرْحَامِ الْمُشَارِكَةِ لَهَا فِي الِاسْتِئْنَاسِ وَ الشَّفَقَةِ كَالْأُخْتِ وَ الْعَمَّةِ وَ الْخَالَةِ قَوْلَانِ، أَجْوَدَهُمَا ذَلِكَ، لِدَلَالَةِ بَعْضِ الْأَخْبَارِ عَلَيْهِ وَ لَا يَتَعَدَّي الْحُكْمُ إلَي الْبَهِيمَةِ لِلْأَصْلِ، فَيَجُوزُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ اللَّبَنِ مُطْلَقًا وَ قَبْلَهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ الذَّكَاةُ، أَوْ كَانَ لَهُ مَا يُمَوِّنُهُ مِنْ غَيْرِ لَبَنِ أُمِّهِ وَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ بَعْدَ سَقْيِ الْأُمِّ اللِّبَأَ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّسَبُّبِ إلَي هَلَاكِ الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ

لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ عَلَي مَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ.

مَسَائِلُ

مَسَائِلُ الْأُولَي

(لَوْ حَدَثَ فِي الْحَيَوَانِ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ وَ الْأَرْشُ)، أَمَّا الرَّدُّ فَمَوْضِعُ وِفَاقٍ وَ أَمَّا الْأَرْشُ فَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ جُزْءٍ فَائِتٍ وَ إِذَا كَانَتْ الْجُمْلَةُ مَضْمُونَةً عَلَي الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَذَا أَجْزَاؤُهَا، (وَ كَذَا) لَوْ حَدَثَ (فِي زَمَنِ الْخِيَارِ) الْمُخْتَصِّ بِالْمُشْتَرِي، أَوْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ و بين الْبَائِعِ، أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ فِيهِ مَضْمُونَةٌ عَلَي الْبَائِعِ أَيْضًا، أَمَّا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ مُخْتَصًّا بِالْبَائِعِ، أَوْ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ و بين أَجْنَبِيٍّ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي هَذَا إذَا كَانَ التَّعَيُّبُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَي، أَوْ مِنْ الْبَائِعِ وَ لَوْ كَانَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَالْمُشْتَرِي عَلَيْهِ الْأَرْشُ خَاصَّةً وَ لَوْ كَانَ بِتَفْرِيطِ الْمُشْتَرِي فَلَا شَيْءَ.

(وَ كَذَا) الْحُكْمُ (فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ)، بَلْ فِي تَلَفِ الْمَبِيعِ أَجْمَعَ، إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ فِيهِ بِمَجْمُوعِ الْقِيمَةِ، فَإِنْ كَانَ التَّلَفُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَي وَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَ لَوْ بِمُشَارَكَةِ غَيْرِهِ فَالتَّلَفُ مِنْ الْبَائِعِ وَ إِلَّا فَمِنْ الْمُشْتَرِي وَ إِنْ كَانَ التَّلَفُ مِنْ الْبَائِعِ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ وَ اخْتَارَ الْفَسْخَ وَ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ وَ إِلَّا رَجَعَ عَلَي الْمُتْلِفِ بِالْمِثْلِ، أَوْ الْقِيمَةِ وَ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَ الْمُتْلِفُ أَجْنَبِيٌّ، أَوْ الْمُشْتَرِي تَخَيَّرَ وَ رَجَعَ عَلَي الْمُتْلِفِ.

الثَّانِيَةُ

لَوْ حَدَثَ فِي الْحَيَوَانِ (عَيْبٌ مَنْ غَيْرِ جِهَةِ الْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَلَهُ الرَّدُّ بِأَصْلِ الْخِيَارِ)، لِأَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَي الْبَائِعِ فَلَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي رَفْعِ الْخِيَارِ، (وَ الْأَقْرَبُ جَوَازُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَيْضًا،)، لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا.

(وَتَظْهَرُ الْفَائِدَةُ لَوْ أَسْقَطَ الْخِيَارَ الْأَصْلِيَّ وَ الْمُشْتَرَطَ) فَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ.

وَتَظْهَرُ الْفَائِدَةُ أَيْضًا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَ عَدَمِهِ فَعَلَي اعْتِبَارِ خِيَارِ الْحَيَوَانِ خَاصَّةً

يَسْقُطُ الْخِيَارُ وَ عَلَي مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَبْقَي، إذْ لَا يَتَقَيَّدُ خِيَارُ الْعَيْبِ بِالثَّلَاثَةِ وَ إِنْ اشْتَرَطَ حُصُولَهُ فِي الثَّلَاثَةِ فَمَا قَبْلَهَا وَ غَايَتُهُ ثُبُوتُهُ فِيهَا بِسَبَبَيْنِ وَ هُوَ غَيْرُ قَادِحٍ، فَإِنَّهَا مُعَرِّفَاتٌ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ كَثِيرٍ مِنْهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، كَمَا فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَ الْحَيَوَانِ وَ الشَّرْطِ وَ الْغَبَنِ، إذَا اجْتَمَعَتْ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ قَبْلَ التَّفَرُّقِ.

(وَقَالَ الْفَاضِلُ نَجْمُ الدِّينِ أَبُو الْقَاسِمِ) جَعْفَرُ بْنُ سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (فِي الدَّرْسِ) عَلَي مَا نُقِلَ عَنْهُ: (لَا يَرُدّ إلَّا بِالْخِيَارِ وَ هُوَ يُنَافِي حُكْمَهُ فِي الشَّرَائِعِ بِأَنَّ الْحَدَثَ) الْمُوجِبَ لِنَقْصِ الْحَيَوَانِ (فِي الثَّلَاثَةِ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ) وَ كَذَا التَّلَفُ، (مَعَ حُكْمِهِ) فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا فَصْلٍ (بِعَدَمِ الْأَرْشِ فِيهِ)، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَي الْبَائِعِ كَالْجُمْلَةِ لَزِمَهُ.

الْحُكْمُ بِالْأَرْشِ، إذْ لَا مَعْنَي لِكَوْنِ الْجُزْءِ مَضْمُونًا إلَّا ثُبُوتُ أَرْشِهِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ عِوَضُ الْجُزْءِ الْفَائِتِ، أَوْ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُ و بين الرَّدِّ كَمَا أَنَّ ضَمَانَ الْجُمْلَةِ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ بِمَجْمُوعِ عِوَضِهَا وَ هُوَ الثَّمَنُ.

وَالْأَقْوَي التَّخْيِيرُ بَيْنَ الرَّدِّ وَ الْأَرْشِ كَالْمُتَقَدِّمِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ وَ عَدَمِ الْمَانِعِيَّةِ مِنْ الرَّدِّ وَ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ شَيْخِهِ نَجِيبِ الدِّينِ بْنِ نَمَا رَحِمَهُ اللَّهُ وَ لَوْ كَانَ حُدُوثُ الْعَيْبِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ مَنَعَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ السَّابِقِ، لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَي الْبَائِعِ، مَعَ تَغَيُّرِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّ رَدَّهُ مَشْرُوطٌ بِبَقَائِهِ عَلَي مَا كَانَ فَيَثْبُتُ فِي السَّابِقِ الْأَرْشُ خَاصَّةً.

الثَّالِثَةُ

لَوْ ظَهَرَتْ الْأَمَةُ مُسْتَحَقَّةً فَأُغْرِمَ) الْمُشْتَرِي (الْوَاطِئ الْعُشْرَ) إنْ كَانَتْ بِكْرًا، (أَوْ نِصْفَهُ) إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ رُجُوعِ الْمَالِكِ عَلَي الْمُشْتَرِي، عَالِمًا كَانَ أَمْ جَاهِلًا بِالْعَيْنِ وَ مَنَافِعِهَا الْمُسْتَوْفَاةِ وَ غَيْرِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ عِوَضُ بُضْعِ الْأَمَةِ، لِلنَّصِّ الدَّالِّ عَلَي ذَلِكَ، (أَوْ مَهْرَ الْمِثْلِ)؛ لِأَنَّهُ الْقَاعِدَةُ الْكُلِّيَّةُ فِي

عِوَضِ الْبُضْعِ بِمَنْزِلَةِ قِيمَةِ الْمِثْلِ فِي غَيْرِهِ وَ اطِّرَاحًا لِلنَّصِّ الدَّالِّ عَلَي التَّقْدِيرِ بِالْعُشْرِ أَوْ نِصْفِهِ وَ هَذَا التَّرْدِيدُ تَوَقُّفٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي الْحُكْمِ، أَوْ إشَارَةٌ إلَي الْقَوْلَيْنِ، لَا تَخْيِيرٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ، (وَ) أُغْرِمَ (الْأُجْرَةَ) عَمَّا اسْتَوْفَاهُ مِنْ مَنَافِعِهَا، أَوْ فَاتَتْ تَحْتَ يَدِهِ.

(وَقِيمَةَ الْوَلَدِ) يَوْمَ وِلَادَتِهِ لَوْ كَانَ قَدْ أَحَبْلَهَا وَ وَلَدَتْهُ حَيًّا (رَجَعَ بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ جَمْعٌ (عَلَي الْبَائِعِ مَعَ جَهْلِهِ) بِكَوْنِهَا مُسْتَحَقَّةً، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ رُجُوعِ الْمُشْتَرِي الْجَاهِلِ بِفَسَادِ الْبَيْعِ عَلَي الْبَائِعِ بِجَمِيعِ مَا يَغْرَمُهُ.

وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَي مِقْدَارِ مَا يَرْجِعُ بِهِ مَالِكُ الْأَمَةِ عَلَي مُشْتَرِيهَا الْوَاطِئِ لَهَا، مَعَ اسْتِيلَادِهَا وَ لَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الْعَقْدِ بِالْوَطْءِ بَيْنَ عِلْمِ الْأَمَةِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَ جَهْلِهَا عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلْمَوْلَي { وَ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي } وَ لَا تَصِيرُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِلْكُ غَيْرِ الْوَاطِئِ.

وَفِي الدُّرُوسِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْمَهْرِ إلَّا مَعَ الْإِكْرَاهِ، اسْتِنَادًا إلَي أَنَّهُ لَا مَهْرَ لِبَغِيٍّ وَ يَضْعُفُ بِمَا مَرَّ وَ أَنَّ الْمَهْرَ الْمَنْفِيَّ مَهْرُ الْحُرَّةِ بِظَاهِرِ الِاسْتِحْقَاقِ وَ نِسْبَةِ الْمَهْرِ وَ مِنْ ثَمَّ يُطْلَقُ عَلَيْهَا الْمَهِيرَةُ وَ لَوْ نَقَصَتْ بِالْوِلَادَةِ ضَمِنَ نَقْصَهَا مُضَافًا إلَي مَا تَقَدَّمَ وَ لَوْ مَاتَتْ ضَمِنَ الْقِيمَةَ.

وَهَلْ يَضْمَنُ مَعَ مَا ذَكَرَ أَرْشَ الْبَكَارَةِ لَوْ كَانَتْ بِكْرًا، أَمْ يَقْتَصِرُ عَلَي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ؟ وَجْهَانِ: أَجْوَدُهُمَا عَدَمُ التَّدَاخُلِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ عِوَضُ الْوَطْءِ وَ أَرْشُ الْبَكَارَةِ عِوَضُ جِنَايَةٍ فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ وَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِاسْتِحْقَاقِهَا حَالَ الِانْتِفَاعِ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ وَ لَوْ عَلِمَ مَعَ ذَلِكَ بِالتَّحْرِيمِ كَانَ زَانِيًا وَ الْوَلَدُ رِقٌّ وَ

عَلَيْهِ الْمَهْرُ مُطْلَقًا وَ لَوْ اخْتَلَفَتْ حَالُهُ بِأَنْ كَانَ جَاهِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ، ثُمَّ تَجَدَّدَ لَهُ الْعِلْمُ رَجَعَ بِمَا غَرِمَهُ حَالَ الْجَهْلِ وَ سَقَطَ الْبَاقِي.

الرَّابِعَةُ

لَوْ اخْتَلَفَ مَوْلَي مَأْذُونٍ) وَ غَيْرُهُ (فِي عَبْدٍ أَعْتَقَهُ الْمَأْذُونُ عَنْ الْغَيْرِ وَ لَا بَيِّنَةَ) لِمَوْلَي الْمَأْذُونِ وَ لَا لِلْغَيْرِ (حَلَفَ الْمَوْلَي) أَيْ مَوْلَي الْمَأْذُونِ وَ اسْتُرِقَّ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَي مَا بِيَدِ الْمَأْذُونِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ مُقَدَّمًا عَلَي مَنْ خَرَجَ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ.

(وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ) أَيْ الْعَبْدِ الَّذِي أَعْتَقَهُ الْمَأْذُونُ (أَبًا لِلْمَأْذُونِ أَوْ لَا) وَ إِنْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ تَضَمَّنَتْ كَوْنَهُ أَبَاهُ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَي الْمُقْتَضِي لِتَرْجِيحِ قَوْلِ ذِي الْيَدِ.

(وَ لَا بَيْنَ دَعْوَي مَوْلَي الْأَبِ شِرَاءَهُ مِنْ مَالِهِ) بِأَنْ يَكُونَ قَدْ دَفَعَ لِلْمَأْذُونِ مَالًا يَتَّجِرُ بِهِ فَاشْتَرَي أَبَاهُ مِنْ سَيِّدِهِ بِمَالِهِ، (وَ عَدِمَهُ)؛ لِأَنَّهُ عَلَي التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ يَدَّعِي فَسَادَ الْبَيْعِ وَ مُدَّعِي صِحَّتِهِ مُقَدَّمٌ وَ عَلَي الثَّانِي خَارِجٌ، لِمُعَارَضَةِ يَدِهِ الْقَدِيمَةِ يَدَ الْمَأْذُونِ الْحَادِثَةِ فَيُقَدَّمُ وَ الرِّوَايَةُ تَضَمَّنَتْ الْأَوَّلَ، (وَ لَا بَيْنَ اسْتِئْجَارِهِ عَلَي حَجٍّ وَ عَدَمِهِ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّرْجِيحِ وَ إِنْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ تَضَمَّنَتْ الْأَوَّلَ وَ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ أَشْيَمَ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَنْ دَفَعَ إلَي مَأْذُونٍ أَلْفًا لِيُعْتِقَ عَنْهُ نَسَمَةً وَ يَحُجَّ عَنْهُ بِالْبَاقِي فَأَعْتَقَ أَبَاهُ وَ أَحَجَّهُ بَعْدَ مَوْتِ الدَّافِعِ، فَادَّعَي وَارِثُهُ ذَلِكَ وَ زَعَمَ كُلٌّ مِنْ مَوْلَي الْمَأْذُونِ وَ مَوْلَي الْأَبِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمَالِهِ فَقال:

إنَّ الْحَجَّةَ تَمْضِي وَ يُرَدُّ، رِقًّا لِمَوْلَاهُ حَتَّي يُقِيمَ الْبَاقُونَ بَيِّنَةً وَ عَمِلَ بِمَضْمُونِهَا الشَّيْخُ وَ مَنْ تَبِعَهُ وَ مَالَ إلَيْهِ فِي الدُّرُوسِ وَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَ جَمَاعَةٌ اطَّرَحُوا الرِّوَايَةَ، لِضَعْفِ سَنَدِهَا وَ مُخَالَفَتِهَا لِأُصُولِ الْمَذْهَبِ فِي رَدِّ الْعَبْدِ إلَي مَوْلَاهُ مَعَ

اعْتِرَافِهِ بِبَيْعِهِ وَ دَعْوَاهُ فَسَادَهُ وَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ مُقَدَّمٌ وَ هِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْآخَرِينَ، إلَّا أَنَّ مَوْلَي الْمَأْذُونِ أَقْوَي يَدًا فَيُقَدَّمُ.

وَاعْتَذَرَ فِي الدُّرُوسِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَأْذُونَ بِيَدِهِ مَالٌ لِمَوْلَي الْأَبِ وَ غَيْرِهِ وَ بِتَصَادُمِ الدَّعَاوَي الْمُتَكَافِئَةِ يَرْجِعُ إلَي أَصَالَةِ بَقَاءِ الْمِلْكِ عَلَي مَالِكِهِ، قال:

وَ لَا تُعَارِضُهُ فَتْوَاهُمْ بِتَقْدِيمِ دَعْوَي الصِّحَّةِ عَلَي الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ مُتَقَابِلَيْنِ مُتَكَافِئَيْنِ فَتَسَاقَطَا.

وَفِيهِمَا نَظَرٌ، لِمَنْعِ تَكَافُئِهِمَا، مَعَ كَوْنِ مَنْ عَدَّ مَوْلَاهُ خَارِجًا وَ الدَّاخِلَ مُقَدَّمٌ فَسَقَطَا دُونَهُ وَ لَمْ يَتِمَّ الْأَصْلُ وَ مِنْهُ يَظْهَرُ عَدَمُ تَكَافُؤِ الدَّعْوَيَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ، لِخُرُوجِ الْآمِرِ وَ وَرَثَتِهِ عَمَّا فِي يَدِ الْمَأْذُونِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ يَدِ سَيِّدِهِ وَ الْخَارِجَةُ لَا تُكَافِئُ الدَّاخِلَةَ فَتُقَدَّمُ وَ إِقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِمَا فِي يَدِهِ لِغَيْرِ الْمَوْلَي غَيْرُ مَسْمُوعٍ فَلَزِمَ اطِّرَاحُ الرِّوَايَةِ وَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَي مُضِيِّ الْحَجِّ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ حَجُّهُ بِنَفْسِهِ وَ لَمْ يَفْعَلْ وَ مُجَامَعَةُ صِحَّةِ الْحَجِّ لِعَوْدِهِ رِقًّا و قد حَجَّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، فَمَا اخْتَارَهُ هُنَا أَوْضَحُ.

وَنَبَّهَ بِقوله:

وَ لَا بَيْنَ دَعْوَي مَوْلَي الْأَبِ شِرَاءَهُ مِنْ مَالِهِ وَ عَدَمِهِ عَلَي خِلَافِ الشَّيْخِ وَ مَنْ تَبِعَهُ، حَيْثُ حَكَمُوا بِمَا ذَكَرَ، مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِدَعْوَي مَوْلَي الْأَبِ فَسَادَ الْبَيْعِ وَ عَلَي خِلَافِ الْعَلَّامَةِ حَيْثُ حَمَلَهَا عَلَي إنْكَارٍ مَوْلَي الْأَبِ الْبَيْعَ لِإِفْسَادِهِ، هَرَبًا مِنْ تَقْدِيمِ مُدَّعِي الْفَسَادَ وَ الْتِجَاءً إلَي تَقْدِيمِ مُنْكِرِ بَيْعِ عَبْدِهِ وَ قَدْ عَرَفْت ضَعْفَ تَقْدِيمِ مُدَّعِي الْفَسَادِ وَ يَضْعُفُ الثَّانِي بِمُنَافَاتِهِ لِمَنْطُوقِ الرِّوَايَةِ الدَّالَّةِ عَلَي دَعْوَي كَوْنِهِ اشْتَرَي بِمَالِهِ.

هَذَا كُلَّهُ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ وَ مَعَهَا تُقَدَّمُ إنْ كَانَتْ لِوَاحِدٍ وَ إِنْ كَانَتْ لِاثْنَيْنِ، أَوْ لِلْجَمِيعِ بُنِيَ عَلَي تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، أَوْ الْخَارِجِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، فَعَلَي الْأَوَّلِ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرَ وَ عَلَي الثَّانِي يَتَعَارَضُ الْخَارِجَانِ.

وَيَقْوَي تَقْدِيمُ وَرَثَةِ الْآمِرِ

بِمُرَجِّحِ الصِّحَّةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ يَقْتَضِي تَعَدُّدَ الْمُخْتَلِفِينَ وَ الْمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ عَلَي نِسْبَتِهِ إلَي مَوْلَي الْمَأْذُونِ و كان حَقُّهُ إضَافَةَ غَيْرِهِ مَعَهُ وَ كَأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَي الْغَيْرِ، أَوْ عَلَي مَا اُشْتُهِرَ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ.

الْخَامِسَةُ

لَوْ تَنَازَعَ الْمَأْذُونُ بَعْدَ شِرَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِي الْأَسْبَقِ) مِنْهُمَا لِيُبْطِلَ بَيْعَ الْمُتَأَخِّرِ، لِبُطْلَانِ الْإِذْنِ بِزَوَالِ الْمِلْك، (وَ لَا بَيِّنَةَ) لَهُمَا وَ لَا لِأَحَدِهِمَا بِالتَّقَدُّمِ.

(قِيلَ: يُقْرَعُ) وَ الْقَائِلُ بِهَا مُطْلَقًا غَيْرُ مَعْلُومٍ وَ اَلَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَ غَيْرُهُ عَنْ الشَّيْخِ: الْقَوْلُ بِهَا، مَعَ تَسَاوِي الطَّرِيقَيْنِ، عَمَلًا بِرِوَايَةٍ وَرَدَتْ بِذَلِكَ وَ قِيلَ بِهَا مَعَ اشْتِبَاهِ السَّابِقِ أَوْ السَّبْقِ (وَ قِيلَ: يَمْسَحُ الطَّرِيقَ) الَّتِي سَلَكَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَي مَوْلَي الْآخَرِ وَ يَحْكُمُ بِالسَّبْقِ لِمَنْ طَرِيقُهُ أَقْرَبُ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَشْيِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا بَطَلَ الْبَيْعَانِ، لِظُهُورِ الِاقْتِرَانِ.

هَذَا إذَا لَمْ يُجِزْ الْمَوْلَيَانِ، (وَ لَوْ أُجِيزَ عَقْدُهُمَا فَلَا إشْكَالَ) فِي صِحَّتِهِمَا.

(وَ لَوْ تَقَدَّمَ الْعَقْدُ مِنْ أَحَدِهِمَا صَحَّ خَاصَّةً) مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَي إجَازَةٍ (إلَّا مَعَ إجَازَةِ الْآخَرِ) فَيَصِحُّ الْعَقْدَانِ وَ لَوْ كَانَا وَكِيلَيْنِ صَحَّا مَعًا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِذْنِ وَ الْوَكَالَةِ أَنَّ الْإِذْنَ مَا جُعِلَتْ تَابِعَةً لِلْمِلْكِ وَ الْوَكَالَةَ مَا أَبَاحَتْ التَّصَرُّفَ الْمَأْذُونَ فِيهِ مُطْلَقًا وَ الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي مُطْلَقِ الْإِذْنِ إمَّا تَصْرِيحُ الْمَوْلَي بِالْخُصُوصِيَّتَيْنِ، أَوْ دَلَالَةُ الْقَرَائِنِ عَلَيْهِ وَ لَوْ تَجَرَّدَ اللَّفْظُ عَنْ الْقَرِينَةِ لِأَحَدِهِمَا فَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَي الْإِذْنِ، لِدَلَالَةِ الْعُرْفِ عَلَيْهِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْقُرْعَةِ مُطْلَقًا، لَا يَتِمُّ فِي صُورَةِ الِاقْتِرَانِ؛ لِأَنَّهَا لِإِظْهَارِ الْمُشْتَبَهِ وَ لَا اشْتِبَاهَ حِينَئِذٍ وَ أَوْلَي بِالْمَنْعِ تَخْصِيصُهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَ الْقَوْلُ بِمَسْحِ الطَّرِيقِ مُسْتَنِدٌ إلَي رِوَايَةٍ لَيْسَتْ سَلِيمَةَ الطَّرِيقِ وَ الْحُكْمُ لِلسَّابِقِ مَعَ عِلْمِهِ لَا إشْكَالَ فِيهِ، كَمَا أَنَّ الْقَوْلَ بِوُقُوفِهِ مَعَ الِاقْتِرَانِ كَذَلِكَ

و مع الِاشْتِبَاهِ تُتَّجَهُ الْقُرْعَةُ و لكن مَعَ اشْتِبَاهِ السَّابِقِ يُسْتَخْرَجُ بِرُقْعَتَيْنِ لِإِخْرَاجِهِ و مع اشْتِبَاهِ السَّبْقِ وَ الِاقْتِرَانِ يَنْبَغِي ثَلَاثُ رُقَعٍ فِي إحْدَاهَا الِاقْتِرَانُ لِيَحْكُمَ بِالْوُقُوفِ مَعَهُ.

هَذَا إذَا كَانَ شِرَاؤُهَا لِمَوْلَاهُمَا، أَمَّا لَوْ كَانَ لِأَنْفُسِهِمَا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ الرِّوَايَةِ، فَإِنْ أَحَلْنَا مِلْكَ الْعَبْدِ بَطَلَا وَ إِنْ أَجَزْنَاهُ صَحَّ السَّابِقُ وَ بَطَلَ الْمُقَارِنُ وَ اللَّاحِقُ حَتْمًا، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ مِلْكُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ.

السَّادِسَةُ

الْأَمَةُ الْمَسْرُوقَةُ مَنْ أَرْضِ الصُّلْحِ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا)؛ لِأَنَّ مَالَ أَهْلِهَا مُحْتَرَمٌ بِهِ، (فَلَوْ اشْتَرَاهَا) أَحَدٌ مِنْ السَّارِقِ (جَاهِلًا) بِالسَّرِقَةِ، أَوْ الْحُكْمِ (رَدَّهَا) عَلَي بَائِعِهَا، (وَاسْتَعَادَ ثَمَنَهَا) مِنْهُ، (وَ لَوْ لَمْ يُوجَدْ الثَّمَنُ) بِأَنْ أَعْسَرَ الْبَائِعُ، أَوْ امْتَنَعَ عَنْ رَدِّهِ وَ لَمْ يُمْكِنْ إجْبَارُهُ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ (ضَاعَ) عَلَي دَافِعِهِ، (وَ قِيلَ: تَسْعَي) الْأَمَةُ (فِيهِ لِرِوَايَةِ) مِسْكِينٍ السَّمَّانِ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَيَضْعُفُ بِجَهَالَةِ الرَّاوِي وَ مُخَالَفَةِ الْحُكْمِ لِلْأُصُولِ، حَيْثُ إنَّهَا مِلْكٌ لِلْغَيْرِ وَ سَعْيَهَا كَذَلِكَ وَ مَالِكُهَا لَمْ يَظْلِمْهُ فِي الثَّمَنِ، فَكَيْفَ يَسْتَوْفِيهِ مِنْ سَعْيِهَا، مَعَ أَنَّ ظَالِمَهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا وَ لَا كَسْبَهَا وَ مِنْ ثَمَّ نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ إلَي الْقَوْلِ، تَمْرِيضًا لَهُ.

وَلَكِنْ يُشْكِلُ حُكْمُهُ بِرَدِّهَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ رَدُّهَا عَلَي مَالِكِهَا لَا عَلَي الْبَائِعِ، طَرْحًا لِلرِّوَايَةِ الدَّالَّةِ عَلَي رَدِّهَا عَلَيْهِ وَ فِي الدُّرُوسِ اسْتَقْرَبَ الْعَمَلَ بِالرِّوَايَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَي رَدِّهَا عَلَي الْبَائِعِ وَ اسْتِسْعَائِهَا فِي ثَمَنِهَا لَوْ تَعَذَّرَ عَلَي الْمُشْتَرِي أَخْذُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَ وَارِثِهِ مَعَ مَوْتِهِ.

وَاعْتَذَرَ عَنْ الرَّدِّ إلَيْهِ بِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ لَهُ لِيَرُدَّهَا إلَي أَهْلِهَا، إمَّا؛ لِأَنَّهُ سَارِقٌ، أَوْ لِأَنَّهُ تَرَتَّبَتْ.

يَدُهُ عَلَيْهِ وَ عَنْ اسْتِسْعَائِهَا بِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَ حَقِّ صَاحِبِهَا، نَظَرًا إلَي أَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ فَيْءٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَ إِنَّمَا صَارَ مُحْتَرَمًا بِالصُّلْحِ احْتِرَامًا عَرَضِيًّا فَلَا يُعَارِضُ ذَهَابَ

مَالٍ مُحْتَرَمٍ فِي الْحَقِيقَةِ.

وَلَا يَخْفَي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِتَأْسِيسِ مِثْلِ هَذَا الْحُكْمِ وَ تَقْرِيبُهُ لِلنَّصِّ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ مِمَّا تَصْلُحُ لِلْحُجِّيَّةِ وَ هِيَ بَعِيدَةٌ عَنْهُ وَ تَكْلِيفُ الْبَائِعِ بِالرَّدِّ لَا يَقْتَضِي جَوَازَ دَفْعِهَا إلَيْهِ كَمَا فِي كُلِّ غَاصِبٍ وَ قِدَمُ يَدِهِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَ إِلَّا لَكَانَ الْغَاصِبُ مِنْ الْغَاصِبِ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ إلَيْهِ وَ هُوَ بَاطِلٌ.

وَالْفَرْقُ فِي الْمَالِ بَيْنَ الْمُحْتَرَمِ بِالْأَصْلِ وَ الْعَارِضِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي هَذَا التَّرْجِيحِ، مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّحْرِيمِ وَ كَوْنِ الْمُتْلِفِ لِلثَّمَنِ لَيْسَ هُوَ مَوْلَي الْأَمَةِ، فَكَيْفَ يَسْتَوْفِي مِنْ مَالِهِ وَ يَنْتَقِضُ بِمَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّ تَحْرِيمَهُ عَارِضٌ وَ لَا يُرَجَّحُ عَلَيْهِ مَالُ الْمُسْلِمِ الْمُحْتَرَمِ بِالْأَصْلِ عِنْدَ التَّعَارُضِ.

وَالْأَقْوَي إطْرَاحُ الرِّوَايَةِ بِوَاسِطَةِ مِسْكِينٍ وَ شُهْرَتُهَا لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ وجوب الْعَمَلِ بِهَا وَ إِنَّمَا عَمِلَ بِهَا الشَّيْخُ عَلَي قَاعِدَتِهِ وَ اشْتَهَرَتْ بَيْنَ أَتْبَاعِهِ، وَرَدَّهَا الْمُسْتَنْبِطُونَ لِمُخَالَفَتِهَا لِلْأُصُولِ.

وَالْأَقْوَي وجوب رَدِّ الْمُشْتَرِي لَهَا عَلَي مَالِكِهَا، أَوْ وَكِيلِهِ، أَوْ وَارِثِهِ و مع التَّعَذُّرِ عَلَي الْحَاكِمِ وَ أَمَّا الثَّمَنُ فَيُطَالِبُ بِهِ الْبَائِعَ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ مُطْلَقًا و مع تَلَفِهِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِسَرِقَتِهَا وَ لَا تُسْتَسْعَي الْأَمَةُ مُطْلَقًا.

السَّابِعَةُ

لَا يَجُوزُ بَيْعُ عَبْدٍ مِنْ عَبْدَيْنِ) مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، سَوَاءٌ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقِيمَةِ وَ الصِّفَاتِ، أَمْ مُخْتَلِفَيْنِ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْبُطْلَانِ، (وَ لَا) بَيْعُ (عَبِيدٍ) كَذَلِكَ، لِلْعِلَّةِ وَ قِيلَ: يَصِحُّ مُطْلَقًا، اسْتِنَادًا إلَي ظَاهِرِ رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ وَ قِيلَ يَصِحُّ مَعَ تَسَاوِيهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، كَمَا يَصِحُّ بَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ مُتَسَاوِيَةِ الْأَجْزَاءِ وَ يَضْعُفُ بِمَنْعِ تَسَاوِي الْعَبْدَيْنِ عَلَي وَجْهٍ يَلْحَقُ بِالْمِثْلِيِّ وَ ضَعْفُ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا وَاضِحٌ.

(وَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ) أَيْ شِرَاءُ الْعَبْدِ (مَوْصُوفًا) عَلَي وَجْهٍ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ (سَلَمًا)؛ لِأَنَّ ضَابِطَ الْمُسْلَمِ

فِيهِ مَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ كَذَلِكَ وَ هُوَ مِنْهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ إلَّا مَا يُسْتَثْنَي، (وَ الْأَقْرَبُ جَوَازُهُ) مَوْصُوفًا (حَالًّا) لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْمَعْنَي الْمُصَحِّحِ لِلْبَيْعِ (فَلَوْ بَاعَهُ) عَبْدًا كَذَلِكَ.

(وَدَفَعَ إلَيْهِ عَبْدَيْنِ لِلتَّخْيِيرِ) أَيْ لِيَتَخَيَّرَ مَا شَاءَ مِنْهُمَا (فَأَبَقَ أَحَدُهُمَا) مِنْ يَدِهِ (بُنِيَ) ضَمَانُ الْآبِقِ (عَلَي ضَمَانِ الْمَقْبُوضِ بِالسَّوْمِ) وَ هُوَ الَّذِي قَبَضَهُ لِيَشْتَرِيَهُ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَإِنْ قُلْنَا بِضَمَانِهِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ ضَمِنَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، إذْ الْخُصُوصِيَّةُ لَيْسَتْ لِقَبْضِ السَّوْمِ، بَلْ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ { عَلَي الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّي تُؤَدِّيَ } وَ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَ إِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ ضَمَانِهِ لِكَوْنِهِ مَقْبُوضًا بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَ الْحَالُ أَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ فَيَكُونُ كَالْوَدَعِيِّ لَمْ يَضْمَنْ هُنَا، بَلْ يُمْكِنُ عَدَمُ الضَّمَانِ هُنَا وَ إِنْ قُلْنَا بِهِ ثَمَّةَ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِالسَّوْمِ مَبِيعٌ بِالْقُوَّةِ، أَوْ مَجَازًا بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ وَ صَحِيحُ الْمَبِيعِ وَ فَاسِدُهُ مَضْمُونٌ.

بِخِلَافِ صُورَةِ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ لَيْسَ كَذَلِكَ لِوُقُوعِ الْبَيْعِ سَابِقًا وَ إِنَّمَا هُوَ مَحْضُ اسْتِيفَاءِ حَقٍّ، لَكِنْ يَنْدَفِعُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا كَانَ أَمْرًا كُلِّيًّا و كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَدْفُوعِ صَالِحًا لِكَوْنِهِ فَرْدًا لَهُ كَانَ فِي قُوَّةِ الْمَبِيعِ، بَلْ دَفْعُهُمَا لِلتَّخْيِيرِ حَصْرٌ لَهُ فِيهِمَا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ حَيْثُ إنَّهُ مُنْحَصِرٌ فِيهِمَا، فَالْحُكْمُ هُنَا بِالضَّمَانِ أَوْلَي مِنْهُ (وَ الْمَرْوِيُّ) عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِطَرِيقٍ ضَعِيفٍ و لكن عَمِلَ بِهِ الْأَكْثَرُ (انْحِصَارُ حَقِّهِ فِيهِمَا) عَلَي سَبِيلِ الْإِشَاعَةِ، لَا كَوْنُ حَقِّهِ أَحَدَهُمَا فِي الْجُمْلَةِ.

(وَ عَدَمُ ضَمَانِهِ) أَيْ الْآبِقِ (عَلَي الْمُشْتَرِي فَيَنْفَسِخُ نِصْفُ الْمَبِيعِ)، تَنْزِيلًا لِلْآبِقِ مَنْزِلَةَ التَّالِفِ قَبْلَ الْقَبْضِ، مَعَ أَنَّ نِصْفَهُ مَبِيعٌ (وَيَرْجِعُ) الْمُشْتَرِي (بِنِصْفِ الثَّمَنِ عَلَي الْبَائِعِ) وَ هُوَ عِوَضُ التَّالِفِ (وَيَكُونُ) الْعَبْدُ (الْبَاقِي بَيْنَهُمَا) بِالنِّصْفِ،

(إلَّا أَنْ يَجِدَ الْآبِقَ يَوْمًا فَيَتَخَيَّرُ) فِي أَخْذِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَي كَوْنِهِمَا بِالْوَصْفِ الْمُطَابِقِ لِلْمَبِيعِ وَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْقِيمَةِ.

وَوَجْهُ انْحِصَارِ حَقِّهِ فِيهِمَا كَوْنُهُ عَيَّنَهُمَا لِلتَّخْيِيرِ، كَمَا لَوْ حُصِرَ الْحَقُّ فِي وَاحِدٍ وَ عَدَمُ ضَمَانِ الْآبِقِ إمَّا لِعَدَمِ ضَمَانِ الْمَقْبُوضِ بِالسَّوْمِ، أَوْ كَوْنِ الْقَبْضِ عَلَي هَذَا الْوَجْهِ يُخَالِفُ قَبْضَ السَّوْمِ، لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ تَنْزِيلًا لِهَذَا التَّخْيِيرِ مَنْزِلَةَ الْخِيَارِ الَّذِي لَا يَضْمَنُ الْحَيَوَانَ التَّالِفَ فِي وَقْتِهِ.

وَيُشْكِلُ بِانْحِصَارِ الْحَقِّ الْكُلِّيِّ قَبْلَ تَعْيِينِهِ فِي فَرْدَيْنِ وَ مَنْعِ ثُبُوتِ الْفَرْقِ بَيْنَ حَصْرِهِ فِي وَاحِدٍ وَ بَقَائِهِ كُلِّيًّا وَ ثُبُوتِ الْمَبِيعِ فِي نِصْفِ الْمَوْجُودِ الْمُقْتَضِي لِلشَّرِكَةِ، مَعَ عَدَمِ الْمُوجِبِ لَهَا، ثُمَّ الرُّجُوعُ إلَي التَّخْيِيرِ لَوْ وُجِدَ الْآبِقُ وَ أَنَّ دَفْعَهُ الِاثْنَيْنِ لَيْسَ تَشْخِيصًا وَ إِنْ حُصِرَ الْأَمْرُ فِيهِمَا لِأَصَالَةِ بَقَاءِ الْحَقِّ فِي الذِّمَّةِ إلَي أَنْ يَثْبُتَ الْمُزِيلُ شَرْعًا، كَمَا لَوْ حَصَرَهُ فِي عَشَرَةٍ وَ أَكْثَرَ.

هَذَا مَعَ ضَعْفِ الرِّوَايَةِ عَنْ إثْبَاتِ مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمُخَالِفَةِ لِلْأُصُولِ.

(وَ فِي انْسِحَابِهِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَي اثْنَيْنِ إنْ قُلْنَا بِهِ) فِي الِاثْنَيْنِ وَ عَمِلْنَا بِالرِّوَايَةِ، (تَرَدُّدٌ) مِنْ صِدْقِ الْعَبْدَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ وَ عَدَمِ ظُهُورِ تَأْثِيرِ الزِّيَادَةِ، مَعَ كَوْنِ مَحِلِّ التَّخْيِيرِ زَائِدًا عَنْ الْحَقِّ وَ الْخُرُوجِ عَنْ الْمَنْصُوصِ الْمُخَالِفِ لِلْأَصْلِ، فَإِنْ سَحَبْنَا الْحُكْمَ وَ كَانُوا ثَلَاثَةً فَأَبَقَ وَاحِدٌ فَاتَ ثُلُثُ الْمَبِيعِ وَ ارْتَجَعَ ثُلُثَ الثَّمَنِ إلَي آخِرِ مَا ذُكِرَ وَ يُحْتَمَلُ بَقَاءُ التَّخْيِيرِ وَ عَدَمُ فَوَاتِ شَيْءٍ، سَوَاءٌ حَكَمْنَا بِضَمَانِ الْآبِقِ أَمْ لَا، لِبَقَاءِ مَحَلِّ التَّخْيِيرِ الزَّائِدِ عَنْ الْحَقِّ.

(وَ كَذَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ عَبْدٍ كَأَمَةٍ).

فَدَفَعَ إلَيْهِ أَمَتَيْنِ أَوْ إمَاءً وَ قَطَعَ فِي الدُّرُوسِ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ هُنَا، (بَلْ) فِي انْسِحَابِ الْحُكْمِ (فِي أَيِّ عَيْنٍ كَانَتْ) كَثَوْبٍ وَ كِتَابٍ، إذَا دَفَعَ إلَيْهِ مِنْهُ

اثْنَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ، التَّرَدُّدُ، مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِيمَا ظَنَّ كَوْنَهُ عِلَّةَ الْحُكْمِ وَ بُطْلَانَ الْقِيَاسِ.

وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْقَطْعُ هُنَا بِعَدَمِ الِانْسِحَابِ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَحْضٌ لَا نَقُولُ بِهِ وَ لَوْ هَلَكَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ فَفِي انْسِحَابِ الْحُكْمِ الْوَجْهَانِ، مِنْ أَنَّ تَنْزِيلَ الْإِبَاقِ مَنْزِلَةَ التَّلَفِ يَقْتَضِي الْحُكْمَ مَعَ التَّلَفِ بِطَرِيقِ أَوْلَي وَ مَنْ ضَعَّفَهُ بِتَنْجِيزِ التَّنْصِيفِ مِنْ غَيْرِ رَجَاءٍ لِعَوْدِ التَّخْيِيرِ، بِخِلَافِ الْإِبَاقِ وَ الْأَقْوَي عَدَمُ اللَّحَاقِ هَذَا كُلُّهُ عَلَي تَقْدِيرِ الْعَمَلِ بِالرِّوَايَةِ، نَظَرًا إلَي انْجِبَارِ ضَعْفِهَا بِمَا زَعَمُوهُ مِنْ الشُّهْرَةِ.

وَاَلَّذِي أَرَاهُ مَنْعُ الشُّهْرَةِ فِي ذَلِكَ وَ إِنَّمَا حَكَمَ الشَّيْخُ بِهَذِهِ وَ نَظَائِرِهَا عَلَي قَاعِدَتِهِ وَ الشُّهْرَةُ بَيْنَ أَتْبَاعِهِ خَاصَّةً كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي غَيْرِهَا.

وَاَلَّذِي يُنَاسِبُ الْأَصْلَ أَنَّ الْعَبْدَيْنِ إنْ كَانَا مُطَابِقَيْنِ لِلْمَبِيعِ تَخَيَّرَ بَيْنَ اخْتِيَارِ الْآبِقِ وَ الْبَاقِي، فَإِنْ اخْتَارَ الْآبِقَ رَدَّ الْمَوْجُودَ وَ لَا شَيْءَ لَهُ وَ إِنْ اخْتَارَ الْبَاقِيَ انْحَصَرَ حَقُّهُ فِيهِ وَ بَنَي ضَمَانَ الْآبِقِ عَلَي مَا سَبَقَ وَ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ وَ غَيْرِهِمَا مِنْ الزَّائِدِ وَ الْمُخَالِفِ وَ هَذَا هُوَ الْأَقْوَي.

الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي بَيْعِ الثِّمَارِ

المدخل

الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي بَيْعِ الثِّمَارِ

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ ظُهُورِهَا) وَ هُوَ بُرُوزُهَا إلَي الْوُجُودِ وَ إِنْ كَانَتْ فِي طَلْعٍ، أَوْ كِمَامٍ (عَامًا) وَاحِدًا.

بِمَعْنَي ثَمَرَةِ ذَلِكَ الْعَامِ وَ إِنْ وُجِدَتْ فِي شَهْرٍ، أَوْ أَقَلَّ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ ثَمَرَةُ النَّخْلِ وَ غَيْرُهَا وَ هُوَ مَوْضِعُ وِفَاقٍ وَ سَوَاءٌ ضَمَّ إلَيْهَا شَيْئًا، أَمْ لَا (وَ لَا) بَيْعُهَا قَبْلَ ظُهُورِهَا أَيْضًا (أَزْيَدَ) مِنْ عَامٍ (عَلَي الْأَصَحِّ)، لِلْغَرَرِ وَ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إلَّا الصَّدُوقُ لِصَحِيحَةِ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الدَّالَّةِ عَلَي الْجَوَازِ وَ لَا يَخْلُو مِنْ قُوَّةٍ إنْ لَمْ يَثْبُتْ الْإِجْمَاعُ عَلَي خِلَافِهِ.

(وَيَجُوزُ) بَيْعُهَا (بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا) إجْمَاعًا، (وَ فِي جَوَازِهِ

قَبْلَهُ بَعْدَ الظُّهُورِ) مِنْ غَيْرِ ضَمِيمَةٍ وَ لَا زِيَادَةٍ عَنْ عَامٍ وَ لَا مَعَ الْأَصْلِ وَ لَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ (خِلَافٌ، أَقْرَبُهُ الْكَرَاهَةُ)، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ.

بِحَمْلِ مَا دَلَّ مِنْهَا عَلَي النَّهْيِ عَلَي الْكَرَاهَةِ وَ الْقَوْلُ الْآخَرُ لِلْأَكْثَرِ الْمَنْعُ، (وَتَزُولُ) الْكَرَاهَةُ (بِالضَّمِيمَةِ) إلَي مَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ، (أَوْ شَرْطِ الْقَطْعِ) وَ إِنْ لَمْ يَقْطَعْ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ تَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ، (أَوْ بَيْعِهَا مَعَ الْأُصُولِ) وَ هُوَ فِي مَعْنَي الضَّمِيمَةِ، (وَبُدُوِّ الصَّلَاحِ) الْمُسَوِّغِ لِلْبَيْعِ مُطْلَقًا، أَوْ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَ هُوَ (احْمِرَارُ التَّمْرِ) بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ مَجَازًا فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ، بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ، (أَوْ اصْفِرَارُهُ) فِيمَا يَصْفَرُّ، (أَوْ انْعِقَادُ ثَمَرَةِ غَيْرِهِ) مِنْ شَجَرِ الْفَوَاكِهِ (وَ إِنْ كَانَتْ فِي كِمَامٍ) بِكَسْرِ الْكَافِ جَمْعُ أَكِمَّةٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَ كَسْرِ الْكَافِ وَ فَتْحِ الْمِيمِ مُشَدَّدَةً وَ هِيَ غِطَاءُ الثَّمَرَةِ وَ النَّوْرِ كَالرُّمَّانِ وَ كَذَا لَوْ كَانَتْ فِي كِمَامَيْنِ كَالْجَوْزِ وَ اللَّوْزِ وَ هَذَا هُوَ الظُّهُورُ الْمُجَوِّزُ لِلْبَيْعِ أَيْضًا.

وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ وَ الظُّهُورِ فِي النَّخْلِ وَ يَظْهَرُ فِي غَيْرِهَا عِنْدَ جَعْلِهِ تَنَاثُرَ الزَّهْرِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ، أَوْ تَلَوُّنِ الثَّمَرَةِ، أَوْ صَفَاءِ لَوْنِهَا، أَوْ الْحَلَاوَةِ وَ طِيبِ الْأَكْلِ فِي مِثْلِ التُّفَّاحِ، أَوْ النُّضْجِ فِي مِثْلِ الْبِطِّيخِ أَوْ تَنَاهِي عِظَمِ بَعْضِهِ فِي مِثْلِ الْقِثَّاءِ كَمَا زَعَمَهُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَبْسُوطِ. (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْخُضَرِ بَعْدَ انْعِقَادِهَا) وَ إِنْ لَمْ يَتَنَاهَ عِظَمُهَا (لُقَطَةً وَ لُقَطَاتٍ مُعَيَّنَةً) أَيْ مَعْلُومَةَ الْعَدَدِ، (كَمَا يَجُوزُ شِرَاءُ الثَّمَرَةِ الظَّاهِرَةِ وَ مَا يَتَجَدَّدُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَ فِي غَيْرِهَا) مَعَ ضَبْطِ السِّنِينَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الضَّمِيمَةِ إلَي الْمَعْدُومِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُتَجَدِّدَةُ مِنْ جِنْسِ الْخَارِجَةِ، أَمْ غَيْرِهِ.

(وَيَرْجِعُ فِي اللُّقَطَةِ إلَي الْعُرْفِ) فَمَا دَلَّ عَلَي صَلَاحِيَّتِهِ لِلْقَطْعِ يُقْطَعُ وَ مَا دَلَّ عَلَي

عَدَمِهِ لِصِغَرِهِ، أَوْ شَكَّ فِيهِ لَا يَدْخُلُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَاضِحٌ وَ أَمَّا الْمَشْكُوكُ فِيهِ فَلِأَصَالَةِ بَقَائِهِ عَلَي مِلْكِ مَالِكِهِ وَ عَدَمِ دُخُولِهِ فِيمَا أُخْرِجَ بِاللَّقْطِ، (فَلَوْ امْتَزَجَتْ الثَّانِيَةُ) بِالْأُولَي لِتَأْخِيرِ الْمُشْتَرِي قَطْعَهَا فِي أَوَانِهِ (تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَ الشَّرِكَةِ)، لِلتَّعَيُّبِ بِالشَّرِكَةِ وَ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ مُنْفَرِدًا، فَإِنْ اخْتَارَ الشَّرِكَةَ فَطَرِيقُ التَّخَلُّصِ بِالصُّلْحِ (وَ لَوْ اخْتَارَ الْإِمْضَاءَ فَهَلْ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ، لِعَيْبِ الشَّرِكَةِ نَظَرٌ، أَقْرَبُهُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ تَأَخَّرَ الْقَطْعُ بِسَبَبِهِ) بِأَنْ يَكُونَ قَدْ مَنَعَ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ.

(وَ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ يَكُونُ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ (لَوْ كَانَ الِاخْتِلَاطُ بِتَفْرِيطِ الْمُشْتَرِي مَعَ تَمْكِينِ الْبَائِعِ وَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي أَمْكَنَ عَدَمُ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي)؛ لِأَنَّ التَّعَيُّبَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ فَيَكُونُ دَرَكُهُ عَلَيْهِ، لَا عَلَي الْبَائِعِ كَمَا لَوْ حَصَلَ مَجْمُوعُ التَّلَفِ مِنْ قِبَلِهِ، (وَ لَوْ قِيلَ: بِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي) مُطْلَقًا، لِحُصُولِ النَّقْصِ مَضْمُونًا عَلَي الْبَائِعِ كَمَا يَضْمَنُ الْجُمْلَةَ كَذَلِكَ.

(وَ إِنْ كَانَ بَعْدَهُ، فَلَا خِيَارَ لِأَحَدِهِمَا)، لِاسْتِقْرَارِ الْبَيْعِ بِالْقَبْضِ وَ بَرَاءَةِ الْبَائِعِ مِنْ دَرَكِهِ بَعْدَهُ (كَانَ قَوِيًّا) وَ هَذَا الْقَوْلُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الدُّرُوسِ غَيْرَهُ جَازِمًا بِهِ وَ هُوَ حَسَنٌ إنْ لَمْ يَكُنْ الِاخْتِلَاطُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِتَفْرِيطِ الْمُشْتَرِي وَ إِلَّا فَعَدَمُ الْخِيَارِ لَهُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَي الْبَائِعِ.

وَحَيْثُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي بِوَجْهٍ لَا يَسْقُطُ بِبَذْلِ الْبَائِعِ لَهُ مَا شَاءَ وَ لَا الْجَمِيعَ عَلَي الْأَقْوَي، لِأَصَالَةِ بَقَاءِ الْخِيَارِ وَ إِنْ انْتَفَتْ الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لَهُ، كَمَا لَوْ بَذَلَ لِلْمَغْبُونِ التَّفَاوُتَ وَ لِمَا فِي قَبُولِ الْمَسْمُوحِ بِهِ مِنْ الْمِنَّةِ.

(وَ كَذَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا يُخْرَطُ) أَصْلُ الْخَرْطِ أَنْ يَقْبِضَ بِالْيَدِ عَلَي أَعْلَي الْقَضِيبِ ثُمَّ يُمِرُّهَا عَلَيْهِ إلَي أَسْفَلِهِ لِيَأْخُذَ عَنْهُ الْوَرَقَ وَ مِنْهُ الْمَثَلُ السَّائِرُ "

دُونَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ " وَ الْمُرَادُ هُنَا مَا يُقْصَدُ مِنْ ثَمَرَتِهِ، وَرَقُهُ (كَالْحِنَّاءِ وَ التُّوتِ) بِالتَّاءَيْنِ الْمُثَنَّاتَيْنِ مِنْ فَوْقُ (خِرْطَةٌ وَ خِرْطَاتٌ وَ مَا يُجَزُّ كَالرَّطْبَةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَ سُكُونِ الطَّاءِ وَ هِيَ الْفِصَّةُ وَ الْقَضْبُ، (وَ الْبَقْلُ) كَالنَّعْنَاعِ (جِزَّةً وَ جِزَّاتٍ وَ لَا تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ) بَعْدَ ظُهُورِهَا (فِي بَيْعِ الْأُصُولِ) مُطْلَقًا وَ لَا غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ، (إلَّا فِي) ثَمَرَةِ (النَّخْلِ) فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ خَاصَّةً (بِشَرْطِ عَدَمِ التَّأْبِيرِ وَ لَوْ نَقَلَ أَصْلَ النَّخْلِ بِغَيْرِ الْبَيْعِ فَكَغَيْرِهِ) مِنْ الشَّجَرِ. (وَيَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ شَجَرَاتٍ) مُعَيَّنَةٍ، (وَجُزْءٍ مُشَاعِ) كَالنِّصْفِ وَ الثُّلُثِ، (وَأَرْطَالٍ مَعْلُومَةٍ وَ فِي هَذَيْنِ) الْفَرْدَيْنِ وَ هُمَا اسْتِثْنَاءُ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ وَ الْأَرْطَالِ الْمَعْلُومَةِ (يَسْقُطُ مِنْ الثُّنْيَا) وَ هُوَ الْمُسْتَثْنَي (بِحِسَابِهِ) أَيْ نِسْبَتِهِ إلَي الْأَصْلِ (لَوْ خَاسَتْ الثَّمَرَةُ) بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَي.

(بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ) كَالشَّجَرَةِ وَ الشَّجَرَاتِ، فَإِنَّ اسْتِثْنَاءَهَا كَبَيْعِ الْبَاقِي مُنْفَرِدًا، فَلَا يَسْقُطُ مِنْهَا بِتَلَفِ شَيْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ شَيْءٌ، لِامْتِيَازِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ شَائِعٌ فِي الْجَمِيعِ فَيُوَزَّعُ النَّاقِصُ عَلَيْهِمَا إذَا كَانَ التَّلَفُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الدُّرُوسِ: و قد يُفْهَمُ مِنْ هَذَا التَّوْزِيعِ تَنْزِيلُ شِرَاءِ صَاعٍ مِنْ الصُّبْرَةِ عَلَي الْإِشَاعَةِ وَ قَدْ تَقَدَّمَ مَا يُرَجِّحُ عَدَمَهُ، فَفِيهِ سُؤَالُ الْفَرْقِ.

وَطَرِيقُ تَوْزِيعِ النَّقْصِ عَلَي الْحِصَّةِ الْمُشَاعَةِ: جَعَلَ الذَّاهِبَ عَلَيْهِمَا وَ الْبَاقِيَ لَهُمَا عَلَي نِسْبَةِ الْجُزْءِ.

وَأَمَّا فِي الْأَرْطَالِ الْمَعْلُومَةِ فَيُعْتَبَرُ الْجُمْلَةُ بِالتَّخْمِينِ وَ يَنْسِبُ إلَيْهَا الْمُسْتَثْنَي، ثُمَّ يُنْظَرُ الذَّاهِبُ فَيَسْقُطُ مِنْهُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ.

مَسَائِلُ (الْأُولَي - لَا يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَ

مَسَائِلُ (الْأُولَي - لَا يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ بِجِنْسِهَا)

أَيْ نَوْعِهَا الْخَاصِّ كَالْعِنَبِ بِالْعِنَبِ وَ الزَّبِيبِ وَ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَ التَّمْرِ (عَلَي أُصُولِهَا) أَمَّا بَعْدَ جَمْعِهَا فَيَصِحُّ مَعَ التَّسَاوِي (نَخْلًا كَانَ) الْمَبِيعُ ثَمَرُهُ، (أَوْ غَيْرَهُ) مِنْ الثِّمَارِ

إجْمَاعًا فِي الْأَوَّلِ وَ عَلَي الْمَشْهُورِ فِي الثَّانِي، تَعَدِّيَةً لِلْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَ هِيَ نُقْصَانُهُ عِنْدَ الْجَفَافِ إنْ بِيعَتْ بِيَابِسٍ وَ تَطَرَّقَ احْتِمَالُ الزِّيَادِ فِي كُلٍّ مِنْ الْعِوَضَيْنِ الرِّبَوِيَّيْنِ.

وَلَا فَرْقَ فِي الْمَنْعِ بَيْنَ كَوْنِ الثَّمَنِ مِنْهَا وَ مِنْ غَيْرِهَا وَ إِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَظْهَرَ مَنْعًا.

(وَ يُسَمَّي فِي النَّخْلِ مُزَابَنَةً) وَ هِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزَّبْنِ وَ هُوَ الدَّفْعُ وَ مِنْهُ الزَّبَانِيَةُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِبِنَائِهَا عَلَي التَّخْمِينِ الْمُقْتَضِي لِلْغَبْنِ، فَيُرِيدُ الْمَغْبُونُ دَفْعَهُ وَ الْغَابِنُ خِلَافَهُ فَيَتَدَافَعَانِ وَ خَصَّ التَّعْرِيفَ بِالنَّخْلِ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ مُفَسِّرًا بِهِ الْمُزَابَنَةَ فِي صَحِيحَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَ أُلْحِقَ بِهِ غَيْرُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَ فِي إلْحَاقِ الْيَابِسِ وَجْهٌ وَ الرَّطْبِ نَظَرٌ (وَ لَا بَيْعُ السُّنْبُلِ بِحَبٍّ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مَنْ جِنْسِهِ وَ يُسَمَّي مُحَاقَلَةً) مَأْخُوذَةً مِنْ الْحَقْلِ جَمْعُ حَقْلَةٍ وَ هِيَ السَّاحَةُ الَّتِي تُزْرَعُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَعَلُّقِهَا بِزَرْعٍ فِي حَقْلَةٍ وَ خَرَجَ بِالسُّنْبُلِ بَيْعُهُ قَبْلَ ظُهُورِ الْحَبِّ فَإِنَّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَطْعُومٍ، (إلَّا الْعَرِيَّةُ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ تَحْرِيمِ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَ الْمُرَادُ بِهَا النَّخْلَةُ تَكُونُ فِي دَارِ الْإِنْسَانِ، أَوْ بُسْتَانِهِ، فَيَشْتَرِي مَالِكُهُمَا، أَوْ مُسْتَأْجِرُهُمَا، أَوْ مُسْتَعِيرُهُمَا رُطَبَهَا (بِخَرْصِهَا تَمْرًا مِنْ غَيْرِهَا) مُقَدَّرًا مَوْصُوفًا حَالًّا وَ إِنْ لَمْ يُقْبَضْ فِي الْمَجْلِسِ، أَوْ بَلَغَتْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَ لَا يَجُوزُ بِتَمْرٍ مِنْهَا لِئَلَّا يَتَّحِدَ الْعِوَضَانِ وَ لَا يُعْتَبَرُ مُطَابَقَةُ ثَمَرَتِهَا جَافَّةً لِثَمَنِهَا فِي الْوَاقِعِ، بَلْ تَكْفِي الْمُطَابَقَةُ ظَنًّا، فَلَوْ زَادَتْ عِنْدَ الْجَفَافِ عَنْهُ أَوْ نَقَصَتْ لَمْ يَقْدَحْ فِي الصِّحَّةِ وَ لَا عَرِيَّةَ فِي غَيْرِ النَّخْلِ، فَإِنْ أَلْحَقْنَاهُ بِالْمُزَابَنَةِ وَ إِلَّا لَمْ يَتَقَيَّدْ بِقُيُودِهَا.

(الثَّانِيَةُ - يَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ قَائِمًا) عَلَي أُصُولِهِ

، سَوَاءٌ أَحُصِدَ،

أَمْ لَا، قُصِدَ قَصْلُهُ، أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْعِلْمِ مَمْلُوكٌ فَتَنَاوَلَتْهُ الْأَدِلَّةُ، خِلَافًا لِلصَّدُوقِ حَيْثُ شَرَطَ كَوْنَهُ سُنْبُلًا، أَوْ الْقَصْلَ (وَحَصِيدًا) أَيْ مَحْصُودًا وَ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَكِيلٍ وَ لَا مَوْزُونٍ، بَلْ يَكْفِي فِي مَعْرِفَتِهِ الْمُشَاهَدَةُ، (وَقَصِيلًا) أَيْ مَقْطُوعًا بِالْقُوَّةِ، بِأَنْ شُرِطَ قَطْعُهُ قَبْلَ أَنْ يُحْصَدَ لِعَلْفِ الدَّوَابِّ، فَإِذَا بَاعَهُ كَذَلِكَ وَجَبَ عَلَي الْمُشْتَرِي قَصْلُهُ بِحَسَبِ الشَّرْطِ.

(فَلَوْ لَمْ يَقْصِلْهُ الْمُشْتَرِي فَلِلْبَائِعِ قَصْلُهُ) وَ تَفْرِيغُ أَرْضِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ظَالِمٌ وَ لَا حَقَّ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ، (وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِأُجْرَةِ أَرْضِهِ) عَنْ الْمُدَّةِ الَّتِي بَقِيَ فِيهَا بَعْدَ إمْكَانِ قَصْلِهِ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَ بَعْدَ الْمُدَّةِ الَّتِي شَرَطَا قَصْلَهُ فِيهَا مَعَ التَّعْيِينِ وَ لَوْ كَانَ شِرَاؤُهُ قَبْلَ أَوَانِ قَصْلِهِ وَجَبَ عَلَي الْبَائِعِ الصَّبْرُ إلَي أَوَانِهِ مَعَ الْإِطْلَاقِ كَمَا لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ وَ الزَّرْعَ لِلْحَصَادِ.

وَمُقْتَضَي الْإِطْلَاقِ جَوَازُ تَوَلِّي الْبَائِعِ قَطْعَهُ مَعَ امْتِنَاعِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَ إِنْ قَدَرَ عَلَي الْحَاكِمِ وَ كَذَا أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ.

وَالْأَقْوَي تَوَقُّفُهُ عَلَي إذْنِهِ حَيْثُ يَمْتَنِعُ الْمُشْتَرِي مَعَ إمْكَانِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ جَازَ لَهُ حِينَئِذٍ مُبَاشَرَةُ الْقَطْعِ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْمَنْفِيِّ وَ لَهُ إبْقَاؤُهُ وَ الْمُطَالَبَةُ بِأُجْرَةِ الْأَرْضِ عَنْ زَمَنِ الْعُدْوَانِ وَ أَرْشِ الْأَرْضِ إنْ نَقَصَتْ بِسَبَبِهِ، إذَا كَانَ التَّأْخِيرُ بِغَيْرِ رِضَاهُ.

(الثَّالِثَةُ - يَجُوزُ أَنْ يَتَقَبَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِحِصَّةِ صَاحِبِهِ مَنْ الثَّمَرَةِ)

بِخَرْصٍ مَعْلُومٍ وَ إِنْ كَانَ مِنْهَا، (وَ لَا يَكُونُ) ذَلِكَ (بَيْعًا) وَ مِنْ ثَمَّ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ شُرُوطَ الْبَيْعِ، بَلْ مُعَامَلَةً مُسْتَقِلَّةً وَ فِي الدُّرُوسِ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الصُّلْحِ، (وَ) يُشْكِلُ بِأَنَّهُ (يَلْزَمُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ) فَلَوْ كَانَ صُلْحًا لَلَزِمَ مُطْلَقًا.

وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ الْجَمَاعَةِ أَنَّ الصِّيغَةَ بِلَفْظِ الْقُبَالَةِ وَ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ تَأَدِّيهِ بِمَا دَلَّ عَلَي مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَ يَمْلِكُ الْمُتَقَبِّلُ الزَّائِدَ وَ

يَلْزَمُهُ لَوْ نَقَصَ وَ أَمَّا الْحُكْمُ بِأَنَّ قَرَارَهُ مَشْرُوطٌ بِالسَّلَامَةِ فَوَجْهُهُ غَيْرُ وَاضِحٍ وَ النَّصُّ خَالٍ عَنْهُ وَ تَوْجِيهُهُ بِأَنَّ الْمُتَقَبِّلَ لَمَّا رَضِيَ بِحِصَّةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي الْعَيْنِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرِيكِ، فِيهِ أَنَّ الْعِوَضَ غَيْرُ لَازِمٍ كَوْنَهُ مِنْهَا وَ إِنْ جَازَ ذَلِكَ فَالرِّضَا بِالْقَدْرِ، لَا بِهِ مُشْتَرَكًا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ عَلَي الْإِشَاعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَ لَوْ كَانَ النُّقْصَانُ لَا بِآفَةٍ بَلْ لِخَلَلٍ فِي الْخَرْصِ لَمْ يَنْقُصْ شَيْءٌ، كَمَا لَا يَنْقُصُ لَوْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ الْمُتَقَبِّلِ وَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ سَدَّ بَابَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ، لِمُخَالَفَتِهَا لِلْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَالْحَقُّ أَنَّ أَصْلَهَا ثَابِتٌ وَ لُزُومَهَا مُقْتَضَي الْعَقْدِ وَ بَاقِيَ فُرُوعِهَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.

(الرَّابِعَةُ - يَجُوزُ الْأَكْلُ مِمَّا يَمُرُّ بِهِ

مَنْ ثَمَرِ النَّخْلِ وَ الْفَوَاكِهِ وَ الزَّرْعِ، بِشَرْطِ عَدَمِ الْقَصْدِ.

وَعَدَمِ الْإِفْسَادِ) أَمَّا أَصْلُ الْجَوَازِ فَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عُمَيْرٍ مُرْسَلًا عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ رَوَاهُ غَيْرُهُ وَ أَمَّا اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْقَصْدِ فَلِدَلَالَةِ ظَاهِرِ الْمُرُورِ عَلَيْهِ وَ الْمُرَادُ كَوْنُ الطَّرِيقِ قَرِيبَةً مِنْهَا بِحَيْثُ يَصْدُقُ الْمُرُورُ عَلَيْهَا عُرْفًا، لَا أَنْ يَكُونَ طَرِيقُهُ عَلَي نَفْسِ الشَّجَرَةِ.

وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي فَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سِنَانٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ يَأْكُلُ مِنْهَا وَ لَا يُفْسِدُ وَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَأْكُلَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يُؤَثِّرُ فِيهَا أَثَرًا بَيِّنًا وَ يَصْدُقُ مَعَهُ الْإِفْسَادُ عُرْفًا وَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِكَثْرَةِ الثَّمَرَةِ وَ الْمَارَّةِ وَ قِلَّتِهِمَا وَ زَادَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ عِلْمِ الْكَرَاهَةِ وَ لَا ظَنِّهَا وَ كَوْنِ الثَّمَرَةِ عَلَي الشَّجَرَةِ.

(وَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَ) مَعَهُ شَيْئًا مِنْهَا وَ إِنْ قَلَّ، لِلنَّهْيِ عَنْهُ صَرِيحًا فِي الْأَخْبَارِ وَ مِثْلُهُ أَنْ يُطْعِمَ أَصْحَابَهُ، وُقُوفًا فِيمَا خَالَفَ الْأَصْلَ عَلَي مَوْضِعِ الرُّخْصَةِ وَ هُوَ أَكْلُهُ بِالشَّرْطِ.

(وَتَرْكُهُ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْلَي)، لِلْخِلَافِ فِيهِ وَ لِمَا رُوِيَ أَيْضًا مِنْ الْمَنْعِ مِنْهُ،

مَعَ اعْتِضَادِهِ بِنَصِّ الْكِتَابِ الدَّالِّ عَلَي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَ بِغَيْرِ تَرَاضٍ وَ لِقُبْحِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَيْرِ وَ بِاشْتِمَالِ أَخْبَارِ النَّهْيِ عَلَي الْحَظْرِ وَ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَي مَا تَضَمُّنِ الْإِبَاحَةِ وَ الرُّخْصَةِ وَ لِمَنْعِ كَثِيرٍ مِنْ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا وَ افَقَ الْأَصْلَ فَكَيْفَ فِيمَا خَالَفَهُ.

الْفَصْلُ الْخَامِسُ - فِي الصَّرْفِ وَ هُوَ بَيْعُ الْأَثْمَانِ

المدخل

وَهِيَ الذَّهَبُ وَ الْفِضَّةُ (بِمِثْلِهَا وَ يُشْتَرَطُ فِيهِ) زِيَادَةٌ عَلَي غَيْرِهِ مِنْ أَفْرَادِ الْبَيْعِ (التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ) الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ، (أَوْ اصْطِحَابُهُمَا) فِي الْمَشْيِ عُرْفًا وَ إِنْ فَارَقَاهُ (إلَي) حِينِ (الْقَبْضِ) وَ يَصْدُقُ الِاصْطِحَابُ بِعَدَمِ زِيَادَةِ الْمَسَافَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا عَنْهَا وَقْتَ الْعَقْدِ، فَلَوْ زَادَتْ وَ لَوْ خُطْوَةً بَطَلَ، (أَوْ رِضَاهُ) أَيْ رِضَا الْغَرِيمِ الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرِي، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ الْمَسْأَلَةِ (بِمَا فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ الَّذِي هُوَ الْبَائِعُ (قَبْضًا) أَيْ مَقْبُوضًا، أَقَامَ الْمَصْدَرَ مَقَامَ الْمَفْعُولِ (بِوَكَالَتِهِ) إيَّاهُ (فِي الْقَبْضِ)، لِمَا فِي ذِمَّتِهِ وَ ذَلِكَ (فِيمَا إذَا اشْتَرَي) مَنْ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ نَقْدٌ (بِمَا فِي ذِمَّتِهِ) مِنْ النَّقْدِ (نَقْدًا آخَرَ)، فَإِنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ.

مِثَالُهُ: أَنْ يَكُونَ لِزَيْدٍ فِي ذِمَّةِ عَمْرٍو دِينَارٌ فَيَشْتَرِي زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو بِالدِّينَارِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي ذِمَّتِهِ وَ يُوَكِّلُهُ فِي قَبْضِهَا فِي الذِّمَّةِ بِمَعْنَي رِضَاهُ بِكَوْنِهَا فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ وَ الْقَبْضَ صَحِيحَانِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ بِيَدِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا جَعَلَهُ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ صَارَ كَأَنَّهُ قَابِضٌ لِمَا فِي ذِمَّتِهِ، فَصَدَقَ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ.

وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا رُوِيَ فِيمَنْ قَالَ لِمَنْ فِي ذِمَّتِهِ دَرَاهِمُ: حَوِّلْهَا إلَي دَنَانِيرَ، أَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ وَ إِنْ لَمْ يَتَقَابَضَا، مُعَلِّلًا بِأَنَّ النَّقْدَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ وَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَدَلَ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَي الشِّرَاءِ بَدَلِ التَّحْوِيلِ وَ التَّوْكِيلِ

صَرِيحًا فِي الْقَبْضِ وَ الرِّضَا فِيهِ بِكَوْنِهِ فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ الْقَابِضِ، لِاحْتِيَاجِ الرِّوَايَةِ إلَي تَكَلُّفِ إرَادَةِ هَذِهِ الشُّرُوطِ بِجَعْلِ الْأَمْرِ بِالتَّحْوِيلِ تَوْكِيلًا فِي تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ وَ بِنَائِهِ عَلَي صِحَّتِهِ وَ صِحَّةِ الْقَبْضِ إذَا تَوَقَّفَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ التَّوْكِيلِ فِي الْبَيْعِ، نَظَرًا إلَي أَنَّ التَّوْكِيلَ فِي شَيْءٍ إذَنْ فِي لَوَازِمِهِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا.

وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا خَفِيًّا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَي التَّصْرِيحِ بِالشُّرُوطِ.

(وَ لَوْ قَبَضَ الْبَعْضَ) خَاصَّةً قَبْلَ التَّفَرُّقِ (صَحَّ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ الْمَقْبُوضِ وَ بَطَلَ فِي الْبَاقِي (وَتَخَيَّرَا) مَعًا فِي إجَازَةِ مَا صَحَّ فِيهِ وَ فَسْخُهُ، لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ (إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَحَدِهِمَا تَفْرِيطٌ) فِي تَأْخِيرِ الْقَبْضِ وَ لَوْ كَانَ تَأْخِيرُهُ بِتَفْرِيطِهِمَا فَلَا خِيَارَ لَهُمَا وَ لَوْ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِهِ سَقَطَ خِيَارُهُ، دُونَ الْآخَرِ، (وَ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْوَكِيلِ) فِي الْقَبْضِ عَنْهُمَا، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا (فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ قَبْلَ تَفَرُّقِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ).

وَلَا اعْتِبَارَ بِتَفَرُّقِ الْوَكِيلِ وَأَحَدِهِمَا، أَوْ هُمَا، أَوْ الْوَكِيلَيْنِ وَ فِي حُكْمِ مَجْلِسِ الْعَقْدِ مَا تَقَدَّمَ، فَكَانَ يُغْنِي قوله:

قَبْلَ تَفَرُّقِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَنْهُ، لِشُمُولِ الثَّانِي، لِمَا فِي حُكْمِ الْمَجْلِسِ هَذَا إذَا كَانَ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ، دُونَ الصَّرْفِ.

(وَ لَوْ كَانَ وَكِيلًا فِي الصَّرْفِ) سَوَاءٌ كَانَ مَعَ ذَلِكَ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ، أَمْ لَا (فَالْمُعْتَبَرُ مُفَارَقَتُهُ) لِمَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ مَعَهُ، دُونَ الْمَالِكِ.

وَالضَّابِطُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ التَّقَابُضُ قَبْلَ تَفَرُّقِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَا مَالِكَيْنِ، أَمْ وَكِيلَيْنِ. (وَ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ)، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجْمَعُ حُكْمَ الرِّبَا وَ الصَّرْفِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ نَظَرًا إلَي الصَّرْفِ وَ عَدَمُ التَّفَاضُلِ نَظَرًا إلَي الرِّبَا، سَوَاءٌ اتَّفَقَا فِي الْجَوْدَةِ وَ الرَّدَاءَةِ وَ الصِّفَةِ، أَمْ اخْتَلَفَا، بَلْ (وَ إِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَكْسُورًا، أَوْ رَدِيئًا) وَ الْآخَرُ صَحِيحًا أَوْ جَيِّدَ

الْجَوْهَرِ.

(وَتُرَابُ مَعْدِنِ أَحَدِهِمَا يُبَاعُ بِالْآخَرِ، أَوْ بِجِنْسِ غَيْرِهِمَا) لَا بِجِنْسِهِ لِاحْتِمَالِ زِيَادَةِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، فَيَدْخُلَ الرِّبَا وَ لَوْ عُلِمَ زِيَادَةُ الثَّمَنِ عَمَّا فِي التُّرَابِ مِنْ جِنْسِهِ لَمْ يَصِحَّ هُنَا وَ إِنْ صَحَّ فِي الْمَغْشُوشِ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا قِيمَةَ لَهُ لِيَصْلُحَ فِي مُقَابَلَةِ الزَّائِدِ.

(وَتُرَابَاهُمَا) إذَا جُمِعَا، أَوْ أُرِيدَ بَيْعُهُمَا مَعًا (يُبَاعَانِ بِهِمَا) فَيَنْصَرِفُ كُلٌّ إلَي مُخَالِفِهِ وَ يَجُوزُ بَيْعُهُمَا بِأَحَدِهِمَا مَعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ عَلَي مُجَانِسِهِ بِمَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي مُقَابِلِ الْآخَرِ وَ أَوْلَي مِنْهُمَا بَيْعُهُمَا بِغَيْرِهِمَا.

(وَ لَا عِبْرَةَ بِالْيَسِيرِ مَنْ الذَّهَبِ فِي النُّحَاسِ) بِضَمِّ النُّونِ، (وَ الْيَسِيرِ مَنْ الْفِضَّةِ فِي الرَّصَاصِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ، (فَلَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِذَلِكَ الْجِنْسِ) وَ إِنْ لَمْ يُعْلَمْ زِيَادَةُ الثَّمَنِ عَنْ ذَلِكَ الْيَسِيرِ وَ لَمْ يُقْبَضْ فِي الْمَجْلِسِ مَا يُسَاوِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُضْمَحِلٌّ وَ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْبَيْعِ وَ مِثْلُهُ الْمَنْقُوشُ مِنْهُمَا عَلَي السُّقُوفِ وَ الْجُدْرَانِ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ يُعْتَدُّ بِهِ عَلَي تَقْدِيرِ نَزْعِهِ.

وَلَا فَرْقَ فِي الْمَنْعِ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي أَحَدِ الْمُتَجَانِسَيْنِ بَيْنَ الْعَيْنِيَّةِ وَ هِيَ الزِّيَادَةُ فِي الْوَزْنِ وَ الْحُكْمِيَّةِ كَمَا لَوْ بِيعَ الْمُتَسَاوِيَانِ وَ شُرِطَ مَعَ أَحَدِهِمَا شَرْطًا وَ إِنْ كَانَ صَنْعَةً.

(وَ قِيلَ: يَجُوزُ اشْتِرَاطُ صِيَاغَةِ خَاتَمٍ فِي شِرَاءِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمِ؛ لِلرِّوَايَةِ) الَّتِي رَوَاهَا أَبُو الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

سَأَلْته عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِلصَّائِغِ: صُغْ لِي هَذَا الْخَاتَمَ وَ أُبْدِلُ لَك دِرْهَمًا طَازِجِيًّا بِدِرْهَمِ غَلَّةٍ.

قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ " لَا بَأْسَ ".

وَاخْتَلَفُوا فِي تَنْزِيلِ الرِّوَايَةِ فَقِيلَ: إنَّ حُكْمَهَا مُسْتَثْنًي مِنْ الزِّيَادَةِ الْمَمْنُوعَةِ، فَيَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ مَعَ شَرْطِ صِيَاغَةِ الْخَاتَمِ وَ لَا يَتَعَدَّي إلَي غَيْرِهِ، اقْتِصَارًا فِيمَا خَالَفَ الْأَصْلَ عَلَي مَوْضِعِ النَّصِّ وَ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ

قِيلَ يَتَعَدَّي إلَي كُلِّ شَرْطٍ، لِعَدَمِ الْفَرْقِ وَ قِيلَ: إلَي كُلِّ شَرْطٍ حُكْمِيٍّ.

وَالْأَقْوَالُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ؛ لِأَنَّ بِنَاءَهَا عَلَي دَلَالَةِ الرِّوَايَةِ عَلَي أَصْلِ الْحُكْمِ.

(وَ هِيَ غَيْرُ صَرِيحَةٍ فِي الْمَطْلُوبِ)؛ لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ إبْدَالَ دِرْهَمٍ طَازَجٍ بِدِرْهَمِ غَلَّةٍ مَعَ شَرْطِ الصِّيَاغَةِ مِنْ جَانِبِ الْغَلَّةِ.

وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الطَّازَجَ هُوَ الْخَالِصُ وَ الْغَلَّةَ غَيْرُهُ وَ هُوَ الْمَغْشُوشُ وَ حِينَئِذٍ فَالزِّيَادَةُ الْحُكْمِيَّةُ وَ هِيَ الصِّيَاغَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْغِشِّ وَ هَذَا لَا مَانِعَ مِنْهُ مُطْلَقًا وَ عَلَي هَذَا يَصِحُّ الْحُكْمُ وَ يَتَعَدَّي، لَا فِي مُطْلَقِ الدِّرْهَمِ كَمَا ذَكَرُوهُ وَ نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ، (مَعَ مُخَالَفَتِهَا) أَيْ الرِّوَايَةِ (لِلْأَصْلِ) لَوْ حُمِلَتْ عَلَي الْإِطْلَاقِ كَمَا ذَكَرُوهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُطَّرِدَ عَدَمُ جَوَازِ الزِّيَادَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ حُكْمِيَّةً كَانَتْ، أَمْ عَيْنِيَّةً، فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنَادُ فِيمَا خَالَفَ الْأَصْلَ إلَي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَعَ أَنَّ فِي طَرِيقِهَا مَنْ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ (وَ الْأَوَانِي الْمَصُوغَةُ مَنْ النَّقْدَيْنِ إذَا بِيعَتْ بِهِمَا) مَعًا (جَازَ) مُطْلَقًا، (وَ إِنْ بِيعَتْ بِأَحَدِهِمَا) خَاصَّةً (اُشْتُرِطَتْ زِيَادَتُهُ عَلَي جِنْسِهِ)، لِتَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْجِنْسِ الْآخَرِ، بِحَيْثُ تَصْلُحُ ثَمَنًا لَهُ وَ إِنْ قَلَّ وَ لَا فَرْقَ فِي الْحَالَيْنِ بَيْنَ الْعِلْمِ بِقَدْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَ عَدَمِهِ وَ لَا بَيْنَ إمْكَانِ تَخْلِيصِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ وَ عَدَمِهِ وَ لَا بَيْنَ بَيْعِهَا بِالْأَقَلِّ مِمَّا فِيهَا مِنْ النَّقْدَيْنِ وَ الْأَكْثَرُ.

(وَيَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ) فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ عَلَي مُجَانِسِهِ مِنْ الْجَوْهَرِ، لِعُسْرِ الْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ بِقَدْرِهِ غَالِبًا وَ مَشَقَّةِ التَّخْلِيصِ الْمُوجِبِ لَهُ.

وَفِي الدُّرُوسِ اُعْتُبِرَ الْقَطْعُ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ وَ هُوَ أَجْوَدُ. (وَحِلْيَةُ السَّيْفِ وَ الْمَرْكَبُ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعِلْمُ إنْ أُرِيدَ بَيْعُهَا) أَيْ الْحِلْيَةِ (بِجِنْسِهَا) وَ الْمُرَادُ بَيْعُ الْحِلْيَةِ وَ الْمُحَلَّي، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْغَرَضُ التَّخَلُّصَ مِنْ الرِّبَا وَ الصَّرْفِ خَصَّ الْحِلْيَةَ وَ

يُعْتَبَرُ مَعَ بَيْعِهَا بِجِنْسِهَا زِيَادَةُ الثَّمَنِ عَلَيْهَا، لِتَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي مُقَابَلَةِ السَّيْفِ وَ الْمَرْكَبِ إنْ ضَمَّهُمَا إلَيْهَا (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْعِلْمُ (كَفَي الظَّنُّ الْغَالِبُ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ عَلَيْهَا).

وَالْأَجْوَدُ اعْتِبَارُ الْقَطْعِ، وِفَاقًا لِلدُّرُوسِ وَ ظَاهِرِ الْأَكْثَرِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِيعَتْ بِغَيْرِ جِنْسِهَا، بَلْ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِغَيْرِ الْجِنْسِ مُطْلَقًا كَغَيْرِهَا وَ إِنَّمَا خَصَّ الْمُصَنِّفُ مَوْضِعَ الِاشْتِبَاهِ (وَ لَوْ بَاعَهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ فَشَقٌّ) أَيْ نِصْفٌ كَامِلٌ مُشَاعٌ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ حَقِيقَةٌ فِي ذَلِكَ، (إلَّا أَنْ يُرَادَ) نِصْفٌ (صَحِيحٌ عُرْفًا) بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَضْرُوبٌ بِحَيْثُ يَنْصَرِفُ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ، (أَوْ نُطْقًا) بِأَنْ يُصَرِّحَ بِإِرَادَةِ الصَّحِيحِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِطْلَاقُ مَحْمُولًا عَلَيْهِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَ عَلَي الْأَوَّلِ فَلَوْ بَاعَهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ آخَرَ تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ شِقَّيْ دِينَارَيْنِ وَ يَصِيرَ شَرِيكًا فِيهِمَا و بين أَنْ يُعْطِيَهُ دِينَارًا كَامِلًا عَنْهُمَا وَ عَلَي الثَّانِي لَا يَجِبُ قَبُولُ الْكَامِلِ.

(وَ كَذَا) الْقَوْلُ (فِي نِصْفِ دِرْهَمٍ) وَ أَجْزَائِهِمَا غَيْرِ النِّصْفِ. (وَحُكْمُ تُرَابِ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ عِنْدَ الصَّيَّاغَةِ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ صَائِغٍ (حُكْمُ) تُرَابِ (الْمَعْدِنِ) فِي جَوَازِ بَيْعِهِ مَعَ اجْتِمَاعِهِمَا بِهِمَا وَ بِغَيْرِهِمَا وَ بِأَحَدِهِمَا مَعَ الْعِلْمِ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ عَنْ مُجَانِسِهِ و مع الِانْفِرَادِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ.

(وَيَجِبُ) عَلَي الصَّائِغِ (الصَّدَقَةُ بِهِ مَعَ جَهْلِ أَرْبَابِهِ) بِكُلِّ وَجْهٍ.

وَلَوْ عَلِمَهُمْ فِي مَحْصُورِينَ وَجَبَ التَّخَلُّصُ مِنْهُمْ وَ لَوْ بِالصُّلْحِ مَعَ جَهْلِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ بِخُصُوصِهِ وَ يَتَخَيَّرُ مَعَ الْجَهْلِ بَيْنَ الصَّدَقَةِ بِعَيْنِهِ وَ قِيمَتِهِ.

(وَ الْأَقْرَبُ الضَّمَانُ لَوْ ظَهَرُوا وَ لَمْ يَرْضَوْا بِهَا) أَيْ بِالصَّدَقَةِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَي ضَمَانِ مَا أَخَذَتْ الْيَدُ، خَرَجَ مِنْهُ مَا إذَا رَضُوا، أَوْ اسْتَمَرَّ الِاشْتِبَاهُ فَيَبْقَي الْبَاقِي.

وَوَجْهُ الْعَدَمِ إذْنُ الشَّارِعِ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ فَلَا يُتَعَقَّبُ الضَّمَانُ وَ مَصْرِفُ هَذِهِ الصَّدَقَةِ الْفُقَرَاءُ وَ الْمَسَاكِينُ وَ يَلْحَقُ بِهَا مَا

شَابَهَهَا مِنْ الصَّنَائِعِ الْمُوجِبَةِ لِتَخَلُّفِ أَثَرِ الْمَالِ، كَالْحِدَادَةِ وَ الطَّحْنِ وَ الْخِيَاطَةِ وَ الْخِبَازَةِ.

(وَ لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ مَعْلُومًا وَجَبَ الْخُرُوجُ مِنْ حَقِّهِ) وَ عَلَي هَذَا يَجِبُ التَّخَلُّصُ مِنْ كُلِّ غَرِيمٍ يَعْلَمُهُ وَ ذَلِكَ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ، فَلَوْ أَخَّرَ حَتَّي صَارَ مَجْهُولًا أَثِمَ بِالتَّأْخِيرِ وَ لَزِمَهُ حُكْمُ مَا سَبَقَ.

(خَاتِمَةٌ - الدَّرَاهِمُ وَ الدَّنَانِيرُ يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ) عِنْدَنَا

(فِي الصَّرْفِ وَ غَيْرِهِ)، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَي التَّعْيِينِ وَ الْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ وَ لِقِيَامِ الْمُقْتَضِي فِي غَيْرِهَا (فَلَوْ ظَهَرَ عَيْبٌ فِي الْمُعَيَّنِ) ثَمَنًا كَانَ، أَمْ مُثَمَّنًا (مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) بِأَنْ ظَهَرَتْ الدَّرَاهِمُ نُحَاسًا، أَوْ رَصَاصًا (بَطَلَ) الْبَيْعُ (فِيهِ)؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالشِّرَاءِ وَ الْعَقْدُ تَابِعٌ لَهُ، (فَإِنْ كَانَ بِإِزَائِهِ مُجَانِسُهُ بَطَلَ الْبَيْعُ مِنْ أَصْلِهِ) إنْ ظَهَرَ الْجَمِيعُ كَذَلِكَ وَ إِلَّا فَبِالنِّسْبَةِ (كَدَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ وَ إِنْ كَانَ) مَا بِإِزَائِهِ (مُخَالِفًا) فِي الْجِنْسِ (صَحَّ) الْبَيْعُ (فِي السَّلِيمِ وَ مَا قَابَلَهُ وَ يَجُوزُ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا (الْفَسْخُ مَعَ الْجَهْلِ) بِالْعَيْبِ، لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ.

(وَ لَوْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ الْجِنْسِ) كَخُشُونَةِ الْجَوْهَرِ وَ اضْطِرَابِ السِّكَّةِ (وَكَانَ بِإِزَائِهِ مُجَانِسٌ، فَلَهُ الرَّدُّ بِغَيْرِ أَرْشٍ)، لِئَلَّا يَلْزَمَ زِيَادَةُ جَانِبِ الْمَعِيبِ الْمُفْضِي إلَي الرِّبَا؛ لِأَنَّ هَذَا النَّقْصَ حُكْمِيٌّ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ، (وَ فِي الْمُخَالِفِ) بِإِزَاءِ الْمَعِيبِ (إنْ كَانَ صَرْفًا) كَمَا لَوْ بَاعَهُ ذَهَبًا بِفِضَّةٍ فَظَهَرَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا مِنْ الْجِنْسِ (فَلَهُ الْأَرْشُ فِي الْمَجْلِسِ وَ الرَّدِّ).

أَمَّا ثُبُوتُ الْأَرْشِ فَلِلْعَيْبِ وَ لَا يَضُرُّ هُنَا زِيَادَةُ عِوَضِهِ لِلِاخْتِلَافِ وَ اعْتُبِرَ كَوْنُهُ فِي الْمَجْلِسِ لِلصَّرْفِ وَ وَجْهُ الرَّدِّ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَي خِيَارِ الْعَيْبِ بِشَرْطِهِ (وَبَعْدَ التَّفَرُّقِ لَهُ الرَّدُّ) (وَ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَرْشِ مِنْ النَّقْدَيْنِ)، لِئَلَّا يَكُونَ صَرْفًا (بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَ لَوْ أَخَذَ) الْأَرْشَ (مِنْ غَيْرِهِمَا قِيلَ)

وَ الْقَائِلُ الْعَلَّامَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (جَازَ)؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْمُعَاوَضَةِ بِغَيْرِ الْأَثْمَانِ فَيَكُونُ جُمْلَةُ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ بَيْعٍ وَ صَرْفٍ وَ الْبَيْعُ مَا أُخِذَ عِوَضُهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ.

وَيُشْكِلُ بِأَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ النَّقْدُ الْغَالِبُ فَإِذَا اخْتَارَ الْأَرْشَ لَزِمَ النَّقْدُ حِينَئِذٍ وَ اتِّفَاقُهُمَا عَلَي غَيْرِهِ مُعَاوَضَةٌ عَلَي النَّقْدِ الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ أَرْشًا لَا نَفْسُ الْأَرْشِ.

وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ الثَّابِتَ وَ إِنْ كَانَ هُوَ النَّقْدُ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَتَعَيَّنْ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ الْأَرْشَ، إذْ لَوْ رُدَّ لَمْ يَكُنْ الْأَرْشُ ثَابِتًا كَانَ ابْتِدَاءَ تَعَلُّقِهِ بِالذِّمَّةِ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَاوَضَةِ اخْتِيَارُهُ فَيُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ قَبْضُهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، مُرَاعَاةً لِلصَّرْفِ وَ كَمَا يَكْفِي فِي لُزُومِ مُعَاوَضَةِ الصَّرْفِ دَفْعُ نَفْسِ الْأَثْمَانِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ كَذَا يَكْفِي دَفْعُ عِوَضِهَا قَبْلَهُ بَلْ مُطْلَقُ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ مَنْ يُطْلَبُ مِنْهُ مِنْهُ، فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَي جَعْلِهِ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ جَازَ وَ كَانَتْ الْمُعَاوَضَةُ كَأَنَّهَا وَاقِعَةٌ بِهِ و فيه أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي جَوَازَ أَخْذِهِ فِي مَجْلِسِ اخْتِيَارِهِ مِنْ النَّقْدَيْنِ أَيْضًا وَ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَ لُزُومُهُ وَ إِنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَي اخْتِيَارِهِ إلَّا أَنَّ سَبَبَهُ الْعَيْبُ الثَّابِتُ حَالَةَ الْعَقْدِ فَقَدْ صَدَقَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ أَخْذِهِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا.

وَالْحَقُّ أَنَّا إنْ اعْتَبَرْنَا فِي ثُبُوتِ الْأَرْشِ السَّبَبَ لَزِمَ بُطْلَانُ الْبَيْعِ فِيمَا قَابَلَهُ بِالتَّفَرُّقِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُطْلَقًا وَ إِنْ اعْتَبَرْنَا حَالَةَ اخْتِيَارِهِ، أَوْ جَعَلْنَاهُ تَمَامَ السَّبَبِ عَلَي وَجْهِ النَّقْلِ لَزِمَ جَوَازُ أَخْذِهِ فِي مَجْلِسِهِ مُطْلَقًا وَ إِنْ جَعَلْنَا ذَلِكَ كَاشِفًا عَنْ ثُبُوتِهِ بِالْعَقْدِ لَزِمَ الْبُطْلَانُ فِيهِ أَيْضًا وَ عَلَي كُلِّ حَالٍ فَالْمُعْتَبَرُ مِنْهُ النَّقْدُ الْغَالِبُ وَ مَا اتَّفَقَا عَلَي أَخْذِهِ أَمْرٌ آخَرَ وَ الْوَجْهُ الْأَخِيرُ أَوْضَحُ، فَيُتَّجَهُ مَعَ اخْتِيَارِهِ الْبُطْلَانُ فِيمَا قَابَلَهُ مُطْلَقًا وَ إِنْ رَضِيَ بِالْمَدْفُوعِ لَزِمَ.

فَإِنْ قِيلَ: الْمَدْفُوعُ أَرْشًا لَيْسَ

هُوَ أَحَدُ عِوَضَيْ الصَّرْفِ وَ إِنَّمَا هُوَ عِوَضُ صِفَةٍ فَائِتَةٍ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَ يَتَرَتَّبُ اسْتِحْقَاقُهَا عَلَي صِحَّةِ الْعَقْدِ و قد حَصَلَ التَّقَابُضُ فِي كُلٍّ مِنْ الْعِوَضَيْنِ فَلَا مُقْتَضَي لِلْبُطْلَانِ، إذْ وجوب التَّقَابُضِ إنَّمَا هُوَ فِي عِوَضَيْ الصَّرْفِ، لَا فِيمَا وَجَبَ بِسَبَبِهِمَا قُلْنَا: الْأَرْشُ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ، لَكِنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْ النَّاقِصِ مِنْهُمَا وَ مِنْ ثَمَّ حَكَمُوا بِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ قِيمَةِ الصَّحِيحِ إلَي الْمَعِيبِ وَ التَّقَابُضُ الْحَاصِلُ فِي الْعِوَضَيْنِ وَقَعَ مُتَزَلْزِلًا، إذْ يُحْتَمَلُ رَدُّهُ رَأْسًا وَ أَخْذُ أَرْشِ النُّقْصَانِ الَّذِي هُوَ كَتَتِمَّةِ الْعِوَضِ النَّاقِصِ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ بَعْضِ الْعِوَضِ وَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَخْذِهِ وَ الْعَفْوِ عَنْهُ، وَرَدُّ الْمَبِيعِ لَا يُنَافِي ثُبُوتَهُ، غَايَتَهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُ و بين أَمْرٍ آخَرَ، فَيَكُونُ ثَابِتًا ثُبُوتًا تَخْيِيرِيًّا بَيْنَهُ و بين مَا ذُكِرَ (وَ لَوْ كَانَ) الْعَيْبُ الْجِنْسِيُّ (فِي غَيْرِ صَرْفٍ) بِأَنْ كَانَ الْعِوَضُ الْآخَرُ عَرْضًا (فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ الرَّدِّ وَ الْأَرْشُ)، إعْطَاءٌ لِلْمَعِيبِ حُكْمُهُ شَرْعًا وَ لَا مَانِعَ مِنْهُ هُنَا (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، أَمْ بَعْدَهُ.

(وَ لَوْ كَانَا) أَيْ الْعِوَضَانِ (غَيْرَ مُعَيَّنَيْنِ فَلَهُ الْإِبْدَالُ) مَعَ ظُهُورِ الْعَيْبِ جِنْسِيًّا كَانَ، أَمْ خَارِجِيًّا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَي أَمْرٍ كُلِّيٍّ وَ الْمَقْبُوضُ غَيْرُهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا لَمْ يَتَعَيَّنْ لِوُجُودِهِ فِي ضِمْنِهِ، لَكِنَّ الْإِبْدَالَ (مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ فِي الصَّرْفِ،) أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الرِّضَا بِالْمَقْبُوضِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَ أَنَّ الْأَمْرَ الْكُلِّيَّ بَاقٍ فِي الذِّمَّةِ فَيُؤَدِّي إلَي فَسَادِ الصَّرْفِ.

هَذَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ الْجِنْسِ، أَمَّا غَيْرُهُ فَالْمَقْبُوضُ لَيْسَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مُطْلَقًا فَيَبْطُلُ بِالتَّفَرُّقِ، لِعَدَمِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ وَ يُحْتَمَلُ قَوِيًّا مَعَ كَوْنِ الْعَيْبِ جِنْسِيًّا جَوَازُ إبْدَالِهِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، لِصِدْقِ التَّقَابُضِ فِي الْعِوَضَيْنِ

قَبْلَهُ وَ الْمَقْبُوضُ مَحْسُوبٌ عِوَضًا وَ إِنْ كَانَ مَعِيبًا، لِكَوْنِهِ مِنْ الْجِنْسِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ حَقِيقَةِ الْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ، غَايَتُهُ كَوْنُهُ مُفَوِّتًا لِبَعْضِ الْأَوْصَافِ فَاسْتِدْرَاكُهُ مُمْكِنُ بِالْخِيَارِ وَ مِنْ ثَمَّ لَوْ رَضِيَ بِهِ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ وَ نَمَاؤُهُ لَهُ عَلَي التَّقْدِيرَيْنِ.

بِخِلَافِ غَيْرِ الْجِنْسِيِّ وَ حِينَئِذٍ فَإِذَا فُسِخَ رَجَعَ الْحَقُّ إلَي الذِّمَّةِ، فَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ كَوْنُهُ عِوَضًا صَحِيحًا، لَكِنْ يَجِبُ قَبْضُ الْبَدَلِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ، بِنَاءً عَلَي أَنَّ الْفَسْخَ رَفَعَ الْعِوَضَ، فَإِذَا لَمْ يَقْدَحْ فِي الصِّحَّةِ سَابِقًا يَتَعَيَّنُ الْقَبْضُ حِينَئِذٍ لِيَتَحَقَّقَ التَّقَابُضِ وَ يُحْتَمَلُ قَوِيًّا سُقُوطُ اعْتِبَارِهِ أَيْضًا، لِصِدْقِ التَّقَابُضِ فِي الْعِوَضَيْنِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الصِّحَّةِ وَ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الصَّرْفِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ فَيُسْتَصْحَبُ إلَي أَنْ يَثْبُتَ خِلَافُهُ وَ مَا وَقَعَ غَيْرُ كَافٍ فِي الْحُكْمِ بِوُجُوبِ التَّقَابُضِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ طَارِئٌ بَعْدَ ثُبُوتِ الْبَيْعِ.

(وَ فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الصَّرْفِ لَهُ الْإِبْدَالُ، (وَ إِنْ تَفَرَّقَا)، لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي لَهُ وَ هُوَ الْعَيْبُ فِي عَيْنٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ عِوَضًا.

الْفَصْلُ السَّادِسُ: فِي السَّلَفِ

المدخل

(الْفَصْلُ السَّادِسُ: فِي السَّلَفِ)

وَهُوَ بَيْعُ (مَضْمُونٍ) فِي الذِّمَّةِ، مَضْبُوطٍ بِمَالٍ مَعْلُومٍ مَقْبُوضٍ فِي الْمَجْلِسِ إلَي أَجَلٍ مَعْلُومٍ بِصِيغَةٍ خَاصَّةٍ، (وَيَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ) أَيْ قَوْلِ الْمُسْلِمِ وَ هُوَ الْمُشْتَرِي (أَسْلَمْت إلَيْك، أَوْ أَسْلَفْتُك)، أَوْ سَلَّفْتُك بِالتَّضْعِيفِ وَ فِي سَلَّمْتُك وَجْهٌ، (كَذَا فِي كَذَا إلَي كَذَا وَ يَقْبَلُ الْمُخَاطَبُ) وَ هُوَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَ هُوَ الْبَائِعُ بِقوله:

قَبِلْت وَ شَبَهِهِ وَ لَوْ جَعَلَ الْإِيجَابَ مِنْهُ جَازَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَ التَّمْلِيكِ وَ اسْتَلَمْت مِنْك وَ اسْتَلَفْت وَ تَسَلَّفْت وَ نَحْوُهُ.

(وَيُشْتَرَطُ فِيهِ) شُرُوطُ الْبَيْعِ بِأَسْرِهَا وَ يَخْتَصُّ بِشُرُوطِ (ذِكْرِ الْجِنْسِ) وَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْحَقِيقَةُ النَّوْعِيَّةُ كَالْحِنْطَةِ وَ الشَّعِيرِ، (وَ الْوَصْفُ الرَّافِعُ لِلْجَهَالَةِ) الْفَارِقُ بَيْنَ أَصْنَافِ ذَلِكَ النَّوْعِ، لَا مُطْلَقُ الْوَصْفِ، (بَلْ الَّذِي يَخْتَلِفُ لِأَجْلِهِ الثَّمَنُ اخْتِلَافًا

ظَاهِرًا) لَا يُتَسَامَحُ بِمِثْلِهِ عَادَةً، فَلَا يَقْدَحُ الِاخْتِلَافُ الْيَسِيرُ غَيْرُ الْمُؤَدَّي إلَيْهِ وَ الْمَرْجِعُ فِي الْأَوْصَافِ إلَي الْعُرْفِ وَ رُبَّمَا كَانَ الْعَامِّيُّ أَعْرَفُ بِهَا مِنْ الْفَقِيهِ وَ حَظُّ الْفَقِيهِ مِنْهَا الْإِجْمَالُ وَ الْمُعْتَبَرُ مِنْ الْوَصْفِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ الْمُزِيلُ لِاخْتِلَافِ أَثْمَانِ الْأَفْرَادِ الدَّاخِلَةِ فِي الْمُعَيَّنِ، (وَ لَا يَبْلُغُ فِيهِ الْغَايَةَ) فَإِنْ بَلَغَهَا وَ أَفْضَي إلَي عِزَّةِ الْوُجُودِ بَطَلَ وَ إِلَّا صَحَّ. (وَاشْتِرَاطُ الْجَيِّدِ وَ الرَّدِيءِ جَائِزٌ)، لِإِمْكَانِ تَحْصِيلِهِمَا بِسُهُولَةٍ وَ الْوَاجِبُ أَقَلُّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَيِّدِ، فَإِنْ زَادَ عَنْهُ زَادَ خَيْرًا وَ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّدِيءِ وَ كُلَّمَا قَلَّلَ الْوَصْفَ فَقَدْ أَحْسَنَ (وَ) شَرْطُ (الْأَجْوَدِ وَ الْأَرْدَإِ مُمْتَنِعٌ)، لِعَدَمِ الِانْضِبَاطِ، إذْ مَا مِنْ جَيِّدٍ إلَّا وَ يُمْكِنُ وُجُودُ أَجْوَدَ مِنْهُ وَ كَذَا الْأَرْدَأُ وَ الْحُكْمُ فِي الْأَجْوَدِ وِفَاقٌ وَ أَمَّا الْأَرْدَأُ فَالْأَجْوَدُ أَنَّهُ كَذَلِكَ.

وَرُبَّمَا قِيلَ بِصِحَّتِهِ وَ الِاكْتِفَاءُ بِكَوْنِهِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الرَّدِيءِ لِتَتَحَقَّقَ الْأَفْضَلِيَّةُ ثُمَّ إذَا كَانَ الْفَرْدُ الْمَدْفُوعُ أَرْدَأُ فَهُوَ الْحَقُّ وَ إِلَّا فَدَفْعُ الْجَيِّدِ عَنْ الرَّدِيءِ جَائِزٌ وَ قَبُولُهُ لَازِمٌ، فَيُمْكِنُ التَّخَلُّصُ بِخِلَافِ الْأَجْوَدِ.

وَيَشْكُلُ بِأَنَّ ضَبْطَ الْمُسْلَمِ فِيهِ مُعْتَبَرٌ عَلَي وَجْهٍ يُمْكِنُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ مُطْلَقًا وَ مِنْ جُمْلَتِهَا مَا لَوْ امْتَنَعَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ دَفْعِهِ فَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ قَهْرًا وَ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ هُنَا؛ لِأَنَّ الْجَيِّدَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ دَفْعُهُ فَيَتَعَذَّرُ التَّخَلُّصُ، فَعَدَمُ الصِّحَّةِ أَوْضَحُ وَ تَرَدَّدَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ.

(وَكُلُّ مَا لَا يُضْبَطُ وَصْفُهُ يَمْتَنِعُ السَّلَمُ فِيهِ

، كَاللَّحْمِ وَ الْخُبْزِ وَ النَّبْلِ الْمَنْحُوتِ) وَ يَجُوزُ قَبْلَهُ، لِإِمْكَانِ ضَبْطِهَا بِالْعَدَدِ وَ الْوَزْنِ وَ مَا يَبْقَي فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ غَيْرُ قَادِحٍ، لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الثَّمَنِ بِسَبَبِهِ بِخِلَافِ الْمَعْمُولِ، (وَ الْجُلُودِ) لِتَعَذُّرِ ضَبْطِهَا وَ بِالْوَزْنِ لَا

يُفِيدُ الْوَصْفُ الْمُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ أَهَمَّ أَوْصَافِهَا السُّمْكُ وَ لَا يَحْصُلُ بِهِ وَ قِيلَ: يَجُوزُ، لِإِمْكَانِ ضَبْطِهِ بِالْمُشَاهَدَةِ وَ رُدَّ بِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِمُشَاهَدَةِ جُمْلَةٍ يَدْخُلُ الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي ضِمْنِهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَ هُوَ غَيْرُ مُخْرَجٍ عَنْ وَضْعِهِ كَاشْتِرَاطِهِ مِنْ غَلَّةِ قَرْيَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا تَخِيسُ عَادَةً وَ حِينَئِذٍ فَيَكْفِي مُشَاهَدَةُ الْحَيَوَانِ عَنْ الْإِمْعَانِ فِي الْوَصْفِ وَ الْمَشْهُورُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا (وَ الْجَوَاهِرُ وَ اللَّآلِئُ الْكِبَارُ، لِتَعَذُّرِ ضَبْطِهَا) عَلَي وَجْهٍ يُرْفَعُ بِسَبَبِهِ اخْتِلَافُ الثَّمَنِ، (وَتَفَاوُتِ الثَّمَنِ فِيهَا) تَفَاوُتًا بِاعْتِبَارَاتِ لَا تَحْصُلُ بِدُونِ الْمُشَاهَدَةِ، أَمَّا اللَّآلِئُ الصِّغَارُ الَّتِي لَا تَشْتَمِلُ عَلَي أَوْصَافٍ كَثِيرَةٍ تَخْتَلِفُ الْقِيمَةُ بِاخْتِلَافِهَا فَيَجُوزُ مَعَ ضَبْطِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُتَّخِذَةُ لِلدَّوَاءِ وَ غَيْرِهَا وَ كَذَا الْقَوْلُ فِي بَعْضِ الْجَوَاهِرِ الَّتِي لَا يَتَفَاوَتُ الثَّمَنُ بِاعْتِبَارِهَا تَفَاوُتًا بَيِّنًا كَبَعْضِ الْعَقِيقِ وَ هُوَ خِيرَةُ الدُّرُوسِ.

(وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحُبُوبِ وَ الْفَوَاكِهِ وَ الْخُضَرِ وَ الشَّحْمِ وَ الطِّيبِ وَ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ)

نَاطِقًا وَ صَامِتًا، (حَتَّي فِي شَاةٍ لَبُونٍ)، لِإِمْكَانِ ضَبْطِهَا وَ كَثْرَةِ وُجُودِ مِثْلِهَا وَ جَهَالَةُ مِقْدَارِ اللَّبَنِ غَيْرُ مَانِعَةٍ عَلَي تَقْدِيمِ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ، (وَيَلْزَمُ تَسْلِيمُ شَاةٍ يُمْكِنُ أَنْ تُحْلَبَ فِي مُقَارِبِ زَمَانِ التَّسْلِيمِ) فَلَا يَكْفِي الْحَامِلُ وَ إِنْ قَرُبَ زَمَانُ وِلَادَتِهَا، (وَ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ حَاصِلًا بِالْفِعْلِ حِينَئِذٍ فَلَوْ حَلَبَهَا وَ سَلَّمَهَا أَجْزَأَتْ)، لِصِدْقِ اسْمِ الشَّاةِ اللَّبُونِ عَلَيْهَا بَعْدَهُ.

(أَمَّا الْجَارِيَةُ الْحَامِلُ، أَوْ ذَاتُ الْوَلَدِ، أَوْ الشَّاةُ كَذَلِكَ فَالْأَقْرَبُ الْمَنْعُ)، لِاعْتِبَارِ وَصْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَيَعُزُّ اجْتِمَاعُهُمَا فِي وَاحِدٍ وَ لِجَهَالَةِ الْحَمْلِ وَ عَدَمِ إمْكَانِ وَصْفِهِ.

وَقِيلَ: يَجُوزُ فِي الْجَمِيعِ، لِإِمْكَانِهِ مِنْ غَيْرِ عُسْرٍ وَ اغْتِفَارِ الْجَهَالَةِ فِي الْحَمْلِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَ فِي الدُّرُوسِ جَوَّزَ فِي الْحَامِلِ مُطْلَقًا وَ فِي

ذَاتِ الْوَلَدِ الْمَقْصُودُ بِهَا الْخِدْمَةُ، دُونَ التَّسَرِّي وَ الْأَجْوَدُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ عِزَّةَ وُجُودِ مِثْلِ ذَلِكَ غَيْرُ وَاضِحٍ وَ عُمُومُ الْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ يَقْتَضِيهِ (وَ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الثَّمَنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، أَوْ الْمُحَاسَبَةِ بِهِ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَي الْمُسْلَمِ (إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ) بِأَنْ يَجْعَلَ الثَّمَنَ نَفْسَ مَا فِي الذِّمَّةِ، (وَ لَوْ شَرَطَهُ) كَذَلِكَ (بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ) أَمَّا كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا فَوَاضِحٌ وَ أَمَّا الثَّمَنُ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ فَلِأَنَّهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ فَإِذَا جَعَلَ عِوَضًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ صَدَقَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الدَّيْنِ قَدْ قُرِنَ بِالْبَاءِ فَصَارَ ثَمَنًا، بِخِلَافِ الْمُحَاسَبَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءُ دَيْنٍ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، مَعَ عَدَمِ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، فَلَا يَقْصُرُ عَمَّا لَوْ أَطْلَقَاهُ ثُمَّ أَحْضَرَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَ إِنَّمَا يُفْتَقَرُ إلَي الْمُحَاسَبَةِ مَعَ تَخَالُفِهِمَا جِنْسًا أَوْ وَصْفًا، أَمَّا لَوْ اتَّفَقَ مَا فِي الذِّمَّةِ وَ الثَّمَنِ فِيهِمَا وَقَعَ التَّهَاتُرُ قَهْرِيًّا وَ لَزِمَ الْعَقْدُ.

وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ فِي الدُّرُوسِ اسْتَشْكَلَ عَلَي هَذَا صِحَّةَ الْعَقْدِ، اسْتِنَادًا إلَي أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ مَوْرِدِ الْعَقْدِ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَ يَنْدَفِعُ بِأَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا إذَا جُعِلَا مَعًا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ مُتَقَابِلَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَةِ، قَضِيَّةٌ لِلْبَاءِ وَ هِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ هُنَا أَمْرٌ كُلِّيٌّ وَ تَعْيِينُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي شَخْصٍ لَا يَقْتَضِي كَوْنُهُ هُوَ الثَّمَنُ الَّذِي جَرَي عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَ مِثْلُ هَذَا التَّقَاصِّ وَ التَّحَاسُبِ اسْتِيفَاءً، لَا مُعَاوَضَةً وَ لَوْ أَثَّرَ مِثْلُ ذَلِكَ لَأَثَّرَ مَعَ إطْلَاقِهِ، ثُمَّ دَفَعَهُ فِي الْمَجْلِسِ، لِصِدْقِ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، بَلْ قِيلَ بِجَوَازِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا وَ هِيَ مَا لَوْ جُعِلَ الدَّيْنُ ثَمَنًا فِي الْعَقْدِ، نَظَرًا إلَي

أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ. (وَتَقْدِيرُهُ) أَيْ الْمُسْلَمِ فِيهِ، أَوْ مَا يَعُمُّ الثَّمَنَ (بِالْكَيْلِ، أَوْ الْوَزْنِ الْمَعْلُومَيْنِ) فِي مَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ وَ فِيمَا لَا يُضْبَطُ إلَّا بِهِ وَ إِنْ جَازَ بَيْعُهُ جُزَافًا كَالْحَطَبِ وَ الْحِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ تَرْفَعُ الْغَرَرَ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَ احْتَرَزَ بِالْمَعْلُومَيْنِ عَنْ الْإِحَالَةِ عَلَي مِكْيَالٍ، أَوْ صَنْجَةٍ مَجْهُولَيْنِ فَيَبْطُلُ، (أَوْ الْعَدَدُ) فِي الْمَعْدُودِ، (مَعَ قِلَّةِ التَّفَاوُتِ) كَالصِّنْفِ الْخَاصِّ مِنْ الْجَوْزِ وَ اللَّوْزِ، أَمَّا مَعَ كَثْرَتِهِ كَالرُّمَّانِ فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ الْوَزْنِ وَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَيْضَ مُلْحَقٌ بِالْجَوْزِ فِي جَوَازِهِ مَعَ تَعْيِينِ الصِّنْفِ وَ فِي الدُّرُوسِ قَطَعَ بِإِلْحَاقِهِ بِالرُّمَّانِ الْمُمْتَنِعِ بِهِ وَ فِي مِثْلِ الثَّوْبِ يُعْتَبَرُ ضَبْطُهُ بِالذَّرْعِ وَ إِنْ جَازَ بَيْعُهُ بِدُونِهِ مَعَ الْمُشَاهَدَةِ كَمَا مَرَّ و كان عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ أَيْضًا، لِخُرُوجِهِ عَنْ الِاعْتِبَارَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَ لَوْ جُعِلَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ ثَمَنًا فَإِنْ كَانَ مُشَاهَدًا لَحِقَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ، فَيَكْفِي مُشَاهَدَةُ مَا يَكْفِي مُشَاهَدَتُهُ فِيهِ وَ اعْتِبَارُ مَا يُعْتَبَرُ.

(وَتَعْيِينُ الْأَجَلِ الْمَحْرُوسِ مِنْ التَّفَاوُتِ) بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَ النُّقْصَانَ إنْ أُرِيدَ مَوْضُوعُهُ وَ لَوْ أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقُ الْبَيْعِ لَمْ يُشْتَرَطْ وَ إِنْ وَقَعَ بِلَفْظِ السَّلَمِ.

(وَ الْأَقْرَبُ جَوَازُهُ) أَيْ السَّلَمُ (حَالًّا مَعَ عُمُومِ الْوُجُودِ) أَيْ وُجُودُ الْمُسْلَمِ فِيهِ (عِنْدَ الْعَقْدِ)، لِيَكُونَ مَقْدُورًا عَلَي تَسْلِيمِهِ حَيْثُ يَكُونُ مُسْتَحَقًّا.

وَوَجْهُ الْقُرْبِ أَنَّ السَّلَمَ بَعْضُ جُزْئِيَّاتِ الْبَيْعِ وَ قَدْ اُسْتُعْمِلَ لَفْظُهُ فِي نَقْلِ الْمِلْكِ عَلَي الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ فَجَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْجِنْسِ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ حَيْثُ يُصَرَّحُ بِإِرَادَةِ الْمَعْنَي الْعَامِّ وَ ذَلِكَ عِنْدَ قَصْدِ الْحُلُولِ، كَمَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِمَلَّكْتُكَ كَذَا بِكَذَا، مَعَ أَنَّ التَّمْلِيكَ مَوْضُوعٌ لِمَعْنًي آخَرَ، إلَّا أَنَّ قَرِينَةَ الْعِوَضِ الْمُقَابِلِ عَيَّنَتْهُ لِلْبَيْعِ، بَلْ هَذَا أَوْلَي؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ أَفْرَادِهِ، بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ الْمُسْتَعْمَلِ شَرْعًا فِي الْهِبَةِ بِحَيْثُ لَا

يَتَبَادَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ غَيْرُهَا وَ إِنَّمَا صَرَفَهُ عَنْهَا الْقُيُودُ الْخَارِجِيَّةُ.

وَمِثْلُهُ الْقَوْلُ فِيمَا لَوْ اسْتَعْمَلَا السَّلَمَ فِي بَيْعِ عَيْنِ شَخْصِيَّةٍ وَ أَوْلَي بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهَا أَبْعَدُ عَنْ الْغَرَرِ.

وَالْحُلُولُ أَدْخَلُ فِي إمْكَانِ التَّسْلِيمِ مِنْ التَّأْجِيلِ.

وَمِنْ التَّعْلِيلِ يَلُوحُ وَجْهُ الْمَنْعِ فِيهِمَا حَيْثُ إنَّ بِنَاءَهُ عَلَي الْبَيْعِ الْمُؤَجَّلِ مُثَمَّنُهُ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ وَ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: { مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ، أَوْ أَجَلٍ مَعْلُومٍ } وَ أُجِيب بِتَسْلِيمِهِ حَيْثُ يُقْصَدَ السَّلَمُ الْخَاصُّ وَ الْبَحْثُ فِيمَا لَوْ قَصَدَا بِهِ الْبَيْعَ الْحَالَّ.

وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَ فِي الدُّرُوسِ وَ كَثِيرٍ أَنَّ الْخِلَافَ مَعَ قَصْدِ السَّلَمِ وَ أَنَّ الْمُخْتَارَ جَوَازُهُ مُؤَجَّلًا وَ حَالًّا مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْحُلُولِ وَ لَوْ قَصَدَا، بَلْ مَعَ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا وَ يُحْمَلُ عَلَي الْحُلُولِ وَ اَلَّذِي يُرْشِدُ إلَيْهِ التَّعْلِيلُ وَ الْجَوَابُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا لَوْ قَصَدَ بِهِ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ وَ اسْتَعْمَلَ السَّلَمَ فِيهِ بِالْقَرَائِنِ، أَمَّا إذَا أُرِيدَ بِهِ السَّلَفُ الْمُطْلَقُ اشْتَرَطَ ذِكْرَ الْأَجَلِ.

(وَ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ عَامَ الْوُجُودِ عِنْدَ رَأْسِ الْأَجَلِ إذَا شَرَطَ الْأَجَلَ) فِي الْبَلَدِ الَّذِي شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِيهِ، أَوْ بَلَدَ الْعَقْدِ حَيْثُ يُطْلَقُ عَلَي رَأْيِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، أَوْ فِيمَا قَارَبَهُ بِحَيْثُ يُنْقَلُ إلَيْهِ عَادَةً وَ لَا يَكْفِي وُجُودُهُ فِيمَا لَا يُعْتَادُ نَقْلُهُ مِنْهُ إلَيْهِ إلَّا نَادِرًا، كَمَا لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ حَالَ الْعَقْدِ حَيْثُ يَكُونُ مُؤَجَّلًا وَ لَا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَ لَوْ عَيَّنَ غَلَّةَ بَلَدٍ لَمْ يَكْفِ وُجُودُهُ فِي غَيْرِهِ وَ إِنْ اُعْتِيدَ نَقْلُهُ إلَيْهِ وَ لَوْ انْعَكَسَ بِأَنْ عَيَّنَ غَلَّةَ غَيْرِهِ مَعَ لُزُومِ التَّسْلِيمِ بِهِ شَارِطًا نَقْلَهُ إلَيْهِ فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ وَ إِنْ كَانَ يَبْطُلُ مَعَ الْإِطْلَاقِ.

وَالْفَرْقُ أَنَّ بَلَدَ التَّسْلِيمِ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ شَرْطٍ آخَرَ وَ الْمُعْتَبَرُ

هُوَ بَلَدُ الْمُسْلَمَ فِيهِ (وَ الشُّهُورُ يُحْمَلُ) إطْلَاقُهَا (عَلَي الْهِلَالِيَّةِ) مَعَ إمْكَانِهِ كَمَا إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَ لَوْ وَقَعَ فِي أَثْنَائِهِ فَفِي عَدِّهِ هِلَالِيًّا بِجَبْرِهِ مِقْدَارَ مَا مَضَي مِنْهُ، أَوْ إكْمَالِهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، أَوْ انْكِسَارِ الْجَمِيعِ لَوْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَ عَدَّهَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْجُهٌ، أَوْسَطُهَا الْوَسَطُ وَ قَوَّاهُ فِي الدُّرُوسِ وَ يَظْهَرُ مِنْ الْعِبَارَةَ الْأَوَّلُ (وَ لَوْ شَرَطَ تَأْجِيلَ بَعْضِ الثَّمَنِ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ) أَمَّا فِي الْمُؤَجَّلِ فَظَاهِرٌ، لِاشْتِرَاطِ قَبْضِ الثَّمَنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ الْمُنَافِي لَهُ وَ عَلَي تَقْدِيرِ عَدَمِ مُنَافَاتِهِ لِقِصَرِ الْأَجَلِ يَمْتَنِعُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ فَقَدْ فَسَّرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ مَضْمُونٌ مُؤَجَّلٌ بِمِثْلِهِ وَ أَمَّا الْبُطْلَانُ فِي الْحَالِ عَلَي تَقْدِيرِ بُطْلَانِ الْمُؤَجَّلِ فَلِجَهَالَةِ قِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَ إِنْ جَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْرًا مَعْلُومًا كَتَأْجِيلِ خَمْسِينَ مِنْ مِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ يُقَابِلُ مِنْ الْمَبِيعِ قِسْطًا أَكْثَرَ مِمَّا يُقَابِلُهُ الْمُؤَجَّلُ، لِتَقْسِيطِ الثَّمَنِ عَلَي الْأَجَلِ أَيْضًا وَ النِّسْبَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ.

وَرُبَّمَا قِيلَ بِالصِّحَّةِ لِلْعِلْمِ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ وَ التَّقْسِيطُ غَيْرُ مَانِعٍ، كَمَا لَا يَمْنَعُ لَوْ بَاعَ مَالَهُ وَ مَالَ غَيْرِهِ فَلَمْ يُجِزْ الْمَالِكُ، بَلْ لَوْ بَاعَ الْحُرُّ وَ الْعَبْدُ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ مَعَ كَوْنِ بَيْعِ الْحُرِّ بَاطِلًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ كَالْمُؤَجَّلِ هُنَا (وَ لَوْ شَرَطَ مَوْضِعَ التَّسْلِيمِ لَزِمَ)، لِوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ السَّائِغِ (وَ إِلَّا) يُشْتَرَطُ (اقْتَضَي) الْإِطْلَاقُ التَّسْلِيمَ (فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ) كَنَظَائِرِهِ مِنْ الْمَبِيعِ الْمُؤَجَّلِ هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَ الْقَوْلُ الْآخَرُ: اشْتِرَاطُ تَعْيِينِ مَوْضِعِهِ مُطْلَقًا وَ هُوَ اخْتِيَارُهُ فِي الدُّرُوسِ، لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِهِ الْمُوجِبِ لِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ وَ الرَّغْبَةِ وَ لِجَهَالَةِ مَوْضِعِ الِاسْتِحْقَاقِ، لِابْتِنَائِهِ عَلَي مَوْضِعِ الْحُلُولِ الْمَجْهُولِ وَ بِهَذَا فَارَقَ الْفَرْضَ الْمَحْمُولَ عَلَي مَوْضِعِهِ، لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا.

وَأَمَّا النَّسِيئَةُ فَخَرَجَ

بِالْإِجْمَاعِ عَلَي عَدَمِ اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ مَحَلِّهِ وَ فَصَّلَ ثَالِثٌ بِاشْتِرَاطِهِ إنْ كَانَ فِي حَمْلِهِ مُؤْنَةً وَ عَدَمِهِ بِعَدَمِهِ وَ رَابِعٌ بِكَوْنِهِمَا فِي مَكَان قَصْدُهُمَا مُفَارَقَتُهُ وَ عَدَمَهُ وَ خَامِسٌ بِاشْتِرَاطِهِ فِيهِمَا وَ وَجْهُ الثَّلَاثَةِ مُرَكَّبٌ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ وَ لَا رَيْبَ أَنَّ التَّعْيِينَ مُطْلَقًا أَوْلَي. (وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ السَّائِغِ فِي الْعَقْدِ) كَاشْتِرَاطِ حَمْلِهِ إلَي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ وَ تَسْلِيمُهُ كَذَلِكَ وَ رَهْنٌ.

وَضَمِينٌ وَ كَوْنُهُ مِنْ غَلَّةِ أَرْضٍ، أَوْ بَلَدٍ لَا تَخِيسُ فِيهَا غَالِبًا وَ نَحْوِ ذَلِكَ. (وَ) كَذَا يَجُوزُ (بَيْعُهُ بَعْدَ حُلُولِهِ) وَ قَبْلَ قَبْضِهِ (عَلَي الْغَرِيمِ وَ غَيْرِهِ عَلَي كَرَاهَةٍ)، لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ { لَا تَبِيعَنَّ شَيْئًا حَتَّي تَقْبِضَهُ } وَ نَحْوُهُ الْمَحْمُولُ عَلَي الْكَرَاهَةِ وَ خَصَّهَا بَعْضُهُمْ بِالْمَكِيلِ وَ الْمَوْزُونِ وَ آخَرُونَ بِالطَّعَامِ وَ حَرَّمَهُ آخَرُونَ فِيهِمَا وَ هُوَ الْأَقْوَي، حَمْلًا لِمَا وَرَدَ صَحِيحًا مِنْ النَّهْي عَلَي ظَاهِرِهِ، لِضَعْفِ الْمُعَارِضِ الدَّالِّ عَلَي الْجَوَازِ الْحَامِلِ لِلنَّهْيِ عَلَي الْكَرَاهَةِ وَ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مُطْلَقِ مَا لَمْ يُقْبَضْ لَمْ يَثْبُتْ وَ أَمَّا بَيْعُهُ قَبْلَ حُلُولِهِ فَلَا، لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ حِينَئِذٍ.

نَعَمْ لَوْ صَالَحَ عَلَيْهِ فَالْأَقْوَي الصِّحَّةُ

(وَإِذَا دَفَعَ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ

(فَوْقَ الصِّفَةِ وَجَبَ الْقَبُولُ)؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ وَ إِحْسَانٌ، فَالِامْتِنَاعُ مِنْهُ عِنَادٌ وَ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ صِفَةٌ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهَا فَهِيَ تَابِعَةٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَفَعَ أَزْيَدَ قَدْرًا يُمْكِنُ فَصْلُهُ وَ لَوْ فِي ثَوْبٍ وَ قِيلَ: لَا يَجِبُ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ (وَدُونِهَا) أَيْ دُونَ الصِّفَةِ الْمُشْتَرَطَةِ (لَا يَجِبُ) قَبُولُهُ وَ إِنْ كَانَ أَجْوَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَقَّهُ مَعَ تَضَرُّرِهِ بِهِ وَ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْحِنْطَةِ وَ نَحْوِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ نَقِيَّةً مِنْ الزُّوَانِ وَ الْمَدَرِ وَ التُّرَابِ وَ الْقِشْرِ غَيْرِ الْمُعْتَادِ وَ تَسْلِيمِ التَّمْرِ وَ الزَّبِيبِ

جَافَّيْنِ وَ الْعِنَبِ وَ الرُّطَبِ صَحِيحَيْنِ وَ يُعْفَي عَنْ الْيَسِيرِ الْمُحْتَمَلِ عَادَةً.

(وَ لَوْ رَضِيَ الْمُسْلَمُ بِهِ) أَيْ: مَا بِالْأَدْوَنِ صِفَةً (لَزِمَ)؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الزَّائِدِ بِرِضَاهُ، كَمَا يَلْزَمُ لَوْ رَضِيَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، (وَ لَوْ انْقَطَعَ) الْمُسْلَمُ فِيهِ (عِنْدَ الْحُلُولِ) حَيْثُ يَكُونُ مُؤَجَّلًا مُمْكِنَ الْحُصُولِ بَعْدَ الْأَجَلِ عَادَةً فَاتَّفَقَ عَدَمُهُ (تَخَيَّرَ) الْمُسْلِمُ (بَيْنَ الْفَسْخِ) فَيَرْجِعُ بِرَأْسِ مَالِهِ، لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَي حَقِّهِ وَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ، (وَ) بَيْنَ (الصَّبْرِ) إلَي أَنْ يَحْصُلَ وَ لَهُ أَنْ لَا يَفْسَخَ وَ لَا يَصْبِرَ، بَلْ يَأْخُذَ قِيمَتَهُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ حَقُّهُ.

وَالْأَقْوَي أَنَّ الْخِيَارَ لَيْسَ فَوْرِيًّا فَلَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ الصَّبْرِ إلَي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الْخِيَارِ وَ لَوْ كَانَ الِانْقِطَاعُ بَعْدَ بَذْلِهِ لَهُ وَ رِضَاهُ بِالتَّأْخِيرِ سَقَطَ خِيَارُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ، أَوْ بِمَنْعِ الْبَائِعِ مَعَ إمْكَانِهِ.

وَفِي حُكْمِ انْقِطَاعِهِ عِنْدَ الْحُلُولِ مَوْتُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ قَبْلَ الْأَجَلِ وَ قَبْلَ وُجُودِهِ، لَا الْعِلْمَ قَبْلَهُ بِعَدَمِهِ بَعْدَهُ، بَلْ يَتَوَقَّفُ الْخِيَارُ عَلَي الْحُلُولِ عَلَي الْأَقْوَي، لِعَدَمِ وُجُودِ الْمُقْتَضِي لَهُ الْآنَ، إذْ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا حِينَئِذٍ وَ لَوْ قَبَضَ الْبَعْضَ تَخَيَّرَ أَيْضًا بَيْنَ الْفَسْخِ فِي الْجَمِيعِ وَ الصَّبْرِ و بين أَخْذِ مَا قَبَضَهُ وَ الْمُطَالَبَةِ بِحِصَّةِ غَيْرِهِ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ قِيمَةِ الْمُثَمَّنِ عَلَي الْقَوْلِ الْآخَرِ وَ فِي تَخَيُّرِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مَعَ الْفَسْخِ فِي الْبَعْضِ وَجْهٌ قَوِيٌّ، لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الِانْقِطَاعُ مِنْ تَقْصِيرِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ.

الْفَصْلُ السَّابِعُ: فِي أَقْسَامِ الْبَيْعِ

المدخل

(الْفَصْلُ السَّابِعُ: فِي أَقْسَامِ الْبَيْعِ بِالنِّسْبَةِ إلَي الْإِخْبَارِ بِالثَّمَنِ وَ عَدَمِهِ وَ هُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ)

لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُخْبِرَ بِهِ، أَوْ لَا وَ الثَّانِي الْمُسَاوَمَةُ وَ الْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَبِيعَ مَعَهُ بِرَأْسِ الْمَالِ، أَوْ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ، أَوْ نُقْصَانٍ عَنْهُ وَ الْأَوَّلُ التَّوْلِيَةُ وَ

الثَّانِي الْمُرَابَحَةُ وَ الثَّالِثُ الْمُوَاضَعَةُ وَ بَقِيَ قِسْمٌ خَامِسٌ وَ هُوَ إعْطَاءُ بَعْضِ الْمَبِيعَ بِرَأْسِ مَالِهِ وَ لَمْ يَذْكُرْهُ كَثِيرٌ وَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَ فِي الدُّرُوسِ وَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ دَلَالَةً عَلَيْهِ و قد تَجْتَمِعُ الْأَقْسَامُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، بِأَنْ اشْتَرَي خَمْسَةٌ ثَوْبًا بِالسَّوِيَّةِ، لَكِنَّ ثَمَنَ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ عِشْرُونَ وَ الْآخَرِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَ الثَّالِثِ عَشَرَةٌ وَ الرَّابِعِ خَمْسَةٌ وَ الْخَامِسِ لَمْ يُبَيِّنْ، ثُمَّ بَاعَ مِنْ عَدَا الرَّابِعِ نَصِيبَهُمْ بِسِتِّينَ بَعْدَ إخْبَارِهِمْ بِالْحَالِ وَ الرَّابِعُ شَرَّكَ فِي حِصَّتِهِ، فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَي الْأَوَّلِ مُوَاضَعَةٌ وَ الثَّانِي تَوْلِيَةٌ وَ الثَّالِثُ مُرَابَحَةٌ وَ الرَّابِعُ تَشْرِيكٌ وَ الْخَامِسُ مُسَاوَمَةٌ وَ اجْتِمَاعُ قِسْمَيْنِ وَ ثَلَاثَةٍ وَ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا عَلَي قِيَاسِ ذَلِكَ وَ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ:

(أَحَدُهَا الْمُسَاوَمَةُ)

وَهِيَ الْبَيْعُ بِمَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مَنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْإِخْبَارِ بِالثَّمَنِ، سَوَاءٌ عَلِمَهُ الْمُشْتَرِي، أَمْ لَا وَ هِيَ أَفْضَلُ الْأَقْسَامِ.

وَثَانِيهَا - الْمُرَابَحَةُ:

وَيُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِلْمُ) أَيْ: عِلْمُ كُلٍّ مَنْ الْبَائِعِ وَ الْمُشْتَرِي (بِقَدْرِ الثَّمَنِ، وَ) قَدْرِ (الرِّبْحِ) وَ الْغَرَامَةِ وَ الْمُؤَنِ إنْ ضَمَّهَا، (وَيَجِبُ عَلَي الْبَائِعِ الصِّدْقُ) فِي الثَّمَنِ وَ الْمُؤَنِ وَ مَا طَرَأَ مِنْ مُوجَبِ النَّقْصِ وَ الْأَجَلِ وَ غَيْرِهِ (فَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ زِيَادَةٌ قال:

اشْتَرَيْته، أَوْ هُوَ عَلَيَّ، أَوْ تَقَوَّمَ) بِكَذَا، (وَ إِنْ زَادَ بِفِعْلِهِ) مَنْ غَيْرِ غَرَامَةٍ مَالِيَّةٍ (أَخْبَرَ) بِالْوَاقِعِ، بِأَنْ يقول:

اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا وَ عَمِلْت فِيهِ عَمَلًا يُسَاوِي كَذَا وَ مِثْلُهُ، مَا لَوْ عَمِلَ فِيهِ مُتَطَوِّعٌ.

(وَ إِنْ زَادَ بِاسْتِئْجَارِهِ) عَلَيْهِ (ضَمَّهُ فَيقول:

تَقَوَّمَ عَلَيَّ) بِكَذَا (لَا اشْتَرَيْت بِهِ)؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا الثَّمَنُ، بِخِلَافِ تَقَوَّمَ عَلَيَّ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الثَّمَنُ وَ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ أُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَ الدَّلَّالِ وَ الْحَارِسِ وَ الْمُحْرِسِ وَ الْقَصَّارِ وَ الرَّفَّاءِ وَ الصَّبَّاغِ وَ سَائِرِ الْمُؤَنِ الْمُرَادَةِ لِلِاسْتِرْبَاحِ،

لَا مَا يُقْصَدُ بِهِ اسْتِبْقَاءُ الْمِلْكِ، دُونَ الِاسْتِرْبَاحِ، كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ وَ كِسْوَتِهِ وَ عَلَفِ الدَّابَّةِ نَعَمْ الْعَلَفُ الزَّائِدُ عَلَي الْمُعْتَادِ لِلتَّسْمِينِ يَدْخُلُ وَ الْأُجْرَةُ وَ مَا فِي مَعْنَاهَا لَا تُضَمُّ إلَي اشْتَرَيْت بِكَذَا، (إلَّا أَنْ يقول:

وَ اسْتَأْجَرْت بِكَذَا) فَإِنَّ الْأُجْرَةَ تَنْضَمُّ حِينَئِذٍ إلَي الثَّمَنِ لِلتَّصْرِيحِ بِهَا.

وَاعْلَمْ أَنَّ دُخُولَ الْمَذْكُورَاتِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ الْإِخْبَارِ، بَلْ فَائِدَتُهُ إعْلَامُ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ لِيَدْخُلَ فِي قوله:

بِعْتُك بِمَا اشْتَرَيْت، أَوْ بِمَا قَامَ عَلَيَّ، أَوْ بِمَا اشْتَرَيْت وَ اسْتَأْجَرْت وَ رَبِحَ كَذَا. (وَ إِنْ طَرَأَ عَيْبٌ وَجَبَ ذِكْرُهُ)، لِنَقْصِ الْمَبِيعِ بِهِ عَمَّا كَانَ حِينَ شَرَاهُ، (وَ إِنْ أَخَذَ أَرْشًا) بِسَبَبِهِ (أَسْقَطَهُ)؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمَا عَدَاهُ وَ إِنْ كَانَ قوله:

اشْتَرَيْته بِكَذَا حَقًّا لِطُرُوءِ النُّقْصَانِ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجُزْءِ وَ لَوْ كَانَ الْأَرْشُ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ مُتَجَدِّدٌ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ كَنِتَاجِ الدَّابَّةِ، بِخِلَافِ الْعَيْبِ وَ إِنْ كَانَ حَادِثًا بَعْدَ الْعَقْدِ حَيْثُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ بِمُقْتَضَي الْعَقْدِ أَيْضًا فَكَانَ كَالْمَوْجُودِ حَالَتَهُ.

وَيُفْهَمُ مِنْ الْعِبَارَةِ إسْقَاطُ مُطْلَقِ الْأَرْشِ وَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَ بِمَا قَيَّدْنَاهُ صَرَّحَ فِي الدُّرُوسِ كَغَيْرِهِ (وَ لَا يُقَوَّمُ أَبْعَاضُ الْجُمْلَةِ) وَ يُخْبِرُ بِمَا يَقْتَضِيه التَّقْسِيطُ مِنْ الثَّمَنِ وَ إِنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً، أَوْ أَخْبَرَ بِالْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ الْمُقَابَلَ بِالثَّمَنِ هُوَ الْمَجْمُوعُ، لَا الْأَفْرَادُ وَ أَنْ يُقَسِّطَ الثَّمَنَ عَلَيْهَا فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ، كَمَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهَا، أَوْ ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا. (وَ لَوْ ظَهَرَ كَذِبُهُ) فِي الْإِخْبَارِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ، أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ أَوْ جِنْسِهِ، أَوْ وَصْفِهِ، (أَوْ غَلَطِهِ) بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ (تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي) بَيْنَ رَدِّهِ وَ أَخْذِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، لِغُرُورِهِ وَ قِيلَ: لَهُ أَخْذُهُ بِحَطِّ الزِّيَادَةِ وَ رِبْحِهَا، لِكِذْبِهِ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَي الْمُرَابَحَةِ

شَرْعًا وَ يَضْعُفُ بِعَدَمِ الْعَقْدِ عَلَي ذَلِكَ فَكَيْفَ يَثْبُتُ مُقْتَضَاهُ وَ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي عَلَي الْأَوَّلِ بَقَاؤُهُ عَلَي مِلْكِهِ وَجْهَانِ، أَجْوَدُهُمَا الْعَدَمُ، لِأَصَالَةِ بَقَائِهِ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي وَ عَدَمِ صَلَاحِيَةِ ذَلِكَ لِلْمَانِعِ، فَمَعَ التَّلَفِ، أَوْ انْتِقَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ انْتِقَالًا لَازِمًا، أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ مِنْ رَدِّهِ كَالِاسْتِيلَادِ يَرُدُّ مِثْلَهُ، أَوْ قِيمَتَهُ إنْ اخْتَارَ الْفَسْخَ وَ يَأْخُذُ الثَّمَنَ، أَوْ عِوَضَهُ مَعَ فَقْدِهِ. (وَ لَا يَجُوزُ الْإِخْبَارُ بِمَا اشْتَرَاهُ مَنْ غُلَامِهِ) الْحُرِّ، (أَوْ وَلَدِهِ)، أَوْ غَيْرِهِمَا (حِيلَةً؛ لِأَنَّهُ خَدِيعَةٌ) وَ تَدْلِيسٌ، فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَثِمَ وَ صَحَّ الْبَيْعُ، لَكِنْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إذَا عَلِمَ بَيْنَ رَدِّهِ وَ أَخْذِهِ بِالثَّمَنِ، كَمَا لَوْ ظَهَرَ كَذِبُهُ فِي الْإِخْبَارِ.

(نَعَمْ لَوْ اشْتَرَاهُ) مَنْ وَلَدِهِ، أَوْ غُلَامِهِ (ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ بَيْعٍ عَلَيْهِمَا) وَ لَا مُوَاطَأَةٍ عَلَي الزِّيَادَةِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَقَ مِنْهُ بَيْعٌ (جَازَ)، لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ حِينَئِذٍ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ مُعَامَلَةِ مَنْ ذُكِرَ، (وَ) كَذَا (لَا) يَجُوزُ (الْإِخْبَارُ بِمَا قَوَّمَ عَلَيْهِ التَّاجِرُ) عَلَي أَنْ يَكُونَ لَهُ الزَّائِدُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْقِدَ مَعَهُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إخْبَارِهِ، إذْ مُجَرَّدُ التَّقْوِيمِ لَا يُوجِبُهُ، (وَ الثَّمَنُ) عَلَي تَقْدِيرِ بَيْعِهِ كَذَلِكَ (لَهُ) أَيْ: لِلتَّاجِرِ، (وَلِلدَّلَّالِ الْأُجْرَةُ)؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ عَمَلًا لَهُ أُجْرَةٌ عَادَةً فَإِذَا فَاتَ الْمُشْتَرَطُ رَجَعَ إلَي الْأُجْرَةِ وَ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ ابْتِدَاءِ التَّاجِرِ لَهُ بِهِ وَ اسْتِدْعَاءِ الدَّلَّالِ ذَلِكَ مِنْهُ، خِلَافًا لِلشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حَيْثُ حَكَمَا بِمِلْكِ الدَّلَّالِ الزَّائِدِ فِي الْأَوَّلِ اسْتِنَادًا إلَي أَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَي الْجَعَالَةِ، بِنَاءً عَلَي أَنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِيهَا هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْجَهَالَةِ.

وَثَالِثُهَا - الْمُوَاضَعَةُ

[وَ هِيَ] كَالْمُرَابَحَةِ فِي الْأَحْكَامِ) مِنْ الْإِخْبَارِ عَلَي الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ (إلَّا أَنَّهَا بِنَقِيصَةٍ مَعْلُومَةٍ) فَتَقُولُ: بِعْتُك بِمَا اشْتَرَيْته، أَوْ

تَقَوَّمَ عَلَيَّ وَ وَضِيعَةِ كَذَا، أَوْ حَطِّ كَذَا.

فَلَوْ كَانَ قَدْ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ فَقال:

بِعْتُك بِمِائَةٍ وَ وَضِيعَةِ دِرْهَمٍ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ فَالثَّمَنُ تِسْعُونَ، أَوْ لِكُلِّ عَشَرَةٍ، زَادَ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ فِي الْأَوَّلِ مِنْ نَفْسِ الْعَشَرَةِ، عَمَلًا بِظَاهِرِ التَّبْعِيضِ وَ فِي الثَّانِي مِنْ خَارِجِهَا، فَكَأَنَّهُ قال:

مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ وَ لَوْ أَضَافَ الْوَضِيعَةَ إلَي الْعَشَرَةِ احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ، نَظَرًا إلَي احْتِمَالِ الْإِضَافَةِ لِلَّامِ وَ مِنْ.

وَالتَّحْقِيقُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْإِضَافَةِ بِمَعْنَي مِنْ كَوْنِهَا تَبْيِنِيَّةً، لَا تَبْعِيضِيَّةً بِمَعْنَي كَوْنِ الْمُضَافِ جُزْئِيًّا مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ بِحَيْثُ يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَي الْمُضَافِ وَ غَيْرِهِ وَ الْإِخْبَارُ بِهِ عَنْهُ كَخَاتَمِ فِضَّةٍ، لَا جُزْءَ مِنْ كُلٍّ كَبَعْضِ الْقَوْمِ وَ يَدِ زَيْدٍ، فَإِنَّ كُلَّ الْقَوْمِ لَا يُطْلَقُ عَلَي بَعْضِهِ وَ لَا زَيْدٌ عَلَي يَدِهِ وَ الْمَوْضُوعُ هُنَا بَعْضُ الْعَشَرَةِ، فَلَا يُخْبِرُ بِهَا عَنْهُ فَتَكُونُ بِمَعْنَي اللَّامِ.

وَرَابِعُهَا - التَّوْلِيَةُ

وَهِيَ الْإِعْطَاءُ بِرَأْسِ الْمَالِ) فَيَقُولُ بَعْدَ عِلْمِهِمَا بِالثَّمَنِ وَ مَا تَبِعَهُ: وَلَّيْتُك هَذَا الْعَقْدَ، فَإِذَا قَبِلَ لَزِمَهُ مِثْلُهُ جِنْسًا وَ قَدْرًا وَ صِفَةً وَ لَوْ قال:

بِعْتُك، أَكْمَلَهُ بِالثَّمَنِ، أَوْ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ وَ نَحْوَهُ وَ لَا يَفْتَقِرُ فِي الْأَوَّلِ إلَي ذِكْرِهِ وَ لَوْ قال:

وَلَّيْتُك السِّلْعَةَ احْتَمَلَ فِي الدُّرُوسِ الْجَوَازَ، (وَ التَّشْرِيكُ جَائِزٌ) وَ هُوَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ بِأَنْ (يقول:

شَرَّكْتُكَ) بِالتَّضْعِيفِ (بِنِصْفِهِ بِنِسْبَةِ مَا اشْتَرَيْت مَعَ عِلْمِهِمَا) بِقَدْرِهِ وَ يَجُوزُ تَعْدِيَتُهُ بِالْهَمْزَةِ وَ لَوْ قال:

أَشْرَكْتُك بِالنِّصْفِ كَفَي وَ لَزِمَهُ نِصْفُ مِثْلِ الثَّمَنِ وَ لَوْ قال:

أَشْرَكْتُك فِي النِّصْفِ كَانَ لَهُ الرُّبُعُ، إلَّا أَنْ يقول:

بِنِصْفِ الثَّمَنِ فَيَتَعَيَّنُ النِّصْفُ وَ لَوْ لَمْ يُبَيِّنْ الْحِصَّةَ كَمَا لَوْ قال:

فِي شَيْءٍ مِنْهُ أَوْ أَطْلَقَ بَطَلَ، لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ وَ يُحْتَمَلُ حَمْلُ الثَّانِي

عَلَي التَّنْصِيفِ (وَ هُوَ) أَيْ: التَّشْرِيكُ (فِي الْحَقِيقَةِ بَيْعُ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ بِرَأْسِ الْمَالِ) لَكِنَّهُ يَخْتَصُّ عَنْ مُطْلَقِ الْبَيْعِ بِصِحَّتِهِ بِلَفْظِهِ.

الْفَصْلُ الثَّامِنُ - فِي الرِّبَا

المدخل

(الْفَصْلُ الثَّامِنُ - فِي الرِّبَا)

بِالْقَصْرِ وَ أَلِفُهُ بَدَلٌ مِنْ وَاوٍ (وَمَوْرِدُهُ) أَيْ: مَحَلُّ وُرُودِهِ (الْمُتَجَانِسَانِ إذَا قُدِّرَ بِالْكَيْلِ، أَوْ الْوَزْنِ وَ زَادَ أَحَدُهُمَا) عَنْ الْآخَرِ قَدْرًا وَ لَوْ بِكَوْنِهِ مُؤَجَّلًا.

وَتَحْرِيمُهُ مُؤَكَّدٌ وَ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ، (وَ الدِّرْهَمُ مِنْهُ أَعْظَمُ) وِزْرًا (مِنْ سَبْعِينَ زِنْيَةٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَ كَسْرِهِ كُلُّهَا بِذَاتِ مَحْرَمٍ، رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (وَضَابِطُ الْجِنْسِ) هُنَا: (مَا دَخَلَ تَحْتَ اللَّفْظِ الْخَاصِّ) كَالتَّمْرِ وَ الزَّبِيبِ وَ اللَّحْمِ، (فَالتَّمْرُ جِنْسٌ) لِجَمِيعِ أَصْنَافِهِ، (وَ الزَّبِيبُ جِنْسٌ) كَذَلِكَ (وَ الْحِنْطَةُ وَ الشَّعِيرُ) هُنَا (جِنْسٌ) وَاحِدٌ (فِي الْمَشْهُورِ) وَ إِنْ اخْتَلَفَا لَفْظًا وَ اشْتَمَلَا عَلَي أَصْنَافٍ، لِدَلَالَةِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ عَلَي اتِّحَادِهِمَا الْخَالِيَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَ فِي بَعْضِهَا أَنَّ الشَّعِيرَ مِنْ الْحِنْطَةِ فَدَعْوَي اخْتِلَافِهِمَا نَظَرًا إلَي اخْتِلَافِهِمَا صُورَةً وَ شَكْلًا وَ لَوْنًا وَ طَعْمًا وَ إِدْرَاكًا وَ حِسًّا وَ اسْمًا غَيْرُ مَسْمُوعٍ نَعَمْ هُمَا فِي غَيْرِ الرِّبَا كَالزَّكَاةِ جِنْسَانِ إجْمَاعًا، (وَ اللُّحُومُ تَابِعَةٌ لِلْحَيَوَانِ) فَلَحْمُ الضَّأْنِ وَ الْمَعْزِ جِنْسٌ، لِشُمُولِ الْغَنَمِ لَهُمَا وَ الْبَقَرُ وَ الْجَامُوسُ جِنْسٌ وَ الْعِرَابُ وَ الْبَخَاتِيُّ جِنْسٌ (وَ لَا رِبَا فِي الْمَعْدُودِ) مُطْلَقًا عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، نَعَمْ يُكْرَهُ، (وَ لَا بَيْنَ الْوَالِدِ وَ وَلَدِهِ) فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَخْذُ الْفَضْلِ عَلَي الْأَصَحِّ وَ الْأَجْوَدُ اخْتِصَاصُ الْحُكْمِ بِالنِّسْبِيِّ مَعَ الْأَبِ، فَلَا يَتَعَدَّي إلَيْهِ مَعَ الْأُمِّ وَ لَا مَعَ الْجَدِّ وَ لَوْ لِلْأَبِ وَ لَا إلَي وَلَدِ الرَّضَاعِ، اقْتِصَارًا بِالرُّخْصَةِ عَلَي مَوْرِدِ الْيَقِينِ، مَعَ احْتِمَالِ التَّعَدِّي فِي الْأَخِيرَيْنِ، لِإِطْلَاقِ اسْمِ الْوَلَدِ عَلَيْهِمَا شَرْعًا، (وَ لَا) بَيْنَ (الزَّوْجِ وَ زَوْجَتِهِ) دَوَامًا وَ مُتْعَةً عَلَي

الْأَظْهَرِ.

(وَ لَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَ الْحَرْبِيِّ، إذَا أَخَذَ الْمُسْلِمُ الْفَضْلَ) وَ إِلَّا ثَبَتَ وَ لَا فَرْقَ فِي الْحَرْبِيِّ بَيْنَ الْمُعَاهَدِ وَ غَيْرِهِ وَ لَا بَيْنَ كَوْنِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَ الْإِسْلَامِ.

(وَيَثْبُتُ بَيْنَهُ) أَيْ: بَيْنَ الْمُسْلِمِ، (وَبَيْنَ الذِّمِّيِّ) عَلَي الْأَشْهَرِ وَ قِيلَ: لَا يَثْبُتُ كَالْحَرْبِيِّ، لِلرِّوَايَةِ الْمُخَصِّصَةِ لَهُ كَمَا خَصَّصَتْ غَيْرَهُ.

وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَ الْمُسْلِمُ الْفَضْلَ، أَمَّا إعْطَاؤُهُ إيَّاهُ فَحَرَامٌ قَطْعًا، (وَ لَا فِي الْقِسْمَةِ)؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بَيْعًا وَ لَا مُعَاوَضَةً، بَلْ هِيَ تَمْيِيزُ الْحَقِّ عَنْ غَيْرِهِ وَ مَنْ جَعَلَهَا بَيْعًا مُطْلَقًا أَوْ مَعَ اشْتِمَالِهَا عَلَي الرَّدِّ أَثْبَتَ فِيهَا الرِّبَا (وَ لَا يَضُرُّ عَقْدُ التِّبْنِ وَ الزُّوَانِ) بِضَمِّ الزَّايِ وَ كَسْرِهَا وَ بِالْهَمْزِ وَ عَدَمِهِ (الْيَسِيرُ) فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ، دُونَ الْآخَرِ، أَوْ زِيَادَةً عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي إطْلَاقِ الْمِثْلِيَّةِ وَ الْمُسَاوَاةِ قَدْرًا وَ لَوْ خَرَجَا عَنْ الْمُعْتَادِ ضَرَّا وَ مِثْلُهُمَا يَسِيرُ التُّرَابِ وَ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ الصِّنْفُ عَنْهُ غَالِبًا كَالدُّرْدِيِّ فِي الدِّبْسِ وَ الزَّيْتِ.

(وَيَتَخَلَّصُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الرِّبَا إذَا أُرِيدَ بَيْعُ أَحَدِ الْمُتَجَانِسَيْنِ بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا (بِالضَّمِيمَةِ) إلَي النَّاقِصِ مِنْهُمَا، أَوْ الضَّمِيمَةِ إلَيْهِمَا، مَعَ اشْتِبَاهِ الْحَالِ فَتَكُونُ الضَّمِيمَةُ فِي مُقَابِلِ الزِّيَادَةِ (وَيَجُوزُ بَيْعُ مُدِّ عَجْوَةٍ وَ دِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ، أَوْ دِرْهَمَيْنِ وَ بِمُدَّيْنِ وَ دِرْهَمَيْنِ وَ أَمْدَادٍ وَ دَرَاهِمَ وَ يُصْرَفُ كُلٌّ إلَي مُخَالِفِهِ) وَ إِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَ كَذَا لَوْ ضَمَّ غَيْرَ رِبَوِيٍّ وَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الضَّمِيمَةِ أَنْ تَكُونَ ذَاتَ وَقْعٍ فِي مُقَابِلِ الزِّيَادَةِ، فَلَوْ ضَمَّ دِينَارًا إلَي أَلْفِ دِرْهَمٍ ثَمَنًا لِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ جَازَ، لِلرِّوَايَةِ وَ حُصُولُ التَّفَاوُتِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ وَ تَوْزِيعُ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ عَلَي بَعْضِ الْوُجُوهِ لَا يَقْدَحُ، لِحُصُولِهِ حِينَئِذٍ بِالتَّقْسِيطِ، لَا بِالْبَيْعِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ عَلَي الْمَجْمُوعِ بِالْمَجْمُوعِ،

فَالتَّقْسِيطُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَ لَا مُفْتَقَرٍ إلَيْهِ.

نَعَمْ لَوْ عَرَضَ سَبَبٌ يُوجِبُهُ كَمَا لَوْ تَلِفَ الدِّرْهَمُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا و كان فِي مُقَابِلِهِ مَا يُوجِبُ الزِّيَادَةَ الْمُفْضِيَةَ إلَي الرِّبَا احْتَمَلَ بُطْلَانَ الْبَيْعِ حِينَئِذٍ، لِلُزُومِ التَّفَاوُتِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَ الْبُطْلَانَ فِي مُخَالِفِ التَّالِفِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْجِنْسَيْنِ قَدْ قُوبِلَ بِمُخَالِفِهِ فَإِذَا بَطَلَ بَطَلَ مَا قُوبِلَ بِهِ خَاصَّةً وَ هَذَا هُوَ الْأَجْوَدُ وَ الْمُوَافِقُ لِأُصُولِ الْمَذْهَبِ وَ الْمُصَحِّحُ لِأَصْلِ الْبَيْعِ وَ إِلَّا كَانَ مُقْتَضَي الْمُقَابَلَةِ لُزُومَ الرِّبَا مِنْ رَأْسٍ.

وَيَتَخَلَّصُ مِنْ الرِّبَا أَيْضًا (بِأَنْ يَبِيعَهُ بِالْمُمَاثِلِ وَ يَهَبَهُ الزَّائِدِ) فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، أَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ (مَنْ غَيْرِ شَرْطٍ) لِلْهِبَةِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ حِينَئِذٍ زِيَادَةٌ فِي الْعِوَضِ الْمُصَاحِبِ لَهُ، (أَوْ) بِأَنْ (يُقْرِضَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَ يَتَبَارَآ) بَعْدَ التَّقَابُضِ الْمُوجِبِ لِمِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا اقْتَرَضَهُ وَ صَيْرُورَةِ عِوَضِهِ فِي الذِّمَّةِ.

وَمِثْلُهُ مَا لَوْ وَهَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ عِوَضَهُ وَ لَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَوْنُ هَذِهِ الْعُقُودِ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ بِالذَّاتِ مَعَ أَنَّ الْعُقُودَ تَابِعَةٌ لِلْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ التَّخَلُّصِ مِنْ الرِّبَا الَّذِي لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَصْدِ إلَي بَيْعٍ صَحِيحٍ، أَوْ قَرْضٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا كَافٍ فِي الْقَصْدِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَايَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَي صِحَّةِ الْعَقْدِ مَقْصُودَةٌ، فَيَكْفِي جَعْلُهَا غَايَةً، إذْ لَا يُعْتَبَرُ قَصْدُ جَمِيعِ الْغَايَاتِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَي الْعَقْدِ.

(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الرَّطْبِ بِالتَّمْرِ)

لِلنَّصِّ الْمُعَلَّلِ بِكَوْنِهِ يَنْقُصُ إذَا جَفَّ، (وَ كَذَا كُلُّ مَا يَنْقُصُ مَعَ الْجَفَافِ) كَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ تَعْدِيَةً لِلْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ إلَي مَا يُشَارِكُهُ فِيهَا وَ قِيلَ: يَثْبُتُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ تَعْدِيَةٍ رَدًّا لِقِيَاسِ الْعِلَّةِ وَ قِيلَ: بِالْجَوَازِ فِي الْجَمِيعِ رَدًّا لِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَ اسْتِنَادًا إلَي مَا يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَي اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الرَّطْبِ وَ الْيَابِسِ.

وَمَا اخْتَارَهُ

الْمُصَنِّفُ أَقْوَي وَ فِي الدُّرُوسِ جَعَلَ التَّعْدِيَةَ إلَي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ أَوْلَي (وَمَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ) فِي الْعِوَضَيْنِ (يَجُوزُ التَّفَاضُلُ نَقْدًا) إجْمَاعًا، (وَنَسِيئَةً) عَلَي الْأَقْوَي، لِلْأَصْلِ وَ الْأَخْبَارِ.

وَاسْتَنَدَ الْمَانِعُ إلَي خَبَرٍ دَلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَي الْكَرَاهَةِ وَ نَحْنُ نَقُولُ بِهَا (وَ لَا عِبْرَةَ بِالْأَجْزَاءِ الْمَائِيَّةِ فِي الْخُبْزِ وَ الْخَلِّ وَ الدَّقِيقِ) بِحَيْثُ يَجْهَلُ مِقْدَارَهُ فِي كُلٍّ مِنْ الْعِوَضَيْنِ الْمُوجِبِ لِجَهَالَةِ مِقْدَارِهِمَا وَ كَذَا لَوْ كَانَتْ مَفْقُودَةً مِنْ أَحَدِهِمَا كَالْخُبْزِ الْيَابِسِ وَ اللَّيِّنِ، لِإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةِ عَلَيْهِمَا، مَعَ كَوْنِ الرُّطُوبَةِ يَسِيرَةً غَيْرَ مَقْصُودَةٍ، كَقَلِيلِ الزُّوَانِ وَ التِّبْنِ فِي الْحِنْطَةِ، (إلَّا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ لِلْحِسِّ ظُهُورًا بَيِّنًا) بِحَيْثُ يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فَيُمْنَعُ، مَعَ احْتِمَالِ عَدَمِ مَنْعِهِ مُطْلَقًا، كَمَا أَطْلَقَهُ فِي الدُّرُوسِ وَ غَيْرِهِ لِبَقَاءِ الِاسْمِ الَّذِي، يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَسَاوِي الْجِنْسَيْنِ عُرْفًا

(وَلَا يُبَاعُ اللَّحْمُ بِالْحَيَوَانِ مَعَ التَّمَاثُلِ كَلَحْمِ الْغَنَمِ بِالشَّاةِ)

إنْ كَانَ مَذْبُوحًا؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ اللَّحْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ وَ لَوْ كَانَ حَيًّا فَالْجَوَازُ قَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالْوَزْنِ (وَيَجُوزُ) بَيْعُهُ بِهِ (مَعَ الِاخْتِلَافِ) قَطْعًا، لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ مَعَ وُجُودِ الْمُصَحِّحِ.

الْفَصْلُ التَّاسِعُ فِي الْخِيَارِ

المدخل

(الْفَصْلُ التَّاسِعُ فِي الْخِيَارِ وَ هُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ) قِسْمًا وَ جَمْعُهُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ خَوَاصِّ الْكِتَابِ

الْأَوَّلُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ

أَضَافَهُ إلَي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فِي ثُبُوتِهِ وَ إِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ عَدَمُ التَّفَرُّقِ إمَّا تَجَوُّزًا فِي إطْلَاقِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْحَقِيقَةِ، أَوْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً.

(وَ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْبَيْعِ) بِأَنْوَاعِهِ وَ لَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهِ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَ إِنْ قَامَ مَقَامَهُ كَالصُّلْحِ.

وَيَثْبُتُ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا، (وَ لَا يَزُولُ بِالْحَائِلِ) بَيْنَهُمَا، غَلِيظًا كَانَ أَمْ رَقِيقًا، مَانِعًا مِنْ الِاجْتِمَاعِ أَمْ غَيْرَ مَانِعٍ، لِصِدْقِ عَدَمِ التَّفَرُّقِ مَعَهُ، (وَ لَا بِمُفَارَقَةِ) كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (الْمَجْلِسِ مُصْطَحِبَيْنِ) وَ إِنْ طَالَ الزَّمَانُ مَا لَمْ يَتَبَاعَدْ مَا بَيْنَهُمَا عَنْهُ حَالَةَ الْعَقْدِ وَ أَوْلَي بِعَدَمِ زَوَالِهِ لَوْ تَقَارَبَا عَنْهُ.

(وَيَسْقُطُ بِاشْتِرَاطِ سُقُوطِهِ فِي الْعَقْدِ) عَنْهُمَا، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا بِحَسَبِ الشَّرْطِ، (وَبِإِسْقَاطِهِ بَعْدَهُ) بِأَنْ يَقُولَا: أَسْقَطْنَا الْخِيَارَ، أَوْ أَوْجَبْنَا الْبَيْعَ، أَوْ الْتَزَمْنَاهُ، أَوْ اخْتَرْنَاهُ، أَوْ مَا أَدَّي ذَلِكَ.

(وَبِمُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ) وَ لَوْ بِخُطْوَةٍ اخْتِيَارًا، فَلَوْ أُكْرِهَا أَوْ أَحَدُهُمَا عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ، مَعَ مَنْعِهِمَا مِنْ التَّخَايُرِ، فَإِذَا زَالَ الْإِكْرَاهُ فَلَهُمَا الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِ الزَّوَالِ وَ لَوْ لَمْ يَمْنَعَا مِنْ التَّخَايُرِ لَزِمَ الْعَقْدُ.

(وَ لَوْ الْتَزَمَ بِهِ أَحَدُهُمَا سَقَطَ خِيَارُهُ خَاصَّةً) إذْ لَا ارْتِبَاطَ لِحَقِّ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ.

(وَ لَوْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا وَ أَجَازَ الْآخَرُ قُدِّمَ الْفَاسِخُ) وَ إِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْفَسْخِ، دُونَ الْإِجَازَةِ، لِأَصَالَتِهَا، (وَ كَذَا) يُقَدَّمُ الْفَاسِخُ عَلَي الْمُجِيزِ (فِي كُلِّ خِيَارٍ مُشْتَرَكٍ)، لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الْعِلَّةِ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا (وَ لَوْ خَيَّرَهُ فَسَكَتَ فَخِيَارُهُمَا بَاقٍ) أَمَّا السَّاكِتُ فَظَاهِرٌ إذْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَي سُقُوطِ الْخِيَارِ وَ أَمَّا الْمُخَيَّرُ فَلِأَنَّ تَخْيِيرَهُ صَاحِبَهُ أَعَمُّ مِنْ اخْتِيَارِهِ الْعَقْدَ فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَ

قِيلَ: يَسْقُطُ خِيَارُهُ اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَنَا.

الثَّانِي خِيَارُ الْحَيَوَانِ

وَهُوَ ثَابِتٌ لِلْمُشْتَرِي خَاصَّةً) عَلَي الْمَشْهُورِ وَ قِيلَ: لَهُمَا وَ بِهِ رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ وَ لَوْ كَانَ حَيَوَانًا بِحَيَوَانٍ قَوِيَ ثُبُوتُهُ لَهُمَا كَمَا يَقْوَي ثُبُوتُهُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ خَاصَّةً - وَ هُوَ مَا قُرِنَ بِالْبَاءِ - حَيَوَانًا.

وَمُدَّةُ هَذَا الْخِيَارِ (ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مَبْدَؤُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ) عَلَي الْأَقْوَي وَ لَا يَقْدَحُ اجْتِمَاعُ خِيَارَيْنِ فَصَاعِدًا وَ قِيلَ: مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ، بِنَاءً عَلَي حُصُولِ الْمِلْكِ بِهِ (وَيَسْقُطُ بِاشْتِرَاطِ سُقُوطِهِ) فِي الْعَقْدِ، (أَوْ إسْقَاطِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ) كَمَا تَقَدَّمَ، (أَوْ تَصَرُّفِهِ) أَيْ: تَصَرُّفِ ذِي الْخِيَارِ سَوَاءٌ كَانَ لَازِمًا كَالْبَيْعِ أَمْ لَمْ يَكُنْ كَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، بَلْ مُطْلَقُ الِانْتِفَاعِ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَ لَوْ فِي طَرِيقِ الرَّدِّ وَ نَعَلَهَا وَ حَلَبَ مَا يُحْلَبُ، [وَلُبْسِ الثَّوْبِ وَ قِصَارَتِهِ وَ سُكْنَي الدَّارِ].

وَلَوْ قَصَدَ بِهِ الِاسْتِخْبَارَ وَ لَمْ يَتَجَاوَزْ مِقْدَارَ الْحَاجَةِ فَفِي مَنْعِهِ مِنْ الرَّدِّ وَجْهَانِ، أَمَّا مُجَرَّدُ سَوْقِ الدَّابَّةِ إلَي مَنْزِلِهِ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ تَصَرُّفًا عُرْفًا فَلَا أَثَرَ لَهُ وَ إِنْ كَانَ بَعِيدًا مُفْرِطًا احْتَمَلَ قَوِيًّا مَنْعَهُ وَ بِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ مَا يُعَدُّ تَصَرُّفًا عُرْفًا يَمْنَعُ وَ إِلَّا فَلَا

الثَّالِثُ خِيَارُ الشَّرْطِ

الثَّالِثُ خِيَارُ الشَّرْطِ

وَهُوَ بِحَسَبِ الشَّرْطِ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَضْبُوطًا) مُتَّصِلًا بِالْعَقْدِ أَمْ مُنْفَصِلًا، فَلَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا صَارَ الْعَقْدُ جَائِزًا بَعْدَ لُزُومِهِ مَعَ تَأَخُّرِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ.

(وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِأَحَدِهِمَا وَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَ لِأَجْنَبِيٍّ عَنْهُمَا، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا) وَ لِأَجْنَبِيٍّ مَعَ أَحَدِهِمَا عَنْهُ وَ عَنْ الْآخَرِ وَ مَعَهُمَا وَ اشْتِرَاطُ الْأَجْنَبِيِّ تَحْكِيمٌ لَا تَوْكِيلٌ عَمَّنْ جُعِلَ عَنْهُ فَلَا اخْتِيَارَ لَهُ مَعَهُ.

(وَاشْتِرَاطُ الْمُؤَامَرَةِ) وَ هِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْأَمْرِ بِمَعْنَي اشْتِرَاطِهِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا اسْتِئْمَارَ مَنْ سَمَّيَاهُ وَ الرُّجُوعِ إلَي أَمْرِهِ مُدَّةً مَضْبُوطَةً، فَيَلْزَمُ الْعَقْدُ مِنْ جِهَتِهِمَا وَ يَتَوَقَّفُ عَلَي أَمْرِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِالْفَسْخِ جَازَ لِلْمَشْرُوطِ لَهُ

اسْتِئْمَارُهُ الْفَسْخُ وَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُجَرَّدُ اسْتِئْمَارِهِ، لَا الْتِزَامُ قَوْلِهِ.

وَإِنْ أَمَرَهُ بِالِالْتِزَامِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْفَسْخُ قَطْعًا وَ إِنْ كَانَ الْفَسْخُ أَصْلَحَ عَمَلًا بِالشَّرْطِ؛ وَ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِنَفْسِهِ خِيَارًا.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَسْخَ يَتَوَقَّفُ عَلَي أَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَي الْعَقْدِ، فَيَرْجِعُ إلَي الشَّرْطِ وَ أَمَّا الِالْتِزَامُ بِالْعَقْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ.

وَظَاهِرُ مَعْنَي الْمُؤَامَرَةِ وَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْمُسْتَأْمَرَ - بِفَتْحِ الْمِيمِ - لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَ لَا الِالْتِزَامُ وَ إِنَّمَا إلَيْهِ الْأَمْرُ وَ الرَّأْيُ خَاصَّةً فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَإِنْ قَالَ الْمُسْتَأْمَرُ: فَسَخْت أَوْ أَجَزْت فَذَاكَ وَ إِنْ سَكَتَ فَالْأَقْرَبُ اللُّزُومُ وَ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْمَرَ الِاخْتِيَارُ) إنْ قُرِئَ الْمُسْتَأْمَرُ بِالْفَتْحِ - مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ - أَشْكَلَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.

وَإِنْ قُرِئَ بِالْكَسْرِ - مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ - بِمَعْنَي الْمَشْرُوطِ لَهُ الْمُؤَامَرَةَ لِغَيْرِهِ، فَمَعْنَاهُ: إنْ قال:

فَسَخْت بَعْدَ أَمْرِهِ لَهُ بِالْفَسْخِ، أَوْ أَجَزْت بَعْدَ أَمْرِهِ لَهُ بِالْإِجَازَةِ لَزِمَ وَ إِنْ سَكَتَ وَ لَمْ يَلْتَزِمْ وَ لَمْ يَفْسَخْ سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ اسْتِئْمَارٍ أَمْ بَعْدَهُ وَ لَمْ يَفْعَلْ مُقْتَضَاهُ لَزِمَ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَ إِنَّمَا يَتَوَقَّفُ فَسْخُهُ عَلَي مُوَافَقَةِ الْآمِرِ.

وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَنْسَبُ بِالْحُكْمِ لَكِنَّ دَلَالَةَ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ عَلَي الْأَوَّلِ أَرْجَحُ، خُصُوصًا بِقَرِينَةِ قوله:

وَ لَا يَلْزَمُ الِاخْتِيَارُ، فَإِنَّ اللُّزُومَ الْمَنْفِيَّ لَيْسَ إلَّا عَمَّنْ جُعِلَ لَهُ الْمُؤَامَرَةُ وَ قوله:

(وَ كَذَا كُلُّ مَنْ جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ) فَإِنَّ الْمَجْعُولَ لَهُ هُنَا الْخِيَارَ هُوَ الْأَجْنَبِيُّ الْمُسْتَشَارُ، لَا الْمَشْرُوطُ لَهُ إلَّا أَنَّ لِلْمَشْرُوطِ لَهُ حَظًّا مِنْ الْخِيَارِ عِنْدَ أَمْرِ الْأَجْنَبِيِّ [لَهُ] بِالْفَسْخِ.

وَكَيْفَ كَانَ فَالْأَقْوَي أَنَّ الْمُسْتَأْمَرَ بِالْفَتْحِ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَ لَا الْإِجَازَةُ وَ إِنَّمَا إلَيْهِ الْأَمْرُ وَ حُكْمُ امْتِثَالِهِ مَا فَصَّلْنَاهُ وَ عَلَي هَذَا فَالْفَرْقُ بَيْنَ اشْتِرَاطِ الْمُؤَامَرَةِ لِأَجْنَبِيٍّ

وَ جَعْلِ الْخِيَارِ لَهُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْمُؤَامَرَةِ الِانْتِهَاءُ إلَي أَمْرِهِ، لَا جَعْلُ الْخِيَارِ لَهُ، بِخِلَافِ مَنْ جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ.

وَعَلَي الْأَوَّلِ يَشْكُلُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُؤَامَرَةِ وَ شَرْطِ الْخِيَارِ.

وَالْمُرَادُ بِقوله:

وَ كَذَا كُلُّ مَنْ جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ، أَنَّهُ إنْ فَسَخَ أَوْ أَجَازَ نَفَذَ وَ إِنْ سَكَتَ إلَي أَنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ لَزِمَ الْبَيْعُ، كَمَا أَنَّ الْمُسْتَأْمَرَ هُنَا لَوْ سَكَتَ عَنْ الْأَمْرِ، أَوْ الْمُسْتَأْمِرِ بِالْكَسْرِ لَوْ سَكَتَ عَنْ الِاسْتِئْمَارِ لَزِمَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ اللُّزُومُ إلَّا بِأَمْرٍ خَارِجٍ وَ هُوَ مُنْتَفٍ.

(وَيَجِبُ اشْتِرَاطُ مُدَّةِ الْمُؤَامَرَةِ) بِوَجْهٍ مُنْضَبِطٍ، حَذَرًا مِنْ الْغَرَرِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ حَيْثُ جَوَّزَ الْإِطْلَاقَ.

الرَّابِعُ خِيَارُ التَّأْخِيرِ

أَيْ: تَأْخِيرِ إقْبَاضِ الثَّمَنِ وَ الْمُثَمَّنِ (عَنْ ثَلَاثَةِ) أَيَّامٍ (فِيمَنْ بَاعَ وَ لَا قَبَضَ) الثَّمَنَ، (وَ لَا أَقْبَضَ) الْمَبِيعَ، (وَ لَا شَرَطَ التَّأْخِيرَ) أَيْ: تَأْخِيرَ الْإِقْبَاضِ وَ الْقَبْضِ فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ فِي الْفَسْخِ (وَقَبْضُ الْبَعْضِ كَلَا قَبْضٍ) لِصِدْقِ عَدَمِ قَبْضِ الثَّمَنِ وَ إِقْبَاضُ الْمُثَمَّنِ مُجْتَمِعًا وَ مُنْفَرِدًا وَ لَوْ قَبَضَ الْجَمِيعَ أَوْ أَقْبَضَهُ فَلَا خِيَارَ وَ إِنْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَهُ.

وَشَرْطُ الْقَبْضِ الْمَانِعِ كَوْنُهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَلَا أَثَرَ لِمَا يَقَعُ بِدُونِهِ وَ كَذَا لَوْ ظَهَرَ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا أَوْ بَعْضَهُ وَ لَا يَسْقُطُ بِمُطَالَبَةِ الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَ إِنْ كَانَ قَرِينَةُ الرِّضَا بِالْعَقْدِ.

وَلَوْ بَذَلَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ بَعْدَهَا قَبْلَ الْفَسْخِ فَفِي سُقُوطِ الْخِيَارِ وَجْهَانِ: وَ مَنْشَؤُهُمَا الِاسْتِصْحَابُ وَ زَوَالُ الضَّرَرِ.

(وَتَلَفُهُ) أَيْ: الْمَبِيعِ (مِنْ الْبَائِعِ مُطْلَقًا) فِي الثَّلَاثَةِ وَ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُوضٍ وَ كُلُّ مَبِيعٍ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَهُوَ مِنْ مَالِ بَائِعِهِ وَ نَبَّهَ بِالْإِطْلَاقِ عَلَي خِلَافِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ تَلَفَهُ فِي الثَّلَاثَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي، لِانْتِقَالِ الْمَبِيعِ إلَيْهِ وَ كَوْنِ التَّأْخِيرِ لِمَصْلَحَتِهِ وَ هُوَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ فِي مُقَابَلَةِ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ الثَّابِتَةِ بِالنَّصِّ

وَ الْإِجْمَاعِ

الْخَامِسُ خِيَارُ مَا يَفْسُدُ لِيَوْمِهِ

وَ هُوَ ثَابِتٌ بَعْدَ دُخُولِ اللَّيْلِ) هَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَدْلُولِ الرِّوَايَةِ.

وَلَكِنْ يَشْكُلُ بِأَنَّ الْخِيَارَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَ إِذَا تَوَقَّفَ ثُبُوتُهُ عَلَي دُخُولِ اللَّيْلِ مَعَ كَوْنِ الْفَسَادِ يَحْصُلُ فِي يَوْمِهِ لَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ وَ إِنَّمَا يَنْدَفِعُ بِالْفَسْخِ قَبْلَ الْفَسَادِ.

وَفَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ خِيَارَ مَا يُفْسِدُهُ الْمَبِيتُ وَ هُوَ حَسَنٌ وَ إِنْ كَانَ فِيهِ خُرُوجٌ عَنْ النَّصِّ لِتَلَافِيهِ بِخَبَرِ الضِّرَارِ وَ اسْتَقْرَبَ تَعْدِيَتَهُ إلَي كُلِّ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ عِنْدَ خَوْفِهِ وَ لَا يَتَقَيَّدُ بِاللَّيْلِ.

وَاكْتَفَي فِي الْفَسَادِ بِنَقْصِ الْوَصْفِ وَفَوَاتِ الرَّغْبَةِ كَمَا فِي الْخَضْرَاوَاتِ وَ اللَّحْمِ وَ الْعِنَبِ وَ كَثِيرٍ مِنْ الْفَوَاكِهِ وَ اسْتَشْكَلَ فِيمَا لَوْ اسْتَلْزَمَ التَّأْخِيرُ فَوَاتَ السُّوقِ، فَعَلَي هَذَا لَوْ كَانَ مِمَّا يَفْسُدُ فِي يَوْمَيْنِ تَأَخَّرَ الْخِيَارُ عَنْ اللَّيْلِ إلَي حِينِ خَوْفِهِ.

وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّجَهٌ وَ إِنْ خَرَجَ عَنْ مَدْلُولِ النَّصِّ الدَّالِّ عَلَي هَذَا الْحُكْمِ، لِقُصُورِهِ عَنْ إفَادَةِ الْحُكْمِ مَتْنًا وَ سَنَدًا وَ خَبَرُ الضِّرَارِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ يُفِيدُهُ فِي الْجَمِيعِ

السَّادِسُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ

السَّادِسُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ

وَهُوَ ثَابِتٌ لِمَنْ لَمْ يَرَ) إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَي بِالْوَصْفِ.

وَلَوْ اشْتَرَي بِرُؤْيَةٍ قَدِيمَةٍ فَكَذَلِكَ يَتَخَيَّرُ لَوْ ظَهَرَ بِخِلَافِ مَا رَآهُ وَ كَذَا مِنْ طَرَفِ الْبَائِعِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِ هَذَا الْقِسْمِ بِقَرِينَةِ قوله:

وَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ: إلَي آخِرِهِ فَإِنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَي مَا لَمْ يَرَ [أَصْلًا]، إذْ لَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ مَا سَبَقَتْ رُؤْيَتُهُ.

وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِيمَا لَمْ يَرَ (إذَا زَادَ فِي طَرَفِ الْبَائِعِ، أَوْ نَقَصَ فِي طَرَفِ الْمُشْتَرِي) وَ لَوْ وُصِفَ لَهُمَا فَزَادَ وَ نَقَصَ بِاعْتِبَارَيْنِ تَخَيَّرَا، أَوْ قُدِّمَ الْفَاسِخُ مِنْهُمَا.

وَهَلْ هُوَ عَلَي الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي؟ وَجْهَانِ: أَجْوَدُهُمَا الْأَوَّلُ وَ هُوَ خِيرَتُهُ فِي الدُّرُوسِ.

(وَ لَا بُدَّ فِيهِ) أَيْ: فِي بَيْعِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَ هُوَ الْعَيْنُ الشَّخْصِيَّةُ الْغَائِبَةُ

(مِنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ وَ الْوَصْفِ) الرَّافِعَيْنِ لِلْجَهَالَةِ، (وَ الْإِشَارَةِ إلَي مُعَيَّنٍ) فَلَوْ انْتَفَي الْوَصْفُ بَطَلَ وَ لَوْ انْتَفَتْ الْإِشَارَةُ كَانَ الْمَبِيعُ كُلِّيًّا لَا يُوجِبُ الْخِيَارَ لَوْ لَمْ يُطَابِقْ الْمَدْفُوعَ، بَلْ عَلَيْهِ إبْدَالُهُ، (وَ لَوْ رَأَي الْبَعْضَ وَ وُصِفَ الْبَاقِي تَخَيَّرَ فِي الْجَمِيعِ مَعَ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ) وَ لَيْسَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَي فَسْخِ مَا لَمْ يَرَ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ وَاحِدٌ.

السَّابِعُ - خِيَارُ الْغَبْنِ

بِسُكُونِ الْبَاءِ وَأَصْلُهُ الْخَدِيعَةُ وَ الْمُرَادُ هُنَا الْبَيْعُ، أَوْ الشِّرَاءُ بِغَيْرِ الْقِيمَةِ (وَ هُوَ ثَابِتٌ) فِي الْمَشْهُورِ لِكُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَ الْمُشْتَرِي (مَعَ الْجَهَالَةِ) بِالْقِيمَةِ (إذَا كَانَ الْغَبْنُ) وَ هُوَ الشِّرَاءُ بِزِيَادَةٍ عَنْ الْقِيمَةِ، أَوْ الْبَيْعُ بِنُقْصَانٍ عَنْهَا (بِمَا لَا يُتَغَابَنُ) أَيْ: يُتَسَامَحُ (بِهِ غَالِبًا) وَ الْمَرْجِعُ فِيهِ إلَي الْعَادَةِ، لِعَدَمِ تَقْدِيرِهِ شَرْعًا وَ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَ يُرْجَعُ فِيهَا إلَي الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ وَ فِي الْجَهَالَةِ إلَيْهَا لِلْمُطَّلِعِ عَلَي حَالِهِ.

وَالْأَقْوَي قَبُولُ قَوْلِهِ فِيهَا بِيَمِينِهِ مَعَ إمْكَانِهَا فِي حَقِّهِ وَ لَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ بِبَذْلِ الْغَابِنِ التَّفَاوُتَ وَ إِنْ انْتَفَي مُوجِبُهُ، اسْتِصْحَابًا لِمَا ثَبَتَ قَبْلَهُ.

نَعَمْ لَوْ اتَّفَقَا عَلَي إسْقَاطِهِ بِالْعِوَضِ صَحَّ كَغَيْرِهِ مِنْ الْخِيَارِ.

(وَ) كَذَا (لَا يَسْقُطُ بِالتَّصَرُّفِ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَصَرِّفُ الْغَابِنَ أَمْ الْمَغْبُونَ وَ سَوَاءٌ خَرَجَ بِهِ عَنْ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ أَمْ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ رَدِّهِ كَالِاسْتِيلَادِ، أَمْ لَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَغْبُونُ الْمُشْتَرِيَ وَ قَدْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ) فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ، إذْ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّ الْعَيْنِ الْمُنْتَقِلَةِ إلَيْهِ لِيَأْخُذَ الثَّمَنَ وَ مِثْلُهُ مَا لَوْ عَرَضَ لَهُ مَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ شَرْعًا كَالِاسْتِيلَادِ وَ إِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمِلْكِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَ عَلَيْهِ عَمَلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الْكِتَابِ.

(وَفِيهِ نَظَرٌ لِلضَّرَرِ) عَلَي الْمُشْتَرِي مَعَ تَصَرُّفِهِ فِيهِ عَلَي وَجْهٍ يَمْنَعُ مِنْ رَدِّهِ لَوْ قُلْنَا بِسُقُوطِ خِيَارِهِ بِهِ (مَعَ

الْجَهْلِ) بِالْغَبْنِ، أَوْ بِالْخِيَارِ وَ الضَّرَرُ مَنْفِيٌّ بِالْخَبَرِ، بَلْ هُوَ مُسْتَنَدُ خِيَارِ الْغَبْنِ، إذْ لَا نَصَّ فِيهِ بِخُصُوصِهِ (وَ حِينَئِذٍ فَيُمْكِنُ الْفَسْخُ) مَعَ تَصَرُّفِهِ كَذَلِكَ (وَ إِلْزَامُهُ بِالْقِيمَةِ) إنْ كَانَ قِيَمِيًّا، (أَوْ الْمِثْلِ) إنْ كَانَ مِثْلِيًّا جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ (وَ كَذَا لَوْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ، أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ)، كَمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُتَصَرِّفُ الْمُشْتَرِيَ وَ الْمَغْبُونُ الْبَائِعَ، فَإِنَّهُ إذَا فَسَخَ وَ لَمْ يَجِدْ الْعَيْنَ يَرْجِعُ إلَي الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ وَ هَذَا الِاحْتِمَالُ مُتَوَجَّهٌ لَكِنْ لَمْ أَقِفْ عَلَي قَائِلٍ بِهِ، نَعَمْ لَوْ عَادَ إلَي مِلْكِهِ بِفَسْخٍ، أَوْ إقَالَةٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا، أَوْ مَوْتِ الْوَلَدِ جَازَ لَهُ الْفَسْخُ إنْ لَمْ يُنَافِ الْفَوْرِيَّةَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ التَّصَرُّفَ مَعَ ثُبُوتِ الْغَبْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَبِيعِ الْمَغْبُونِ فِيهِ، أَوْ فِي ثَمَنِهِ، أَوْ فِيهِمَا، ثُمَّ إمَّا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الْمِلْكِ، أَوْ يَمْنَعَ مِنْ الرَّدِّ كَالِاسْتِيلَادِ، أَوْ يَرِدَ عَلَي الْمَنْفَعَةِ خَاصَّةً كَالْإِجَارَةِ، أَوْ يُوجِبَ تَغَيُّرَ الْعَيْنِ بِالزِّيَادَةِ الْعَيْنِيَّةِ كَغَرْسِ الْأَرْضِ، أَوْ الْحُكْمِيَّةِ كَقِصَارَةِ الثَّوْبِ، أَوْ الْمَشُوبَةِ كَصَبْغِهِ، أَوْ النُّقْصَانِ بِعَيْبٍ وَ نَحْوِهِ، أَوْ بِامْتِزَاجِهَا بِمِثْلِهَا بِمَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ بِالْمُسَاوِي، أَوْ الْأَجْوَدِ، أَوْ الْأَرْدَأِ أَوْ بِغَيْرِهَا، أَوْ بِهِمَا عَلَي وَجْهِ الِاضْمِحْلَالِ كَالزَّيْتِ يُعْمَلُ صَابُونًا، أَوْ لَا يُوجِبُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

ثُمَّ إمَّا أَنْ يَزُولَ الْمَانِعُ مِنْ الرَّدِّ قَبْلَ الْحُكْمِ بِبُطْلَانِ الْخِيَارِ، أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ لَا يَزُولُ وَ الْمَغْبُونُ إمَّا الْبَائِعَ، أَوْ الْمُشْتَرِيَ أَوْ هُمَا.

فَهَذِهِ جُمْلَةُ أَقْسَامِ الْمَسْأَلَةِ وَ مَضْرُوبُهَا يَزِيدُ عَنْ مِائَتَيْ مَسْأَلَةٍ وَ هِيَ مِمَّا تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَي وَ حُكْمُهَا غَيْرُ مُسْتَوْفًي فِي كَلَامِهِمْ.

وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْمَغْبُونَ إنْ كَانَ هُوَ الْبَائِعُ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ بِتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا فَإِنْ فَسَخَ وَ وَجَدَ الْعَيْنَ بَاقِيَةً عَلَي مِلْكِهِ لَمْ تَتَغَيَّرْ تَغَيُّرًا يُوجِبُ زِيَادَةَ الْقِيمَةِ وَ لَا يَمْنَعُ

مِنْ رَدِّهَا أَخْذُهَا وَ إِنْ وَجَدَهَا مُتَغَيِّرَةً بِصِفَةٍ مَحْضَةٍ كَالطَّحْنِ وَ الْقِصَارَةِ فَلِلْمُشْتَرِي أُجْرَةُ عَمَلِهِ.

وَلَوْ زَادَتْ قِيمَةُ الْعَيْنِ بِهَا شَارَكَهُ فِي الزِّيَادَةِ بِنِسْبَةِ الْقِيمَةِ وَ إِنْ كَانَ صِفَةً مِنْ وَجْهٍ وَ عَيْنًا مِنْ آخَرَ كَالصَّبْغِ صَارَ شَرِيكًا بِنِسْبَتِهِ كَمَا مَرَّ وَ أَوْلَي هُنَا وَ لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَيْنًا مَحْضَةً كَالْغَرْسِ أَخَذَ الْمَبِيعَ وَ تَخَيَّرَ بَيْنَ قَلْعِ الْغَرْسِ بِالْأَرْشِ وَ إِبْقَائِهِ بِالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ وَضْعٌ بِحَقٍّ وَ لَوْ رَضِيَ بِبَقَائِهِ بِهَا وَ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي قَلْعَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا أَرْشَ لَهُ وَ عَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْحُفَرِ حِينَئِذٍ وَ لَوْ كَانَ زَرْعًا وَجَبَ إبْقَاؤُهُ إلَي أَوَانِ بُلُوغِهِ بِالْأُجْرَةِ.

وَإِنْ وَجَدَهَا نَاقِصَةً أَخَذَهَا مَجَّانًا كَذَلِكَ إنْ شَاءَ وَ إِنْ وَجَدَهَا مُمْتَزِجَةً بِغَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ بِمُسَاوٍ، أَوْ أَرْدَأَ صَارَ شَرِيكًا إنْ شَاءَ وَ إِنْ كَانَ بِأَجْوَدَ فَفِي سُقُوطِ خِيَارِهِ، أَوْ كَوْنِهِ شَرِيكًا بِنِسْبَةِ الْقِيمَةِ، أَوْ الرُّجُوعُ إلَي الصُّلْحِ أَوْجَهُ وَ لَوْ مَزَجَهَا بِغَيْرِ الْجِنْسِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ فَكَالْمَعْدُومَةِ وَ إِنْ وَجَدَهَا مُنْتَقِلَةً عَنْ مِلْكِهِ بِعَقْدٍ لَازِمٍ كَالْبَيْعِ وَ الْعِتْقِ رَجَعَ إلَي الْمِثْلِ، أَوْ الْقِيمَةِ وَ كَذَا لَوْ وَجَدَهَا عَلَي مِلْكِهِ مَعَ عَدَمِ إمْكَانِ رَدِّهَا كَالْمُسْتَوْلَدَةِ.

ثُمَّ إنْ اسْتَمَرَّ الْمَانِعُ اسْتَمَرَّ السُّقُوطُ وَ إِنْ زَالَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْعِوَضِ بِأَنْ رَجَعَتْ إلَي مِلْكِهِ، أَوْ مَاتَ الْوَلَدُ أَخَذَ الْعَيْنَ مَعَ احْتِمَالِ الْعَدَمِ، لِبُطْلَانِ حَقِّهِ بِالْخُرُوجِ فَلَا يَعُودُ وَ لَوْ كَانَ الْعَوْدُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْعِوَضِ فَفِي رُجُوعِهِ إلَي الْعَيْنِ وَجْهَانِ مِنْ بُطْلَانِ حَقِّهِ مِنْ الْعَيْنِ وَ كَوْنِ الْعِوَضِ لِلْحَيْلُولَةِ و قد زَالَتْ.

وَلَوْ كَانَ النَّاقِلُ مِمَّا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ كَالْبَيْعِ بِخِيَارٍ أُلْزِمَ بِالْفَسْخِ، فَإِنْ امْتَنَعَ فَسَخَهُ الْحَاكِمُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَسَخَهُ الْمَغْبُونُ وَ إِنْ وَجَدَهَا مَنْقُولَةَ الْمَنَافِعِ جَازَ لَهُ الْفَسْخُ وَ انْتِظَارُ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَ تَصِيرُ مِلْكَهُ مِنْ حِينِهِ وَ لَيْسَ

لَهُ فَسْخُ الْإِجَارَةِ وَ لَوْ كَانَ النَّقْلُ جَائِزًا كَالسُّكْنَي الْمُطْلَقَةِ فَلَهُ الْفَسْخُ.

هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَصَرَّفَ فِي الثَّمَنِ تَصَرُّفًا يَمْنَعُ مِنْ رَدِّهِ وَ إِلَّا سَقَطَ خِيَارُهُ، كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْعَيْنِ وَ الِاحْتِمَالُ السَّابِقُ قَائِمٌ فِيهِمَا فَإِنْ قُلْنَا بِهِ دَفَعَ مِثْلَهُ، أَوْ قِيمَتَهُ.

وَإِنْ كَانَ الْمَغْبُونُ هُوَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ بِتَصَرُّفِ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ مُطْلَقًا فَيُرْجَعُ إلَي عَيْنِ الثَّمَنِ، أَوْ مِثْلِهِ، أَوْ قِيمَتِهِ وَ أَمَّا تَصَرُّفُهُ فِيمَا غُبِنَ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَاقِلًا عَنْ الْمِلْكِ عَلَي وَجْهٍ لَازِمٍ وَ لَا مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ وَ لَا مُنَقِّصًا لِلْعَيْنِ فَلَهُ رَدُّهَا.

وَفِي النَّاقِلِ وَ الْمَانِعِ مَا تَقَدَّمَ.

وَلَوْ كَانَ قَدْ زَادَهَا فَأَوْلَي بِجَوَازِهِ، أَوْ نَقَصَهَا، أَوْ مَزَجَهَا، أَوْ آجَرَهَا فَوَجْهَانِ وَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ، لَكِنْ إنْ كَانَ النَّقْصُ مِنْ قِبَلِهِ رَدَّهَا مَعَ الْأَرْشِ وَ إِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ.

وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَغْرُوسَةً فَعَلَيْهِ قَلْعُهُ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ إنْ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِالْأُجْرَةِ وَ فِي خَلْطِهِ بِالْأَرْدَأِ الْأَرْشُ.

وَبِالْأَجْوَدِ إنْ بُذِلَ لَهُ بِنِسْبَتِهِ فَقَدْ أَنْصَفَهُ وَ إِلَّا فَإِشْكَالٌ.

الثَّامِنُ - خِيَارُ الْعَيْبِ

الثَّامِنُ - خِيَارُ الْعَيْبِ

وَ هُوَ كُلُّ مَا زَادَ عَنْ الْخِلْقَةِ الْأَصْلِيَّةِ) وَ هِيَ خِلْقَةُ أَكْثَرِ النَّوْعِ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ ذَلِكَ ذَاتًا وَ صِفَةً، (أَوْ نَقَصَ) عَنْهَا (عَيْنًا كَانَ) الزَّائِدُ وَ النَّاقِصُ (كَالْإِصْبَعِ) زَائِدَةً عَلَي الْخَمْسِ، أَوْ نَاقِصَةً مِنْهَا، (أَوْ صِفَةً كَالْحُمَّي وَ لَوْ يَوْمًا) بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ فَيَجِدَهُ مَحْمُومًا، أَوْ يَحَمُّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَ إِنْ بَرِئَ لِيَوْمِهِ، فَإِنْ وَجَدَ ذَلِكَ فِي الْمَبِيعِ سَوَاءٌ أَنْقَصَ قِيمَتَهُ، أَمْ زَادَهَا فَضْلًا عَنْ الْمُسَاوَاةِ (فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ مَعَ الْجَهْلِ) بِالْعَيْبِ عِنْدَ الشِّرَاءِ (بَيْنَ الرَّدِّ وَ الْأَرْشِ وَ هُوَ جُزْءٌ) مِنْ الثَّمَنِ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ (مِثْلُ نِسْبَةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ)

فَيُؤْخَذُ ذَلِكَ (مِنْ الثَّمَنِ) بِأَنْ يَقُومَ الْمَبِيعُ صَحِيحًا وَ مَعِيبًا وَ يُؤْخَذَ مِنْ الثَّمَنِ مِثْلُ تِلْكَ النِّسْبَةِ، لَا تَفَاوُتَ مَا بَيْنَ الْمَعِيبِ وَ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُحِيطُ بِالثَّمَنِ، أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ أَخْذُهُ الْعِوَضَ وَ الْمُعَوَّضَ، كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ بِخَمْسِينَ وَ قُوِّمَ مَعِيبًا بِهَا وَ صَحِيحًا بِمِائَةٍ.

أَوْ أَزْيَدَ وَ عَلَي اعْتِبَارِ النِّسْبَةِ يَرْجِعُ فِي الْمِثَالِ بِخَمْسَةٍ وَ عِشْرِينَ وَ عَلَي هَذَا الْقِيَاسِ.

(وَ لَوْ تَعَدَّدَتْ الْقِيَمُ) إمَّا لِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ، أَوْ لِاخْتِلَافِ قِيمَةِ أَفْرَادِ ذَلِكَ النَّوْعِ الْمُسَاوِيَةِ لِلْمَبِيعِ، فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ نَادِرًا وَ الْأَكْثَرُ وَ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الدُّرُوسِ عَبَّرُوا عَنْ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ (أُخِذَتْ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ مُتَسَاوِيَةُ النِّسْبَةِ إلَي الْجَمِيعِ) أَيْ: مُنْتَزِعَةٌ مِنْهُ نِسْبَتُهَا إلَيْهِ بِالسَّوِيَّةِ (فَمِنْ الْقِيمَتَيْنِ) يُؤْخَذُ (نِصْفُهُمَا) وَ مِنْ الثَّلَاثِ ثُلُثُهَا، (وَ مِنْ الْخَمْسِ خُمُسُهَا) وَ هَكَذَا.

وَضَابِطُهُ أَخْذُ قِيمَةٍ مُنْتَزَعَةٍ مِنْ الْمَجْمُوعِ نِسْبَتُهَا إلَيْهِ كَنِسْبَةِ الْوَاحِدِ إلَي عَدَدِ تِلْكَ الْقِيَمِ وَ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التَّرْجِيحِ.

وَطَرِيقُهُ أَنْ تُجْمَعَ الْقِيَمُ الصَّحِيحَةُ عَلَي حِدَةٍ وَ الْمَعِيبَةُ كَذَلِكَ وَ تُنْسَبُ إحْدَاهُمَا إلَي الْأُخْرَي وَ يُؤْخَذُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ فِي قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَ مَعِيبًا وَ فِي أَحَدَيْهِمَا.

وَقِيلَ: يُنْسَبُ مَعِيبُ كُلِّ قِيمَةٍ إلَي صَحِيحِهَا وَ يُجْمَعُ قَدْرُ النِّسْبَةِ وَ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُجْتَمِعِ بِنِسْبَتِهَا وَ هَذَا الطَّرِيقُ مَنْسُوبٌ إلَي الْمُصَنِّفِ وَ عِبَارَتُهُ هُنَا وَ فِي الدُّرُوسِ لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ.

وَفِي الْأَكْثَرِ يَتَّحِدُ الطَّرِيقَانِ.

وَقَدْ يَخْتَلِفَانِ فِي يَسِيرٍ، كَمَا لَوْ قَالَتْ إحْدَي الْبَيِّنَتَيْنِ: إنَّ قِيمَتَهُ اثْنَا عَشَرَ صَحِيحًا وَ عَشَرَةٌ مَعِيبًا وَ الْأُخْرَي ثَمَانِيَةٌ صَحِيحًا وَ خَمْسَةٌ مَعِيبًا، فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ الصَّحِيحَتَيْنِ وَ مَجْمُوعِ الْمَعِيبَتَيْنِ الرُّبُعُ فَيَرْجِعُ بِرُبُعِ الثَّمَنِ وَ هُوَ ثَلَاثَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ وَ عَلَي الثَّانِي يُؤْخَذُ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ عَلَي قَوْلِ

الْأُولَي وَ هُوَ السُّدُسُ وَ عَلَي قَوْلِ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ.

وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ سِتَّةٌ وَ نِصْفٌ.

يُؤْخَذُ نِصْفُهَا: ثَلَاثَةٌ وَ رُبُعٌ.

فَظَهَرَ التَّفَاوُتُ.

وَلَوْ كَانَتْ ثَلَاثًا فَقَالَتْ إحْدَاهَا: كَالْأُولَي وَ الثَّانِيَةُ: عَشَرَةٌ صَحِيحًا وَ ثَمَانِيَةٌ مَعِيبًا وَ الثَّالِثَةُ: ثَمَانِيَةٌ صَحِيحًا وَ سِتَّةٌ مَعِيبًا.

فَالصَّحِيحَةُ ثَلَاثُونَ وَ الْمَعِيبَةُ أَرْبَعَةٌ وَ عِشْرُونَ وَ التَّفَاوُتُ سِتَّةٌ هِيَ الْخَمْسُ.

عَلَي الثَّانِي يُجْمَعُ سُدُسُ الثَّمَنِ وَ خُمُسُهُ وَ رُبُعُهُ وَ يُؤْخَذُ ثُلُثُ الْمَجْمُوعِ وَ هُوَ يَزِيدُ عَنْ الْأَوَّلِ بِثُلُثِ خُمُسٍ.

وَلَوْ اتَّفَقَتْ عَلَي الصَّحِيحَةِ كَاثْنَيْ عَشَرَ، دُونَ الْمَعِيبَةِ فَقَالَتْ إحْدَاهُمَا: عَشَرَةٌ وَ الْأُخْرَي: سِتَّةٌ، فَطَرِيقَتُهُ تَنْصِيفُ الْمَعِيبَتَيْنِ وَ نِسْبَةُ النِّصْفِ إلَي الصَّحِيحَةِ، أَوْ تَجْمَعُ الْمَعِيبَتَيْنِ مَعَ تَضْعِيفِ الصَّحِيحَةِ وَ أَخْذِ مِثْلِ نِسْبَةِ الْمَجْمُوعِ إلَيْهِ وَ هُوَ الثُّلُثُ.

وَعَلَي الثَّانِي يُؤْخَذُ مِنْ الْأُولَي السُّدُسُ وَ مِنْ الثَّانِيَةِ النِّصْفُ وَ يُؤْخَذُ نِصْفُهُ وَ هُوَ الثُّلُثُ أَيْضًا.

وَلَوْ انْعَكَسَ بِأَنْ اتَّفَقَتَا عَلَي السِّتَّةِ مَعِيبًا وَ قَالَتْ إحْدَاهُمَا: ثَمَانِيَةٌ صَحِيحًا وَ أُخْرَي: عَشَرَةٌ، فَإِنْ شِئْت جَمَعْتَهُمَا وَ أَخَذْت التَّفَاوُتَ وَ هُوَ الثُّلُثُ، أَوْ أَخَذَتْ نِصْفَ الصَّحِيحَتَيْنِ وَ نَسَبَتْهُ إلَي الْمَعِيبَةِ وَ هُوَ الثُّلُثُ أَيْضًا.

وَعَلَي الثَّانِي يَكُونُ التَّفَاوُتُ رُبُعًا وَ خُمُسَيْنِ فَنِصْفُهُ وَ هُوَ ثُمُنٌ وَ خُمُسٌ يَنْقُصُ عَنْ الثُّلُثِ بِنِصْفِ خُمُسٍ.

وَعَلَي هَذَا الْقِيَاسِ.

(وَيَسْقُطُ الرَّدُّ بِالتَّصَرُّفِ) فِي الْمَبِيعِ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ أَمْ بَعْدَهُ وَ سَوَاءٌ كَانَ التَّصَرُّفُ نَاقِلًا لِلْمِلْكِ أَمْ لَا، مُغَيِّرًا لِلْعَيْنِ أَمْ لَا، عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ أَمْ لَا.

وَمَا تَقَدَّمَ فِي تَصَرُّفِ الْحَيَوَانِ آتٍ هُنَا،، (أَوْ حُدُوثِ عَيْبٍ بَعْدَ الْقَبْضِ) مَضْمُونٌ عَلَي الْمُشْتَرِي، سَوَاءٌ كَانَ حُدُوثُهُ مِنْ جِهَتِهِ أَمْ لَا.

وَاحْتَرَزْنَا بِالْمَضْمُونِ عَلَيْهِ عَمَّا لَوْ كَانَ حَيَوَانًا وَ حَدَثَ فِيهِ الْعَيْبُ فِي الثَّلَاثَةِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ وَ لَا الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ

مَضْمُونٌ عَلَي الْبَائِعِ.

وَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِرَدِّهِ مَجْبُورًا بِالْأَرْشِ، أَوْ غَيْرَ مَجْبُورٍ جَازَ.

وَفِي حُكْمِهِ مَا لَوْ اشْتَرَي صَفْقَةً مُتَعَدِّدًا وَ ظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ وَ تَلِفَ أَحَدُهَا، أَوْ اشْتَرَي اثْنَانِ صَفْقَةً فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الرَّدِّ فَإِنَّ الْآخَرَ يُمْنَعُ مِنْهُ وَ لَهُ الْأَرْشُ وَ إِنْ أَسْقَطَهُ الْآخَرُ سَوَاءٌ اتَّحَدَتْ الْعَيْنُ أَمْ تَعَدَّدَتْ، اقْتَسَمَاهَا أَمْ لَا.

وَأَوْلَي بِالْمَنْعِ مِنْ التَّفَرُّقِ الْوَارِثُ عَنْ وَ احِدٍ؛ لِأَنَّ التَّعَدُّدَ هُنَا طَارِئٌ عَلَي الْعَقْدِ.

سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ خِيَارُ الْعَيْبِ وَ غَيْرُهُ.

وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ اشْتَرَي شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا فَظَهَرَ فِي أَحَدِهِمَا عَيْبٌ، فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ، بَلْ رَدُّهُمَا، أَوْ إمْسَاكُهُمَا بِأَرْشِ الْمَعِيبِ.

وَكَذَا يَسْقُطُ الرَّدُّ، دُونَ الْأَرْشِ إذَا اشْتَرَي مِنْ يَنْعَتِقُ عَلَيْهِ لِانْعِتَاقِهِ بِنَفْسِ الْمِلْكِ وَ يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَي التَّصَرُّفِ وَ كَذَا يَسْقُطُ الرَّدُّ بِإِسْقَاطِهِ مَعَ اخْتِيَارِهِ الْأَرْشَ أَوْ لَا مَعَهُ.

(وَ) حَيْثُ يَسْقُطُ الرَّدُّ (يَبْقَي الْأَرْشُ وَ يَسْقُطَانِ) أَيْ: الرَّدُّ وَ الْأَرْشُ مَعًا (بِالْعِلْمِ بِهِ) أَيْ: بِالْعَيْبِ (قَبْلَ الْعَقْدِ)، فَإِنَّ قُدُومَهُ عَلَيْهِ عَالِمًا بِهِ رِضًا بِالْمَعِيبِ، (وَبِالرِّضَا بِهِ بَعْدَهُ) غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْأَرْشِ وَ أَوْلَي مِنْهُ إسْقَاطُ الْخِيَارِ، (وَبِالْبَرَاءَةِ) أَيْ: بَرَاءَةِ الْبَائِعِ (مِنْ الْعُيُوبِ وَ لَوْ إجْمَالًا) كَقوله:

بَرِئْت مِنْ جَمِيعِ الْعُيُوبِ عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ عِلْمِ الْبَائِعِ وَ الْمُشْتَرِي بِالْعُيُوبِ وَ جَهْلِهِمَا وَ التَّفْرِيقِ وَ لَا بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَ غَيْرِهِ وَ لَا بَيْنَ الْعُيُوبِ الْبَاطِنَةِ وَ غَيْرِهَا وَ لَا بَيْنَ الْمَوْجُودَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ وَ الْمُتَجَدِّدَةِ حَيْثُ تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَي الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ بِهَا ثَابِتٌ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَ إِنْ كَانَ السَّبَبُ حِينَئِذٍ غَيْرَ مَضْمُونٍ.

(وَ الْإِبَاقُ) عِنْدَ الْبَائِعِ (وَ عَدَمُ الْحَيْضِ) مِمَّنْ شَأْنُهَا الْحَيْضُ بِحَسَبِ سِنِّهَا (عَيْبٌ) وَ يَظْهَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ الِاكْتِفَاءُ بِوُقُوعِ الْإِبَاقِ مَرَّةً قَبْلَ الْعَقْدِ وَ بِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ وَ الْأَقْوَي اعْتِبَارُ اعْتِيَادِهِ وَ أَقَلُّ مَا يَتَحَقَّقُ

بِمَرَّتَيْنِ وَ لَا يُشْتَرَطُ إبَاقُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، بَلْ مَتَي تَحَقَّقَ ذَلِكَ عِنْدَ الْبَائِعِ جَازَ الرَّدُّ وَ لَوْ تَجَدَّدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي الثَّلَاثَةِ مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَقَعَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَ لَا يُعْتَبَرُ فِي ثُبُوتِ عَيْبِ الْحَيْضِ مُضِيُّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، بَلْ يَثْبُتُ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ تَحِيضُ فِيهَا أَسْنَانُهَا فِي تِلْكَ الْبِلَادِ، (وَ كَذَا الثُّفْلُ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَ هُوَ مَا اسْتَقَرَّ تَحْتَ الْمَائِعِ مِنْ كُدْرَةٍ (فِي الزَّيْتِ) وَ شَبَهِهِ (غَيْرِ الْمُعْتَادِ).

أَمَّا الْمُعْتَادُ مِنْهُ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ؛ لِاقْتِضَاءِ طَبِيعَةِ الزَّيْتِ وَ شَبَهِهِ كَوْنَ ذَلِكَ فِيهِ غَالِبًا وَ لَا يُشْكِلُ صِحَّةُ الْبَيْعِ مَعَ زِيَادَتِهِ عَنْ الْمُعْتَادِ بِجَهَالَةِ قَدْرِ الْمَبِيعِ الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ فَيُجْهَلُ مِقْدَارُ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ مَعَ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الْجُمْلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِرِهِ.

التَّاسِعُ - خِيَارُ التَّدْلِيسِ

التَّاسِعُ - خِيَارُ التَّدْلِيسِ)

وَهُوَ تَفْعِيلٌ مِنْ الدَّلَسِ مُحَرَّكًا وَ هُوَ الظُّلْمَةُ كَأَنَّ الْمُدَلِّسَ يُظْلِمُ الْأَمْرَ وَ يُبْهِمُهُ حَتَّي يُوهِمَ غَيْرَ الْوَاقِعِ وَ مِنْهُ اشْتِرَاطُ صِفَةٍ فَتَفُوتُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ أَمْ مِنْ الْمُشْتَرِي (فَلَوْ شَرَطَ صِفَةَ كَمَالِ كَالْبَكَارَةِ، أَوْ تَوَهَّمَهَا) الْمُشْتَرِي كَمَالًا ذَاتِيًّا (كَتَحْمِيرِ الْوَجْهِ وَ وَصْلِ الشَّعْرِ فَظَهَرَ الْخِلَافُ، تَخَيَّرَ) بَيْنَ الْفَسْخِ وَ الْإِمْضَاءِ بِالثَّمَنِ، (وَ لَا أَرْشَ) لِاخْتِصَاصِهِ بِالْعَيْبِ وَ الْوَاقِعُ لَيْسَ بِعَيْبٍ، بَلْ فَوَاتُ أَمْرٍ زَائِدٍ وَ يُشْكِلُ ذَلِكَ فِي الْبَكَارَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا بِمُقْتَضَي الطَّبِيعَةِ وَ فَوَاتُهَا نَقْصٌ يَحْدُثُ عَلَي الْأَمَةِ وَ يُؤَثِّرُ فِي نُقْصَانِ الْقِيمَةِ تَأْثِيرًا بَيِّنًا فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الرَّدِّ وَ الْأَرْشِ، بَلْ يُحْتَمَلُ ثُبُوتُهُمَا وَ إِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ خُصُوصًا فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَيْسَتْ مَحَلَّ الْوَطْءِ، فَإِنَّ أَصْلَ الْخِلْقَةِ وَ الْغَالِبَ مُتَطَابِقَانِ فِي مِثْلِهَا عَلَي الْبَكَارَةِ فَيَكُونُ فَوَاتُهَا عَيْبًا وَ هُوَ فِي الصَّغِيرَةِ قَوِيٌّ وَ فِي غَيْرِهَا مُتَّجَهٌ إلَّا أَنَّ الْغَالِبَ لَمَّا

كَانَ عَلَي خِلَافِهِ فِي الْإِمَاءِ كَانَتْ الثَّيْبُوبَةُ فِيهِنَّ بِمَنْزِلَةِ الْخِلْقَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَ إِنْ كَانَتْ عَارِضَةً.

وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ مَعَ الْعِلْمِ بِسَبْقِ الثَّيْبُوبَةِ عَلَي الْبَيْعِ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ إقْرَارِ الْبَائِعِ، أَوْ قُرْبِ زَمَانِ الِاخْتِيَارِ إلَي زَمَانِ الْبَيْعِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَجَدُّدُ الثَّيْبُوبَةِ فِيهِ عَادَةً وَ إِلَّا فَلَا خِيَارَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَذْهَبُ بِالْعِلَّةِ وَ النَّزْوَةِ وَ غَيْرِهِمَا، نَعَمْ لَوْ تَجَدَّدَتْ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْحَيَوَانِ، أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ.

وَلَوْ انْعَكَسَ الْفَرْضُ بِأَنْ يَشْتَرِطَ الثَّيْبُوبَةَ فَظَهَرَتْ بِكْرًا فَالْأَقْوَي تَخَيُّرُهُ أَيْضًا بَيْنَ الرَّدِّ وَ الْإِمْسَاكِ بِغَيْرِ أَرْشٍ، لِجَوَازِ تَعَلُّقِ غَرَضِهِ بِذَلِكَ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ كَوْنُ الْبِكْرِ أَتَمَّ غَالِبًا.

(وَ كَذَا التَّصْرِيَةُ) وَ هُوَ جَمْعُ لَبَنِ الشَّاةِ وَ مَا فِي حُكْمِهَا فِي ضَرْعِهَا بِتَرْكِهَا بِغَيْرِ حَلْبٍ وَ لَا رَضَاعٍ فَيَظُنُّ الْجَاهِلُ بِحَالِهَا كَثْرَةَ مَا تَحْلُبُهُ فَيَرْغَبُ فِي شِرَائِهَا بِزِيَادَةٍ وَ هُوَ تَدْلِيسٌ مُحَرَّمٌ وَ حُكْمُهُ ثَابِتٌ (لِلشَّاةِ) إجْمَاعًا، (وَ الْبَقَرَةُ وَ النَّاقَةُ) عَلَي الْمَشْهُورِ، بَلْ قِيلَ: إنَّهُ إجْمَاعٌ، فَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ الْحُجَّةُ وَ إِلَّا فَالْمَنْصُوصُ الشَّاةُ وَ إِلْحَاقُ غَيْرِهَا بِهَا قِيَاسٌ، إلَّا أَنْ يُعَلَّلَ بِالتَّدْلِيسِ الْعَامِّ فَيُلْحَقَانِ بِهَا.

وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَ طَرَدَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْحُكْمَ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ حَتَّي الْآدَمِيِّ وَ فِي الدُّرُوسِ أَنَّهُ لَيْسَ بِذَلِكَ الْبَعِيدِ لِلتَّدْلِيسِ.

وَتَثْبُتُ التَّصْرِيَةُ إنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهَا الْبَائِعُ وَ لَمْ تَقُمْ بِهَا بَيِّنَةٌ (بَعْدَ اخْتِبَارِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فَإِنْ اتَّفَقَتْ فِيهَا الْحَلَبَاتُ عَادَةً، أَوْ زَادَتْ اللَّاحِقَةُ فَلَيْسَتْ مُصَرَّاةً وَ إِنْ اخْتَلَفَتْ فِي الثَّلَاثَةِ فَكَانَ بَعْضُهَا نَاقِصًا عَنْ الْأُولَي نُقْصَانًا خَارِجًا عَنْ الْعَادَةِ وَ إِنْ زَادَ بَعْدَهَا فِي الثَّلَاثَةِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ بِلَا فَصْلٍ عَلَي الْفَوْرِ وَ لَوْ ثَبَتَتْ بِالْإِقْرَارِ، أَوْ الْبَيِّنَةِ جَازَ الْفَسْخُ مِنْ حِينِ الثُّبُوتِ مُدَّةَ الثَّلَاثَةِ، مَا لَمْ يَتَصَرَّفْ بِغَيْرِ الِاخْتِبَارِ بِشَرْطِ النُّقْصَانِ فَلَوْ تَسَاوَتْ، أَوْ

زَادَتْ هِبَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَي فَالْأَقْوَي زَوَالُهُ وَ مِثْلُهُ مَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّي زَالَ.

(وَ يُرَدُّ مَعَهَا) إنْ اخْتَارَ رَدَّهَا (اللَّبَنُ) الَّذِي حَلَبَهُ مِنْهَا (حَتَّي الْمُتَجَدِّدُ) مِنْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوْ (مِثْلُهُ لَوْ تَلِفَ).

أَمَّا رَدُّ الْمَوْجُودِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ وَ أَمَّا الْمُتَجَدِّدُ فَلِإِطْلَاقِ النَّصِّ بِالرَّدِّ الشَّامِلِ لَهُ.

وَيُشْكِلُ بِأَنَّهُ نَمَاءُ الْمَبِيعِ الَّذِي هُوَ مِلْكُهُ وَ الْعَقْدُ إنَّمَا يَنْفَسِخُ مِنْ حِينِهِ وَ الْأَقْوَي عَدَمُ رَدِّهِ وَ اسْتُشْكِلَ فِي الدُّرُوسِ وَ لَوْ لَمْ يَتْلَفْ اللَّبَنُ لَكِنْ تَغَيَّرَ فِي ذَاتِهِ أَوْ صِفَتِهِ بِأَنْ عُمِلَ جُبْنًا، أَوْ مَخِيضًا وَ نَحْوَهُمَا فَفِي رَدِّهِ بِالْأَرْشِ إنْ نَقَصَ، أَوْ مَجَّانًا أَوْ الِانْتِقَالِ إلَي بَدَلِهِ أَوْجُهٌ: أَجْوَدُهَا الْأَوَّلُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قوله:

بَعْدَ اخْتِبَارِهَا ثَلَاثَةً: ثُبُوتُ الْخِيَارِ الْمُسْتَنِدِ إلَي الِاخْتِبَارِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ سَابِقًا وَ بِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ مُدَّةِ التَّصْرِيَةِ وَ خِيَارِ الْحَيَوَانِ، فَإِنَّ الْخِيَارَ فِي ثَلَاثَةِ الْحَيَوَانِ فِيهَا وَ فِي ثَلَاثَةِ التَّصْرِيَةِ بَعْدَهَا وَ لَوْ ثَبَتَ التَّصْرِيَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِالْإِقْرَارِ، أَوْ الْبَيِّنَةِ فَالْخِيَارُ ثَلَاثَةٌ وَ لَا فَوْرِيَّةَ فِيهَا عَلَي الْأَقْوَي وَ هُوَ اخْتِيَارُهُ فِي الدُّرُوسِ.

وَيُشْكِلُ حِينَئِذٍ الْفَرْقُ، بَلْ رُبَّمَا قِيلَ: بِانْتِفَاءِ فَائِدَةِ خِيَارِ التَّصْرِيَةِ حِينَئِذٍ لِجَوَازِ الْفَسْخِ فِي الثَّلَاثَةِ بِدُونِهَا.

وَيَنْدَفِعُ بِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْأَسْبَابِ وَ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِيمَا لَوْ أَسْقَطَ أَحَدَهُمَا وَ يَظْهَرُ مِنْ الدُّرُوسِ تَقْيِيدُ خِيَارِ التَّصْرِيَةِ بِالثَّلَاثَةِ مُطْلَقًا وَ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَنَّهَا لِمَكَانِ خِيَارِ الْحَيَوَانِ.

وَيُشْكِلُ بِإِطْلَاقِ تَوَقُّفِهِ عَلَي الِاخْتِبَارِ ثَلَاثَةً فَلَا يُجَامِعُهَا حَيْثُ لَا تَثْبُتُ بِدُونِهِ وَ الْحُكْمُ بِكَوْنِهِ يَتَخَيَّرُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْهَا يُوجِبُ الْمَجَازَ فِي الثَّلَاثَةِ.

الْعَاشِرُ خِيَارُ الِاشْتِرَاطِ

حَيْثُ لَا يُسَلِّمُ الشَّرْطَ لِمُشْتَرِطِهِ بَائِعًا وَ مُشْتَرِيًا، (وَيَصِحُّ اشْتِرَاطُ سَائِغٍ فِي الْعَقْدِ إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَي جَهَالَةٍ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ، أَوْ يَمْنَعُ مِنْهُ الْكِتَابُ وَ السُّنَّةُ) وَ جَعْلُ ذَلِكَ

شَرْطًا بَعْدَ قَيْدِ السَّائِغِ تَكَلُّفٌ (كَمَا لَوْ شَرَطَ تَأْخِيرَ الْمَبِيعِ) فِي يَدِ الْبَائِعِ، (أَوْ الثَّمَنِ) فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (مَا شَاءَ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، هَذَا مِثَالُ مَا يُؤَدِّي إلَي جَهَالَةٍ فِي أَحَدِهِمَا، فَإِنَّ الْأَجَلَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِذَا كَانَ مَجْهُولًا يُجْهَلُ الثَّمَنُ وَ كَذَا الْقَوْلُ فِي جَانِبِ الْمُعَوَّضِ، (أَوْ عَدَمَ وَطْءِ الْأَمَةِ، أَوْ) شَرَطَ (وَطْءَ الْبَائِعِ إيَّاهَا) بَعْدَ الْبَيْعِ مَرَّةً، أَوْ أَزْيَدَ، أَوْ مُطْلَقًا، هَذِهِ أَمْثِلَةٌ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ الْكِتَابُ وَ السُّنَّةُ.

(وَ) كَذَا (يَبْطُلُ) الشَّرْطُ (بِاشْتِرَاطِ غَيْرِ الْمَقْدُورِ) لِلْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ (كَاشْتِرَاطِهِ حَمْلَ الدَّابَّةِ فِيمَا بَعْدُ، أَوْ أَنَّ الزَّرْعَ يَبْلُغُ السُّنْبُلَ)، سَوَاءٌ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ أَمْ بِفِعْلِ اللَّهِ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عَدَمِ الْمَقْدُورِيَّةِ.

(وَ لَوْ شَرَطَ تَبْقِيَةَ الزَّرْعِ) فِي الْأَرْضِ إذَا بِيعَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ (إلَي أَوَانِ السُّنْبُلِ جَازَ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَقْدُورٌ لَهُ وَ لَا يُعْتَبَرُ تَعْيِينُ مُدَّةَ الْبَقَاءِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَي الْمُتَعَارَفِ مِنْ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ مُنْضَبِطٌ.

(وَ لَوْ شَرَطَ غَيْرَ السَّائِغِ بَطَلَ) الشَّرْطُ (وَأَبْطَلَ الْعَقْدَ) فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، لِامْتِنَاعِ بَقَائِهِ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِانْفِرَادِهِ وَ مَا هُوَ مَقْصُودٌ لَمْ يُسَلَّمْ وَ لِأَنَّ لِلشَّرْطِ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا بَطَلَ يُجْهَلُ الثَّمَنُ.

وَقِيلَ: يَبْطُلُ الشَّرْطُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ الْمُمْتَنِعُ شَرْعًا دُونَ الْبَيْعِ وَ لِتَعَلُّقِ التَّرَاضِي بِكُلٍّ مِنْهُمَا.

وَيَضْعُفُ بِعَدَمِ قَصْدِهِ مُنْفَرِدًا وَ هُوَ شَرْطُ الصِّحَّةِ.

(وَ لَوْ شَرَطَ عِتْقَ الْمَمْلُوكِ) الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ (جَازَ)؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ سَائِغٌ، بَلْ رَاجِحٌ، سَوَاءٌ شَرَطَ عِتْقَهُ عَنْ الْمُشْتَرِي أَمْ أَطْلَقَ.

وَلَوْ شَرَطَ عَنْهُ فَفِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ: أَجْوَدُهُمَا الْمَنْعُ، إذْ لَا عِتْقَ إلَّا فِي مِلْكٍ، (فَإِنْ أَعْتَقَهُ) فَذَاكَ، (وَ إِلَّا تَخَيَّرَ الْبَائِعُ) بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَ إِمْضَائِهِ، فَإِنْ فَسَخَ اسْتَرَدَّهُ وَ إِنْ انْتَقَلَ قَبْلَهُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَ كَذَا يَتَخَيَّرُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْعِتْقِ فَإِنْ فَسَخَ

رَجَعَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ التَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِانْتِقَالِ إلَي الْقِيمَةِ وَ كَذَا لَوْ انْعَتَقَ قَهْرًا، (وَ كَذَا كُلُّ شَرْطٍ لَمْ يُسَلَّمْ) لِمُشْتَرِطِهِ فَإِنَّهُ (يُفِيدُ تَخَيُّرَهُ) بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ وَ إِمْضَائِهِ، (وَ لَا يَجِبُ عَلَي الْمُشْتَرَطِ عَلَيْهِ فِعْلُهُ)، لِأَصَالَةِ الْعَدَمِ، (وَ إِنَّمَا فَائِدَتُهُ جَعْلُ الْبَيْعِ عُرْضَةً لِلزَّوَالِ) بِالْفَسْخِ (عِنْدَ عَدَمِ سَلَامَةِ الشَّرْطِ وَ لُزُومُهُ) أَيْ: الْبَيْعُ (عِنْدَ الْإِتْيَانِ بِهِ) وَ قِيلَ: يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ وَ لَا يَتَسَلَّطُ الْمَشْرُوطُ لَهُ عَلَي الْفَسْخِ إلَّا مَعَ تَعَذُّرِ وُصُولِهِ إلَي شَرْطِهِ، لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ الدَّالِّ عَلَي الْوُجُوبِ.

وَقَوْلُهُ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: { الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إلَّا مَنْ عَصَي اللَّهَ }، فَعَلَي هَذَا لَوْ امْتَنَعَ الْمَشْرُوطُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ وَ لَمْ يُمْكِنْ إجْبَارُهُ رَفَعَ أَمْرَهُ إلَي الْحَاكِمِ لِيُجْبِرَهُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مَذْهَبُهُ ذَلِكَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَسَخَ حِينَئِذٍ إنْ شَاءَ.

وَلِلْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِ تَحْقِيقَاتِهِ تَفْصِيلٌ وَ هُوَ أَنَّ الشَّرْطَ الْوَاقِعَ فِي الْعَقْدِ اللَّازِمِ إنْ كَانَ الْعَقْدُ كَافِيًا فِي تَحَقُّقِهِ وَ لَا يُحْتَاجُ بَعْدَهُ إلَي صِيغَةٍ فَهُوَ لَازِمٌ لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ كَشَرْطِ الْوَكَالَةِ فِي الْعَقْدِ وَ إِنْ احْتَاجَ بَعْدَهُ إلَي أَمْرٍ آخَرَ وَرَاءَ ذِكْرِهِ فِي الْعَقْدِ كَشَرْطِ الْعِتْقِ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ يُقْلَبُ الْعَقْدُ اللَّازِمُ جَائِزًا وَ جَعَلَ السِّرَّ فِيهِ أَنَّ اشْتِرَاطَ " مَا الْعَقْدُ كَافٍ فِي تَحَقُّقِهِ " كَجُزْءٍ مِنْ الْإِيجَابِ وَ الْقَبُولِ فَهُوَ تَابِعٌ لَهُمَا فِي اللُّزُومِ وَ الْجَوَازِ وَ اشْتِرَاطُ " مَا سَيُوجَدُ " أَمْرٌ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْعَقْدِ وَ قَدْ عُلِّقَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَ الْمُعَلَّقُ عَلَي الْمُمْكِنِ مُمْكِنٌ هُوَ مَعْنَي قَلْبِ اللَّازِمِ جَائِزًا.

وَالْأَقْوَي اللُّزُومُ مُطْلَقًا وَ إِنْ كَانَ تَفْصِيلُهُ أَجْوَدَ مِمَّا اخْتَارَهُ هُنَا.

الْحَادِيَ عَشَرَ - خِيَارُ الشَّرِكَةِ

الْحَادِيَ عَشَرَ - خِيَارُ الشَّرِكَةِ

، سَوَاءٌ قَارَنَتْ الْعَقْدَ، كَمَا لَوْ اشْتَرَي شَيْئًا

فَظَهَرَ بَعْضُهُ مُسْتَحَقًّا، أَوْ تَأَخَّرَتْ بَعْدَهُ إلَي قَبْلِ الْقَبْضِ كَمَا لَوْ امْتَزَجَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ) فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْفَسْخِ لِعَيْبِ الشَّرِكَةِ وَ الْبَقَاءِ فَيَصِيرُ شَرِيكًا بِالنِّسْبَةِ وَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَي الْأَوَّلِ تَبَعُّضُ الصَّفْقَةِ أَيْضًا (و قد يُسَمَّي هَذَا عَيْبًا مَجَازًا) لِمُنَاسَبَتِهِ لِلْعَيْبِ فِي نَقْصِ الْمَبِيعِ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي نَقْصِ وَصْفٍ فِيهِ وَ هُوَ هُنَا مَنْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ كَيْفَ شَاءَ، بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَي إذْنِ الشَّرِيكِ فَالتَّسَلُّطُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِتَامٍّ، فَكَانَ كَالْعَيْبِ بِفَوَاتِ وَصْفٍ فَيُجْبَرُ بِالْخِيَارِ وَ إِنَّمَا كَانَ إطْلَاقُ الْعَيْبِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ عَلَي وَجْهِ الْمَجَازِ، لِعَدَمِ خُرُوجِهِ بِهِ عَنْ خِلْقَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ بِحَسَبِ ذَاتِهِ لِلتَّمَلُّكِ مُنْفَرِدًا وَ مُشْتَرَكًا فَلَا نَقْصَ فِي خِلْقَتِهِ، بَلْ فِي صِفَتِهِ عَلَي ذَلِكَ الْوَجْهِ.

الثَّانِي عَشَرَ - خِيَارُ تَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ

، فَلَوْ اشْتَرَي شَيْئًا ظَانًّا إمْكَانَ تَسْلِيمِهِ) بِأَنْ كَانَ طَائِرًا يُعْتَادُ عَوْدُهُ، أَوْ عَبْدًا مُطْلَقًا، أَوْ دَابَّةً مُرْسَلَةً (ثُمَّ عَجَزَ بَعْدَهُ) بِأَنْ أَبَقَ وَ شَرَدَتْ وَ لَمْ يَعُدْ الطَّائِرُ وَ نَحْوُ ذَلِكَ (تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي)؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مَضْمُونٌ عَلَي الْبَائِعِ وَ لَمَّا لَمْ يُنَزَّلْ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ التَّلَفِ، لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَي بَعْضِ الْوُجُوهِ جُبِرَ بِالتَّخْيِيرِ فَإِنْ اخْتَارَ الْتِزَامَ الْبَيْعِ صَحَّ.

وَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِشَيْءٍ يَحْتَمِلُهُ، لِأَنَّ فَوَاتَ الْقَبْضِ نَقْصٌ حَدَثَ عَلَي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَي الْبَائِعِ.

وَيُضَعَّفُ بِأَنَّ الْأَرْشَ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ مُطْلَقِ النَّقْصِ؛ لِأَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ وَ عَمَلًا بِمُقْتَضَي الْعَقْدِ، بَلْ فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْبِ الْمُتَحَقِّقِ بِنَقْصِ الْخِلْقَةِ، أَوْ زِيَادَتِهَا كَمَا ذُكِرَ وَ هُوَ هُنَا مَنْفِيٌّ.

(الثَّالِثَ عَشَرَ - خِيَارُ تَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ

، كَمَا لَوْ اشْتَرَي سِلْعَتَيْنِ فَتُسْتَحَقُّ إحْدَاهُمَا) فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْتِزَامِ الْأُخْرَي بِقِسْطِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَ الْفَسْخِ فِيهَا وَ لَا فَرْقَ فِي الصَّفْقَةِ الْمُتَبَعِّضَةِ بَيْنَ كَوْنِهَا مَتَاعًا وَاحِدًا فَظَهَرَ

اسْتِحْقَاقُ بَعْضِهِ، أَوْ أَمْتِعَةً كَمَا مَثَّلَ هُنَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الصَّفْقَةِ: الْبَيْعُ الْوَاحِدُ سُمِّيَ الْبَيْعُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَصَافَقُونَ بِأَيْدِيهِمْ إذَا تَبَايَعُوا، يَجْعَلُونَهُ دَلَالَةً عَلَي الرِّضَاءِ بِهِ وَ مِنْهُ { قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِعُرْوَةِ الْبَارِقِيِّ لَمَّا اشْتَرَي الشَّاةَ: بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي صَفْقَةِ يَمِينِك } وَ إِنَّمَا خُصَّ تَبَعُّضُ الصَّفْقَةِ هُنَا بِالسِّلْعَتَيْنِ لِإِدْخَالِهِ الْوَاحِدَةَ فِي خِيَارِ الشَّرِكَةِ وَ لَوْ جَعَلَ مَوْضُوعَ تَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ أَعَمَّ كَمَا هُوَ كَانَ أَجْوَدَ وَ إِنْ اجْتَمَعَ حِينَئِذٍ فِي السِّلْعَةِ الْوَاحِدَةِ خِيَارَانِ بِالشَّرِكَةِ وَ تَبَعُّضِ الصَّفْقَةُ فَقَدْ تَجْتَمِعُ أَنْوَاعُ الْخِيَارِ أَجْمَعَ فِي مَبِيعٍ وَاحِدٍ، لِعَدَمِ التَّنَافِي.

(الرَّابِعَ عَشَرَ - خِيَارُ التَّفْلِيسِ)

إذَا وَجَدَ غَرِيمُ الْمُفْلِسِ مَتَاعَهُ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهِ مُقَدَّمًا عَلَي الْغُرَمَاءِ و بين الضَّرْبِ بِالثَّمَنِ مَعَهُمْ.

(وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ) فِي كِتَابِ الدَّيْنِ، (وَمِثْلُهُ غَرِيمُ الْمَيِّتِ مَعَ وَفَاءِ التَّرِكَةِ) بِالدَّيْنِ وَ قِيلَ: مُطْلَقًا و كان الْمُنَاسِبُ جَعْلَهُ قِسْمًا آخَرَ حَيْثُ تَحَرَّي الِاسْتِقْصَاءَ هُنَا لِأَقْسَامِ الْخِيَارِ بِمَا لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ.

الْفَصْلُ الْعَاشِرُ: (فِي الْأَحْكَامِ: وَ هِيَ خَمْسَةٌ)

الْأَوَّلُ - النَّقْدُ وَ النَّسِيئَةُ

أَيْ: الْبَيْعُ الْحَالُّ وَ الْمُؤَجَّلُ، سُمِّيَ الْأَوَّلُ نَقْدًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِ ثَمَنِهِ مَنْقُودًا وَ لَوْ بِالْقُوَّةِ وَ الثَّانِي مَأْخُوذٌ مِنْ النَّسِيءِ وَ هُوَ تَأْخِيرُ الشَّيْءِ تَقُولُ: أَنْسَأْت الشَّيْءَ إنْسَاءً: إذَا أَخَّرْته وَ النَّسِيئَةُ: اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ بِالنِّسْبَةِ إلَي تَعْجِيلِ الثَّمَنِ وَ الْمُثَمَّنِ وَ تَأْخِيرِهِمَا وَ التَّفْرِيقِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: فَالْأَوَّلُ " النَّقْدُ " وَ الثَّانِي، بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ ".

بِالْهَمْزِ اسْمُ فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ مِنْ الْمُرَاقَبَةِ لِمُرَاقَبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَرِيمَيْنِ صَاحِبَهُ لِأَجْلِ دَيْنِهِ.

وَ " مَعَ حُلُولِ الْمُثَمَّنِ وَ تَأْجِيلِ الثَّمَنِ " هُوَ " النَّسِيئَةُ ".

وَبِالْعَكْسِ " السَّلَفُ ".

وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ عَدَا الْبَيْعِ الثَّانِي فَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ وَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَي فَسَادِهِ. (وَإِطْلَاقُ الْبَيْعِ يَقْتَضِي كَوْنَ الثَّمَنِ حَالًّا وَ إِنْ شَرَطَ تَعْجِيلَهُ)

فِي مَتْنِ الْعَقْدِ (أَكَدَّهُ) لِحُصُولِهِ بِدُونِ الشَّرْطِ، (فَإِنَّ وَقْتَ التَّعْجِيلِ) بِأَنْ شَرَطَ تَعْجِيلَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَثَلًا (تَخَيَّرَ) الْبَائِعُ (لَوْ لَمْ يَحْصُلْ) الثَّمَنُ (فِي الْوَقْتِ) الْمُعَيَّنِ وَ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ زَمَانًا لَمْ يَفِدْ سِوَي التَّأْكِيدَ فِي الْمَشْهُورِ وَ لَوْ قِيلَ: بِثُبُوتِهِ مَعَ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا لَوْ أَخَلَّ بِهِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهِ كَانَ حَسَنًا، لِلْإِخْلَالِ بِالشَّرْطِ.

(وَ إِنْ شَرَطَ التَّأْجِيلَ اُعْتُبِرَ ضَبْطُ الْأَجَلِ، فَلَا يُنَاطُ) أَيْ: لَا يُعَلَّقُ (بِمَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَ النُّقْصَانَ كَمَقْدَمِ الْحَاجِّ) أَوْ إدْرَاكِ الْغَلَّةِ، (وَ لَا بِالْمُشْتَرَكِ) بَيْنَ أَمْرَيْنِ، أَوْ أُمُورٍ حَيْثُ لَا مُخَصِّصَ لِأَحَدِهِمَا (كَنَفْرِهِمْ) مِنْ مِنًي، فَإِنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ (وَشَهْرُ رَبِيعٍ) الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ شَهْرَيْنِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِذَلِكَ وَ مِثْلُهُ التَّأْجِيلُ إلَي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْأُسْبُوعِ كَالْخَمِيسِ.

(وَ قِيلَ): يَصِحُّ وَ (يُحْمَلُ عَلَي الْأَوَّلِ) فِي الْجَمِيعِ، لِتَعْلِيقِهِ الْأَجَلَ عَلَي اسْمٍ مُعَيَّنٍ وَ هُوَ يَتَحَقَّقُ بِالْأَوَّلِ، لَكِنْ يُعْتَبَرُ عِلْمُهُمَا بِذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ لِيَتَوَجَّهَ قَصْدُهُمَا إلَي أَجَلٍ مَضْبُوطٍ فَلَا يَكْفِي ثُبُوتُ ذَلِكَ شَرْعًا مَعَ جَهْلِهِمَا، أَوْ أَحَدِهِمَا بِهِ و مع الْقَصْدِ لَا إشْكَالَ فِي الصِّحَّةِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِطْلَاقُ مَحْمُولًا عَلَيْهِ وَ يُحْتَمَلُ الِاكْتِفَاءُ فِي الصِّحَّةِ بِمَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ فِي ذَلِكَ، قَصَدَاهُ أَمْ لَا، نَظَرًا إلَي كَوْنِ الْأَجَلِ الَّذِي عَيَّنَاهُ مَضْبُوطًا فِي نَفْسِهِ شَرْعًا وَ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ مُنَزَّلٌ عَلَي الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ (وَ لَوْ جَعَلَ لِحَالٍّ ثَمَنًا وَ لِمُؤَجَّلٍ أَزْيَدَ مِنْهُ، أَوْ فَاوَتَ بَيْنَ أَجَلَيْنِ) فِي الثَّمَنِ بِأَنْ قال:

بِعْتُك حَالًّا بِمِائَةٍ وَ مُؤَجَّلًا إلَي شَهْرَيْنِ بِمِائَتَيْنِ، أَوْ مُؤَجَّلًا إلَي شَهْرٍ بِمِائَةٍ وَ إِلَي شَهْرَيْنِ بِمِائَتَيْنِ (بَطَلَ)، لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ بِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ بِلُزُومِ أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ إلَي أَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ، (وَ لَوْ أَجَّلَ الْبَعْضَ الْمُعَيَّنَ) مِنْ الثَّمَنِ وَ

أَطْلَقَ الْبَاقِيَ، أَوْ جَعَلَهُ حَالًّا (صَحَّ)، لِلِانْضِبَاطِ وَ مِثْلُهُ مَا لَوْ بَاعَهُ سِلْعَتَيْنِ فِي عَقْدٍ بِثَمَنٍ إحْدَاهُمَا نَقْدٌ وَ الْأُخْرَي نَسِيئَةٌ وَ كَذَا لَوْ جَعَلَهُ أَوْ بَعْضَهُ نُجُومًا مَعْلُومَةً.

(وَ لَوْ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ) فِي حَالَةِ كَوْنِ بَيْعِهِ الْأَوَّلِ (نَسِيئَةً صَحَّ) الْبَيْعُ الثَّانِي (قَبْلَ الْأَجَلِ وَ بَعْدَهُ بِجِنْسِ الثَّمَنِ وَ غَيْرِهِ بِزِيَادَةٍ) عَنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، (وَنُقْصَانٍ) عَنْهُ، لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، مَعَ عُمُومِ الْأَدِلَّةِ عَلَي جَوَازِهِ.

وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بَعْدَ حُلُولِهِ بِزِيَادَةٍ عَنْ ثَمَنِهِ الْأَوَّلِ، أَوْ نُقْصَانٍ عَنْهُ مَعَ إنْفَاقِهِمَا فِي الْجِنْسِ، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ قَاصِرَةِ السَّنَدِ وَ الدَّلَالَةِ، (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ فِي بَيْعِهِ) الْأَوَّلِ (ذَلِكَ) أَيْ: بَيْعَهُ مِنْ الْبَائِعِ (فَيَبْطُلُ) الْبَيْعُ الْأَوَّلُ، سَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَمْ مُؤَجَّلًا وَ سَوَاءٌ شَرَطَ بَيْعَهُ مِنْ الْبَائِعِ بَعْدَ الْأَجَلِ أَمْ قَبْلَهُ عَلَي الْمَشْهُورِ وَ مُسْتَنَدُهُ غَيْرُ وَاضِحٍ.

فَقَدْ عُلِّلَ بِاسْتِلْزَامِهِ الدُّورَ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ لَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَي مِلْكِيَّتِهِ لَهُ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَي بَيْعِهِ.

وَفِيهِ أَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَي حُصُولِ الشَّرْطِ هُوَ لُزُومُ الْبَيْعِ لَا انْتِقَالُهُ إلَي مِلْكِهِ، كَيْفَ لَا وَ اشْتِرَاطُ نَقْلِهِ إلَي مِلْكِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُشْتَرِي مُسْتَلْزِمٌ لِانْتِقَالِهِ إلَيْهِ غَايَتُهُ أَنَّ تَمَلُّكَ الْبَائِعِ مَوْقُوفٌ عَلَي تَمَلُّكِ الْمُشْتَرِي وَ أَمَّا أَنَّ تَمَلُّكَ الْمُشْتَرِي مَوْقُوفٌ عَلَي تَمَلُّكِ الْبَائِعِ فَلَا وَ لِأَنَّهُ وَارِدٌ فِي بَاقِي الشُّرُوطِ خُصُوصًا شَرْطُ بَيْعِهِ لِلْغَيْرِ مَعَ صِحَّتِهِ إجْمَاعًا وَ أَوْضَحُ لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي مَا لَوْ جَعَلَ الشَّرْطَ بَيْعَهُ مِنْ الْبَائِعِ بَعْدَ الْأَجَلِ لِتَخَلُّلِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَ عُلِّلَ بِعَدَمِ حُصُولِ الْقَصْدِ إلَي نَقْلِهِ عَنْ الْبَائِعِ.

وَيُضَعَّفُ بِأَنَّ الْغَرَضَ حُصُولُ الْقَصْدِ إلَي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَ إِنَّمَا رَتَّبَ عَلَيْهِ نَقْلَهُ ثَانِيًا، بَلْ شَرْطُ النَّقْلِ ثَانِيًا يَسْتَلْزِمُ الْقَصْدَ إلَي النَّقْلِ الْأَوَّلِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ.

وَلِاتِّفَاقِهِمْ عَلَي أَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطَا ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ صَحَّ وَ إِنْ كَانَ مِنْ

قَصْدِهِمَا رَدُّهُ، مَعَ أَنَّ الْعَقْدَ يَتْبَعُ الْقَصْدَ وَ الْمُصَحِّحُ لَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ قَصْدَ رَدِّهِ بَعْدَ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَهُ غَيْرُ مُنَافٍ لِقَصْدِ الْبَيْعِ بِوَجْهٍ وَ إِنَّمَا الْمَانِعُ عَدَمُ الْقَصْدِ إلَي نَقْلِ الْمِلْكِ إلَي الْمُشْتَرِي أَصْلًا بِحَيْثُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمِلْكِ. (وَيَجِبُ قَبْضُ الثَّمَنِ لَوْ دَفَعَهُ إلَي الْبَائِعِ) مَعَ الْحُلُولِ مُطْلَقًا، (وَ فِي الْأَجَلِ) أَيْ: بَعْدَهُ، (لَا قَبْلَهُ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ حِينَئِذٍ وَ جَازَ تَعَلُّقُ غَرَضِ الْبَائِعِ بِتَأْخِيرِ الْقَبْضِ إلَي الْأَجَلِ، فَإِنَّ الْأَغْرَاضَ لَا تَنْضَبِطُ، (فَلَوْ امْتَنَعَ) الْبَائِعُ مِنْ قَبْضِهِ حَيْثُ يَجِبُ (قَبَضَهُ الْحَاكِمُ) إنْ وُجِدَ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) قَبْضُ الْحَاكِمِ وَ لَوْ بِالْمَشَقَّةِ الْبَالِغَةِ فِي الْوُصُولِ إلَيْهِ، أَوْ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْقَبْضِ (فَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُهُ لَوْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ وَ كَذَا كُلُّ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ قَبْضِ حَقِّهِ).

وَمُقْتَضَي الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُبْقِيهِ بِيَدِهِ مُمَيَّزًا عَلَي وَجْهِ الْأَمَانَةِ وَ يَنْبَغِي مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَ أَنْ يَكُونَ نَمَاؤُهُ لِلْبَائِعِ تَحْقِيقًا لِتَعَيُّنِهِ لَهُ.

وَرُبَّمَا قِيلَ: بِبَقَائِهِ عَلَي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَ إِنْ كَانَ تَلَفُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَ فِي الدُّرُوسِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ فِيهِ فَيَبْقَي فِي ذِمَّتِهِ، (وَ لَا حَجْرَ فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَ نُقْصَانِهِ) عَلَي الْبَائِعِ وَ الْمُشْتَرِي (إذَا عَرَفَ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ) وَ كَذَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ، لِجَوَازِ بَيْعِ الْغَبْنِ إجْمَاعًا.

وَكَأَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ الْحَجْرِ عَلَي وَجْهٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ خِيَارٌ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَتَاعِ بِدُونِ قِيمَته وَ أَضْعَافِهَا، (إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ إلَي السَّفَهِ) مِنْ الْبَائِعِ، أَوْ الْمُشْتَرِي فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَ يَرْتَفِعُ السَّفَهُ بِتَعَلُّقِ غَرَضٍ صَحِيحٍ بِالزِّيَادَةِ وَ النُّقْصَانِ، إمَّا لِقِلَّتِهِمَا أَوْ لِتَرَتُّبِ غَرَضٍ آخَرَ يُقَابِلُهُ كَالصَّبْرِ بِدَيْنٍ حَالٍّ وَ نَحْوِهِ. (وَ لَا يَجُوزُ تَأْجِيلُ الْحَالِّ بِزِيَادَةٍ فِيهِ) وَ لَا بِدُونِهَا، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ

الْأَجَلَ فِي عَقْدٍ لَازِمٍ فَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَ يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ بِنُقْصَانٍ مِنْهُ بِإِبْرَاءٍ، أَوْ صُلْحٍ. (وَيَجِبُ) عَلَي الْمُشْتَرِي إذَا بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ مُؤَجَّلًا (ذِكْرُ الْأَجَلِ فِي غَيْرِ الْمُسَاوَمَةِ فَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بِدُونِهِ) أَيْ: بِدُونِ ذِكْرِهِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَ الرِّضَاء بِهِ حَالًّا، (لِلتَّدْلِيسِ) وَ رُوِيَ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْأَجَلِ مِثْلَهُ.

الثَّانِي - فِي الْقَبْضِ:)

الثَّانِي - فِي الْقَبْضِ:)

(إطْلَاقُ الْعَقْدِ) بِتَجْرِيدِهِ عَنْ شَرْطِ تَأْخِيرِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ، أَوْ تَأْخِيرِهِمَا إذَا كَانَا عَيْنَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا (يَقْتَضِي قَبْضَ الْعِوَضَيْنِ فَيَتَقَابَضَانِ مَعًا لَوْ تَمَانَعَا) مِنْ التَّقَدُّمِ، (سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا، أَوْ دَيْنًا).

وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَوْلَي بِالتَّقْدِيمِ لِتَسَاوِي الْحَقَّيْنِ فِي وجوب تَسْلِيمِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَي مَالِكِهِ.

وَقِيلَ: يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَي الْإِقْبَاضِ أَوَّلًا، لِأَنَّ الثَّمَنَ تَابِعٌ لِلْمَبِيعِ.

وَيُضَعَّفُ بِاسْتِوَاءِ الْعَقْدِ فِي إفَادَةِ الْمِلْكِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ امْتَنَعَا أَجْبَرَهُمَا الْحَاكِمُ مَعًا مَعَ إمْكَانِهِ، كَمَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ قَبْضِ مَالِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَكَالدَّيْنِ إذَا بَذَلَهُ الْمَدْيُونُ فَامْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهِ. (وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ تَأْخِيرِ إقْبَاضِ الْمَبِيعِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً) كَمَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ تَأْخِيرِ الثَّمَنِ، (وَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَنْفَعَةً مُعَيَّنَةً) لِأَنَّهُ شَرْطٌ سَائِغٌ فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْعُمُومِ، (وَ الْقَبْضُ فِي الْمَنْقُولِ) كَالْحَيَوَانِ وَ الْأَقْمِشَةِ وَ الْمَكِيلِ وَ الْمَوْزُونِ وَ الْمَعْدُودِ (نَقَلَهُ وَ فِي غَيْرِهِ التَّخْلِيَةُ) بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُ بَعْدَ رَفْعِ الْيَدِ عَنْهُ وَ إِنَّمَا كَانَ الْقَبْضُ مُخْتَلِفًا كَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَحُدَّهُ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَي الْعُرْفِ وَ هُوَ دَالٌّ عَلَي مَا ذُكِرَ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ أُخَرُ هَذَا أَجْوَدُهَا: فَمِنْهَا مَا اخْتَارَهُ فِي الدُّرُوسِ مِنْ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ التَّخْلِيَةُ وَ فِي الْحَيَوَانِ نَقْلُهُ.

وَفِي الْمُعْتَبَرِ كَيْلُهُ، أَوْ وَزْنُهُ، أَوْ عَدُّهُ، أَوْ نَقْلُهُ.

وَفِي الثَّوْبِ وَضْعُهُ فِي الْيَدِ وَ اسْتَنَدَ فِي اعْتِبَارِ الْكَيْلِ، أَوْ الْوَزْنِ فِي الْمُعْتَبَرِ بِهِمَا إلَي صَحِيحَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ فِي دَلَالَتِهَا

عَلَيْهِ نَظَرٌ.

وَإِلْحَاقُ الْمَعْدُودِ بِهِمَا قِيَاسٌ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَ غَيْرِهِ ضَعِيفٌ.

و منها الِاكْتِفَاءُ بِالتَّخْلِيَةِ مُطْلَقًا وَ نُفِيَ عَنْهُ إلْبَاسٌ فِي الدُّرُوسِ بِالنِّسْبَةِ إلَي نَقْلِ الضَّمَانِ، لَا زَوَالُ التَّحْرِيمِ وَ الْكَرَاهَةُ عَنْ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَ الْعُرْفُ يَأْبَاهُ وَ الْأَخْبَارُ تَدْفَعُهُ.

وَحَيْثُ يَكْتَفِي بِالتَّخْلِيَةِ فَالْمُرَادُ بِهَا رَفْعُ الْمَانِعِ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْقَبْضِ بِالْإِذْنِ فِيهِ وَ رَفْعُ يَدِهِ وَ يَدِ غَيْرِهِ عَنْهُ إنْ كَانَ وَ لَا يُشْتَرَطُ مُضِيُّ زَمَانٍ يُمْكِنُ وُصُولُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ بِحَيْثُ يَدُلُّ الْعُرْفُ عَلَي عَدَمِ الْقَبْضِ بِذَلِكَ وَ الظَّاهِرُ أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِمِلْكِ الْبَائِعِ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْهُ وَ إِنْ وَجَبَ عَلَي الْبَائِعِ التَّفْرِيغُ وَ لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا فَفِي تَوَقُّفِهِ عَلَي إذْنِ الشَّرِيكِ قَوْلَانِ أَجْوَدُهُمَا الْعَدَمُ، لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِهِ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الشَّرِيكِ.

نَعَمْ لَوْ كَانَ مَنْقُولًا تَوَقَّفَ عَلَي إذْنِهِ لِافْتِقَارِ قَبْضِهِ إلَي التَّصَرُّفِ بِالنَّقْلِ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِذْنِ نَصَّبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَقْبِضُهُ أَجْمَعَ بَعْضَهُ أَمَانَةً وَ بَعْضَهُ لِأَجْلِ الْبَيْعِ وَ قِيلَ: يَكْفِي حِينَئِذٍ التَّخْلِيَةُ وَ إِنْ لَمْ يَكْتَفِ بِهَا قَبْلَهُ، (وَبِهِ) أَيْ: بِالْقَبْضِ كَيْفَ فَرَضَ (يَنْتَقِلُ الضَّمَانُ إلَي الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ) مُخْتَصٌّ بِهِ، أَوْ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ و بين أَجْنَبِيٍّ، فَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَتَلَفُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ زَمَنُهُ مِنْهُ أَيْضًا وَ إِذَا كَانَ انْتِقَالُ الضَّمَانِ مَشْرُوطًا بِالْقَبْضِ (فَلَوْ تَلِفَ قَبْلَهُ فَمِنْ الْبَائِعِ) مُطْلَقًا (مَعَ أَنَّ النَّمَاءَ) الْمُنْفَصِلَ الْمُتَجَدِّدَ بَيْنَ الْعَقْدِ وَ التَّلَفِ (لِلْمُشْتَرِي) وَ لَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ لَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ مِنْ أَصْلِهِ، بَلْ يَفْسَخُهُ مِنْ حِينِهِ كَمَا لَوْ انْفَسَخَ بِخِيَارٍ.

هَذَا إذَا كَانَ تَلَفُهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَي، أَمَّا لَوْ كَانَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ مِنْ الْبَائِعِ تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ كَمَا لَوْ تَلِفَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَي و بين مُطَالَبَةِ الْمُتْلِفِ

بِالْمِثْلِ، أَوْ الْقِيمَةِ وَ لَوْ كَانَ التَّلَفُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ (وَ إِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ، أَوْ تَعَيَّبَ) مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، أَوْ قِبَلِ الْبَائِعِ (تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي فِي الْإِمْسَاكِ مَعَ الْأَرْشِ وَ الْفَسْخِ) وَ لَوْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ قِبَلِ أَجْنَبِيٍّ فَالْأَرْشُ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي إنْ الْتَزَمَ وَ لِلْبَائِعِ إنْ فَسَخَ.

(وَ لَوْ غُصِبَ مَنْ يَدِ الْبَائِعِ) قَبْلَ إقْبَاضِهِ (وَأَسْرَعَ عَوْدُهُ) بِحَيْثُ لَمْ يَفُتْ مِنْ مَنَافِعِهِ مَا يُعْتَدُّ بِهِ عُرْفًا، (أَوْ أَمْكَنَ) الْبَائِعَ (نَزْعُهُ بِسُرْعَةٍ) كَذَلِكَ (فَلَا خِيَارَ) لِلْمُشْتَرِي، لِعَدَمِ مُوجِبِهِ، (وَ إِلَّا) يُمْكِنْ تَحْصِيلُهُ بِسُرْعَةٍ (تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي) بَيْنَ الْفَسْخِ وَ الرُّجُوعِ عَلَي الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ دَفَعَهُ وَ الِالْتِزَامِ بِالْمَبِيعِ وَ ارْتِقَابِ حُصُولِهِ فَيَنْتَفِعُ حِينَئِذٍ بِمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَي الْقَبْضِ كَعِتْقِ الْعَبْدِ.

ثُمَّ إنْ تَلِفَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَهُوَ مِمَّا تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَ إِنْ كَانَ قَدْ رَضِيَ بِالصَّبْرِ، مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِهِ قَبْضًا وَ كَذَا لَوْ رَضِيَ بِكَوْنِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَ أَوْلَي بِتَحَقُّقِ الْقَبْضِ هُنَا، (وَ لَا أُجْرَةَ عَلَي الْبَائِعِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ) الَّتِي كَانَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَ إِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ بِمَنْزِلَةِ النَّمَاءِ الْمُتَجَدِّدِ وَ هُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَ قِيلَ يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ النَّقْصِ الدَّاخِلِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَ كَالنَّمَاءِ الْمُتَّصِلِ.

وَالْأَقْوَي اخْتِصَاصُ الْغَاصِبِ بِهَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ مِنْهُ) فَيَكُونُ غَاصِبًا إذَا كَانَ الْمَنْعُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَوْ حَبَسَهُ لِيَتَقَابَضَا، أَوْ لِيَقْبِضَ الثَّمَنَ حَيْثُ شَرَطَ تَقَدُّمَ قَبْضِهِ فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ، لِلْإِذْنِ فِي إمْسَاكِهِ شَرْعًا.

وَحَيْثُ يَكُونُ الْمَنْعُ سَائِغًا فَالنَّفَقَةُ عَلَي الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ رَفَعَ الْبَائِعُ أَمْرَهُ إلَي الْحَاكِمِ لِيُجْبِرَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ وَ رَجَعَ كَنَظَائِرِهِ.

(وَلْيَكُنْ الْمَبِيعُ) عِنْدَ إقْبَاضِهِ (مُفَرَّغًا) مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَائِع وَ غَيْرِهِمَا مِمَّا لَمْ يَدْخُلْ

فِي الْمَبِيعِ وَ لَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِزَرْعٍ لَمْ يَبْلُغْ وَجَبَ الصَّبْرُ إلَي أَوَانِهِ إنْ اخْتَارَهُ الْبَائِعُ وَ لَوْ كَانَ فِيهِ مَا لَا يَخْرُجُ إلَّا بِهَدْمٍ وَجَبَ أَرْشُهُ عَلَي الْبَائِعِ وَ التَّفْرِيغُ وَ إِنْ كَانَ وَاجِبًا إلَّا أَنَّ الْقَبْضَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، فَلَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِتَسَلُّمِهِ مَشْغُولًا تَمَّ الْقَبْضُ وَ يَجِبُ التَّفْرِيغُ بَعْدَهُ. (وَيُكْرَهُ بَيْعُ الْمَكِيلِ وَ الْمَوْزُونِ قَبْلَ قَبْضِهِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ الْمَحْمُولِ عَلَي الْكَرَاهَةِ جَمْعًا، (وَ قِيلَ: يَحْرُمُ إنْ كَانَ طَعَامًا) وَ هُوَ الْأَقْوَي، بَلْ يَحْرُمُ بَيْعُ مُطْلَقِ الْمَكِيلِ وَ الْمَوْزُونِ، لِصِحَّةِ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَي النَّهْيِ وَ عَدَمِ مُقَاوَمَةِ الْمُعَارِضِ لَهَا عَلَي وَجْهٍ يُوجِبُ حَمْلَهُ عَلَي خِلَافِ ظَاهِرِهِ وَ قَدْ تَقَدَّمَ. (وَ لَوْ ادَّعَي الْمُشْتَرِي نُقْصَانَ الْمَبِيعِ) بَعْدَ قَبْضِهِ (حَلَفَ إنْ لَمْ يَكُنْ حَضَرَ الِاعْتِبَارُ)، لِأَصَالَةِ عَدَمِ وُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ، (وَ إِلَّا يَكُنْ) كَذَلِكَ بِأَنْ حَضَرَ الِاعْتِبَارُ (أَحْلَفَ الْبَائِعَ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إذَا حَضَرَ اعْتِبَارُهُ يُحْتَاطُ لِنَفْسِهِ وَ يُعْتَبَرُ مِقْدَارُ حَقِّهِ وَ يُمْكِنُ مُوَافَقَةُ الْأَصْلِ لِلظَّاهِرِ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ وَ هُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا قَبَضَ حَقَّهُ كَانَ فِي قُوَّةِ الْمُعْتَرِفِ بِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ كَمَلًا، فَإِذَا ادَّعَي بَعْدَ ذَلِكَ نُقْصَانَهُ كَانَ مُدَّعِيًا لِمَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ وَ لَا يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَي؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْضُرْ لَا يَكُونُ مُعْتَرِفًا بِوُصُولِ حَقِّهِ، لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ، حَتَّي لَوْ فَرَضَ اعْتِرَافَهُ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَي الظَّاهِرِ بِخِلَافِ الْحَاضِرِ.

(وَ لَوْ حَوَّلَ الْمُشْتَرِي الدَّعْوَي) حَيْثُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي النَّقْصِ (إلَي عَدَمِ إقْبَاضِ الْجَمِيعِ) مَنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِحُضُورِ الِاعْتِبَارِ وَ عَدَمِهِ، أَوْ مَعَهُ (حَلَفَ)، لِأَصَالَةِ عَدَمِ وُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ (مَا لَمْ يَكُنْ سَبَقَ بِالدَّعْوَي الْأُولَي) فَلَا تُسْمَعُ الثَّانِيَةُ لِتَنَاقُضِ كَلَامَيْهِ وَ هَذِهِ مِنْ الْحِيَلِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ، كَدَعْوَي

بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ حَقِّ الْمُدَّعِي لَوْ كَانَ قَدْ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْوَاقِعِ لَزِمَهُ.

الثَّالِثُ فِيمَا يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ

عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِهِ (وَ) الضَّابِطُ أَنَّهُ (يُرَاعَي فِيهِ اللُّغَةُ وَ الْعُرْفُ) الْعَامُّ، أَوْ الْخَاصُّ وَ كَذَا يُرَاعَي الشَّرْعُ بِطَرِيقٍ أَوْلَي، بَلْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمَا وَ لَعَلَّهُ أَدْرَجَهُ فِي الْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُ عُرْفٌ خَاصٌّ، ثُمَّ إنْ اتَّفَقَتْ وَ إِلَّا قُدِّمَ الشَّرْعِيُّ، ثُمَّ الْعُرْفِيُّ، ثُمَّ اللُّغَوِيُّ (فَفِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ) بِلَفْظِهِ (تَدْخُلُ الْأَرْضُ وَ الشَّجَرُ) قَطْعًا (وَ الْبِنَاءُ) كَالْجِدَارِ وَ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ الرَّكَائِزِ الْمُثْبَتَةِ فِي دَاخِلِهِ لِحِفْظِ التُّرَابِ عَنْ الِانْتِقَالِ.

أَمَّا الْبِنَاءُ الْمُعَدُّ لِلسُّكْنَي وَ نَحْوُهُ فَفِي دُخُولِهِ وَجْهَانِ: أَجْوَدُهُمَا اتِّبَاعُ الْعَادَةِ.

(وَيَدْخُلُ فِيهِ الطَّرِيقُ وَ الشِّرْبُ) لِلْعُرْفِ وَ لَوْ بَاعَهُ بِلَفْظِ الْكَرْمِ تَنَاوَلَ شَجَرَ الْعِنَبِ؛ لِأَنَّهُ مَدْلُولُهُ لُغَةً وَ أَمَّا الْأَرْضُ وَ الْعَرِيشُ وَ الْبِنَاءُ وَ الطَّرِيقُ وَ الشِّرْبُ فَيُرْجَعُ فِيهَا إلَي الْعُرْفِ وَ كَذَا مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَشْجَارِ وَ غَيْرِهِ وَ مَا شُكَّ فِي تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ لَا يَدْخُلُ وَ يَدْخُلُ (فِي الدَّارِ الْأَرْضُ وَ الْبِنَاءُ أَعْلَاهُ وَ أَسْفَلُهُ، إلَّا أَنْ يَنْفَرِدَ الْأَعْلَي عَادَةً) فَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِالشَّرْطِ، أَوْ الْقَرِينَةِ، (وَ الْأَبْوَابُ) الْمُثْبَتَةُ وَ فِي الْمُنْفَصِلَةِ كَأَلْوَاحِ الدَّكَاكِينِ وَجْهَانِ: أَجْوَدُهُمَا الدُّخُولُ، لِلْعُرْفِ.

وَانْفِصَالُهَا لِلِارْتِفَاقِ فَتَكُونُ كَالْجُزْءِ وَ إِنْ انْفَصَلَتْ.

وَإِطْلَاقُ الْعِبَارَةِ يَتَنَاوَلُهَا.

وَفِي الدُّرُوسِ قَيَّدَهَا بِالْمُثْبَتَةِ فَيَخْرُجُ (وَ الْإِغْلَاقُ الْمَنْصُوبَةُ)، دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ كَالْأَقْفَالِ (وَ الْأَخْشَابِ الْمُثْبَتَةِ) كَالْمُتَّخَذَةِ لِوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ وَ غَيْرِهَا، دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ وَ إِنْ انْتَفَعَ بِهَا فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّهَا كَالْآلَاتِ الْمَوْضُوعَةِ بِهَا، (وَ السُّلَّمُ الْمُثْبَتُ) فِي الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَجَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُثْبَتِ؛ لِأَنَّهُ كَالْآلَةِ وَ كَذَا الرَّفُّ.

وَفِي حُكْمِهَا الْخَوَابِي الْمُثْبَتَةُ فِي الْأَرْضِ وَ الْحِيطَانِ، (وَ الْمِفْتَاحُ) وَ إِنْ كَانَ مَنْقُولًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْجُزْءِ مِنْ الْإِغْلَاقِ الْمَحْكُومِ بِدُخُولِهَا.

وَالْمُرَادُ غَيْرُ مِفْتَاحِ الْقُفْلِ؛

لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِغَلْقِهِ وَ لَوْ شَهِدَتْ الْقَرِينَةُ بِعَدَمِ دُخُولِهِ لَمْ يَدْخُلْ وَ كَذَا يَدْخُلُ الْحَوْضُ وَ الْبِئْرُ وَ الْحَمَّامُ الْمَعْرُوفُ بِهَا وَ الْأَوْتَادُ، دُونَ الرَّحَي وَ إِنْ كَانَتْ مُثْبَتَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ مِنْهَا وَ إِثْبَاتُهَا لِسُهُولَةِ الِارْتِفَاقِ بِهَا.

(وَ لَا يَدْخُلُ الشَّجَرُ) الْكَائِنُ بِهَا (إلَّا مَعَ الشَّرْطِ، أَوْ يقول:

بِمَا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُهَا، أَوْ مَا دَارَ عَلَيْهِ حَائِطُهَا)، أَوْ شَهَادَةُ الْقَرَائِنِ بِدُخُولِهِ كَالْمُسَاوَمَةِ عَلَيْهِ وَ بَذْلِ ثَمَنٍ لَا يَصْلُحْ إلَّا لَهُمَا وَ نَحْوِ ذَلِكَ. (وَ) يَدْخُلُ (فِي النَّخْلِ الطَّلْعُ إذَا لَمْ يُؤَبَّرْ) بِتَشْقِيقِ طَلْعِ الْإِنَاثِ وَ ذَرِّ طَلْعِ الذُّكُورِ فِيهِ لِيَجِيءَ ثَمَرَتُهُ أَصْلَحَ، (وَ لَوْ أَبَّرَ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ) وَ لَوْ أَبَّرَ الْبَعْضَ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ عَلَي الْأَقْوَي وَ الْحُكْمُ مُخْتَصٌّ بِالْبَيْعِ فَلَوْ انْتَقَلَ النَّخْلُ بِغَيْرِهِ لَمْ يَدْخُلْ الطَّلْعُ مُطْلَقًا مَتَي ظَهَرَ كَالثَّمَرَةِ.

(وَ) حَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ (يَجِبُ تَبْقِيَتُهَا إلَي أَوَانِ أَخْذِهَا) عُرْفًا بِحَسَبِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ، فَإِنْ اضْطَرَبَ الْعُرْفُ فَالْأَغْلَبُ و مع التَّسَاوِي فَفِي الْحَمْلِ عَلَي الْأَقَلِّ، أَوْ الْأَكْثَرِ، أَوْ اعْتِبَارِ التَّعْيِينِ وَ بِدُونِهِ يَبْطُلُ أَوْجَهُ.

(وَطَلْعُ الْفَحْلِ) لِلْبَائِعٍ مَتَي ظَهَرَ، (وَ كَذَا بَاقِي الثِّمَارِ مَعَ الظُّهُورِ) وَ هُوَ انْعِقَادُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ بَارِزَةً أَمْ مُسْتَتِرَةً فِي كِمَامٍ، أَوْ وَرْدٍ وَ كَذَا الْقَوْلُ فِيمَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْوَرْدَ، أَوْ الْوَرَقَ وَ لَوْ كَانَ وُجُودُهُ عَلَي التَّعَاقُبِ فَالظَّاهِرُ مِنْهُ حَالَ الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ وَ الْمُتَجَدِّدُ لِلْمُشْتَرِي و مع الِامْتِزَاجِ يُرْجَعُ إلَي الصُّلْحِ. (وَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ: مَنْ الْبَائِعِ الَّذِي بَقِيَتْ لَهُ الثَّمَرَةُ وَ الْمُشْتَرِي (السَّقْيُ) مُرَاعَاةً لِمِلْكِهِ (إلَّا أَنْ يَسْتَضِرَّا) مَعًا فَيُمْنَعَانِ، (وَ لَوْ تَقَابَلَا فِي الضَّرَرِ وَ النَّفْعِ رَجَّحْنَا مَصْلَحَةَ الْمُشْتَرِي)؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَي نَفْسِهِ بِبَيْعِ الْأَصْلِ وَ تَسْلِيطِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ الَّذِي يَلْزَمُهُ جَوَازُ سَقْيِهِ وَ تَوَقَّفَ

فِي الدُّرُوسِ حَيْثُ جَعَلَ ذَلِكَ احْتِمَالًا وَ نَسَبَهُ إلَي الْفَاضِلِ وَ احْتَمَلَ تَقْدِيمَ صَاحِبِ الثَّمَرَةِ، لِسَبْقِ حَقِّهِ وَ يُشْكِلُ تَقْدِيمُ الْمُشْتَرِي حَيْثُ يُوجِبُ نَقْصًا فِي الْأَصْلِ يُحِيطُ بِقِيمَةِ الثَّمَرَةِ وَ زِيَادَةٍ فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ مَصْلَحَةِ الْبَائِعِ مَعَ ضَمَانِهِ لِقِيمَةِ الثَّمَرَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ. (وَ) يَدْخُلُ (فِي الْقَرْيَةِ الْبِنَاءُ) الْمُشْتَمِلُ عَلَي الدُّورِ وَ غَيْرِهَا (وَ الْمَرَافِقُ) كَالطُّرُقِ وَ السَّاحَاتِ، لَا الْأَشْجَارُ وَ الْمَزَارِعُ إلَّا مَعَ الشَّرْطِ، أَوْ الْعُرْفِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ الْآنَ، أَوْ الْقَرِينَةِ وَ فِي حُكْمِهَا الضَّيْعَةُ فِي عُرْفِ الشَّامِ. (وَ) يَدْخُلَ (فِي الْعَبْدِ) وَ الْأَمَةِ (ثِيَابُهُ السَّاتِرَةُ لِلْعَوْرَةِ)، دُونَ غَيْرِهَا، اقْتِصَارًا عَلَي الْمُتَيَقَّنِ دُخُولُهُ؛ لِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي مَفْهُومِ الْعَبْدِ لُغَةً.

وَالْأَقْوَي دُخُولُ مَا دَلَّ الْعُرْفُ عَلَيْهِ مِنْ ثَوْبٍ وَ ثَوْبَيْنِ وَ زِيَادَةٍ وَ مَا يَتَنَاوَلُهُ بِحُصُوصِهِ مِنْ غَيْرِ الثِّيَابِ كَالْحِزَامِ وَ الْقَلَنْسُوَةِ وَ الْخُفِّ وَ غَيْرِهَا وَ لَوْ اخْتَلَفَ الْعُرْفُ بِالْحَرِّ وَ الْبَرْدِ دَخَلَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَالَ الْبَيْعِ، دُونَ غَيْرِهِ وَ مَا شَكَّ فِي دُخُولِهِ لَا يَدْخُلُ لِلْأَصْلِ وَ مِثْلُهُ الدَّابَّةُ فَيَدْخُلُ فِيهَا النَّعْلُ، دُونَ آلَاتِهَا، إلَّا مَعَ الشَّرْطِ وَ الْعُرْفِ.

الرَّابِعُ - فِي اخْتِلَافِهِمَا:)

الرَّابِعُ - فِي اخْتِلَافِهِمَا:)

(فَفِي قَدْرِ الثَّمَنِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ مَعَ قِيَامِ الْعَيْنِ وَ الْمُشْتَرِي مَعَ تَلَفِهَا) عَلَي الْمَشْهُورِ، بَلْ قِيلَ: إنَّهُ إجْمَاعٌ.

وَهُوَ بَعِيدٌ وَ مُسْتَنَدُهُ رِوَايَةٌ مُرْسَلَةٌ وَ قِيلَ: يُقَدَّمُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يَنْفِي الزَّائِدَ وَ الْأَصْلُ عَدَمُهُ وَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ.

وَفِيهِ قُوَّةٌ إنْ لَمْ يَثْبُتْ الْإِجْمَاعُ عَلَي خِلَافِهِ، مَعَ أَنَّهُ خِيرَةُ التَّذْكِرَةِ وَ قِيلَ: يَتَحَالَفَانِ وَ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَ مُنْكِرٍ، لِتَشَخُّصِ الْعَقْدِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّمَنَيْنِ.

وَهُوَ خِيرَةُ الْمُصَنِّفِ فِي قَوَاعِدِهِ وَ شَيْخِهِ فَخْرُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ وَ فِي الدُّرُوسِ نَسَبَ الْقَوْلَيْنِ إلَي النُّدُورِ وَ عَلَي الْمَشْهُورِ لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً

لَكِنَّهَا قَدْ انْتَقَلَتْ عَنْ الْمُشْتَرِي انْتِقَالًا لَازِمًا كَالْبَيْعِ وَ الْعِتْقِ، فَفِي تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ التَّلَفِ قَوْلَانِ: أَجْوَدُهُمَا الْعَدَمُ، لِصِدْقِ الْقِيَامِ عَلَيْهَا وَ هُوَ الْبَقَاءُ وَ مَنْعِ مُسَاوَاتِهِ لِلتَّلَفِ فِي الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُكْمِ وَ لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ فَفِي تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ تَلَفِ الْجَمِيعِ أَوْ بَقَاءِ الْجَمِيعِ، أَوْ إلْحَاقِ كُلِّ جُزْءٍ بِأَصْلِهِ أَوْجُهٌ، أَوْجُهُهَا الْأَوَّلُ لِصِدْقِ عَدَمِ قِيَامِهَا الَّذِي هُوَ مَنَاطُ تَقْدِيمِ قَوْلِ الْبَائِعِ وَ لَوْ امْتَزَجَ بِغَيْرِهِ فَإِنْ بَقِيَ التَّمْيِيزُ وَ إِنْ عَسِرَ التَّخْلِيصُ فَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ وَ إِلَّا فَوَجْهَانِ وَ عَدَمُهُ أَوْجَهُ، لِعَدَمِ صِدْقِ الْقِيَامِ عُرْفًا، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ أَخَصُّ مِنْ الْوُجُودِ. (وَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي تَعْجِيلِهِ) أَيْ: الثَّمَنِ (وَقَدْرِ الْأَجَلِ) عَلَي تَقْدِيرِ اتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ (وَشُرِطَ رَهْنٌ، أَوْ ضَمِينٌ عَنْ الْبَائِعِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ)، لِأَصَالَةِ عَدَمِ ذَلِكَ كُلِّهِ.

وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَي الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي التَّعْجِيلَ وَ تَقْلِيلَ الْأَجَلِ حَيْثُ يَتَّفِقَانِ عَلَي أَصْلِ التَّأْجِيلِ، فَلَوْ اتَّفَقَ خِلَافُهُ فَادَّعَي هُوَ الْأَجَلَ، أَوْ طُولَهُ لِغَرَضٍ يَتَعَلَّقُ بِتَأْخِيرِ الْقَبْضِ قُدِّمَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِلْأَصْلِ، (وَ كَذَا) يُقَدَّمُ قَوْلُ الْبَائِعِ لَوْ اخْتَلَفَا (فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ) لِلْأَصْلِ.

وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي مِثْلُهُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بِالنِّسْبَةِ إلَي الْمُشْتَرِي لَوْلَا الرِّوَايَةُ.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُطْلَقًا، أَوْ مُعَيَّنًا كَهَذَا الثَّوْبِ فَيقول:

بَلْ هُوَ وَ الْآخَرُ.

هَذَا إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ الِاخْتِلَافَ فِي الثَّمَنِ كَبِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِأَلْفٍ فَقال:

بَلْ هُوَ وَ الْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ.

وَإِلَّا قَوِيَ التَّحَالُفُ، إذْ لَا مُشْتَرَكَ هُنَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِهِ.

(وَ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ) كَمَا إذَا قال:

بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ فَقال:

بَلْ هَذَا (يَتَحَالَفَانِ)، لِادِّعَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَنْفِيهِ الْآخَرُ بِحَيْثُ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَي أَمْرٍ وَ يَخْتَلِفَا فِيمَا زَادَ وَ هُوَ ضَابِطُ التَّحَالُفِ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً عَلَي نَفْيِ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ، لَا عَلَي إثْبَاتِ مَا يَدَّعِيه وَ لَا جَامِعَةَ بَيْنَهُمَا

فَإِذَا حَلَفَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَ رَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَي عَيْنِ مَالِهِ، أَوْ بَدَلِهَا وَ الْبَادِي مِنْهُمَا بِالْيَمِينِ مَنْ ادَّعَي عَلَيْهِ أَوَّلًا، فَإِنْ حَلَفَ الْأَوَّلُ وَ نَكَلَ الثَّانِي وَ قَضَيْنَا بِالنُّكُولِ يَثْبُتُ مَا يَدَّعِيه الْحَالِفُ وَ إِلَّا حَلَفَ يَمِينًا ثَانِيَةً عَلَي إثْبَاتِ مَا يَدَّعِيه.

ثُمَّ إذَا حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَي نَفْيِ مَا يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي بَقِيَ عَلَي مِلْكِهِ، فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ فِي يَدِهِ وَ إِلَّا انْتَزَعَهُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَ إِذَا حَلَفَ الْمُشْتَرِي عَلَي نَفْيِ مَا يَدَّعِيه الْبَائِعُ و كان الثَّوْبُ فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَتُهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ وَ إِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، لِاعْتِرَافِهِ بِكَوْنِهِ لِلْمُشْتَرِي وَ لَهُ ثَمَنُهُ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ رَدَّهُ عَلَي الْمُشْتَرِي وَ لَهُ أَخْذُ الثَّوْبِ قِصَاصًا وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ أَخَذَ الثَّوْبَ قِصَاصًا أَيْضًا، فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَنْهُ فَهُوَ مَالٌ لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ وَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَصْلِ: (وَقَالَ الشَّيْخُ وَ الْقَاضِي: يَحْلِفُ الْبَائِعُ كَالِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ) وَ ضَرَبَ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمَقْرُوءَةِ عَلَي الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ.

(وَ) حَيْثُ يَتَحَالَفَانِ (يَبْطُلُ الْعَقْدُ مِنْ حِينِهِ) أَيْ: حِينِ التَّحَالُفِ، لَا مِنْ أَصْلِهِ، فَنَمَاءُ الثَّمَنِ الْمُنْفَصِلِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الْعَقْدِ وَ التَّحَالُفِ لِلْبَائِعِ وَ أَمَّا الْمَبِيعُ فَيَشْكُلُ حَيْثُ لَمْ يَتَعَيَّنْ.

نَعَمْ لَوْ قِيلَ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ تَوَجَّهَ حُكْمُ نَمَاءِ الْمَبِيعِ. (وَ) اخْتِلَافُهُمَا (فِي شَرْطٍ مُفْسِدٍ يُقَدَّمُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ)؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُسْلِمِ، (وَ لَوْ اخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ نَزَلَ كُلُّ وَارِثٍ مَنْزِلَةَ مُوَرِّثِهِ) فَتَحْلِفُ وَرَثَةُ الْبَائِعِ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ وَ الْأَجَلِ، وَأَصْلِهِ وَ قَدْرِ الثَّمَنِ مَعَ قِيَامِ الْعَيْنِ وَ وَرَثَةُ الْمُشْتَرِي مَعَ تَلَفِهَا.

وَقِيلَ: يُقَدَّمُ قَوْلُ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي فِي

قَدْرِ الثَّمَنِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَ إِنَّمَا خَرَجَ عَنْهُ مُوَرِّثُهُمْ بِالنَّصِّ فَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَي مُوَرَّدِهِ الْمُخَالِفِ لِلْأَصْلِ وَ لَهُ وَجْهٌ، غَيْرَ أَنَّ قِيَامَ الْوَارِثِ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ مُطْلَقًا أَجْوَدُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ وَ لَوْ قُلْنَا: بِالتَّحَالُفِ ثَبَتَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ قَطْعًا.

الْخَامِسُ إطْلَاقُ الْكَيْلِ وَ الْوَزْنِ

وَالنَّقْدِ (يَنْصَرِفُ إلَي الْمُعْتَادِ) فِي بَلَدِ الْعَقْدِ لِذَلِكَ الْمَبِيعِ إنْ اتَّحَدَ، (فَإِنْ تَعَدَّدَ فَالْأَغْلَبُ) اسْتِعْمَالًا وَ إِطْلَاقًا، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَفِي تَرْجِيحِ أَيِّهِمَا نَظَرٌ وَ يُمْكِنُ حِينَئِذٍ وجوب التَّعْيِينِ كَمَا لَوْ لَمْ يَغْلِبْ، (فَإِنْ تَسَاوَتْ) فِي الِاسْتِعْمَالِ فِي الْمَبِيعِ الْخَاصِّ (وَجَبَ التَّعْيِينُ)، لِاسْتِحَالَةِ التَّرْجِيحِ بِدُونِهِ وَ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ، (وَ لَوْ لَمْ يُعَيَّنْ بَطَلَ الْبَيْعُ) لِمَا ذُكِرَ.

(وَأُجْرَةُ اعْتِبَارِ الْمَبِيعِ) بِالْكَيْلِ، أَوْ الْوَزْنِ، أَوْ النَّقْدِ (عَلَي الْبَائِعِ) لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَتِهِ، (وَاعْتِبَارُ الثَّمَنِ عَلَي الْمُشْتَرِي وَ أُجْرَةُ الدَّلَّالِ عَلَي الْآمِرِ) وَ لَوْ أَمَرَهُ فَالسَّابِقُ إنْ كَانَ مُرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْمُمَاكَسَةَ مَعَهُ وَ لَوْ أَمَرَاهُ بِتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ الْإِيجَابِ وَ الْقَبُولِ (فَعَلَيْهِمَا) أُجْرَةٌ وَاحِدَةٌ بِالتَّنْصِيفِ، سَوَاءٌ اقْتَرَنَا أَمْ تَلَاحَقَا وَ لَوْ مَنَعْنَا مِنْ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ مِنْ الْوَاحِدِ امْتَنَعَ أَخْذُ أُجْرَتَيْنِ، لَكِنْ لَا يُتَّجَهُ حَمْلُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِوَاحِدٍ، عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَبَّرَ بِهِ مَنْ يَرَي جَوَازَهُ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِعَمَلٍ وَاحِدٍ وَ إِنْ أَمَرَهُ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ وَ الْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ، بَلْ لَهُ أُجْرَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَيْهِمَا، أَوْ عَلَي أَحَدِهِمَا كَمَا فَصَّلْنَاهُ. (وَ لَا يَضْمَنُ الدَّلَّالُ) مَا يَتْلَفُ بِيَدِهِ مِنْ الْأَمْتِعَةِ (إلَّا بِتَفْرِيطٍ).

وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ التَّعَدِّيَ مَجَازًا أَوْ اشْتِرَاكًا (فَيَحْلِفُ عَلَي عَدَمِهِ) لَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ التَّفْرِيطُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِهِ (فَإِنْ ثَبَتَ) التَّفْرِيطُ فِي حَقِّهِ وَ ضَمِنَ الْقِيمَةَ (حَلَفَ عَلَي) مِقْدَارِ (الْقِيمَةِ لَوْ خَالَفَهُ الْبَائِعُ) فَادَّعَي أَنَّهَا أَكْثَرُ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ، لِأَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الزَّائِدِ وَ

لَا يُنَافِيهِ التَّفْرِيطُ وَ إِنْ أَوْجَبَ الْإِثْمَ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ فِيهَا عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ.

(خَاتِمَةٌ: الْإِقَالَةُ فَسْخٌ لَا بَيْعٌ) عِنْدَنَا

، سَوَاءٌ وَقَعَتْ بِلَفْظِ الْفَسْخِ أَمْ الْإِقَالَةِ (فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَ الشَّفِيعِ) وَ هُوَ الشَّرِيكُ، إذْ لَا شُفْعَةَ هُنَا بِسَبَبِ الْإِقَالَةِ وَ حَيْثُ كَانَتْ فَسْخًا لَا بَيْعًا (فَلَا يَثْبُتُ بِهَا شُفْعَةٌ) لَلشَّرِيك، لِاخْتِصَاصِهَا بِالْبَيْعِ وَ نَبَّهَ بِقوله:

فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ: عَلَي خِلَافِ بَعْضِ الْعَامَّةِ حَيْثُ جَعَلَهَا بَيْعًا فِي حَقِّهِمَا وَ بِقوله:

وَ الشَّفِيعِ، عَلَي خِلَافِ آخَرِينَ، حَيْثُ جَعَلُوهَا بَيْعًا فِي حَقِّهِ، دُونَهُمَا، فَيَثْبُتُ لَهُ بِهَا الشُّفْعَةُ. (وَ لَا تَسْقُطُ أُجْرَةُ الدَّلَّالِ) عَلَي الْبَيْعِ (بِهَا)؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا بِالْبَيْعِ السَّابِقِ فَلَا يُبْطِلُهُ الْفَسْخُ اللَّاحِقُ وَ كَذَا أُجْرَةُ الْوَزَّانِ وَ الْكَيَّالِ وَ النَّاقِدُ بَعْدَ صُدُورِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ، لِوُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ. (وَ لَا تَصِحُّ بِزِيَادَةٍ فِي الثَّمَنِ) الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ سَابِقًا، (وَ لَا بِنَقِيصَتِهِ)؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ وَ مَعْنَاهُ رُجُوعُ كُلِّ عِوَضٍ إلَي مَالِكِهِ، فَإِذَا شَرَطَ فِيهَا مَا يُخَالِفُ مُقْتَضَاهَا فَسَدَ الشَّرْطُ وَ فَسَدَتْ بِفَسَادِهِ وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ الْعَيْنِيَّةِ وَ الْحُكْمِيَّةِ كَالِانْتِظَارِ بِالثَّمَنِ. (وَيَرْجِعُ) بِالْإِقَالَةِ (كُلُّ عِوَضٍ إلَي مَالِكِهِ) إنْ كَانَ بَاقِيًا وَ نَمَاؤُهُ الْمُتَّصِلُ تَابِعٌ لَهُ.

وَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ فَلَا رُجُوعَ بِهِ وَ إِنْ كَانَ حَمْلًا لَمْ يَنْفَصِلْ، (فَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَمِثْلُهُ) إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، (أَوْ قِيمَتُهُ) يَوْمَ التَّلَفِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا، أَوْ تَعَذَّرَ الْمِثْلُ وَ لَوْ وَجَدَهُ مَعِيبًا رَجَعَ بِأَرْشِهِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ، أَوْ الْوَصْفَ الْفَائِتَ بِمَنْزِلَةِ التَّالِفِ.

وَأَلْفَاظُهَا تَفَاسَخْنَا وَ تَقَايَلْنَا، مَعًا، أَوْ مُتَلَاحِقَيْنِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ يُعْتَدُّ بِهِ، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا: أَقَلْتُك فَيَقْبَلُ الْآخَرُ وَ إِنْ لَمْ يَسْبِقْ الْتِمَاسٌ.

وَاحْتَمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ الِاكْتِفَاءَ بِالْقَبُولِ الْفِعْلِيِّ.

15 كتاب الدين

الْأَوَّلُ - الْقَرْضُ

المدخل

(الْأَوَّلُ - الْقَرْضُ)

بِفَتْحِ الْقَافِ وَ كَسْرِهَا وَ فَضْلُهُ عَظِيمٌ (وَ الدِّرْهَمُ مِنْهُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا

مَعَ أَنَّ دِرْهَمَ الصَّدَقَةِ بِعَشَرَةٍ) قِيلَ وَ السِّرُّ فِيهِ: أَنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ فِي يَدِ الْمُحْتَاجِ وَ غَيْرِهِ وَ الْقَرْضُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي يَدِ الْمُحْتَاجِ غَالِبًا وَ أَنَّ دِرْهَمَ الْقَرْضِ يَعُودُ فَيُقْرَضُ ثَانِيًا وَ دِرْهَمَ الصَّدَقَةِ لَا يَعُودُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَرْضَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَي قَصْدِ الْقُرْبَةِ وَ مُطْلَقُ الثَّوَابِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا، فَلَيْسَ كُلُّ قَرْضٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ، بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ فَإِنَّ الْقُرْبَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِيهَا، فَإِطْلَاقُ كَوْنِ دِرْهَمِ الْقَرْضِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ إمَّا مَشْرُوطٌ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ، أَوْ تَفَضُّلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَي مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الثَّوَابِ بِوَاسِطَةِ الْوَجْهَيْنِ وَ قَدْ يَقَعُ التَّفَضُّلُ عَلَي كَثِيرٍ مِنْ فَاعِلِي الْبِرِّ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْقُرْبَةِ كَالْكَرَمِ. وَ يَفْتَقِرُ الْقَرْضُ إلَي إيجَابٍ وَ قَبُولٍ.

(وَ الصِّيغَةُ أَقْرَضْتُكَ، أَوْ انْتَفِعْ بِهِ، أَوْ تَصَرَّفْ فِيهِ)، أَوْ مَلَّكْتُكَ أَوْ أَسْلَفْتُك، أَوْ خُذْ هَذَا، أَوْ اصْرِفْهُ (وَعَلَيْك عِوَضُهُ) وَ مَا أَدَّي هَذَا الْمَعْنَي؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ وَ هِيَ لَا تَنْحَصِرُ فِي لَفْظٍ، بَلْ تَتَأَدَّي بِمَا أَفَادَ مَعْنَاهَا وَ إِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَي ضَمِيمَةِ " وَ عَلَيْك عِوَضُهُ " مَا عَدَا الصِّيغَةَ الْأُولَي فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي مَعْنَاهُ لَا تَفْتَقِرُ إلَي انْضِمَامِ أَمْرٍ آخَر (فَيَقُولُ الْمُقْتَرِضُ: قَبِلْت وَ شِبْهَهُ) مِمَّا دَلَّ عَلَي الرِّضَا بِالْإِيجَابِ وَ اسْتَقْرَبَ فِي الدُّرُوسِ الِاكْتِفَاءَ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ مَرْجِعَهُ إلَي الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ.

وَهُوَ حَسَنٌ مِنْ حَيْثُ إبَاحَةُ التَّصَرُّفِ.

أَمَّا إفَادَتُهُ لِلْمِلْكِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَي صِحَّةِ الْقَرْضِ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ لَا يُؤَدِّي إلَيْهِ (وَ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ النَّفْعِ)، لِلنَّهْيِ عَنْ قَرْضٍ يَجُرُّ نَفْعًا (فَلَا يُفِيدَ الْمِلْكَ) لَوْ شَرَطَهُ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرِّبَوِيُّ وَ غَيْرُهُ وَ زِيَادَةُ الْعَيْنِ وَ الْمَنْفَعَةِ (حَتَّي لَوْ شَرَطَ الصِّحَاحَ عِوَضَ الْمُكَسَّرَةِ، خِلَافًا لِأَبِي الصَّلَاحِ) الْحَلَبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ جَمَاعَةٍ حَيْثُ جَوَّزُوا هَذَا الْفَرْدَ مِنْ

النَّفْعِ، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ لَا تَدُلُّ عَلَي مَطْلُوبِهِمْ.

وَظَاهِرُهَا إعْطَاءُ الزَّائِدِ الصَّحِيحِ بِدُونِ الشَّرْطِ وَ لَا خِلَافَ فِيهِ بَلْ [لَا] يُكْرَهُ وَ قَدْ رُوِيَ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ اقْتَرَضَ بَكْرًا فَرَدَّ بَازِلًا رَبَاعِيًا وَ قال:

إنَّ خَيْرَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً، } (وَ إِنَّمَا يَصِحُّ إقْرَاضُ الْكَامِلِ) عَلَي وَجْهٍ يَرْتَفِعُ عَنْهُ الْحَجْرُ فِي الْمَالِ وَ أَرَادَ كَمَالِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مَعًا بِإِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَي الْفَاعِلِ وَ الْقَابِلِ (وَكُلُّ مَا تَتَسَاوَي أَجْزَاؤُهُ) فِي الْقِيمَةِ وَ الْمَنْفَعَةِ وَ تَتَقَارَبُ صِفَاتُهُ كَالْحُبُوبِ وَ الْأَدْهَانِ (يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مِثْلُهُ وَ مَا لَا يَتَسَاوَي) أَجْزَاؤُهُ كَالْحَيَوَانِ (تَثْبُتُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ)؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْمِلْكِ، (وَبِهِ) أَيْ بِالْقَبْضِ (يَمْلِكُ) الْمُقْتَرِضُ الْقَرْضَ عَلَي الْمَشْهُورِ، لَا بِالتَّصَرُّفِ، قِيلَ: لِأَنَّهُ فَرْعُ الْمِلْكِ فَيَمْتَنِعُ كَوْنُهُ شَرْطًا فِيهِ وَ إِلَّا دَارَ و فيه مَنْعُ تَبَعِيَّتِهِ لِلْمِلْكِ مُطْلَقًا، إذْ يَكْفِي فِيهِ إذْنُ الْمَالِكِ وَ هُوَ هُنَا حَاصِلٌ بِالْعَقْدِ، بَلْ بِالْإِيجَابِ وَ حَيْثُ قُلْنَا بِمِلْكِهِ، بِالْقَبْضِ (فَلَهُ رَدُّ مِثْلِهِ) مَعَ وُجُودِ عَيْنِهِ (وَ إِنْ كَرِهَ الْمُقْرِضُ)، لِأَنَّ الْعَيْنَ حِينَئِذٍ تَصِيرُ كَغَيْرِهَا مِنْ أَمْوَالِهِ وَ الْحَقُّ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فَيَتَخَيَّرُ فِي جِهَةِ الْقَضَاءِ وَ لَوْ قُلْنَا بِتَوَقُّفِ الْمِلْكِ عَلَي التَّصَرُّفِ وَجَبَ دَفْعُ الْعَيْنِ مَعَ طَلَبِ مَالِكِهَا وَ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِذَلِكَ وَ إِنْ مَلَكْنَاهُ، بِالْقَبْضِ، بِنَاءً عَلَي كَوْنِ الْقَرْضِ عَقْدًا جَائِزًا وَ مِنْ شَأْنِهِ رُجُوعُ كُلِّ عِوَضٍ إلَي مَالِكِهِ إذَا فُسِخَ كَالْهِبَةِ وَ الْبَيْعِ بِخِيَارٍ. (وَ لَا يَلْزَمُ اشْتِرَاطُ الْأَجَلِ فِيهِ) لَا لَهُ وَ لَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ فَلَا يَلْزَمُ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ، إلْحَاقًا لِشَرْطِهِ بِجُزْئِهِ، نَعَمْ لَوْ شُرِطَ أَجَلُ الْقَرْضِ فِي عَقْدٍ لَازِمٍ لَزِمَ عَلَي مَا سَبَقَ. (وَيَجِبُ) عَلَي الْمَدْيُونِ (نِيَّةُ الْقَضَاءِ) سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَي أَدَائِهِ أَمْ لَا بِمَعْنَي

الْعَزْمِ - وَ إِنْ عَجَزَ - عَلَي الْأَدَاءِ إذَا قَدَرَ وَ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ حَاضِرًا أَمْ غَائِبًا، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَي الْإِيمَانِ، كَمَا يَجِبُ الْعَزْمُ عَلَي أَدَاءِ كُلِّ وَاجِبٍ وَ تَرْكِ كُلِّ مُحَرَّمٍ.

وَقَدْ رُوِيَ: أَنَّ كُلَّ مَنْ عَزَمَ عَلَي قَضَاءِ دَيْنِهِ أُعِينَ عَلَيْهِ: وَ أَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ مُؤْنَتِهِ بِقَدْرِ قُصُورِ نِيَّتِهِ.

(وَعَزْلُهُ عِنْدَ وَفَاتِهِ وَ الْإِيصَاءُ بِهِ لَوْ كَانَ صَاحِبُهُ غَائِبًا) لِيَتَمَيَّزَ الْحَقُّ وَ يَسْلَمَ مِنْ تَصَرُّفِ الْوَارِثِ فِيهِ وَ يَجِبُ كَوْنُ الْوِصَايَةِ إلَي ثِقَةٍ؛ لِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ عَلَي مَالِ الْغَيْرِ وَ إِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ الْوِصَايَةِ إلَي غَيْرِهِ فِي الْجُمْلَةِ، (وَ لَوْ جَهِلَهُ وَ يَئِسَ مِنْهُ تَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ) فِي الْمَشْهُور.

وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ دَفْعُهُ إلَي الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَ يُضَعَّفُ بِأَنَّهُ إحْسَانٌ مَحْضٌ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ إنْ ظَهَرَ وَ لَمْ يَرْضَ بِهَا ضَمِنَ لَهُ عِوَضَهَا وَ إِلَّا فَهِيَ أَنْفَعُ مِنْ بَقَاءِ الْعَيْنِ الْمَعْزُولَةِ الْمُعَرَّضَةِ لِتَلَفِهَا بِغَيْرِ تَفْرِيطِ الْمُسْقِطِ لِحَقِّهِ.

وَالْأَقْوَي التَّخْيِيرُ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَ الدَّفْعِ إلَي الْحَاكِمِ وَ إِبْقَائِهِ فِي يَدِهِ.

(وَلَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الدَّيْنِ) الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَصَاعِدًا عَلَي الْمَشْهُورِ

(بَلْ الْحَاصِلُ مِنْهُ لَهُمَا وَ التَّاوِي) بِالْمُثَنَّاةِ وَ هُوَ الْهَالِكُ (مِنْهُمَا) و قد يَحْتَالُ لِلْقِسْمَةِ بِأَنْ يُحِيلَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِحِصَّتِهِ الَّتِي يُرِيدُ إعْطَاءَهَا صَاحِبَهُ وَ يَقْبَلُ الْآخَرُ، بِنَاءً عَلَي صِحَّةِ الْحَوَالَةِ مِنْ الْبَرِيءِ وَ كَذَا لَوْ اصْطَلَحَا عَلَي مَا فِي الذِّمَمِ بَعْضًا بِبَعْضٍ وِفَاقًا لِلْمُصَنِّفِ (وَيَصِحُّ بَيْعُهُ بِحَالٍّ) وَ إِنْ لَمْ يَقْبِضْ مِنْ الْمَدْيُونِ وَ غَيْرِهِ، حَالًّا كَانَ الدَّيْنُ، أَمْ مُؤَجَّلًا وَ لَا يَمْنَعُ تَعَذُّرُ قَبْضِهِ حَالَ الْبَيْعِ مِنْ صِحَّتِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ إمْكَانُهُ فِي الْجُمْلَةِ لَا حَالَةَ الْبَيْعِ وَ لَا فَرْقَ فِي بَيْعِهِ بِالْحَالِّ بَيْنَ كَوْنِهِ مُشَخَّصًا وَ مَضْمُونًا عَلَي الْأَقْوَي، لِلْأَصْلِ وَ

عَدَمِ صِدْقِ اسْمِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، (لَا بِمُؤَجَّلٍ) لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ: مَا كَانَ عِوَضًا حَالَ كَوْنِهِ دَيْنًا بِمُقْتَضَي تَعَلُّقِ الْبَاءِ بِهِ وَ الْمَضْمُونُ عِنْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِدَيْنٍ وَ إِنَّمَا يَصِيرُ دَيْنًا بَعْدَهُ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ بَيْعُ الدَّيْنِ بِهِ؛ وَ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي بَيْعِهِ بِحَالٍّ وَ الْفَرْقُ غَيْرُ وَاضِحٍ وَ دَعْوَي إطْلَاقِ اسْمِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ إنْ أَرَادُوا بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَمَمْنُوعٌ، أَوْ بَعْدَهُ فَمُشْتَرَكٌ وَ إِطْلَاقُهُمْ لَهُ عَلَيْهِ عُرْفًا إذَا بِيعَ بِهِ فَيَقُولُونَ: بَاعَ فُلَانٌ مَالَهُ بِالدَّيْنِ مَجَازٌ بِقَصْدِ أَنَّ الثَّمَنَ بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنًا بَعْدَ الْبَيْعِ وَ لَوْ اُعْتُبِرَ هَذَا الْإِطْلَاقُ جَاءَ مِثْلُهُ فِي الْحَالِ إذَا لَمْ يَقْبِضْهُ، خُصُوصًا إذَا أَمْهَلَهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْجِيلٍ.

(وَبِزِيَادَةٍ) عَنْ قَدْرِهِ، (وَنَقِيصَةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رِبَوِيًّا) فَتُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ (وَ لَا يَلْزَمُ الْمَدْيُونَ أَنْ يَدْفَعَ إلَي الْمُشْتَرِي إلَّا مَا دَفَعَ الْمُشْتَرِي) إلَي الْبَائِعِ (عَلَي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَ قَرِيبٌ مِنْهَا رِوَايَةُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ إِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَي الْأُولَي؛ لِأَنَّهَا أَصْرَحُ وَ عَمِلَ بِمَضْمُونِهَا الشَّيْخُ وَ جَمَاعَةٌ.

وَيَظْهَرُ مِنْ الْمُصَنِّفِ الْمَيْلُ إلَيْهِ وَ فِي الدُّرُوسِ لَا مُعَارِضَ لَهَا، لَكِنَّ الْمُسْتَنَدَ ضَعِيفٌ وَ عُمُومُ الْأَدِلَّةِ تَدْفَعُهُ وَ حُمِلَ عَلَي الضَّمَانِ مَجَازًا، لِشِبْهِهِ بِالْبَيْعِ فِي الْمُعَاوَضَةِ، أَوْ عَلَي فَسَادِ الْبَيْعِ، لِلرِّبَا وَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ الدَّفْعُ مَأْذُونًا فِيهِ مِنْ الْبَائِعِ فِي مُقَابَلَةِ مَا دَفَعَ وَ يَبْقَي الْبَاقِي لِمَالِكِهِ.

وَالْأَقْوَي مَعَ صِحَّةِ الْبَيْعِ لُزُومُ دَفْعِ الْجَمِيعِ وَ يَجِبُ مُرَاعَاةُ شُرُوطِ الرِّبَا وَ الصَّرْفِ وَ لَوْ وَقَعَ صُلْحًا اُغْتُفِرَ الثَّانِي خَاصَّةً.

(وَمَنَعَ ابْنُ إدْرِيسَ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ عَلَي غَيْرِ الْمَدْيُونِ)

اسْتِنَادًا إلَي دَلِيلٍ قَاصِرٍ، وَتَقْسِيمٍ غَيْرِ حَاصِرٍ، (وَ الْمَشْهُورُ الصِّحَّةُ) مُطْلَقًا؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ (وَ

لَوْ بَاعَ الذِّمِّيُّ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ) كَالْخَمْرِ وَ الْخِنْزِيرِ (ثُمَّ قَضَي مِنْهُ دَيْنَ الْمُسْلِمِ صَحَّ قَبْضُهُ وَ لَوْ شَاهَدَهُ) الْمُسْلِمُ؛ لِإِقْرَارِ الشَّارِعِ لَهُ عَلَي ذَلِكَ، لَكِنْ بِشَرْطِ اسْتِتَارِهِ بِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَي الشَّرْعِ، فَلَوْ تَظَاهَرَ بِهِ لَمْ يَجُزْ وَ مِنْ ثَمَّ يُقَيَّدُ بِالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُقَرُّ عَلَي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ مِنْهُ.

(وَلَا تَحِلُّ الدُّيُونُ الْمُؤَجَّلَةُ بِحَجْرِ الْمُفْلِسِ)

، عَمَلًا بِالْأَصْلِ، (خِلَافًا لِابْنِ الْجُنَيْدِ عَلَيْهِ السَّلَامُ) حَيْثُ زَعَمَ أَنَّهَا تَحِلُّ، قِيَاسًا عَلَي الْمَيِّتِ وَ هُوَ بَاطِلٌ، مَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ بِتَضَرُّرِ الْوَرَثَةِ إنْ مُنِعُوا مِنْ التَّصَرُّفِ إلَي أَنْ يَحِلَّ وَ صَاحِبِ الدَّيْنِ إنْ لَمْ يُمْنَعُوا، بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ لِبَقَاءِ ذِمَّتِهِ. (وَتَحِلُّ) الدُّيُونُ الْمُؤَجَّلَةُ (إذَا مَاتَ الْمَدْيُونُ)، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَالُ السَّلَمِ وَ الْجِنَايَةِ الْمُؤَجَّلَةِ وَ غَيْرِهِمَا؛ لِلْعُمُومِ وَ كَوْنُ أَجَلِ السَّلَمِ يَقْتَضِي قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ وَ أَجَلِ الْجِنَايَةِ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ وَ لِيَتَحَقَّقَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجِنَايَاتِ لَا يَدْفَعُ عُمُومَ النَّصِّ (وَ لَا تَحِلُّ بِمَوْتِ الْمَالِكِ)، دُونَ الْمَدْيُونِ لِلْأَصْلِ، خَرَجَ مِنْهُ مَوْتُ الْمَدْيُونِ فَيَبْقَي الْبَاقِي.

وَقِيلَ: تَحِلُّ، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ مُرْسَلَةٍ وَ بِالْقِيَاسِ عَلَي مَوْتِ الْمَدْيُونِ.

وَهُوَ بَاطِلٌ. (وَلِلْمَالِكِ انْتِزَاعُ السِّلْعَةِ) الَّتِي نَقَلَهَا إلَي الْمُفْلِسِ قَبْلَ الْحَجْرِ وَ لَمْ يَسْتَوْفِ عِوَضَهَا مَعَ وُجُودِهَا مُقَدَّمًا فِيهَا عَلَي سَائِرِ الدُّيَّانِ (فِي الْفَلَسِ إذَا لَمْ تَزِدْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً) كَالسِّمَنِ وَ الطُّولِ، فَإِنْ زَادَتْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهَا؛ لِحُصُولِهَا عَلَي مِلْكِ الْمُفْلِسِ فَيَمْتَنِعُ أَخْذُ الْعَيْنِ بِدُونِهَا وَ مَعَهَا.

(وَ قِيلَ: يَجُوزُ) انْتِزَاعُهَا (وَ إِنْ زَادَتْ) لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ صِفَةٌ مَحْضَةٌ وَ لَيْسَتْ مِنْ فِعْلِ الْمُفْلِسِ فَلَا تُعَدُّ مَالًا لَهُ وَ لِعُمُومِ { مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا } وَ فِي قَوْلِ ثَالِثٍ: يَجُوزُ أَخْذُهَا، لَكِنْ يَكُونُ الْمُفْلِسُ شَرِيكًا بِمِقْدَارِ الزِّيَادَةِ، (وَ

لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً) كَالْوَلَدِ وَ إِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ وَ الثَّمَرَةُ وَ إِنْ لَمْ تُقْطَفْ (لَمْ يُمْنَعْ) مِنْ الِانْتِزَاعِ وَ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ وَ لَوْ كَانَتْ بِفِعْلِهِ كَمَا لَوْ غَرَسَ، أَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ، أَوْ خَاطَهُ، أَوْ طَحَنَ الْحِنْطَةَ كَانَ شَرِيكًا بِنِسْبَةِ الزِّيَادَةِ (وَغُرَمَاءُ الْمَيِّتِ سَوَاءٌ فِي تَرِكَتِهِ مَعَ الْقُصُورِ) فَيُقْسَمُ عَلَي نِسْبَةِ الدُّيُونِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَ غَيْرُهُ، (وَمَعَ الْوَفَاءِ لِصَاحِبِ الْعَيْنِ أَخْذُهَا فِي الْمَشْهُورِ)، سَوَاءٌ كَانَتْ التَّرِكَةُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ أَمْ أَزْيَدَ وَ سَوَاءٌ مَاتَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَمْ لَا وَ مُسْتَنَدُ الْمَشْهُورِ صَحِيحَةُ أَبِي وَلَّادٍ عَنْ (الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ) (وَقَالَ ابْنُ الْجُنَيْدِ: يَخْتَصُّ بِهَا وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ وَفَاءً) كَالْمُفْلِسِ، قِيَاسًا وَ اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ مُطْلَقَةٍ فِي جَوَازِ الِاخْتِصَاصِ وَ الْأَوَّلُ بَاطِلٌ وَ الثَّانِي يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِالْوَفَاءِ جَمْعًا.

وَرُبَّمَا قِيلَ: بِاخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِمَنْ مَاتَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَ إِلَّا فَلَا اخْتِصَاصَ مُطْلَقًا وَ صَحِيحُ النَّصِّ يَدْفَعُهُ (وَ لَوْ وُجِدَتْ الْعَيْنُ نَاقِصَةً بِفِعْلِ الْمُفْلِسِ) أَخَذَهَا إنْ شَاءَ (وَضَرَبَ بِالنَّقْصِ مَعَ الْغُرَمَاءِ مَعَ نِسْبَتِهِ) أَيْ نِسْبَةِ النَّقْصِ (إلَي الثَّمَنِ) بِأَنْ تُنْسَبَ قِيمَةُ النَّاقِصِ إلَي الصَّحِيحَةِ وَ يَضْرِبَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ هُوَ مُقْتَضَي قَاعِدَةِ الْأَرْشِ؛ وَ لِئَلَّا يُجْمَعَ بَيْنَ الْعِوَضِ وَ الْمُعَوَّضِ فِي بَعْضِ الْفُرُوضِ وَ فِي اسْتِفَادَةِ ذَلِكَ مِنْ نِسْبَةِ النَّقْصِ إلَي الثَّمَنِ خَفَاءٌ وَ لَوْ كَانَ النَّقْصُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَإِنْ وَجَبَ أَرْشُهُ ضَرَبَ بِهِ قَطْعًا وَ لَوْ كَانَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَي فَالْأَقْوَي أَنَّهُ كَذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ الْفَائِتُ مِمَّا يَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِالنِّسْبَةِ كَعَبْدٍ مِنْ عَبْدَيْنِ أَمْ لَا كَيَدِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ عِنْدَ فَسْخِهِ رُجُوعُ كُلِّ عِوَضٍ إلَي صَاحِبِهِ، أَوْ بَدَلِهِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ تَخْصِيصَ النَّقْصِ بِفِعْلِ الْمُفْلِسِ لَا يَظْهَرُ لَهُ نُكْتَةٌ؛

لِأَنَّهُ إمَّا مُسَاوٍ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَي، أَوْ الْأَجْنَبِيِّ عَلَي تَقْدِيرِ الْفَرْقِ، أَوْ حُكْمِ الْجَمِيعِ سَوَاءٌ عَلَي الْقَوْلِ الْأَقْوَي. (وَ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَالِ التَّفْلِيسِ بِعَيْنٍ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِأَعْيَانِ مَالِهِ قَبْلَهُ) فَيَكُونُ إقْرَارُهُ بِهَا فِي قُوَّةِ الْإِقْرَارِ بِمَالِ الْغَيْرِ وَ لِلْحَجْرِ عَنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ الْمَانِعِ مِنْ نُفُوذِ الْإِقْرَارِ، (وَيَصِحُّ) إقْرَارُهُ (بِدَيْنٍ) لِأَنَّهُ عَاقِلٌ مُخْتَارٌ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ إقْرَارِ الْعُقَلَاءِ عَلَي أَنْفُسِهِمْ جَائِزٌ وَ الْمَانِعُ فِي الْعَيْنِ مُنْتَفٍ هُنَا، لِأَنَّهُ فِي الْعَيْنِ مُنَافٍ لِحَقِّ الدُّيَّانِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا (وَ) هُنَا (يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، فَلَا يُشَارِكُ الْغُرَمَاءُ الْمُقَرَّ لَهُ) جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ.

(وَقَوَّي الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَ تَبِعَهُ الْعَلَّامَةُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ (الْمُشَارَكَةُ) لِلْخَبَرِ؛ وَ لِعُمُومِ الْإِذْنِ فِي قِسْمَةِ مَالِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَ الْإِنْشَاءِ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ وَ الْحَجْرُ إنَّمَا يُبْطِلَ إحْدَاثَ الْمِلْكِ وَ لِأَنَّهُ كَالْبَيِّنَةِ و مع قِيَامِهَا لَا إشْكَالَ فِي الْمُشَارَكَةِ.

وَيَشْكُلُ بِأَنْ رَدَّ إقْرَارَهُ لَيْسَ لِنَفْسِهِ، بَلْ لِحَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يُنَافِيهِ الْخَبَرُ وَ نَحْنُ قَدْ قَبِلْنَاهُ، عَلَي نَفْسِهِ بِإِلْزَامِهِ بِالْمَالِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَ مُشَارَكَةُ الْمُقَرِّ لَهُ لِلْغُرَمَاءِ هُوَ الْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ الْمُوجِبِ لِمُسَاوَاةِ الْإِقْرَارِ لِلْإِنْشَاءِ فِي الْمَعْنَي وَ كَوْنِهِ كَالْبَيِّنَةِ مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ، فَمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَقْوَي.

وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ مَا لَوْ أَسْنَدَهُ إلَي مَا قَبْلَ الْحَجْرِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ مُعَجَّلًا قَطْعًا، نَعَمْ لَوْ أَسْنَدَهُ إلَي مَا يَلْزَمُ ذِمَّتَهُ كَإِتْلَافِ مَالٍ أَوْ جِنَايَةٍ، شَارَكَ لِوُقُوعِ السَّبَبِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمُسْتَحِقِّ فَلَا تَقْصِيرَ، بِخِلَافِ الْمُعَامِلِ.

وَيُمْنَعُ الْمُفْلِسُ مَنْ التَّصَرُّفِ

(وَيُمْنَعُ الْمُفْلِسُ مَنْ التَّصَرُّفِ) الْمُبْتَدَأِ

(فِي أَعْيَانِ أَمْوَالِهِ) الْمُنَافِي لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، لَا مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ وَ احْتَرَزْنَا بِالْمُبْتَدَأِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِمِثْلِ الْفَسْخِ بِخِيَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْتِدَاءِ تَصَرُّفٍ، بَلْ هُوَ أَثَرُ أَمْرٍ سَابِقٍ عَلَي الْحَجْرِ وَ

كَذَا لَوْ ظَهَرَ لَهُ عَيْبٌ فِيمَا اشْتَرَاهُ سَابِقًا فَلَهُ الْفَسْخُ بِهِ.

وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي جَوَازِ الْفَسْخِ الْغِبْطَةُ، أَمْ يَجُوزُ اقْتِرَاحًا؟ الْأَقْوَي الثَّانِي، نَظَرًا إلَي أَصْلِ الْحُكْمِ وَ إِنْ تَخَلَّفَتْ الْحِكْمَةُ.

وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ الْغِبْطَةُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ.

وَفَرَّقَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لَا عَلَي طَرِيقِ الْمَصْلَحَةِ، فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهَا، بِخِلَافِ الْعَيْبِ.

وَفِيهِ نَظَرٌ بَيِّنٌ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ثَابِتٌ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عَلَي غَيْرِ جِهَةِ الْمَصْلَحَةِ وَ إِنْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ الْمُسَوِّغَةُ لَهُ هِيَ الْمَصْلَحَةُ وَ الْإِجْمَاعُ عَلَي جَوَازِ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ وَ إِنْ زَادَ الْقِيمَةَ، فَضْلًا عَنْ الْغِبْطَةِ فِيهِ.

وَشَمِلَ التَّصَرُّفُ فِي أَعْيَانِ الْأَمْوَالِ مَا كَانَ بِعِوَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَ مَا تَعَلَّقَ بِنَقْلِ الْعَيْنِ وَ الْمَنْفَعَةِ.

وَخَرَجَ بِهِ التَّصَرُّفُ فِي غَيْرِهِ، كَالنِّكَاحِ وَ الطَّلَاقِ وَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَ الْعَفْوِ عَنْهُ وَ مَا يُفِيدُ تَحْصِيلَهُ كَالِاحْتِطَابِ وَ الِاتِّهَابِ وَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَ إِنْ مُنِعَ مِنْهُ، بَعْدَهُ وَ بِالْمُنَافِي عَنْ وَصِيَّتِهِ وَ تَدْبِيرِهِ فَإِنَّهُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ فَتَصَرُّفُهُ فِي ذَلِكَ وَ نَحْوِهِ جَائِزٌ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَي الْغُرَمَاءِ فِيهِ (وَتُبَاعُ) أَعْيَانُ أَمْوَالِهِ الْقَابِلَةِ لِلْبَيْعِ وَ لَوْ لَمْ تَقْبَلْ كَالْمَنْفَعَةِ أَوْ جَرَتْ، أَوْ صُولِحَ عَلَيْهَا وَ أُضِيفَ الْعِوَضُ إلَي أَثْمَانِ مَا يُبَاعُ (وَتُقْسَمُ عَلَي الْغُرَمَاءِ) إنْ وَفَّي وَ إِلَّا فَعَلَي نِسْبَةِ أَمْوَالِهِمْ، (وَ لَا يُدَّخَرُ لِلْمُؤَجَّلَةِ) الَّتِي لَمْ تَحِلَّ حَالَةَ الْقِسْمَةِ (شَيْءٌ) وَ لَوْ حَلَّ بَعْدَ قِسْمَةِ الْبَعْضِ شَارَكَ فِي الْبَاقِي وَ ضَرَبَ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَ ضَرَبَ بَاقِي الْغُرَمَاءِ بِبَقِيَّةِ دُيُونِهِمْ (وَيُحْضِرُ كُلَّ مَتَاعٍ فِي سُوقِهِ) و جوبا مَعَ رَجَاءِ زِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَ إِلَّا اسْتِحْبَابًا؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ فِيهِ أَكْثَرُ لِطُلَّابِهِ وَ أَضْبَطُ لِقِيمَتِهِ. (وَيُحْبَسُ لَوْ ادَّعَي الْإِعْسَارَ حَتَّي يُثْبِتَهُ) بِاعْتِرَافِ الْغَرِيمِ، أَوْ بِالْبَيِّنَةِ الْمُطَّلِعَةِ عَلَي بَاطِنِ أَمْرِهِ إنْ شَهِدَتْ

بِالْإِعْسَارِ مُطْلَقًا، أَوْ بِتَلَفِ الْمَالِ حَيْثُ لَا يَكُونُ مُنْحَصِرًا فِي أَعْيَانٍ مَخْصُوصَةٍ وَ إِلَّا كَفَي اطِّلَاعُهَا عَلَي تَلَفِهَا وَ يُعْتَبَرُ فِي الْأُولَي مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَي بَاطِنِ أَمْرِهِ بِكَثْرَةِ مُخَالَطَتِهِ وَ صَبْرِهِ عَلَي مَا لَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ ذَوُو الْيَسَارِ عَادَةً، أَنْ تَشْهَدَ بِإِثْبَاتٍ يَتَضَمَّنُ النَّفْيَ، لَا بِالنَّفْيِ الصِّرْفِ، بِأَنْ يقول:

إنَّهُ مُعْسِرٌ لَا يَمْلِكُ إلَّا قُوتَ يَوْمِهِ وَ ثِيَابَ بَدَنِهِ وَ نَحْوَ ذَلِكَ.

وَهَلْ يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ مَعَ الْبَيِّنَةِ مُطْلَقًا عَلَي الْيَمِينِ قَوْلَانِ؟ وَ إِنَّمَا يُحْبَسُ مَعَ دَعْوَي الْإِعْسَارِ قَبْلَ إثْبَاتِهِ لَوْ كَانَ أَصْلُ الدَّيْنِ مَالًا كَالْقَرْضِ، أَوْ عِوَضًا عَنْ مَالٍ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ، فَلَوْ انْتَفَي الْأَمْرَانِ كَالْجِنَايَةِ وَ الْإِتْلَافِ قَبْلَ قَوْلِهِ فِي الْإِعْسَارِ بِيَمِينِهِ، لِأَصَالَةِ عَدَمِ الْمَالِ وَ إِنَّمَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ اتِّكَالًا عَلَي مَقَامِ الدَّيْنِ فِي الْكِتَابِ، (فَإِذَا ثَبَتَ) إعْسَارُهُ (خُلِّيَ سَبِيلُهُ) وَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكَسُّبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَي: { وَ إِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَي مَيْسَرَةٍ }.

(وَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ) بِطَرِيقِ السَّكُونِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَحْبِسُ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَعْطَي الْغُرَمَاءَ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ دَفَعَهُ إلَي الْغُرَمَاءِ فَيقول:

اصْنَعُوا بِهِ مَا شِئْتُمْ (إنْ شِئْتُمْ فَآجِرُوهُ وَ إِنْ شِئْتُمْ اسْتَعْمِلُوهُ وَ هُوَ يَدُلُّ عَلَي وجوب التَّكَسُّبِ) فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ، (وَ اخْتَارَهُ ابْنُ حَمْزَةَ وَ الْعَلَّامَةُ) فِي الْمُخْتَلَفِ، (وَمَنَعَهُ الشَّيْخُ وَابْنُ إدْرِيسَ) لِلْآيَةِ وَ أَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ.

(وَ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ) لِوُجُوبِ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَي الْقَادِرِ مَعَ الْمُطَالَبَةِ وَ الْمُتَكَسِّبُ قَادِرٌ وَ لِهَذَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَ حِينَئِذٍ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْآيَةِ وَ إِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكَسُّبُ فِيمَا يَلِيقُ بِحَالِهِ عَادَةً وَ لَوْ بِمُؤَاجَرَةِ نَفْسِهِ وَ عَلَيْهِ تُحْمَلُ الرِّوَايَةُ. (إنَّمَا يُحْجَرُ عَلَي الْمَدْيُونِ إذَا قَصَرَتْ أَمْوَالُهُ عَنْ دُيُونِهِ) فَلَوْ سَاوَتْهُ أَوْ زَادَتْ لَمْ

يُحْجَرْ عَلَيْهِ إجْمَاعًا وَ إِنْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ أَمَارَاتُ الْفَلَسِ، لَكِنْ لَوْ طُولِبَ بِالدَّيْنِ فَامْتَنَعَ تَخَيَّرَ الْحَاكِمُ بَيْنَ حَبْسِهِ إلَي أَنْ يَقْضِيَ بِنَفْسِهِ و بين أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ وَ لَوْ بِبَيْعِ مَا خَالَفَ الْحَقَّ، (وَطَلَبَ الْغُرَمَاءُ الْحَجْرَ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فَلَا يَتَبَرَّعُ الْحَاكِمُ بِهِ عَلَيْهِمْ.

نَعَمْ لَوْ كَانَتْ الدُّيُونُ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ كَانَ لَهُ الْحَجْرُ، أَوْ بَعْضُهَا مَعَ الْتِمَاسِ الْبَاقِينَ وَ لَوْ كَانَتْ لِغَائِبٍ لَمْ يَكُنْ لِلْحَاكِمِ وِلَايَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي لَهُ، بَلْ يَحْفَظُ أَعْيَانَ أَمْوَالِهِ وَ لَوْ الْتَمَسَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُمْ يَفِي بِمَالِهِ وَ يَزِيدُ جَازَ الْحَجْرُ وَ عَمَّ وَ إِلَّا فَلَا عَلَي الْأَقْوَي.

(بِشَرْطِ حُلُولِ الدَّيْنِ) فَلَوْ كَانَ كُلُّهُ، أَوْ بَعْضُهُ مُؤَجَّلًا لَمْ يُحْجَرْ؛ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ حِينَئِذٍ، نَعَمْ لَوْ كَانَ بَعْضُهَا حَالًّا جَازَ مَعَ قُصُورِ الْمَالِ عَنْهُ وَ الْتِمَاسِ أَرْبَابِهِ. (وَ لَا تُبَاعُ دَارُهُ وَ لَا خَادِمُهُ وَ لَا ثِيَابٌ تُجَمِّلُهُ).

وَيُعْتَبَرُ فِي الْأَوَّلِ وَ الْأَخِيرِ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ كَمًّا وَ كَيْفًا وَ فِي الْوَسَطِ ذَلِكَ، لِشَرَفٍ، أَوْ عَجْزٍ وَ كَذَا دَابَّةُ رُكُوبِهِ وَ لَوْ احْتَاجَ إلَي الْمُتَعَدِّدِ اُسْتُثْنِيَ كَالْمُتَّحِدِ وَ لَوْ زَادَتْ عَنْ ذَلِكَ فِي أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ وَجَبَ الِاسْتِبْدَالُ وَ الِاقْتِصَارُ عَلَي مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ، (وَظَاهِرُ ابْنِ الْجُنَيْدِ بَيْعُهَا) فِي الدَّيْنِ (وَاسْتُحِبَّ لِلْغَرِيمِ تَرْكُهُ وَ الرِّوَايَاتُ مُتَضَافِرَةٌ بِالْأَوَّلِ) وَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَ كَذَا تَجْرِي عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ يَوْمَ الْقِسْمَةِ وَ نَفَقَةُ وَاجِبِي النَّفَقَةِ وَ لَوْ مَاتَ قَبْلَهَا قُدِّمَ كَفَنُهُ وَ يُقْتَصَرُ مِنْهُ عَلَي الْوَاجِبِ وَسَطًا مِمَّا يَلِيقُ بِهِ عَادَةً وَ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ.

وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ اسْتَطْرَدَهَا فِي كِتَابِ الدَّيْنِ لِمُنَاسَبَتِهِ وَ إِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِاخْتِصَاصِ الْفَلَسِ بِبَابٍ وَ رِعَايَةً لِإِدْرَاجِ الْأَحْكَامِ بِسَبِيلِ الِاخْتِصَارِ

الْقِسْمُ الثَّانِي - دَيْنُ الْعَبْدِ

(الْقِسْمُ الثَّانِي - دَيْنُ الْعَبْدِ)

خَصَّهُ بِنَاءً عَلَي الْغَالِبِ مِنْ تَوَلِّيهِ

ذَلِكَ دُونَ الْأَمَةِ.

وَلَوْ أَبْدَلَهُ بِالْمَمْلُوكِ كَمَا عَبَّرَ غَيْرَهُ عَمَّ، (لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ) أَيْ فِي الدَّيْنِ بِأَنْ يَسْتَدِينَ، لَا فِيمَا اسْتَدَانَهُ وَ إِنْ كَانَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، لِدُخُولِهِ فِي قوله:

(وَ لَا فِيمَا بِيَدِهِ) مِنْ الْأَمْوَالِ (إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ) سَوَاءٌ قُلْنَا بِمِلْكِهِ أَمْ أَحَلْنَاهُ، (فَلَوْ اسْتَدَانَ بِإِذْنِهِ)، أَوْ إجَازَتِهِ (فَعَلَي الْمَوْلَي وَ إِنْ أَعْتَقَهُ) وَ قِيلَ يُتَّبَعُ بِهِ مَعَ الْعِتْقِ، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ لَا تَنْهَضُ حُجَّةٌ فِيمَا خَالَفَ الْقَوَاعِدَ الشَّرْعِيَّةَ، فَإِنَّ الْعَبْدَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَ إِنْفَاقَهُ عَلَي نَفْسِهِ وَ تِجَارَتِهِ بِإِذْنِ الْمَوْلَي إنْفَاقٌ لِمَالِ الْمَوْلَي فَيَلْزَمُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْتِقْ وَ لَوْ كَانَتْ الِاسْتِدَانَةُ لِلْمَوْلَي فَهُوَ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا. (وَيَقْتَصِرُ) الْمَمْلُوكُ (فِي التِّجَارَةِ عَلَي مَحَلِّ الْإِذْنِ) فَإِنْ عَيَّنَ لَهُ نَوْعًا، أَوْ مَكَانًا، أَوْ زَمَانًا تَعَيَّنَ وَ إِنْ أَطْلَقَ تَخَيَّرَ، (وَ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِدَانَةُ بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ) لِعَدَمِ دَلَالَتِهَا عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ لِضَرُورَتِهَا كَنَقْلِ الْمَتَاعِ وَ حِفْظِهِ مَعَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ (فَتَلْزَمُ ذِمَّتَهُ) لَوْ تَعَدَّي الْمَأْذُونُ نُطْقًا، أَوْ شَرْعًا (لَوْ تَلَفَ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ) وَ يَسَارِهِ (عَلَي الْأَقْوَي) وَ إِلَّا ضَاعَ وَ لَوْ كَانَتْ عَيْنُهُ بَاقِيَةً رَجَعَ إلَي مَالِكِهِ؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ، (وَ قِيلَ يَسْعَي فِيهِ) الْعَبْدُ مُعَجَّلًا، اسْتِنَادًا إلَي إطْلَاقِ رِوَايَةِ أَبِي بَصِيرٍ وَ حُمِلَتْ عَلَي الِاسْتِدَانَةِ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ الْكَسْبَ لِلْمَوْلَي فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ فِعْلُهُ لَا يَدْفَعُ مِنْ مَالِهِ.

وَالْأَقْوَي أَنَّ اسْتِدَانَتَهُ لِضَرُورَةِ التِّجَارَةِ إنَّمَا يَلْزَمُ مِمَّا فِي يَدِهِ، فَإِنْ قَصَّرَ اسْتَسْعَي فِي الْبَاقِي وَ لَا يَلْزَمُ الْمَوْلَي مِنْ غَيْرِ مَا فِي يَدِهِ وَ عَلَيْهِ تُحْمَلُ الرَّاوِيَةُ. (وَ لَوْ أَخَذَ الْمَوْلَي مَا اقْتَرَضَهُ الْمَمْلُوكُ) بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ (تَخَيَّرَ الْمُقْرِضُ بَيْنَ رُجُوعِهِ عَلَي الْمَوْلَي) لِتَرَتُّبِ يَدِهِ عَلَي مَالِهِ مَعَ فَسَادِ الْقَرْضِ، (وَبَيْنَ إتْبَاعِ الْعَبْدِ) بَعْدَ

الْعِتْقِ وَ الْيَسَارِ، لِأَنَّهُ كَالْغَاصِبِ أَيْضًا، ثُمَّ إنْ رَجَعَ عَلَي الْمَوْلَي قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ الْمَمْلُوكُ لَمْ يَرْجِعْ الْمَوْلَي عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ فِي ذِمَّةِ عَبْدِهِ مَالٌ وَ إِنْ كَانَ بَعْدَهُ و كان عِنْدَ أَخْذِهِ لِلْمَالِ عَالِمًا بِأَنَّهُ قَرْضٌ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَي الْمَمْلُوكِ أَيْضًا لِتَفْرِيطِهِ وَ إِنْ كَانَ قَدْ غَرَّهُ بِأَنَّ الْمَالَ لَهُ اُتُّجِهَ رُجُوعُهُ عَلَيْهِ لِمَكَانِ الْغُرُورِ وَ إِنْ رَجَعَ الْمُقْرِضُ عَلَي الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ وَ يَسَارِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَي الْمَوْلَي لِاسْتِقْرَارِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ غَرَّ الْمَوْلَي فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ.

16 كتاب الرهن

المدخل

(16) كتاب الرهن

كِتَابُ الرَّهْنِ (وَ هُوَ وَثِيقَةٌ لِلدَّيْنِ)

وَالْوَثِيقَةُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَي الْمَفْعُولِ أَيْ مَوْثُوقٌ بِهِ لِأَجْلِ الدَّيْنِ وَ التَّاءُ فِيهَا لِنَقْلِ اللَّفْظِ مِنْ الْوَصْفِيَّةِ إلَي الِاسْمِيَّةِ كَتَاءِ الْحَقِيقَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ، فَلَا يَرِدُ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَ الْخَبَرِ فِي التَّذْكِيرِ وَ التَّأْنِيثِ وَ أَتَي بِالدَّيْنِ مُعَرَّفًا مِنْ غَيْرِ نِسْبَةٍ لَهُ إلَي الْمُرْتَهِنِ حَذَرًا مِنْ الدَّوْرِ بِاعْتِبَارِ أَخْذِهِ فِي التَّعْرِيفِ وَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِدَيْنِ الْمُرْتَهِنِ.

وَيُمْكِنُ تَخَلُّصُهُ مِنْهُ بِكَشْفِهِ بِصَاحِبِ الدَّيْنِ، أَوْ مَنْ لَهُ الْوَثِيقَةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْخَذَ الرَّهْنُ فِي تَعْرِيفِهِ.

وَالتَّخْصِيصُ بِالدَّيْنِ إمَّا مَبْنِيٌّ عَلَي عَدَمِ جَوَازِ الرَّهْنِ عَلَي غَيْرِهِ وَ إِنْ كَانَ مَضْمُونًا كَالْغَصْبِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَائِلٌ بِجَوَازِ الرَّهْنِ عَلَيْهِ وَ عَلَي مَا يُمْكِنُ تَطَرُّقُ ضَمَانِهِ كَالْمَبِيعِ وَ ثَمَنِهِ؛ لِاحْتِمَالِ فَسَادِ الْبَيْعِ بِاسْتِحْقَاقِهِمَا وَ نُقْصَانِ قَدْرِهِمَا، أَوْ عَلَي أَنَّ الرَّهْنَ عَلَيْهِمَا إنَّمَا هُوَ لِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ عَلَي تَقْدِيرِ ظُهُورِ الْخَلَلِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، أَوْ تَعَذُّرِ الْعَيْنِ.

وَفِيهِ تَكَلُّفٌ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَبْقَي بِحَالِهِ فَلَا يَكُونُ دَيْنًا و فيه عَلَي تَقْدِيرِ عَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَي الْمُرْتَهِنِ إمْكَانُ الْوَثِيقَةِ بِدُونِ الرَّهْنِ، بَلْ الْوَدِيعَةُ وَ الْعَارِيَّةُ وَ مُطْلَقُ وَضْعِ الْيَدِ فَيُؤْخَذُ مُقَاصَّةً عِنْدَ جُحُودِ

الْمَدْيُونِ الدَّيْنَ وَ هُوَ تَوْثِيقٌ فِي الْجُمْلَةِ وَ يَفْتَقِرُ الرَّهْنُ إلَي إيجَابٍ وَ قَبُولٍ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ.

(وَ الْإِيجَابُ رَهَنْتُك، أَوْ وَثَّقْتُك) بِالتَّضْعِيفِ، أَوْ أَرْهَنْتُكَ بِالْهَمْزَةِ (أَوْ هَذَا رَهْنٌ عِنْدَك، أَوْ عَلَي مَالِكَ)، أَوْ وَثِيقَةٌ عِنْدَك، أَوْ خُذْهُ عَلَي مَالِكَ، أَوْ بِمَالِك، أَوْ أَمْسِكْهُ حَتَّي أُعْطِيَك مَالَك بِقَصْدِ الرَّهْنِ، (وَشِبْهِهِ) مِمَّا أَدَّي هَذَا الْمَعْنَي وَ إِنَّمَا لَمْ يَنْحَصِرْ هَذَا الْعَقْدُ فِي لَفْظٍ كَالْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَ لَا فِي الْمَاضِي؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ مِنْ طَرَفِ الْمُرْتَهِنِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ الذَّاتِيُّ مِنْهُ فَغُلِّبَ فِيهِ جَانِبُ الْجَائِزِ مُطْلَقًا وَ جَوَّزَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، وِفَاقًا لِلتَّذْكِرَةِ.

(وَتَكْفِي الْإِشَارَةُ فِي الْأَخْرَسِ) وَ إِنْ كَانَ عَارِضًا، (أَوْ الْكِتَابَةُ مَعَهَا) أَيْ مَعَ الْإِشَارَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَي قَصْدِهِ، لَا بِمُجَرَّدِ الْكِتَابَةِ، لِإِمْكَانِ الْعَبَثِ، أَوْ إرَادَةِ أَمْرٍ آخَرَ (فَيَقُولُ الْمُرْتَهِنُ: قَبِلْت وَ شَبَهَهُ) مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَي الرِّضَا بِالْإِيجَابِ وَ فِي اعْتِبَارِ الْمُضِيِّ وَ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَ الْقَبُولِ وَجْهَانِ وَ أَوْلَي بِالْجَوَازِ هُنَا لِوُقُوعِهِ مِمَّنْ هُوَ لَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْ طَرَفِهِ. (وَيُشْتَرَطُ دَوَامُ الرَّهْنِ) بِمَعْنَي عَدَمِ تَوْقِيتِهِ بِمُدَّةٍ وَ يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ عَلَي انْقِضَاءِ أَجَلٍ وَ إِطْلَاقُهُ، فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ الْقَبُولِ وَ الْقَبْضِ إنْ اعْتَبَرْنَاهُ فَإِنْ (ذَكَرَ أَجَلًا) لِلتَّصَرُّفِ (اشْتَرَطَ ضَبْطَهُ) بِمَا لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَ النُّقْصَانَ، أَمَّا لَوْ شَرَطَهُ لِلرَّهْنِ بَطَلَ الْعَقْدُ

وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْوَكَالَةِفِي حِفْظِ الرَّهْنِ

(وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْوَكَالَةِ) فِي حِفْظِ الرَّهْنِ وَ بَيْعِهِ وَ صَرْفِهِ فِي الدَّيْنِ (لِلْمُرْتَهِنِ وَ غَيْرِهِ وَ الْوَصِيَّةِ لَهُ وَ لِوَارِثِهِ) عَلَي تَقْدِيرِ مَوْتِ الرَّاهِنِ قَبْلَهُ. (وَ إِنَّمَا يَتِمُّ) الرَّهْنُ (بِالْقَبْضِ عَلَي الْأَقْوَي) لِلْآيَةِ وَ الرِّوَايَةِ.

وَمَعْنَي عَدَمِ تَمَامِيَّتِهِ بِدُونِهِ كَوْنُهُ جُزْءَ السَّبَبِ لِلُزُومِهِ مِنْ قَبْلِ الرَّاهِنِ كَالْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَي الْمُتَّهِبِ.

وَقِيلَ: يَتِمُّ بِدُونِهِ لِلْأَصْلِ وَ ضَعْفِ سَنَدِ الْحَدِيثِ وَ مَفْهُومِ

الْوَصْفِ فِي الْآيَةِ.

وَ اشْتِرَاطِهِ بِالسَّفَرِ فِيهَا وَ عَدَمِ الْكَاتِبِ يُرْشِدُ إلَي كَوْنِهِ لِلْإِرْشَادِ وَ يُؤَيِّدُهُ كَوْنُ اسْتِدَامَتِهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، بَلْ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِجَوَازِ تَوْكِيلِهِ الرَّاهِنَ فِيهِ.

وَهَذَا أَقْوَي وَ عَلَي اشْتِرَاطِهِ (فَلَوْ جُنَّ) الرَّاهِنُ، (أَوْ مَاتَ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَوْ رَجَعَ فِيهِ قَبْلَ إقْبَاضِهِ بَطَلَ) الرَّهْنُ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ عِنْدَ عُرُوضِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.

وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ، لِلُزُومِهِ مِنْ قِبَلِ الرَّاهِنِ فَكَانَ كَاللَّازِمِ مُطْلَقًا، فَيَقُومُ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ، لَكِنْ يُرَاعِي وَلِيُّ الْمَجْنُونِ مَصْلَحَتَهُ، فَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي إلْزَامِهِ بِأَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي بَيْعٍ يَتَضَرَّرُ بِفَسْخِهِ أَقْبَضَهُ وَ إِلَّا أَبْطَلَهُ.

وَيُضَعَّفُ بِأَنَّ لُزُومَهُ عَلَي الْقَوْلِ بِهِ مَشْرُوطٌ بِالْقَبْضِ، فَقَبْلَهُ جَائِزٌ مُطْلَقًا، فَيَبْطُلُ كَالْهِبَةِ قَبْلَهُ وَ لَوْ عَرَضَ ذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ فَأَوْلَي بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ لَوْ قِيلَ بِهِ ثَمَّ وَ لَوْ قِيلَ بِهِ فِي طَرَفِ الرَّاهِنِ فَالْأَقْوَي عَدَمُهُ هُنَا.

وَالْفَرْقُ تَعَلُّقُ حَقِّ الْوَرَثَةِ وَ الْغُرَمَاءِ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ بِمَالِهِ، بِخِلَافِ مَوْتِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّ الدَّيْنَ يَبْقَي فَتَبْقَي وَثِيقَتُهُ لِعَدَمِ الْمُنَافِي وَ عَلَي هَذَا لَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَي الْإِقْبَاضِ لِعَدَمِ لُزُومِهِ بَعْدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدٍ لَازِمٍ فَيَبْنِي عَلَي الْقَوْلَيْنِ.

(وَ لَا يُشْتَرَطُ دَوَامُ الْقَبْضِ)، لِلْأَصْلِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الِامْتِثَالِ بِهِ (فَلَوْ أَعَادَهُ إلَي الرَّاهِنِ فَلَا بَأْسَ) وَ هُوَ مَوْضِعُ وِفَاقٍ،

(وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الرَّاهِنِ بِالْإِقْبَاضِ)

؛ لِعُمُومِ إقْرَارِ الْعُقَلَاءِ (إلَّا أَنْ يُعْلَمَ كَذِبُهُ) كَمَا لَوْ قال:

رَهَنْتُهُ الْيَوْمَ دَارِي الَّتِي بِالْحِجَازِ وَ هُمَا بِالشَّامِ وَ أَقْبَضْته إيَّاهَا فَلَا يُقْبَلُ، لِأَنَّهُ مُحَالٌ عَادَةً، بِنَاءً عَلَي اعْتِبَارِ وُصُولِ الْقَابِضِ، أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إلَي الرَّهْنِ فِي تَحَقُّقِهِ، (فَلَوْ ادَّعَي) بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالْقَبْضِ (الْمُوَاطَأَةَ) عَلَي الْإِقْرَارِ وَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ إقَامَةً لِرَسْمِ الْوَثِيقَةِ حَذَرًا مِنْ تَعَذُّرِ ذَلِكَ إذَا تَأَخَّرَ إلَي أَنْ يَتَحَقَّقَ الْقَبْضُ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ (فَلَهُ إحْلَافُ الْمُرْتَهِنِ) عَلَي

عَدَمِهَا وَ أَنَّهُ وَقَعَ مَوْقِعَهُ.

هَذَا إذَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَي إقْرَارِهِ، أَمَّا لَوْ شَهِدَا عَلَي نَفْسِ الْإِقْبَاضِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَ لَمْ يَتَوَجَّهْ الْيَمِينُ وَ كَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَي إقْرَارِهِ بِهِ فَأَنْكَرَ الْإِقْرَارَ لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلشُّهُودِ وَ لَوْ ادَّعَي الْغَلَطَ فِي إقْرَارِهِ وَ أَظْهَرَ تَأْوِيلًا مُمْكِنًا فَلَهُ إحْلَافُ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا وَ إِلَّا فَلَا عَلَي الْأَقْوَي.

وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ (بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ قَبْضٌ)

(وَلَوْ كَانَ) الرَّهْنُ (بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ قَبْضٌ)

لِصِدْقِ كَوْنِهِ رَهْنًا مَقْبُوضًا وَ لَا دَلِيلَ عَلَي اعْتِبَارِهِ مُبْتَدَأً بَعْدَ الْعَقْدِ وَ إِطْلَاقُ الْعِبَارَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقْبُوضِ بِإِذْنٍ وَ غَيْرِهِ كَالْمَغْصُوبِ.

وَبِهِ صَرَّحَ فِي الدُّرُوسِ وَ الْوَجْهُ وَاحِدٌ وَ إِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ الْقَبْضِ هُنَا لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ الْعِبَادَةِ غَيْرُ مُفْسِدٍ.

وَقِيلَ: لَا يَكْفِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ عَلَي تَقْدِيرِ اعْتِبَارِهِ فِي اللُّزُومِ رُكْنٌ فَلَا يُعْتَدُّ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنْهُ وَ إِنَّمَا لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ حَيْثُ تَكْمُلُ الْأَرْكَانُ وَ لِهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ لَوْ ابْتَدَأَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ، (وَ) عَلَي الِاكْتِفَاءِ بِهِ (لَا يُفْتَقَرُ إلَي إذْنٍ) جَدِيدٍ (فِي الْقَبْضِ وَ لَا إلَي مُضِيِّ زَمَانٍ) يُمْكِنُ فِيهِ تَجْدِيدُهُ لِتَحَقُّقِ الْقَبْضِ قَبْلَهُ، فَاعْتِبَارُ أَمْرٍ آخَرَ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ وَ لِلْأَصْلِ.

وَقِيلَ: يُشْتَرَطَانِ فِي مُطْلَقِ الْقَبْضِ السَّابِقِ وَ قِيلَ: فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ، الْمُعْتَبَرَ مِنْهُ مَا وَقَعَ بَعْدَ الرَّهْنِ وَ هُوَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِإِذْنٍ كَالْمُبْتَدَأِ وَ الْإِذْنُ فِيهِ يَسْتَدْعِي تَحْصِيلَهُ وَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ مُضِيُّ زَمَانٍ، فَهُوَ دَالٌّ عَلَيْهِ بِالْمُطَابِقَةِ وَ عَلَي الزَّمَانِ بِالِالْتِزَامِ، لَكِنَّ مَدْلُولَهُ الْمُطَابِقِيَّ مُنْتَفٍ، لِإِفْضَائِهِ إلَي تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَ اجْتِمَاعِ الْأَمْثَالِ، فَيَبْقَي الِالْتِزَامِيُّ وَ يَضْعُفُ بِمَنْعِ اعْتِبَارِ الْمُقَيَّدِ بِالْبَعْدِيَّةِ، بَلْ الْأَعَمُّ وَ هُوَ حَاصِلٌ وَ الزَّمَانُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ الْتِزَامًا مِنْ تَوَابِعِهِ وَ مُقَدِّمَاتِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ انْتِفَاؤُهُ، نَعَمْ لَوْ كَانَ قَبَضَهُ، بِغَيْرِ إذْنٍ تَوَجَّهَ اعْتِبَارُهُمَا لِمَا تَقَدَّمَ

وَ عَلَي تَقْدِيرِهِ فَالضَّمَانُ بَاقٍ إلَي أَنْ يَتَحَقَّقَ مَا يُزِيلُهُ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِ عَلَي الْأَقْوَي. (وَ لَوْ كَانَ) الرَّهْنُ (مُشَاعًا فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الشَّرِيكِ فِي الْقَبْضِ، أَوْ رِضَاهُ بَعْدَهُ)، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُنْقَلُ أَمْ لَا، لِاسْتِلْزَامِهِ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الشَّرِيكِ وَ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِدُونِ إذْنِهِ، فَلَا يُعْتَدَّ بِهِ شَرْعًا.

وَيُشْكِلُ فِيمَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ التَّخْلِيَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَسْتَدْعِي تَصَرُّفًا، بَلْ رَفْعُ يَدِ الرَّاهِنِ عَنْهُ وَ تَمْكِينُهُ مِنْهُ وَ عَلَي تَقْدِيرِ اعْتِبَارِهِ فَلَوْ قَبَضَهُ بِدُونِ إذْنِ الشَّرِيكِ وَ فَعَلَ مُحَرَّمًا فَهَلْ يَتِمُّ الْقَبْضُ؟ قَوْلَانِ، مَنْشَؤُهُمَا النَّهْيُ الْمَانِعُ كَمَا لَوْ وَقَعَ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ وَ هُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الشَّرِيكِ فَقَطْ، لِلْإِذْنِ مِنْ قِبَلِ الرَّاهِنِ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا.

وَهُوَ أَجْوَدُ وَ لَوْ اتَّفَقَا عَلَي قَبْضِ الشَّرِيكِ جَازَ فَيُعْتَبَرُ سَمَاعُهُ الْإِذْنَ فِيهِ. (وَ الْكَلَامُ: إمَّا فِي الشُّرُوطِ، أَوْ اللَّوَاحِقِ)

الْأَوَّلُ: شَرْطُ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا

(الْأَوَّلُ: شَرْطُ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا وَ مَمْلُوكَةً يُمْكِنُ قَبْضُهَا وَ يَصِحُّ بَيْعُهَا)

هَذِهِ الشَّرَائِطُ مِنْهَا مَا هُوَ شَرْطُ الصِّحَّةِ وَ هُوَ الْأَكْثَرُ و منها مَا هُوَ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ كَالْمَمْلُوكِيَّةِ، بِاعْتِبَارِ رَهْنِ مِلْكِ الْغَيْرِ وَ لَا يَضُرُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا شُرُوطٌ فِي الْجُمْلَةِ؛ وَ لِأَنَّ الْمَمْلُوكِيَّةَ تَشْتَمِلُ عَلَي شَرْطِ الصِّحَّةِ فِي بَعْضِ مُحْتَرَزَاتِهَا (فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ الْمَنْفَعَةِ) كَسُكْنَي الدَّارِ وَ خِدْمَةِ الْعَبْدِ، لِعَدَمِ إمْكَانِ قَبْضِهَا، إذْ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِإِتْلَافِهَا وَ لِتَعَذُّرِ تَحْصِيلِ الْمَطْلُوبِ فِي الرَّهْنِ مِنْهَا وَ هُوَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ وَ هِيَ إنَّمَا تُسْتَوْفَي شَيْئًا فَشَيْئًا وَ كُلَّمَا حَصَلَ مِنْهَا شَيْءٌ عُدِمَ مَا قَبْلَهُ.

كَذَا قِيلَ.

وَفِيهِ نَظَرٌ، (وَ لَا الدَّيْنِ) بِنَاءً عَلَي مَا اخْتَارَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ لِأَنَّ الدَّيْنَ أَمْرٌ كُلِّيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ يُمْكِنُ قَبْضُهُ وَ مَا يُقْبَضُ بَعْدَ ذَلِكَ

لَيْسَ نَفْسَهُ وَ إِنْ وُجِدَ فِي ضِمْنِهِ.

وَيُحْتَمَلُ جَوَازُهُ عَلَي هَذَا الْقَوْلِ وَ يُكْتَفَي بِقَبْضِ مَا يُعَيِّنُهُ الْمَدْيُونُ، لِصِدْقِ قَبْضِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ عُرْفًا كَهِبَةِ مَا فِي الذِّمَّةِ.

وَعَلَي الْقَوْلِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ لَا مَانِعَ مِنْ صِحَّةِ رَهْنِهِ وَ قَدْ صَرَّحَ الْعَلَّامَةُ فِي التَّذْكِرَةِ بِبِنَاءِ الْحُكْمِ عَلَي الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ وَ عَدَمِهِ فَقال:

لَا يَصِحُّ رَهْنُ الدَّيْنِ إنْ شَرَطْنَا فِي الرَّهْنِ الْقَبْضَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ، لَكِنَّهُ فِي الْقَوَاعِدِ جَمَعَ بَيْنَ الْحُكْمِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ وَ عَدَمِ جَوَازِ رَهْنِ الدَّيْنِ، فَتَعَجَّبَ مِنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ.

وَتَعَجُّبُهُ فِي مَوْضِعِهِ وَ الِاعْتِذَارُ لَهُ عَنْ ذَلِكَ بِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ وَ اعْتِبَارُ كَوْنِهِ مِمَّا يُقْبَضُ مِثْلُهُ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِالْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ غَيْرُ مَسْمُوعٍ.

(وَرَهْنُ الْمُدَبَّرُ إبْطَالٌ لِتَدْبِيرِهِ عَلَي الْأَقْوَي)؛ لِأَنَّهُ مِنْ الصِّيَغِ الْجَائِزَةِ فَإِذَا تَعَقَّبَهُ مَا يُنَافِيهِ أَبْطَلَهُ، لِكَوْنِهِ رُجُوعًا إذْ لَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ مِنْ عَقْدِ الرَّهْنِ إلَّا بِالرُّجُوعِ.

وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ بِهِ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَقْتَضِي نَقْلَهُ عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ وَ يَجُوزُ فَكُّهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّنَافِي بِمُجَرَّدِهِ، بَلْ بِالتَّصَرُّفِ.

وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ التَّدْبِيرُ مُرَاعًي بِفَكِّهِ فَيَسْتَقِرُّ، أَوْ يَأْخُذُهُ فِي الدَّيْنِ فَيَبْطُلُ وَ اسْتَحْسَنَهُ فِي الدُّرُوسِ (وَ لَا رَهْنُ الْخَمْرِ وَ الْخِنْزِيرِ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُسْلِمًا، أَوْ الْمُرْتَهِنُ) وَ إِنْ وَضَعَهُمَا عَلَي يَدِ ذِمِّيٍّ، لِأَنَّ يَدَ الْوَدِيعِ كَيَدِ الْمُسْتَوْدِعِ، خِلَافًا لِلشَّيْخِ حَيْثُ أَجَازَهُ كَذَلِكَ، مُحْتَجًّا بِأَنَّ حَقَّ الْوَفَاءِ إلَي الذِّمِّيِّ فَيَصِحُّ، كَمَا لَوْ بَاعَهُمَا وَ أَوْفَاهُ ثَمَنَهُمَا.

وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ (وَ لَا رَهْنَ الْحُرِّ مُطْلَقًا) مِنْ مُسْلِمٍ وَ كَافِرٍ، عِنْدَ مُسْلِمٍ وَ كَافِرٍ، إذْ لَا شُبْهَةَ فِي عَدَمِ مِلْكِهِ، (وَ لَوْ رَهَنَ مَا لَا يَمْلِكُ) الرَّاهِنُ وَ هُوَ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ (وَقَفَ عَلَي الْإِجَازَةِ) مِنْ مَالِكِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ صَحَّ عَلَي أَشْهَرِ الْأَقْوَالِ مِنْ كَوْنِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ مَوْقُوفًا مُطْلَقًا وَ إِنْ

رَدَّهُ بَطَلَ. (وَ لَوْ اسْتَعَارَ لِلرَّهْنِ صَحَّ) ثُمَّ إنْ سَوَّغَ لَهُ الْمَالِكُ الرَّهْنَ كَيْفَ شَاءَ جَازَ مُطْلَقًا وَ إِنْ أَطْلَقَ فَفِي جَوَازِهِ فَيَتَخَيَّرُ كَمَا لَوْ عَمَّمَ أَوْ الْمَنْعُ لِلْغَرَرِ قَوْلَانِ، اخْتَارَ أَوَّلَهُمَا فِي الدُّرُوسِ وَ عَلَي الثَّانِي فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ قَدْرِ الدَّيْنِ وَ جِنْسِهِ وَ وَصْفِهِ وَ حُلُولِهِ أَوْ تَأْجِيلِهِ وَ قَدْرِ الْأَجَلِ، فَإِنْ تَخَطَّي حِينَئِذٍ كَانَ فُضُولِيًّا، إلَّا أَنْ يَرْهَنَ عَلَي الْأَقَلِّ فَيَجُوزُ بِطَرِيقٍ أَوْلَي وَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْعَارِيَّةِ مَا لَمْ تُرْهَنْ عَمَلًا بِالْأَصْلِ.

(وَتَلْزَمُ بِعَقْدِ الرَّهْنِ) فَلَيْسَ لِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ فِيهَا بِحَيْثُ يَفْسَخُ الرَّهْنَ وَ إِنْ جَازَ لَهُ مُطَالَبَةُ الرَّاهِنِ بِالْفَكِّ عِنْدَ الْحُلُولِ ثُمَّ إنْ فَكَّهُ وَ رَدَّهُ تَامًّا بَرِئَ. (وَيَضْمَنُ الرَّاهِنُ لَوْ تَلِفَ) وَ إِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، (أَوْ بِيعَ) بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا.

هَذَا إذَا كَانَ التَّلَفُ بَعْدَ الرَّهْنِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَالْأَقْوَي أَنَّهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَعْيَانِ الْمُعَارَةِ وَ عَلَي تَقْدِيرِ بَيْعِهِ فَاللَّازِمُ لِمَالِكِهِ ثَمَنُهُ إنْ بِيعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَ لَوْ بِيعَ بِأَزْيَدَ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِمَا بِيعَ بِهِ.

(وَيَصِحُّ رَهْنُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ)

كَالْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً وَ اَلَّتِي صَالَحَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ أَهْلَهَا عَلَي أَنْ تَكُونَ مِلْكًا لِلْمُسْلِمِينَ وَ ضَرَبَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجَ كَمَا يَصِحُّ بَيْعُهَا (تَبَعًا لِلْأَبْنِيَةِ وَ الشَّجَرِ)، لَا مُنْفَرِدَةً.

(وَ لَا رَهْنُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ) لِعَدَمِ إمْكَانِ قَبْضِهِ وَ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ أَمْكَنَ الْجَوَازُ؛ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ وَ لَوْ بِالصُّلْحِ عَلَيْهِ، (إلَّا إذَا اُعْتِيدَ) عَوْدُهُ، كَالْحَمَامِ الْأَهْلِيِّ فَيَصِحُّ لِإِمْكَانِ قَبْضِهِ عَادَةً، (وَ لَا السَّمَكِ فِي الْمَاءِ إلَّا إذَا كَانَ مَحْصُورًا مُشَاهَدًا) بِحَيْثُ لَا يَتَعَذَّرُ قَبْضُهُ عَادَةً وَ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِهِ.

(وَ لَا رَهْنُ الْمُصْحَفِ عِنْدَ الْكَافِرِ، أَوْ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ) لِاقْتِضَائِهِ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِمَا وَ السَّبِيلُ عَلَي بَعْضِ الْوُجُوهِ بِبَيْعٍ

وَ نَحْوِهِ، (إلَّا أَنْ يُوضَعَا عَلَي يَدِ مُسْلِمٍ)؛ لِانْتِفَاءِ السَّبِيلِ بِذَلِكَ وَ إِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ بَيْعَهُ لِلْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَسْتَحِقُّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ قِيمَتِهِ إلَّا بِبَيْعِ الْمَالِكِ، أَوْ مَنْ يَأْمُرُهُ أَوْ الْحَاكِمِ مَعَ تَعَذُّرِهِ وَ مِثْلُهُ لَا يُعَدُّ سَبِيلًا لِتَحَقُّقِهِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ رَهْنٌ (وَ لَا رَهْنُ الْوَقْفِ) لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنْهُ بِالْبَيْعِ وَ عَلَي تَقْدِيرِ جَوَازِ بَيْعِهِ بِوَجْهٍ يَجِبُ أَنْ يُشْتَرَي بِثَمَنِهِ مِلْكًا يَكُونُ وَقْفًا فَلَا يَتَّجِهُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ مُطْلَقًا نَعَمْ لَوْ قِيلَ بِعَدَمِ وجوب إقَامَةِ بَدَلِهِ أَمْكَنَ رَهْنُهُ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ،

(وَيَصِحُّ الرَّهْنُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ)

لِثُبُوتِ الثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا (وَ إِنْ كَانَ) الْخِيَارُ (لِلْبَائِعِ، لِانْتِقَالِ الْمَبِيعِ) إلَي مِلْكِ الْمُشْتَرِي (بِالْعَقْدِ عَلَي الْأَقْوَي)، لِأَنَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ تَقْتَضِي تَرَتُّبَ أَثَرِهِ؛ وَ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ هُوَ الْعَقْدُ فَلَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْمُسَبَّبُ وَ عَلَي قَوْلِ الشَّيْخِ بِعَدَمِ انْتِقَالِهِ إلَي مِلْكِ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، أَوْ لَهُمَا لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ عَلَي الثَّمَنِ قَبْلَ انْقِضَائِهِ

(وَيَصِحُّ رَهْنُ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ وَ لَوْ عَنْ فِطْرَةٍ)

؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِهَا عَنْ الْمِلْكِ وَ إِنْ وَجَبَ قَتْلُهُ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَرَهْنِ الْمَرِيضِ الْمَيْئُوسِ مِنْ بُرْئِهِ وَ لَوْ كَانَ امْرَأَةً، أَوْ مَلِيًّا فَالْأَمْرُ أَوْضَحُ، لِعَدَمِ قَتْلِهَا مُطْلَقًا وَ قَبُولِ تَوْبَتِهِ، (وَ الْجَانِي مُطْلَقًا) عَمْدًا وَ خَطَأً؛ لِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ وَ إِنْ اسْتَحَقَّ الْعَامِدُ الْقَتْلَ؛ وَ لِجَوَازِ الْعَفْوِ.

ثُمَّ إنْ قُتِلَ بَطَلَ الرَّهْنُ.

وَإِنْ فَدَاهُ مَوْلَاهُ أَوْ عَفَا الْوَلِيُّ بَقِيَ رَهْنًا وَ لَوْ اُسْتُرِقَّ بَعْضُهُ بَطَلَ الرَّهْنُ فِيهِ خَاصَّةً وَ فِي كَوْنِ رَهْنِ الْمُولِي لَهُ فِي الْخَطَأِ الْتِزَامًا بِالْفِدَاءِ وَ جْهَانِ كَالْبَيْعِ (فَإِنْ عَجَزَ الْمُولِي عَنْ فَكِّهِ قُدِّمَتْ الْجِنَايَةُ) لِسَبْقِهَا وَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالرَّقَبَةِ وَ مِنْ ثَمَّ لَوْ مَاتَ الْجَانِي لَمْ

يَلْزَمْ السَّيِّدَ بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّ حَقَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِيهَا بَلْ تَشْتَرِكُهَا ذِمَّةُ الرَّاهِنِ.

(وَلَوْ رَهَنَ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ قَبْلَ الْأَجَلِ)

بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ إصْلَاحُهُ كَتَجْفِيفِ الْعِنَبِ وَ الرُّطَبِ (فَلْيُشْتَرَطْ بَيْعُهُ وَ رَهْنُ ثَمَنِهِ) فَيَبِيعُهُ الرَّاهِنُ وَ يَجْعَلُ ثَمَنَهُ رَهْنًا، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْهُ رَفَعَ الْمُرْتَهِنُ أَمْرَهُ إلَي الْحَاكِمِ لِيَبِيعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ جَازَ لَهُ الْبَيْعُ؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَ الْحَرَجِ. (وَ لَوْ أَطْلَقَ) الرَّهْنَ وَ لَمْ يَشْتَرِطْ بَيْعَهُ وَ لَا عَدَمَهُ (حُمِلَ عَلَيْهِ) جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ مَعَ كَوْنِهِ حَالَةَ الرَّهْنِ صَالِحًا لَهُ.

وَقِيلَ: يَبْطُلُ، لِعَدَمِ اقْتِضَاءِ الْإِطْلَاقِ الْبَيْعَ وَ عَدَمُ صَلَاحِيَّتِهِ، لِكَوْنِهِ رَهْنًا عَلَي الدَّوَامِ، فَهُوَ فِي قُوَّةِ الْهَالِكِ وَ هُوَ ضَعِيفٌ؛ لِكَوْنِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ مَالًا تَامًّا وَ حُكْمُ الشَّارِعِ بِبَيْعِهِ عَلَي تَقْدِيرِ امْتِنَاعِهِ مِنْهُ صِيَانَةً لِلْمَالِ جَائِزٌ؛ لِفَسَادِهِ وَ احْتَرَزَ بِقوله:

قَبْلَ الْأَجَلِ، عَمَّا لَوْ كَانَ لَا يَفْسُدُ إلَّا بَعْدَ حُلُولِهِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ بَيْعُهُ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ وَ كَذَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا؛ لِإِمْكَانِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَ يَجِبُ عَلَي الْمُرْتَهِنِ السَّعْيُ عَلَي بَيْعِهِ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ، فَإِنْ تَرَكَ مَعَ إمْكَانِهِ ضَمِنَ، إلَّا أَنْ يَنْهَاهُ الْمَالِكُ فَيَنْتَفِي الضَّمَانُ وَ لَوْ أَمْكَنَ إصْلَاحُهُ بِدُونِ الْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِدُونِ إذْنِهِ وَ مُؤْنَةُ إصْلَاحِهِ عَلَي الرَّاهِنِ كَنَفَقَةِ الْحَيَوَانِ.

(وَأَمَّا الْمُتَعَاقِدَانِ: فَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْكَمَالُ)

بِالْبُلُوغِ وَ الْعَقْلِ وَ الرُّشْدِ وَ الِاخْتِيَارِ، (و جواز التَّصَرُّفِ) بِرَفْعِ الْحَجْرِ عَنْهُمَا فِي التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ، (وَيَصِحُّ رَهْنُ مَالِ الطِّفْلِ لِلْمَصْلَحَةِ) كَمَا إذَا افْتَقَرَ إلَي الِاسْتِدَانَةِ لِنَفَقَتِهِ وَ إِصْلَاحِ عَقَارِهِ وَ لَمْ يَكُنْ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ أَعْوَدُ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْ وَ تَوَقَّفَتْ عَلَي الرَّهْنِ وَ يَجِبُ كَوْنُهُ عَلَي يَدِ ثِقَةٍ يَجُوزُ إيدَاعُهُ مِنْهُ، (وَ) كَذَا يَصِحُّ (أَخْذُ الرَّهْنِ لَهُ، كَمَا إذَا أَسْلَفَ مَالِهِ مَعَ ظُهُورِ الْغِبْطَةِ، أَوْ

خِيفَ عَلَي مَالِهِ مِنْ غَرَقٍ، أَوْ نَهْبٍ) وَ الْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ هُنَا الْجَوَازُ بِالْمَعْنَي الْأَعَمِّ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْوُجُوبُ وَ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الرَّهْنِ مُسَاوِيًا لِلْحَقِّ، أَوْ زَائِدًا عَلَيْهِ لِيُمْكِنَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ وَ كَوْنُهُ بِيَدِ الْوَلِيِّ، أَوْ يَدِ عَدْلٍ لِيَتِمَّ التَّوَثُّقُ وَ الْإِشْهَادُ عَلَي الْحَقِّ لِمَنْ يَثْبُتُ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ عَادَةً.

فَلَوْ أَخَلَّ بِبَعْضِ هَذِهِ ضَمِنَ مَعَ الْإِمْكَانِ.

(وَ لَوْ تَعَذَّرَ الرَّهْنُ هُنَا) وَ هُوَ فِي مَوْضِعِ الْخَوْفِ عَلَي مَالِهِ (أُقْرِضَ مِنْ ثِقَةٍ عَدْلٍ غَالِبًا) هَكَذَا اتَّفَقَتْ النُّسَخُ وَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَدْلِ وَ الثِّقَةِ تَأْكِيدٌ، أَوْ حَاوَلَ تَفْسِيرَ الثِّقَةِ بِالْعَدْلِ لِوُرُودِهِ كَثِيرًا فِي الْأَخْبَارِ وَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مُحْتَمِلًا لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ.

وَوَصْفُ الْغَلَبَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَي أَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَ لَا فِي الدَّوَامِ؛ لِأَنَّ عُرُوضَ الذَّنْبِ لَيْسَ بِقَادِحٍ عَلَي بَعْضِ الْوُجُوهِ كَمَا عَرَّفْته فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ وَ الْمُعْتَبَرُ وُجُودُهَا غَالِبًا.

(أَمَّا الْحَقُّ فَيُشْتَرَطُ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ)

أَيْ اسْتِحْقَاقُهُ فِيهَا وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا (كَالْقَرْضِ وَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ) وَ لَوْ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، (وَ الدِّيَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ) وَ هُوَ انْتِهَاؤُهَا إلَي الْحَدِّ الَّذِي لَا يَتَغَيَّرُ مُوجِبُهَا لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ بِهَا فِي مَعْرِضِ الزَّوَالِ بِالِانْتِقَالِ إلَي غَيْرِهِ.

ثُمَّ إنْ كَانَتْ حَالَّةً، أَوْ لَازِمَةً لِلْجَانِي كَشَبِيهِ الْعَمْدِ جَازَ الرَّهْنُ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، (وَ فِي الْخَطَأِ) الْمَحْضِ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ عَلَيْهَا قَبْلَ الْحُلُولِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ، إذْ الْمُعْتَبَرُ مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ عِنْدَ حُلُولِهَا مُسْتَجْمِعًا لِلشَّرْطِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ؛ لِاسْتِقْرَارِ الْحَقِّ وَ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ.

وَيَجُوزُ الرَّهْنُ (عِنْدَ الْحُلُولِ عَلَي قِسْطِهِ) وَ هُوَ الثُّلُثُ بَعْدَ حُلُولِ كُلِّ حَوْلٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ.

(وَمَالُ الْكِتَابَةِ وَ إِنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً عَلَي الْأَقْرَبِ) لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لِلْمُكَاتَبِ مُطْلَقًا عَلَي الْأَصَحِّ.

وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّ الْمَشْرُوطَةَ جَائِزَةٌ مِنْ قِبَلِ الْمُكَاتَبِ فَيَجُوزُ لَهُ

تَعْجِيزُ نَفْسِهِ، فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ عَلَي مَالِهَا؛ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ إذْ لَهُ إسْقَاطُهُ مَتَي شَاءَ.

وَهُوَ عَلَي تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْهُ كَالرَّهْنِ عَلَي الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ.

وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ: أَنَّ الْمَشْرُوطَةَ جَائِزَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَ الْمُطْلَقَةَ لَازِمَةٌ مِنْ طَرَفِ السَّيِّدِ خَاصَّةً وَ يَتَوَجَّهُ عَدَمُ صِحَّةِ الرَّهْنِ أَيْضًا كَالسَّابِقِ.

(وَمَالُ الْجَعَالَةِ بَعْدَ الرَّدِّ)؛ لِثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ حِينَئِذٍ (لَا قَبْلَهُ) وَ إِنْ شَرَعَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْهُ إلَّا بِتَمَامِهِ وَ قِيلَ: يَجُوزُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَي اللُّزُومِ كَالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَ هُوَ ضَعِيفٌ.

وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَكْفِي فِي لُزُومِهِ إبْقَاؤُهُ عَلَي حَالِهِ فَتَنْقَضِي الْمُدَّةُ وَ الْأَصْلُ عَدَمُ الْفَسْخِ عَكْسُ الْجِعَالَةِ

(وَلَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنْ الرَّهْنِ)

لِتَحْصُلَ الْفَائِدَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْ التَّوَثُّقِ بِهِ (فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ عَلَي مَنْفَعَةِ الْمُؤَجَّرِ عَيْنُهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً)؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ الْخَاصَّةَ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا إلَّا مِنْ الْعَيْنِ الْمَخْصُوصَةِ حَقٌّ لَوْ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا بِمَوْتٍ وَ نَحْوِهِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ، (فَلَوْ آجَرَهُ فِي الذِّمَّةِ جَازَ) كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَي تَحْصِيلِ خِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، لِإِمْكَانِ اسْتِيفَائِهَا حِينَئِذٍ مِنْ الرَّهْنِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ تَحْصِيلُ الْمَنْفَعَةِ عَلَي أَيِّ وَجْهٍ اتَّفَقَ، (وَتَصِحُّ زِيَادَةُ الدَّيْنِ عَلَي الرَّهْنِ) فَإِذَا اسْتَوْفَي الرَّهْنَ بَقِيَ الْبَاقِي مِنْهُ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ، (وَزِيَادَةُ الرَّهْنِ عَلَي الدَّيْنِ) وَ فَائِدَتُهُ سِعَةُ الْوَثِيقَةِ وَ مَنْعُ الرَّاهِنِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَجْمُوعِ فَيَكُونُ بَاعِثًا عَلَي الْوَفَاءِ وَ لِإِمْكَانِ تَلَفِ بَعْضِهِ فَيَبْقَي الْبَاقِي حَافِظًا لِلدَّيْنِ.

وَأَمَّا اللَّوَاحِقُ فَمَسَائِلُ

وَأَمَّا اللَّوَاحِقُ فَمَسَائِلُ:

الْأُولَي -

(إذَا شَرَطَ الْوَكَالَةَ فِي الرَّهْنِ لَمْ يَمْلِكْ عَزْلَهُ) عَلَي مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ الْعَلَّامَةُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ وَ هُوَ الَّذِي شَرَطَهَا عَلَي نَفْسِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ جِهَتِهِ.

(وَيَضْعُفُ بِأَنَّ الْمَشْرُوطَ فِي اللَّازِمِ يُؤْثِرُ جَوَازَ الْفَسْخِ لَوْ أَخَلَّ بِالشَّرْطِ، لَا وجوب الشَّرْطِ)

كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَشْرُوطَ فِي الْعَقْدِ اللَّازِمِ يَقْلِبُهُ جَائِزًا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَ جَمَاعَةٍ، فَحِينَئِذٍ إنَّمَا يُفِيدُ إخْلَالُ الرَّاهِنِ بِالْوَكَالَةِ تَسَلُّطَ الْمُرْتَهِنِ عَلَي فَسْخِ الْعَقْدِ وَ ذَلِكَ لَا يَتِمُّ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ دَفْعُ ضَرَرٍ بِضَرَرٍ أَقْوَي وَ إِنَّمَا تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِيمَا لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ قَدْ شَرَطَهَا فِي الْعَقْدِ اللَّازِمِ كَبَيْعٍ (فَحِينَئِذٍ لَوْ فَسَخَ) الرَّاهِنُ (الْوَكَالَةَ فَسَخَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الْمَشْرُوطَ بِالرَّهْنِ) وَ الْوَكَالَةِ (إنْ كَانَ) هُنَاكَ بَيْعٌ مَشْرُوطٌ فِيهِ ذَلِكَ وَ إِلَّا فَاتَ الشَّرْطُ عَلَي الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ.

وَيُشْكِلُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ وجوب الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ، عَمَلًا بِمُقْتَضَي الْأَمْرِ، خُصُوصًا فِي مَا يَكُونُ الْعَقْدُ الْمَشْرُوطُ فِيهِ كَافِيًا فِي تَحَقُّقِهِ كَالْوَكَالَةِ عَلَي مَا حَقَّقَهُ، الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ كَجُزْءٍ مِنْ الْإِيجَابِ وَ الْقَبُولِ يَلْزَمُ حَيْثُ يَلْزَمَانِ.

وَلَمَّا كَانَ الرَّهْنُ لَازِمًا مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ فَالشَّرْطُ مِنْ قَبْلِهِ كَذَلِكَ خُصُوصًا هُنَا، فَإِنْ فَسَخَ الْمَشْرُوطَ فِيهِ وَ هُوَ الرَّهْنُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْعٍ لَا يَتَوَجَّهُ، لِأَنَّهُ يَزِيدُ ضَرَرًا فَلَا يُؤَثِّرُ فَسْخُهُ لَهَا وَ إِنْ كَانَتْ جَائِزَةً بِحَسَبِ أَصْلِهَا، لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ لَازِمَةً بِشَرْطِهَا فِي اللَّازِمِ عَلَي ذَلِكَ الْوَجْهِ.

الثَّانِيَةُ -

يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ ابْتِيَاعُهُ) مِنْ نَفْسِهِ إذَا كَانَ وَكِيلًا فِي الْبَيْعِ وَ يَتَوَلَّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْغَرَضَ بَيْعُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَ هُوَ حَاصِلٌ وَ خُصُوصِيَّةُ الْمُشْتَرِي مُلْغَاةٌ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا.

وَرُبَّمَا قِيلَ بِالْمَنْعِ، لِأَنَّ ظَاهِرَ الْوَكَالَةِ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَ كَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَي وَلَدِهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَي.

وَقِيلَ لَا (وَ هُوَ مُقَدَّمٌ بِهِ عَلَي الْغُرَمَاءِ) حَيًّا كَانَ الرَّاهِنُ أَمْ مَيِّتًا، مُفْلِسًا كَانَ أَمْ لَا؛ لِسَبْقِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ، (وَ لَوْ أَعْوَزَ) الرَّهْنُ وَ لَمْ يَفِ بِالدَّيْنِ (ضَرَبَ بِالْبَاقِي) مَعَ الْغُرَمَاءِ عَلَي نِسْبَتِهِ.

الثَّالِثَةُ -

لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا التَّصَرُّفُ فِيهِ) بِانْتِفَاعٍ وَ لَا نَقْلِ مِلْكٍ وَ لَا غَيْرِهِمَا إذَا لَمْ

يَكُنْ الْمُرْتَهِنُ وَكِيلًا وَ إِلَّا جَازَ لَهُ التَّصَرُّفَ بِالْبَيْعِ وَ الِاسْتِيفَاءِ خَاصَّةً كَمَا مَرَّ، (وَ لَوْ كَانَ لَهُ نَفْعٌ) كَالدَّابَّةِ وَ الدَّارِ (أُوجِرَ) بِاتِّفَاقِهِمَا وَ إِلَّا آجَرَهُ الْحَاكِمُ.

وَفِي كَوْنِ الْأُجْرَةِ رَهْنًا كَالْأَصْلِ قَوْلَانِ كَمَا فِي النَّمَاءِ الْمُتَجَدِّدِ مُطْلَقًا.

(وَ لَوْ احْتَاجَ إلَي مُؤْنَةٍ) كَمَا إذَا كَانَ حَيَوَانًا (فَعَلَي الرَّاهِنِ) مُؤْنَتُهُ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَ بَذَلَهَا الرَّاهِنُ أَوْ أَمَرَهُ بِهَا، أَنْفَقَ وَ رَجَعَ بِمَا غَرِمَ وَ إِلَّا اسْتَأْذَنَهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ، أَوْ تَعَذَّرَ اسْتِئْذَانُهُ لِغَيْبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، رُفِعَ أَمْرُهُ إلَي الْحَاكِمِ فَإِنْ تَعَذَّرَ أَنْفَقَ هُوَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ وَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ لِيَثْبُتَ اسْتِحْقَاقُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَ رَجَعَ، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَالْأَقْوَي قَبُولُ قَوْلِهِ فِي قَدْرِ الْمَعْرُوفِ مِنْهُ بِيَمِينِهِ وَ رُجُوعُهُ بِهِ.

(وَ لَوْ انْتَفَعَ الْمُرْتَهِنُ بِهِ بِإِذْنِهِ) عَلَي وَجْهِ الْعِوَضِ، أَوْ بِدُونِهِ مَعَ الْإِثْمِ (لَزِمَهُ الْأُجْرَةُ)، أَوْ عَوَّضَ الْمَأْخُوذَ كَاللَّبَنِ، (وَتَقَاصَّا) وَ رَجَعَ ذُو الْفَضْلِ بِفَضْلِهِ.

وَقِيلَ: تَكُونُ النَّفَقَةُ فِي مُقَابَلَةِ الرُّكُوبِ وَ اللَّبَنِ مُطْلَقًا، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ حَمَلَتْ عَلَي الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ وَ الْإِنْفَاقِ مَعَ تَسَاوِي الْحَقَّيْنِ وَ رَجَّحَ فِي الدُّرُوسِ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ بِمَا يُخَافُ فَوْتُهُ عَلَي الْمَالِكِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِئْذَانِهِ وَ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ.

وَهُوَ حَسَنٌ

الرَّابِعَةُ-

يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ الِاسْتِقْلَالُ بِالِاسْتِيفَاءِ) إذَا لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا (لَوْ خَافَ جُحُودَ الْوَارِثِ) وَ لَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَي الْحَقِّ (إذْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ مَعَ يَمِينِهِ فِي عَدَمِ الدَّيْنِ وَ عَدَمِ الرَّهْنِ) لَوْ ادَّعَي الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ وَ الرَّهْنَ.

وَالْمَرْجِعُ فِي الْخَوْفِ إلَي الْقَرَائِنِ الْمُوجِبَةِ لِلظَّنِّ الْغَالِبِ بِجُحُودِهِ وَ كَذَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لَوْ خَافَ جُحُودَ الرَّاهِنِ وَ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا وَ لَوْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِدُونِ إذْنِهِ وَ لَا يَلْحَقُ بِخَوْفِ الْجُحُودِ احْتِيَاجُهُ إلَي الْيَمِينِ لَوْ اعْتَرَفَ؛ لِعَدَمِ

التَّضَرُّرِ بِالْيَمِينِ الصَّادِقِ وَ إِنْ كَانَ تَرْكُهُ تَعْظِيمًا لِلَّهِ أَوْلَي

(الْخَامِسَةُ -

لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا) بِدُونِ الْإِذْنِ (تَوَقَّفَ عَلَي إجَازَةِ الْآخَرِ)، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ الرَّاهِنُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ إجَازَتِهِ بَطَلَ الرَّهْنُ مِنْ الْعَيْنِ وَ الثَّمَنِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ كَوْنَ الثَّمَنِ رَهْنًا، سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَمْ مُؤَجَّلًا فَيَلْزَمُ الشَّرْطُ وَ إِنْ كَانَ الْبَائِعُ الْمُرْتَهِنُ كَذَلِكَ بَقِيَ الثَّمَنُ رَهْنًا وَ لَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إذَا كَانَ حَقُّهُ مُؤَجَّلًا إلَي أَنْ يَحِلَّ ثُمَّ إنْ وَافَقَهُ جِنْسًا وَوَصْفًا صَحَّ وَ إِلَّا كَانَ كَالرَّهْنِ. (وَ كَذَا عِتْقُ الرَّاهِنِ) يَتَوَقَّفُ عَلَي إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ فَيَبْطُلُ بِرَدِّهِ وَ يَلْزَمُ بِإِجَازَتِهِ، أَوْ سُكُوتِهِ إلَي أَنْ فَكَّ الرَّهْنَ بِأَحَدِ أَسْبَابِهِ.

وَقِيلَ: يَقَعُ الْعِتْقُ بَاطِلًا بِدُونِ الْإِذْنِ السَّابِقِ، نَظَرًا إلَي كَوْنِهِ لَا يَقَعُ مَوْقُوفًا، (لَا) إذَا أَعْتَقَ (الْمُرْتَهِنُ) فَإِنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ بَاطِلًا قَطْعًا مَتَي لَمْ يَسْبِقْ الْإِذْنُ، إذْ لَا عِتْقَ إلَّا فِي مِلْكٍ وَ لَوْ سَبَقَ و كان الْعِتْقُ عَنْ الرَّاهِنِ، أَوْ مُطْلَقًا صَحَّ وَ لَوْ كَانَ عَنْ الْمُرْتَهِنِ صَحَّ أَيْضًا وَ يَنْتَقِلُ مِلْكُهُ إلَي الْمُعْتَقِ قَبْلَ إيقَاعِ الصِّيغَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِالْإِذْنِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَأْذُونِينَ فِيهِ. (وَ لَوْ وَطِئَهَا الرَّاهِنُ) بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ بِدُونِهِ وَ إِنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا (صَارَتْ مُسْتَوْلَدَةً مَعَ الْإِحْبَالِ)، لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِالرَّهْنِ وَ إِنْ مُنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا (و قد سَبَقَ) فِي شَرَائِطِ الْمَبِيعِ (جَوَازُ بَيْعِهَا حِينَئِذٍ)؛ لِسَبْقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَلَي الِاسْتِيلَادِ الْمَانِعِ مِنْهُ.

وَقِيلَ: يُمْنَعُ مُطْلَقًا؛ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ الْمُتَنَاوِلِ بِإِطْلَاقِهِ هَذَا الْفَرْدَ وَ فَصَّلَ ثَالِثٌ بِإِعْسَارِ الرَّاهِنِ فَتُبَاعُ وَ يَسَارِهِ فَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ تَكُونُ رَهْنًا، جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ.

وَلِلْمُصَنِّفِ فِي بَعْضِ تَحْقِيقَاتِهِ تَفْصِيلٌ رَابِعٌ وَ هُوَ بَيْعُهَا مَعَ وَطْئِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَ مَنْعُهُ مَعَ وُقُوعِهِ بِإِذْنِهِ.

وَكَيْفَ كَانَ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ

بِالْوَطْءِ وَ لَا بِالْحَبَلِ، بَلْ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ مَا دَامَ الْوَلَدُ حَيًّا؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ طَارِئٌ، فَإِنْ مَاتَ بِيعَتْ لِلرَّهْنِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، (وَ لَوْ وَطِئَهَا الْمُرْتَهِنُ فَهُوَ زَانٍ)، لِأَنَّهُ وَطِئَ أَمَةَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.

(فَإِنْ أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَ إِلَّا) تَكُنْ بِكْرًا (فَنِصْفُهُ)، لِلرِّوَايَةِ وَ الشُّهْرَةِ.

(وَ قِيلَ: مَهْرُ الْمِثْلِ)؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الْوَطْءِ شَرْعًا.

وَلِلْمُصَنِّفِ فِي بَعْضِ حَوَاشِيهِ قَوْلٌ بِتَخَيُّرِ الْمَالِكِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَ يَجِبُ مَعَ ذَلِكَ أَرْشُ الْبَكَارَةِ وَ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَهْرِ وَ لَا الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ جِنَايَةٍ وَ عِوَضُ جُزْءٍ فَائِتٍ وَ الْمَهْرُ عَلَي التَّقْدِيرَيْنِ عِوَضُ الْوَطْءِ.

وَلَا يُشْكِلُ بِأَنَّ الْبَكَارَةَ إذَا أُخِذَ أَرْشُهَا صَارَتْ ثَيِّبًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ مَهْرُ الثَّيِّبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَدَقَ وَطْؤُهَا بِكْرًا وَ فَوَّتَ مِنْهَا جُزْءًا فَيَجِبُ عِوَضُ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا عِوَضُ جُزْءٍ وَ الْآخَرُ، عِوَضُ مَنْفَعَةٍ.

(وَ إِنْ طَاوَعَتْهُ فَلَا شَيْءَ)، لِأَنَّهَا بَغِيٌّ وَ لَا مَهْرَ لِبَغِيٍّ و فيه أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ وَ لَا تَمْلِكُهُ فَلَا يُنَافِي ثُبُوتَهُ لِسَيِّدِهَا مَعَ كَوْنِ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ { وَ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي }.

وَالْقَوْلُ بِثُبُوتِهِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا أَقْوَي، مُضَافًا إلَي أَرْشِ الْبَكَارَةِ كَمَا مَرَّ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ

السَّادِسَةُ -

الرَّهْنُ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ حَتَّي يَخْرُجَ عَنْ الْحَقِّ) بِأَدَائِهِ وَ لَوْ مِنْ مُتَبَرِّعِ غَيْرِهِ.

وَفِي حُكْمِهِ ضَمَانُ الْغَيْرِ لَهُ مَعَ قَبُولِ الْمُرْتَهِنِ وَ الْحَوَالَةُ بِهِ وَ إِبْرَاءُ الْمُرْتَهِنِ لَهُ مِنْهُ.

وَفِي حُكْمِهِ الْإِقَالَةُ الْمُسْقِطَةُ لِلثَّمَنِ الْمَرْهُونِ بِهِ، أَوْ لِلْمُثْمَنِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ الْمَرْهُونُ بِهِ.

وَالضَّابِطُ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الرَّاهِنِ مِنْ جَمِيعِ الدَّيْنِ وَ لَوْ خَرَجَ مِنْ بَعْضِهِ فَفِي خُرُوجِ الرَّهْنِ أَجْمَعَ، أَوْ بَقَائِهِ كَذَلِكَ، أَوْ بِالنِّسْبَةِ أَوْجُهٌ وَ يَظْهَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ بَقَاؤُهُ أَجْمَعَ وَ بِهِ صَرَّحَ فِي الدُّرُوسِ وَ لَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ رَهْنًا عَلَي الْمَجْمُوعِ خَاصَّةً

تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ جَعَلَهُ رَهْنًا عَلَي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ فَالثَّانِي.

وَحَيْثُ يُحْكَمُ بِخُرُوجِهِ عَنْ الرِّهَانَةِ (فَيَبْقَي أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ) مَالِكِيَّةً لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَّا مَعَ الْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِإِذْنِهِ و قد كَانَ وَثِيقَةً وَ أَمَانَةً، فَإِذَا انْتَفَي الْأَوَّلُ بَقِيَ الثَّانِي وَ لَوْ كَانَ الْخُرُوجُ مِنْ الْحَقِّ بِإِبْرَاءِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الرَّاهِنِ وَجَبَ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ بِهِ، أَوْ رَدَّ الرَّهْنَ، بِخِلَافٍ مَا إذَا عَلِمَ.

(وَ لَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ مَبِيعًا عِنْدَ الْأَجَلِ بَطَلَا) الرَّهْنُ وَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُؤَقَّتُ وَ الْبَيْعَ لَا يُعَلَّقُ، (وَ) لَوْ قَبَضَهُ كَذَلِكَ (ضَمِنَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بَيْعٌ فَاسِدٌ وَ صَحِيحُهُ مَضْمُونٌ، فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ، (لَا قَبْلَهُ)، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ رَهْنٌ فَاسِدٌ وَ صَحِيحُهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ، قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ وَ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ عِلْمِهِمَا بِالْفَسَادِ وَ جَهْلِهِمَا وَ التَّفْرِيقِ.

السَّابِعَةُ -

يَدْخُلُ النَّمَاءُ الْمُتَجَدِّدُ) الْمُنْفَصِلُ كَالْوَلَدِ وَ الثَّمَرَةِ (فِي الرَّهْنِ عَلَي الْأَقْرَبِ)، بَلْ قِيلَ: إنَّهُ إجْمَاعٌ؛ وَ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ النَّمَاءِ تَبَعِيَّةُ الْأَصْلِ، (إلَّا مَعَ شَرْطِ عَدَمِ الدُّخُولِ) فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ فِي عَدَمِ دُخُولِهِ، عَمَلًا بِالشَّرْطِ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ دُخُولَهُ ارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَ قِيلَ: لَا يَدْخُلُ بِدُونِهِ لِلْأَصْلِ وَ مَنْعُ الْإِجْمَاعِ وَ التَّبَعِيَّةِ فِي الْمِلْكِ، لَا فِي مُطْلَقِ الْحُكْمِ وَ هُوَ أَظْهَرُ وَ لَوْ كَانَ مُتَّصِلًا كَالطُّولِ وَ السِّمَنِ دَخَلَ إجْمَاعًا.

الثَّامِنَةُ -

يَنْتَقِلُ حَقُّ الرِّهَانَةِ إلَي الْوَارِثِ بِالْمَوْتِ) لِأَنَّهُ مُقْتَضَي لُزُومِ الْعَقْدِ مِنْ طَرَفِ الرَّاهِنِ؛ وَ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ عَلَي الدَّيْنِ فَيَبْقَي مَا بَقِيَ مَا لَمْ يُسْقِطْهُ الْمُرْتَهِنُ، (لَا الْوَكَالَةُ وَ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّهُمَا إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ يَقْتَصِرُ بِهِمَا عَلَي مَنْ أَذِنَ لَهُ فَإِذَا مَاتَ بَطَلَ كَنَظَائِرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ بِمُبَاشِرٍ مُعَيَّنٍ، (إلَّا مَعَ الشَّرْطِ) بِأَنْ يَكُونَ لِلْوَارِثِ بَعْدَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ فَيَلْزَمُ عَمَلًا

بِالشَّرْطِ (وَلِلرَّاهِنِ الِامْتِنَاعُ مِنْ اسْتِئْمَانِ الْوَارِثِ) وَ إِنْ شَرَطَ لَهُ وَكَالَةَ الْبَيْعِ وَ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِتَسْلِيمِ الْمُوَرِّثِ لَا يَقْتَضِيهِ وَ لِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فِيهِ (وَبِالْعَكْسِ) لِلْوَارِثِ الِامْتِنَاعُ مِنْ اسْتِئْمَانِ الرَّاهِنِ عَلَيْهِ (فَلْيَتَّفِقَا عَلَي أَمِينٍ) يَضَعَانِهِ تَحْتَ يَدِهِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا فَيَتَقَيَّدُ بِرِضَاهُمَا، (وَ إِلَّا) يَتَّفِقَا (فَالْحَاكِمُ) يُعَيِّنُ لَهُ عَدْلًا يَقْبِضُهُ لَهُمَا وَ كَذَا لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ فَلِوَرَثَتِهِ الِامْتِنَاعُ مِنْ إبْقَائِهِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، لِأَنَّهُ فِي الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَ إِنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي عَقْدٍ لَازِمٍ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ اسْتِمْرَارَ الْوَضْعِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ فِي الْحِفْظِ.

التَّاسِعَةُ -

لَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ) الرَّهْنَ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ، (إلَّا بِتَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ) وَ لَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شَيْءٌ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ تَعَدَّي فِيهِ، أَوْ فَرَّطَ ضَمِنَهُ (فَتَلْزَمُ قِيمَتُهُ يَوْمَ تَلَفِهِ) إنْ كَانَ قِيَمِيًّا (عَلَي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ وَقْتَ الِانْتِقَالِ إلَي الْقِيمَةِ وَ الْحَقُّ قَبْلَهُ كَانَ مُنْحَصِرًا فِي الْعَيْنِ وَ إِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً.

وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يَوْمِ الْقَبْضِ، أَوْ أَعْلَي الْقِيَمِ مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ إلَي يَوْمِ التَّلَفِ، أَوْ مِنْ حِينِ التَّلَفِ إلَي حِينِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَالْغَاصِبِ.

وَيَضْعُفُ بِأَنَّهُ قَبْلَ التَّفْرِيطِ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَكَيْفَ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِيهِ وَ بِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ لَا دَخْلَ لَهَا فِي ضَمَانِ الْقِيَمِيِّ (فَالْأَقْوَي الْأَوَّلُ مُطْلَقًا) هَذَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ بِسَبَبِ السُّوقِ، أَوْ نَقْصٍ فِي الْعَيْنِ غَيْرِ مَضْمُونٍ، أَمَّا لَوْ نَقَصَتْ الْعَيْنُ بَعْدَ التَّفْرِيطِ بِهُزَالٍ وَ نَحْوِهِ، ثُمَّ تَلِفَ اُعْتُبِرَ أَعْلَي الْقِيَمِ الْمَنْسُوبَةِ إلَي الْعَيْنِ مِنْ حِينِ التَّفْرِيطِ إلَي التَّلَفِ وَ لَوْ كَانَ مِثْلِيًّا ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ إنْ وُجِدَ وَ إِلَّا فَقِيمَةُ الْمِثْلِ عِنْدَ الْأَدَاءِ عَلَي الْأَقْوَي؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ إنَّمَا كَانَ الْمِثْلُ وَ إِنْ كَانَ مُتَعَذَّرًا وَ انْتِقَالُهُ إلَي

الْقِيمَةِ بِالْمُطَالَبَةِ، بِخِلَافِ الْقِيَمِيِّ لِاسْتِقْرَارِهَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ حِينِ التَّلَفِ مُطْلَقًا.

(وَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ)، لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ وَ الْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الزَّائِدِ.

وَقِيلَ: الرَّاهِنُ، نَظَرًا إلَي كَوْنِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ خَائِنًا بِتَفْرِيطِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ.

وَيَضْعُفُ بِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ مِنْ جِهَةِ إنْكَارِهِ، لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَمِينًا، أَوْ خَائِنًا

الْعَاشِرَةُ -

لَوْ اخْتَلَفَا فِي) قَدْرِ (الْحَقِّ الْمَرْهُونِ بِهِ، حَلَفَ الرَّاهِنُ عَلَي الْأَقْرَبِ) لِأَصَالَةِ عَدَمِ الزِّيَادَةِ وَ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْهَا؛ وَ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَ لِلرِّوَايَةِ.

وَقِيلَ: قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ، (وَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ) بِأَنْ قَالَ الْمَالِكُ: هُوَ وَدِيعَةٌ و قال الْمُمْسِكُ: هُوَ رَهْنٌ (حَلَفَ الْمَالِكُ) لِأَصَالَةِ عَدَمِ الرَّهْنِ؛ وَ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَ لِلرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ.

وَقِيلَ: يَحْلِفُ الْمُمْسِكُ اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ.

وَقِيلَ: الْمُمْسِكُ إنْ اعْتَرَفَ لَهُ الْمَالِكُ بِالدَّيْنِ وَ الْمَالِكُ إنْ أَنْكَرَهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ وَ لِلْقَرِينَةِ.

وَضَعْفُ الْمُقَابِلِ يَمْنَعُ مِنْ تَخْصِيصِ الْآخَرِ (وَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الرَّهْنِ) فَقال:

رَهَنْتُك الْعَبْدَ فَقال:

بَلْ الْجَارِيَةَ (حَلَفَ الرَّاهِنُ) خَاصَّةً (وَبَطَلَا)؛ لِانْتِفَاءِ مَا يَدَّعِيهِ الرَّاهِنُ بِإِنْكَارِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ مِنْ قِبَلِهِ فَيَبْطُلُ بِإِنْكَارِهِ، لَوْ كَانَ حَقًّا وَ انْتِفَاءُ مَا يَدَّعِيهِ الْمُرْتَهِنُ بِحَلِفِ الرَّاهِنِ.

(وَ لَوْ كَانَ) الرَّهْنُ (مَشْرُوطًا فِي عَقْدٍ لَازِمٍ تَحَالَفَا)؛ لِأَنَّ إنْكَارَ الْمُرْتَهِنِ هُنَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ الرَّاهِنِ حَيْثُ إنَّهُ يَدَّعِي عَدَمَ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ ذَلِكَ الْعَقْدِ اللَّازِمِ فَيَرْجِعُ الِاخْتِلَافُ إلَي تَعْيِينِ الثَّمَنِ لِأَنَّ شَرْطَ الرَّهْنِ مِنْ مُكَمِّلَاتِهِ فَكُلٌّ يَدَّعِي ثَمَنًا غَيْرَ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ فَإِذَا تَحَالَفَا بَطَلَ الرَّهْنُ وَ فَسَخَ الْمُرْتَهِنُ الْعَقْدَ الْمَشْرُوطَ فِيهِ إنْ شَاءَ وَ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِدْرَاكُهُ كَمَا لَوْ مَضَي الْوَقْتُ الْمَحْدُودُ لَهُ وَ قِيلَ: يُقَدَّمُ قَوْلُ الرَّاهِنِ كَالْأَوَّلِ

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ -

لَوْ أَدَّي دَيْنًا وَ عَيَّنَ بِهِ رَهْنًا) بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَ عَلَي كُلِّ

وَاحِدٍ رَهْنٌ خَاصٌّ فَقَصَدَ بِالْمُؤَدَّي أَحَدَ الدُّيُونِ بِخُصُوصِهِ لِيَفُكَّ رَهْنًا (فَذَاكَ) هُوَ الْمُتَعَيِّنُ، لِأَنَّ مَرْجِعَ التَّعْيِينِ إلَي قَصْدِ الْمُؤَدِّي، (وَ إِنْ أَطْلَقَ) وَ لَمْ يُسَمِّ أَحَدَهَا لَفْظًا لَكِنْ قَصَدَهُ (فَتَخَالَفَا فِي الْقَصْدِ) فَادَّعَي كُلٌّ مِنْهُمَا قَصْدَ الدَّافِعِ دَيْنًا غَيْرَ الْآخَرِ (حَلَفَ الدَّافِعُ) عَلَي مَا ادَّعَي قَصْدَهُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقَصْدِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِهِ وَ إِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَي الْيَمِينِ مَعَ أَنَّ مَرْجِعَ النِّزَاعِ إلَي قَصْدِ الدَّافِعِ وَ دَعْوَي الْغَرِيمِ الْعِلْمَ بِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ، لِإِمْكَانِ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِ الْقَاصِدِ وَ لَوْ تَخَالَفَا فِيمَا تَلَفَّظَ بِإِرَادَتِهِ فَكَذَلِكَ.

وَيُمْكِنُ رَدُّهُ إلَي مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّخَالُفِ فِي الْقَصْدِ، إذْ الْعِبْرَةُ بِهِ وَ اللَّفْظُ كَاشِفٌ عَنْهُ.

(وَ كَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ خَالٍ) عَنْ الرَّهْنِ وَ آخَرُ بِهِ رَهْنٌ (فَادَّعَي الدَّفْعَ عَنْ الْمَرْهُونِ بِهِ) لِيَفُكَّ الرَّهْنَ وَ ادَّعَي الْغَرِيمُ الدَّفْعَ عَنْ الْخَالِي لِيَبْقَي الرَّهْنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ يَرْجِعُ إلَي قَصْدِهِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ كَالْأَوَّلِ

الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ -

لَوْ اخْتَلَفَا فِيمَا يُبَاعُ بِهِ الرَّهْنُ) فَأَرَادَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَهُ بِنَقْدٍ وَ الرَّاهِنُ بِغَيْرِهِ (بِيعَ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ)، سَوَاءٌ وَافَقَ مُرَادَ أَحَدِهِمَا أَمْ خَالَفَهُمَا وَ الْبَائِعُ الْمُرْتَهِنُ إنْ كَانَ وَكِيلًا وَ الْغَالِبُ مُوَافِقٌ لِمُرَادِهِ، أَوْ رَجَعَ إلَي الْحَقِّ وَ إِلَّا فَالْحَاكِمُ، (فَإِنْ غَلَبَ نَقْدَانِ بِيعَ بِمُشَابِهِ الْحَقِّ) مِنْهُمَا إنْ اتَّفَقَ، (فَإِنْ بَايَنَهُمَا عَيَّنَ الْحَاكِمُ) إنْ امْتَنَعَا مِنْ التَّعْيِينِ.

وَإِطْلَاقُ الْحُكْمِ بِالرُّجُوعِ إلَي تَعْيِينِ الْحَاكِمِ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ إلَي الصَّرْفِ إلَي الْحَقِّ وَ عَدَمِهِ وَ فِي الدُّرُوسِ: لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا - وَعَنَي بِهِ الْمُتَبَايِنَيْنِ - أَسْهَلَ صَرْفًا إلَي الْحَقِّ تَعَيَّنَ وَ هُوَ حَسَنٌ.

وَفِي التَّحْرِيرِ: لَوْ بَايَنَاهُ بِيعَ بِأَوْفَرِهِمَا حَظًّا.

وَهُوَ أَحْسَنُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ عُسْرُ الصَّرْفِ أَصْلَحَ لِلْمَالِكِ وَ حَيْثُ يُبَاعُ بِغَيْرِ مُرَادِهِ

يَنْبَغِي مُرَاعَاةُ الْحَظِّ لَهُ كَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَلِي عَلَيْهِ الْحَاكِمُ

17 كتاب الحجر

المدخل

(17) كتاب الحجر

كِتَابُ الْحَجْرِ (وَأَسْبَابُهُ سِتَّةٌ)

بِحَسَبِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِذِكْرِهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَ إِلَّا فَهِيَ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ مُفَرَّقَةٌ فِي تَضَاعِيفِ الْكِتَابِ، كَالْحَجْرِ عَلَي الرَّاهِنِ فِي الْمَرْهُونِ وَ عَلَي الْمُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ دَفْعِ الثَّمَنِ وَ عَلَي الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَ عَلَي الْمُكَاتَبِ فِي كَسْبِهِ لِغَيْرِ الْأَدَاءِ وَ النَّفَقَةِ وَ عَلَي الْمُرْتَدِّ الَّذِي يُمْكِنُ عَوْدُهُ إلَي الْإِسْلَامِ.

وَالسِّتَّةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا هِيَ: (الصِّغَرُ.

وَالْجُنُونُ.

وَالرِّقُّ.

وَالْفَلَسُ.

وَالسَّفَهُ.

وَالْمَرَضُ) الْمُتَّصِلُ بِالْمَوْتِ

وَيَمْتَدُّ حَجْرُ الصَّغِيرِ حَتَّي يَبْلُغَ

(وَيَمْتَدُّ حَجْرُ الصَّغِيرِ حَتَّي يَبْلُغَ) بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ

، (وَيَرْشُدَ، بِأَنْ يُصْلِحَ مَالَهُ) بِحَيْثُ يَكُونُ لَهُ مَلَكَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ تَقْتَضِي إصْلَاحَهُ وَ تَمْنَعُ إفْسَادَهُ وَ صَرْفَهُ فِي غَيْرِ الْوُجُوهِ اللَّائِقَةِ بِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ، لَا مُطْلَقَ الْإِصْلَاحِ، فَإِذَا تَحَقَّقَتْ الْمَلَكَةُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ الْبُلُوغِ ارْتَفَعَ عَنْهُ الْحَجْرُ (وَ إِنْ كَانَ فَاسِقًا) عَلَي الْمَشْهُورِ؛ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ بِدَفْعِ أَمْوَالِ الْيَتَامَي إلَيْهِمْ بِإِينَاسِ الرُّشْدِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ مَعَهُ.

وَالْمَفْهُومُ مِنْ الرُّشْدِ عُرْفًا هُوَ إصْلَاحُ الْمَالِ عَلَي الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَ إِنْ كَانَ فَاسِقًا.

وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ الْعَدَالَةُ فَلَوْ كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ غَيْرَ عَدْلٍ فِي دِينِهِ لَمْ يَرْتَفِعْ عَنْهُ الْحَجْرُ، لِلنَّهْيِ عَنْ إيتَاءِ السُّفَهَاءِ الْمَالَ وَ مَا رُوِيَ أَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ سَفِيهٌ وَ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ وَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الرُّشْدَ هُوَ الْوَقَارُ وَ الْحِلْمُ وَ الْعَقْلُ.

وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ عَلَي الْقَوْلِ بِهَا فِي الِابْتِدَاءِ، لَا فِي الِاسْتِدَامَةِ، فَلَوْ عَرَضَ الْفِسْقُ بَعْدَ الْعَدَالَةِ قَالَ الشَّيْخُ: الْأَحْوَطُ أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ.

مَعَ أَنَّهُ شَرَطَهَا ابْتِدَاءً وَ يَتَوَجَّهُ عَلَي ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ شَرْطًا فِي الِابْتِدَاءِ لَاعْتُبِرَتْ بَعْدَهُ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي (وَيُخْتَبَرُ) مَنْ يُرَادُ مَعْرِفَةُ رُشْدِهِ (بِمَا يُلَائِمُهُ) مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَ الْأَعْمَالِ، لِيَظْهَرَ اتِّصَافُهُ بِالْمَلَكَةِ وَ عَدَمُهُ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ التُّجَّارِ فُوِّضَ إلَيْهِ الْبَيْعُ وَ الشِّرَاءُ بِمَعْنَي مُمَاكَسَتِهِ

فِيهِمَا عَلَي وَجْهِهِمَا وَ يُرَاعَي إلَي أَنْ يُتِمَّ مُسَاوَمَتَهُ ثُمَّ يَتَوَلَّاهُ الْوَلِيُّ إنْ شَاءَ، فَإِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ وَ سَلِمَ مِنْ الْغَبْنِ وَ التَّضْيِيعِ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ فَهُوَ رَشِيدٌ.

وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ مَنْ يُصَانُ عَنْ ذَلِكَ اُخْتُبِرَ بِمَا يُنَاسِبُ حَالَ أَهْلِهِ، إمَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ نَفَقَةٌ مُدَّةً لِيُنْفِقَهَا فِي مَصَالِحِهِ، أَوْ مَوَاضِعِهَا الَّتِي عُيِّنَتْ لَهُ، أَوْ بِأَنْ يَسْتَوْفِيَ الْحِسَابَ عَلَي مُعَامِلِيهِمْ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنْ وَفَّي بِالْأَفْعَالِ الْمُلَائِمَةِ فَهُوَ رَشِيدٌ وَ مِنْ تَضْيِيعِهِ: إنْفَاقُهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَ الْأَطْعِمَةِ النَّفِيسَةِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ بِحَسَبِ وَقْتِهِ وَ بَلَدِهِ وَ شَرَفِهِ وَ ضَعَتِهِ.

وَالْأَمْتِعَةُ وَ اللِّبَاسُ كَذَلِكَ.

وَأَمَّا صَرْفُهُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ مِنْ الصَّدَقَاتِ وَ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَ إِقْرَاءِ الضَّيْفِ فَالْأَقْوَي أَنَّهُ غَيْرُ قَادِحٍ مُطْلَقًا، إذْ لَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ، كَمَا لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ وَ إِنْ كَانَ أُنْثَي اُخْتُبِرَتْ بِمَا يُنَاسِبُهَا مِنْ الْأَعْمَالِ كَالْغَزْلِ وَ الْخِيَاطَةِ وَ شِرَاءِ آلَاتِهِمَا الْمُعْتَادَةِ لِأَمْثَالِهِمَا بِغَيْرِ غَبْنٍ وَ حِفْظِ مَا يَحْصُلُ فِي يَدِهَا مِنْ ذَلِكَ وَ الْمُحَافَظَةِ عَلَي أُجْرَةِ مِثْلِهَا إنْ عَمِلَتْ لِلْغَيْرِ وَ حِفْظِ مَا تَلِيهِ مِنْ أَسْبَابِ الْبَيْتِ وَ وَضْعِهِ عَلَي وَجْهِهِ، وَصَوْنِ أَطْعِمَتِهِ الَّتِي تَحْتَ يَدِهَا عَنْ مِثْلِ الْهِرَّةِ وَ الْفَأْرِ وَ نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَي وَجْهِ الْمَلَكَةِ ثَبَتَ الرُّشْدُ وَ إِلَّا فَلَا.

وَلَا يَقْدَحُ فِيهَا وُقُوعُ مَا يُنَافِيهَا نَادِرًا مِنْ الْغَلَطِ وَ الِانْخِدَاعِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، لِوُقُوعِهِ كَثِيرًا مِنْ الْكَامِلِينَ.

وَوَقْتُ الِاخْتِبَارِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، عَمَلًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ. (وَيَثْبُتُ الرُّشْدُ) لِمَنْ لَمْ يُخْتَبَرْ (بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي النِّسَاءِ لَا غَيْرُ) لِسُهُولَةِ إطْلَاعِهِنَّ عَلَيْهِنَّ غَالِبًا، عَكْسُ الرِّجَالِ، (وَبِشَهَادَةِ الرِّجَالِ مُطْلَقًا) ذَكَرًا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَمْ أُنْثَي، لِأَنَّ شَهَادَةَ الرِّجَالِ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ.

وَالْمُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةِ الرِّجَالِ اثْنَانِ وَ فِي النِّسَاءِ أَرْبَعٌ وَ يَثْبُتُ

رُشْدُ الْأُنْثَي بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَ امْرَأَتَيْنِ أَيْضًا وَ بِشَهَادَةِ أَرْبَعِ خَنَاثَي.

وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ السَّفِيهِ بِمَالٍ

(وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ السَّفِيهِ بِمَالٍ)

وَيَصِحُّ بِغَيْرِهِ كَالنَّسَبِ وَ إِنْ أَوْجَبَ النَّفَقَةَ وَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ قَوْلَانِ، أَجْوَدُهُمَا الثَّانِي وَ كَالْإِقْرَارِ بِالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ وَ إِنْ كَانَ نَفْسًا، (وَ لَا تَصَرُّفُهُ فِي الْمَالِ) إنْ نَاسَبَ أَفْعَالَ الْعُقَلَاءِ وَ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيمَا لَا يَتَضَمَّنُ إخْرَاجَ الْمَالِ كَالطَّلَاقِ وَ الظِّهَارِ وَ الْخُلْعِ.

(وَ لَا يُسَلَّمُ عِوَضُ الْخُلْعِ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ مَمْنُوعٌ مِنْهُ.

(وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ) أَيْ فِي جَمِيعِهَا.

وَإِنْ كَانَ قَدْ ضَعَّفَ إطْلَاقَهُ عَلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، حَتَّي عَدَّهُ فِي " " دُرَّةِ الْغَوَّاصِ " مِنْ أَوْهَامِ الْخَوَاصِّ وَ جَعَلَهُ مُخْتَصًّا بِالْبَاقِي أَخْذًا لَهُ مِنْ السُّؤْرِ وَ هُوَ الْبَقِيَّةُ وَ عَلَيْهِ جَاءَ { قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِابْنِ غَيْلَانَ لَمَّا أَسْلَمَ عَلَي عَشْرِ نِسْوَةٍ: أَمْسِكْ عَلَيْك أَرْبَعًا وَ فَارِقْ سَائِرَهُنَّ }، لَكِنْ قَدْ أَجَازَهُ بَعْضُهُمْ.

وَإِنَّمَا جَازَ تَوْكِيلُ غَيْرِهِ لَهُ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ لَيْسَتْ مَسْلُوبَةً مُطْلَقًا، بَلْ مِمَّا يَقْتَضِي التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ (وَيَمْتَدُّ حَجْرُ الْمَجْنُونِ) فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ وَ غَيْرِهَا (حَتَّي يُفِيقَ) وَ يَكْمُلَ عَقْلُهُ (وَ الْوِلَايَةُ فِي مَالِهِمَا) أَيْ الصَّغِيرِ وَ الْمَجْنُونِ (لِلْأَبِ وَ الْجَدِّ) لَهُ وَ إِنْ عَلَا (فَيَشْتَرِكَانِ فِي الْوِلَايَةِ) لَوْ اجْتَمَعَا، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَي أَمْرٍ نَفَذَ وَ إِنْ تَعَارَضَا قُدِّمَ عَقْدُ السَّابِقِ فَإِنْ اتَّفَقَا فَفِي بُطْلَانِهِ، أَوْ تَرْجِيحِ الْأَبِ، أَوْ الْجَدِّ أَوْجُهٌ، (ثُمَّ الْوَصِيُّ) لِأَحَدِهِمَا مَعَ فَقْدِهِمَا، (ثُمَّ الْحَاكِمُ) مَعَ فَقَدْ الْوَصِيِّ.

(وَ الْوِلَايَةُ فِي مَالِ السَّفِيهِ الَّذِي لَمْ يُسْبَقْ رُشْدُهُ كَذَلِكَ) لِلْأَبِ وَ الْجَدِّ إلَي آخِرِ مَا ذَكَرَ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ (فَإِنْ سَبَقَ) رُشْدُهُ وَ ارْتَفَعَ الْحَجْرُ عَنْهُ بِالْبُلُوغِ مَعَهُ ثُمَّ لَحِقَهُ السَّفَهُ (فَلِلْحَاكِمِ) الْوِلَايَةُ دُونَهُمْ

لِارْتِفَاعِ الْوِلَايَةِ عَنْهُ بِالرُّشْدِ فَلَا تَعُودُ إلَيْهِمْ إلَّا بِدَلِيلٍ وَ هُوَ مُنْتَفٍ وَ الْحَاكِمُ وَلِيٌّ عَامٌّ لَا يَحْتَاجُ إلَي دَلِيلٍ وَ إِنْ تَخَلَّفَ فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ.

وَقِيلَ: الْوِلَايَةُ فِي مَالِهِ لِلْحَاكِمِ مُطْلَقًا؛ لِظُهُورِ تَوَقُّفِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَ رَفْعِهِ عَلَي حُكْمِهِ فِي كَوْنِ النَّظَرِ إلَيْهِ. (وَ الْعَبْدُ مَمْنُوعٌ) مِنْ التَّصَرُّفِ (مُطْلَقًا) فِي الْمَالِ وَ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ أَحَلَّنَا مِلْكَهُ أَمْ قُلْنَا بِهِ، عَدَا الطَّلَاقِ فَإِنَّ لَهُ إيقَاعَهُ وَ إِنْ كَرِهَ الْمَوْلَي، (وَ الْمَرِيضُ مَمْنُوعٌ مِمَّا زَادَ عَنْ الثُّلُثِ) إذَا تَبَرَّعَ بِهِ، أَمَّا لَوْ عَاوَضَ عَلَيْهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ نَفَذَ، (وَ إِنْ نُجِزْ) مَا تَبَرَّعَ بِهِ فِي مَرَضِهِ بِأَنْ وَهَبَهُ، أَوْ وَقَفَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ حَابَي بِهِ فِي بَيْعٍ، أَوْ إجَارَةٍ (عَلَي الْأَقْوَي) لِلْأَخْبَارِ الْكَثِيرَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ مَنْطُوقًا وَ مَفْهُومًا وَ قِيلَ يَمْضِي مِنْ الْأَصْلِ لِلْأَصْلِ وَ عَلَيْهِ شَوَاهِدُ مِنْ الْأَخْبَارِ

وَ يَثْبُتُ الْحَجْرُ عَلَي السَّفِيهِ بِظُهُورِ سَفَهِهِ

(وَيَثْبُتُ الْحَجْرُ عَلَي السَّفِيهِ بِظُهُورِ سَفَهِهِ وَ إِنْ لَمْ يَحْكُمْ الْحَاكِمُ بِهِ)

لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لَهُ هُوَ السَّفَهُ، فَيَجِبُ تَحَقُّقُهُ بِتَحَقُّقِهِ وَ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَي: { فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا } حَيْثُ أَثْبَتَ عَلَيْهِ الْوِلَايَةَ بِمُجَرَّدِهِ.

(وَ لَا يَزُولُ) الْحَجْرُ عَنْهُ (إلَّا - بِحُكْمِهِ) لِأَنَّ زَوَالَ السَّفَهِ يَفْتَقِرُ إلَي الِاجْتِهَادِ وَ قِيَامِ الْأَمَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ فَيُنَاطُ بِنَظَرِ الْحَاكِمِ.

وَقِيلَ: يَتَوَقَّفَانِ عَلَي حُكْمِهِ لِذَلِكَ.

وَقِيلَ: لَا فِيهِمَا وَ هُوَ الْأَقْوَي؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلْحَجْرِ هُوَ السَّفَهُ فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ بِثُبُوتِهِ وَ يَزُولَ بِزَوَالِهِ وَ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَي: { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } حَيْثُ عَلَّقَ الْأَمْرَ بِالدَّفْعِ عَلَي إينَاسِ الرُّشْدِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَي أَمْرٍ آخَرَ (وَ لَوْ عَامَلَهُ الْعَالِمُ بِحَالِهِ اسْتَعَادَ مَالَهُ) مَعَ وُجُودِهِ؛ لِبُطْلَانِ الْمُعَامَلَةِ (فَإِنْ تَلِفَ فَلَا ضَمَانَ) لِأَنَّ الْمُعَامِلَ قَدْ ضَيَّعَ مَالَهُ بِيَدِهِ، حَيْثُ سَلَّمَهُ إلَي

مَنْ نَهَي اللَّهُ تَعَالَي عَنْ إيتَائِهِ وَ لَوْ كَانَ جَاهِلًا بِحَالِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا؛ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ.

وَقِيلَ: لَا ضَمَانَ مَعَ التَّلَفِ مُطْلَقًا، لِتَقْصِيرِ مَنْ عَامَلَهُ قَبْلَ اخْتِبَارِهِ.

وَفَصَّلَ ثَالِثٌ: فَحَكَمَ بِذَلِكَ مَعَ قَبْضِ السَّفِيهِ الْمَالَ بِإِذْنِ مَالِكِهِ وَ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ الْفَاسِدَةَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ فَيَكُونُ قَابِضًا لِلْمَالِ بِغَيْرِ إذْنٍ، فَيَضْمَنُهُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالًا، أَوْ غَصَبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ.

وَهُوَ حَسَنٌ.

(وَ فِي إيدَاعِهِ، أَوْ إعَارَتِهِ، أَوْ إجَارَتِهِ فَيُتْلِفُ الْعَيْنَ نَظَرٌ) مِنْ تَفْرِيطِهِ بِتَسْلِيمِهِ و قد نَهَي اللَّهُ تَعَالَي عَنْهُ بِقوله:

{ وَ لَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ }، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَلْقَي مَالَهُ فِي الْبَحْرِ وَ مِنْ عَدَمِ تَسْلِيطِهِ عَلَي الْإِتْلَافِ، لِأَنَّ الْمَالَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَمَانَةٌ يَجِبُ حِفْظُهُ وَ الْإِتْلَافُ حَصَلَ مِنْ السَّفِيهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فَيَضْمَنُهُ كَالْغَصْبِ وَ الْحَالُ أَنَّهُ بَالِغٌ عَاقِلٌ وَ هَذَا هُوَ الْأَقْوَي (وَ لَا يَرْتَفِعُ الْحَجْرُ عَنْهُ بِبُلُوغِهِ خَمْسًا وَ عِشْرِينَ سَنَةً) إجْمَاعًا مِنَّا لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِلْحَجْرِ وَ عَدَمِ صَلَاحِيَةِ هَذَا السِّنِّ لِرَفْعِهِ.

وَنَبَّهَ بِذَلِكَ، عَلَي خِلَافِ بَعْضِ الْعَامَّةِ، حَيْثُ زَعَمَ أَنَّهُ مَتَي بَلَغَ خَمْسًا وَ عِشْرِينَ سَنَةً يُفَكُّ حَجْرُهُ بِهِ وَ إِنْ كَانَ سَفِيهًا.

(وَلَا يُمْنَعُ مَنْ الْحَجِّ الْوَاجِبِ مُطْلَقًا)

سَوَاءٌ زَادَتْ نَفَقَتُهُ عَنْ نَفَقَةِ الْحَضَرِ أَمْ لَا وَ سَوَاءٌ وَجَبَ بِالْأَصْلِ أَمْ بِالْعَارِضِ كَالْمَنْذُورِ قَبْلَ السَّفَهِ، لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ و لكن لَا يُسَلَّمُ النَّفَقَةَ، بَلْ يَتَوَلَّاهَا الْوَلِيُّ، أَوْ وَكِيلُهُ، (وَ لَا) مِنْ الْحَجِّ (الْمَنْدُوبِ إذَا اسْتَوَتْ نَفَقَتُهُ) حَضَرًا وَ سَفَرًا وَ فِي حُكْمِ اسْتِوَاءِ النَّفَقَةِ مَا لَوْ تَمَكَّنَ فِي السَّفَرِ مِنْ كَسْبٍ يَجْبُرُ الزَّائِدَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ فِي الْحَضَرِ.

(وَتَنْعَقِدُ يَمِينُهُ) لَوْ حَلَفَ، (وَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ) لَوْ حَنِثَ؛ لِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ وَ مِثْلُهُ الْعَهْدُ وَ النَّذْرُ وَ إِنَّمَا يَنْعَقِدُ ذَلِكَ

حَيْثُ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقُهُ الْمَالَ لِيُمْكِنَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ، فَلَوْ حَلَفَ أَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ.

هَذَا مَعَ تَعَيُّنِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ مُطْلَقًا لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُرَاعَي فِي إنْفَاذِهِ الرُّشْدُ (وَلَهُ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِيٍّ، (لَا الدِّيَةِ)؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ وَ لَهُ الصُّلْحُ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَي مَالِ، لَكِنْ لَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ.

18 كتاب الضمان

المدخل

(18) كتاب الضمان

كِتَابُ الضَّمَانِ وَ الْمُرَادُ بِهِ الضَّمَانُ بِالْمَعْنَي الْأَخَصِّ

قَسِيمُ الْحَوَالَةِ وَ الْكَفَالَةِ، لَا الْأَعَمُّ الشَّامِلُ لَهُمَا (وَ هُوَ التَّعَهُّدُ بِالْمَالِ) أَيْ الِالْتِزَامُ بِهِ (مِنْ الْبَرِيءِ) مِنْ مَالٍ مُمَاثِلٍ لِمَا ضَمِنَهُ لِلْمَضْمُونِ عَنْهُ.

وَبِقَيْدِ الْمَالِ خَرَجَتْ الْكَفَالَةُ فَإِنَّهَا تَعَهُّدٌ بِالنَّفْسِ وَ بِالْبَرِيءِ الْحَوَالَةُ بِنَاءً عَلَي اشْتِرَاطِهَا بِشَغْلِ ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِلْمُحِيلِ بِمَا أَحَالَ بِهِ (وَيُشْتَرَطُ كَمَالُهُ) أَيْ كَمَالُ الضَّامِنِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْمَصْدَرِ، أَوْ اسْمِ الْفَاعِلِ، أَوْ الْمَقَامِ، (وَحُرِّيَّتُهُ) فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْعَبْدِ فِي الْمَشْهُورِ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَي شَيْءٍ.

وَقِيلَ: يَصِحُّ وَ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ (إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْمَوْلَي فَيَثْبُتُ) الْمَالُ (فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ)، لَا فِي مَالِ الْمَوْلَي لِأَنَّ إطْلَاقَ الضَّمَانِ أَعَمُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَدُلُّ عَلَي الْخَاصِّ وَ قِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ حَمْلًا عَلَي الْمَعْهُودِ مِنْ الضَّمَانِ الَّذِي يَسْتَعْقِبُ الْأَدَاءَ وَ رُبَّمَا قِيلَ بِتَعَلُّقِهِ بِمَالِ الْمَوْلَي مُطْلَقًا، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ وَ هُوَ مُتَّجَهٌ، (إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ كَوْنُهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَي) فَيَلْزَمُ بِحَسَبِ مَا شُرِطَ وَ يَكُونُ حِينَئِذٍ كَالْوَكِيلِ وَ لَوْ شَرَطَهُ مِنْ كَسْبِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ شَرَطَهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَي؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَتِهِ، ثُمَّ إنْ وَفَّي الْكَسْبُ بِالْحَقِّ الْمَضْمُونِ وَ إِلَّا ضَاعَ مَا قَصَرَ وَ لَوْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ قَبْلَ إمْكَانِ تَجَدُّدِ شَيْءٍ مَنْ الْكَسْبِ فَفِي بُطْلَانِ الضَّمَانِ، أَوْ بَقَاءِ التَّعَلُّقِ بِهِ وَجْهَانِ. (وَ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِالْمُسْتَحِقِّ)

لِلْمَالِ الْمَضْمُونِ وَ هُوَ الْمَضْمُونُ لَهُ بِنَسَبِهِ أَوْ وَصْفِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ إيفَاؤُهُ الدَّيْنَ وَ هُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَي ذَلِكَ وَ كَذَا لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ الْحَقِّ الْمَضْمُونِ وَ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَ يُمْكِنُ إرَادَتُهُ مِنْ الْعِبَارَةِ بِجَعْلِ الْمُسْتَحَقِّ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ، فَلَوْ ضَمِنَ مَا فِي ذِمَّتِهِ صَحَّ عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، لِلْأَصْلِ وَ إِطْلَاقِ النَّصِّ وَ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يُنَافِيهِ الْغَرَرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُعَاوَضَةً؛ لِجَوَازِهِ مِنْ الْمُتَبَرِّعِ.

هَذَا إذَا أَمْكَنَ الْعِلْمُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْمِثَالِ، فَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ كَضَمِنْت لَك شَيْئًا مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا وَ عَلَي تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ يَلْزَمُهُ مَا تَقُومُ بِهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَانَ لَازِمًا لِلْمَضْمُونِ عَنْهُ وَقْتَ الضَّمَانِ، لَا مَا يَتَجَدَّدُ، أَوْ يُوجَدُ فِي دَفْتَرٍ، أَوْ يُقِرُّ بِهِ الْمَضْمُونُ عَنْهُ، أَوْ يَحْلِفُ عَلَيْهِ الْمَضْمُونُ لَهُ بِرَدِّ الْيَمِينِ مِنْ الْمَضْمُونِ عَنْهُ؛ لِعَدَمِ دُخُولِ الْأَوَّلِ فِي الضَّمَانِ وَ عَدَمِ ثُبُوتِ الثَّانِي وَ عَدَمِ نُفُوذِ الْإِقْرَارِ فِي الثَّالِثِ عَلَي الْغَيْرِ وَ كَوْنِ الْخُصُومَةِ حِينَئِذٍ مَعَ الضَّامِنِ وَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا يَثْبُتُ بِمُنَازَعَةِ غَيْرِهِ، كَمَا لَا يَثْبُتُ مَا يُقِرُّ بِهِ، فِي الرَّابِعِ.

نَعَمْ لَوْ كَانَ الْحَلِفُ بِرَدِّ الضَّامِنِ ثَبَتَ مَا حَلَفَ، عَلَيْهِ. (وَ) كَذَا (لَا) يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ (بِالْغَرِيمِ) وَ هُوَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ وَفَاءُ دَيْنٍ عَنْهُ وَ هُوَ جَائِزٌ عَنْ كُلِّ مَدْيُونٍ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْأَعَمَّ مِنْهُ وَ مِنْ الْمَضْمُونِ لَهُ وَ يُرِيدَ بِالْعِلْمِ بِهِ: الْإِحَاطَةَ بِمَعْرِفَةِ حَالِهِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ وَصْفٍ، لِسُهُولَةِ الِاقْتِضَاءِ وَ مَا شَاكَلَهُ، لِأَنَّ الْغَرَضَ إيفَاؤُهُ الدَّيْنَ وَ ذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَي مَعْرِفَتِهِ كَذَلِكَ، (بَلْ تَمَيُّزُهُمَا) أَيْ الْمُسْتَحِقُّ وَ الْغَرِيمُ لِيُمْكِنَ تَوَجُّهُ الْقَصْدِ إلَيْهِمَا، أَمَّا الْحَقُّ فَلِيُمْكِنَ أَدَاؤُهُ وَ أَمَّا الْمَضْمُونُ لَهُ فَلِيُمْكِنَ إيفَاؤُهُ وَ أَمَّا الْمَضْمُونُ عَنْهُ فَلِيُمْكِنَ الْقَصْدُ إلَيْهِ.

وَيُشْكِلُ بِأَنَّ

الْمُعْتَبَرَ الْقَصْدُ إلَي الضَّمَانِ وَ هُوَ الْتِزَامُ الْمَالِ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْمَضْمُونُ لَهُ وَ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَي مَعْرِفَةِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ.

فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ: إنِّي أَسْتَحِقُّ فِي ذِمَّةِ آخَرَ مِائَةَ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَقَالَ آخَرُ: ضَمِنْتهَا لَك كَانَ قَاصِدًا إلَي عَقْدِ الضَّمَانِ عَمَّنْ كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مُطْلَقًا وَ لَا دَلِيلَ عَلَي اعْتِبَارِ الْعِلْمِ بِخُصُوصِهِ.

وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إيجَابٍ وَ قَبُولٍ مَخْصُوصَيْنِ

(وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إيجَابٍ وَ قَبُولٍ مَخْصُوصَيْنِ)

؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ النَّاقِلَةِ لِلْمَالِ مِنْ ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ إلَي ذِمَّةِ الضَّامِنِ، (وَ الْإِيجَابُ ضَمِنْت وَ تَكَفَّلْت) وَ يَتَمَيَّزُ عَنْ مُطْلَقِ الْكَفَالَةِ بِجَعْلِ مُتَعَلِّقِهَا الْمَالَ (وَتَقَبَّلْت وَ شَبَهُهُ) مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ صَرِيحًا، (وَ لَوْ قَالَ مَالُك عِنْدِي، أَوْ عَلَيَّ، أَوْ مَا عَلَيْهِ عَلَيَّ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ)؛ لِجَوَازِ إرَادَتِهِ أَنَّ لِلْغَرِيمِ تَحْتَ يَدِهِ مَالًا وَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَي تَخْلِيصِهِ، أَوْ أَنَّ عَلَيْهِ السَّعْيَ، أَوْ الْمُسَاعِدَةَ وَ نَحْوَهُ.

وَقِيلَ إنَّ " عَلَيَّ " ضَمَانٌ، لِاقْتِضَاءِ عَلَيَّ الِالْتِزَامُ وَ مِثْلُهُ فِي ذِمَّتِي وَ هُوَ مُتَّجَهٌ، أَمَّا ضَمَانُهُ عَلَيَّ فَكَافٍ؛ لِانْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ، مَعَ تَصْرِيحِهِ بِالْمَالِ (فَيَقْبَلُ الْمُسْتَحِقُّ) وَ هُوَ الْمَضْمُونُ لَهُ.

(وَ قِيلَ: يَكْفِي رِضَاهُ)، بِالضَّمَانِ وَ إِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْقَبُولِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ يَتَحَوَّلُ مِنْ ذِمَّةٍ إلَي أُخْرَي وَ النَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ وَ سُهُولَةِ الْقَضَاءِ، فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ بِهِ و لكن لَا يَعْتَبِرُ الْقَبُولَ، لِلْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ وَفَاءُ دَيْنٍ.

وَالْأَقْوَي الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إيجَابٍ وَ قَبُولٍ لَفْظَيْنِ صَرِيحَيْنِ مُتَطَابِقَيْنِ عَرَبِيَّيْنِ، فَعَلَي مَا اخْتَارَهُ مِنْ اشْتِرَاطِهِ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ.

وَعَلَي الْقَوْلِ الْآخَرِ (فَلَا يُشْتَرَطُ فَوْرِيَّةُ الْقَبُولِ)، لِلْأَصْلِ وَ حُصُولُ الْغَرَضِ.

وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ مُطْلَقًا، لِمَا رُوِيَ مِنْ ضَمَانِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ دَيْنَ الْمَيِّتِ الَّذِي امْتَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ

آلِهِ وَ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، لِمَكَانِ دَيْنِهِ.

(وَ لَا عِبْرَةَ بِالْغَرِيمِ) وَ هُوَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ وَفَاءٌ عَنْهُ وَ هُوَ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَي إذْنِهِ (نَعَمْ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ إذْنِهِ) فِي الضَّمَانِ وَ إِنْ أَذِنَ فِي الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَ الضَّمَانُ هُوَ النَّاقِلُ لِلْمَالِ مِنْ الذِّمَّةِ، (وَ لَوْ أَذِنَ) لَهُ فِي الضَّمَانِ (رَجَعَ) عَلَيْهِ (بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِمَّا أَدَّاهُ وَ مِنْ الْحَقِّ) فَإِنْ أَدَّي أَزْيَدَ مِنْهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِالزَّائِدِ وَ إِنْ أَدَّي أَقَلَّ لَمْ يَرْجِعْ بِغَيْرِهِ، سَوَاءٌ أَسْقَطَ الزَّائِدَ عَنْهُ بِصُلْحٍ أَمْ إبْرَاءٍ وَ لَوْ وَهَبَهُ بَعْدَمَا أَدَّي الْجَمِيعَ الْبَعْضَ، أَوْ الْجَمِيعَ جَازَ رُجُوعُهُ بِهِ وَ لَوْ أَدَّي عَرَضًا رَجَعَ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَ مِنْ الْحَقِّ، سَوَاءٌ رَضِيَ الْمَضْمُونُ لَهُ بِهِ عَنْ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ، أَوْ بِصُلْحٍ.

(وَيُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي الضَّامِنِ (الْمَلَاءَةُ)

بِأَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمَا يُوَفِّيَ بِهِ الْحَقَّ الْمَضْمُونَ، فَاضِلًا عَنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ، (أَوْ عَلِمَ الْمُسْتَحِقُّ بِإِعْسَارِهِ) حِينَ الضَّمَانِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّي ضَمِنَ تَخَيَّرَ الْمَضْمُونَ لَهُ فِي الْفَسْخِ.

وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمَلَاءَةُ فِي الِابْتِدَاءِ، لَا الِاسْتِدَامَةِ، فَلَوْ تَجَدَّدَ إعْسَارُهُ بَعْدَ الضَّمَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْفَسْخُ، لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ حَالَتَهُ وَ كَمَا لَا يَقْدَحُ تَجَدُّدُ إعْسَارِهِ فَكَذَا تَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ بِوَجْهٍ آخَرَ.

(وَيَجُوزُ الضَّمَانُ حَالًّا وَ مُؤَجَّلًا، عَنْ حَالٍّ وَ مُؤَجَّلٍ)

، سَوَاءٌ تَسَاوَي الْمُؤَجَّلَانِ فِي الْأَجَلِ أَمْ تَفَاوَتَا، لِلْأَصْلِ.

ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا رَجَعَ مَعَ الْأَدَاءِ مُطْلَقًا وَ إِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ حُلُولِهِ وَ أَدَائِهِ مُطْلَقًا (وَ الْمَالُ الْمَضْمُونُ: مَا جَازَ أَخْذُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ) وَ هُوَ الْمَالُ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ وَ إِنْ كَانَ مُتَزَلْزِلًا، (وَ لَوْ ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي عُهْدَةَ الثَّمَنِ) أَيْ دَرْكَهُ عَلَي تَقْدِيرِ الِاحْتِيَاجِ إلَي رَدِّهِ

(لَزِمَهُ) ضَمَانُهُ (فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَبْطُلُ فِيهِ الْبَيْعُ مِنْ رَأْسٍ كَالِاسْتِحْقَاقِ) لِلْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ وَ لَمْ يُجِزْ الْمَالِكُ الْبَيْعَ، أَوْ أَجَازَهُ وَ لَمْ يُجِزْ قَبْضَ الْبَائِعِ الثَّمَنَ وَ مِثْلُهُ تَبَيُّنُ خَلَلٍ فِي الْبَيْعِ اقْتَضَي فَسَادَهُ مِنْ رَأْسٍ، كَتَخَلُّفِ شَرْطٍ، أَوْ اقْتِرَانِ شَرْطٍ فَاسِدٍ، لَا مَا تَجَدَّدَ فِيهِ الْبُطْلَانُ كَالْفَسْخِ بِالتَّقَايُلِ وَ الْمَجْلِسِ وَ الْحَيَوَانِ وَ الشَّرْطِ وَ تَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِعَدَمِ اشْتِغَالِ ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ حِينَ الضَّمَانِ عَلَي تَقْدِيرِ طُرُوءِ الِانْفِسَاخِ بِخِلَافِ الْبَاطِلِ مِنْ أَصْلِهِ وَ لَوْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ

وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ

(وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ)

أَيْ لِلْمُشْتَرِي ضَامِنٌ عَنْ الْبَائِعِ (دَرْكَ مَا يُحْدِثُهُ) الْمُشْتَرِي فِي الْأَرْضِ (مِنْ بِنَاءٍ، أَوْ غَرْسٍ) عَلَي تَقْدِيرِ ظُهُورِهَا مُسْتَحَقَّةً لِغَيْرِ الْبَائِعِ وَ قَلْعِهِ لَهَا، أَوْ أَخْذِهِ أُجْرَةَ الْأَرْضِ (فَالْأَقْوَي جَوَازُهُ) لِوُجُودِ سَبَبِ الضَّمَانِ حَالَةَ الْعَقْدِ وَ هُوَ كَوْنُ الْأَرْضِ مُسْتَحَقَّةً لِلْغَيْرِ.

وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ؛ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ عَلَي الْبَائِعِ حِينَئِذٍ وَ إِنَّمَا اسْتَحَقَّهُ بَعْدَ الْقَلْعِ.

وَقِيلَ: إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا الضَّمَانُ مِنْ الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَ إِنْ لَمْ يَضْمَنْ، فَيَكُونُ ضَمَانُهُ تَأْكِيدًا.

وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ضَمَانِهِ لِكَوْنِهِ بَائِعًا مُسَلِّطًا عَلَي الِانْتِفَاعِ مَجَّانًا، ضَمَانُهُ بِعَقْدِهِ مَعَ عَدَمِ اجْتِمَاعِ شَرَائِطِهِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا كَوْنُهُ ثَابِتًا حَالَ الضَّمَانِ.

وَتَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِيمَا لَوْ أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي عَنْهُ حَقَّ الرُّجُوعِ بِسَبَبِ الْبَيْعِ، فَيَبْقَي لَهُ الرُّجُوعُ بِسَبَبِ الضَّمَانِ لَوْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ خِيَارَانِ فَأَسْقَطَ أَحَدَهُمَا وَ نَظِيرُ ضَمَانِ غَيْرِ الْبَائِعِ دَرْكَ الْغَرْسِ ضَمَانُهُ عُهْدَةَ الْمَبِيعِ لَوْ ظَهَرَ مَعِيبًا فَيُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ بِالْأَرْشِ، لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ثَابِتٌ وَقْتَ الضَّمَانِ وَ وَجْهُ الْعَدَمِ هُنَا أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَهُ إنَّمَا حَصَلَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ وَ اخْتِيَارِ أَخْذِ الْأَرْشِ.

وَالْمَوْجُودُ مِنْ الْعَيْبِ حَالَةَ الْعَقْدِ

مَا كَانَ يَلْزَمُهُ تَعَيُّنُ الْأَرْشِ، بَلْ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُ و بين الرَّدِّ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْأَرْشُ إلَّا بَعْدَ الضَّمَانِ.

وَالْحَقُّ أَنَّهُ أَحَدُ الْفَرْدَيْنِ الثَّابِتَيْنِ تَخْيِيرًا حَالَةَ الْبَيْعِ، فَيُوصَفُ بِالثُّبُوتِ قَبْلَ اخْتِيَارِهِ كَأَفْرَادِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ

وَلَوْ أَنْكَرَ الْمُسْتَحِقُّ الْقَبْضَمَنْ الضَّامِنِ

(وَلَوْ أَنْكَرَ الْمُسْتَحِقُّ الْقَبْضَ) مَنْ الضَّامِنِ

(فَشَهِدَ عَلَيْهِ الْغَرِيمُ) وَ هُوَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ (قُبِلَ)؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ آمِرًا بِالضَّمَانِ، فَشَهَادَتُهُ عَلَيْهِ شَهَادَةٌ عَلَي نَفْسِهِ بِاسْتِحْقَاقِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ وَ شَهَادَةٌ لِغَيْرِهِ فَتُسْمَعُ وَ إِنْ كَانَ الضَّامِنُ مُتَبَرِّعًا عَنْهُ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ فَلَا مَانِعَ مِنْ قَبُولِهَا لِبَرَاءَتِهِ مِنْ الدَّيْنِ أَدَّي أَمْ لَمْ يُؤَدِّ.

لَكِنْ إنَّمَا تُقْبَلُ (مَعَ عَدَمِ التُّهْمَةِ) بِأَنْ تُفِيدَهُ الشَّهَادَةُ فَائِدَةً زَائِدَةً عَلَي مَا يَغْرَمُهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ الْأَدَاءُ فَتُرَدُّ.

وَلِلتُّهْمَةِ صُوَرٌ: مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الضَّامِنُ مُعْسِرًا وَ لَمْ يَعْلَمْ الْمَضْمُونُ لَهُ بِإِعْسَارِهِ، فَإِنَّ لَهُ الْفَسْخَ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ الْأَدَاءُ وَ يَرْجِعُ عَلَي الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَيَدْفَعُ بِشَهَادَتِهِ عَوْدَ الْحَقِّ إلَي ذِمَّتِهِ.

و منها أَنْ يَكُونَ الضَّامِنُ قَدْ تَجَدَّدَ عَلَيْهِ الْحَجْرُ لِلْفَلَسِ وَ لِلْمَضْمُونِ عَنْهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يُوَفِّرُ بِشَهَادَتِهِ مَالَ الْمُفْلِسِ فَيَزْدَادُ مَا يَضْرِبُ بِهِ.

وَلَا فَرْقَ فِي هَاتَيْنِ بَيْنَ كَوْنِ الضَّامِنِ مُتَبَرِّعًا وَ بِسُؤَالٍ، لِأَنَّ فَسْخَ الضَّمَانِ يُوجِبُ الْعَوْدَ عَلَي الْمَدْيُونِ عَلَي التَّقْدِيرَيْنِ و مع الْإِفْلَاسِ ظَاهِرٌ.

وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ مِنْ صُوَرِ التُّهْمَةِ: أَنْ يَكُونَ الضَّامِنُ قَدْ صَالَحَ عَلَي أَقَلَّ مِنْ الْحَقِّ فَيَكُونُ رُجُوعُهُ عَلَي تَقْدِيرِ كَوْنِهِ بِسُؤَالٍ إنَّمَا هُوَ بِالْمَدْفُوعِ، فَتَجُرُّ شَهَادَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ تُهْمَةً بِتَخْفِيفِ الدَّيْنِ عَنْهُ و فيه نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي سُقُوطِ الزَّائِدِ عَنْ الْمَضْمُونِ عَنْهُ اعْتِرَافُ الضَّامِنِ بِذَلِكَ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ وَ إِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ فَتَنْدَفِعُ التُّهْمَةُ وَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقوله:

(وَمَعَ عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ) لِلتُّهْمَةِ، أَوْ لِعَدَمِ الْعَدَالَةِ (لَوْ غَرِمَ الضَّامِنُ رَجَعَ) عَلَي الْمَضْمُونِ عَنْهُ (فِي مَوْضِعِ الرُّجُوعِ) وَ هُوَ مَا لَوْ

كَانَ ضَامِنًا بِإِذْنِهِ (بِمَا أَدَّاهُ أَوَّلًا) لِتَصَادُقِهِمَا عَلَي كَوْنِهِ هُوَ الْمُسْتَحَقُّ فِي ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الْمَضْمُونَ لَهُ ظَالِمٌ بِالْأَخْذِ ثَانِيًا، هَذَا مَعَ مُسَاوَاةِ الْأَوَّلِ لِلْحَقِّ، أَوْ قُصُورِهِ وَ إِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ وَ مِنْ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ بِالزَّائِدِ عَلَيْهِ.

وَمِثْلُهُ مَا لَوْ صَدَّقَهُ عَلَي الدَّفْعِ وَ إِنْ لَمْ يُشْهِدْ وَ يُمْكِنُ دُخُولُهُ فِي عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ (وَ لَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَي الدَّفْعِ) الَّذِي ادَّعَاهُ (رَجَعَ) عَلَيْهِ (بِالْأَقَلِّ) مِمَّا ادَّعَي أَدَاءَهُ أَوَّلًا وَ أَدَاءَهُ أَخِيرًا؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ إنْ كَانَ هُوَ الْأَوَّلُ فَهُوَ يَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ سِوَاهُ وَ أَنَّ الْمَضْمُونَ لَهُ ظَلَمُهُ فِي الثَّانِي وَ إِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَمْ يَثْبُتُ ظَاهِرًا سِوَاهُ.

وَعَلَي مَا بَيَّنَّاهُ يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا وَ مِنْ الْحَقِّ

19 كتاب الحوالة

المدخل

(19) كتاب الحوالة

كِتَابُ الْحَوَالَةِ

(الْحَوَالَةُ وَ هِيَ التَّعَهُّدُ بِالْمَالِ مِنْ الْمَشْغُولِ بِمِثْلِهِ) لِلْمُحِيلِ.

هَذَا هُوَ الْقَدْرُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَوَالَةِ وَ إِلَّا فَالْأَقْوَي جَوَازُهَا عَلَي الْبَرِيءِ لِلْأَصْلِ لَكِنَّهُ يَكُونُ أَشْبَهَ بِالضَّمَانِ؛ لِاقْتِضَائِهِ نَقْلَ الْمَالِ مِنْ ذِمَّةٍ مَشْغُولَةٍ إلَي ذِمَّةٍ بَرِيئَةٍ، فَكَأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ بِقَبُولِهِ لَهَا ضَامِنٌ لِدَيْنِ الْمُحْتَالِ عَلَي الْمُحِيلِ وَلَكِنَّهَا لَا تَخْرُجُ بِهَذَا الشَّبَهِ عَنْ أَصْلِ الْحَوَالَةِ فَتَلْحَقُهَا أَحْكَامُهَا.

(وَيُشْتَرَطُ فِيهَا رِضَا الثَّلَاثَةِ) أَمَّا رِضَا الْمُحِيلِ وَ الْمُحْتَالِ فَمَوْضِعُ وِفَاقٍ وَ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ مُخَيَّرٌ فِي جِهَاتِ الْقَضَاءِ مِنْ مَالِهِ وَ دَيْنُهُ الْمُحَالُ بِهِ مِنْ جُمْلَتِهَا وَ الْمُحْتَالُ حَقُّهُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ فَلَا يَلْزَمُهُ نَقْلُهُ إلَي ذِمَّةٍ أُخْرَي بِغَيْرِ رِضَاهُ وَ أَمَّا الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَاشْتِرَاطُ رِضَاهُ هُوَ الْمَشْهُورُ؛ وَ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْحَوَالَةِ؛ وَ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الِاقْتِضَاءِ سُهُولَةً وَ صُعُوبَةً.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُحِيلَ قَدْ أَقَامَ الْمُحْتَالَ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي الْقَبْضِ بِالْحَوَالَةِ فَلَا وَجْهَ لِلِافْتِقَارِ إلَي رِضَا مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ،

كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي الْقَبْضِ مِنْهُ.

وَاخْتِلَافُ النَّاسِ فِي الِاقْتِضَاءِ لَا يَمْنَعُ مِنْ مُطَالَبَةِ الْمُسْتَحِقِّ وَ مِنْ نَصْبِهِ خُصُوصًا مَعَ اتِّفَاقِ الْحَقَّيْنِ جِنْسًا وَ وَصْفًا، فَعَدَمُ اعْتِبَارِهِ أَقْوَي.

نَعَمْ لَوْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ و كان الْغَرَضُ اسْتِيفَاءَ مِثْلِ حَقِّ الْمُحْتَالِ تَوَجَّهَ اعْتِبَارُ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَاوَضَةِ الْجَدِيدَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمُتَعَاوِضَيْنِ وَ لَوْ رَضِيَ الْمُحْتَالُ بِأَخْذِ جِنْسِ مَا عَلَي الْمُحَالِ عَلَيْهِ زَالَ الْمَحْذُورُ أَيْضًا وَ عَلَي تَقْدِيرِ اعْتِبَارِ رِضَاهُ لَيْسَ هُوَ عَلَي حَدِّ رِضَاهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَتِمُّ إلَّا بِإِيجَابٍ وَ قَبُولٍ، فَالْإِيجَابُ مِنْ الْمُحِيلِ وَ الْقَبُولُ مِنْ الْمُحْتَالِ.

وَيُعْتَبَرُ فِيهِمَا مَا يُعْتَبَرُ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ اللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ وَ الْمُطَابَقَةِ وَ غَيْرِهِمَا وَ أَمَّا رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَيَكْفِي كَيْفَ اتَّفَقَ مُتَقَدِّمًا وَ مُتَأَخِّرًا وَ مُقَارِنًا وَ لَوْ جَوَّزْنَا الْحَوَالَةَ عَلَي الْبَرِيءِ اُعْتُبِرَ رِضَاهُ قَطْعًا وَ يُسْتَثْنَي مِنْ اعْتِبَارِ رِضَا الْمُحِيلِ مَا لَوْ تَبَرَّعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ بِالْوَفَاءِ فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَا الْمُحِيلِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ وَفَاءُ دَيْنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.

وَالْعِبَارَةُ عَنْهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَقُولَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لِلْمُحْتَالِ: أَحَلْتُك بِالدَّيْنِ الَّذِي لَك عَلَي فُلَانٍ عَلَي نَفْسِي فَيَقْبَلُ فَيَقُومَانِ بِرُكْنِ الْعَقْدِ. وَ حَيْثُ تَتِمُّ الْحَوَالَةُ تَلْزَمُ (فَيَتَحَوَّلُ فِيهَا الْمَالُ) مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ (كَالضَّمَانِ) عِنْدَنَا وَ يَبْرَأُ الْمُحِيلُ مِنْ حَقِّ الْمُحَالِ بِمُجَرَّدِهَا وَ إِنْ لَمْ يُبْرِئْهُ الْمُحْتَالُ؛ لِدَلَالَةِ التَّحَوُّلِ عَلَيْهِ فِي الْمَشْهُورِ. (وَ لَا يَجِبُ) عَلَي الْمُحْتَالِ (قَبُولُهَا عَلَي الْمَلِيءِ)؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَدَاءُ الدَّيْنِ وَ الْحَوَالَةُ لَيْسَتْ أَدَاءً وَ إِنَّمَا هِيَ نَقْلٌ لَهُ مِنْ ذِمَّةٍ إلَي أُخْرَي فَلَا يَجِبُ قَبُولُهَا عِنْدَنَا وَ مَا وَ رَدَ مِنْ الْأَمْرِ بِقَبُولِهَا عَلَي الْمَلِيءِ عَلَي تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ مَحْمُولٌ عَلَي الِاسْتِحْبَابِ، (وَ لَوْ ظَهَرَ إعْسَارُهُ) حَالَ الْحَوَالَةِ بَعْدَهَا (فَسَخَ الْمُحْتَالُ) إنْ

شَاءَ، سَوَاءٌ، شُرِطَ يَسَارُهُ أَمْ لَا وَ سَوَاءٌ تَجَدَّدَ لَهُ الْيَسَارُ قَبْلَ الْفَسْخِ أَمْ لَا وَ إِنْ زَالَ الضَّرَرُ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ.

وَلَوْ انْعَكَسَ بِأَنْ كَانَ مُوسِرًا حَالَتَهَا فَتَجَدَّدَ إعْسَارُهُ فَلَا خِيَارَ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ.

وَيَصِحُّ تَرَامِي الْحَوَالَةِ

(وَيَصِحُّ تَرَامِي الْحَوَالَةِ)

بِأَنْ يُحِيلَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْمُحْتَالَ عَلَي آخَرَ ثُمَّ يُحِيلُ الْآخَرُ مُحْتَالَهُ عَلَي ثَالِثٍ وَ هَكَذَا وَ يَبْرَأُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ كَالْأَوَّلِ، (وَدَوْرُهَا) بِأَنْ يُحِيلَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْمَرَاتِبِ عَلَي الْمُحِيلِ الْأَوَّلِ وَ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمُحْتَالُ مُتَّحِدٌ وَ إِنَّمَا تَعَدَّدَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ.

(وَكَذَا الضَّمَانُ)

يَصِحُّ تَرَامِيهِ بِأَنْ يُضَمِّنَ الضَّامِنُ آخَرَ، ثُمَّ يُضَمِّنُ الْآخَرُ ثَالِثَ وَ هَكَذَا.

وَدَوْرُهُ بِأَنْ يُضَمِّنَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ الضَّامِنَ فِي بَعْضِ الْمَرَاتِبِ وَ مَنَعَهُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِاسْتِلْزَامِهِ جَعْلَ الْفَرْعِ أَصْلًا وَ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَ يُضَعَّفُ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِمَا غَيْرُ مَانِعٍ و قد تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي ضَمَانِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا وَ بِالْعَكْسِ وَ فِي الضَّمَانِ بِإِذْنٍ وَ عَدَمِهِ.

فَكُلُّ ضَامِنٍ يَرْجِعُ مَعَ الْإِذْنِ عَلَي مَضْمُونِهِ.

لَا عَلَي الْأَصِيلِ، إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الضَّامِنُ الْأَوَّلُ إنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ.

وَأَمَّا الْكَفَالَةُ فَيَصِحُّ تَرَامِيهَا، دُونَ دَوْرِهَا لِأَنَّ حُضُورَ الْمَكْفُولِ الْأَوَّلِ يُبْطِلُ مَا تَأَخَّرَ مِنْهَا.

وَ كَذَا تَصِحُّ (الْحَوَالَةُ بِغَيْرِ جِنْسِ الْحَقِّ)

(وَ) كَذَا تَصِحُّ (الْحَوَالَةُ بِغَيْرِ جِنْسِ الْحَقِّ)

الَّذِي لِلْمُحْتَالِ عَلَي الْمُحِيلِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ فَيُحِيلُهُ عَلَي آخَرَ بِدَنَانِيرَ، سَوَاءٌ جَعَلْنَا الْحَوَالَةَ اسْتِيفَاءً أَمْ اعْتِيَاضًا، لِأَنَّ إيفَاءَ الدَّيْنِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ جَائِزٌ مَعَ التَّرَاضِي.

وَكَذَا الْمُعَاوَضَةُ عَلَي الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ.

وَلَوْ انْعَكَسَ فَأَحَالَهُ بِحَقِّهِ عَلَي مَنْ عَلَيْهِ مُخَالِفٌ صَحَّ أَيْضًا بِنَاءً عَلَي اشْتِرَاطِ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ جَعَلْنَاهَا اسْتِيفَاءَ أَمْ اعْتِيَاضًا بِتَقْرِيبِ التَّقْرِيرِ وَ لَا يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ حَيْثُ تَكُونُ صَرْفًا؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَلَي هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَتْ بَيْعًا وَ لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ صَحَّ الْأَوَّلُ، دُونَ الثَّانِي، إذْ لَا يَجِبُ عَلَي الْمَدْيُونِ الْأَدَاءُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا عَلَيْهِ وَ خَالَفَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ جَمَاعَةٌ فِيهِمَا فَاشْتَرَطُوا تَسَاوِي الْمُحَالِ بِهِ وَ عَلَيْهِ جِنْسًا وَ وَصْفًا، اسْتِنَادًا إلَي أَنَّ الْحَوَالَةَ تَحْوِيلُ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَي ذِمَّةِ

الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ عَلَي الْمُحِيلِ دَرَاهِمُ مَثَلًا وَ لَهُ عَلَي الْمُحَالِ دَنَانِيرُ كَيْفَ يَصِيرُ حَقُّ الْمُحْتَالِ عَلَي الْمُحَالِ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ وَ لَمْ يَقَعْ عَقْدٌ يُوجِبُ ذَلِكَ، لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَاهَا اسْتِيفَاءً كَانَ الْمُحْتَالُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اسْتَوْفَي دَيْنَهُ وَ أَقْرَضَهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَ حَقُّهُ الدَّرَاهِمُ، لَا الدَّنَانِيرُ وَ إِنْ كَانَتْ مُعَاوَضَةً فَلَيْسَتْ عَلَي حَقِيقَةِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا تَحْصِيلُ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ مِنْ جِنْسِ مَالٍ، أَوْ زِيَادَةِ قَدْرٍ، أَوْ صِفَةٍ وَ إِنَّمَا هِيَ مُعَاوَضَةُ إرْفَاقٍ وَ مُسَامَحَةٌ لِلْحَاجَةِ، فَاعْتُبِرَ فِيهَا التَّجَانُسُ وَ التَّسَاوِي و جوابهُ يَظْهَرُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ. (وَ كَذَا) تَصِحُّ (الْحَوَالَةُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ عَلَي دَيْنٍ لِلْمُحِيلِ عَلَي اثْنَيْنِ مُتَكَافِلَيْنِ) أَيْ قَدْ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا فِي ذِمَّةِ صَاحِبِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، أَوْ مُتَلَاحِقَيْنِ مَعَ إرَادَةِ الثَّانِي ضَمَانَ مَا فِي ذِمَّةِ الْأَوَّلِ فِي الْأَصْلِ، لَا مُطْلَقًا؛ لِئَلَّا يَصِيرَ الْمَالَانِ فِي ذِمَّةِ الثَّانِي وَ وَجْهُ جَوَازِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِمَا ظَاهِرٌ؛ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِلصِّحَّةِ وَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ، إذْ لَيْسَ إلَّا كَوْنُهُمَا مُتَكَافِلَيْنِ وَ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا وَ نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَي خِلَافِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ مَنَعَ مِنْهُ، مُحْتَجًّا بِاسْتِلْزَامِهَا زِيَادَةَ الِارْتِفَاقِ وَ هُوَ مُمْتَنِعٌ فِي الْحَوَالَةِ، لِوُجُوبِ مُوَافَقَةِ الْحَقِّ الْمُحَالِ بِهِ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَ لَا نُقْصَانٍ قَدْرًا وَ وَصْفًا.

وَهَذَا التَّعْلِيلُ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَي مَذْهَبِ مَنْ يَجْعَلُ الضَّمَانَ ضَمَّ ذِمَّةٍ إلَي ذِمَّةٍ، فَيَتَخَيَّرُ حِينَئِذٍ فِي مُطَالَبَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَجْمُوعِ الْحَقِّ، أَمَّا عَلَي مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا مِنْ أَنَّهُ نَاقِلٌ لِلْمَالِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَا ارْتِفَاقَ، بَلْ غَايَتُهُ انْتِقَالُ مَا عَلَي كُلٍّ مِنْهُمَا إلَي ذِمَّةِ صَاحِبِهِ فَيَبْقَي الْأَمْرُ كَمَا كَانَ و مع تَسْلِيمِهِ لَا يَصْلُحُ لِلْمَانِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الِارْتِفَاقِ بِهَا غَيْرُ مَانِعٍ إجْمَاعًا، كَمَا لَوْ

أَحَالَهُ عَلَي أَمْلَي مِنْهُ وَ أَحْسَنَ وَفَاءً. (وَ لَوْ أَدَّي الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَطَلَبَ الرُّجُوعَ) بِمَا أَدَّاهُ عَلَي الْمُحِيلِ (لِإِنْكَارِهِ الدَّيْنَ) وَ زَعْمِهِ أَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَي الْبَرِيءِ بِنَاءً عَلَي جَوَازِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ (وَادَّعَاهُ الْمُحِيلُ، تَعَارَضَ الْأَصْلُ) وَ هُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ (وَ الظَّاهِرُ) وَ هُوَ كَوْنُهُ مَشْغُولَ الذِّمَّةِ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْلَا اشْتِغَالُ ذِمَّتِهِ لَمَا أُحِيلَ عَلَيْهِ (وَ الْأَوَّلُ) وَ هُوَ الْأَصْلُ (أَرْجَحُ) مِنْ الثَّانِي حَيْثُ يَتَعَارَضَانِ غَالِبًا وَ إِنَّمَا يَتَخَلَّفُ فِي مَوَاضِعَ نَادِرَةٍ (فَيَحْلِفُ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَي أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ، (وَيَرْجِعُ) عَلَيْهِ بِمَا غَرِمَ، (سَوَاءٌ كَانَ) الْعَقْدُ الْوَاقِعُ بَيْنَهُمَا (بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ، أَوْ الضَّمَانِ) لِأَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَي الْبَرِيءِ أَشْبَهُ بِالضَّمَانِ فَتَصِحُّ بِلَفْظِهِ.

وَأَيْضًا فَهُوَ يُطْلَقُ عَلَي مَا يَشْمَلُهُمَا بِالْمَعْنَي الْأَعَمِّ فَيَصِحُّ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْهَا.

وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ فَيُقْبَلُ مَعَ التَّعْبِيرِ بِالضَّمَانِ، دُونَ الْحَوَالَةِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَ لَوْ اشْتَرَطْنَا فِي الْحَوَالَةِ اشْتِغَالَ ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِمِثْلِ الْحَقِّ تَعَارَضَ أَصْلُ الصِّحَّةِ وَ الْبَرَاءَةِ فَيَتَسَاقَطَانِ وَ يَبْقَي مَعَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَدَاءُ دَيْنِ الْمُحِيلِ بِإِذْنِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَ لَا يَمْنَعُ وُقُوعُ الْإِذْنِ فِي ضِمْنِ الْحَوَالَةِ الْبَاطِلَةِ الْمُقْتَضِي بُطْلَانُهَا لِبُطْلَانِ تَابِعِهَا؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَي الْإِذْنِ وَ إِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي أَمْرٍ آخَرَ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ يَبْقَي مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِذْنِ فِي الْوَفَاءِ الْمُقْتَضِي لِلرُّجُوعِ وَ يُحْتَمَلُ عَدَمُ الرُّجُوعِ تَرْجِيحًا لِلصِّحَّةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِشَغْلِ الذِّمَّةِ.

20 كتاب الكفالة

(20) كتاب الكفالة

كِتَابُ الْكَفَالَةِ

(وَ هِيَ التَّعَهُّدُ بِالنَّفْسِ) أَيْ الْتِزَامُ إحْضَارِ الْمَكْفُولِ مَتَي طَلَبَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ وَ شَرْطُهَا رِضَا الْكَفِيلِ وَ الْمَكْفُولِ لَهُ، دُونَ الْمَكْفُولِ؛ لِوُجُوبِ الْحُضُورِ عَلَيْهِ مَتَي طَلَبَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَ لَوْ بِالدَّعْوَي، بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ وَ الْكَفِيلُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ حَيْثُ يَأْمُرُهُ بِهِ.

وَيَفْتَقِرُ إلَي إيجَابٍ وَ قَبُولٍ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ صَادِرَيْنِ عَلَي الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ

فِي الْعَقْدِ اللَّازِمِ.

(وَتَصِحُّ حَالَّةً وَ مُؤَجَّلَةً)

أَمَّا الثَّانِي فَمَوْضِعُ وِفَاقٍ وَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ، لِأَنَّ الْحُضُورَ حَقٌّ شَرْعِيٌّ لَا يُنَافِيهِ الْحُلُولُ.

وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ إلَّا مُؤَجَّلَةً (إلَي أَجَلٍ مَعْلُومٍ) لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَ النُّقْصَانَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْآجَالِ الْمُشْتَرَطَةِ. (وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِهِ) تَسْلِيمًا (تَامًّا) بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ تَسَلُّمِهِ كَمُتَغَلِّبٍ، أَوْ حَبْسِ ظَالِمٍ وَ كَوْنِهِ فِي مَكَان لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ، لِقُوَّةِ الْمَكْفُولِ، وَضَعْفِ الْمَكْفُولِ لَهُ وَ فِي الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ إنْ بَيَّنَّاهُ فِي الْعَقْدِ وَ بَلَدِ الْعَقْدِ مَعَ الْإِطْلَاقِ، (وَعِنْدَ الْأَجَلِ) أَيْ بَعْدَهُ إنْ كَانَتْ مُؤَجَّلَةً، (أَوْ فِي الْحُلُولِ) مَتَي شَاءَ إنْ كَانَتْ حَالَّةً وَ نَحْوُ ذَلِكَ، فَإِذَا سَلَّمَهُ كَذَلِكَ بَرِئَ، فَإِنْ امْتَنَعَ سَلَّمَهُ إلَي الْحَاكِمِ وَ بَرِئَ أَيْضًا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَشْهَدَ عَدْلَيْنِ بِإِحْضَارِهِ إلَي الْمَكْفُولِ لَهُ وَ امْتِنَاعِهِ مِنْ قَبْضِهِ وَ كَذَا يَبْرَأُ بِتَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ نَفْسِهِ تَامًّا وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْكَفِيلِ عَلَي الْأَقْوَي وَ بِتَسْلِيمِ غَيْرِهِ لَهُ كَذَلِكَ.

(وَ لَوْ امْتَنَعَ) الْكَفِيلُ مِنْ تَسْلِيمِهِ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ بِهِ فَإِنْ أَبَي (فَلِلْمُسْتَحِقِّ) طَلَبُ (حَبْسِهِ) مِنْ الْحَاكِمِ (حَتَّي يُحْضِرَهُ، أَوْ يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ) إنْ أَمْكَنَ أَدَاؤُهُ عَنْهُ كَالدَّيْنِ، فَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ كَالْقِصَاصِ وَ الزَّوْجِيَّةِ وَ الدَّعْوَي بِعُقُوبَةٍ تُوجِبُ حَدًّا أَوْ تَعْزِيرًا، أُلْزِمَ بِإِحْضَارِهِ حَتْمًا مَعَ الْإِمْكَانِ وَ لَهُ عُقُوبَتُهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي كُلِّ مُمْتَنِعٍ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِحْضَارُ و كان لَهُ بَدَلٌ كَالدِّيَةِ فِي الْقَتْلِ وَ إِنْ كَانَ عَمْدًا وَ مَهْرِ مِثْلِ الزَّوْجَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْبَدَلُ.

وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ إلْزَامُهُ بِإِحْضَارِهِ إذَا طَلَبَهُ الْمُسْتَحِقُّ مُطْلَقًا؛ لِعَدَمِ انْحِصَارِ الْأَغْرَاضِ فِي أَدَاءِ الْحَقِّ.

وَهُوَ قَوِيٌّ.

ثُمَّ عَلَي تَقْدِيرِ كَوْنِ الْحَقِّ مَالًا وَ أَدَّاهُ الْكَفِيلُ فَإِنْ كَانَ قَدْ أَدَّي بِإِذْنِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَ كَذَا

إنْ أَدَّي بِغَيْرِ إذْنِهِ مَعَ كَفَالَتِهِ بِإِذْنِهِ وَ تَعَذُّرِ إحْضَارِهِ وَ إِلَّا فَلَا رُجُوعَ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَفَالَةِ وَ الضَّمَانِ فِي رُجُوعِ مَنْ أَدَّي بِالْإِذْنِ هُنَا وَ إِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ، بِخِلَافِ الضَّمَانِ: أَنَّ الْكَفَالَةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالْمَالِ بِالذَّاتِ وَ حُكْمُ الْكَفِيلِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ حُكْمُ الْأَجْنَبِيِّ فَإِذَا أَدَّاهُ بِإِذْنِ الْمَدْيُونِ فَلَهُ الرُّجُوعُ، بِخِلَافِ الضَّامِنِ، لِانْتِقَالِ الْمَالِ إلَي ذِمَّتِهِ بِالضَّمَانِ، فَلَا يَنْفَعُهُ بَعْدَهُ الْإِذْنُ فِي الْأَدَاءِ، لِأَنَّهُ كَإِذْنِ الْبَرِيءِ لِلْمَدْيُونِ فِي أَدَاءِ دَيْنِهِ.

وَأَمَّا إذْنُهُ فِي الْكَفَالَةِ إذَا تَعَذَّرَ إحْضَارُهُ وَ اسْتِئْذَانُهُ فِي الْأَدَاءِ فَذَلِكَ مِنْ لَوَازِمِ الْكَفَالَةِ وَ الْإِذْنُ فِيهَا إذْنٌ فِي لَوَازِمِهَا.

(وَلَوْ عَلَّقَ الْكَفَالَةَ)

بِشَرْطٍ مُتَوَقَّعٍ، أَوْ صِفَةٍ مُتَرَقَّبَةٍ (بَطَلَتْ) الْكَفَالَةُ، (وَ كَذَا الضَّمَانُ وَ الْحَوَالَةُ) كَغَيْرِهَا مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ (نَعَمْ لَوْ قال:

إنْ لَمْ أُحْضِرْهُ إلَي كَذَا كَانَ عَلَيَّ كَذَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ أَبَدًا وَ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ الْمَشْرُوطُ وَ لَوْ قال:

عَلَيَّ كَذَا إنْ لَمْ أُحْضِرْهُ لَزِمَهُ مَا شَرَطَهُ مِنْ الْمَالِ إنْ لَمْ يُحْضِرْهُ) عَلَي الْمَشْهُورِ.

وَمُسْتَنَدُ الْحُكْمَيْنِ رِوَايَةُ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ التَّرْكِيبُ الْعَرَبِيُّ نَظَرٌ و لكن الْمُصَنِّفَ وَ الْجَمَاعَةَ عَمِلُوا بِمَضْمُونِ الرِّوَايَةِ جَامِدِينَ عَلَي النَّصِّ مَعَ ضَعْفِ سَنَدِهِ.

وَرُبَّمَا تَكَلَّفَ مُتَكَلِّفٌ لِلْفَرْقِ بِمَا لَا يُسْمِنُ وَ لَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ وَ إِنْ أَرَدْت الْوُقُوفَ عَلَي تَحْقِيقِ الْحَالِ فَرَاجِعْ مَا حَرَّرْنَاهُ فِي ذَلِكَ بِشَرْحِ الشَّرَائِعِ وَ غَيْرِهِ.

(وَتَحْصُلُ الْكَفَالَةُ)

أَيْ حُكْمُ الْكَفَالَةِ (بِإِطْلَاقِ الْغَرِيمِ مَنْ الْمُسْتَحِقِّ قَهْرًا) فَيَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ، أَوْ أَدَاءُ مَا عَلَيْهِ إنْ أَمْكَنَ وَ عَلَي مَا اخْتَرْنَاهُ مَعَ تَعَذُّرِ إحْضَارِهِ لَكِنْ هُنَا حَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْهُ نَعَمْ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالْحَقِّ وَ أَثْبَتَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَلْزَمَهُ بِهِ كَمَا مَرَّ وَ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَي الْمَكْفُولِ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَ زَعْمِهِ

بِأَنَّهُ مَظْلُومٌ.

(وَ كَذَا لَوْ قَالَ) الْكَفِيلُ لِلْمَكْفُولِ لَهُ: (أَبْرَأْتَهُ) مِنْ الْحَقِّ، أَوْ أَوْفَاكَهُ، لِأَصَالَةِ بَقَائِهِ.

ثُمَّ إنْ حَلَفَ الْمَكْفُولُ لَهُ عَلَي بَقَاءِ الْحَقِّ بَرِئَ مِنْ دَعْوَي الْكَفِيلِ وَ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ، فَإِنْ جَاءَ بِالْمَكْفُولِ فَادَّعَي الْبَرَاءَةَ أَيْضًا لَمْ يُكْتَفَ بِالْيَمِينِ الَّتِي حَلَفَهَا لِلْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ لِإِثْبَاتِ الْكَفَالَةِ وَ هَذِهِ دَعْوَي أُخْرَي وَ إِنْ لَزِمَتْ تِلْكَ بِالْعَرْضِ، (فَلَوْ لَمْ يَحْلِفْ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَي الْكَفِيلِ فَحَلَفَ (بَرِئَ مِنْ الْكَفَالَةِ وَ الْمَالُ بِحَالِهِ) لَا يَبْرَأُ الْمَكْفُولُ مِنْهُ، لِاخْتِلَافِ الدَّعْوَيَيْنِ كَمَا مَرَّ؛ وَ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِيَمِينِ غَيْرِهِ.

عَلَي الْجُمْلَةِ لَكِنْ يُطْلَقَانِ عَلَي أَنْفُسِهِمَا إطْلَاقًا شَائِعًا مُتَعَارَفًا إنْ لَمْ يَكُنْ أَشْهَرَ مِنْ إطْلَاقِهِمَا عَلَي الْجُمْلَةِ.

وَحَمْلُ اللَّفْظِ الْمُحْتَمِلِ لِلْمَعْنَيَيْنِ عَلَي الْوَجْهِ الْمُصَحَّحِ مَعَ الشَّكِّ فِي حُصُولِهِ وَ أَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ مُقْتَضَي الْعَقْدِ غَيْرُ جَيِّدٍ.

نَعَمْ لَوْ صَرَّحَ بِإِرَادَةِ الْجُمْلَةِ غَيْرُ كَافٍ فِي إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَ يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْبَدَنِ وَ الْمَنْعُ فِي الْجَمِيعِ أَوْجَهُ، أَوْ إلْحَاقُ الرَّأْسِ وَ الْوَجْهِ مَعَ قَصْدِ الْجُمْلَةِ بِهِمَا.

(دُونَ الْيَدِ وَ الرِّجْلِ) وَ إِنْ قَصَدَهَا بِهِمَا مَجَازًا؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ شَرْعًا كَفَالَةُ الْمَجْمُوعِ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ الصَّحِيحِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَ التَّعْلِيلُ بِعَدَمِ إمْكَانِ إحْضَارِ الْجُزْءِ الْمَكْفُولِ بِدُونِ الْجُمْلَةِ فَكَانَ فِي قُوَّةِ كَفَالَةِ الْجُمْلَةِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ لَمَّا كَانَ كَفَالَةَ الْمَجْمُوعِ لَمْ يَكُنْ الْبَعْضُ كَافِيًا فِي صِحَّتِهِ وَ إِنْ تَوَقَّفَ إحْضَارُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِي مُجَرَّدِ الْإِحْضَارِ، بَلْ عَلَي وَجْهِ الْكَفَالَةِ الصَّحِيحَةِ وَ هُوَ مُنْتَفٍ.

(وَ لَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ) قَبْلَ إحْضَارِهِ (بَطَلَتْ) الْكَفَالَةُ، (لِفَوَاتِ مُتَعَلِّقِهَا) وَ هُوَ النَّفْسُ وَ فَوَاتُ الْغَرَضِ لَوْ أُرِيدَ الْبَدَنُ.

وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْبِيرِ بِكَفَلْت فُلَانًا وَ كَفَلْت بَدَنَهُ، فَيَجِبُ إحْضَارُهُ مَعَ طَلَبِهِ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، بِنَاءً عَلَي مَا اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ

مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَيْسَ هُوَ الْهَيْكَلَ الْمَحْسُوسَ.

وَيُضَعَّفُ بِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مُنَزَّلٌ عَلَي الْمُتَعَارَفِ، لَا عَلَي الْمُحَقَّقِ عِنْدَ الْأَقَلِّ فَلَا يَجِبُ عَلَي التَّقْدِيرَيْنِ، (إلَّا فِي الشَّهَادَةِ عَلَي عَيْنِهِ) لِيَحْكُمَ عَلَيْهِ (بِإِتْلَافِهِ، أَوْ الْمُعَامَلَةِ) لَهُ إذَا كَانَ قَدْ شَهِدَ عَلَيْهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ نَسَبَهُ، بَلْ شَهِدَ عَلَي صُورَتِهِ فَيَجِبُ إحْضَارُهُ مَيِّتًا حَيْثُ يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ.

وَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ كَوْنِهِ قَدْ دُفِنَ وَ عَدَمُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَثْنًي مِنْ تَحْرِيمِ نَبْشِهِ.

21 كتاب الصلح

(21) كتاب الصلح

كِتَابُ الصُّلْحِ

(وَ هُوَ جَائِزٌ مَعَ الْإِقْرَارِ وَ الْإِنْكَارِ) عِنْدَنَا مَعَ سَبْقِ نِزَاعٍ وَ لَا مَعَهُ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي مُحِقًّا اسْتَبَاحَ مَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمُنْكِرُ صُلْحًا وَ إِلَّا فَهُوَ حَرَامٌ بَاطِنًا، عَيْنًا كَانَ أَمْ دَيْنًا، حَتَّي لَوْ صَالَحَ عَنْ الْعَيْنِ بِمَالٍ فَهِيَ بِأَجْمَعِهَا حَرَامٌ وَ لَا يُسْتَثْنَي لَهُ مِنْهَا مِقْدَارُ مَا دَفَعَ مِنْ الْعِوَضِ؛ لِفَسَادِ الْمُعَاوَضَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

نَعَمْ لَوْ اسْتَنَدَتْ الدَّعْوَي إلَي قَرِينَةٍ كَمَا لَوْ وُجِدَ بِخَطِّ مُورَثِهِ أَنَّ لَهُ حَقًّا عَلَي أَحَدٍ فَأَنْكَرَ وَ صَالَحَهُ عَلَي إسْقَاطِهَا بِمَالٍ فَالْمُتَّجَهُ صِحَّةُ الصُّلْحِ.

وَمِثْلُهُ مَا لَوْ تَوَجَّهَتْ الدَّعْوَي بِالتُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقٌّ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَي إسْقَاطِهَا.

(إلَّا مَا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا) كَذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ فَسَّرَ تَحْلِيلَ الْحَرَامِ بِالصُّلْحِ عَلَي اسْتِرْقَاقِ حُرٍّ، أَوْ اسْتِبَاحَةِ بُضْعٍ لَا سَبَبَ لِاسْتِبَاحَتِهِ غَيْرُهُ، أَوْ لِيَشْرَبَ الْخَمْرَ وَ نَحْوَهُ وَ تَحْرِيمُ الْحَلَالِ بِأَنْ لَا يَطَأَ أَحَدُهُمَا حَلِيلَتَهُ، أَوْ لَا يَنْتَفِعَ بِمَالِهِ وَ نَحْوِهِ وَ الصُّلْحُ عَلَي مِثْلِ هَذِهِ بَاطِلٌ ظَاهِرًا وَ بَاطِنًا.

وَفُسِّرَ بِصُلْحِ الْمُنْكِرِ عَلَي بَعْضِ الْمُدَّعَي، أَوْ مَنْفَعَتِهِ، أَوْ بَدَلِهِ مَعَ كَوْنِ أَحَدِهِمَا عَالِمًا بِبُطْلَانِ الدَّعْوَي، لَكِنَّهُ هُنَا صَحِيحٌ ظَاهِرًا وَ إِنْ فَسَدَ

بَاطِنًا وَ هُوَ صَالِحٌ لِلْأَمْرَيْنِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ مُحَلِّلٌ لِلْحَرَامِ بِالنِّسْبَةِ إلَي الْكَاذِبِ وَ مُحَرِّمٌ لِلْحَلَالِ بِالنِّسْبَةِ إلَي الْمُحِقِّ. وَ حَيْثُ كَانَ عَقْدًا جَائِزًا فِي الْجُمْلَةِ (فَيَلْزَمُ بِالْإِيجَابِ وَ الْقَبُولِ الصَّادِرَيْنِ مِنْ الْكَامِلِ) بِالْبُلُوغِ وَ الرُّشْدِ (الْجَائِزِ التَّصَرُّفِ) بِرَفْعِ الْحَجْرِ وَ تَصِحُّ وَ ظِيفَةُ كُلٍّ مَنْ الْإِيجَابِ وَ الْقَبُولِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِلَفْظِ صَالَحْت وَ قَبِلْت وَ تَفْرِيعُ اللُّزُومِ عَلَي مَا تَقَدَّمَ غَيْرُ حَسَنٍ، لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْهُ وَ لَوْ عَطَفَهُ بِالْوَاوِ كَانَ أَوْضَحَ وَ يُمْكِنُ الْتِفَاتُهُ إلَي أَنَّهُ عَقْدٌ وَ الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ، إلَّا مَا أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ، لِلْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِهَا فِي الْآيَةِ الْمُقْتَضِي لَهُ.

(وَ هُوَ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ) عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَ أَشْهَرِهِمَا، لِأَصَالَةِ عَدَمِ الْفَرْعِيَّةِ، لَا فَرْعُ الْبَيْعِ وَ الْهِبَةِ وَ الْإِجَارَةِ وَ الْعَارِيَّةِ وَ الْإِبْرَاءِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّيْخُ فَجَعَلَهُ فَرْعَ الْبَيْعِ إذَا أَفَادَ نَقْلَ الْعَيْنِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ وَ فَرْعَ الْإِجَارَةِ إذَا وَقَعَ عَلَي مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ وَ فَرْعَ الْعَارِيَّةِ إذَا تَضَمَّنَ إبَاحَةَ مَنْفَعَةٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَ فَرْعَ الْهِبَةِ إذَا تَضَمَّنَ مِلْكَ الْعَيْنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَ فَرْعَ الْإِبْرَاءِ إذَا تَضَمَّنَ إسْقَاطَ دَيْنٍ اسْتِنَادًا إلَي إفَادَتِهِ فَائِدَتَهَا حَيْثُ يَقَعُ عَلَي ذَلِكَ الْوَجْهِ فَيَلْحَقُهُ حُكْمُ مَا أُلْحِقَ بِهِ.

وَفِيهِ أَنَّ إفَادَةَ عَقْدٍ فَائِدَةَ آخَرَ لَا تَقْتَضِي الِاتِّحَادَ، كَمَا لَا تَقْتَضِي الْهِبَةُ بِعِوَضٍ مُعَيَّنٍ فَائِدَةَ الْبَيْعِ.

(وَ لَا يَكُونُ طَلَبُهُ إقْرَارًا) لِصِحَّتِهِ مَعَ الْإِقْرَارِ وَ الْإِنْكَارِ وَ نَبَّهَ بِهِ عَلَي خِلَافِ بَعْضِ الْعَامَّةِ الذَّاهِبِ إلَي عَدَمِ صِحَّتِهِ مَعَ الْإِنْكَارِ حَيْثُ فَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّ طَلَبَهُ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهُ يَنْصَرِفُ إلَي الصَّحِيحِ وَ إِنَّمَا يَصِحُّ مَعَ الْإِقْرَارِ فَيَكُونُ مُسْتَلْزِمًا لَهُ. (وَ لَوْ اصْطَلَحَ الشَّرِيكَانِ عَلَي أَخْذِ أَحَدِهِمَا رَأْسَ الْمَالِ وَ الْبَاقِي لِلْآخَرِ رَبِحَ أَوْ خَسِرَ صَحَّ عِنْدَ انْقِضَاءِ الشَّرِكَةِ)

وَ إِرَادَةِ فَسْخِهَا لِتَكُونَ الزِّيَادَةُ مَعَ مَنْ هِيَ مَعَهُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ وَ الْخُسْرَانُ عَلَي مَنْ هُوَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرَاءِ.

(وَ لَوْ شَرَطَا بَقَاءَهُمَا عَلَي ذَلِكَ) بِحَيْثُ يَكُونُ مَا يَتَجَدَّدُ مِنْ الرِّبْحِ وَ الْخُسْرَانِ لِأَحَدِهِمَا، دُونَ الْآخَرِ (فَفِيهِ نَظَرٌ) مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِوَضْعِ الشَّرِكَةِ حَيْثُ إنَّهَا تَقْتَضِي كَوْنَهُمَا عَلَي حَسَبِ رَأْسِ الْمَالِ وَ مِنْ إطْلَاقِ الرِّوَايَةِ بِجَوَازِهِ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِإِرَادَةِ الْقِسْمَةِ صَرِيحًا فَيَجُوزُ مَعَ ظُهُورِهِ، أَوْ ظُهُورِ الْخَسَارَةِ مُطْلَقًا.

وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ فِي جَوَازِ الشَّرْطِ مُطْلَقًا وَ إِنْ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الشَّرِكَةِ، كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّيْخُ وَ جَمَاعَةٌ زَاعِمِينَ أَنَّ إطْلَاقَ الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَ لِعُمُومِ { الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ }.

وَالْأَقْوَي الْمَنْعُ.

وَهُوَ مُخْتَارُهُ فِي الدُّرُوسِ.

(وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَي كُلٍّ مِنْ الْعَيْنِ وَ الْمَنْفَعَةِ بِمِثْلِهِ وَ جِنْسِهِ وَ مُخَالِفِهِ)

لِأَنَّهُ بِإِفَادَتِهِ فَائِدَةَ الْبَيْعِ صَحَّ عَلَي الْعَيْنِ وَ بِإِفَادَتِهِ فَائِدَةَ الْإِجَارَةِ صَحَّ عَلَي الْمَنْفَعَةِ وَ الْحُكْمُ فِي الْمُمَاثِلِ وَ الْمُجَانِسِ وَ الْمُخَالِفِ فَرْعُ ذَلِكَ وَ الْأَصْلُ وَ الْعُمُومُ يَقْتَضِيَانِ صِحَّةَ الْجَمِيعِ، بَلْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهَا كَالصُّلْحِ عَلَي حَقِّ الشُّفْعَةِ وَ الْخِيَارِ وَ أَوْلَوِيَّةِ التَّحْجِيرِ وَ السُّوقِ وَ الْمَسْجِدِ بِعَيْنٍ وَ مَنْفَعَةٍ وَ حَقٍّ آخَرَ، لِلْعُمُومِ.

(وَ لَوْ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُ الْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ) مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ (بَطَلَ الصُّلْحُ) كَالْبَيْعِ وَ لَوْ كَانَ مُطْلَقًا رَجَعَ بِبَدَلِهِ وَ لَوْ ظَهَرَ فِي الْمُعَيَّنِ عَيْبٌ فَلَهُ الْفَسْخُ.

وَفِي تَخْيِيرِهِ بَيْنَهُ و بين الْأَرْشِ وَجْهٌ قَوِيٌّ وَ لَوْ ظَهَرَ غَبْنٌ لَا يُتَسَامَحُ بِمِثْلِهِ فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ كَالْبَيْعِ وَجْهٌ قَوِيٌّ؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْمَنْفِيِّ الَّذِي يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ.

(وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الصُّلْحِ عَلَي النَّقْدَيْنِ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ)

؛ لِاخْتِصَاصِ الصَّرْفِ بِالْبَيْعِ وَ أَصَالَةِ الصُّلْحِ وَ يَجِيءُ عَلَي قَوْلِ الشَّيْخِ اعْتِبَارُهُ.

وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الرِّبَا كَمَا لَوْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ

وَاحِدٍ فَإِنَّ الْأَقْوَي ثُبُوتُهُ فِيهِ، بَلْ فِي كُلِّ مُعَاوَضَةٍ، لِإِطْلَاقِ التَّحْرِيمِ فِي الْآيَةِ وَ الْخَبَرِ. (وَ لَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ ثَوْبًا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ فَصَالَحَ عَلَي أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ فَالْمَشْهُورُ الصِّحَّةُ)؛ لِأَنَّ مَوْرِدَ الصُّلْحِ الثَّوْبُ، لَا الدِّرْهَمَانِ.

وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَي الْقَوْلِ بِضَمَانِ الْقِيَمِيِّ بِمِثْلِهِ، لِيَكُونَ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ ثَوْبًا فَيَكُونَ هُوَ مُتَعَلِّقَ الصُّلْحِ، أَمَّا عَلَي الْقَوْلِ الْأَصَحِّ مِنْ ضَمَانِهِ بِقِيمَتِهِ فَاللَّازِمُ لِذِمَّتِهِ إنَّمَا هُوَ الدِّرْهَمَانِ فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَيْهِمَا بِزِيَادَةٍ عَنْهُمَا وَ لَا نُقْصَانٍ مَعَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ وَ لَوْ قُلْنَا بِاخْتِصَاصِ الرِّبَا بِالْبَيْعِ تَوَجَّهَ الْجَوَازُ أَيْضًا، لَكِنَّ الْمُجَوِّزَ لَا يَقُولُ بِهِ. (وَ لَوْ صَالَحَ مُنْكِرُ الدَّارِ عَلَي سُكْنَي الْمُدَّعِي سَنَةً فِيهَا صَحَّ) لِلْأَصْلِ وَ يَكُونُ هُنَا مُفِيدًا فَائِدَةَ الْعَارِيَّةِ، (وَ لَوْ أَقَرَّ بِهَا ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَي سُكْنَي الْمُقِرِّ صَحَّ) أَيْضًا، (وَ لَا رُجُوعَ) فِي الصُّورَتَيْنِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ وَ لَيْسَ فَرْعًا عَلَي غَيْرِهِ.

(وَ عَلَي الْقَوْلِ بِفَرْعِيَّةِ الْعَارِيَّةِ، لَهُ الرُّجُوعُ) فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَهُ الْمَنْفَعَةَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِيهِمَا.

وَالْعَيْنُ الْخَارِجَةُ مِنْ يَدِ الْمُقِرِّ لَيْسَتْ عِوَضًا عَنْ الْمَنْفَعَةِ الرَّاجِعَةِ إلَيْهِ؛ لِثُبُوتِهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالْإِقْرَارِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الصُّلْحُ فَلَا يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ عِوَضٌ فَيَكُونُ عَارِيَّةً يَلْزَمُهُ حُكْمُهَا مِنْ جَوَازِ الرُّجُوعِ فِيهِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهَا. (وَ لَمَّا كَانَ الصُّلْحُ مَشْرُوعًا لِقَطْعِ التَّجَاذُبِ وَ التَّنَازُعِ) بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ بِحَسَبِ أَصْلِهِ وَ إِنْ صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ أَصْلًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَي سَبْقِ خُصُومَةٍ (ذُكِرَ فِيهِ أَحْكَامٌ مِنْ التَّنَازُعِ) بِحَسَبِ مَا اعْتَادَهُ الْمُصَنِّفُونَ، (وَلْنُشِرْ) فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ (إلَي بَعْضِهَا فِي مَسَائِلَ):

الْأُولَي -

(لَوْ كَانَ بِيَدِهِمَا دِرْهَمَانِ فَادَّعَاهُمَا أَحَدُهُمَا وَ ادَّعَي الْآخَرُ أَحَدَهُمَا) خَاصَّةً (فَلِلثَّانِي نِصْفُ دِرْهَمٍ) لِاعْتِرَافِهِ بِاخْتِصَاصِ غَرِيمِهِ بِأَحَدِهِمَا وَ وُقُوعِ النِّزَاعِ فِي الْآخَرِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِيهِ يَدًا فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا

بَعْدَ حَلِفِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ عَلَي اسْتِحْقَاقِ النِّصْفِ وَ مَنْ نَكَلَ مِنْهُمَا قُضِيَ بِهِ لِلْآخَرِ وَ لَوْ نَكَلَا مَعًا، أَوْ حَلَفَا قُسِمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، (وَلِلْأَوَّلِ الْبَاقِي) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ: وَ يَشْكُلُ إذَا ادَّعَي الثَّانِي النِّصْفَ مُشَاعًا فَإِنَّهُ تَقْوَي الْقِسْمَةُ نِصْفَيْنِ وَ يَحْلِفُ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ وَ كَذَا فِي كُلِّ مُشَاعٍ وَ ذَكَرَ فِيهَا أَنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَذْكُرُوا هُنَا يَمِينًا وَ ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الصُّلْحِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ قَهْرِيًّا وَ جَازَ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا، فَإِنْ امْتَنَعَا فَالْيَمِينُ.

وَمَا حَكَيْنَاهُ نَحْنُ مِنْ الْيَمِينِ ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ فِي التَّذْكِرَةِ أَيْضًا فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ يُرِيدُ أَنَّ الْكَثِيرَ لَمْ يَذْكُرْهُ. (وَ كَذَا لَوْ أَوْدَعَهُ رَجُلٌ دِرْهَمَيْنِ وَ آخَرُ دِرْهَمًا وَ امْتَزَجَا لَا بِتَفْرِيطٍ وَ تَلِفَ أَحَدُهُمَا) فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ ذُو الدِّرْهَمَيْنِ بِوَاحِدٍ وَ يُقْسَمُ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا.

هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَ رَوَاهُ السَّكُونِيُّ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَيَشْكُلُ هُنَا مَعَ ضَعْفِ الْمُسْتَنَدِ بِأَنَّ التَّالِفَ لَا يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ لَهُمَا، بَلْ مِنْ أَحَدِهِمَا خَاصَّةً، لِامْتِنَاعِ الْإِشَاعَةِ هُنَا فَكَيْفَ يُقْسَمُ الدِّرْهَمُ بَيْنَهُمَا، مَعَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِأَحَدِهِمَا قَطْعًا.

وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ وَ تَشْهَدُ لَهُ الْأُصُولُ الشَّرْعِيَّةُ: الْقَوْلُ بِالْقُرْعَةِ فِي أَحَدِ الدِّرْهَمَيْنِ وَ مَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَجْسُرْ عَلَي مُخَالَفَةِ الْأَصْحَابِ وَ الْقَوْلُ فِي الْيَمِينِ كَمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ تَعَرُّضِ الْأَصْحَابِ لَهُ وَ رُبَّمَا امْتَنَعَ هُنَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ عَيْنَ حَقِّهِ.

وَاحْتَرَزَ بِالتَّلَفِ لَا عَنْ تَفْرِيطٍ عَمَّا لَوْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ يَضْمَنُ التَّالِفَ فَيُضَمُّ إلَيْهِمَا وَ يَقْتَسِمَانِهِمَا مِنْ غَيْرِ كَسْرٍ وَ قَدْ يَقَعُ مَعَ ذَلِكَ التَّعَاسُرُ عَلَي الْعَيْنِ فَيَتَّجِهُ الْقُرْعَةُ وَ لَوْ كَانَ بَدَلُ الدَّرَاهِمِ مَالًا يَمْتَزِجُ أَجْزَاؤُهُ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ وَ هُوَ مُتَسَاوِيهَا كَالْحِنْطَةِ وَ الشَّعِيرِ و كان لِأَحَدِهِمَا قَفِيزَانِ مَثَلًا وَ لِلْآخَرِ قَفِيزٌ

وَ تَلِفَ قَفِيزٌ بَعْدَ امْتِزَاجِهِمَا بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَالتَّالِفُ عَلَي نِسْبَةِ الْمَالَيْنِ وَ كَذَا الْبَاقِي فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْقَفِيزَيْنِ قَفِيزٌ وَ ثُلُثُ وَ لِلْآخَرِ ثُلُثَا قَفِيزٍ.

وَالْفَرْقُ أَنَّ الذَّاهِبَ هُنَا عَلَيْهِمَا مَعًا، بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِأَحَدِهِمَا قَطْعًا.

الثَّانِيَةُ -

(يَجُوزُ جَعْلُ السَّقْيِ بِالْمَاءِ عِوَضًا لِلصُّلْحِ) بِأَنْ يَكُونَ مَوْرِدُهُ أَمْرًا آخَرَ مِنْ عَيْنٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ، (وَ) كَذَا يَجُوزُ كَوْنُهُ (مَوْرِدًا لَهُ) وَ عِوَضُهُ أَمْرًا آخَرَ كَذَلِكَ وَ كَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عِوَضًا وَ الْآخَرُ مَوْرِدًا كُلُّ ذَلِكَ مَعَ ضَبْطِهِ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَ لَوْ تَعَلَّقَ بِسَقْيِ شَيْءٍ مَضْبُوطٍ دَائِمًا، أَوْ بِالسَّقْيِ بِالْمَاءِ أَجْمَعَ دَائِمًا وَ إِنْ جَهِلَ الْمُسْقَي لَمْ يَبْعُدْ الصِّحَّةَ وَ خَالَفَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَمِيعِ مُحْتَجًّا بِجَهَالَةِ الْمَاءِ، مَعَ أَنَّهُ جَوَّزَ بَيْعَ مَاءِ الْعَيْنِ وَ الْبِئْرِ وَ بَيْعَ جُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهُ وَ جَعَلَهُ عِوَضًا لِلصُّلْحِ وَ يُمْكِنُ تَخْصِيصُهُ الْمَنْعَ هُنَا بِغَيْرِ الْمَضْبُوطِ كَمَا اتَّفَقَ مُطْلَقًا فِي عِبَارَةٍ كَثِيرٍ. (وَ كَذَا) يَصِحُّ الصُّلْحُ (عَلَي إجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَي سَطْحِهِ، أَوْ سَاحَتِهِ) جَاعِلًا لَهُ عِوَضًا وَ مَوْرِدًا (بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي يَجْرِي مِنْهُ الْمَاءُ) بِأَنْ يُقَدِّرَ مَجْرَاهُ طُولًا وَ عَرْضًا، لِتَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ عَنْ الْمَحَلِّ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ وَ لَا يُعْتَبَر تَعْيِينُ الْعُمْقِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ قَرَارَهُ مُطْلَقًا، لَكِنْ يَنْبَغِي مُشَاهَدَةُ الْمَاءِ، أَوْ وَصْفُهُ، لِاخْتِلَافِ الْحَالِ بِقِلَّتِهِ وَ كَثْرَتِهِ وَ لَوْ كَانَ مَاءَ مَطَرٍ اخْتَلَفَ أَيْضًا بِكِبَرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ وَ صِغَرِهِ فَمَعْرِفَتُهُ تَحْصُلُ بِمَعْرِفَةِ مَحَلِّهِ وَ لَوْ سَقَطَ السَّطْحُ بَعْدَ الصُّلْحِ أَوْ احْتَاجَتْ السَّاقِيَةُ إلَي إصْلَاحٍ فَعَلَي مَالِكِهِمَا، لِتَوَقُّفِ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَ لَيْسَ عَلَي الْمُصَالَحِ مُسَاعَدَتُهُ.

الثَّالِثَةُ -

(لَوْ تَنَازَعَ صَاحِبُ السُّفْلِ وَ الْعُلْوِ فِي جِدَارِ الْبَيْتِ حَلَفَ صَاحِبُ السُّفْلِ)، لِأَنَّ جُدْرَانَ الْبَيْتِ كَالْجُزْءِ مِنْهُ فَيُحْكَمُ بِهَا لِصَاحِبِ الْجُمْلَةِ وَ قِيلَ: تَكُونُ

بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُمَا إلَيْهِ وَاحِدَةٌ وَ الْأَشْهَرُ الْأَوَّلُ، (وَ) لَوْ تَنَازَعَا (فِي جُدْرَانِ الْغُرْفَةِ يَحْلِفُ صَاحِبُهَا) لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْجُزْئِيَّةِ وَ لَا إشْكَالَ هُنَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَيْتِ لَا تَعَلُّقُ لَهُ بِهِ إلَّا كَوْنُهُ مَوْضُوعًا عَلَي مِلْكِهِ وَ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْمِلْكِيَّةَ، مَعَ مُعَارَضَةِ الْيَدِ، (وَ كَذَا) يُقَدَّمُ قَوْلُ صَاحِبِ الْغُرْفَةِ لَوْ تَنَازَعَا (فِي سَقْفِهَا) الَّذِي هُوَ فَوْقَهَا، لِاخْتِصَاصِ صَاحِبِهَا بِالِانْتِفَاعِ بِهِ كَالْجِدَارِ وَ أَوْلَي.

(وَ لَوْ تَنَازَعَا فِي سَقْفِ الْبَيْتِ) الْمُتَوَسِّطِ بَيْنَهُمَا الْحَامِلِ لِلْغُرْفَةِ (أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا)؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَ الْقُرْعَةُ لِكُلِّ أَمْرٍ مُشْتَبَهٍ.

وَيَشْكُلُ بِأَنَّ مَوْرِدَ الْقُرْعَةِ الْمَحَلُّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ اشْتِرَاكَهُ بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ بَلْ هُوَ حَقٌّ لِأَحَدِهِمَا مُشْتَبِهٌ وَ هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ كَوْنُهُ لِأَحَدِهِمَا يَجُوزُ كَوْنُهُ لَهُمَا مَعًا؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيهِ، لِأَنَّهُ سَقْفٌ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ وَ أَرْضٌ لِصَاحِبِ الْغُرْفَةِ فَكَانَ كَالْجُزْءِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا.

وَفِي الدُّرُوسِ قَوَّي اشْتِرَاكَهُمَا فِيهِ مَعَ حَلِفِهِمَا، أَوْ نُكُولِهِمَا وَ إِلَّا اخْتَصَّ بِالْحَالِفِ لِمَا ذَكَرَ مِنْ الْوَجْهِ.

وَقِيلَ يُقْضَي بِهِ لِصَاحِبِ الْغُرْفَةِ، لِأَنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ، لِكَوْنِهِ أَرْضَهَا وَ الْبَيْتُ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ السَّقْفِ وَ هُمَا مُتَصَادِقَانِ عَلَي أَنَّ هُنَا غُرْفَةً فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهَا وَ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهِ أَغْلَبُ مِنْ تَصَرُّفِ الْآخَرِ.

وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ.

وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ فِي السَّقْفِ الَّذِي يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بَعْدَ بِنَاءِ الْبَيْتِ أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ كَالْأَزَجِ الَّذِي لَا يُعْقَلُ إحْدَاثُهُ بَعْدَ بِنَاءِ الْجِدَارِ الْأَسْفَلِ، لِاحْتِيَاجِهِ إلَي إخْرَاجِ بَعْضِ الْأَجْزَاءِ عَنْ سَمْتِ وَجْهِ الْجِدَارِ قَبْلَ انْتِهَائِهِ لِيَكُونَ حَامِلًا لِلْعَقْدِ فَيَحْصُلُ بِهِ التَّرْصِيفُ بَيْنَ السَّقْفِ وَ الْجُدْرَانِ فَهُوَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ بِيَمِينِهِ، لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَي جُزْئِيَّتِهِ مِنْهُ.

الرَّابِعَةُ -

(إذَا تَنَازَعَ صَاحِبُ غُرَفِ الْخَانِ وَ صَاحِبُ بُيُوتِهِ فِي الْمَسْلَكِ).

وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَجْمُوعُ الصَّحْنِ بِدَلِيلِ قوله:

(حَلَفَ صَاحِبُ الْغُرَفِ فِي قَدْرِ مَا يَسْلُكُهُ

وَ حَلَفَ الْآخَرُ عَلَي الزَّائِدِ)؛ لِأَنَّ النِّزَاعَ لَوْ وَقَعَ عَلَي مَسْلَكٍ فِي الْجُمْلَةِ، أَوْ مُعَيَّنٍ لَا يَزِيدُ عَنْ الْقَدْرِ لَمْ يَكُنْ عَلَي الْآخَرِ حَلِفٌ؛ لِعَدَمِ مُنَازَعَتِهِ لَهُ فِي الزَّائِدِ.

وَوَجْهُ الْحُكْمِ لِلْأَعْلَي بِقَدْرِ الْمَسْلَكِ كَوْنُهُ مِنْ ضَرُورَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْغُرَفِ وَ لَهُ عَلَيْهِ يَدٌ فِي جُمْلَةِ الصَّحْنِ.

وَأَمَّا الزَّائِدُ عَنْهُ فَاخْتِصَاصُ صَاحِبِ الْبُيُوتِ بِهِ أَقْوَي؛ لِأَنَّهُ دَارٌ لِبُيُوتِهِ فَيُقَدَّمُ قَوْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ اخْتِصَاصُهُ بِهِ.

وَفِي الدُّرُوسِ رَجَّحَ كَوْنَ الْمَسْلَكِ بَيْنَهُمَا وَ اخْتِصَاصَ الْأَسْفَلِ بِالْبَاقِي.

وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ السُّفْلِ يُشَارِكُهُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ وَ يَنْفَرِدُ بِالْبَاقِي فَيَكُونُ قَدْرُ الْمَسْلَكِ بَيْنَهُمَا وَ احْتُمِلَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْعَرْصَةِ أَجْمَعَ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَعْلَي لَا يُكَلَّفُ الْمُرُورَ عَلَي خَطٍّ مُسْتَوٍ وَ لَا يُمْنَعُ مِنْ وَضْعٍ شَيْءٍ فِيهَا وَ لَا مِنْ الْجُلُوسِ قَلِيلًا فَلَهُ يَدٌ عَلَي الْجَمِيعِ فِي الْجُمْلَةِ كَالْأَسْفَلِ.

ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَرْقَي فِي صَدْرِ الصَّحْنِ تَشَارَكَا فِي الْمَمَرِّ إلَيْهِ، أَوْ اخْتَصَّ بِهِ الْأَعْلَي وَ إِنْ كَانَ الْمَرْقَي فِي دِهْلِيزِهِ خَارِجًا، لَمْ يُشَارِكْ الْأَسْفَلُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّحْنِ، إذْ لَا يَدَ لَهُ عَلَي شَيْءٍ مِنْهَا وَ لَوْ كَانَ الْمَرْقَي فِي ظَهْرِهِ اُخْتُصَّ صَاحِبُ السُّفْلِ بِالصَّحْنِ وَ الدِّهْلِيزِ أَجْمَعَ.

(وَ) لَوْ تَنَازَعَا (فِي الدَّرَجَةِ يَحْلِفُ الْعُلْوِيُّ)؛ لِاخْتِصَاصِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِالسُّلُوكِ وَ إِنْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً فِي أَرْضِ صَاحِبِ السُّفْلِ وَ كَمَا يُحْكَمُ بِهَا لِلْأَعْلَي يُحْكَمُ بِمَحَلِّهَا، (وَ فِي الْخِزَانَةِ تَحْتَهَا يُقْرَعُ) بَيْنَهُمَا؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيهَا بِكَوْنِهَا مُتَّصِلَةً بِمِلْكِ الْأَسْفَلِ، بَلْ مِنْ جُمْلَةِ بُيُوتِهِ وَ كَوْنُهَا هَوَاءً لِمِلْكِ الْأَعْلَي وَ هُوَ كَالْقَرَارِ فَيُقْرَعُ.

وَيَشْكُلُ بِمَا مَرَّ فِي السَّقْفِ وَ يُقَوَّي اسْتِوَاؤُهُمَا فِيهَا مَعَ حَلِفِ كُلٍّ لِصَاحِبِهِ وَ هُوَ اخْتِيَارُهُ فِي الدُّرُوسِ وَ لَا عِبْرَةَ بِوَضْعِ الْأَسْفَلِ آلَاتِهِ تَحْتَهَا.

وَيَشْكُلُ أَيْضًا الْحُكْمُ فِي الدَّرَجَةِ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْخِزَانَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُضِيَ بِالْخِزَانَةِ

لَهُمَا، أَوْ حُكِمَ بِهَا لِلْأَسْفَلِ بِوَجْهٍ تَكُونُ الدَّرَجَةُ كَالسَّقْفِ الْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ الْأَعْلَي وَ الْأَسْفَلِ، لِعَيْنِ مَا ذُكِرَ، خُصُوصًا مَعَ الْحُكْمِ بِهَا لِلْأَسْفَلِ وَحْدَهُ فَيَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَنْ يَجْرِيَ فِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ وَ مُرَجِّحَهُ وَ لَوْ قَضَيْنَا بِالسَّقْفِ لِلْأَعْلَي زَالَ الْإِشْكَالُ هُنَا وَ إِنَّمَا يَأْتِي عَلَي مَذْهَبِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَ فِي الدُّرُوسِ فَإِنَّهُ لَا يُجَامِعُ اخْتِصَاصَ الْعُلْوِيِّ بِهَا مُطْلَقًا.

الْخَامِسَةُ -

(لَوْ تَنَازَعَ رَاكِبُ الدَّابَّةِ وَ قَابِضُ لِجَامَهَا) فِيهَا (حَلَفَ الرَّاكِبُ) لِقُوَّةِ يَدِهِ وَ شِدَّةِ تَصَرُّفِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَي الْقَابِضِ.

وَقِيلَ: يَسْتَوِيَانِ فِي الدَّعْوَي، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْيَدِ وَ قُوَّتُهَا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّرْجِيحِ وَ لِهَذَا لَمْ تُؤَثِّرْ فِي ثَوْبٍ بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَ مَا مَعَ الرَّاكِبِ مِنْ زِيَادَةِ نَوْعِ التَّصَرُّفِ لَمْ يَثْبُتْ شَرْعًا كَوْنُهُ مُرَجِّحًا وَ تَعْرِيفُ الْمُدَّعِي وَ الْمُنْكِرِ مُنْطَبِقٌ عَلَيْهِمَا.

وَهُوَ قَوِيٌّ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ وَ أَمَّا اللِّجَامُ فَيُقْضَي بِهِ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَ السَّرْجُ لِرَاكِبِهِ (وَ لَوْ تَنَازَعَا ثَوْبًا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُهُ فَهُمَا سَوَاءٌ، لِاشْتِرَاكِهِمَا) فِي الْيَدِ وَ لَا تَرْجِيحَ لِقُوَّتِهَا وَ التَّصَرُّفُ هُنَا وَ إِنْ اخْتَلَفَ كَثْرَةً وَ قِلَّةً لَكِنَّهُ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ الرُّكُوبِ وَ قَبْضِ اللِّجَامِ.

نَعَمْ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُمْسِكًا لَهُ وَ الْآخَرُ لَابِسًا فَكَمَسْأَلَةِ الرَّاكِبِ وَ الْقَابِضِ، لِزِيَادَةِ تَصَرُّفِ اللَّابِسِ عَلَي الْيَدِ الْمُشْتَرَكَةِ.

(وَ كَذَا) لَوْ تَنَازَعَا (فِي الْعَبْدِ وَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ لِأَحَدِهِمَا) وَ يَدُهُمَا (عَلَيْهِ) فَلَا يُرَجَّحُ صَاحِبُ الثِّيَابِ كَمَا يُرَجَّحُ الرَّاكِبُ بِزِيَادَةِ ذَلِكَ عَلَي يَدِهِ إذْ لَا دَخْلَ لِلُّبْسِ فِي الْمِلْكِ، بِخِلَافِ الرُّكُوبِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَلْبَسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا، أَوْ بِقَوْلِهِ، أَوْ بِالْعَارِيَّةِ وَ لَا يَرِدُ مِثْلُهُ فِي الرُّكُوبِ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ ذُو يَدٍ بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْيَدَ لِلْمُدَّعِي، لَا لَهُ.

وَيَتَفَرَّع عَلَيْهِ مَا لَوْ كَانَ

لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ يَدٌ وَ لِلْآخَرِ ثِيَابٌ خَاصَّةٌ فَالْعِبْرَةُ بِصَاحِبِ الْيَدِ.

(وَيُرَجَّحُ صَاحِبُ الْحَمْلِ فِي دَعْوَي الْبَهِيمَةِ الْحَامِلَةِ) وَ إِنْ كَانَ لِلْآخَرِ عَلَيْهَا يَدٌ أَيْضًا بِقَبْضِ زِمَامٍ وَ نَحْوِهِ، لِدَلَالَةِ الْحَمْلِ عَلَي كَمَالِ اسْتِيلَاءِ مَالِكِهِ عَلَيْهَا فَيُرَجَّحُ.

وَفِي الدُّرُوسِ سَوَّي بَيْنَ الرَّاكِبِ وَ لَابِسِ الثَّوْبِ وَ ذِي الْحَمْلِ فِي الْحُكْمِ.

وَهُوَ حَسَنٌ، (وَ) كَذَا يُرَجَّحُ (صَاحِبُ الْبَيْتِ فِي) دَعْوَي (الْغُرْفَةِ) الْكَائِنَةِ (عَلَيْهِ وَ إِنْ كَانَ بَابُهَا مَفْتُوحًا) إلَي الْمُدَّعِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ فِي مِلْكِهِ وَ هُوَ هَوَاءُ بَيْتِهِ وَ مُجَرَّدُ فَتْحِ الْبَابِ إلَي الْغَيْرِ لَا يُفِيدُ الْيَدَ.

هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْ إلَيْهِ الْبَابُ مُتَصَرِّفًا فِيهَا بِسُكْنَي وَ غَيْرِهَا وَ إِلَّا قُدِّمَ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهَا بِالذَّاتِ، لِاقْتِضَاءِ التَّصَرُّفِ لَهُ، وَيَدُ مَالِك الْهَوَاءِ بِالتَّبَعِيَّةِ وَ الذَّاتِيَّةُ أَقْوَي، مَعَ احْتِمَالِ التَّسَاوِي؛ لِثُبُوتِ الْيَدِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ وَ عَدَمِ تَأْثِيرِ قُوَّةِ الْيَدِ.

السَّادِسَةُ -

(لَوْ تَدَاعَيَا جِدَارًا غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا، أَوْ مُتَّصِلًا بِبِنَائِهِمَا) مَعًا اتِّصَالَ تَرْصِيفٍ وَ هُوَ تَدَاخُلُ الْأَحْجَارِ وَ نَحْوِهَا عَلَي وَجْهٍ يَبْعُدُ كَوْنُهُ مُحْدَثًا بَعْدَ وَضْعِ الْحَائِطِ الْمُتَّصِلِ بِهِ (فَإِنْ حَلَفَا، أَوْ نَكَلَا فَهُوَ لَهُمَا وَ إِلَّا) فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَ نَكَلَ الْآخَرُ (فَهُوَ لِلْحَالِفِ وَ لَوْ اتَّصَلَ بِأَحَدِهِمَا) خَاصَّةً (حَلَفَ) وَ قُضِيَ لَهُ بِهِ.

وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ قُبَّةٌ، أَوْ غُرْفَةٌ، أَوْ سُتْرَةٌ لِصَيْرُورَتِهِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ ذَا يَدٍ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ مَعَ فَقْدِ الْبَيِّنَةِ.

(وَ كَذَا لَوْ كَانَ) لِأَحَدِهِمَا خَاصَّةً (عَلَيْهِ جِذْعٌ) فَإِنَّهُ يُقْضَي لَهُ بِهِ بِيَمِينِهِ، أَوْ لَهُمَا فَلَهُمَا وَ لَوْ اتَّصَلَ بِأَحَدِهِمَا و كان لِلْآخَرِ عَلَيْهِ جِذْعٌ تَسَاوَيَا عَلَي الْأَقْوَي وَ كَذَا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا وَاحِدَةٌ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ و مع الْآخَرِ الْبَاقِيَةُ، إذْ لَا أَثَرَ لِزِيَادَةِ الْيَدِ كَمَا سَلَف (أَمَّا الْخَوَارِجُ) مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ أَوْ مِنْهُمَا مِنْ نَقْشٍ،

أَوْ وَتَدٍ، أَوْ رَفٍّ وَ نَحْوِهَا (وَ الرَّوَازَنُ) كَالطَّاقَاتِ (فَلَا تَرْجِيحَ بِهَا)؛ لِإِمْكَانِ إحْدَاثِهَا مِنْ جِهَةِ وَاضِعِهَا مِنْ غَيْرِ شُعُورِ الْآخَرِ (إلَّا مَعَاقِدَ الْقِمْطِ) بِالْكَسْرِ وَ هُوَ الْحَبْلُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْخُصُّ وَ بِالضَّمِّ جَمْعُ قِمَاطٍ وَ هِيَ شِدَادُ الْخُصِّ مِنْ لِيفٍ وَ خُوصٍ وَ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يُقْضَي بِهَا فَيُرَجَّحُ مَنْ إلَيْهِ مَعَاقِدُ الْقِمْطِ لَوْ تَنَازَعَا (فِي الْخُصِّ) بِالضَّمِّ وَ هُوَ الْبَيْتُ الَّذِي يُعْمَلُ مِنْ الْقَصَبِ وَ نَحْوِهِ عَلَي الْمَشْهُورِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَ مِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ حُكْمَ الْخُصِّ كَالْجِدَارِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ.

وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَصْلِ.

22 كتاب الشركة

(22) كتاب الشركة

كِتَابُ الشَّرِكَةِ

الشَّرِكَةُ بِفَتْحِ الشِّينِ فَكَسْرِ الرَّاءِ وَ حُكِيَ فِيهَا كَسْرُ الشِّينِ فَسُكُونُ الرَّاءِ (وَسَبَبُهَا قَدْ يَكُونُ إرْثًا) لِعَيْنٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ، أَوْ حَقٍّ بِأَنْ يَرِثَا مَالًا أَوْ مَنْفَعَةَ دَارٍ اسْتَأْجَرَهَا مُورَثُهُمْ، أَوْ حَقَّ شُفْعَةٍ وَ خِيَارٍ، (وَعَقْدًا) بِأَنْ يَشْتَرِيَا دَارًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، أَوْ يَشْتَرِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءًا مُشَاعًا مِنْهَا وَ لَوْ عَلَي التَّعَاقُبِ، أَوْ يَسْتَأْجِرَاهَا، أَوْ يَشْتَرِيَا بِخِيَارٍ لَهُمَا، (وَحِيَازَةً) لِبَعْضِ الْمُبَاحَاتِ (دَفْعَةً) بِأَنْ يَشْتَرِكَا فِي نَصْبِ حِبَالَةٍ وَ رَمْيِ سَهْمٍ مُثَبَّتٍ فَيَشْتَرِكَا فِي مِلْكِ الصَّيْدِ وَ لَوْ حَازَ كُلُّ وَاحِدٍ شَيْئًا مِنْ الْمُبَاحِ مُنْفَرِدًا عَنْ صَاحِبِهِ اخْتَصَّ كُلٌّ بِمَا حَازَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ بِنِيَّةِ الْوَكَالَةِ عَنْ صَاحِبِهِ فِي تَمَلُّكِ نِصْفِ مَا يَحُوزُهُ وَ إِلَّا اشْتَرَكَا أَيْضًا عَلَي الْأَقْوَي، فَالْحِيَازَةُ قَدْ تُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ مَعَ التَّعَاقُبِ و قد لَا تُوجِبُهُ فِي الدَّفْعَةِ، (وَمَزْجًا) لِأَحَدِ مَالَيْهِمَا بِالْآخَرِ بِحَيْثُ (لَا يَتَمَيَّزُ) كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ بِأَنْ يَكُونَا مُتَّفِقَيْنِ جِنْسًا وَ وَصْفًا، فَلَوْ امْتَزَجَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ وَ إِنْ عَسُرَ كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ، أَوْ الْحَمْرَاءِ مِنْ الْحِنْطَةِ بِغَيْرِهَا، أَوْ الْكَبِيرَةِ الْحَبِّ بِالصَّغِيرَةِ وَ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَا اشْتَرَاك.

وَلَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ وُقُوعِهِ اخْتِيَارًا،

أَوْ اتِّفَاقًا.

(وَ الشَّرِكَةُ قَدْ تَكُونُ عَيْنًا) أَيْ فِي عَيْنٍ كَمَا لَوْ اتَّفَقَ الِاشْتِرَاكُ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ السَّابِقَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْيَانِ الْأَمْوَالِ، (وَمَنْفَعَةً) كَالِاشْتِرَاكِ فِي مَنْفَعَةِ دَارِ اسْتَأْجَرَاهَا، أَوْ عَبْدٍ، أُوصِيَ لَهُمَا بِخِدْمَتِهِ، (وَحَقًّا) كَشُفْعَةٍ وَ خِيَارٍ وَ رَهْنٍ وَ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ تَجْرِي فِي الْأَوَّلَيْنِ وَ أَمَّا الْأَخِيرَانِ فَلَا يَتَحَقَّقَانِ إلَّا فِي الْعَيْنِ وَ يُمْكِنُ فَرْضُ الِامْتِزَاجِ فِي الْمَنْفَعَةِ بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ كُلٌّ مِنْهُمَا دَرَاهِمَ لِلتَّزَيُّنِ بِهَا، حَيْثُ نُجَوِّزُهُ مُتَمَيِّزَةً ثُمَّ امْتَزَجَتْ بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ. (وَ الْمُعْتَبَرُ) مِنْ الشَّرِكَةِ شَرْعًا عِنْدَنَا

(شَرِكَةُ الْعِنَانِ)

بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَ هِيَ شَرِكَةُ الْأَمْوَالُ، نُسِبَتْ إلَي الْعِنَانِ وَ هُوَ سَيْرُ اللِّجَامِ الَّذِي يُمْسَكُ بِهِ الدَّابَّةُ؛ لِاسْتِوَاءِ الشَّرِيكَيْنِ فِي وِلَايَةِ الْفَسْخِ وَ التَّصَرُّفِ وَ اسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ عَلَي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ كَاسْتِوَاءِ طَرَفَيْ الْعِنَانِ، أَوْ تَسَاوِي الْفَارِسَيْنِ فِيهِ إذَا تَسَاوَيَا فِي السَّيْرِ، أَوْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْنَعُ الْآخَرَ مِنْ التَّصَرُّفِ حَيْثُ يَشَاءُ كَمَا يَمْنَعُ الْعِنَانُ الدَّابَّةَ، أَوْ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِعِنَانِهَا يَحْبِسُ إحْدَي يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَ يُطْلِقُ الْأُخْرَي كَالشَّرِيكِ يَحْبِسُ يَدَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمُشْتَرَكِ مَعَ انْطِلَاقِ يَدِهِ فِي سَائِرِ مَالِهِ.

وَقِيلَ: مِنْ عَنَّ إذَا ظَهَرَ؛ لِظُهُورِ مَالِ كُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ أَوْ لِأَنَّهَا أَظْهَرُ أَنْوَاعِ الشَّرِكَةِ.

وَقِيلَ: مِنْ الْمُعَانَةِ وَ هِيَ الْمُعَارَضَةِ، لِمُعَارَضَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا أَخْرَجَهُ الْآخَرُ.

(لَا شَرِكَةَ الْأَعْمَالِ) بِأَنْ يَتَعَاقَدَا عَلَي أَنْ يَعْمَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ وَ يَشْتَرِكَا فِي الْحَاصِلِ، سَوَاءٌ اتَّفَقَ عَمَلُهُمَا قَدْرًا وَ نَوْعًا أَمْ اخْتَلَفَ فِيهِمَا أَمْ فِي أَحَدِهِمَا وَ سَوَاءٌ عَمِلَا فِي مَالِ مَمْلُوكٍ أَمْ فِي تَحْصِيلِ مُبَاحٍ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ بِبَدَنِهِ وَ عَمَلِهِ فَيَخْتَصُّ بِفَوَائِدِهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي مَالَيْنِ وَ هُمَا مُتَمَيِّزَانِ.

(وَ لَا) شَرِكَةَ (الْمُفَاوَضَةِ) وَ هِيَ أَنْ يَشْتَرِكَ شَخْصَانِ فَصَاعِدًا بِعَقْدٍ لَفْظِيٍّ عَلَي أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا

مَا يَكْتَسِبَانِ وَ يَرْبَحَانِ وَ يَلْتَزِمَانِ مِنْ غُرْمٍ وَ يَحْصُلُ لَهُمَا مِنْ غُنْمٍ، فَيَلْتَزِمُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ مِثْلَ مَا يَلْتَزِمُهُ مِنْ أَرْشِ جِنَايَةِ وَ ضَمَانِ غَصْبٍ وَ قِيمَةِ مُتْلَفٍ وَ غَرَامَةِ ضَمَانٍ وَ كَفَالَةٍ وَ يُقَاسِمُهُ فِيمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ مِيرَاثٍ، أَوْ يَجِدُهُ مِنْ رِكَازٍ وَ لُقَطَةٍ وَ يَكْتَسِبُهُ فِي تِجَارَةٍ وَ نَحْوِ ذَلِكَ. وَ لَا يَسْتَثْنِيَانِ مِنْ ذَلِكَ إلَّا قُوتَ الْيَوْمِ وَ ثِيَابَ الْبَدَنِ وَ جَارِيَةً يَتَسَرَّي بِهَا، فَإِنَّ الْآخَرَ لَا يُشَارِكُ فِيهَا.

وَكَذَا يُسْتَثْنَي فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْغُرْمِ: الْجِنَايَةِ عَلَي الْحُرِّ وَ بَذْلُ الْخُلْعِ وَ الصَّدَاقِ إذَا لَزِمَ أَحَدُهُمَا.

(وَ) لَا شَرِكَةَ (الْوُجُوهِ) وَ هِيَ أَنْ يَشْتَرِك اثْنَانِ وَجِيهَانِ لَا مَالَ لَهُمَا بِعَقْدٍ لَفْظِيٍّ لِيَبْتَاعَا فِي الذِّمَّةِ عَلَي أَنَّ مَا يَبْتَاعَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا فَيَبِيعَانِ وَ يُؤَدِّيَانِ الْأَثْمَانَ وَ مَا فَضَلَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، أَوْ أَنْ يَبْتَاعَ وَجِيهٌ فِي الذِّمَّةِ وَ يُفَوِّضَ بَيْعَهُ إلَي خَامِلٍ عَلَي أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، أَوْ أَنْ يَشْتَرِكَ وَجِيهٌ لَا مَالَ لَهُ وَ خَامِلٌ ذُو مَالٍ لِيَكُونَ الْعَمَلُ مِنْ الْوَجِيهِ وَ الْمَالُ مِنْ الْخَامِلِ وَ يَكُونَ الْمَالُ فِي يَدِهِ لَا يُسَلِّمُهُ إلَي الْوَجِيهِ وَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا.

أَوْ أَنْ يَبِيعَ الْوَجِيهُ مَالَ الْخَامِلِ بِزِيَادَةِ رِبْحٍ لِيَكُونَ بَعْضُهُ لَهُ وَ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ بِمَعَانِيهَا عِنْدَنَا بَاطِلَةٌ.

(وَ) الْمُشْتَرِكَانِ شَرِكَةَ الْعِنَانِ

(يَتَسَاوَيَانِ فِي الرِّبْحِ وَ الْخُسْرَانِ مَعَ تَسَاوِي الْمَالَيْنِ وَ لَوْ اخْتَلَفَا) فِي مِقْدَارِ الْمَالِ (اخْتَلَفَ الرِّبْحُ) بِحَسَبِهِ وَ الضَّابِطُ أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَي نِسْبَةِ الْمَالِ مُتَسَاوِيًا وَ مُتَفَاوِتًا، فَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَ أَدَلَّ عَلَي الْمَقْصُودِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ اخْتِلَافِ الرِّبْحِ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَالَيْنِ كَوْنُهُ عَلَي النِّسْبَةِ.

(وَ لَوْ شَرَطَا غَيْرَهُمَا) أَيْ غَيْرَ التَّسَاوِي فِي الرِّبْحِ عَلَي تَقْدِيرِ تَسَاوِي الْمَالَيْنِ بِأَنْ شَرَطَا فِيهِ تَفَاوُتًا

حِينَئِذٍ، أَوْ غَيْرَ اخْتِلَافِ اسْتِحْقَاقِهِمَا فِي الرِّبْحِ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَالَيْنِ كَمِّيَّةً (فَالْأَظْهَرُ الْبُطْلَانُ) أَيْ بُطْلَانُ الشَّرْطِ وَ يَتْبَعُهُ بُطْلَانُ الشَّرِكَةِ بِمَعْنَي الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ، فَإِنْ عَمِلَا كَذَلِكَ فَالرِّبْحُ تَابِعٌ لِلْمَالِ وَ إِنْ خَالَفَ الشَّرْطَ وَ يَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أُجْرَةُ عَمَلِهِ بَعْدَ وَضْعِ مَا قَابَلَ عَمَلَهُ فِي مَالِهِ.

وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ بِهَذَا الشَّرْطِ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَاصِلَةَ فِي الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا لَيْسَ فِي مُقَابِلِهَا عِوَضٌ وَ لَا وَقَعَ اشْتِرَاطُهَا فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ لِتُضَمَّ إلَي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَ لَا اقْتَضَي تَمَلُّكَهَا عَقْدَ هِبَةٍ وَ الْأَسْبَابُ الْمُثَمِّرَةُ لِلْمِلْكِ مَعْدُودَةٌ وَ لَيْسَ هَذَا أَحَدَهَا فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَ يَتْبَعُهُ الْعَقْدُ الْمُتَضَمِّنُ لِلْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ؛ لِعَدَمِ تَرَاضِيهِمَا إلَّا عَلَي ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَ لَمْ يَحْصُلْ.

وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِعَدَمِ زِيَادَةِ عَمَلٍ مِمَّنْ شُرِطَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ وَ إِلَّا اتَّجَهَ الْجَوَازُ.

وَقِيلَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَ الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ وَ أَصَالَةُ الْإِبَاحَةِ وَ بِنَاءُ الشَّرِكَةِ عَلَي الْإِرْفَاقِ وَ مِنْهُ مَوْضِعُ النِّزَاعِ. (وَ لَيْسَ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ التَّصَرُّفُ) فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ (إلَّا بِإِذْنِ الْجَمِيعِ) لِقُبْحِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ عَقْلًا وَ شَرْعًا، (وَيَقْتَصِرُ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَي الْمَأْذُونِ) عَلَي تَقْدِيرِ حُصُولِ الْإِذْنِ (فَإِنْ تَعَدَّي) الْمَأْذُونَ (ضَمِنَ).

تطلق الشركة علي العقد المثمر

وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّرِكَةَ كَمَا تُطْلَقُ عَلَي اجْتِمَاعِ حُقُوقِ الْمُلَّاكِ فِي الْمَالِ الْوَاحِدِ عَلَي أَحَدِ الْوُجُوهِ السَّابِقَةِ، كَذَلِكَ تُطْلَقُ عَلَي الْعَقْدِ الْمُثْمَرِ جَوَازَ تَصَرُّفِ الْمُلَّاكِ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَ بِهَذَا الْمَعْنَي انْدَرَجَتْ الشَّرِكَةُ فِي قِسْمِ الْعُقُودِ وَ قَبِلَتْ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وَ الْفَسَادِ، لَا بِالْمَعْنَي الْأَوَّلِ.

وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَشَارَ إلَي الْمَعْنَي الْأَوَّلِ بِمَا افْتَتَحَ بِهِ مِنْ الْأَقْسَامِ وَ إِلَي الثَّانِي بِالْإِذْنِ الْمَبْحُوثِ عَنْهُ هُنَا، (وَلِكُلٍّ) مَنْ الشُّرَكَاءِ (الْمُطَالَبَةُ بِالْقِسْمَةِ عَرْضًا) بِالسُّكُونِ وَ هُوَ مَا عَدَا النَّقْدَيْنِ (كَانَ الْمَالُ، أَوْ نَقْدًا.

وَالشَّرِيكُ أَمِينٌ) عَلَي

مَا تَحْتَ يَدِهِ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ (لَا يَضْمَنُ إلَّا بِتَعَدٍّ) وَ هُوَ فِعْلُ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي الْمَالِ، (أَوْ تَفْرِيطٍ) وَ هُوَ التَّقْصِيرُ فِي حِفْظِهِ وَ مَا يَتِمُّ بِهِ صَلَاحُهُ (وَيُقْبَلُ يَمِينُهُ فِي التَّلَفِ) لَوْ ادَّعَاهُ بِتَفْرِيطٍ وَ غَيْرِهِ (وَ إِنْ كَانَ السَّبَبُ ظَاهِرًا) كَالْحَرَقِ وَ الْغَرَقِ.

وَإِنَّمَا خَصَّهُ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، فَرُبَّمَا احْتَمَلَ عَدَمَ قَبُولِ قَوْلِهِ فِيهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْعَامَّةِ، أَمَّا دَعْوَي تَلَفِهِ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ كَالسَّرَقِ فَمَقْبُولٌ إجْمَاعًا.

(وَيُكْرَهُ مُشَارَكَةُ الذِّمِّيِّ وَ إِبْضَاعُهُ)

وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَالًا يَتَّجِرُ فِيهِ وَ الرِّبْحُ لِصَاحِبِ الْمَالِ خَاصَّةً، (وَإِيدَاعُهُ) لِقَوْلِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ الْمُسْلِمِ أَنْ يُشَارِكَ الذِّمِّيَّ وَ لَا يُبْضِعَهُ بِضَاعَةً وَ لَا يُودِعَهُ وَدِيعَةً وَ لَا يُصَافِيَهُ الْمَوَدَّةَ ". (وَ لَوْ بَاعَ الشَّرِيكَانِ سِلْعَةً صَفْقَةً وَ قَبَضَ أَحَدُهُمَا مَنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا شَارَكَهُ الْآخَرُ) فِيهِ عَلَي الْمَشْهُورِ وَ بِهِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ؛ وَ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، فَكُلُّ مَا حَصَلَ مِنْهُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ وَ قِيلَ: لَا يُشَارِكُ لِجَوَازِ أَنْ يُبْرِئَ الْغَرِيمَ مِنْ حَقِّهِ وَ يُصَالِحَهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْرِيَ إلَي الْآخَرِ، فَكَذَا الِاسْتِيفَاءُ وَ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الشَّرِكَةِ هُوَ الْعَيْنُ و قد ذَهَبَتْ وَ الْعِوَضُ أَمْرٌ كُلِّيٌّ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضِ الْمَالِكِ، أَوْ وَكِيلِهِ وَ لَمْ يَتَحَقَّقْ هُنَا بِالنِّسْبَةِ إلَي الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ.

وَعَلَي الْمَشْهُورِ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَي الشَّرِيكِ غَيْرِ الْقَابِضِ مُشَارَكَتُهُ، بَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهَا و بين مُطَالَبَةِ الْغَرِيمِ بِحَقِّهِ وَ يَكُونُ قَدْرُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ فِي يَدِ الْقَابِضِ كَقَبْضِ الْفُضُولِيِّ إنْ أَجَازَهُ، مَلَكَهُ وَ يَتْبَعُهُ النَّمَاءُ وَ إِنْ رَدَّهُ مَلَكَهُ الْقَابِضُ وَ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ عَلَي التَّقْدِيرَيْنِ.

وَلَوْ أَرَادَ الِاخْتِصَاصَ بِالْمَقْبُوضِ بِغَيْرِ إشْكَالٍ فَلْيَبِعْ

حَقَّهُ لِلْمَدْيُونِ عَلَي وَجْهٍ يَسْلَمُ مِنْ الرِّبَا بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ فَيَخْتَصُّ بِهِ وَ أَوْلَي مِنْهُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ، أَوْ يُبْرِئُهُ مِنْ حَقِّهِ وَ يَسْتَوْهِبُ عِوَضَهُ، أَوْ يُحِيلُ بِهِ عَلَي الْمَدْيُونِ، أَوْ يَضْمَنُهُ لَهُ ضَامِنٌ.

وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ مَعَ حُلُولِ الْحَقَّيْنِ فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُؤَجَّلًا لَمْ يُشَارِكْ فِيمَا قَبَضَهُ الْآخَرُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَ احْتَرَزَ بِبَيْعِهِمَا صَفْقَةً عَمَّا لَوْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ بِعَقْدٍ وَ إِنْ كَانَ لِوَاحِدٍ، كَمَا لَا فَرْقَ فِي الصَّفْقَةِ بَيْنَ كَوْنِ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا وَ مُتَعَدِّدًا، لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلشَّرِكَةِ هُوَ الْعَقْدُ الْوَاحِدُ عَلَي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَ فِي حُكْمِ الصَّفْقَةِ مَا اتَّحَدَ سَبَبُ شَرِكَتِهِ كَالْمِيرَاثِ وَ الْإِتْلَافِ وَ الِاقْتِرَاضِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ. (وَ لَوْ ادَّعَي الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرِكَيْنِ) الْمَأْذُونَيْنِ (شِرَاءَ شَيْءٍ لِنَفْسِهِ، أَوْ لَهُمَا حَلَفَ) وَ قُبِلَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ مَرْجِعَ ذَلِكَ إلَي قَصْدِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِهِ.

وَالِاشْتِرَاكُ لَا يُعَيِّنُ التَّصَرُّفَ بِدُونِ الْقَصْدِ وَ إِنَّمَا لَزِمَهُ الْحَلِفُ مَعَ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ لِإِمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ.

23 كتاب المضاربة

(23) كتاب المضاربة

كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ

الْمُضَارَبَةُ (وَ هِيَ أَنْ يَدْفَعَ مَالًا إلَي غَيْرِهِ لِيَعْمَل فِيهِ بِحِصَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ رِبْحِهِ) مَأْخُوذَةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَضْرِبُ فِيهَا لِلسَّعْيِ عَلَي التِّجَارَةِ وَ ابْتِغَاءِ الرِّبْحِ بِطَلَبِ صَاحِبِ الْمَالِ، فَكَأَنَّ الضَّرْبَ مُسَبَّبٌ عَنْهُمَا فَتَحَقَّقَتْ الْمُفَاعَلَةُ لِذَلِكَ، أَوْ مِنْ ضَرَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الرِّبْحِ بِسَهْمٍ، أَوْ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرْبِ بِالْمَالِ وَ تَقْلِيبِهِ.

وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونَهَا قِرَاضًا مِنْ الْقَرْضِ وَ هُوَ الْقَطْعُ، كَأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ اقْتَطَعَ مِنْهُ قِطْعَةً وَ سَلَّمَهَا إلَي الْعَامِلِ، أَوْ اقْتَطَعَ لَهُ قِطْعَةً مِنْ الرِّبْحِ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، أَوْ مِنْ الْمُقَارَضَةِ وَ هِيَ الْمُسَاوَاةُ وَ مِنْهُ: " قَارِضْ النَّاسَ مَا قَارَضُوكَ فَإِنْ تَرَكْتَهُمْ لَمْ يَتْرُكُوكَ ".

وَوَجْهُ التَّسَاوِي هُنَا أَنَّ الْمَالَ

مِنْ جِهَةٍ وَ الْعَمَلَ مِنْ أُخْرَي وَ الرِّبْحَ فِي مُقَابِلِهِمَا فَقَدْ تَسَاوَيَا فِي قِوَامِ الْعَقْدِ، أَوْ أَصْلِ اسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ وَ إِنْ اخْتَلَفَا فِي كَمِّيَّتِهِ.

(وَهِيَ جَائِزَةٌ مَنْ الطَّرَفَيْنِ)

سَوَاءٌ نَضَّ الْمَالُ أَمْ كَانَ بِهِ عُرُوضٌ يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهَا وَ مِنْ لَوَازِمِ جَوَازِهَا مِنْهُمَا وُقُوعُ الْعَقْدِ بِكُلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ.

وَفِي اشْتِرَاطِ وُقُوعِ قَبُولِهِ لَفْظِيًّا، أَوْ جَوَازِهِ بِالْفِعْلِ أَيْضًا قَوْلَانِ؟ لَا يَخْلُو ثَانِيهِمَا مِنْ قُوَّةٍ.

(وَ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ اللُّزُومِ، أَوْ الْأَجَلِ فِيهَا) بِمَعْنَي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ وَ لَا تَصِيرُ لَازِمَةً بِذَلِكَ وَ لَا فِي الْأَجَلِ بَلْ يَجُوزُ فَسْخُهَا فِيهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، (وَلَكِنَّ) اشْتِرَاطَ الْأَجَلِ (يُثْمِرُ الْمَنْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ بَعْدَ الْأَجَلِ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ)؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ تَابِعٌ لِلْإِذْنِ وَ لَا إذْنَ بَعْدَهُ وَ كَذَا لَوْ أَجَّلَ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ، أَوْ الشِّرَاءِ خَاصَّةً، أَوْ نَوْعًا خَاصًّا.

وَيُفْهَمُ مِنْ تَشْرِيكِهِ بَيْنَ اشْتِرَاطِ اللُّزُومِ وَ الْأَجَلِ، تَسَاوِيهِمَا فِي الصِّحَّةِ وَ عَدَمِ لُزُومِ الشَّرْطِ.

وَالْمَشْهُورُ أَنَّ اشْتِرَاطَ اللُّزُومِ مُبْطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِمُقْتَضَي الْعَقْدِ فَإِذَا فَسَدَ الشَّرْطُ تَبِعَهُ الْعَقْدُ، بِخِلَافِ شَرْطِ الْأَجَلِ، فَإِنَّ مَرْجِعَهُ إلَي تَقْيِيدِ التَّصَرُّفِ بِوَقْتٍ خَاصٍّ وَ هُوَ غَيْرُ مُنَافٍ وَ يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ وَ إِنَّمَا شَرَكَ بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ صِحَّةِ الشَّرْطِ مُطْلَقًا وَ إِنْ افْتَرَقَا فِي أَمْرٍ آخَرَ.

(وَيَقْتَصِرُ الْعَامِلُ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَي مَا أَذِنَ الْمَالِكُ لَهُ)

مِنْ نَوْعِ التِّجَارَةِ وَ مَكَانِهَا وَ زَمَانِهَا وَ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ وَ يَبِيعُ عَلَيْهِ وَ غَيْرُ ذَلِكَ.

فَإِنْ خَالَفَ مَا عَيَّنَ لَهُ ضَمِنَ الْمَالَ، لَكِنْ لَوْ رَبِحَ كَانَ بَيْنَهُمَا بِمُقْتَضَي الشَّرْطِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَ لَوْلَاهَا لَكَانَ التَّصَرُّفُ بَاطِلًا، أَوْ مَوْقُوفًا عَلَي الْإِجَازَةِ.

(وَ لَوْ أَطْلَقَ) لَهُ الْإِذْنَ (تَصَرَّفَ بِالِاسْتِرْبَاحِ) فِي كُلِّ مَا يَظُنُّ فِيهِ حُصُولَ الرِّبْحِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِنَوْعٍ، أَوْ زَمَانٍ، أَوْ مَكَان

وَ يَتَوَلَّي أَيْضًا بِالْإِطْلَاقِ مَا يَتَوَلَّاهُ الْمَالِكُ فِي التِّجَارَةِ بِنَفْسِهِ مِنْ عَرْضِ الْقُمَاشِ عَلَي الْمُشْتَرِي وَ نَشْرِهِ، وَطَيِّهِ وَ إِحْرَازِهِ وَ بَيْعِهِ وَ قَبْضِ ثَمَنِهِ وَ لَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَي مِثْلِ ذَلِكَ، حَمْلًا لِلْإِطْلَاقِ عَلَي الْمُتَعَارَفِ وَ لَهُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَي مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ كَالدَّلَالَةِ وَ وَزْنِ الْأَمْتِعَةِ الثَّقِيلَةِ الَّتِي لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِمُبَاشَرَةِ مِثْلِهَا.

(وَيُنْفِقُ فِي السَّفَرِ كَمَالَ نَفَقَتِهِ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ)

وَالْمُرَادُ بِالنَّفَقَةِ مَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَيْهِ مِنْ مَأْكُولٍ وَ مَلْبُوسٍ وَ مَشْرُوبٍ وَ مَرْكُوبٍ وَ آلَاتِ ذَلِكَ وَ أُجْرَةِ الْمَسْكَنِ وَ نَحْوِهَا وَ يُرَاعِي فِيهَا مَا يَلِيقُ بِهِ عَادَةً مُقْتَصِدًا، فَإِنْ أَسْرَفَ حُسِبَ عَلَيْهِ وَ إِنْ قَتَّرَ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ.

وَإِذَا عَادَ مِنْ السَّفَرِ فَمَا بَقِيَ مِنْ أَعْيَانِهَا وَ لَوْ مِنْ الزَّادِ يَجِبُ رَدُّهُ إلَي التِّجَارَةِ، أَوْ تَرْكِهِ إلَي أَنْ يُسَافِرَ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَعُودُ إلَيْهِ قَبْلَ فَسَادِهِ.

وَلَوْ شَرَطَ عَدَمَهَا لَزِمَ وَ لَوْ أَذِنَ لَهُ بَعْدَهُ فَهُوَ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ وَ لَوْ شَرَطَهَا فَهُوَ تَأْكِيدٌ.

وَيُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ تَعْيِينُهَا لِئَلَّا يَتَجَهَّلَ الشَّرْطَ، بِخِلَافِ مَا ثَبَتَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ وَ لَا يُعْتَبَرُ فِي ثُبُوتِهَا حُصُولُ رِبْحٍ، بَلْ يُنْفِقُ وَ لَوْ مِنْ الْأَصْلِ إنْ لَمْ يَرْبَحْ وَ إِلَّا كَانَتْ مِنْهُ.

وَمُؤْنَةُ الْمَرَضِ فِي السَّفَرِ عَلَي الْعَامِلِ وَ كَذَا سَفَرٌ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ وَ إِنْ اسْتَحَقَّ الْحِصَّةَ وَ الْمُرَادُ بِالسَّفَرِ: الْعُرْفِيُّ، لَا الشَّرْعِيُّ وَ هُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَي الْمَسَافَةِ فَيُنْفِقُ وَ إِنْ كَانَ قَصِيرًا أَوْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ اسْمِ الْمُسَافِرِ، أَوْ يَزِيدَ عَمَّا تَحْتَاجُ التِّجَارَةُ إلَيْهِ فَيُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ إلَي أَنْ يُصَدِّقَ الْوَصْفَ.

وَاحْتَرَزَ بِكَمَالِ النَّفَقَةِ عَنْ الْقَدْرِ الزَّائِدِ عَنْ نَفَقَةِ الْحَضَرِ، فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَا يُنْفِقُ فِيهِ سِوَاهُ وَ نَبَّهَ بِأَصْلِ الْمَالِ عَلَي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُصُولُ رِبْحٍ كَمَا مَرَّ.

(وَلْيَشْتَرِ

نَقْدًا بِنَقْدِ الْبَلَدِ، بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَمَا دُونُ)

فَلَوْ اشْتَرَي نَسِيئَةً أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، أَوْ بِأَزْيَدَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ كَانَ فُضُولِيًّا، فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ صَحَّ وَ إِلَّا بَطَلَ، لِمَا فِي النَّسِيئَةِ مِنْ احْتِمَالِ الضَّرَرِ بِتَلَفِ رَأْسِ الْمَالِ فَيَبْقَي عُهْدَةُ الثَّمَنِ مُتَعَلِّقَةً بِالْمَالِكِ وَ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي غَيْرِ مَا دَفَعَ.

وَحُمِلَا فِي الْأَخِيرَيْنِ عَلَي الْمُتَعَارَفِ.

وَمَا فِيهِ الْغِبْطَةُ كَالْوَكِيلِ.

(وَلْيَبِعْ كَذَلِكَ) بِنَقْدِ الْبَلَدِ نَقْدًا

(بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَمَا فَوْقَهُ) لِمَا فِي النَّسِيئَةِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِمَالِ الْمِلْكِ وَ حَمْلًا لِلْإِطْلَاقِ عَلَي الْمُتَعَارَفِ وَ هُوَ نَقْدُ الْبَلَدِ كَالْوَكَالَةِ.

وَقِيلَ: يَجُوزُ بِغَيْرِهِ وَ بِالْعَرْضِ مَعَ كَوْنِهِ مَظِنَّةً لِلرِّبْحِ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَقْصَي مِنْهَا ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْوَكَالَة.

وَفِيهِ قُوَّةٌ وَ لَوْ أَذِنَ الْمَالِكُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ خُصُوصًا، أَوْ عُمُومًا كَتَصَرَّفْ بِرَأْيِك، أَوْ كَيْفَ شِئْت جَازَ بِالْعَرْضِ قَطْعًا، أَمَّا النَّقْدُ وَ ثَمَنُ الْمِثْلِ فَلَا يُخَالِفُهُمَا إلَّا مَعَ التَّصْرِيحِ.

نَعَمْ يُسْتَثْنَي مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ نُقْصَانٌ يُتَسَامَحُ بِهِ عَادَةً.

(وَلْيَشْتَرِ بِعَيْنِ الْمَالِ)، لَا بِالذِّمَّةِ (إلَّا مَعَ الْإِذْنِ فِي الذِّمَّةِ) وَ لَوْ بِالْإِجَازَةِ، فَإِنْ اشْتَرَي فِيهَا بِدُونِهِ وَ لَمْ يَذْكُرْ الْمَالِكُ لَفْظًا وَ لَا نِيَّةً وَقَعَ لَهُ وَ لَوْ ذَكَرَهُ لَفْظًا فَهُوَ فُضُولِيٌّ وَ نِيَّةً خَاصَّةً فَهُوَ لِلْعَامِلِ ظَاهِرًا وَ مَوْقُوفًا بَاطِنًا، فَيَجِبُ التَّخَلُّصُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ (وَ لَوْ تَجَاوَزَ مَا حَدَّ لَهُ الْمَالِكُ) مِنْ الزَّمَانِ وَ الْمَكَانِ وَ الصِّنْفِ (ضَمِنَ وَ الرِّبْحُ عَلَي الشَّرْطِ) كَمَا مَرَّ، أَمَّا لَوْ تَجَاوَزَ بِالْعَيْنِ وَ الْمِثْلِ وَ النَّقْدِ وَقَفَ عَلَي الْإِجَازَةِ فَإِنْ لَمْ يُجِزْ بَطَلَ.

(وَ إِنَّمَا تَجُوزُ) الْمُضَارَبَةُ (بِالدَّرَاهِمِ وَ الدَّنَانِيرِ) إجْمَاعًا وَ لَيْسَ ثَمَّةَ عِلَّةٌ مُقْنِعَةٌ غَيْرُهُ فَلَا تَصِحُّ بِالْعُرُوضِ وَ لَا الْفُلُوسِ وَ لَا الدَّيْنِ وَ غَيْرِهَا وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَ الْمُشَاعِ.

(وَتَلْزَمُ الْحِصَّةُ بِالشَّرْطِ)، دُونَ الْأُجْرَةِ؛

لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ صَحِيحَةٌ فَيَلْزَمُ مُقْتَضَاهَا وَ هُوَ مَا شُرِطَ لِلْعَامِلِ مِنْ الْحِصَّةِ وَ فِي قَوْلٍ نَادِرٍ أَنَّ اللَّازِمَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَ أَنَّ الْمُعَامَلَةَ فَاسِدَةٌ، لِجَهَالَةِ الْعِوَضِ وَ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ عَلَي صِحَّتِهَا، بَلْ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ يَدْفَعُهُ.

(وَ الْعَامِلُ أَمِينٌ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِتَعَدٍّ، أَوْ تَفْرِيطٍ) وَ مَعَهُمَا يَبْقَي الْعَقْدُ وَ يَسْتَحِقُّ مَا شُرِطَ لَهُ وَ إِنْ ضَمِنَ الْمَالَ.

(وَ لَوْ فَسَخَ الْمَالِكُ فَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ إلَي ذَلِكَ الْوَقْتِ) الَّذِي فَسَخَ فِيهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) ظَهَرَ (رِبْحٌ) وَ إِلَّا فَلَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ وَ رُبَّمَا أَشْكَلَ الْحُكْمُ بِالْأُجْرَةِ عَلَي تَقْدِيرِ عَدَمِ الرِّبْحِ بِأَنَّ مُقْتَضَي الْعَقْدِ اسْتِحْقَاقُ الْحِصَّةِ إنْ حَصَلَتْ لَا غَيْرُهَا وَ تَسَلُّطُ الْمَالِكِ عَلَي الْفَسْخِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهَا فَالْعَامِلُ قَادِمٌ عَلَي ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ سِوَي مَا عَيَّنَ.

وَلَوْ كَانَ الْمَالُ عُرُوضًا عِنْدَ الْفَسْخِ فَإِنْ كَانَ بِهِ رِبْحٌ فَلِلْعَامِلِ بَيْعُهُ إنْ لَمْ يَدْفَعْ الْمَالِكُ إلَيْهِ حَقَّهُ مِنْهُ وَ إِلَّا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَ إِنْ رَجَي الرِّبْحَ حَيْثُ لَا يَكُونُ بِالْفِعْلِ.

وَلَوْ طَلَبَ الْمَالِكُ إنْضَاضَهُ فَفِي إجْبَارِ الْعَامِلِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ أَجْوَدُهُمَا الْعَدَمُ وَ لَوْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ إمَّا بِعَارِضٍ يُفْسِدُ الْعَقْدَ الْجَائِزَ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، بَلْ الْحِصَّةُ إنْ ظَهَرَ رِبْحٌ.

وَقِيلَ: لَهُ الْأُجْرَةُ أَيْضًا.

(وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ)

، لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزَّائِدِ وَ الْأَصْلُ مَعَهُ.

(وَ) فِي (قَدْرِ الرِّبْحِ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ.

(وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مَعْلُومًا عِنْدَ الْعَقْدِ) لِتَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ عَنْهُ وَ لَا يُكْتَفَي بِمُشَاهَدَتِهِ.

وَقِيلَ تَكْفِي الْمُشَاهَدَةُ.

وَهُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِهِ هُنَا وَ هُوَ مَذْهَبُ الشَّيْخِ وَ الْعَلَّامَةِ فِي الْمُخْتَلَفِ، لِزَوَالِ مُعْظَمِ الْغَرَرِ بِالْمُشَاهَدَةِ وَ لِلْأَصْلِ وَ لِقَوْلِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: { الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ }، فَإِنْ قُلْنَا بِهِ وَ

اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ كَمَا تَقَدَّمَ، لِلْأَصْلِ وَ الْأَقْوَي الْمَنْعُ. (وَ لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَي الْمَالِكِ، كَمَنْ يَنْعَتِقُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَي الْمَالِكِ، لِأَنَّهُ تَخْسِيرٌ مَحْضٌ وَ الْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ الِاسْتِرْبَاحُ فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِدُونِ إذْنِهِ كَانَ فُضُولِيًّا مَعَ عِلْمِهِ بِالنَّسَبِ وَ الْحُكْمِ أَمَّا مَعَ جَهْلِهِ بِهِمَا، أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَفِي صِحَّتِهِ وَ عِتْقِهِ عَنْ الْمَالِكِ، أَوْ إلْحَاقِهِ بِالْعَالِمِ وَجْهَانِ، مَأْخَذُهُمَا: انْصِرَافُ الْإِذْنِ إلَي مَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ وَ الِاسْتِرْبَاحُ بِهِ فَلَا يَدْخُلُ هَذَا فِيهِ مُطْلَقًا وَ مِنْ كَوْنِ الشَّرْطِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، لِاسْتِحَالَةِ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ إلَي الْغَافِلِ كَمَا لَوْ اشْتَرَي مَعِيبًا لَا يَعْلَمُ بِعَيْبِهِ فَتَلِفَ بِهِ، (وَ) كَذَا (لَا يَشْتَرِي مِنْ رَبِّ الْمَالِ شَيْئًا)؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَهُ وَ لَا يُشْتَرَي مَالُ الْإِنْسَانِ بِمَالِهِ.

(وَ لَوْ أَذِنَ فِي شِرَاءِ أَبِيهِ) وَ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَنْعَتِقُ عَلَيْهِ (صَحَّ وَ انْعَتَقَ) كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ وَ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ فِي ثَمَنِهِ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّالِفِ وَ صَارَ الْبَاقِي رَأْسَ الْمَالِ إنْ كَانَ (وَلِلْعَامِلِ الْأُجْرَةُ) سَوَاءٌ ظَهَرَ فِيهِ رِبْحٌ أَمْ لَا، أَمَّا مَعَ عَدَمِهِ فَظَاهِرٌ إلَّا عَلَي الِاحْتِمَالِ السَّابِقِ فِيمَا لَوْ فَسَخَ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ وَ أَمَّا مَعَ ظُهُورِهِ فَلِبُطْلَانِ الْمُضَارَبَةِ بِهَذَا الشِّرَاءِ؛ لِعَدَمِ كَوْنِهِ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَهُ مَا فِيهِ رِبْحٌ وَ لَوْ بِالْمَظِنَّةِ وَ هُوَ مَنْفِيٌّ هُنَا، لِكَوْنِهِ مُسْتَعْقَبًا لِلْعِتْقِ فَإِذَا صَرَفَ الثَّمَنَ فِيهِ بَطَلَتْ وَ يُحْتَمَلُ ثُبُوتُ الْحِصَّةِ إنْ قُلْنَا بِمِلْكِهَا بِالظُّهُورِ لِتَحَقُّقِهِ وَ لَا يَقْدَحُ عِتْقُهُ الْقَهْرِيُّ، لِصُدُورِهِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، كَمَا اسْتَرَدَّ طَائِفَةً مِنْ الْمَالِ بَعْدَ ظُهُورِهِ وَ حِينَئِذٍ فَيَسْرِي عَلَي الْعَامِلِ مَعَ يَسَارِ الْمَالِكِ إنْ قُلْنَا بِالسِّرَايَةِ فِي الْعِتْقِ الْقَهْرِيِّ، أَوْ مَعَ اخْتِيَارِ الشَّرِيكِ السَّبَبَ.

(وَلَوْ اشْتَرَي) الْعَامِلُ (أَبَا نَفْسِهِ)

وَ غَيْرَهُ مِمَّنْ يَنْعَتِقُ عَلَيْهِ

(صَحَّ) إذْ لَا ضَرَرَ عَلَي الْمَالِكِ (فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ رِبْحٌ) حَالَ الشِّرَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ (انْعَتَقَ نَصِيبُهُ) أَيْ نَصِيبُ الْعَامِلِ، لِاخْتِيَارِهِ السَّبَبَ الْمُفْضِيَ إلَيْهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِمَالِهِ، (وَيَسْعَي الْمُعْتَقُ) وَ هُوَ الْأَبُ (فِي الْبَاقِي) وَ إِنْ كَانَ الْوَلَدُ مُوسِرًا، لِصَحِيحَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْحَاكِمَةِ بِاسْتِسْعَائِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْصَالٍ.

وَقِيلَ: يَسْرِي عَلَي الْعَامِلِ مَعَ يَسَارِهِ، لِاخْتِيَارِهِ السَّبَبَ وَ هُوَ مُوجِبٌ لَهَا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَي وَ حُمِلَتْ الرِّوَايَةُ عَلَي إعْسَارِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.

وَرُبَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ ظُهُورِ الرِّبْحِ حَالَةَ الشِّرَاءِ وَ تَجَدُّدِهِ فَيَسْرِي فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَ يُمْكِنُ حَمْلُ الرِّوَايَةِ عَلَيْهِ أَيْضًا.

وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ بُطْلَانُ الْبَيْعِ، لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِمَقْصُودِ الْقِرَاضِ إذْ الْغَرَضُ هُوَ السَّعْيُ لِلتِّجَارَةِ الَّتِي تَقْبَلُ التَّقْلِيبَ لِلِاسْتِرْبَاحِ وَ الشِّرَاءُ الْمُتَعَقِّبُ لِلْعِتْقِ يُنَافِيهِ وَ الْوَسَطُ قَوِيٌّ لَوْلَا مُعَارَضَةُ إطْلَاقِ النَّصِّ الصَّحِيحِ.

24 كتاب الوديعة

(24) كتاب الوديعة

كِتَابُ الْوَدِيعَةِ

الْوَدِيعَةُ (وَ هِيَ اسْتِنَابَةٌ فِي الْحِفْظِ) أَيْ اسْتِنَابَةٌ فِيهِ بِالذَّاتِ، فَلَا يَرِدُ مِثْلُ الْوَكَالَةِ فِي بَيْعِ شَيْءٍ، أَوْ شِرَائِهِ مَعَ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهَا تَسْتَلْزِمُ الِاسْتِنَابَةَ فِيهِ إلَّا أَنَّهَا بِالْعَرْضِ وَ الْقَصْدُ بِالذَّاتِ الْإِذْنُ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ.

ثُمَّ الِاسْتِنَابَةُ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ الْمُودَعِ.

الْوَدِيعَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْمُتَعَاقِدِينَ فَلَا تَكُونُ الْوَدِيعَةُ هِيَ الِاسْتِنَابَةَ، بَلْ هِيَ وَ قَبُولُهَا وَ إِنْ اكْتَفَيْنَا بِالْقَبُولِ الْفِعْلِيِّ.

وَكَأَنَّ التَّعْرِيفَ، لَمَّا كَانَ لِعَقْدِهَا كَمَا عُلِمَ مِنْ مَذْهَبِ الْمُصَنِّفِ و كان الْمُعْتَبَرُ مِنْهُ الْإِيجَابَ تَسَامَحَ فِي إطْلَاقِهَا عَلَيْهِ، أَوْ لِأَنَّ الِاسْتِنَابَةَ تَسْتَلْزِمُ قَبُولَهَا فَإِنَّهَا لَوْ تَجَرَّدَتْ عَنْهُ لَمْ يُؤَثِّرْ.

(وَتَفْتَقِرُ إلَي إيجَابٍ وَ قَبُولٍ) كَغَيْرِهَا مِنْ الْعُقُودِ، (وَ لَا حَصْرَ فِي الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا) كَمَا هُوَ شَأْنُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، فَيَكْفِي كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَيْهَا، بَلْ التَّلْوِيحُ وَ الْإِشَارَةُ الْمُفْهِمَةُ لِمَعْنَاهَا اخْتِيَارًا.

(وَيَكْفِي فِي الْقَبُولِ الْفِعْلُ)؛

لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الرِّضَا بِهَا.

وَرُبَّمَا كَانَ الْفِعْلُ وَ هُوَ قَبْضُهَا أَقْوَي مِنْ الْقَوْلِ، بِاعْتِبَارِ دُخُولِهَا فِي ضَمَانِهِ وَ الْتِزَامِهِ بِحِفْظِهَا بِوَاسِطَةِ الْقَبْضِ وَ إِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِيجَابُ فِيهِ أَوْلَي، إلَّا أَنَّ فِيهِ خُرُوجًا عَنْ بَابِ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَتِمُّ إلَّا بِصِيغَةٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ.

وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: إنَّهَا إذْنٌ مُجَرَّدٌ، لَا عَقْدٌ وَ كَيْفَ كَانَ لَا تَجِبُ مُقَارَنَةُ الْقَبُولِ لِلْإِيجَابِ قَوْلِيًّا كَانَ، أَمْ فِعْلِيًّا.

(وَ لَوْ طَرَحَهَا عِنْدَهُ) وَ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَي الرِّضَا وَ لَا قَبْضِهَا، (أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَي قَبْضِهَا لَمْ تَصِرْ وَدِيعَةً)؛ لِانْتِفَاءِ الْقَبُولِ الشَّرْعِيِّ فِيهِمَا.

وَأَمَّا الْإِيجَابُ فَقَدْ يَحْصُلُ بِالطَّرْحِ بِأَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ قَوْلًا، أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ يُفِيدُهُ وَ قَدْ لَا يَحْصُلُ بِأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَي مُجَرَّدِ الطَّرْحِ وَ فِي الثَّانِي لَا تَصِيرُ وَدِيعَةً وَ إِنْ قَبِلَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا لَكِنْ فِي الثَّانِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْحِفْظُ لِلْيَدِ، لَا لِلْوَدِيعَةِ وَ فِي الْأَوَّلِ تَتِمُّ بِالْقَبُولِ بِهِمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحِفْظُ.

وَحَيْثُ لَا يَجِبُ لِعَدَمِ الْقَبُولِ قَدْ يَجِبُ لِأَمْرٍ آخَرَ كَمَا لَوْ غَابَ الْمَالِكُ وَ تَرَكَهَا وَ خِيفَ عَلَيْهَا الذَّهَابُ فَيَجِبُ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَنَةِ عَلَي الْبِرِّ كِفَايَةً لَكِنْ لَا ضَمَانَ بِتَرْكِهِ.

وَأَمَّا مَعَ الْإِكْرَاهِ (فَلَا يَجِبُ حِفْظُهَا) مُطْلَقًا، بَلْ يَجُوزُ تَرْكُهَا وَ إِنْ قَبَضَهَا بِهِ فِي حُضُورِ الْمَالِكِ وَ غَيْبَتِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ، مُضْطَرًّا إلَي الْإِيدَاعِ فَيَجِبُ إعَانَتُهُ عَلَيْهِ كَالسَّابِقِ.

فَقوله:

" فَلَا يَجِبُ حِفْظُهَا " مُطْلَقٌ فِي الثَّانِي مِنْ حَيْثُ الْوَدِيعَةُ و مع عَدَمِ الْقَبُولِ، أَوْ الْقَبْضِ فِي الْأَوَّلِ عَلَي مَا فُصِّلَ.

(وَلَوْ قَبِلَ) الْوَدِيعَةَ قَوْلًا، أَوْ فِعْلًا (وَجَبَ) عَلَيْهِ (الْحِفْظُ)

مَا دَامَ مُسْتَوْدَعًا وَ كَذَا بَعْدَهُ إلَي أَنْ يُؤَدِّيَ إلَي الْمَالِكِ، أَوْ مَنْ فِي حُكْمِهِ وَ بِذَلِكَ يَظْهَرُ عَدَمُ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ وجوب الْحِفْظِ وَ عَدَمِ وجوب الْبَقَاءِ عَلَي الْوَدِيعَةِ مِنْ

حَيْثُ إنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ.

(وَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لَوْ تَلِفَتْ، أَوْ عَابَتْ (إلَّا بِالتَّعَدِّي فِيهَا) بِأَنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ، أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ، أَوْ فَتَحَ الْكِيسَ الْمَخْتُومَ، أَوْ الْمَشْدُودَ (أَوْ التَّفْرِيطِ) بِأَنْ قَصَّرَ فِي الْحِفْظِ عَادَةً (فَلَوْ أُخِذَتْ مِنْهُ قَهْرًا فَلَا ضَمَانَ) إنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا فِي الْأَخْذِ الْقَهْرِيِّ بِأَنْ سَعَي بِهَا إلَي الظَّالِمِ، أَوْ أَظْهَرَهَا فَوَصَلَ إلَيْهِ خَبَرُهَا مَعَ مَظِنَّتِهِ وَ مِثْلُهُ مَا لَوْ أَخْبَرَ بِهَا اللِّصَّ فَسَرَقَهَا.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَخْذِ الْقَاهِرِ لَهَا بِيَدِهِ وَ أَمْرِهِ لَهُ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ كَرْهًا؛ لِانْتِفَاءِ التَّفْرِيطِ فِيهِمَا فَيَنْحَصِرُ الرُّجُوعُ عَلَي الظَّالِمِ فِيهِمَا عَلَي الْأَقْوَي.

وَقِيلَ: يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَي الْمُسْتَوْدِعِ فِي الثَّانِي وَ إِنْ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَي الظَّالِمِ.

(وَ لَوْ تَمَكَّنَ) الْمُسْتَوْدَعُ (مِنْ الدَّفْعِ) عَنْهَا بِالْوَسَائِلِ الْمُوجِبَةِ لِسَلَامَتِهَا (وَجَبَ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَي تَحَمُّلِ الضَّرَرِ الْكَثِيرِ، كَالْجُرْحِ وَ أَخْذِ الْمَالِ) فَيَجُوزُ تَسْلِيمُهَا حِينَئِذٍ وَ إِنْ قَدَرَ عَلَي تَحَمُّلِهِ.

وَالْمَرْجِعُ فِي الْكَثْرَةِ وَ الْقِلَّةِ إلَي حَالِ الْمُكْرَهِ، فَقَدْ تُعَدُّ الْكَلِمَةُ الْيَسِيرَةُ مِنْ الْأَذَي كَثِيرًا فِي حَقِّهِ، لِكَوْنِهِ جَلِيلًا لَا يَلِيقُ بِحَالِهِ ذَلِكَ.

وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِمِثْلِهِ وَ أَمَّا أَخْذُ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ مَالُ الْمُسْتَوْدِعِ لَمْ يَجِبْ بَذْلُهُ مُطْلَقًا وَ إِنْ كَانَ مِنْ الْوَدِيعَةِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْهَا وَجَبَ الدَّفْعُ عَنْهَا بِبَعْضِهَا مَا أَمْكَنَ، فَلَوْ تَرَكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَي سَلَامَةِ الْبَعْضِ فَأُخِذَ الْجَمِيعُ ضَمِنَ مَا يُمْكِنُ سَلَامَتُهُ وَ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِأَخْذِهَا أَجْمَعَ فَلَا تَقْصِيرَ وَ لَوْ أَمْكَنَ الدَّفْعُ عَنْهَا بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ لَا يَسْتَوْعِبُ قِيمَتَهَا جَازَ وَ رَجَعَ مَعَ نِيَّتِهِ.

[وَفِي و جوبهِ نَظَرٌ] وَ لَوْ أَمْكَنَ حِفْظُهَا عَنْهُ بِالِاسْتِتَارِ مِنْهُ وَجَبَ فَيَضْمَنُ بِتَرْكِهِ (نَعَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَوْ قَنِعَ بِهَا الظَّالِمُ فَيُوَرِّي) بِمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْكَذِبِ بِأَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا اسْتَوْدَعَ مِنْ فُلَانٍ وَ يَخُصُّهُ

بِوَقْتٍ أَوْ جِنْسٍ، أَوْ مَكَان، أَوْ نَحْوِهَا، مُغَايِرٍ لِمَا اُسْتُوْدِعَ وَ إِنَّمَا تَجِبُ التَّوْرِيَةُ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِهَا وَ إِلَّا سَقَطَتْ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ مُسْتَثْنًي لِلضَّرُورَةِ تَرْجِيحًا لِأَخَفِّ الْقَبِيحَيْنِ حَيْثُ تَعَارَضَا

(وَتَبْطُلُ) الْوَدِيعَةُ (بِمَوْتِ كُلٍّ مِنْهُمَا)

الْمُودِعُ وَ الْمُسْتَوْدَعِ، كَغَيْرِهَا مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، (وَجُنُونِهِ وَ إِغْمَائِهِ) وَ إِنْ قَصُرَ وَقْتُهُمَا (فَتَبْقَي) فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ عَلَي تَقْدِيرِ عُرُوضِ ذَلِكَ لِلْمُودِعِ، أَوْ يَدِ وَارِثِهِ أَوْ وَلِيِّهِ، أَوْ يَدِهِ بَعْدَ صِحَّتِهِ عَلَي تَقْدِيرِ عُرُوضِهِ لَهُ (أَمَانَةً شَرْعِيَّةً) أَيْ مَأْذُونًا فِي حِفْظِهَا مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ، لَا الْمَالِكِ؛ لِبُطْلَانِ إذْنِهِ بِذَلِكَ.

وَمِنْ حُكْمِ الْأَمَانَةِ الشَّرْعِيَّةِ وجوب الْمُبَادَرَةِ إلَي رَدِّهَا وَ إِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا الْمَالِكُ.

(وَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَدَعِيِّ) وَ غَيْرِهِ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ (فِي رَدِّهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ)، بِخِلَافِ الْأَمَانَةِ الْمُسْتَنِدَةِ إلَي الْمَالِكِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ رَدُّهَا بِدُونِ الطَّلَبِ، أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ كَانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا وَ قَدْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّهَا كَالْوَدِيعَةِ وَ قَدْ لَا يُقْبَلُ كَمَا إذَا قَبَضَهَا لِمَصْلَحَتِهِ كَالْعَارِيَّةِ وَ الْمُضَارَبَةِ.

وَمِنْ الْأَمَانَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَا بَطَلَ مِنْ الْأَمَانَةِ الْمَالِكِيَّةِ كَالشَّرِكَةِ وَ الْمُضَارَبَةِ بِمَوْتٍ وَ نَحْوِهِ وَ مَا تُطَيِّرُهُ الرِّيحُ إلَي دَارِ الْغَيْرِ مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَ مَا يُنْزَعُ مِنْ الْغَاصِبِ بِطَرِيقِ الْحِسْبَةِ وَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الصَّبِيِّ وَ الْمَجْنُونِ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ وَ إِنْ كَانَ كَسْبًا مِنْ قِمَارٍ كَالْجَوْزِ وَ الْبَيْضِ وَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِمَا وَدِيعَةً عِنْدَ خَوْفِ تَلَفِهِ بِأَيْدِيهِمَا وَ مَا يَتَسَلَّمُهُ مِنْهُمَا نِسْيَانًا وَ مَا يُوجَدُ فِيمَا يَشْتَرِي مِنْ الْأَمْتِعَةِ كَالصُّنْدُوقِ مِنْ مَالٍ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ وَ اللُّقَطَةِ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ مَعَ ظُهُورِ الْمَالِكِ.

وَضَابِطُهُ: مَا أُذِنَ فِي الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ شَرْعًا وَ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْمَالِكُ. (وَ لَوْ عَيَّنَ) الْمُودِعُ (مَوْضِعًا لِلْحِفْظِ اقْتَصَرَ) الْمُسْتَوْدَعُ (عَلَيْهِ) فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا إلَي

غَيْرِهِ وَ إِنْ كَانَ أَحْفَظَ عَمَلًا بِمُقْتَضَي التَّعْيِينِ وَ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِي ذَلِكَ.

وَقِيلَ: يَجُوزُ إلَي الْأَحْفَظِ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ أَوْلَي.

وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَ جَوَّزَ آخَرُونَ التَّخَطِّيَ إلَي الْمُسَاوِي وَ هُوَ قِيَاسٌ بَاطِلٌ.

وَحِينَئِذٍ فَيَضْمَنُ بِنَقْلِهَا عَنْ الْمُعَيَّنِ مُطْلَقًا (إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفَهَا فِيهِ فَيَنْقُلُهَا) عَنْهُ إلَي الْأَحْفَظِ، أَوْ الْمُسَاوِي مَعَ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْأَدْوَنِ، (وَ لَا ضَمَانَ) حِينَئِذٍ لِلْإِذْنِ فِيهِ شَرْعًا وَ إِنَّمَا جَازَ الْمُسَاوِي هُنَا لِسُقُوطِ حُكْمِ الْمُعَيَّنِ بِتَعَذُّرِهِ فَيَنْتَقِلُ إلَي مَا فِي حُكْمِهِ وَ هُوَ الْمُسَاوِي، أَوْ مَا فَوْقَهُ وَ يُمْكِنُ شُمُولُ كَلَامِهِ لِلْأَدْوَنِ عِنْدَ الْخَوْفِ وَ إِنْ وُجِدَ الْمُسَاوِي، كَمَا يَشْمَلُ الْمَنْعَ، مِنْ الْأَعْلَي عِنْدَ عَدَمِهِ وَ يَشْمَلُ أَيْضًا فِيهِمَا مَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَ عَدَمِهِ.

وَهُوَ كَذَلِكَ.

(ويَحْفَظُ) الْوَدِيعَةَ

(بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ) فِي مَكَانِ الْوَدِيعَةِ وَ زَمَانِهَا، لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَحُدَّ لَهَا حَدًّا، فَيَرْجِعُ إلَي الْعَادَةِ (كَالثَّوْبِ وَ النَّقْدِ فِي الصُّنْدُوقِ) الْمُقْفَلِ، أَوْ الْمَوْضُوعِ فِي بَيْتٍ مُحْرَزٍ عَنْ الْغَيْرِ، (وَ الدَّابَّةِ فِي الْإِصْطَبْلِ) الْمَضْبُوطِ بِالْغَلْقِ، (وَ الشَّاةِ فِي الْمَرَاحِ) كَذَلِكَ أَوْ الْمَحْفُوظِ بِنَظَرِ الْمُسْتَوْدَعِ.

وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَوْنِهَا حِرْزًا لِمَا ذُكِرَ وَ قَدْ يَفْتَقِرُ إلَي أَمْرٍ آخَرَ، أَوْ يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا عَادَةً.

وَلَا فَرْقَ فِي وجوب الْحِرْزِ عَلَي الْمُسْتَوْدَعِ بَيْنَ مَنْ يَمْلِكُهُ وَ غَيْرِهِ وَ لَا بَيْنَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا حِرْزَ لَهُ وَ غَيْرِهِ

(وَلَوْ اسْتَوْدَعَ مِنْ طِفْلٍ، أَوْ مَجْنُونٍ ضَمِنَ)

؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا أَهْلًا لِلْإِذْنِ فَيَكُونُ وَضْعُ يَدِهِ عَلَي مَالِهِمَا بِغَيْرِ إذْنٍ شَرْعِيٍّ فَيَضْمَنُ، إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفَهَا فِي أَيْدِيهِمَا فَيَقْبِضَهَا بِنِيَّةِ الْحِسْبَةِ، فَالْأَقْوَي عَدَمُ الضَّمَانِ، لَكِنْ يَجِبُ مُرَاجَعَةُ الْوَلِيِّ مَا أَمْكَنَ.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَالِ لَهُمَا، أَوْ لِغَيْرِهِمَا وَ إِنْ ادَّعَيَا إذْنَهُ لَهُمَا فِي الْإِيدَاعِ.

(وَ) حَيْثُ يَقْبِضُ الْوَدِيعَةَ مِنْهُمَا مَعَ جَوَازِهِ.

أَوْ لَا

مَعَهُ (يَبْرَأُ بِالرَّدِّ إلَي وَلِيِّهِمَا) الْخَاصِّ، أَوْ الْعَامِّ مَعَ تَعَذُّرِهِ، لَا إلَيْهِمَا

(وَيَجِبُ إعَادَةُ الْوَدِيعَةِ عَلَي الْمُودِعِ)

مَعَ الْمُطَالَبَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْإِمْكَانِ بِمَعْنَي رَفْعِ يَدِهِ عَنْهَا وَ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمَالِكِ وَ بَيْنَهُمَا، فَلَوْ كَانَتْ فِي صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ فَفَتَحَهُ عَلَيْهِ، أَوْ بَيْتٍ مُحْرَزٍ فَكَذَلِكَ، لَا نَقْلُهَا إلَي الْمَالِكِ زِيَادَةً عَلَي ذَلِكَ.

وَالْعُذْرُ الشَّرْعِيُّ كَإِكْمَالِ الصَّلَاةِ وَ إِنْ كَانَتْ نَفْلًا عَلَي الْأَقْوَي مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ الْمَالِكُ بِالتَّأْخِيرِ وَ الْعَادِيُّ كَانْتِظَارِ انْقِطَاعِ الْمَطَرِ وَ نَحْوِهِ كَالْعَقْلِيِّ وَ فِي إكْمَالِ الطَّعَامِ وَ الْحَمَّامِ وَجْهَانِ.

وَالْمُعْتَبَرُ فِي السَّعْيِ الْقَصْدُ وَ إِنْ قَدَرَ عَلَي الزِّيَادَةِ.

وَالْحُكْمُ ثَابِتٌ كَذَلِكَ (وَ إِنْ كَانَ) الْمُودِعُ (كَافِرًا) مُبَاحَ الْمَالِ كَالْحَرْبِيِّ، لِلْأَمْرِ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ إلَي أَهْلِهَا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ.

وَرَوَي الْفُضَيْلُ عَنْ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

" سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ اسْتَوْدَعَ رَجُلًا مِنْ مَوَالِيك مَالًا لَهُ قِيمَةٌ وَ الرَّجُلُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ يَقْدِرُ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ شَيْئًا وَ الْمُودِعُ رَجُلٌ خَارِجِيٌّ شَيْطَانٌ، فَلَمْ أَدَعْ شَيْئًا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قُلْ لَهُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ بِأَمَانَةِ اللَّهِ " وَ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " أَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَي أَهْلِهَا وَ إِنْ كَانُوا مَجُوسًا ".

(وَيَضْمَنُ لَوْ أَهْمَلَ) الرَّدَّ (بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ) وَ إِمْكَانُ الرَّدِّ عَلَي الْوَجْهِ السَّابِقِ، لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ التَّقْصِيرِ وَ لَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ لِعُذْرٍ وَجَبَ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ إمْكَانِهِ، (أَوْ أَوْدَعَهَا) لِغَيْرِهِ وَ لَوْ لِزَوْجَتِهِ، أَوْ ثِقَةٍ (مَنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ) إلَي الْإِيدَاعِ، فَلَوْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ بِأَنْ خَافَ عَلَيْهَا مِنْ حَرْقٍ، أَوْ سَرَقٍ، أَوْ نَهْبٍ لَوْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ وَ تَعَذَّرَ رَدُّهَا إلَي الْمَالِكِ وَ الْحَاكِمِ أَوْدَعَهَا الْعَدْلَ.

وَفِي حُكْمِ إيدَاعِهَا اخْتِيَارًا إشْرَاكُ الْغَيْرِ فِي الْيَدِ وَ لَوْ زَوْجَةً وَ وَلَدًا وَ وَضَعَهَا فِي مَحَلٍّ مُشْتَرَكٍ فِي التَّصَرُّفِ بِحَيْثُ لَا يُلَاحِظُهَا فِي

سَائِرِ الْأَوْقَاتِ، (أَوْ سَافَرَ بِهَا كَذَلِكَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إلَي اسْتِصْحَابِهَا فِي السَّفَرِ بِأَنْ أَمْكَنَهُ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ إيصَالُهَا إلَي الْمَالِكِ، أَوْ وَكِيلِهِ عَامًّا، أَوْ خَاصًّا، أَوْ إيدَاعُهَا الْعَدْلَ فَتَرَكَ وَ أَخَذَهَا مَعَهُ فَيَضْمَنُ.

أَمَّا مَعَ الضَّرُورَةِ بِأَنْ تَعَذَّرَ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ وَ خَافَ عَلَيْهَا فِي الْبَلَدِ، أَوْ اُضْطُرَّ إلَي السَّفَرِ فَلَا ضَمَانَ، بَلْ قَدْ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضُرُوبِ الْحِفْظِ.

وَالْمُعْتَبَرُ فِي تَعَذُّرِ التَّوَصُّلِ إلَي الْمَالِكِ وَ مَنْ بِحُكْمِهِ الْمَشَقَّةُ الْكَثِيرَةُ عُرْفًا وَ فِي السَّفَرِ الْعُرْفِيِّ أَيْضًا فَمَا قَصُرَ عَنْهُ كَالتَّرَدُّدِ إلَي حُدُودِ الْبَلَدِ وَ قُرًي لَا يُطْلَقُ عَلَي الذَّهَابِ إلَيْهَا السَّفَرُ يَجُوزُ فِيهِ مُصَاحَبَتُهَا مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَ لَا يَجُوزُ إيدَاعُهَا فِي مِثْلِهِ مَعَ إمْكَانِ اسْتِصْحَابِهَا وَ اسْتَثْنَي مِنْهُ مَا لَوْ أَوْدَعَهُ مُسَافِرًا، أَوْ كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ مُنْتَجِعًا، فَإِنَّهُ يُسَافِرُ بِهَا مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ، لِقُدُومِ الْمَالِكِ عَلَيْهِ.

(أَوْ طَرَحَهَا فِي مَوْضِعٍ تَتَعَفَّنُ فِيهِ) وَ إِنْ كَانَ حِرْزًا لِمِثْلِهَا، لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّ الْحِرْزَ مَشْرُوطٌ بِأُمُورٍ أُخَرَ هَذَا مِنْهَا.

وَفِي حُكْمِ الْعَفَنِ الْمُوضِعِ الْمُفْسِدِ كَالنَّدَي لِلْكُتُبِ.

وَضَابِطُهُ مَا لَا يَصْلُحُ لِتِلْكَ الْوَدِيعَةِ عُرْفًا بِحَسَبِ مُدَّةِ إقَامَتِهَا فِيهِ، (أَوْ تَرَكَ سَقْيَ الدَّابَّةِ، أَوْ عَلَفَهَا مَا لَا تَصْبِرُ عَلَيْهِ عَادَةً) وَ مِثْلُهَا الْمَمْلُوكُ وَ الْمُعْتَبَرُ السَّقْيُ وَ الْعَلَفُ بِحَسَبِ الْمُعْتَادِ لِأَمْثَالِهَا، فَالنُّقْصَانُ عَنْهُ تَفْرِيطٌ وَ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِعَدَمِ صَبْرِهَا عَلَيْهِ فَيَضْمَنُهَا حِينَئِذٍ وَ إِنْ مَاتَتْ بِغَيْرِهِ.

وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِمَا وَ يُطْلِقَ وَ يَنْهَاهُ، لِوُجُوبِ حِفْظِ الْمَالِ عَنْ التَّلَفِ، هَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الْعِبَارَةِ وَ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ.

وَالْأَقْوَي أَنَّهُ مَعَ النَّهْيِ لَا يَضْمَنُ بِالتَّرْكِ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْمَالِ إنَّمَا يَجِبُ عَلَي مَالِكِهِ لَا عَلَي غَيْرِهِ، نَعَمْ يَجِبُ فِي الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ ذُو رُوحٍ لَكِنْ لَا يَضْمَنُ

بِتَرْكِهِ كَغَيْرِهِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مُسْتَوْدَعَ الْحَيَوَانِ إنْ أَمَرَهُ الْمَالِكُ بِالْإِنْفَاقِ أَنْفَقَ وَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا غَرِمَ وَ إِنْ أَطْلَقَ تَوَصَّلَ إلَي اسْتِئْذَانِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ رَفْعُ أَمْرِهِ إلَي الْحَاكِمِ فَإِنْ تَعَذَّرَ أَنْفَقَ هُوَ وَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَ رَجَعَ بِهِ وَ لَوْ تَعَذَّرَ الْإِشْهَادُ اقْتَصَرَ عَلَي نِيَّةِ الرُّجُوعِ إنْ أَرَادَهُ وَ قُبِلَ قَوْلُهُ فِيهَا وَ فِي الْقَدْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ كَذَا الْقَوْلُ مَعَ نَهْيِ الْمَالِكِ لَهُ عَنْهُ.

وَفِي حُكْمِ النَّفَقَةِ مَا نَفْتَقِرُ إلَيْهِ مِنْ الدَّوَاءِ وَ غَيْرِهِ وَ فِي حُكْمِ الْحَيَوَانِ الشَّجَرُ الْمُفْتَقِرُ إلَي الْحَرْثِ وَ السَّقْيِ وَ غَيْرِهِمَا.

(أَوْ تَرَكَ نَشْرَ الثَّوْبِ) الَّذِي يُفْسِدُهُ طُولُ مُكْثِهِ كَالصُّوفِ وَ الْإِبْرَيْسَمِ (لِلرِّيحِ) حَتَّي لَوْ لَمْ يَنْدَفِعْ بِنَشْرِهِ وَجَبَ لُبْسُهُ بِمِقْدَارِ مَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْهُ وَ كَذَا عَرْضُهُ عَلَي الْبَرْدِ.

وَمِثْلُهُ تَوَقُّفُ نَقْلِ الدَّابَّةِ إلَي الْحِرْزِ، أَوْ الْعَلَفِ، أَوْ السَّقْيِ عَلَي الرُّكُوبِ وَ الْكِتَابِ عَلَي تَقْلِيبِهِ وَ النَّظَرِ فِيهِ فَيَجِبُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَ يَحْرُمُ بِدُونِهِ، (أَوْ انْتَفَعَ بِهَا) لَا لِذَلِكَ.

(أَوْ مَزَجَهَا) بِمَالِهِ، أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ، سَوَاءٌ مَزَجَهَا بِأَجْوَدَ أَمْ بِأَدْوَنَ، بَلْ لَوْ مَزَجَ إحْدَي الْوَدِيعَتَيْنِ بِالْأُخْرَي ضَمِنَهُمَا مَعًا وَ إِنْ كَانَا لِوَاحِدٍ وَ مِثْلُهُ لَوْ خَلَطَهَا بِمَالٍ لِمَالِكِهَا غَيْرِ مُودَعٍ عِنْدَهُ، لِلتَّعَدِّي فِي الْجَمِيعِ.

(وَلْيَرُدَّ) الْوَدِيعَةَ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِهِ، أَوْ يُرِيدُهُ هُوَ (إلَي الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ) الْمُتَنَاوِلِ وَكَالَتَهُ مِثْلُ ذَلِكَ مُخَيَّرًا فِيهِمَا، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْمَالِكُ، أَوْ وَكِيلُهُ (فَالْحَاكِمُ) الشَّرْعِيُّ (عِنْدَ الضَّرُورَةِ إلَي رَدِّهَا)، لَا بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَي مَنْ لَهُ وَكِيلٌ وَ الْوَدِيعُ بِمَنْزِلَتِهِ.

وَإِنَّمَا جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَ الْإِضْرَارِ وَ تَنْزِيلًا لَهُ حِينَئِذٍ مَنْزِلَةَ مَنْ لَا وَكِيلَ لَهُ وَ تَتَحَقَّقُ الضَّرُورَةُ بِالْعَجْزِ عَنْ الْحِفْظِ وَ عُرُوضِ خَوْفٍ يَفْتَقِرُ مَعَهُ إلَي التَّسَتُّرِ الْمُنَافِي لِرِعَايَتِهَا، أَوْ الْخَوْفِ

عَلَي أَخْذِ الْمُتَغَلِّبِ لَهَا تَبَعًا لِمَالِهِ، أَوْ اسْتِقْلَالًا، أَوْ الْخَوْفِ عَلَيْهَا مِنْ السَّرَقِ، أَوْ الْحَرَقِ، أَوْ النَّهْبِ وَ نَحْوِ ذَلِكَ.

فَإِنْ تَعَذَّرَ الْحَاكِمُ حِينَئِذٍ أَوْدَعَهَا الثِّقَةَ.

وَلَوْ دَفَعَهَا إلَي الْحَاكِمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَي الْمَالِكِ ضَمِنَ كَمَا يَضْمَنُ لَوْ دَفَعَهَا إلَي الثِّقَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَي الْحَاكِمِ، أَوْ الْمَالِكِ.

(وَلَوْ أَنْكَرَ الْوَدِيعَةَ حَلَفَ)

لِأَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ، (وَ لَوْ أَقَامَ) الْمَالِكُ (بِهَا بَيِّنَةً قَبْلَ حَلِفِهِ ضَمِنَ)؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِجُحُودِهِ لَهَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ: لَا تَسْتَحِقُّ عِنْدِي شَيْئًا وَ شَبَهُهُ) كَقوله:

لَيْسَ لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ يَلْزَمُنِي رَدُّهَا وَ لَا عِوَضُهَا، فَلَا يَضْمَنُ بِالْإِنْكَارِ، بَلْ يَكُونُ كَمُدَّعِي التَّلَفِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَيْضًا؛ لِإِمْكَانِ تَلَفِهَا بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا تَكُونُ مُسْتَحَقَّةً عِنْدَهُ وَ لَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ الْبَيِّنَةَ وَ لَوْ أَظْهَرَ لِإِنْكَارِهِ الْأَوَّلِ تَأْوِيلًا كَقوله:

لَيْسَ لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ يَلْزَمُنِي رَدُّهَا، أَوْ ضَمَانُهَا وَ نَحْوُ ذَلِكَ فَالْأَقْوَي الْقَبُولُ أَيْضًا وَ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِ تَحْقِيقَاتِهِ.

(وَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَدِيعِ فِي الْقِيمَةِ لَوْ فَرَّطَ) لِأَصَالَةِ عَدَمِ الزِّيَادَةِ عَمَّا يَعْتَرِفُ بِهِ.

وَقِيلَ: قَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِخُرُوجِهِ بِالتَّفْرِيطِ عَنْ الْأَمَانَةِ وَ يَضْعُفُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَأْخَذَ الْقَبُولِ.

(وَإِذَا مَاتَ الْمُودِعُ سَلَّمَهَا)

الْمُسْتَوْدَعُ (إلَي وَارِثِهِ) إنْ اتَّحَدَ، (أَوْ إلَي مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) مِنْ وَكِيلٍ وَ وَلِيٍّ، فَإِنْ تَعَدَّدَ سَلَّمَهَا إلَي الْجَمِيعِ إنْ اتَّفَقُوا فِي الْأَهْلِيَّةِ وَ إِلَّا فَإِلَي الْأَهْلِ وَ وَلِيِّ النَّاقِصِ، (وَ لَوْ سَلَّمَهَا إلَي الْبَعْضِ) مِنْ دُونِ إذْنِ الْبَاقِينَ (ضَمِنَ لِلْبَاقِي) بِنِسْبَةِ حِصَّتِهِمْ؛ لِتَعَدِّيهِ فِيهَا بِتَسْلِيمِهَا إلَي غَيْرِ الْمَالِكِ وَ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَي رَدِّهَا إلَيْهِمْ حِينَئِذٍ كَمَا سَلَفَ، سَوَاءٌ عَلِمَ الْوَارِثُ بِهَا أَمْ لَا. (وَ لَا يَبْرَأُ) الْمُسْتَوْدَعُ (بِإِعَادَتِهَا إلَي الْحِرْزِ لَوْ تَعَدَّي) فَأَخْرَجَهَا مِنْهُ، (أَوْ فَرَّطَ) بِتَرْكِهِ غَيْرَ مُقْفَلٍ، ثُمَّ قَفَلَهُ وَ نَحْوُهُ، لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فَيُسْتَصْحَبُ حُكْمُ الضَّمَانِ إلَي أَنْ يَحْصُلَ مِنْ

الْمَالِكِ مَا يَقْتَضِي زَوَالَهُ بِرَدِّهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُجَدِّدُ لَهُ الْوَدِيعَةَ، أَوْ يُجَدِّدُ لَهُ الِاسْتِئْمَانَ بِغَيْرِ رَدٍّ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: أَوْدَعْتُكهَا، أَوْ اسْتَأْمَنْتُك عَلَيْهَا وَ نَحْوُهُ عَلَي الْأَقْوَي.

وَقِيلَ: لَا يَعُودُ بِذَلِكَ، كَمَا لَا يَزُولُ الضَّمَانُ عَنْ الْغَاصِبِ بِإِيدَاعِهِ، أَوْ يُبْرِئُهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَي قَوْلٍ قَوِيٍّ.

(وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي الرَّدِّ) وَ إِنْ كَانَ مُدَّعِيًا بِكُلِّ وَجْهٍ عَلَي الْمَشْهُورِ، لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ وَ قَابِضٌ لِمَحْضِ مَصْلَحَةِ الْمَالِكِ وَ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ هَذَا إذَا ادَّعَي رَدَّهَا عَلَي مَنْ ائْتَمَنَهُ، أَمَّا لَوْ ادَّعَاهُ عَلَي غَيْرِهِ كَوَارِثِهِ فَكَغَيْرِهِ مِنْ الْأُمَنَاءِ، لِأَصَالَةِ عَدَمِهِ وَ هُوَ لَمْ يَأْتَمِنْهُ فَلَا يُكَلَّفُ تَصْدِيقَهُ.

وَدَعْوَي رَدِّهَا عَلَي الْوَكِيلِ كَدَعْوَاهُ عَلَي الْمُوَكِّلِ، لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ

25 كتاب العارية

(25) كتاب العارية

كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

الْعَارِيَّةُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَ تُخَفَّفُ، نِسْبَةً إلَي الْعَارِ، لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ، أَوْ إلَي الْعَارَةِ مَصْدَرٌ ثَانٍ لَأَعَرْتُهُ إعَارَةً، كَالْجَابَّةِ لِلْإِجَابَةِ، أَوْ مِنْ عَارَ إذَا جَاءَ وَ ذَهَبَ لِتَحَوُّلِهَا مِنْ يَدٍ إلَي أُخْرَي، أَوْ مِنْ التَّعَاوُرِ وَ هُوَ التَّدَاوُلُ.

وَهِيَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ تُثْمِرُ جَوَازَ التَّصَرُّفِ فِي الْعَيْنِ بِالِانْتِفَاعِ مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ غَالِبًا.

(وَ لَا حَصْرَ أَيْضًا) أَيْ عَوْدًا إلَي مَا ذَكَرَ فِي الْوَدِيعَةِ (فِي أَلْفَاظِهَا) وَ إِيجَابًا وَ قَبُولًا، بَلْ كُلُّ مَا دَلَّ عَلَي الْإِذْنِ مِنْ طَرَفِ الْمُعِيرِ فَهُوَ إيجَابٌ.

وَيَكْفِي الْفِعْلُ فِي الْقَبُولِ، بَلْ لَوْ اُسْتُفِيدَ رِضَاهُ مِنْ غَيْرِ الْأَلْفَاظِ كَالْكِتَابَةِ وَ الْإِشَارَةِ وَ لَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَي النُّطْقِ كَفَي.

وَمِثْلُهُ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا حَيْثُ وَجَدَهُ عَارِيًّا، أَوْ مُحْتَاجًا إلَي لُبْسِهِ، أَوْ فَرَشَ لِضَيْفِهِ فِرَاشًا، أَوْ أَلْقَي إلَيْهِ وِسَادَةً، أَوْ مِخَدَّةً.

وَاكْتَفَي فِي التَّذْكِرَةِ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِالصَّدِيقِ فِي جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِمَتَاعِهِ.

وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِكَوْنِ مَنْفَعَتِهِ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْإِذْنُ الْوَارِدُ فِي الْآيَةِ بِجَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ بَيْتِهِ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَ تَعَدِّيهِ إلَي مَنْ تَنَاوَلَتْهُ مِنْ الْأَرْحَامِ،

لَا مُطْلَقِ حُسْنِ الظَّنِّ، لِعَدَمِ الدَّلِيلِ، إذْ الْمُسَاوِي قِيَاسٌ وَ الْأَضْعَفُ مُمْتَنِعٌ بِطَرِيقٍ أَوْلَي. (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُعِيرِ كَامِلًا جَائِزَ التَّصَرُّفِ،

وَيَجُوزُ إعَارَةُ الصَّبِيِّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ

لِمَالِ نَفْسِهِ وَ وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إذْنُ الْوَلِيِّ وَ هُوَ كَافٍ فِي تَحَقُّقِ هَذَا الْعَقْدِ.

هَذَا إذَا عَلِمَ الْمُسْتَعِيرُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَ إِلَّا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الصَّبِيِّ فِي حَقِّهِ، إلَّا أَنْ تَنْضَمَّ إلَيْهِ قَرَائِنُ تُفِيدُ الظَّنَّ الْمُتَاخِمَ لِلْعِلْمِ بِهِ، كَمَا إذَا طَلَبَهَا مِنْ الْوَلِيِّ فَجَاءَ بِهَا الصَّبِيُّ وَ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ بِهَا وَ نَحْوُ ذَلِكَ، كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْهَدِيَّةِ وَ الْإِذْنُ فِي دُخُولِ الدَّارِ بِالْقَرَائِنِ وَ لَا بُدَّ مَعَ إذْنِ الْوَلِيِّ لَهُ فِي إعَارَةِ مَالِهِ مِنْ وُجُودِ الْمَصْلَحَةِ بِهَا بِأَنْ تَكُونَ يَدُ الْمُسْتَعِيرِ أَحْفَظَ مِنْ يَدِ الْوَلِيِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ لِانْتِفَاعِ الصَّبِيِّ بِالْمُسْتَعِيرِ بِمَا يَزِيدُ عَنْ مَنْفَعَةِ مَالِهِ، أَوْ تَكُونُ الْعَيْنُ يَنْفَعُهَا الِاسْتِعْمَالُ وَ يَضُرُّهَا الْإِهْمَالُ وَ نَحْوُ ذَلِكَ.

(وَكَوْنُ الْعَيْنِ مِمَّا يَصِحُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا مَعَ بَقَائِهَا) فَلَا يَصِحُّ إعَارَةُ مَا لَا يَتِمُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِذَهَابِ عَيْنِهِ كَالْأَطْعِمَةِ.

وَيُسْتَثْنَي مِنْ ذَلِكَ الْمِنْحَةُ وَ هِيَ الشَّاةُ الْمُسْتَعَارَةُ لِلْحَلْبِ، لِلنَّصِّ.

وَفِي تَعَدِّيهِ إلَي غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ الْمُتَّخَذِ لِلْحَلْبِ وَجْهَانِ وَ الِاقْتِصَارُ فِيمَا خَالَفَ الْأَصْلَ عَلَي مَوْضِعِ الْيَقِينِ أَجْوَدُ.

(وَلِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ فِيهَا مَتَي شَاءَ) لِاقْتِضَاءِ جَوَازِ الْعَقْدِ ذَلِكَ، (إلَّا فِي الْإِعَارَةِ لِلدَّفْنِ) أَيْ دَفْنِ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَ مَنْ بِحُكْمِهِ فَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ (بَعْدَ الطَّمِّ)؛ لِتَحْرِيمِ نَبْشِهِ وَ هَتْكِ حُرْمَتِهِ، إلَي أَنْ تَنْدَرِسَ عِظَامُهُ.

وَلَوْ رَجَعَ قَبْلَهُ جَازَ وَ إِنْ كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ وُضِعَ عَلَي الْأَقْوَي، لِلْأَصْلِ فَمُؤْنَةُ الْحَفْرِ لَازِمَةٌ لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ؛ لِقُدُومِهِ عَلَي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، مِمَّا لَا يَزِيدُ عِوَضُهُ عَنْهُ فَيَقْوَي كَوْنُهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ وَ لَا يَلْزَمُ وَلِيَّهُ طَمُّهُ، لِلْإِذْنِ

فِيهِ.

وَيُسْتَثْنَي آخَرَانِ أَيْضًا: أَحَدُهُمَا إذَا حَصَلَ بِالرُّجُوعِ ضَرَرٌ عَلَي الْمُسْتَعِيرِ لَا يُسْتَدْرَكُ كَمَا لَوْ أَعَارَهُ لَوْحًا رَقَعَ بِهِ سَفِينَتَهُ وَ لَجَّجَ فِي الْبَحْرِ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُعِيرِ إلَي أَنْ يُمْكِنَهُ الْخُرُوجُ إلَي الشَّاطِئِ، أَوْ إصْلَاحِهَا مَعَ نَزْعِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَ لَوْ رَجَعَ قَبْلَ دُخُولِ السَّفِينَةِ، أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهَا فَلَا إشْكَالَ فِي الْجَوَازِ، مَعَ احْتِمَالِ الْجَوَازِ مُطْلَقًا وَ إِنْ وَجَبَ الصَّبْرُ بِقَبْضِهِ إلَي أَنْ يَزُولَ الضَّرَرُ وَ الثَّانِي الِاسْتِعَارَةُ لِلرَّهْنِ بَعْدَ وُقُوعِهِ و قد تَقَدَّمَ.

(وَ هِيَ أَمَانَةٌ) فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ (لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي، أَوْ التَّفْرِيطِ) إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ (وَ إِذَا اسْتَعَارَ أَرْضًا) صَالِحَةً لِلزَّرْعِ وَ الْغَرْسِ وَ الْبِنَاءِ عَادَةً (غَرَسَ، أَوْ زَرَعَ، أَوْ بَنَي) مُخَيَّرًا فِيهَا مَعَ الْإِطْلَاقِ، أَوْ التَّصْرِيحِ بِالتَّعْمِيمِ وَ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ انْتِفَاعٌ بِتِلْكَ الْعَيْنِ يَدْخُلُ فِي الْإِطْلَاقِ، أَوْ التَّعْمِيمِ وَ مِثْلُهُ مَا لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً صَالِحَةً لِلرُّكُوبِ وَ الْحَمْلِ.

(وَ لَوْ عَيَّنَ لَهُ جِهَةً لَمْ يَتَجَاوَزْهَا) وَ لَوْ إلَي الْمُسَاوِي وَ الْأَدْوَنِ عَمَلًا بِمُقْتَضَي التَّعْيِينِ وَ اقْتِصَارًا عَلَي الْمَأْذُونِ.

وَقِيلَ: يَجُوزُ التَّخَطِّي إلَي الْمُسَاوِي وَ الْأَقَلِّ ضَرَرًا وَ هُوَ ضَعِيفٌ.

وَدُخُولُ الْأَدْوَنِ بِطَرِيقٍ أَوْلَي مَمْنُوعٌ، لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ فِي ذَلِكَ، نَعَمْ لَوْ عَلِمَ انْتِفَاءَ الْغَرَضِ بِالْمُعَيَّنِ اتَّجَهَ جَوَازُ التَّخَطِّي إلَي الْأَقَلِّ، أَمَّا الْمُسَاوِي فَلَا مُطْلَقًا، كَمَا أَنَّهُ مَعَ النَّهْيِ عَنْ التَّخَطِّي يَحْرُمُ مُطْلَقًا.

وَحَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْمُعَيَّنُ فَتَعَدَّي إلَي غَيْرِهِ ضَمِنَ الْأَرْضَ وَ لَزِمَهُ الْأُجْرَةُ لِمَجْمُوعِ مَا فَعَلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْقِطَ مِنْهَا مَا قَابَلَ الْمَأْذُونَ عَلَي الْأَقْوَي، لِكَوْنِهِ تَصَرُّفًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ فَيُوجِبُ الْأُجْرَةَ وَ الْقَدْرُ الْمَأْذُونُ فِيهِ لَمْ يَفْعَلْهُ فَلَا مَعْنَي لِإِسْقَاطِ قَدْرِهِ.

نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ فِيهِ دَاخِلًا فِي ضِمْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي تَحْمِيلِ الدَّابَّةِ قَدْرًا

مُعَيَّنًا فَتَجَاوَزَهُ، أَوْ فِي رُكُوبِهَا بِنَفْسِهِ فَأَرْدَفَ غَيْرَهُ تَعَيَّنَ إسْقَاطُ قَدْرِ الْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ مَا اسْتَوْفَي مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَ إِنْ ضَمِنَ الدَّابَّةَ أَجْمَعَ.

(وَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُ غُرُوسِهِ وَ أَبْنِيَتِهِ وَ لَوْ عَلَي غَيْرِ الْمَالِكِ) عَلَي الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَيَبِيعُهُ مِمَّنْ يَشَاءُ وَ قِيلَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَي غَيْرِ الْمُعِيرِ؛ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ بِرُجُوعِ الْمُعِيرِ وَ هُوَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الْبَيْعِ، كَمَا يُبَاعُ الْمُشْرِفُ عَلَي التَّلَفِ وَ مُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ قِصَاصًا ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِحَالِهِ فَلَهُ الْفَسْخُ لِلْعَيْبِ، لَا إنْ كَانَ عَالِمًا بَلْ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمُسْتَعِيرِ.

وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَي بَيْعِ مِلْكِهِمَا مَعًا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ صَحَّ وَ وُزِّعَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا، فَيُقَسَّطُ عَلَي أَرْضٍ مَشْغُولَةٍ بِهِ عَلَي وَجْهِ الْإِعَارَةِ مُسْتَحِقٌّ الْقَلْعَ بِالْأَرْشِ، أَوْ الْإِبْقَاءَ بِالْأُجْرَةِ، أَوْ التَّمَلُّكَ بِالْقِيمَةِ مَعَ التَّرَاضِي وَ عَلَي مَا فِيهَا مُسْتَحِقَّ الْقَلْعَ عَلَي أَحَدِ الْوُجُوهِ فَلِكُلِّ قِسْطٍ مَا يَمْلِكُهُ.

(وَلَوْ نَقَصَتْ) الْعَيْنُ الْمُعَارَةُ

(بِالِاسْتِعْمَالِ لَمْ يَضْمَنْ) الْمُسْتَعِيرُ النَّقْصَ؛ لِاسْتِنَادِ التَّلَفِ إلَي فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَ لَوْ مِنْ جِهَةِ الْإِطْلَاقِ وَ تَقْيِيدُهُ بِالنَّقْصِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ بِهِ ضَمِنَهَا وَ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ، لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْإِذْنِ لِلِاسْتِعْمَالِ الْمُتْلَفِ عُرْفًا وَ إِنْ دَخَلَ فِي الْإِطْلَاقِ، فَيَضْمَنُهَا آخِرَ حَالَاتِ التَّقْوِيمِ.

وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ أَيْضًا كَالنَّقْصِ، لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْوَجْهِ وَ هُوَ الْوَجْهُ.

(وَيَضْمَنُ الْعَارِيَّةَ بِاشْتِرَاطِ الضَّمَانِ)

عَمَلًا بِالشَّرْطِ الْمَأْمُورِ بِالْكَوْنِ مَعَهُ سَوَاءٌ شَرَطَ ضَمَانَ الْعَيْنِ أَمْ الْأَجْزَاءِ أَمْ هُمَا فَيَتْبَعُ شَرْطَهُ.

(وَبِكَوْنِهَا ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً) سَوَاءٌ كَانَا دَنَانِيرَ وَ دَرَاهِمَ أَمْ لَا عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ النُّصُوصِ الْمُخْتَلِفَةِ.

وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِالنَّقْدَيْنِ اسْتِنَادًا إلَي الْجَمْعِ أَيْضًا وَ إِلَي الْحِكْمَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَي الْحُكْمِ وَ هِيَ ضَعْفُ الْمَنْفَعَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُمَا بِدُونِ الْإِنْفَاقِ، فَكَانَتْ عَارِيَّتُهُمَا مُوجِبَةً بِالذَّاتِ لِمَا

يُوجِبُ التَّلَفَ فَيُضْمَنَانِ بِهِمَا.

وَيُضَعَّفُ بِأَنَّ الشَّرْطَ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا مَعَ بَقَائِهِمَا، وَضَعْفُ الْمَنْفَعَةِ حِينَئِذٍ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي اخْتِلَافِ الْحُكْمِ وَ تَقْدِيرُ مَنْفَعَةِ الْإِنْفَاقِ حُكْمٌ بِغَيْرِ الْوَاقِعِ

(وَلَوْ ادَّعَي) الْمُسْتَعِيرُ

(التَّلَفَ حَلَفَ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ كَغَيْرِهِ، سَوَاءٌ ادَّعَاهُ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ أَمْ خَفِيٍّ وَ لِإِمْكَانِ صِدْقِهِ، فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لَزِمَ تَخْلِيدُهُ الْحَبْسَ.

(وَ لَوْ ادَّعَي الرَّدَّ حَلَفَ الْمَالِكُ)، لِأَصَالَةِ عَدَمِهِ وَ قَدْ قَبَضَهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْوَدِيعِ.

وَمَعْنَي عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ فِيهِ الْحُكْمُ بِضَمَانِهِ لِلْمِثْلِ، أَوْ الْقِيمَةِ حَيْثُ يَتَعَذَّرُ الْعَيْنُ، لَا الْحُكْمُ بِالْعَيْنِ مُطْلَقًا، لِمَا تَقَدَّمَ فِي دَعْوَي التَّلَفِ (وَلِلْمُسْتَعِيرِ الِاسْتِظْلَالُ بِالشَّجَرِ) الَّذِي غَرَسَهُ فِي الْأَرْضِ الْمُعَارَةِ لِلْغَرْسِ وَ إِنْ اسْتَلْزَمَ التَّصَرُّفَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْغَرْسِ، لِقَضَاءِ الْعَادَةِ بِهِ.

كَمَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ إلَيْهَا لِسَقْيِهِ وَ حَرْثِهِ وَ حِرَاسَتِهِ وَ غَيْرِهَا وَ لَيْسَ لَهُ الدُّخُولُ لِغَيْرِ غَرَضٍ يَتَعَلَّقُ بِالشَّجَرِ كَالتَّفَرُّجِ، (وَ كَذَا) يَجُوزُ (لِلْمُعِيرِ) الِاسْتِظْلَالُ بِالشَّجَرِ الْمَذْكُورِ وَ إِنْ كَانَ مِلْكًا لِغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ جَالِسٌ فِي مِلْكِهِ كَمَا لَوْ جَلَسَ فِي غَيْرِهِ مِنْ أَمْلَاكِهِ فَاتَّفَقَ لَهُ التَّظَلُّلُ بِشَجَرِ غَيْرِهِ، أَوْ فِي الْمُبَاحِ كَذَلِكَ وَ كَذَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِكُلِّ مَا لَا يَسْتَلْزِمُ التَّصَرُّفَ فِي الشَّجَرِ.

(وَلَا يَجُوزُ) لِلْمُسْتَعِيرِ

(إعَارَةُ الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ)؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ إنَّمَا تَنَاوَلَتْ الْإِذْنَ لَهُ خَاصَّةً.

نَعَمْ يَجُوزُ لَهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَ وَكِيلِهِ، لَكِنْ لَا يُعَدُّ ذَلِكَ إعَارَةً؛ لِعَوْدِ الْمَنْفَعَةِ إلَيْهِ، لَا إلَي الْوَكِيلِ.

وَحَيْثُ يُعِيرُ يَضْمَنُ الْعَيْنَ وَ الْمَنْفَعَةَ وَ يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَي مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، فَإِنْ رَجَعَ عَلَي الْمُسْتَعِيرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَي الثَّانِي الْجَاهِلِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةً فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِبَدَلِ الْعَيْنِ خَاصَّةً وَ لَوْ كَانَ عَالِمًا اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ كَالْغَاصِبِ وَ إِنْ رَجَعَ عَلَي الثَّانِي رَجَعَ عَلَي الْأَوَّلِ بِمَا

لَا يَرْجِعُ، عَلَيْهِ بِهِ لَوْ رَجَعَ عَلَيْهِ، لِغُرُورِهِ، (وَ لَوْ شَرَطَ سُقُوطَ الضَّمَانِ فِي الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ صَحَّ) عَمَلًا بِالشَّرْطِ.

(وَ لَوْ شَرَطَ سُقُوطَهُ مَعَ التَّعَدِّي أَوْ التَّفْرِيطِ احْتَمَلَ الْجَوَازَ) لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ الْإِذْنِ لَهُ فِي الْإِتْلَافِ فَلَا يَسْتَعْقِبُ الضَّمَانَ (كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِإِلْقَاءِ مَتَاعِهِ فِي الْبَحْرِ).

وَيَحْتَمِلُ عَدَمَ صِحَّةِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَسْبَابِ الضَّمَانِ فَلَا يُعْقَلُ إسْقَاطُهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ، لِأَنَّهُ كَالْبَرَاءَةِ وَ مِمَّا لَمْ يَجِبْ وَ الْأَوَّلُ أَقْوَي. (وَ لَوْ قَالَ الرَّاكِبُ: أَعَرْتَنِيهَا و قال الْمَالِكُ: آجَرْتُكهَا حَلَفَ الرَّاكِبُ)؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَي أَنَّ تَلَفَ الْمَنَافِعِ وَقَعَ عَلَي مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ وَ إِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْأُجْرَةِ وَ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْهَا.

(وَ قِيلَ): يَحْلِفُ (الْمَالِكُ)، لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ كَالْأَعْيَانِ فَهِيَ بِالْأَصَالَةِ لِمَالِكِ الْعَيْنِ فَادِّعَاءُ الرَّاكِبِ مِلْكِيَّتَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ عَلَي خِلَافِ الْأَصْلِ وَ أَصَالَةً بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ إنَّمَا تَصِحُّ مِنْ خُصُوصِ مَا ادَّعَاهُ الْمَالِكُ، لَا مِنْ مُطْلَقِ الْحَقِّ بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ مَنْفَعَةَ مِلْكِ غَيْرِهِ.

(وَ هُوَ أَقْوَي) و لكن لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ فِيهَا مُدَّعٍ، كَمَا أَنَّ الرَّاكِبَ بِالنِّسْبَةِ إلَي الْعَارِيَّةِ مُدَّعٍ، بَلْ يَحْلِفُ عَلَي نَفْيِ الْعَارِيَّةِ، (وَيَثْبُتُ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ)، لِثُبُوتِ أَنَّ الرَّاكِبَ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ تَبَرُّعٍ مِنْهُ، (إلَّا أَنْ تَزِيدَ) أُجْرَةُ الْمِثْلِ (عَلَي مَا ادَّعَاهُ) الْمَالِكُ (مِنْ الْمُسَمَّي) فَيَثْبُتُ الْمُسَمَّي، لِاعْتِرَافِهِ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ سِوَاهُ.

وَيَشْكُلُ بِأَنَّ الْمَالِكَ يَدَّعِي الزَّائِدَ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَي تَقْدِيرِ زِيَادَةِ مَا يَدَّعِيهِ عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَ الرَّاكِبُ يَنْفِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ يَقْتَضِي نَفْيَهُ وَ حَلِفُهُ عَلَي نَفْيِ الْإِعَارَةِ لَمْ يَدُلَّ عَلَي نَفْيِ الْإِجَارَةِ، كَمَا لَمْ يَدُلَّ عَلَي إثْبَاتِهَا وَ إِثْبَاتُ أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ بِالْيَمِينِ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ يَبْقَي النِّزَاعُ فِي الزَّائِدِ عَلَي تَقْدِيرِهِ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِحَلِفِ الرَّاكِبِ عَلَي نَفْيِ الْإِجَارَةِ، أَوْ نُكُولِهِ

فَيَحْلِفُ الْمَالِكُ عَلَيْهَا وَ يَأْخُذُ الزِّيَادَةَ.

فَالْأَقْوَي حِينَئِذٍ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَ مُدَّعًي عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ الْمَالِكُ عَلَي نَفْيِ الْإِعَارَةِ وَ الرَّاكِبُ عَلَي نَفْيِ الْإِجَارَةِ وَ يَثْبُتُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ، لِانْتِفَاءِ الزَّائِدِ مِنْ الْمُسَمَّي.

بِيَمِينِ الْمُسْتَعِيرِ وَ الزَّائِدِ عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بِاعْتِرَافِ الْمَالِكِ.

وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ تَحْقِيقَاتِهِ.

هَذَا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ عَادَةً، أَوْ مَا يَدَّعِي كَوْنَهَا مُدَّةَ الْإِجَارَةِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ فِي نَفْيِ الْإِجَارَةِ وَ تُسْتَرَدُّ الْعَيْنُ.

26 كتَاب الْمُزَارَعَةِ

(26) كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ

كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ

(وَ هِيَ) لُغَةً مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزَّرْعِ وَ هِيَ تَقْتَضِي وُقُوعَهُ مِنْهُمَا مَعًا، لَكِنَّهَا فِي الشَّرْعِ صَارَتْ (مُعَامَلَةً عَلَي الْأَرْضِ بِحِصَّةٍ مِنْ حَاصِلِهَا إلَي أَجَلٍ مَعْلُومٍ) وَ نُسِبَ الْفِعْلُ إلَيْهِمَا بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا مَعَ طَلَبِ الْآخَرِ فَكَأَنَّهُ لِذَلِكَ فَاعِلٌ كَالْمُضَارَبَةِ وَ خَرَجَ بِالْمُعَامَلَةِ عَلَي الْأَرْضِ الْمُسَاقَاةُ، فَإِنَّهَا بِالذَّاتِ عَلَي الْأُصُولِ وَ بِالْحِصَّةِ إجَارَةُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ، أَوْ الْأَعَمِّ، إذْ لَا تَصِحُّ بِحِصَّةٍ مِنْ الْحَاصِلِ.

وَقُيِّدَ الْأَجَلُ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ، أَوْ تَخْصِيصٌ لِلصَّحِيحَةِ، أَوْ اسْتِطْرَادٌ لِبَعْضِ الشَّرَائِطِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْكَشْفُ عَنْ الْمَاهِيَّةِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُهَا مِنْ وَظَائِفِ التَّعْرِيفِ.

(وَعِبَارَتُهَا: زَارَعْتُكَ، أَوْ عَامَلْتُك أَوْ سَلَّمْتُهَا إلَيْك وَ شِبْهُهُ) كَقَبِلْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ وَ نَحْوِهِ مِنْ صِيَغِ الْمَاضِي الدَّالَّةِ عَلَي إنْشَاءِ الْعَقْدِ صَرِيحًا.

وَالْمَشْهُورُ جَوَازُهَا بِصِيغَةِ ازْرَعْ هَذِهِ الْأَرْضَ، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ قَاصِرَةِ الدَّلَالَةِ عَنْ إخْرَاجِ هَذَا الْعَقْدِ اللَّازِمِ عَنْ نَظَائِرِهِ فَالْمَنْعُ أَوْجَهُ (فَيَقْبَلُ) الزَّارِعُ (لَفْظًا) عَلَي الْأَقْوَي كَغَيْرِهِ.

(وَعَقْدُهَا لَازِمٌ)

؛ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ، إلَّا مَا أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ.

وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ إجْمَاعًا. (وَيَصِحُّ التَّقَايُلُ فِيهِ)، لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ فَيَقْبَلُهَا كَالْبَيْعِ، (وَ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَي اللُّزُومِ.

ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ الْعَامِلُ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي الْعَمَلِ وَ إِلَّا اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ،

أَوْ عَلَي مَا يَخْرُجُ مِنْ حِصَّتِهِ وَ إِنْ كَانَ الْمَالِكَ بَقِيَتْ بِحَالِهَا وَ عَلَي الْعَامِلِ الْقِيَامُ بِتَمَامِ الْعَمَلِ وَ اسْتُثْنِيَ مِنْ الْأَوَّلِ مَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ فَمَاتَ قَبْلَهُ.

وَيَشْكُلُ لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ خُصُوصًا بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ وَ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الْحِصَّةَ. (وَ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ النَّمَاءِ مُشَاعًا) بَيْنَهُمَا (تَسَاوَيَا فِيهِ، أَوْ تَفَاضَلَا) فَلَوْ شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا شَيْءٌ مُعَيَّنٌ وَ إِنْ كَانَ الْبَذْرُ وَ لِلْآخَرِ الْبَاقِي، أَوْ لَهُمَا بَطَلَ سَوَاءٌ كَانَ الْغَالِبُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا مَا يَزِيدُ عَلَي الْمَشْرُوطِ وَ عَدَمِهِ. (وَ لَوْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَي الْآخَرِ شَيْئًا يَضْمَنُهُ مُضَافًا إلَي الْحِصَّةِ) مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا (صَحَّ) عَلَي الْمَشْهُورِ وَ يَكُونُ قَرَارُهُ مَشْرُوطًا بِالسَّلَامَةِ كَاسْتِثْنَاءِ أَرْطَالٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الثَّمَرَةِ فِي الْبَيْعِ وَ لَوْ تَلِفَ الْبَعْضُ سَقَطَ مِنْ الشَّرْطِ بِحِسَابِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالشَّرِيكِ وَ إِنْ كَانَتْ حِصَّتُهُ مُعَيَّنَةً مَعَ احْتِمَالِ أَنْ لَا يَسْقُطَ شَيْءٌ بِذَلِكَ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الشَّرْطِ. (وَ لَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَ الزَّرْعُ بَاقٍ فَعَلَي الْعَامِلِ الْأُجْرَةُ) لِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ، (وَلِلْمَالِكِ قَلْعُهُ) إذْ لَا حَقَّ لِلزَّارِعِ بَعْدَهَا فَيَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ الْقَلْعِ وَ الْإِبْقَاءِ بِالْأُجْرَةِ إنْ رَضِيَ الْعَامِلُ بِهَا وَ إِلَّا قَلَعَ وَ لَا أُجْرَةَ لِلْمَالِكِ عَلَي مَا مَضَي مِنْ الْمُدَّةِ لَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالْمَقْلُوعِ لِأَنَّ مُقْتَضَي الْعَقْدِ قَصْرُ الْحَقِّ عَلَي الْحِصَّةِ، مَعَ احْتِمَالِ و جوبهَا عَلَي الزَّارِعِ لَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِتَفْرِيطِهِ؛ لِتَضْيِيعِهِ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ بِتَأْخِيرِهِ وَ لَا فَرْقَ فِي كَوْنِ الْمَقْلُوعِ بَيْنَهُمَا و بين كَوْنِ الْبَذْرِ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ، أَوْ الزَّارِعِ.

وَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْمَالِكُ قَلْعَهُ بِالْأَرْشِ، أَوْ مَجَّانًا قَوْلَانِ وَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ كَكَثِيرٍ عَدَمُهُ وَ عَلَي الْقَوْلِ بِهِ، فَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ يُقَوَّمَ الزَّرْعُ قَائِمًا بِالْأُجْرَةِ إلَي أَوَانِ حَصَادِهِ وَ مَقْلُوعًا. (وَ

لَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ) فِي الزِّرَاعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا، أَوْ فِي نَوْعٍ مِنْهَا مَعَ الْإِطْلَاقِ (بِأَنْ يَكُونَ لَهَا مَاءٌ مِنْ نَهْرٍ، أَوْ بِئْرٍ، أَوْ مَصْنَعٍ أَوْ تَسْقِيَهَا الْغُيُوثُ غَالِبًا)، أَوْ الزِّيَادَةُ كَالنِّيلِ.

وَالضَّابِطُ إمْكَانُ الِانْتِفَاعِ بِزَرْعِهَا الْمَقْصُودِ عَادَةً، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بَطَلَتْ الْمُزَارَعَةُ وَ إِنْ رَضِيَ الْعَامِلُ، (وَ لَوْ انْقَطَعَ) الْمَاءُ (فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ) مَعَ كَوْنِهِ مُعْتَادًا لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ (انْفَسَخَتْ) الْمُزَارَعَةُ، (وَ فِي الْأَثْنَاءِ يَتَخَيَّرُ الْعَامِلُ) لِطُرُوِّ الْعَيْبِ وَ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ، لِسَبْقِ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ فَيُسْتَصْحَبُ وَ الضَّرَرُ يَنْدَفِعُ بِالْخِيَارِ، (فَإِنْ فَسَخَ فَعَلَيْهِ) مِنْ الْأُجْرَةِ (بِنِسْبَةِ مَا سَلَفَ) مِنْ الْمُدَّةِ، لِانْتِفَاعِهِ بِأَرْضِ الْغَيْرِ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَ زَوَالُهُ بِاخْتِيَارِهِ الْفَسْخَ.

وَيَشْكُلُ بِأَنَّ فَسْخَهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْإِكْمَالِ وَ عَمَلُهُ الْمَاضِي مَشْرُوطٌ بِالْحِصَّةِ، لَا بِالْأُجْرَةِ فَإِذَا فَاتَتْ بِالِانْقِطَاعِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ آخَرُ.

نَعَمْ لَوْ كَانَ قَدْ اسْتَأْجَرَهَا لِلزِّرَاعَةِ تَوَجَّهَ ذَلِكَ.

(وَإِذَا أَطْلَقَ الْمُزَارَعَةَ)

(زَرَعَ) الْعَامِلُ (مَا شَاءَ) إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، أَوْ بَذَلَ الْمَالِكُ مَا شَاءَ إنْ شُرِطَ عَلَيْهِ وَ إِنَّمَا تَخَيَّرَ مَعَ الْإِطْلَاقِ، لِدَلَالَةِ الْمُطْلَقِ عَلَي الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الزَّرْعِ يَصْلُحُ أَنْ يُوجَدَ الْمُطْلَقُ فِي ضِمْنِهِ وَ أَوْلَي مِنْهُ لَوْ عُمِّمَ الْإِذْنُ، لِدَلَالَتِهِ عَلَي كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ.

وَرُبَّمَا فُرِّقَ بَيْنَ الْإِطْلَاقِ وَ التَّعْمِيمِ بِنَاءً عَلَي أَنَّ الْإِطْلَاقَ إنَّمَا يَقْتَضِي تَجْوِيزَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَ لَا يَلْزَمُ مِنْ الرِّضَا بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الرِّضَا بِالْأَقْوَي، بِخِلَافِ التَّعْمِيمِ.

وَمِمَّا ذَكَرْنَاهُ يَظْهَرُ ضَعْفُهُ. (وَ لَوْ عَيَّنَ) شَيْئًا مِنْ الزَّرْعِ (لَمْ يَتَجَاوَزْ مَا عُيِّنَ لَهُ)، سَوَاءٌ كَانَ الْمُعَيِّنُ شَخْصِيًّا كَهَذَا الْحَبِّ أَمْ صِنْفِيًّا كَالْحِنْطَةِ الْفُلَانِيَّةِ، أَمْ نَوْعِيًّا أَمْ غَيْرَهُ؛ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِهِ فَيَتَعَيَّنُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ، (فَلَوْ) خَالَفَ وَ (زَرَعَ الْأَضَرَّ قِيلَ: تَخَيَّرَ الْمَالِكُ

بَيْنَ الْفَسْخِ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) عَمَّا زَرَعَهُ، (وَبَيْنَ الْإِبْقَاءِ، فَلَهُ الْمُسَمَّي مَعَ الْأَرْشِ).

وَوَجْهُ التَّخْيِيرِ: أَنَّ مِقْدَارَ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا قَدْ اُسْتُوْفِيَ بِزِيَادَةٍ فِي ضِمْنِ زَرْعِ الْأَضَرِّ، فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْفَسْخِ لِذَلِكَ فَيَأْخُذُ الْأُجْرَةَ لِمَا زَرَعَ، لِوُقُوعِهِ أَجْمَعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ و بين أَخْذِ الْمُسَمَّي فِي مُقَابَلَةِ مِقْدَارِ الْمَنْفَعَةِ الْمُعَيَّنَةِ مَعَ أَخْذِ الْأَرْشِ فِي مُقَابَلَةِ الزَّائِدِ الْمُوجِبِ لِلضَّرَرِ.

وَيَشْكُلُ بِأَنَّ الْحِصَّةَ الْمُسَمَّاةَ إنَّمَا وَقَعَتْ فِي مُقَابَلَةِ الزَّرْعِ الْمُعَيَّنِ وَ لَمْ يَحْصُلْ وَ اَلَّذِي زَرَعَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَقْدُ وَ لَا الْإِذْنُ، فَلَا وَجْهَ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَالِكِ فِيهِ الْحِصَّةَ وَ مِنْ ثَمَّ نَسَبَهُ إلَي الْقِيلِ تَنْبِيهًا عَلَي تَمْرِيضِهِ.

وَالْأَقْوَي وجوب أُجْرَةِ الْمِثْلِ خَاصَّةً.

(وَ لَوْ كَانَ) الْمَزْرُوعُ (أَقَلَّ ضَرَرًا) مِنْ الْمُعَيَّنِ (جَازَ) فَيَسْتَحِقُّ مَا سَمَّاهُ مِنْ الْحِصَّةِ وَ لَا أَرْشَ وَ لَا خِيَارَ؛ لِعَدَمِ الضَّرَرِ.

وَيَشْكُلُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ أَيْضًا فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ فِيهِ شَيْئًا، مَعَ أَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِ الْعَامِلِ الَّذِي لَا دَلِيلَ عَلَي انْتِقَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ.

وَالْأَقْوَي ثُبُوتُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَيْضًا كَالسَّابِقِ (وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِهِمَا الْأَرْضُ حَسْبُ وَ مِنْ الْآخَرِ الْبَذْرُ وَ الْعَمَلُ وَ الْعَوَامِلُ) وَ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُزَارَعَةِ وَ يَجُوزُ جَعْلُ اثْنَيْنِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَ الْبَاقِي مِنْ الْآخَرِ وَ كَذَا وَاحِدٌ وَ بَعْضُ الْآخَرِ وَ يَتَشَعَّبُ مِنْ الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ لَا حَصْرَ لَهَا بِحَسَبِ شَرْطِ بَعْضِهَا مِنْ أَحَدِهِمَا وَ الْبَاقِي مِنْ الْآخَرِ.

(وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الْمُمْكِنَةِ جَائِزَةٌ) مَتَي كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا بَعْضُهَا وَ لَوْ جُزْءٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَ مِنْ الْآخَر الْبَاقِي، مَعَ ضَبْطِ مَا عَلَي كُلِّ وَاحِدٍ.

(وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمُدَّةِ حَلَفَ مُنْكِرُ الزِّيَادَةِ)

، لِأَصَالَةِ عَدَمِهَا، فَإِنْ بَقِيَ الزَّرْعُ بَعْدَمَا ثَبَتَ مِنْهَا فَكَمَا سَبَقَ.

(وَ) لَوْ اخْتَلَفَا (فِي الْحِصَّةِ)

حَلَفَ (صَاحِبُ الْبَذْرِ)؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ تَابِعٌ لَهُ، فَيُقَدَّمُ قَوْلُ

مَالِكِهِ فِي حِصَّةِ الْآخَرِ، لِأَصَالَةِ عَدَمِ خُرُوجِ مَا زَادَ عَنْ مِلْكِهِ وَ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْآخَرِ لَهُ وَ اتِّفَاقُهُمَا عَلَي عَقْدٍ تَضَمَّنَ حِصَّةً إنَّمَا نَقَلَ عَنْهُ فِي أَصْلِ الْحِصَّةِ، لَا فِي الْحِصَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَيَبْقَي حُكْمُ إنْكَارِ الزَّائِدِ بِحَالِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْأَصْلِ.

(وَ لَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْآخَرِ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَ هُوَ الْعَامِلُ فِي الْأُولَي؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ يَدَّعِي تَقْلِيلَ الْمُدَّةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ غَرِيمِهِ الْعَامِلِ وَ مَنْ لَيْسَ لَهُ بَذْرٌ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ الْعَامِلِ وَ مَالِكُ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ الْخَارِجُ بِالنَّظَرِ إلَي الْبَاذِرِ حَيْثُ قُدِّمَ قَوْلُهُ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ.

(وَ قِيلَ يُقْرَعُ)، لِأَنَّهَا لِكُلِّ أَمْرٍ مُشْكِلٍ.

وَيَشْكُلُ بِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ هُنَا فَإِنَّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ صَاحِبِهِ فَالْقَوْلُ بِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي فِيهِمَا أَقْوَي. (وَلِلْمُزَارِعِ أَنْ يُزَارِعَ غَيْرَهُ أَوْ يُشَارِكَ غَيْرَهُ)، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ بِالْعَقْدِ اللَّازِمِ فَيَجُوزُ لَهُ نَقْلُهَا وَ مُشَارَكَةُ غَيْرِهِ عَلَيْهَا، لِأَنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَي أَمْوَالِهِمْ.

نَعَمْ لَا يَجُوزُ لَهُ تَسْلِيمُ الْأَرْضِ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهَا.

وَرُبَّمَا اشْتَرَطَ كَوْنَ الْبَذْرِ مِنْهُ لِيَكُونَ تَمْلِيكُ الْحِصَّةِ مَنُوطًا بِهِ وَ بِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ و بين عَامِلِ الْمُسَاقَاةِ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ.

وَهُوَ يَتِمُّ فِي مُزَارَعَةِ غَيْرِهِ، لَا فِي مُشَارَكَتِهِ.

وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ عَمَلَ الْأُصُولِ فِي الْمُسَاقَاةِ مَقْصُودٌ بِالذَّاتِ كَالثَّمَرَةِ فَلَا يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ مَنْ لَا يُسَلِّطُهُ الْمَالِكُ، بِخِلَافِ الْأَرْضِ فِي الْمُزَارَعَةِ، فَإِنَّ الْغَرَضَ فِيهَا لَيْسَ إلَّا الْحِصَّةُ فَلِمَالِكِهَا أَنْ يَنْقُلَهَا إلَي مَنْ شَاءَ.

(إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْمَالِكُ الزَّرْعَ بِنَفْسِهِ) فَلَا يَجُوزُ لَهُ إدْخَالُ غَيْرِهِ مُطْلَقًا؛ عَمَلًا بِمُقْتَضَي الشَّرْطِ. (وَ الْخَرَاجُ عَلَي الْمَالِكِ)؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ عَلَي الْأَرْضِ ابْتِدَاءً، لَا عَلَي الزَّرْعِ، (إلَّا مَعَ الشَّرْطِ) فَيَتْبَعُ شَرْطَهُ فِي جَمِيعِهِ وَ بَعْضِهِ، مَعَ الْعِلْمِ بِقَدْرِهِ، أَوْ شُرِطَ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ

مِنْهُ وَ لَوْ شُرِطَ الْخَرَاجُ عَلَي الْعَامِلِ فَزَادَ السُّلْطَانُ فِيهِ زِيَادَةً فَهِيَ عَلَي صَاحِبِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا.

(وَ إِذَا بَطَلَتْ الْمُزَارَعَةُ)

(فَالْحَاصِلُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ) لِلْبَاقِي، فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْعَامِلِ وَ الْعَوَامِلِ وَ لَوْ كَانَ مِنْ الزُّرَّاعِ فَعَلَيْهِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أُجْرَةُ مِثْلِهَا وَ لِمَا شُرِطَ عَلَيْهِ مِنْ الْآخَرَيْنِ وَ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا فَالْحَاصِلُ بَيْنَهُمَا وَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَي الْآخَرِ أُجْرَةُ مِثْلِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَرْضِ وَ بَاقِي الْأَعْمَالِ.

(وَيَجُوزُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْخَرْصُ عَلَي الزَّارِعِ)

بِأَنْ يُقَدِّرَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْحِصَّةِ تَخْمِينًا وَ يُقَبِّلَهُ بِهِ بِحَبٍّ وَ لَوْ مِنْهُ بِمَا خَرَصَهُ بِهِ (مَعَ الرِّضَا).

وَهَذِهِ مُعَامَلَةٌ خَاصَّةٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْمُحَاقَلَةِ إنْ كَانَتْ بَيْعًا، أَوْ صُلْحًا (فَيَسْتَقِرُّ) مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ (بِالسَّلَامَةِ، فَلَوْ تَلِفَ الزَّرْعُ) أَجْمَعُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَي (فَلَا شَيْءَ) عَلَي الزَّارِعِ وَ لَوْ تَلِفَ الْبَعْضُ سَقَطَ مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ وَ لَوْ أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ ضَامِنٌ لَمْ تَتَغَيَّرْ الْمُعَامَلَةُ وَ طَالَبَ الْمُتَقَبِّلُ الْمُتْلِفَ بِالْعِوَضِ وَ لَوْ زَادَ فَالزَّائِدُ لِلْمُتَقَبِّلِ وَ لَوْ نَقَصَ بِسَبَبِ الْخَرْصِ لَمْ يَسْقُطْ بِسَبَبِهِ شَيْءٌ.

هَذَا إذَا وَقَعَتْ الْمُعَامَلَةُ بِالتَّقْبِيلِ وَ لَوْ وَقَعَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ اُشْتُرِطَ فِيهِ شَرَائِطُهُ، مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِهِ كَذَلِكَ وَ لَوْ وَقَعَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْبَيْعِ وُقُوفًا فِيمَا خَالَفَ الْأَصْلَ عَلَي مَوْضِعِ الْيَقِينِ و قد تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَي هَذِهِ الْقُبَالَةِ فِي الْبَيْعِ.

27 كتاب المساقاة

(27) كتاب المساقاة

كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ

(وَهِيَ لُغَةً) مُفَاعَلَةٌ مِنْ السَّقْيِ وَ اشْتُقَّ مِنْهُ، دُونَ بَاقِي أَعْمَالِهَا؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُهَا وَ أَظْهَرُهَا فِي أَصْلِ الشَّرْعِيَّةِ وَ هُوَ نَخْلُ الْحِجَازِ الَّذِي يُسْقَي مِنْ الْآبَارِ مَعَ كَثْرَةِ مُؤْنَتِهِ.

وَشَرْعًا (مُعَامَلَةٌ عَلَي الْأُصُولِ بِحِصَّةٍ مِنْ ثَمَرِهَا).

فَخَرَجَتْ بِالْأُصُولِ الْمُزَارَعَةُ وَ بِالْحِصَّةِ الْإِجَارَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَقَعُ بِالْحِصَّةِ وَ الْمُرَادُ بِالثَّمَرَةِ مَعْنَاهَا الْمُتَعَارَفُ

لِتَرَدُّدِهِ فِي الْمُعَامَلَةِ عَلَي مَا يُقْصَدُ وَرَقُهُ وَ وَرْدُهُ وَ لَوْ لُوحِظَ إدْخَالُهُ أُرِيدَ بِالثَّمَرَةِ نَمَاءُ الشَّجَرِ، لِيَدْخُلَ فِيهِ الْوَرَقُ الْمَقْصُودُ وَ الْوَرْدُ وَ لَمْ يُقَيِّدْ الْأُصُولَ بِكَوْنِهَا ثَابِتَةً كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَهَا وَ ذِكْرُهُ فِي التَّعْرِيفِ غَيْرُ لَازِمٍ، أَوْ مَعِيبٌ وَ مَنْ قَيَّدَ بِهِ جَعَلَهُ وَصْفًا لِلشَّجَرِ مُخَصَّصًا لِمَوْضِعِ الْبَحْثِ، لَا شَرْطًا (وَ هِيَ لَازِمَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ) لَا تَنْفَسِخُ اخْتِيَارًا، إلَّا بِالتَّقَايُلِ.

(وَإِيجَابُهَا سَاقَيْتُك، أَوْ عَامَلْتُك، أَوْ سَلَّمْت إلَيْك، أَوْ مَا أَشْبَهَهُ) مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَي إنْشَاءِ هَذَا الْعَقْدِ صَرِيحًا، كَقَبِلْتُكَ عَمَلَ كَذَا، أَوْ عَقَدْت مَعَك عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ وَ نَحْوُهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْوَاقِعَةِ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَ زَادَ فِي التَّذْكِرَةِ تَعَهَّدْ نَخْلِي، أَوْ اعْمَلْ فِيهِ.

وَإِخْرَاجُ هَذَا الْعَقْدِ عَنْ نَظَائِرِهِ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ بِوُقُوعِهِ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ مُخَصِّصٍ مُشْكِلٌ.

وَقَدْ نُوقِشَ فِي أَمْرِ الْمُزَارَعَةِ مَعَ النَّصِّ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ هَذَا.

(وَ الْقَبُولُ الرِّضَا بِهِ) وَ ظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْقَبُولِ الْفِعْلِيِّ، كَمَا مَرَّ فِي الْمُزَارَعَةِ إذْ الرِّضَا يَحْصُلُ بِدُونِ الْقَوْلِ.

وَالْأَجْوَدُ الِاقْتِصَارُ عَلَي اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرِّضَا أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِالْقَوْلِ الْكَاشِفِ عَنْهُ.

وَهُوَ السِّرُّ فِي اعْتِبَارِ الْأَلْفَاظِ الصَّرِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَي الرِّضَا بِالْعُقُودِ، مَعَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الرِّضَا، لَكِنَّهُ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِهِ وَ يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ هُنَا ذَلِكَ.

(وَتَصِحُّ) الْمُسَاقَاةُ

(إذَا بَقِيَ لِلْعَامِلِ عَمَلٌ تَزِيدُ بِهِ الثَّمَرَةُ)، سَوَاءٌ (ظَهَرَتْ) قَبْلَ الْعَقْدِ (أَوْ لَا).

وَالْمُرَادُ بِمَا فِيهِ مُسْتَزَادُ الثَّمَرَةِ نَحْوُ الْحَرْثِ وَ السَّقْيِ وَ رَفْعِ أَغْصَانِ الْكَرْمِ عَلَي الْخَشَبِ وَ تَأْبِيرِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ.

وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ الْجُذَاذِ وَ الْحِفْظِ وَ النَّقْلِ وَ قَطْعِ الْحَطَبِ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ الدُّبْسُ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَا يُسْتَزَادُ بِهَا الثَّمَرَةُ، فَإِنَّ الْمُسَاقَاةَ لَا تَصِحُّ بِهَا إجْمَاعًا نَعَمْ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ حِينَئِذٍ عَلَي بَقِيَّةِ

الْأَعْمَالِ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَرَةِ وَ الْجِعَالَةُ وَ الصُّلْحُ.

(وَلَا بُدَّ) فِي صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ

(مِنْ كَوْنِ الشَّجَرِ) الْمُسَاقَي عَلَيْهِ (نَابِتًا) بِالنُّونِ، أَوْ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَ يَخْرُجُ عَلَي الْأَوَّلِ الْمُسَاقَاةُ عَلَي الْوَدِيِّ غَيْرِ الْمَغْرُوسِ، أَوْ الْمَغْرُوسِ الَّذِي لَمْ يَعْلَقْ بِالْأَرْضِ وَ الْمُغَارَسَةُ وَ بِالثَّانِي ذَلِكَ وَ مَا لَا يَبْقَي غَالِبًا كَالْخَضْرَاوَاتِ.

وَيُمْكِنُ خُرُوجُهَا بِالشَّجَرِ فَيَتَّحِدُ الْمَعْنَيَانِ، (يَنْتَفِعُ بِثَمَرَتِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) بَقَاءً يَزِيدُ عَنْ سَنَةٍ غَالِبًا.

وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ الْبِطِّيخِ وَ الْبَاذِنْجَانِ وَ الْقُطْنِ وَ قَصَبِ السُّكَّرِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَ إِنْ تَعَدَّدَتْ اللُّقَطَاتُ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَ بَقِيَ الْقُطْنُ أَزْيَدَ مِنْ سَنَةٍ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْغَالِبِ.

(وَفِيمَا لَهُ وَرَقٌ) لَا يُقْصَدُ مِنْ عَمَلِهِ بِالذَّاتِ إلَّا وَرَقَهُ (كَالْحِنَّاءِ نَظَرٌ) مِنْ أَنَّهُ فِي مَعْنَي الثَّمَرَةِ فَيَكُونُ مَقْصُودُ الْمُسَاقَاةِ حَاصِلًا بِهِ وَ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ عَلَي خِلَافِ الْأَصْلِ؛ لِاشْتِمَالِهَا عَلَي جَهَالَةِ الْعِوَضِ فَيُقْتَصَرُ بِهَا عَلَي مَوْضِعِ الْوِفَاقِ وَ مِثْلُهُ مَا يُقْصَدُ وَرْدُهُ وَ أَمَّا التُّوتُ فَمِنْهُ مَا يُقْصَدُ وَرَقُهُ وَ حُكْمُهُ كَالْحِنَّاءِ وَ مِنْهُ مَا يُقْصَدُ ثَمَرُهُ وَ لَا شُبْهَةَ فِي إلْحَاقِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ شَجَرِ الثَّمَرِ وَ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ فِي الْجَمِيعِ مُتَّجَهٌ.

(وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمُدَّةِ) بِمَا لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَ النُّقْصَانَ وَ لَا حَدَّ لَهَا فِي جَانِبِ الزِّيَادَةِ وَ فِي جَانِبِ النُّقْصَانِ أَنْ يَغْلِبَ فِيهَا حُصُولُ الثَّمَرَةِ.

(وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ مَعَ الْإِطْلَاقِ)

أَيْ إطْلَاقِ الْمُسَاقَاةِ بِأَنْ قال:

سَاقَيْتُك عَلَي الْبُسْتَانِ الْفُلَانِيِّ سَنَةً بِنِصْفِ حَاصِلِهِ فَقَبِلَ (كُلَّ عَمَلٍ يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ) مِمَّا فِيهِ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ، أَوْ زِيَادَتُهَا كَالْحَرْثِ وَ الْحَفْرِ حَيْثُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ الْآلَاتِ وَ الْعَوَامِلِ وَ تَهْذِيبِ الْجَرِيدِ بِقَطْعِ مَا يُحْتَاجُ إلَي قَطْعِهِ مِنْهُ وَ مِثْلُهُ أَغْصَانُ الشَّجَرِ الْمُضِرِّ بَقَاؤُهَا بِالثَّمَرَةِ، أَوْ الْأَصْلِ، (وَ مِنْهُ زِيَادَةُ الْكَرْمِ) وَ السَّقْيِ وَ مُقَدِّمَاتُهُ

الْمُتَكَرِّرَةُ كَالدَّلْوِ وَ الرِّشَا وَ إِصْلَاحِ طَرِيقِ الْمَاءِ وَ اسْتِقَائِهِ وَ إِدَارَةِ الدُّولَابِ وَ فَتْحِ رَأْسِ السَّاقِيَةِ وَ سَدِّهَا عِنْدَ الْفَرَاغِ وَ تَعْدِيلِ الثَّمَرَةِ بِإِزَالَةِ مَا يَضُرُّهَا مِنْ الْأَغْصَانِ وَ الْوَرَقِ لِيَصِلَ إلَيْهَا الْهَوَاءُ وَ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الشَّمْسِ وَ لِيَتَيَسَّرَ قَطْعُهَا عِنْدَ الْإِدْرَاكِ وَ وَضْعِ الْحَشِيشِ وَ نَحْوِهِ فَوْقَ الْعَنَاقِيدِ صَوْنًا لَهَا عَنْ الشَّمْسِ الْمُضِرَّةِ بِهَا وَ رَفْعِهَا عَنْ الْأَرْضِ حَيْثُ تَضُرُّهَا وَ لُقَاطِهَا بِمَجْرَي الْعَادَةِ بِحَسَبِ نَوْعِهَا، فَمَا يُؤْخَذُ لِلزَّبِيبِ يُقْطَعُ فِي الْوَقْتِ الصَّالِحِ لَهُ وَ مَا يُعْمَلُ دُبْسًا فَكَذَلِكَ وَ هَكَذَا وَ إِصْلَاحِ مَوْضِعِ التَّشْمِيسِ وَ نَقْلِ الثَّمَرَةِ إلَيْهِ وَ تَقْلِيبِهَا وَ وَضْعِهَا عَلَي الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ وَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ (وَ لَوْ شُرِطَ بَعْضُهُ عَلَي الْمَالِكِ صَحَّ) بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَضْبُوطًا (لَا جَمِيعُهُ)؛ لِأَنَّ الْحِصَّةَ لَا يَسْتَحِقُّهَا الْعَامِلُ إلَّا بِالْعَمَلِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَبْقَي عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ فِيهِ مُسْتَزَادُ الثَّمَرَةِ وَ إِنْ قَلَّ. (وَتَعْيِينُ الْحِصَّةِ بِالْجُزْءِ الْمُشَاعِ) كَالنِّصْفِ وَ الثُّلُثِ، (لَا الْمُعَيَّنِ) كَمِائَةِ رِطْلٍ وَ الْبَاقِي لِلْآخَرِ، أَوْ بَيْنَهُمَا.

(وَيَجُوزُ اخْتِلَافُ الْحِصَّةِ فِي الْأَنْوَاعِ) كَالنِّصْفِ مِنْ الْعِنَبِ وَ الثُّلُثِ مِنْ الرُّطَبِ، أَوْ النَّوْعِ الْفُلَانِيِّ (إذَا عَلِمَاهَا) أَيْ الْأَنْوَاعَ حَذَرًا مِنْ وُقُوعِ أَقَلِّ الْجُزْءَيْنِ لِأَكْثَرَ الْجِنْسَيْنِ مَعَ الْجَهْلِ بِهِمَا فَيَحْصُلُ الْغَرَرُ. (وَيُكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَي الْعَامِلِ) مَعَ الْحِصَّةِ (ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً) وَ لَا يُكْرَهُ غَيْرُهُمَا، لِلْأَصْلِ.

(فَلَوْ شَرَطَ) أَحَدُهُمَا (وَجَبَ) مَا شَرَطَهُ (بِشَرْطِ سَلَامَةِ الثَّمَرَةِ) فَلَوْ تَلِفَتْ أَجْمَعُ، أَوْ لَمْ تَخْرُجْ لَمْ يَلْزَمْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، فَإِنَّ الْعَامِلَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ عِوَضُ مَا عَمِلَ، فَكَيْفَ يَخْسَرُ مَعَ عَمَلِهِ الْفَائِتِ شَيْئًا آخَرَ وَ لَوْ تَلِفَ الْبَعْضُ فَالْأَقْوَي عَدَمُ سُقُوطِ شَيْءٍ عَمَلًا بِالشَّرْطِ، كَمَا لَا يَسْقُطُ مِنْ الْعَمَلِ شَيْءٌ بِتَلَفِ بَعْضِ

الثَّمَرَةِ.

(وَكُلَّمَا فَسَدَ الْعَقْدُ فَالثَّمَرَةُ لِلْمَالِكِ)

؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِأَصْلِهَا، (وَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْعَامِلِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِعَمَلِهِ وَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِوَضُ الْمَشْرُوطُ فَيُرْجَعُ إلَي الْأُجْرَةِ.

هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْفَسَادِ وَ لَمْ يَكُنْ الْفَسَادُ بِشَرْطِ عَدَمِ الْحِصَّةِ لِلْعَامِلِ وَ إِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ، لِدُخُولِهِ عَلَي ذَلِكَ. (وَ لَوْ شَرَطَ عَقْدَ مُسَاقَاةٍ فِي عَقْدِ مُسَاقَاةٍ فَالْأَقْرَبُ الصِّحَّةُ)؛ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ اشْتِرَاطُ عَقْدٍ سَائِغٍ فِي عَقْدٍ سَائِغٍ لَازِمٍ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ { الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } وَ أَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَانِعَ لَا يُتَخَيَّلُ إلَّا كَوْنُهُ لَمْ يَرْضَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ هَذِهِ الْحِصَّةِ إلَّا بِأَنْ يَرْضَي مِنْهُ مِنْ الْآخَرِ بِالْحِصَّةِ الْأُخْرَي.

وَمِثْلُ هَذَا لَا يَصْلُحُ لِلْمَنْعِ كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ السَّائِغَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْعُقُودِ وَ الْقَوْلُ بِالْمَنْعِ لِلشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتِنَادًا إلَي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَظْهَرُ ضَعْفُهُ مِمَّا ذَكَرَ فِي وَجْهِ الصِّحَّةِ. (وَ لَوْ تَنَازَعَا فِي خِيَانَةِ الْعَامِلِ حَلَفَ الْعَامِلُ)؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي عَدَمِهَا وَ لِأَصَالَةِ عَدَمِهَا.

(وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ)

؛ لِأَنَّ فِي الْمُسَاقَاةِ تَسْلِيطًا عَلَي أُصُولِ الْغَيْرِ وَ عَمَلِهَا وَ النَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَلَيْسَ لِمَنْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِعَمَلِهِ وَ أَمَانَتِهِ أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ لَمْ يَرْضَهُ الْمَالِكُ لَهُ، بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ، فَإِنَّ عَمَلَ الْأَرْضِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَ حِصَّةُ الْمَالِكِ مَحْفُوظَةٌ عَلَي التَّقْدِيرَيْنِ وَ أَمَّا الْفَرْقُ بِأَنَّ النَّمَاءَ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ وَ هُوَ مِنْ مَالِكِ الْأُصُولِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَ مِنْ الزَّارِعِ فِي الْمُزَارَعَةِ فَلِمَالِكِ الْأَصْلِ تَسْلِيطُ مَنْ شَاءَ دُونَ غَيْرِهِ فَإِنَّمَا يَتِمُّ مَعَ كَوْنِ الْبَذْرِ مِنْ الْعَامِلِ.

وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي كَلَامِهِمْ أَعَمُّ مِنْهُ و مع ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَقْدَ اللَّازِمَ يُوجِبُ الْحِصَّةَ الْمَخْصُوصَةَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَلَهُ نَقْلُهَا إلَي مَنْ شَاءَ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ

الْبَذْرُ وَ كَوْنُهَا غَيْرَ مَوْجُودَةٍ حِينَ الْمُزَارَعَةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ مَانِعٍ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ لَيْسَتْ عَلَي نَفْسِ الْحِصَّةِ، بَلْ عَلَي الْأَرْضِ وَ الْعَمَلِ وَ الْعَوَامِلِ وَ الْبَذْرِ بِالْحِصَّةِ، فَمَنْ اسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ اللَّازِمِ شَيْئًا تَسَلَّطَ عَلَي نَقْلِهِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ.

(وَالْخَرَاجُ عَلَي الْمَالِكِ)

، لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ عَلَي الْأَرْضِ وَ الشَّجَرِ فَيَكُونُ عَلَي مَالِكِهِمَا، (إلَّا مَعَ الشَّرْطِ) بِأَنْ يَكُونَ عَلَي الْعَامِلِ، أَوْ بَعْضُهُ فَيَصِحُّ مَعَ ضَبْطِ الْمَشْرُوطِ، (وَتُمْلَكُ الْفَائِدَةُ بِظُهُورِ الثَّمَرَةِ) عَمَلًا بِالشَّرْطِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَي أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا فَمَتَي تَحَقَّقَتْ مُلِّكَتْ كَذَلِكَ. (وَتَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَي مَنْ بَلَغَ نَصِيبُهُ النِّصَابَ) مِنْ الْمَالِكِ وَ الْعَامِلِ، لِوُجُودِ شَرْطِ الْوُجُوبِ وَ هُوَ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِهَا عَلَي مِلْكِهِ (وَ لَوْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ بَعْدَ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ وَ جَوَّزْنَاهَا) بِأَنْ بَقِيَ مِنْ الْعَمَلِ مَا فِيهِ مُسْتَزَادُ الثَّمَرَةِ حَيْثُ جَوَّزْنَاهَا مَعَ ذَلِكَ (فَالزَّكَاةُ عَلَي الْمَالِكِ)، لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِهَا عَلَي مِلْكِهِ.

(وَأَثْبَتَ السَّيِّدُ) أَبُو الْمَكَارِمِ حَمْزَةُ (بْنُ زُهْرَةَ الزَّكَاةَ عَلَي الْمَالِكِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَ الْمُسَاقَاةِ، دُونَ الْعَامِلِ) مُطْلَقًا، مُحْتَجًّا بِأَنَّ حِصَّتَهُ كَالْأُجْرَةِ وَ هُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ إذَا كَانَتْ ثَمَرَةً، أَوْ زَرْعًا قَبْلَ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَي الْأَجِيرِ، كَمَا لَوْ مَلَكَهَا كَذَلِكَ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَ إِنْ أَرَادَ كَالْأُجْرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ، إلَّا أَنْ يَذْهَبَ إلَي أَنَّ الْحِصَّةَ لَا يَمْلِكُهَا الْعَامِلُ بِالظُّهُورِ، بَلْ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَ مَعَهُ لَا يَتِمُّ التَّعْلِيلُ بِالْأُجْرَةِ بَلْ يَتَأَخَّرُ مِلْكُهُ عَنْ الْوُجُوبِ.

(وَالْمُغَارَسَةُ بَاطِلَةٌ)

وَهِيَ أَنْ يَدْفَعَ أَرْضًا إلَي غَيْرِهِ لِيَغْرِسَهَا عَلَي أَنَّ الْغَرْسَ بَيْنَهُمَا، (وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ قَلْعُهُ وَ لَهُ الْأُجْرَةُ) عَنْ الْأَرْضِ، (لِطُولِ بَقَائِهِ) فِيهَا، (وَ لَوْ نَقَصَ بِالْقَلْعِ ضَمِنَ أَرْشَهُ) وَ هُوَ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَقْلُوعًا وَ بَاقِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْأُجْرَةِ وَ لَوْ كَانَ الْغَرْسُ

مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ وَ قَدْ شَرَطَ عَلَي الْعَامِلِ غَرْسَهُ وَ عَمَلَهُ بِالْحِصَّةِ فَهُوَ لِمَالِكِهِ وَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْغَارِسِ وَ مَا عُمِلَ فِيهِ مِنْ الْأَعْمَالِ. (وَ) عَلَي تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مِنْ الْعَامِلِ (لَوْ طَلَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا لِصَاحِبِهِ) فَطَلَبَ الْغَارِسُ الْأَرْضَ بِالْأُجْرَةِ عَلَي أَنْ يَبْقَي الْغَرْسُ فِيهَا، أَوْ أَنْ تَكُونَ مِلْكَهُ (بِعِوَضٍ)، أَوْ طَلَبَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْغَرْسَ بِقِيمَتِهِ (لَمْ يَجِبْ عَلَي الْآخَرِ إجَابَتُهُ)؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُسَلَّطٌ عَلَي مَالِهِ.

وَحَيْثُ يَقْلَعُهُ الْغَارِسُ يَجِبُ عَلَيْهِ طَمُّ الْحَفْرِ وَ أَرْشُ الْأَرْضِ لَوْ نَقَصَتْ بِهِ وَ قَلْعُ الْعُرُوقِ الْمُتَخَلِّفَةِ عَنْ الْمَقْلُوعِ فِي الْأَرْضِ.

وَلَمْ يُفَرِّقْ الْمُصَنِّفُ كَالْأَكْثَرِ فِي إطْلَاقِ كَلَامِهِ بَيْنَ الْعَالِمِ بِالْفَسَادِ وَ الْجَاهِلِ، فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَرْشِ وَ ثُبُوتِ أُجْرَتِهِ لَوْ كَانَ الْغَرْسُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ وَ لَيْسَ بِبَعِيدِ الْفَرْقِ؛ لِتَبَرُّعِ الْعَالِمِ بِالْعَمَلِ وَ وَضْعِهِ الْغَرْسَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ بِهِ فَارَقَ الْمُسْتَعِيرَ لِلْغَرْسِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ بِحَقٍّ وَ إِذْنٍ صَحِيحَةٍ شَرْعًا، بِخِلَافِ هَذَا الْغَرْسِ.

(وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْحِصَّةِ حَلَفَ الْمَالِكُ)

؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ فَيُرْجَعُ إلَي مَالِكِهِ فِي مِقْدَارِ مَا أَخْرَجَهُ مِنْهُ عَنْ مِلْكِهِ، مَعَ أَصَالَةِ بَقَاءِ غَيْرِهِ وَ عَدَمِ انْتِقَالِهِ وَ مِلْكِ الْغَيْرِ لَهُ (وَ فِي الْمُدَّةِ يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ) لِأَصَالَةِ عَدَمِ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ مِنْ الزِّيَادَةِ.

28 كتاب الاجارة

(28) كتاب الاجارة

كِتَابُ الْإِجَارَةِ

(الْإِجَارَةُ - وَ هِيَ الْعَقْدُ عَلَي تَمَلُّكِ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْلُومَةِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ) فَالْعَقْدُ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ يَشْمَلُ سَائِرَ الْعُقُودِ وَ خَرَجَ بِتَعَلُّقِهِ بِالْمَنْفَعَةِ الْبَيْعُ وَ الصُّلْحُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْأَعْيَانِ وَ بِالْعِوَضِ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ وَ بِالْمَعْلُومِ إصْدَاقُهَا إذْ لَيْسَ فِي مُقَابِلِهَا عِوَضٌ مَعْلُومٌ وَ إِنَّمَا هُوَ الْبُضْعُ و لكن يُنْتَقَضُ فِي طَرْدِهِ بِالصُّلْحِ عَلَي الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ إجَارَةً بِنَاءً عَلَي جَعْلِهِ أَصْلًا.

(وَإِيجَابُهَا آجَرْتُك وَ أَكْرَيْتُكَ، أَوْ مَلَّكْتُك مَنْفَعَتَهَا سَنَةً) قَيَّدَ التَّمْلِيكَ بِالْمَنْفَعَةِ؛ لِيَحْتَرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ

عَبَّرَ بِلَفْظِ الْإِيجَارِ وَ الْإِكْرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ إلَّا بِالْعَيْنِ فَلَوْ أَوْرَدَهُمَا عَلَي الْمَنْفَعَةِ فَقال:

آجَرْتُكَ مَنْفَعَةَ هَذِهِ الدَّارِ مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ، بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ نَقْلَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ فَإِنْ وَرَدَ عَلَي الْأَعْيَانِ أَفَادَ مِلْكَهَا وَ لَيْسَ ذَلِكَ مَوْرِدَ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَبْقَي عَلَي مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهَا إضَافَتُهُ إلَي الْمَنْفَعَةِ؛ لِيُفِيدَ نَقْلَهَا إلَي الْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ يُعَبَّرُ بِالتَّمْلِيكِ.

(وَ لَوْ) عَبَّرَ بِالْبَيْعِ

وَ (نَوَي بِالْبَيْعِ الْإِجَارَةَ فَإِنْ أَوْرَدَهُ عَلَي الْعَيْنِ) فَقال:

بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا مَثَلًا بِكَذَا (بَطَلَ)، لِإِفَادَتِهِ نَقْلَ الْعَيْنِ وَ هُوَ مُنَافٍ لِلْإِجَارَةِ (وَ إِنْ قال:

بِعْتُك سُكْنَاهَا سَنَةً مَثَلًا فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ): مَأْخَذُهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ مَوْضُوعٌ لِنَقْلِ الْأَعْيَانِ وَ الْمَنَافِعُ تَابِعَةٌ لَهَا فَلَا يُثْمِرُ الْمِلْكُ لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِي نَقْلِ الْمَنَافِعِ مُنْفَرِدَةً وَ إِنْ نَوَي بِهِ الْإِجَارَةَ وَ إِنَّهُ يُفِيدُ نَقْلَ الْمَنْفَعَةِ أَيْضًا فِي الْجُمْلَةِ وَ لَوْ بِالتَّبَعِ فَيَقُومُ مَقَامَ الْإِجَارَةِ مَعَ قَصْدِهَا وَ الْأَصَحُّ الْمَنْعُ.

(وَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ)

لَا تَبْطُلُ إلَّا بِالتَّقَايُلِ، أَوْ بِأَحَدِ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْفَسْخِ و سيأتي بَعْضُهَا، (وَ لَوْ تَعَقَّبَهَا الْبَيْعُ لَمْ تَبْطُلْ) لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَنَافِعِ وَ الْبَيْعُ بِالْعَيْنِ وَ إِنْ تَبِعَتْهَا الْمَنَافِعُ حَيْثُ يُمْكِنُ (سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ، أَوْ غَيْرُهُ) فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ لَمْ تَبْطُلْ الْإِجَارَةُ عَلَي الْأَقْوَي، بَلْ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَ الثَّمَنُ وَ إِنْ كَانَ غَيْرَهُ وَ هُوَ عَالِمٌ بِهَا صَبَرَ إلَي انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ تَعْجِيلِ الثَّمَنِ وَ إِنْ كَانَ جَاهِلًا بِهَا تَخَيَّرَ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَ إِمْضَائِهِ مَجَّانًا مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ إلَي انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، ثُمَّ لَوْ تَجَدَّدَ فَسْخُ الْإِجَارَةِ عَادَتْ الْمَنْفَعَةُ إلَي الْبَائِعِ، لَا إلَي الْمُشْتَرِي. (وَعُذْرُ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يُبْطِلُهَا) وَ إِنْ بَلَغَ حَدًّا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ بِهَا (كَمَا لَوْ

اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا فَسُرِقَ مَتَاعُهُ) وَ لَا يَقْدِرُ عَلَي إبْدَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَامَّةٌ صَالِحَةٌ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا فَيُسْتَصْحَبُ اللُّزُومُ، (وَ أَمَّا لَوْ عَمَّ الْعُذْرُ كَالثَّلْجِ الْمَانِعِ مِنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ) الَّذِي اسْتَأْجَرَ الدَّابَّةَ لِسُلُوكِهِ مَثَلًا (فَالْأَقْرَبُ جَوَازُ الْفَسْخِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا) لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ حِسًّا فَلَوْ لَمْ يُجْبَرْ بِالْخِيَارِ لَزِمَ الضَّرَرُ الْمَنْفِيُّ وَ مِثْلُهُ مَا لَوْ عَرَضَ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ كَخَوْفِ الطَّرِيقِ، لِتَحْرِيمِ السَّفَرِ حِينَئِذٍ، أَوْ اسْتِئْجَارِ امْرَأَةٍ لِكَنْسِ الْمَسْجِدِ فَحَاضَتْ وَ الزَّمَانُ مُعَيَّنٌ يَنْقَضِي مُدَّةَ الْعُذْرِ وَ يُحْتَمَلُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، تَنْزِيلًا لِلتَّعَذُّرِ مَنْزِلَةَ تَلَفِ الْعَيْنِ.

(وَلَا تَبْطُلُ) الْإِجَارَةُ (بِالْمَوْتِ)

كَمَا يَقْتَضِيهِ لُزُومُ الْعَقْدِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَوْتُ الْمُؤَجِّرِ وَ الْمُسْتَأْجِرِ، (إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ مَوْقُوفَةً) عَلَي الْمُؤَجِّرِ وَ عَلَي مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْبُطُونِ فَيُؤَجِّرُهَا مُدَّةً وَ يَتَّفِقُ مَوْتُهُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَتَبْطُلُ؛ لِانْتِقَالِ الْحَقِّ إلَي غَيْرِهِ وَ لَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا إلَّا زَمَنَ اسْتِحْقَاقِهِ وَ لِهَذَا لَا يَمْلِكُ نَقْلَهَا وَ لَا إتْلَافَهَا.

نَعَمْ لَوْ كَانَ نَاظِرًا وَ آجَرَهَا لِمَصْلَحَةِ الْبُطُونِ لَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِهِ، لَكِنَّ الصِّحَّةَ حِينَئِذٍ لَيْسَتْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَاظِرٌ وَ مِثْلُهُ الْمُوصَي لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَيُؤَجِّرُهَا كَذَلِكَ وَ لَوْ شَرَطَ عَلَي الْمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ بَطَلَتْ بِمَوْتِهِ أَيْضًا. (وَكُلُّ مَا يَصِحُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ تَصِحُّ إعَارَتُهُ وَ إِجَارَتُهُ) وَ يَنْعَكِسُ فِي الْإِجَارَةِ كُلِّيًّا، دُونَ الْإِعَارَةِ؛ لِجَوَازِ إعَارَةِ الْمَنْفَعَةِ، مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا وَ هُوَ اللَّبَنُ لَا تَبْقَي عَيْنُهُ وَ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا لِذَلِكَ (مُنْفَرِدًا كَانَ) مَا يُؤَجَّرُ، (أَوْ مُشَاعًا) إذْ لَا مَانِعَ مِنْ الْمُشَاعِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْقِسْمَةِ؛ لِإِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بِمُوَافَقَةِ الشَّرِيكِ وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُؤَجِّرَهُ مِنْ شَرِيكِهِ وَ غَيْرِهِ عِنْدَنَا.

(وَلَا يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ الْعَيْنَ إلَّا بِالتَّعَدِّي)

فِيهَا

، (أَوْ التَّفْرِيطِ)؛ لِأَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لِحَقِّ الْقَابِضِ.

وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَ بَعْدَهَا قَبْلَ طَلَبِ الْمَالِكِ وَ بَعْدَهُ إذَا لَمْ يُؤَخَّرْ مَعَ طَلَبِهَا اخْتِيَارًا، (وَ لَوْ شَرَطَ) فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ (ضَمَانَهَا بِدُونِهِمَا فَسَدَ الْعَقْدُ)؛ لِفَسَادِ الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ مُخَالَفَتُهُ لِلْمَشْرُوعِ وَ مُقْتَضَي الْإِجَارَةِ، (وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لَهُمَا وَ لِأَحَدِهِمَا) مُدَّةً مَضْبُوطَةً، لِعُمُومِ { الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنَةِ وَ الْمُطْلَقَةِ عِنْدَنَا.

(نَعَمْ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ وَ الْوَصِيِّ فِعْلُ ذَلِكَ) وَ هُوَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَوْ لِلْأَعَمِّ بِحَيْثُ يَفْسَخُ إذَا أَرَادَ (إلَّا مَعَ الْإِذْنِ، أَوْ ظُهُورِ الْغِبْطَةِ) فِي الْفَسْخِ فَيَفْسَخُ حَيْثُ يَشْتَرِطُهَا لِنَفْسِهِ، لَا بِدُونِ الْإِذْنِ فِي الْوَكِيلِ وَ لَا الْغِبْطَةِ فِي الْوَصِيِّ، لِعَدَمِ اقْتِضَاءِ إطْلَاقِ التَّوْكِيلِ فِيهَا إضَافَةَ الْخِيَارِ الْمُقْتَضِي لِلتَّسَلُّطِ عَلَي إبْطَالِهَا وَ كَذَا الْوِصَايَةُ، فَإِنَّ فِعْلَ الْوَصِيِّ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ.

(وَلَا بُدَّ مِنْ كَمَالِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ و جواز تَصَرُّفِهِمَا)

فَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ الصَّبِيِّ وَ إِنْ كَانَ مُمَيِّزًا، أَوْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَ لَا الْمَجْنُونِ مُطْلَقًا وَ لَا الْمَحْجُورِ بِدُونِ إذْنِ الْوَلِيِّ، أَوْ مَنْ فِي حُكْمِهِ (وَ مِنْ كَوْنِ الْمَنْفَعَةِ) الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْعَيْنِ، (وَ الْأُجْرَةِ مَعْلُومَتَيْنِ).

وَيَتَحَقَّقُ الْعِلْمُ بِالْمَنْفَعَةِ بِمُشَاهَدَةِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ الَّتِي هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَنْفَعَةِ أَوْ وَصْفِهَا بِمَا يَرْفَعُ الْجَهَالَةَ وَ تَعْيِينُ الْمَنْفَعَةِ إنْ كَانَتْ مُتَعَدِّدَةً فِي الْعَيْنِ وَ لَمْ يُرِدْ الْجَمِيعَ وَ فِي الْأُجْرَةِ بِكَيْلِهَا، أَوْ وَزْنِهَا، أَوْ عَدِّهَا إنْ كَانَتْ مِمَّا يُعْتَبَرُ بِهَا فِي الْبَيْعِ، أَوْ مُشَاهَدَتِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ.

(وَ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا تَكْفِي الْمُشَاهَدَةُ فِي الْأُجْرَةِ عَنْ اعْتِبَارِهَا) بِأَحَدِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُعْتَبَرُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مُعَاوَضَةٌ لَازِمَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَي الْمُغَابَنَةِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ انْتِفَاءِ الْغَرَرِ عَنْ الْعِوَضَيْنِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ مِمَّا يَكْفِي فِي

بَيْعِهَا الْمُشَاهَدَةُ كَالْعَقَارِ كَفَتْ فِيهَا هُنَا قَطْعًا وَ هُوَ خَارِجٌ بِقَرِينَةِ الِاعْتِبَارِ.

(وَتُمْلَكُ) الْأُجْرَةُ (بِالْعَقْدِ)

، لِاقْتِضَاءِ صِحَّةِ الْمُعَاوَضَةِ انْتِقَالَ كُلٍّ مِنْ الْعِوَضَيْنِ إلَي الْآخَرِ، لَكِنْ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا قَبْلَ الْعَمَلِ.

وَإِنَّمَا تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي ثُبُوتِ أَصْلِ الْمِلْكِ فَيَتْبَعُهَا النَّمَاءُ مُتَّصِلًا وَ مُنْفَصِلًا، (وَيَجِبُ تَسْلِيمُهَا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ) الْمُؤَجَّرَةِ (وَ إِنْ كَانَتْ عَلَي عَمَلٍ فَبَعْدَهُ)، لَا قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّي لَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ وَصِيًّا، أَوْ وَكِيلًا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّسْلِيمُ قَبْلَهُ، إلَّا مَعَ الْإِذْنِ صَرِيحًا، أَوْ بِشَاهِدِ الْحَالِ وَ لَوْ فُرِضَ تَوَقُّفُ الْفِعْلِ عَلَي الْأُجْرَةِ كَالْحَجِّ وَ امْتَنَعَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ التَّسْلِيمِ تَسَلَّطَ الْأَجِيرُ عَلَي الْفَسْخِ. (وَ لَوْ ظَهَرَ فِيهَا) أَيْ فِي الْأُجْرَةِ (عَيْبٌ فَلِلْأَجِيرِ الْفَسْخُ، أَوْ الْأَرْشُ مَعَ التَّعْيِينِ) لِلْأُجْرَةِ فِي مَتْنِ الْعَقْدِ، لِاقْتِضَاءِ الْإِطْلَاقِ السَّلِيمَ وَ تَعْيِينُهُ مَانِعٌ مِنْ الْبَدَلِ كَالْبَيْعِ فَيُجْبَرُ الْعَيْبُ بِالْخِيَارِ (وَمَعَ عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ التَّعْيِينِ (يُطَالَبُ بِالْبَدَلِ)؛ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمَعِيبِ أُجْرَةً فَإِنْ أُجِيبَ إلَيْهِ وَ إِلَّا جَازَ لَهُ الْفَسْخُ وَ الرِّضَا بِالْمَعِيبِ فَيُطَالَبُ بِالْأَرْشِ، لِتَعْيِينِ الْمَدْفُوعِ عِوَضًا بِتَعَذُّرِ غَيْرِهِ.

(وَ قِيلَ: لَهُ الْفَسْخُ) فِي الْمُطْلَقَةِ مُطْلَقًا (وَ هُوَ قَرِيبٌ إنْ تَعَذَّرَ الْإِبْدَالُ) كَمَا ذَكَرْنَاهُ، لَا مَعَ بَدَلِهِ؛ لِعَدَمِ انْحِصَارِ حَقِّهِ فِي الْمَعِيبِ. (وَ لَوْ جَعَلَ أُجْرَتَيْنِ عَلَي تَقْدِيرَيْنِ كَنَقْلِ الْمَتَاعِ فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ بِأُجْرَةٍ وَ فِي) يَوْمٍ (آخَرَ) بِأُجْرَةٍ (أُخْرَي، أَوْ) جَعَلَ أُجْرَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا فِي الْخِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ) وَ هِيَ الَّتِي بِدَرْزَيْنِ، (وَ الْأُخْرَي عَلَي) الْخِيَاطَةِ (الْفَارِسِيَّةِ وَ هِيَ الَّتِي بِوَاحِدٍ فَالْأَقْرَبُ الصِّحَّةُ)؛ لِأَنَّ كِلَا الْفِعْلَيْنِ مَعْلُومٌ وَ أُجْرَتُهُ مَعْلُومَةٌ وَ الْوَاقِعُ لَا يَخْلُو مِنْهُمَا وَ لِأَصَالَةِ الْجَوَازِ.

وَيَشْكُلُ بِمَنْعِ مَعْلُومِيَّتِهِ إذْ لَيْسَ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ الْمَجْمُوعَ وَ لَا كُلَّ وَاحِدٍ وَ إِلَّا لَوَجَبَا فَيَكُونُ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَ ذَلِكَ غَرَرٌ مُبْطِلٌ لَهَا كَالْبَيْعِ بِثَمَنَيْنِ عَلَي تَقْدِيرَيْنِ وَ لَوْ

تَحَمَّلَ مِثْلَ هَذَا الْغَرَرِ لَزِمَ مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ بِثَمَنَيْنِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعَقْدِ اللَّازِمِ الْمُشْتَمِلِ عَلَي الْمُعَاوَضَةِ.

نَعَمْ لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ جَعَالَةً تَوَجَّهَتْ الصِّحَّةُ، لِاحْتِمَالِهَا مِنْ الْجَهَالَةِ مَا لَا تَحْتَمِلُهُ الْإِجَارَةُ (وَ لَوْ شَرَطَ عَدَمَ الْأُجْرَةِ عَلَي التَّقْدِيرِ الْآخَرِ لَمْ تَصِحَّ فِي مَسْأَلَةِ النَّقْلِ) فِي الْيَوْمَيْنِ وَ تَثْبُتُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَي الْمَشْهُورِ.

وَمُسْتَنَدُ الْحُكْمَيْنِ خَبَرَانِ أَحَدُهُمَا: صَحِيحٌ وَ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْمَطْلُوبِ وَ الْآخَرُ ضَعِيفٌ، أَوْ مُوَثَّقٌ فَالرُّجُوعُ فِيهِمَا إلَي الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْلَي.

وَلِلْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي بَحْثٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقوله:

(وَ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ كُلِّ إجَارَةٍ الْمَنْعُ مِنْ نَقِيضِهَا) فَيُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ مَوْرِدَ الْإِجَارَةِ هُنَا الْقِسْمَ الَّذِي فَرَضَ فِيهِ أُجْرَةً وَ التَّعَرُّضَ لِلْقِسْمِ الْآخَرِ الْخَالِي عَنْهَا تَعَرُّضًا فِي الْعَقْدِ لِحُكْمٍ يَقْتَضِيهِ، فَإِنَّ قَضِيَّةَ الْإِجَارَةِ بِالْأُجْرَةِ الْمَخْصُوصَةِ فِي الزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ حَيْثُ يُطْلَقُ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ لَوْ لَمْ يُنْقَلُ، أَوْ نُقِلَ فِي غَيْرِهِ (فَيَكُونُ) عَلَي تَقْدِيرِ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْأُجْرَةِ لَوْ نَقَلَهُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ (قَدْ شَرَطَ قَضِيَّةَ الْعَقْدِ فَلَمْ تَبْطُلْ) الْإِجَارَةُ (فِي مَسْأَلَةِ النَّقْلِ، أَوْ فِي غَيْرِهَا) مِمَّا شَارَكَهَا فِي هَذَا الْمَعْنَي وَ هُوَ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْأُجْرَةِ عَلَي تَقْدِيرِ مُخَالَفَةِ مُقْتَضَي الْإِجَارَةِ الْخَاصَّةِ (غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ إذَا أَخَلَّ بِالْمَشْرُوطِ) وَ هُوَ نَقْلُهُ فِي الْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ (يَكُونُ الْبُطْلَانُ مَنْسُوبًا إلَي الْأَجِيرِ) حَيْثُ فَوَّتَ الزَّمَانَ الْمُعَيَّنَ وَ لَمْ يَفْعَلْ فِيهِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ.

(وَ لَا يَكُونُ) الْبُطْلَانُ (حَاصِلًا مِنْ جِهَةِ الْعَقْدِ) فَلَا وَجْهَ لِلْحُكْمِ بِبُطْلَانِ الْإِجَارَةِ عَلَي هَذَا التَّقْدِيرِ وَ إِثْبَاتِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، بَلْ اللَّازِمُ عَدَمُ ثُبُوتِ شَيْءٍ وَ إِنْ نَقَلَ الْمَتَاعَ إلَي الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ فِي غَيْرِ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَ لَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ.

وَهَذَا النَّظَرُ

مِمَّا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَ لَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ.

وَهُوَ نَظَرٌ مُوَجَّهٌ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا فُرِضَ كَوْنُ مَوْرِدِ الْإِجَارَةِ هُوَ الْفِعْلُ فِي الزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ وَ مَا خَرَجَ عَنْهُ خَارِجٌ عَنْهَا.

وَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ أَنَّ مَوْرِدَ الْإِجَارَةِ كِلَا الْقِسْمَيْنِ وَ مِنْ ثَمَّ حَكَمُوا بِصِحَّتِهَا مَعَ إثْبَاتِ الْأُجْرَةِ عَلَي التَّقْدِيرَيْنِ نَظَرًا إلَي حُصُولِ الْمُقْتَضِي وَ هُوَ الْإِجَارَةُ الْمُعَيَّنَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَي الْأُجْرَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَ إِنْ تَعَدَّدَتْ وَ اخْتَلَفَتْ؛ لِانْحِصَارِهَا وَ تَعَيُّنِهَا كَمَا تَقَدَّمَ.

وَبُطْلَانِهَا عَلَي التَّقْدِيرِ الْآخَرِ.

وَلَوْ فُرِضَ كَوْنُ مَوْرِدِ الْإِجَارَةِ هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ خَاصَّةً وَ هُوَ النَّقْلُ فِي الزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ لَكَانَ الْحُكْمُ بِالْبُطْلَانِ عَلَي تَقْدِيرِ فَرْضِ أُجْرَةٍ مَعَ نَقْلِهِ فِي غَيْرِهِ أَوْلَي؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ قَضِيَّةِ الْإِجَارَةِ وَ خِلَافُ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ، فَكَانَ أَوْلَي بِثُبُوتِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ.

وَجَعَلَ الْقِسْمَيْنِ مُتَعَلِّقَهَا عَلَي تَقْدِيرِ ذِكْرِ الْأُجْرَةِ وَ الْأَوَّلُ خَاصَّةً عَلَي تَقْدِيرِ عَدَمِهِ فِي الثَّانِي مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ الظَّاهِرِ مُوجِبٌ لِاخْتِلَافِ الْفَرْضِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ.

وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِكَوْنِ تَعْيِينِ الْأُجْرَةِ عَلَي التَّقْدِيرَيْنِ قَرِينَةَ جَعْلِهِمَا مَوْرِدَ الْإِجَارَةِ حَيْثُ أَتَي بِلَازِمِهَا وَ هُوَ الْأُجْرَةُ فِيهِمَا وَ إِسْقَاطُهَا فِي التَّقْدِيرِ الْآخَرِ قَرِينَةُ عَدَمِ جَعْلِهِ مَوْرِدًا مِنْ حَيْثُ نَفْيُ اللَّازِمِ الدَّالِّ عَلَي نَفْيِ الْمَلْزُومِ وَ حِينَئِذٍ فَتَنْزِيلُهُ عَلَي شَرْطِ قَضِيَّةِ الْعَقْدِ أَوْلَي مِنْ جَعْلِهِ، أَجْنَبِيًّا مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ بِتَخَلُّلِهِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَ الْقَبُولِ. (وَ لَا بُدَّ) فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ عَلَي وَجْهِ اللُّزُومِ (مِنْ كَوْنِ الْمَنْفَعَةِ مَمْلُوكَةً لَهُ) أَيْ لِلْمُؤَجِّرِ، (أَوْ لِمَوْلَاهُ) وَ هُوَ مَنْ يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَتِهِ بِبُنُوَّةٍ، أَوْ وِصَاءَةٍ، أَوْ حُكْمٍ (سَوَاءٌ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالْأَصَالَةِ) كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الْعَيْنَ فَمَلَكَ مَنْفَعَتَهَا بِالْأَصَالَةِ لَا بِالتَّبَعِيَّةِ لِلْعَيْنِ، ثُمَّ آجَرَهَا، أَوْ أَوْصَي لَهُ بِهَا، (أَوْ بِالتَّبَعِيَّةِ) لِمِلْكِهِ الْعَيْنَ.

(وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَ) الْعَيْنَ

الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا

، (إلَّا مَعَ شَرْطِ) الْمُؤَجِّرِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ (اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ) فَلَا يَصِحُّ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُؤَجِّرَ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ عَلَي الثَّانِي اسْتِيفَاءَهُ الْمَنْفَعَةَ لَهُ بِنَفْسِهِ فَيَصِحُّ أَنْ يُؤَجِّرَ أَيْضًا؛ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهَا لِشَرْطِ الْمُؤَجِّرِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ اسْتِيفَاءَهُ الْمَنْفَعَةَ بِنَفْسِهِ أَعَمُّ مِنْ اسْتِيفَائِهَا لِنَفْسِهِ وَ عَلَي تَقْدِيرِ جَوَازِ إيجَارِهِ لِغَيْرِهِ هَلْ يَتَوَقَّفُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ عَلَي إذْنِ مَالِكِهَا؟ قِيلَ: نَعَمْ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ وَ الْإِذْنِ لَهُ فِي التَّسَلُّمِ جَوَازُ تَسْلِيمِهَا لِغَيْرِهِ فَيَضْمَنُ لَوْ سَلَّمَهَا بِغَيْرِ إذْنٍ.

وَقِيلَ: يَجُوزُ تَسْلِيمُهَا مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْإِجَارَةِ لِلْعَيْنِ و قد حَكَمَ بِجَوَازِهَا وَ الْإِذْنُ فِي الشَّيْءِ إذْنٌ فِي لَوَازِمِهِ.

وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ حَوَاشِيهِ و فيه قُوَّةٌ وَ يُؤَيِّدُهُ صَحِيحَةٌ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِي عَدَمِ ضَمَانِ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بِالتَّسْلِيمِ إلَي الْغَيْرِ وَ غَيْرُهَا أَوْلَي.

(وَلَوْ آجَرَ الْفُضُولِيُّ فَالْأَقْرَبُ الْوُقُوفُ عَلَي الْإِجَازَةِ)

كَمَا يَقِفُ غَيْرُهَا مِنْ الْعُقُودِ وَ خَصَّهَا بِالْخِلَافِ؛ لِعَدَمِ النَّصِّ فِيهَا بِخُصُوصِهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ قِصَّةَ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي شِرَاءِ الشَّاةِ تَدُلُّ عَلَي جَوَازِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَ شِرَائِهِ، فَقَدْ يُقَالُ بِاخْتِصَاصِ الْجَوَازِ بِمَوْرِدِ النَّصِّ وَ الْأَشْهَرُ تَوَقُّفُهُ عَلَي الْإِجَازَةِ مُطْلَقًا. (وَ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا) أَيْ الْمَنْفَعَةِ (مَعْلُومَةً إمَّا بِالزَّمَانِ) فِيمَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ إلَّا بِهِ (كَالسُّكْنَي) وَ الْإِرْضَاعِ (وَ إِمَّا بِهِ أَوْ بِالْمَسَافَةِ) فِيمَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِهِمَا (كَالرُّكُوبِ) فَإِنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالزَّمَانِ كَرُكُوبِ شَهْرٍ وَ بِالْمَسَافَةِ كَالرُّكُوبِ إلَي الْبَلَدِ الْمُعَيَّنِ، (وَ إِمَّا بِهِ أَوْ بِالْعَمَلِ) كَاسْتِئْجَارِ الْآدَمِيِّ لِعَمَلٍ (كَالْخِيَاطَةِ) فَإِنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالزَّمَانِ كَخِيَاطَةِ شَهْرٍ وَ بِالْعَمَلِ كَخِيَاطَةِ هَذَا الثَّوْبِ.

(وَ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْمُدَّةِ وَ الْعَمَلِ) كَخِيَاطَةِ

الثَّوْبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ (فَالْأَقْرَبُ الْبُطْلَانُ إنْ قَصَدَ التَّطْبِيقَ) بَيْنَ الْعَمَلِ وَ الزَّمَانِ بِحَيْثُ يَبْتَدِئُ بِابْتِدَائِهِ وَ يَنْتَهِي بِانْتِهَائِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتَّفِقُ غَالِبًا، بَلْ يُمْكِنُ انْتِهَاءُ الزَّمَانِ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْعَمَلِ وَ بِالْعَكْسِ، فَإِنْ أَمَرَ بِالْإِكْمَالِ فِي الْأَوَّلِ لَزِمَ الْعَمَلُ فِي غَيْرِ الْمُدَّةِ الْمَشْرُوطَةِ وَ إِلَّا كَانَ تَارِكًا لِلْعَمَلِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَ إِنْ أَمَرَ فِي الثَّانِي بِالْعَمَلِ إلَي أَنْ تَنْتَهِيَ الْمُدَّةُ لَزِمَ الزِّيَادَةُ عَلَي مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَ إِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَانَ تَارِكًا لِلْعَمَلِ فِي الْمُدَّةِ الْمَشْرُوطَةِ وَ لَوْ قَصَدَ مُجَرَّدَ وُقُوعِ الْفِعْلِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ صَحَّ مَعَ إمْكَانِ وُقُوعِهِ فِيهِ، ثُمَّ إنْ وَقَعَ فِيهِ مَلَكَ الْأُجْرَةَ؛ لِحُصُولِ الْغَرَضِ وَ إِنْ خَرَجَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَهُ، فَإِنْ كَانَ، قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ بَطَلَتْ وَ إِنْ خَرَجَتْ فِي أَثْنَائِهِ اسْتَحَقَّ الْمُسَمَّي لِمَا فَعَلَ وَ فِي بُطْلَانِهَا فِي الْبَاقِي، أَوْ تَخْيِيرِ الْمُسْتَأْجِرِ بَيْنَ الْفَسْخِ فِي الْبَاقِي، أَوْ الْإِجَازَةِ فَيَكْمُلُ خَارِجَهُ وَ يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّي وَجْهَانِ وَ قِيلَ: يَسْتَحِقُّ مَعَ الْفَسْخِ أُجْرَةَ مِثْلِ مَا عَمِلَ، لَا الْمُسَمَّي وَ الْأَوْسَطُ أَجْوَدُ.

(وَلَا يَعْمَلُ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ)

وَهُوَ الَّذِي يَسْتَأْجِرُهُ لِلْعَمَلِ بِنَفْسِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا إذَا اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ أَوَّلُ زَمَانِهِ الْيَوْمُ الْمُعَيَّنُ بِحَيْثُ لَا يَتَوَانَي فِيهِ بَعْدَهُ (لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ) إلَّا بِإِذْنِهِ، لِانْحِصَارِ مَنْفَعَتِهِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَي الْوَقْتِ الَّذِي جَرَتْ عَادَتُهُ بِالْعَمَلِ فِيهِ كَالنَّهَارِ، أَمَّا غَيْرُهُ كَاللَّيْلِ فَيَجُوزُ الْعَمَلُ فِيهِ لِغَيْرِهِ إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَي ضَعْفٍ فِي الْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ.

وَفِي جَوَازِ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ فِي الْمُعَيَّنِ عَمَلًا لَا يُنَافِي حَقَّهُ كَإِيقَاعِ عَقْدٍ فِي حَالِ اشْتِغَالِهِ بِحَقِّهِ وَجْهَانِ.

مِنْ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ.

وَشَهَادَةِ الْحَالِ.

وَمِثْلُهُ عَمَلُ مَمْلُوكِ غَيْرِهِ كَذَلِكَ.

وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الِانْحِصَارِ سُمِّيَ خَاصًّا؛ إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُشَرِّكَ غَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ فِي الْعَمَلِ فِي

الزَّمَانِ الْمَعْهُودِ، فَإِنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَصِّ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِعَقْدِ إجَارَةٍ، أَوْ جَعَالَةٍ، أَوْ تَبَرُّعًا، فَفِي الْأَوَّلِ يَتَخَيَّرُ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ فَسْخِ عَقْدِ نَفْسِهِ لِفَوَاتِ الْمَنَافِعِ الَّتِي عَلَيْهَا الْعَقْدُ، أَوْ بَعْضِهَا و بين إبْقَائِهِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْفَسْخَ و كان ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ الْأَجِيرُ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَ إِنْ كَانَ بَعْدَهُ تَبَعَّضَتْ الْإِجَارَةُ وَ لَزِمَهُ مِنْ الْمُسَمَّي بِالنِّسْبَةِ وَ إِنْ بَقِيَ عَلَي الْإِجَارَةِ تَخَيَّرَ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ الطَّارِئِ وَ إِجَازَتِهِ إذْ الْمَنْفَعَةُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَالْعَاقِدُ عَلَيْهَا فُضُولِيٌّ، فَإِنْ فَسَخَهُ رَجَعَ إلَي أُجْرَةِ الْمِثْلِ عَنْ الْمُدَّةِ الْفَائِتَةِ؛ لِأَنَّهَا قِيمَةُ الْعَمَلِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ و قد أُتْلِفَ عَلَيْهِ وَ يَتَخَيَّرُ فِي الرُّجُوعِ بِهَا عَلَي الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْإِتْلَافِ، أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَوْفِي وَ إِنْ أَجَازَهُ ثَبَتَ لَهُ الْمُسَمَّي فِيهِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْأَجِيرِ لَهُ فَالْمُطَالَبُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ هُنَا بِمَنْزِلَةِ فُضُولِيٍّ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَأَجَازَ الْمَالِكُ، فَإِنَّ الْفُضُولِيَّ لَا يُطَالَبُ بِالثَّمَنِ وَ إِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَ كَانَتْ الْأُجْرَةُ مُعَيَّنَةً فَالْمُطَالَبُ بِهَا مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ وَ إِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً فَإِنْ أَجَازَ الْقَبْضَ أَيْضًا فَالْمُطَالَبُ الْأَجِيرُ وَ إِلَّا الْمُسْتَأْجِرُ، ثُمَّ الْمُسْتَأْجِرُ يَرْجِعُ عَلَي الْأَجِيرِ بِمَا قَبَضَ مَعَ جَهْلِهِ، أَوْ عِلْمِهِ وَ بَقَاءِ الْعَيْنِ وَ إِنْ كَانَ عَمَلُهُ بِجَعَالَةٍ تَخَيَّرَ مَعَ عَدَمِ فَسْخِ إجَارَتِهِ بَيْنَ إجَازَتِهِ فَيَأْخُذُ الْمُسَمَّي وَ عَدَمِهِ فَيَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَ إِنْ عَمِلَ تَبَرُّعًا و كان الْعَمَلُ مِمَّا لَهُ أُجْرَةٌ فِي الْعَادَةِ تَخَيَّرَ مَعَ عَدَمِ فَسْخِ عَقْدِهِ بَيْنَ مُطَالَبَةِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَ إِلَّا فَلَا شَيْءَ وَ فِي مَعْنَاهُ عَمَلُهُ لِنَفْسِهِ وَ لَوْ حَازَ شَيْئًا مِنْ الْمُبَاحَاتِ بِنِيَّةِ التَّمَلُّكِ مَلَكَهُ و كان حُكْمُ الزَّمَانِ الْمَصْرُوفِ فِي

ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ. (وَيَجُوزُ لِلْمُطْلَقِ) وَ هُوَ الَّذِي يُسْتَأْجَرُ لِعَمَلٍ مُجَرَّدٍ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ مَعَ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ كَتَحْصِيلِ الْخِيَاطَةِ يَوْمًا، أَوْ عَنْ الْمُدَّةِ مَعَ تَعْيِينِ الْمُبَاشَرَةِ كَأَنْ يَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ إلَي وَقْتٍ، أَوْ مُجَرَّدٍ عَنْهُمَا كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ مُجَرَّدٍ عَنْ تَعْيِينِ الزَّمَانِ وَ سُمِّيَ مُطْلَقًا، لِعَدَمِ انْحِصَارِ مَنْفَعَتِهِ فِي شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، فَمِنْ ثَمَّ جَازَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ وَ غَيْرِهِ.

وَتَسْمِيَتُهُ بِذَلِكَ أَوْلَي مِنْ تَسْمِيَتِهِ مُشْتَرَكًا كَمَا صَنَعَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمُقَيَّدِ وَ هُوَ الْخَاصُّ وَ يُبَايِنُ هَذَا الْخَاصَّ بِاعْتِبَارَاتِهِ الثَّلَاثَةِ إذْ الْأَوَّلُ مُطْلَقٌ بِالنِّسْبَةِ إلَي الْمُبَاشَرَةِ.

وَالثَّانِي بِالنِّسْبَةِ إلَي الْمُدَّةِ.

وَالثَّالِثُ فِيهِمَا مَعًا.

وَلِلْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلٌ بِأَنَّ الْإِطْلَاقَ فِي كُلِّ الْإِجَارَاتِ يَقْتَضِي التَّعْجِيلَ وَ إِنَّهُ يَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَي ذَلِكَ الْفِعْلِ، فَإِنْ كَانَ مُجَرَّدًا عَنْ الْمُدَّةِ خَاصَّةً فَبِنَفْسِهِ وَ إِلَّا تَخَيَّرَ بَيْنَهُ و بين غَيْرِهِ وَ حِينَئِذٍ فَيَقَعُ التَّنَافِي بَيْنَهُ و بين عَمَلٍ آخَرَ فِي صُورَةِ الْمُبَاشَرَةِ وَ فَرَّعَ عَلَيْهِ عَدَمَ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ الثَّانِيَةِ فِي صُورَةِ التَّجَرُّدِ عَنْ الْمُدَّةِ مَعَ تَعْيِينِ الْمُبَاشَرَةِ كَمَا مُنِعَ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ وَ يُرْشِدُ إلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ اتِّحَادِ زَمَانِ الْإِيقَاعِ نَصًّا، أَوْ حُكْمًا، كَمَا لَوْ أُطْلِقَ فِيهِمَا، أَوْ عَيَّنَ فِي أَحَدَيْهِمَا بِالسَّنَةِ الْأُولَي وَ أُطْلِقَ فِي الْأُخْرَي وَ مَا ذَكَرَهُ، أَحْوَطُ، لَكِنْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ نَقُلْ (بِاقْتِضَاءِ) مُطْلَقِ الْأَمْرِ الْفَوْرِ. (وَ إِذَا تَسَلَّمَ) الْمُسْتَأْجِرُ (الْعَيْنَ وَ مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فِيهَا الِانْتِفَاعُ) بِهَا فِيمَا اسْتَأْجَرَهَا لَهُ (اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَةُ) وَ إِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا وَ فِي حُكْمِ التَّسْلِيمِ مَا لَوْ بَذَلَ الْمُؤَجِّرُ الْعَيْنَ فَلَمْ يَأْخُذْهَا الْمُسْتَأْجِرُ حَتَّي انْقَضَتْ الْمُدَّةُ أَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ الِاسْتِيفَاءُ فَتَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ، (وَ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا) أَيْ الْمَنْفَعَةِ (مُبَاحَةً

فَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِتَعْلِيمِ كُفْرٍ، أَوْ غِنَاءٍ) وَ نَحْوِهِ مِنْ الْمَعْلُومَاتِ الْبَاطِلَةِ، (أَوْ حَمْلِ مُسْكِرٍ بَطَلَ) الْعَقْدُ وَ يُسْتَثْنَي مِنْ حَمْلِ الْمُسْكِرِ الْخَمْرُ بِقَصْدِ الْإِرَاقَةِ أَوْ التَّخْلِيلِ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَهُمَا جَائِزَةٌ، (وَ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَي تَسْلِيمِهَا فَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ الْآبِقِ)، لِاشْتِمَالِهَا فِيهِ عَلَي الْغَرَرِ (وَ إِنْ ضَمَّ إلَيْهِ) شَيْئًا مُتَمَوَّلًا (أَمْكَنَ الْجَوَازُ)، كَمَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ، لَا بِالْقِيَاسِ، بَلْ لِدُخُولِهَا فِي الْحُكْمِ بِطَرِيقٍ أَوْلَي؛ لِاحْتِمَالِهَا مِنْ الْغَرَرِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ.

وَبِهَذَا الْإِمْكَانِ أَفْتَي الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ فَوَائِدِهِ.

وَوَجْهُ الْمَنْعِ فَقْدُ النَّصِّ الْمُجَوِّزِ هُنَا فَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَي مَوْرِدِهِ وَ هُوَ الْبَيْعُ وَ مَنْعُ الْأَوْلَوِيَّةِ.

وَعَلَي الْجَوَازِ هَلْ يُعْتَبَرُ فِي الضَّمِيمَةِ إمْكَانُ إفْرَادِهَا بِالْإِجَارَةِ، أَمْ بِالْبَيْعِ، أَمْ يَكْفِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْجُهٌ: مِنْ حُصُولِ الْمَعْنَي فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَ مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ ضَمِيمَةُ كُلِّ شَيْءٍ إلَي جِنْسِهِ وَ قَوَّي الْمُصَنِّفُ الثَّانِيَ وَ لَوْ آجَرَهُ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَي تَحْصِيلِهِ صَحَّ مِنْ غَيْرِ ضَمِيمَةٍ.

وَمِثْلُهُ الْمَغْصُوبُ لَوْ أَجَّرَهُ الْغَاصِبُ، أَوْ مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ. (وَ لَوْ طَرَأَ الْمَنْعُ) مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ فِيمَا أُجِرَتْ لَهُ، (فَإِنْ كَانَ الْمَنْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ الْفَسْخُ)؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَبْلَ الْقَبْضِ مَضْمُونَةٌ عَلَي الْمُؤَجِّرِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ عِنْدَ تَعَذُّرِهَا وَ مُطَالَبَةُ الْمُؤَجِّرِ بِالْمُسَمَّي لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ وَ لَهُ الرِّضَا بِهَا وَ انْتِظَارُ زَوَالِ الْمَانِعِ، أَوْ مُطَالَبَةُ الْمَانِعِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَوْ كَانَ غَاصِبًا، بَلْ يُحْتَمَلُ مُطَالَبَةُ الْمُؤَجِّرِ بِهَا أَيْضًا؛ لِكَوْنِ الْعَيْنِ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ حَتَّي يَقْبِضَ وَ لَا يَسْقُطَ التَّخْيِيرُ بِزَوَالِ الْمَانِعِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، لِأَصَالَةِ بَقَائِهِ، (وَ إِنْ كَانَ) الْمَنْعُ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْقَبْضِ، (فَإِنْ كَانَ تَلَفًا بَطَلَتْ) الْإِجَارَةُ، لِتَعَذُّرِ تَحْصِيلِ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهَا، (وَ إِنْ كَانَ غَصْبًا لَمْ تَبْطُلْ)؛ لِاسْتِقْرَارِ الْعَقْدِ بِالْقَبْضِ.

وَبَرَاءَةِ الْمُؤَجِّرِ وَ الْحَالُ أَنَّ

الْعَيْنَ مَوْجُودَةٌ يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْمَنْفَعَةِ مِنْهَا وَ إِنَّمَا الْمَانِعُ عَارِضٌ، (وَيَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَي الْغَاصِبِ) بِأُجْرَةِ مِثْلِ الْمَنْفَعَةِ الْفَائِتَةِ فِي يَدِهِ وَ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ وُقُوعِ الْغَصْبِ فِي ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ وَ خِلَالَهَا.

وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِ الْغَاصِبِ الْمُؤَجِّرَ وَ غَيْرَهُ. (وَ لَوْ ظَهَرَ فِي الْمَنْفَعَةِ عَيْبٌ فَلَهُ الْفَسْخُ)؛ لِفَوَاتِ بَعْضِ الْمَالِيَّةِ بِسَبَبِهِ فَيُجْبَرُ بِالْخِيَارِ؛ وَ لِأَنَّ الصَّبْرَ عَلَي الْعَيْبِ ضَرَرٌ مَنْفِيٌّ.

(وَ فِي الْأَرْشِ) لَوْ اخْتَارَ الْبَقَاءَ عَلَي الْإِجَارَةِ (نَظَرٌ) مِنْ وُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَي هَذَا الْمَجْمُوعِ وَ هُوَ بَاقٍ فَإِمَّا أَنْ يَفْسَخَ، أَوْ يَرْضَي بِالْجَمِيعِ وَ مِنْ كَوْنِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ، أَوْ الْوَصْفِ مَقْصُودًا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَ لَمْ يَحْصُلْ وَ هُوَ يَسْتَلْزِمُ نَقْصَ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فَيُجْبَرُ بِالْأَرْشِ وَ هُوَ حَسَنٌ.

وَطَرِيقَةُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَي أُجْرَةِ مِثْلِ الْعَيْنِ سَلِيمَةً وَ مَعِيبَةً وَ يَرْجِعُ مِنْ الْمُسَمَّي بِمِثْلِ نِسْبَةِ الْمَعِيبَةِ إلَي الصَّحِيحَةِ وَ إِنْ اخْتَارَ الْفَسْخَ و كان قَبْلَ مُضِيِّ شَيْءٍ مِنْ الْمُدَّةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَ إِلَّا فَعَلَيْهِ مِنْ الْمُسَمَّي بِنِسْبَةِ مَا مَضَي إلَي الْمَجْمُوعِ.

(وَ لَوْ طَرَأَ) الْعَيْبُ (بَعْدَ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ كَانْهِدَامِ الْمَسْكَنِ) وَ إِنْ كَانَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ التَّصَرُّفِ مُسْقِطًا لِلْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْهُ مَا وَقَعَ فِي الْعِوَضِ الْمَعِيبِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمُعَاوَضَةُ وَ هُوَ هُنَا الْمَنْفَعَةُ وَ هِيَ تَتَجَدَّدُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَ مَا لَمْ يَسْتَوْفِهِ مِنْهَا لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ التَّصَرُّفُ وَ إِنَّمَا يَتَخَيَّرُ مَعَ انْهِدَامِ الْمَسْكَنِ إذَا أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَ إِنْ قَلَّ، أَوْ أَمْكَنَ إزَالَةُ الْمَانِعِ وَ إِلَّا بَطَلَتْ وَ لَوْ أَعَادَهُ الْمُؤَجِّرُ بِسُرْعَةٍ بِحَيْثُ لَا يَفُوتُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مُعْتَدٌّ بِهِ فَفِي زَوَالِ الْخِيَارِ نَظَرٌ، مِنْ زَوَالِ الْمَانِعِ وَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِالِانْهِدَامِ فَيُسْتَصْحَبُ وَ هُوَ أَقْوَي.

(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَاطِعَ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَي الْأُجْرَةِ أَوَّلًا) لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْأَخْبَارِ فَعَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْتَعْمِلَن أَجِيرًا حَتَّي يُعْلِمَهُ مَا أَجْرُهُ " وَ عَنْ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ ضَرَبَ غِلْمَانَهُ حَيْثُ اسْتَعْمَلُوا رَجُلًا بِغَيْرِ مُقَاطَعَةٍ وَ قال:

إنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ يَعْمَلُ لَك شَيْئًا بِغَيْرِ مُقَاطَعَةٍ ثُمَّ زِدْته لِذَلِكَ الشَّيْءِ ثَلَاثَةَ أَضْعَافٍ عَلَي أُجْرَتِهِ إلَّا ظَنَّ أَنَّك قَدْ نَقَصْت أُجْرَتَهُ وَ إِذَا قَاطَعْته ثُمَّ أَعْطَيْته أُجْرَتَهُ حَمِدَك عَلَي الْوَفَاءِ، فَإِنْ زِدْته حَبَّةً عَرَفَ ذَلِكَ لَك وَ رَأَي أَنَّك قَدْ زِدْته (وَ أَنْ تُوَفِّيَهُ) أُجْرَتَهُ (عَقِيبَ فَرَاغِهِ) مِنْ الْعَمَلِ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحَمَّالِ وَ الْأَجِيرِ: " لَا يَجِفُّ عَرَقُهُ حَتَّي تُعْطِيَهُ أُجْرَتَهُ " وَ عَنْ حَنَانَ بْنِ شُعَيْبٍ قال:

تَكَارَيْنَا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْمًا يَعْمَلُونَ فِي بُسْتَانٍ لَهُ و كان أَجَلُهُمْ إلَي الْعَصْرِ فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ لِمُعَتِّبٍ: أَعْطِهِمْ أُجُورَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُمْ.

(وَيُكْرَهُ أَنْ يُضَمَّنَ) أَيْ يُغَرَّمَ عِوَضَ مَا تَلِفَ بِيَدِهِ بِنَاءً عَلَي ضَمَانِ الصَّانِعِ مَا يَتْلَفُ بِيَدِهِ، أَوْ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَي تَفْرِيطِهِ أَوْ مَعَ نُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ حَيْثُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ لَوْ قَضَيْنَا بِالنُّكُولِ (إلَّا مَعَ التُّهْمَةِ لَهُ) بِتَقْصِيرِهِ عَلَي وَجْهٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ.

مَسَائِلُ:

الْأُولَي -

(مَنْ تَقَبَّلَ عَمَلًا فَلَهُ تَقْبِيلُهُ غَيْرَهُ بِأَقَلَّ) مِمَّا تَقَبَّلَهُ بِهِ (عَلَي الْأَقْرَبِ)، لِأَصَالَةِ الْجَوَازِ وَ مَا وَرَدَ مِنْ الْأَخْبَارِ دَالًّا عَلَي النَّهْيِ عَنْهُ يُحْمَلُ عَلَي الْكَرَاهِيَةِ جَمْعًا بَيْنَهَا و بين مَا يَدُلُّ عَلَي الْجَوَازِ هَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ وَ إِلَّا فَلَا إشْكَالَ فِي الْمَنْعِ وَ إِذَا لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ حَدَثًا وَ إِنْ قَلَّ، (وَ لَوْ أَحْدَثَ فِيهِ حَدَثًا فَلَا بَحْثَ) فِي الْجَوَازِ؛ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ.

وَعَلَي تَقْدِيرِ الْجَوَازِ

فَالْمَشْهُورُ اشْتِرَاطُ إذْنِ الْمَالِكِ فِي تَسْلِيمِ الْعَيْنِ لِلْمُتَقَبِّلِ؛ لِأَنَّهَا مَالُ الْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ و جواز إجَارَتِهِ لَا يُنَافِيهِ فَيُسْتَأْذَنُ الْمَالِكُ فِيهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ رَفَعَ أَمْرَهُ إلَي الْحَاكِمِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَفِي جَوَازِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ تَسَلُّطِهِ عَلَي الْفَسْخِ وَجْهَانِ و جواز التَّسْلِيمِ بِغَيْرِ إذْنِهِ مُطْلَقًا خُصُوصًا إذَا كَانَ الْمُتَقَبِّلُ ثِقَةً قَوِيًّا.

الثَّانِيَةُ -

(لَوْ اسْتَأْجَرَ عَيْنًا فَلَهُ إجَارَتُهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهَا بِهِ)، لِلْأَصْلِ وَ عُمُومُ الْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ.

(وَ قِيلَ: بِالْمَنْعِ إلَّا أَنْ تَكُونَ) إجَارَتُهَا (بِغَيْرِ جِنْسِ الْأُجْرَةِ، أَوْ يَحْدُثُ فِيهَا صِفَةُ كَمَالٍ) اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَتَيْنِ ظَاهِرَتَيْنِ فِي الْكَرَاهَةِ وَ إِلَي اسْتِلْزَامِهِ الرِّبَا.

وَهُوَ ضَعِيفٌ إذْ لَا مُعَاوَضَةَ عَلَي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ.

الثَّالِثَةُ -

(إذَا فَرَّطَ فِي الْعَيْنِ) الْمُسْتَأْجَرَةِ (ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ التَّفْرِيطِ)؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ تَعَلُّقِهَا بِذِمَّتِهِ، كَمَا أَنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْغَصْبِ هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ.

(وَ الْأَقْرَبُ) ضَمَانُ قِيمَتِهَا (يَوْمَ التَّلَفِ) لِأَنَّهُ يَوْمُ الِانْتِقَالِ إلَي الْقِيمَةِ، لَا قَبْلَهُ وَ إِنْ حُكِمَ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ بَقَاءُ الْعَيْنِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَي الْقِيمَةِ وَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ بِتَفَاوُتِ الْقِيمَةِ، أَمَّا لَوْ كَانَ بِسَبَبِ نَقْصٍ فِي الْعَيْنِ فَلَا شُبْهَةَ فِي ضَمَانِهِ، (وَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ حَلَفَ الْغَارِمُ)، لِأَصَالَةِ عَدَمِ الزِّيَادَةِ؛ وَ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَ قِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ إنْ كَانَتْ دَابَّةً وَ هُوَ ضَعِيفٌ.

الرَّابِعَةُ -

(مُؤْنَةُ الْعَبْدِ وَ الدَّابَّةِ عَلَي الْمَالِكِ) لَا الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْمِلْكِ وَ أَصَالَةُ عَدَمِ و جوبهَا عَلَي غَيْرِ الْمَالِكِ وَ قِيلَ: عَلَي الْمُسْتَأْجِرِ مُطْلَقًا.

وَهُوَ ضَعِيفٌ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا عِنْدَهَا أَنْفَقَ وَ إِلَّا اسْتَأْذَنَهُ الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْإِنْفَاقِ وَ رَجَعَ عَلَيْهِ، (وَ لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْمُسْتَأْجِرُ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ) عَلَي الْمَالِكِ (صَحَّ مَعَ تَعَذُّرِ إذْنِ الْمَالِكِ، أَوْ الْحَاكِمِ) وَ إِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَي الْإِنْفَاقِ عَلَي

الْأَقْوَي وَ لَوْ أَهْمَلَ مَعَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ إلَّا أَنْ يَنْهَاهُ الْمَالِكُ. (وَ لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيُنْفِذَهُ فِي حَوَائِجِهِ فَنَفَقَتُهُ عَلَي الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْمَشْهُورِ) اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَلِاسْتِحْقَاقِ مَنَافِعِهِ الْمَانِعُ مِنْ ثُبُوتِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ.

وَالْأَقْوَي أَنَّهُ كَغَيْرِهِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ إلَّا مَعَ الشَّرْطِ وَ تُحْمَلُ الرِّوَايَةُ مَعَ سَلَامَةِ سَنَدِهَا عَلَيْهِ وَ اسْتِحْقَاقُ مَنَافِعِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ وجوب النَّفَقَةِ فِي مَالِهِ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ الْأُجْرَةُ.

وَحَيْثُ يُشْتَرَطُ فِيهِ وَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ عَلَي الْمُسْتَأْجِرِ يُعْتَبَرُ بَيَانُ قَدْرِهَا وَ وَصْفِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ يَكْفِي الْقِيَامُ بِعَادَةِ أَمْثَالِهِ.

الْخَامِسَةُ -

(لَا يَجُوزُ إسْقَاطُ الْمَنْفَعَةِ الْمُعَيَّنَةِ) أَيْ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْإِسْقَاطِ أَمْ الْإِبْرَاءِ أَمْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَعْيَانِ وَ لَا بِالْمَنَافِعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا. (وَيَجُوزُ إسْقَاطُ) الْمَنْفَعَةِ (الْمُطْلَقَةِ) الْمُتَعَلِّقَةِ بِالذِّمَّةِ وَ إِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُطَالَبَةَ بِهَا، (وَ كَذَا الْأُجْرَةُ) يَصِحُّ إسْقَاطُهَا إنْ تَعَلَّقَتْ بِالذِّمَّةِ، لَا إنْ كَانَتْ عَيْنًا. (وَ إِذَا تَسَلَّمَ) أَجِيرًا لِيَعْمَلَ لَهُ عَمَلًا (فَتَلِفَ لَمْ يَضْمَنْ) صَغِيرًا كَانَ، أَمْ كَبِيرًا، حُرًّا كَانَ، أَمْ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِاسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةٍ مُسْتَحَقَّةٍ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا إلَّا بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ فَكَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَلَفِهِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ وَ بَعْدَهَا، إلَّا أَنْ يَحْبِسَهُ مَعَ الطَّلَبِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَيَصِيرَ بِمَنْزِلِهِ الْمَغْصُوبِ و سيأتي إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ الْحُرَّ الْبَالِغَ لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا.

وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ تَابِعٌ لَهُ وَ لَوْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ عَبْدًا ضَمِنَهُ.

السَّادِسَةُ -

(كُلُّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَوْفِيَةُ الْمَنْفَعَةِ فَعَلَي الْمُؤَجِّرِ كَالْقَتَبِ وَ الزِّمَامِ وَ الْحِزَامِ) وَ السَّرْجِ وَ الْبَرْذعَةِ وَ رَفْعِ الْمَحْمِلِ وَ الْأَحْمَالِ وَ

شَدِّهَا وَ حَطِّهَا وَ الْقَائِدِ وَ السَّائِقِ إنْ شَرَطَ مُصَاحَبَتَهُ، (وَ الْمِدَادَ فِي النَّسْخِ) لِتَوَقُّفِ إيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ اللَّازِمِ فَيَجِبُ مِنْ بَابِ الْمُقَدِّمَةِ.

وَالْأَقْوَي الرُّجُوعُ فِيهِ إلَي الْعُرْفِ فَإِنْ انْتَفَي أَوْ اضْطَرَبَ فَعَلَي الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَي الْمُؤَجِّرِ إنَّمَا هُوَ الْعَمَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ إجَارَةِ الْعَيْنِ أَمَّا الْأَعْيَانُ فَلَا تَدْخُلُ فِي مَفْهُومِ الْإِجَارَةِ عَلَي وَجْهٍ يَجِبُ إذْهَابُهَا لِأَجْلِهَا، إلَّا فِي مَوَاضِعَ نَادِرَةٍ تَثْبُتُ عَلَي خِلَافِ الْأَصْلِ كَالرَّضَاعِ وَ الِاسْتِحْمَامِ.

وَمِثْلُهُ الْخُيُوطُ لِلْخِيَاطَةِ وَ الصِّبْغُ لِلصِّبَاغَةِ وَ الْكُشُّ لِلتَّلْقِيحِ، (وَ كَذَا يَجِبُ) عَلَي الْمُؤَجِّرِ (الْمِفْتَاحُ فِي الدَّارِ)؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْغَلْقِ الْمُثَبَّتِ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْإِجَارَةِ، بَلْ هُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهُ وَ إِنْ كَانَ مَنْقُولًا وَ مِنْ شَأْنِ الْمَنْقُولِ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي إجَارَةِ الْعَقَارِ الثَّابِتِ.

وَأَمَّا مِفْتَاحُ الْقُفْلِ فَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ كَمَا لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْقُفْلِ، لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ عُرْفًا.

السَّابِعَةُ -

(لَوْ اخْتَلَفَا فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ حَلَفَ الْمُنْكِرُ) لَهَا، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمَالِكَ أَمْ غَيْرَهُ، لِأَصَالَةِ عَدَمِهَا.

ثُمَّ إنْ كَانَ النِّزَاعُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْمَنَافِعِ رَجَعَ كُلُّ مَالٍ إلَي صَاحِبِهِ وَ إِنْ كَانَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا، أَوْ الْجَمِيعِ الَّذِي يَزْعُمُ مَنْ يَدَّعِي وُقُوعَ الْإِجَارَةِ أَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْعَقْدِ و كان الْمُنْكِرُ الْمَالِكَ، فَإِنْ أَنْكَرَ مَعَ ذَلِكَ الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ وَ حَلَفَ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَ إِنْ زَادَتْ عَنْ الْمُسَمَّي بِزَعْمِ الْآخَرِ وَ لَوْ كَانَ الْمُتَصَرِّفُ يَزْعُمُ تَعَيُّنَهَا فِي مَالٍ مَخْصُوصٍ و كان مِنْ جِنْسِ النَّقْدِ الْغَالِبِ لَزِمَ الْمَالِكَ قَبْضُهُ عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ سَاوَاهَا أَخَذَهُ وَ إِنْ نَقَصَ وَجَبَ عَلَي الْمُتَصَرِّفِ الْإِكْمَالُ وَ إِنْ زَادَ صَارَ الْبَاقِي مَجْهُولَ الْمَالِكِ، لِزَعْمِ الْمُتَصَرِّفِ اسْتِحْقَاقَ الْمَالِكِ وَ هُوَ يُنْكِرُ وَ إِنْ كَانَ مُغَايِرًا لَهُ وَ لَمْ يَرْضَ الْمَالِكُ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ

الدَّفْعُ مِنْ الْغَالِبِ وَ بَقِيَ ذَلِكَ بِأَجْمَعِهِ مَجْهُولًا وَ يَضْمَنُ الْعَيْنَ بِإِنْكَارِ الْإِذْنِ وَ لَوْ اعْتَرَفَ بِهِ فَلَا ضَمَانَ.

وَإِنْ كَانَ الْمُنْكِرُ الْمُتَصَرِّفَ وَ حَلَفَ وَجَبَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، فَإِنْ كَانَتْ أَزْيَدَ مِنْ الْمُسَمَّي بِزَعْمِ الْمَالِكِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ إنْ كَانَ دَفَعَهُ، لِاعْتِرَافِهِ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَالِكِ لَهُ وَ وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَهُ وَ لَيْسَ لِلْمَالِكِ قَبْضُهُ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَزْيَدَ مِنْ الْمُسَمَّي وَ إِنْ زَادَ الْمُسَمَّي عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ كَانَ لِلْمُنْكِرِ الْمُطَالَبَةُ بِالزَّائِدِ إنْ كَانَ دَفَعَهُ وَ سَقَطَ إنْ لَمْ يَكُنْ وَ الْعَيْنُ لَيْسَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ هُنَا؛ لِاعْتِرَافِ الْمَالِكِ بِكَوْنِهَا أَمَانَةً بِالْإِجَارَةِ.

(وَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ)

بِفَتْحِ الْجِيمِ وَ هُوَ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ بِأَنْ قال:

آجَرْتُك الْبَيْتَ بِمِائَةٍ، فَقال:

بَلْ الدَّارَ أَجْمَعَ بِهَا (حَلَفَ النَّافِي)، لِأَصَالَةِ عَدَمِ وُقُوعِ الْإِجَارَةِ عَلَي مَا زَادَ عَمَّا اتَّفَقَا عَلَيْهِ.

وَقِيلَ: يَتَحَالَفَانِ وَ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَ مُنْكِرٌ، (وَ فِي رَدِّ الْعَيْنِ حَلَفَ الْمَالِكُ)، لِأَصَالَةِ عَدَمِهِ وَ الْمُسْتَأْجِرُ قَبَضَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَصْلِ.

(وَ فِي هَلَاكِ الْمَتَاعِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ حَلَفَ الْأَجِيرُ)؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ؛ وَ لِإِمْكَانِ صِدْقِهِ فِيهِ، فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِيهِ لَزِمَ تَخْلِيدُهُ فِي الْحَبْسِ وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ دَعْوَاهُ تَلَفَهُ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ كَالْغَرَقِ، أَوْ خَفِيٍّ كَالسَّرَقِ. (وَ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِذْنِ) فِي الْفِعْلِ (كَالْقَبَاءِ وَ الْقَمِيصِ) بِأَنْ قَطَعَهُ الْخَيَّاطُ قَبَاءً فَقَالَ الْمَالِكُ: أَمَرْتُك بِقَطْعِهِ قَمِيصًا (حَلَفَ الْمَالِكُ)؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْخَيَّاطُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَ الْأَصْلُ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ الْخَيَّاطُ مِنْ الْإِذْنِ وَ لِقَبُولِ قَوْلِ الْمَالِكِ فِي أَصْلِ الْإِذْنِ وَ كَذَا فِي صِفَتِهِ؛ لِأَنَّ مَرْجِعَ هَذَا النِّزَاعِ إلَي الْإِذْنِ عَلَي وَجْهٍ مَخْصُوصٍ.

وَقِيلَ: يَحْلِفُ الْخَيَّاطُ لِدَعْوَي الْمَالِكِ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ

الْأَرْشَ وَ الْأَصْلُ عَدَمُهُ.

وَعَلَي الْمُخْتَارِ إذَا حَلَفَ الْمَالِكُ يَثْبُتُ عَلَي الْخَيَّاطِ أَرْشُ الثَّوْبِ مَا بَيْنَ كَوْنِهِ مَقْطُوعًا قَمِيصًا وَ قَبَاءً وَ لَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَي عَمَلِهِ وَ لَيْسَ لَهُ فَتْقُهُ لِيَرْفَعَ مَا أَحْدَثَهُ مِنْ الْعَمَلِ إنْ كَانَتْ الْخُيُوطُ لِلْمَالِكِ، إذْ لَا عَيْنَ لَهُ يَنْزِعُهَا وَ الْعَمَلُ لَيْسَ بِعَيْنٍ و قد صَدَرَ عُدْوَانًا ظَاهِرًا.

وَلَوْ كَانَتْ الْخُيُوطُ لِلْخَيَّاطِ فَالْأَقْوَي أَنَّ لَهُ نَزْعَهَا كَالْمَغْصُوبِ.

وَوَجْهُ الْمَنْعِ اسْتِلْزَامُهُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الْغَيْرِ وَ لَوْ طَلَبَ الْمَالِكُ أَنْ يَشُدَّ فِي طَرَفِ كُلِّ خَيْطٍ مِنْهَا خَيْطًا لِتَصِيرَ خُيُوطُهُ فِي مَوْضِعِ خُيُوطِ الْخَيَّاطِ إذَا سَلَّهَا لَمْ يَجِبْ إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ يَتَوَقَّفُ عَلَي إذْنِهِ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ لَوْ بَذَلَ لَهُ الْمَالِكُ قِيمَةَ الْخُيُوطِ.

(وَ فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ حَلْفُ الْمُسْتَأْجِرِ)، لِأَصَالَةِ عَدَمِ الزَّائِدِ وَ قِيلَ: يَتَحَالَفَانِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمُسْتَأْجَرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَ مُنْكِرٌ.

وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَي وُقُوعِ الْعَقْدِ وَ مِقْدَارِ الْعَيْنِ وَ الْمُدَّةِ وَ إِنَّمَا تَخَالَفَا عَلَي الْقَدْرِ الزَّائِدِ عَمَّا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ مُنْكِرُهُ.

29 كتاب الوكالة

(29) كتاب الوكالة

كِتَابُ الْوَكَالَةِ:

" الْوَكَالَةُ " بِفَتْحِ الْوَاوِ وَ كَسْرِهَا (وَ هِيَ اسْتِنَابَةٌ فِي التَّصَرُّفِ) بِالذَّاتِ، لِئَلَّا يَرِدَ الِاسْتِنَابَةُ فِي نَحْوِ الْقِرَاضِ وَ الْمُزَارَعَةِ وَ الْمُسَاقَاةِ.

وَخَرَجَ بِقَيْدِ الِاسْتِنَابَةِ الْوَصِيَّةُ بِالتَّصَرُّفِ، فَإِنَّهَا إحْدَاثُ وِلَايَةٍ، لَا اسْتِنَابَةٌ وَ بِالتَّصَرُّفِ الْوَدِيعَةُ، فَإِنَّهَا اسْتِنَابَةٌ فِي الْحِفْظِ خَاصَّةً وَ تَفْتَقِرُ إلَي إيجَابٍ وَ قَبُولٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْعُقُودِ وَ إِنْ كَانَتْ جَائِزَةً.

(وَإِيجَابُهَا وَكَّلْتُك، أَوْ اسْتَنَبْتُكَ، أَوْ مَا شَاكَلَهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَي الِاسْتِنَابَةِ فِي التَّصَرُّفِ) وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَي نَهْجِ الْأَلْفَاظِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْعُقُودِ، (أَوْ الِاسْتِيجَابُ) وَ الْإِيجَابُ كَقوله:

وَكِّلْنِي فِي كَذَا، فَيقول:

وَكَّلْتُك، (أَوْ الْأَمْرُ بِالْبَيْعِ وَ الشِّرَاءِ) كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ

آلِهِ وَ سَلَّمَ لِعُرْوَةِ الْبَارِقِيِّ: { اشْتَرِ لَنَا شَاةً } (وَقَبُولُهَا قَوْلِيٌّ) كَقَبِلْت وَ رَضِيتُ وَ مَا أَشْبَهَهُ، (وَفِعْلِيٌّ) كَفِعْلِهِ مَا أَمَرَهُ بِفِعْلِهِ، (وَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي الْقَبُولِ (الْفَوْرِيَّةُ) بَلْ يَجُوزُ تَرَاخِيهِ عَنْ الْإِيجَابِ وَ إِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، (فَإِنَّ الْغَائِبَ يُوَكِّلُ) وَ الْقَبُولُ مُتَأَخِّرٌ و كان جَوَازَ تَوْكِيلِ الْغَائِبِ مَوْضِعُ وِفَاقٍ فَلِذَا جَعَلَهُ شَاهِدًا عَلَي الْجَوَازِ وَ إِلَّا فَهُوَ فَرْعُ الْمُدَّعَي.

(وَيُشْتَرَطُ فِيهَا التَّنْجِيزُ)

فَلَوْ عُلِّقَتْ عَلَي شَرْطٍ مُتَوَقَّعٍ كَقُدُومِ الْمُسَافِرِ، أَوْ صِفَةٍ مُتَرَقَّبَةٍ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يَصِحَّ.

وَفِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ بَعْدَ حُصُولِ الشَّرْطِ، أَوْ الصِّفَةِ بِالْإِذْنِ الضِّمْنِيِّ قَوْلَانِ مَنْشَأَهُمَا: كَوْنُ الْفَاسِدِ بِمِثْلِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ الْعَقْدُ، أَمَّا الْإِذْنُ الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ إبَاحَةِ تَصَرُّفٍ فَلَا، كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الْوَكَالَةِ عِوَضًا مَجْهُولًا فَقال:

بِعْ كَذَا عَلَي أَنَّ لَك الْعُشْرَ مِنْ ثَمَنِهِ فَتَفْسُدُ الْوَكَالَةُ، دُونَ الْإِذْنِ؛ وَ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْإِذْنِ وَ عَدَمُ الْأَخَصِّ أَعَمُّ مِنْ عَدَمِ الْأَعَمِّ وَ أَنَّ الْوَكَالَةَ لَيْسَتْ أَمْرًا زَائِدًا عَلَي الْإِذْنِ وَ مَا يَزِيدُ عَنْهُ مِنْ مِثْلِ الْجُعْلِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَيْهِ، لِصِحَّتِهَا بِدُونِهِ فَلَا يُعْقَلُ فَسَادُهَا مَعَ صِحَّتِهِ.

(وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّصَرُّفِ)

مَعَ تَنْجِيزِ الْوَكَالَةِ، بِأَنْ يقول:

وَكَّلْتُك فِي كَذَا وَ لَا تَتَصَرَّفْ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ.

لِأَنَّهُ بِمَعْنَي اشْتِرَاطِ أَمْرٍ سَائِغٍ زَائِدٍ عَلَي أَصْلِهَا الْجَامِعِ لِشَرَائِطِهَا الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا التَّنْجِيزُ وَ إِنْ كَانَ فِي مَعْنَي التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ الْمُتَلَقَّاةَ مِنْ الشَّارِعِ مَنُوطَةٌ بِضَوَابِطَ فَلَا تَقَعُ بِدُونِهَا وَ إِنْ أَفَادَ فَائِدَتَهَا.

(وَ هِيَ جَائِزَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ) فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا إبْطَالُهَا فِي حُضُورِ الْآخَرِ وَ غَيْبَتِهِ.

لَكِنْ إنْ عَزَلَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ بَطَلَتْ مُطْلَقًا، (وَ لَوْ عَزَلَهُ) الْمُوَكِّلُ (اُشْتُرِطَ عِلْمُهُ) بِالْعَزْلِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِدُونِهِ فِي أَصَحِّ الْأَقْوَالِ.

وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا بُلُوغُهُ الْخَبَرُ بِقَوْلِ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ وَ إِنْ كَانَ عَدْلًا وَاحِدًا، لِصَحِيحَةِ هِشَامِ

بْنِ سَالِمٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ لَا عِبْرَةَ بِخَبَرِ غَيْرِهِ وَ إِنْ تَعَدَّدَ، مَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْعِلْمُ، أَوْ الظَّنُّ الْمُتَاخِمُ لَهُ، (وَ لَا يَكْفِي) فِي انْعِزَالِهِ (الْإِشْهَادُ) مِنْ الْمُوَكِّلِ عَلَي عَزْلِهِ عَلَي الْأَقْوَي، لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، خِلَافًا لِلشَّيْخِ وَ جَمَاعَةٍ. (وَ) حَيْثُ كَانَتْ جَائِزَةً (تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَ الْجُنُونِ وَ الْإِغْمَاءِ) مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، سَوَاءٌ طَالَ زَمَانُ الْإِغْمَاءِ أَمْ قَصُرَ وَ سَوَاءٌ أَطْبَقَ الْجُنُونُ أَمْ كَانَ أَدْوَارًا وَ سَوَاءٌ عَلِمَ الْمُوَكِّلُ بِعُرُوضِ الْمُبْطِلِ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ، (وَبِالْحَجَرِ عَلَي الْمُوَكِّلِ فِيمَا وَكَّلَ فِيهِ) بِالسَّفَهِ وَ الْفَلَسِ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ يَقْتَضِي مَنْعَهُ مِنْ التَّوْكِيلِ فِيهِ.

وَفِي حُكْمِ الْحَجْرِ طُرُوُّ الرِّقِّ عَلَي الْمُوَكِّلِ بِأَنْ كَانَ حَرْبِيًّا فَاسْتُرِقَّ وَ لَوْ كَانَ وَكِيلًا أَصْبَحَ بِمَنْزِلَةِ تَوْكِيلِ عَبْدِ الْغَيْرِ.

(وَ لَا تَبْطُلُ بِالنَّوْمِ وَ لَوْ تَطَاوَلَ)، لِبَقَاءِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ (مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَي الْإِغْمَاءِ) فَتَبْطُلُ مِنْ حَيْثُ الْإِغْمَاءُ، لَا مِنْ حَيْثُ النَّوْمُ.

وَمِثْلُهُ السُّكْرُ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَدَالَتَهُ كَوَكِيلِ الْوَكِيلِ وَ الْوَلِيِّ (وَتَبْطُلُ بِفِعْلِ الْمُوَكِّلِ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْوَكَالَةُ) كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ وَ فِي حُكْمِهِ فِعْلُهُ مَا يُنَافِيهَا كَعِتْقِهِ.

(وَإِطْلَاقُ الْوَكَالَةِ فِي الْبَيْعِ يَقْتَضِي الْبَيْعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ)

وَ إِلَّا بِنُقْصَانٍ عَنْهُ يُتَسَامَحُ بِمِثْلِهِ عَادَةً كَدِرْهَمٍ فِي مِائَةٍ وَ إِلَّا مَعَ وُجُودِ بَاذِلٍ لِأَزِيدَ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ حَتَّي لَوْ بَاعَ بِخِيَارٍ لِنَفْسِهِ فَوَجَدَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَاذِلًا لِلزِّيَادَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْفَسْخُ إنْ تَنَاوَلَتْ وَكَالَتُهُ لَهُ، إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ قَدْرًا فَلَا يَجِبُ تَحْصِيلُ الزَّائِدِ وَ إِنْ بَذَلَ (حَالًّا) فَلَا يَجُوزُ بِالْمُؤَجَّلِ مُطْلَقًا (بِنَقْدِ الْبَلَدِ)، فَإِنْ اتَّحَدَ تَعَيَّنَ وَ إِنْ تَعَدَّدَ بَاعَ بِالْأَغْلَبِ، فَإِنْ تَسَاوَتْ النُّقُودُ بَاعَ بِالْأَنْفَعِ لِلْمُوَكِّلِ، فَإِنْ اسْتَوَتْ نَفْعًا تَخَيَّرَ (وَ كَذَا) التَّوْكِيلُ (فِي الشِّرَاءِ)

يَقْتَضِيه بِثَمَنِ الْمِثْلِ حَالًّا بِنَقْدِ الْبَلَدِ، (وَ لَوْ خَالَفَ) مَا اقْتَضَاهُ الْإِطْلَاقُ، أَوْ التَّنْصِيصُ (فَفُضُولِيٌّ) يَتَوَقَّفُ بَيْعُهُ وَ شِرَاؤُهُ عَلَي إجَازَةِ الْمَالِكِ. (وَ إِنَّمَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ غَرَضُ الشَّارِعِ بِإِيقَاعِهِ مِنْ مُبَاشِرٍ بِعَيْنِهِ كَالْعِتْقِ) فَإِنَّ غَرَضَهُ فِيهِ فَكُّ الرَّقَبَةِ سَوَاءٌ أَحْدَثَهُ الْمَالِكُ أَمْ غَيْرُهُ، (وَ الطَّلَاقِ) فَإِنَّ غَرَضَهُ مِنْهُ رَفْعُ الزَّوْجِيَّةِ كَذَلِكَ.

وَمِثْلُهُ النِّكَاحُ، (وَ الْبَيْعِ) وَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعُقُودِ وَ الْإِيقَاعَاتِ (لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ) غَرَضُهُ بِإِيقَاعِهِ مِنْ مُبَاشِرٍ بِعَيْنِهِ وَ مَرْجِعُ مَعْرِفَةِ غَرَضِهِ فِي ذَلِكَ وَ عَدَمِهِ إلَي النَّقْلِ وَ لَا قَاعِدَةَ لَهُ لَا تَنْخَرِمُ.

فَقَدْ عَلِمَ تَعَلُّقَ غَرَضِهِ بِجُمْلَةٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا امْتِثَالُ الْمُكَلَّفِ مَا أُمِرَ بِهِ وَ انْقِيَادُهُ وَ تَذَلُّلُهُ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِدُونِ الْمُبَاشَرَةِ (كَالطَّهَارَةِ) فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِيهَا أَجْمَعَ وَ إِنْ جَازَ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَ مَسْحِهَا حَيْثُ يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهَا، مَعَ تُوَلِّيهِ النِّيَّةَ وَ مِثْلُ هَذَا لَا يُعَدُّ تَوْكِيلًا حَقِيقِيًّا وَ مِنْ ثَمَّ يَقَعُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ كَالْمَجْنُونِ، بَلْ اسْتِعَانَةٌ عَلَي إيصَالِ الْمُطَهِّرِ إلَي الْعُضْوِ كَيْفَ اتَّفَقَ (وَ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ فِي) حَالِ (الْحَيَاةِ) فَلَا يُسْتَنَابُ فِيهَا مُطْلَقًا إلَّا رَكْعَتَا الطَّوَافِ، حَيْثُ يَجُوزُ اسْتِنَابَةُ الْحَيِّ فِي الْحَجِّ الْوَاجِبِ، أَوْ فِيهِمَا خَاصَّةً عَلَي بَعْضِ الْوُجُوهِ.

وَاحْتَرَزَ بِالْوَاجِبَةِ عَنْ الْمَنْدُوبَةِ، فَيَصِحُّ الِاسْتِنَابَةُ فِيهَا فِي الْجُمْلَةِ كَصَلَاةِ الطَّوَافِ الْمَنْدُوبِ، أَوْ فِي الْحَجِّ الْمَنْدُوبِ وَ إِنْ وَجَبَ وَ صَلَاةِ الزِّيَارَةِ.

وَفِي جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ فِي مُطْلَقِ النَّوَافِلِ وَجْهٌ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَضَبْطُ مُتَعَلَّقِ غَرَضِ الشَّارِعِ فِي الْعِبَادَاتِ وَ غَيْرِهَا يَحْتَاجُ إلَي تَفْصِيلٍ وَ مُسْتَنَدٍ نَقْلِيٍّ.

(وَ لَا بُدَّ مِنْ كَمَالِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) بِالْبُلُوغِ وَ الْعَقْلِ.

فَلَا يُوَكِّلُ وَ لَا يَتَوَكَّلُ الصَّبِيُّ وَ الْمَجْنُونُ مُطْلَقًا، (و جواز تَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ) فَلَا يُوَكِّلُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ لَهُ مُبَاشَرَتُهُ.

وَخَصَّ

الْمُوَكِّلَ، لِجَوَازِ كَوْنِ الْمَحْجُورِ فِي الْجُمْلَةِ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ فِيمَا حُجِرَ عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفِ كَالسَّفِيهِ وَ الْمُفْلِسِ مُطْلَقًا وَ الْعَبْدِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ.

(وَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِي الطَّلَاقِ لِلْحَاضِرِ)

فِي مَجْلِسِهِ (كَالْغَائِبِ) عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَابِلٌ لِلنِّيَابَةِ وَ إِلَّا لَمَا صَحَّ تَوْكِيلُ الْغَائِبِ.

وَمَنْعُ الشَّيْخِ مِنْ تَوْكِيلِ الْحَاضِرِ فِيهِ اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةِ السَّنَدِ قَاصِرَةِ الدَّلَالَةِ (وَ لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ إلَّا مَعَ الْإِذْنِ صَرِيحًا) وَ لَوْ بِالتَّعْمِيمِ كَاصْنَعْ مَا شِئْت، (أَوْ فَحْوًي، كَاتِّسَاعِ مُتَعَلَّقِهَا) بِحَيْثُ تَدُلُّ الْقَرَائِنُ عَلَي الْإِذْنِ لَهُ فِيهِ كَالزِّرَاعَةِ فِي أَمَاكِنَ مُتَبَاعِدَةٍ لَا تَقُومُ إلَّا بِمُسَاعِدٍ وَ مِثْلُهُ عَجْزُهُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّسِعًا مَعَ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ بِهِ (وَتَرَفُّعِ الْوَكِيلِ عَمَّا وَكَّلَ فِيهِ عَادَةً) فَإِنَّ تَوْكِيلَهُ حِينَئِذٍ يَدُلُّ بِفَحْوَاهُ عَلَي الْإِذْنِ لَهُ فِيهِ، مَعَ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ بِتَرَفُّعِهِ عَنْ مِثْلِهِ وَ إِلَّا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْقَرَائِنِ و مع جَهْلِ الْمُوَكِّلِ بِحَالِهِ يَنْتَفِي.

وَحَيْثُ أَذِنَ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ فَإِنْ صَرَّحَ لَهُ بِكَوْنِ وَكِيلِهِ وَكِيلًا عَنْهُ، أَوْ عَنْ الْمُوَكِّلِ لَزِمَهُ حُكْمُ مَنْ وَكَّلَهُ فَيَنْعَزِلُ فِي الْأَوَّلِ بِانْعِزَالِهِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ وَ بِعَزْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَهُ وَ فِي الثَّانِي لَا يَنْعَزِلُ إلَّا بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ، أَوْ بِمَا أَبْطَلَ تَوْكِيلَهُ.

وَإِنْ أَطْلَقَ فَفِي كَوْنِهِ وَكِيلًا عَنْهُ، أَوْ عَنْ الْمُوَكِّلِ، أَوْ تَخَيَّرَ الْوَكِيلُ فِي تَوْكِيلِهِ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ أَوْجَهُ.

وَكَذَا مَعَ اسْتِفَادَتِهِ مِنْ الْفَحْوَي، إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ هُنَا وَكِيلًا عَنْ الْوَكِيلِ أَوْجَهُ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ تَامَّ الْبَصِيرَةِ) فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ لِيَكُونَ مَلِيًّا بِتَحْقِيقِ مُرَادِ الْمُوَكِّلِ، (عَارِفًا بِاللُّغَةِ الَّتِي يُحَاوِرُ بِهَا) فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ، لِيَحْصُلَ الْغَرَضُ مِنْ تَوْكِيلِهِ.

وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ وَ هُوَ مُنَاسِبٌ لِمَعْنَي الشَّرْطِ بِالنِّسْبَةِ إلَي الْأَخِيرِ. (وَيُسْتَحَبُّ لِذَوِي الْمُرُوءَاتِ) وَ هُمْ أَهْلُ الشَّرَفِ وَ الرِّفْعَةِ وَ الْمُرُوءَةِ

(التَّوْكِيلُ فِي الْمُنَازَعَاتِ) وَ يُكْرَهُ أَنْ يَتَوَلَّوْهَا بِأَنْفُسِهِمْ لِمَا يَتَضَمَّنُ مِنْ الِامْتِهَانِ وَ الْوُقُوعِ فِيمَا يُكْرَهُ، رُوِيَ " أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَّلَ عَقِيلًا فِي خُصُومَةٍ وَ قال:

إنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحْمًا وَ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَحْضُرُهَا وَ إِنِّي لَأَكْرَهَ أَنْ أَحْضُرَهَا " - وَ الْقُحْمُ بِالضَّمِّ الْمَهْلَكَةُ - وَ الْمُرَادُ هُنَا أَنَّهَا تُقْحِمُ بِصَاحِبِهَا إلَي مَا لَا يُرِيدُهُ.

(وَلَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِارْتِدَادِ الْوَكِيلِ)

مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ارْتِدَادٌ وَ إِنْ كَانَتْ قَدْ تَبْطُلُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَي فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ، كَكَوْنِهِ وَكِيلًا عَلَي مُسْلِمٍ، فَإِنَّهُ فِي ذَلِكَ بِحُكْمِ الْكَافِرِ وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفِطْرِيِّ وَ غَيْرِهِ وَ إِنْ حَكَمَ بِبُطْلَانِ تَصَرُّفَاتِهِ لِنَفْسِهِ.

(وَ لَا يَتَوَكَّلُ الْمُسْلِمُ لِلذِّمِّيِّ عَلَي الْمُسْلِمِ،)

(عَلَي قَوْلِ) الشَّيْخِ وَ الْأَقْوَي الْجَوَازُ عَلَي كَرَاهِيَةٍ، لِلْأَصْلِ، (وَ لَا الذِّمِّيُّ عَلَي الْمُسْلِمِ لِمُسْلِمٍ وَ لَا لِذِمِّيٍّ قَطْعًا) فِيهِمَا، لِاسْتِلْزَامِهِمَا إثْبَاتَ السَّبِيلِ لِلْكَافِرِ عَلَي الْمُسْلِمِ الْمَنْفِيِّ بِالْآيَةِ، (وَبَاقِي الصُّوَرِ جَائِزَةٌ وَ هِيَ ثَمَانٌ) بِإِضَافَةِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدَّمَةِ إلَي بَاقِيهَا.

وَتَفْصِيلُهَا: أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُوَكِّلِ وَ الْوَكِيلِ وَ الْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ إمَّا مُسْلِمٌ، أَوْ كَافِرٌ وَ مِنْهُ تَتَشَعَّبُ الثَّمَانُ بِضَرْبِ قِسْمَيْ الْوَكِيلِ فِي قِسْمَيْ الْمُوَكِّلِ، ثُمَّ الْمُجْتَمِعُ فِي قِسْمَيْ الْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ وَ لَا فَرْقَ فِي الْكَافِرِ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَ غَيْرِهِ كَمَا يَقْتَضِيهِ التَّعْلِيلُ (وَ لَا يَتَجَاوَزُ الْوَكِيلُ مَا حُدَّ لَهُ) فِي طَرَفِ الزِّيَادَةِ وَ النُّقْصَانِ (إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْعَادَةُ بِدُخُولِهِ) - أَيْ دُخُولِ مَا تَجَاوَزَ - فِي الْإِذْنِ (كَالزِّيَادَةِ فِي ثَمَنِ مَا وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ) بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ، إنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ الْغَرَضُ فِي التَّخْصِيصِ بِهِ، (وَ النَّقِيصَةِ فِي ثَمَنِ مَا وُكِّلَ فِي شِرَائِهِ) بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ؛ لِشَهَادَةِ الْحَالِ غَالِبًا بِالرِّضَا بِذَلِكَ فِيهَا لَكِنْ قَدْ يَتَخَلَّفُ بِأَنْ لَا يُرِيدَ الْإِشْطَاطَ فِي الْبَيْعِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَغْرَاضِ

(وَتَثْبُتُ الْوَكَالَةُ بِعَدْلَيْنِ)

كَمَا

يَثْبُتُ بِهِمَا غَيْرُهَا مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَ غَيْرِهَا، (وَ لَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ)، لِاخْتِصَاصِهَا بِمَا يَعْسُرُ اطِّلَاعُ الرِّجَالِ عَلَيْهِ وَ الْوَصِيَّةِ كَمَا سَلَفَ فِي بَابِهِ، (وَ لَا مُنْضَمَّاتٍ) إلَي الرِّجَالِ؛ لِاخْتِصَاصِهَا حِينَئِذٍ بِالْمَالِ.

وَمَا فِي حُكْمِهِ وَ الْوَكَالَةُ وِلَايَةٌ عَلَي التَّصَرُّفِ وَ إِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْمَالُ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ.

(وَ لَا تَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَ يَمِينٍ)، لِمَا ذُكِرَ، إلَّا أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَي جِهَتَيْنِ كَمَا لَوْ ادَّعَي شَخْصٌ عَلَي آخَرَ وَكَالَةً بِجُعَلٍ وَ أَقَامَ شَاهِدًا وَ امْرَأَتَيْنِ، أَوْ شَاهِدًا وَ حَلَفَ مَعَهُ، فَالْأَقْوَي ثُبُوتُ الْمَالِ، لَا الْوَكَالَةِ وَ إِنْ تَبَعَّضَتْ الشَّهَادَةُ، كَمَا لَوْ أَقَامَ ذَلِكَ بِالسَّرِقَةِ، يَثْبُتُ الْمَالُ لَا الْقَطْعُ نَعَمْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَمَلِ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ، (وَ لَا بِتَصْدِيقِ الْغَرِيم) لِمُدَّعِي الْوَكَالَةِ عَلَيْهَا فِي أَخْذِ حَقٍّ مِنْهُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصْدِيقٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ.

هَذَا إذَا كَانَ الْحَقُّ الَّذِي يَدَّعِي الْوَكَالَةَ فِيهِ عَيْنًا، أَمَّا لَوْ كَانَ دَيْنًا فَفِي وجوب دَفْعِهِ إلَيْهِ بِتَصْدِيقِهِ قَوْلَانِ أَجْوَدُهُمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ خَاصَّةً، إذْ الْحَقُّ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضِ مَالِكِهِ، أَوْ وَكِيلِهِ فَإِذَا حَضَرَ وَ أَنْكَرَ بَقِيَ دَيْنُهُ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَ إِنَّمَا أُلْزِمَ الْغَرِيمُ بِالدَّفْعِ لِاعْتِرَافِهِ بِلُزُومِهِ لَهُ وَ بِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ و بين الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ مَحْضٌ لِغَيْرِهِ وَ فَائِتُهَا لَا يُسْتَدْرَكُ.

نَعَمْ يَجُوزُ لَهُ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ مَعَ تَصْدِيقِهِ لَهُ، إذْ لَا مُنَازِعَ لَهُ الْآنَ وَ يَبْقَي الْمَالِكُ عَلَي حُجَّتِهِ، فَإِذَا حَضَرَ وَ صَدَّقَ الْوَكِيلَ بَرِئَ الدَّافِعُ وَ إِنْ كَذَّبَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ مَوْجُودَةً أَخَذَهَا وَ لَهُ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا بِرَدِّهَا، لِتَرَتُّبِ أَيْدِيهِمَا عَلَي مَالِهِ وَ لِلدَّافِعِ مُطَالَبَةُ الْوَكِيلِ بِإِحْضَارِهَا لَوْ طُولِبَ بِهِ " دُونَ الْعَكْسِ

فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا، بِتَلَفٍ وَ غَيْرِهِ تَخَيَّرَ فِي الرُّجُوعِ عَلَي مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، فَإِنْ رَجَعَ عَلَي الْوَكِيلِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَي الْغَرِيمِ مُطْلَقًا، لِاعْتِرَافِهِ بِبَرَاءَتِهِ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ وَ إِنْ رَجَعَ عَلَي الْغَرِيمِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَي الْوَكِيلِ مَعَ تَلَفِهَا فِي يَدِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ؛ لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ لَهُ أَمِينٌ عِنْدَهُ وَ إِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ.

(وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْرِيطِ)

(، أَوْ التَّعَدِّي) وَ هُوَ مَوْضِعُ وِفَاقٍ.

(وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ مَا فِي يَدِهِ إلَي الْمُوَكِّلِ إذَا طُولِبَ بِهِ)، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَالُ الَّذِي وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ وَ ثَمَنِهِ وَ الْمَبِيعُ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَ ثَمَنُهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَ غَيْرُهَا.

وَنَبَّهَ بِقوله:

إذَا طُولِبَ عَلَي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ إلَيْهِ قَبْلَ طَلَبِهِ، بَلْ مَعَهُ و مع إمْكَانِ الدَّفْعِ شَرْعًا وَ عُرْفًا كَالْوَدِيعَةِ (فَلَوْ أَخَّرَ مَعَ الْإِمْكَانِ) أَيْ إمْكَانِ الدَّفْعِ شَرْعًا بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي صَلَاةٍ وَاجِبَةٍ مُطْلَقًا وَ لَا مُرِيدًا لَهَا مَعَ تَضَيُّقِ وَقْتِهَا وَ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الْمُنَافِيَةِ، أَوْ عُرْفًا بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلَي حَاجَةٍ يُرِيدُ قَضَاءَهَا وَ لَا فِي حَمَّامٍ أَوْ أَكْلِ طَعَامٍ وَ نَحْوِهَا مِنْ الْأَعْذَارِ الْعُرْفِيَّةِ (ضَمِنَ وَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ) مِنْ التَّسْلِيمِ (حَتَّي يُشْهِدَ) عَلَي الْمُوَكِّلِ بِقَبْضِ حَقِّهِ حَذَرًا مِنْ إنْكَارِهِ فَيَضْمَنُ لَهُ ثَانِيًا، أَوْ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ.

(وَ كَذَا) حُكْمُ (كُلِّ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ وَ إِنْ كَانَ وَدِيعَةً يُقْبَلُ قَوْلُهُ) فِي رَدِّهَا؛ لِافْتِقَارِهِ إلَي الْيَمِينِ فَلَهُ دَفْعُهَا بِالْإِشْهَادِ وَ إِنْ كَانَ صَادِقًا.

وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَنْ يَكُونُ لَهُ عَلَي الْحَقِّ بَيِّنَةٌ وَ غَيْرِهِ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْوَجْهِ، هَذَا هُوَ أَجْوَدُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ.

وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ مَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ وَ غَيْرِهِ وَ آخَرُونَ بَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ بِقَبْضِ الْحَقِّ بَيِّنَةٌ وَ غَيْرِهِ وَ دَفْعُ ضَرَرِ الْيَمِينِ يَدْفَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ

خُصُوصًا فِي بَعْضِ النَّاسِ، فَإِنَّ ضَرَرَ الْغَرَامَةِ عَلَيْهِمْ أَسْهَلُ مِنْ الْيَمِينِ.

(وَالْوَكِيلُ فِي الْوَدِيعَةِ)

لِمَالِ شَخْصٍ عِنْدَ آخَرَ (لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ) عَلَي الْمُسْتَوْدِعِ، (بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ) فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (حَتَّي يُشْهِدَ).

وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَدِيعَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَي الْإِخْفَاءِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا؛ وَ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَي الْوَدِيع لَا يُفِيدُ ضَمَانَهُ لِقَبُولِ قَوْله فِي الرَّدِّ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ (فَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ) عَلَي غَيْرِ الْوَدِيعَةِ (ضَمِنَ)، لِتَفْرِيطِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَدَاءُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ وَ إِلَّا انْتَفَي الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ حِينَئِذٍ مُسْتَنَدٌ إلَيْهِ. (وَيَجُوزُ لِلْوَكِيلِ تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ)؛ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ حِينَئِذٍ وَ مُغَايِرَةُ الْمُوجِبِ لِلْقَابِلِ يَكْفِي فِيهَا الِاعْتِبَارُ.

وَلَوْ أَطْلَقَ لَهُ الْإِذْنَ فَفِي جَوَازِ تَوَلِّيهمَا لِنَفْسِهِ قَوْلَانِ مَنْشَأَهُمَا: دُخُولُهُ فِي الْإِطْلَاقِ.

وَمِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ الدَّالَّةِ عَلَي الْمَنْعِ.

وَهُوَ أَوْلَي وَ اعْلَمْ أَنَّ تَوَلِّيهِ طَرَفَيْ الْعَقْدِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ الْبَيْعِ، أَوْ الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ وَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ مَعَ عَدَمِ الْإِذْنِ تَوَلِّيهِ لِنَفْسِهِ، أَمَّا لِغَيْرِهِ بِأَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لَهُمَا فَلَا إشْكَالَ إلَّا عَلَي الْقَوْلِ بِمَنْعِ كَوْنِهِ مُوجِبًا قَابِلًا وَ ذَلِكَ لَا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ إذْنِ الْمُوَكِّلِ وَ عَدَمِهِ (وَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْوَكَالَةِ حَلَفَ الْمُنْكِرُ) لِأَصَالَةِ عَدَمِهَا، سَوَاءٌ كَانَ مُنْكَرُهَا الْمُوَكِّلُ أَمْ الْوَكِيلَ.

وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ إنْكَارِ الْوَكِيلِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ مَشْرُوطَةً فِي عَقْدٍ لَازِمٍ لِأَمْرٍ لَا يُتَلَافَي حِينَ النِّزَاعِ فَيَدَّعِي الْمُوَكِّلُ حُصُولَهَا لِيَتِمَّ لَهُ الْعَقْدُ وَ يُنْكِرُهَا الْوَكِيلُ لِيَتَزَلْزَلَ وَ يَتَسَلَّطَ عَلَي الْفَسْخِ.

(وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الرَّدِّ حَلَفَ الْمُوَكِّلُ)

، لِأَصَالَةِ عَدَمِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِجُعَلٍ أَمْ لَا.

(وَ قِيلَ): يَحْلِفُ (الْوَكِيلُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ بِجُعَلٍ) فَالْمُوَكِّلُ.

أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّهُ أَمِينٌ و قد قَبَضَ الْمَالَ لِمَصْلَحَةِ الْمَالِكِ فَكَانَ مُحْسِنًا مَحْضًا كَالْوَدِيعِ وَ أَمَّا الثَّانِي فَلِمَا مَرَّ؛ وَ لِأَنَّهُ قَبَضَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ كَعَامِلِ الْقِرَاضِ وَ الْمُسْتَأْجِرِ.

وَيُضَعَّفُ بِأَنَّ

الْأَمَانَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْقَبُولَ، كَمَا لَا يَسْتَلْزِمُهُ فِي الثَّانِي مَعَ اشْتِرَاكِهَا فِي الْأَمَانَةِ وَ كَذَلِكَ الْإِحْسَانُ وَ السَّبِيلُ الْمَنْفِيُّ مَخْصُوصٌ، فَإِنَّ الْيَمِينَ سَبِيلٌ. (وَ) لَوْ اخْتَلَفَا (فِي التَّلَفِ) أَيْ تَلَفِ الْمَالِ الَّذِي بِيَدِ الْوَكِيلِ كَالْعَيْنِ الْمُوَكِّلِ فِي بَيْعِهَا وَ شِرَائِهَا، أَوْ الثَّمَنِ، أَوْ غَيْرِهِ (حَلَفَ الْوَكِيلُ)؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَ قَدْ يَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَي التَّلَفِ فَاقْتُنِعَ بِقَوْلِهِ وَ إِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْأَصْلِ وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ دَعْوَاهُ التَّلَفَ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ وَ خَفِيٍّ، (وَ كَذَا) يَحْلِفُ لَوْ اخْتَلَفَا (فِي التَّفْرِيطِ).

وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ التَّعَدِّيَ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، (وَ) كَذَا يَحْلِفُ لَوْ اخْتَلَفَا (فِي الْقِيمَةِ) عَلَي تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الضَّمَانِ، لِأَصَالَةِ عَدَمِ الزَّائِدِ.

(وَ لَوْ زَوَّجَهُ امْرَأَةً بِدَعْوَي الْوَكَالَةِ)

مِنْهُ (فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ) الْوَكَالَةَ (حَلَفَ)، لِأَصَالَةِ عَدَمِهَا (وَ عَلَي الْوَكِيلِ نِصْفُ الْمَهْرِ) لِرِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ وَ لِأَنَّهُ فَسْخٌ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَجِبُ مَعَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ كَالطَّلَاقِ، (وَلَهَا التَّزْوِيجُ) بِغَيْرِهِ لِبُطْلَانِ نِكَاحِهِ بِإِنْكَارِهِ لِلْوَكَالَةِ (وَيَجِبُ عَلَي الزَّوْجِ) فِيمَا بَيْنَهُ و بين اللَّهِ تَعَالَي (الطَّلَاقُ إنْ كَانَ وَكَّلَ) فِي التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ زَوْجَتُهُ فَإِنْكَارُهَا وَ تَعْرِيضُهَا لِلتَّزْوِيجِ بِغَيْرِهِ مُحَرَّمٌ، (وَيَسُوقُ نِصْفَ الْمَهْرِ إلَي الْوَكِيلِ)، لِلُزُومِهِ بِالطَّلَاقِ وَ غَرِمَ الْوَكِيلُ بِسَبَبِهِ.

(وَ قِيلَ: يَبْطُلُ) الْعَقْدُ (ظَاهِرًا وَ لَا غُرْمَ عَلَي الْوَكِيلِ)، لِعَدَمِ ثُبُوتِ عَقْدٍ حَتَّي يُحْكَمَ بِالْمَهْرِ، أَوْ نِصْفِهِ؛ وَ لِأَنَّهُ عَلَي تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ إنَّمَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الْبُضْعِ.

وَالْوَكِيلُ لَيْسَ بِزَوْجٍ وَ الْحَدِيثُ ضَعِيفُ السَّنَدِ وَ إِلَّا لَمَا كَانَ عَنْهُ عُدُولٌ مَعَ عَمَلِ الْأَكْثَرِ بِمَضْمُونِهِ وَ التَّعْلِيلُ بِالْفَسْخِ فَاسِدٌ فَالْقَوْلُ الْأَخِيرُ أَقْوَي.

نَعَمْ لَوْ ضَمِنَ الْوَكِيلُ الْمَهْرَ كُلَّهُ، أَوْ نِصْفَهُ لَزِمَهُ حَسَبَ مَا ضَمِنَ،

وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ التَّزْوِيجُ

إذَا لَمْ تُصَدِّقْ الْوَكِيلَ عَلَيْهَا وَ إِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهَا التَّزْوِيجُ قَبْلَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا بِزَعْمِهَا زَوْجَةً،

بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً بِالْحَالِ وَ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الطَّلَاقِ حِينَئِذٍ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ؛ لِانْتِفَاءِ النِّكَاحِ ظَاهِرًا وَ حِينَئِذٍ فَفِي تَسَلُّطِهَا عَلَي الْفَسْخِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، أَوْ تَسَلُّطِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَي الطَّلَاقِ، أَوْ بَقَاؤُهَا كَذَلِكَ حَتَّي يُطَلِّقَ أَوْ يَمُوتَ، أَوْجَهُ.

وَلَوْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ مُعَلَّقًا عَلَي الشَّرْطِ كَإِنْ كَانَتْ زَوْجَتِي فَهِيَ طَالِقٌ صَحَّ وَ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا وَ لَا تَعْلِيقًا مَانِعًا، لِأَنَّهُ أَمْرٌ يُعْلَمُ حَالُهُ وَ كَذَا فِي نَظَائِرِهِ كَقَوْلِ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْيَوْمَ الْجُمُعَةُ: إنْ كَانَ الْيَوْمُ الْجُمُعَةَ فَقَدْ بِعْتُك كَذَا، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْعُقُودِ. (وَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ) بِأَنْ قال:

بِعْتُ، أَوْ قَبَضْتُ، أَوْ اشْتَرَيْتُ (حَلَفَ) الْوَكِيلُ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَ قَادِرٌ عَلَي الْإِنْشَاءِ وَ التَّصَرُّفِ إلَيْهِ وَ مَرْجِعُ الِاخْتِلَافِ إلَي فِعْلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِهِ.

(وَ قِيلَ): يَحْلِفُ (الْمُوَكِّلُ)، لِأَصَالَةِ عَدَمِ التَّصَرُّفِ وَ بَقَاءِ الْمِلْكِ عَلَي مَالِكِهِ وَ الْأَقْوَي الْأَوَّلُ.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ فِي دَعْوَي التَّصَرُّفِ: بِعْت وَ قَبَضْت الثَّمَنَ.

وَتَلِفَ فِي يَدِي وَ غَيْرُهُ؛ لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الْمَعْنَي وَ دَعْوَي التَّلَفِ أَمْرٌ آخَرُ. (وَ كَذَا الْخِلَافُ لَوْ تَنَازَعَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ الَّذِي اُشْتُرِيَتْ بِهِ السِّلْعَةُ) كَأَنْ قَالَ الْوَكِيلُ: اشْتَرَيْته بِمِائَةٍ وَ الْحَالُ أَنَّهُ يُسَاوِي مِائَةً، لِيُمْكِنَ صِحَّةَ الْبَيْعِ فَقَالَ الْمُوَكِّلُ: بَلْ بِثَمَانِينَ، يُقَدَّمُ قَوْلُ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَ الِاخْتِلَافُ فِي فِعْلِهِ وَ دَلَالَةُ الظَّاهِرِ عَلَي كَوْنِ الشَّيْءِ إنَّمَا يُبَاعُ بِقِيمَتِهِ وَ هُوَ الْأَقْوَي وَ قِيلَ: قَوْلُ الْمُوَكِّلِ، لِأَصَالَةِ بَرَاءَتِهِ مِنْ الزَّائِدِ؛ وَ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إثْبَاتَ حَقِّ الْبَائِعِ عَلَيْهِ فَلَا يُسْمَعُ.

30 كتاب الشفعة

(30) كتاب الشفعة

كِتَابُ الشُّفْعَةِ

(الشُّفْعَةُ - وَ هِيَ) فُعْلَةٌ مِنْ قَوْلِك: شَفَعْتُ كَذَا بِكَذَا إذَا جَعَلْته شَفْعًا بِهِ أَيْ زَوْجًا كَأَنَّ الشَّفِيعَ يَجْعَلُ نَصِيبَهُ شَفْعًا بِنَصِيبِ شَرِيكِهِ وَ أَصْلُهَا التَّقْوِيَةُ وَ الْإِعَانَةُ.

وَمِنْهُ الشَّفَاعَةُ

وَ الشَّفْعُ.

وَشَرْعًا (اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ الْحِصَّةَ الْمَبِيعَةَ فِي شَرِكَتِهِ) وَ لَا يَحْتَاجُ إلَي قَيْدِ الِاتِّحَادِ وَ غَيْرِهِ مِمَّا يُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، لِاسْتِلْزَامِ الِاسْتِحْقَاقِ لَهُ.

وَإِنَّمَا يَفْتَقِرُ إلَي ذِكْرِهَا فِي الْأَحْكَامِ وَ لَا يَرِدُ النَّقْضُ فِي طَرْدِهِ بِشِرَاءِ الشَّرِيكِ حِصَّةَ شَرِيكِهِ، فَإِنَّهُ بَعْدَ الْبَيْعِ يَصْدُقُ اسْتِحْقَاقِ الشَّرِيكِ الْحِصَّةَ الْمَبِيعَةَ فِي شَرِكَتِهِ، إذْ لَيْسَ فِي التَّعْرِيفِ أَنَّهَا مَبِيعَةٌ لِغَيْرِهِ أَوْ لَهُ وَ كَمَا يَصْدُقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْأَخْذِ يَصْدُقُ بِنَفْسِ الْمِلْكِ.

وَوَجْهُ دَفْعِهِ: أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ الْمَذْكُورَ هُنَا لِلشَّرِيكِ الْمُقْتَضِي لِكَوْنِهِ شَرِيكًا حَالَ شَرِكَتِهِ وَ الْأَمْرُ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَالَ الشَّرِكَةِ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ وَ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ لَيْسَ بِشَرِيكٍ، إذْ الْمُرَادُ بِالشَّرِيكِ هُنَا الشَّرِيكُ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا، لَا مَا كَانَ فِيهِ شَرِيكًا مَعَ ارْتِفَاعِ الشَّرِكَةِ، نَظَرًا إلَي عَدَمِ اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمَعْنَي الْمُشْتَقِّ مِنْهُ فِي الْمُشْتَقِّ.

نَعَمْ يُمْكِنُ وُرُودُ ذَلِكَ مَعَ تَعَدُّدِ الشُّرَكَاءِ إذَا اشْتَرَي أَحَدُهُمْ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَقَاءِ الشَّرِكَةِ فِي غَيْرِ الْحِصَّةِ الْمَبِيعَةِ وَ لَوْ قَيَّدَ الْمَبِيعَ بِكَوْنِهِ لِغَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ، أَوْ عَلَّقَ الِاسْتِحْقَاقَ بِتَمَلُّكِ الْحِصَّةِ فَقال:

اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ تَمَلُّكَ الْحِصَّةِ الْمَبِيعَةِ إلَي آخِرِهِ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ التَّمَلُّكِ غَيْرُ اسْتِحْقَاقِ الْمِلْكِ.

(وَ لَا تَثْبُتُ لِغَيْرِ) الشَّرِيكِ (الْوَاحِدِ) عَلَي أَشْهَرِ الْقَوْلَيْنِ.

وَصَحِيحُ الْأَخْبَارِ يَدُلُّ عَلَيْهِ.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ إلَي ثُبُوتِهَا مَعَ الْكَثْرَةِ، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَاتٍ مُعَارَضَةٍ بِأَقْوَي مِنْهَا

(وَمَوْضُوعُهَا)

وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي تَثْبُتُ فِيهِ عَلَي تَقْدِيرِ بَيْعِهِ: (مَا لَا يُنْقَلُ كَالْأَرْضِ وَ الشَّجَرِ) إذَا بِيعَ مُنْضَمًّا إلَي مَغْرِسِهِ، لَا مُنْفَرِدًا.

وَمِثْلُهُ الْبِنَاءُ، فَلَوْ اشْتَرَكَتْ غُرْفَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ دُونَ قَرَارِهَا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا وَ إِنْ انْضَمَّتْ إلَي أَرْضِ غَيْرِهِ كَالشَّجَرِ إذَا انْضَمَّ إلَي غَيْرِ مَغْرِسِهِ. (وَ فِي اشْتِرَاطِ إمْكَانِ قِسْمَتِهِ قَوْلَانِ) أَجْوَدُهُمَا اشْتِرَاطُهُ، لِأَصَالَةِ عَدَمِ ثُبُوتِهَا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَ عَلَيْهِ شَوَاهِدُ مِنْ الْأَخْبَارِ، لَكِنْ فِي طَرِيقِهَا ضَعْفٌ.

وَمَنْ لَمْ

يَشْتَرِطْ نَظَرَ إلَي عُمُومِ أَدِلَّةِ ثُبُوتِهَا، مَعَ ضَعْفِ الْمُخَصِّصِ وَ عَلَي الْأَوَّلِ فَلَا شُفْعَةَ فِي الْحَمَّامِ الصَّغِيرِ وَ الْعَضَائِدِ الضَّيِّقَةِ وَ النَّهْرِ وَ الطَّرِيقِ الضَّيِّقَيْنِ وَ الرَّحَي حَيْثُ لَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ أَحْجَارِهَا وَ بَيْتِهَا.

وَفِي حُكْمِ الضَّيِّقِ قِلَّةُ النَّصِيبِ بِحَيْثُ يَتَضَرَّرُ صَاحِبُ الْقَلِيلِ بِالْقِسْمَةِ (وَ لَا تَثْبُتُ) الشُّفْعَةُ (فِي الْمَقْسُومِ) بَلْ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ مُطْلَقًا، (إلَّا مَعَ الشَّرِكَةِ فِي الْمَجَازِ) وَ هُوَ الطَّرِيقُ، (وَ الشِّرْبِ) إذَا ضَمَّهُمَا فِي الْبَيْعِ إلَي الْمَقْسُومِ.

وَهَلْ يُشْتَرَطُ قَبُولُهُمَا الْقِسْمَةَ كَالْأَصْلِ؟ إطْلَاقُ الْعِبَارَةِ يَقْتَضِي عَدَمَهُ وَ فِي الدُّرُوسِ اشْتَرَطَهُ وَ الْأَقْوَي الِاكْتِفَاءُ بِقَبُولِ الْمَقْسُومِ الْقِسْمَةَ.

نَعَمْ لَوْ بِيعَا مُنْفَرِدَيْنِ اُعْتُبِرَ قَبُولُهُمَا كَالْأَصْلِ.

(وَيُشْتَرَطُ قُدْرَةُ الشَّفِيعِ عَلَي الثَّمَنِ)

وَ بَذْلُهُ لِلْمُشْتَرِي، فَلَا شُفْعَةَ لِلْعَاجِزِ وَ لَا لِلْمُمْتَنِعِ مَعَ قُدْرَتِهِ وَ الْمُمَاطِلُ وَ يُرْجَعُ فِي الْعَجْزِ إلَي اعْتِرَافِهِ، لَا إلَي حَالِهِ؛ لِإِمْكَانِ اسْتِدَانَتِهِ وَ لَا يَجِبُ عَلَي الْمُشْتَرِي قَبُولُ الرَّهْنِ وَ الضَّامِنِ وَ الْعِوَضِ، (وَإِسْلَامُهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْلِمًا) فَلَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ مُطْلَقًا عَلَي مُسْلِمٍ، (وَ لَوْ ادَّعَي غِيبَةَ الثَّمَنِ أُجِّلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَ لَوْ مُلَفَّقَةٌ وَ فِي دُخُولِ اللَّيَالِي وَجْهَانِ.

نَعَمْ لَوْ كَانَ الْأَخْذُ عَشِيَّةً دَخَلَتْ اللَّيْلَةُ تَبَعًا وَ لَا إشْكَال فِي دُخُول اللَّيْلَتَيْنِ الْمُتَوَسِّطَتَيْنِ كَالِاعْتِكَافِ وَ لَوْ ادَّعَي أَنَّهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ أُجِّلَ زَمَانًا يَسَعُ ذَهَابُهُ وَ إِيَابُهُ وَ ثَلَاثَةً (مَا لَمْ يَتَضَرَّر الْمُشْتَرِي) لِبُعْدِ الْبَلَد عَادَة كَالْعِرَاقِ مِنْ الشَّامِ.

وَفِي الْعِبَارَة أَنَّ تَضَرُّرَ الْمُشْتَرِي يُسْقِطُ الْإِمْهَالَ ثَلَاثَةً مُطْلَقًا وَ الْمَوْجُودُ فِي كَلَامِهِ فِي الدُّرُوسِ وَ كَلَامِ غَيْرِهِ اعْتِبَارُهُ فِي الْبَلَدِ النَّائِي خَاصَّةً.

(وَتَثْبُتُ) الشُّفْعَةُ (لِلْغَائِبِ)

وَإِنْ طَالَتْ غِيبَتُهُ (فَإِذَا قَدِمَ) مِنْ سَفَرِهِ (أَخَذَ) إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْغَيْبَةِ بِنَفْسِهِ، أَوْ وَكِيلِهِ وَ لَا عِبْرَةَ بِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِشْهَادِ وَ فِي حُكْمِهِ الْمَرِيضُ وَ الْمَحْبُوسُ ظُلْمًا، أَوْ بِحَقٍّ يَعْجِزُ

عَنْهُ وَ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَ لَمْ يُطَالِبْ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَانٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّخَلُّصِ وَ الْمُطَالَبَةِ بَطَلَتْ. (وَ) كَذَا تَثْبُتُ (لِلصَّبِيِّ وَ الْمَجْنُونِ وَ السَّفِيهِ وَ يَتَوَلَّي الْأَخْذَ) لَهُمْ (الْوَلِيُّ مَعَ الْغِبْطَةِ) فِي الْأَخْذِ كَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الشَّرِيكِ الْبَائِعِ هُوَ الْوَلِيَّ، أَوْ غَيْرَهُ وَ كَمَا يَأْخُذُ لَهُمْ يَأْخُذُ مِنْهُمْ لَوْ بَاعَ عَنْهُمْ مَا هُوَ بِشَرِكَتِهِ وَ كَذَا يَأْخُذُ لِأَحَدِ الْمَوْلَيَيْنِ نَصِيبَ الْآخَرِ لَوْ بَاعَهُ بِشَرِكَتِهِ (فَإِنْ تَرَكَ) فِي مَوْضِعِ الثُّبُوتِ (فَلَهُمْ عِنْدَ الْكَمَالِ الْأَخْذُ)، إلَّا إنْ تَرَكَ لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ وَ لَوْ جَهِلَ الْحَالَ فَفِي اسْتِحْقَاقِهِمْ الْأَخْذَ نَظَرًا إلَي وُجُودِ السَّبَبِ فَيُسْتَصْحَبُ، أَمْ لَا، الْتِفَاتًا إلَي أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ وَ لَمْ تُعْلَمْ، وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا الثَّانِي.

أَمَّا الْمُفْلِسُ فَتَثْبُتُ لَهُ أَيْضًا

، لَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَي الْغُرَمَاءِ تَمْكِينُهُ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِنْ بَذَلُوهُ، أَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِذِمَّتِهِ فَأَخَذَ، تَعَلَّقَ بِالشِّقْصِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ وَ لَوْ طَلَبُوهُ مِنْهُ مُطْلَقًا (وَيَسْتَحِقُّ) الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ (بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَ إِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ) بِنَاءً عَلَي انْتِقَالِ الْمَبِيعِ إلَي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِهِ، فَلَوْ أَوْقَفْنَاهُ عَلَي انْقِضَاءِ الْخِيَارِ كَالشَّيْخِ تَوَقَّفَ عَلَي انْقِضَائِهِ.

(وَ) عَلَي الْمَشْهُورِ (لَا يُمْنَعُ) الْأَخْذُ (مِنْ التَّخَايُرِ)، لِأَصَالَةِ بَقَاءِ الْخِيَارِ (فَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي، أَوْ الْبَائِعُ الْفَسْخَ بَطَلَتْ) الشُّفْعَةُ وَ إِلَّا اسْتَقَرَّ الْأَخْذُ.

وَجَعَلَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْأَخْذَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ مَعَ حُكْمِهِ بِمِلْكِهِ بِالْعَقْدِ، نَظَرًا إلَي عَدَمِ الْفَائِدَةِ بِهِ قَبْلَهُ، إذْ لَيْسَ لَهُ انْتِزَاعُ الْعَيْنِ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ وَ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، لَا لَازِمٌ، بَلْ يَجُوزُ قَبْلَهُ وَ إِنْ مُنِعَ مِنْ الْعَيْنِ وَ الْفَائِدَةُ تَظْهَرُ فِي النَّمَاءِ وَ غَيْرِهِ.

وَاحْتَمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ بُطْلَانَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي بِالْأَخْذِ؛ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ، إذْ الْغَرَضُ الثَّمَنُ و قد حَصَلَ

مِنْ الشَّفِيعِ، كَمَا لَوْ أَرَادَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَأَخَذَ الشَّفِيعُ.

وَيَضْعُفُ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ لَيْسَتْ مُنْحَصِرَةً فِي الثَّمَنِ فَجَازَ أَنْ يُرِيدَ دَفْعَ الدَّرَكِ عَنْهُ. (وَ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ الْبَعْضِ، بَلْ يَأْخُذُ الْجَمِيعَ، أَوْ يَدَعُ) لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الْمُشْتَرِي بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ؛ وَ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ الْمَجْمُوعُ كَالْخِيَارِ، حَتَّي لَوْ قال:

أَخَذْت نِصْفَهُ مَثَلًا بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ، لِمُنَافَاتِهِ الْفَوْرِيَّةَ، حَيْثُ تُعْتَبَرُ. (وَيَأْخُذُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ) أَيْ بِمِثْلِهِ؛ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْأَخْذِ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنْ يَتَمَلَّكَهُ وَ لَيْسَ بِلَازِمٍ، (وَ لَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ مِنْ دَلَالَةٍ، أَوْ وَكَالَةٍ)، أَوْ أُجْرَةِ نَقْدٍ وَ وَزْنٍ وَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الثَّمَنِ وَ إِنْ كَانَتْ مِنْ تَوَابِعِهِ، (ثُمَّ إنْ كَانَ) الثَّمَنُ (مِثْلِيًّا فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ وَ إِنْ كَانَ قِيَمِيًّا فَقِيمَتُهُ).

وَقِيلَ: لَا شُفْعَةَ هُنَا، لِتَعَذُّرِ الْأَخْذِ بِالثَّمَنِ وَ عَمَلًا بِرِوَايَةٍ لَا تَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ وَ قُصُورٍ عَنْ الدَّلَالَةِ.

وَعَلَي الْأَوَّلِ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ (يَوْمَ الْعَقْدِ)؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ اسْتِحْقَاقِ الثَّمَنِ، فَحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِهِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ حِينَئِذٍ.

وَقِيلَ: أَعْلَي الْقِيَمِ مِنْ حِينِهِ إلَي حِينِ دَفَعَهَا كَالْغَاصِبِ.

وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَ هِيَ عَلَي الْفَوْرِ) فِي أَشْهَرِ الْقَوْلَيْنِ، اقْتِصَارًا فِيمَا خَالَفَ الْأَصْلَ عَلَي مَحَلِّ الْوِفَاقِ وَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهَا كَحَلِّ الْعِقَالِ،؛ وَ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَ رُبَّمَا جَاءَ مِنْ التَّرَاخِي عَلَي الْمُشْتَرِي ضَرَرٌ أَقْوَي؛ لِأَنَّهُ إنْ تَصَرَّفَ كَانَ مُعَرَّضًا لِلنَّقْصِ وَ إِنْ أَهْمَلَ انْتَفَتْ فَائِدَةُ الْمِلْكِ.

وَقِيلَ: عَلَي التَّرَاخِي، اسْتِصْحَابًا لِمَا ثَبَتَ وَ أَصَالَةُ عَدَمِ الْفَوْرِيَّةِ فَهُوَ مَخْرَجٌ، عَنْ الْأَصْلِ وَ الرِّوَايَةُ عَامِّيَّةٌ.

نَعَمْ رَوَي عَلِيُّ بْنُ مِهْزِيَار عَنْ الْجَوَادِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنْظَارَهُ بِالثَّمَنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

وَهُوَ يُؤْذِنُ بِعَدَمِ التَّرَاخِي مُطْلَقًا وَ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ وَ هَذَا حَسَنٌ.

وَعَلَيْهِ (فَإِذَا عَلِمَ وَ أَهْمَلَ) عَالِمًا مُخْتَارًا (بَطَلَتْ) وَ يُعْذَرُ جَاهِلُ الْفَوْرِيَّةِ كَجَاهِلِ الشُّفْعَةِ وَ نَاسِيهِمَا.

وَتُقْبَلُ دَعْوَي

الْجَهْلِ مِمَّنْ يُمْكِنُ فِي حَقِّهِ عَادَةً وَ كَذَا يُعْذَرُ مُؤَخِّرُ الطَّلَبِ إلَي الصُّبْحِ لَوْ بَلَغَهُ لَيْلًا وَ إِلَي الطَّهَارَةِ وَ الصَّلَاةِ وَ لَوْ بِالْأَذَانِ وَ الْإِقَامَةِ وَ السُّنَنِ الْمَعْهُودَةِ وَ انْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ لَهَا وَ الْأَكْلِ وَ الشُّرْبِ وَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ بَعْدَ قَضَاءِ وَ طَرِهِ مِنْهُ وَ تَشْيِيعِ الْمُسَافِرِ وَ شُهُودِ الْجِنَازَةِ وَ قَضَاءِ حَاجَةِ طَالِبِهَا وَ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَ نَحْوِ ذَلِكَ، لِشَهَادَةِ الْعُرْفِ بِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا عِنْدَهُ بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ شُغْلِهِ وَ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْبَيْعِ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، أَوْ الشِّيَاعِ فَلَا عِبْرَةَ بِخَبَرِ الْفَاسِقِ وَ الْمَجْهُولِ وَ الصَّبِيِّ وَ الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا وَ فِي شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ وَجْهٌ وَ اكْتَفَي بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ مَعَ الْقَرِينَةِ، نَعَمْ لَوْ صَدَقَ الْمُخْبِرُ كَانَ كَثُبُوتِهِ فِي حَقِّهِ وَ كَذَا لَوْ عَلِمَ صِدْقَهُ بِأَمْرٍ خَارِجٍ.

(وَلَا تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِالْفَسْخِ الْمُتَعَقِّبِ لِلْبَيْعِ بِتَقَايُلٍ، أَوْ فَسْخٍ بِعَيْبٍ)

أَمَّا مَعَ التَّقَايُلِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْعَقْدِ.

وَالشُّفْعَةُ تَثْبُتُ بِهِ فَتُقَدَّمُ وَ أَمَّا مَعَ الْعَيْبِ؛ فَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْفَسْخِ بِهِ فَرْعُ دُخُولِ الْمَعِيبِ فِي مِلْكِهِ، إذْ لَا يُعْقَلُ رَدُّ مَا كَانَ مِلْكًا لِلْغَيْرِ وَ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِوُقُوعِ الْعَقْد صَحِيحًا وَ فِي هَذَا الْوَقْتِ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فَيَقْتَرِنَانِ وَ يُقَدَّمُ حَقُّ الشَّفِيعِ، لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ وَ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، لِأَنَّ الْعَيْبَ إنْ كَانَ فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ فَالْبَائِعُ يَرْجِعُ إلَي قِيمَةِ الشِّقْصِ وَ إِنْ كَانَ فِي الشِّقْصِ فَالْمُشْتَرِي يَطْلُبُ الثَّمَنَ وَ هُوَ حَاصِلٌ لَهُ مِنْ الشَّفِيعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّمْنَا الْبَائِعَ فِي الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي سُقُوطَ حَقِّ الشَّفِيعِ مِنْ الشِّقْصِ عَيْنًا وَ قِيمَةً وَ كَذَا لَوْ قَدَّمْنَا الْمُشْتَرِيَ.

وَرُبَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ أَخْذِ الشَّفِيعِ قَبْلَ الْفَسْخِ وَ

بَعْدَهُ، لِتَسَاوِيهِمَا فِي الثُّبُوتِ فَيُقَدَّمُ السَّابِقُ فِي الْأَخْذِ وَ يَضْعُفُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَ قِيلَ بِتَقْدِيمِ حَقِّ الْمُتَبَايِعَيْنِ، لِاسْتِنَادِ الْفَسْخِ إلَي الْعَيْبِ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ وَ الشُّفْعَةُ تَثْبُتُ بَعْدَهُ فَيَكُونُ الْعَيْبُ أَسْبَقَ.

وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِ الْعَيْبِ غَيْرُ كَافٍ فِي السَّبَبِيَّةِ، بَلْ هُوَ مَعَ الْعَقْدِ، كَمَا أَنَّ الشَّرِكَةَ غَيْرُ كَافِيَةٍ فِي سَبَبِيَّةِ الشُّفْعَةِ، بَلْ هِيَ مَعَ الْعَقْدِ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَ إِنْ كَانَ جَانِبُ الْعَيْبِ لَا يَخْلُو مِنْ قُوَّةٍ إلَّا أَنَّهَا لَا تُوجِبُ التَّقْدِيمَ فَالْعَمَلُ عَلَي مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْلَي. وَ لَوْ اخْتَارَ الْبَائِعُ أَخْذَ أَرْشِ الثَّمَنِ الْمَعِيبِ مِنْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَلَي الشَّفِيعِ إنْ كَانَ أَخَذَ بِقِيمَةِ الْمَعِيبِ، أَوْ بِمَعِيبٍ مِثْلِهِ وَ إِلَّا فَلَا وَ لَوْ تَرَكَ الْبَائِعُ الرَّدَّ وَ الْأَرْشَ " مَعًا " مَعَ أَخْذِ الشَّفِيعِ لَهُ بِقِيمَةِ الْمَعِيبِ، أَوْ مِثْلِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ كَإِسْقَاطِ بَعْضِ الثَّمَنِ.

وَكَذَا لَوْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي أَخْذَ أَرْشِ الشِّقْصِ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمَا بَعْدَ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ كَجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَ لَوْ أَخَذَهُ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ رَجَعَ الشَّفِيعُ بِهِ.

وَيُفْهَمُ مِنْ تَقْيِيدِ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِغَيْرِهِ بَطَلَتْ وَ قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْفَسْخِ بِالْخِيَارِ وَ بَقِيَ تَجَدُّدُ الْفَسْخِ بِذَاتِهِ كَمَا لَوْ تَلِفَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَ فِي بُطْلَانِهَا بِهِ قَوْلٌ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْعَقْدِ وَ آخَرُ بِعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ مِنْ حِينِ التَّلَفِ لَا مِنْ أَصْلِهِ، فَلَا يُزِيلُ مَا سَبَقَ مِنْ اسْتِحْقَاقِهَا وَ ثَالِثٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَخْذِ الشَّفِيعِ قَبْلَ التَّلَفِ فَتَثْبُتُ وَ بَعْدَهُ فَتَبْطُلُ وَ الْأَوْسَطُ أَوْسَطُ.

(وَ) كَذَا (لَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ

(بِالْعُقُودِ اللَّاحِقَةِ) لِلْبَيْعِ (كَمَا لَوْ بَاعَ) الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ (أَوْ وَهَبَ، أَوْ وَقَفَ) لِسَبْقِ حَقِّ الشَّفِيعِ عَلَي مَا تَأَخَّرَ مِنْ الْعُقُودِ، (بَلْ لِلشَّفِيعِ

إبْطَالُ ذَلِكَ كُلِّهِ) وَ الْأَخْذُ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ، (وَلَهُ أَنْ يُجِيزَ) الْبَيْعَ (وَيَأْخُذَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي)؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَيْعَيْنِ سَبَبٌ تَامٌّ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ وَ الثَّانِي صَحِيحٌ وَ إِنْ تَوَقَّفَ عَلَي إجَازَةِ الشَّفِيعِ، فَالتَّعْيِينُ إلَي اخْتِيَارِهِ.

(وَ كَذَا لَوْ تَعَدَّدَتْ الْعُقُودُ)، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْأَخِيرِ صَحَّتْ الْعُقُودُ السَّابِقَةُ وَ إِنْ أَخَذَ مِنْ الْأَوَّلِ بَطَلَتْ اللَّاحِقَةُ وَ إِنْ أَخَذَ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ صَحَّ مَا قَبْلَهُ وَ بَطَلَ مَا بَعْدَهُ.

وَلَا فَرْقَ فِي بُطْلَانِ الْهِبَةِ لَوْ اخْتَارَهُ الشَّفِيعُ بَيْنَ اللَّازِمَةِ وَ غَيْرِهَا وَ لَا بَيْنَ الْمُعَوَّضِ عَنْهَا وَ غَيْرِهَا فَيَأْخُذُ الْوَاهِبُ الثَّمَنَ وَ يَرْجِعُ الْعِوَضُ إلَي بَاذِلِهِ (وَ الشَّفِيعُ يَأْخُذُ مِنْ الْمُشْتَرِي) لَا مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ الْآنَ (وَدَرَكُهُ) أَيْ دَرَكُ الشِّقْصِ لَوْ ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا (عَلَيْهِ) فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَ بِمَا اغْتَرَمَهُ لَوْ أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَ يَدِ الْبَائِعِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ، لَكِنْ هُنَا لَا يُكَلِّفُ الْمُشْتَرِيَ قَبْضَهُ مِنْهُ، بَلْ يُكَلِّفُ الشَّفِيعَ الْأَخْذَ مِنْهُ، أَوْ التَّرْكَ؛ لِأَنَّ الشِّقْصَ هُوَ حَقُّ الشَّفِيعِ، فَحَيْثُ مَا وَجَدَهُ أَخَذَهُ وَ يَكُونُ قَبْضُهُ كَقَبْضِ الْمُشْتَرِي وَ الدَّرْكُ عَلَيْهِ عَلَي التَّقْدِيرَيْنِ

(وَ الشُّفْعَةُ تُورَثُ)

عَنْ الشَّفِيعِ كَمَا يُورَثُ الْخِيَارُ وَ حَدُّ الْقَذْفِ وَ الْقِصَاصُ، فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الْإِرْثِ.

وَقِيلَ: لَا تُورَثُ اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةِ السَّنَدِ.

وَعَلَي الْمُخْتَارِ فَهِيَ (كَالْمَالِ) فَتُقَسَّمُ (بَيْنَ الْوَرَثَةِ) عَلَي نِسْبَةِ سِهَامِهِمْ، لَا عَلَي رُءُوسِهِمْ.

فَلِلزَّوْجَةِ مَعَ الْوَلَدِ الثَّمَنُ وَ لَوْ عَفَا أَحَدُ الْوُرَّاثِ عَنْ نَصِيبِهِ لَمْ تَسْقُطْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْجَمِيعِ، فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ وَاحِدٍ بِتَرْكِ غَيْرِهِ (فَلَوْ عَفُوًّا إلَّا وَاحِدًا أَخَذَ الْجَمِيعُ، أَوْ تَرَكَ) حَذَرًا مِنْ تَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَي الْمُشْتَرِي وَ لَا يَقْدَحُ هُنَا تَكَثُّرُ الْمُسْتَحِقِّ وَ إِنْ كَانُوا شُرَكَاءَ لِأَنَّ أَصْلَ الشَّرِيكِ مُتَّحِدٌ وَ

الِاعْتِبَارُ بِالْوَحْدَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ، لَا الْأَخْذِ. (وَيَجِبُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ أَوَّلًا جَبْرًا) لِقَهْرِ الْمُشْتَرِي (ثُمَّ الْأَخْذُ) أَيْ تَسَلُّمُ الْمَبِيعِ، لَا الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ الْقَوْلِيُّ فَإِنَّهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَي تَسْلِيمِ الثَّمَنِ مُرَاعَاةً لِلْفَوْرِيَّةِ (إلَّا أَنْ يَرْضَي الشَّفِيعُ بِكَوْنِهِ) أَيْ الثَّمَنِ (فِي ذِمَّتِهِ) فَلَهُ أَنْ يَتَسَلَّمَ الْمَبِيعَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي فَإِذَا أَسْقَطَهُ بِرِضَاهُ بِتَأْخِيرِ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الشَّفِيعِ فَلَهُ ذَلِكَ.

وَالْمُرَادُ بِالشَّفِيعِ هُنَا الْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرْنَاهُ إمَّا تَجَوُّزًا لِكَوْنِهِ سَبَبًا فِي إثْبَاتِ الشَّفِيعِ، أَوْ وَقَعَ سَهْوًا. (وَ لَا يَصِحُّ الْأَخْذُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِقَدْرِهِ وَ جِنْسِهِ) وَ وَصْفِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ تَفْتَقِرُ إلَي الْعِلْمِ بِالْعِوَضَيْنِ (فَلَوْ أَخَذَهُ قَبْلَهُ لَغَا وَ لَوْ قال:

أَخَذْته بِمَهْمَا كَانَ)، لِلْغَرَرِ وَ لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ شُفْعَتُهُ وَ يُغْتَفَرُ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِ بِالْمُشْتَرِي السُّؤَالُ عَنْ كَمْيَّةِ الثَّمَنِ وَ الشِّقْصِ بَعْدَ السَّلَامِ وَ الْكَلَامِ الْمُعْتَادِ. (وَ لَوْ انْتَقَلَ الشِّقْصُ بِهِبَةٍ، أَوْ صُلْحٍ، أَوْ صَدَاقٍ فَلَا شُفْعَةَ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي تَعْرِيفِهَا مِنْ اخْتِصَاصِهَا بِالْبَيْعِ وَ مَا ذُكِرَ لَيْسَ بَيْعًا حَتَّي الصُّلْحُ بِنَاءً عَلَي أَصَالَتِهِ. (وَ لَوْ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ ثُمَّ عَوَّضَهُ عَنْهُ بِيَسِيرٍ، أَوْ أَبْرَأهُ مِنْ، الْأَكْثَرِ) وَ لَوْ حِيلَةً عَلَي تَرْكِهَا (أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالْجَمِيعِ) إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ الثَّمَنُ وَ الْبَاقِي مُعَاوَضَةٌ جَدِيدَةٌ، أَوْ إسْقَاطٌ لِمَا ثَبَتَ.

وَمُقْتَضَي ذَلِكَ أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي وَ جَائِزٌ لِلْبَائِعِ أَخْذُهُ وَ إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَاطَأَةٌ عَلَي ذَلِكَ، إذْ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الشَّفِيعِ إلَّا مَا ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ وَ لَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ إلَّا مَا يَسْتَحِقُّ الْبَائِعُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ.

وَقَالَ فِي التَّحْرِيرِ: لَوْ خَالَفَ أَحَدُهُمَا مَا تَوَاطَآ عَلَيْهِ فَطَالَبَ صَاحِبَهُ بِمَا أَظْهَرَ لَهُ لَزِمَهُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ وَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالْعَقْدِ الْمُتَوَاطِئِ،

(أَوْ تَرَكَ الشَّفِيعُ) الْأَخْذَ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْغُرْمِ.

(وَلَوْ اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَ الْمُشْتَرِي فِي) مِقْدَارِ

(الثَّمَنِ حَلَفَ الْمُشْتَرِي) عَلَي الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْعَقْدِ؛ وَ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ فَلَا يُزَالُ مِلْكُهُ إلَّا بِمَا يَدَّعِيهِ.

وَيَشْكُلُ بِمَنْعِ كَوْنِ حُكْمِ الْمَالِكِ كَذَلِكَ مُطْلَقًا و قد تَقَدَّمَ قَبُولُ قَوْلِ الْمُنْكِرِ فِي كَثِيرٍ خُصُوصًا مَعَ تَلَفِ الْعَيْنِ وَ عُمُومُ { الْيَمِينُ عَلَي مَنْ أَنْكَرَ } وَارِدٌ هُنَا وَ مِنْ ثَمَّ ذَهَبَ ابْنُ الْجُنَيْدِ إلَي تَقْدِيمِ قَوْلِ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ.

وَالِاعْتِذَارُ لِلْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا دَعْوَي لَهُ عَلَي الشَّفِيعِ، إذْ لَا يَدَّعِي شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ وَ لَا تَحْتَ يَدِهِ، إنَّمَا الشَّفِيعُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ مِلْكِهِ بِالشُّفْعَةِ بِالْقَدْرِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَ الْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ.

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قوله:

اشْتَرَيْته بِالْأَكْثَرِ، أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيًا عَلَيْهِ وَ إِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَهُ إيَّاهُ عَلَيْهِ وَ لَا يَطْلُبُ تَغْرِيمَهُ إيَّاهُ إنَّمَا يَتِمُّ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي الثَّمَنَ فِي ذِمَّةِ الشَّفِيعِ.

وَيَأْتِي فِيهِ جَمِيعُ مَا سَبَقَ.

لَا يُقال:

إنَّهُ لَا يَأْخُذُ حَتَّي يَسْتَقِرَّ أَمْرُ الثَّمَنِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِقَدْرِهِ، فَمَا دَامَا مُتَنَازِعَيْنِ لَا يَأْخُذُ وَ يُتَّجَهُ الِاعْتِذَارُ.

لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُعْتَبَرُ فِي أَخْذِهِ عِلْمُهُ بِالْقَدْرِ بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُ، لَا عَلَي وَجْهٍ يَرْفَعُ الِاخْتِلَافَ، فَإِذَا زَعَمَ الْعِلْمَ بِقَدْرِهِ جَازَ لَهُ الْأَخْذُ وَ وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهِ بَعْدَ تَمَلُّكِهِ لِلشِّقْصِ، فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُدَّعِيَ.

وَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يَتَمَلَّكَ الشِّقْصَ بِرِضَاءِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ دَفْعِ الثَّمَنِ ثُمَّ يَقَعُ التَّنَازُعُ بَعْدَهُ فَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي مُدَّعِيًا.

وَتَظْهَرُ الْفَائِدَةُ لَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَالْحُكْمُ لِبَيِّنَةِ الشَّفِيعِ عَلَي الْمَشْهُورِ وَ بَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي عَلَي الثَّانِي

(وَ لَوْ ادَّعَي أَنَّ شَرِيكَهُ اشْتَرَي بَعْدَهُ)

وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الشُّفْعَةَ فَأَنْكَرَ الشَّرِيكُ التَّأَخُّرَ (حَلَفَ الشَّرِيكُ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَ الْأَصْلُ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ، (وَيَكْفِيهِ الْحَلِفُ عَلَي نَفْيِ الشُّفْعَةِ) وَ إِنْ أَجَابَ بِنَفْيِ التَّأَخُّرِ؛ لِأَنَّ

الْغَرَضَ هُوَ الِاسْتِحْقَاقُ فَيَكْفِي الْيَمِينُ لِنَفْيِهِ.

وَرُبَّمَا كَانَ صَادِقًا فِي نَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ وَ إِنْ كَانَ الشِّرَاءُ مُتَأَخِّرًا لِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُسْقِطَةِ لِلشُّفْعَةِ فَلَا يُكَلَّفُ الْحَلِفَ عَلَي نَفْيِهِ.

وَيُحْتَمَلُ لُزُومُ حَلِفِهِ عَلَي نَفْيِ التَّأَخُّرِ عَلَي تَقْدِيرِ الْجَوَابِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا أَجَابَ بِهِ إلَّا وَ يُمْكِنُهُ الْحَلِفُ عَلَيْهِ وَ قَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الْقَضَاءِ، (وَ لَوْ تَدَاعَيَا السَّبْقَ تَحَالَفَا)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَ مُدَّعًي عَلَيْهِ فَإِذَا تَحَالَفَا اسْتَقَرَّ مِلْكُهُمَا لِانْدِفَاعِ دَعْوَي كُلٍّ مِنْهُمَا بِيَمِينِ الْآخَرِ (وَ لَا شُفْعَةَ)؛ لِانْتِفَاءِ السَّبْقِ.

31 كتاب السبق و الرماية

(31) كتاب السبق و الرماية

كِتَابُ السَّبَقِ وَ الرِّمَايَةِ

(السَّبْقُ وَ الرِّمَايَةُ) وَ هُوَ عَقْدٌ شُرِعَ لِفَائِدَةِ التَّمَرُّنِ عَلَي مُبَاشَرَةِ النِّضَالِ وَ الِاسْتِعْدَادِ لِمُمَارَسَةِ الْقِتَالِ.

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: { لَا سَبَقَ إلَّا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ } وَ قَوْلُهُ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ { إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَنْفِرُ عِنْدَ الرِّهَانِ وَ تَلْعَنُ صَاحِبَهُ مَا خَلَا الْحَافِرَ وَ الْخُفَّ وَ الرِّيشَ وَ النَّصْلَ }.

(وَ إِنَّمَا يَنْعَقِدُ السَّبْقُ) بِسُكُونِ الْبَاءِ (مِنْ الْكَامِلَيْنِ) بِالْبُلُوغِ وَ الْعَقْلِ (الْخَالِيَيْنِ مِنْ الْحَجْرِ)، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَصَرُّفًا فِي الْمَالِ (عَلَي الْخَيْلِ وَ الْبِغَالِ وَ الْحَمِيرِ) وَ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْحَافِرِ الْمُثْبَتِ فِي الْخَبَرِ، (وَ الْإِبِلِ وَ الْفِيَلَةِ) وَ هُمَا دَاخِلَانِ فِي الْخُفِّ، (وَ عَلَي السَّيْفِ وَ السَّهْمِ وَ الْحِرَابِ) وَ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي النَّصْلِ وَ يَدْخُلُ السَّهْمُ فِي الرِّيشِ عَلَي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إذَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ، تَسْمِيَةٌ لِلشَّيْءِ بِاسْمِ جُزْئِهِ وَ أُطْلِقُ السَّبْقُ عَلَي مَا يَعُمُّ الرَّمْيَ تَبَعًا لِلنَّصِّ وَ تَغْلِيبًا لِلِاسْمِ، (لَا بِالْمُصَارِعَةِ وَ السُّفُنِ وَ الطُّيُورِ وَ الْعَدْوِ) وَ رَفْعِ الْأَحْجَارِ وَ رَمْيِهَا وَ نَحْوِ ذَلِكَ، لِدَلَالَةِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ عَلَي نَفْيِ مَشْرُوعِيَّةِ مَا خَرَجَ عَنْ الثَّلَاثَةِ.

هَذَا إذَا تَضَمَّنَ السَّبَقُ بِذَلِكَ

الْعِوَضَ، أَمَّا لَوْ تَجَرَّدَ عَنْهُ فَفِي تَحْرِيمِهِ نَظَرٌ، مِنْ دَلَالَةِ النَّصِّ عَلَي عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ إنْ رُوِيَ السَّبْقُ بِسُكُونِ الْبَاءِ لِيُفِيدَ نَفْيَ الْمَصْدَرِ وَ إِنْ رُوِيَ بِفَتْحِهَا كَمَا قِيلَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ رِوَايَةً، كَانَ الْمَنْفِيُّ مَشْرُوعِيَّةَ الْعِوَضِ عَلَيْهَا، فَيَبْقَي الْفِعْلُ عَلَي أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، إذْ لَمْ يَرِدْ شَرْعًا مَا يَدُلُّ عَلَي تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، خُصُوصًا مَعَ تَعَلُّقِ غَرَضٍ صَحِيحٍ بِهَا.

وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ ثُبُوتِ رِوَايَةِ الْفَتْحِ فَاحْتِمَالُ الْأَمْرَيْنِ يُسْقِطُ دَلَالَتَهُ عَلَي الْمَنْعِ. (وَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ إيجَابٍ وَ قَبُولٍ عَلَي الْأَقْرَبِ)، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَي: { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ }، { وَ الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } وَ كُلُّ مَنْ جَعَلَهُ لَازِمًا حَكَمَ بِافْتِقَارِهِ إلَي إيجَابٍ وَ قَبُولٍ.

وَقِيلَ: هُوَ جَعَالَةٌ لِوُجُودِ بَعْضِ خَوَاصِّهَا فِيهِ وَ هِيَ: أَنَّ بَذْلَ الْعِوَضِ فِيهِ عَلَي مَا لَا يُوثَقُ بِحُصُولِهِ وَ عَدَمَ تَعْيِينِ الْعَامِلِ، فَإِنَّ قوله:

مَنْ سَبَقَ فَلَهُ كَذَا غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ عِنْدَ الْعَقْدِ وَ لِأَصَالَةِ عَدَمِ اللُّزُومِ وَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَ الْأَمْرُ بِالْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ مَشْرُوطٌ بِتَحَقُّقِهِ وَ هُوَ مَوْضِعُ النِّزَاعِ.

سَلَّمْنَا لَكِنَّ الْوَفَاءَ بِهِ هُوَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ لُزُومًا و جوازا وَ إِلَّا لَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ الْجَائِزَةِ و فيه نَظَرٌ، لِأَنَّ وُجُودَ بَعْضِ الْخَوَاصِّ لَا يَقْتَضِي الِاتِّحَادَ فِي الْحُكْمِ مُطْلَقًا وَ أَصَالَةُ عَدَمِ اللُّزُومِ ارْتَفَعَتْ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ وَ الْأَصْلُ فِي الْوَفَاءِ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ دَائِمًا وَ خُرُوجُ الْعَقْدِ الْجَائِزِ تَخْصِيصٌ لِلْعَامِّ فَيَبْقَي حُجَّةً فِي الْبَاقِي.

نَعَمْ الشَّكُّ بَقِيَ فِي كَوْنِهِ عَقْدًا.

(وَتَعْيِينُ الْعِوَضِ)

وَ هُوَ الْمَالُ الَّذِي يُبْذَلُ لِلسَّابِقِ مِنْهُمَا قَدْرًا وَ جِنْسًا وَ وَصْفًا.

وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ كَكَثِيرٍ: أَنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَ فِي التَّذْكِرَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَ إِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ تَعْيِينُهُ لَوْ شُرِطَ.

وَهُوَ حَسَنٌ.

(وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا مَعًا) وَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَ فَائِدَتُهُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْبَاذِلَ إنْ كَانَ هُوَ السَّابِقُ

أَحْرَزَ مَالَهُ وَ إِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَحْرَزَهُ (وَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلْمَصَالِحِ وَ هَذَا مِنْهَا، لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَعْثِ عَلَي التَّمَرُّنِ عَلَي الْعَمَلِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ إقَامَةُ نِظَامِ الْجِهَادِ، (وَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) سَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامَ أَمْ غَيْرَهُ وَ عَلَي كُلِّ تَقْدِيرٍ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ عَيْنًا وَ دَيْنًا حَالًّا وَ مُؤَجَّلًا. (وَ لَا يُشْتَرَطُ الْمُحَلِّلُ) وَ هُوَ الَّذِي يَدْخُلُ بَيْنَ الْمُتَرَاهِنَيْنِ بِالشَّرْطِ فِي عَقْدِهِ فَيَتَسَابَقُ مَعَهُمَا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يَبْذُلُهُ لِيُعْتَبَرَ السَّابِقُ مِنْهُمَا ثُمَّ إنْ سَبَقَ أَخَذَ الْعِوَضَ وَ إِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَمْ يَغْرَمْ وَ هُوَ بَيْنَهُمَا كَالْأَمِينِ وَ إِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ لِلْأَصْلِ وَ تَنَاوُلِ مَا دَلَّ عَلَي الْجَوَازِ لِلْعَقْدِ الْخَالِي مِنْهُ و عند بَعْضِ الْعَامَّةِ وَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا هُوَ شَرْطٌ وَ بِهِ سُمِّيَ مُحَلِّلًا، لِتَحْرِيمِ الْعَقْدِ بِدُونِهِ عِنْدَهُمْ وَ حَيْثُ شُرِطَ لَزِمَ، فَيُجْرِي دَابَّتَهُ بَيْنَهُمَا، أَوْ إلَي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَ إِلَي مَا شُرِطَ مَعَ التَّعْيِينِ لِأَنَّهُمَا بِإِخْرَاجِ السَّبَقِ مُتَنَافِرَانِ، فَيَدْخُلُ بَيْنَهُمَا، لِقَطْعِ تَنَافُرِهِمَا. (وَيُشْتَرَطُ فِي السَّبَقِ تَقْدِيرُ الْمَسَافَةِ) الَّتِي يَسْتَبِقَانِ فِيهَا (ابْتِدَاءً وَ غَايَةً) لِئَلَّا يُؤَدِّي إلَي التَّنَازُعِ وَ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ مِنْ الْخَيْلِ مَا يَكُونُ سَرِيعًا فِي أَوَّلِ عَدْوِهِ، دُونَ آخِرِهِ، فَصَاحِبُهُ يَطْلُبُ قَصْرَ الْمَسَافَةِ و منها مَا هُوَ بِالْعَكْسِ، فَيَنْعَكِسُ الْحُكْمُ (وَتَقْدِيرُ الْخَطَرِ) وَ هُوَ الْعِوَضُ إنْ شَرَطَاهُ، أَوْ مُطْلَقًا.

(وَتَعْيِينُ مَا يُسَابِقُ عَلَيْهِ)

بِالْمُشَاهَدَةِ وَ لَا يَكْفِي الْإِطْلَاقُ وَ لَا التَّعْيِينُ بِالْوَصْفِ، لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ كَثِيرًا (وَاحْتِمَالُ السَّبْقِ بِالْمُعَيَّنِينَ) بِمَعْنَي احْتِمَالِ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ يَسْبِقُ صَاحِبَهُ (فَلَوْ عَلِمَ قُصُورَ أَحَدِهِمَا بَطَلَ)، لِانْتِفَاءِ الْفَائِدَةِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ اسْتِعْلَامُ السَّابِقِ وَ لَا يَقْدَحُ رُجْحَانُ سَبْقِ أَحَدِهِمَا إذَا أَمْكَنَ سَبْقُ الْآخَرِ، لِحُصُولِ الْغَرَضِ مَعَهُ (وَ أَنْ يُجْعَلَ السَّبَقُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ

وَ هُوَ الْعِوَضُ (لِأَحَدِهِمَا) وَ هُوَ السَّابِقُ مِنْهُمَا، لَا مُطْلَقًا، (أَوْ لِلْمُحَلِّلِ إنْ سَبَقَ، لَا لِأَجْنَبِيٍّ) وَ لَا لِلْمَسْبُوقِ مِنْهُمَا وَ مِنْ الْمُحَلِّلِ وَ لَا جَعْلُ الْقِسْطِ الْأَوْفَرِ لِلْمُتَأَخِّرِ، أَوْ لِلْمُصَلِّي وَ الْأَقَلِّ لِلسَّابِقِ، لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ كُلِّهِ لِلْغَرَضِ الْأَقْصَي مِنْ شَرْعِيَّتِهِ وَ هُوَ الْحَثُّ عَلَي السَّبْقِ وَ التَّمَرُّنِ عَلَيْهِ، (وَ لَا يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي فِي الْمَوْقِفِ) لِلْأَصْلِ وَ حُصُولِ الْغَرَضِ مَعَ تَعْيِينِ الْمَبْدَأِ وَ الْغَايَةِ.

وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ، لِانْتِفَاءِ مَعْرِفَةِ جَوْدَةِ عَدْوِ الْفَرَسِ وَ فُرُوسِيَّةِ الْفَارِسِ مَعَ عَدَمِ التَّسَاوِي، لِأَنَّ عَدَمَ السَّبْقِ قَدْ يَكُونُ مُسْتَنَدًا إلَيْهِ، فَيُخِلُّ بِمَقْصُودِهِ وَ مِثْلُهُ إرْسَالُ إحْدَي الدَّابَّتَيْنِ قَبْلَ الْأُخْرَي.

(وَ السَّابِقُ هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ عَلَي الْآخَرِ بِالْعُنُقِ) ظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ التَّقَدُّمِ بِجَمِيعِهِ وَ قِيلَ: يَكْفِي بَعْضُهُ وَ هُوَ حَسَنٌ. ثُمَّ إنْ اتَّفَقَا فِي طُولِ الْعُنُقِ، أَوْ قِصَرِهِ وَ سَبَقَ الْأَقْصَرُ عُنُقًا بِبَعْضِهِ فَوَاضِحٌ وَ إِلَّا اُعْتُبِرَ سَبْقُ الطَّوِيلِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقَدْرِ الزَّائِدِ وَ لَوْ سَبَقَ بِأَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الزَّائِدِ فَالْقَصِيرُ هُوَ السَّابِقُ وَ فِي عِبَارَةِ كَثِيرٍ أَنَّ السَّبْقَ يَحْصُلُ بِالْعُنُقِ وَ الْكَتَدِ مَعًا وَ هُوَ بِفَتْحِ الْفَوْقَانِيَّةِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا: مَجْمَعُ الْكَتِفَيْنِ بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ وَ الظَّهْرِ وَ عَلَيْهِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ بَعْضِ الْعُنُقِ وَ قَدْ يَتَّفِقُ السَّبْقُ بِالْكَتَدِ وَحْدَهُ كَمَا لَوْ قَصُرَ عُنُقُ السَّابِقِ بِهِ، أَوْ رَفَعَ أَحَدُ الْفَرَسَيْنِ عُنُقَهُ بِحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُهُ بِهِ وَ بِالْقَوَائِمِ فَالْمُتَقَدِّمُ بِيَدَيْهِ عِنْدَ الْغَايَةِ سَابِقٌ؛ لِأَنَّ السَّبَقَ يَحْصُلُ بِهِمَا وَ الْجَرْيُ عَلَيْهِمَا.

وَالْأَوْلَي حِينَئِذٍ تَعْيِينُ السَّبَقِ بِأَحَدِ الْأَرْبَعَةِ و مع الْإِطْلَاقِ يُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِأَحَدِهَا، لِدَلَالَةِ الْعُرْفُ عَلَيْهِ وَ يُطْلَقُ عَلَي السَّابِقِ الْمُجِلِّي.

(وَالْمُصَلِّي هُوَ الَّذِي يُحَاذِي رَأْسُهُ صَلَوِيَّ السَّابِقِ وَ هُمَا:

الْعَظْمَاتُ النَّابِتَانِ عَنْ يَمِينِ الذَّنَبِ وَ شِمَالِهِ) وَ التَّالِي هُوَ الثَّالِثُ وَ الْبَارِعُ الرَّابِعُ وَ الْمُرْتَاحُ الْخَامِسُ وَ الْحَظِيُّ

السَّادِسُ وَ الْعَاطِفُ السَّابِعُ وَ الْمُؤَمِّلُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ الثَّامِنُ وَ اللَّطِيمُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَ كَسْرِ ثَانِيهِ التَّاسِعُ وَ السُّكَيْتُ بِضَمِّ السِّينِ فَفَتْحِ الْكَافِ الْعَاشِرُ وَ الْفِسْكِلُ بِكَسْرِ الْفَاءِ فَسُكُونِ السِّينِ فَكَسْرِ الْكَافِ، أَوْ بِضَمِّهِمَا كَقُنْفُذٍ الْأَخِيرُ.

وَتَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِيمَا لَوْ شَرَطَ لِلْمُجِلِّي مَالًا وَ لِلْمُصَلِّي أَقَلَّ مِنْهُ وَ هَكَذَا إلَي الْعَاشِرِ. (وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّمْيِ مَعْرِفَةُ الرِّشْقِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَ هُوَ عَدَدُ الرَّمْيِ الَّذِي يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ (كَعِشْرِينَ وَ عَدَدُ الْإِصَابَةِ) كَعَشْرَةٍ مِنْهَا (وَصِفَتُهَا مِنْ الْمَارِقِ) وَ هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْغَرَضِ نَافِذًا وَ يَقَعُ مِنْ وَرَائِهِ، (وَ الْخَاسِقُ) بِالْمُعْجَمَةِ وَ الْمُهْمَلَةِ وَ هُوَ الَّذِي يَثْقُبُ الْغَرَضَ وَيَقِفُ فِيهِ، (وَ الْخَازِقُ) بِالْمُعْجَمَةِ وَ الزَّايِ.

وَهُوَ مَا خَدَشَهُ وَ لَمْ يَثْقُبْهُ وَ قِيلَ: ثَقَبَهُ وَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ، (وَ الْخَاصِلُ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَ هُوَ يُطْلَقُ عَلَي الْقَارِعِ وَ هُوَ مَا أَصَابَ الْغَرَضَ وَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ وَ عَلَي الْخَارِقِ وَ عَلَي الْخَاسِقِ و قد عَرَفْتهمَا وَ عَلَي الْمُصِيبِ لَهُ كَيْفَ كَانَ، (وَغَيْرُهَا) مِنْ الْأَوْصَافِ كَالْخَاصِرِ وَ هُوَ مَا أَصَابَ أَحَدَ جَانِبَيْهِ وَ الْخَارِمِ وَ هُوَ الَّذِي يَخْرِمُ حَاشِيَتَهُ وَ الْحَابِي وَ هُوَ الْوَاقِعُ دُونَهُ ثُمَّ يَحْبُو إلَيْهِ مَأْخُوذٌ مِنْ حَبْوِ الصَّبِيِّ وَ يُقال:

عَلَي مَا وَقَعَ بَيْنَ يَدَيْ الْغَرَضِ ثُمَّ وَثَبَ إلَيْهِ فَأَصَابَهُ وَ هُوَ الْمُزْدَلِفُ وَ الْقَارِعُ وَ هُوَ الَّذِي يُصِيبُهُ بِلَا خَدْشٍ.

وَمُقْتَضَي اشْتِرَاطِهِ تَعْيِينَ الصِّفَةِ بُطْلَانُ الْعَقْدِ بِدُونِهِ وَ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، لِاخْتِلَافِ النَّوْعِ الْمُوجِبِ لِلْغَرَرِ.

وَقِيلَ: يُحْمَلُ عَلَي أَخِيرِ مَا ذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ الْأَخِيرِ.

وَهُوَ الْأَقْوَي؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْجَمِيعِ فَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ وَ لِأَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ وجوب التَّعْيِينِ؛ وَ لِأَنَّ اسْمَ الْإِصَابَةِ وَاقِعٌ عَلَي الْجَمِيعِ فَيَكْفِي اشْتِرَاطُهُ وَ لَا غَرَرَ حَيْثُ يُعْلَمُ مِنْ الْإِطْلَاقِ الدَّلَالَةُ عَلَي

الْمُشْتَرَكِ.

(وَقَدْرُ الْمَسَافَةِ)

إمَّا بِالْمُشَاهَدَةِ، أَوْ بِالتَّقْدِيرِ كَمِائَةِ ذِرَاعٍ، لِاخْتِلَافِ الْإِصَابَةِ بِالْقُرْبِ وَ الْبُعْدِ، (وَ) قَدْرُ (الْغَرَضِ) وَ هُوَ مَا يَقْصِدُ إصَابَتَهُ مِنْ قِرْطَاسٍ، أَوْ جِلْدٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا، لِاخْتِلَافِهِ بِالسَّعَةِ وَ الضِّيقِ.

وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِوَضْعِهِ مِنْ الْهَدَفِ وَ هُوَ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الْغَرَضُ مِنْ تُرَابٍ وَ غَيْرِهِ، لِاخْتِلَافِهِ فِي الرِّفْعَةِ وَ الِانْحِطَاطِ الْمُوجِبِ لِاخْتِلَافِ الْإِصَابَةِ، (وَ السَّبَقُ) وَ هُوَ الْعِوَضُ، (وَتُمَاثِلُ جِنْسِ الْآلَةِ) أَيْ نَوْعِهَا الْخَاصِّ كَالْقَوْسِ الْعَرَبِيِّ، أَوْ الْمَنْسُوبِ إلَي وَضْعٍ خَاصٍّ، لِاخْتِلَافِ الرَّمْيِ بِاخْتِلَافِهَا (لَا شَخْصُهَا)، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ بَعْدَ تَعْيِينِ النَّوْعِ وَلِأَدَائِهِ إلَي التَّضْيِيقِ بِعُرُوضِ مَانِعٍ مِنْ الْمُعَيَّنِ يُحْوِجُ إلَي إبْدَالِهِ.

بَلْ قِيلَ: إنَّهُ لَوْ عَيَّنَهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَ جَازَ الْإِبْدَالُ وَ فَسَدَ الشَّرْطُ وَ شَمِلَ إطْلَاقُ الْآلَةِ الْقَوْسَ وَ السَّهْمَ وَ غَيْرِهِمَا.

وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ السَّهْمِ، لِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ الْفَاحِشِ الْمُوجِبِ لِاخْتِلَافِ الرَّمْيِ، بِخِلَافِ الْقَوْسِ.

وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ جِنْسَ الْآلَةِ انْصَرَفَ إلَي الْأَغْلَبِ عَادَةً لِأَنَّهُ جَارٍ مَجْرَي التَّقْيِيدِ لَفْظًا، فَإِنْ اضْطَرَبَتْ فَسَدَ الْعَقْدُ، لِلْغَرَرِ. (وَ لَا يُشْتَرَطُ) تَعْيِينُ (الْمُبَادَرَةِ) وَ هِيَ اشْتِرَاطُ اسْتِحْقَاقِ الْعِوَضِ لِمَنْ بَدَرَ إلَي إصَابَةِ عَدَدٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مِقْدَارِ رَشْقٍ مُعَيَّنٍ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الرِّشْقِ، كَخَمْسَةٍ مِنْ عِشْرِينَ، (وَ لَا الْمُحَاطَّةِ) وَ هِيَ اشْتِرَاطُ اسْتِحْقَاقِهِ لِمَنْ خَلَصَ لَهُ مِنْ الْإِصَابَةِ عَدَدٌ مَعْلُومٌ بَعْدَ مُقَابَلَةِ إصَابَاتِ أَحَدِهِمَا بِإِصَابَاتِ الْآخَرِ وَ طَرْحِ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ.

(وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَي الْمُحَاطَّةِ).

لِأَنَّ اشْتِرَاطَ السَّبَقِ إنَّمَا يَكُونُ لِإِصَابَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ أَصْلِ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ فِي الْعَقْدِ وَ ذَلِكَ يَقْتَضِي إكْمَالَ الْعَدَدِ كُلِّهِ لِتَكُونَ الْإِصَابَةُ الْمُعَيَّنَةُ مِنْهُ وَ بِالْمُبَادَرَةِ قَدْ لَا يَفْتَقِرُ إلَي الْإِكْمَالِ فَإِنَّهُمَا إذَا اشْتَرَطَا رَشْقَ عِشْرِينَ وَ إِصَابَةَ خَمْسَةٍ فَرَمَي كُلُّ وَاحِدٍ عَشْرَةً فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا خَمْسَةً وَ الْآخَرُ أَرْبَعَةً مَثَلًا فَقَدْ نَضَلَهُ صَاحِبُ الْخَمْسَةِ وَ لَا يَجِبُ

عَلَيْهِ الْإِكْمَالُ.

بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَا الْمُحَاطَّةَ، فَإِنَّهُمَا يَتَحَاطَّانِ أَرْبَعَةً بِأَرْبَعَةٍ وَ يَبْقَي لِصَاحِبِ الْخَمْسَةِ وَاحِدٌ.

وَيَجِبُ الْإِكْمَالُ، لِاحْتِمَالِ اخْتِصَاصِ كُلِّ وَاحِدٍ بِإِصَابَةِ خَمْسَةٍ فِيمَا يَبْقَي.

وَقِيلَ: يُحْمَلُ عَلَي الْمُبَادَرَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ السَّبَقِ لِمَنْ أَصَابَ عَدَدًا مُعَيَّنًا وَ عَدَمُ وجوب الْإِكْمَالِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَجِبُ الْإِكْمَالُ فِي الْمُحَاطَّةِ عَلَي بَعْضِ الْوُجُوهِ، كَمَا إذَا انْتَفَتْ فَائِدَتُهُ، لِلْعِلْمِ بِاخْتِصَاصِ الْمُصِيبِ بِالْمَشْرُوطِ عَلَي كُلِّ تَقْدِيرٍ، بِأَنْ رَمَي أَحَدُهُمَا فِي الْمِثَالِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَصَابَهَا وَ رَمَاهَا الْآخَرُ فَأَصَابَ خَمْسَةً فَإِذَا تَحَاطَّا خَمْسَةً بِخَمْسَةٍ بَقِيَ لِلْآخَرِ عَشْرَةٌ وَ غَايَةُ مَا يَتَّفِقُ مَعَ الْإِكْمَالِ أَنْ يُخْطِئَ صَاحِبُ الْعَشَرَةِ الْخَمْسَةَ وَ يُصِيبُهَا الْآخَرُ فَيَبْقَي لَهُ فَضْلُ خَمْسَةٍ وَ هِيَ الشَّرْطُ وَ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَقْوَي؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ وَ مَا اُدُّعِيَ مِنْهُ فِي الْمُبَادَرَةِ غَيْرُ مُتَبَادَرٍ وَ وُجُوبُ الْإِكْمَالِ فِيهَا أَغْلَبُ، فَتَكْثُرُ الْفَائِدَةُ الَّتِي بِسَبَبِهَا شُرِعَتْ الْمُعَامَلَةُ وَ لَوْ عَيَّنَا أَحَدَهُمَا كَانَ أَوْلَي. (فَإِذَا تَمَّ النِّضَالُ) وَ هُوَ الْمُرَامَاةُ.

وَتَمَامُهُ بِتَحَقُّقِ الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ لِأَحَدِهِمَا، سَوَاءٌ أَتَمَّ الْعَدَدَ أَجْمَعَ أَمْ لَا (مَلَكَ النَّاضِلُ) وَ هُوَ الَّذِي غَلَبَ الْآخَرَ (الْعِوَضَ)، سَوَاءٌ جَعَلْنَاهُ لَازِمًا كَالْإِجَارَةِ أَمْ جَعَالَةً.

أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ الْعِوَضَ فِي الْإِجَارَةِ وَ إِنْ كَانَ يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ إلَّا أَنَّهُ هُنَا لَمَّا كَانَ لِلْغَالِبِ وَ هُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، بَلْ يُمْكِنُ عَدَمُهُ أَصْلًا تَوَقَّفَ الْمِلْكُ عَلَي ظُهُورِهِ وَ جَازَ كَوْنُهُ لَازِمًا بِرَأْسِهِ يُخَالِفُ الْإِجَارَةَ فِي هَذَا الْمَعْنَي وَ أَمَّا عَلَي الْجِعَالَةِ؛ فَلِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يُمْلَكُ فِيهَا بِتَمَامِ الْعَمَلِ.

وَجَوَازُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَ ضَمَانُهُ، نَظَرًا إلَي وُجُودِ السَّبَبِ الْمُمَلِّكِ وَ هُوَ الْعَقْدُ.

وَهَذَا يَتِمُّ فِي الرَّهْنِ، أَمَّا فِي الضَّمَانِ فَيَشْكُلُ بِأَنَّ مُجَرَّدَ السَّبَبِ غَيْرُ كَافٍ، كَيْفَ وَ يُمْكِنُ تَخَلُّفُهُ بِعَدَمِ الْإِصَابَةِ فَلَيْسَ بِتَامٍّ وَ هَذَا مِمَّا يُرَجِّحُ كَوْنَهُ جَعَالَةً.

(وَ

إِذَا نَضَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ) بِشَيْءٍ

(فَصَالَحَهُ عَلَي تَرْكِ النَّضْلِ لَمْ يَصِحَّ)؛ لِأَنَّهُ مُفَوِّتٌ لِلْغَرَضِ مِنْ الْمُنَاضَلَةِ، أَوْ مُخَالِفٌ لِوَضْعِهَا (وَ لَوْ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُ الْعِوَضِ) الْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ (وَجَبَ عَلَي الْبَاذِلِ مِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ)؛ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ إلَي مَا وَقَعَ التَّرَاضِي عَلَيْهِ مِنْ الْعِوَضِ الْفَاسِدِ كَالصَّدَاقِ إذَا ظَهَرَ فَسَادُهُ.

وَيَشْكُلُ بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمُعَامَلَةِ كَنَظَائِرِهِ وَ ذَلِكَ يُوجِبُ الرُّجُوعَ إلَي أُجْرَةِ الْمِثْلِ، لَا الْعِوَضِ الْآخَرِ.

نَعَمْ لَوْ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَنْ مِثْلِ الْمُعَيَّنِ، أَوْ قِيمَتِهِ اُتُّجِهَ سُقُوطُ الزَّائِدِ، لِدُخُولِهِ عَلَي عَدَمِهِ وَ هَذَا هُوَ الْأَقْوَي.

وَالْمُرَادُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ هُنَا مَا يُبْذَلُ لِذَلِكَ الْعَمَلِ الْوَاقِعِ مِنْ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ عَادَةً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَقِرَّ الْعَادَةُ عَلَي شَيْءٍ رَجَعَ إلَي الصُّلْحِ.

وَرُبَّمَا قِيلَ بِأَنَّهُ أُجْرَةُ مِثْلِ الزَّمَانِ الَّذِي وَقَعَ الْعَمَلُ فِيهِ، نَظَرًا إلَي أَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةُ مِثْلِ الْحُرِّ لَوْ غُصِبَ تِلْكَ الْمُدَّةَ وَ الْأَجْوَدُ الْأَوَّلُ.

32 كتاب الجعالة

(32) كتاب الجعالة

كِتَابُ الْجِعَالَةِ

(الْجِعَالَةُ) لُغَةً مَالٌ يُجْعَلُ عَلَي فِعْلٍ وَ شَرْعًا (صِيغَةٌ ثَمَرَتُهَا تَحْصِيلُ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ مَعَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْعَمَلِ وَ الْعِوَضِ كَمَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ نِصْفُهُ مَعَ الْجَهَالَةِ بِهِ وَ بِمَكَانِهِ وَ بِهَذَا تَتَمَيَّزُ عَنْ الْإِجَارَةِ عَلَي تَحْصِيلِ مَنْفَعَةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ فِي الْإِجَارَةِ وَ كَذَا عِوَضُهَا.

أَمَّا عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالْعَمَلِ هُنَا فَمَوْضِعُ وِفَاقٍ وَ أَمَّا الْعِوَضُ فَفِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي تَحْقِيقُهُ.

(وَيَجُوزُ عَلَي كُلِّ عَمَلٍ مُحَلَّلٍ مَقْصُودٍ) لِلْعُقَلَاءِ (غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَي الْعَامِلِ) فَلَا يَصِحُّ عَلَي الْأَعْمَالِ الْمُحَرَّمَةِ كَالزِّنَا وَ لَا عَلَي مَا لَا غَايَةَ لَهُ مُعْتَدًّا بِهَا عَقْلًا كَنَزْفِ مَاءِ الْبِئْرِ وَ الذَّهَابِ لَيْلًا إلَي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ الْخَطِيرَةِ وَ نَحْوِهِمَا مِمَّا يَقْصِدُهُ الْعَابِثُونَ.

نَعَمْ لَوْ كَانَ الْغَرَضُ بِهِ التَّمَرُّنَ عَلَي الشَّجَاعَةِ وَ إِضْعَافَ الْوَهْمِ وَ نَحْوَهُ مِنْ الْأَغْرَاضِ الْمَقْصُودَةِ لِلْعُقَلَاءِ صَحَّ وَ كَذَا لَا

يَصِحُّ عَلَي الْوَاجِبِ عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ.

(وَلَا يَفْتَقِرُ إلَي قَبُولٍ) لَفْظِيٍّ،

بَلْ يَكْفِي فِعْلُ مُقْتَضَي الِاسْتِدْعَاءِ بِهِ (وَ لَا إلَي مُخَاطَبَةِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ فَلَوْ قال:

مَنْ رَدَّ عَبْدِي، أَوْ خَاطَ ثَوْبِي) بِصِيغَةِ الْعُمُومِ (فَلَهُ كَذَا صَحَّ، أَوْ فَلَهُ مَالٌ، أَوْ شَيْءٌ) وَ نَحْوُهُمَا مِنْ الْعِوَضِ الْمَجْهُولِ (صَحَّ، إذْ الْعِلْمُ بِالْعِوَضِ غَيْرُ شَرْطٍ فِي تَحَقُّقِ الْجِعَالَةِ وَ إِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي تَشَخُّصِهِ وَ تَعَيُّنِهِ فَإِنْ أَرَادَ) ذَلِكَ (التَّعْيِينَ فَلْيَذْكُرْ جِنْسَهُ وَ قَدْرَهُ وَ إِلَّا) يَذْكُرْهُ، أَوْ ذَكَرَهُ وَ لَمْ يُعَيِّنْهُ (تَثْبُتْ بِالرَّدِّ أُجْرَةُ الْمِثْلِ).

وَيَشْكُل بِأَنَّ ثُبُوتَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا تَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ، بَلْ هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي فَسَادِهِ وَ إِنَّمَا أَوْجَبَهَا الْأَمْرُ بِعَمَلٍ لَهُ أُجْرَةٌ عَادَةً كَمَا لَوْ اسْتَدْعَاهُ وَ لَمْ يُعَيِّنْ عِوَضًا، إلَّا أَنْ يُقال:

إنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُعَدُّ جَعَالَةً أَيْضًا فَإِنَّهَا لَا تَنْحَصِرُ فِي لَفْظٍ وَ يُرْشِدُ إلَيْهِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَي الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْبُطْلَانِ.

وَفِيهِ أَنَّ الْجِعَالَةَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِجَعْلِ شَيْءٍ، فَإِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ لَا يَتَحَقَّقُ مَفْهُومُهَا وَ إِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْعِوَضُ.

وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ لَزِمَ بِالْعَمَلِ الْعِوَضُ الْمُعَيَّنُ، لَا أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَمَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ نِصْفُهُ فَرَدَّهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَ لَا بَأْسَ بِهِ.

وَعَلَي هَذَا فَيَصِحُّ جَعْلُهُ صُبْرَةً مُشَاهَدَةً مَجْهُولَةَ الْمِقْدَارِ وَ حِصَّةً مِنْ نَمَاءِ شَجَرٍ عَلَي عَمَلِهِ وَ زَرْعٍ كَذَلِكَ وَ نَحْوِهَا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ و بين الشَّيْءِ وَ الْمَالِ: مَقُولِيَّتُهُمَا عَلَي الْقَلِيلِ وَ الْكَثِيرِ الْمُفْضِي إلَي التَّنَازُعِ وَ التَّجَاذُبِ فَلَمْ يَصِحَّ عَلَي هَذَا الْوَجْهِ، بِخِلَافِ مَا لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ لَا يَقْبَلُ الِاخْتِلَافَ وَ مُسَمَّاهُ لِتَشَخُّصِهِ لَا يَقْبَلُ التَّعَدُّدَ وَ قَبُولُهُ لِلِاخْتِلَافِ قِيمَةٌ بِالزِّيَادَةِ وَ النُّقْصَانِ قَدْ قَدِمَ عَلَيْهِ الْعَامِلُ كَيْفَ كَانَ.

وَيُمْكِنُ التَّبَرُّعُ بِهِ، فَإِذَا قَدِمَ عَلَي الْعِوَضِ الْخَاصِّ انْتَفَي الْغَرَرُ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ

فِي حَدِّ ذَاتِهِ. (وَيُشْتَرَطُ فِي الْجَاعِلِ الْكَمَالُ) بِالْبُلُوغِ وَ الْعَقْلِ، (وَ عَدَمِ الْحَجْرِ)؛ لِأَنَّهُ بَاذِلُ الْمَالِ فَيُعْتَبَرُ رَفْعُ الْحَجْرِ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْعَامِلِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ وَ إِنْ كَانَ صَبِيًّا مُمَيِّزًا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَ فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَ الْمَجْنُونِ وَجْهَانِ.

مِنْ وُقُوعِ الْعَمَلِ الْمَبْذُولِ عَلَيْهِ وَ مِنْ عَدَمِ الْقَصْدِ.

(وَلَوْ عَيَّنَ الْجِعَالَةَ لِوَاحِدٍ وَرَدَّ غَيْرَهُ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ) بِالْعَمَلِ

(لَا شَيْءَ لَهُ)، لِلْمُتَبَرِّعِ وَ لَا لِلْمُعَيَّنِ، لِعَدَمِ الْفِعْلِ، (وَ لَوْ شَارَكَ الْمُعَيَّنُ فَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّعَ عَلَيْهِ فَالْجَمِيعُ لِلْمُعَيَّنِ) لِوُقُوعِ الْفِعْلِ بِأَجْمَعِهِ لَهُ، (وَإِلَّا) يَقْصِدْ التَّبَرُّعَ عَلَيْهِ بِأَنْ أَطْلَقَ، أَوْ قَصَدَ الْعَمَلَ لِنَفْسِهِ، أَوْ التَّبَرُّعَ عَلَي الْمَالِكِ (فَالنِّصْفُ) لِلْمُعَيَّنِ خَاصَّةً، لِحُصُولِهِ بِفِعْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَجْعُولٌ لَهُ وَ الْآخَرُ مُتَبَرِّعٌ فَيَسْتَحِقُّ النِّصْفَ بِنَاءً عَلَي قِسْمَةِ الْعِوَضِ عَلَي الرُّءُوسِ.

وَالْأَقْوَي بَسْطُهُ عَلَي عَمَلِهِمَا، فَيَسْتَحِقُّ الْمُعَيَّنُ بِنِسْبَةِ عَمَلِهِ، قَصَرَ عَنْ النِّصْفِ أَمْ زَادَ.

وَهُوَ خِيرَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الدُّرُوسِ وَ مِثْلُهُ مَا لَوْ عَمِلَ مَعَهُ الْمَالِكُ.

(وَلَا شَيْءَ لِلْمُتَبَرِّعِ وَ تَجُوزُ الْجِعَالَةُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ)

فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ، دُونَ الْمَالِكِ إنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ وَ لَوْ جَعَلَهُ مِنْ مَالِ الْمَالِكِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ فُضُولِيٌّ، (وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَي الْجَاعِلِ مُطْلَقًا (الْجُعْلُ مَعَ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ) حَيْثُ يَتَعَيَّنُ وَ إِلَّا فَمَا ذَكَرَ بَدَلَهُ.

(وَهِيَ جَائِزَةٌ مِنْ طَرَفِ الْعَامِلِ مُطْلَقًا)

قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالْعَمَلِ وَ بَعْدَهُ، فَلَهُ الرُّجُوعُ مَتَي شَاءَ وَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِمَا حَصَلَ مِنْهُ مِنْ الْعَمَلِ قَبْلَ تَمَامِهِ مُطْلَقًا.

(وَ أَمَّا الْجَاعِلُ فَجَائِزَةٌ) مِنْ طَرَفِهِ (قَبْلَ التَّلَبُّسِ) بِالْعَمَلِ، (وَ أَمَّا بَعْدَهُ فَجَائِزَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَي مَا بَقِيَ مِنْ الْعَمَلِ) فَإِذَا فَسَخَ فِيهِ انْتَفَي عَنْهُ بِنِسْبَتِهِ مِنْ الْعِوَضِ (أَمَّا الْمَاضِي فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ) وَ هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا جَائِزَةً مِنْ قِبَلِهِ مُطْلَقًا فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْعَقْدِ الْجَائِزِ، أَوْ الْإِيقَاعِ مَا يَصِحُّ فَسْخُهُ لِمَنْ جَازَ مِنْ طَرَفِهِ

وَ ثُبُوتُ الْعِوَضِ لَا يُنَافِي جَوَازَهُ كَمَا أَنَّهَا بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ يَلْزَمُهَا جَمِيعَ الْعِوَضِ، مَعَ أَنَّهَا مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ وَ كَذَا الْوَكَالَةُ بِجُعْلٍ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ.

وَاسْتِحْقَاقِ الْجُعْلِ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا عَقْدًا جَائِزًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقال:

إنَّهَا جَائِزَةٌ مُطْلَقًا لَكِنْ إذَا كَانَ الْفَسْخُ مِنْ الْمَالِكِ ثَبَتَ لِلْعَامِلِ بِنِسْبَةِ مَا سَبَقَ مِنْ الْعَمَلِ إلَي الْمُسَمَّي عَلَي الْأَقْوَي.

وَقِيلَ: أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَ رُبَّمَا أَشْكَلَ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ كَانَتْ عَلَي رَدِّ ضَالَّةٍ مَثَلًا ثُمَّ فُسِخَ و قد صَارَتْ بِيَدِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ لِلْفَسْخِ مَعْنًي حِينَئِذٍ، إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهَا، بَلْ يَجِبُ تَسْلِيمُهَا إلَي الْمَالِكِ، أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ فَائِدَةٌ لِلْفَسْخِ حِينَئِذٍ.

وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ فَائِدَةَ الْبُطْلَانِ عَدَمُ سَلَامَةِ جَمِيعِ الْعِوَضِ لَهُ عَلَي هَذَا التَّقْدِيرِ، بَلْ يَسْتَحِقُّ لِمَا سَبَقَ بِنِسْبَتِهِ وَ يَبْقَي لَهُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَي مَا يَعْمَلُهُ إلَي أَنْ يَتَسَلَّمَهُ الْمَالِكُ وَ هُوَ حِفْظُهُ عِنْدَهُ وَ نَحْوُهُ، إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ رَدُّهُ عَلَي الْمَالِكِ، بَلْ تَمْكِينُهُ مِنْهُ إنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ بِوُصُولِهِ إلَي يَدِهِ وَ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَجَبَ إعْلَامُهُ.

(وَلَوْ رَجَعَ) الْمَالِكُ فِيهَا قَبْلَ الْعَمَلِ

، أَوْ فِي أَثْنَائِهِ (وَ لَمْ يَعْلَمْ الْعَامِلُ رُجُوعَهُ حَتَّي أَكْمَلَ الْعَمَلَ فَلَهُ كَمَالُ الْأُجْرَةِ) وَ لَوْ عَلِمَ فِي الْأَثْنَاءِ فَلَهُ بِنِسْبَةِ مَا سَلَفَ قَبْلَ الْعِلْمِ وَ يَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْعِلْمِ مَا يَثْبُتُ بِهِ ذَلِكَ شَرْعًا لِيَشْمَلَ السَّمَاعَ مِنْ الْمَالِكِ وَ الشِّيَاعَ الْمُفِيدَ لِلْعِلْمِ وَ خَبَرَ الْعَدْلَيْنِ، لَا الْوَاحِدَ وَ إِنْ حَكَمَ بِهِ فِي عَزْلِ الْوَكَالَةِ بِنَصٍّ خَاصٍّ

(وَلَوْ أَوْقَعَ الْمَالِكُ صِيغَتَيْنِ)

لِلْجَعَالَةِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فِي مِقْدَارِ الْعِوَضِ أَوْ فِي بَعْضِ أَوْصَافِهَا (عَمِلَ بِالْأَخِيرَةِ إذَا سَمِعَهُمَا) الْعَامِلُ، لِأَنَّ الْجِعَالَةَ جَائِزَةٌ وَ الثَّانِيَةُ رُجُوعٌ عَنْ الْأُولَي، سَوَاءٌ زَادَتْ أَمْ نَقَصَتْ (وَإِلَّا) يَسْمَعْهُمَا (فَالْمُعْتَبَرُ

مَا سَمِعَ) مِنْ الْأُولَي وَ الْأَخِيرَةِ وَ لَوْ سَمِعَ الثَّانِيَةَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَلَهُ مِنْ الْأُولَي بِنِسْبَةِ مَا عَمِلَ إلَي الْجَمِيعِ وَ مِنْ الثَّانِيَةِ بِنِسْبَةِ الْبَاقِي.

(وَ إِنَّمَا يُسْتَحَقُّ الْجُعْلُ عَلَي الرَّدِّ بِتَسْلِيمِ الْمَرْدُودِ)

إلَي مَالِكِهِ مَعَ الْإِطْلَاقِ أَوْ التَّصْرِيحِ بِالْجُعْلِ عَلَي إيصَالِهِ إلَي يَدِهِ، (فَلَوْ جَاءَ بِهِ إلَي بَابِ مَنْزِلِ الْمَالِكِ فَهَرَبَ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ)، لِعَدَمِ إتْمَامِهِ الْعَمَلَ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الِاسْتِحْقَاقِ.

وَمِثْلُهُ مَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَي يَدِهِ وَ إِنْ كَانَ بِدَارِهِ، مَعَ احْتِمَالِ الِاسْتِحْقَاقِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَي، لَا مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ وَ لَوْ كَانَ الْجُعْلُ عَلَي إيصَالِهِ إلَي الْبَلَدِ، أَوْ إلَي مَنْزِلِ الْمَالِكِ اسْتَحَقَّ الْجَمِيعَ بِالِامْتِثَالِ، (وَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إلَّا بِبَذْلِ الْجَاعِلِ) أَيْ اسْتِدْعَائِهِ الرَّدَّ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَ بَذْلِ عِوَضٍ أَمْ لَا (فَلَوْ رَدَّ بِغَيْرِهِ كَانَ مُتَبَرِّعًا) لَا عِوَضَ لَهُ مُطْلَقًا وَ كَذَا لَوْ رَدَّ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ الْجِعَالَةَ عَلَي قَصْدِ التَّبَرُّعِ، أَوْ بِقَصْدٍ يُغَايِرُ مَا بَذَلَ الْمَالِكُ جِنْسًا، أَوْ وَصْفًا وَ لَوْ رَدَّ بِنِيَّةِ الْعِوَضِ مُطْلَقًا و كان مِمَّنْ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ الصِّيغَةِ، أَوْ إطْلَاقِهَا فِي اسْتِحْقَاقِهِ قَوْلَانِ، مَنْشَؤُهُمَا: فِعْلُهُ مُتَعَلِّقُ الْجُعْلِ مُطَابِقًا لِصُدُورِهِ مِنْ الْمَالِكِ عَلَي وَجْهٍ يَشْمَلُهُ وَ أَنَّهُ عَمَلٌ مُحْتَرَمٌ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ فَاعِلُهُ التَّبَرُّعَ و قد وَقَعَ بِإِذْنِ الْجَاعِلِ فَقَدْ وُجِدَ الْمُقْتَضَي وَ الْمَانِعُ لَيْسَ إلَّا عَدَمَ عِلْمِهِ بِصُدُورِ الْجُعْلِ وَ مِثْلُهُ يُشَكُّ فِي مَانِعِيَّتِهِ، لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ فَيَعْمَلُ الْمُقْتَضَي عَمَلُهُ وَ مِنْ أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَي اعْتِقَادِهِ مُتَبَرِّعٌ، إذْ لَا عِبْرَةَ بِقَصْدِهِ مِنْ دُونِ جُعْلِ الْمَالِكِ وَ عَدَمِ سَمَاعِهِ فِي قُوَّةِ عَدَمِهِ عِنْدَهُ.

وَفَصَّلَ ثَالِثُ فَفَرَّقَ بَيْنَ مَنْ رَدَّ كَذَلِكَ عَالِمًا بِأَنَّ الْعَمَلَ بِدُونِ الْجُعْلِ تَبَرُّعٌ وَ إِنْ قَصَدَ الْعَامِلُ الْعِوَضَ و بين غَيْرِهِ؛

لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَبَرِّعٌ مَحْضًا، بِخِلَافِ الثَّانِي وَ اسْتَقْرَبَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ وَ التَّفْصِيلُ مُتَّجَهٌ.

مَسَائِلُ

(كُلَّمَا لَمْ يُعَيَّنْ جُعْلٌ) إمَّا لِتَرْكِهِ أَصْلًا بِأَنْ اسْتَدْعَي الرَّدَّ وَ أَطْلَقَ، أَوْ لِذِكْرِهِ مُبْهَمًا كَمَا سَلَفَ (فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ) لِمَنْ عَمِلَ مُقْتَضَاهُ سَامِعًا لِلصِّيغَةِ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ بِالْعَمَلِ، إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالِاسْتِدْعَاءِ مَجَّانًا فَلَا شَيْءَ وَ قِيلَ: لَا أُجْرَةَ مَعَ إطْلَاقِ الِاسْتِدْعَاءِ وَ الْأَوَّلُ أَجْوَدُ.

نَعَمْ لَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِمَّا لَا أُجْرَةَ لَهُ عَادَةً لِقِلَّتِهِ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ كَمَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِعَمَلٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ أُجْرَةً (إلَّا فِي رَدِّ الْآبِقِ مِنْ الْمِصْرِ) الَّذِي فِيهِ مَالِكُهُ إلَيْهِ (فَدِينَارٌ وَ فِي رَدِّهِ مِنْ غَيْرِهِ)، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مِصْرٍ آخَرَ أَمْ لَا (أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ) فِي الْمَشْهُورِ وَ مُسْتَنَدُهُ ضَعِيفٌ.

وَلَوْ قِيلَ بِثُبُوتِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِيهِ كَغَيْرِهِ كَانَ حَسَنًا.

وَالْمُرَادُ بِالدِّينَارِ عَلَي الْقَوْلِ بِهِ: الشَّرْعِيِّ وَ هُوَ الْمِثْقَالُ الَّذِي كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ.

(وَ الْبَعِيرُ كَذَا) أَيْ كَالْآبِقِ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَ لَا نَصَّ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَ إِنَّمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ وَ تَبِعَهُمَا عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ.

وَيَظْهَرُ مِنْ الْمُفِيدِ أَنَّ بِهِ رِوَايَةً؛ لِأَنَّهُ قال:

بِذَلِكَ ثَبَتَتْ السُّنَّةُ وَ فِي إلْحَاقِهِ عَلَي تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْآبِقِ إشْكَالٌ وَ يَقْوَي الْإِشْكَالُ لَوْ قَصُرَتْ قِيمَتُهُمَا عَنْ الدِّينَارِ وَ الْأَرْبَعَةِ.

وَيَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَنْ يَثْبُتَ عَلَي الْمَالِكِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا وَ مَبْنَي الرِّوَايَةِ عَلَي الْغَالِبِ مِنْ زِيَادَةِ قِيمَتِهِ عَنْ ذَلِكَ كَثِيرًا.

(وَ لَوْ بَذَلَ جُعْلًا) لِمَنْ رَدَّهُ وَاحِدًا

كَانَ أَمْ أَكْثَرَ (فَرَدَّهُ جَمَاعَةٌ اسْتَحَقُّوهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ) وَ لَوْ كَانَ الْعَمَلُ غَيْرَ الرَّدِّ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي يُمْكِنُ وُقُوعُهَا أَجْمَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَدُخُولِ دَارِهِ مَعَ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ فَلِكُلٍّ مَا عَيَّنَ.

(وَ لَوْ جَعَلَ لِكُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ جُعْلًا مُغَايِرًا) لِلْآخَرَيْنِ كَأَنْ جَعَلَ لِأَحَدِهِمَا دِينَارًا وَ لِلْآخَرِ دِينَارَيْنِ وَ لِلثَّالِثِ

ثَلَاثَةً (فَرَدُّوهُ فَلِكُلٍّ ثُلُثُ مَا جَعَلَ لَهُ) وَ لَوْ رَدَّهُ أَحَدُهُمْ فَلَهُ مَا عَيَّنَ لَهُ أَجْمَعَ وَ لَوْ رَدَّهُ اثْنَانِ مِنْهُمْ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ مَا عَيَّنَ لَهُ، (وَ لَوْ لَمْ يُسَمِّ لِبَعْضِهِمْ) جُعْلًا مَخْصُوصًا (فَلَهُ ثُلُثُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ) وَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ ثُلُثُ مَا عَيَّنَ لَهُ وَ لَوْ رَدَّهُ مَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ وَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ نِصْفُ أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَ لِلْآخَرِ نِصْفُ مَا سُمِّيَ لَهُ وَ هَكَذَا، (وَ لَوْ كَانُوا أَزِيدَ) مِنْ ثَلَاثَةٍ (فَبِالنِّسْبَةِ) أَيْ لَوْ رَدُّوهُ أَجْمَعَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ بِنِسْبَةِ عَمَلِهِ إلَي الْمَجْمُوعِ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، أَوْ الْمُسَمَّي.

(وَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْجِعَالَةِ)

بِأَنْ ادَّعَي الْعَامِلُ الْجُعْلَ وَ أَنْكَرَهُ الْمَالِكُ وَ ادَّعَي التَّبَرُّعَ (حَلَفَ الْمَالِكُ)، لِأَصَالَةِ عَدَمِ الْجُعْلِ، (وَ كَذَا) يَحْلِفُ الْمَالِكُ لَوْ اخْتَلَفَا (فِي تَعْيِينِ الْآبِقِ) مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَي الْجِعَالَةِ، بِأَنْ قَالَ الْمَالِكُ: إنَّ الْمَرْدُودَ لَيْسَ هُوَ الْمَجْعُولُ وَ ادَّعَاهُ الْعَامِلُ، لِأَصَالَةِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي يَدَّعِي الْعَامِلُ اسْتِحْقَاقَهُ.

(وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي السَّعْيِ بِأَنْ قَالَ الْمَالِكُ: حَصَلَ فِي يَدِك قَبْلَ الْجَعْلِ)

بِفَتْحِ الْجِيمِ و قال الرَّادُّ: بَلْ بَعْدَهُ (حَلَفَ) الْمَالِكُ (أَيْضًا، لِلْأَصْلِ) وَ هُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ حَقِّ الْجِعَالَةِ، أَوْ عَدَمِ تَقَدُّمِ الْجَعْلِ عَلَي حُصُولِهِ فِي يَدِهِ وَ إِنْ كَانَ الْأَصْلُ أَيْضًا عَدَمُ تَقَدُّمِ وُصُولِهِ إلَي يَدِهِ عَلَي الْجَعْلِ، إلَّا أَنَّهُ بِتَعَارُضِ الْأَصْلَيْنِ لَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ شَيْءٌ وَ مِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ الْمَالِكُ: حَصَلَ فِي يَدِك قَبْلِ عِلْمِك بِالْجُعْلِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ سَعْيٍ وَ إِنْ كَانَ بَعْدَ صُدُورِهِ.

(وَ فِي قَدْرِ الْجُعْلِ كَذَلِكَ) يَحْلِفُ الْمَالِكُ، لِأَصَالَةِ بَرَاءَتِهِ مِنْ الزَّائِدِ؛ وَ لِأَنَّ الْعَامِلَ مُدَّعٍ لِلزِّيَادَةِ وَ الْمَالِكُ مُنْكِرٌ (فَيَثْبُتُ لِلْعَامِلِ) بِيَمِينِ الْمَالِكِ (أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَ مِمَّا ادَّعَاهُ)؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ إنْ كَانَ

الْأُجْرَةُ فَقَدْ انْتَفَي مَا يَدَّعِيهِ الْعَامِلُ بِيَمِينِ الْمَالِكِ وَ إِنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ الْعَامِلُ، فَلِاعْتِرَافِهِ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ لِلزَّائِدِ وَ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَالِكِ مِنْهُ وَ الْحَالُ أَنَّهُمَا مُعْتَرِفَانِ بِأَنَّ عَمَلَهُ يُجْعَلُ فِي الْجُمْلَةِ وَ أَنَّهُ عَمَلٌ مُحْتَرَمٌ فَتَثْبُتُ لَهُ الْأُجْرَةُ إنْ لَمْ يَنْتِفْ بَعْضُهَا بِإِنْكَارِهِ، (إلَّا أَنْ يَزِيدَ مَا ادَّعَاهُ الْمَالِكُ) عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَتَثْبُتُ الزِّيَادَةُ، لِاعْتِرَافِهِ بِاسْتِحْقَاقِ الْعَامِلِ إيَّاهَا وَ الْعَامِلُ لَا يُنْكِرُهَا. (وَقَالَ) الشَّيْخُ نَجِيبُ الدِّينِ (ابْنُ نَمَا رَحِمَهُ اللَّهُ: إذَا حَلَفَ الْمَالِكُ عَلَي نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ) الْعَامِلُ (ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ) هُوَ، لِأَصَالَةِ عَدَمِ الزَّائِدِ وَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَي الْعَقْدِ الْمُشَخَّصِ بِالْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ وَ انْحِصَارِهِ فِي دَعْوَاهُمَا، فَإِذَا حَلَفَ الْمَالِكُ عَلَي نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ الْعَامِلُ ثَبَتَ مُدَّعَاهُ، لِقَضِيَّةِ الْحَصْرِ (وَ هُوَ قَوِيٌّ كَمَالِ الْإِجَارَةِ) إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ.

وَقِيلَ: يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَ مُدَّعَي عَلَيْهِ فَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَي نَفْيِ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ وَ يَثْبُتُ الْأَقَلُّ كَمَا مَرَّ وَ التَّحْقِيقُ أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي الْقَدْرِ إنْ كَانَ مُجَرَّدًا عَنْ التَّسْمِيَةِ بِأَنْ قَالَ الْعَامِلُ: إنِّي أَسْتَحِقُّ مِائَةً مِنْ جِهَةِ الْجُعْلِ الْفُلَانِيِّ فَأَنْكَرَ الْمَالِكُ وَ ادَّعَي أَنَّهُ خَمْسُونَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ، لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ مَحْضٌ وَ الْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الزَّائِدِ، كَمَا يُقَدَّمُ قَوْلُهُ لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْجُعْلِ.

وَلَا يُتَوَجَّهُ الْيَمِينُ هُنَا مِنْ طَرَفِ الْعَامِلِ أَصْلًا.

وَإِنْ قال:

جَعَلْتَ لِي مِائَةً فَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ خَمْسِينَ، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَاضِيَانِ فِي الْإِجَارَةِ.

وَالْأَقْوَي تَقْدِيمُ قَوْلِ الْمَالِكِ أَيْضًا

، لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَي صُدُورِ الْفِعْلِ بِعِوَضٍ وَ اخْتِلَافِهِمَا فِي مِقْدَارِهِ خَاصَّةً، فَلَيْسَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا لِمَا يَنْفِيهِ الْآخَرُ. وَ إِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي جِنْسِ الْمَجْعُولِ مَعَ اخْتِلَافِهِ بِالْقِيمَةِ فَادَّعَي الْمَالِكُ جَعْلَ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ يُسَاوِي خَمْسِينَ وَ ادَّعَي الْعَامِلُ جَعْلَ غَيْرِهِ مِمَّا يُسَاوِي مِائَتَيْنِ فَالتَّحَالُفُ هُنَا مُتَعَيَّنٌ؛

لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدَّعِي مَا يُنْكِرُهُ الْآخَرُ، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ نَشَأَ مِنْ اخْتِلَافِ الْجُعْلِ جِنْسًا، أَوْ وَصْفًا، لَا مِنْ اخْتِلَافِهِ قَدْرًا وَ إِذَا فُرِضَ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ فَالْقَوْلُ بِالتَّحَالُفِ أَوْلَي وَ إِنْ تَسَاوَيَا قِيمَةً.

وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْجِنْسِ فِي هَذَا الْقِسْمِ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً كَالْمُحَقِّقِ وَ الْعَلَّامَةِ شَرَّكُوا بَيْنَهُ و بين الِاخْتِلَافِ قَدْرًا فِي الْحُكْمِ وَ لَيْسَ بِوَاضِحٍ.

وَيَبْقَي فِي الْقَوْلِ بِالتَّحَالُفِ مُطْلَقًا إشْكَالٌ آخَرُ وَ هُوَ فِيمَا إذَا تَسَاوَتْ الْأُجْرَةُ وَ مَا يَدَّعِيه الْمَالِكُ، أَوْ زَادَ مَا يَدَّعِيهِ عَنْهَا، فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَحْلِيفِ الْعَامِلِ بَعْدَ حَلِفِ الْمَالِكِ عَلَي نَفْيِ الزَّائِدِ الَّذِي يَدَّعِيه الْعَامِلُ، لِثُبُوتِ مَا حَكَمَ بِهِ مِنْ مُدَّعَي الْمَالِكِ زَائِدًا عَنْ الْأُجْرَةِ، أَوْ مُسَاوِيًا بِاعْتِرَافِهِ فَتَكْلِيفُ الْعَامِلِ بِالْيَمِينِ حِينَئِذٍ لَا وَجْهَ لَهُ، لِاعْتِرَافِ الْمَالِكِ بِهِ وَ إِنَّمَا يُتَوَجَّهُ لَوْ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَمَّا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ فَيَتَوَقَّفُ إثْبَاتُ الزَّائِدِ مِنْ الْأُجْرَةِ عَمَّا يَدَّعِيهِ عَلَي يَمِينِ الْمُدَّعِي وَ هُوَ الْعَامِلُ.

33 كتاب الوصايا و فيه فُصُولٌ

المدخل

(33) كتاب الوصايا و فيه فُصُولٌ:

(الْأَوَّلُ: الْوَصِيَّةُ):

مَأْخُوذَةٌ مِنْ وَصَّي يَصِي، أَوْ أَوْصَي يُوصِي، أَوْ وَصَّي يُوَصِّي وَ أَصْلُهَا الْوَصْلُ وَ سُمِّيَ هَذَا التَّصَرُّفُ وَصِيَّةً لِمَا فِيهِ مِنْ وُصْلَةِ التَّصَرُّفِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِهِ بَعْدَ الْوَفَاةِ، أَوْ وُصْلَةِ الْقُرْبَةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ بِهَا فِي الْحَالَةِ الْأُخْرَي.

وَشَرْعًا: (تَمْلِيكِ عَيْنٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ، أَوْ تَسْلِيطٌ عَلَي تَصَرُّفٍ بَعْدَ الْوَفَاةِ)، فَالتَّمْلِيكُ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ يَشْمَلُ سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ الْمُمَلَّكَةِ مِنْ الْبَيْعِ وَ الْوَقْفِ وَ الْهِبَةِ.

وَفِي ذِكْرِ الْعَيْنِ وَ الْمَنْفَعَةِ تَنْبِيهٌ عَلَي مُتَعَلِّقَيْ الْوَصِيَّةِ وَ يَنْدَرِجُ فِي الْعَيْنِ: الْمَوْجُودُ مِنْهَا بِالْفِعْلِ كَالشَّجَرَةِ وَ الْقُوَّةُ كَالثَّمَرَةِ الْمُتَجَدِّدَةِ وَ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمُؤَبَّدَةِ وَ الْمُؤَقَّتَةِ وَ الْمُطْلَقَةِ وَ يَدْخُلُ فِي التَّسْلِيطِ عَلَي التَّصَرُّفِ الْوِصَايَةُ إلَي الْغَيْرِ بِإِنْفَاذِ الْوَصِيَّةِ وَ الْوِلَايَةُ عَلَي مَنْ لِلْمُوَصِّي عَلَيْهِ وِلَايَةٌ وَ يَخْرُجُ بِبَعْدِيَّةِ الْمَوْتِ الْهِبَةُ

وَ غَيْرُهَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُنَجَّزَةِ فِي الْحَيَاةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَحَدَيْهِمَا وَ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهَا تَسْلِيطٌ عَلَي التَّصَرُّفِ فِي الْحَيَاةِ.

وَيُنْتَقَضُ فِي عَكْسِهِ بِالْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ، فَإِنَّهُ فَكُّ مِلْكٍ وَ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ وَصِيَّةٌ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَ الْوَصِيَّةِ بِإِبْرَاءِ الْمَدْيُونِ وَ بِوَقْفِ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ فَكُّ مِلْكٍ أَيْضًا وَ بِالْوَصِيَّةِ بِالْمُضَارَبَةِ وَ الْمُسَاقَاةِ فَإِنَّهُمَا وَ إِنْ أَفَادَا مِلْكَ الْعَامِلِ الْحِصَّةَ مِنْ الرِّبْحِ وَ الثَّمَرَةِ عَلَي تَقْدِيرِ ظُهُورِهِمَا، إلَّا أَنَّ حَقِيقَتَهُمَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَ قَدْ لَا يَحْصُلُ رِبْحٌ وَ لَا ثَمَرَةٌ فَيَنْتَفِي التَّمْلِيكُ.

(وَإِيجَابُهَا: أَوْصَيْت) لِفُلَانٍ بِكَذَا

، (أَوْ افْعَلُوا كَذَا بَعْدَ وَفَاتِي) هَذَا الْقَيْدُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الصِّيغَةِ الثَّانِيَةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِمَّا بَعْدَ الْوَفَاةِ.

أَمَّا الْأُولَي: فَمُقْتَضَاهَا كَوْنُ ذَلِكَ بَعْدَ الْوَفَاةِ، (أَوْ لِفُلَانٍ بَعْدَ وَفَاتِي كَذَا) وَ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَي الْمَعْنَي الْمَطْلُوبِ.

(وَ الْقَبُولُ: الرِّضَا) بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْإِيجَابُ، سَوَاءٌ وَقَعَ بِاللَّفْظِ أَمْ بِالْفِعْلِ الدَّالِ عَلَيْهِ كَالْأَخْذِ وَ التَّصَرُّفِ وَ إِنَّمَا يُفْتَقَرُ إلَيْهِ فِي مَنْ يُمْكِنُ فِي حَقِّهِ كَالْمَحْصُورِ لَا غَيْرِهِ كَالْفُقَرَاءِ وَ الْفُقَهَاءِ وَ بَنِي هَاشِمٍ وَ الْمَسْجِدِ وَ الْقَنْطَرَةِ كَمَا سَيَأْتِي.

وَاسْتُفِيدَ مِنْ افْتِقَارِهَا إلَي الْإِيجَابِ وَ الْقَبُولِ أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْعُقُودِ وَ مِنْ جَوَازِ رُجُوعِ الْمُوصِي مَا دَامَ حَيًّا وَ الْمُوصَي لَهُ كَذَلِكَ مَا لَمْ يَقْبَلْ بَعْدَ الْوَفَاةِ كَمَا سَيَأْتِي أَنَّهَا مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ وَ قَدْ تَلْحَقُ بِاللَّازِمَةِ عَلَي بَعْضِ الْوُجُوهِ كَمَا يُعْلَمْ ذَلِكَ مِنْ الْقُيُودِ.

وَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهَا حُكْمَ الْجَوَازِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا الْقَبُولُ اللَّفْظِيِّ وَ لَا مُقَارَنَتُهُ لِلْإِيجَابِ، بَلْ يَجُوزُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ (تَأَخَّرَ) عَنْ الْإِيجَابِ، (أَوْ قَارَنَ).

وَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ بِتَأَخُّرِهِ تَأَخُّرَهُ عَنْ الْحَيَاةِ وَ مُقَارَنَتَهُ لِلْوَفَاةِ وَ الْأَوَّلُ أَوْفَقُ بِمَذْهَبِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ يَرَي جَوَازَ تَقْدِيمِ الْقَبُولِ عَلَي الْوَفَاةِ وَ الثَّانِي لِلْمَشْهُورِ.

وَمَبْنَي الْقَوْلَيْنِ عَلَي أَنَّ الْإِيجَابَ فِي الْوَصِيَّةِ

إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَ الْوَفَاةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ، أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَلَوْ قَبِلَ قَبْلَهُ لَمْ يُطَابِقْ الْقَبُولُ الْإِيجَابَ.

وَأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْوَفَاةِ تَمَامُ الْمِلْكِ عَلَي تَقْدِيرِ الْقَبُولِ وَ الْقَبْضِ، لَا إحْدَاثِ سَبَبِهِ، فَإِنَّ الْإِيجَابَ جُزْءُ السَّبَبِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ كَذَلِكَ وَ بِالْمَوْتِ يَتِمُّ، أَوْ يُجْعَلُ الْمَوْتُ شَرْطًا لِحُصُولِ الْمِلْكِ بِالْعَقْدِ كَالْبَيْعِ عَلَي بَعْضِ الْوُجُوهِ وَ هَذَا أَقْوَي.

وَتَعَلُّقُ الْإِيجَابِ بِالتَّمْلِيكِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُنَافِي قَبُولَهُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ قَبُولٌ بَعْدَهُ أَيْضًا وَ إِنَّمَا يَصِحُّ الْقَبُولُ عَلَي التَّقْدِيرَيْنِ (مَا لَمْ يَرُدَّ) الْوَصِيَّةَ قَبَلَهُ (فَإِنْ رَدَّ) حِينَئِذٍ لَمْ يُؤَثِّرْ الْقَبُولُ؛ لِبُطْلَانِ الْإِيجَابِ بِرَدِّهِ.

نَعَمْ لَوْ رَدَّهُ (فِي حَيَاةِ الْمُوصِي جَازَ الْقَبُولُ بَعْدَ وَفَاتِهِ) إذْ لَا اعْتِبَارَ بِرَدِّهِ السَّابِقِ، حَيْثُ إنَّ الْمِلْكَ لَا يُمْكِنُ تَحَقُّقُهُ حَالَ الْحَيَاةِ وَ الْمُتَأَخِّرُ لَمْ يَقَعْ بَعْدُ.

وَهَذَا بِمَذْهَبِ مَنْ يَعْتَبِرُ تَأَخُّرَ الْقَبُولِ عَنْ الْحَيَاةِ أَوْفَقَ.

أَمَّا عَلَي تَقْدِيرِ جَوَازِ تَقْدِيمِهِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَيَنْبَغِي تَأْثِيرُ الرَّدِّ حَالَتَهَا أَيْضًا؛ لِفَوَاتِ أَحَدِ رُكْنَيْ الْعَقْدِ حَالَ اعْتِبَارِهِ، بَلْ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ جَوَازِ الْقَبُولِ بَعْدَ الرَّدِّ مُطْلَقًا؛ لِإِبْطَالِهِ الْإِيجَابَ السَّابِقَ وَ لَمْ يَحْصُلْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَقْتَضِيهَا كَمَا لَوْ رَدَّ الْمُتَّهِبُ الْهِبَةَ.

وَلَوْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْمَانِعَ هُنَا انْتِفَاءُ الْمُقَارَنَةِ بَيْنَ الْقَبُولِ وَ الْإِيجَابِ قُلْنَا: مِثْلُهُ فِي رَدِّ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِذْنِ السَّابِقِ وَ إِنْ جَازَ تَرَاخِي الْقَبُولِ وَ فِي الدُّرُوسِ نَسَبَ الْحُكْمَ بِجَوَازِ الْقَبُولِ حِينَئِذٍ بَعْدَ الْوَفَاةِ إلَي الْمَشْهُورِ مُؤْذِنًا بِتَمْرِيضِهِ وَ لَعَلَّ الْمَشْهُورَ مَبْنِيٌّ عَلَي الْحُكْمِ الْمَشْهُورِ السَّابِقِ (وَ إِنْ رَدَّ بَعْدَ الْوَفَاةِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَتْ وَ إِنْ قَبَضَ) اتِّفَاقًا، إذْ لَا أَثَرَ لِلْقَبْضِ مِنْ دُونِ الْقَبُولِ، (وَ إِنْ رَدَّ بَعْدَ الْقَبُولِ لَمْ تَبْطُلْ وَ إِنْ لَمْ يَقْبِضْ) عَلَي أَجْوَدِ الْقَوْلَيْنِ؛ لِحُصُولِ الْمِلْكِ بِالْقَبُولِ فَلَا

يُبْطِلُهُ الرَّدُّ، كَرَدِّ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ الْمُمَلَّكَةِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ، فَإِنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَي وُجُودِ السَّبَبِ النَّاقِلِ وَ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَ الْأَصْلُ عَدَمُهُ.

وَقِيلَ يَصِحُّ الرَّدُّ بِنَاءً عَلَي أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْمِلْكِ كَالْهِبَةِ فَتَبْطُلُ بِالرَّدِّ قَبْلَهُ.

وَيُضَعَّفُ بِبُطْلَانِ الْقِيَاسِ وَ ثُبُوتِ حُكْمِهَا بِأَمْرٍ خَارِجٍ لَا يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ بِمُجَرَّدِهِ وَ أَصَالَةِ عَدَمِ الزَّوَالِ بِذَلِكَ وَ اسْتِصْحَابُ حُكْمِ الْمِلْكِ ثَابِتٌ.

(وَيَنْتَقِلُ حَقُّ الْقَبُولِ إلَي الْوَارِثِ) لَوْ مَاتَ الْمُوصَي لَهُ قَبْلَهُ، سَوَاءٌ مَاتَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي أَمْ بَعْدَهَا عَلَي الْمَشْهُورِ وَ مُسْتَنَدُهُ رِوَايَةٌ تَدُلُّ بِإِطْلَاقِهَا عَلَيْهِ.

وَقِيلَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِمَوْتِهِ؛ لِظَاهِرِ صَحِيحَةِ أَبِي بَصِيرٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ فَصَّلَ ثَالِثٌ فَأَبْطَلَهَا بِمَوْتِهِ فِي حَيَاتِهِ، لَا بَعْدَهَا.

وَالْأَقْوَي الْبُطْلَانُ مَعَ تَعَلُّقِ غَرَضِهِ بِالْمُوَرِّثِ وَ إِلَّا فَلَا.

وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ فِي الدُّرُوسِ وَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِهِ بَيْنَ الْأَخْبَارِ لَوْ وَجَبَ.

ثُمَّ إنْ كَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي لَمْ تَدْخُلْ الْعَيْنُ فِي مِلْكِهِ وَ إِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَفِي دُخُولِهَا وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَي أَنَّ الْقَبُولَ هَلْ هُوَ كَاشِفٌ عَنْ سَبْقِ الْمِلْكِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، أَمْ نَاقِلٌ لَهُ مِنْ حِينِهِ، أَمْ الْمِلْكُ يَحْصُلُ لِلْمُوصَي لَهُ بِالْوَفَاةِ مُتَزَلْزِلًا وَ يَسْتَقِرُّ بِالْقَبُولِ أَوْجُهٌ تَأْتِي.

وَتَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمُوصَي بِهِ يَنْعَتِقُ عَلَي الْمُوصَي لَهُ الْمَيِّتِ لَوْ مَلَكَهُ.

(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مُطْلَقَةً)

غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِزَمَانٍ، أَوْ وَصْفٍ (مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ) مِنْ قوله:

أَوْصَيْت، أَوْ افْعَلُوا كَذَا بَعْدَ وَفَاتِي، أَوْ لِفُلَانٍ بَعْدَ وَفَاتِي، (وَمُقَيَّدَةً مِثْلَ) افْعَلُوا (بَعْدَ وَفَاتِي فِي سَنَةِ كَذَا، أَوْ فِي سَفَرِ كَذَا فَتُخَصَّصُ) بِمَا خَصَّصَهُ مِنْ السَّنَةِ وَ السَّفَرِ وَ نَحْوِهِمَا، فَلَوْ مَاتَ فِي غَيْرِهَا، أَوْ غَيْرِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِاخْتِصَاصِهَا بِمَحَلِّ الْقَيْدِ فَلَا وَصِيَّةَ بِدُونِهِ.

(وَتَكْفِي الْإِشَارَةُ)

الدَّالَّةُ عَلَي الْمُرَادِ قَطْعًا فِي إيجَابِ الْوَصِيَّةِ (مَعَ تَعَذُّرِ اللَّفْظِ) لِخَرَسٍ،

أَوْ اعْتِقَالِ لِسَانٍ بِمَرَضٍ وَ نَحْوِهِ، (وَ كَذَا) تَكْفِي (الْكِتَابَةُ) كَذَلِكَ (مَعَ الْقَرِينَةِ) الدَّالَّةِ قَطْعًا عَلَي قَصْدِ الْوَصِيَّةِ بِهَا، لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا أَعَمُّ وَ لَا تَكْفِيَانِ مَعَ الِاخْتِيَارِ.

وَإِنْ شُوهِدَ كَاتِبًا، أَوْ عُلِمَ خَطُّهُ أَوْ عَلِمَ الْوَرَثَةُ بِبَعْضِهَا، خِلَافًا لِلشَّيْخِ فِي الْأَخِيرِ، أَوْ قال:

إنَّهُ بِخَطِّي وَ أَنَا عَالِمٌ بِهِ، أَوْ هَذِهِ وَصِيَّتِي فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَا وَ نَحْوَ ذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَلَفُّظِهِ بِهِ، أَوْ قِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ وَ اعْتِرَافِهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَشْرُوطَةٌ بِالْعِلْمِ وَ هُوَ مَنْفِيٌّ هُنَا، خِلَافًا لِابْنِ الْجُنَيْدِ حَيْثُ اكْتَفَي بِهِ مَعَ حِفْظِ الشَّاهِدِ لَهُ عِنْدَهُ.

وَالْأَقْوَي الِاكْتِفَاءُ بِقِرَاءَةِ الشَّاهِدِ لَهُ مَعَ نَفْسِهِ مَعَ اعْتِرَافِ الْمُوصِي بِمَعْرِفَتِهِ بِمَا فِيهِ وَ أَنَّهُ مُوصٍ بِهِ.

وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمُقِرِّ.

(وَالْوَصِيَّةُ لِلْجِهَةِ الْعَامَّةِ، مِثْلُ الْفُقَرَاءِ)

وَ الْفُقَهَاءِ وَ بَنِي هَاشِمٍ، (وَ الْمَسَاجِدِ وَ الْمَدَارِسِ لَا تَحْتَاجُ إلَي الْقَبُولِ)؛ لِتَعَذُّرِهِ إنْ أُرِيدَ مِنْ الْجَمِيعِ؛ وَ اسْتِلْزَامِهِ التَّرْجِيحَ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ؛ إنْ أُرِيدَ مِنْ الْبَعْضِ وَ لَا يَفْتَقِرُ إلَي قَبُولِ الْحَاكِمِ، أَوْ مَنْصُوبِهِ وَ إِنْ أَمْكَنَ كَالْوَقْفِ.

وَرُبَّمَا قِيلَ فِيهِ بِذَلِكَ و لكن لَا قَائِلَ بِهِ هُنَا وَ لَعَلَّ مَجَالَ الْوَصِيَّةِ أَوْسَعُ.

وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا التَّنْجِيزُ وَ لَا فَوْرِيَّةُ الْقَبُولِ وَ لَا صَرَاحَةُ الْإِيجَابِ وَ لَا وُقُوعُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ.

(وَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَبُولَ كَاشِفٌ عَنْ سَبْقِ الْمِلْكِ) لِلْمُوصَي لَهُ (بِالْمَوْتِ) لَا نَاقِلَ لَهُ مِنْ حِينِهِ، إذْ لَوْلَاهُ لَزِمَ بَقَاءُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ مَالِكٍ إذْ الْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ؛ لِخُرُوجِهِ بِهِ عَنْ أَهْلِيَّتِهِ كَالْجَمَادَاتِ وَ انْتِقَالِ مَالِهِ عَنْهُ وَ لَا الْوَارِثُ؛ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَي: { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } فَلَوْ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَي الْمُوصَي لَهُ لَزِمَ خُلُوُّهُ عَنْ الْمَالِكِ، إذْ لَا يَصْلُحُ لِغَيْرِ مَنْ ذُكِرَ.

وَوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَبُولَ

مُعْتَبَرٌ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ، فَهُوَ إمَّا جُزْءُ السَّبَبِ، أَوْ شَرْطٌ كَقَبُولِ الْبَيْعِ فَيَمْتَنِعُ تَقَدُّمُ الْمِلْكِ عَلَيْهِ وَ كَوْنُهَا مِنْ جُمْلَةِ الْعُقُودِ يُرْشِدُ إلَي أَنَّ الْقَبُولَ جُزْءُ السَّبَبِ النَّاقِلِ لِلْمِلْكِ وَ الْآخَرَ الْإِيجَابُ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ تَعْرِيفِهِمْ الْعُقُودَ بِأَنَّهَا: الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَي نَقْلِ الْمِلْكِ عَلَي الْوَجْهِ الْمُنَاسِبِ لَهُ وَ هُوَ الْعَيْنُ فِي الْبَيْعِ وَ الْمَنْفَعَةُ فِي الْإِجَارَةِ وَ نَحْوِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ الْمَوْتُ شَرْطًا فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ، كَمَا أَنَّ الْمِلْكَ لِلْعَيْنِ وَ الْعِلْمِ بِالْعِوَضَيْنِ شَرْطٌ فِيهِ.

فَإِنْ اجْتَمَعَتْ الشَّرَائِطُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ بِأَنْ كَانَ مَالِكًا لِلْمَبِيعِ تَحَقَّقَتْ ثَمَرَتُهُ بِهِ وَ إِنْ تَخَلَّفَ بَعْضُهَا فَقَدْ يَحْصُلُ مِنْهُ بُطْلَانُهُ كَالْعِلْمِ بِالْعِوَضِ وَ قَدْ تَبْقَي مَوْقُوفَةً عَلَي ذَلِكَ الشَّرْطِ، فَإِذَا حَصَلَ تَحَقُّقُ تَأْثِيرِ السَّبَبِ النَّاقِلِ وَ هُوَ الْعَقْدُ، كَإِجَازَةِ الْمَالِكِ فِي عَقْدِ الْفُضُولِيِّ وَ الْمَوْتِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَالِانْتِقَالُ حَصَلَ بِالْعَقْدِ، لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَي الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، فَإِذَا تَأَخَّرَ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ كَانَ الْمِلْكُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَ الشَّرْطُ وَ هُوَ الْمَوْتُ حَاصِلٌ قَبْلَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبُولِ.

وَيُشْكِلُ بِأَنَّ هَذَا لَوْ تَمَّ يَقْتَضِي أَنَّ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ لَوْ تَقَدَّمَ عَلَي الْمَوْتِ؛ حَصَلَ الْمِلْكُ بِهِ حُصُولًا مُتَوَقِّفًا عَلَي الشَّرْطِ وَ هُوَ الْمَوْتُ فَيَكُونُ الْمَوْتُ كَاشِفًا عَنْ حُصُولِهِ بَعْدَ الْقَبُولِ كَإِجَازَةِ الْمَالِكِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَ الْقَائِلُ بِالنَّقْلِ لَا يَقُولُ بِحُصُولِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْمَوْتِ مُطْلَقًا.

فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَوْتَ شَرْطٌ فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ، بَلْ حَقِيقَةُ الْوَصِيَّةِ التَّمْلِيكُ بَعْدَهُ كَمَا عُلِمَ مِنْ تَعْرِيفِهَا، فَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ تَوَقَّفَ الْمِلْكُ عَلَي الْمَوْتِ وَ إِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ فَمُقْتَضَي حُكْمِ الْعَقْدِ عَدَمُ تَحَقُّقِهِ بِدُونِ الْقَبُولِ، فَيَكُونُ تَمَامُ الْمِلْكِ مَوْقُوفًا عَلَي الْإِيجَابِ وَ الْقَبُولِ وَ الْمَوْتِ وَ بِالْجُمْلَةِ فَالْقَوْلُ بِالْكَشْفِ مُتَوَجِّهٌ؛ لَوْلَا مُخَالَفَةُ مَا عُلِمَ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ. (وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُوصِي الْكَمَالُ) بِالْبُلُوغِ وَ الْعَقْلِ وَ

رَفْعِ الْحَجْرِ، (وَ فِي وَصِيَّةِ مَنْ بَلَغَ عَشْرًا قَوْلٌ مَشْهُورٌ) بَيْنَ الْأَصْحَابِ، مُسْتَنِدًا إلَي رِوَايَاتٍ مُتَظَافِرَةٍ، بَعْضُهَا صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِأُصُولِ الْمَذْهَبِ وَ سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ.

(أَمَّا الْمَجْنُونُ وَ السَّكْرَانُ وَ مَنْ جَرَحَ نَفْسَهُ بِالْمُهْلِكِ فَالْوَصِيَّةُ) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ (بَاطِلَةٌ) أَمَّا الْأَوَّلَانِ: فَظَاهِرٌ؛ لِانْتِفَاءِ الْعَقْلِ وَ رَفْعِ الْقَلَمِ وَ أَمَّا الْأَخِيرُ فَمُسْتَنَدُهُ صَحِيحَةُ أَبِي وَلَّادٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " فَإِنْ كَانَ أَوْصَي بِوَصِيَّةٍ بَعْدَ مَا أَحْدَثَ فِي نَفْسِهِ مِنْ جِرَاحَةٍ، أَوْ قَتْلٍ لَعَلَّهُ يَمُوتُ لَمْ تَجُزْ وَصِيَّتُهُ "؛ وَلِدَلَالَةِ هَذَا الْفِعْلِ عَلَي سَفَهِهِ؛ وَ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ فَلَا تَجْرِي عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الْجَارِيَةُ عَلَي الْحَيِّ وَ مِنْ ثَمَّ لَا تَقَعُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لَوْ كَانَ قَابِلًا لَهَا.

وَقِيلَ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ مَعَ ثَبَاتِ عَقْلِهِ كَغَيْرِهِ.

وَهُوَ حَسَنٌ، لَوْلَا مُعَارَضَةُ النَّصِّ الْمَشْهُورِ وَ أَمَّا دَلَالَةُ الْفِعْلِ عَلَي سَفَهِهِ فَغَيْرُ وَاضِحٍ وَ أَضْعَفُ مِنْهُ كَوْنُهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ التَّصَرُّفِ مَعَ تَيَقُّنِ رُشْدِهِ.

وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ مَا إذَا تَعَمَّدَ الْجَرْحَ، فَلَوْ وَقَعَ مِنْهُ سَهْوًا، أَوْ خَطَأً لَمْ تَمْتَنِعْ وَصِيَّتُهُ إجْمَاعًا. (وَ) يُشْتَرَطُ (فِي الْمُوصَي لَهُ الْوُجُودُ) حَالَةَ الْوَصِيَّةِ، (وَصِحَّةُ التَّمَلُّكِ، فَلَوْ أَوْصَي لِلْحَمْلِ اُعْتُبِرَ) وُجُودُهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ (بِوَضْعِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ حِينِ الْوَصِيَّةِ) فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ كَوْنُهُ مَوْجُودًا حَالَتَهَا، (أَوْ بِأَقْصَي) مُدَّةِ (الْحَمْلِ) فَمَا دُونَ (إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ زَوْجٌ وَ لَا مَوْلًي)، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَمْ تَصِحَّ؛ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِوُجُودِهِ عِنْدَهَا وَ أَصَالَةِ عَدَمِهِ؛ لِإِمْكَانِ تَجَدُّدِهِ بَعْدَهَا وَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ مَعَ عَدَمِهِمَا بِإِمْكَانِ الزِّنَا وَ الشُّبْهَةِ مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إقْدَامِ الْمُسْلِمِ عَلَي الزِّنَا كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَ نُدُورُ الشُّبْهَةِ.

وَيُشْكِلُ الْأَوَّلُ لَوْ كَانَتْ كَافِرَةً، حَيْثُ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِحَمْلِهَا.

وَرُبَّمَا قِيلَ: عَلَي تَقْدِيرِ وُجُودِ الْفِرَاشِ بِاسْتِحْقَاقِهِ بَيْنَ الْغَايَتَيْنِ؛ عَمَلًا بِالْعَادَةِ الْغَالِبَةِ

مِنْ الْوَضْعِ لِأَقْصَاهُمَا، أَوْ مَا يُقَارِبُهَا.

وَعَلَي كُلِّ تَقْدِيرٍ فَيُشْتَرَطُ انْفِصَالُهُ حَيًّا، فَلَوْ وَضَعَتْهُ مَيِّتًا بَطَلَتْ وَ لَوْ مَاتَ بَعْدَ انْفِصَالِهِ حَيًّا كَانَتْ لِوَارِثِهِ.

وَفِي اعْتِبَارِ قَبُولِهِ هُنَا وَجْهٌ قَوِيٌّ؛ لِإِمْكَانِهِ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْحَمْلِ.

وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ قَبُولُ وَلِيُّهُ.

ثُمَّ إنْ اتَّحَدَ فَهِيَ لَهُ وَ إِنْ تَعَدَّدَ قُسِمَ الْمُوصَي بِهِ عَلَي الْعَدَدِ بِالسَّوِيَّةِ وَ إِنْ اخْتَلَفُوا بِالذُّكُورِيَّةِ وَ الْأُنُوثِيَّةِ.

(وَلَوْ أَوْصَي لِلْعَبْدِ لَمْ يَصِحَّ)

، سَوَاءٌ كَانَ قِنًّا أَمْ مُدَبَّرًا أَمْ أُمَّ وَلَدٍ، أَجَازَ مَوْلَاهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ، فَبِتَمْلِيكِ غَيْرِهِ أَوْلَي وَ لِرِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قال:

" لَا وَصِيَّةَ لِمَمْلُوكٍ ".

وَلَوْ كَانَ مُكَاتَبًا مَشْرُوطًا، أَوْ مُطْلَقًا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا فَفِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُ قَوْلَانِ.

مِنْ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَمْلُوكِ حَيْثُ لَمْ يَتَحَرَّرْ مِنْهُ شَيْءٌ؛ وَ لِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ مِنْ انْقِطَاعِ سَلْطَنَةِ الْمَوْلَي عَنْهُ.

وَمِنْ ثَمَّ جَازَ اكْتِسَابُهُ وَ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ نَوْعٌ مِنْهَا وَ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا أَقْوَي.

وَالرِّوَايَةُ لَا حُجَّةَ فِيهَا، (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْعَبْدُ الْمُوصَي لَهُ (عَبْدَهُ) أَيْ: عَبْدَ الْمُوصِي (فَتَنْصَرِفُ) الْوَصِيَّةُ (إلَي عِتْقِهِ) فَإِنْ سَاوَاهُ أَعْتَقَ أَجْمَعَ وَ إِنْ نَقَصَ عَتَقَ بِحِسَابِهِ (وَ إِنْ زَادَ الْمَالُ عَنْ ثَمَنِهِ فَلَهُ الزَّائِدُ).

وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقِنِّ وَ غَيْرِهِ وَ لَا بَيْنَ الْمَالِ الْمُشَاعِ وَ الْمُعَيَّنِ عَلَي الْأَقْوَي.

وَيُحْتَمَلُ اخْتِصَاصُهُ بِالْأَوَّلِ؛ لِشُيُوعِهِ فِي جَمِيعِ الْمَالِ وَ هُوَ مِنْ جُمْلَتِهِ فَيَكُونُ كَعِتْقِ جُزْءٍ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ وَ لَا بَيْنَ أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ ضِعْفَ الْوَصِيَّةِ وَ عَدَمِهِ.

وَقِيلَ: تَبْطُلُ فِي الْأَوَّلِ اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ.

(وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْمُشَقَّصِ)

وَهُوَ الَّذِي عَتَقَ مِنْهُ شِقْصٌ بِكَسْرِ الشِّينِ وَ هُوَ الْجُزْءُ (بِالنِّسْبَةِ) أَيْ: بِنِسْبَةِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ.

وَالْمُرَادُ بِهِ مَمْلُوكُ غَيْرِ السَّيِّدِ، أَمَّا هُوَ فَتَصِحُّ فِي الْجَمِيعِ بِطَرِيقٍ أَوْلَي

(وَلِأُمِّ الْوَلَدِ) أَيْ: أُمِّ وَلَدِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهَا فِي حَيَاتِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَمَالِيكِهِ وَ إِنَّمَا خَصَّهَا؛ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا قوله:

(فَتُعْتَقُ مِنْ نَصِيبِهِ) أَيْ: نَصِيبِ وَلَدِهَا، (وَتَأْخُذُ الْوَصِيَّةَ)؛ لِصَحِيحَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ وَ لِأَنَّ التَّرِكَةَ تَنْتَقِلُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ إلَي الْوَارِثِ فَيَسْتَقِرُّ مِلْكُ وَلَدِهَا عَلَي جُزْءٍ مِنْهَا فَتُعْتَقُ عَلَيْهِ وَ تَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ وَ الْوَصِيَّةُ لِلْمَمْلُوكِ وَ إِنْ لَمْ تَتَوَقَّفْ عَلَي الْقَبُولِ فَيَنْتَقِلُ إلَي مِلْكِ الْمُوصَي لَهُ بِالْمَوْتِ، إلَّا أَنَّ تَنْفِيذَهَا يَتَوَقَّفُ عَلَي مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ وَ وُصُولُ التَّرِكَةِ إلَي الْوَارِثِ، بِخِلَافِ مِلْكِ الْوَارِثِ.

وَقِيلَ: تُعْتَقُ مِنْ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ ضَاقَتْ فَالْبَاقِي مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا؛ لِتَأَخُّرِ الْإِرْثِ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَ الدَّيْنِ، بِمُقْتَضَي الْآيَةِ؛ وَ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ

(وَالْوَصِيَّةُ لِجَمَاعَةٍ تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ) بَيْنَهُمْ فِيهَا

، ذُكُورًا كَانُوا أَمْ إنَاثًا أَمْ مُخْتَلِفِينَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَعْمَامِهِ وَأَخْوَالِهِ أَمْ لِغَيْرِهِمْ عَلَي الْأَقْوَي (إلَّا مَعَ التَّفْصِيلِ) فَيُتَتَبَّعُ شَرْطُهُ، سَوَاءٌ جَعَلَ الْمُفَضَّلَ الذَّكَرَ أَمْ الْأُنْثَي (وَ لَوْ قال:

عَلَي كِتَابِ اللَّهِ فَلِلذَّكَرِ ضَعْفُ الْأُنْثَي)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ الْكِتَابِ فِي الْإِرْثِ وَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ هُنَا ذَلِكَ.

(وَ الْقَرَابَةُ: مَنْ عُرِفَ بِنَسَبِهِ) عَادَةً؛ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي الْأَحْكَامِ إلَي الْعُرْفِ حَيْثُ لَا نَصَّ وَ هُوَ دَالٌ عَلَي ذَلِكَ.

وَلَا يَكْفِي مُطْلَقُ الْعِلْمِ بِالنَّسَبِ كَمَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ فِي الْهَاشِمِيِّينَ، وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يُعْرَفُ نَسَبُهُ مَعَ بُعْدِهِ الْآنَ مَعَ انْتِفَاءِ الْقَرَابَةِ عُرْفًا وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَارِثِ وَ غَيْرِهِ وَ لَا بَيْنَ الْغَنِيِّ وَ الْفَقِيرِ وَ لَا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَ الْكَبِيرِ وَ لَا بَيْنَ الذَّكَرِ وَ الْأُنْثَي.

وَقِيلَ: يَنْصَرِفَ إلَي أَنْسَابِهِ الرَّاجِعِينَ إلَي آخِرِ أَبٍ وَ أُمٍّ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، لَا مُطْلَقَ الْأَنْسَابِ اسْتِنَادًا إلَي قَوْلِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: { قَطَعَ الْإِسْلَامُ أَرْحَامَ الْجَاهِلِيَّةِ } فَلَا يُرْتَقَي إلَي آبَاءِ الشِّرْكِ وَ إِنْ عُرِفُوا

بِالنَّسَبِ وَ كَذَا لَا يُعْطَي الْكَافِرُ وَ إِنْ انْتَسَبَ إلَي مُسْلِمٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَي عَنْ ابْنِ نُوحٍ: { إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } وَ دَلَالَتُهُمَا عَلَي ذَلِكَ مَمْنُوعَةٌ مَعَ تَسْلِيمِ سَنَدِ الْأَوَّلِ. (وَ الْجِيرَانُ لِمَنْ يَلِي دَارِهِ إلَي أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا) مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَلَي الْمَشْهُورِ وَ الْمُسْتَنَدُ ضَعِيفٌ وَ قِيلَ: إلَي أَرْبَعِينَ دَارًا، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ عَامِّيَّةٍ.

وَالْأَقْوَي الرُّجُوعُ فِيهِمْ إلَي الْعُرْفِ وَ يَسْتَوِي " فِيهِ " مَالِكُ الدَّارِ وَ مُسْتَأْجِرُهَا وَ مُسْتَعِيرُهَا وَ غَاصِبُهَا عَلَي الظَّاهِرِ وَ لَوْ انْتَقَلَ مِنْهَا إلَي غَيْرِهَا اُعْتُبِرَتْ الثَّانِيَةُ وَ لَوْ غَابَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْحُكْمِ مَا لَمْ تَطُلْ الْغَيْبَةُ بِحَيْثُ يَخْرُجُ عُرْفًا وَ لَوْ تَعَدَّدَتْ دُورُ الْمُوصِي وَ تَسَاوَتْ فِي الِاسْمِ عُرْفًا اسْتَحَقَّ جِيرَانُ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَ لَوْ غَلَبَ أَحَدُهَا اخْتَصَّ وَ لَوْ تَعَدَّدَتْ دُورُ الْجَارِ وَ اخْتَلَفَتْ فِي الْحُكْمِ اُعْتُبِرَ إطْلَاقُ اسْمِ الْجَارِ عَلَيْهِ عُرْفًا كَالْمُتَّحِدِ.

وَيُحْتَمَلُ اعْتِبَارُ الْأَغْلَبِ سُكْنَي فِيهَا وَ عَلَي اعْتِبَارِ الْأَذْرُعِ، فَفِي اسْتِحْقَاقِ مَا كَانَ عَلَي رَأْسِ الْغَايَةِ وَجْهَانِ: أَجْوَدُهُمَا: الدُّخُولُ وَ عَلَي اعْتِبَارِ الدُّورِ قِيلَ: يُقْسَمُ عَلَي عَدَدِهَا، لَا عَلَي عَدَدِ سُكَّانِهَا.

ثُمَّ تُقْسَمُ حِصَّةُ كُلِّ دَارٍ عَلَي عَدَدِ سُكَّانِهَا وَ يُحْتَمَلُ الْقِسْمَةُ عَلَي عَدَدِ السُّكَّانِ مُطْلَقًا وَ عَلَي الْمُخْتَارِ فَالْقِسْمَةُ عَلَي الرُّءُوسِ مُطْلَقًا. (وَلِلْمَوَالِي) أَيْ: مَوَالِي الْمُوصِي وَ اللَّامُ عِوَضٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ (تُحْمَلُ عَلَي الْعَتِيقِ) بِمَعْنَي الْمَفْعُولِ (وَ الْمُعْتِقِ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ عَلَي تَقْدِيرٍ وُجُودِهِمَا؛ لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُمَا كَالْإِخْوَةِ؛ وَ لِأَنَّ الْمُضَافَ يُفِيدُ الْعُمُومَ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ، (إلَّا مَعَ الْقَرِينَةِ) الدَّالَّةِ عَلَي إرَادَةِ أَحَدِهِمَا خَاصَّةً فَيَخْتَصُّ بِغَيْرِ إشْكَالٍ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ دَلَّتْ عَلَي إرَادَتِهِمَا مَعًا تَنَاوَلَتْهُمَا بِغَيْرِ إشْكَالٍ وَ كَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوَالِي إلَّا مِنْ إحْدَي الْجِهَتَيْنِ.

(وَ قِيلَ: تَبْطُلُ) مَعَ عَدَمِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ

عَلَي إرَادَتِهِمَا، أَوْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ وَ حَمْلُهُ عَلَي مَعْنَيَيْهِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَي سَبِيلِ الْبَدَلِ وَ الْجَمْعُ تَكْرِيرُ الْوَاحِدِ فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَ الْمَعْنَي الْمَجَازِيُّ لَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَ بِذَلِكَ يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ و بين الْإِخْوَةِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُتَوَاطِئٌ، لَا مُشْتَرَكٌ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِمَعْنًي يَقَعُ عَلَي الْمُتَقَرِّبِ بِالْأَبِ وَ بِالْأُمِّ وَ بِهِمَا وَ هَذَا أَقْوَي.

(وَ) الْوَصِيَّةُ (لِلْفُقَرَاءِ)

(تَنْصَرِفُ إلَي فُقَرَاءِ مِلَّةِ الْمُوصِي)، لَا مُطْلَقَ الْفُقَرَاءِ وَ إِنْ كَانَ جَمْعًا مُعَرَّفًا مُفِيدًا لِلْعُمُومِ.

وَالْمُخَصَّصُ شَاهِدُ الْحَالِ الدَّالُّ عَلَي عَدَمِ إرَادَةِ فُقَرَاءِ غَيْرِ مِلَّتِهِ وَ نِحْلَتِهِ، (وَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْمَسَاكِينُ إنْ جَعَلْنَاهُمْ مُسَاوِينَ) لَهُمْ فِي الْحَالِ بِأَنْ جَعَلْنَا اللَّفْظَيْنِ بِمَعْنًي وَاحِدٍ، كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ، (أَوْ أَسْوَأُ) حَالًا كَمَا هُوَ الْأَقْوَي، (وَإِلَّا فَلَا) يَدْخُلُونَ؛ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَي وَ عَدَمِ دَلَالَةِ دُخُولِ الْأَضْعَفِ عَلَي دُخُولِ الْأَعْلَي، بِخِلَافِ الْعَكْسِ.

وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَسْوَأِ وَ التَّسَاوِي إنَّمَا هُوَ مَعَ اجْتِمَاعِهِمَا كَآيَةِ الزَّكَاةِ، أَمَّا مَعَ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا خَاصَّةً فَيَشْمَلُ الْآخَرَ إجْمَاعًا.

وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ هَذِهِ الدَّعْوَي، (وَ كَذَا) الْقَوْلُ (فِي الْعَكْسِ) بِأَنْ أَوْصَي لِلْمَسَاكِينٍ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْفُقَرَاءَ عَلَي الْقَوْلِ بِالتَّسَاوِي، أَوْ كَوْنُ الْفُقَرَاءِ أَسْوَأَ حَالًا وَ إِلَّا فَلَا وَ عَلَي مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُمْ يَدْخُلُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ هُنَا مُطْلَقًا.

الفصل الثاني - في متعلق الوصية

(الفصل الثاني - في متعلق الوصية)

(وهو كل مقصود) للتملك عادة (يقبل النقل) عن الملك من مالكه إلي غيره، فلا تصح الوصية بما ليس بمقصود كذلك (1)، إما لحقارته كفضلة الانسان، أو لقلته كحبة الحنطة، وقشر الجوزة، او لكون جنسة لا يقبل الملك كالخمر و الخنزير و لا بما لا يقبل النقل كالوقف و ام الولد، (ولا يشترط كونه معلوما) للموصي و لا للموصي

له و لا مطلقا، (ولا موجودا) بالفعل (حال الوصية) بل يكفي صلاحيته للوجود عادة في المستقبل.

(فتصح الوصية بالقسط و النصيب، وشبهه) كالحظ و القليل و الكثير و الجزيل، (ويتخير الوارث في تعيين ما شاء) اذا لم يعلم من الموصي ارادة قدر معين، أو ازيد مما عينه الوارث.

(أما الجزء فالعشر) لحسنة (2) ابان بن تغلب عن الباقر (ع) متمثلا بالجبال العشرة التي جعل علي كل واحد منها جزء من الطيور الاربعة (وقيل: السبع) لصحيحة (3) البزنطي عن ابي الحسن (ع) متمثلا بقول تعالي: " لها سبعة أبواب لكل باب منها جزء

(والشئ السدس) و لا نعلم فيه خلافا.

وقيل: إنه اجماع، وبه نصوص (9) غير معللة.

(ويشترط في الزائد عن الثلث اجازة الوارث)

و إلا بطل (1)، (وتكفي) الاجازة (حال حياة الموصي) و ان لم يكن الوراث مالكا الآن، لتعلق حقه (2) بالمال، وإلا (3) لم يمنع الموصي من التصرف فيه ولصحيحة (4) منصور بن حازم، وحسنة (5) محمد بن مسلم عن الصادق (ع).

وقيل: لاتعتبر إلا بعد وفاته، لعدم استحقاق الوارث المال حينئذ (6) و قد عرفت جوابه (7).

ولا فرق بين وصية الصحيح و المريض في ذلك (8)، لاشتراكهما في الحجر بالنسبة إلي ما بعد الوفاة و لو كان التصرف منجزا افترقا (9). ويعتبر في المجيز جواز التصرف فلا عبرة باجازة الصبي و المجنون و السفيه، أما المفلس فان كانت اجازته حال الحياة نفذت اذ لا ملك له

(والمعتبر بالتركة) بالنظر إلي مقدارها ليعتبر ثلثها (حين الوفاة) لا حين الوصية و لا ما بينهما، لانه (6) وقت تعلق الوصية بالمال (فلو قتل فاخذت ديته حسبت) الدية (من تركته) واعتبر ثلثها، لثبوتها بالوفاة و ان لم تكن عند الوصية. وهذا (7) إنما

يتم بغير اشكال لو كانت الوصية بمقدار معين كمأة دينار مثلا، أو كانت بجزء من التركة مشاع كالثلث وكانت التركة حين (ولو اوصي بما يقع اسمه علي المحرم و المحلل، صرف إلي المحلل) حملا لتصرف المسلم علي الصحيح (كالعود) وله عود لهو، وعيدان قسي (6)، وعيدان عصي، وعيدان السقف و البنيان، (والطبل) وله طبل لهو، وطبل حرب، ثم ان اتحد المحلل حمل عليه و ان تعدد تخير الوارث في تعيين ما شاء و ان لم يكن له إلا المحرم بطلت الوصية ان لم يمكن ازالة الوصف المحرم مع بقاء ماليته، وإلا صحت وحول إلي المحلل. (3) اي و بين عدم تعيين الموصي قدرا من المال.

(4) اي وكما يتفق في البستان.

(5) اي المنفعة.

[41]

من الثلث حيث يعتبر منه (1) يستفاد من ذلك (2) فتقوم العين بمنافعها مطلقا (3) ثم تقوم مسلوبة المنافع الموصي بها فالتفاوت هو الموصي به (4)، فان لم يكن تفاوت (5) فالمخرج من الثلث جميع القيمة. ومنه (6) يعلم حكم ما لو كانت المنفعة مخصوصة بوقت.

(ولو اوصي بعتق مملوكه و عليه دين قدم الدين) من اصل المال الذي من جملته المملوك، (وعتق من الفاضل) عن الدين من جميع التركة (ثلثه) (7) ان لم يزد (8) علي المملوك، (9) فلو لم يملك سواه بطل

(ولو نجز عتقه) في مرضه (فان كانت قيمته ضعف الدين صح العتق) فيه اجمع (وسعي في قيمة (3) نصفه للديان و في ثلثه) الذي هو ثلثا النصف الباقي عن الدين (للوارث)، لان النصف الباقي هو مجموع التركة بعد الدين، فيعتق ثلثه ويكون ثلثاه للورثة و هو ثلث مجموعه (1). و هذا مما لا خلاف فيه و إنما الخلاف فيما لو نقصت قيمته

عن ضعف الدين، فقد ذهب الشيخ وجماعة إلي بطلان العتق حينئذ استنادا إلي صحيحة (2) عبدالرحمان بن الحجاج عن الصادق (ع). ويفهم من المصنف هنا الميل اليه، حيث شرط في صحة العتق كون قيمته ضعف الدين، الا انه لم يصرح بالشق الآخر. و الاقوي أنه كالاول (3)، فينعتق منه بمقدار ثلث ما يبقي من قيمته فاضلا عن الدين، ويسعي للديان بمقدار دينه، وللورثة بضعف ما عتق منه مطلقا (4) فاذا اداه عتق اجمع. و الرواية المذكورة مع مخالفتها للاصول معارضة بما يدل علي المطلوب و هو حسنة (5) الحلبي عنه (ع).

(ولو اوصي بعتق ثلث عبيده، أو عدد منهم مبهم) كثلاثة (6) (استخرج) الثلث و العدد (بالقرعة) لصلاحية الحكم لكل واحد فالقرعة طريق التعيين، لانها لكل امر مشكل، ولان العتق حق للمعتق (7) و لا ترجيح بعضهم، لانتفاء التعيين فوجب استخراجه (8) بالقرعة و قيل: يتخير الوارث في الثاني (9)، لان متعلق الوصية متواطئ فيتخير في تعيينه الوارث كما سبق (1)، ولان المتبادر من اللفظ هوالاكتفاء بعتق اي عدد كان من الجميع فيحمل عليه. و هو قوي و في الفرق بينه (2) و بين الثلث نظر. (3) (ولو اوصي بأمور) متعددة (فان كان فيها واجب قدم) علي غيره و ان تأخرت الوصية به، سواء كان الواجب ماليا ام غيره، وبدئ بعده بالاول فالاول. ثم ان كان الواجب ماليا كالدين و الحج أخرج من اصل المال و الباقي (4) من الثلث و ان كان بدنيا كالصلاة و الصوم قدم من الثلث واكمل (5) من الباقي مرتبا للاول فالاول. (6) (والا) يكن فيها واجب (بدئ بالاول) منها (7) (فالاول حتي يستوفي الثلث) ويبطل الباقي ان لم يجز الوارث

و المراد بالاول: الذي قدمه الموصي في الذكر و لم يعقبه بما ينافيه، سواء عطف عليه التالي (8) بثم أم بالفاء أم بالواو أم قطعه عنه بأن قال:

أعطوا فلانا مائة، أعطوا فلانا خمسين و لو رتب ثم قال:

ابدأوا بالاخير، أو بغيره (1) أتبع لفظه الاخير (2)،

(ولو لم يرتب)

بأن ذكر الجميع دفعة فقال:

اعطوا فلانا، وفلانا، وفلانا مائة، ورتب باللفظ، ثم نص علي عدم التقديم (بسط الثلث علي الجميع) وبطل من كل وصية بحسابها و لو علم الترتيب واشتبه الاول أقرع و لو اشتبه للترتيب و عدمه فظاهرهم اطلاق التقديم (3) بالقرعة كالاول. (4) ويشكل باحتمال كون الواقع عدمه (5) و هي لاخراج المشكل و لم يحصل (6) فينبغي (7) الاخراج علي الترتيب (8) و عدمه لاحتمال أن يكون غير مرتب فتقديم كل واحد ظلم (1). و لو جامع الوصايا منجز يخرج (2) من الثلث قدم (3) عليها مطلقا (4) واكمل الثلث منها (5) كما ذكر. (6) (ولو اجاز الورثة) ما زاد علي الثلث (فادعوا) بعد الاجازة (ظن القلة) اي قلة الموصي به و أنه ظهر ازيد مما ظنوه، (فان كان الايصاء بعين لم يقبل منهم) لان الاجازة وقعت علي معلوم لهم فلا تسمع دعواهم أنهم ظنوا زيادته عن الثلث بيسير مثلا فظهر ازيد، أو ظن أن المال كثير لاصالة عدم الزيادة في المال فلا تعتبر دعواهم ظن خلافه (7) (وان كان) الايصاء (بجزء شائع) في التركة (كالنصف قبل) قولهم (مع اليمين)، لجواز بنائهم علي اصالة عدم زيادة المال فظهر خلافه (8) عكس الاول. (9) و قيل: يقبل قولهم في الموضعين، لان الاجازة في الاول و إن وقعت

علي معلوم إلا أن كونه بمقدار جزء مخصوص من المال

كالنصف لا يعلم إلا بعد العلم بمقدار التركة، ولانه كما احتمل ظنهم قلة النصف في نفسه يحتمل ظنهم قلة المعين بالاضافة إلي مجموع التركة ظنا منهم زيادتها. وأصالة عدمها (1) لا دخل لها في قبول قولهم، وعدمه (2) لامكان صدق دعواهم، وتعذر اقامة البينة عليها، ولان الاصل عدم العلم بمقدار التركة علي التقديرين (3). وهو (4) يقتضي جهالة قدرالمعين من التركة كالمشاع ولامكان ظنهم أنه لا دين علي الميت فظهر، مع أن الاصل عدمه. (5) و هذا القول متجه، وحيث يحلفون علي مدعاهم يعطي الموصي له من الوصية ثلث المجموع و ما ادعوا ظنه من الزائد. (6)

(ويدخل في الوصية بالسيف جفنه) بفتح اوله و هو غمده بكسرة و كذا تدخل حليته، لشمول اسمه لها عرفا و ان اختص (7) لغة بالنصل، ورواية (8) ابي جميلة بدخولها شاهد مع العرف، (وبالصندوق (9) اثوابه) الموضوعة فيه، وكذا (10) غيرها من الاموال المظروفة، (2) اي حمل الروايتين المشار اليهما في الهامش رقم 8 ص 47 - و 2 ص 48 علي دخول مافي السفينة فيها بواسطة القرينة.

(3) اي بعداوة وبغض (لاهل البيت) صلوات الله وسلامه عليهم.

(4) الوسائل كتاب الوصايا - باب 73 - الحديث 1.

(5) مرجع الضمير (الرقبة): اي تخبر الرقبة المعروفة بالصدق و الصلاح بايمان نفسها. فالمصدر مضاف إلي الفاعل.

(6) و هو الاطمينان بايمان الرقبة.

(7) و هو إخبار الرقبة بايمانها، وإخبار من يعتد بقوله.

[50]

(ولو اوصي بعتق رقبة بثمن معين وجب) تحصيلها مع الامكان (ولو تعذر إلا باقل اشتري وعتق ودفع اليه ما بقي) من المال المعين علي المشهور بين الاصحاب. و ربما قيل: إنه اجماع.

ومستنده رواية (1) سماعة عن الصادق (ع): و لو لم يجد إلا بأزيد

توقع المكنة، فإن يئس من احد الامرين (2) ففي وجوب شراء بعض رقبته، فإن تعذر صرف في وجوه البر، أو بطلان الوصية ابتداء، او مع تعذر بعض الرقبة اوجه أوجهها الاول (3). ويقوي لو كان التعذر طارئا علي زمن الوصية، أو علي الموت (4) لخروج القدر عن الملك فلا يعود اليه.

الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْأَحْكَامِ

(الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْأَحْكَامِ)

(تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلذِّمِّيِّ وَ إِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا) لِلْأَصْلِ وَ الْآيَةِ؛ وَ الرِّوَايَةِ، (بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ وَ إِنْ كَانَ رَحِمًا)، لَا لِاسْتِلْزَامِهَا، الْمُوَادَّةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا لَهُمْ؛ لِمَنْعِ الِاسْتِلْزَامِ، بَلْ لِأَنَّ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ تَقْتَضِي تَرْتِيبَ أَثَرِهَا الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ وجوب الْوَفَاءِ بِهَا وَ تَرَتُّبُ الْعِقَابِ عَلَي تَبْدِيلِهَا وَ مَنْعِهَا وَ صِحَّتُهَا تَقْتَضِي كَوْنَهَا مَالًا لَلْحَرْبِيِّ وَ مَالُهُ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِ فِي الْحَقِيقَةِ وَ لَا يَجِبُ دَفْعُهُ إلَيْهِ وَ هُوَ يُنَافِي صِحَّتُهَا بِذَلِكَ الْمَعْنَي، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ.

وَهَذَا الْمَعْنَي مِنْ الطَّرَفَيْنِ يَشْتَرِكُ فِيهِ الرَّحِمُ وَ غَيْرُهُ.

وَيُمْكِنُ أَنْ تُمْنَعَ الْمُنَافَاةُ، فَإِنَّ مَنْعَ الْحَرْبِيِّ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَالُهُ غَيْرَ مُنَافٍ لِلْوَفَاءِ بِالْوَصِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا وَصِيَّةٌ، بَلْ مَنْعُهُ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ مُتَرَتِّبٌ عَلَي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ وَ عَدَمِ تَبْدِيلِهَا وَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ أُخَرُ.

(وَ كَذَا الْمُرْتَدُّ) عُطِفَ عَلَي الْحَرْبِيِّ، فَلَا تَصْلُحُ الْوَصِيَّةُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِحُكْمِ الْكَافِرِ الْمَنْهِيِّ عَنْ مُوَادَّتِهِ.

وَيُشْكِلُ بِمَا مَرَّ، نَعَمْ يَتِمُّ ذَلِكَ فِي الْفِطْرِيِّ، بِنَاءً عَلَي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْكَسْبَ الْمُتَجَدِّدَ وَ أَمَّا الْمَلِيُّ وَ الْمَرْأَةُ مُطْلَقًا فَلَا مَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لَهُ وَ هُوَ خِيرَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الدُّرُوسِ.

(وَ لَوْ أَوْصَي فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلِكُلِّ قُرْبَةٍ)

؛ لِأَنَّ السَّبِيلَ هُوَ الطَّرِيقُ وَ الْمُرَادُ هُنَا مَا كَانَ طَرِيقًا إلَي ثَوَابِهِ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ قُرْبَةٍ جَرْيًا لَهُ عَلَي عُمُومِهِ وَ قِيلَ: يَخْتَصُّ الْغُزَاةَ (وَ لَوْ قال:

أَعْطُوا فُلَانًا كَذَا وَ لَمْ يُبَيِّنْ مَا

يَصْنَعُ بِهِ، دُفِعَ إلَيْهِ يَصْنَعُ بِهِ مَا يَشَاءُ)؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَنْزِلَةِ التَّمْلِيكِ فَتَقْتَضِي تَسَلُّطَ الْمُوصَي لَهُ تَسَلُّطَ الْمَالِكِ وَ لَوْ عَيَّنَ لَهُ الْمَصْرِفَ تَعَيَّنَ.

(وَتُسْتَحَبُّ الْوَصِيَّةُ لِذَوِي الْقَرَابَةِ، وَارِثًا كَانَ أَمْ غَيْرَهُ)

لِقَوْلِهِ تَعَالَي: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ }؛ وَ لِأَنَّ فِيهِ صِلَةَ الرَّحِمِ وَ أَقَلُّ مَرَاتِبِهِ الِاسْتِحْبَابُ، (وَ لَوْ أَوْصَي لِلْأَقْرَبِ) أَيْ: أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ نَسَبًا (نَزَلَ عَلَي مَرَاتِبِ الْإِرْثِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ مَرْتَبَةٍ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الَّتِي بَعْدَهَا، لَكِنْ يَتَسَاوَي الْمُسْتَحَقُّ هُنَا؛ لِاسْتِوَاءِ نِسْبَتِهِمْ إلَي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَ هُوَ الْوَصِيَّةُ وَ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّفَاضُلِ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَي وَ لِلْمُتَقَرِّبِ بِالْأَبِ مِثْلُ الْمُتَقَرِّبِ بِالْأُمِّ وَ لَا يَتَقَدَّمُ ابْنُ الْعَمِّ مِنْ الْأَبَوَيْنِ عَلَي الْعَمِّ لِلْأَبِ وَ إِنْ قُدِّمَ فِي الْمِيرَاثِ وَ يَتَسَاوَي الْأَخُ مِنْ الْأُمِّ وَ الْأَخُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَ فِي تَقْدِيمِ الْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ عَلَي الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَجْهٌ قَوِيٌّ لِأَنَّ تَقَدُّمَهُ عَلَيْهِ فِي الْمِيرَاثِ يَقْتَضِي كَوْنَهُ أَقْرَبَ شَرْعًا وَ الرُّجُوعُ إلَي مَرَاتِبِ الْإِرْثِ يُرْشِدُ إلَيْهِ وَ لَا يَرِدُ مِثْلُهُ فِي ابْنِ الْعَمِّ لِلْأَبَوَيْنِ؛ لِاعْتِرَافِهِمْ بِأَنَّ الْعَمَّ أَقْرَبُ مِنْهُ وَ لِهَذَا جَعَلُوهُ مُسْتَثْنًي بِالْإِجْمَاعِ وَ يُحْتَمَلُ تَقْدِيمُهُ هُنَا؛ لِكَوْنِهِ أَوْلَي بِالْمِيرَاثِ.

(وَلَوْ أَوْصَي بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ

فَالنِّصْفُ إنْ كَانَ لَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ وَ الثُّلُثُ إنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ وَ عَلَي هَذَا).

وَالضَّابِطُ أَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَحَدِ الْوُرَّاثِ وَ يُزَادُ فِي عَدَدِهِمْ وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوصِيَ لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبٍ مُعَيَّنٍ وَ غَيْرِهِ، ثُمَّ إنْ زَادَ نَصِيبُهُ عَلَي الثُّلُثِ تَوَقَّفَ الزَّائِدُ عَلَيْهِ عَلَي الْإِجَازَةِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ وَ بِنْتٌ وَ أَوْصَي لِأَجْنَبِيٍّ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ فَلِلْمُوصَي لَهُ رُبُعُ التَّرِكَةِ وَ إِنْ أَوْصَي لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ فَقَدْ أَوْصَي لَهُ

بِخُمُسَيْ التَّرِكَةِ فَيَتَوَقَّفُ الزَّائِدُ عَنْ الثُّلُثِ وَ هُوَ ثُلُثُ خُمُسٍ عَلَي إجَازَتِهِمَا، فَإِنْ أَجَازَا فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ خَمْسَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُوصَي لَهُ بِمَنْزِلَةِ ابْنٍ آخَرَ وَ سِهَامُ الِابْنَيْنِ مَعَ الْبِنْتِ خَمْسَةٌ وَ إِنْ رَدَّا فَمِنْ تِسْعَةٍ؛ لِأَنَّ لِلْمُوصَي لَهُ ثُلُثَ التَّرِكَةِ وَ مَا يَبْقَي، لَهُمَا أَثْلَاثًا فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ وَ إِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الْآخَرُ ضُرِبَتْ مَسْأَلَةُ الْإِجَازَةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ فَمَنْ أَجَازَ ضَرَبْتَ نَصِيبَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ وَ مَنْ رَدَّ ضَرَبْتَ نَصِيبَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ فَلَهَا مَعَ إجَازَتِهَا تِسْعَةٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَ أَرْبَعِينَ وَ لَهُ عِشْرُونَ وَ لِلْمُوصَي لَهُ سِتَّةَ عَشَرَ هِيَ ثُلُثُ الْفَرِيضَةِ وَ ثُلُثُ الْبَاقِي مِنْ النَّصِيبِ عَلَي تَقْدِيرِ الْإِجَازَةِ وَ لَهُ مَعَ إجَازَتِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَ لَهَا عَشَرَةٌ وَ لِلْمُوصَي لَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَ عَلَي هَذَا الْقِيَاسُ. (وَ لَوْ قال:

أَعْطُوهُ مِثْلَ سَهْمِ أَحَدِ وُرَّاثِي أُعْطِيَ مِثْلَ سَهْمِ الْأَقَلِّ)؛ لِصِدْقِ الِاسْمِ بِهِ؛ وَ لِأَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الزَّائِدِ، فَلَوْ تَرَكَ ابْنًا وَ بِنْتًا فَلَهُ الرُّبُعُ وَ لَوْ تَرَكَ ابْنًا وَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ فَلَهُ سَهْمٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَ ثَلَاثِينَ

(وَلَوْ أَوْصَي بِضِعْفِ نَصِيبِ وَلَدِهِ فَمِثْلَاهُ)

عَلَي الْمَشْهُورِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَ أَهْلِ اللُّغَةِ.

وَقِيلَ: مِثْلُهُ.

وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ.

وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ (وَبِضِعْفَيْهِ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ)؛ لِأَنَّ ضِعْفَ الشَّيْءِ ضَمُّ مِثْلِهِ إلَيْهِ، فَإِذَا قال:

ضِعْفَيْهِ فَكَأَنَّهُ ضَمَّ مِثْلَيْهِ إلَيْهِ.

وَقِيلَ: أَرْبَعَةُ أَمْثَالِهِ؛ لِأَنَّ الضِّعْفَ مِثْلَانِ كَمَا سَبَقَ فَإِذَا ثَنَّي كَانَ أَرْبَعَةً وَ مِثْلُهُ الْقَوْلُ فِي ضِعْفِ الضِّعْفِ

(وَلَوْ أَوْصَي بِثُلُثِهِ لِلْفُقَرَاءِ جَازَ صَرْفُ كُلِّ ثُلُثٍ إلَي فُقَرَاءِ بَلَدِ الْمَالِ)

الَّذِي هُوَ فِيهِ وَ هُوَ الْأَفْضَلُ لَيَسْلَمَ مِنْ خَطَرِ النَّقْلِ وَ فِي حُكْمِهِ احْتِسَابُهُ عَلَي غَائِبٍ مَعَ قَبْضِ وَكِيلِهِ فِي الْبَلَدِ، (وَ لَوْ صُرِفَ الْجَمِيعُ فِي فُقَرَاءِ بَلَدِ الْمُوصِي)، أَوْ غَيْرِهِ

(جَازَ)؛ لِحُصُولِ الْغَرَضِ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَ هُوَ صَرْفُهُ إلَي الْفُقَرَاءِ.

وَاسْتَشْكَلَ الْمُصَنِّفُ جَوَازَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِأَنَّهُ إنْ نُقِلَ الْمَالُ مِنْ الْبِلَادِ الْمُتَفَرِّقَةِ إلَي بَلَدِ الْإِخْرَاجِ كَانَ فِيهِ تَغْرِيرٌ فِي الْمَالِ وَ تَأْخِيرٌ لِلْإِخْرَاجِ وَ إِنْ أَخْرَجَ قَدْرَ الثُّلُثِ مَنْ بَعْضِ الْأَمْوَالِ فَفِيهِ خُرُوجٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ، إذْ مُقْتَضَاهَا الْإِشَاعَةُ.

وَالْأَوْسَطُ مِنْهَا مُتَوَجِّهٌ، فَإِنَّ تَأْخِيرَ إخْرَاجِ الْوَصِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ غَيْرُ جَائِزٍ، إلَّا أَنْ يُفْرَضَ عَدَمُ و جوبهِ، إمَّا لِعَدَمِ الْمُسْتَحِقِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي نُقِلَ فِيهِ، أَوْ تَعْيِينِ الْمُوصِي الْإِخْرَاجَ فِي وَقْتٍ مُتَرَقَّبٍ بِحَيْثُ يُمْكِنُ نَقْلُهُ إلَي غَيْرِ الْبَلَدِ قَبْلَ حُضُورِهِ وَ نَحْوِ ذَلِكَ.

وَيَنْبَغِي جَوَازُهُ أَيْضًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَكَثْرَةِ الصُّلَحَاءِ وَ شِدَّةِ الْفَقْرِ وَ وُجُودِ مَنْ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي أَحْكَامِ ذَلِكَ، كَمَا يَجُوزُ نَقْلُ الزَّكَاةِ لِلْغَرَضِ وَ أَمَّا التَّغْرِيرُ فَغَيْرُ لَازِمٍ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِ النَّقْلِ وَ أَمَّا إخْرَاجُ الثُّلُثِ مِنْ بَعْضِ الْأَمْوَالِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْهُ، إذْ لَيْسَ الْغَرَضُ الْإِخْرَاجَ مِنْ جَمِيعِ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ، بَلْ الْمُرَادُ إخْرَاجُ ثُلُثِهَا بِالْقِيمَةِ، إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ غَرَضُ الْمُوصِي بِذَلِكَ، أَوْ تَتَفَاوَتُ فِيهِ مَصْلَحَةُ الْفُقَرَاءِ.

وَالْمُعْتَبَرُ صَرْفُهُ إلَي الْمَوْجُودِينَ فِي الْبَلَدِ وَ لَا يَجِبُ تَتَبُّعُ الْغَائِبِ وَ يَجِبُ الدَّفْعُ إلَي ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا، لَا فِي كُلِّ بَلَدٍ، بَلْ الْمَجْمُوعِ.

(وَلَوْ أَوْصَي لَهُ بِأَبِيهِ فَقَبِلَ وَ هُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ مَاتَ)

الْمُوصَي لَهُ (عَتَقَ) أَبُوهُ (مِنْ صُلْبِ مَالِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ عَلَي الْوَرَثَةِ شَيْئًا مِمَّا هُوَ مَحْسُوبٌ مَالًا لَهُ وَ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ كَذَلِكَ وَ إِنَّمَا مِلْكُهُ هُنَا بِالْقَبُولِ وَ انْعَتَقَ عَلَيْهِ قَهْرًا تَبَعًا لِمِلْكِهِ.

وَمِثْلُهُ مَا لَوْ مَلَكَهُ بِالْإِرْثِ، أَوْ بِالِاتِّهَابِ عَلَي الْأَقْوَي، أَمَّا لَوْ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يَنْعَتِقُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَي الْأَقْوَي؛ لِاسْتِنَادِ الْعِتْقِ إلَي حُصُولِ الْمِلْكِ النَّاشِئِ عَنْ الشِّرَاءِ.

وَهُوَ

مِلْكُهُ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ فَهُوَ بِشِرَائِهِ مَا لَا يَبْقَي فِي مِلْكِهِ مُضَيِّعُ الثَّمَنِ عَلَي الْوَارِثِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَي مَا يُقْطَعُ بِتَلَفِهِ.

وَيُحْتَمَلُ اعْتِبَارُهُ مِنْ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ بِثَمَنِ مِثْلِهِ، إذْ الْفَرْضُ ذَلِكَ وَ الْعِتْقُ أَمْرٌ قَهْرِيٌّ طَرَأَ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ.

وَضَعْفُهُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ بَذْلَ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ مَا قُطِعَ بِزَوَالِ مَالِيَّتِهِ مَحْضُ التَّضْيِيعِ عَلَي الْوَارِثِ. (وَ لَوْ قال:

أَعْطُوا زَيْدًا وَ الْفُقَرَاءَ فَلِزَيْدٍ النِّصْفُ)؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِفَرِيقَيْنِ فَلَا يُنْظَرُ إلَي أَحَدِهِمَا كَمَا لَوْ أَوْصَي لِشَخْصَيْنِ، أَوْ قَبِيلَتَيْنِ.

(وَ قِيلَ: الرُّبُعُ)؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْفُقَرَاءِ ثَلَاثَةٌ مِنْ حَيْثُ الْجَمْعُ وَ إِنْ كَانَ جَمْعَ كَثْرَةٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ دَلَالَةِ الْعُرْفِ وَ اللُّغَةِ عَلَي اتِّحَادِ الْجَمْعَيْنِ، فَإِذَا شَرَكَ بَيْنَ زَيْدٍ وَ بَيْنَهُمْ بِالْعَطْفِ كَانَ كَأَحَدِهِمْ.

وَيُضَعَّفُ بِأَنَّ التَّشْرِيكَ بَيْنَ زَيْدٍ وَ الْفُقَرَاءِ، لَا بَيْنَهُ و بين أَحَدِهِمْ فَيَكُونُ زَيْدٌ فَرِيقًا وَ الْفُقَرَاءُ فَرِيقًا آخَرَ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَ هُوَ أَنْ يَكُونَ زَيْدٌ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ وَ إِنْ كَانُوا جَمْعًا يَصْدُقُ بِالثَّلَاثَةِ، لَكِنَّهُ يَقَعُ عَلَي مَا زَادَ وَ لَا يَتَعَيَّنُ الدَّفْعُ إلَي ثَلَاثَةٍ، بَلْ يَجُوزُ إلَي مَا زَادَ، أَوْ يَتَعَيَّنُ حَيْثُ يُوجَدُ فِي الْبَلَدِ وَ مُقْتَضَي التَّشْرِيكِ أَنْ يَكُونَ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَ هُوَ أَمْتَنُ مِنْ السَّابِقِ وَ إِنْ كَانَ الْأَصَحُّ الْأَوَّلُ.

(وَ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ) عَطِيَّةٍ (مُنَجَّزَةٍ)

فِي الْمَرَضِ كَهِبَةٍ وَ وَقْفٍ وَ إِبْرَاءٍ، (وَمُؤَخَّرَةٍ) إلَي بَعْدَ الْمَوْتِ (قُدِّمَتْ الْمُنَجَّزَةُ) مِنْ الثُّلُثِ وَ إِنْ تَأَخَّرَتْ فِي اللَّفْظِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْ الْمُؤَخَّرَةِ كَمَا مَرَّ وَ لَا فَرْقَ فِي الْمُؤَخَّرَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا وَاجِبٌ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَ غَيْرِهِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْأَصْلِ قُدِّمَ مُطْلَقًا.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُنَجَّزَةَ تُشَارِكُ الْوَصِيَّةَ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الثُّلُثِ فِي أَجْوَدِ الْقَوْلَيْنِ وَ أَنَّ خُرُوجَهَا

مِنْ الثُّلُثِ يُعْتَبَرُ حَالَ الْمَوْتِ وَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْأَسْبَقُ مِنْهَا فَالْأَسْبَقُ لَوْ قَصُرَ الثُّلُثُ عَنْهَا وَ تُفَارِقُهَا فِي تَقْدِيمِهَا عَلَيْهَا وَ لُزُومِهَا مِنْ قِبَلِ الْمُعْطِي وَ قَبُولُهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْعُقُودِ وَ شُرُوطُهَا شُرُوطُهُ وَ أَنَّهُ لَوْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ لَزِمَتْ مِنْ الْأَصْلِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ.

(وَيَصِحُّ) لِلْمُوصِي (الرُّجُوعُ فِي الْوَصِيَّةِ) مَا دَامَ حَيًّا

(قَوْلًا، مِثْلَ رَجَعْتُ، أَوْ نَقَضْتُ أَوْ أَبْطَلْتُ)، أَوْ فَسَخْتُ، أَوْ هَذَا لِوَارِثِي أَوْ مِيرَاثِي، أَوْ حَرَامٌ عَلَي الْمُوصَي لَهُ، (أَوْ لَا تَفْعَلُوا كَذَا) وَ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، (أَوْ فِعْلًا، مِثْلَ بَيْعِ الْعَيْنِ الْمُوصَي بِهَا) وَ إِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا، (أَوْ رَهْنِهَا) مَعَ الْإِقْبَاضِ قَطْعًا وَ بِدُونِهِ عَلَي الْأَقْوَي.

وَمِثْلُهُ مَا لَوْ وَ هَبَهَا، أَوْ أَوْصَي بِهَا لِغَيْرِ مَنْ أَوْصَي بِهَا لَهُ أَوَّلًا.

وَالْأَقْوَي أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَرْضِ عَلَي الْبَيْعِ وَ التَّوْكِيلِ فِيهِ وَ إِيجَابِهِ وَ إِيجَابِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ الْمَذْكُورَةِ كَافٍ فِي الْفَسْخِ؛ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ، لَا تَزْوِيجِ الْعَبْدِ وَ الْأَمَةِ وَ إِجَارَتِهِمَا وَ خِتَانِهِمَا وَ تَعْلِيمِهِمَا وَ وَطْءِ الْأَمَةِ بِدُونِ الْإِحْبَالِ، (أَوْ) فِعْلِ مَا يُبْطِلُ الِاسْمَ وَ يَدُلُّ عَلَي الرُّجُوعِ مِثْلُ (طَحْنِ الطَّعَامِ، أَوْ عَجْنِ الدَّقِيقِ) أَوْ غَزْلِ الْقُطْنِ أَوْ نَسْجِ مَغْزُولِهِ (أَوْ خَلْطِهِ بِالْأَجْوَدِ) بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ وَ إِنَّمَا قُيِّدَ بِالْأَجْوَدِ؛ لِإِفَادَتِهِ الزِّيَادَةَ فِي الْمُوصَي بِهِ، بِخِلَافِ الْمُسَاوِي وَ الْأَرْدَأِ وَ فِي الدُّرُوسِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ خَلْطِهِ بِالْأَجْوَدِ وَ غَيْرِهِ فِي كَوْنِهِ رُجُوعًا وَ فِي التَّحْرِيرِ لَمْ يُفَرِّقْ كَذَلِكَ فِي عَدَمِهِ وَ الْأَنْسَبُ عَدَمُ الْفَرْقِ.

وَتَوَقَّفَ كَوْنُهُ رُجُوعًا عَلَي الْقَرَائِنِ الْخَارِجَةِ فَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِكَوْنِهِ رُجُوعًا يَكُونُ مَعَ خَلْطِهِ بِالْأَجْوَدِ شَرِيكًا بِنِسْبَةِ الْقِيمَتَيْنِ.

(الْفَصْلُ الرَّابِعُ - فِي الْوِصَايَةِ)

بِكَسْرِ الْوَاوِ وَ فَتْحِهَا وَ هِيَ: اسْتِنَابَةُ الْمُوصِي غَيْرَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيمَا كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، مِنْ إخْرَاجِ حَقٍّ،

أَوْ اسْتِيفَائِهِ، أَوْ وِلَايَةٍ عَلَي طِفْلٍ، أَوْ مَجْنُونٍ يَمْلِكُ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ بِالْأَصَالَةِ، أَوْ بِالْعَرْضِ (وَ إِنَّمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ عَلَي الْأَطْفَالِ بِالْوِلَايَةِ مِنْ الْأَبِ وَ الْجَدِّ لَهُ) وَ إِنْ عَلَا (أَوْ الْوَصِيِّ) لِأَحَدِهِمَا (الْمَأْذُونِ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا) فِي الْإِيصَاءِ لِغَيْرِهِ، فَلَوْ نَهَاهُ عَنْهُ لَمْ تَصِحَّ إجْمَاعًا وَ لَوْ أَطْلَقَ قِيلَ: جَازَ؛ لِظَاهِرِ مُكَاتَبَةِ الصَّفَّارِ؛ وَ لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فَيَثْبُتُ لَهُ مِنْ الْوِلَايَةِ مَا ثَبَتَ لَهُ؛ وَ لِأَنَّ الِاسْتِنَابَةَ مِنْ جُمْلَةِ التَّصَرُّفَاتِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ بِالنَّصِّ.

وَفِيهِ مَنْعُ دَلَالَةِ الرِّوَايَةِ وَ إِقَامَتُهُ مَقَامَ نَفْسِهِ، فِي فِعْلِهِ مُبَاشَرَةً كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ وَ نَمْنَعُ كَوْنَ الِاسْتِنَابَةِ مِنْ جُمْلَةِ التَّصَرُّفَاتِ، فَإِنَّ رِضَاهُ بِنَظَرِهِ مُبَاشَرَةً لَا يَقْتَضِي رِضَاهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ؛ لِاخْتِلَافِ الْأَنْظَارِ وَ الْأَغْرَاضِ فِي ذَلِكَ وَ الْأَقْوَي الْمَنْعُ. (وَيُعْتَبَرُ فِي الْوَصِيِّ الْكَمَالُ) بِالْبُلُوغِ وَ الْعَقْلِ، فَلَا يَصِحُّ إلَي الصَّبِيِّ بِحَيْثُ يَتَصَرَّفُ حَالَ صِبَاهُ مُطْلَقًا وَ لَا إلَي مَجْنُونٍ كَذَلِكَ (وَ الْإِسْلَامُ) فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَي كَافِرٍ وَ إِنْ كَانَ رَحِمًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَي الْمُسْلِمِينَ وَ لَا مِنْ أَهْلِ الْأَمَانَةِ وَ لِلنَّهْيِ عَنْ الرُّكُونِ إلَيْهِ، (إلَّا أَنْ يُوصِيَ الْكَافِرُ إلَي مِثْلِهِ) إنْ لَمْ نَشْتَرِطْ الْعَدَالَةَ فِي الْوَصِيِّ؛ لِعَدَمِ الْمَانِعِ حِينَئِذٍ وَ لَوْ اشْتَرَطْنَاهَا فَهَلْ تَكْفِي عَدَالَتُهُ فِي دِينِهِ، أَمْ تَبْطُلُ مُطْلَقًا؟ وَجْهَانِ: مِنْ أَنَّ الْكُفْرَ أَعْظَمُ مِنْ فِسْقِ الْمُسْلِمِ وَ مِنْ أَنَّ الْغَرَضَ صِيَانَةُ مَالِ الطِّفْلِ وَ أَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَ هُوَ يَحْصُلُ بِالْعَدْلِ مِنْهُمْ.

وَالْأَقْوَي الْمَنْعُ بِالنَّظَرِ إلَي مَذْهَبِنَا وَ لَوْ أُرِيدَ صِحَّتُهَا عِنْدَهُمْ وَ عَدَمُهُ فَلَا غَرَضَ لَنَا فِي ذَلِكَ وَ لَوْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا فَإِنْ رَدَدْنَاهُمْ إلَي مَذْهَبِهِمْ وَ إِلَّا فَاللَّازِمُ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِهَا بِنَاءً عَلَي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ، إذْ لَا وُثُوقَ بِعَدَالَتِهِ فِي دِينِهِ وَ لَا رُكُونَ إلَي أَفْعَالِهِ،

لِمُخَالَفَتِهَا لِكَثِيرٍ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ.

(وَ الْعَدَالَةُ فِي قَوْلٍ قَوِيٍّ)

؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِئْمَانٌ وَ الْفَاسِقُ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ؛ لِوُجُوبِ التَّثَبُّتِ عِنْدَ خَبَرِهِ؛ وَ لِتَضَمُّنِهَا الرُّكُونَ إلَيْهِ وَ الْفَاسِقُ ظَالِمٌ مَنْهِيٌّ عَنْ الرُّكُونِ إلَيْهِ؛ وَ لِأَنَّهَا اسْتِنَابَةٌ إلَي الْغَيْرِ فَيُشْتَرَطُ فِي النَّائِبِ الْعَدَالَةُ كَوَكِيلِ الْوَكِيلِ، بَلْ أَوْلَي؛ لِأَنَّ تَقْصِيرَ وَكِيلِ الْوَكِيلِ مَجْبُورٌ بِنَظَرِ الْوَكِيلِ وَ الْمُوَكِّلِ وَ تَفَحُّصِهِمَا عَلَي مَصْلَحَتِهِمَا، بِخِلَافِ نَائِبِ الْمَيِّتِ وَ رِضَاهُ بِهِ غَيْرَ عَدْلٍ، لَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَ حِينَئِذٍ فَتَرْتَفِعُ أَهْلِيَّتُهُ عَنْ الْإِذْنِ وَ الْوِلَايَةِ وَ يَصِيرُ التَّصَرُّفُ مُتَعَلِّقًا بِحَقِّ غَيْرِ الْمُسْتَنِيبِ مِنْ طِفْلٍ وَ مَجْنُونٍ وَ فَقِيرٍ وَ غَيْرِهِمْ فَيَكُونُ أَوْلَي بِاعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ مِنْ وَكِيلِ الْوَكِيلِ وَ وَكِيلِ الْحَاكِمِ، عَلَي مِثْلِ هَذِهِ الْمَصَالِحِ.

وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا احْتَجَّ بِهِ نَافِي اشْتِرَاطِهَا مِنْ أَنَّهَا فِي مَعْنَي الْوَكَالَةِ وَ وَكَالَةُ الْفَاسِقِ جَائِزَةٌ إجْمَاعًا وَ كَذَا اسْتِيدَاعُهُ، لِمَا عَرَفْتَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهَا و بين الْوَكَالَةِ وَ الِاسْتِيدَاعِ، فَإِنَّهُمَا مُتَعَلِّقَانِ بِحَقِّ الْمُوَكِّلِ وَ الْمُودِعِ وَ هُوَ مُسَلِّطٌ عَلَي إتْلَافِ مَالِهِ فَضْلًا عَنْ تَسْلِيطِ غَيْرِ الْعَدْلِ عَلَيْهِ وَ الْمُوصِي إنَّمَا سَلَّطَهُ عَلَي حَقِّ الْغَيْرِ؛ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِالْمَوْتِ مُطْلَقًا، مَعَ أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ مُطْلَقَ الْوَكِيلِ وَ الْمُسْتَوْدَعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْعَدَالَةُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ لِيَحْصُلَ الْوُثُوقُ بِفِعْلِ الْوَصِيِّ وَ يُقْبَلَ خَبَرُهُ بِهِ، كَمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ دَلِيلِهِ، لَا فِي صِحَّةِ الْفِعْلِ فِي نَفْسِهِ، فَلَوْ أَوْصَي لِمَنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ وَ هُوَ فَاسِقٌ فِي نَفْسِهِ فَفَعَلَ مُقْتَضَي الْوَصِيَّةِ فَالظَّاهِرُ نُفُوذُ فِعْلِهِ وَ خُرُوجُهُ عَنْ الْعُهْدَةِ.

وَيُمْكِنُ كَوْنُ ظَاهِرِ الْفِسْقِ كَذَلِكَ لَوْ أَوْصَي إلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُ وَ فَعَلَ مُقْتَضَاهُ، بَلْ لَوْ فَعَلَهُ ظَاهِرًا كَذَلِكَ لَمْ تَبْعُدْ الصِّحَّةُ وَ إِنْ حَكَمَ ظَاهِرًا

بِعَدَمِ وُقُوعِهِ وَ ضَمَانِهِ مَا ادَّعَي فِعْلَهُ.

وَتَظْهَرُ الْفَائِدَةُ لَوْ فَعَلَ مُقْتَضَي الْوَصِيَّةِ بِاطِّلَاعِ عَدْلَيْنِ، أَوْ بِاطِّلَاعِ الْحَاكِمِ، إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ يُنَافِي ذَلِكَ كُلَّهُ وَ مِثْلُهُ يَأْتِي فِي نِيَابَةِ الْفَاسِقِ عَنْ غَيْرِهِ فِي الْحَجِّ وَ نَحْوِهِ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَ غَيْرُهُ: أَنَّ عَدَالَةَ النَّائِبِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الِاسْتِنَابَةِ لَا فِي صِحَّةِ النِّيَابَةِ.

(وَ كَذَا) يُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيِّ (الْحُرِّيَّةُ)

فَلَا تَصِحُّ وِصَايَةُ الْمَمْلُوكِ؛ لِاسْتِلْزَامِهَا التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، كَمَا لَا تَصِحُّ وِكَالَتُهُ (إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْمَوْلَي) فَتَصِحُّ؛ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَ حِينَئِذٍ فَلَيْسَ لِلْمَوْلَي الرُّجُوعُ فِي الْإِذْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَ يَصِحُّ قَبْلَهُ، كَمَا إذَا قَبِلَ الْحُرُّ. (وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَي الصَّبِيِّ مُنْضَمًّا إلَي كَامِلٍ) لَكِنْ لَا يَتَصَرَّفُ الصَّبِيُّ حَتَّي يَكْمُلَ، فَيَنْفَرِدُ الْكَامِلُ قَبْلَهُ ثُمَّ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا مُجْتَمِعَيْنِ.

نَعَمْ لَوْ شَرَطَ عَدَمَ تَصَرُّفِ الْكَامِلِ إلَي أَنْ يَبْلُغَ الصَّبِيُّ اتَّبَعَ شَرْطَهُ وَ حَيْثُ يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْكَامِلِ قَبْلَ بُلُوغِهِ لَا يَخْتَصُّ بِالضَّرُورِيِّ، بَلْ لَهُ كَمَالُ التَّصَرُّفِ وَ إِنَّمَا يَقَعُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمُتَخَلِّفِ وَ لَا اعْتِرَاضَ لِلصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ فِي نَقْضِ مَا وَقَعَ مِنْ فِعْلِ الْكَامِلِ مُوَافِقًا لِلْمَشْرُوعِ (وَ إِلَي الْمَرْأَةِ وَ الْخُنْثَي) عِنْدَنَا مَعَ اجْتِمَاعِ الشَّرَائِطِ؛ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَ قِيَاسُ الْوَصِيَّةِ عَلَي الْقَضَاءِ وَاضِحُ الْفَسَادِ. (وَيَصِحُّ تَعَدُّدُ الْوَصِيِّ فَيَجْتَمِعَانِ) لَوْ كَانَا اثْنَيْنِ فِي التَّصَرُّفِ، بِمَعْنَي صُدُورِهِ عَنْ رَأْيِهِمَا وَ نَظَرِهِمَا وَ إِنْ بَاشَرَهُ أَحَدُهُمَا (إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ لَهُمَا الِانْفِرَادُ) فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ بِمُقْتَضَي نَظَرِهِ، (فَإِنْ تَعَاسَرَا) فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا نَوْعًا مِنْ التَّصَرُّفِ وَ مَنَعَهُ الْآخَرُ (صَحَّ) تَصَرُّفُهُمَا (فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَمُؤْنَةِ الْيَتِيمِ) وَ الدَّابَّةِ وَ إِصْلَاحِ الْعَقَارِ وَ وَقَفَ غَيْرُهُ عَلَي اتِّفَاقِهِمَا،

(وَلِلْحَاكِمِ) الشَّرْعِيِّ (إجْبَارُهُمَا عَلَي الِاجْتِمَاعِ)

مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِمَا مَعَ الْإِمْكَانِ، إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِيمَا فِيهِ

وَصِيٌّ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَيْهِ جَمْعُهُمَا (اسْتَبْدَلَ بِهِمَا) تَنْزِيلًا لَهُمَا بِالتَّعَذُّرِ مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومِ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْغَايَةِ، كَذَا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ وَ هُوَ يَتِمُّ مَعَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ عَدَالَةِ الْوَصِيِّ، أَمَّا مَعَهُ فَلَا؛ لِأَنَّهُمَا بِتَعَاسُرِهِمَا يَفْسُقَانِ؛ لِوُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ إلَي إخْرَاجِ الْوَصِيَّةِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَيَخْرُجَانِ بِالْفِسْقِ عَنْ الْوِصَايَةِ وَ يَسْتَبْدِلُ بِهِمَا الْحَاكِمُ فَلَا يُتَصَوَّرُ إجْبَارُهُمَا عَلَي هَذَا التَّقْدِيرِ.

وَكَذَا لَوْ لَمْ نَشْتَرِطْهَا وَ كَانَا عَدْلَيْنِ، لِبُطْلَانِهَا بِالْفِسْقِ حِينَئِذٍ عَلَي الْمَشْهُورِ نَعَمْ لَوْ لَمْ نَشْتَرِطْهَا وَ لَا كَانَا عَدْلَيْنِ أَمْكَنَ إجْبَارُهُمَا مَعَ التَّشَاحِّ، (وَ لَيْسَ لَهُمَا قِسْمَةُ الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَي الْوَصِيَّةِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ فِي التَّصَرُّفِ.

(وَ لَوْ شَرَطَ لَهُمَا الِانْفِرَادَ فَفِي جَوَازِ الِاجْتِمَاعِ نَظَرٌ)، مِنْ أَنَّهُ خِلَافُ الشَّرْطِ فَلَا يَصِحُّ وَ مِنْ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَي الِاجْتِمَاعِ يَقْتَضِي صُدُورَهُ عَنْ رَأْيِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَ شَرْطُ الِانْفِرَادِ اقْتَضَي الرِّضَا بِرَأْيِ كُلِّ وَاحِدٍ وَ هُوَ حَاصِلٌ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَا آكَدُ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ شَرْطَ الِانْفِرَادِ رُخْصَةٌ لَهُمَا، لَا تَضْيِيقٌ.

نَعَمْ لَوْ حَصَلَ لَهُمَا فِي حَالِ الِاجْتِمَاعِ نَظَرٌ مُخَالِفٌ لَهُ حَالَ الِانْفِرَادِ تَوَجَّهَ الْمَنْعُ؛ لِجَوَازِ كَوْنِ الْمُصِيبِ هُوَ حَالَةَ الِانْفِرَادِ وَ لَمْ يَرْضَ الْمُوصِي إلَّا بِهِ.

(وَ لَوْ نَهَاهُمَا عَنْ الِاجْتِمَاعِ اُتُّبِعَ) قَطْعًا عَمَلًا بِمُقْتَضَي الشَّرْطِ الدَّالِّ صَرِيحًا عَلَي النَّهْيِ عَنْ الِاجْتِمَاعِ فَيُتَّبَعُ.

(وَ لَوْ جَوَّزَ لَهُمَا الْأَمْرَيْنِ)

الِاجْتِمَاعَ وَ الِانْفِرَادَ (أَمْضَي) مَا جَوَّزَهُ وَ تَصَرَّفَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَيْفَ شَاءَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَ الِانْفِرَادِ (فَلَوْ اقْتَسَمَا الْمَالَ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (جَازَ) بِالتَّنْصِيفِ وَ التَّفَاوُتِ حَيْثُ لَا يَحْصُلُ بِالْقِسْمَةِ ضَرَرٌ؛ لِأَنَّ مَرْجِعَ الْقِسْمَةِ حِينَئِذٍ إلَي تَصَرُّفِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْبَعْضِ وَ هُوَ جَائِزٌ بِدُونِهَا، ثُمَّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ فِي قِسْمَةِ الْآخَرِ وَ إِنْ كَانَتْ فِي يَدِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيٌّ فِي الْمَجْمُوعِ فَلَا تُزِيلُ الْقِسْمَةُ وِلَايَتَهُ فِيهِ (وَ لَوْ ظَهَرَ

مَنْ الْوَصِيِّ) الْمُتَّحِدِ، أَوْ الْمُتَعَدِّدِ عَلَي وَجْهٍ يُفِيدُ الِاجْتِمَاعَ (عَجْزٌ ضَمَّ الْحَاكِمُ إلَيْهِ مُعِينًا)؛ لِأَنَّهُ بِعَجْزِهِ خَرَجَ عَنْ الِاسْتِقْلَالِ الْمَانِعِ مِنْ وِلَايَةِ الْحَاكِمِ وَ بِقُدْرَتِهِ عَلَي الْمُبَاشَرَةِ فِي الْجُمْلَةِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْوِصَايَةِ بِحَيْثُ يَسْتَقِلُّ الْحَاكِمُ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِالضَّمِّ.

وَمِثْلُهُ مَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ عَلَي الِاجْتِمَاعِ، أَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُمَا فِي الِانْفِرَادِ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ الضَّمُّ إلَي أَحَدِهِمَا بِعَجْزِ الْآخَرِ؛ لِبَقَاءِ وَصِيٍّ كَامِلٍ.

وَبَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ وَ هُوَ مَا لَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا الِاجْتِمَاعَ وَ سَوَّغَ لِلْآخَرِ الِانْفِرَادَ فَيَجِبُ اتِّبَاعُ شَرْطِهِ فَيَتَصَرَّفُ الْمُسْتَقِلُّ بِالِاسْتِقْلَالِ وَ الْآخَرُ مَعَ الِاجْتِمَاعِ خَاصَّةً.

وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا لَوْ شَرَطَ لَهُمَا الِاجْتِمَاعَ مَوْجُودَيْنِ وَ انْفِرَادَ الْبَاقِي بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ، أَوْ عَجْزِهِ فَيُتْبَعُ شَرْطُهُ وَ كَذَا يَصِحُّ شَرْطُ مُشْرِفٍ عَلَي أَحَدِهِمَا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْمُشْرِفِ شَيْءٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَ إِنَّمَا تَصْدُرُ عَنْ رَأْيِهِ فَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ التَّصَرُّفُ بِدُونِ إذْنِهِ مَعَ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ وَ لَوْ بِامْتِنَاعِهِ ضَمَّ الْحَاكِمُ إلَي الْوَصِيِّ مُعِينًا كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الِاجْتِمَاعُ عَلَي الْأَقْوَي؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ حَيْثُ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِهِ مُنْفَرِدًا وَ كَذَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ تَصَرُّفِ أَحَدِهِمَا فِي نَوْعٍ خَاصٍّ وَ الْآخَرُ فِي الْجَمِيعِ مُنْفَرِدَيْنِ وَ مُجْتَمِعَيْنِ عَلَي مَا اشْتَرَكَا فِيهِ. (وَ لَوْ خَانَ) الْوَصِيُّ الْمُتَّحِدُ، أَوْ أَحَدُ الْمُجْتَمِعَيْنِ، أَوْ فَسَقَ بِغَيْرِ الْخِيَانَةِ (عَزَلَهُ الْحَاكِمُ)، بَلْ الْأَجْوَدُ انْعِزَالُهُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَي عَزْلِ الْحَاكِمِ؛ لِخُرُوجِهِ عَنْ شَرْطِ الْوِصَايَةِ (وَأَقَامَ) الْحَاكِمُ (مَكَانَهُ) وَصِيًّا مُسْتَقِلًّا إنْ كَانَ الْمَعْزُولُ وَاحِدًا، أَوْ مُنْضَمًّا إلَي الْبَاقِي إنْ كَانَ أَكْثَرَ. (وَيَجُوزُ لِلْوَصِيِّ اسْتِيفَاءُ دَيْنِهِ مِمَّا فِي يَدِهِ) مَنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَي حُكْمِ الْحَاكِمِ بِثُبُوتِهِ وَ لَا عَلَي حَلِفِهِ عَلَي بَقَائِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلِاسْتِظْهَارِ بِبَقَائِهِ؛ لِجَوَازِ إبْرَاءِ صَاحِبِ الدَّيْنِ، أَوْ اسْتِيفَائِهِ وَ الْمَعْلُومُ هُنَا خِلَافُهُ وَ الْمُكَلَّفُ بِالِاسْتِظْهَارِ هُوَ الْوَصِيُّ، (وَ)

كَذَا يَجُوزُ لَهُ (قَضَاءُ دُيُونِ الْمَيِّتِ الَّتِي يَعْلَمُ بَقَاءَهَا) إلَي حِينِ الْقَضَاءِ وَ يَتَحَقَّقُ الْعِلْمُ بِسَمَاعِهِ إقْرَارَ الْمُوصِي بِهَا قَبْلَ الْمَوْتِ بِزَمَانٍ لَا يُمْكِنُهُ بَعْدَهُ الْقَضَاءُ وَ يَكُونُ الْمُسْتَحِقُّ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ فِي حَقِّهِ الْإِسْقَاطُ كَالطِّفْلِ وَ الْمَجْنُونِ.

وَأَمَّا مَا كَانَ أَرْبَابُهَا مُكَلَّفِينَ يُمْكِنُهُمْ إسْقَاطُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إحْلَافِهِمْ عَلَي بَقَائِهَا وَ إِنْ عَلِمَ بِهَا سَابِقًا وَ لَا يَكْفِي إحْلَافُهُ إيَّاهُمْ إلَّا إذَا كَانَ مُسْتَجْمِعًا لِشَرَائِطِ الْحُكْمِ وَ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي التَّحْلِيفِ اسْتِنَادًا إلَي عِلْمِهِ بِالدَّيْنِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَحْكِيمٌ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ أَهْلِهِ.

نَعَمْ لَهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ بِالْبَيِّنَةِ تَوْكِيلُهُ فِي الْإِحْلَافِ وَ لَهُ رَدُّ مَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ وَ دِيعَةً، أَوْ عَارِيَّةً أَوْ غَصْبًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَا يُحْتَمَلُ انْتِقَالُهَا عَنْ مِلْكِ مَالِكِهَا إلَي الْمُوصِي، أَوْ وَارِثِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ (وَ لَا يُوصِي) الْوَصِيُّ إلَي غَيْرِهِ عَمَّنْ أَوْصَي إلَيْهِ، (إلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ) لَهُ فِي الْإِيصَاءِ عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ و قد تَقَدَّمَ وَ إِنَّمَا أَعَادَهَا؛ لِفَائِدَةِ التَّعْمِيمِ، إذْ السَّابِقَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالْوَصِيِّ عَلَي الطِّفْلِ وَ مَنْ بِحُكْمِهِ مِنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَ هُنَا شَامِلَةٌ لِسَائِرِ الْأَوْصِيَاءِ وَ حَيْثُ يَأْذَنُ لَهُ فِيهِ يَقْتَصِرُ عَلَي مَدْلُولِ الْإِذْنِ فَإِنْ خَصَّهُ بِشَخْصٍ، أَوْ وَصْفٍ اخْتَصَّ وَ إِنْ عَمَّمَ أَوْصَي إلَي مُسْتَجْمِعِ الشَّرَائِطِ وَ يَتَعَدَّي الْحُكْمُ إلَي وَصِيِّ الْوَصِيِّ أَبَدًا مَعَ الْإِذْنِ فِيهِ، لَا بِدُونِهِ.

(وَ) حَيْثُ لَا يُصَرِّحُ لَهُ بِالْإِذْنِ فِي الْإِيصَاءِ (يَكُونُ النَّظَرُ بَعْدَهُ) فِي وَصِيَّةِ الْأَوَّلِ (إلَي الْحَاكِمِ)؛ لِأَنَّهُ وَصِيُّ مَنْ لَا وَصِيَّ لَهُ، (وَ كَذَا) حُكْمُ كُلِّ (مَنْ مَاتَ وَ لَا وَصِيَّ لَهُ و مع تَعَذُّرِ الْحَاكِمِ)؛ لِفَقْدِهِ أَوْ بُعْدِهِ بِحَيْثُ يَشُقُّ الْوُصُولُ إلَيْهِ عَادَةً (يَتَوَلَّي) إنْفَاذَ الْوَصِيَّةِ (بَعْضُ عُدُولِ الْمُؤْمِنِينَ)

مِنْ بَابِ الْحِسْبَةِ وَ الْمُعَاوَنَةِ عَلَي الْبِرِّ وَ التَّقْوَي الْمَأْمُورِ بِهَا.

وَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ يَدْفَعُ مَحْذُورَ إتْلَافِ مَالِ الطِّفْلِ وَ شِبْهِهِ وَ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِدُونِ إذْنٍ شَرْعِيٍّ، فَإِنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْإِذْنُ وَ يَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَي الْقَدْرِ الضَّرُورِيِّ الَّذِي يُضْطَرُّ إلَي تَقْدِيمِهِ قَبْلَ مُرَاجَعَةِ الْحَاكِمِ وَ تَأْخِيرِ غَيْرِهِ إلَي حِينِ التَّمَكُّنِ مِنْ إذْنِهِ وَ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ؛ لِفَقْدِهِ لَمْ يَخْتَصَّ وَ حَيْثُ يَجُوزُ ذَلِكَ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ.

وَرُبَّمَا مَنَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ؛ لِعَدَمِ النَّصِّ وَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْعُمُومَاتِ كَافٍ فِي ذَلِكَ وَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ مَا يُرْشِدُ إلَيْهِ.

(وَ الصِّفَاتُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْوَصِيِّ)

مَنْ الْبُلُوغِ وَ الْعَقْلِ وَ الْإِسْلَامِ عَلَي وَجْهٍ وَ الْحُرِّيَّةِ وَ الْعَدَالَةِ (يُشْتَرَطُ حُصُولُهَا حَالَ الْإِيصَاءِ)؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ إنْشَاءِ الْعَقْدِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُجْتَمِعَةً لَمْ يَقَعْ صَحِيحًا كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ؛ وَ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّفْوِيضِ إلَي مَنْ لَيْسَ بِالصِّفَاتِ.

وَقِيلَ: يَكْفِي حُصُولُهَا (حَالَ الْوَفَاةِ) حَتَّي لَوْ أَوْصَي إلَي مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ فَاتَّفَقَ حُصُولُ صِفَاتِ الْأَهْلِيَّةِ لَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّصَرُّفِ هُوَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَ هُوَ مَحَلُّ الْوِلَايَةِ وَ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا قَبْلَهُ.

وَيُضَعَّفُ بِمَا مَرَّ (وَ قِيلَ:) يُعْتَبَرُ (مِنْ حِينِ الْإِيصَاءِ إلَي حِينِ الْوَفَاةِ) جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَ الْأَقْوَي اعْتِبَارُهَا مِنْ حِينِ الْإِيصَاءِ وَ اسْتِمْرَارُهُ مَا دَامَ وَصِيًّا (وَلِلْوَصِيٍّ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَنْ نَظَرِهِ فِي مَالِ الْمُوصَي عَلَيْهِمْ مَعَ الْحَاجَةِ) وَ هِيَ الْفَقْرُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ تَعَالَي بِقوله:

{ وَ مَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } وَ لَا يَجُوزُ مَعَ الْغَنَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَي: { وَ مَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ }.

وَقِيلَ: يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ عَمَلٍ مُحْتَرَمٍ.

وَقِيلَ: يَأْخُذُ قَدْرَ الْكِفَايَةِ؛ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَي: { فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ مَا لَا

إسْرَافَ فِيهِ وَ لَا تَقْتِيرَ مِنْ الْقُوتِ.

وَقِيلَ: أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ إنْ كَانَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فَلَا عِوَضَ لِعَمَلِهِ شَرْعًا سِوَاهَا وَ إِنْ كَانَ الْأَقَلُّ الْكِفَايَةَ؛ فَلِأَنَّهَا هِيَ الْقَدْرُ الْمَأْذُونُ فِيهِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ.

وَالْأَقْوَي جَوَازُ أَخْذِ أَقَلِّهِمَا مَعَ فَقْرِهِ خَاصَّةً؛ لِمَا ذُكِرَ؛ وَ لِأَنَّ حُصُولَ قَدْرِ الْكِفَايَةِ يُوجِبُ الْغِنَي فَيَجِبُ الِاسْتِعْفَافُ عَنْ الزَّائِدِ وَ إِنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ.

(وَيَصِحُّ) لِلْوَصِيِّ (الرَّدُّ) لِلْوَصِيَّةِ

(مَا دَامَ) الْمُوصِي (حَيًّا) مَعَ بُلُوغِهِ الرَّدَّ (فَلَوْ رَدَّ وَ لَمَّا يَبْلُغْ) الْمُوصِيَ (الرَّدُّ بَطَلَ الرَّدُّ وَ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ إلَّا بَعْدَ وَفَاةِ الْمُوصِي لَزِمَهُ الْقِيَامُ بِهَا) وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَبَقَ قَبُولٌ (إلَّا مَعَ الْعَجْزِ) عَنْ الْقِيَامِ بِهَا فَيَسْقُطُ وجوب الْقِيَامِ عَنْ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ قَطْعًا؛ لِلْحَرَجِ.

وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ يَسْقُطُ غَيْرُهُ أَيْضًا وَ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، بَلْ يَجِبُ الْقِيَامُ بِمَا أَمْكَنَ مِنْهَا؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَ مُسْتَنَدُ هَذَا الْحُكْمِ الْمُخَالِفِ لِلْأَصْلِ مِنْ إثْبَاتِ حَقٍّ عَلَي الْمُوصَي إلَيْهِ عَلَي وَجْهٍ قَهْرِيٍّ وَ تَسْلِيطِ الْمُوصِي عَلَي إثْبَاتِ وَصِيَّتِهِ عَلَي مَنْ شَاءَ: أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَيْهِ.

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْعَلَّامَةُ فِي الْمُخْتَلِفِ وَ التَّحْرِيرِ إلَي أَنَّ لَهُ الرَّدَّ مَا لَمْ يَقْبَلْ؛ لِمَا ذُكِرَ؛ وَ لِاسْتِلْزَامِهِ الْحَرَجَ الْعَظِيمَ وَ الضَّرَرَ فِي أَكْثَرِ مَوَارِدِهَا وَ هُمَا مَنْفَيَانِ بِالْآيَةِ وَ الْخَبَرِ.

وَالْأَخْبَارُ لَيْسَتْ صَرِيحَةَ الدَّلَالَةِ عَلَي الْمَطْلُوبِ وَ يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَي شِدَّةِ الِاسْتِحْبَابِ وَ أَمَّا حَمْلُهَا عَلَي سَبْقِ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ فَهُوَ مُنَافٍ لِظَاهِرِهَا وَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ هُوَ الْوُجُوبُ مُطْلَقًا.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَي مِنْ ذَلِكَ مَا يَسْتَلْزِمُ الضَّرَرَ وَ الْحَرَجَ، دُونَ غَيْرِهِ وَ أَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ فَوَاضِحٌ.

34 كتاب النكاح و فيه فُصُولٌ

المدخل

(34) كتاب النكاح و فيه فُصُولٌ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي الْمُقَدِّمَاتِ:

(النِّكَاحُ مُسْتَحَبٌّ مُؤَكَّدٌ)

لِمَنْ يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ وَ لَا يَخَافُ بِتَرْكِهِ الْوُقُوعَ فِي مُحَرَّمٍ وَ إِلَّا وَجَبَ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَي:

{ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } { وَ أَنْكِحُوا الْأَيَامَي مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَ إِمَائِكُمْ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اَللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }.

وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ و قال صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: { مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي وَ إِنَّ مِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ }.

(وَفَضْلُهُ مَشْهُورٌ) بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ

(مُحَقَّقٌ) فِي شَرْعِهِمْ (حَتَّي إنَّ الْمُتَزَوِّجَ يُحْرِزُ نِصْفَ دِينِهِ) رَوَاهُ فِي الْكَافِي بِإِسْنَادِهِ إلَي النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قال:

{ مَنْ تَزَوَّجَ أَحْرَزَ نِصْفَ دِينِهِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ، أَوْ الْبَاقِي }، (وَرُوِيَ { ثُلُثَا دِينِهِ وَ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْفَوَائِدِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ }) فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِطَرِيقِ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ أَنَّهُ قال:

{ مَا اسْتَفَادَ امْرُؤٌ مُسْلِمٌ فَائِدَةً بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَفْضَلَ مِنْ زَوْجَةٍ مُسْلِمَةٍ تَسُرُّهُ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا وَ تُطِيعُهُ إذَا أَمَرَهَا وَ تَحْفَظُهُ إذَا غَابَ عَنْهَا فِي نَفْسِهَا وَ مَالِهِ }.

وَقَالَ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: { قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: إذَا أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ لِلْمُسْلِمِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَ خَيْرَ الْآخِرَةِ جَعَلْتُ لَهُ قَلْبًا خَاشِعًا وَ لِسَانًا ذَاكِرًا وَ جَسَدًا عَلَي الْبَلَاءِ صَابِرًا وَ زَوْجَةً مُؤْمِنَةً تَسُرُّهُ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا وَ تَحْفَظُهُ إذَا غَابَ عَنْهَا فِي نَفْسِهَا وَ مَالِهِ }. (وَلْيَتَخَيَّرْ الْبِكْرَ) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: { تَزَوَّجُوا الْأَبْكَارَ فَإِنَّهُنَّ أَطْيَبُ شَيْءٍ أَفْوَاهًا وَ أَنْشَفُهُ أَرْحَامًا وَ أَدَرُّ شَيْءٍ أَخْلَافًا وَ أَفْتَحُ شَيْءٍ أَرْحَامًا } (الْعَفِيفَةَ) عَنْ الزِّنَا (الْوَلُودَ) أَيْ: مَا مِنْ شَأْنِهَا ذَلِكَ، بِأَنْ لَا تَكُونَ يَائِسَةً وَ لَا صَغِيرَةً وَ لَا عَقِيمًا.

قَالَ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ:

{ تَزَوَّجُوا بِكْرًا وَ لُودًا وَ لَا تَزَوَّجُوا حَسْنَاءَ جَمِيلَةً عَاقِرًا، فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّي بِالسَّقْطِ، يَظَلُّ مُحْبَنْطِئًا عَلَي بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: اُدْخُلْ الْجَنَّةَ: فَيقول:

لَا حَتَّي يَدْخُلَ أَبَوَايَ قَبْلِي: فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي لِمَلَكٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ: ائْتِنِي بِأَبَوَيْهِ فَيَأْمُرُ بِهِمَا إلَي الْجَنَّةِ، فَيقول:

هَذَا بِفَضْلِ رَحْمَتِي لَك.

} (الْكَرِيمَةَ الْأَصْلِ) بِأَنْ يَكُونَ أَبَوَاهَا صَالِحَيْنِ مُؤْمِنَيْنِ.

قَالَ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: { انْكِحُوا الْأَكْفَاءَ وَ أَنْكَحُوا فِيهِمْ وَ اخْتَارُوا لِنُطَفِكُمْ}

وَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَي الْجَمَالِ وَ الثَّرْوَة

(وَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَي الْجَمَالِ وَ الثَّرْوَةِ)

مِنْ دُونِ مُرَاعَاةِ الْأَصْلِ وَ الْعِفَّةِ، قَالَ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: { إيَّاكُمْ وَ خَضْرَاءَ الدِّمَنِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَ مَا خَضْرَاءُ الدِّمَنِ؟ قال:

الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءِ فِي مَنْبَتِ السُّوءِ } وَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ؛ لِجَمَالِهَا أَوْ لِمَالِهَا وُكِّلَ إلَي ذَلِكَ وَ إِذَا تَزَوَّجَهَا؛ لِدِينِهَا رَزَقَهُ اللَّهُ الْمَالَ وَ الْجَمَالَ ". (وَيُسْتَحَبُّ) لِمَنْ أَرَادَ التَّزْوِيجَ قَبْلَ تَعْيِينِ الْمَرْأَةِ (صَلَاةُ - رَكْعَتَيْنِ وَ الِاسْتِخَارَةُ) وَ هُوَ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَي الْخِيَرَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ، (وَ الدُّعَاءُ بَعْدَهُمَا بِالْخِيَرَةِ) بِقوله:

" اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ فَقَدِّرْ لِي مِنْ النِّسَاءِ أَعَفَّهُنَّ فَرْجًا وَ أَحْفَظَهُنَّ لِي فِي نَفْسِهَا وَ مَالِي وَ أَوْسَعَهُنَّ رِزْقًا وَ أَعْظَمَهُنَّ بَرَكَةً وَ قَدِّرْ لِي وَلَدًا طَيِّبًا تَجْعَلُهُ خَلَفًا صَالِحًا فِي حَيَاتِي وَ بَعْدَ مَوْتِي "، أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الدُّعَاءِ، (وَرَكْعَتَيْ الْحَاجَةِ)؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَهَامِّ الْحَوَائِجِ،

(وَ الدُّعَاءُ) بَعْدَهُمَا بِالْمَأْثُورِ

، أَوْ بِمَا سَنَحَ، (وَ الْإِشْهَادُ) عَلَي الْعَقْدِ، (وَ الْإِعْلَانُ) إذَا كَانَ دَائِمًا، (وَ الْخُطْبَةُ) بِضَمِّ الْخَاءِ (أَمَامَ الْعَقْدِ) لِلتَّأَسِّي وَ أَقَلُّهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ، (وَإِيقَاعُهُ لَيْلًا) قَالَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ: " مِنْ السُّنَّةِ التَّزْوِيجُ بِاللَّيْلِ؛

لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَ النِّسَاءُ إنَّمَا هُنَّ سَكَنٌ ".

(وَلْيَجْتَنِبْ إيقَاعَهُ وَ الْقَمَرُ فِي) بُرْجِ (الْعَقْرَبِ) لِقَوْلِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " مَنْ تَزَوَّجَ وَ الْقَمَرُ فِي الْعَقْرَبِ لَمْ يَرَ الْحُسْنَي " وَ التَّزْوِيجُ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ. (فَإِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ) بِالزَّوْجَةِ (صَلَّي رَكْعَتَيْنِ) قَبْلَهُ (وَدَعَا) بَعْدَهُمَا بَعْدَ أَنْ يُمَجِّدَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ يُصَلِّيَ عَلَي النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِقوله:

" اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي إلْفَهَا وَ وُدَّهَا وَ رِضَاهَا وَ أَرْضَنِي بِهَا وَ اجْمَعْ بَيْنَنَا بِأَحْسَنِ اجْتِمَاعٍ وَ أُنْسٍ وَ ائْتِلَافٍ، فَإِنَّك تُحِبُّ الْحَلَالَ وَ تَكْرَهُ الْحَرَامَ "، أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الدُّعَاءِ (وَتَفْعَلُ الْمَرْأَةُ كَذَلِكَ) فَتُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَ تَدْعُو اللَّهَ تَعَالَي بِمَعْنَي مَا دَعَا (وَلْيَكُنْ) - الدُّخُولُ (لَيْلًا) كَالْعَقْدِ، قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: زُفُّوا نِسَاءَكُمْ لَيْلًا وَ أَطْعِمُوا ضُحًي (وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَي نَاصِيَتِهَا) وَ هِيَ مَا بَيْنَ نَزْعَتَيْهَا مِنْ مُقَدِّمِ رَأْسِهَا عِنْدَ دُخُولِهَا عَلَيْهِ وَ لْيَقُلْ: " اللَّهُمَّ عَلَي كِتَابِك تَزَوَّجْتُهَا وَ فِي أَمَانَتِك أَخَذْتُهَا وَ بِكَلِمَاتِك اسْتَحْلَلْتُ فَرْجَهَا، فَإِنْ قَضَيْتَ فِي رَحِمِهَا شَيْئًا فَاجْعَلْهُ مُسْلِمًا سَوِيًّا وَ لَا تَجْعَلْهُ شِرْكَ شَيْطَانٍ " (وَيُسَمِّي) اللَّهَ تَعَالَي (عِنْدَ الْجِمَاعِ دَائِمًا) عِنْدَ الدُّخُولِ بِهَا وَ بَعْدَهُ؛ لِيَتَبَاعَدَ عَنْهُ الشَّيْطَانُ وَ يَسْلَمُ مِنْ شَرَكِهِ.

(وَيَسْأَلُ اللَّهَ الْوَلَدَ الذَّكَرَ السَّوِيَّ الصَّالِحَ) قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَثِيرٍ: " كُنْت عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَذَكَرَ شِرْكَ الشَّيْطَانِ فَعَظَّمَهُ حَتَّي أَفْزَعَنِي، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاك فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقال:

إذَا أَرَدْت الْجِمَاعَ فَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَ الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ إنْ قَضَيْتَ مِنِّي فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ خَلِيفَةً فَلَا تَجْعَلْ لِلشَّيْطَانِ فِيهِ شِرْكًا وَ لَا نَصِيبًا وَ لَا حَظًّا وَ اجْعَلْهُ مُؤْمِنًا مُخْلِصًا صَفِيًّا مِنْ

الشَّيْطَانِ وَ رِجْزِهِ جَلَّ ثَنَاؤُك ". (وَلْيُولِمْ) عِنْدَ الزِّفَافِ (يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ) " تَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَدْ أَوْلَمَ عَلَي جُمْلَةٍ مِنْ نِسَائِهِ " و قال صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: { إنَّ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ الْإِطْعَامَ عِنْدَ التَّزْوِيجِ } و قال صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: { الْوَلِيمَةُ أَوَّلَ يَوْمٍ حَقٌّ وَ الثَّانِيَ مَعْرُوفٌ وَ مَا زَادَ رِيَاءٌ وَ سُمْعَةٌ }.

(وَيَدْعُو الْمُؤْمِنِينَ) إلَيْهَا.

وَأَفْضَلُهُمْ الْفُقَرَاءُ وَ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ أَغْنِيَاءَ وَ لَا بَأْسَ بِالشَّرِكَةِ،

(وَيُسْتَحَبُّ) لَهُمْ (الْإِجَابَةُ) اسْتِحْبَابًا مُؤَكَّدًا

وَ مَنْ كَانَ صَائِمًا نَدْبًا فَالْأَفْضَلُ لَهُ الْإِفْطَارُ، خُصُوصًا إذَا شَقَّ بِصَاحِبِ الدَّعْوَةِ صِيَامُهُ. (وَيَجُوزُ أَكْلُ نِثَارِ الْعُرْسِ وَ أَخْذُهُ بِشَاهِدِ الْحَالِ) أَيْ: مَعَ شَهَادَةِ الْحَالِ بِالْإِذْنِ فِي أَخْذِهِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ يَشْهَدُ بِأَخْذِهِ دَائِمًا.

وَعَلَي تَقْدِيرِ أَخْذِهِ بِهِ فَهَلْ يُمْلَكُ بِالْأَخْذِ، أَوْ هُوَ مُجَرَّدُ إبَاحَةٍ، قَوْلَانِ أَجْوَدُهُمَا الثَّانِي وَ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي جَوَازِ الرُّجُوعِ فِيهِ مَا دَامَتْ عَيْنُهُ بَاقِيَةً. (وَيُكْرَهُ الْجِمَاعُ) مُطْلَقًا (عِنْدَ الزَّوَالِ) إلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَقْرَبُ الْوَلَدَ الَّذِي يَتَوَلَّدُ حِينَئِذٍ حَتَّي يَشِيبَ (وَبَعْدَ الْغُرُوبِ حَتَّي يَذْهَبَ الشَّفَقُ) الْأَحْمَرُ وَ مِثْلُهُ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَي طُلُوعِ الشَّمْسِ، لِوُرُودِهِ مَعَهُ فِي الْخَبَرِ، (وَعَارِيًّا) لِلنَّهْيِ عَنْهُ، رَوَاهُ الصَّدُوقُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، (وَعَقِيبَ الِاحْتِلَامِ قَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ) قَالَ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: { يُكْرَهُ أَنْ يَغْشَي الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ و قد احْتَلَمَ حَتَّي يَغْتَسِلَ مِنْ احْتِلَامِهِ الَّذِي رَأَي، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَ خَرَجَ الْوَلَدُ مَجْنُونًا فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ }.

وَلَا تُكْرَهُ مُعَاوَدَةُ الْجِمَاعِ بِغَيْرِ غُسْلٍ لِلْأَصْلِ.

(وَ الْجِمَاعُ عِنْدَ نَاظِرٍ إلَيْهِ) بِحَيْثُ لَا يَرَي الْعَوْرَةَ

، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: { وَ اَلَّذِي نَفْسِي

بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا غَشِيَ امْرَأَتَهُ وَ فِي الْبَيْتِ مُسْتَيْقِظٌ يَرَاهُمَا وَ يَسْمَعُ كَلَامَهُمَا وَ نَفَسَهُمَا مَا أَفْلَحَ أَبَدًا، إنْ كَانَ غُلَامًا كَانَ زَانِيًا وَ إِنْ كَانَتْ جَارِيَةً كَانَتْ زَانِيَةً } وَ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

لَا يُجَامِعْ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَ لَا جَارِيَتَهُ وَ فِي الْبَيْتِ صَبِيٌّ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُورِثُ الزِّنَا ".

وَهَلْ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ مُمَيِّزًا وَجْهٌ يُشْعِرُ بِهِ الْخَبَرُ الْأَوَّلُ وَ أَمَّا الثَّانِي: فَمُطْلَقٌ. (وَ النَّظَرُ إلَي الْفَرْجِ حَالَ الْجِمَاعِ) وَ غَيْرِهِ وَ حَالَ الْجِمَاعِ أَشَدُّ كَرَاهَةً وَ إِلَي بَاطِنِ الْفَرْجِ أَقْوَي شِدَّةً وَ حَرَّمَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ يُورِثُ الْعَمَي فِي الْوَلَدِ. (وَ الْجِمَاعُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَ مُسْتَدْبَرَهَا) لِلنَّهْيِ عَنْهُ (وَ الْكَلَامُ) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (عِنْدَ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ إلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَي) قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " اتَّقُوا الْكَلَامَ عِنْدَ مُلْتَقَي الْخِتَانَيْنِ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْخَرَسَ " وَ مِنْ الرَّجُلِ آكَدُ { فَفِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: يَا عَلِيُّ لَا تَتَكَلَّمْ عِنْدَ الْجِمَاعِ كَثِيرًا، فَإِنَّهُ إنْ قُضِيَ بَيْنَكُمَا وَلَدٌ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ أَخْرَسَ } (وَلَيْلَةَ الْخُسُوفِ وَ يَوْمَ الْكُسُوفِ و عند هُبُوبِ الرِّيحِ الصَّفْرَاءِ، أَوْ السَّوْدَاءِ، أَوْ الزَّلْزَلَةِ) فَعَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قال:

" وَ اَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِالنُّبُوَّةِ وَ اخْتَصَّهُ بِالرِّسَالَةِ وَ اصْطَفَاهُ بِالْكَرَامَةِ، لَا يُجَامِعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ فِي وَقْتٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَيُرْزَقُ ذُرِّيَّةً فَيَرَي فِيهَا قُرَّةَ عَيْنٍ ".

(وَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ إلَّا - شَهْرَ رَمَضَانَ وَ نِصْفَهُ)

عَطْفٌ عَلَي أَوَّلَ، لَا عَلَي الْمُسْتَثْنَي، فَفِي الْوَصِيَّةِ {: يَا عَلِيُّ لَا تُجَامِعْ امْرَأَتَك فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَ وَسَطِهِ وَ آخِرِهِ، فَإِنَّ الْجُنُونَ وَ الْجُذَامَ وَ الْخَبَلَ يُسْرِعُ إلَيْهَا وَ

إِلَي وَلَدِهَا }.

وَ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُجَامِعَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مَنْ الشَّهْرِ وَ فِي وَسَطِهِ وَ فِي آخِرِهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ خَرَجَ الْوَلَدُ مَجْنُونًا، أَلَا تَرَي أَنَّ الْمَجْنُونَ أَكْثَرُ مَا يُصْرَعُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَ وَسَطِهِ وَ آخِرِهِ.

وَرَوَي الصَّدُوقُ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قال:

يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَي نِسَائِكُمْ } (وَ فِي السَّفَرِ مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ عَنْ الْكَاظِمِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُسْتَثْنِيًا مِنْهُ خَوْفَهُ عَلَي نَفْسِهِ. (وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَي وَجْهِ امْرَأَةٍ يُرِيدُ نِكَاحَهَا) وَ إِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهَا، بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ النَّظَرُ لِيَرْتَفِعَ عَنْهُ الْغَرَرُ، فَإِنَّهُ مُسْتَامٌ يَأْخُذُ بِأَغْلَي ثَمَنٍ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ، (وَيَخْتَصُّ الْجَوَازُ بِالْوَجْهِ وَ الْكَفَّيْنِ): ظَاهِرِهِمَا وَ بَاطِنِهِمَا إلَي الزَّنْدَيْنِ، (وَيَنْظُرُهَا قَائِمَةً وَ مَاشِيَةً) وَ كَذَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ نَظَرُهُ كَذَلِكَ (وَرَوَي) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ مُرْسَلًا عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (جَوَازَ النَّظَرِ إلَي شَعْرِهَا وَ مَحَاسِنِهَا) وَ هِيَ مَوَاضِعُ الزِّينَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَلَذِّذًا وَ هِيَ مَرْدُودَةٌ بِالْإِرْسَالِ وَ غَيْرِهِ.

وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِصَلَاحِيَّتِهَا لِلتَّزْوِيجِ بِخُلُوِّهَا مِنْ الْبَعْلِ وَ الْعِدَّةِ وَ التَّحْرِيمِ وَ تَجْوِيزِ إجَابَتِهَا وَ مُبَاشَرَةِ الْمُرِيدِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ وَ إِنْ كَانَ أَعْمَي وَ أَنْ لَا يَكُونَ بِرِيبَةٍ وَ لَا تَلَذُّذٍ وَ شَرَطَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَسْتَفِيدَ بِالنَّظَرِ فَائِدَةً، فَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِحَالِهَا قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ وَ هُوَ حَسَنٌ، لَكِنَّ النَّصَّ مُطْلَقٌ وَ أَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ عَلَي النَّظَرِ إرَادَةَ التَّزْوِيجِ، دُونَ الْعَكْسِ.

وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ قَصْدُ التَّزْوِيجِ قَبْلَ النَّظَرِ كَيْفَ كَانَ الْبَاعِثُ (وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَي وَجْهِ الْأَمَةِ) أَيْ: أَمَةِ الْغَيْرِ، (وَيَدَيْهَا) وَ كَذَا (الذِّمِّيَّةُ) وَ غَيْرُهَا مِنْ

الْكُفَّارِ بِطَرِيقِ أَوْلَي، (لَا لِشَهْوَةٍ) قَيْدٌ فِيهِمَا (وَ) يَجُوزُ (أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَي مِثْلِهِ) مَا عَدَا الْعَوْرَتَيْنِ (وَ إِنْ كَانَ) الْمَنْظُورُ (شَابًّا حَسَنَ الصُّورَةِ، لَا لِرِيبَةٍ) وَ هُوَ خَوْفُ الْفِتْنَةِ، (وَ لَا تَلَذُّذٍ).

وَكَذَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إلَي مِثْلِهَا كَذَلِكَ، (وَ النَّظَرُ إلَي جَسَدِ الزَّوْجَةِ بَاطِنًا وَ ظَاهِرًا) وَ كَذَا أَمَتُهُ غَيْرُ الْمُزَوَّجَةِ وَ الْمُعْتَدَّةِ وَ بِالْعَكْسِ وَ يُكْرَهُ إلَي الْعَوْرَةِ فِيهِمَا، (وَ إِلَي الْمَحَارِمِ) وَ هُوَ مَنْ يَحْرُمُ نِكَاحُهُنَّ مُؤَبَّدًا بِنَسَبٍ، أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ (خَلَا الْعَوْرَةِ) وَ هِيَ هُنَا الْقُبُلُ وَ الدُّبُرُ.

وَقِيلَ: تَخْتَصُّ الْإِبَاحَةُ بِالْمَحَاسِنِ جَمْعًا بَيْنَ قَوْله تَعَالَي: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } وقَوْله تَعَالَي: { وَ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } إلَي آخِرِهِ. (وَ لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَي) الْمَرْأَةِ (الْأَجْنَبِيَّةِ) وَ هِيَ غَيْرُ الْمَحْرَمِ وَ الزَّوْجَةِ وَ الْأَمَةِ (إلَّا مَرَّةً) وَاحِدَةً (مِنْ غَيْرِ مُعَاوَدَةٍ) فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ عُرْفًا، (إلَّا لِضَرُورَةٍ كَالْمُعَامَلَةِ وَ الشَّهَادَةِ) عَلَيْهَا إذَا دُعِيَ إلَيْهَا؛ أَوْ لِتَحْقِيقِ الْوَطْءِ فِي الزِّنَا وَ إِنْ لَمْ يُدْعَ، (وَ الْعِلَاجِ) مِنْ الطَّبِيبِ وَ شِبْهِهِ، (وَ كَذَا يَحْرُمُ عَلَي الْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إلَي الْأَجْنَبِيِّ، أَوْ تَسْمَعَ صَوْتَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَالْمُعَامَلَةِ وَ الطِّبِّ (وَ إِنْ كَانَ) الرَّجُلُ (أَعْمَي)؛ لِتَنَاوُلِ النَّهْيِ لَهُ، { وَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ وَ مَيْمُونَةَ لَمَّا أَمَرَهُمَا بِالِاحْتِجَابِ مِنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَ قَوْلِهِمَا إنَّهُ أَعْمَي: أَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ }.

(وَ فِي جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَي الْخَصِيِّ

الْمَمْلُوكِ لَهَا، أَوْ بِالْعَكْسِ خِلَافٌ) مَنْشَؤُهُ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَي: { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } الْمُتَنَاوِلُ بِعُمُومِهِ لِمَوْضِعِ النِّزَاعِ.

وَمَا قِيلَ مِنْ اخْتِصَاصِهِ بِالْإِمَاءِ جَمْعًا بَيْنَهُ و بين الْأَمْرِ بِغَضِّ الْبَصَرِ وَ حِفْظِ الْفَرْجِ مُطْلَقًا وَ لَا يَرِدُ دُخُولُهُنَّ فِي

نِسَائِهِنَّ؛ لِاخْتِصَاصِهِنَّ بِالْمُسْلِمَاتِ وَ عُمُومِ مِلْكِ الْيَمِينِ لِلْكَافِرَاتِ وَ لَا يَخْفَي أَنَّ هَذَا كُلَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ لِلتَّخْصِيصِ ظَاهِرًا. (وَيَجُوزُ اسْتِمْتَاعُ الزَّوْجِ بِمَا شَاءَ مِنْ الزَّوْجَةِ، إلَّا الْقُبُلَ فِي الْحَيْضِ وَ النِّفَاسِ) وَ هُوَ مَوْضِعُ وِفَاقٍ إلَّا مَنْ شَذَّ مِنْ الْأَصْحَابِ حَيْثُ حَرَّمَ النَّظَرَ إلَي الْفَرْجِ وَ الْأَخْبَارُ نَاطِقَةٌ بِالْجَوَازِ وَ كَذَا الْقَوْلُ فِي الْأَمَةِ (وَ الْوَطْءُ فِي دُبُرِهَا مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً مُغَلَّظَةً) مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ عَلَي أَشْهَرِ الْقَوْلَيْنِ وَ الرِّوَايَتَيْنِ وَ ظَاهِرِ آيَةِ الْحَرْثِ (وَ فِي رِوَايَةِ) سُدَيْرٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (يَحْرُمُ)؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ قال:

{ مَحَاشُّ النِّسَاءِ عَلَي أُمَّتِي حَرَامٌ } وَ هُوَ مَعَ سَلَامَةِ سَنَدِهِ مَحْمُولٌ عَلَي شِدَّةِ الْكَرَاهَةِ، جَمْعًا بَيْنَهُ و بين صَحِيحَةِ ابْنُ أَبِي يَعْفُورٍ الدَّالَّةِ عَلَي الْجَوَازِ صَرِيحًا وَ الْمَحَاشُّ جَمْعُ مُحَشَّةٍ وَ هُوَ الدُّبُرُ وَ يُقَالُ أَيْضًا بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ كُنِّيَ بِالْمَحَاشِّ عَنْ الْأَدْبَارِ، كَمَا كُنِّيَ بِالْحُشُوشِ عَنْ مَوَاضِعِ الْغَائِطِ، فَإِنَّ أَصْلَهَا الْحَشُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَ هُوَ الْكَنِيفُ وَ أَصْلُهُ الْبُسْتَانُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا كَثِيرًا مَا يَتَغَوَّطُونَ فِي الْبَسَاتِينِ، كَذَا فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ. (وَ لَا يَجُوزُ الْعَزْلُ عَنْ الْحُرَّةِ بِغَيْرِ شَرْطِ) ذَلِكَ حَالَ الْعَقْدِ؛ لِمُنَافَاتِهِ لِحِكْمَةِ النِّكَاحِ وَ هِيَ الِاسْتِيلَادُ فَيَكُونُ مُنَافِيًا لِغَرَضِ الشَّارِعِ.

وَالْأَشْهَرُ الْكَرَاهَةُ؛ لِصَحِيحَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الْعَزْلِ فَقال:

" أَمَّا الْأَمَةُ فَلَا بَأْسَ وَ أَمَّا الْحُرَّةُ فَإِنِّي أَكْرَهُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهَا حِينَ يَتَزَوَّجُهَا " وَ الْكَرَاهَةُ ظَاهِرَةٌ فِي الْمَرْجُوحِ الَّذِي لَا يَمْنَعُ مِنْ النَّقِيضِ، بَلْ حَقِيقَةٌ فِيهِ، فَلَا تَصْلُحُ حُجَّةً لِلْمَنْعِ مِنْ حَيْثُ إطْلَاقُهَا عَلَي التَّحْرِيمِ فِي بَعْضِ مَوَارِدِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَي وَجْهِ الْمَجَازِ وَ عَلَي تَقْدِيرِ

الْحَقِيقَةِ فَاشْتِرَاكُهَا يَمْنَعُ مِنْ دَلَالَةِ التَّحْرِيمِ فَيَرْجِعُ إلَي أَصْلِ الْإِبَاحَةِ.

وَحَيْثُ يُحْكَمُ بِالتَّحْرِيمِ (فَيَجِبُ دِيَةُ النُّطْفَةِ لَهَا) أَيْ: لِلْمَرْأَةِ خَاصَّةً (عَشَرَةُ دَنَانِيرَ) وَ لَوْ كَرِهْنَاهُ فَهِيَ عَلَي الِاسْتِحْبَابِ وَ احْتَرَزَ بِالْحُرَّةِ عَنْ الْأَمَةِ فَلَا يَحْرُمُ الْعَزْلُ عَنْهَا إجْمَاعًا وَ إِنْ كَانَتْ زَوْجَةً.

وَيُشْتَرَطُ فِي الْحُرَّةِ الدَّوَامُ، فَلَا تَحْرِيمَ فِي الْمُتْعَةِ وَ عَدَمُ الْإِذْنِ فَلَوْ أَذِنَتْ انْتَفَي أَيْضًا وَ كَذَا يُكْرَهُ لَهَا الْعَزْلُ بِدُونِ إذْنِهِ وَ هَلْ يَحْرُمُ لَوْ قُلْنَا بِهِ فِيهِ مُقْتَضَي الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ ذَلِكَ وَ الْأَخْبَارُ خَالِيَةٌ عَنْهُ وَ مِثْلُهُ الْقَوْلُ فِي دِيَةِ النُّطْفَةِ لَهُ.

(وَ لَا يَجُوزُ تَرْكُ وَطْءِ الزَّوْجَةِ أَكْثَرَ مَنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ)

وَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْوُجُوبِ مُسَمَّاهُ وَ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ وَ لَا يُشْتَرَطُ الْإِنْزَالُ وَ لَا يَكْفِي الدُّبُرُ، (وَ) كَذَا (لَا يَجُوزُ) الدُّخُولُ (قَبْلَ) إكْمَالِهَا (تِسْعَ) سِنِينَ هِلَالِيَّةً (فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ مُؤَبَّدًا لَوْ أَفْضَاهَا) بِالْوَطْءِ بِأَنْ صَيَّرَ مَسْلَكَ الْبَوْلِ وَ الْحَيْضِ وَاحِدًا، أَوْ مَسْلَكَ الْحَيْضِ وَ الْغَائِطِ.

وَهَلْ تَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ حِبَالَتِهِ؟ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا الْعَدَمُ وَ عَلَي الْقَوْلَيْنِ يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا حَتَّي يَمُوتَ أَحَدُهُمَا وَ عَلَي مَا اخْتَرْنَاهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أُخْتُهَا وَ الْخَامِسَةُ وَ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا فِي الدُّبُرِ وَ الِاسْتِمْتَاعُ بِغَيْرِ الْوَطْءِ؟ وَجْهَانِ أَجْوَدُهُمَا ذَلِكَ.

وَ يَجُوزُ لَهُ طَلَاقُهَا وَ لَا تَسْقُطُ بِهِ النَّفَقَةُ وَ إِنْ كَانَ بَائِنًا وَ لَوْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ، فَفِي سُقُوطِهَا وَجْهَانِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا الثَّانِي بَائِنًا عَادَتْ وَ كَذَا لَوْ تَعَذَّرَ إنْفَاقُهُ عَلَيْهَا؛ لِغَيْبَةٍ أَوْ فَقْرٍ مَعَ احْتِمَالِ و جوبهَا عَلَي الْمُفْضِي مُطْلَقًا؛ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَ لَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الدَّائِمِ وَ الْمُتَمَتِّعِ بِهَا.

وَهَلْ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ؟ قَوْلَانِ أَقْرَبُهُمَا ذَلِكَ فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ، دُونَ النَّفَقَةِ.

وَفِي الْأَمَةِ الْوَجْهَانِ وَ أَوْلَي بِالتَّحْرِيمِ.

وَيَقْوَي الْإِشْكَالُ فِي الْإِنْفَاقِ لَوْ أَعْتَقَهَا.

وَلَوْ أَفْضَي الزَّوْجَةَ بَعْدَ التِّسْعِ فَفِي

تَحْرِيمِهَا وَجْهَانِ: أَجْوَدُهُمَا: الْعَدَمُ وَ أَوْلَي بِالْعَدَمِ إفْضَاءُ الْأَجْنَبِيِّ كَذَلِكَ.

وَفِي تَعَدِّي الْحُكْمِ إلَي الْإِفْضَاءِ بِغَيْرِ الْوَطْءِ وَجْهَانِ: أَجْوَدُهُمَا: الْعَدَمُ وُقُوفًا فِيمَا خَالَفَ الْأَصْلَ عَلَي مَوْرِدِ النَّصِّ وَ إِنْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي الْجَمِيعِ. (وَيُكْرَهُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَطْرُقَ أَهْلَهُ) أَيْ: يَدْخُلَ إلَيْهِمْ مِنْ سَفَرِهِ (لَيْلًا) وَ قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِعَدَمِ إعْلَامِهِمْ بِالْحَالِ وَ إِلَّا لَمْ يُكْرَهْ وَ النَّصُّ مُطْلَقٌ، رَوَي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سِنَانٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قال:

" يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ أَنْ يَطْرُقَ أَهْلَهُ لَيْلًا حَتَّي يُصْبِحَ ".

وَفِي تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِمَجْمُوعِ اللَّيْلِ، أَوْ اخْتِصَاصِهِ بِمَا بَعْدَ الْمَبِيتِ وَ غَلْقِ الْأَبْوَابِ نَظَرٌ، مَنْشَؤُهُ دَلَالَةُ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَي الْأَمْرَيْنِ.

فَفِي " الصِّحَاحِ ": أَتَانَا فُلَانٌ طُرُوقًا إذَا جَاءَ بِلَيْلٍ.

وَهُوَ شَامِلٌ لِجَمِيعِهِ.

وَفِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ " قِيلَ: أَصْلُ الطُّرُوقِ مِنْ الطَّرْقِ وَ هُوَ الدَّقُّ وَ سُمِّيَ الْآتِي بِاللَّيْلِ طَارِقًا؛ لِاحْتِيَاجِهِ إلَي دَقِّ الْبَابِ " وَ هُوَ مُشْعِرٌ بِالثَّانِي وَ لَعَلَّهُ أَجْوَدُ.

وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِ الْأَهْلِ زَوْجَةً وَ غَيْرَهَا عَمَلًا بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ وَ إِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا آكَدَ وَ هُوَ بِبَابِ النِّكَاحِ أَنْسَبُ.

الْفَصْلُ الثَّانِي - فِي الْعَقْدِ

اشارة

الْفَصْلُ الثَّانِي - فِي الْعَقْدِ

وَيُعْتَبَرُ اشْتِمَالُهُ عَلَي الْإِيجَابِ وَ الْقَبُولِ اللَّفْظِيَّيْنِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ (فَالْإِيجَابُ زَوَّجْتُك وَ أَنْكَحْتُكَ وَ مَتَّعْتُك لَا غَيْرُ)، أَمَّا الْأَوَّلَانِ: فَمَوْضِعُ وِفَاقٍ و قد وَرَدَ بِهِمَا الْقُرْآنُ فِي قَوْله تَعَالَي: { زَوَّجْنَاكَهَا } { وَ لَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ }.

وَأَمَّا الْأَخِيرُ: فَاكْتَفَي بِهِ الْمُصَنِّفُ وَ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَلْفَاظِ النِّكَاحِ؛ لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي الْمُنْقَطِعِ وَ إِنْ تَوَقَّفَ مَعَهُ عَلَي الْأَجَلِ، كَمَا لَوْ عَبَّرَ بِأَحَدِهِمَا فِيهِ وَ مَيَّزَهُ بِهِ، فَأَصْلُ اللَّفْظِ صَالِحٌ لِلنَّوْعَيْنِ، فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا وَ يَتَمَيَّزَانِ بِذِكْرِ الْأَجَلِ وَ عَدَمِهِ؛ وَ

لِحُكْمِ الْأَصْحَابِ تَبَعًا لِلرِّوَايَةِ بِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ مُتْعَةً وَ نَسِيَ ذِكْرَ الْأَجَلِ انْقَلَبَ دَائِمًا وَ ذَلِكَ فَرْعُ صَلَاحِيَّةِ الصِّيغَةِ لَهُ وَ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَي الْمَنْعِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمُنْقَطِعِ شَرْعًا فَيَكُونُ مَجَازًا فِي الدَّائِمِ، حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَ لَا يَكْفِي مَا يَدُلُّ بِالْمَجَازِ حَذَرًا مِنْ عَدَمِ الِانْحِصَارِ وَ الْقَوْلُ الْمَحْكِيُّ مَمْنُوعٌ وَ الرِّوَايَةُ مَرْدُودَةٌ بِمَا سَيَأْتِي وَ هَذَا أَوْلَي.

(وَ الْقَبُولُ: قَبِلْتُ التَّزْوِيجَ وَ النِّكَاحَ، أَوْ تَزَوَّجْتُ أَوْ قَبِلْتُ، مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ الْمَفْعُولَ (كِلَاهُمَا) أَيْ: الْإِيجَابَ وَ الْقَبُولَ (بِلَفْظِ الْمُضِيِّ) فَلَا يَكْفِي قوله:

أَتَزَوَّجُكِ بِلَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ مُنْشِئًا عَلَي الْأَقْوَي، وُقُوفًا عَلَي مَوْضِعِ الْيَقِينِ وَ مَا رُوِيَ مِنْ جَوَازِ مِثْلِهِ فِي الْمُتْعَةِ لَيْسَ صَرِيحًا فِيهِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ الْقَوَاعِدَ.

(وَ لَا يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ الْإِيجَابِ) عَلَي الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُوَ الْإِيجَابُ وَ الْقَبُولُ.

وَالتَّرْتِيبُ كَيْفَ اتَّفَقَ غَيْرُ مُخِلٍّ بِالْمَقْصُودِ.

وَيَزِيدُ النِّكَاحُ عَلَي غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ: أَنَّ الْإِيجَابَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَ هِيَ تَسْتَحِي غَالِبًا مِنْ الِابْتِدَاءِ بِهِ فَاغْتُفِرَ هُنَا وَ إِنْ خُولِفَ فِي غَيْرِهِ وَ مِنْ ثَمَّ ادَّعَي بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَي جَوَازِ تَقْدِيمِ الْقَبُولِ هُنَا، مَعَ احْتِمَالِ عَدَمِ الصِّحَّةِ كَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْإِيجَابِ فَمَتَي وُجِدَ قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ قَبُولًا وَ حَيْثُ يَتَقَدَّمُ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ بِغَيْرِ لَفْظِ قَبِلْتُ، كَتَزَوَّجْتُ وَ نَكَحْتُ وَ هُوَ حِينَئِذٍ فِي مَعْنَي الْإِيجَابِ.

(وَ) كَذَا (لَا) يُشْتَرَطُ (الْقَبُولُ بِلَفْظِهِ) أَيْ: بِلَفْظِ الْإِيجَابِ، بِأَنْ يقول:

زَوَّجْتُكَ.

فَيقول:

قَبِلْتُ التَّزْوِيجَ، أَوْ أَنْكَحْتُكَ.

فَيقول:

قَبِلْتُ النِّكَاحَ، (فَلَوْ قال:

زَوَّجْتُكَ فَقال:

قَبِلْتُ النِّكَاحَ صَحَّ)؛ لِصَرَاحَةِ اللَّفْظِ وَ اشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَي الْمَعْنَي. (وَ لَا يَجُوزُ) الْعَقْدُ إيجَابًا وَ قَبُولًا (بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، بَلْ أَوْلَي.

وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ

اللُّغَاتِ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَرَادِفِ يَصِحُّ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ؛ وَ لِأَنَّ الْغَرَضَ إيصَالُ الْمَعَانِي الْمَقْصُودَةِ إلَي فَهْمِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَيَتَأَدَّي بِأَيِّ لَفْظٍ اُتُّفِقَ وَ هُمَا مَمْنُوعَانِ.

وَاعْتَبَرَ ثَالِثٌ: كَوْنَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ الصَّحِيحَةِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِالْمَلْحُونِ وَ الْمُحَرَّفِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَي الصَّحِيحِ؛ نَظَرًا إلَي الْوَاقِعِ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَ لَا رَيْبَ أَنَّهُ أَوْلَي وَ يَسْقُطُ مَعَ الْعَجْزِ عَنْهُ.

وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْمَشَقَّةَ الْكَثِيرَةَ فِي التَّعَلُّمِ، أَوْ فَوَاتَ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ الْمَقْصُودَةِ وَ لَوْ عَجَزَ أَحَدُهُمَا اخْتَصَّ بِالرُّخْصَةِ وَ نَطَقَ الْقَادِرُ بِالْعَرَبِيَّةِ بِشَرْطِ أَنْ يَفْهَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَلَامَ الْآخَرِ وَ لَوْ بِمُتَرْجِمَيْنِ عَدْلَيْنِ وَ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدِ وَجْهٌ وَ لَا يَجِبُ عَلَي الْعَاجِزِ التَّوْكِيلُ وَ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ؛ لِلْأَصْلِ.

(وَ الْأَخْرَسُ) يَعْقِدُ إيجَابًا وَ قَبُولًا (بِالْإِشَارَةِ) الْمُفْهِمَةِ لِلْمُرَادِ. (وَيُعْتَبَرُ فِي الْعَاقِدِ الْكَمَالُ، فَالسَّكْرَانُ بَاطِلٌ عَقْدُهُ وَ لَوْ أَجَازَ بَعْدَهُ) وَ اخْتَصَّهُ بِالذِّكْرِ تَنْبِيهًا عَلَي رَدِّ مَا رُوِيَ مِنْ " أَنَّ السَّكْرَي لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ أَفَاقَتْ فَرَضِيَتْ، أَوْ دَخَلَ بِهَا فَأَفَاقَتْ وَ أَقَرَّتْهُ كَانَ مَاضِيًا " وَ الرِّوَايَةُ صَحِيحَةٌ، إلَّا أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ فَاطَّرَحَهَا الْأَصْحَابُ، إلَّا الشَّيْخُ فِي النِّهَايَةِ (وَيَجُوزُ تَوَلِّي الْمَرْأَةِ الْعَقْدَ عَنْهَا وَ عَنْ غَيْرِهَا إيجَابًا وَ قَبُولًا) بِغَيْرِ خِلَافٍ عِنْدَنَا وَ إِنَّمَا نَبَّهَ عَلَي خِلَافِ بَعْضِ الْعَامَّةِ الْمَانِعِ مِنْهُ. (وَ لَا يُشْتَرَطُ الشَّاهِدَانِ) فِي النِّكَاحِ الدَّائِمِ مُطْلَقًا (وَ لَا الْوَلِيُّ فِي نِكَاحِ الرَّشِيدَةِ وَ إِنْ كَانَ أَفْضَلَ) عَلَي الْأَشْهَرِ؛ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي عَقِيلٍ حَيْثُ اشْتَرَطَهُمَا فِيهِ اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ تَصْلُحُ سَنَدًا لِلِاسْتِحْبَابِ، لَا لِلشَّرْطِيَّةِ. (وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزَّوْجَةِ وَ الزَّوْجِ) بِالْإِشَارَةِ أَوْ بِالِاسْمِ، أَوْ الْوَصْفِ الرَّافِعَيْنِ لِلِاشْتِرَاكِ، (فَلَوْ كَانَ لَهُ بَنَاتٌ وَ زَوَّجَهُ وَاحِدَةً وَ لَمْ يُسَمِّهَا فَإِنْ أَبْهَمَ وَ لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا فِي نَفْسِهِ بَطَلَ) الْعَقْدُ؛ لِامْتِنَاعِ اسْتِحْقَاقِ

الِاسْتِمْتَاعِ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، (وَ إِنْ عَيَّنَ) فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَهَا لَفْظًا (فَاخْتَلَفَا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا حَلَفَ الْأَبُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ رَآهُنَّ وَ إِلَّا بَطَلَ الْعَقْدُ).

وَمُسْتَنَدُ الْحُكْمِ رِوَايَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَ فِيهَا عَلَي تَقْدِيرِ قَبُولِ قَوْلِ الْأَبِ أَنَّ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ و بين اللَّهِ تَعَالَي أَنْ يَدْفَعَ إلَي الزَّوْجِ الْجَارِيَةَ الَّتِي نَوَي أَنْ يُزَوِّجَهَا إيَّاهُ عِنْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ وَ يُشْكِلُ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُسَمِّ لِلزَّوْجِ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ قال:

فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ سَوَاءٌ رَآهُنَّ أَمْ لَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ وَ أَنَّ رُؤْيَةَ الزَّوْجَةِ غَيْرُ شَرْطٍ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ، فَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الصِّحَّةِ وَ الْبُطْلَانِ.

وَنَزَّلَهَا الْفَاضِلَانِ عَلَي أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ قَدْ رَآهُنَّ فَقَدْ رَضِيَ بِمَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ الْأَبُ مِنْهُنَّ وَ وَكَّلَ الْأَمْرَ إلَيْهِ فَكَانَ كَوَكِيلِهِ و قد نَوَي الْأَبُ وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً فَصَرَفَ الْعَقْدَ إلَيْهَا وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ رَآهُنَّ بَطَلَ؛ لِعَدَمِ رِضَاءِ الزَّوْجِ بِمَا يُسَمِّيهِ الْأَبُ.

وَيُشْكِلُ بِأَنَّ رُؤْيَتَهُ لَهُنَّ أَعَمُّ مِنْ تَفْوِيضِ التَّعْيِينِ إلَي الْأَبِ وَ عَدَمُهَا أَعَمُّ مِنْ عَدَمِهِ وَ الرِّوَايَةُ مُطْلَقَةٌ وَ الرُّؤْيَةُ غَيْرُ شَرْطٍ فِي الصِّحَّةِ فَتَخْصِيصُهَا بِمَا ذَكَرَ وَ الْحُكْمُ بِهِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فَالْعَمَلُ بِإِطْلَاقِ الرِّوَايَةِ كَمَا صَنَعَ جَمَاعَةٌ، أَوْ رَدُّهَا مُطْلَقًا نَظَرًا إلَي مُخَالَفَتِهَا لِأُصُولِ الْمَذْهَبِ كَمَا صَنَعَ ابْنُ إدْرِيسَ وَ هُوَ الْأَوْلَي أَوْلَي وَ لَوْ فُرِضَ تَفْوِيضُهُ إلَيْهِ التَّعْيِينَ يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَ قَبُولِ قَوْلِ الْأَبِ مُطْلَقًا؛ نَظَرًا إلَي أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي فِعْلِهِ وَ أَنَّ نَظَرَ الزَّوْجَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ وَ إِنْ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ التَّعْيِينَ بَطَلَ مُطْلَقًا. (وَ لَا وِلَايَةَ فِي النِّكَاحِ لِغَيْرِ الْأَبِ وَ الْجَدِّ لَهُ) وَ إِنْ عَلَا، (وَ الْمَوْلَي وَ الْحَاكِمُ وَ الْوَصِيُّ) لِأَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ (فَوِلَايَةُ الْقَرَابَةِ) لِلْأَوَّلَيْنِ ثَابِتَةٌ

(عَلَي الصَّغِيرَةِ وَ الْمَجْنُونَةِ وَ الْبَالِغَةِ سَفِيهَةً وَ كَذَا الذَّكَرُ) الْمُتَّصِفُ بِأَحَدِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ (لَا عَلَي) الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ (الرَّشِيدَةِ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِلْآيَةِ وَ الْأَخْبَارِ؛ وَ الْأَصْلِ.

وَمَا وَرَدَ مِنْ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَي أَنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ مَحْمُولَةٌ عَلَي كَرَاهَةِ الِاسْتِبْدَادِ جَمْعًا، إذْ لَوْ عُمِلَ بِهَا لَزِمَ إطْرَاحُ مَا دَلَّ عَلَي انْتِفَاءِ الْوِلَايَةِ وَ مِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِالتَّشْرِيكِ بَيْنَهُمَا فِي الْوِلَايَةِ وَ مِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بِحَمْلِ إحْدَاهُمَا عَلَي الْمُتْعَةِ وَ الْأُخْرَي عَلَي الدَّوَامِ وَ هُوَ تَحَكُّمٌ. (وَ لَوْ عَضَلَهَا) الْوَلِيُّ وَ هُوَ أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا بِالْكُفُؤِ مَعَ وُجُودِهِ وَ رَغْبَتِهَا (فَلَا بَحْثَ فِي سُقُوطِ وِلَايَتِهِ) و جواز اسْتِقْلَالِهَا بِهِ وَ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ كَوْنِ النِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَ غَيْرِهِ وَ لَوْ مَنَعَ مِنْ غَيْرِ الْكُفُؤِ لَمْ يَكُنْ عَضْلًا. (وَلِلْمَوْلَي تَزْوِيجُ رَقِيقِهِ ذَكَرًا) كَانَ أَمْ (أُنْثَي) رَشِيدًا كَانَ أَمْ غَيْرَ رَشِيدٍ وَ لَا خِيَارَ لَهُ مَعَهُ وَ لَهُ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَ لَوْ تَحَرَّرَ بَعْضُهُ لَمْ يَمْلِكْ إجْبَارَهُ حِينَئِذٍ، كَمَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ. (وَ الْحَاكِمُ وَ الْوَصِيُّ يُزَوِّجَانِ مَنْ بَلَغَ فَاسِدَ الْعَقْلِ)، أَوْ سَفِيهًا (مَعَ كَوْنِ النِّكَاحِ صَلَاحًا لَهُ وَ خُلُوِّهِ مِنْ الْأَبِ وَ الْجَدِّ لَهُ) وَ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَي الصَّغِيرِ مُطْلَقًا فِي الْمَشْهُورِ وَ لَا عَلَي مَنْ بَلَغَ رَشِيدًا وَ يَزِيدُ الْحَاكِمُ الْوِلَايَةَ عَلَي مَنْ بَلَغَ وَ رَشَدَ ثُمَّ تَجَدَّدَ لَهُ الْجُنُونُ.

وَفِي ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْوَصِيِّ عَلَي الصَّغِيرَيْنِ مَعَ الْمَصْلَحَةِ مُطْلَقًا، أَوْ مَعَ تَصْرِيحِهِ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالنِّكَاحِ أَقْوَالٌ، اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ هُنَا انْتِفَاءَهَا مُطْلَقًا وَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ اخْتَارَ الْجَوَازَ مَعَ التَّنْصِيصِ، أَوْ مُطْلَقًا وَ قَبِلَهُ الْعَلَّامَةُ فِي الْمُخْتَلِفِ وَ هُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْوَصِيِّ مَنُوطَةٌ بِالْغِبْطَةِ و قد تَتَحَقَّقُ فِي

نِكَاحِ الصَّغِيرِ؛ وَ لِعُمُومِ { فَمَنْ بَدَّلَهُ }؛ وَ لِرِوَايَةِ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

" الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الْأَبُ وَ الْأَخُ وَ الرَّجُلُ يُوصَي إلَيْهِ " وَ ذِكْرُ الْأَخِ غَيْرُ مُنَافٍ؛ لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَي كَوْنِهِ وَصِيًّا أَيْضًا؛ وَ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَي ذَلِكَ؛ لِتَعَذُّرِ تَحْصِيلِ الْكُفْءِ حَيْثُ يُرَادُ، خُصُوصًا مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْوِلَايَةِ فِيهِ. وَ هُنَا مَسَائِلُ

الْأُولَي: يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي الصَّدَاقِ

(الْأُولَي: يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي الصَّدَاقِ)

؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ فِي الْعَقْدِ غَيْرُ شَرْطٍ فِي صِحَّتِهِ، فَيَجُوزُ إخْلَاؤُهُ عَنْهُ وَ اشْتِرَاطُ عَدَمِهِ، فَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ غَيْرُ مُنَافٍ لِمُقْتَضَي الْعَقْدِ، فَيَنْدَرِجُ فِي عُمُومِ " الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ "، فَإِنْ فَسَخَهُ ذُو الْخِيَارِ ثَبَتَ مَهْرُ الْمِثْلِ مَعَ الدُّخُولِ وَ لَوْ اتَّفَقَا عَلَي غَيْرِهِ قَبْلَهُ صَحَّ، (وَ لَا يَجُوزُ) اشْتِرَاطُهُ (فِي الْعَقْدِ)؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِضُرُوبِ الْعِبَادَاتِ، لَا الْمُعَاوَضَاتِ (فَيَبْطُلُ) الْعَقْدُ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّرَاضِيَ إنَّمَا وَقَعَ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَ لَمْ يَحْصُلْ.

وَقِيلَ: يَبْطُلُ الشَّرْطُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ شَيْئَانِ فَإِذَا بَطَلَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ.

وَيُضَعَّفُ بِأَنَّ الْوَاقِعَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَ هُوَ الْعَقْدُ عَلَي وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ فَلَا يَتَبَعَّضُ وَ يُمْكِنُ إرَادَةُ الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ الْعِبَارَةِ. (وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي النِّكَاحِ)؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ وَ لَا يَخْتَصُّ غَرَضُ الشَّارِعِ بِإِيقَاعِهِ مِنْ مُبَاشِرٍ مُعَيَّنٍ (فَلْيَقُلْ الْوَلِيُّ) وَلِيُّ الْمَرْأَةِ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ: (زَوَّجْتُ مِنْ مُوَكِّلِك فُلَانٍ وَ لَا يَقُلْ: مِنْك) بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَ نَحْوِهِ مِنْ الْعُقُودِ.

وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ فِي النِّكَاحِ رُكْنَانِ بِمَثَابَةِ الثَّمَنِ وَ الْمُثَمَّنِ فِي الْبَيْعِ وَ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَتِهِمَا فِي الْبَيْعِ، فَكَذَا الزَّوْجَانِ فِي النِّكَاحِ؛ وَ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَرِدُ عَلَي الْمَالِ وَ هُوَ يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ شَخْصٍ إلَي آخَرَ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُخَاطِبَ بِهِ الْوَكِيلَ وَ إِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُوَكِّلَ.

وَالنِّكَاحُ

يَرِدُ عَلَي الْبُضْعِ وَ هُوَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ أَصْلًا، فَلَا يُخَاطِبُ بِهِ الْوَكِيلَ، إلَّا مَعَ ذِكْرِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ ابْتِدَاءً وَ مِنْ ثَمَّ لَوْ قَبِلَ النِّكَاحَ وَكَالَةً عَنْ غَيْرِهِ فَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ الْوَكَالَةَ بَطَلَ وَ لَمْ يَقَعْ لِلْوَكِيلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَقَعُ مَعَ الْإِنْكَارِ لِلْوَكِيلِ؛ وَ لِأَنَّ الْغَرَضَ فِي الْأَمْوَالِ مُتَعَلِّقٌ بِحُصُولِ الْأَعْوَاضِ الْمَالِيَّةِ وَ لَا نَظَرَ غَالِبًا إلَي خُصُوصِ الْأَشْخَاصِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَشْخَاصِ فَيُعْتَبَرُ التَّصْرِيحُ بِالزَّوْجِ؛ وَ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَتَعَلَّقُ بِالْمُخَاطَبِ، دُونَ مَنْ لَهُ الْعَقْدُ وَ النِّكَاحُ بِالْعَكْسِ.

وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قال:

زَوَّجْتُهَا مِنْ زَيْدٍ فَقَبِلَ لَهُ وَكِيلُهُ صَحَّ وَ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَنْكِحَ فَقَبِلَ لَهُ وَكِيلُهُ حَنِثَ وَ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ فَاشْتَرَي لَهُ وَكِيلُهُ لَمْ يَحْنَثْ وَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْوُجُوهِ نَظَرٌ.

(وَلْيَقُلْ) الْوَكِيلُ: (قَبِلْتُ لِفُلَانٍ) كَمَا ذُكِرَ فِي الْإِيجَابِ وَ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَي " قَبِلْتُ " نَاوِيًا مُوَكِّلَهُ فَالْأَقْوَي الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ عِبَارَةٌ عَنْ الرِّضَا بِالْإِيجَابِ السَّابِقِ فَإِذَا وَقَعَ بَعْدَ إيجَابِ النِّكَاحِ لِلْمُوَكِّلِ صَرِيحًا كَانَ الْقَبُولُ الْوَاقِعُ بَعْدَهُ رِضًا بِهِ، فَيَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ.

وَوَجْهُ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِهِ أَنَّ النِّكَاحَ نِسْبَةٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِتَخْصِيصِهِ بِمُعَيَّنٍ كَالْإِيجَابِ.

وَضَعْفُهُ يُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ رِضًا بِالْإِيجَابِ السَّابِقِ اقْتَضَي التَّخْصِيصَ بِمَنْ وَقَعَ لَهُ، (وَ لَا يُزَوِّجُهَا الْوَكِيلُ مَنْ نَفْسِهِ إلَّا إذَا أَذِنَتْ فِيهِ عُمُومًا) كَزَوِّجْنِي مِمَّنْ شِئْتَ، أَوْ وَ لَوْ مِنْ نَفْسِكَ، (أَوْ خُصُوصًا) فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ عَلَي الْأَقْوَي.

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ إطْلَاقِ الْإِذْنِ تَزْوِيجُهَا مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ أَنَّ الْوَكِيلَ غَيْرُ الزَّوْجَيْنِ.

وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّ الْعَامَّ نَاصٌّ عَلَي جُزْئِيَّاتِهِ، بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ و فيه نَظَرٌ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَلِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ مَعَ النَّصِّ وَ مَنْعُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةِ عَمَّارٍ الدَّالَّةِ عَلَي الْمَنْعِ وَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُوجِبًا قَابِلًا مَرْدُودٌ بِضَعْفِ

الرِّوَايَةِ و جواز تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ اكْتِفَاءً بِالْمُغَايَرَةِ الِاعْتِبَارِيَّةِ وَ لَهُ تَزْوِيجُهَا مَعَ الْإِطْلَاقِ مِنْ وَ الِدِهِ وَ وَلَدِهِ وَ إِنْ كَانَ مُوَلًّي عَلَيْهِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَي زَوْجِيَّةَ امْرَأَة(

(الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَي زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ فَصَدَّقَتْهُ حُكِمَ بِالْعَقْدِ ظَاهِرًا

؛ لِانْحِصَارِ الْحَقِّ فِيهِمَا؛ وَ عُمُومِ إقْرَارِ الْعُقَلَاءِ عَلَي أَنْفُسِهِمْ جَائِزٌ (وَتَوَارَثَا) بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ لَوَازِمِ ثُبُوتِهَا وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِمَا غَرِيبَيْنِ، أَوْ بَلَدِيَّيْنِ، (وَ لَوْ اعْتَرَفَ أَحَدُهُمَا) خَاصَّةً (قُضِيَ عَلَيْهِ بِهِ دُونَ صَاحِبِهِ) سَوَاءٌ حَلَفَ الْمُنْكِرُ أَمْ لَا، فَيُمْنَعُ مِنْ التَّزْوِيجِ إنْ كَانَ امْرَأَةً وَ مِنْ أُخْتِهَا وَ أُمِّهَا وَ بِنْتِ أَخَوَيْهَا بِدُونِ إذْنِهَا.

وَيَثْبُتُ عَلَيْهِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْمَهْرِ وَ لَيْسَ لَهَا مُطَالَبَتُهُ بِهِ وَ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوَصُّلُ إلَي تَخْلِيصِ ذِمَّتِهِ إنْ كَانَ صَادِقًا وَ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ التَّمْكِينِ وَ لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً، أَوْ حَلَفَ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ مَعَ نُكُولِ الْآخَرِ تَثْبُتُ الزَّوْجِيَّةُ ظَاهِرًا وَ عَلَيْهِمَا فِيمَا بَيْنَهُمَا و بين اللَّهِ تَعَالَي الْعَمَلُ بِمُقْتَضَي الْوَاقِعِ وَ لَوْ انْتَفَتْ الْبَيِّنَةُ ثَبَتَ عَلَي الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ.

وَهَلْ لَهُ التَّزْوِيجُ الْمُمْتَنَعُ عَلَي تَقْدِيرِ الِاعْتِرَافِ قَبْلَ الْحَلِفِ؟ نَظَرٌ: مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الزَّوْجِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ وَ كَوْنِ تَزْوِيجِهَا يَمْنَعُ مِنْ نُفُوذِ إقْرَارِهَا بِهِ عَلَي تَقْدِيرِ رُجُوعِهَا؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ فِي حَقِّ الزَّوْجِ الثَّانِي.

وَمِنْ عَدَمِ ثُبُوتِهِ وَ هُوَ الْأَقْوَي.

فَيُتَوَجَّهُ الْيَمِينُ مَتَي طَلَبَهُ الْمُدَّعِي، كَمَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْمُنْكِرِ فِي كُلِّ مَا يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ غَيْرُهُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ؛ اسْتِصْحَابًا لِلْحُكْمِ السَّابِقِ الْمَحْكُومِ بِهِ ظَاهِرًا،؛ وَ لِاسْتِلْزَامِ الْمَنْعِ مِنْهُ الْحَرَجَ فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ كَمَا إذَا غَابَ الْمُدَّعِي، أَوْ أَخَّرَ الْإِحْلَافَ.

ثُمَّ إنْ اسْتَمَرَّتْ الزَّوْجَةُ عَلَي الْإِنْكَارِ فَوَاضِحٌ وَ إِنْ رَجَعَتْ إلَي الِاعْتِرَافِ بَعْدَ تَزْوِيجِهَا بِغَيْرِهِ لَمْ يُسْمَعْ بِالنِّسْبَةِ إلَي حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ الثَّابِتَةِ عَلَيْهَا وَ فِي سَمَاعِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَي حُقُوقِهَا قُوَّةٌ إذْ لَا مَانِعَ

مِنْهُ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ جَوَازِ إقْرَارِ الْعُقَلَاءِ عَلَي أَنْفُسِهِمْ وَ عَلَي هَذَا فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا كَانَتْ عَالِمَةً بِالْعَقْدِ حَالَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهَا بِزَعْمِهَا بَغِيٌّ وَ إِنْ ادَّعَتْ الذِّكْرَ بَعْدَهُ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِلشُّبْهَةِ وَ يَرِثُهَا الزَّوْجُ وَ لَا تَرِثُهُ هِيَ.

وَفِي إرْثِ الْأَوَّلِ مِمَّا يَبْقَي مِنْ تَرِكَتِهَا بَعْدَ نَصِيبِ الثَّانِي نَظَرٌ: مِنْ نُفُوذِ الْإِقْرَارِ عَلَي نَفْسِهَا وَ هُوَ غَيْرُ مُنَافٍ وَ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِهَا ظَاهِرًا، مَعَ أَنَّهُ إقْرَارٌ فِي حَقِّ الْوَارِثِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ ادَّعَي زَوْجِيَّةَ امْرَأَة…

(الثَّالِثَةُ: لَوْ ادَّعَي زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ وَ ادَّعَتْ أُخْتُهَا عَلَيْهِ الزَّوْجِيَّةَ حَلَفَ)

عَلَي نَفْيِ زَوْجِيَّةِ الْمُدَّعِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَ دَعْوَاهُ زَوْجِيَّةَ الْأُخْتِ مُتَعَلِّقٌ بِهَا وَ هُوَ أَمْرٌ آخَرُ.

وَيَشْكُلُ تَقْدِيمُ قَوْلِهِ مَعَ دُخُولِهِ بِالْمُدَّعِيَةِ؛ لِلنَّصِّ عَلَي أَنَّ الدُّخُولَ بِهَا مُرَجِّحٌ لَهَا فِيمَا سَيَأْتِي.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُنَا: تَعَارَضَ الْأَصْلُ وَ الظَّاهِرُ فَيُرَجَّحُ الْأَصْلُ وَ خِلَافُهُ خَرَجَ بِالنَّصِّ.

وَهُوَ مَنْفِيٌّ هُنَا.

هَذَا إذَا لَمْ تُقِمْ بَيِّنَةً (فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً فَالْعَقْدُ لَهَا وَ إِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً) وَ لَمْ تُقِمْ هِيَ (فَالْعَقْدُ) عَلَي الْأُخْتِ (لَهُ).

وَيُشْكِلُ أَيْضًا مَعَ مُعَارَضَةِ دُخُولِهِ بِالْمُدَّعِيَةِ؛ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ مُرَجَّحٌ عَلَي الْبَيِّنَةِ و مع ذَلِكَ فَهُوَ مُكَذَّبٌ بِفِعْلِهِ؛ لِبَيِّنَتِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ - كَمَا سَبَقَ -: إنَّ ذَلِكَ عَلَي خِلَافِ الْأَصْلِ وَ يُمْنَعُ كَوْنُهُ تَكْذِيبًا بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ فَيَقْتَصِرُ فِي تَرْجِيحِ الظَّاهِرِ عَلَي الْأَصْلِ عَلَي مَوْرِدِ النَّصِّ.

(فَالْأَقْرَبُ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ عَلَي الْآخَرِ) وَ هُوَ ذُو الْبَيِّنَةِ (فِي الْمَوْضِعَيْنِ) وَ هُمَا: إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فَيَحْلِفُ مَعَهَا وَ إِقَامَتُهَا فَتَحْلِفُ مَعَهَا.

وَلَا يَخْفَي مُنَافَرَةُ لَفْظِ الْآخَرِ لِذَلِكَ.

وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ " الْآخِذُ " بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَ الْمُرَادُ بِهِ آخِذُ الْحَقِّ الْمُدَّعَي بِهِ وَ هُوَ مَنْ حُكِمَ لَهُ بِبَيِّنَتِهِ وَ هُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْآخَرِ فِي الْغَرَابَةِ.

وَإِنَّمَا حُكِمَ بِالْيَمِينِ مَعَ

الْبَيِّنَةِ، (لِجَوَازِ صِدْقِ الْبَيِّنَةِ) الشَّاهِدَةِ لَهَا بِالْعَقْدِ (مَعَ تَقَدُّمِ عَقْدِهِ عَلَي مَنْ ادَّعَاهَا) وَ الْبَيِّنَةُ لَمْ تَطَّلِعْ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْلِيفِهَا لِيَنْتَفِيَ الِاحْتِمَالُ وَ لَيْسَ حَلِفُهَا عَلَي إثْبَاتِ عَقْدِهَا تَأْكِيدًا لِلْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدْفَعُ الِاحْتِمَالَ وَ إِنَّمَا حَلِفُهَا عَلَي نَفْيِ عَقْدِ أُخْتِهَا وَ هَلْ تَحْلِفُ عَلَي الْبَتِّ، أَوْ عَلَي نَفْيِ الْعِلْمِ بِهِ؟ مُقْتَضَي التَّعْلِيلِ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ بِدُونِهِ لَا يَزُولُ الِاحْتِمَالُ.

وَيُشْكِلُ بِجَوَازِ وُقُوعِهِ مَعَ عَدَمِ اطِّلَاعِهَا فَلَا يُمْكِنُهَا الْقَطْعُ بِعَدَمِهِ وَ بِأَنَّ الْيَمِينَ هُنَا تَرْجِعُ إلَي نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ فَيَكْفِي فِيهِ حَلِفُهَا عَلَي نَفْيِ عِلْمِهَا بِوُقُوعِ عَقْدِ أُخْتِهَا سَابِقًا عَلَي عَقْدِهَا، عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ.

(وَ) وَجْهُ حَلِفِهِ مَعَ بَيِّنَتِهِ عَلَي نَفْيِ عَقْدِهِ عَلَي الْمُدَّعِيَةِ: (جَوَازُ صِدْقِ بَيِّنَتِهِ) بِالْعَقْدِ عَلَي الْأُخْتِ (مَعَ تَقَدُّمِ عَقْدِهِ عَلَي مَنْ ادَّعَتْهُ) وَ الْبَيِّنَةُ لَا تُعْلَمُ بِالْحَالِ فَيَحْلِفُ عَلَي نَفْيِهِ؛ لِرَفْعِ الِاحْتِمَالِ.

وَالْحَلِفُ هُنَا عَلَي الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَي نَفْيِ فِعْلِهِ وَ الْيَمِينُ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَ النَّصُّ خَالٍ عَنْهَا فَيُحْتَمَلُ عَدَمُ ثُبُوتِهَا؛ لِذَلِكَ؛ وَ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ، أَوْ الْحَاجَةِ.

(وَ لَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً) فَإِمَّا أَنْ تَكُونَا مُطْلَقَتَيْنِ، أَوْ مُؤَرَّخَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا مُطْلَقَةٌ وَ الْأُخْرَي مُؤَرَّخَةٌ وَ عَلَي تَقْدِيرِ كَوْنِهِمَا مُؤَرَّخَتَيْنِ إمَّا أَنْ يَتَّفِقَ التَّارِيخَانِ، أَوْ يَتَقَدَّمَ تَارِيخُ بَيِّنَتِهِ، أَوْ تَارِيخُ بَيِّنَتِهَا وَ عَلَي التَّقَادِيرِ السِّتَّةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ بِالْمُدَّعِيَةِ أَوْ لَا فَالصُّوَرُ اثْنَتَا عَشْرَةَ مُضَافَةٌ إلَي سِتَّةٍ سَابِقَةٍ وَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ (فَالْحُكْمُ لِبَيِّنَتِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا) أَيْ: مَعَ الْأُخْتِ الْمُدَّعِيَةِ (مُرَجِّحٌ) لِبَيِّنَتِهَا (مِنْ دُخُولٍ) بِهَا، (أَوْ تَقَدُّمِ تَارِيخِ بَيِّنَتِهَا عَلَي تَارِيخِ بَيِّنَتِهِ) حَيْثُ تَكُونَانِ مُؤَرَّخَتَيْنِ فَيُقَدَّمُ قَوْلُهَا فِي سَبْعِ صُوَرٍ مِنْ الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَ هِيَ السِّتَّةُ

الْمُجَامِعَةُ لِلدُّخُولِ، مُطْلَقًا وَ وَاحِدَةٌ مِنْ السِّتَّةِ الْخَالِيَةِ عَنْهُ وَ هِيَ مَا لَوْ تَقَدَّمَ تَارِيخُهَا.

وَقَوْلُهُ فِي الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَ هَلْ يَفْتَقِرُ مَنْ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ بِغَيْرِ سَبْقِ التَّارِيخِ إلَي الْيَمِينِ؟ وَجْهَانِ: مَنْشَؤُهُمَا الْحُكْمُ بِتَسَاقُطِ الْبَيِّنَتَيْنِ حَيْثُ تَكُونَانِ مُتَّفِقَتَيْنِ فَيَحْتَاجُ مَنْ قُدِّمَ قَوْلُهُ إلَي الْيَمِينِ خُصُوصًا الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ مَحْضَةٌ وَ خُصُوصًا إذَا كَانَ الْمُرَجِّحُ لَهَا الدُّخُولَ، فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَدُلُّ عَلَي الزَّوْجِيَّةِ، بَلْ الِاحْتِمَالُ بَاقٍ مَعَهُ وَ مِنْ إطْلَاقِ النَّصِّ بِتَقْدِيمِ بَيِّنَتِهِ مَعَ عَدَمِ الْأَمْرَيْنِ، فَلَوْ تَوَقَّفَ عَلَي الْيَمِينِ لَزِمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَ الْأَقْوَي الْأَوَّلُ.

وَإِطْلَاقُ النَّصِّ غَيْرُ مُنَافٍ لِثُبُوتِ الْيَمِينِ بِدَلِيلٍ آخَرَ خُصُوصًا مَعَ جَرَيَانِ الْحُكْمِ عَلَي خِلَافِ الْأَصْلِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَقْدِيمُ بَيِّنَتِهِ مَعَ أَنَّهُ مُدَّعٍ وَ الثَّانِي: تَرْجِيحُهَا بِالدُّخُولِ وَ هُوَ غَيْرُ مُرَجِّحٍ وَ مَوْرِدُ النَّصِّ الْأُخْتَانِ كَمَا ذَكَرَ.

وَفِي تَعَدِّيهِ إلَي مِثْلِ الْأُمِّ وَ الْبِنْتِ وَجْهَانِ: مِنْ عَدَمِ النَّصِّ وَ كَوْنِهِ خِلَافَ الْأَصْلِ فَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَي مَوْرِدِهِ.

وَمِنْ اشْتَرَاكِ الْمُقْتَضِي وَ الْأَوَّلُ أَقْوَي.

فَتُقَدَّمُ بَيِّنَتُهَا مَعَ انْفِرَادِهَا، أَوْ إطْلَاقِهِمَا، أَوْ سَبْقِ تَارِيخِهَا و مع عَدَمِهَا يَحْلِفُ هُوَ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ اشْتَرَي الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ لِسَيِّدِهِ فَالنِّكَاحُ بَاقٍ

(الرَّابِعَةُ: لَوْ اشْتَرَي الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ لِسَيِّدِهِ فَالنِّكَاحُ بَاقٍ)

فَإِنَّ شِرَاءَهَا لِسَيِّدِهِ لَيْسَ مَانِعًا مِنْهُ (وَ إِنْ اشْتَرَاهَا) الْعَبْدُ (لِنَفْسِهِ بِإِذْنِهِ، أَوْ مَلَّكَهُ إيَّاهَا) بَعْدَ شِرَائِهَا لَهُ (فَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ مِلْكِهِ فَكَالْأَوَّلِ)؛ لِبُطْلَانِ الشِّرَاءِ وَ التَّمْلِيكِ، فَبَقِيَتْ كَمَا كَانَتْ أَوَّلًا عَلَي مِلْكِ الْبَائِعِ، أَوْ السَّيِّدِ (وَ إِنْ حَكَمْنَا بِمِلْكِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ) كَمَا لَوْ اشْتَرَي الْحُرُّ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ وَ اسْتَبَاحَ بُضْعَهَا بِالْمِلْكِ.

(أَمَّا الْمُبَعَّضُ فَإِنَّهُ) بِشِرَائِهِ لِنَفْسِهِ، أَوْ بِتَمَلُّكِهِ (يَبْطُلُ الْعَقْدُ قَطْعًا)؛ لِأَنَّهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ قَابِلٌ لِلتَّمَلُّكِ وَ مَتَي مَلَكَ وَ لَوْ بَعْضَهَا بَطَلَ الْعَقْدُ.

الْخَامِسَةُ: لَا يُزَوِّجُ الْوَلِيُّ

(الْخَامِسَةُ: لَا يُزَوِّجُ الْوَلِيُّ،

وَلَا الْوَكِيلُ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَ لَا بِالْمَجْنُونِ وَ لَا بِالْخَصِيِّ) وَ لَا بِغَيْرِهِ مِمَّنْ بِهِ أَحَدُ الْعُيُوبِ الْمُجَوِّزَةِ لِلْفَسْخِ، (وَ) كَذَا (لَا يُزَوِّجُ الْوَلِيُّ الطِّفْلَ بِذَاتِ الْعَيْبِ فَيَتَخَيَّرُ) كُلٌّ مِنْهُمَا (بَعْدَ الْكَمَالِ) لَوْ زُوِّجَ بِمَنْ لَا يَقْتَضِيهِ الْإِذْنُ الشَّرْعِيُّ، لَكِنْ فِي الْأَوَّلِ إنْ وَقَعَ الْعَقْدُ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَي خِلَافِ الْمَصْلَحَةِ تَخَيَّرَتْ فِي الْمَهْرِ عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَ فِي تَخَيُّرِهَا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: التَّخْيِيرُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي جَرَي عَلَيْهِ التَّرَاضِي هُوَ الْمُشْتَمِلُ عَلَي الْمُسَمَّي، فَمَتَي لَمْ يَكُنْ مَاضِيًا كَانَ لَهَا فَسْخُهُ مِنْ أَصْلِهِ.

وَالثَّانِي: عَدَمُهُ؛ لِعَدَمِ مَدْخَلِيَّةِ الْمَهْرِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَ فَسَادِهِ.

وَقِيلَ: لَيْسَ لَهَا الْخِيَارُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ مَا دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْلَي مِنْ الْعَفْوِ وَ هُوَ جَائِزٌ لِلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ فِي الْمَهْرِ فَفِي الْعَقْدِ أَوْلَي.

وَعَلَي الْقَوْلِ بِتَخَيُّرِهَا فِي الْمَهْرِ يَثْبُتُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَ فِي تَوَقُّفِ ثُبُوتِهِ عَلَي الدُّخُولِ، أَمْ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ قَوْلَانِ.

وَفِي تَخَيُّرِ الزَّوْجِ لَوْ فَسَخَتْ الْمُسَمَّي وَجْهَانِ: مِنْ الْتِزَامِهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ أَحْكَامِهِ وَ مِنْ دُخُولِهِ عَلَي الْمَهْرِ الْقَلِيلِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الرِّضَا بِالزَّائِدِ جَبْرًا.

وَلَوْ

كَانَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَي وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ بِأَنْ كَانَ هَذَا الزَّوْجُ بِهَذَا الْقَدْرِ أَصْلَحَ وَ أَكْمَلَ مِنْ غَيْرِهِ بِأَضْعَافِهِ، أَوْ لِاضْطِرَارِهَا إلَي الزَّوْجِ وَ لَمْ يُوجَدْ إلَّا هَذَا بِهَذَا الْقَدْرِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَفِي تَخَيُّرِهَا قَوْلَانِ: وَ الْمُتَّجِهُ: هُنَا عَدَمُ الْخِيَارِ، كَمَا أَنَّ الْمُتَّجِهَ هُنَاكَ ثُبُوتُهُ.

وَأَمَّا تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ الْكُفُؤِ أَوْ الْمَعِيبِ فَلَا شُبْهَةَ فِي ثُبُوتِ خِيَارِهَا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَ كَذَا الْقَوْلُ فِي جَانِبِ الطِّفْلِ وَ لَوْ اشْتَمَلَ عَلَي الْأَمْرَيْنِ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِيهِمَا.

وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ فِي إثْبَاتِ أَصْلِ التَّخْيِيرِ فِيهِمَا مُجْمَلَةٌ تَجْرِي عَلَي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ.

السَّادِسَةُ: عَقْدُ النِّكَاحِ لَوْ وَقَعَ فُضُولًا

(السَّادِسَةُ: عَقْدُ النِّكَاحِ لَوْ وَقَعَ فُضُولًا)

مَنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، أَوْ مِنْهُمَا (يَقِفُ عَلَي الْإِجَازَةِ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) إنْ كَانَ كَامِلًا، (أَوْ وَلِيِّهِ) الَّذِي لَهُ مُبَاشَرَةُ الْعَقْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ، (وَ لَا يَبْطُلُ) مِنْ أَصْلِهِ (عَلَي الْأَقْرَبِ)؛ لِمَا رُوِيَ مِنْ { أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَ هِيَ كَارِهَةٌ فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ } وَ رَوَي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ الْبَاقِرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَتْهُ أُمُّهُ وَ هُوَ غَائِبٌ قال:

" النِّكَاحُ جَائِزٌ، إنْ شَاءَ الزَّوْجُ قَبِلَ وَ إِنْ شَاءَ تَرَكَ " وَ حَمْلُ الْقَبُولِ عَلَي تَجْدِيدِ الْعَقْدِ خِلَافُ الظَّاهِرِ: وَ رَوَي أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ سَأَلَ الْبَاقِرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ غُلَامٍ وَ جَارِيَةٍ زَوَّجَهُمَا وَلِيَّانٍ لَهُمَا وَ هُمَا غَيْرُ مُدْرِكَيْنِ.

فَقال:

" النِّكَاحُ جَائِزٌ وَ أَيُّهُمَا أَدْرَكَ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ " وَ حُمِلَ الْوَلِيُّ هُنَا عَلَي غَيْرِ الْأَبِ وَ الْجَدِّ بِقَرِينَةِ التَّخْيِيرِ وَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَخْبَارِ وَ هِيَ دَالَّةٌ عَلَي صِحَّةِ النِّكَاحِ مَوْقُوفًا وَ إِنْ لَمْ نَقُلْ بِهِ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ وَ يَدُلُّ عَلَي جَوَازِ الْبَيْعِ

أَيْضًا حَدِيثُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ فِي شِرَاءِ الشَّاةِ وَ لَا قَائِلَ بِاخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِهِمَا، فَإِذَا ثَبَتَ فِيهِمَا ثَبَتَ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ، نَعَمْ قِيلَ: بِاخْتِصَاصِهِ بِالنِّكَاحِ.

وَلَهُ وَجْهٌ لَوْ نُوقِشَ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ.

وَقِيلَ: بِبُطْلَانِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ مُطْلَقًا؛ اسْتِنَادًا إلَي أَنَّ الْعَقْدَ سَبَبٌ لِلْإِبَاحَةِ فَلَا يَصِحُّ صُدُورُهُ مِنْ غَيْرِ مَعْقُودٍ عَنْهُ أَوْ وَلِيِّهِ؛ لِئَلَّا يَلْزَمَ مِنْ صِحَّتِهِ عَدَمُ سَبَبِيَّتِهِ بِنَفْسِهِ وَ أَنَّ رِضَا الْمَعْقُودِ عَنْهُ، أَوْ وَلِيِّهِ شَرْطٌ وَ الشَّرْطُ مُتَقَدِّمٌ وَ مَا رُوِيَ مِنْ بُطْلَانِ النِّكَاحِ بِدُونِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَ أَنَّ، الْعُقُودَ الشَّرْعِيَّةَ تَحْتَاجُ إلَي الْأَدِلَّةِ وَ هِيَ مَنْفِيَّةٌ وَ الْأَوَّلُ: عَيْنُ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَ الثَّانِي مَمْنُوعٌ وَ الرِّوَايَةُ عَامِّيَّةٌ وَ الدَّلِيلُ مَوْجُودٌ.

السَّابِعَةُ: لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ

(السَّابِعَةُ: لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ

إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهَا وَ إِنْ كَانَ) الْمَالِكُ (امْرَأَةً فِي الدَّائِمِ وَ الْمُتْعَةِ)؛ لِقُبْحِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ وَ لِقَوْلِهِ تَعَالَي: { فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } (وَرِوَايَةُ سَيْفٍ) بْنِ عُمَيْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُغِيرَةِ قال:

سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ الرَّجُلِ يَتَمَتَّعُ بِأَمَةِ الْمَرْأَةِ مَنْ غَيْرِ إذْنِهَا فَقال:

لَا بَأْسَ (مُنَافِيَةٌ لِلْأَصْلِ) وَ هُوَ تَحْرِيمُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ عَقْلًا وَ شَرْعًا فَلَا يُعْمَلُ بِهَا وَ إِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً، فَلِذَلِكَ أَطْرَحَهَا الْأَصْحَابُ غَيْرَ الشَّيْخِ فِي النِّهَايَةِ جَرْيًا عَلَي قَاعِدَتِهِ.

وَ إِذَا أَذِنَ الْمَوْلَي لِعَبْدِهِ فِي التَّزْوِيجِ فَإِنْ عَيَّنَ لَهُ مَهْرًا تَعَيَّنَ وَ لَيْسَ لَهُ تَخَطِّيهِ وَ إِنْ أَطْلَقَ انْصَرَفَ إلَي مَهْرِ الْمِثْلِ.

(وَ لَوْ زَادَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ) فِي الْمُعَيَّنِ فِي الْأَوَّلِ، (وَ عَلَي مَهْرِ الْمِثْلِ) فِي الثَّانِي (صَحَّ)؛ لِلْإِذْنِ فِي أَصْلِ النِّكَاحِ وَ هُوَ يَقْتَضِي مَهْرَ الْمِثْلِ عَلَي الْمَوْلَي، أَوْ مَا عَيَّنَهُ (وَكَانَ الزَّائِدُ فِي ذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ وَ مَهْرُ الْمِثْلِ)، أَوْ الْمُعَيَّنُ (عَلَي الْمَوْلَي) وَ كَذَا النَّفَقَةُ

وَ قِيلَ: يَجِبُ ذَلِكَ فِي كَسْبِهِ.

وَالْأَقْوَي الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي النِّكَاحِ يَقْتَضِي الْإِذْنَ فِي تَوَابِعِهِ وَ الْمَهْرُ وَ النَّفَقَةُ مِنْ جُمْلَتِهَا وَ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِامْتِنَاعِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ فَيَكُونُ عَلَي الْمَوْلَي كَسَائِرِ دُيُونِهِ.

وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَإِنْ أَطْلَقَهَا تَخَيَّرَ مَا يَلِيقُ بِهِ وَ إِنْ عَيَّنَ تَعَيَّنَتْ فَلَوْ تَخَطَّاهَا كَانَ فُضُولِيًّا يَقِفُ عَلَي إجَازَةِ الْمَوْلَي، (وَ مَنْ تَحَرَّرَ بَعْضُهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَي إجْبَارُهُ عَلَي النِّكَاحِ) مُرَاعَاةً لِجَانِبِ الْحُرِّيَّةِ، (وَ لَا لِلْمُبَعَّضِ الِاسْتِقْلَالُ) مُرَاعَاةً لِجَانِبِ الرِّقِّيَّةِ، بَلْ يَتَوَقَّفُ نِكَاحُهُ عَلَي رِضَاهُ وَ إِذْنِ الْمَوْلَي جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ.

الثَّامِنَةُ لَوْ زَوَّجَ الْفُضُولِيُّ الصَّغِيرَيْنِ

(الثَّامِنَةُ لَوْ زَوَّجَ الْفُضُولِيُّ الصَّغِيرَيْنِ

فَبَلَغَ أَحَدُهُمَا وَ أَجَازَ الْعَقْدَ لَزِمَ) مِنْ جِهَتِهِ وَ بَقِيَ لُزُومُهُ مِنْ جِهَةِ الْآخَرِ مَوْقُوفًا عَلَي بُلُوغِهِ وَ إِجَازَتِهِ (فَلَوْ أَجَازَ) الْأَوَّلُ (ثُمَّ مَاتَ) قَبْلَ بُلُوغِ الْآخَرِ (عَزَلَ لِلصَّغِيرِ قِسْطَهُ مِنْ مِيرَاثِهِ) عَلَي تَقْدِيرِ إجَازَتِهِ، (وَ إِذَا بَلَغَ الْآخَرُ) بَعْدَ ذَلِكَ وَ فَسَخَ فَلَا مَهْرَ وَ لَا مِيرَاثَ؛ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ بِالرَّدِّ، (وَ) إنْ (أَجَازَ حَلَفَ عَلَي عَدَمِ سَبَبِيَّةِ الْإِرْثِ فِي الْإِجَازَةِ) بِمَعْنَي أَنَّ الْبَاعِثَ عَلَي الْإِجَازَةِ لَيْسَ هُوَ الْإِرْثُ، بَلْ لَوْ كَانَ حَيًّا لَرَضِيَ بِتَزْوِيجِهِ، (وَوَرِثَ) حِينَ يَحْلِفُ كَذَلِكَ.

وَمُسْتَنَدُ هَذَا التَّفْصِيلِ صَحِيحَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ مَوْرِدُهَا الصَّغِيرَانِ كَمَا ذَكَرَ.

وَلَوْ زَوَّجَ أَحَدَ الصَّغِيرَيْنِ الْوَلِيُّ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَالِغًا رَشِيدًا وَ زَوَّجَ الْآخَرَ الْفُضُولِيُّ فَمَاتَ الْأَوَّلُ عُزِلَ لِلثَّانِي نَصِيبُهُ وَ أُحْلِفَ بَعْدَ بُلُوغِهِ كَذَلِكَ وَ إِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ بَطَلَ الْعَقْدُ.

وَهَذَا الْحُكْمُ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْرِدَ النَّصِّ، إلَّا أَنَّهُ ثَابِتٌ فِيهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَي؛ لِلُزُومِ الْعَقْدِ هُنَا مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ، فَهُوَ أَقْرَبُ إلَي الثُّبُوتِ مِمَّا هُوَ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ.

نَعَمْ لَوْ كَانَا كَبِيرَيْنِ وَ زَوَّجَهُمَا الْفُضُولِيُّ فَفِي تَعَدِّي الْحُكْمِ إلَيْهِمَا

نَظَرٌ: مِنْ مُسَاوَاتِهِ لِلْمَنْصُوصِ فِي كَوْنِهِ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَ لَا مَدْخَلَ لِلصِّغَرِ وَ الْكِبَرِ فِي ذَلِكَ وَ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الصَّغِيرَيْنِ عَلَي خِلَافِ الْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفِ الْإِرْثِ عَلَي الْيَمِينِ وَ ظُهُورِ التُّهْمَةِ فِي الْإِجَازَةِ فَيُحْكَمُ فِيمَا خَرَجَ عَنْ الْمَنْصُوصِ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ مَتَي مَاتَ أَحَدُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِمَا بَعْدَ إجَازَتِهِ وَ قَبْلَ إجَازَةِ الْآخَرِ.

وَيُمْكِنُ إثْبَاتُ الْأَوْلَوِيَّةِ فِي الْبَالِغِينَ بِوَجْهٍ آخَرَ وَ هُوَ أَنَّ عَقْدَ الْفُضُولِيِّ مَتَي كَانَ لَهُ مُجِيزٌ فِي الْحَالِ فَلَا إشْكَالَ عِنْدَ الْقَائِلِ بِصِحَّتِهِ فِي صِحَّتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُجِيزٌ كَذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ عَقْدَ الْفُضُولِيِّ فَإِذَا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الْعَقْدِ الضَّعِيفِ الَّذِي لَا مُجِيزَ لَهُ فِي الْحَالِ وَ هُوَ عَقْدُ الصَّغِيرَيْنِ فَتَعَدِّيهِ إلَي الْأَقْوَي أَوْلَي.

وَلَوْ عَرَضَ لِلْمُجِيزِ الثَّانِي مَانِعٌ عَنْ الْيَمِينِ كَالْجُنُونِ وَ السَّفَرِ الضَّرُورِيِّ عُزِلَ نَصِيبُهُ إلَي أَنْ يَحْلِفَ وَ لَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَالْأَقْوَي أَنَّهُ لَا يَرِثُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالنَّصِّ وَ الْفَتْوَي مَوْقُوفٌ عَلَي الْإِجَازَةِ وَ الْيَمِينِ مَعًا، فَيَنْتَفِي بِدُونِ أَحَدِهِمَا.

وَهَلْ يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ لَوْ كَانَ هُوَ الزَّوْجُ بِمُجَرَّدِ الْإِجَازَةِ مِنْ دُونِ الْيَمِينِ وَجْهَانِ: مِنْ أَنَّهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَي ثُبُوتِ النِّكَاحِ وَ لَمْ يَثْبُتْ بِدُونِهِمَا وَ مِنْ أَنَّ إجَازَتَهُ كَالْإِقْرَارِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَي مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَالْمَهْرِ وَ إِنَّمَا يَتَوَقَّفُ الْإِرْثُ عَلَي الْيَمِينِ؛ لِقِيَامِ التُّهْمَةِ وَ عَوْدِ النَّفْعِ إلَيْهِ مَحْضًا فَيَثْبُتُ مَا يَعُودُ عَلَيْهِ، دُونَ مَالِهِ وَ لَا بُعْدَ فِي تَبَعُّضِ الْحُكْمِ وَ إِنْ تَنَافَي الْأَصْلَانِ.

وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي حُصُولِ النِّكَاحِ فَإِنَّ مُدَّعِيَهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِلَوَازِمِ الزَّوْجِيَّةِ دُونَ الْمُنْكِرِ وَ لَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ ظَاهِرًا.

وَإِطْلَاقُ النَّصِّ بِتَوَقُّفِ الْإِرْثِ عَلَي حَلِفِهِ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْمَهْرِ عَلَيْهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَ

هَذَا مُتَّجِهٌ.

وَاعْلَمْ أَنَّ التُّهْمَةَ بِطَمَعِهِ فِي الْمِيرَاثِ لَا تَأْتِي فِي جَمِيعِ الْمَوَارِدِ، إذْ لَوْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ هُوَ الزَّوْجَ وَ الْمَهْرَ بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ أَوْ أَزِيدَ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ وَ يَنْبَغِي هُنَا عَدَمُ الْيَمِينِ إنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ غَرَضٌ بِإِثْبَاتِ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ بِحَيْثُ يَتَرَجَّحُ عَلَي مَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، أَوْ يُخَافُ امْتِنَاعُهُ مِنْ أَدَائِهِ، أَوْ هَرَبُهُ وَ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ التُّهْمَةَ و مع ذَلِكَ فَالْمَوْجُودُ فِي الرِّوَايَةِ مَوْتُ الزَّوْجِ وَ إِجَازَةُ الزَّوْجَةِ وَ أَنَّهَا تَحْلِفُ بِاَللَّهِ: مَا دَعَاهَا إلَي أَخْذِ الْمِيرَاثِ إلَّا الرِّضَا بِالتَّزْوِيجِ فَهِيَ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.

وَلَكِنَّ فَتْوَي الْأَصْحَابِ مُطْلَقَةٌ فِي إثْبَاتِ الْيَمِينِ.

التَّاسِعَةُ: لَوْ زَوَّجَهَا الْأَبَوَانِ

(التَّاسِعَةُ: لَوْ زَوَّجَهَا الْأَبَوَانِ)

: الْأَبُ وَ الْجَدُّ (بِرَجُلَيْنِ وَ اقْتَرَنَا) فِي الْعَقْدِ بِأَنْ اتَّحَدَ زَمَانُ الْقَبُولِ (قُدِّمَ عَقْدُ الْجَدِّ).

لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَ تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ الْأَخْبَارِ رِوَايَةُ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ قال:

قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الْجَارِيَةُ يُرِيدُ أَبُوهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ رَجُلٍ وَ يُرِيدُ جَدُّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ رَجُلٍ؟ فَقال:

" الْجَدُّ أَوْلَي بِذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ مُضَارًّا إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ زَوَّجَهَا قَبْلَهُ " وَ عُلِّلَ مَعَ ذَلِكَ بِأَنَّ وِلَايَةَ الْجَدِّ أَقْوَي؛ لِثُبُوتِ وِلَايَتِهِ عَلَي الْأَبِ عَلَي تَقْدِيرِ نَقْصِهِ بِجُنُونٍ وَ نَحْوِهِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ.

وَهَذِهِ الْعِلَّةُ لَوْ تَمَّتْ لَزِمَ تَعَدِّي الْحُكْمِ إلَي غَيْرِ النِّكَاحِ وَ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَ الْأَجْوَدُ قَصْرُهُ عَلَي مَحَلِّ الْوِفَاقِ؛ لِأَنَّهُ عَلَي خِلَافِ الْأَصْلِ حَيْثُ إنَّهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي الْوِلَايَةِ.

وَمِثْلُ هَذِهِ الْقُوَّةِ لَا تَصْلُحُ مُرَجِّحًا.

وَفِي تَعَدِّي الْحُكْمِ إلَي الْجَدِّ مَعَ جَدِّ الْأَبِ وَ هَكَذَا صَاعِدًا وَجْهٌ.

نَظَرًا إلَي الْعِلَّةِ وَ الْأَقْوَي الْعَدَمُ؛ لِخُرُوجِهِ عَنْ مَوْضِعِ النَّصِّ وَ اسْتِوَائِهِمَا فِي إطْلَاقِ الْجَدِّ حَقِيقَةً وَ الْأَبُ كَذَلِكَ أَوْ مَجَازًا، (وَ إِنْ سَبَقَ عَقْدُ أَحَدِهِمَا صَحَّ عَقْدُهُ) لِمَا ذَكَرَ مِنْ الْخَبَرِ وَ

غَيْرِهِ؛ وَ لِأَنَّهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي الْوِلَايَةِ فَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا وَقَعَ صَحِيحًا فَامْتَنَعَ الْآخَرُ. (وَ لَوْ زَوَّجَهَا الْأَخَوَانِ بِرَجُلَيْنِ فَالْعَقْدُ لِلسَّابِقِ) مِنْهُمَا (إنْ كَانَا) أَيْ: الْأَخَوَانِ (وَكِيلَيْنِ) لِمَا ذَكَرَ فِي عَقْدِ الْأَبَوَيْنِ (وَإِلَّا) يَكُونَا وَكِيلَيْنِ (فَلْتَتَخَيَّرْ) الْمَرْأَةُ (مَا شَاءَتْ) مِنْهُمَا، كَمَا لَوْ عَقَدَ غَيْرُهُمَا فُضُولًا.

(وَيُسْتَحَبُّ) لَهَا (إجَازَةُ عَقْدِ) الْأَخِ (الْأَكْبَرِ) مَعَ تَسَاوِي مُخْتَارِهِمَا فِي الْكَمَالِ، أَوْ رُجْحَانُ مُخْتَارِ الْأَكْبَرِ.

وَلَوْ انْعَكَسَ فَالْأَوْلَي تَرْجِيحُ الْأَكْمَلِ (فَإِنْ اقْتَرَنَا) فِي الْعَقْدِ قَبُولًا (بَطَلَا)؛ لِاسْتِحَالَةِ التَّرْجِيحِ وَ الْجَمْعِ (إنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَكِيلًا) وَ الْقَوْلُ بِتَقْدِيمِ عَقْدِ الْأَكْبَرِ هُنَا ضَعِيفٌ؛ لِضَعْفِ مُسْتَنَدِهِ، (وَإِلَّا) يَكُونَا وَكِيلَيْنِ (صَحَّ عَقْدُ الْوَكِيلِ مِنْهُمَا)؛ لِبُطْلَانِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ بِمُعَارَضَةِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، (وَ لَوْ كَانَا فُضُولِيَّيْنِ وَ) الْحَالُ أَنَّ عَقْدَيْهِمَا (اقْتَرَنَا تَخَيَّرَتْ) فِي إجَازَةِ مَا شَاءَتْ مِنْهُمَا وَ إِبْطَالِ الْآخَرِ، أَوْ إبْطَالِهِمَا.

الْعَاشِرَةُ: لَا وِلَايَةَ لِلْأُمِّ

(الْعَاشِرَةُ: لَا وِلَايَةَ لِلْأُمِّ)

عَلَي الْوَلَدِ مُطْلَقًا (فَلَوْ زَوَّجَتْهُ، أَوْ زَوَّجَتْهَا اُعْتُبِرَ رِضَاهُمَا) بَعْدَ الْكَمَالِ كَالْفُضُولِيِّ (فَلَوْ ادَّعَتْ الْوَكَالَةَ عَنْ الِابْنِ) الْكَامِلِ (وَأَنْكَرَ بَطَلَ) الْعَقْدُ (وَغَرِمَتْ) لِلزَّوْجَةِ (نِصْفَ الْمَهْرِ) لِتَفْوِيتِهَا عَلَيْهَا الْبُضْعَ وَ غُرُورِهَا بِدَعْوَي الْوَكَالَةِ، مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ قَبْلَ - الدُّخُولِ.

وَقِيلَ: يَلْزَمُهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ لِمَا ذُكِرَ وَ إِنَّمَا يَنْتَصِفُ بِالطَّلَاقِ وَ لَمْ يَقَعْ؛ وَ لِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَيُشْكِلُ بِأَنَّ الْبُضْعَ إنَّمَا يُضْمَنُ بِالِاسْتِيفَاءِ عَلَي بَعْضِ الْوُجُوهِ، لَا مُطْلَقًا وَ الْعَقْدُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَمْ يَثْبُتْ مُوجِبُهُ وَ الْأَقْوَي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَي الْوَكِيلِ مُطْلَقًا، إلَّا مَعَ الضَّمَانِ فَيَلْزَمُهُ مَا ضَمِنَ وَ يُمْكِنُ حَمْلُ الرِّوَايَةِ - لَوْ سَلِمَ سَنَدُهَا - عَلَيْهِ.

وَعَلَي هَذَا يَتَعَدَّي الْحُكْمُ إلَي غَيْرِ الْأُمِّ وَ بَالَغَ الْقَائِلُ بِلُزُومِ الْمَهْرِ فَحَكَمَ بِهِ عَلَي الْأُمِّ وَ إِنْ لَمْ تَدَّعِ الْوَكَالَةَ اسْتِنَادًا إلَي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَ هُوَ بَعِيدٌ وَ قَرِيبٌ مِنْهُ حَمْلُهَا عَلَي دَعْوَاهَا

الْوَكَالَةَ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِثُبُوتِ الْمَهْرِ فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ.

الْفَصْلُ الثَّالِثُ - فِي الْمُحَرَّمَاتِ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ - فِي الْمُحَرَّمَاتِ

بِالنَّسَبِ وَ الرَّضَاعِ وَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَسْبَابِ (وَتَوَابِعِهَا.

يَحْرُمُ) عَلَي الذَّكَرِ (بِالنَّسَبِ) تِسْعَةُ أَصْنَافٍ مِنْ الْإِنَاثِ: (الْأُمُّ وَ إِنْ عَلَتْ) وَ هِيَ: كُلُّ امْرَأَةٍ وَلَدَتْهُ، أَوْ انْتَهَي نَسَبُهُ إلَيْهَا مِنْ الْعُلُوِّ بِالْوِلَادَةِ لِأَبٍ كَانَتْ، أَمْ لِأُمٍّ، (وَ الْبِنْتُ وَ بِنْتُهَا) وَ إِنْ نَزَلَتْ (وَبِنْتُ الِابْنِ فَنَازِلًا).

وَضَابِطُهُمَا: مَنْ يَنْتَهِي إلَيْهِ نَسَبُهُ بِالتَّوَلُّدِ وَ لَوْ بِوَسَائِطَ، (وَ الْأُخْتُ وَ بِنْتُهَا فَنَازِلًا) وَ هِيَ: كُلُّ امْرَأَةٍ وَلَدَهَا أَبَوَاهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ انْتَهَي نَسَبُهَا إلَيْهِمَا، أَوْ إلَي أَحَدِهِمَا بِالتَّوَلُّدِ، (وَبِنْتُ الْأَخِ) وَ إِنْ نَزَلَتْ (كَذَلِكَ) لِأَبٍ كَانَتْ، أَمْ لِأُمٍّ، أَمْ لَهُمَا، (وَ الْعَمَّةُ): وَ هِيَ كُلُّ أُنْثَي هِيَ أُخْتُ ذَكَرٍ وَلَدَهُ بِوَاسِطَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، أَوْ الْأُمِّ، أَوْ مِنْهُمَا، (وَ الْخَالَةُ فَصَاعِدًا) فِيهِمَا وَ هِيَ: كُلُّ أُنْثَي هِيَ أُخْتُ أُنْثَي وَلَدَتْهُ بِوَاسِطَةٍ، أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَ قَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُخْتِ أُمِّ الْأَبِ.

وَالْمُرَادُ بِالصَّاعِدِ فِيهِمَا: عَمَّةُ الْأَبِ وَ الْأُمِّ وَ خَالَتُهُمَا وَ عَمَّةُ الْجَدِّ وَ الْجَدَّةِ وَ خَالَتُهُمَا وَ هَكَذَا لَا عَمَّةُ الْعَمَّةِ وَ خَالَةُ الْخَالَةِ فَإِنَّهُمَا قَدْ لَا تَكُونَانِ مُحَرَّمَتَيْنِ وَ يَحْرُمُ عَلَي الْمَرْأَةِ مَا يَحْرُمُ عَلَي الرَّجُلِ بِالْقِيَاسِ.

وَضَابِطُ الْمُحَرَّمَاتِ الْجَامِعُ لَهَا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَي الْإِنْسَانِ كُلُّ قَرِيبٍ عَدَا أَوْلَادِ الْعُمُومَةِ وَ الْخُئُولَةِ. (وَيَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ) فَأُمُّك مِنْ الرَّضَاعَةِ هِيَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَرْضَعَتْك، أَوْ رَجَعَ نَسَبُ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ صَاحِبِ اللَّبَنِ إلَيْهَا، أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ يَرْجِعُ نَسَبُك إلَيْهِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَي وَ إِنْ عَلَا كَمُرْضِعَةِ أَحَدِ أَبَوَيْك، أَوْ أَجْدَادِك أَوْ جَدَّاتِك وَ أُخْتُهَا خَالَتُك مِنْ الرَّضَاعَةِ وَ أَخُوهَا خَالُك وَ أَبُوهَا جَدُّك، كَمَا أَنَّ ابْنَ مُرْضِعَتِك أَخٌ وَ بِنْتُهَا أُخْتٌ إلَي آخِرِ

أَحْكَامِ النَّسَبِ.

وَالْبِنْتُ مِنْ الرَّضَاعِ: كُلُّ أُنْثَي رَضَعَتْ مِنْ لَبَنِك، أَوْ لَبَنِ مَنْ وَلَدْتَهُ أَوْ أَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ وَلَدْتَهَا وَ كَذَا بَنَاتُهَا مِنْ النَّسَبِ وَ الرَّضَاعِ وَ الْعَمَّاتُ وَ الْخَالَاتُ أَخَوَاتُ الْفَحْلِ وَ الْمُرْضِعَةُ وَ أَخَوَاتُ مَنْ وَلَدَهُمَا مِنْ النَّسَبِ وَ الرَّضَاعِ وَ كَذَا كُلُّ امْرَأَةٍ أَرْضَعَتْهَا وَاحِدَةٌ مِنْ جَدَّاتِك، أَوْ رَضَعَتْ بِلَبَنِ وَاحِدٍ مِنْ أَجْدَادِك مِنْ النَّسَبِ وَ الرَّضَاعِ وَ بَنَاتُ الْأَخِ وَ بَنَاتُ الْأُخْتِ وَ بَنَاتُ أَوْلَادِ الْمُرْضِعَةِ وَ الْفَحْلُ مِنْ الرَّضَاعِ وَ النَّسَبِ وَ كَذَا كُلُّ أُنْثَي أَرْضَعَتْهَا أُخْتُك وَ بِنْتُ أُخْتِك وَ بَنَاتُ كُلِّ ذَكَرٍ أَرْضَعَتْهُ أُمُّك أَوْ ارْتَضَعَ بِلَبَنِ أَبِيك. وَ إِنَّمَا يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ (بِشَرْطِ كَوْنِهِ عَنْ نِكَاحٍ) دَوَامًا وَ مُتْعَةٍ وَ مِلْكِ يَمِينٍ وَ شُبْهَةٍ عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ مَعَ ثُبُوتِهَا، مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَ إِلَّا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي حَقِّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ النَّسَبُ وَ لَا فَرْقَ فِي اللَّبَنِ الْخَالِي عَنْ النِّكَاحِ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ صَغِيرَةٍ وَ كَبِيرَةٍ بِكْرٍ وَثَيِّبٍ، ذَاتَ بَعْلٍ وَخَلِيَّةٍ.

وَيُعْتَبَرُ مَعَ صِحَّةِ النِّكَاحِ صُدُورُ اللَّبَنِ عَنْ ذَاتِ حَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ، بِالنِّكَاحِ الْمَذْكُورِ فَلَا عِبْرَةَ بِلَبَنِ الْخَالِيَةِ مِنْهُمَا وَ إِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَةً نِكَاحًا صَحِيحًا حَتَّي لَوْ طَلَّقَ الزَّوْجُ وَ هِيَ حَامِلُ مِنْهُ أَوْ مُرْضِعٌ، فَأَرْضَعَتْ وَلَدًا نَشَرَ الْحُرْمَةَ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي حِبَالِهِ وَ إِنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ.

وَالْأَقْوَي اعْتِبَارُ حَيَاةِ الْمُرْضِعَةِ فَلَوْ مَاتَتْ فِي أَثْنَاءِ الرَّضَاعِ فَأَكْمَلَ النِّصَابَ مَيِّتَةً لَمْ يَنْشُرْ وَ إِنْ تَنَاوَلَهُ إطْلَاقُ الْعِبَارَةِ وَ صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّضَاعِ حَمْلًا عَلَي الْمَعْهُودِ الْمُتَعَارَفِ وَ هُوَ رَضَاعُ الْحَيَّةِ وَ دَلَالَةُ الْأَدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ عَلَي الْإِرْضَاعِ بِالِاخْتِيَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَي: { وَ أُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ } وَ اسْتِصْحَابًا لِبَقَاءِ الْحِلِّ (وَ أَنْ يَنْبُتَ اللَّحْمُ، أَوْ يَشْتَدَّ الْعَظْمُ) وَ الْمَرْجِعُ فِيهِمَا إلَي قَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ.

وَيُشْتَرَطُ

الْعَدَدُ وَ الْعَدَالَةُ لِيَثْبُتَ بِهِ حُكْمُ التَّحْرِيمِ، بِخِلَافِ خَبَرِهِمْ فِي مِثْلِ الْمَرَضِ الْمُبِيحِ لِلْفِطْرِ وَ التَّيَمُّمِ، فَإِنَّ الْمَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَي الظَّنِّ وَ هُوَ يَحْصُلُ بِالْوَاحِدِ.

وَالْمَوْجُودُ فِي النُّصُوصِ وَ الْفَتَاوَي اعْتِبَارُ الْوَصْفَيْنِ مَعًا وَ هُنَا اكْتَفَي بِأَحَدِهِمَا وَ لَعَلَّهُ لِلتَّلَازُمِ عَادَةً وَ الْأَقْوَي اعْتِبَارُ تَحَقُّقِهِمَا مَعًا.

(أَوْ يُتِمُّ يَوْمًا وَ لَيْلَةً) بِحَيْثُ تُرْضِعُ كُلَّمَا تَقَاضَاهُ، أَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ عَادَةً وَ إِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ وَ لَمْ يَحْصُلْ الْوَصْفُ السَّابِقُ وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْيَوْمِ الطَّوِيلِ وَ غَيْرِهِ؛ لِانْجِبَارِهِ بِاللَّيْلَةِ أَبَدًا.

وَهَلْ يَكْفِي الْمُلَفَّقُ مِنْهُمَا لَوْ ابْتَدَأَ فِي أَثْنَاءِ أَحَدِهِمَا نَظَرٌ؟ مِنْ الشَّكِّ فِي صِدْقِ الشَّرْطِ وَ تَحَقُّقِ الْمَعْنَي.

(أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ رَضْعَةً) تَامَّةً مُتَوَالِيَةً؛ لِرِوَايَةِ زِيَادِ بْنِ سُوقَةَ قال:

قُلْت لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَلْ لِلرَّضَاعِ حَدٌّ يُؤْخَذُ بِهِ؟ .

فَقال:

" لَا يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ، أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ مُتَوَالِيَاتٍ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ لَبَنِ فَحْلٍ وَاحِدٍ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِرَضْعَةِ امْرَأَةٍ غَيْرِهَا " وَ فِي مَعْنَاهَا أَخْبَارٌ أُخَرُ.

(وَ الْأَقْرَبُ النَّشْرُ بِالْعَشْرِ) وَ عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَي: { وَ أُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ } وَ نَظَائِرُهُ مِنْ الْعُمُومَاتِ الْمُخَصَّصَةِ بِمَا دُونَ الْعَشْرِ قَطْعًا فَيَبْقَي الْبَاقِي؛ وَ لِصَحِيحَةِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

" لَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا الْمَجْبُورُ، قال:

قُلْت وَ مَا الْمَجْبُورُ، قال:

أُمٌّ تُرَبِّي، أَوْ ظِئْرٌ تُسْتَأْجَرُ، أَوْ أَمَةٌ تُشْتَرَي ثُمَّ تُرْضِعُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ يُرْوَي الصَّبِيُّ وَ يَنَامُ "؛ وَ لِأَنَّ الْعَشْرَ تُنْبِتُ اللَّحْمَ؛ لِصَحِيحَةِ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَي أَنْ قال:

" قُلْت وَ مَا الَّذِي يُنْبِتُ اللَّحْمَ وَ الدَّمَ؟ فَقال:

كَانَ يُقال:

عَشْرُ رَضَعَاتٍ " وَ الْأَخْبَارُ الْمُصَرِّحَةُ بِالْخَمْسَ عَشْرَةَ ضَعِيفَةُ السَّنَدِ، أَوْ قَرِيبَةٌ مِنْهُ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِمَنْعِ صِحَّةِ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَي الْعَشَرَةِ

فَإِنَّ فِي طَرِيقِهِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَ هُوَ ضَعِيفٌ عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَ أَشْهَرِهِمَا وَ أَمَّا صَحِيحَةُ عُبَيْدٍ فَنَسَبَ الْعَشْرَ إلَي غَيْرِهِ مُشْعِرًا بِعَدَمِ اخْتِيَارِهِ وَ فِي آخِرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَي ذَلِكَ، فَإِنَّ السَّائِلَ لَمَّا فَهِمَ مِنْهُ عَدَمَ إرَادَتِهِ قَالَ لَهُ: فَهَلْ تُحَرِّمُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ: فَقال:

" دَعْ ذَا وَ قال:

مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ فَهُوَ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ ".

فَلَوْ كَانَ حُكْمُ الْعَشْرِ حَقًّا لَمَا نَسَبَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَي غَيْرِهِ، بَلْ كَانَ يَحْكُمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ نِسْبَةٍ وَ إِعْرَاضُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَانِيًا عَنْ الْجَوَابِ إلَي غَيْرِهِ مُشْعِرٌ بِالتَّقِيَّةِ وَ عَدَمِ التَّحْرِيمِ بِالْعَشْرِ فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَ بَقِيَ صَحِيحَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِئَابٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

قُلْت لَهُ: مَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ؟ قال:

" مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَ شَدَّ الْعَظْمَ " قُلْت: فَتُحَرِّمُ عَشْرُ رَضَعَاتٍ؟ قال:

" لَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُنْبِتُ اللَّحْمَ وَ لَا تَشُدُّ الْعَظْمَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ " فَانْتَفَتْ الْعَشْرُ بِهَذَا الْخَبَرِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَوْلُ بِالْخَمْسَ عَشْرَةَ رَضْعَةً وَ إِنْ لَمْ يُذْكَرْ، إذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا وَ بِهَذَا يَخُصُّ عُمُومُ الْأَدِلَّةِ أَيْضًا.

وَيَضْعُفُ قَوْلُ ابْنِ الْجُنَيْدِ بِالِاكْتِفَاءِ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّضْعَةِ؛ نَظَرًا إلَي الْعُمُومِ حَيْثُ أَطْرَحَ الْأَخْبَارَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.

وَمَا أَوْرَدْنَاهُ مِنْ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَ تَبْقَي الْأَخْبَارُ الْمُثْبِتَةُ لِلْخَمْسَ عَشْرَةَ وَ النَّافِيَةُ لِلْعَشْرِ مِنْ غَيْرِهِ شَاهِدَةٌ وَ عَاضِدَةٌ لَهُ وَ هِيَ كَثِيرَةٌ.

(وَ أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَضِعُ فِي الْحَوْلَيْنِ) فَلَا عِبْرَةَ بِرَضَاعِهِ بَعْدَهُمَا وَ إِنْ كَانَ جَائِزًا كَالشَّهْرِ وَ الشَّهْرَيْنِ مَعَهُمَا وَ الْحَوْلَانِ مُعْتَبَرَانِ فِي الْمُرْتَضِعِ، دُونَ وَلَدِ الْمُرْضِعَةِ، فَلَوْ كَمَّلَ حَوْلًا وَلَدُهَا، ثُمَّ أَرْضَعَتْ بِلَبَنِهِ غَيْرَهُ نَشَرَ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُفْطَمَ الْمُرْتَضِعُ قَبْلَ الرَّضَاعِ فِي الْحَوْلَيْنِ وَ عَدَمِهِ وَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْحَوْلَيْنِ الْهِلَالِيَّةُ،

فَلَوْ انْكَسَرَ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ أَكْمَلَ بَعْدَ الْأَخِيرِ ثَلَاثِينَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْآجَالِ.

(وَ أَنْ لَا يُفْصَلَ بَيْنَ) الرَّضَعَاتِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ (بِرَضَاعِ أُخْرَي) وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ رَضْعَةً كَامِلَةً.

وَلَا عِبْرَةَ بِتَخَلُّلِ غَيْرِ الرَّضَاعِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَ الْمَشْرُوبِ وَ شُرْبِ اللَّبَنِ مِنْ غَيْرِ الثَّدْيِ وَ نَحْوِهِ وَ إِنَّمَا يَقْطَعُ اتِّصَالَ الرَّضَعَاتِ إرْضَاعُ غَيْرِهَا مِنْ الثَّدْيِ وَ صَرَّحَ الْعَلَّامَةُ فِي الْقَوَاعِدِ بِالِاكْتِفَاءِ فِي الْفَصْلِ بِأَقَلَّ مِنْ رَضْعَةٍ كَامِلَةٍ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ وَ فِي التَّذْكِرَةِ بِأَنَّ الْفَصْلَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِرَضْعَةٍ كَامِلَةٍ وَ أَنَّ النَّاقِصَةَ بِحُكْمِ الْمَأْكُولِ وَ غَيْرِهِ.

وَالرِّوَايَةُ مُطْلَقَةٌ فِي اعْتِبَارِ كَوْنِهَا مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ الْبَاقِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " لَا يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ، أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ رَضْعَةً مُتَوَالِيَةً مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ لَبَنِ فَحْلٍ وَاحِدٍ ".

وَلَعَلَّ دَلَالَتَهَا عَلَي الِاكْتِفَاءِ بِفَصْلِ مُسَمَّي الرَّضَاعِ أَكْثَرُ.

(وَ أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ لِفَحْلٍ وَاحِدٍ فَلَوْ أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ جَمَاعَةً) ذُكُورًا وَ إِنَاثًا (بِلَبَنِ فَحْلَيْنِ) فَصَاعِدًا بِحَيْثُ لَمْ يَجْتَمِعْ ذَكَرٌ وَ أُنْثَي مِنْهُمْ عَلَي رَضَاعِ لَبَنِ فَحْلٍ وَاحِدٍ بِأَنْ أَرْضَعَتْ جَمَاعَةً ذُكُورًا بِلَبَنٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ جَمَاعَةً إنَاثًا بِلَبَنِ فَحْلٍ آخَرَ، أَوْ أَرْضَعَتْ صَبِيًّا بِلَبَنِ فَحْلٍ، ثُمَّ أُنْثَي بِلَبَنِ فَحْلٍ آخَرَ، ثُمَّ ذَكَرًا بِلَبَنٍ ثَالِثٍ، ثُمَّ أُنْثَي بِلَبَنٍ رَابِعٍ وَ هَكَذَا (لَمْ يَحْرُمْ بَعْضُهُمْ عَلَي بَعْضِ) وَ لَوْ اتَّحَدَ فَحْلُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ تَحَقَّقَ التَّحْرِيمُ فِيهِمَا، دُونَ الْبَاقِينَ كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ ذَكَرًا وَ أُنْثَي بِلَبَنِ فَحْلٍ، ثُمَّ ذَكَرًا آخَرَ وَ أُنْثَي بِلَبَنِ فَحْلٍ آخَرَ وَ هَكَذَا فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ كُلَّ أُنْثَي رَضَعَتْ مَعَ ذَكَرِهَا مِنْ لَبَنِ فَحْلٍ وَاحِدٍ عَلَيْهِ وَ لَا يُحَرِّمُ عَلَي الذَّكَرِ الْآخَرِ وَ الْعِبَارَةُ لَا تَفِي بِذَلِكَ و لكن الْمُرَادَ مِنْهَا حَاصِلٌ.

وَلَا فَرْقَ مَعَ اتِّحَادِ الْفَحْلِ بَيْنَ أَنْ تَتَّحِدَ الْمُرْضِعَةُ كَمَا ذَكَرَ،

أَوْ تَتَعَدَّدَ بِحَيْثُ يَرْتَضِعُ أَحَدُهُمَا مِنْ أَحَدَيْهِمَا كَمَالَ النِّصَابِ وَ الْآخَرُ مِنْ الْأُخْرَي كَذَلِكَ وَ إِنْ تَعَدَّدْنَ فَبَلَغْنَ مِائَةً كَالْمَنْكُوحَاتِ بِالْمُتْعَةِ، أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَ عَلَي اعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْفَحْلِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ وَ جُمْلَةٌ مِنْ الْأَخْبَارِ وَ قَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا.

(وَقَالَ) أَبُو عَلِيٍّ (الطَّبَرِيُّ صَاحِبُ التَّفْسِيرِ رَحِمَهُ اللَّهُ) فِيهِ: (لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْفَحْلِ)، بَلْ يَكْفِي اتِّحَادُ الْمُرْضِعَةِ (لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمْ) مَعَ اتِّحَادِهَا (إخْوَةُ الْأُمِّ) وَ إِنْ تَعَدَّدَ الْفَحْلُ (وَ هِيَ تُحَرِّمُ التَّنَاكُحَ) بِالنَّسَبِ وَ الرَّضَاعُ يَحْرُمُ مِنْهُ مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ وَ هُوَ مُتَّجِهٌ لَوْلَا وُرُودُ النُّصُوصِ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ بِخِلَافِهِ وَ هِيَ مُخَصِّصَةٌ لِمَا دَلَّ بِعُمُومِهِ عَلَي اتِّحَادِ الرَّضَاعِ وَ النَّسَبِ فِي حُكْمِ التَّحْرِيمِ. (وَيُسْتَحَبُّ فِي) الِاسْتِرْضَاعِ (اخْتِيَارُ) الْمُرْضِعَةِ (الْعَاقِلَةِ الْمُسْلِمَةِ الْعَفِيفَةِ الْوَضِيئَةِ) الْحَسَنَةِ (لِلرَّضَاعِ)؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ مُؤَثِّرٌ فِي الطِّبَاعِ وَ الْأَخْلَاقِ وَ الصُّورَةِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: { أَنَا أَفْصَحُ الْعَرَبِ بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ وَ نَشَأْتُ فِي بَنِي سَعْدٍ وَ ارْتَضَعْتُ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ } وَ كَانَتْ هَذِهِ الْقَبَائِلُ أَفْصَحَ الْعَرَبِ، فَافْتَخَرَ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِالرَّضَاعِ كَمَا افْتَخَرَ بِالنَّسَبِ و قال أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " اُنْظُرُوا مَنْ يُرْضِعُ أَوْلَادَكُمْ فَإِنَّ الْوَلَدَ يُشَبُّ عَلَيْهِ " و قال الْبَاقِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ": عَلَيْكُمْ بِالْوَضَّاءِ مِنْ الظُّئُورَةِ فَإِنَّ اللَّبَنَ يُعْدِي " و قال عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ: " اسْتَرْضِعْ لِوَلَدِك بِلَبَنِ الْحِسَانِ وَ إِيَّاكَ وَ الْقِبَاحَ فَإِنَّ اللَّبَنَ قَدْ يُعْدِي ". (وَيَجُوزُ اسْتِرْضَاعُ الذِّمِّيَّةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَ يُكْرَهُ بِدُونِهَا وَ يَظْهَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ كَعِبَارَةِ كَثِيرِ التَّحْرِيمِ مِنْ دُونِهَا وَ الْأَخْبَارُ دَالَّةٌ عَلَي الْأَوَّلِ.

(وَيَمْنَعُهَا) زَمَنَ الرَّضَاعَةِ (مِنْ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَ شُرْبِ الْخَمْرِ) عَلَي وَجْهِ الِاسْتِحْقَاقِ إنْ كَانَتْ

أَمَتَهُ، أَوْ مُسْتَأْجَرَتَهُ وَ شَرَطَ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَ إِلَّا تَوَصَّلَ إلَيْهِ بِالرِّفْقِ، (وَيُكْرَهُ تَسْلِيمُ الْوَلَدِ إلَيْهَا لِتَحْمِلَهُ إلَي مَنْزِلِهَا)؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَأْمُونَةً عَلَيْهِ (وَ الْمَجُوسِيَّةُ أَشَدُّ كَرَاهَةً) أَنْ تُسْتَرْضَعَ؛ لِلنَّهْيِ عَنْهَا فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ الْمَحْمُولِ عَلَي الْكَرَاهَةِ جَمْعًا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِلَالٍ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ مُظَائِرَةِ الْمَجُوسِ فَقال:

" لَا و لكن أَهْلَ الْكِتَابِ ". (وَيُكْرَهُ أَنْ تُسْتَرْضَعَ مَنْ وِلَادَتِهَا) الَّتِي يَصْدُرُ عَنْهَا اللَّبَنُ (عَنْ زِنًا) قَالَ الْبَاقِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " لَبَنُ الْيَهُودِيَّةِ وَ النَّصْرَانِيَّةِ [وَ الْمَجُوسِيَّةِ] أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ وَلَدِ الزِّنَا ".

وَالْمُرَادُ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: و كان لَا يَرَي بَأْسًا بِوَلَدِ الزِّنَا إذَا جَعَلَ مَوْلَي الْجَارِيَةِ الَّذِي فَجَرَ بِالْمَرْأَةِ فِي حِلٍّ وَ كَذَا يُكْرَهُ اسْتِرْضَاعُ ذَاتِ الْبِدْعَةِ فِي دِينِهَا وَ التَّشْوِيهِ فِي خَلْقِهَا وَ الْحَمْقَاءِ.

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: { لَا تَسْتَرْضِعُوا الْحَمْقَاءَ فَإِنَّ اللَّبَنَ يُشَبُّ عَلَيْهِ } و قال أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ ": لَا تَسْتَرْضِعُوا الْحَمْقَاءَ فَإِنَّ اللَّبَنَ يَغْلِبُ الطِّبَاعَ ". (وَ إِذَا كَمُلَتْ الشَّرَائِطُ) الْمُعْتَبَرَةُ فِي التَّحْرِيمِ (صَارَتْ الْمُرْضِعَةُ أُمًّا) لِلرَّضِيعِ (وَ الْفَحْلُ) صَاحِبُ اللَّبَنِ (أَبًا وَ إِخْوَتُهُمَا أَعْمَامًا وَ أَخْوَالًا وَ أَوْلَادُهُمَا إخْوَةً وَ آبَاؤُهُمَا أَجْدَادًا، فَلَا يَنْكِحُ أَبُو الْمُرْتَضِعِ فِي أَوْلَادِ صَاحِبِ اللَّبَنِ وِلَادَةً وَ رَضَاعًا)؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا إخْوَةَ وَلَدِهِ وَ إِخْوَةُ الْوَلَدِ مُحَرَّمُونَ عَلَي الْأَبِ وَ لِذَلِكَ عَطَفَ الْمُصَنِّفُ التَّحْرِيمَ بِالْفَاءِ؛ لِيَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَي مَا ذَكَرَهُ وَ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ مُصَرِّحَةٌ بِالتَّحْرِيمِ هُنَا وَ أَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهِ وَ قِيلَ: لَا يَحْرُمْنَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ أُخْتَ الِابْنِ مِنْ النَّسَبِ إذَا لَمْ تَكُنْ بِنْتًا إنَّمَا حُرِّمَتْ؛ لِأَنَّهَا بِنْتُ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَتَحْرِيمُهَا بِسَبَبِ الدُّخُولِ بِأُمِّهَا وَ هُوَ مُنْتَفٍ هُنَا؛

وَ لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ، لَا مَا يَحْرُمُ مِنْ الْمُصَاهَرَةِ وَ أُخْتُ الْوَلَدِ إذَا لَمْ تَكُنْ وَلَدًا إنَّمَا تَحْرُمُ بِالْمُصَاهَرَةِ وَ هُوَ حَسَنٌ لَوْلَا مُعَارَضَةُ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ، فَالْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ أَحْسَنُ.

(وَ كَذَا لَا يَنْكِحُ) أَبُو الْمُرْتَضِعِ (فِي أَوْلَادِ الْمُرْضِعَةِ وِلَادَةً)؛ لِصَحِيحَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قال:

كَتَبْت إلَي أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ امْرَأَةً أَرْضَعَتْ وَلَدًا لِرَجُلٍ هَلْ يَحِلُّ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَةَ هَذِهِ الْمُرْضِعَةِ أَمْ لَا؟ فَوَقَّعَ: " لَا تَحِلُّ لَهُ ".

وَمِثْلُهَا صَحِيحَةُ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ وَ فِيهَا "؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِك " وَ يَتَرَتَّبُ عَلَي ذَلِكَ تَحْرِيمُ زَوْجَةِ أَبِي الْمُرْتَضِعِ عَلَيْهِ لَوْ أَرْضَعَتْهُ جَدَّتُهُ لِأُمِّهِ، سَوَاءٌ كَانَ بِلَبَنِ جَدِّهِ أَمْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ حِينَئِذٍ مِنْ جُمْلَةِ أَوْلَادِ صَاحِبِ اللَّبَنِ إنْ كَانَ جَدًّا وَ مِنْ جُمْلَةِ أَوْلَادِ الْمُرْضِعَةِ نَسَبًا إنْ لَمْ يَكُنْ، فَلَا يَجُوزُ لِأَبِي الْمُرْتَضِعِ نِكَاحُهَا لَاحِقًا كَمَا لَا يَجُوزُ سَابِقًا بِمَعْنَي أَنَّهُ يَمْنَعُهُ سَابِقًا وَ يُبْطِلُهُ لَاحِقًا.

وَكَذَا لَوْ أَرْضَعَتْ الْوَلَدَ بَعْضُ نِسَاءِ جَدِّهِ لِأُمِّهِ بِلَبَنِهِ وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ جَدَّةً لِلرَّضِيعِ؛ لِأَنَّ زَوْجَةَ أَبٍ الرَّضِيعِ حِينَئِذٍ مِنْ جُمْلَةِ أَوْلَادِ صَاحِبِ اللَّبَنِ، (وَ) كَذَا (لَا يَجُوزُ لَهُ) نِكَاحُ أَوْلَادِهَا (رَضَاعًا عَلَي قَوْلِ الطَّبَرْسِيِّ)؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ إخْوَةِ أَوْلَادِهِ مِنْ الْأُمِّ وَ قَدْ تَقَدَّمَ ضَعْفُهُ؛ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ أَنَّ التَّحْرِيمَ مَشْرُوطٌ بِاتِّحَادِ الْفَحْلِ وَ هُوَ مَنْفِيٌّ هُنَا.

(وَيَنْكِحُ إخْوَةُ الْمُرْتَضِعِ نَسَبًا فِي إخْوَتِهِ رَضَاعًا) إذْ لَا أُخُوَّةَ بَيْنَهُمْ وَ إِنَّمَا هُمْ إخْوَةُ أَخِيهِمْ وَ إِخْوَةُ الْأَخِ إذَا لَمْ يَكُونُوا إخْوَةً لَا يُحَرَّمُونَ عَلَي إخْوَتِهِ كَالْأَخِ مِنْ الْأَبِ إذَا كَانَ لَهُ أُخْتٌ مِنْ الْأُمِّ فَإِنَّهَا لَا تُحَرَّمُ عَلَي أَخِيهِ؛ لِانْتِفَاءِ الْقَرَابَةِ بَيْنَهُمَا.

(وَ قِيلَ) وَ الْقَائِلُ الشَّيْخُ (بِالْمَنْعِ)؛ لِدَلَالَةِ

تَعْلِيلِ التَّحْرِيمِ عَلَي أَبٍ الْمُرْتَضِعِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ بِأَنَّهُنَّ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهِ عَلَيْهِ؛ وَ لِأَنَّ أُخْتَ الْأَخِ مِنْ النَّسَبِ مُحَرَّمَةٌ فَكَذَا مِنْ الرَّضَاعِ.

وَيُضَعَّفُ بِمَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ هُنَا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُنَّ بِمَنْزِلَةِ أَوْلَادِ أَبٍ الْمُرْتَضِعِ غَيْرَ مَوْجُودٍ هُنَا وَ إِنْ وُجِدَ مَا يَجْرِي مَجْرَاهَا وَ قَدْ عَرَفْتَ فَسَادَ الْأَخِيرِ. (وَ لَوْ لَحِقَ الرَّضَاعُ الْعَقْدَ حَرَّمَ) كَالسَّابِقِ فَلَوْ أَرْضَعَتْ أُمُّهُ، أَوْ مَنْ يَحْرُمُ النِّكَاحُ بِإِرْضَاعِهِ كَأُخْتِهِ وَ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَ ابْنِهِ وَ أَخِيهِ بِلَبَنِهِمْ زَوْجَتَهُ فَسَدَ النِّكَاحُ وَ لَوْ أَرْضَعَتْ كَبِيرَةُ الزَّوْجَتَيْنِ صَغِيرَتَهُمَا حُرِّمَتَا أَبَدًا مَعَ الدُّخُولِ بِالْكَبِيرَةِ وَ إِلَّا الْكَبِيرَةُ.

وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْجَمِيعِ مُطْلَقًا. (وَ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِهِ إلَّا مُفَصَّلَةً) فَلَا تَكْفِي الشَّهَادَةُ بِحُصُولِ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ مُطْلَقًا؛ لِلِاخْتِلَافِ فِي شَرَائِطِهِ كَيْفِيَّةً وَ كَمِّيَّةً فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُ الشَّاهِدِ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ فَيَشْهَدُ بِتَحْرِيمِ مَا لَا يُحَرِّمُهُ.

وَلَوْ عُلِمَ مُوَافَقَةُ رَأْيِ الشَّاهِدِ لِرَأْيِ الْحَاكِمِ فِي جَمِيعِ الشَّرَائِطِ فَالْمُتَّجِهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْإِطْلَاقِ، إلَّا أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِعَدَمِ صِحَّتِهَا إلَّا مُفَصَّلَةً فَيَشْهَدُ الشَّاهِدَانِ بِأَنَّ فُلَانًا ارْتَضَعَ مِنْ فُلَانَةَ مِنْ الثَّدْيِ مِنْ لَبَنِ الْوِلَادَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ رَضْعَةً تَامَّاتٍ فِي الْحَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهَا بِرَضَاعِ امْرَأَةٍ أُخْرَي.

وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَرُّضِ لِجَمِيعِ الشَّرَائِطِ وَ لَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِوُصُولِ اللَّبَنِ إلَي الْجَوْفِ عَلَي الْأَقْوَي.

وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ شَهَادَتِهِ بِهِ أَنْ يَعْرِفَ الْمَرْأَةَ فِي تِلْكَ الْحَالِ ذَاتَ لَبَنٍ وَ أَنْ يُشَاهِدَ الْوَلَدَ قَدْ الْتَقَمَ الثَّدْيَ وَ أَنْ يَكُونَ مَكْشُوفًا لِئَلَّا يَلْتَقِمَ غَيْرَ الْحَلَمَةِ وَ أَنْ يُشَاهِدَ امْتِصَاصَهُ لَهُ وَ تَحْرِيكَ شَفَتَيْهِ وَ التَّجَرُّعَ وَ حَرَكَةَ الْحَلْقِ عَلَي وَجْهٍ يَحْصُلُ لَهُ الْقَطْعُ بِهِ وَ لَا يَكْفِي حِكَايَةُ الْقَرَائِنِ وَ إِنْ كَانَتْ هِيَ السَّبَبُ فِي عِلْمِهِ، كَأَنْ يقول:

رَأَيْتُهُ قَدْ الْتَقَمَ الثَّدْيَ وَ حَلْقُهُ يَتَحَرَّكُ إلَي آخِرِهِ؛ لِأَنَّ

حِكَايَةَ ذَلِكَ لَا تُعَدُّ شَهَادَةً وَ إِنْ كَانَ عِلْمُهُ مُتَرَتِّبًا عَلَيْهَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّلَفُّظِ بِمَا يَقْتَضِيهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَ لَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَي الْإِقْرَارِ بِهِ قُبِلَتْ مُطْلَقَةً؛ لِعُمُومِ إقْرَارِ الْعُقَلَاءِ عَلَي أَنْفُسِهِمْ جَائِزٌ وَ إِنْ أَمْكَنَ اسْتِنَادُ الْمُقِرِّ إلَي مَا لَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحْرِيمُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَي عَيْنِهِ. (وَتَحْرُمُ بِالْمُصَاهَرَةِ) وَ هِيَ عَلَاقَةٌ تَحْدُثُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَ أَقْرِبَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ تُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَ يَلْحَقُ بِالنِّكَاحِ الْوَطْءُ وَ النَّظَرُ وَ اللَّمْسُ عَلَي وَجْهٍ مَخْصُوصٍ.

وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَعْنَاهَا لُغَةً وَ عُرْفًا، فَلَا يَحْتَاجُ إلَي إضَافَةِ وَطْءِ الْأَمَةِ وَ الشُّبْهَةِ وَ الزِّنَا وَ نَحْوِهِ إلَيْهَا وَ إِنْ أَوْجَبَ حُرْمَةً عَلَي بَعْضِ الْوُجُوهِ، إذْ ذَاكَ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ الْمُصَاهَرَةِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ الْوَطْءِ وَ إِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِلْحَاقِهِ بِهَا فِي بَابِهَا (زَوْجَةُ كُلٍّ مَنْ الْأَبِ فَصَاعِدًا) كَالْجَدِّ وَ إِنْ عَلَا مِنْ الطَّرَفَيْنِ، (وَ الِابْنِ فَنَازِلًا) وَ إِنْ كَانَ لِلْبِنْتِ وَ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الِابْنَ مَجَازًا (عَلَي الْآخَرِ) وَ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الزَّوْجُ؛ لِعُمُومِ { وَ لَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ } وقَوْله تَعَالَي: { وَ حَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ } وَ النِّكَاحُ حَقِيقَةً فِي الْعَقْدِ عَلَي الْأَقْوَي وَ الْحَلِيلَةُ حَقِيقَةً فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا لِلِابْنِ قَطْعًا، (وَ أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ) حَلَالًا أَوْ حَرَامًا، (وَ أُمُّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا) وَ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا (فَصَاعِدًا) وَ هِيَ جَدَّتُهَا مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَ إِنْ عَلَتْ.

(وَابْنَةُ الْمَوْطُوءَةِ مُطْلَقًا فَنَازِلًا) أَيْ: ابْنَةُ ابْنِهَا وَ ابْنَتُهَا وَ إِنْ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهَا ابْنَةٌ حَقِيقَةً، (لَا ابْنَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا) مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ، فَلَوْ فَارَقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ حَلَّ لَهُ تَزْوِيجُ ابْنَتِهَا وَ هُوَ مَوْضِعُ وِفَاقٍ وَ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ صَرِيحَةٌ فِي اشْتِرَاطِ الدُّخُولِ فِي التَّحْرِيمِ وَ

أَمَّا تَحْرِيمُ الْأُمِّ وَ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالْبِنْتِ فَعَلَيْهِ الْمُعْظَمُ، بَلْ كَادَ يَكُونُ إجْمَاعًا.

وَإِطْلَاقُ قَوْله تَعَالَي: { وَ أُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } يَدُلُّ عَلَيْهِ وَ الْوَصْفُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَي: { مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } لَا حُجَّةَ فِيهِ، إمَّا لِوُجُوبِ عَوْدِهِ إلَي الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ كَالِاسْتِثْنَاءِ، أَوْ لِتَعَذُّرِ حَمْلِهِ عَلَيْهِمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ " مَنْ " تَكُونُ مَعَ الْأُولَي بَيَانِيَّةً و مع الثَّانِيَةِ ابْتِدَائِيَّةً وَ الْمُشْتَرَكُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَيَيْهِ مَعًا وَ بِهِ - مَعَ ذَلِكَ - نُصُوصٌ، إلَّا أَنَّهَا مُعَارَضَةٌ بِمِثْلِهَا وَ مِنْ ثَمَّ ذَهَبَ ابْنُ أَبِي عَقِيلٍ إلَي اشْتِرَاطِ الدُّخُولِ بِالْبِنْتِ فِي تَحْرِيمِهَا كَالْعَكْسِ.

وَالْمَذْهَبُ هُوَ الْأَوَّلُ.

(أَمَّا الْأُخْتُ) لِلزَّوْجَةِ (فَتَحْرُمُ جَمْعًا) بَيْنَهَا وَ بَيْنَهَا، فَمَتَي فَارَقَ الْأُولَي بِمَوْتٍ، أَوْ فَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ، أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّتْ الْأُخْرَي، (لَا عَيْنًا وَ الْعَمَّةُ وَ الْخَالَةُ) وَ إِنْ عَلَتَا (يَجْمَعُ بَيْنَهَا و بين ابْنَةِ أَخِيهَا أَوْ أُخْتِهَا) وَ إِنْ نَزَلَتَا (بِرِضَاءِ الْعَمَّةِ وَ الْخَالَةِ، لَا بِدُونِهِ) بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا وَ أَخْبَارُنَا مُتَظَافِرَةٌ بِهِ.

ثُمَّ إنْ تَقَدَّمَ عَقْدُ الْعَمَّةِ وَ الْخَالَةِ تَوَقَّفَ الْعَقْدُ الثَّانِي عَلَي إذْنِهِمَا، فَإِنْ بَادَرَ بِدُونِهِ فَفِي بُطْلَانِهِ أَوْ وُقُوفِهِ عَلَي رِضَاهُمَا فَإِنْ فَسَخَتَاهُ بَطَلَ، أَوْ تَخْيِيرُهُمَا فِيهِ وَ فِي عَقْدِهِمَا أَوْجُهٌ: أَوْسَطُهَا: الْأَوْسَطُ وَ إِنْ تَقَدَّمَ عَقْدُ بِنْتِ الْأَخِ وَ الْأُخْتِ وَ عَلِمَتْ الْعَمَّةُ وَ الْخَالَةُ بِالْحَالِ فَرِضَاهُمَا بِعَقْدِهِمَا رِضًا بِالْجَمْعِ وَ إِلَّا فَفِي تَخْيِيرِهِمَا فِي فَسْخِ عَقْدِ أَنْفُسِهِمَا، أَوْ فِيهِ وَ فِي عَقْدِ السَّابِقَةِ، أَوْ بُطْلَانِ عَقْدِهِمَا أَوْجُهٌ: أَوْجَهُهَا: الْأَوَّلُ.

وَهَلْ يَلْحَقُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالْوَطْءِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ بِذَلِكَ؟ وَجْهَانِ وَ كَذَلِكَ لَوْ مَلَكَ أَحَدَيْهِمَا وَ عَقَدَ عَلَي الْأُخْرَي وَ يُمْكِنُ شُمُولُ الْعِبَارَةِ؛ لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ فِي الْجَمِيعِ. (وَحُكْمُ) وَطْءِ (الشُّبْهَةِ وَ الزِّنَا السَّابِقُ عَلَي الْعَقْدِ حُكْمُ

الصَّحِيحِ فِي الْمُصَاهَرَةِ) فَتَحْرُمُ الْمَوْطُوءَةُ بِهِمَا عَلَي أَبِيهِ وَ ابْنِهِ وَ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَ بِنْتُهَا إلَي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُصَاهَرَةِ وَ لَوْ تَأَخَّرَ الْوَطْءُ فِيهِمَا عَنْ الْعَقْدِ، أَوْ الْمِلْكِ لَمْ تَحْرُمْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا، أَوْ الْمَمْلُوكَةُ، هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِيهِمَا وَ بِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَي الْمَنْعِ مُطْلَقًا وَ عَلَي عَدَمِهِ كَذَلِكَ. (وَتُكْرَهُ مَلْمُوسَةُ الِابْنِ وَ مَنْظُورَتُهُ) عَلَي وَجْهٍ لَا تَحِلُّ لِغَيْرِ مَالِكِ الْوَطْءِ بِعَقْدٍ أَوْ مِلْكٍ (عَلَي الْأَبِ وَ بِالْعَكْسِ) وَ هُوَ مَنْظُورَةُ الْأَبِ وَ مَلْمُوسَتُهُ (تَحْرُمُ) عَلَي ابْنِهِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي دَلَّ بَعْضُهَا عَلَي التَّحْرِيمِ، كَصَحِيحَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بَزِيعٍ وَ غَيْرِهَا وَ بَعْضُهَا عَلَي الْإِبَاحَةِ كَمُوثَقَةِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ عَنْ الْكَاظِمِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِنَفْيِ الْبَأْسِ عَنْ ذَلِكَ، بِحَمْلِ النَّهْي عَلَي الْكَرَاهَةِ.

وَأَمَّا الثَّانِي: وَ هُوَ تَحْرِيمُ مَنْظُورَةِ الْأَبِ وَ مَلْمُوسَتِهِ عَلَي الِابْنِ فَلِصَحِيحَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

" إذَا جَرَّدَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ وَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَلَا تَحِلُّ لِابْنِهِ " وَ مَفْهُومُهَا الْحِلُّ لِأَبِيهِ، فَإِنْ عَمِلَ بِالْمَفْهُومِ وَ إِلَّا فَبِدَلَالَةِ الْأَصْلِ وَ لِمَا سَبَقَ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ صَحِيحَةَ ابْنِ بَزِيعٍ دَلَّتْ عَلَي التَّحْرِيمِ فِيهِمَا وَ رِوَايَةَ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ دَلَّتْ عَلَي نَفْيِهِ فِيهِمَا، فَإِنْ وَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالْكَرَاهَةِ فَالْحُكْمُ فِي صَحِيحَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ كَذَلِكَ.

وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَ جَمَاعَةٌ، أَوْ يُعْمَلُ بِالْأَوْلَي تَرْجِيحًا لِلصَّحِيحِ عَلَي الْمُوَثَّقِ حَيْثُ يَتَعَارَضَانِ، أَوْ مُطْلَقًا وَ تَكُونُ صَحِيحَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ مُؤَيِّدَةً لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَ هُوَ الْأَظْهَرُ، فَتَحْرُمُ فِيهِمَا، فَالتَّفْصِيلُ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ.

وَقَيَّدْنَا النَّظَرَ وَ اللَّمْسَ بِكَوْنِهِمَا لَا يَحِلَّانِ لِغَيْرِهِ؛ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ نَظَرِ مِثْلِ الْوَجْهِ وَ الْكَفَّيْنِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُحَرَّمُ اتِّفَاقًا وَ أَمَّا اللَّمْسُ فَظَاهِرُ الْأَصْحَابِ

وَ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ تَحْرِيمُهُ فِيهِمَا مُطْلَقًا فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ مُطْلَقًا.

نَعَمْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا بِشَهْوَةٍ كَمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ وَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، فَلَا عِبْرَةَ بِالنَّظَرِ الْمُتَّفَقِ وَ لَمْسِ الطَّبِيبِ وَ نَحْوِهِمَا وَ إِنْ كَانَتْ الْعِبَارَةُ مُطْلَقَةً.

هَذَا حُكْمُ الْمَنْظُورَةِ وَ الْمَلْمُوسَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا وَ هَلْ يَتَعَدَّي التَّحْرِيمُ إلَي أُمِّهِمَا وَ ابْنَتِهِمَا فِي حَقِّ الْفَاعِلِ؟ قَوْلَانِ: مَأْخَذُهُمَا أَصَالَةُ الْحِلِّ وَ اشْتِرَاطُ تَحْرِيمِ الْبِنْتِ بِالدُّخُولِ بِالْأُمِّ فِي الْآيَةِ وَ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ وَ صَحِيحَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ الدَّالَّةُ عَلَي التَّحْرِيمِ وَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَي الْكَرَاهَةِ وَ هُوَ أَوْلَي.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ مُخْتَصٌّ بِنَظَرِ الْمَمْلُوكَةِ عَلَي ذَلِكَ الْوَجْهِ.

وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الرِّوَايَاتِ دَالٌّ عَلَيْهَا.

وَأَمَّا الْحُرَّةُ فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً حُرِّمَتْ عَلَي الْأَبِ وَ الِابْنِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَ إِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَفِي تَحْرِيمِهَا قَوْلَانِ وَ يَظْهَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ الْجَزْمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فَرَضَهَا مُطْلَقَةً وَ الْأَدِلَّةُ لَا تُسَاعِدُ عَلَيْهِ.

مَسَائِلُ عِشْرُونَ

مَسَائِلُ عِشْرُونَ

(الْأُولَي: لَوْ تَزَوَّجَ الْأُمَّ وَ ابْنَتَهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بَطَلَا)

؛ لِلنَّهْيِ عَنْ الْعَقْدِ الْجَامِعِ بَيْنَهُمَا؛ وَ اسْتِحَالَةِ التَّرْجِيحِ؛ لِاتِّحَادِ نِسْبَتِهِ إلَيْهِمَا، (وَ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَكَذَلِكَ)؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي ذَلِكَ.

(وَ قِيلَ) وَ الْقَائِلُ الشَّيْخُ وَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْعَلَّامَةُ فِي الْمُخْتَلِفِ: (يَتَخَيَّرُ) وَاحِدَةً مِنْهُمَا؛ لِمُرْسَلَةِ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، قال:

" هُوَ بِالْخِيَارِ أَنْ يُمْسِكَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ وَ يُخَلِّيَ سَبِيلَ الْأُخْرَي ".

وَهِيَ مَعَ إرْسَالِهَا غَيْرُ صَرِيحَةٍ فِي ذَلِكَ؛ لِإِمْكَانِ إمْسَاكِ أَحَدَيْهِمَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ.

وَمِثْلُهُ مَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ خَمْسٍ فِي عَقْدٍ، أَوْ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَ عِنْدَهُ ثَلَاثٌ أَوْ بِالْعَكْسِ وَ نَحْوُهُ وَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي الْمِلْكِ وَ كَذَا بَيْنَ الْأُمِّ وَ ابْنَتِهَا فِيهِ.

وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ

وَ تَوَابِعِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ. (وَ لَوْ وَطِئَ إحْدَي الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ حَرُمَتْ الْأُخْرَي حَتَّي تَخْرُجَ الْأُولَي عَنْ مِلْكِهِ) بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا.

وَهَلْ يَكْفِي مُطْلَقُ الْعَقْدِ النَّاقِلِ لِلْمِلْكِ؟ أَمْ يُشْتَرَطُ لُزُومُهُ؟ فَلَا يَكْفِي الْبَيْعُ بِخِيَارٍ وَ الْهِبَةُ الَّتِي يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا؟ وَجْهَانِ: مِنْ إطْلَاقِ النَّصِّ اشْتِرَاطُ خُرُوجِ الْأُولَي عَنْ مِلْكِهِ وَ هُوَ حَاصِلٌ بِمُطْلَقِهِ وَ مِنْ أَنَّهَا مَعَ تَسَلُّطِهِ عَلَي فَسْخِهِ بِحُكْمِ الْمَمْلُوكَةِ.

وَيُضَعَّفُ بِأَنَّ غَايَةَ التَّحْرِيمِ إذَا عُلِّقَتْ عَلَي مُطْلَقِ الْخُرُوجِ لَمْ يُشْتَرَطْ مَعَهَا أَمْرٌ آخَرُ؛ لِئَلَّا يَلْزَمَ جَعْلُ مَا جَعَلَهُ الشَّارِعُ غَايَةً لَيْسَ بِغَايَةٍ وَ قُدْرَتُهُ عَلَي رَدِّهَا إلَي مِلْكِهِ لَا تَصْلُحُ لِلْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ اللَّازِمِ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ دَائِمًا عَلَي بَعْضِ الْوُجُوهِ بِالشِّرَاءِ وَ الِاتِّهَابِ وَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعُقُودِ، فَالِاكْتِفَاءُ بِمُطْلَقِ النَّاقِلِ أَجْوَدُ.

وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِفِعْلِ مَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ كَالتَّزْوِيجِ وَ الرَّهْنِ وَ الْكِتَابَةِ وَجْهَانِ: مَنْشَؤُهُمَا حُصُولُ الْغَرَضِ وَ هُوَ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ وَ انْتِفَاءُ النَّقْلِ الَّذِي هُوَ مَوْرِدُ النَّصِّ وَ هُوَ الْأَقْوَي وَ لَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ وَطْءِ الْأُولَي فِي الْقُبُلِ وَ الدُّبُرِ.

وَفِي مُقَدِّمَاتِهِ مِنْ اللَّمْسِ وَ الْقُبْلَةِ وَ النَّظَرِ بِشَهْوَةٍ نَظَرٌ مِنْ قِيَامِهَا مَقَامَ الْوَطْءِ كَمَا سَلَفَ وَ عَدَمُ صِدْقِ الْوَطْءِ بِهَا (فَلَوْ وَطِئَ الثَّانِيَةَ فَعَلَ حَرَامًا) مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ، (وَ لَمْ تَحْرُمْ الْأُولَي)؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ وَ التَّحْرِيمُ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِوَطْءِ الثَّانِيَةِ فَيُسْتَصْحَبُ؛ وَ لِأَصَالَةِ الْإِبَاحَةِ.

وَعَلَي هَذَا فَمَتَي أَخْرَجَ أَحَدَيْهِمَا عَنْ مِلْكِهِ حَلَّتْ الْأُخْرَي، سَوَاءٌ أَخْرَجَهَا لِلْعَوْدِ إلَيْهَا أَمْ لَا وَ إِنْ لَمْ يُخْرِجْ أَحَدَيْهِمَا فَالثَّانِيَةُ مُحَرَّمَةٌ دُونَ الْأُولَي وَ قِيلَ: مَتَي وَطِئَ الثَّانِيَةَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْأُولَي أَيْضًا إلَي أَنْ تَمُوتَ الثَّانِيَةُ أَوْ يُخْرِجَهَا عَنْ مِلْكِهِ، لَا لِغَرَضِ الْعَوْدِ إلَي الْأُولَي فَإِنْ اتَّفَقَ إخْرَاجُهَا لَا لِذَلِكَ

حَلَّتْ لَهُ الْأُولَي وَ إِنْ أَخْرَجَهَا، لِيَرْجِعَ إلَي الْأُولَي فَالتَّحْرِيمُ بَاقٍ وَ إِنْ وَطِئَ الثَّانِيَةَ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ الْأُولَي.

وَمُسْتَنَدُ هَذَا التَّفْصِيلِ رِوَايَاتٌ بَعْضُهَا صَرِيحٌ فِيهِ وَ خَالِيَةٌ عَنْ الْمُعَارِضِ، فَالْقَوْلُ بِهِ مُتَعَيَّنٌ وَ بِهِ يَنْتَفِي مَا عَلَّلُوهُ فِي الْأَوَّلِ وَ لَوْ مَلَكَ أُمًّا وَ بِنْتَهَا وَ وَطِئَ أَحَدَيْهِمَا حَرُمَتْ الْأُخْرَي مُؤَبَّدًا، فَإِنْ وَطِئَ الْمُحَرَّمَةَ عَالِمًا حُدَّ وَ لَمْ تَحْرُمْ الْأُولَي وَ إِنْ كَانَ جَاهِلًا؟ قِيلَ: حَرُمَتْ الْأُولَي أَيْضًا مُؤَبَّدًا.

وَيُشْكِلُ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَخْرُجُ عَنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ، أَوْ الزِّنَا وَ كِلَاهُمَا لَا يُحَرَّمُ لَاحِقًا كَمَا مَرَّ وَ خُرُوجُ الْأُخْتِ عَنْ الْحُكْمِ لِلنَّصِّ وَ إِلَّا كَانَ اللَّازِمُ مِنْهُ عَدَمَ تَحْرِيمِ الْأُولَي مُطْلَقًا كَمَا اخْتَارَهُ هُنَا.

(الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً عَلَي حُرَّةٍ إلَّا بِإِذْنِهَا)

وَهُوَ مَوْضِعُ وِفَاقٍ، (فَلَوْ فَعَلَ) بِدُونِ إذْنِهَا (وَقَفَ الْعَقْدُ عَلَي إجَازَتِهَا) وَ لَا يَقَعُ بَاطِلًا؛ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ وَ لَيْسَ الْمَانِعُ هُنَا إلَّا عَدَمَ رِضَاهَا.

وَهُوَ مَجْبُورٌ بِإِيقَافِهِ عَلَي إجَازَتِهَا، كَعَقْدِ الْفُضُولِيِّ؛ وَ لِرِوَايَةِ سِمَاعَةَ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَقِيلَ: يَبْطُلُ؛ لِحَسَنَةِ الْحَلَبِيِّ: مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَي حُرَّةٍ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ؛ وَ نَحْوِهِ، رَوَي حُذَيْفَةُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ زَادَ فِيهَا " أَنَّهُ يُعَزَّرُ اثْنَيْ عَشَرَ سَوْطًا وَ نِصْفًا ثُمُنُ حَدِّ الزَّانِي وَ هُوَ صَاغِرٌ ".

وَتَأْوِيلُ الْبُطْلَانِ بِأَنَّهُ آيِلٌ إلَيْهِ عَلَي تَقْدِيرِ اعْتِرَاضِ الْحُرَّةِ خِلَافُ ظَاهِرِهِ وَ رِوَايَةُ سِمَاعَةَ قَاصِرَةٌ عَنْ مُعَارَضَتِهِ وَ عَلَي الْبُطْلَانِ يَنْزِلُ عَقْدُ الْأَمَةِ مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومِ.

وَعَلَي إيقَافِهِ قِيلَ: لِلْحُرَّةِ فَسْخُ عَقْدِهَا أَيْضًا كَالْعَمَّةِ وَ الْخَالَةِ وَ هُوَ ضَعْفٌ فِي ضَعْفٍ و جواز تَزَوُّجِ الْأَمَةِ بِإِذْنِ الْحُرَّةِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ مُخْتَصٌّ بِالْعَبْدِ، أَوْ بِمَنْ يَعْجِزُ عَنْ وَطْءِ الْحُرَّةِ دُونَ الْأَمَةِ وَ يَخْشَي الْعَنَتَ، أَوْ مَبْنِيٌّ عَلَي الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَزْوِيجِ

الْأَمَةِ بِدُونِ الشَّرْطَيْنِ وَ إِنْ كَانَ الْأَقْوَي خِلَافَهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقوله:

(وَ) كَذَا (لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَي تَزَوُّج الْحُرَّةِ) بِأَنْ يَجِدَ الْحُرَّةَ وَ يَقْدِرَ عَلَي مَهْرِهَا وَ نَفَقَتِهَا وَ يُمْكِنُهُ وَ طْؤُهَا وَ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالطَّوْلِ، (أَوْ مَعَ عَجْزِهِ إذَا لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ) وَ هُوَ لُغَةً: الْمَشَقَّةُ الشَّدِيدَةُ وَ شَرْعًا: الضَّرَرُ الشَّدِيدُ بِتَرْكِهِ بِحَيْثُ يَخَافُ الْوُقُوعَ فِي الزِّنَا؛ لِغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ وَ ضَعْفِ التَّقْوَي.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الضَّرَرُ الشَّدِيدُ وَحْدَهُ كَافِيًا وَ إِنْ قَوِيَتْ التَّقْوَي؛ لِلْحَرَجِ أَوْ الضَّرَرِ الْمَنْفِيَّيْنِ وَ أَصَالَةِ عَدَمِ النَّقْلِ وَ عَلَي اعْتِبَارِ الشَّرْطَيْنِ ظَاهِرُ الْآيَةِ.

وَبِمَعْنَاهَا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ دَلَالَتُهُمَا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَ هُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ.

(وَ قِيلَ: يَجُوزُ) الْعَقْدُ عَلَي الْأَمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَي الْحُرَّةِ (عَلَي كَرَاهَةٍ)؛ لِلْأَصْلِ وَ عُمُومَاتِ الْكِتَابِ مِثْلَ { إلَّا عَلَي أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } { وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ } { وَ أُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } { وَ أَنْكِحُوا الْأَيَامَي مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَ إِمَائِكُمْ }؛ وَ لِرِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ الْمُرْسَلَةِ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَا يَنْبَغِي وَ هُوَ ظَاهِرٌ فِي الْكَرَاهَةِ.

وَيُضَعَّفُ بِأَنَّ الِاشْتِرَاطَ الْمَذْكُورَ مُخَصِّصٌ لِمَا ذَكَرَ مِنْ الْعُمُومَاتِ وَ الرِّوَايَةُ مَعَ إرْسَالِهَا ضَعِيفَةٌ وَ ضَعْفُ مُطْلَقِ الْمَفْهُومِ مَمْنُوعٌ وَ تَنْزِيلُ الشَّرْطِ عَلَي الْأَغْلَبِ خِلَافُ الظَّاهِرِ.

(وَ هُوَ) أَيْ: الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ (مَشْهُورٌ) بَيْنَ الْأَصْحَابِ، إلَّا أَنَّ دَلِيلَهُ غَيْرُ نَاهِضٍ عَلَيْهِ فَلِذَا نَسَبَهُ إلَي الشُّهْرَةِ (فَعَلَي) الْقَوْلِ (الْأَوَّلِ لَا يُبَاحُ) نِكَاحُ الْأَمَةِ (إلَّا بِعَدَمِ الطَّوْلِ).

وَهُوَ لُغَةً: الزِّيَادَةُ وَ الْفَضْلُ.

وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الزِّيَادَةُ فِي الْمَالِ وَ سَعَتِهِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مَعَهَا مِنْ نِكَاحِ الْحُرَّةِ فَيَقُومُ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ مَهْرِهَا

وَ نَفَقَتِهَا.

وَيَكْفِي لِلنَّفَقَةِ وُجُودُهُ بِالْقُوَّةِ كَغَلَّةِ الْمِلْكِ وَ كَسْبِ ذِي الْحِرْفَةِ (وَخَوْفِ الْعَنَتِ) بِالْفَتْحِ.

وَأَصْلُهُ انْكِسَارُ الْعَظْمِ بَعْدَ الْجَبْرِ، فَاسْتُعِيرَ لِكُلِّ مَشَقَّةٍ وَ ضَرَرٍ وَ لَا ضَرَرَ أَعْظَمَ مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَأْثَمِ وَ الصَّبْرُ عَنْهَا مَعَ الشَّرْطَيْنِ أَفْضَلُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَي: { وَ أَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ } (وَتَكْفِي الْأَمَةُ الْوَاحِدَةُ)؛ لِانْدِفَاعِ الْعَنَتِ بِهَا.

وَهُوَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ فِي الْجَوَازِ.

(وَ عَلَي الثَّانِي) وَ هُوَ الْجَوَازُ مُطْلَقًا (يُبَاحُ اثْنَتَانِ) لَا أَزْيَدَ كَمَا سَيَأْتِي.

(الثَّالِثَةُ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا بَائِنَةً كَانَتْ أَوْ رَجْعِيَّةً)

، أَوْ عِدَّةِ وَفَاةٍ، أَوْ عِدَّةِ شُبْهَةٍ وَ لَعَلَّهُ غَلَّبَ عَلَيْهِمَا اسْمَ الْبَائِنَةِ (عَالِمًا بِالْعِدَّةِ وَ التَّحْرِيمِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَ حَرُمَتْ) عَلَيْهِ (أَبَدًا).

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَقْدِ الدَّائِمِ وَ الْمُنْقَطِعِ فِيهِمَا؛ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ الشَّامِلِ لِجَمِيعِ مَا ذَكَرَ (وَ إِنْ جَهِلَ أَحَدَهُمَا): الْعِدَّةَ أَوْ التَّحْرِيمَ (أَوْ جَهِلَهُمَا حَرُمَتْ إنْ دَخَلَ) بِهَا قُبُلًا، أَوْ دُبُرًا، (وَإِلَّا فَلَا) وَ لَوْ اخْتَصَّ الْعِلْمُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ اخْتَصَّ بِهِ حُكْمُهُ وَ إِنْ حَرُمَ عَلَي الْآخَرِ التَّزْوِيجُ مِنْ حَيْثُ الْمُسَاعَدَةُ عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوَانِ.

وَيُمْكِنُ سَلَامَتُهُ مِنْ ذَلِكَ بِجَهْلِهِ التَّحْرِيمَ، أَوْ بِأَنْ يَخْفَي عَلَيْهِ عَيْنُ الشَّخْصِ الْمُحَرَّمِ مَعَ عِلْمِ الْآخَرِ وَ نَحْوَ ذَلِكَ.

وَفِي الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَي هَذَا التَّقْدِيرِ نَظَرٌ وَ يَتَعَدَّي التَّحْرِيمُ عَلَي تَقْدِيرِ الدُّخُولِ إلَي أَبِيهِ وَ ابْنِهِ كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ مَعَ الْجَهْلِ وَ الْمَزْنِيِّ بِهَا مَعَ الْعِلْمِ.

وَفِي إلْحَاقِ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالْعِدَّةِ فَتَحْرُمُ بِوَطْئِهَا فِيهَا وَجْهَانِ: أَجْوَدُهُمَا: الْعَدَمُ؛ لِلْأَصْلِ وَ كَذَا الْوَجْهَانِ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا مَعَ الْوَفَاةِ الْمَجْهُولَةِ ظَاهِرًا قَبْلَ الْعِدَّةِ مَعَ وُقُوعِهِ بَعْدَ الْوَفَاةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، أَوْ الدُّخُولِ مَعَ الْجَهْلِ وَ الْأَقْوَي عَدَمُ التَّحْرِيمِ؛ لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضِي لَهُ وَ هُوَ كَوْنُهَا مُعْتَدَّةً، أَوْ مُزَوَّجَةً سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُدَّةُ الْمُتَخَلَّلَةُ بَيْنَ الْوَفَاةِ وَ الْعِدَّةِ بِقَدْرِهَا، أَمْ أَزْيَدَ أَمْ

أَنْقَصَ وَ سَوَاءٌ وَقَعَ الْعَقْدُ أَوْ الدُّخُولُ فِي الْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ عَنْهَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْوَفَاةِ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَ إِنْ طَالَ الزَّمَانُ.

وَفِي إلْحَاقِ ذَاتِ الْبَعْلِ بِالْمُعْتَدَّةِ وَجْهَانِ: مِنْ أَنَّ عَلَاقَةَ الزَّوْجِيَّةِ فِيهَا أَقْوَي وَ انْتِفَاءِ النَّصِّ وَ الْأَقْوَي أَنَّهُ مَعَ الْجَهْلِ وَ عَدَمِ الدُّخُولِ لَا تَحْرُمُ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِهَا عَالِمًا حَرُمَتْ؛ لِأَنَّهُ زَانٍ بِذَاتِ الْبَعْلِ وَ الْإِشْكَالُ فِيهِمَا وَاهٍ وَ إِنَّمَا يَقَعُ الِاشْتِبَاهُ مَعَ الْجَهْلِ وَ الدُّخُولِ، أَوْ الْعِلْمِ مَعَ عَدَمِهِ وَ وَجْهُ الْإِشْكَالِ مِنْ عَدَمِ النَّصِّ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَ كَوْنِ الْحُكْمِ بِالتَّحْرِيمِ هُنَا أَوْلَي؛ لِلْعَلَاقَةِ وَ لَعَلَّهُ أَقْوَي.

وَحَيْثُ لَا يُحْكَمُ بِالتَّحْرِيمِ يُجَدِّدُ الْعَقْدَ بَعْدَ الْعِدَّةِ إنْ شَاءَ وَ يُلْحَقُ الْوَلَدُ مَعَ الدُّخُولِ وَ الْجَهْلِ بِالْجَاهِلِ مِنْهُمَا إنْ وُلِدَ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ مِنْهُ وَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ مَعَ جَهْلِهَا بِالتَّحْرِيمِ وَ تَعْتَدُّ مِنْهُ بَعْدَ إكْمَالِ الْأُولَي.

(الرَّابِعَةُ: لَا تَحْرُمُ الْمَزْنِيُّ بِهَا عَلَي الزَّانِي إلَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ بَعْلٍ)

دَوَامًا وَ مُتْعَةً وَ الْمُعْتَدَّةُ رَجْعِيَّةٌ بِحُكْمِهَا، دُونَ الْبَائِنِ وَ الْحُكْمُ فِيهِ مَوْضِعُ وِفَاقٍ.

وَفِي إلْحَاقِ الْمَوْطُوءَةِ بِالْمِلْكِ بِذَاتِ الْبَعْلِ وَجْهَانِ مَأْخَذُهُمَا: مُسَاوَاتُهَا لَهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ خُصُوصًا الْمُصَاهَرَةُ وَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْمَعْنَي الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ وَ هُوَ صِيَانَةُ الْأَنْسَابِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يُوجِبُ اللِّحَاقَ مُطْلَقًا وَ هُوَ الْأَقْوَي. (وَ لَا تَحْرُمُ الزَّانِيَةُ) عَلَي الزَّانِي وَ لَا عَلَي غَيْرِهِ، (وَلَكِنْ يُكْرَهُ تَزْوِيجُهَا) مُطْلَقًا (عَلَي الْأَصَحِّ) خِلَافًا لِجَمَاعَةٍ حَيْثُ حَرَّمُوهُ عَلَي الزَّانِي مَا لَمْ تَظْهَرْ مِنْهَا التَّوْبَةُ.

وَوَجْهُ الْجَوَازِ الْأَصْلُ وَ صَحِيحَةُ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

" أَيُّمَا رَجُلٍ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَلَالًا قال:

أَوَّلُهُ سِفَاحٌ وَ آخِرُهُ نِكَاحٌ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ النَّخْلَةِ أَصَابَ الرَّجُلُ

مِنْ ثَمَرِهَا حَرَامًا ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَكَانَتْ لَهُ حَلَالًا " و لكن تُكْرَهُ لِلنَّهْيِ عَنْ تَزْوِيجِهَا مُطْلَقًا فِي عِدَّةِ أَخْبَارِ الْمَحْمُولِ عَلَي الْكَرَاهَةِ جَمْعًا.

وَاحْتَجَّ الْمَانِعُ بِرِوَايَةِ أَبِي بَصِيرٍ قال:

سَأَلْته عَنْ رَجُلٍ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ أَرَادَ بَعْدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَقال:

إذَا تَابَتْ حَلَّ لَهُ نِكَاحُهَا، قُلْت: كَيْفَ يَعْرِفُ تَوْبَتَهَا؟ قال:

" يَدْعُوهَا إلَي مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْحَرَامِ فَإِنْ امْتَنَعَتْ وَ اسْتَغْفَرَتْ رَبَّهَا عَرَفَ تَوْبَتَهَا ".

وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا رَوَي عَمَّارٌ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَ السَّنَدُ فِيهِمَا ضَعِيفٌ وَ فِي الْأُولَي قَطْعٌ.

وَلَوْ صَحَّتَا لَوَجَبَ حَمْلُهُمَا عَلَي الْكَرَاهَةِ جَمْعًا. (وَ لَوْ زَنَتْ امْرَأَتُهُ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ عَلَي الْأَصَحِّ وَ إِنْ أَصَرَّتْ) عَلَي الزِّنَا،؛ لِلْأَصْلِ وَ النَّصِّ، خِلَافًا لِلْمُفِيدِ وَ سَلَّارٌ حَيْثُ ذَهَبَا إلَي تَحْرِيمِهَا مَعَ الْإِصْرَارِ، اسْتِنَادًا إلَي فَوَاتِ أَعْظَمِ فَوَائِدِ النِّكَاحِ وَ هُوَ التَّنَاسُلُ مَعَهُ؛ لِاخْتِلَاطِ النَّسَبِ حِينَئِذٍ وَ الْغَرَضُ مِنْ شَرْعِيَّةِ الْحَدِّ وَ الرَّجْمِ لِلزَّانِي حِفْظُهُ عَنْ ذَلِكَ وَ يُضَعَّفُ بِأَنَّ الزَّانِيَ لَا نَسَبَ لَهُ وَ لَا حُرْمَةَ.

(الْخَامِسَةُ: مَنْ أَوْقَبَ غُلَامًا، أَوْ رَجُلًا)

بِأَنْ أَدْخَلَ بِهِ بَعْضَ الْحَشَفَةِ وَ إِنْ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ (حَرُمَتْ عَلَي الْمُوقِبِ أُمُّ الْمَوْطُوءِ) وَ إِنْ عَلَتْ (وَأُخْتُهُ) دُونَ بَنَاتِهَا، (وَبِنْتِهِ) وَ إِنْ نَزَلَتْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثَي مِنْ النَّسَبِ اتِّفَاقًا وَ مِنْ الرَّضَاعِ عَلَي الْأَقْوَي.

وَلَا فَرْقَ فِي الْمَفْعُولِ بَيْنَ الْحَيِّ وَ الْمَيِّتِ عَلَي الْأَقْوَي، عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ وَ إِنَّمَا تَحْرُمُ الْمَذْكُورَاتُ مَعَ سَبْقِهِ عَلَي الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ، (وَ لَوْ سَبَقَ الْعَقْدُ) عَلَي الْفِعْلِ (لَمْ يُحَرَّمْ)؛ لِلْأَصْلِ؛ وَ لِقَوْلِهِمْ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ: لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ.

وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مُفَارَقَةِ مَنْ سَبَقَ عَقْدُهَا بَعْدَ الْفِعْلِ وَ عَدَمِهِ، فَيَجُوزُ لَهُ تَجْدِيدُ نِكَاحِهَا بَعْدَهُ مَعَ احْتِمَالِ عَدَمِهِ؛ لِصِدْقِ سَبْقِ الْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَي الْعَقْدِ الْجَدِيدِ.

وَلَا فَرْقَ فِيهِمَا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَ الْكَبِيرِ

عَلَي الْأَقْوَي؛ لِلْعُمُومِ فَيَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ قَبْلَ الْبُلُوغِ بِالْوَلِيِّ وَ بَعْدَهُ بِهِ وَ لَا يَحْرُمُ عَلَي الْمَفْعُولِ بِسَبَبِهِ شَيْءٌ عِنْدَنَا لِلْأَصْلِ.

وَرُبَّمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ تَعَلُّقُ التَّحْرِيمِ بِهِ كَالْفَاعِلِ وَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَخْبَارِ إطْلَاقُ التَّحْرِيمِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ تَعَلُّقُهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا و لكن الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ.

(السَّادِسَةُ: لَوْ عَقَدَ الْمُحْرِمُ)

بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بَعْدَ إفْسَادِهِ وَ قَبْلَهُ عَلَي أُنْثَي (عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ حَرُمَتْ أَبَدًا بِالْعَقْدِ) وَ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ (وَ إِنْ جَهِلَ) التَّحْرِيمَ (لَمْ تُحَرَّمْ وَ إِنْ دَخَلَ بِهَا)، لَكِنْ يَقَعُ عَقْدُهُ فَاسِدًا فَلَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْلَالِ.

هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَ مُسْتَنَدُهُ رِوَايَةُ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الدَّالَّةِ بِمَنْطُوقِهَا عَلَي حُكْمِ الْعِلْمِ وَ بِمَفْهُومِهَا عَلَي غَيْرِهِ وَ هُوَ مُعْتَضِدٌ بِالْأَصْلِ فَلَا يَضُرُّ ضَعْفَ دَلَالَتِهِ وَ لَا تَحْرُمُ الزَّوْجَةُ بِوَطْئِهَا فِي الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا.

(السَّابِعَةُ: لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَجْمَعَ زِيَادَةً عَلَي أَرْبَعِ حَرَائِرَ

، أَوْ حُرَّتَيْنِ وَ أَمَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثِ حَرَائِرَ وَ أَمَةٍ) بِنَاءً عَلَي جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ بِالْعَقْدِ بِدُونِ الشَّرْطَيْنِ وَ إِلَّا لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَي الْوَاحِدَةِ؛ لِانْتِفَاءِ الْعَنَتِ مَعَهَا وَ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ اخْتِيَارُ الْمَنْعِ وَ يَبْعُدُ فَرْضُ بَقَاءِ الْحَاجَةِ إلَي الزَّائِدِ عَلَي الْوَاحِدَةِ.

وَلَا فَرْقَ فِي الْأَمَةِ بَيْنَ الْقِنَّةِ وَ الْمُدَبَّرَةِ وَ الْمُكَاتَبَةِ بِقِسْمَيْهَا، حَيْثُ لَمْ تُؤَدِّ شَيْئًا وَ أُمِّ الْوَلَدِ، (وَ لَا لِلْعَبْدِ أَنْ يَجْمَعَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ إمَاءٍ أَوْ حُرَّتَيْنِ، أَوْ حُرَّةٍ وَ أَمَتَيْنِ وَ لَا يُبَاحُ لَهُ ثَلَاثُ إمَاءٍ وَ حُرَّةٍ).

وَالْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ إجْمَاعِيٌّ وَ الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ كَالْحُرِّ فِي حَقِّ الْإِمَاءِ وَ كَالْعَبْدِ فِي حَقِّ الْحَرَائِرِ وَ الْمُعْتَقُ بَعْضُهَا كَالْحُرَّةِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَ كَالْأَمَةِ فِي حَقِّ الْحُرِّ (كُلُّ ذَلِكَ بِالدَّوَامِ، أَمَّا الْمُتْعَةُ فَلَا حَصْرَ لَهُ عَلَي الْأَصَحِّ)؛ لِلْأَصْلِ؛ وَ صَحِيحَةِ

زُرَارَةَ قال:

قُلْت: مَا يَحِلُّ مِنْ الْمُتْعَةِ.

قال:

" كَمَا شِئْتَ " وَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قال:

سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ - الْمُتْعَةِ أَهِيَ مِنْ الْأَرْبَعِ؟ فَقال:

" لَا وَ لَا مِنْ السَّبْعِينَ " وَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

ذَكَرْت الْمُتْعَةَ أَهِيَ مِنْ الْأَرْبَعِ قال:

" تَزَوَّجْ مِنْهُنَّ أَلْفًا فَإِنَّهُنَّ مُسْتَأْجَرَاتٌ ".

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ قَدْ عُدِلَ عَنْهُ بِالدَّلِيلِ الْآتِي وَ الْأَخْبَارُ الْمَذْكُورَةُ وَ غَيْرُهَا فِي هَذَا الْبَابِ ضَعِيفَةٌ، أَوْ مَجْهُولَةُ السَّنَدِ، أَوْ مَقْطُوعَةٌ، فَإِثْبَاتُ مِثْلِ هَذَا الْحُكْمِ الْمُخَالِفِ لِلْآيَةِ الشَّرِيفَةِ وَ إِجْمَاعِ بَاقِي عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ مُشْكِلٌ.

لَكِنَّهُ مَشْهُورٌ، حَتَّي إنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَصْحَابِ لَمْ يَنْقُلْ فِيهِ خِلَافًا، فَإِنْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ كَمَا ادَّعَاهُ ابْنُ إدْرِيسَ وَ إِلَّا فَالْأَمْرُ كَمَا تَرَي وَ نَبَّهَ بِالْأَصَحِّ عَلَي خِلَافِ ابْنِ الْبَرَّاجِ حَيْثُ مَنَعَ فِي كِتَابَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ فِيهَا عَلَي الْأَرْبَعِ، مُحْتَجًّا بِعُمُومِ الْآيَةِ وَ بِصَحِيحَةِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

سَأَلْته عَنْ الرَّجُلِ تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا مُتْعَةً قال:

" لَا " قُلْت: حَكَي زُرَارَةُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا هِيَ مِثْلُ الْإِمَاءِ يَتَزَوَّجُ مَا شَاءَ قال:

" لَا هُنَّ مِنْ الْأَرْبَعِ وَ قَدْ رَوَي عَمَّارٌ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمُتْعَةِ قال:

" هِيَ إحْدَي الْأَرْبَعِ ".

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَي الْأَفْضَلِ وَ الْأَحْوَطِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا و بين مَا سَبَقَ؛ وَ لِصَحِيحَةِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ": اجْعَلُوهُنَّ مِنْ الْأَرْبَعِ، فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ بْنُ يَحْيَي: عَلَي الِاحْتِيَاطِ قال:

" نَعَمْ ".

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ يَحْسُنُ لَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْ أَخْبَارِ الْجَوَازِ لَا مَعَ عَدَمِهِ وَ الْخَبَرُ الْأَخِيرُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي جَوَازِ مُخَالَفَةِ الِاحْتِيَاطِ.

وَفِي الْمُخْتَلِفِ

اقْتَصَرَ مَنْ نَقَلَ الْحُكْمَ عَلَي مُجَرَّدِ الشُّهْرَةِ وَ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْفَتْوَي وَ لَعَلَّهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَ كَذَا) لَا حَصْرَ لِلْعَدَدِ (بِمِلْكِ الْيَمِينِ إجْمَاعًا) وَ الْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَي: { إلَّا عَلَي أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ }.

وَهَذَا فِي مِلْكِ الْعَيْنِ أَمَّا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ كَالتَّحْلِيلِ فَفِي إلْحَاقِهِ بِهِ نَظَرٌ مِنْ الشَّكِّ فِي إطْلَاقِ اسْمِ مِلْكِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ وَ الشَّكِّ فِي كَوْنِهِ عَقْدًا أَوْ إبَاحَةً وَ الْأَقْوَي إلْحَاقُهُ بِهِ وَ بِهِ جَزَمَ فِي التَّحْرِيرِ.

(الثَّامِنَةُ: إذَا طَلَّقَ ذُو النِّصَابِ)

الَّذِي لَا يَجُوزُ تَجَاوُزُهُ، وَاحِدَةً، أَوْ أَكْثَرَ طَلَاقًا (رَجْعِيًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّزْوِيجُ دَائِمًا حَتَّي تَخْرُجَ) الْمُطَلَّقَةُ (مِنْ الْعِدَّةِ)؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا بِمَنْزِلَةِ الزَّوْجَةِ، فَالنِّكَاحُ الدَّائِمُ زَمَنَ الْعِدَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْجَمْعِ زَائِدًا عَلَي النِّصَابِ، (وَ كَذَا) لَا يَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُ (الْأُخْتِ) أَيْ: أُخْتِ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا (دَائِمًا وَ مُتْعَةً) وَ إِنْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ.

(وَ لَوْ كَانَ) الطَّلَاقُ (بَائِنًا جَازَ) تَزْوِيجُ الزَّائِدَةِ عَلَي النِّصَابِ وَ الْأُخْتِ؛ لِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ بِالْبَائِنِ؛ وَ صَيْرُورَتِهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ، لَكِنْ عَلَي (كَرَاهِيَةٍ شَدِيدَةٍ)؛ لِتَحَرُّمِهَا بِحُرْمَةِ الزَّوْجِيَّةِ؛ وَ لِلنَّهْيِ عَنْ تَزْوِيجِهَا مُطْلَقًا فِي صَحِيحَةِ زُرَارَةَ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

إذَا جَمَعَ الرَّجُلُ أَرْبَعًا فَطَلَّقَ إحْدَاهُنَّ فَلَا يَتَزَوَّجُ الْخَامِسَةَ حَتَّي تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمَرْأَةِ الَّتِي طَلُقَتْ وَ قال:

لَا يَجْمَعُ مَاءَهُ فِي خَمْسٍ وَ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَي الْكَرَاهَةِ جَمْعًا.

(التَّاسِعَةُ: لَا تَحِلُّ الْحُرَّةُ عَلَي الْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا)

يَتَخَلَّلُهَا رَجْعَتَانِ أَيْ: أَنْوَاعِ الطَّلَاقِ كَانَ (إلَّا بِالْمُحَلِّلِ وَ إِنْ كَانَ الْمُطَلَّقُ عَبْدًا)؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي عَدَدِ الطَّلْقَاتِ عِنْدَنَا بِالزَّوْجَةِ.

(وَ لَا تَحِلُّ الْأَمَةُ الْمُطَلَّقَةُ اثْنَتَيْنِ) كَذَلِكَ (إلَّا بِالْمُحَلِّلِ وَ لَوْ كَانَ الْمُطَلِّقُ حُرًّا)؛ لِلْآيَةِ؛ وَ الرِّوَايَةِ (أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ تِسْعًا لِلْعِدَّةِ) وَ الْمُرَادُ بِهِ: أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَي الشَّرَائِطِ ثُمَّ يُرَاجِعَ فِي الْعِدَّةِ وَ يَطَأَ ثُمَّ يُطَلِّقَ

فِي طُهْرٍ آخَرَ ثُمَّ يُرَاجِعَ فِي الْعِدَّةِ وَ يَطَأَ ثُمَّ يُطَلِّقَ الثَّالِثَةَ فَيَنْكِحَهَا بَعْدَ عِدَّتِهَا زَوْجٌ آخَرُ ثُمَّ يُفَارِقَهَا بَعْدَ أَنْ يَطَأَهَا فَيَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَ يَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ أَوَّلًا إلَي أَنْ يَكْمُلَ لَهَا تِسْعًا كَذَلِكَ (يَنْكِحُهَا رَجُلَانِ) بَعْدَ الثَّالِثَةِ وَ السَّادِسَةِ (فَإِنَّهَا تُحَرَّمُ أَبَدًا) وَ إِطْلَاقُ التِّسْعِ لِلْعِدَّةِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الثَّالِثَةَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثٍ لَيْسَتْ لِلْعِدَّةِ فَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهَا إمَّا إطْلَاقٌ لِاسْمِ الْأَكْثَرِ عَلَي الْأَقَلِّ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْمُجَاوَرَةِ.

وَحَيْثُ كَانَتْ النُّصُوصُ وَ الْفَتَاوَي مُطْلَقَةً فِي اعْتِبَارِ التِّسْعِ لِلْعِدَّةِ فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ كَانَ أَعَمَّ مِنْ كَوْنِهَا مُتَوَالِيَةً وَ مُتَفَرِّقَةً فَلَوْ اتَّفَقَ، فِي كُلِّ ثَلَاثٍ وَاحِدَةٌ لِلْعِدَّةِ اُعْتُبِرَ فِيهِ إكْمَالُ التِّسْعِ كَذَلِكَ.

لَكِنْ هَلْ يُغْتَفَرُ مِنْهَا الثَّالِثَةُ مَعَ كُلِّ ثَلَاثٍ؛ لِاغْتِفَارِهَا لَوْ جَامَعَتْ الِاثْنَتَيْنِ لِلْعِدَّةِ فَيَكْفِي " فِيهَا " وُقُوعُ السِّتِّ لِلْعِدَّةِ، أَوْ يُعْتَبَرُ إكْمَالُ التِّسْعِ لِلْعِدَّةِ حَقِيقَةً؟ يُحْتَمَلُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ التَّوَالِي؛ وَ لِأَنَّ الثَّالِثَةَ لَمْ يَتَحَقَّقْ اعْتِبَارُ كَوْنِهَا لِلْعِدَّةِ وَ إِنَّمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ النَّصِّ لِلتَّحْرِيمِ بِالسِّتِّ الْوَاقِعَةِ لَهَا فَيُسْتَصْحَبُ الْحُكْمُ مَعَ عَدَمِ التَّوَالِي.

وَالثَّانِي:؛ لِأَنَّ اغْتِفَارَ الثَّالِثَةِ ثَبَتَ مَعَ التَّوَالِي عَلَي خِلَافِ الْأَصْلِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ اُعْتُبِرَتْ الْحَقِيقَةُ، خُصُوصًا مَعَ كَوْنِ طَلْقَةِ الْعِدَّةِ هِيَ الْأُولَي خَاصَّةً، فَإِنَّ عَلَاقَتَيْ الْمَجَازِ مُنْتَفِيَتَانِ عَنْ الثَّالِثَةِ، إذْ لَا مُجَاوَرَةَ لَهَا لِلْعِدِّيَّةِ وَ لَا أَكْثَرِيَّةَ لَهَا.

بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ الْعَدَدِيَّةُ هِيَ الثَّانِيَةَ فَإِنَّ عَلَاقَةَ الْمُجَاوَرَةِ مَوْجُودَةٌ وَ الثَّانِي أَقْوَي فَإِنْ كَانَتْ الْعَدَدِيَّةُ هِيَ الْأُولَي تَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِالْخَامِسَةِ وَ الْعِشْرِينَ وَ إِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ فَبِالسَّادِسَةِ وَ الْعِشْرِينَ.

وَيَبْقَي فِيهِ إشْكَالٌ آخَرُ وَ هُوَ أَنَّ طَلَاقَ الْعِدَّةِ حِينَئِذٍ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالرَّجْعَةِ بَعْدَهُ وَ الْوَطْءِ فَإِذَا تَوَقَّفَ التَّحْرِيمُ عَلَي تَحَقُّقِ التِّسْعِ كَذَلِكَ لَزِمَ تَحْرِيمُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْأَخِيرَةِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَ هُوَ بَعِيدٌ.

وَلَوْ تَوَقَّفَ

عَلَي طَلَاقٍ آخَرَ بَعْدَهُ وَ لَمْ يَكُنْ ثَالِثًا لَزِمَ جَعْلُ مَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ مُحَرَّمًا وَ الْحُكْمُ بِالتَّحْرِيمِ بِدُونِ طَلَاقٍ مَوْقُوفٌ عَلَي التَّحْلِيلِ وَ كِلَاهُمَا بَعِيدٌ وَ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ شَيْءٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، فَلِلتَّوَقُّفِ فِيمَا خَالَفَ النَّصَّ مَجَالٌ.

هَذَا كُلُّهُ حُكْمُ الْحُرَّةِ، أَمَّا الْأَمَةُ فَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهَا تُحَرَّمُ بَعْدَ كُلِّ طَلْقَتَيْنِ فَلَا يَجْتَمِعُ لَهَا طَلَاقُ تِسْعٍ لِلْعِدَّةِ مَعَ نِكَاحِ رَجُلَيْنِ وَ هُمَا مُعْتَبَرَانِ فِي التَّحْرِيمِ نَصًّا وَ فَتْوًي، فَيُحْتَمَلُ تَحْرِيمُهَا بِسِتٍّ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ التِّسْعِ لِلْحُرَّةِ وَ يَنْكِحُهَا بَيْنَهَا رَجُلَانِ.

وَيُحْتَمَلُ اعْتِبَارُ التِّسْعِ كَالْحُرَّةِ اسْتِصْحَابًا لِلْحِلِّ إلَي أَنْ يَثْبُتَ الْمُحَرَّمُ وَ لَا يَقْدَحُ نِكَاحُ أَزْيَدَ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِصِدْقِهِمَا مَعَ الزَّائِدِ.

وَعَلَي التَّقْدِيرَيْنِ فَيُحْتَمَلُ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ كُلِّهِ لِلْعِدَّةِ اقْتِصَارًا فِي الْمَجَازِ عَلَي الْمُتَحَقِّقِ وَ الِاكْتِفَاءُ فِي كُلِّ اثْنَتَيْنِ بِوَاحِدَةٍ لِلْعِدَّةِ وَ هِيَ الْأُولَي؛ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الِاثْنَتَيْنِ؛ وَ لِصِدْقِ الْمَجَازِ فِي إطْلَاقِ الْعِدِّيَّةِ عَلَي الْجَمِيعِ بِعَلَاقَةِ الْمُجَاوَرَةِ.

فَعَلَي الْأَوَّلِ يُعْتَبَرُ اثْنَتَا عَشْرَةَ تَطْلِيقَةً إذَا وَقَعَتْ الْأُولَي مِنْ كُلِّ اثْنَتَيْنِ لِلْعِدَّةِ وَ عَلَي التِّسْعِ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَ يَبْقَي الْكَلَامُ فِي الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ وَ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ كَمَا مَرَّ.

وَعَلَي الثَّانِي يُكْتَفَي بِالسِّتِّ أَوْ التِّسْعِ وَ يُحْتَمَلُ فِي الْأَمَةِ عَدَمُ تَحْرِيمِهَا مُؤَبَّدًا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ أَنَّ مَوْرِدَهُ الْحُرَّةُ بِقَرِينَةِ نِكَاحِ الرَّجُلَيْنِ مَعَ التِّسْعِ فَيَتَمَسَّكُ فِي الْأَمَةِ بِأَصَالَةِ بَقَاءِ الْحِلِّ؛ وَ لِعَدَمِ اجْتِمَاعِ الشَّرْطَيْنِ فِيهَا وَ لِلتَّوَقُّفِ مَجَالٌ.

(الْعَاشِرَةُ: تَحْرُمُ الْمُلَاعِنَةُ أَبَدًا)

وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ حُكْمِهَا وَ شَرَائِطِهَا (وَ كَذَا تَحْرُمُ الصَّمَّاءُ وَ الْخَرْسَاءُ إذَا قَذَفَهَا زَوْجُهَا بِمَا يُوجِبُ اللِّعَانَ) لَوْلَا الْآفَةُ.

بِأَنْ يَرْمِيَهَا بِالزِّنَا مَعَ دَعْوَي الْمُشَاهَدَةِ وَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ، فَلَوْ لَمْ يَدَّعِ حُدَّ وَ لَمْ تَحْرُمْ وَ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمَا قَذَفَهَا بِهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ وَ التَّحْرِيمُ كَمَا يَسْقُطُ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَي حُكْمِ

الْقَذْفِ فِي إيجَابِ اللِّعَانِ وَ عَدَمِهِ وَ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ، بَلْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا إنْ ثَبَتَ الْقَذْفُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَ إِلَّا حَرُمَتْ فِيمَا بَيْنَهُ و بين اللَّهِ تَعَالَي وَ بَقِيَ الْحَدُّ فِي ذِمَّتِهِ عَلَي مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي بَصِيرٍ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ فِي الْحُكْمِ وَ إِنْ كَانَ الْمُسْتَنَدُ الْآنَ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ كَمَا ادَّعَاهُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ دَلَّتْ الرِّوَايَةُ أَيْضًا عَلَي اعْتِبَارِ الصَّمَمِ وَ الْخَرَسِ مَعًا.

فَلَوْ اتَّصَفَتْ بِأَحَدِهِمَا خَاصَّةً فَمُقْتَضَي الرِّوَايَةِ وَ دَلِيلُ الْأَصْلِ عَدَمُ التَّحْرِيمِ و لكن أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ عَطَفُوا أَحَدَ الْوَصْفَيْنِ عَلَي الْآخَرِ بِأَوْ الْمُقْتَضِي لِلِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِهِمَا وَ الْمُصَنِّفُ عَطَفَ بِالْوَاوِ وَ هُوَ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا و لكن وَرَدَ الْخَرَسُ وَحْدَهُ فِي رِوَايَتَيْنِ فَالِاكْتِفَاءُ بِهِ وَحْدَهُ حَسَنٌ.

أَمَّا الصَّمَمُ وَحْدَهُ فَلَا نَصَّ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ يُعْتَدُّ بِهِ.

وَفِي التَّحْرِيرِ اسْتَشْكَلَ حُكْمُ الصَّمَّاءِ خَاصَّةً بَعْدَ أَنْ اسْتَقْرَبَ التَّحْرِيمَ وَ لَوْ نَفَي وَلَدِهَا عَلَي وَجْهٍ يَثْبُتُ اللِّعَانُ بِهِ لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُؤَفَّةٍ فَفِي ثُبُوتِ اللِّعَانِ، أَوْ تَحْرِيمِهَا بِهِ كَالْقَذْفِ وَجْهَانِ: مِنْ مُسَاوَاتِهِ لِلْقَذْفِ فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ بِاللِّعَانِ فَيُسَاوِيهِ بِالْمَعْلُولِ الْآخَرِ.

وَدَعْوَي الشَّيْخِ فِي الْخِلَافِ الْإِجْمَاعَ عَلَي أَنَّهُ لَا لِعَانَ لِلصَّمَّاءِ وَ الْخَرْسَاءِ وَ مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ الْمُتَنَاوِلِ لِكُلِّ زَوْجَةٍ خَرَجَ مِنْهُ قَذْفُهُمَا بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ فَيَبْقَي الْبَاقِي دَاخِلًا فِي عُمُومِ الْحُكْمِ بِاللِّعَانِ وَ تَوَقَّفَ التَّحْرِيمُ عَلَيْهِ وَ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُسَاوَاةِ النَّفْيِ الْقَذْفُ فِي حُكْمِ مُسَاوَاتِهِ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَي النَّصِّ وَ الْإِجْمَاعُ إنَّمَا نُقِلَ عَلَي عَدَمِ لِعَانِهِمَا مَعَ الْقَذْفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ هُنَا مَعَ الْقَذْفِ بَيْنَ دُخُولِهِ بِهِمَا وَ عَدَمِهِ عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ.

أَمَّا نَفْيُ الْوَلَدِ فَاشْتِرَاطُهُ حَسَنٌ وَ مَتَي حَرُمَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْأَجْوَدُ ثُبُوتُ جَمِيعِ الْمَهْرِ؛ لِثُبُوتِهِ

بِالْعَقْدِ فَيُسْتَصْحَبُ وَ تَنْصِيفُهُ فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ لَا يُوجِبُ التَّعَدِّي وَ أَلْحَقَ الصَّدُوقُ فِي الْفَقِيهِ بِذَلِكَ قَذْفَ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا الْأَصَمَّ فَحَكَمَ بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ مُؤَبَّدًا، حَمْلًا عَلَي قَذْفِهِ لَهَا وَ هُوَ مَعَ غَرَابَتِهِ قِيَاسٌ لَا نَقُولُ بِهِ.

(الْحَادِيَةَ عَشَرَ: تَحْرُمُ الْكَافِرَةُ غَيْرُ الْكِتَابِيَّةِ)

وَهِيَ الْيَهُودِيَّةُ وَ النَّصْرَانِيَّةُ وَ الْمَجُوسِيَّةُ (عَلَي الْمُسْلِمِ) إجْمَاعًا وَ تَحْرُمُ الْكِتَابِيَّةُ عَلَيْهِ دَوَامًا لَا مُتْعَةً وَ مِلْكَ يَمِينٍ عَلَي أَشْهَرِ الْأَقْوَالِ وَ الْقَوْلُ الْآخَرُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَ الثَّالِثُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا.

وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْمَجُوسِيَّةَ مِنْ أَقْسَامِ الْكِتَابِيَّةِ مَعَ أَنَّهَا مُغَايِرَةٌ لَهَا وَ إِنْ أُلْحِقَتْ بِهَا فِي الْحُكْمِ؛ لِدَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ عَلَي تَحْرِيمِ نِكَاحِ مَنْ عَدَاهَا مَعَ وُقُوعِ الْخِلَافِ فِي الْمَجُوسِيَّةِ، فَلَوْلَا تَغْلِيبُهُ الِاسْمَ عَلَيْهَا لَدَخَلَتْ فِي الْمُجْمَعِ عَلَي تَحْرِيمِهِ.

وَوَجْهُ إطْلَاقِهِ عَلَيْهَا أَنَّ لَهَا شُبْهَةَ كِتَابٍ صَحَّ بِسَبَبِهِ التَّجَوُّزُ وَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُهَا فَنَاسَبَ الْإِطْلَاقَ وَ إِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ ابْتِدَاءً لَا اسْتِدَامَةً لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ. (وَ لَوْ ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ) عَنْ الْإِسْلَامِ (قَبْلَ الدُّخُولِ بَطَلَ النِّكَاحِ) سَوَاءٌ كَانَ الِارْتِدَادُ فِطْرِيًّا أَمْ مِلِّيًّا، (وَيَجِبُ) عَلَي الزَّوْجِ (نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ كَانَ الِارْتِدَادُ مِنْ الزَّوْجِ)؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ ثُمَّ إنْ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ صَحِيحَةً فَنِصْفُ الْمُسَمَّي وَ إِلَّا فَنِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَ قِيلَ: يَجِبُ جَمِيعُ الْمَهْرِ؛ لِوُجُوبِهِ بِالْعَقْدِ وَ لَمْ يَثْبُتْ تَشْطِيرُهُ إلَّا بِالطَّلَاقِ وَ هُوَ أَقْوَي (وَ لَوْ كَانَ) الِارْتِدَادُ (مِنْهَا فَلَا مَهْرَ) لَهَا؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ.

(وَ لَوْ كَانَ) الِارْتِدَادُ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الدُّخُولِ (وَقَفَ) انْفِسَاخُ النِّكَاحِ (عَلَي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) إنْ كَانَ الِارْتِدَادُ مِنْ الزَّوْجَةِ مُطْلَقًا، أَوْ مِنْ الزَّوْجِ عَنْ غَيْرِ فِطْرَةٍ فَإِنْ رَجَعَ الْمُرْتَدُّ قَبْلَ انْقِضَائِهَا ثَبَتَ النِّكَاحُ وَ إِلَّا

انْفَسَخَ.

(وَ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ)؛ لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ (وَ لَوْ كَانَ) ارْتِدَادُهُ (عَنْ فِطْرَةٍ بَانَتْ) الزَّوْجَةُ (فِي الْحَالِ) إذْ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بَلْ يُقْتَلُ وَ تَخْرُجُ عَنْهُ أَمْوَالُهُ بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ وَ تَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ وَ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ. (وَ لَوْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ) دُونَهَا (فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ) قَبْلَ الدُّخُولِ وَ بَعْدَهُ، دَائِمًا وَ مُنْقَطِعًا، كِتَابِيًّا كَانَ الزَّوْجُ أَمْ وَثَنِيًّا، جَوَّزْنَا نِكَاحَهَا لِلْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً أَمْ لَا، (وَ لَوْ أَسْلَمَتْ دُونَهُ) بَعْدَ الدُّخُولِ (وَقَفَ) الْفَسْخُ (عَلَي) انْقِضَاءِ (الْعِدَّةِ) وَ هِيَ عِدَّةُ الطَّلَاقِ مِنْ حِينِ إسْلَامِهَا فَإِنْ انْقَضَتْ وَ لَمْ يُسْلِمْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ حِينَ إسْلَامِهَا وَ إِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا تَبَيَّنَ بَقَاءُ النِّكَاحِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَ عَلَيْهِ الْفَتْوَي.

وَلِلشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلٌ بِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْفَسِخُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ ذِمِّيًّا، لَكِنْ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا لَيْلًا وَ لَا مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا وَ لَا مِنْ إخْرَاجِهَا إلَي دَارِ الْحَرْبِ مَا دَامَ قَائِمًا بِشَرَائِطِ الذِّمَّةِ، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ مُرْسَلَةٍ أَوْ مُعَارَضَةٍ بِمَا هُوَ أَقْوَي مِنْهَا.

(وَ إِنْ كَانَ) الْإِسْلَامُ (قَبْلَ الدُّخُولِ وَ أَسْلَمَتْ الزَّوْجَةُ بَطَلَ) الْعَقْدُ وَ لَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا وَ إِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ بَقِيَ النِّكَاحُ كَمَا مَرَّ وَ لَوْ أَسْلَمَا مَعًا ثَبَتَ النِّكَاحُ؛ لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضِي لِلْفَسْخِ.

(الثَّانِيَةَ عَشَرَ: لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْوَثَنِيَّيْنِ)

الْمَنْسُوبَيْنِ إلَي عِبَادَةِ الْوَثَنِ وَ هُوَ الصَّنَمُ وَ كَذَا مَنْ - بِحُكْمِهِمَا مِنْ الْكُفَّارِ غَيْرِ الْفِرَقِ الثَّلَاثَةِ و كان الْإِسْلَامُ (قَبْلَ الدُّخُولِ بَطَلَ) النِّكَاحُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إنْ كَانَ هُوَ الزَّوْجُ اسْتَحَالَ بَقَاؤُهُ عَلَي نِكَاحِ الْكَافِرَةِ غَيْرِ الْكِتَابِيَّةِ؛ لِتَحْرِيمِهِ ابْتِدَاءً وَ اسْتِدَامَةً وَ إِنْ كَانَ هِيَ الزَّوْجَةُ فَأَظْهَرُ، (وَيَجِبُ النِّصْفُ) أَيْ: نِصْفُ الْمَهْرِ (بِإِسْلَامِ الزَّوْجِ) وَ عَلَي

مَا تَقَدَّمَ فَالْجَمِيعُ وَ يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهَا لِمَا ذَكَرَ، (وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ (يَقِفُ) الْفَسْخُ (عَلَي) انْقِضَاءِ (الْعِدَّةِ) فَإِنْ انْقَضَتْ وَ لَمْ يُسْلِمْ الْآخَرُ تَبَيَّنَ انْفِسَاخُهُ مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ وَ إِنْ أَسْلَمَ فِيهَا اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ وَ عَلَي الزَّوْجِ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ مَعَ الدُّخُولِ إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةَ وَ كَذَا فِي السَّابِقِ وَ لَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ هُوَ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَنْ زَمَنِ الْكُفْرِ مُطْلَقًا،؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْهَا مَعَ قُدْرَتِهَا عَلَي زَوَالِهِ.

(وَ لَوْ أَسْلَمَا مَعًا فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ)؛ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي لِلْفَسْخِ وَ الْمُعْتَبَرُ فِي تَرَتُّبِ الْإِسْلَامِ وَ مَعِيَّتِهِ بِآخَرَ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ لَا بِأَوَّلِهَا وَ لَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ قَدْ أَنْكَحَهُمَا الْوَلِيُّ فَالْمُعْتَبَرُ إسْلَامُ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ فِي إسْلَامِ وَلَدِهِ وَ لَا اعْتِبَارَ بِمَجْلِسِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا، (وَ لَوْ أَسْلَمَ الْوَثَنِيُّ) وَ مَنْ فِي حُكْمِهِ (أَوْ الْكِتَابِيُّ عَلَي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ) نِسْوَةٍ بِالْعَقْدِ الدَّائِمِ (فَأَسْلَمْنَ، أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ) وَ إِنْ لَمْ يُسْلِمْنَ (تَخَيَّرَ أَرْبَعًا) مِنْهُنَّ وَ فَارَقَ سَائِرَهُنَّ إنْ كَانَ حُرًّا وَ هُنَّ حَرَائِرُ وَ إِلَّا اخْتَارَ مَا عَيَّنَ لَهُ سَابِقًا مِنْ حُرَّتَيْنِ وَ أَمَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثِ حَرَائِرَ وَ أَمَةٍ وَ الْعَبْدُ يَخْتَارُ حُرَّتَيْنِ، أَوْ أَرْبَعَ إمَاءٍ، أَوْ حُرَّةً وَ أَمَتَيْنِ، ثُمَّ تَتَخَيَّرُ الْحُرَّةُ فِي فَسْخِ عَقْدِ الْأَمَةِ وَ إِجَازَتِهِ كَمَا مَرَّ.

وَلَوْ شَرَطْنَا فِي نِكَاحَ الْأَمَةِ الشَّرْطَيْنِ تَوَجَّهَ انْفِسَاخُ نِكَاحِهَا هُنَا إذَا جَامَعَتْ حُرَّةً؛ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا الْمُنَافِيَةِ لِنِكَاحِ الْأَمَةِ وَ لَوْ تَعَدَّدَتْ الْحَرَائِرُ اُعْتُبِرَ رِضَاهُنَّ جُمَعَ مَا لَمْ يَزِدْنَ عَلَي أَرْبَعٍ فَيُعْتَبَرُ رِضَاءُ مَنْ يَخْتَارُهُنَّ مِنْ النِّصَابِ.

وَلَا فَرْقَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ مَنْ تَرَتَّبَ عَقْدُهُنَّ وَ اقْتَرَنَ وَ لَا بَيْنَ اخْتِيَارِ الْأَوَائِلِ وَ الْأَوَاخِرِ وَ لَا بَيْنَ مَنْ دَخَلَ بِهِنَّ وَ غَيْرِهِنَّ.

وَلَوْ أَسْلَمَ مَعَهُ أَرْبَعٌ وَ بَقِيَ أَرْبَعُ كِتَابِيَّاتٍ فَالْأَقْوَي بَقَاءُ التَّخْيِيرِ.

(الثَّالِثَةَ عَشَرَ: لَا يُحْكَمُ

بِفَسْخِ نِكَاحِ الْعَبْدِ بِإِبَاقِهِ

وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فِي الْعِدَّةِ عَلَي الْأَقْوَي)؛ لِأَصَالَةِ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ؛ (وَرِوَايَةِ عَمَّارٍ) السَّابَاطِيِّ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

سَأَلْته عَنْ رَجُلٍ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ إنَّ الْعَبْدَ أَبَقَ فَقال:

" لَيْسَ لَهَا عَلَي مَوْلَاهُ نَفَقَةٌ وَ قَدْ بَانَتْ عِصْمَتُهَا مِنْهُ، فَإِنَّ إبَاقَ الْعَبْدِ طَلَاقُ امْرَأَتِهِ وَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ عَنْ الْإِسْلَامِ " قُلْت: فَإِنْ رَجَعَ إلَي مَوْلَاهُ تَرْجِعُ امْرَأَتُهُ إلَيْهِ؟ قال:

" إنْ كَانَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا وَ إِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ وَ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ فَهِيَ امْرَأَتُهُ عَلَي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ " (ضَعِيفَةُ) السَّنَدِ فَإِنَّ عَمَّارًا وَ إِنْ كَانَ ثِقَةً إلَّا أَنَّهُ فَطُحِّي لَا يَعْتَمِدُ عَلَي مَا يَنْفَرِدُ بِهِ وَ نَبَّهَ بِالْأَقْوَي عَلَي خِلَافِ الشَّيْخِ فِي النِّهَايَةِ حَيْثُ عَمِلَ بِمَضْمُونِهَا وَ تَبِعَهُ ابْنُ حَمْزَةَ، إلَّا أَنَّهُ خَصَّ الْحُكْمَ بِكَوْنِ الْعَبْدِ زَوْجًا لِأَمَةِ غَيْرِ سَيِّدِهِ و قد تَزَوَّجَهَا بِإِذْنِ السَّيِّدَيْنِ وَ الْحَقُّ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ عَلَي السَّيِّدِ وَ لَا تَبِينُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِالطَّلَاقِ.

(الرَّابِعَةَ عَشَرَ: الْكَفَاءَةُ)

بِالْفَتْحِ وَ الْمَدِّ وَ هِيَ تَسَاوِي الزَّوْجَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ وَ الْإِيمَانِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ هُوَ الزَّوْجَ وَ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةٌ مِنْ غَيْرِ الْفِرَقِ الْمَحْكُومِ بِكُفْرِهَا مُطْلَقًا، أَوْ كِتَابِيَّةً فِي غَيْرِ الدَّائِمِ.

وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ يَسَارُ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ قُوَّةً، أَوْ فِعْلًا.

وَقِيلَ: يُكْتَفَي بِالْإِسْلَامِ وَ الْأَشْهَرُ الْأَوَّلُ وَ كَيْفَ فُسِّرَتْ فَهِيَ (مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمَةِ) مُطْلَقًا (التَّزْوِيجُ بِالْكَافِرِ) وَ هُوَ مَوْضِعُ وِفَاقٍ.

(وَ لَا يَجُوزُ لِلنَّاصِبِ التَّزْوِيجَ بِالْمُؤْمِنَةِ)؛ لِأَنَّ النَّاصِبِيَّ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِيِّ وَ النَّصْرَانِيِّ عَلَي مَا رُوِيَ فِي أَخْبَارِ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ وَ كَذَا الْعَكْسُ سَوَاءٌ الدَّائِمُ، أَوْ الْمُتْعَةُ، (وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ التَّزْوِيجُ مُتْعَةً وَ اسْتِدَامَةً)، لِلنِّكَاحِ عَلَي تَقْدِيرِ إسْلَامِهِ (كَمَا

مَرَّ بِالْكَافِرَةِ) الْكِتَابِيَّةِ و منها الْمَجُوسِيَّةُ و كان عَلَيْهِ أَنْ يُقَيِّدَهَا وَ لَعَلَّهُ اكْتَفَي بِالتَّشْبِيهِ بِمَا مَرَّ.

(وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُؤْمِنَةِ التَّزْوِيجُ بِالْمُخَالِفِ) مِنْ أَيِّ فِرَقِ الْإِسْلَامِ كَانَ؟ وَ لَوْ مِنْ الشِّيعَةِ غَيْرِ الْإِمَامِيَّةِ؟ (قَوْلَانِ): أَحَدُهُمَا - وَ عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ - الْمَنْعُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: { الْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ } دَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَي أَنَّ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْمُؤْمِنَةِ؛ وَ قَوْلِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: { إذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَ دِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إنْ لَا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَ فَسَادٌ كَبِيرٌ وَ الْمُؤْمِنُ لَا يَرْضَي دِينَ غَيْرِهِ } وَ قَوْلُ الصَّادِقِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: " إنَّ الْعَارِفَةَ لَا تُوضَعُ إلَّا عِنْدَ عَارِفٍ " وَ فِي مَعْنَاهَا أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ وَاضِحَةُ الدَّلَالَةِ عَلَي الْمَنْعِ لَوْ صَحَّ سَنَدُهَا وَ فِي بَعْضِهَا تَعْلِيلُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَأْخُذُ مِنْ أَدَبِ زَوْجِهَا وَ يَقْهَرُهَا عَلَي دِينِهِ.

وَالثَّانِي: الْجَوَازُ عَلَي كَرَاهِيَةٍ، اخْتَارَهُ الْمُفِيدُ وَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ سَعِيدٍ، إمَّا؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْإِسْلَامُ؛ أَوْ لِضَعْفِ الدَّلِيلِ الدَّالِ عَلَي اشْتِرَاطِ الْإِيمَانِ، فَإِنَّ الْأَخْبَارَ بَيْنَ مُرْسَلٍ وَ ضَعِيفٍ وَ مَجْهُولٍ وَ لَا شَكَّ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ الْمَطْلُوبَ فِي النِّكَاحِ - الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهِ مَهَامُّ الدِّينِ مَعَ تَظَافُرِ الْأَخْبَارِ بِالنَّهْيِ وَ ذَهَابِ الْمُعْظَمِ إلَيْهِ حَتَّي ادَّعَي بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ - يُرَجِّحُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَي حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ مُشْعِرٌ بِمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ.

(أَمَّا الْعَكْسُ فَجَائِزٌ) قَطْعًا؛ (لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَأْخُذُ مِنْ دِينِ بَعْلِهَا) فَيَقُودُهَا إلَي الْإِيمَانِ وَ الْإِذْنُ فِيهِ مِنْ الْأَخْبَارِ كَثِيرٌ.

(الْخَامِسَةَ عَشَرَ: لَيْسَ التَّمَكُّنُ مَنْ النَّفَقَةِ)

قُوَّةً، أَوْ فِعْلًا (شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَي: { وَ أَنْكَحُوا الْأَيَامَي مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَ إِمَائِكُمْ إنْ

يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اَللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } وَ الْخَبَرَيْنِ السَّابِقِينَ.

ثُمَّ إنْ كَانَتْ عَالِمَةً بِفَقْرِهِ لَزِمَ الْعَقْدُ وَ إِلَّا فَفِي تَسَلُّطِهَا عَلَي الْفَسْخِ إذَا عُلِمَتْ قَوْلَانِ مَأْخَذُهُمَا: لُزُومُ التَّضَرُّرِ بِبَقَائِهِ مَعَهُ، كَذَلِكَ الْمَنْفِيُّ بِالْآيَةِ وَ الرِّوَايَةِ.

. وَ أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ لَازِمٌ وَ الْأَصْلُ الْبَقَاءُ وَ لِقَوْلِهِ تَعَالَي: { وَ إِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَي مَيْسَرَةٍ } وَ هُوَ عَامٌّ وَ هُوَ الْأَجْوَدُ وَ الْوَجْهَانِ آتِيَانِ فِيمَا إذَا تَجَدَّدَ عَجْزُهُ.

وَقِيلَ: هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ كَالْإِسْلَامِ وَ أَنَّ الْكَفَاءَةَ مُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْهُمَا وَ مِنْ الْإِيمَانِ.

وَالْأَقْوَي عَدَمُ شَرْطِيَّتِهِ مُطْلَقًا.

(نَعَمْ هُوَ شَرْطٌ فِي وجوب الْإِجَابَةِ) مِنْهَا، أَوْ مِنْ وَلِيِّهَا؛ لِأَنَّ الصَّبْرَ عَلَي الْفَقْرِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فِي الْجُمْلَةِ فَيَنْبَغِي جَبْرُهُ بِعَدَمِ وجوب إجَابَتِهِ وَ إِنْ جَازَتْ أَوْ رُجِّحَتْ مَعَ تَمَامِ خُلُقِهِ وَ كَمَالِ دِينِهِ كَمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي إنْكَاحِ جُوَيْبِرٍ وَ غَيْرِهِ وَ مُلَاحَظَةُ الْمَالِ مَعَ تَمَامِ الدِّينِ لَيْسَ مَحَطَّ نَظَرِ ذَوِي الْهِمَمِ الْعَوَالِي.

(السَّادِسَةَ عَشَرَ: يُكْرَهُ تَزْوِيجُ الْفَاسِقِ

خُصُوصًا شَارِبَ الْخَمْرِ) قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " مَنْ زَوَّجَ كَرِيمَتَهُ مِنْ شَارِبِ الْخَمْرِ فَقَدْ قَطَعَ رَحِمَهَا " وَ ذَهَبَ بَعْضُ الْعَامَّةِ إلَي عَدَمِ جَوَازِ تَزْوِيجِ الْفَاسِقِ مُطْلَقًا إلَّا لِمِثْلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَي: { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ }.

(السَّابِعَةَ عَشَرَ: لَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ بِالْعَقْدِ لِذَاتِ الْبَعْلِ اتِّفَاقًا)

؛ وَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ؛ (وَ لَا لِلْمُعْتَدَّةِ رَجْعِيَّةً)؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُزَوَّجَةِ.

وَالْمُرَادُ بِالتَّعْرِيضِ الْإِتْيَانُ بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُ الرَّغْبَةَ فِي النِّكَاحِ وَ غَيْرِهَا مَعَ ظُهُورِ إرَادَتِهَا.

مِثْلَ رُبَّ رَاغِبٍ فِيكِ وَ حَرِيصٍ عَلَيْكِ، أَوْ إنِّي رَاغِبٌ فِيكِ، أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ كَرِيمَةٌ، أَوْ عَزِيزَةٌ، أَوْ إنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إلَيْكِ خَيْرًا وَ رِزْقًا

وَ نَحْوِ ذَلِكَ وَ إِذَا حَرُمَ التَّعْرِيضُ لَهُمَا فَالتَّصْرِيحُ أَوْلَي.

(وَيَجُوزُ فِي الْمُعْتَدَّةِ بَائِنًا) كَالْمُخْتَلِعَةِ (التَّعْرِيضُ مِنْ الزَّوْجِ) وَ إِنْ لَمْ تَحِلَّ لَهُ فِي الْحَالِ، (وَ غَيْرِهِ وَ التَّصْرِيحُ مِنْهُ) وَ هُوَ الْإِتْيَانُ بِلَفْظٍ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ إرَادَةِ النِّكَاحِ (إنْ حَلَّتْ لَهُ فِي الْحَالِ) بِأَنْ تَكُونَ عَلَي طَلْقَةٍ، أَوْ طَلْقَتَيْنِ وَ إِنْ تَوَقَّفَ الْحِلُّ عَلَي رُجُوعِهَا فِي الْبَذْلِ، (وَيَحْرُمُ) التَّصْرِيحُ مِنْهُ (إنْ تَوَقَّفَ) حِلُّهَا لَهُ (عَلَي الْمُحَلِّلِ وَ كَذَا يَحْرُمُ التَّصْرِيحُ فِي الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ مُطْلَقًا)، سَوَاءٌ تَوَقَّفَ حِلُّهَا لِلزَّوْجِ عَلَي مُحَلِّلٍ أَمْ لَا وَ كَذَا مِنْهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ.

(وَيَحْرُمُ التَّعْرِيضُ لِلْمُطَلَّقَةِ تِسْعًا لِلْعِدَّةِ مِنْ الزَّوْجِ)؛ لِامْتِنَاعِ نِكَاحِهِ لَهَا وَ مِثْلُهُ الْمُلَاعِنَةُ وَ نَحْوُهَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَي التَّأْبِيدِ، (وَيَجُوزُ) التَّعْرِيضُ لَهَا (مِنْ غَيْرِهِ) كَغَيْرِهَا مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ بَائِنًا.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِجَابَةَ تَابِعَةٌ لِلْخِطْبَةِ فِي الْجَوَازِ وَ التَّحْرِيمِ.

وَلَوْ فَعَلَ الْمَمْنُوعَ تَصْرِيحًا، أَوْ تَعْرِيضًا لَمْ تَحْرُمْ بِذَلِكَ فَيَجُوزُ لَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ تَزْوِيجُهَا، كَمَا لَوْ نَظَرَ إلَيْهَا فِي وَقْتِ تَحْرِيمِهِ ثُمَّ أَرَادَ نِكَاحَهَا.

(الثَّامِنَةَ عَشَرَ: تَحْرُمُ الْخِطْبَةُ بَعْدَ إجَابَةِ الْغَيْرِ)

مِنْهَا، أَوْ مَنْ وَكِيلِهَا أَوْ وَلِيِّهَا؛ لِقَوْلِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: { لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَي خِطْبَةِ أَخِيهِ } فَإِنَّ النَّهْيَ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ؛ وَ لِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْمُؤْمِنِ وَ إِثَارَةِ الشَّحْنَاءِ الْمُحَرَّمَةِ فَيَحْرُمُ مَا كَانَ وَسِيلَةً إلَيْهِ وَ لَوْ رُدَّ لَمْ تَحْرُمْ إجْمَاعًا وَ لَوْ انْتَفَي الْأَمْرَانِ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّحْرِيمُ أَيْضًا، لَكِنْ لَمْ نَقِفْ عَلَي قَائِلٍ بِهِ، (وَ لَوْ خَالَفَ) وَ خَطَبَ (وَعَقَدَ صَحَّ) وَ إِنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا، إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ تَحْرِيمِ الْخِطْبَةِ وَ صِحَّةِ الْعَقْدِ.

(وَ قِيلَ: تُكْرَهُ الْخِطْبَةُ) بَعْدَ إجَابَةِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ؛ لِأَصَالَةِ الْإِبَاحَةِ؛ وَ عَدَمِ صَيْرُورَتِهَا بِالْإِجَابَةِ زَوْجَةً؛ وَ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْحَدِيثِ كَحَدِيثِ،

النَّهْيِ عَنْ الدُّخُولِ فِي سَوْمِهِ وَ هَذَا أَقْوَي وَ إِنْ كَانَ الِاجْتِنَابُ طَرِيقَ الِاحْتِيَاطِ.

هَذَا كُلُّهُ فِي الْخَاطِبِ الْمُسْلِمِ، أَمَّا الذِّمِّيُّ إذَا خَطَبَ الذِّمِّيَّةَ لَمْ تَحْرُمْ خِطْبَةُ الْمُسْلِمِ لَهَا قَطْعًا،؛ لِلْأَصْلِ؛ وَ عَدَمِ دُخُولِهِ فِي النَّهْيِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: { عَلَي خِطْبَةِ أَخِيهِ }.

(التَّاسِعَةَ عَشَرَ: يُكْرَهُ الْعَقْدُ عَلَي الْقَابِلَةِ الْمُرَبِّيَةِ)

؛ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي عِدَّةِ أَخْبَارِ الْمَحْمُولَةِ عَلَي الْكَرَاهَةِ جَمْعًا بَيْنَهَا و بين مَا دَلَّ صَرِيحًا عَلَي الْحِلِّ وَ قِيلَ: تَحْرُمُ عَمَلًا بِظَاهِرِ النَّهْيِ وَ لَوْ قَبِلَتْ وَ لَمْ تُرَبِّ، أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ تَحْرُمْ قَطْعًا وَ الْمُعْتَبَرُ فِي التَّرْبِيَةِ مُسَمَّاهَا عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ.

وَكَذَا يُكْرَهُ الْعَقْدُ عَلَي بِنْتِهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ أُخْتِهِ، كَمَا أَنَّ الْقَابِلَةَ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ؛ لِوُرُودِهَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ و كان عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهَا، إلَّا أَنَّهُ لَا قَائِلَ هُنَا بِالْمَنْعِ، (وَ) كَذَا يُكْرَهُ (أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ بِنْتَ زَوْجَتِهِ الْمَوْلُودَةَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ) لِأُمِّهَا وَ كَذَا ابْنَةُ أَمَتِهِ كَذَلِكَ؛ لِلنَّهْيِ عَنْهُ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ أَبَاهُ لَهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ.

وَكَذَا يُكْرَهُ تَزْوِيجُ ابْنَتِهِ لِابْنِهَا كَذَلِكَ وَ الرِّوَايَةُ شَامِلَةٌ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ فَرَضَهَا فِي تَزْوِيجِ وَلَدِهِ لِوَلَدِهَا، فَلَوْ فَرَضَهَا الْمُصَنِّفُ كَذَلِكَ كَانَ أَشْمَلَ، (أَمَّا) لَوْ وَلَدَتْهَا (قَبْلَ تَزْوِيجِهِ فَلَا كَرَاهَةَ)؛ لِعَدَمِ النَّهْيِ؛ وَ انْتِفَاءِ الْعِلَّةِ (وَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِضَرَّةِ الْأُمِّ مَعَ غَيْرِ الْأَبِ لَوْ فَارَقَهَا الزَّوْجُ)؛ لِرِوَايَةِ زُرَارَةُ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

" مَا أُحِبُّ لِلرَّجُلِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ ضَرَّةً كَانَتْ لِأُمِّهِ مَعَ غَيْرِ أَبِيهِ " وَ هُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ تَزَوَّجَ ذَلِكَ الْغَيْرُ قَبْلَ أَبِيهِ وَ بَعْدَهُ.

(الْعِشْرُونَ نِكَاحُ الشِّغَارِ)

بِالْكَسْرِ.

وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ أَيْضًا، (بَاطِلٌ) إجْمَاعًا (وَ هُوَ أَنْ يُزَوِّجَ كُلٌّ مِنْ الْوَلِيَّيْنِ الْآخَرَ عَلَي أَنْ يَكُونَ بُضْعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرًا لِلْأُخْرَي) وَ هُوَ نِكَاحٌ كَانَ

فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مَأْخُوذٌ مِنْ الشَّغْرِ وَ هُوَ: رَفْعُ إحْدَي الرِّجْلَيْنِ، إمَّا لِأَنَّ النِّكَاحَ يُفْضِي إلَي ذَلِكَ وَ مِنْهُ قَوْلُهُمْ: " أَشَغْرًا وَ فَخْرًا، " أَوْ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ رَفْعَ الْمَهْرِ، أَوْ مِنْ قَبِيلِ شَغْرِ الْبَلَدِ: إذَا خَلَا مِنْ الْقَاضِي وَ السُّلْطَانِ؛ لِخُلُوِّهِ مِنْ الْمَهْرِ.

وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ مَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ.

وَلَوْ خَلَا الْمَهْرُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بَطَلَ خَاصَّةً وَ لَوْ شَرَطَ كُلٌّ مِنْهُمَا تَزْوِيجَ الْأُخْرَي بِمَهْرٍ مَعْلُومٍ صَحَّ الْعَقْدَانِ وَ بَطَلَ الْمُسَمَّي؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مَعَهُ وَ هُوَ غَيْرُ لَازِمٍ وَ النِّكَاحُ لَا يَقْبَلُ الْخِيَارَ فَيَثْبُتُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَ كَذَا لَوْ زَوَّجَهُ بِمَهْرٍ وَ شَرَطَ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَ لَمْ يَذْكُرْ مَهْرًا.

الْفَصْلُ الرَّابِعُ - فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ

(الْفَصْلُ الرَّابِعُ - فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ)

وَهُوَ: النِّكَاحُ الْمُنْقَطِعُ، (وَ لَا خِلَافَ) بَيْنَ الْإِمَامِيَّةِ (فِي شَرْعِيَّتِهِ) مُسْتَمِرًّا إلَي الْآنَ، أَوْ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَاطِبَةً فِي أَصْلِ شَرْعِيَّتِهِ وَ إِنْ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي نَسْخِهِ.

(وَ الْقُرْآنُ) الْكَرِيمُ (مُصَرِّحٌ بِهِ) فِي قَوْله تَعَالَي: { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَ أَجْمَعَ أَهْلُ الْبَيْتِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ عَلَي ذَلِكَ وَ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ قَرَءُوا { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلَي أَجَلٍ مُسَمًّي }.

(وَدَعْوَي نَسْخِهِ) أَيْ: نَسْخِ جَوَازِهِ مِنْ الْجُمْهُورِ (لَمْ تَثْبُتْ)؛ لِتَنَاقُضِ رِوَايَاتِهِمْ بِنَسْخِهِ، فَإِنَّهُمْ رَوَوْا عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ { نَهَي عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ } وَ رَوَوْا عَنْ رَبِيعَ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قال:

{ شَكَوْنَا الْعُزْبَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقال:

اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ

فَتَزَوَّجْت امْرَأَةً ثُمَّ غَدَوْت عَلَي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ قَائِمٌ بَيْنَ الرُّكْنِ وَ الْبَابِ وَ هُوَ يقول:

إنِّي كُنْت قَدْ أَذِنْت لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ أَلَا وَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا إلَي يَوْمِ الْقِيَامَةِ } وَ مِنْ الْمَعْلُومِ ضَرُورَةً مِنْ مَذْهَبِ عَلِيٍّ وَ أَوْلَادِهِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ حِلُّهَا وَ إِنْكَارُ تَحْرِيمِهَا بِالْغَايَةِ فَالرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِخِلَافِهِ بَاطِلَةٌ.

ثُمَّ اللَّازِمُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ أَنْ تَكُونَ قَدْ نُسِخَتْ مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ إبَاحَتَهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَوَّلًا نَاسِخَةٌ لِتَحْرِيمِهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَ لَا قَائِلَ بِهِ و مع ذَلِكَ يَتَوَجَّهُ إلَي خَبَرِ سَبْرَةَ الطَّعْنُ فِي سَنَدِهِ وَ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ وَ مُعَارَضَتِهِ لِغَيْرِهِ.

وَرَوَوْا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهَا لَمْ تُنْسَخْ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِإِسْنَادِهِ إلَي عَطَاءٍ قال:

{ قَدِمَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُعْتَمِرًا فَجِئْنَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَسَأَلَهُ الْقَوْمَ عَنْ أَشْيَاءَ ثُمَّ ذَكَرُوا الْمُتْعَةَ فَقال:

نَعَمْ اسْتَمْتَعْنَا عَلَي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ } وَ هُوَ صَرِيحٌ فِي بَقَاءِ شَرْعِيَّتِهَا بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ.

(وَتَحْرِيمُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ) وَ هُوَ عُمَرُ (إيَّاهُ تَشْرِيعٌ) مِنْ عِنْدِهِ (مَرْدُودٌ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ فَهُوَ بَاطِلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ إجْمَاعًا وَ إِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الرِّوَايَةِ فَكَيْفَ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَي الصَّحَابَةِ أَجْمَعَ فِي بَقِيَّةِ زَمَنِ النَّبِيِّ وَ جَمِيعِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَ بَعْضِ خِلَافَةِ الْمُحَرِّمِ، ثُمَّ يَدُلُّ عَلَي أَنَّ تَحْرِيمَهُ مِنْ عِنْدِهِ لَا بِطَرِيقِ الرِّوَايَةِ، قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ: " مُتْعَتَانِ كَانَتَا

فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَلَالًا أَنَا أَنْهَي عَنْهُمَا وَ أُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا وَ لَوْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَدْ نَهَي عَنْهُمَا فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَكَانَ إسْنَادُهُ إلَيْهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَوْلَي وَ أَدْخَلُ فِي الزَّجْرِ وَ رَوَي شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ - وَ هُوَ مِنْ أَكَابِرِهِمْ - قال:

سَأَلْته عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ }، أَمَنْسُوخَةٌ هِيَ؟ قال:

" لَا " ثُمَّ قَالَ الْحَكَمُ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَوْلَا أَنَّ عُمَرَ نَهَي عَنْ الْمُتْعَةِ مَا زَنَي إلَّا شَقِيٌّ " وَ فِي صَحِيحِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ { رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَقال:

هِيَ حَلَالٌ فَقال:

إنَّ أَبَاك قَدْ نَهَي عَنْهَا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ أَبِي قَدْ نَهَي عَنْهَا و قد سَنَّهَا { صَنَعَهَا } رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ } أَتَتْرُكُ السُّنَّةَ وَ تَتْبَعُ قَوْلَ أَبِي.

وَأَمَّا الْأَخْبَارُ بِشَرْعِيَّتِهَا مِنْ طَرِيقِ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ فَبَالِغَةٌ، أَوْ كَادَتْ أَنْ تَبْلُغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ؛ لِكَثْرَتِهَا حَتَّي أَنَّهُ مَعَ كَثْرَةِ اخْتِلَافِ أَخْبَارِنَا الَّذِي أَكْثَرَهُ وَ لَوْ أَخَلَّ بِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ، بِخِلَافِ الدَّائِمِ (وَحُكْمُهُ كَالدَّائِمِ فِي جَمِيعِ مَا سَلَفَ) مِنْ الْأَحْكَامِ شَرْطًا وَ وِلَايَةً وَ تَحْرِيمًا بِنَوْعَيْهِ (إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ) مِنْ أَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تَنْحَصِرُ (فِي عَدَدٍ وَ نِصَابٍ) وَ مِنْ أَنَّهَا تَصِحُّ بِالْكِتَابِيَّةِ ابْتِدَاءً. (وَ لَا تَقْدِيرَ فِي الْمَهْرِ قِلَّةً وَ كَثْرَةً)، بَلْ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ مِمَّا يُتَمَوَّلُ وَ لَوْ بِكَفٍّ مِنْ بُرٍّ وَ قَدَّرَهُ الصَّدُوقُ بِدِرْهَمٍ، (وَ كَذَا) لَا تَقْدِيرَ (فِي الْأَجَلِ) قِلَّةً وَ كَثْرَةً وَ شَذَّ قَوْلُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ بِتَقْدِيرِهِ قِلَّةً بِمَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ

الزَّوَالِ، (وَ لَوْ وَهَبَهَا الْمُدَّةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمُسَمَّي) كَمَا لَوْ طَلَّقَ فِي الدَّوَامِ قَبْلَهُ وَ فِي إلْحَاقِ هِبَةِ بَعْضِ الْمُدَّةِ قَبْلَهُ بِالْجَمِيعِ نَظَرٌ وَ الْأَصْلُ يَقْتَضِي عَدَمَ السُّقُوطِ وَ لَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ لِلْجَمْعِ، أَوْ الْبَعْضِ لَمْ يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ قَطْعًا؛ لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ وَ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ إسْقَاطٌ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرَاءِ فَلَا يُفْتَقَرُ إلَي الْقَبُولِ.

(وَ لَوْ أَخَلَّتْ بِشَيْءٍ مِنْ الْمُدَّةِ) اخْتِيَارًا قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهُ (قَاصَّهَا) مِنْ الْمَهْرِ بِنِسْبَةِ مَا أَخَلَّتْ بِهِ مِنْ الْمُدَّةِ بِأَنْ يَبْسُطَ الْمَهْرَ عَلَي جَمِيعِ الْمُدَّةِ وَ يُسْقِطَ مِنْهُ بِحِسَابِهِ حَتَّي لَوْ أَخَلَّتْ بِهَا أَجْمَعَ سَقَطَ عَنْهُ الْمَهْرُ.

وَلَوْ كَانَ الْمَنْعُ لِعُذْرٍ كَالْحَيْضِ وَ الْمَرَضِ وَ الْخَوْفِ مِنْ ظَالِمٍ لَمْ يَسْقُطْ بِاعْتِبَارِهِ شَيْءٌ.

وَيُحْتَمَلُ ضَعِيفًا السُّقُوطُ بِالنِّسْبَةِ: كَالِاخْتِيَارِيِّ، نَظَرًا إلَي أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِقَرِينَةِ الْمَنْعِ الِاخْتِيَارِيِّ وَ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الِاخْتِيَارِيِّ وَ الِاضْطِرَارِيِّ.

وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ وَ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا يَدُلُّ عَلَي الْحُكْمَيْنِ وَ إِطْلَاقُ الْمُقَاصَّةِ عَلَي ذَلِكَ الْوَجْهِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ إخْلَالِهَا بِالْمُدَّةِ يُوجِبُ سُقُوطَ مُقَابِلِهَا مِنْ الْعِوَضِ الْآخَرِ وَ مِثْلُ هَذَا لَا يُعَدُّ مُقَاصَّةً وَ لَوْ مَاتَتْ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ فَأَوْلَي بِعَدَمِ سُقُوطِ شَيْءٍ كَالدَّائِمِ.

(وَ لَوْ أَخَلَّ بِالْأَجَلِ) فِي مَتْنِ الْعَقْدِ (انْقَلَبَ دَائِمًا، أَوْ بَطَلَ عَلَي خِلَافٍ) فِي ذَلِكَ مَنْشَؤُهُ: مِنْ صَلَاحِيَّةِ أَصْلِ الْعَقْدِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَ إِنَّمَا يَتَمَحَّضُ لِلْمُتْعَةِ بِذِكْرِ الْأَجَلِ؛ وَ لِلدَّوَامِ بِعَدَمِهِ فَإِذَا انْتَفَي الْأَوَّلُ ثَبَتَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ الصِّحَّةُ وَ مُوَثِّقُهُ ابْنُ بُكَيْرٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

" إنْ سُمِّيَ الْأَجَلُ فَهُوَ مُتْعَةٌ وَ إِنْ لَمْ يُسَمِّ الْأَجَلَ فَهُوَ نِكَاحٌ بَاقٍ " وَ عَلَي هَذَا عَمِلَ الشَّيْخُ وَ الْأَكْثَرُ وَ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي

شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَ مِنْ أَنَّ الْمُتْعَةَ شَرْطُهَا الْأَجَلُ إجْمَاعًا وَ الْمَشْرُوطُ عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ شَرْطِهِ؛ وَ لِصَحِيحَةِ زُرَارَةَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " لَا تَكُونُ مُتْعَةً إلَّا بِأَمْرَيْنِ: بِأَجَلٍ مُسَمًّي وَ أَجْرٍ مُسَمًّي " وَ أَنَّ الدَّوَامَ لَمْ يُقْصَدْ وَ الْعُقُودُ تَابِعَةٌ لِلْقُصُودِ وَ صَلَاحِيَّةُ الْإِيجَابِ لَهُمَا لَا يُوجِبُ حَمْلَ الْمُشْتَرَكِ عَلَي أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ مَعَ إرَادَةِ الْمَعْنَي الْآخَرِ الْمُبَايِنِ لَهُ.

وَهَذَا هُوَ الْأَقْوَي وَ الرِّوَايَةُ لَيْسَ فِيهَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُمَا أَرَادَا الْمُتْعَةَ وَ أَخَلَّا بِالْأَجَلِ، بَلْ مَضْمُونُهَا أَنَّ النِّكَاحَ مَعَ الْأَجَلِ مُتْعَةٌ وَ بِدُونِهِ دَائِمٌ وَ لَا نِزَاعَ فِيهِ.

وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ الْعَقْدَ إنْ وَقَعَ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ وَ النِّكَاحِ انْقَلَبَ دَائِمًا، أَوْ بِلَفْظِ التَّمَتُّعِ بَطَلَ، أَوْ بِأَنْ تَرَكَ الْأَجَلَ إنْ كَانَ جَهْلًا مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ نِسْيَانًا كَذَلِكَ بَطَلَ وَ إِنْ كَانَ عَمْدًا انْقَلَبَ دَائِمًا فَقَدْ ظَهَرَ ضَعْفُهُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فَالْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ مُطْلَقًا مَعَ قَصْدِ التَّمَتُّعِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ النِّزَاعِ أَوْجَهُ. (وَ لَوْ تَبَيَّنَ فَسَادُ الْعَقْدِ) إمَّا بِظُهُورِ زَوْجٍ، أَوْ عِدَّةٍ، أَوْ كَوْنِهَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ جَمْعًا، أَوْ عَيْنًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مَنْ الْمُفْسِدَاتِ (فَمَهْرُ الْمِثْلِ مَعَ الدُّخُولِ) وَ جَهْلُهَا حَالَةَ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحْتَرَمٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ عِوَضٍ و قد بَطَلَ الْمُسَمَّي فَيَثْبُتُ مَهْرُ مِثْلِهَا فِي الْمُتْعَةِ الْمَخْصُوصَةِ.

وَقِيلَ: تَأْخُذُ مَا قَبَضَتْهُ وَ لَا يُسَلِّمُ الْبَاقِيَ اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ.

حَمْلُهَا عَلَي كَوْنِ الْمَقْبُوضِ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْلَي مِنْ إطْلَاقِهَا الْمُخَالِفُ لِلْأَصْلِ وَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا شَيْءَ لَهَا؛ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ الْمُقْتَضِي؛ لِبُطْلَانِ الْمُسَمَّي، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ قَبَضَتْهُ اسْتَعَادَهُ وَ إِنْ تَلِفَ فِي يَدِهَا ضَمِنَتْهُ مُطْلَقًا وَ كَذَا لَوْ دَخَلَ وَ هِيَ عَالِمَةٌ بِالْفَسَادِ؛ لِأَنَّهَا بَغِيٌّ وَ لَا مَهْرَ لِبَغِيٍّ. (وَيَجُوزُ الْعَزْلُ عَنْهَا وَ إِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ) فِي مَتْنِ الْعَقْدِ

وَ هُوَ هُنَا مَوْضِعُ وِفَاقٍ وَ هُوَ مَنْصُوصٌ بِخُصُوصِهِ؛ وَ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَصْلِيَّ مِنْهُ الِاسْتِمْتَاعُ دُونَ النَّسْلِ، بِخِلَافِ الدَّوَامِ (وَ) لَكِنْ (يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ) عَلَي تَقْدِيرِ وِلَادَتِهَا بَعْدَ وَطْئِهِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ (وَ إِنْ عَزَلَ)؛ لِأَنَّهَا فِرَاشٌ وَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَ هُوَ مَرْوِيٌّ أَيْضًا، لَكِنْ لَوْ نَفَاهُ انْتَفَي ظَاهِرًا بِغَيْرِ لِعَانٍ، بِخِلَافِ وَلَدِ الدَّوَامِ. (وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ السَّائِغِ فِي الْعَقْدِ كَاشْتِرَاطِ الْإِتْيَانِ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا)؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُنَافِي مُقْتَضَي الْعَقْدِ؛ لِجَوَازِ تَعَلُّقِ الْغَرَضِ بِالِاسْتِمْتَاعِ فِي وَقْتٍ دُونَ آخَرَ، إمَّا طَلَبًا لِلِاسْتِبْدَادِ، أَوْ تَوْفِيرًا لِمَا سِوَاهُ عَلَي غَيْرِهِ مِنْ الْمَطَالِبِ، (أَوْ شَرَطَ إتْيَانَهَا مَرَّةً، أَوْ مِرَارًا) مَضْبُوطَةً (فِي الزَّمَانِ الْمُعَيَّنِ) لِمَا ذَكَرَ.

وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الْوَقْتَ بَلْ أَطْلَقَ الْمَرَّةَ وَ الْمَرَّاتِ بَطَلَ؛ لِلْجَهَالَةِ. (وَ لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ)، بَلْ تَبِينُ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، أَوْ بِهِبَتِهِ إيَّاهَا وَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ قُلْت: وَ تَبِينُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ قال:

" نَعَمْ "، (وَ لَا إيلَاءٍ) عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَي فِي قِصَّةِ الْإِيلَاءِ: { وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ } وَ لَيْسَ فِي الْمُتْعَةِ طَلَاقٌ؛ وَ لِأَنَّ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيلَاءِ الْمُطَالَبَةُ بِالْوَطْءِ وَ هُوَ مُنْتَفٍ فِي الْمُتْعَةِ وَ بِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ يَنْتَفِي الْمَلْزُومُ وَ لِلْمُرْتَضَي رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلٌ بِوُقُوعِهِ بِهَا؛ لِعُمُومِ لَفْظِ النِّسَاءِ وَ دُفِعَ بِقَوْلِهِ تَعَالَي: { وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ } فَإِنَّ عَوْدَ الضَّمِيرِ إلَي بَعْضِ الْعَامِّ يُخَصِّصُهُ. (وَ لَا لِعَانَ إلَّا فِي الْقَذْفِ بِالزِّنَا) عَلَي قَوْلِ الْمُرْتَضَي وَ الْمُفِيدِ اسْتِنَادًا إلَي أَنَّهَا زَوْجَةٌ فَيَقَعُ بِهَا اللِّعَانُ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَي: { وَ اَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ }، فَإِنَّ الْجَمْعَ الْمُضَافَ يَعُمُّ وَ أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالسُّنَّةِ؛ لِصَحِيحَةِ.

ابْنِ سِنَانٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " لَا يُلَاعِنُ الْحُرُّ

الْأَمَةَ وَ لَا الذِّمِّيَّةَ وَ لَا الَّتِي يَتَمَتَّعُ بِهَا ".

وَمِثْلُهُ رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ أَخِيهِ مُوسَي عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَلَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحُرِّ وَ الْعَبْدِ، فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ مُطْلَقًا قَوِيٌّ.

وَأَمَّا لِعَانُهَا لِنَفْيِ الْوَلَدِ فَمَنْفِيٌّ إجْمَاعًا؛ وَ لِانْتِفَائِهِ بِدُونِهِ. (وَ لَا تَوَارُثَ) بَيْنَهُمَا (إلَّا مَعَ شَرْطِهِ) فِي الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ عَلَي حَسَبِ مَا يَشْتَرِطَانِهِ، أَمَّا انْتِفَاؤُهُ بِدُونِ الشَّرْطِ فَلِلْأَصْلِ؛ وَ لِأَنَّ الْإِرْثَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَيَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَي تَوْظِيفِ الشَّارِعِ وَ لَمْ يَثْبُتْ هُنَا، بَلْ الثَّابِتُ خِلَافُهُ كَقَوْلِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صَحِيحَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ: " مِنْ حُدُودِهَا - يَعْنِي الْمُتْعَةَ -: أَنْ لَا تَرِثَك وَ لَا تَرِثَهَا ".

وَأَمَّا ثُبُوتُهُ مَعَهُ فَلِعُمُومِ { الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } وَ قَوْلِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي صَحِيحَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ " إنْ اشْتَرَطَا الْمِيرَاثَ فَهُمَا عَلَي شَرْطِهِمَا " وَ قَوْلِ الرِّضَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي حَسَنَةِ الْبِزَنْطِيِّ " إنْ اُشْتُرِطَ الْمِيرَاثُ كَانَ وَ إِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ لَمْ يَكُنْ ".

وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ أُخَرُ مَأْخَذُهَا أَخْبَارٌ، أَوْ إطْلَاقَاتٌ لَا تُقَاوِمُ هَذِهِ.

أَحَدُهَا: التَّوَارُثُ مُطْلَقًا.

وَثَانِيهَا: عَدَمُهُ مُطْلَقًا.

وَثَالِثُهَا: ثُبُوتُهُ مَعَ عَدَمِ شَرْطِ عَدَمِهِ.

وَالْأَظْهَرُ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ.

ثُمَّ إنْ شَرَطَاهُ لَهُمَا فَعَلَي مَا شَرَطَاهُ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا خَاصَّةً احْتَمَلَ كَوْنَهُ كَذَلِكَ عَمَلًا بِالشَّرْطِ وَ بُطْلَانُهُ لِمُخَالَفَتِهِ مُقْتَضَاهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ إنْ اقْتَضَتْ الْإِرْثَ وَ انْتَفَتْ مَوَانِعُهُ ثَبَتَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَ إِلَّا انْتَفَي مِنْهُمَا. (وَيَقَعُ بِهَا الظِّهَارُ) عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْمُسْتَمْتَعَ بِهَا زَوْجَةٌ وَ لَمْ تُخَصَّ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ وَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَي عَدَمِ وُقُوعِهِ بِهَا؛ لِقَوْلِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: الظِّهَارُ مِثْلُ الطَّلَاقِ ".

وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ أَنْ يَكُونَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَ لِأَنَّ الْمُظَاهِرَ يُلْزَمُ بِالْفِئَةِ، أَوْ الطَّلَاقِ.

وَهُوَ هُنَا مُتَعَذِّرٌ وَ

الْإِلْزَامُ بِالْفِئَةِ وَحْدَهَا بَعِيدٌ وَ بِهِبَةِ الْمُدَّةِ بَدَلَ الطَّلَاقِ أَبْعَدُ.

وَيُضَعَّفُ بِضَعْفِ الرِّوَايَةِ وَ إِرْسَالِهَا وَ الْمُمَاثَلَةُ لَا تَقْتَضِي الْعُمُومَ وَ الْإِلْزَامُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ جَازَ أَنْ يَخْتَصَّ بِالدَّائِمِ وَ يَكُونَ أَثَرُ الظِّهَارِ هُنَا وجوب اعْتِزَالِهَا كَالْمَمْلُوكَةِ. (وَعِدَّتُهَا) مَعَ الدُّخُولِ إذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهَا، أَوْ وَهَبَهَا (حَيْضَتَانِ) إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ؛ لِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَاضِي عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

" طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَ عِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ " وَ رَوَي زُرَارَةُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " أَنَّ عَلَي الْمُتَمَتِّعَةِ مَا عَلَي الْأَمَةِ " وَ قِيلَ: عِدَّتُهَا قُرْءَانِ وَ هُمَا طُهْرَانِ؛ لِحَسَنَةِ زُرَارَةَ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " وَ إِنْ كَانَ حُرٌّ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَطَلَاقُهَا تَطْلِيقَتَانِ وَ عِدَّتُهَا قُرْءَانِ " مُضَافَةً إلَي صَحِيحَةِ زُرَارَةَ.

وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ وَ عَلَيْهِ لَوْ انْقَضَتْ أَيَّامُهَا، أَوْ وَهَبَهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ لَمْ يَحْسِبْ مَا بَقِيَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ لَا تَصْدُقُ عَلَي بَعْضِهَا وَ إِنْ احْتَسَبَ مَا بَقِيَ مِنْ الطُّهْرِ طُهْرًا.

(وَ لَوْ اسْتَرَابَتْ) بِأَنْ لَمْ تَحِضْ وَ هِيَ فِي سِنِّ مَنْ تَحِيضُ (فَخَمْسَةٌ وَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) وَ هُوَ مَوْضِعُ وِفَاقٍ وَ لَا فَرْقَ فِيهِمَا بَيْنَ الْحُرَّةِ وَ الْأَمَةِ.

(وَتَعْتَدُّ مِنْ الْوَفَاةِ بِشَهْرَيْنِ وَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ إنْ كَانَتْ أَمَةً وَ بِضِعْفِهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً).

وَمُسْتَنَدُ ذَلِكَ الْأَخْبَارُ الْكَثِيرَةُ الدَّالَّةُ عَلَي أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا شَهْرَانِ وَ خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَ الْحُرَّةُ ضِعْفُهَا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الدَّوَامِ وَ الْمُتْعَةِ وَ تَزِيدُ الْأَمَةُ هُنَا بِخُصُوصِهَا مُرْسَلَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي شُعْبَةَ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مُتْعَةً ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا مَا عِدَّتُهَا؟ قال:

" خَمْسَةٌ وَ سِتُّونَ يَوْمًا " بِحَمْلِهَا.

عَلَي الْأَمَةِ جَمْعًا.

وَقِيلَ: إنَّ عِدَّتَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَ عَشْرًا مُطْلَقًا؛ لِصَحِيحَةِ زُرَارَةَ عَنْ

الْبَاقِرِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ قال:

سَأَلْته مَا عِدَّةُ الْمُتَمَتِّعَةِ إذَا مَاتَ عَنْهَا الَّذِي تَمَتَّعَ بِهَا؟ قال:

" أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَ عَشْرًا "، ثُمَّ قال:

يَا زُرَارَةُ كُلُّ النِّكَاحِ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ فَعَلَي الْمَرْأَةِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً وَ عَلَي أَيِّ وَجْهٍ كَانَ النِّكَاحُ مِنْهُ مُتْعَةً، أَوْ تَزْوِيجًا، أَوْ مِلْكَ يَمِينٍ فَالْعِدَّةُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَ عَشْرًا " وَ صَحِيحَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

سَأَلْته عَنْ الْمَرْأَةِ يَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ مُتْعَةً ثُمَّ يُتَوَفَّي عَنْهَا زَوْجُهَا هَلْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؟ فَقال:

" تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْرًا ".

وَيُشْكِلُ بِأَنَّ هَذِهِ مُطَلَّقَةٌ فَيُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَي الْحُرَّةِ جَمْعًا وَ صَحِيحَةُ زُرَارَةَ تَضَمَّنَتْ أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ فِي الدَّوَامِ كَالْحُرَّةِ وَ لَا قَائِلَ بِهِ و مع ذَلِكَ مُعَارَضَةٌ بِمُطْلَقِ الْأَخْبَارِ الْكَثِيرَةِ الدَّالَّةِ عَلَي أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ فِي الْوَفَاءِ عَلَي نِصْفِ الْحُرَّةِ وَ بِأَنَّ كَوْنَهَا عَلَي النِّصْفِ فِي الدَّوَامِ يَقْتَضِي أَوْلَوِيَّتَهُ فِي الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا أَضْعَفُ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَفْرَادِهَا وَ نِكَاحُهَا أَضْعَفُ فَلَا يُنَاسِبُهَا أَنْ تَكُونَ أَقْوَي وَ هَذِهِ مُخَالَفَةٌ أُخْرَي فِي صَحِيحَةِ زُرَارَةَ لِلْأُصُولِ وَ إِنْ كَانَ الْعَمَلُ بِهَا أَحْوَطَ.

(وَ لَوْ كَانَتْ حَامِلًا فَبِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ) مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَ عَشَرَةٍ أَوْ شَهْرَيْنِ وَ خَمْسَةٍ وَ مِنْ وَضْعِ الْحَمْلِ (فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْحُرَّةِ وَ الْأَمَةِ.

أَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَشْهُرُ أَبْعَدَ فَظَاهِرٌ؛ لِلتَّحْدِيدِ بِهَا فِي الْآيَةِ وَ الرِّوَايَةِ.

وَأَمَّا إذَا كَانَ الْوَضْعُ أَبْعَدَ فَلِامْتِنَاعِ الْخُرُوجِ مِنْ الْعِدَّةِ مَعَ بَقَاءِ الْحَمْلِ.

الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي نِكَاحِ الْإِمَاءِ

(الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي نِكَاحِ الْإِمَاءِ)

بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعَ الْمَدِّ جَمْعُ أَمَةٍ بِفَتْحِهَا (لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ وَ لَا لِلْأَمَةِ أَنْ يَعْقِدَا لِأَنْفُسِهِمَا نِكَاحًا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَي لِأَنَّهُمَا مِلْكٌ لَهُ) فَلَا يَتَصَرَّفَانِ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِقُبْحِهِ، (أَوْ إجَازَتُهُ) لِعَقْدِهِمَا لَوْ وَقَعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَي أَشْهَرِ الْقَوْلَيْنِ، لِحَسَنَةِ زُرَارَةَ

عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

سَأَلَتْهُ عَنْ مَمْلُوكٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ قال:

" ذَاكَ إلَي السَّيِّدِ إنْ شَاءَ أَجَازَ وَ إِنْ شَاءَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا " وَ عَلَي هَذَا فَتَكُونُ الْإِجَازَةُ كَاشِفَةً عَنْ صِحَّتِهِ مِنْ حِينِ إيقَاعِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ الْفُضُولِيَّةِ وَ قِيلَ: بَلْ يَكُونُ الْعَقْدُ كَالْمُسْتَأْنَفِ وَ قِيلَ: يَقَعُ بَاطِلًا إمَّا بِنَاءً عَلَي بُطْلَانِ الْعَقْدِ الْفُضُولِيِّ مُطْلَقًا، أَوْ بُطْلَانِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ مُطْلَقًا، أَوْ بُطْلَانِ هَذَا بِخُصُوصِهِ، نَظَرًا إلَي أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِقُبْحِ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَيَكُونُ فَاسِدًا وَ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ { أَيُّمَا مَمْلُوكٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ }.

وَكُلِّيَّةُ الْكُبْرَي وَ السَّنَدِ مَمْنُوعَانِ وَ قِيلَ: تَخْتَصُّ الْإِجَازَةُ بِعَقْدِ الْعَبْدِ، دُونَ الْأَمَةِ عَمَلًا بِظَاهِرِ النَّصِّ السَّابِقِ وَ رُجُوعًا فِي غَيْرِهِ إلَي النَّهْيِ الْمُفِيدِ لِلْبُطْلَانِ وَ كِلَاهُمَا مَمْنُوعَانِ، فَإِنَّ الْمَمْلُوكَ يَصْلُحُ لَهُمَا وَ النَّهْيُ لَا يَقْتَضِيهِ هُنَا وَ حَيْثُ يَأْذَنُ الْمَوْلَي، أَوْ يُجِيزُ عَقْدَ الْعَبْدِ فَالْمَهْرُ وَ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَسْبُ الْعَبْدِ وَ غَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ، عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَ لَهُ مَهْرُ أَمَتِهِ (وَ إِذَا كَانَا) أَيْ: الْأَبَوَانِ (رِقًّا فَالْوَلَدُ رِقٌّ)، لِأَنَّهُ فَرْعُهُمَا وَ تَابِعٌ لَهُمَا وَ يَمْلِكُهُ الْمَوْلَي إنْ اتَّحَدَ وَ إِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِمَالِكٍ (يَمْلِكُهُ الْمَوْلَيَانِ إنْ أَذِنَا لَهُمَا) فِي النِّكَاحِ (أَوْ لَمْ يَأْذَنْ أَحَدُهُمَا) أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِمَا فَلَا مِزْيَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَي الْآخَرِ وَ النَّسَبُ لَاحِقٌ بِهِمَا، بِخِلَافِ بَاقِي الْحَيَوَانَاتِ فَإِنَّ النَّسَبَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَ النُّمُوُّ وَ التَّبَعِيَّةُ فِيهِ لَاحِقٌ بِالْأُمِّ خَاصَّةً وَ النَّصُّ دَالٌ عَلَيْهِ أَيْضًا وَ الْفَرْقُ بِهِ أَوْضَحُ.

(وَ لَوْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا) خَاصَّةً (فَالْوَلَدُ لِمَنْ لَمْ يَأْذَنْ)، سَوَاءٌ كَانَ مَوْلَي الْأَبِ أَمْ مَوْلَي الْأُمِّ وَ عُلِّلَ

مَعَ النَّصِّ بِأَنَّ الْآذِنَ قَدْ أَقْدَمَ عَلَي فَوَاتِ الْوَلَدِ مِنْهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَزَوَّجُ بِمَنْ لَيْسَ بِرِقٍّ فَيَنْعَقِدُ الْوَلَدُ حُرًّا، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَأْذَنْ فَيَكُونُ الْوَلَدُ لَهُ خَاصَّةً وَ يُشْكِلُ الْفَرْقُ فِيمَا لَوْ انْحَصَرَ إذْنُ الْآذِنِ فِي وَطْءِ الْمَمْلُوكَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُضَيَّعْ الْوَلَدُ حِينَئِذٍ.

وَيُشْكِلُ الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ اشْتَرَكَ أَحَدُهُمَا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَذِنَ مَوْلَي الْمُخْتَصِّ وَ أَحَدُ الْمُشْتَرِكَيْنِ، دُونَ الْآخَرِ، أَوْ تَعَدَّدَ مَوْلَي كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مَوْضِعِ النَّصِّ وَ الْفَتْوَي فَيَحْتَمِلُ كَوْنُهُ كَذَلِكَ فَيَخْتَصُّ الْوَلَدُ بِمَنْ لَمْ يَأْذَنْ اتَّحَدَ أَمْ تَعَدَّدَ وَ اشْتِرَاكُهُ بَيْنَ الْجَمِيعِ عَلَي الْأَصْلِ حَيْثُ لَا نَصَّ. (وَ لَوْ شَرَطَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ انْفِرَادَهُ بِالْوَلَدِ، أَوْ بِأَكْثَرِهِ صَحَّ) الشَّرْطُ، لِعُمُومِ " الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " وَ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ، (وَ لَوْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ حُرًّا فَالْوَلَدُ حُرٌّ) لِلْأَخْبَارِ الْكَثِيرَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَبُ وَ الْأُمُّ وَ لِأَنَّهُ نَمَاءُ الْحُرِّ فِي الْجُمْلَةِ وَ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ مُقَدَّمٌ، لِأَنَّهَا أَقْوَي وَ لِهَذَا بُنِيَ الْعِتْقُ عَلَي التَّغْلِيبِ وَ السِّرَايَةِ.

وَقَوْلُ ابْنِ الْجُنَيْدِ: بِأَنَّهُ لِسَيِّدِ الْمَمْلُوكِ مِنْهُمَا إلَّا مَعَ اشْتِرَاطِ حُرِّيَّتِهِ تَغْلِيبًا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ عَلَي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَي ضَعِيفٌ. (وَ لَوْ شَرَطَ مَوْلَي الرِّقِّ) مِنْهُمَا (رِقِّيَّتَهُ جَازَ) وَ صَارَ رِقًّا (عَلَي قَوْلٍ مَشْهُورٍ) بَيْنَ الْأَصْحَابِ (ضَعِيفُ الْمَأْخَذِ)، لِأَنَّهُ رِوَايَةٌ مَقْطُوعَةٌ دَلَّتْ عَلَي أَنَّ وَلَدَ الْحُرِّ مِنْ مَمْلُوكَةٍ مَمْلُوكٌ وَ حَمَلُوهَا عَلَي مَا إذَا شَرَطَ الْمَوْلَي الرِّقِّيَّةَ وَ مِثْلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا تَصْلُحُ مُؤَسِّسَةً لِهَذَا الْحُكْمِ الْمُخَالِفِ لِلْأَصْلِ فَإِنَّ الْوَلَدَ إذَا كَانَ مَعَ الْإِطْلَاقِ يَنْعَقِدُ حُرًّا فَلَا تَأْثِيرَ فِي رِقِّيَّتِهِ لِلشَّرْطِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لِأَبِيهِ حَتَّي يُؤَثِّرَ شَرْطُهُ، كَمَا لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ رِقِّيَّةٍ مَنْ وَلَدَ حُرًّا سِيَّمَا مَعَ وُرُودِ الْأَخْبَارِ الْكَثِيرَةِ بِحُرِّيَّةِ مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ حُرٌّ

وَ فِي بَعْضِهَا لَا يُمْلَكُ وَلَدُ حُرٍّ ثُمَّ عَلَي تَقْدِيرِ اشْتِرَاطِ رِقِّيَّتِهِ فِي الْعَقْدِ، أَوْ التَّحْلِيلِ وَ قُلْنَا بِعَدَمِ صِحَّةِ الشَّرْطِ، هَلْ يُحْكَمُ بِفَسَادِ الْعَقْدِ، لِعَدَمِ وُقُوعِ التَّرَاضِي بِدُونِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَي شَرْطٍ فَاسِدٍ أَمْ يَصِحُّ وَ يَبْطُلُ الشَّرْطُ خَاصَّةً يُحْتَمَلُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتْبَعُ الْقَصْدَ وَ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِالشَّرْطِ وَ الشَّرْطُ لَمْ يَحْصُلْ وَ الثَّانِي لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ كَثِيرًا مَا يَصِحُّ بِدُونِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَ إِنْ لَمْ يَصِحَّ غَيْرُهُ مِنْ الْعُقُودِ وَ فِي الْأَوَّلِ قُوَّةٌ.

وَصِحَّتُهُ فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ لِدَلِيلٍ خَارِجٍ لَا يَقْتَضِي عُمُومَهُ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِهِ وَ أَوْلَي بِعَدَمِ الصِّحَّةِ لَوْ كَانَ تَحْلِيلًا، لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْعَقْدِ وَ الْإِذْنِ كَمَا سَيَأْتِي.

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْعَقْدِ ثُبُوتُهُ فِي الْإِذْنِ الْمُجَرَّدِ، بَلْ يَبْقَي عَلَي الْأَصْلِ وَ عَلَي هَذَا لَوْ دَخَلَ مَعَ فَسَادِ الشَّرْطِ وَ حَكَمْنَا بِفَسَادِ الْعَقْدِ كَانَ زَانِيًا مَعَ عِلْمِهِ بِالْفَسَادِ وَ انْعَقَدَ الْوَلَدُ رِقًّا كَنَظَائِرِهِ نَعَمْ لَوْ جَهِلَ الْفَسَادَ كَانَ حُرًّا، لِلشُّبْهَةِ وَ إِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ لَزِمَ بِالشَّرْطِ وَ لَمْ يَسْقُطْ بِالْإِسْقَاطِ بَعْدَ الْعَقْدِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَي الْوَفَاءِ بِهِ مَعَ احْتِمَالِهِ، تَغْلِيبًا لِلْحُرِّيَّةِ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَ حَقَّ التَّحْجِيرِ وَ نَحْوَهُ. (وَيُسْتَحَبُّ إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا مِنْ مَالِهِ) لِيَكُونَ بِصُورَةِ الْمَهْرِ جَبْرًا لِقَلْبِهَا وَ رَفْعًا لِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ عِنْدَهَا وَ لِصَحِيحَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ:: سَأَلْتُهُ عَنْ الرَّجُلِ كَيْفَ يُنْكِحُ عَبْدُهُ أَمَتَهُ قال:

" يَجْزِيهِ أَنْ يقول:

قَدْ أَنْكَحْتُك فُلَانَةَ وَ يُعْطِيهَا شَيْئًا مِنْ قِبَلِهِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ مَوْلَاهُ وَ لَوْ بِمُدٍّ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ " وَ قِيلَ بِوُجُوبِ الْإِعْطَاءِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَ لِئَلَّا يَلْزَمَ خُلُوُّ

النِّكَاحِ عَنْ الْمَهْرِ فِي الْعَقْدِ وَ الدُّخُولِ مَعًا وَ يُضَعَّفُ بِأَنَّ الْمَهْرَ يَسْتَحِقُّهُ الْمَوْلَي إذْ هُوَ عِوَضُ الْبُضْعِ الْمَمْلُوكِ لَهُ وَ لَا يَعْقِلُ اسْتِحْقَاقُهُ شَيْئًا عَلَي نَفْسِهِ وَ إِنْ كَانَ الدَّفْعُ مِنْ الْعَبْدِ كَمَا تَضَمَّنَتْهُ الرِّوَايَةُ، لِأَنَّ مَا بِيَدِهِ مِلْكٌ لِلْمَوْلَي، أَمَّا الِاسْتِحْبَابُ فَلَا حَرَجَ فِيهِ، لِمَا ذُكِرَ وَ إِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ وَ يَكْفِي فِيهِ كَوْنُهُ إبَاحَةَ بَعْضِ مَالِهِ لِلْأَمَةِ تَنْتَفِعُ بِهِ بِإِذْنِهِ وَ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّفَقَةِ اللَّازِمَةِ لِلْمَوْلَي وَ الْمَهْرِ: أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ هُوَ مِلْكُ الْمَوْلَي، بِخِلَافِهَا فَإِنَّهَا مُجَرَّدُ نَفْعٍ وَ دَفْعُ ضَرَرٍ، لَا مُعَاوَضَةٌ وَ اعْلَمْ أَنَّهُ يَكْفِي فِي إنْكَاحِ عَبْدِهِ لِأَمَتِهِ مُجَرَّدُ اللَّفْظِ الدَّالِ عَلَي الْإِذْنِ فِيهِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ الرِّوَايَةِ وَ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْعَبْدِ وَ لَا الْمَوْلَي لَفْظًا وَ لَا يَقْدَحُ تَسْمِيَتُهُ فِيهَا نِكَاحًا - وَ هُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَي الْعَقْدِ - وَ إِيجَابُهُ إعْطَاءُ شَيْءٍ - وَ هُوَ يُنَافِي الْإِبَاحَةَ - لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " يَجْزِيهِ " ظَاهِرٌ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْإِيجَابِ.

وَالْإِعْطَاءِ عَلَي وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ وَ لِأَنَّ رَفْعَهُ بِيَدِ الْمَوْلَي وَ النِّكَاحُ الْحَقِيقِيُّ لَيْسَ كَذَلِكَ وَ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْمِلْكِ فَلَا وَجْهَ لِقَبُولِهِ وَ الْمَوْلَي بِيَدِهِ الْإِيجَابُ وَ الْجِهَتَانِ مِلْكُهُ.

فَلَا ثَمَرَةَ لِتَعْلِيقِهِ مِلْكًا بِمِلْكٍ نَعَمْ يُعْتَبَرُ رِضَاهُ بِالْفِعْلِ وَ هُوَ يَحْصُلُ بِالْإِبَاحَةِ الْحَاصِلَةِ بِالْإِيجَابِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَةِ وَ قِيلَ: يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ مِنْ الْعَبْدِ إمَّا لِأَنَّهُ عَقْدٌ، أَوْ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ مُنْحَصِرَةٌ فِي الْعَقْدِ أَوْ التَّمْلِيكِ.

وَكِلَاهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَي الْقَبُولِ وَ رُبَّمَا قِيلَ: يُعْتَبَرُ قَبُولُ الْمَوْلَي، لِأَنَّهُ الْوَلِيُّ كَمَا يُعْتَبَرُ مِنْهُ الْإِيجَابُ (وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ لِأَجْنَبِيٍّ بِاتِّفَاقِهِمَا)، لِانْحِصَارِ الْحَقِّ فِيهِمَا وَ اتِّحَادِ سَبَبِ الْحِلِّ وَ لَوْ عَقَدَ أَحَدُهُمَا وَ حَلَّلَهَا الْآخَرُ لَمْ يَصِحَّ، لِتَبَعُّضِ الْبُضْعِ مَعَ

احْتِمَالِ الْجَوَازِ لَوْ جَعَلْنَا التَّحْلِيلَ عَقْدًا ثُمَّ إنْ اتَّحَدَ الْعَقْدُ مِنْهُمَا فَلَا إشْكَالَ فِي الصِّحَّةِ وَ إِنْ أَوْقَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَقْدًا عَلَي الْمَجْمُوعِ صَحَّ أَيْضًا وَ إِنْ أَوْقَعَهُ عَلَي مِلْكِهِ لَمْ يَصِحَّ.

(وَ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا لِأَحَدِهِمَا)، لِاسْتِلْزَامِهِ تَبَعُّضَ الْبُضْعِ مِنْ حَيْثُ اسْتِبَاحَتُهُ بِالْمِلْكِ وَ الْعَقْدِ وَ الْبُضْعُ لَا يَتَبَعَّضُ وَ لِأَنَّ الْحِلَّ مُنْحَصِرٌ فِي الْأَزْوَاجِ وَ مِلْكِ الْأَيْمَانِ وَ الْمُسْتَبَاحُ بِهِمَا خَارِجٌ عَنْ الْقِسْمَةِ، لِأَنَّ التَّفْصِيلَ يَقْطَعُ الِاشْتِرَاكَ وَ دَوَرَانُ الْحُكْمِ بَيْنَ مَنْعِ الْخُلُوِّ وَ مَنْعِ الْجَمْعِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْإِبَاحَةِ فَيَرْجِعُ إلَي أَصْلِ الْمَنْعِ.

(وَ لَوْ حَلَّلَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ) حِصَّتَهُ (فَالْوَجْهُ الْجَوَازُ) لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ، لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ فَيَكُونُ حِلُّ جَمِيعِهَا بِالْمِلْكِ وَ لِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي جَارِيَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دُبُرَاهَا جَمِيعًا ثُمَّ أَحَلَّ أَحَدُهُمَا فَرْجَهَا لِصَاحِبِهِ.

قال:

" هِيَ لَهُ حَلَالٌ " وَ قِيلَ: بِالْمَنْعِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَي تَبَعُّضِ السَّبَبِ حَيْثُ إنَّ بَعْضَهَا مُسْتَبَاحٌ بِالْمِلْكِ وَ الْبَعْضُ بِالتَّحْلِيلِ وَ هُوَ مُغَايِرٌ لِمَلْكِ الرَّقَبَةِ فِي الْجُمْلَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ عَقْدٌ، أَوْ إبَاحَةٌ.

وَالْكُلُّ مُغَايِرٌ لِمِلْكِهِ كَمُغَايَرَةِ الْإِبَاحَةِ بِالْعَقْدِ لَهَا، بِالْمِلْكِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَ الرِّوَايَةُ ضَعِيفَةُ السَّنَدِ وَ أَمَّا تَعْلِيلُ الْجَوَازِ بِأَنَّهَا قَبْلَ التَّحْلِيلِ مُحَرَّمَةٌ وَ إِنَّمَا حَلَّتْ بِهِ فَالسَّبَبُ وَاحِدٌ فَفِيهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَمَامَ السَّبَبِ، لَا السَّبَبِ التَّامِّ فِي الْإِبَاحَةِ، ضَرُورَةُ أَنَّ التَّحْلِيلَ مُخْتَصٌّ بِحِصَّةِ الشَّرِيكِ لَا بِالْجَمِيعِ وَ تَحَقُّقُ الْمُسَبِّبِ عِنْدَ تَمَامِ السَّبَبِ لَا يُوجِبُ كَوْنَ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْهُ سَبَبًا تَامًّا. (وَ لَوْ أُعْتِقَتْ الْمَمْلُوكَةُ) الَّتِي قَدْ زَوَّجَهَا مَوْلَاهَا قَبْلَ الْعِتْقِ (فَلَهَا الْفَسْخُ)، لِخَبَرِ بَرِيرَةَ وَ غَيْرِهِ وَ لِمَا فِيهِ مِنْ حُدُوثِ الْكَمَالِ وَ زَوَالِ الْإِجْبَارِ وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ حُدُوثِ الْعِتْقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَ بَعْدَهُ.

وَالْفَسْخُ (عَلَي الْفَوْرِ)

اقْتِصَارًا فِي فَسْخِ الْعَقْدِ اللَّازِمِ عَلَي مَوْضِعِ الْيَقِينِ وَ الضَّرُورَةِ تَنْدَفِعُ بِهِ وَ تُعْذَرُ مَعَ جَهْلِهَا بِالْعِتْقِ وَ فَوْرِيَّةِ الْخِيَارِ وَ أَصْلِهِ عَلَي الْأَقْوَي، (وَ إِنْ كَانَتْ) الْأَمَةُ (تَحْتَ حُرٍّ)، لِعُمُومِ صَحِيحَةِ الْكِنَانِيِّ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " أَيُّمَا امْرَأَةٍ أُعْتِقَتْ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا إنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ وَ إِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ " وَ غَيْرِهَا وَ قِيلَ: يُخَصَّصُ الْخِيَارُ بِزَوْجَةِ الْعَبْدِ، لِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ بَرِيرَةَ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَ هُوَ مُغِيثٌ وَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَي التَّخْصِيصِ لَوْ تَمَّ (بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ بِالْعِتْقِ)؛ لِلْأَصْلِ وَ لِانْجِبَارِ كَمَالِهِ بِكَوْنِ الطَّلَاقِ بِيَدِهِ وَ كَذَا لَا خِيَارَ لِسَيِّدِهِ وَ لَا لِزَوْجَتِهِ حُرَّةً كَانَتْ أَمْ أَمَةً لِلْأَصْلِ. (وَيَجُوزُ جَعْلُ عِتْقِ أَمَتِهِ صَدَاقَهَا) فَيقول:

تَزَوَّجْتُك وَ أَعْتَقْتُك وَ جَعَلْت مَهْرَك عِتْقَك، (وَيُقَدِّمُ) فِي اللَّفْظِ (مَا شَاءَ مِنْ الْعِتْقِ وَ التَّزْوِيجِ) لِأَنَّ الصِّيغَةَ أَجْمَعَ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَتِمُّ إلَّا بِآخِرِهَا وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِ مِنْهَا وَ الْمُتَأَخِّرِ وَ قِيلَ: يَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُ الْعِتْقِ، لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْمَوْلَي أَمَتَهُ بَاطِلٌ وَ يُضَعَّفُ بِمَا مَرَّ وَ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ جَوَازِ جَعْلِ الْعِتْقِ مَهْرًا، لِأَنَّهُ لَوْ حُكِمَ بِوُقُوعِهِ بِأَوَّلِ الصِّيغَةِ امْتَنَعَ اعْتِبَارُهُ فِي التَّزْوِيجِ الْمُتَعَقِّبِ وَ قِيلَ: بَلْ يُقَدِّمُ التَّزْوِيجَ لِئَلَّا تُعْتَقَ فَلَا تَصْلُحُ لِجَعْلِ عِتْقِهَا مَهْرًا وَ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ أَمْرَهَا فَلَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهَا بِدُونِ رِضَاهَا وَ لِرِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ أَخِيهِ مُوسَي عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَعْتَقْتُك وَ جَعَلْت مَهْرَك عِتْقَك.

قال:

" عَتَقَتْ وَ هِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَأَتْ تَزَوَّجَتْهُ وَ إِنْ شَاءَتْ فَلَا، فَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ فَلِيُعْطِهَا شَيْئًا " وَ نَحْوُهُ رُوِيَ عَنْ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا ذُكِرَ وَ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِي الْخَبَرِ عَدَمُ التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ، لَا

تَقْدِيمُ الْعِتْقِ وَ هُوَ غَيْرُ الْمُتَنَازَعِ وَ الْحَقُّ أَنَّهُمَا صِيغَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَتَرَتَّبُ شَيْءٌ مِنْ مُقْتَضَاهَا إلَّا بِتَمَامِهَا فَيَقَعُ مَدْلُولُهَا وَ هُوَ الْعِتْقُ وَ كَوْنُهُ مَهْرًا وَ كَوْنُهَا زَوْجَةً. (وَيَجِبُ قَبُولُهَا عَلَي قَوْلٍ)، لِاشْتِمَالِ الصِّيغَةِ عَلَي عَقْدِ النِّكَاحِ وَ هُوَ مُرَكَّبٌ شَرْعًا مِنْ الْإِيجَابِ وَ الْقَبُولِ وَ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ كَوْنُهَا حَالَ الصِّيغَةِ رَقِيقَةً، لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ حَيْثُ تَصِيرُ حُرَّةً بِتَمَامِهِ، فَرِقِّيَّتُهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ وَ لَوْلَا ذَلِكَ امْتَنَعَ تَزْوِيجُهَا.

وَوَجْهُ عَدَمِ الْوُجُوبِ أَنَّ مُسْتَنَدَ شَرْعِيَّةِ هَذِهِ الصِّيغَةِ هُوَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَي اعْتِبَارِ الْقَبُولِ وَ لَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ لِأَنَّهُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَي وَ إِنَّ حِلَّ الْوَطْءِ مَمْلُوكٌ لَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْوِيجِ، فَإِذَا أَعْتَقَهَا عَلَي هَذَا الْوَجْهِ كَانَ فِي مَعْنَي اسْتِثْنَاءِ بَقَاءِ الْحِلِّ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعِتْقِ وَ لِأَنَّ الْقَبُولَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ الزَّوْجِ، لَا مِنْ الْمَرْأَةِ وَ إِنَّمَا وَظِيفَتُهَا الْإِيجَابُ وَ لَمْ يَقَعْ مِنْهَا وَ بِذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ قَبُولِهَا أَقْوَي وَ إِنْ كَانَ الْقَوْلُ بِهِ أَحْوَطَ وَ يَظْهَرُ أَيْضًا جَوَابُ مَا قِيلَ: إنَّهُ كَيْفَ يَتَزَوَّجُ جَارِيَتَهُ وَ كَيْفَ يَتَحَقَّقُ الْإِيجَابُ وَ الْقَبُولُ وَ هِيَ مَمْلُوكَةٌ؟ وَ مَا قِيلَ: مِنْ أَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَحَقِّقًا قَبْلَ الْعَقْدِ و مع تَقْدِيمِ التَّزْوِيجِ لَا يَكُونُ مُتَحَقِّقًا وَ أَنَّهُ يَلُوحُ مِنْهُ الدَّوْرُ، فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْمَهْرِ الَّذِي هُوَ الْعِتْقُ وَ الْعِتْقُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ - مُنْدَفِعٌ بِمَنْعِ اعْتِبَارِ تَقَدُّمِهِ، بَلْ يَكْفِي مُقَارَنَتُهُ لِلْعَقْدِ وَ هُوَ هُنَا كَذَلِكَ وَ بِمَنْعِ تَوَقُّفِ الْعَقْدِ عَلَي الْمَهْرِ وَ إِنْ اسْتَلْزَمَهُ وَ إِذَا جَازَ الْعَقْدُ عَلَي الْأَمَةِ - وَ هِيَ

صَالِحَةٌ لَأَنْ تَكُونَ مَهْرًا لِغَيْرِهَا - جَازَ جَعْلُهَا، أَوْ جَعْلُ فَكِّ مِلْكِهَا مَهْرًا لِنَفْسِهَا، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ الصَّحِيحِ الْمُسْتَفِيضِ فَلَا يُسْمَعُ. (وَ لَوْ بِيعَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَلِلْمُشْتَرِي وَ الْبَائِعِ الْخِيَارُ) فِي فَسْخِ النِّكَاحِ وَ إِمْضَائِهِ سَوَاءٌ دَخَلَ أَمْ لَا وَ سَوَاءٌ كَانَ الْآخَرُ حُرًّا أَمْ لَا وَ سَوَاءٌ كَانَا لِمَالِكٍ أَمْ كُلُّ وَاحِدٍ لِمَالِكٍ.

وَهَذَا الْخِيَارُ عَلَي الْفَوْرِ كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَ يُعْذَرُ جَاهِلُهُ وَ جَاهِلُ الْفَوْرِيَّةِ عَلَي الظَّاهِرِ، (وَ كَذَا يَتَخَيَّرُ كُلُّ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمِلْكُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ) مِنْ هِبَةٍ، أَوْ صُلْحٍ، أَوْ صَدَاقٍ وَ غَيْرِهِ وَ لَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَيَانِ فِي الْفَسْخِ وَ الِالْتِزَامِ قُدِّمَ الْفَاسِخُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْخِيَارِ الْمُشْتَرَكِ (وَ لَوْ بِيعَ الزَّوْجَانِ مَعًا عَلَي وَاحِدٍ تَخَيَّرَ) لِقِيَامِ الْمُقْتَضَي، (وَ لَوْ بِيعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَي وَاحِدٍ تَخَيَّرَا) لِمَا ذُكِرَ وَ كَذَا لَوْ بَاعَهُمَا الْمَالِكُ مِنْ اثْنَيْنِ عَلَي جِهَةِ الِاشْتِرَاكِ. (وَ لَيْسَ لِلْعَبْدِ طَلَاقُ أَمَةِ سَيِّدِهِ) لَوْ كَانَ مُتَزَوِّجًا بِهَا بِعَقْدٍ يَلْزَمُهُ جَوَازُ الطَّلَاقِ (إلَّا بِرِضَاهُ) كَمَا أَنَّ تَزْوِيجَهُ بِيَدِهِ وَ هُوَ مَوْضِعُ نَصٍّ وَ إِجْمَاعٍ.

(وَيَجُوزُ) لِلْعَبْدِ (طَلَاقُ غَيْرِهَا) أَيْ: غَيْرِ أَمَةِ سَيِّدِهِ وَ إِنْ كَانَ قَدْ زَوَّجَهُ بِهَا مَوْلَاهُ (أَمَةً كَانَتْ) الزَّوْجَةُ، (أَوْ حُرَّةً، أَذِنَ الْمَوْلَي) فِي طَلَاقِهَا (أَوْ لَا عَلَي الْمَشْهُورِ)، لِعُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " الطَّلَاقُ بِيَدِ مَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ " وَ رَوَي لَيْثٌ الْمُرَادِيُّ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ و قد سَأَلَهُ عَنْ جَوَازِ طَلَاقِ الْعَبْدِ فَقال:

" إنْ كَانَتْ أَمَتَك فَلَا، إنَّ اللَّهَ تَعَالَي يقول:

{ عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَي شَيْءٍ } وَ إِنْ كَانَتْ أَمَةَ قَوْمٍ آخَرِينَ جَازَ طَلَاقُهُ وَ قِيلَ: لَيْسَ لَهُ الِاسْتِبْدَادُ بِهِ كَالْأَوَّلِ، اسْتِنَادًا إلَي أَخْبَارٍ مُطْلَقَةٍ حَمْلُهَا عَلَي كَوْنِ الزَّوْجَةِ أَمَةَ الْمَوْلَي طَرِيقُ

الْجَمْعِ.

وَفِي ثَالِثٍ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ إجْبَارُهُ عَلَي الطَّلَاقِ كَمَا لَهُ إجْبَارُهُ عَلَي النِّكَاحِ وَ الرِّوَايَةُ مُطْلَقَةٌ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهَا عَلَي أَمَتِهِ كَمَا مَرَّ. (وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ رَقِيقَيْهِ مَتَي شَاءَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَ بِغَيْرِهِ) مِنْ الْفَسْخِ وَ الْأَمْرِ بِالِاعْتِزَالِ وَ نَحْوِهِمَا، هَذَا إذَا زَوَّجَهُمَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ، أَمَّا إذَا جَعَلَهُ إبَاحَةً فَلَا طَلَاقَ، إلَّا أَنْ يُجْعَلَ دَالًا عَلَي التَّفْرِيقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْحِقَهُ أَحْكَامَهُ وَ لَوْ أَوْقَعَ لَفْظَ الطَّلَاقِ مَعَ كَوْنِ السَّابِقِ عَقْدًا فَظَاهِرُ الْأَصْحَابِ لُحُوقُ أَحْكَامِهِ وَ اشْتِرَاطُهُ بِشَرَائِطِهِ، عَمَلًا بِالْعُمُومِ، مَعَ احْتِمَالِ الْعَدَمِ.

بِنَاءً عَلَي أَنَّهُ إبَاحَةٌ وَ إِنْ وَقَعَ بِعَقْدٍ. (وَتُبَاحُ الْأَمَةُ) لِغَيْرِ مَالِكِهَا (بِالتَّحْلِيلِ) مِنْ الْمَالِكِ لِمَنْ يَجُوزُ لَهُ التَّزْوِيجُ بِهَا و قد تَقَدَّمَتْ شَرَائِطُهُ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا كَوْنُهُ مُؤْمِنًا فِي الْمُؤْمِنَةِ وَ مُسْلِمًا فِي الْمُسْلِمَةِ وَ كَوْنُهَا كِتَابِيَّةً لَوْ كَانَتْ كَافِرَةً وَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ وَ الْمُصَاهَرَةِ وَ غَيْرِهَا وَ حِلُّ الْأَمَةِ بِذَلِكَ هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ، بَلْ كَادَ يَكُونُ إجْمَاعًا وَ أَخْبَارُهُمْ الصَّحِيحَةُ بِهِ مُسْتَفِيضَةٌ وَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ صِيغَةٍ دَالَّةٍ عَلَيْهِ (مِثْلُ أَحْلَلْت لَك وَطْأَهَا، أَوْ جَعَلْتُك فِي حِلٍّ مِنْ وَطْئِهَا) وَهَاتَانِ الصِّيغَتَانِ كَافِيَتَانِ فِيهِ اتِّفَاقًا.

(وَ فِي صِحَّتِهِ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ قَوْلَانِ): أَحَدُهُمَا إلْحَاقُهَا بِهِ، لِمُشَارَكَتِهَا لَهُ فِي الْمَعْنَي فَيَكُونُ كَالْمُرَادِفِ الَّذِي يَجُوزُ إقَامَتُهُ مَقَامَ رَدِيفِهِ وَ الْأَكْثَرُ عَلَي مَنْعِهِ وُقُوفًا فِيمَا خَالَفَ الْأَصْلَ عَلَي مَوْضِعِ الْيَقِينِ، وَتَمَسُّكًا بِالْأَصْلِ وَ مُرَاعَاةً لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْفُرُوجِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَيْهِ.

وَهُوَ الْأَقْوَي وَ تُمْنَعُ الْمُرَادَفَةُ أَوَّلًا، ثُمَّ الِاكْتِفَاءُ بِالْمُرَادِفِ مُطْلَقًا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ تَوْقِيفِيَّةٌ و فيه شَائِبَةُ الْعِبَادَةِ وَ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ مُهِمٌّ فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ كَفِي أَذِنْت وَ سَوَّغْت وَ مَلَّكْت وَ وَهَبْت وَ نَحْوَهُ.

(وَ الْأَشْبَهُ أَنَّهُ مِلْكُ يَمِينٍ لَا عَقْدُ نِكَاحٍ)،

لِانْحِصَارِ الْعَقْدِ فِي الدَّائِمِ وَ الْمُتْعَةِ وَ كِلَاهُمَا مُنْتَفِيَانِ عَنْهُ لِتَوَقُّفِ رَفْعِ الْأَوَّلِ عَلَي الطَّلَاقِ فِي غَيْرِ الْفَسْخِ بِأُمُورٍ مَحْصُورَةٍ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا وَ لُزُومُ الْمَهْرِ فِيهِ بِالدُّخُولِ وَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ لَوَازِمِهِ وَ انْتِفَاءُ اللَّازِمِ يَدُلُّ عَلَي انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ وَ لِتَوَقُّفِ الثَّانِي عَلَي الْمَهْرِ وَ الْأَجَلِ وَ هُمَا مُنْتَفِيَانِ هُنَا أَيْضًا فَيَنْتَفِي وَ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ لَازِمٌ وَ لَا شَيْءَ مِنْ التَّحْلِيلِ بِلَازِمٍ وَ إِذَا انْتَفَي كَوْنُهُ عَقْدًا ثَبَتَ الْمِلْكُ، لِانْحِصَارِ حِلِّ النِّكَاحِ فِيهِمَا بِمُقْتَضَي الْآيَةِ وَ عَلَي الْقَوْلَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ، لِتَوَقُّفِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ أَيْضًا.

وَقِيلَ: إنَّ الْفَائِدَةَ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ أَبَاحَ أَمَتَهُ لِعَبْدِهِ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ عَقْدٌ، أَوْ تَمْلِيكٌ وَ أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ حَلَّتْ وَ إِلَّا فَلَا و فيه نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَيْسَ عَلَي حَدِّ الْمِلْكِ الْمَحْضِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ الْعَبْدُ أَهْلًا لَهُ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ كَمَا يُقال:

يَمْلِكُ زَيْدٌ إحْضَارَ مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَ نَحْوُهُ وَ مِثْلُ هَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَ الْعَبْدُ، فَصِحَّةُ التَّحْلِيلِ فِي حَقِّهِ عَلَي الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْمِلْكِ مُتَّجِهَةٌ.

(وَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَي مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ وَ مَا يَشْهَدُ الْحَالُ بِدُخُولِهِ فِيهِ) فَإِنْ أَحَلَّهُ بَعْضَ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ كَالتَّقْبِيلِ وَ النَّظَرِ لَمْ يُحِلَّ لَهُ الْآخَرَ وَ لَا الْوَطْءَ وَ كَذَا لَوْ أَحَلَّهُ بَعْضَهَا فِي عُضْوٍ مَخْصُوصٍ اخْتَصَّ بِهِ وَ إِنْ أَحَلَّهُ الْوَطْءَ حَلَّتْ الْمُقَدِّمَاتُ.

بِشَهَادَةِ الْحَالِ وَ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا غَالِبًا وَ لَا مَوْقِعَ لَهُ بِدُونِهَا وَ لِأَنَّ تَحْلِيلَ الْأَقْوَي يَدُلُّ عَلَي الْأَضْعَفِ بِطَرِيقٍ أَوْلَي، بِخِلَافِ الْمُسَاوِي وَ الْعَكْسُ وَ هَلْ يَدْخُلُ اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ فِي تَحْلِيلِ الْقُبْلَةِ؟ نَظَرَ مِنْ الِاسْتِلْزَامِ الْمَذْكُورِ فِي الْجُمْلَةِ فَيَدْخُلُ وَ مِنْ أَنَّ اللَّازِمَ دُخُولُ لَمْسِ مَا اسْتَلْزَمَتْهُ الْقُبْلَةُ، لَا مُطْلَقًا فَلَا يَدْخُلُ إلَّا مَا تَوَقَّفَتْ عَلَيْهِ

خَاصَّةً وَ هُوَ الْأَقْوَي. (وَ الْوَلَدُ) الْحَاصِلُ مَنْ الْأَمَةِ الْمُحَلَّلَةِ (حُرٌّ) مَعَ اشْتِرَاطِ حُرِّيَّتِهِ أَوْ الْإِطْلَاقِ وَ لَوْ شَرَطَ رِقِّيَّتَهُ فَفِيهِ مَا مَرَّ وَ يَظْهَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ عَدَمُ صِحَّةِ الشَّرْطِ، حَيْثُ أَطْلَقَ الْحُرِّيَّةَ وَ هُوَ الْوَجْهُ وَ لَا يَخْفَي أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَي الْغَالِبِ مِنْ حُرِّيَّةِ الْأَبِ، أَوْ عَلَي الْقَوْلِ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْحُرِّ فَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا وَ سَوَّغْنَاهُ كَمَا سَلَفَ فَهُوَ رِقٌّ، (وَ) حَيْثُ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ (لَا قِيمَةَ عَلَي الْأَبِ) مَعَ اشْتِرَاطِ حُرِّيَّتِهِ إجْمَاعًا و مع الْإِطْلَاقِ عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَ بِهِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ وَ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَي التَّغْلِيبِ وَ لِهَذَا يَسْرِي الْعِتْقُ بِأَقَلِّ جُزْءٍ يُتَصَوَّرُ وَ لَا شُبْهَةَ فِي كَوْنِ الْوَلَدِ مُتَكَوِّنًا مِنْ نُطْفَةِ الرَّجُلِ وَ الْمَرْأَةِ فَيُغَلَّبُ جَانِبُ الْحُرِّيَّةِ وَ الْحُرُّ لَا قِيمَةَ لَهُ وَ فِي قَوْلٍ آخَرَ إنَّهُ يَكُونُ رِقًّا لِمَوْلَي الْجَارِيَةِ وَ يَفُكُّهُ أَبُوهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَ إِلَّا اسْتَسْعَي فِي ثَمَنِهِ وَ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ. (وَ لَا بَأْسَ بِوَطْءِ الْأَمَةِ وَ فِي الْبَيْتِ آخَرُ مُمَيِّزٌ) أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا (وَ أَنْ يَنَامَ بَيْنَ أَمَتَيْنِ وَ يُكْرَهُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (فِي الْحُرَّةِ وَ كَذَا يُكْرَهُ وَطْءُ الْأَمَةِ الْفَاجِرَةِ كَالْحُرَّةِ الْفَاجِرَةِ)، لِمَا فِيهِ مِنْ الْعَارِ وَ خَوْفِ اخْتِلَاطِ الْمَاءَيْنِ، (وَوَطْءُ مَنْ وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا بِالْعَقْدِ وَ لَا بَأْسَ بِهِ) بِالْمِلْكِ و لكن لَا يَتَّخِذُهَا أُمَّ وَلَدٍ، بَلْ يَعْزِلُ عَنْهَا حَذَرًا مِنْ الْحَمْلِ رَوَي ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.

الْفَصْلُ السَّادِسُ - فِي الْمَهْرِ

(الْفَصْلُ السَّادِسُ - فِي الْمَهْرِ)

(الْمَهْرُ كُلُّ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُمْلَكَ) وَ إِنْ قَلَّ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُتَمَوَّلًا (عَيْنًا كَانَ، أَوْ مَنْفَعَةً) وَ إِنْ كَانَتْ مَنْفَعَةُ حُرٍّ وَ لَوْ أَنَّهُ الزَّوْجُ، كَتَعْلِيمِ صَنْعَةٍ، أَوْ سُورَةٍ، أَوْ عِلْمٍ غَيْرِ وَاجِبٍ، أَوْ

شَيْءٍ مِنْ الْحِكَمِ وَ الْآدَابِ، أَوْ شِعْرٍ، أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ الْمُحَلَّلَةِ الْمَقْصُودَةِ (يَصِحُّ إمْهَارُهُ) وَ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ سِوَي الْعَقْدِ عَلَي مَنْفَعَةِ الزَّوْجِ فَقَدْ مَنَعَ مِنْهُ الشَّيْخُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ لَا تَنْهَضُ دَلِيلًا مَتْنًا وَ سَنَدًا.

. (وَ لَوْ عَقَدَ الذِّمِّيَّانِ عَلَي مَا لَا يُمْلَكُ فِي شَرَعْنَا) كَالْخَمْرِ وَ الْخِنْزِيرِ (صَحَّ) لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِهِ (فَإِنْ أَسْلَمَا)، أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّقَابُضِ (اُنْتُقِلَ إلَي الْقِيمَةِ) عِنْدَ مُسْتَحِلِّيهِ، لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْمُسْلِمِ، سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا، أَوْ مَضْمُونًا لِأَنَّ الْمُسَمَّي لَمْ يَفْسُدْ وَ لِهَذَا لَوْ كَانَ قَدْ أَقْبَضَهَا إيَّاهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بَرِئَ وَ إِنَّمَا تَعَذَّرَ الْحُكْمُ بِهِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَي قِيمَتِهِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ شَيْءٍ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ جَرَي الْعَقْدُ عَلَي عَيْنٍ وَ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهَا وَ مِثْلُهُ مَا لَوْ جَعَلَاهُ ثَمَنًا لِمَبِيعٍ، أَوْ عِوَضًا لِصُلْحٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا وَ قِيلَ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ تَنْزِيلًا، لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ مَنْزِلَةَ الْفَسَادِ وَ لِأَنَّ وجوب الْقِيمَةِ فَرْعُ وجوب دَفْعِ الْعَيْنِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَ هُوَ هُنَا مُمْكِنٌ وَ إِنَّمَا عَرَضَ عَدَمَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلتَّمَلُّكِ لَهُمَا وَ يَضْعُفُ بِمَنْعِ الْفَسَادِ كَمَا تَقَدَّمَ وَ التَّعَذُّرُ الشَّرْعِيُّ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْحِسِّيِّ، أَوْ أَقْوَي وَ مَهْرُ الْمِثْلِ قَدْ يَكُونُ أَزْيَدَ مِنْ الْمُسَمَّي، فَهِيَ تَعْتَرِفُ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الزَّائِدِ، أَوْ أَنْقَصَ فَيَعْتَرِفُ هُوَ بِاسْتِحْقَاقِ الزَّائِدِ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ الْمُسَمَّي فَاسِدًا فَكَيْف يُرْجَعُ إلَي غَيْرِهِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ وَ لَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ بَعْدَ قَبْضِ بَعْضِهِ سَقَطَ بِقَدْرِ الْمَقْبُوضِ وَ وَجَبَ قِيمَةُ الْبَاقِي وَ عَلَي الْآخَرِ يَجِبُ بِنِسْبَتِهِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ. (وَ لَا تَقْدِيرَ فِي الْمَهْرِ قِلَّةً) مَا لَمْ يَقْصُرْ عَنْ التَّقْوِيمِ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ، (وَ لَا كَثْرَةً) عَلَي الْمَشْهُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَي: { وَ آتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا } وَ هُوَ الْمَالُ الْعَظِيمُ

وَ فِي الْقَامُوسِ: الْقِنْطَارُ بِالْكَسْرِ وَزْنُ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ أَلْفٌ دِينَارٍ، أَوْ أَلْفٌ وَ مِئَتَا أُوقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ سَبْعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، أَوْ ثَمَانُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ مِائَةُ رِطْلٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ مِلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً وَ فِي صَحِيحَةِ الوشا عَنْ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَ جَعَلَ مَهْرَهَا عِشْرِينَ أَلْفًا وَ لِأَبِيهَا عَشَرَةَ آلَافٍ كَانَ الْمَهْرُ جَائِزًا وَ اَلَّذِي جَعَلَهُ لِأَبِيهَا فَاسِدًا.

(وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ مَهْرٌ السَّنَةَ) وَ هُوَ مَا أَصْدَقَهُ النَّبِيُّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ جُمْعٌ (وَ هُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) قِيمَتُهَا خَمْسُونَ دِينَارًا وَ مَنْعَ الْمُرْتَضَي مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا وَ حَكَمَ بِرَدِّ مَنْ زَادَ عَنْهَا إلَيْهَا مُحْتَجًّا بِالْإِجْمَاعِ وَ بِهِ خَبَرٌ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً وَ الْإِجْمَاعُ مَمْنُوعٌ وَ جَمِيعُ التَّفْسِيرَاتِ السَّابِقَةِ لِلْقِنْطَارِ تَرُدُّ عَلَيْهِ وَ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ، نَعَمْ يُسْتَحَبُّ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ.

(وَيَكْفِي فِيهِ الْمُشَاهَدَةُ عَنْ اعْتِبَارِهِ) بِالْكَيْلِ، أَوْ الْوَزْنِ، أَوْ الْعَدَدِ كَقِطْعَةٍ مِنْ ذَهَبٍ مُشَاهَدَةٍ لَا يُعْلَمُ وَزْنُهَا وَ قُبَّةٍ مِنْ طَعَامٍ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهَا، لِارْتِفَاعِ مُعْظَمِ الْغَرَرِ بِالْمُشَاهَدَةِ وَ اغْتِفَارِ الْبَاقِي فِي النِّكَاحِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مُعَاوَضَةً مَحْضَةً بِحَيْثُ يُنَافِيهِ مَا زَادَ مِنْهُ وَ يَشْكُلُ الْحَالُ لَوْ تَلِفَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، أَوْ بَعْدَهُ و قد طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَ لَوْ لَمْ يُشَاهِدْ اُعْتُبِرَ التَّعْيِينُ قَدْرًا وَ وَصْفًا إنْ كَانَ مِمَّا يُعْتَبَرُ بِهِ، أَوْ وَصْفًا خَاصَّةً إنْ اكْتَفَي بِهِ كَالْعَبْدِ. (وَ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَي كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ)، لِلنَّصِّ وَ الْإِجْمَاعِ وَ بِهِمَا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ مَعَ جَهْلِ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا بِمَا جَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْهُ

وَ بِقَبُولِهِ الْغَرَرَ كَمَا تَقَرَّرَ.

(وَيَجُوزُ جَعْلُ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ مَهْرًا)، لِرِوَايَةِ سَهْلٍ السَّاعِدِيِّ الْمَشْهُورَةِ فَيُعْتَبَرُ تَقْدِيرُهُ بِسُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ آيَاتٍ خَاصَّةٍ وَ يَجِبُ حِينَئِذٍ أَنْ يُعَلِّمَهَا الْقِرَاءَةَ الْجَائِزَةَ شَرْعًا وَ لَا يَجِبُ تَعْيِينُ قِرَاءَةِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ وَ إِنْ تَفَاوَتَتْ فِي السُّهُولَةِ وَ الصُّعُوبَةِ وَ لَوْ تَشَاحَّا فِي التَّعْيِينِ قُدِّمَ مُخْتَارُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْهَا أَمْرٌ كُلِّيٌّ فَتَعْيِينُهُ إلَيْهِ كَالدَّيْنِ وَ حَدُّ التَّعْلِيمِ أَنْ تَسْتَقِلَّ بِالتِّلَاوَةِ وَ لَا يَكْفِي تَتَبُّعُهَا نُطْقَهُ وَ الْمَرْجِعُ فِي قَدْرِ الْمُسْتَقَلِّ بِهِ إلَي الْعُرْفِ فَلَا يَكْفِي الِاسْتِقْلَالُ بِنَحْوِ الْكَلِمَةِ وَ الْكَلِمَتَيْنِ وَ مَتَي صَدَّقَ التَّعْلِيمُ عُرْفًا لَا يَقْدَحُ فِيهِ نِسْيَانُهَا مَا عَلِمَتْهُ وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أَكْمَلَتْ جَمِيعَ مَا شُرِطَ، لِتَحَقُّقِ الْبَرَاءَةِ وَ لَوْ تَعَذَّرَ تَعَلُّمُهَا لِبَلَادَتِهَا، أَوْ مَوْتِهَا، أَوْ مَوْتِ الزَّوْجِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ التَّعْلِيمُ مِنْهُ، أَوْ تَعَلَّمَتْ مِنْ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، لِأَنَّهَا عِوَضُهُ حَيْثُ يَتَعَذَّرُ وَ لَوْ افْتَقَرَتْ إلَي مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ زَائِدَةٍ عَلَي عَادَةِ أَمْثَالِهَا لَمْ يَبْعُدْ إلْحَاقُهُ بِالتَّعَذُّرِ وَ كَذَا الْقَوْلُ فِي تَعْلِيمِ الصَّنْعَةِ. (وَيَصِحُّ الْعَقْدُ الدَّائِمُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْمَهْرِ) وَ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِتَفْوِيضِ الْبُضْعِ بِأَنْ تَقُولَ: زَوَّجْتُك نَفْسِي فَيقول:

قَبِلْت، سَوَاءٌ أَهْمَلَا ذِكْرَهُ أُمّ نَفَيَاهُ صَرِيحًا وَ حِينَئِذٍ فَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، (فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَمَهْرُ الْمِثْلِ).

وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَرْغَبُ بِهِ فِي مِثْلِهَا نَسَبًا وَ سِنًّا وَ عَقْلًا وَ يَسَارًا وَ بَكَارَةً وَ أَضْدَادَهَا وَ غَيْرَهَا مِمَّا تَخْتَلِفُ بِهِ الْأَغْرَاضُ، (وَ إِنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ) وَ قَبْلَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَي فَرْضِ مَهْرٍ (فَلَهَا الْمُتْعَةُ) الْمَدْلُولُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَي: { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ } (حُرَّةً كَانَتْ) الزَّوْجَةُ الْمُفَوَّضَةُ (أُمّ أَمَةً) وَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمُتْعَةِ بِحَالِ الزَّوْجِ فِي السَّعَةِ وَ الْإِقْتَارِ.

(فَالْغَنِيُّ) يُمَتِّعُ (بِالدَّابَّةِ) وَ

هِيَ الْفَرَسُ لِأَنَّهُ الشَّائِعُ فِي مَعْنَاهَا عُرْفًا وَ الْمُعْتَبَرُ مِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُهَا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً، بِرْذَوْنًا كَانَتْ أَمْ عَتِيقًا، قَارَبَتْ قِيمَتُهُ الثَّوْبَ وَ الْعَشَرَةَ الدَّنَانِيرَ أَمْ لَا، (أَوْ الثَّوْبُ الْمُرْتَفِعُ) قِيمَتُهُ عَادَةً، نَاسَبَتْ قِيمَتُهُ قَسِيمَيْهِ أَمْ لَا، (أَوْ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ) وَ هِيَ الْمَثَاقِيلُ الشَّرْعِيَّةُ.

(وَ الْمُتَوَسِّطُ) فِي الْفَقْرِ وَ الْغِنَاءِ يُمَتِّعُ (بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَ الْفَقِيرُ بِدِينَارٍ أَوْ خَاتَمِ) ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ مُعْتَدٍ بِهِ عَادَةً (وَشِبْهِهِ) مِنْ الْأَمْوَالِ الْمُنَاسَبَةِ لِمَا ذُكِرَ فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ وَ الْمَرْجِعُ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ إلَي الْعُرْفِ بِحَسَبِ زَمَانِهِ وَ مَكَانِهِ وَ شَأْنِهِ.

(وَ لَا مُتْعَةَ لِغَيْرِ هَذِهِ) الزَّوْجَةِ: وَ هِيَ الْمُفَوَّضَةُ لِبُضْعِهَا الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَ الْفَرْضِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَوْ فَارَقَهَا بِغَيْرِ الطَّلَاقِ مِنْ لِعَانٍ وَ فَسْخٍ، بَلْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ حِينَئِذٍ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَي الطَّلَاقِ وَ الْأَوَّلُ أَقْوَي، لِأَنَّهُ مَدْلُولُ الْآيَةِ وَ أَصَالَةُ الْبَرَاءَةِ فِي غَيْرِهِ تَقْتَضِي الْعَدَمَ.

وَأُلْحِقَ بِهَذِهِ مَنْ فُرِضَ لَهَا مَهْرٌ فَاسِدٌ، فَإِنَّهُ فِي قُوَّةِ التَّفْوِيضِ وَ مَنْ فُسِخَتْ فِي الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِوَجْهٍ مُجَوِّزٍ. (وَ لَوْ تَرَاضَيَا بَعْدَ الْعَقْدِ بِفَرْضِ الْمَهْرِ جَازَ وَ صَارَ لَازِمًا)، لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَهُمَا، زَادَ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ أَمْ سَاوَاهُ أَمْ قَصُرَ فَإِنْ اخْتَلَفَا قِيلَ: لِلْحَاكِمِ فَرْضُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، كَمَا أَنَّ لَهُ تَعْيِينَ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ عَلَي الْغَائِبِ وَ مِنْ جَرَي مَجْرَاهُ وَ يَحْتَمِلُ إبْقَاءَ الْحَالِ إلَي أَنْ يَحْصُلَ أَحَدُ الْأُمُورِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَدْرِ، أَوْ الْمُسْقِطَةِ لِلْحَقِّ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَازِمُ التَّفْوِيضِ الَّذِي قَدْ قَدِمَا عَلَيْهِ.

(وَ لَوْ فَوَّضَا) فِي الْعَقْدِ (تَقْدِيرَ الْمَهْرِ إلَي أَحَدِهِمَا صَحَّ) وَ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِتَفْوِيضِ الْمَهْرِ، بِأَنْ تَقُولَ: زَوَّجْتُك نَفْسِي عَلَي أَنْ تَفْرِضَ مِنْ الْمَهْرِ مَا شِئْت أَوْ مَا شِئْت وَ فِي جَوَازِ تَفْوِيضِهِ إلَي غَيْرِهِمَا، أَوْ إلَيْهِمَا مَعًا وَجْهَانِ:

مِنْ عَدَمِ النَّصِّ وَ مِنْ أَنَّهُ كَالنَّائِبِ عَنْهُمَا وَ الْوُقُوفُ مَعَ النَّصِّ طَرِيقُ الْيَقِينِ (وَلَزِمَ مَا حَكَمَ بِهِ الزَّوْجُ مِمَّا يَتَمَوَّلُ) وَ إِنْ قَلَّ (وَ مَا حَكَمَتْ بِهِ الزَّوْجَةُ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ مَهْرَ السُّنَّةِ) وَ هُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَ كَذَا الْأَجْنَبِيُّ لَوْ قِيلَ بِهِ لِرِوَايَةِ زُرَارَةَ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ " إذَا حَكَمَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَتَجَاوَزَ { مَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ تَزَوَّجَ عَلَيْهِ نِسَاءَهُ، } وَ إِذَا حَكَّمَتْهُ فَعَلَيْهَا أَنْ تَقْبَلَ حُكْمَهُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا " (وَ لَوْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَنِصْفُ مَا يَحْكُمُ بِهِ الْحَاكِمُ) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفَرْضُ الَّذِي يَنْتَصِفُ بِالطَّلَاقِ، سَوَاءٌ وَقَعَ الْحُكْمُ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَمْ بَعْدَهُ وَ كَذَا لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ لَزِمَ الْحَاكِمَ الْفَرْضُ وَ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ (وَ لَوْ مَاتَ الْحَاكِمُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَ الْحُكْمِ فَالْمَرْوِيُّ) فِي صَحِيحَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَي حُكْمِهَا، أَوْ حُكْمِهِ فَمَاتَ، أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ (أَنَّ لَهَا الْمُتْعَةَ) وَ الْمِيرَاثَ وَ لَا مَهْرَ لَهَا وَ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَجِبُ إلَّا مَعَ الدُّخُولِ وَ لَمْ يَحْصُلْ وَ لَا مُسَمًّي وَ لَا يَجُوزُ إخْلَاءُ النِّكَاحِ عَنْ مَهْرٍ فَتَجِبُ الْمُتْعَةُ، إذْ لَا رَابِعَ وَ قِيلَ: يَثْبُتُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ قِيمَةُ الْمُعَوَّضِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَيَّنْ غَيْرُهُ وَ لِأَنَّ الْمَهْرَ مَذْكُورٌ غَايَتُهُ أَنَّهُ مَجْهُولٌ فَإِذَا تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَتُهُ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَي مَهْرِ الْمِثْلِ وَ هُوَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ فِي مُقَابِلِ النَّصِّ الصَّحِيحِ وَ لَا فَرْقَ مَعَ مَوْتِ الْحَاكِمِ بَيْنَ مَوْتِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ مَعَهُ وَ عَدَمِهِ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ النَّصِّ. (وَ لَوْ مَاتَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ) وَحْدَهُ (فَلِلْحَاكِمِ

الْحُكْمُ)، إذْ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَ التَّفْوِيضُ إلَيْهِ قَدْ لَزِمَ بِالْعَقْدِ فَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَ لِأَصَالَةِ بَقَائِهِ وَ النَّصُّ لَا يُعَارِضُهُ وَ رُبَّمَا قِيلَ بِأَنَّهُ مَعَ مَوْتِ الْحَاكِمِ لَا شَيْءَ وَ هُوَ ضَعِيفٌ (وَ لَوْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مَعَ تَفْوِيضِ الْبُضْعِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ) لِرِضَاهُمَا بِغَيْرِ مَهْرٍ وَ لِصَحِيحَةِ الْحَلَبِيِّ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمُتَوَفَّي عَنْهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ: " إنْ كَانَ فَرَضَ لَهَا مَهْرًا فَلَهَا وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ فَرَضَ مَهْرًا لَهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا ".

وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ ظَاهِرًا. وَ هُنَا

(مَسَائِلُ عَشْرٌ).

(الْأُولَي - الصَّدَاقُ يُمْلَكُ بِأَجْمَعِهِ) لِلزَّوْجَةِ

(بِالْعَقْدِ) مِلْكًا مُتَزَلْزِلًا وَ يَسْتَقِرُّ بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ الدُّخُولُ إجْمَاعًا، وَرِدَّةُ الزَّوْجِ عَنْ فِطْرَةٍ وَ مَوْتُهُ وَ مَوْتُهَا فِي الْأَشْهَرِ، (وَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ) إذْ لَا مَدْخَلِيَّةَ لِلْقَبْضِ هُنَا فِي الْمِلْكِ، سَوَاءٌ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَمْ لَا وَ إِنْ رَجَعَ إلَيْهِ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ (فَلَوْ نَمَا) بَعْدَ الْعَقْدِ (كَانَ) النَّمَاءُ (لَهَا) خَاصَّةً، لِرِوَايَةِ عُبَيْدَةَ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي زَوْجِ [رَجُلٍ] سَاقَ إلَي زَوْجَتِهِ غَنَمًا وَ رَقِيقًا فَوَلَدَتْ لَهُ عِنْدَهَا وَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فَقال:

" إنْ كُنَّ حَمَلْنَ عِنْدَهُ فَلَهُ نِصْفُهَا وَ نِصْفُ وَلَدِهَا وَ إِنْ كُنَّ حَمَلْنَ عِنْدَهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ ".

(فَإِنْ تَعَقَّبَهُ طَلَاقٌ قَبْلَ الدُّخُولِ مَلَكَ الزَّوْجُ النِّصْفَ حِينَئِذٍ) وَ لَا شَيْءَ لَهُ فِي النَّمَاءِ، ثُمَّ إنْ وَجَدَهُ بَاقِيًا عَلَي مِلْكِهَا أَجْمَعَ أَخَذَ نِصْفَهُ وَ إِنْ وَجَدَهُ تَالِفًا أَوْ مُنْتَقِلًا عَنْ مِلْكِهَا فَنِصْفُ مِثْلِهِ، أَوْ قِيمَتُهُ ثُمَّ إنْ اتَّفَقَتْ الْقِيمَةُ وَ إِلَّا فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَي حِينِ التَّسْلِيمِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَدَثَتْ فِي مِلْكِهَا وَ إِنْ وَجَدَهُ مَعِيبًا رَجَعَ فِي نِصْفِ

الْعَيْنِ مَعَ الْأَرْشِ وَ لَوْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ لِلسُّوقِ فَلَهُ نِصْفُ الْعَيْنِ خَاصَّةً وَ كَذَا لَوْ زَادَتْ وَ هِيَ بَاقِيَةٌ وَ لَوْ زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ تَخَيَّرَتْ بَيْنَ دَفْعِ نِصْفِ الْعَيْنِ الزَّائِدَةِ وَ نِصْفِ الْقِيمَةِ مِنْ دُونِهَا وَ كَذَا لَوْ تَغَيَّرَتْ فِي يَدِهَا بِمَا أَوْجَبَ زِيَادَةَ الْقِيمَةِ كَصِيَاغَةِ الْفِضَّةِ وَ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَ يُجْبَرُ عَلَي الْعَيْنِ لَوْ بَذَلَتْهَا فِي الْأَوَّلِ، دُونَ الثَّانِي، لِقَبُولِ الْفِضَّةِ لِمَا يُرِيدُهُ مِنْهَا، دُونَ الثَّوْبِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُفَصَّلًا عَلَي ذَلِكَ الْوَجْهِ قَبْلَ دَفْعِهِ إلَيْهَا.

(وَيُسْتَحَبُّ لَهَا الْعَفْوُ عَنْ الْجَمِيعِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَي: { وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَي } وَ الْمُرَادُ بِالْعَفْوِ إسْقَاطُ الْمَهْرِ بِالْهِبَةِ إنْ كَانَ عَيْنًا وَ الْإِبْرَاءُ وَ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْعَفْوِ وَ الْإِسْقَاطِ إنْ كَانَ دَيْنًا وَ رُبَّمَا قِيلَ بِصِحَّتِهِ بِلَفْظِ الْعَفْوِ مُطْلَقًا عَمَلًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ وَرَدُّهُ إلَي الْقَوَانِينِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْلَي وَ الْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَي أَزْيَدَ مِنْهُ.

(وَلِوَلِيِّهَا الْإِجْبَارِيِّ) الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ أَصَالَةً وَ هُوَ الْأَبُ وَ الْجَدُّ لَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَي الصَّغِيرَةِ (الْعَفْوُ عَنْ الْبَعْضِ) أَيْ: بَعْضِ النِّصْفِ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، لِأَنَّ عَفْوَ الْوَلِيِّ مَشْرُوطٌ بِكَوْنِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، (لَا الْجَمِيعِ) وَ احْتُرِزَ بِالْإِجْبَارِيِّ عَنْ وَكِيلِ الرَّشِيدَةِ فَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ مَعَ الْإِطْلَاقِ، فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ نَعَمْ لَوْ وَكَّلَتْهُ فِي الْعَفْوِ جَازَ قَطْعًا وَ كَذَا وَكِيلُ الزَّوْجِ فِي النِّصْفِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ.

(الثَّانِيَةُ - لَوْ دَخَلَ قَبْلَ دَفْعِ الْمَهْرِ

كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَ إِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ) لِلْأَصْلِ وَ الْأَخْبَارِ وَ مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ الدُّخُولَ يَهْدِمُ الْعَاجِلَ، أَوْ أَنَّ طُولَ الْمُدَّةِ يُسْقِطُهُ شَاذٌّ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، أَوْ مُؤَوَّلٌ بِقَبُولِ قَوْلِ الزَّوْجِ فِي بَرَاءَتِهِ مِنْ الْمَهْرِ لَوْ تَنَازَعَا (وَ الدُّخُولُ) الْمُوجِبُ لِلْمَهْرِ تَامًّا (هُوَ الْوَطْءُ) الْمُتَحَقِّقُ بِغَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ، أَوْ

قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا وَ ضَابِطُهُ: مَا أَوْجَبَ الْغُسْلَ (قُبُلًا أَوْ دُبُرًا، لَا مُجَرَّدَ الْخَلْوَةِ) بِالْمَرْأَةِ وَ إِرْخَاءِ السِّتْرِ عَلَي وَجْهٍ يَنْتَفِي مَعَهُ الْمَانِعُ مِنْ الْوَطْءِ عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَ الْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ، فَفِي بَعْضِهَا أَنَّ و جوبهُ أَجْمَعَ مُتَوَقِّفٌ عَلَي الدُّخُولِ وَ فِي أُخْرَي بِالْخَلْوَةِ وَ الْآيَةُ ظَاهِرَةٌ فِي الْأَوَّلِ وَ مَعَهُ مَعَ ذَلِكَ الشُّهْرَةُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَ كَثْرَةُ الْأَخْبَارِ.

(الثَّالِثَةُ - لَوْ أَبْرَأَتْهُ مَنْ الصَّدَاقِ

ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ) عَلَيْهَا (بِنِصْفِهِ)، لِأَنَّهَا حِينَ الْإِبْرَاءِ كَانَتْ مَالِكَةً لِجَمِيعِ الْمَهْرِ مِلْكًا تَامًّا وَ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ بِالطَّلَاقِ مِلْكٌ جَدِيدٌ وَ لِهَذَا كَانَ نَمَاؤُهُ لَهَا فَإِذَا طَلَّقَهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ كَمَا لَوْ صَادَفَهَا قَدْ أَتْلَفَتْهُ، فَإِنَّ تَصَرُّفَهَا فِيهِ بِالْإِبْرَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْإِتْلَافِ فَيَرْجِعُ بِنِصْفِهِ وَ كَذَا لَوْ كَانَ عَيْنًا وَ وَهَبَتْهُ إيَّاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْقِيمَةِ.

وَيُحْتَمَلُ ضَعِيفًا عَدَمُ الرُّجُوعِ فِي صُورَةِ الْإِبْرَاءِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَأْخُذْ مِنْهُ مَالًا وَ لَا نَقَلَتْ إلَيْهِ الصَّدَاقَ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ، لَا تَمْلِيكٌ وَ لَا أَتْلَفَتْهُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ زَيْدٍ لِعَمْرٍو بَعْدَ.

حُكْمِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ وَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ و كان قَدْ أَبْرَأَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَي الشَّاهِدَيْنِ بِشَيْءٍ.

وَلَوْ كَانَ الْإِبْرَاءُ إتْلَافًا عَلَي مَنْ فِي ذِمَّتِهِ لَغَرِمَا لَهُ وَ الْفَرْقُ وَاضِحٌ فَإِنَّ حَقَّ الْمَهْرِ ثَابِتٌ حَالَ الْإِبْرَاءِ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ ظَاهِرًا وَ بَاطِنًا فَإِسْقَاطُ الْحَقِّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ مُتَحَقِّقٌ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشَّاهِدِ فَإِنَّ الْحَقَّ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا كَذَلِكَ فَلَمْ تُصَادِفْ الْبَرَاءَةُ حَقًّا يَسْقُطُ بِالْإِبْرَاءِ.

(وَ كَذَا) يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ (لَوْ خَلَعَهَا بِهِ أَجْمَعَ قَبْلَ الدُّخُولِ)، لِاسْتِحْقَاقِهِ لَهُ بِبَذْلِهَا عِوَضًا مَعَ الطَّلَاقِ فَكَانَ انْتِقَالُهُ عَنْهَا سَابِقًا عَلَي اسْتِحْقَاقِهِ النِّصْفَ بِالطَّلَاقِ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمُنْتَقِلِ عَنْهَا حِينَ اسْتِحْقَاقِهِ النِّصْفَ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا

بِنِصْفِهِ دَيْنًا، أَوْ عَيْنًا.

(الرَّابِعَةُ - يَجُوزُ اشْتِرَاطُ مَا يُوَافِقُ بِهِ الشَّرْعَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ)

سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مُقْتَضَي عَقْدِ النِّكَاحِ كَأَنْ تَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْعَدْلَ فِي الْقَسْمِ وَ النَّفَقَةِ، أَوْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا مَتَي شَاءَ، أَوْ يَتَسَرَّي، أَوْ خَارِجًا عَنْهُ كَشَرْطِ تَأْجِيلِ الْمَهْرِ، أَوْ بَعْضِهِ إلَي أَجَلٍ مُعَيَّنٍ (فَلَوْ شَرَطَ مَا يُخَالِفُهُ لَغَي الشَّرْطُ وَ صَحَّ) الْعَقْدُ وَ الْمَهْرُ (كَاشْتِرَاطِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا وَ أَنَّ لَا يَتَسَرَّي)، أَوْ لَا يَطَأُ، أَوْ يُطَلَّق كَمَا فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ أَمَّا فَسَادُ الشَّرْطِ حِينَئِذٍ فَوَاضِحٌ، لِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْرُوعَ وَ أَمَّا صِحَّةُ الْعَقْدِ فَالظَّاهِرُ إطْبَاقُ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَ إِلَّا كَانَ لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ كَمَا عُلِمَ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَي الشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَ رُبَّمَا قِيلَ بِفَسَادِ الْمَهْرِ خَاصَّةً، لِأَنَّ الشَّرْطَ كَالْعِوَضِ الْمُضَافِ إلَي الصَّدَاقِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَالِ وَ الرُّجُوعُ إلَي قِيمَتِهِ مُتَعَذِّرٌ، لِلْجَهَالَةِ فَيُجْهَلُ الصَّدَاقُ فَيَرْجِعُ إلَي مَهْرِ الْمِثْلِ.

(وَ لَوْ شَرَطَ إبْقَاءَهَا فِي بَلَدِهَا لَزِمَ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُخَالِفُ الْمَشْرُوعَ، فَإِنَّ خُصُوصِيَّاتِ الْوَطَنِ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ لِلْعُقَلَاءِ بِوَاسِطَةِ النَّشْءِ وَ الْأَهْلِ وَ الْأُنْسِ وَ غَيْرِهَا فَجَازَ شَرْطُهُ تَوَصُّلًا إلَي الْغَرَضِ الْمُبَاحِ وَ لِصَحِيحَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَ يَشْتَرِطُ لَهَا أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا.

قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " يَفِي لَهَا بِذَلِكَ أَوْ قال:

يَلْزَمُهُ ذَلِكَ " وَ لِعُمُومِ { الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ }.

(وَ كَذَا) لَوْ شَرَطَ إبْقَاءَهَا (فِي مَنْزِلِهَا) وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا لِاتِّحَادِ الطَّرِيقِ وَ قِيلَ: يَبْطُلُ الشَّرْطُ فِيهِمَا، لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِالزَّوْجَةِ فِي الْأَزْمِنَةِ وَ الْأَمْكِنَةِ حَقُّ الزَّوْجِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ وَ كَذَا السَّلْطَنَةُ عَلَيْهَا، فَإِذَا شُرِطَ مَا يُخَالِفُهُ كَانَ بَاطِلًا وَ حَمَلُوا الرِّوَايَةَ عَلَي الِاسْتِحْبَابِ وَ يُشْكَلُ بِأَنَّ ذَلِكَ وَارِدٌ فِي سَائِرِ

الشُّرُوطِ السَّائِغَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُقْتَضَي الْعَقْدِ كَتَأْجِيلِ الْمَهْرِ، فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَهَا الْمُطَالَبَةَ بِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَ مَكَانٍ ثَابِتٌ بِأَصْلِ الشَّرْعِ أَيْضًا فَالْتِزَامُ عَدَمِ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ يَكُونُ مُخَالِفًا وَ كَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ تَأْجِيلٍ وَ نَحْوِهِ مِنْ الشُّرُوطِ السَّائِغَةِ وَ الْحَقُّ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُمْنَعُ خُصُوصًا مَعَ وُرُودِ النَّصِّ الصَّحِيحِ بِجَوَازِهِ.

وَأَمَّا حَمْلُ الْأَمْرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْخَبَرِ الَّذِي بِمَعْنَاهُ عَلَي الِاسْتِحْبَابِ فَلَا رَيْبَ عَلَي أَنَّهُ خِلَافُ الْحَقِيقَةِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ الْحَمْلِ عَلَيْهَا وَ هُوَ مُمْكِنٌ، فَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ أَوْجَهُ فِي مَسْأَلَةِ النَّصِّ وَ أَمَّا الْمَنْزِلُ فَيُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالْمَنْعِ فِيهِ، وُقُوفًا فِيمَا خَالَفَ الْأَصْلَ عَلَي مَوْضِعِ النَّصِّ وَ فِي التَّعَدِّي إلَيْهِ قُوَّةٌ، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَ اتِّحَادِ طَرِيقِ الْمَسْأَلَتَيْنِ.

وَحُكْمُ الْمَحَلَّةِ وَ الْمَوْضِعِ الْمَخْصُوصِ حُكْمُ الْمَنْزِلِ وَ مَتَي حَكَمْنَا بِصِحَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ إسْقَاطُهُ بِوَجْهٍ، لِأَنَّهُ حَقٌّ يَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ آنٍ فَلَا يُعْقَلُ إسْقَاطُ مَا لَمْ يُوجَدْ حُكْمُهُ وَ إِنْ وُجِدَ سَبَبُهُ.

(الْخَامِسَةُ - لَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ صِنَاعَةٍ

ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا نِصْفُ أُجْرَةِ التَّعْلِيمِ)، لِعَدَمِ إمْكَانِ تَعْلِيمِهَا نِصْفَ الصَّنْعَةِ وَ هُوَ الْوَاجِبُ لَهَا بِالطَّلَاقِ خَاصَّةً، (وَ لَوْ كَانَ قَدْ عَلَّمَهَا) الصَّنْعَةَ (رَجَعَ بِنِصْفِ الْأُجْرَة) لِعَدَمِ إمْكَانِ ارْتِجَاعِ نَفْسِ الْوَاجِبِ فَيَرْجِعُ إلَي عِوَضِهِ (وَ لَوْ كَانَ) الصَّدَاقُ (تَعْلِيمَ سُورَةٍ) وَ نَحْوِهَا (فَكَذَلِكَ)، لِأَنَّهُ وَ إِنْ أَمْكَنَ تَعْلِيمُ نِصْفِهَا عَقْلًا إلَّا أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ شَرْعًا، لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً.

(وَ قِيلَ: يُعَلِّمُهَا النِّصْفَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) كَمَا يُعَلِّمُهَا الْوَاجِبَ (وَ هُوَ قَرِيبٌ) لِأَنَّ تَحْرِيمَ سَمَاعِ صَوْتِهَا مَشْرُوطٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَ السَّمَاعُ هُنَا مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ.

(السَّادِسَةُ - لَوْ اعْتَاضَتْ عَنْ الْمَهْرِ بِدُونِهِ

، أَوْ أَزْيَدَ مِنْهُ) أَوْ بِمُغَايِرِهِ جِنْسًا، أَوْ وَصْفًا (ثُمَّ طَلَّقَهَا رَجَعَ بِنِصْفِ الْمُسَمَّي) لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ بِالطَّلَاقِ، (لَا) بِنِصْفِ (الْعِوَضِ)، لِأَنَّهُ

مُعَاوَضَةٌ جَدِيدَةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا.

(السَّابِعَةُ - لَوْ وَهَبَتْهُ نِصْفَ مَهْرِهَا مُشَاعًا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهُ الْبَاقِي)

، لِأَنَّهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ فَيَنْحَصِرُ فِيهِ وَ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ مُسْتَحِقُّ الْعَيْنِ إلَي بَدَلِهَا إلَّا بِالتَّرَاضِي، أَوْ تَعَذُّرِ الرُّجُوعِ لِمَانِعٍ، أَوْ تَلَفٍ وَ الْكُلُّ مُنْتَفٍ.

وَيُحْتَمَلُ الرُّجُوعُ إلَي نِصْفِ النِّصْفِ الْمَوْجُودِ بَدَلَ نِصْفِ الْمَوْهُوبِ، لِأَنَّ الْهِبَةَ وَرَدَتْ عَلَي مُطْلَقِ النِّصْفِ فَيَشِيعُ فَيَكُونُ حَقُّهُ فِي الْبَاقِي وَ التَّالِفِ فَيَرْجِعُ بِنِصْفِهِ وَ بِبَدَلِ الذَّاهِبِ وَ يَكُونُ هَذَا هُوَ الْمَانِعَ وَ هُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الْمُسَوِّغَةِ لِلِانْتِقَالِ إلَي الْبَدَلِ وَ رُدَّ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَي الضَّرَرِ بِتَبْعِيضِ حَقِّهِ فَيَلْزَمُ ثُبُوتُ احْتِمَالٍ آخَرَ وَ هُوَ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ أَخْذِ النِّصْفِ الْمَوْجُودِ و بين التَّشْطِيرِ الْمَذْكُورِ.

(وَ لَوْ كَانَ) الْمَوْهُوبُ (مُعَيَّنًا فَلَهُ نِصْفُ الْبَاقِي وَ نِصْفُ مَا وَ هَبَتْهُ مَثَلًا، أَوْ قِيمَةً)، لِأَنَّ حَقَّهُ مُشَاعٌ فِي جَمِيعِ الْعَيْنِ و قد ذَهَبَ نِصْفُهَا مُعَيَّنًا فَيَرْجِعُ إلَي بَدَلِهِ، بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ عَلَي الْإِشَاعَةِ وَ نَبَّهَ بِقوله:

وَهَبْتُهُ عَلَي أَنَّ الْمَهْرَ عَيْنٌ، فَلَوْ كَانَ دَيْنًا وَ أَبْرَأَتْهُ مِنْ نِصْفِهِ بَرِئَ مِنْ الْكُلِّ وَجْهًا وَاحِدًا، (وَ كَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بِعَبْدَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ بَاعَتْهُ فَلِلزَّوْجِ نِصْفُ الْبَاقِي وَ نِصْفُ قِيمَةِ التَّالِفِ)، لِأَنَّهُ تَلِفَ عَلَي مِلْكِهَا وَ اسْتِحْقَاقُهُ لِنِصْفِهِ تَجَدَّدَ بِالطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمَوْجُودِ وَ غَيْرِهِ وَ التَّقْرِيبُ مَا تَقَدَّمَ.

(الثَّامِنَةُ - لِلزَّوْجَةِ الِامْتِنَاعُ قَبْلَ الدُّخُولِ

حَتَّي تَقْبِضَ مَهْرَهَا إنْ كَانَ الْمَهْرُ حَالًّا) مُوسِرًا كَانَ الزَّوْجُ أَمْ مُعْسِرًا عَيْنًا كَانَ الْمَهْرُ أُمّ مَنْفَعَةً، مُتَعَيِّنًا كَانَ أَمْ فِي الذِّمَّةِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي مَعْنَي الْمُعَاوَضَةِ وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ مَحْضَةً.

وَمِنْ حُكْمِهَا أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاوِضَيْنِ الِامْتِنَاعَ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَي أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ الْآخَرُ فَيُجْبِرُهُمَا الْحَاكِمُ عَلَي التَّقَابُضِ مَعًا، لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، بِوَضْعِ الصَّدَاقِ عِنْدَ عَدْلٍ إنْ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا وَ يَأْمُرُهَا

بِالتَّمْكِينِ.

وَهَذَا الْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ عَلَي تِلْكَ التَّقْدِيرَاتِ وَ رُبَّمَا قِيلَ: إنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ، لِمَنْعِ مُطَالَبَتِهِ وَ يَضْعُفُ بِأَنَّ مَنْعَ الْمُطَالَبَةِ لَا يَقْتَضِي وجوب التَّسْلِيمِ قَبْلَ قَبْضِ الْعِوَضِ وَ احْتُرِزَ بِالْحَالِ عَمَّا لَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَإِنَّ تَمْكِينَهَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَي قَبْضِهِ إذْ لَا يَجِبُ لَهَا حِينَئِذٍ شَيْءٌ فَيَبْقَي وجوب حَقِّهِ عَلَيْهَا بِغَيْرِ مُعَارِضٍ وَ لَوْ أَقْدَمَتْ عَلَي فِعْلِ الْمُحَرَّمِ وَ امْتَنَعَتْ إلَي أَنْ حَلَّ الْأَجَلُ فَفِي جَوَازِ امْتِنَاعِهَا حِينَئِذٍ إلَي أَنْ تَقْبِضَهُ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْحَالِ ابْتِدَاءً وَ عَدَمَهُ بِنَاءً عَلَي وجوب تَمْكِينِهَا قَبْلَ حُلُولِهِ فَيُسْتَصْحَبُ وَ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالتَّأْجِيلِ بَنَتْ أَمْرَهَا عَلَي أَنْ لَا حَقَّ لَهَا فِي الِامْتِنَاعِ فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَ ذَلِكَ، لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضَيْ وَجْهَانِ أَجْوَدُهُمَا الثَّانِي.

وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُ حَالًا وَ بَعْضُهُ مُؤَجَّلًا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُ مُمَاثِلِهِ.

وَإِنَّمَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ إذَا كَانَتْ مُهَيَّأَةً لِلِاسْتِمْتَاعِ، فَلَوْ كَانَتْ مَمْنُوعَةً بِعُذْرٍ وَ إِنْ كَانَ شَرْعِيًّا كَالْإِحْرَامِ لَمْ يَلْزَمْ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ التَّسْلِيمُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِذَا تَعَذَّرَ مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَجِبْ مِنْ الْآخَرِ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً يَحْرُمُ وَطْؤُهَا فَالْأَقْوَي وجوب تَسْلِيمِ مَهْرِهَا إذَا طَلَبَهُ الْوَلِيُّ، لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ حَالَ طَلَبِهِ مَنْ لَهُ حَقُّ الطَّلَبِ فَيَجِبُ دَفْعُهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحُقُوقِ وَ عَدَمِ قَبْضِ الْعِوَضِ الْآخَرِ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ حَيْثُ عَقَدَ عَلَيْهَا كَذَلِكَ مُوجِبًا عَلَي نَفْسِهِ عِوَضًا حَالًا وَ رَضِيَ بِتَأْخِيرِ قَبْضِ الْمُعَوِّضِ إلَي مَحَلِّهِ.

وَهَذَا بِخِلَافِ النَّفَقَةِ، لِأَنَّ سَبَبَ و جوبهَا التَّمْكِينُ التَّامُّ دُونَ الْعَقْدِ وَ وَجْهُ عَدَمِ الْوُجُوبِ قَدْ عُلِمَ مِمَّا سَلَفَ مَعَ جَوَابِهِ.

(وَ لَيْسَ لَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ الِامْتِنَاعُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ)، لِاسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ و قد حَصَلَ تَسْلِيمُهَا نَفْسَهَا بِرِضَاهَا فَانْحَصَرَ حَقُّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ، دُونَ الِامْتِنَاعِ وَ لِأَنَّ النِّكَاحَ مُعَاوَضَةٌ وَ مَتَي سَلَّمَ

أَحَدُ الْمُتَعَاوِضَيْنِ الْعِوَضَ الَّذِي مِنْ قِبَلِهِ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَبْسُهُ لِيَتَسَلَّمَ الْعِوَضَ الْآخَرَ وَ لِأَنَّ مَنْعَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ وَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَيَنْتَفِيَ.

بِالْأَصْلِ، فَإِنَّ التَّسْلِيمَ حَقٌّ عَلَيْهَا وَ الْمَهْرَ حَقٌّ عَلَيْهِ وَ الْأَصْلُ عَدَمُ تَعَلُّقِ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ فَيَتَمَسَّكُ بِهِ إلَي أَنْ يَثْبُتَ النَّاقِلُ وَ قِيلَ: لَهَا الِامْتِنَاعُ كَقَبْلِ الدُّخُولِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِعَقْدِ النِّكَاحُ مَنَافِعُ الْبُضْعِ فَيَكُونُ الْمَهْرُ فِي مُقَابِلِهَا وَ يَكُونُ تَعَلُّقُ الْوَطْء الْأَوَّلِ بِهِ كَتَعَلُّقِ غَيْرِهِ وَ الْأَقْوَي الْأَوَّلُ هَذَا كُلُّهُ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا اخْتِيَارًا.

فَلَوْ دَخَلَ بِهَا كُرْهًا فَحَقُّ الِامْتِنَاعِ بِحَالِهِ، لِأَنَّهُ قَبْضٌ فَاسِدٌ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُ الصَّحِيحِ وَ لِأَصَالَةِ الْبَقَاءِ إلَي أَنْ يَثْبُتَ الْمُزِيلُ.

مَعَ احْتِمَالِ عَدَمِهِ لِصِدْقِ الْقَبْضِ.

(التَّاسِعَةُ - إذَا زَوَّجَ الْأَبُ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ)

الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ وَ يَرْشُدْ (وَلِلْوَلَدِ مَالٌ يَفِي) بِالْمَهْرِ (فَفِي مَالِهِ الْمَهْرُ وَ إِلَّا) يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَصْلًا (فَفِي مَالِ الْأَبِ) وَ لَوْ مَلَكَ مِقْدَارَ بَعْضِهِ فَهُوَ فِي مَالِهِ وَ الْبَاقِي عَلَي الْأَبِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَ نَسَبَهُ فِي التَّذْكِرَةِ إلَي عُلَمَائِنَا وَ هُوَ يُشْعِرُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ، ثُمَّ اخْتَارَ أَنَّ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ شَرْطِ كَوْنِهِ عَلَي الْوَلَدِ مُطْلَقًا، أَوْ كَوْنُهُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَ إِلَّا كَانَ عَلَي الْوَلَدِ فِي الْأَوَّلِ وَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي مُطْلَقًا (وَ لَوْ بَلَغَ) الصَّبِيُّ (فَطَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ النِّصْفُ الْمُسْتَعَادُ لِلْوَلَدِ) لَا لِلْأَبِ، لِأَنَّ دَفْعَ الْأَبِ لَهُ كَالْهِبَةِ لِلِابْنِ وَ مِلْكُ الِابْنِ لَهُ بِالطَّلَاقِ مِلْكٌ جَدِيدٌ، لَا إبْطَالٌ لِمِلْكِ الْمَرْأَةِ السَّابِقِ لِيَرْجِعَ إلَي مَالِكِهِ وَ كَذَا لَوْ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ الْأَبُ عَنْهُ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَلَكَتْهُ بِالْعَقْدِ وَ إِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ وَ قَطَعَ فِي الْقَوَاعِدِ هُنَا بِسُقُوطِ النِّصْفِ عَنْ الْأَبِ وَ أَنَّ الِابْنَ لَا يَسْتَحِقُّ مُطَالَبَتُهُ بِشَيْءٍ

وَ الْفَرْقُ غَيْرُ وَاضِحٍ وَ لَوْ دَفَعَ الْأَبُ عَنْ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ الْمَهْرَ تَبَرُّعًا، أَوْ عَنْ أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَفِي عَوْدِ النِّصْفِ إلَي الدَّافِعِ، أَوْ الزَّوْجِ قَوْلَانِ مِنْ مِلْكِ الْمَرْأَةِ لَهُ كَالْأَوَّلِ فَيَرْجِعُ إلَي الزَّوْجِ وَ مِنْ أَنَّ الْكَبِيرَ لَا يَمْلِكُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَ إِنَّمَا أُسْقِطَ عَنْهُ الْحَقُّ فَإِذَا سَقَطَ نِصْفُهُ رَجَعَ النِّصْفُ إلَي الدَّافِعِ وَ اخْتَلَفَ كَلَامُ الْعَلَّامَةِ هُنَا فَفِي التَّذْكِرَةِ قَطَعَ بِرُجُوعِهِ إلَي الزَّوْجِ كَالصَّغِيرِ وَ فِي التَّحْرِيرِ قَوَّي عَدَمَهُ وَ اسْتَشْكَلَ فِي الْقَوَاعِدِ بَعْدَ - حُكْمِهِ بِإِلْحَاقِهِ بِالصَّغِيرِ وَ الْأَقْوَي الْأَوَّلُ.

(الْعَاشِرَةُ - لَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّسْمِيَةِ)

فَادَّعَاهَا أَحَدُهُمَا وَ ادَّعَي الْآخَرُ التَّفْوِيضَ (حَلَفَ الْمُنْكِرُ لَهَا) لِأَصَالَةِ عَدَمِهَا، فَيَثْبُتُ مُقْتَضَي عَدَمِهَا مِنْ الْمُتْعَةِ، أَوْ مَهْرِ الْمِثْلِ، أَوْ غَيْرِهِمَا (وَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ قُدِّمَ قَوْلُ الزَّوْجِ) لِأَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الزَّائِدِ عَلَي مَا يَعْتَرِف بِهِ وَ احْتَمَلَ الْعَلَّامَةُ فِي الْقَوَاعِدِ تَقْدِيمَ قَوْلِ مَنْ يَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْلِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ مِنْ عَدَمِ الْعَقْدِ عَلَي مَا دُونَهُ وَ أَنَّهُ الْأَصْلُ فِي عِوَضِ الْوَطْءِ الْمُجَرَّدِ عَنْهُ كَالشُّبْهَةِ و فيه أَنَّ الْأَصْلَ مُقَدَّمُ عَلَي الظَّاهِرِ عِنْد التَّعَارُضِ إلَّا فِيمَا نَدُرَ وَ إِنَّمَا يَكُون عِوَضًا عَنْ وَطْءٍ مُجَرَّدٍ عَنْ الْعَقْدِ، أَوْ فِي مَوَاضِعَ خَاصَّةٍ وَ لَوْ كَانَ النِّزَاعُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا اشْتِبَاهَ فِي تَقْدِيمِ قَوْلِهِ وَ لَوْ قِيلَ بِقَبُولِ قَوْلِهَا فِي مَهْرِ الْمِثْلِ فَمَا دُون مَعَ الدُّخُولِ لَتَطَابُقِ الْأَصْلِ وَ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّسْمِيَةِ وَ هُوَ مُوجِبٌ لَهُ حِينَئِذٍ وَ الظَّاهِرُ تَسْمِيَتُهُ وَ عَدَمُ قَبُولِهِ قَبْلَهُ لِأَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ وَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ كَانَ حَسَنًا نَعَمْ لَوْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْقَدْرِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَي التَّسْمِيَةِ، قُدِّمَ قَوْلُ الزَّوْجِ مُطْلَقًا وَ مِثْلُهُ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْمَهْرِ، أَوْ ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ

مَهْرًا وَ لَمْ يُمْكِنْ الْجَوَابُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ أَوْ وَارِثِهِ، لِصِغَرٍ، أَوْ غَيْبَةٍ وَ نَحْوِهِمَا (وَ كَذَا) لَوْ اخْتَلَفَا (فِي الصِّفَةِ) كَالْجَيِّدِ وَ الرَّدِيءِ وَ الصَّحِيحِ وَ الْمُكَسَّرِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ الْيَمِينِ، سَوَاءٌ كَانَ النِّزَاعُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمْ بَعْدَهُ وَ سَوَاءٌ وَافَقَ أَحَدُهُمَا مَهْرَ الْمِثْلِ أَمْ لَا، لِأَنَّهُ الْغَارِمُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ كَمَا يُقْبَلُ فِي الْقَدْرِ (وَ فِي التَّسْلِيمِ يُقَدَّمُ قَوْلُهَا) لِأَصَالَةِ عَدَمِهِ وَ اسْتِصْحَابِ اشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.

وَفِي قَوْلِ الشَّيْخِ أَنَّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا يُقَدَّمُ قَوْلُهُ اسْتِنَادًا إلَي رِوَايَةٍ.

وَهُوَ شَاذٌّ.

(وَ فِي الْمُوَاقَعَةِ لَوْ أَنْكَرَهَا) لِيَنْدَفِعَ عَنْهُ نِصْفُ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ (يُقَدَّمُ قَوْلُهُ)، لِأَصَالَةِ عَدَمِهَا (وَ قِيلَ: قَوْلُهَا مَعَ الْخَلْوَةِ التَّامَّةِ) الَّتِي لَا مَانِعَ مَعَهَا عَنْ الْوَطْءِ شَرْعًا وَ لَا عَقْلًا وَ لَا عُرْفًا.

(وَ هُوَ قَرِيبٌ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ مِنْ حَالِ الصَّحِيحِ إذَا خَلَا بِالْحَلِيلَةِ وَ لِلْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَي وجوب الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ التَّامَّةِ بِحَمْلِهَا عَلَي كَوْنِهِ دَخَلَ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ وَ الْأَشْهَرُ الْأَوَّلُ تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ.

وَحُكْمُ اخْتِلَافِ وَ رِثَتَيْهِمَا، أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ حُكْمُهُ.

الْفَصْلُ السَّابِعُ - فِي الْعُيُوبِ

(الْفَصْلُ السَّابِعُ - فِي الْعُيُوبِ)

(وَ التَّدْلِيسُ وَ هِيَ) أَيْ الْعُيُوبُ الْمُجَوِّزَةُ لِفَسْخِ النِّكَاحِ عَلَي الْوَجْهِ الَّذِي يَأْتِي (فِي الرَّجُلِ)، بَلْ الزَّوْجِ مُطْلَقًا (خَمْسَةٌ: الْجُنُونُ وَ الْخِصَاءُ) بِكَسْرِ الْخَاءِ مَعَ الْمَدِّ وَ هُوَ سُلُّ الْأُنْثَيَيْنِ وَ إِنْ أَمْكَنَ الْوَطْءُ (وَ الْجَبُّ) وَ هُوَ قَطْعُ مَجْمُوعِ الذَّكَرِ، أَوْ مَا لَا يَبْقَي مَعَهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ، (وَ الْعَنَنُ) وَ هُوَ مَرَضٌ يَعْجِزُ مَعَهُ عَنْ الْإِيلَاجِ، لِضَعْفِ الذَّكَرِ عَنْ الِانْتِشَارِ، (وَ الْجُذَامُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَ هُوَ مَرَضٌ يَظْهَرُ مَعَهُ يُبْسُ الْأَعْضَاءِ وَ تَنَاثُرُ اللَّحْمِ (عَلَي قَوْلِ) الْقَاضِي وَ ابْنِ الْجُنَيْدِ وَ اسْتَحْسَنَهُ فِي الْمُخْتَلِفِ وَ قَوَّاهُ الْمُحَقِّقُ الشَّيْخُ عَلِيُّ، لِعُمُومِ قَوْلِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صَحِيحَةِ الْحَلَبِيِّ:

" إنَّمَا يُرَدُّ النِّكَاحُ مِنْ الْبَرَصِ وَ الْجُذَامِ وَ الْجُنُونِ وَ الْعَفَلِ " فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي الرَّجُلِ وَ الْمَرْأَةِ، إلَّا مَا أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ وَ لِأَدَائِهِ إلَي الضَّرَرِ الْمَنْفِيِّ فَإِنَّهُ مِنْ الْأَمْرَاضِ الْمُعْدِيَةِ بِاتِّفَاقِ الْأَطِبَّاءِ و قد رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قال:

{ فِرَّ مِنْ الْمَجْذُوم فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ } فَلَا بُدَّ مِنْ طَرِيقٍ إلَي التَّخَلُّصِ وَ لَا طَرِيقَ لِلْمَرْأَةِ إلَّا الْخِيَارُ وَ النَّصُّ وَ الْفَتْوَي الدَّالَانِ عَلَي كَوْنِهِ عَيْبًا فِي الْمَرْأَةِ - مَعَ وُجُودِ وَسِيلَةِ الرَّجُلِ إلَي الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ - قَدْ يَقْتَضِيهِ فِي الرَّجُلِ بِطَرِيقِ أُولَي وَ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَي عَدَمِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا بِهِ تَمَسُّكًا بِالْأَصْلِ وَ لِرِوَايَةِ غِيَاثٍ الضَّبِّيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " الرَّجُلُ لَا يُرَدُّ مِنْ عَيْبٍ " فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَحَلَّ النِّزَاعِ وَ لَا يَخْفَي قُوَّةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَ رُجْحَانُ رِوَايَتِهِ، لِصِحَّتِهَا وَ شُهْرَتِهَا مَعَ مَا ضُمَّ إلَيْهَا وَ هِيَ نَاقِلَةٌ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَائِلَ بِكَوْنِهِ عَيْبًا فِي الرَّجُلِ أَلْحَقَ بِهِ الْبَرَصَ لِوُجُودِهِ مَعَهُ فِي النَّصِّ الصَّحِيحِ وَ مُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي الضَّرَرِ وَ الْأَضْرَارِ وَ الْعَدْوَي فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ مَعَهُ.

(وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الْمُطْبَقِ) الْمُسْتَوْعِبِ لِجَمِيعِ أَوْقَاتِهِ، (وَ غَيْرِهِ) وَ هُوَ الَّذِي يَنُوبُ أَدْوَارًا، (وَ لَا بَيْنَ) الْحَاصِلِ (قَبْلَ الْعَقْدِ وَ بَعْدَهُ) سَوَاءٌ (وَطِئَ أَوْ لَا)، لِإِطْلَاقِ النَّصِّ بِكَوْنِهِ عَيْبًا الصَّادِقِ لِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ، لِأَنَّ الْجُنُونَ فُنُونٌ وَ الْجَامِعُ لَهَا فَسَادُ الْعَقْلِ عَلَي أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ فَسْخِهَا بِالْحَادِثِ مِنْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَ قِيلَ: يُشْتَرَطُ فِيهِ كَوْنُهُ بِحَيْثُ لَا يَعْقِلُ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ.

وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ (وَ فِي مَعْنَي الْخِصَاءِ الْوِجَاءُ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَ الْمَدِّ وَ هُوَ رَضُّ الْخُصْيَتَيْنِ

بِحَيْثُ تَبْطُلُ قُوَّتُهُمَا، بَلْ قِيلَ: إنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الْخِصَاءِ فَيَتَنَاوَلُهُ نَصُّهُ، أَوْ يُشَارِكُهُ فِي الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْحُكْمِ.

(وَشَرْطُ الْجَبُّ أَنْ لَا يَبْقَي قَدْرُ الْحَشَفَةِ) فَلَوْ بَقِيَ قَدْرُهَا فَلَا خِيَارَ، لِإِمْكَانِ الْوَطْءِ حِينَئِذٍ (وَشَرْطُ الْعُنَّةِ) بِالضَّمِّ (أَنْ يَعْجَزَ عَنْ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ وَ الدُّبْرِ مِنْهَا وَ مِنْ غَيْرِهَا) فَلَوْ وَطْأَهَا فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ وَ لَوْ مَرَّةً، أَوْ وَطِئَ غَيْرَهَا فَلَيْسَ بِعِنِّينٍ وَ كَذَا لَوْ عَجَزَ عَنْ الْوَطْءِ قُبُلًا وَ قَدَرَ عَلَيْهِ دُبُرًا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهُ لِتَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ الْمُنَافِيَةِ لِلْعُنَّةِ و مع تَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ أَجْمَعَ فَإِنَّمَا تُفْسَخُ (بَعْدَ رَفْعِ أَمْرِهَا إلَي الْحَاكِمِ وَ إِنْظَارِهِ سَنَةً) مِنْ حِينِ الْمُرَافَعَةِ فَإِذَا مَضَتْ أَجْمَعَ وَ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْوَطْءِ فِي الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ جَازَ لَهَا الْفَسْخُ حِينَئِذٍ وَ لَوْ لَمْ تَرْفَعْ أَمْرَهَا إلَيْهِ وَ إِنْ كَانَ حَيَاءً فَلَا خِيَارَ لَهَا وَ إِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَي مُضِيِّ السَّنَةِ هُنَا، دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ، لِجَوَازِ كَوْنِ تَعَذُّرِ الْجِمَاعِ لِعَارِضِ حَرَارَةٍ فَيَزُولُ فِي الشِّتَاءِ، أَوْ بُرُودَةٍ فَيَزُولُ فِي الصَّيْفِ، أَوْ رُطُوبَةٍ فَيَزُولُ فِي الْخَرِيفِ، أَوْ يُبُوسَةٍ فَيَزُولُ فِي الرَّبِيعِ.

(وَشَرْطُ الْجُذَامِ تَحَقُّقُهُ) بِظُهُورِهِ عَلَي الْبَدَنِ، أَوْ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، أَوْ تَصَادُقِهِمَا عَلَيْهِ، لَا مُجَرَّدُ ظُهُورِ أَمَارَاتِهِ مِنْ تَعَجُّرِ الْوَجْهِ وَ احْمِرَارِهِ، أَوْ اسْوِدَادِهِ وَ اسْتِدَارَةِ الْعَيْنِ وَ كُمُودَتِهَا إلَي حُمْرَةٍ وَ ضِيقِ النَّفَسِ وَ بُحَّةِ الصَّوْتِ وَ نَتْنُ الْعَرَقِ وَ تَسَاقُطُ الشَّعْرِ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يَعْرِضُ مِنْ غَيْرِهِ نَعَمْ مَجْمُوعُ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ قَدْ يُفِيدُ أَهْلَ الْخِبْرَةِ بِهِ حُصُولَهُ وَ الْعُمْدَةُ عَلَي تَحَقُّقِهِ كَيْفَ كَانَ.

(وَ لَوْ تَجَدَّدَتْ) هَذِهِ الْعُيُوبُ غَيْرَ الْجُنُونِ (بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا فَسْخَ) تَمَسُّكًا بِأَصَالَةِ لُزُومِ الْعَقْدِ وَ اسْتِصْحَابًا لِحُكْمِهِ مَعَ عَدَمِ دَلِيلٍ صَالِحٍ عَلَي ثُبُوتِ الْفَسْخِ وَ قِيلَ: يُفْسَخُ بِهَا مُطْلَقًا نَظَرًا إلَي إطْلَاقِ

الْأَخْبَارِ بِكَوْنِهَا عُيُوبًا الشَّامِلِ لِمَوْضِعِ النِّزَاعِ وَ مَا وَرَدَ مِنْهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَي عَدَمِ الْفَسْخِ بَعْدَ الْعَقْدِ غَيْرُ مُقَاوِمٍ لَهَا سَنَدًا وَ دَلَالَةً وَ لِمُشَارَكَةِ مَا بَعْدَ الْعَقْدِ لِمَا قَبْلَهُ فِي الضَّرَرِ الْمَنْفِيِّ وَ فَصَّلَ آخَرُونَ فَحَكَمُوا بِالْفَسْخِ قَبْلَ الدُّخُولِ، لَا بَعْدَهُ اسْتِنَادًا إلَي خَبَرَيْنِ لَا يَنْهَضَانِ حُجَّةً وَ تُوُقِّفَ فِي الْمُخْتَلِفِ.

وَلَهُ وَجْهٌ. (وَ قِيلَ) وَ الْقَائِلُ الشَّيْخُ: (لَوْ بَانَ) الزَّوْجُ (خُنْثَي فَلَهَا الْفَسْخُ) وَ كَذَا الْعَكْسُ (وَيَضْعُفُ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُشْكِلًا فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ) لَا يَحْتَاجُ رَفْعُهُ إلَي الْفَسْخِ، (وَ إِنْ كَانَ مَحْكُومًا بِذُكُورِيَّتِهِ) بِإِحْدَي الْعَلَامَاتِ الْمُوجِبَةِ لَهَا (فَلَا وَجْهَ لِلْفَسْخِ، لِأَنَّهُ كَزِيَادَةِ عُضْوٍ فِي الرَّجُلِ) وَ كَذَا لَوْ كَانَ هُوَ الزَّوْجَةَ - وَ حُكِمَ بِأُنُوثِيَّتِهَا، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالزِّيَادَةِ فِي الْمَرْأَةِ وَ هِيَ غَيْرُ مُجَوِّزَةٍ لِلْفَسْخِ عَلَي التَّقْدِيرَيْنِ وَ رُبَّمَا قِيلَ: إنَّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَ وَجْهُ الْخِيَارِ حِينَئِذٍ أَنَّ الْعَلَامَةَ الدَّالَّةَ عَلَيْهِ ظَنِّيَّةٌ لَا تَدْفَعُ النَّفْرَةَ وَ الْعَارَ عَنْ الْآخَرِ.

وَهُمَا ضَرَرَانِ مَنْفِيَّانِ.

وَفِيهِ أَنَّ مُجَرَّدَ ذَلِكَ.

غَيْرُ كَافٍ فِي رَفْعِ مَا حُكِمَ بِصِحَّتِهِ وَ اسْتِصْحَابِهِ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ وَ رُبَّمَا مُنِعَ مِنْ الْأَمْرَيْنِ مَعًا، لِأَنَّ الزَّائِدَ هُنَا بِمَنْزِلَةِ السِّلْعَةِ وَ الثُّقْبَةِ وَ هُمَا لَا يُوجِبَانِ الْخِيَارَ وَ الظَّاهِرُ أَنَّ الشَّيْخَ فَرَضَهُ عَلَي تَقْدِيرِ الِاشْتِبَاهِ، لَا الْوُضُوحِ لِأَنَّهُ حَكَمَ فِي الْمِيرَاثِ بِأَنَّ الْخُنْثَي الْمُشْكِلَ لَوْ كَانَ زَوْجًا، أَوْ زَوْجَةً أُعْطِيَ نِصْفَ النَّصِيبَيْنِ، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ جِدًّا فَالْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْلَي بِالضَّعْفِ.

و عُيُوبُ الْمَرْأَةِ تِسْعَةٌ:

الْجُنُونُ وَ الْجُذَامُ وَ الْبَرَصُ وَ الْعَمَي وَ الْإِقْعَادُ وَ الْقَرْنُ) بِسُكُونِ الرَّاءِ وَ فَتْحِهَا (عَظْمًا) كَمَا هُوَ أَحَدُ تَفْسِيرَيْهِ كَالسِّنِّ يَكُونُ فِي الْفَرْجِ يَمْنَعُ الْوَطْءَ، فَلَوْ كَانَ لَحْمًا فَهُوَ الْعَفَلُ و قد يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْقَرَنُ أَيْضًا و سيأتي حُكْمُهُ،

(وَ الْإِفْضَاءُ) و قد تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ، (وَ الْعَفَلُ) بِالتَّحْرِيكِ وَ هُوَ شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ قُبُلِ النِّسَاءِ شَبِيهُ الْأَدَرَةِ لِلرَّجُلِ، (وَ الرَّتَقُ) بِالتَّحْرِيكِ وَ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْفَرْجُ مُلْتَحِمًا لَيْسَ فِيهِ مَدْخَلٌ لِلذَّكَرِ (عَلَي خِلَافٍ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْعَفَلِ وَ الرَّتَقِ وَ مَنْشَأُ الْخِلَافِ مِنْ عَدَمِ النَّصِّ وَ مُسَاوَاتِهِمَا لِلْقَرْنِ الْمَنْصُوصِ فِي الْمَعْنَي الْمُقْتَضِي لِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ الْوَطْءِ و فيه قُوَّةٌ وَ فِي بَعْضِ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْعَفَلَ هُوَ الْقَرْنُ فَيَكُونُ مَنْصُوصًا وَ فِي كَلَامِ آخَرِينَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ مُتَرَادِفَةٌ فِي كَوْنِهَا لَحْمًا يَنْبُتُ فِي الْفَرْجِ يَمْنَعُ الْوَطْءَ.

(وَ لَا خِيَارَ) لِلزَّوْجِ (لَوْ تَجَدَّدَتْ) هَذِهِ الْعُيُوبُ (بَعْدَ الْعَقْدِ) وَ إِنْ كَانَ قَبْلَ الْوَطْءِ فِي الْمَشْهُورِ تَمَسُّكًا بِأَصَالَةِ اللُّزُومِ وَ اسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ الْعَقْدِ وَ اسْتِضْعَافًا لِدَلِيلِ الْخِيَارِ وَ قِيلَ: يُفْسَخُ بِالْمُتَجَدِّدِ مُطْلَقًا عَمَلًا بِإِطْلَاقِ بَعْضِ النُّصُوصِ وَ قَيَّدَ ثَالِثٌ بِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَ الْأَشْهَرُ الْأَوَّلُ، (أَوْ كَانَ يُمْكِنُ وَطْءُ الرَّتْقَاءِ أَوْ الْقَرْنَاءِ)، أَوْ الْعَفْلَاءِ، لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ مَعَ إمْكَانِهِ، (أَوْ) كَانَ الْوَطْءُ غَيْرَ مُمْكِنٍ، لَكِنْ كَانَ يُمْكِنُ (عِلَاجُهُ) بِفَتْقِ الْمَوْضِعِ، أَوْ قَطْعِ الْمَانِعِ، (إلَّا أَنْ تَمْتَنِعَ الْمَرْأَةُ) مِنْ عِلَاجِهِ وَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِجَابَةُ، لِمَا فِيهَا مِنْ تَحَمُّلِ الضَّرَرِ وَ الْمَشَقَّةِ، كَمَا أَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمَنْعُ، لِأَنَّهُ تَدَاوٍ وَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ.

(وَخِيَارُ الْعَيْبِ عَلَي الْفَوْرِ) عِنْدَنَا اقْتِصَارًا فِيمَا خَالَفَ الْأَصْلَ عَلَي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ، فَلَوْ أَخَّرَ مَنْ إلَيْهِ الْفَسْخُ مُخْتَارًا مَعَ عِلْمِهِ بِهَا بَطَلَ خِيَارُهُ، سَوَاءٌ الرَّجُلُ وَ الْمَرْأَةُ وَ لَوْ جَهِلَ الْخِيَارَ، أَوْ الْفَوْرِيَّةَ فَالْأَقْوَي أَنَّهُ عُذْرٌ فَيَخْتَارُ بَعْدَ الْعِلْمِ عَلَي الْفَوْرِ وَ كَذَا لَوْ نَسِيَهُمَا وَ لَوْ مُنِعَ مِنْهُ بِالْقَبْضِ عَلَي فِيهِ أَوْ التَّهْدِيدِ عَلَي وَجْهٍ يُعَدُّ إكْرَاهًا فَالْخِيَارُ بِحَالِهِ

إلَي أَنْ يَزُولَ الْمَانِعُ، ثُمَّ تُعْتَبَرُ الْفَوْرِيَّةُ حِينَئِذٍ.

(وَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَاكِمُ)، لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، خِلَافًا لِابْنِ الْجُنَيْدِ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَ لَيْسَ) الْفَسْخُ (بِطَلَاقٍ) فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الطَّلَاقِ وَ لَا يُعَدُّ فِي الثَّلَاثِ وَ لَا يَطَّرِدُ مَعَهُ تَنْصِيفُ الْمَهْرِ وَ إِنْ ثَبَتَ فِي بَعْضِ مَوَارِدِهِ (وَيَشْتَرِطُ الْحَاكِمُ فِي ضَرْبِ أَجَلِ الْعُنَّةِ) لَا فِي فَسْخِهَا بَعْدَهُ، بَلْ تَسْتَقِلُّ بِهِ حِينَئِذٍ (وَيُقَدَّمُ قَوْلُ مُنْكِرِ الْعَيْبِ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ)، لِأَصَالَةِ عَدَمِهِ فَيَكُونُ مُدَّعِيهِ هُوَ الْمُدَّعِي فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَ عَلَي مُنْكِرِهِ الْيَمِينُ وَ لَا يَخْفَي أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ كَالْجَبِّ وَ الْخِصَاءِ وَ إِلَّا تَوَصَّلَ الْحَاكِمُ إلَي مَعْرِفَتِهِ و مع قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِهِ إنْ كَانَ ظَاهِرًا كَالْعَيْبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ كَفَي فِي الشَّاهِدَيْنِ الْعَدَالَةُ وَ إِنْ كَانَ خَفِيًّا يَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ بِهِ عَلَي الْخِبْرَةِ كَالْجُذَامِ وَ الْبَرَصِ اُشْتُرِطَ فِيهِمَا مَعَ ذَلِكَ الْخِبْرَةُ بِحَيْثُ يَقْطَعَانِ بِوُجُودِهِ وَ إِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُهُ غَالِبًا غَيْرُ صَاحِبِهِ وَ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ كَالْعُنَّةِ فَطَرِيقُ ثُبُوتِهِ إقْرَارُهُ، أَوْ الْبَيِّنَةُ عَلَي إقْرَارِهِ، أَوْ الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ مِنْ الْمُنْكِرِ، أَوْ مِنْ الْحَاكِمِ مَعَ نُكُولِ الْمُنْكِرِ عَنْ الْيَمِينِ، بِنَاءً عَلَي عَدَمِ الْقَضَاءِ بِمُجَرَّدِهِ.

وَأَمَّا اخْتِبَارُهَا بِجُلُوسِهِ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ، فَإِنْ اسْتَرْخَي ذَكَرُهُ فَهُوَ عِنِّينٌ وَ إِنْ تَشَنَّجَ فَلَيْسَ بِهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضٌ، فَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي الْأَصَحِّ وَ فِي الْعُيُوبِ الْبَاطِنَةِ لِلنِّسَاءِ بِإِقْرَارِهَا وَ شَهَادَةِ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ فَلَا تُسْمَعُ فِي عُيُوبِ الرِّجَالِ وَ إِنْ أَمْكَنَ اطِّلَاعُهُنَّ كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ طَلَّقَهُنَّ بِعُنَّةٍ (وَحَيْثُ يَثْبُتُ) الْعَيْبُ وَ يَحْصُلُ الْفَسْخُ (لَا مَهْرَ) لِلزَّوْجَةِ (إنْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الدُّخُولِ) فِي جَمِيعِ الْعُيُوبِ، (إلَّا فِي الْعُنَّةِ فَنِصْفُهُ) عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَ إِنَّمَا خَرَجَتْ الْعُنَّةُ بِالنَّصِّ

الْمُوَافِقِ لِلْحِكْمَةِ مِنْ إشْرَافِهِ عَلَيْهَا وَ عَلَي مَحَارِمِهَا، فَنَاسَبَ أَنْ لَا يَخْلُوَ مِنْ عِوَضٍ وَ لَمْ يَجِبْ الْجَمِيعُ لِانْتِفَاءِ الدُّخُولِ وَ قِيلَ: يَجِبُ جَمِيعُ الْمَهْرِ وَ إِنْ لَمْ يُولِجْ. (وَ إِنْ كَانَ) الْفَسْخُ (بَعْدَ الدُّخُولِ فَالْمُسَمَّي)، لِاسْتِقْرَارِهِ بِهِ، (وَيَرْجِعُ) الزَّوْجُ بِهِ (عَلَي الْمُدَلِّسِ) إنْ كَانَ وَ إِلَّا فَلَا رُجُوعَ وَ لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُدَلِّسَةَ رَجَعَ عَلَيْهَا إلَّا بِأَقَلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا وَ هُوَ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ عَلَي الْمَشْهُورِ وَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ تَدْلِيسِهَا وَ تَدْلِيسِ غَيْرِهَا فِي ذَلِكَ نَظَرٌ.

وَلَوْ تَوَلَّي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ وُزِّعَ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ ذُكُورًا كَانُوا أَمْ إنَاثًا، أَمْ بِالتَّفْرِيقِ وَ الْمُرَادُ بِالتَّدْلِيسِ السُّكُوتُ عَنْ الْعَيْبِ الْخَارِجِ عَنْ الْخِلْقَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ أَوْ دَعْوَي صِفَةِ كَمَالٍ مَعَ عَدَمِهَا. (وَ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَي أَنَّهَا حُرَّةٌ) أَيْ: شَرَطَ ذَلِكَ فِي مَتْنِ الْعَقْدِ (فَظَهَرَتْ أَمَةً)، أَوْ مُبَعَّضَةً (فَلَهُ الْفَسْخُ) وَ إِنْ دَخَلَ، لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ الشَّرْطِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَ وَقَعَ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا، أَوْ مُبَاشَرَتِهِ وَ إِلَّا بَطَلَ فِي الْأَوَّلِ وَ وَقَعَ مَوْقُوفًا عَلَي إجَازَتِهِ فِي الثَّانِي عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْحُرِّيَّةَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ بَلْ تَزَوَّجَهَا عَلَي أَنَّهَا حُرَّةٌ، أَوْ أَخْبَرَتْهَا بِهَا قَبْلَهُ، أَوْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ فَفِي إلْحَاقِهِ بِمَا لَوْ شُرِطَ نَظَرٌ مِنْ ظُهُورِ التَّدْلِيسِ وَ عَدَمِ الِاعْتِبَارِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الشُّرُوطِ عَلَي الْعَقْدِ وَ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَ الْأَكْثَرِ مُحْتَمِلَةٌ لِلْأَمْرَيْنِ.

(وَ كَذَا) تَفْسَخُ (هِيَ لَوْ تَزَوَّجَتْهُ عَلَي أَنَّهُ حُرٌّ فَظَهَرَ عَبْدًا) بِتَقْرِيرِ مَا سَبَقَ (وَ لَا مَهْرَ) فِي الصُّورَتَيْنِ (بِالْفَسْخِ قَبْلَ الدُّخُولِ)، لِأَنَّ الْفَاسِخَ إنْ كَانَ هِيَ فَقَدْ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا.

وَهُوَ ضَابِطُ عَدَمِ و جوبهِ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَ إِنْ كَانَ هُوَ فَبِسَبَبِهَا، (وَيَجِبُ)

جَمِيعُ الْمَهْرِ (بَعْدَهُ)، لِاسْتِقْرَارِهِ بِهِ. (وَ لَوْ شَرَطَ كَوْنَهَا بِنْتَ مَهِيرَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَ كَسْرِهَا فَعِيلَةٌ بِمَعْنَي مَفْعُولَةٍ.

أَيْ: بِنْتَ حُرَّةٍ تُنْكَحُ بِمَهْرٍ وَ إِنْ كَانَتْ مُعْتَقَةً فِي أَظْهَرْ الْوَجْهَيْنِ، خِلَافُ الْأَمَةِ فَإِنَّهَا قَدْ تُوطَأُ بِالْمِلْكِ (فَظَهَرَتْ بِنْتَ أَمَةٍ فَلَهُ الْفَسْخُ) قَضِيَّةً لِلشَّرْطِ، (فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ) لِمَا تَقَدَّمَ، (وَ إِنْ كَانَ بَعْدَهُ وَجَبَ الْمَهْرُ وَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَي الْمُدَلِّسِ)، لِغُرُورِهِ وَ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ، بَلْ ذَكَرَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا حُكْمَ لَهُ مَعَ احْتِمَالِهِ كَمَا سَلَفَ (فَإِنْ كَانَتْ هِيَ) الْمُدَلِّسَةُ (رَجَعَ عَلَيْهَا) بِالْمُسَمَّي (إلَّا بِأَقَلِّ مَهْرٍ) وَ هُوَ مَا يُتَمَوَّلُ، لِأَنَّ الْوَطْءَ الْمُحْتَرَمَ لَا يَخْلُو عَنْ مَهْرٍ وَ حَيْثُ وَرَدَ النَّصُّ بِرُجُوعِهِ عَلَي الْمُدَلِّسِ فَيَقْتَصِرُ فِيمَا خَالَفَ الْأَصْلَ عَلَي مَوْضِعِ الْيَقِينِ وَ هُوَ مَا ذُكِرَ وَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ آخَرَانِ، أَوْ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُسْتَثْنَي أَقَلُّ مَهْرِ أَمْثَالِهَا، لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَي مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ فَوَجَبَ عِوَضٌ مِثْلُهُ، الثَّانِي: عَدَمُ اسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ عَمَلًا بِظَاهِرِ النُّصُوصِ وَ الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَ كَذَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَي الْمُدَلِّسِ لَوْ ظَهَرَتْ أَمَةً وَ يُمْكِنُ شُمُولُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لَهُ بِتَكَلُّفٍ.

وَتَخْتَصُّ الْأَمَةُ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُدَلِّسَةُ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا عَلَي تَقْدِيرِ عِتْقِهَا.

وَلَوْ كَانَ الْمُدَلِّسُ مَوْلَاهَا اُعْتُبِرَ عَدَمُ تَلَفُّظِهِ بِمَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ وَ إِلَّا حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهَا ظَاهِرًا وَ صَحَّ الْعَقْدُ. (وَ لَوْ شَرَطَهَا بِكْرًا فَظَهَرَتْ ثَيِّبًا فَلَهُ الْفَسْخُ) بِمُقْتَضَي الشَّرْطِ (إذَا ثَبَتَ سَبْقُهُ) أَيْ: سَبْقُ الثُّيُوبَةِ (عَلَي الْعَقْدِ) وَ إِلَّا فَقَدْ يُمْكِنُ تَجَدُّدُهُ بَيْن الْعَقْدِ وَ الدُّخُولِ بِنَحْوِ الْخُطْوَةِ.

وَالْحُرْقُوصِ ثُمَّ إنْ فَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ وَ بَعْدَهُ فَيَجِبُ لَهَا الْمُسَمَّي وَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَي الْمُدَلِّسِ وَ هُوَ الْعَاقِدُ كَذَلِكَ الْعَالِمُ بِحَالِهَا وَ إِلَّا فَعَلَيْهَا مَعَ اسْتِثْنَاءِ أَقَلِّ مَا يَكُونُ مَهْرًا كَمَا

سَبَقَ (وَ قِيلَ): وَ الْقَائِلُ ابْنُ إدْرِيسَ: لَا فَسْخَ و لكن (يَنْقُصُ مَهْرُهَا بِنِسْبَةِ مَا بَيْنَ مَهْرِ الْبِكْرِ وَ الثَّيِّبِ) فَإِذَا كَانَ الْمَهْرُ الْمُسَمَّي مِائَةً وَ مَهْرُ مِثْلِهَا بِكْرًا مِائَةً، وَثَيِّبًا خَمْسُونَ نَقَصَ مِنْهُ النِّصْفُ وَ لَوْ كَانَ مَهْرُهَا بِكْرًا مِائَتَيْنِ، وَثَيِّبًا مِائَةً نَقَصَ مِنْ الْمُسَمَّي خَمْسُونَ، لِأَنَّهَا نِسْبَةُ مَا بَيْنَهُمَا لَا مَجْمُوعُ تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا، لِئَلَّا يَسْقُطَ جَمِيعُ الْمُسَمَّي كَمَا قَرَّرَ فِي الْأَرْشِ وَ وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الرِّضَا بِالْمَهْرِ الْمُعَيَّنِ إنَّمَا حَصَلَ عَلَي تَقْدِيرِ اتِّصَافِهَا بِالْبَكَارَةِ وَ لَمْ تَحْصُلْ إلَّا خَالِيَةً عَنْ الْوَصْفِ فَيَلْزَمُ التَّفَاوُتُ كَأَرْشِ مَا بَيْنَ كَوْنِ الْمَبِيعِ صَحِيحًا وَ مَعِيبًا وَ اعْلَمْ أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ صَدَاقَهَا يَنْقُصُ.

فَحُكْمُ الشَّيْخِ بِنَقْصِ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِإِطْلَاقِ الرِّوَايَةِ، فَأَغْرَبَ الْقُطْبُ الرَّاوَنْدِيُّ فِي أَنَّ النَّاقِصَ هُوَ السُّدُسُ بِنَاءً عَلَي أَنَّ الشَّيْءَ سُدُسٌ كَمَا وَرَدَ فِي الْوَصِيَّةِ بِهِ وَ هُوَ قِيَاسٌ عَلَي مَا لَا يَطَّرِدُ، مَعَ أَنَّ الشَّيْءَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ قَصْدًا لِلْإِبْهَامِ تَبَعًا لِلرِّوَايَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلنَّقْصِ مُطْلَقًا وَ رُبَّمَا قِيلَ: يَرْجِعُ إلَي نَظَرِ الْحَاكِمِ، لِعَدَمِ تَفْسِيرِهِ لُغَةً وَ لَا شَرْعًا وَ لَا عُرْفًا.

الْفَصْلُ الثَّامِنُ - فِي الْقَسْمِ

(الْفَصْلُ الثَّامِنُ - فِي الْقَسْمِ)

وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرُ قَسَمْت الشَّيْءَ، أَمَّا بِالْكَسْرِ فَهُوَ الْحَظُّ وَ النَّصِيبُ، (وَ النُّشُوزُ) وَ هُوَ ارْتِفَاعُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَنْ طَاعَةِ الْآخَرِ، (وَ الشِّقَاقُ) وَ هُوَ خُرُوجُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ طَاعَتِهِ.

أَمَّا الْقَسْمُ فَهُوَ حَقٌّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، لِاشْتِرَاكِ ثَمَرَتِهِ وَ هُوَ الْعِشْرَةُ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهَا.

(وَيَجِبُ لِلزَّوْجَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْلَةٌ مِنْ أَرْبَعٍ) وَ لَهُ ثَلَاثُ لَيَالٍ يَبِيتُهَا حَيْثُ شَاءَ وَ لِلزَّوْجَتَيْنِ لَيْلَتَانِ مِنْ الْأَرْبَعِ وَ لَهُ لَيْلَتَانِ.

(وَ عَلَي هَذَا فَإِذَا تَمَّتْ الْأَرْبَعُ فَلَا فَاضِلَ لَهُ)، لِاسْتِغْرَاقِهِنَّ النِّصَابَ وَ مُقْتَضَي الْعِبَارَةِ أَنَّ الْقِسْمَةَ تَجِبُ ابْتِدَاءً وَ إِنْ لَمْ يُبْتَدَأْ

بِهَا وَ هُوَ أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ، لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهَا مُطْلَقًا وَ لِلشَّيْخِ قَوْلٌ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا إذَا ابْتَدَأَ بِهَا وَ اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ فِي الشَّرَائِعِ وَ الْعَلَّامَةِ فِي التَّحْرِيرِ.

وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَ الْأَوَامِرُ الْمُدَّعَاةُ لَا تُنَافِيهِ.

ثُمَّ إنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَا قِسْمَةَ وَ كَذَا لَوْ كُنَّ أَكْثَرَ وَ أَعْرَضَ عَنْهُنَّ وَ إِنْ بَاتَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَيْلَةً لَزِمَهُ لِلْبَاقِيَاتِ مِثْلُهَا وَ عَلَي الْمَشْهُورِ يَجِبُ مُطْلَقًا وَ حِينَئِذٍ فَإِنْ تَعَدَّدْنَ ابْتَدَأَ بِالْقُرْعَةِ، ثُمَّ إنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ وَ إِلَّا افْتَقَرَ إلَي قُرْعَةٍ أُخْرَي لِلثَّانِيَةِ وَ هَكَذَا لِئَلَّا يُرَجَّحَ بِغَيْرِ مُرَجَّحٍ وَ قِيلَ: يَتَخَيَّرُ.

وَعَلَي قَوْلِ الشَّيْخِ يَتَخَيَّرُ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ وَ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْقِسْمَةِ عَلَي لَيْلَةٍ بِدُونِ رِضَاهُنَّ وَ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَ لِلتَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَدْ كَانَ يَقْسِمُ كَذَلِكَ وَ لِئَلَّا يَلْحَقَ بَعْضَهُنَّ ضَرَرٌ مَعَ الزِّيَادَةِ بِعُرُوضِ مَا يَقْطَعُهُ عَنْ الْقَسْمِ لِلْمُتَأَخِّرَةِ وَ الْآخَرُ جَوَازُهَا مُطْلَقًا، لِلْأَصْلِ وَ لَوْ قِيلَ بِتَقْيِيدِهِ بِالضَّرَرِ كَمَا لَوْ كُنَّ فِي أَمَاكِنَ مُتَبَاعِدَةٍ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْكَوْنُ كُلَّ لَيْلَةٍ مَعَ وَاحِدَةٍ كَانَ حَسَنًا وَ حِينَئِذٍ فَيَتَقَيَّدُ بِمَا يَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرَرُ وَ يَتَوَقَّفُ مَا زَادَ عَلَي رِضَاهُنَّ وَ كَذَا لَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ لَيْلَةٍ؛ لِلضَّرَرِ.

(وَ لَا فَرْقَ) فِي وجوب الْقَسْمِ (بَيْنَ الْحُرِّ وَ الْعَبْدِ وَ الْخَصِيِّ وَ الْعِنِّينِ وَ غَيْرِهِمْ) لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ وَ كَوْنِ الْغَرَضِ مِنْهُ الْإِينَاسُ بِالْمُضَاجَعَةِ لَا الْمُوَاقَعَةِ

(وَتَسْقُطُ الْقِسْمَةُ بِالنُّشُوزِ)

إلَي أَنْ تَرْجِعَ إلَي الطَّاعَةِ، (وَ السَّفَرِ) أَيْ: سَفَرِهِ مُطْلَقًا مَعَ اسْتِصْحَابِهِ لِإِحْدَاهُنَّ، أَوْ عَلَي الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي لِلْمُتَخَلِّفَاتِ وَ إِنْ لَمْ يُقْرِعْ لِلْخَارِجَةِ وَ قِيلَ مَعَ الْقُرْعَةِ وَ إِلَّا قَضَي، أَمَّا سَفَرُهَا فَإِنْ كَانَ لِوَاجِبٍ أَوْ جَائِزٍ بِإِذْنِهِ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَ لَوْ كَانَ لِغَرَضِهَا

فَفِي الْقَضَاءِ قَوْلَانِ لِلْعَلَّامَةِ فِي الْقَوَاعِدِ وَ التَّحْرِيرِ.

وَالْمُتَّجَهُ و جوبهُ وَ إِنْ كَانَ فِي غَيْرِ وَاجِبٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فَهِيَ نَاشِزَةٌ. .

(وَيَخْتَصُّ الْوُجُوبُ بِاللَّيْلِ وَ أَمَّا النَّهَارُ فَلِمَعَاشِهِ) إنْ كَانَ لَهُ مَعَاشٌ، (إلَّا فِي نَحْوِ الْحَارِسِ) وَ مَنْ لَا يُتِمُّ عَمَلَهُ إلَّا بِاللَّيْلِ (فَتَنْعَكِسُ) قِسْمَتُهُ فَتَجِبُ نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ وَ قِيلَ: تَجِبُ الْإِقَامَةُ صَبِيحَةَ كُلِّ لَيْلَةٍ مَعَ صَاحِبَتِهَا، لِرِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ الْكَرْخِيِّ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ هِيَ مَحْمُولَةٌ مَعَ تَسْلِيمِ سَنَدِهَا عَلَي الِاسْتِحْبَابِ وَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّبِيحَةِ أَوَّلُ النَّهَارِ بِحَيْثُ يُسَمَّي صَبِيحَةً عُرْفًا، لَا مَجْمُوعُ الْيَوْمِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُقِيمِ وَ أَمَّا الْمُسَافِرُ الَّذِي مَعَهُ زَوْجَاتُهُ فَعِمَادُ الْقِسْمَةِ فِي حَقِّهِ وَقْتَ النُّزُولِ لَيْلًا كَانَ أَمْ نَهَارًا، كَثِيرًا كَانَ أَمْ قَلِيلًا.

(وَلِلْأَمَةِ) الْمَعْقُودِ

عَلَيْهَا دَوَامًا حَيْثُ يَسُوغُ (نِصْفُ الْقَسْمِ) لِصَحِيحَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قال:

" إذَا كَانَ تَحْتَهُ أَمَةٌ مَمْلُوكَةٌ فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا حُرَّةً قَسَمَ لِلْحُرَّةِ مِثْلَيْ مَا يَقْسِمُ لِلْمَمْلُوكَةِ ".

وَحَيْثُ لَا تَكُونُ الْقِسْمَةُ فِي أَقَلَّ مِنْ لَيْلَةٍ فَلِلْأَمَةِ لَيْلَةٌ مِنْ ثَمَانٍ وَ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ وَ لَهُ خَمْسٌ.

وَيَجِبُ تَفْرِيقُ لَيْلَتَيْ الْحُرَّةِ لِتَقَعَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعٍ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ تَرْضَ بِغَيْرِهِ وَ إِنَّمَا تَسْتَحِقُّ الْأَمَةُ الْقِسْمَةَ إذَا اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ بِأَنْ كَانَتْ مُسَلَّمَةً لِلزَّوْجِ لَيْلًا وَ نَهَارًا كَالْحُرَّةِ.

(وَ كَذَا الْكِتَابِيَّةُ الْحُرَّةُ) حَيْثُ يَجُوزُ نِكَاحُهَا دَوَامًا عَلَي الْمَشْهُورِ وَ عَلَّلَ بِنَقْصِهَا بِسَبَبِ الْكُفْرِ فَلَا تُسَاوِي الْمُسْلِمَةَ الْحُرَّةَ.

(وَلِلْكِتَابِيَّةِ الْأَمَةِ رُبُعُ الْقَسْمِ) لِئَلَّا تُسَاوِيَ الْأَمَةَ الْمُسْلِمَةَ (فَتَصِيرُ الْقِسْمَةُ مِنْ سِتَّ عَشَرَةَ لَيْلَةً) لِلْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ مِنْهَا لَيْلَةٌ وَ لِلْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ أَرْبَعٌ كَمَا سَلَفَ وَ لِلْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ لَيْلَتَانِ لَوْ اتَّفَقَتْ وَ كَذَا الْكِتَابِيَّةُ وَ مِنْ هُنَا يَتَفَرَّعُ بَاقِي صُوَرِ اجْتِمَاعِ الزَّوْجَاتِ الْمُتَفَرِّقَاتِ فِي الْقِسْمَةِ وَ هِيَ أَرْبَعُونَ صُورَةً تَبْلُغُ

مَعَ الصُّوَرِ الْمُتَّفِقَةِ اثْنَتَيْنِ وَ خَمْسِينَ تُعْرَفُ مَعَ أَحْكَامِهَا بِالتَّأَمُّلِ.

وَتَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ مَرِيضَةٌ وَ رَتْقَاءُ وَ قَرْنَاءُ وَ حَائِضٌ وَ نُفَسَاءُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْأُنْسَ، لَا الْوَطْءَ. (وَ لَا قِسْمَةَ لِلصَّغِيرَةِ) الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ التِّسْعَ، (وَ لَا لِلْمَجْنُونَةِ الْمُطْبِقَةِ إذَا خَافَ أَذَاهَا) مَعَ مُضَاجَعَتِهَا، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مَشْرُوطَةٌ بِالتَّمْكِينِ.

وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيهِمَا وَ لَوْ لَمْ يَخَفْ مِنْ الْمَجْنُونَةِ وَجَبَ وَ كَذَا غَيْرُ الْمُطْبِقَةِ. (وَيَقْسِمُ الْوَلِيُّ بِالْمَجْنُونِ) بِأَنْ يَطُوفَ بِهِ عَلَي أَزْوَاجِهِ بِالْعَدْلِ، أَوْ يَسْتَدْعِيَهُنَّ إلَيْهِ، أَوْ بِالتَّفْرِيقِ وَ لَوْ خَصَّ بِهِ بَعْضَهُنَّ فَقَدْ جَار وَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، فَإِنْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ قَضَي مَا جَار فِيهِ الْوَلِيُّ وَ فِي و جوبهِ عَلَيْهِ نَظَرٌ، لِعَدَمِ جَوْرِهِ. (وَتَخْتَصُّ الْبِكْرُ عِنْدَ الدُّخُولِ بِسَبْعِ) لَيَالٍ وَلَاءً وَ لَوْ فَرَّقَهُ لَمْ يُحْتَسَبْ وَ اسْتَأْنَفَ وَ قَضَي الْمُفَرِّقَ لِلْأُخْرَيَاتِ وَ يَحْتَمِلُ الِاحْتِسَابُ مَعَ الْإِثْمِ، (وَ الثَّيِّبُ بِثَلَاثٍ) وَلَاءً وَ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَي وَجْهِ الْوُجُوبِ وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الزَّوْجَةِ حُرَّةً وَ أَمَةً مُسْلِمَةً وَ كِتَابِيَّةً إنْ جَوَّزْنَا تَزْوِيجَهَا دَوَامًا عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ وَ اسْتَقْرَبَ فِي التَّحْرِيرِ تَخْصِيصَ الْأَمَةِ بِنِصْفِ مَا تَخْتَصُّ بِهِ لَوْ كَانَتْ حُرَّةً وَ فِي الْقَوَاعِدِ الْمُسَاوَاةُ.

وَعَلَي التَّنْصِيفِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْ عِنْدِهَا بَعْدَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ إلَي مَكَان خَارِجٍ عَنْ الْأَزْوَاجِ، كَمَا يَجِبُ ذَلِكَ لَوْ بَاتَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ نِصْفَ لَيْلَةٍ ثُمَّ مُنِعَ مَنْ الْإِكْمَالِ، فَإِنَّهُ يَبِيتُ عِنْدَ الْبَاقِيَاتِ مِثْلَهَا مَعَ الْمُسَاوَاةِ، أَوْ بِحِسَابِهِ.

(وَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَهَبَ لَيْلَتَهَا لِلضَّرَّةِ إلَّا بِرِضَاءِ الزَّوْجِ)

، لِأَنَّ الْقَسْمَ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، أَوْ مُخْتَصٌّ بِهِ عَلَي الْقَوْلِ بِعَدَمِ و جوبهِ ابْتِدَاءً فَإِنْ رَضِيَ بِالْهِبَةِ وَ وَهَبَتْ لِمُعَيَّنَةٍ مِنْهُنَّ بَاتَ عِنْدَهَا لَيْلَتَهُمَا، كُلُّ لَيْلَةٍ فِي وَقْتِهَا مُتَّصِلَتَيْنِ كَانَتَا أَمْ مُنْفَصِلَتَيْنِ وَ قِيلَ: يَجُوزُ وَصْلُهُمَا، تَسْهِيلًا عَلَيْهِ.

وَالْمِقْدَارُ لَا يَخْتَلِفُ وَ يُضَعَّفُ

بِأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ حَقٍّ مِنْ بَيْنِ لَيْلَتَيْنِ وَ بِأَنَّ الْوَاهِبَةَ قَدْ تَرْجِعُ بَيْنَهُمَا وَ الْمُوَالَاةُ قَدْ تُفَوِّتُ حَقَّ الرُّجُوعِ وَ إِنْ وَهَبَتْهَا لَهُنَّ سَوَّي بَيْنَهُنَّ فَيَجْعَلُ الْوَاهِبَةَ كَالْمَعْدُومَةِ وَ لَوْ وَهَبَتْهَا لَهُ فَلَهُ تَخْصِيصُ نَوْبَتِهَا بِمَنْ شَاءَ وَ يَأْتِي فِي الِاتِّصَالِ وَ الِانْفِصَالِ مَا سَبَقَ.

(وَلَهَا الرُّجُوعُ قَبْلَ تَمَامِ الْمَبِيتِ)، لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبَذْلِ، لَا هِبَةً حَقِيقِيَّةً وَ مِنْ ثَمَّ لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَوْهُوبَةِ (لَا بَعْدَهُ) لِذَهَابِ حَقِّهَا مِنْ اللَّيْلَةِ فَلَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا لَهَا، (وَ لَوْ رَجَعَتْ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلَةِ تَحَوَّلَ إلَيْهَا)، لِبُطْلَانِ الْهِبَةِ لِمَا بَقِيَ مِنْ الزَّمَانِ، (وَ لَوْ رَجَعَتْ وَ لَمَّا يَعْلَمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ).

لِاسْتِحَالَةِ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، دُونَ الْمَاضِي وَ يَثْبُتُ حَقُّهَا مِنْ حِينِ عِلْمِهِ بِهِ وَ لَوْ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ.

(وَ لَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْقَسْمِ بِشَيْءٍ)

مَنْ الْمَالِ، لِأَنَّ الْمُعَوَّضَ كَوْنُ الرَّجُلِ عِنْدَهَا وَ هُوَ لَا يُقَابَلُ بِالْعِوَضِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْنٍ وَ لَا مَنْفَعَةٍ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَ تَبِعَهُ عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ وَ فِي التَّحْرِيرِ نَسَبَ الْقَوْلَ إلَيْهِ سَاكِتًا عَلَيْهِ مُشْعِرًا بِتَوَقُّفِهِ فِيهِ، أَوْ تَمْرِيضِهِ وَ لَهُ وَجْهٌ، لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِيمَا ذُكِرَ وَ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي جَوَازُ الصُّلْحِ عَلَيْهِ كَمَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَي حَقِّ الشُّفْعَةِ وَ التَّحْجِيرِ وَ نَحْوِهِمَا مِنْ الْحُقُوقِ وَ حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ (فَيَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ الْعِوَضِ) إنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ وَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لَهَا إنْ كَانَتْ لَيْلَتُهَا قَدْ فَاتَتْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهَا الْعِوَضَ هَذَا مَعَ جَهْلِهِمَا بِالْفَسَادِ، أَوْ عِلْمِهِمَا وَ بَقَاءِ الْعَيْنِ وَ إِلَّا أَشْكَلَ الرُّجُوعُ، لِتَسْلِيطِهِ عَلَي إتْلَافِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، حَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُسْلَمُ لَهُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ مَالَ

إلَي الرُّجُوعِ مُطْلَقًا كَمَا هُنَا خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ. (وَ لَا يَزُورُ الزَّوْجُ الضَّرَّةَ فِي لَيْلَةِ ضَرَّتِهَا)، لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّهَا زَمَنَ الزِّيَارَةِ وَ كَذَا لَا يَدْخُلُ إلَيْهَا فِيهَا لِغَيْرِ الزِّيَارَةِ، إلَّا لِضَرُورَةٍ، فَإِنْ مَكَثَ عِنْدَهَا وَجَبَ قَضَاءُ زَمَانِهِ مَا لَمْ يَقْصُرْ جِدًّا بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ إقَامَةً عُرْفًا فَيَأْثَمُ خَاصَّةً وَ قِيلَ: لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ إلَّا مَعَ اسْتِيعَابِ اللَّيْلَةِ وَ الْقَوْلَانِ لِلْفَاضِلِ فِي الْقَوَاعِدِ وَ التَّحْرِيرِ (وَيَجُوزُ عِيَادَتُهَا فِي مَرَضِهَا، لَكِنْ يَقْضِي لَوْ اسْتَوْعَبَ اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْمَزُورَةِ)، لِعَدَمِ إيصَالِهَا حَقَّهَا وَ قِيلَ: لَا كَمَا لَوْ زَارَ أَجْنَبِيًّا وَ هَلْ تُحْسَبُ اللَّيْلَةُ عَلَي الْمَزُورَةِ؟ الظَّاهِرُ لَا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَقَّهَا وَ لَوْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ اللَّيْلَةَ فَلَا قَضَاءَ هُنَا. (وَ الْوَاجِبُ) فِي الْمَبِيتِ (الْمُضَاجَعَةُ) وَ هِيَ أَنْ يَنَامَ مَعَهَا قَرِيبًا مِنْهَا عَادَةً، مُعْطِيًا لَهَا وَجْهَهُ دَائِمًا، أَوْ أَكْثَرِيًّا بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ هَاجِرًا وَ إِنْ لَمْ يَتَلَاصَقْ الْجِسْمَانِ، (لَا الْمُوَاقَعَةُ) فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ، إلَّا فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَرَّةً كَمَا سَلَفَ.

(وَ لَوْ جَارَ فِي الْقِسْمَةِ قَضَي) وَاجِبًا

لِمَنْ أَخَلَّ بِلَيْلَتِهَا، فَلَوْ قَسَمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأَرْبَعِ عَشْرًا فَوَفَّي مِنْ الزَّوْجَاتِ ثَلَاثًا، ثُمَّ عَادَ عَلَيْهِنَّ، دُونَ الرَّابِعَةِ، بِعَشْرٍ قَضَي لَهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَ ثُلُثًا وَ لَوْ بَاتَهَا مُنْفَرِدًا قَضَي لَهَا عَشْرًا خَاصَّةً وَ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ، أَوْ بَعْدَ حُضُورِ لَيْلَتِهَا قَبْلَ إيفَائِهَا بَقِيَ حَقُّهَا فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا، أَوْ رَاجَعَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّخَلُّصُ مِنْهَا وَ إِلَّا اسْتَقَرَّتْ الْمَظْلَمَةُ فِي ذِمَّتِهِ.

وَكَذَا لَوْ فَارَقَ الْمَظْلُومَ بِهَا وَ جَدَّدَ غَيْرَهَا، لِأَنَّ قَضَاءَ الظُّلْمِ يَسْتَلْزِمُ الظُّلْمَ لِلْجَدِيدَةِ وَ لَوْ كَانَ الظُّلْمُ بَعْضَ لَيْلَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إيفَاؤُهَا قَدْرَ حَقِّهَا وَ إِكْمَالُ بَاقِي اللَّيْلَةِ خَارِجًا عَنْ الزَّوْجَاتِ وَ لَوْ شَكَّ فِي الْقَدْرِ بَنَي عَلَي الْمُتَيَقَّنِ. (وَ

النُّشُوزُ) وَ أَصْلُهُ الِارْتِفَاعُ (وَ هُوَ) هُنَا (الْخُرُوجُ عَنْ الطَّاعَةِ): أَيْ: خُرُوجُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ الْآخَرِ وَ طَاعَتِهِ لِأَنَّهُ بِالْخُرُوجِ يَتَعَالَي عَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَي عَلَيْهِ مِنْ الطَّاعَةِ (فَإِذَا ظَهَرَتْ أَمَارَتُهُ لِلزَّوْجِ بِتَقْطِيبِهَا فِي وَجْهِهِ وَ التَّبَرُّمِ): أَيْ الضَّجَرِ وَ السَّأَمِ (بِحَوَائِجِهِ) الَّتِي يَجِبُ عَلَيْهَا فِعْلُهَا مَنْ مُقَدِّمَاتِ الِاسْتِمْتَاعِ بِأَنْ تَمْتَنِعَ، أَوْ تَتَثَاقَلَ إذَا دَعَاهَا إلَيْهِ، لَا مُطْلَقَ حَوَائِجِهِ، إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءَ حَاجَتِهِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِمْتَاعِ، (أَوْ تُغَيِّرُ عَادَتَهَا فِي أَدَبِهَا مَعَهُ قَوْلًا) كَأَنْ تُجِيبَهُ بِكَلَامٍ خَشِنٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ بِلِينٍ، أَوْ غَيْرَ مُقْبِلَةٍ بِوَجْهِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ تُقْبِلُ، (أَوْ فِعْلًا) كَأَنْ يَجِدَ إعْرَاضًا وَ عُبُوسًا بَعْدَ لُطْفٍ وَ طَلَاقَةٍ وَ نَحْوِ ذَلِكَ (وَعَظَهَا) أَوَّلًا بِلَا هَجْرٍ وَ لَا ضَرْبٍ فَلَعَلَّهَا تُبْدِي عُذْرًا وَ تَتُوبُ عَمَّا جَرَي مِنْهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَ الْوَعْظُ كَأَنْ يقول:

اتَّقِي اللَّهَ فِي الْحَقِّ الْوَاجِبِ لِي عَلَيْك وَ احْذَرِي الْعُقُوبَةَ وَ يُبَيِّنَ لَهَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَي ذَلِكَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَي فِي الْآخِرَةِ وَ سُقُوطِ النَّفَقَةِ وَ الْقَسْمِ فِي الدُّنْيَا.

(ثُمَّ حَوَّلَ ظَهْرَهُ إلَيْهَا فِي الْمَضْجَعِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ إنْ لَمْ يَنْجَحْ الْوَعْظُ، (ثُمَّ اعْتَزَلَهَا) نَاحِيَةً فِي غَيْرِ فِرَاشِهَا، (وَ لَا يَجُوزُ - ضَرْبُهَا) إنْ رَجَا رُجُوعَهَا بِدُونِهِ (فَإِذَا امْتَنَعَتْ مِنْ طَاعَتِهِ فِيمَا يَجِبُ لَهُ) وَ لَمْ يَنْجَحْ ذَلِكَ كُلُّهُ (ضَرَبَهَا مُقْتَصِرًا عَلَي مَا يُؤْمَلُ بِهِ رُجُوعُهَا) فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مَعَ حُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ وَ إِلَّا تَدَرَّجَ إلَي الْأَقْوَي فَالْأَقْوَي (مَا لَمْ يَكُنْ مُدْمِيًا وَ لَا مُبَرِّحًا) أَيْ: شَدِيدًا كَثِيرًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَي: { وَ اَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ }.

وَالْمُرَادُ فَعِظُوهُنَّ إذَا وَجَدْتُمْ إمَارَاتِ النُّشُوزِ وَ اهْجُرُوهُنَّ إنْ نَشَزْنَ

وَ اضْرِبُوهُنَّ إنْ أَصْرَرْنَ عَلَيْهِ.

وَأَفْهَمَ قَوْله تَعَالَي فِي الْمَضَاجِعِ، أَنَّهُ لَا يَهْجُرُهَا فِي الْكَلَامِ وَ هَذَا فِيمَا زَادَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِقَوْلِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: { لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فِي الْكَلَامِ فَوْقَ ثَلَاثٍ } وَ يَجُوزُ فِي الثَّلَاثَةِ إنْ رَجَا بِهِ رُجُوعَهَا وَ لَوْ حَصَلَ بِالضَّرْبِ تَلَفٌ، أَوْ إدْمَاءٌ ضَمِنَ. (وَ لَوْ نَشَزَ) الزَّوْجُ (بِمَنْعِ حُقُوقِهَا) الْوَاجِبَةِ لَهَا عَلَيْهِ مَنْ قَسْمٍ وَ نَفَقَةٍ (فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ) بِهَا، (وَلِلْحَاكِمِ إلْزَامُهُ بِهَا)، فَإِنْ أَسَاءَ خُلُقَهُ وَ آذَاهَا بِضَرْبٍ وَ غَيْرِهِ بِلَا سَبَبٍ صَحِيحٍ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ عَزَّرَهُ بِمَا يَرَاهُ وَ إِنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: إنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدٍّ تَعَرَّفَ الْحَاكِمُ الْحَالَ بِثِقَةٍ فِي جِوَارِهِمَا يَخْتَبِرُهُمَا وَ مَنَعَ الظَّالِمَ مِنْهُمَا. (وَ لَوْ تَرَكَتْ) الزَّوْجَةُ (بَعْضَ حُقُوقِهَا) الْوَاجِبَةِ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ قِسْمَةٍ وَ نَفَقَةٍ (اسْتِمَالَةً لَهُ حَلَّ) لَهُ (قَبُولُهُ) وَ لَيْسَ لَهُ مَنْعُ بَعْضِ حُقُوقِهَا لِتَبْذُلَ لَهُ مَالًا لِيَخْلَعَهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَبَذَلَتْ أَثِمَ وَ صَحَّ قَبُولُهُ وَ لَمْ يَكُنْ إكْرَاهًا نَعَمْ لَوْ قَهَرَهَا عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ لَمْ يَحِلَّ. (وَ الشِّقَاقُ - هُوَ أَنْ يَكُونَ النُّشُوزُ مِنْهُمَا) كَأَنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ صَارَ فِي شِقٍّ غَيْرِ الْآخَرِ (وَتُخْشَي الْفُرْقَةُ)، أَوْ الِاسْتِمْرَارُ عَلَي ذَلِكَ (فَيَبْعَثُ الْحَاكِمُ الْحَكَمَيْنِ مِنْ أَهْلِ الزَّوْجَيْنِ): أَيْ: أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِهِ وَ الْآخَرُ مِنْ أَهْلِهَا كَمَا تَضَمَّنَتْ الْآيَةُ الشَّرِيفَةُ لِيَنْظُرَا فِي أَمْرِهِمَا بَعْدَ اخْتِلَاءِ حَكَمِهِ بِهِ وَ حَكَمِهَا بِهَا وَ مَعْرِفَةِ مَا عِنْدَهُمَا فِي ذَلِكَ وَ هَلْ بَعْثُهُمَا وَاجِبٌ، أَوْ مُسْتَحَبٌّ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا الْوُجُوبُ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ مِنْ الْآيَةِ (أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا) لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ وَ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْحُكْمِ وَ لَا فِي التَّوْكِيلِ وَ كَوْنِهِمَا مِنْ الْأَهْلِ

فِي الْآيَةِ لِلْإِرْشَادِ إلَي مَا هُوَ الْأَصْلَحُ وَ قِيلَ: يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُمَا مِنْ أَهْلِهِمَا عَمَلًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ وَ لِأَنَّ الْأَهْلَ أَعْرَفُ بِالْمَصْلَحَةِ مِنْ الْأَجَانِبِ وَ لَوْ تَعَذَّرَ الْأَهْلُ فَلَا كَلَامَ فِي جَوَازِ الْأَجَانِبِ وَ بَعْثِهِمَا يَكُونُ (تَحْكِيمًا)، لَا تَوْكِيلًا، لِأَنَّ اللَّهَ خَاطَبَ بِالْبَعْثِ الْحُكَّامَ وَ جَعَلَهُمَا حَكَمَيْنِ وَ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَخَاطَبَ بِهِ الزَّوْجَيْنِ وَ لِأَنَّهُمَا إنْ رَأَيَا الْإِصْلَاحَ فَعَلَاهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَ إِنْ رَأَيَا التَّفْرِيقَ تَوَقَّفَ عَلَي الْإِذْنِ وَ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَكَانَ تَابِعًا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُمَا وَ بِذَلِكَ يَضْعُفُ قَوْلُ الْقَاضِي بِكَوْنِهِ تَوْكِيلًا اسْتِنَادًا إلَي أَنَّ الْبُضْعَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ وَ الْمَالَ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ التَّصَرُّفُ فِيهِمَا إلَّا بِإِذْنِهِمَا، لِعَدَمِ الْحَجْرِ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّ إذْنَ الشَّارِعِ قَدْ يَجْرِي عَلَي غَيْرِ الْمَحْجُورِ كَالْمُمَاطِلِ وَ حَيْثُ كَانَ تَحْكِيمًا (فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَي الْإِصْلَاحِ) بَيْنَهُمَا (فَعَلَاهُ) مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةٍ، (وَ إِنْ اتَّفَقَا عَلَي التَّفْرِيقِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ وَ إِذْنِ الزَّوْجَةِ فِي الْبَذْلِ) إنْ كَانَ خُلْعًا، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَي التَّحْكِيمِ.

(وَكُلَّمَا شَرْطَاهُ) أَيْ: الْحُكْمَانِ عَلَي الزَّوْجَيْنِ (يَلْزَمُ إذَا كَانَ سَائِغًا) شَرْعًا وَ إِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الزَّوْجَانِ وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ سَائِغًا كَاشْتِرَاطِ تَرْكِ بَعْضِ النَّفَقَةِ، أَوْ الْقِسْمَةِ، أَوْ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِهَا لَمْ يَلْزَمْ الْوَفَاءَ بِهِ وَ يُشْتَرَطُ فِي الْحَكَمَيْنِ: الْبُلُوغُ وَ الْعَقْلُ وَ الْحُرِّيَّةُ.

وَالْعَدَالَةُ وَ الِاهْتِدَاءُ إلَي مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ بَعْثِهِمَا، دُونَ الِاجْتِهَادِ.

(وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ نَظَرَانِ: الْأَوَّلُ - فِي الْأَوْلَادِ - وَ يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالزَّوْجِ الدَّائِمِ) نِكَاحُهُ (بِالدُّخُولِ) بِالزَّوْجَةِ، (وَمُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) هِلَالِيَّةٍ (مِنْ حِينِ الْوَطْءِ) وَ الْمُرَادُ بِهِ - عَلَي مَا يَظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ وَ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي قَوَاعِدِهِ - غَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ قُبُلًا، أَوْ دُبُرًا وَ إِنْ لَمْ يُنْزِلْ

وَ لَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ إشْكَالٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، لِلْقَطْعِ بِانْتِفَاءِ التَّوَلُّدِ عَنْهُ عَادَةً فِي كَثِيرٍ مِنْ مَوَارِدِهِ وَ لَمْ أَقِفْ عَلَي شَيْءٍ يُنَافِي مَا نَقَلْنَاهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ.

(وَ عَدَمِ تَجَاوُزِ أَقْصَي الْحَمْلِ) و قد اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي تَحْدِيدِهِ فَقِيلَ: تِسْعَةُ أَشْهُرٍ وَ قِيلَ: عَشَرَةٌ (وَغَايَةُ مَا قِيلَ فِيهِ عِنْدَنَا سَنَةٌ).

وَمُسْتَنَدُ الْكُلِّ مَفْهُومُ الرِّوَايَاتِ وَ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ تَرْجِيحِ قَوْلٍ، لِعَدَمِ دَلِيلٍ قَوِيٍّ عَلَي التَّرْجِيحِ وَ يُمْكِنُ حَمْلُ الرِّوَايَاتِ عَلَي اخْتِلَافِ عَادَاتِ النِّسَاءِ فَإِنَّ بَعْضَهُنَّ تَلِدُ لِتِسْعَةٍ وَ بَعْضَهُنَّ لِعَشَرَةٍ وَ قَدْ يَتَّفِقُ نَادِرًا بُلُوغُ سَنَةٍ وَ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَي أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَنْ السَّنَةِ مَعَ أَنَّهُمْ رَوَوْا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَ اتَّفَقُوا عَلَي أَنَّهُ وُلِدَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَأَقَلُّ مَا يَكُونُ لُبْثُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ سَنَةً وَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَ مَا نَقَلَ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ (هَذَا فِي) الْوَلَدِ التَّامِّ (الَّذِي وَلَجَتْهُ الرُّوحُ وَ فِي غَيْرِهِ) مِمَّا تُسْقِطُهُ الْمَرْأَةُ (يُرْجَعُ) فِي إلْحَاقِهِ بِالزَّوْجِ حَيْثُ يَحْتَاجُ إلَي الْإِلْحَاقِ لِيَجِبَ عَلَيْهِ تَكْفِينُهُ وَ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ وَ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا تَتَرَتَّبُ عَلَي حَيَاتِهِ (إلَي الْمُعْتَادِ) لِمِثْلِهِ (مِنْ الْأَيَّامِ وَ الْأَشْهُرِ وَ إِنْ نَقَصَتْ عَنْ السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ) فَإِنْ أَمْكَنَ عَادَةً كَوْنُهُ مِنْهُ لَحِقَهُ الْحُكْمُ وَ إِنْ عَلِمَ عَادَةَ انْتِفَائِهِ عَنْهُ لِغَيْبَتِهِ عَنْهَا مُدَّةً تَزِيدُ عَنْ تَخَلُّفِهِ عَادَةً مِنْهُ انْتَفَي عَنْهُ (وَ لَوْ فَجَرَ بِهَا) أَيْ: بِالزَّوْجَةِ الدَّائِمَةِ فَاجِرٌ (فَالْوَلَدُ لِلزَّوْجِ) وَ لِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، (وَ لَا يَجُوزُ لَهُ نَفْيُهُ لِذَلِكَ) لِلْحُكْمِ بِلُحُوقِهِ بِالْفِرَاشِ شَرْعًا وَ إِنْ أَشْبَهَ الزَّانِيَ خِلْقَةً (وَ لَوْ نَفَاهُ لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ

إلَّا بِاللِّعَانِ) لِأُمِّهِ، فَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ حُدَّ بِهِ. (وَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الدُّخُولِ) فَادَّعَتْهُ وَ أَنْكَرَهُ هُوَ، (أَوْ فِي وِلَادَتِهِ) بِأَنْ أَنْكَرَ كَوْنَهَا وَ لَدَتْهُ (حَلَفَ الزَّوْجُ)، لِأَصَالَةِ عَدَمِهِمَا وَ لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي الْأَوَّلِ فِي فِعْلِهِ وَ يُمْكِنُهَا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَي الْوِلَادَةِ فِي الثَّانِي فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ (وَ لَوْ) اتَّفَقَا عَلَيْهِمَا (وَاخْتَلَفَا فِي الْمُدَّةِ) فَادَّعَي وِلَادَتَهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ لِأَزْيَدَ مِنْ أَقْصَي الْحَمْلِ (حَلَفَتْ) هِيَ تَغْلِيبًا لِلْفِرَاشِ وَ لِأَصَالَةِ عَدَمِ زِيَادَةِ الْمُدَّةِ فِي الثَّانِي.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْأَصْلُ مَعَهُ فَيَحْتَمِلُ قَبُولَ قَوْلِهِ فِيهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَ لِأَنَّ مَآلَهُ إلَي النِّزَاعِ فِي الدُّخُولِ، فَإِنَّهُ إذَا قال:

لَمْ تَنْقَضِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوَطْءِ.

فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ مُنْذُ مُدَّةِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَ إِنَّمَا الْوَطْءُ فِيمَا دُونَهَا وَ رُبَّمَا فَسَّرَ بَعْضُهُمْ النِّزَاعَ فِي الْمُدَّةِ بِالْمَعْنَي الثَّانِي خَاصَّةً لِيُوَافِقَ.

الْأَصْلَ وَ لَيْسَ بِبَعِيدٍ إنْ تَحَقَّقَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ، إلَّا أَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ مُطْلَقٌ.

(وَوَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ إذَا حَصَلَتْ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ) وَ هِيَ الدُّخُولُ وَ وِلَادَتُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَ لَمْ يَتَجَاوَزْ الْأَقْصَي (يَلْحَقُ بِهِ وَ كَذَلِكَ وَلَدُ الْمُتْعَةِ) وَ لَا يَجُوزُ لَهُ نَفْيُهُ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ فِيهِمَا (لَكِنْ لَوْ نَفَاهُ انْتَفَي) ظَاهِرًا (بِغَيْرِ لِعَانٍ فِيهِمَا وَ إِنْ فَعَلَ حَرَامًا) حَيْثُ نَفَي مَا حَكَمَ الشَّارِعُ ظَاهِرًا بِلُحُوقِهِ بِهِ، أَمَّا وَلَدُ الْأَمَةِ فَمَوْضِعُ وِفَاقٍ وَ لِتَعْلِيقِ اللِّعَانِ عَلَي رَمْيِ الزَّوْجَةِ فِي الْآيَةِ وَ أَمَّا وَلَدُ الْمُتْعَةِ فَانْتِفَاؤُهُ بِذَلِكَ هُوَ الْمَشْهُورُ وَ مُسْتَنِدُهُ غَلَبَةُ إطْلَاقِ الزَّوْجَةِ عَلَي الدَّائِمَةِ وَ مِنْ ثَمَّ حَمَلَتْ عَلَيْهَا فِي آيَةِ الْإِرْثِ وَ غَيْرِهِ وَ ذَهَبَ الْمُرْتَضَي وَ جَمَاعَةٌ إلَي إلْحَاقِهَا بِالدَّائِمَةِ هُنَا، لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ حَقِيقَةً وَ إِلَّا لَحَرُمَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَي: { فَمَنْ ابْتَغَي وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ } (فَلَوْ

عَادَ وَ اعْتَرَفَ بِهِ صَحَّ وَ لَحِقَ بِهِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ اعْتَرَفَ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ نَفَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِي عَنْهُ وَ أُلْحِقَ بِهِ (وَ لَا يَجُوزُ نَفْيُ الْوَلَدِ) مُطْلَقًا (لِمَكَانِ الْعَزْلِ) عَنْ أُمِّهِ، لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَ الْفَتْوَي بِلُحُوقِ الْوَلَدِ لِفِرَاشِ الْوَاطِئِ وَ هُوَ صَادِقٌ مَعَ الْعَزْلِ وَ يُمْكِنُ سَبْقُ الْمَاءِ قَبْلَهُ وَ عَلَي مَا ذَكَرْنَاهُ سَابِقًا لَا اعْتِبَارَ بِالْإِنْزَالِ فِي إلْحَاقِ الْوَلَدِ مُطْلَقًا، فَمَعَ الْعَزْلِ بِالْمَاءِ أَوْلَي وَ قَيَّدَ الْعَلَّامَةُ هُنَا الْوَطْءَ مَعَ الْعَزْلِ بِكَوْنِهِ قُبُلًا وَ الْمُصَنِّفُ صَرَّحَ فِي الْقَوَاعِدِ بِاسْتِوَاءِ الْقُبُلِ وَ الدُّبُرِ فِي ذَلِكَ وَ فِي بَابِ الْعَدَدِ صَرَّحُوا بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي اعْتِبَارِ الْعِدَّةِ. (وَوَلَدُ الشُّبْهَةِ يَلْحَقُ بِالْوَاطِئِ بِالشُّرُوطِ) الثَّلَاثَةِ، (وَ عَدَمِ الزَّوْجِ الْحَاضِرِ) الدَّاخِلِ بِهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِهِ وَ الْمَوْلَي فِي ذَلِكَ بِحُكْمِ الزَّوْجِ، لَكِنْ لَوْ انْتَفَي عَنْ الْمَوْلَي وَ لَحِقَ بِالْوَاطِئِ أُغْرِمَ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ سَقَطَ حَيًّا لِمَوْلَاهَا. (وَيَجِبُ) كِفَايَةً (اسْتِبْدَادُ النِّسَاءِ) أَيْ انْفِرَادُهُنَّ (بِالْمَرْأَةِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ، أَوْ الزَّوْجِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالرِّجَالُ) الْمَحَارِمُ، فَإِنْ تَعَذَّرُوا فَغَيْرُهُمْ وَ قَدَّمَ فِي الْقَوَاعِدِ الرِّجَالَ الْأَقَارِبَ غَيْرَ الْمَحَارِمِ عَلَي الْأَجَانِبِ وَ هُنَا أَطْلَقَ الرِّجَالَ هَذَا جُمْلَةُ مَا ذَكَرُوهُ فِيهِ وَ لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ، بَلْ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَا يَسْتَلْزِمُ اطِّلَاعَهُ عَلَي الْعَوْرَةِ، أَمَّا مَا لَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنْ مُسَاعَدَتِهَا فَتَحْرِيمُهُ عَلَي الرِّجَالِ غَيْرُ وَاضِحٍ وَ يَنْبَغِي فِيمَا يَسْتَلْزِمُ الِاطِّلَاعَ عَلَي الْعَوْرَةِ تَقْدِيمُ الزَّوْجِ مَعَ إمْكَانِهِ و مع عَدَمِهِ يَجُوزُ غَيْرُهُ لِلضَّرُورَةِ كَنَظَرِ الطَّبِيبِ وَ أَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ أَقَارِبِ الرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ الْمَحَارِمِ وَ الْأَجَانِبِ فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي قَوَاعِدِ الشَّرْعِ (وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْمَوْلُودِ) حِينَ يُولَدُ، (وَ الْآذَانُ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَي وَ الْإِقَامَةُ فِي الْيُسْرَي)، وَلْيَكُنْ ذَلِكَ قَبْلَ قَطْعِ سُرَّتِهِ، فَلَا يُصِيبُهُ لَمَمٌ وَ

لَا تَابِعَةٌ وَ لَا يَفْزَعُ وَ لَا تُصِيبُهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ { مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَلْيُؤَذِّنْ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَي بِآذَانِ الصَّلَاةِ، وَلْيُقِمْ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَي فَإِنَّهَا عِصْمَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }، (وَتَحْنِيكُهُ بِتُرْبَةِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ مَاءِ الْفُرَاتِ) وَ هُوَ النَّهْرُ الْمَعْرُوفُ، (أَوْ مَاءٌ فُرَاتٌ) أَيْ: عَذْبٌ (وَ لَوْ بِخَلْطِهِ بِالتَّمْرِ أَوْ بِالْعَسَلِ) لِيَعْذُبَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَذْبًا وَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَ الْأَجْوَدُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهَا فَيُقَدِّمُ مَاءَ الْفُرَاتِ مَعَ إمْكَانِهِ، ثُمَّ الْمَاءُ الْفُرَاتُ بِالْأَصَالَةِ، ثُمَّ بِإِصْلَاحِ مَالِحِهِ بِالْحُلْوِ وَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: حَنِّكُوا أَوْلَادَكُمْ بِمَاءِ الْفُرَاتِ وَ تُرْبَةِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِمَاءِ السَّمَاءِ وَ الْمُرَادُ بِالتَّحْنِيكِ: إدْخَالُ ذَلِكَ إلَي حَنَكِهِ وَ هُوَ أَعْلَي دَاخِلِ الْفَمِ وَ كَذَا يُسْتَحَبُّ تَحْنِيكُهُ بِالتَّمْرِ، بِأَنْ يَمْضُغَ التَّمْرَةَ وَ يَجْعَلَهَا فِي فِيهِ وَ يُوَصِّلَهَا إلَي حَنَكِهِ بِسَبَّابَتِهِ حَتَّي يَتَحَلَّلَ فِي حَلْقِهِ، قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {: حَنِّكُوا أَوْلَادَكُمْ بِالتَّمْرِ فَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِالْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ } قَالَ الْهَرَوِيُّ يُقال:

حَنَكَهُ وَ حَنَّكَهُ بِتَخْفِيفِ النُّونِ وَ تَشْدِيدِهَا.

(وَتَسْمِيَتُهُ مُحَمَّدًا) إنْ كَانَ - ذَكَرًا (إلَي الْيَوْمِ السَّابِعِ، فَإِنْ غَيَّرَ) بَعْدَ ذَلِكَ (جَازَ) قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " لَا يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ إلَّا سَمَّيْنَاهُ مُحَمَّدًا فَإِذَا مَضَي سَبْعَةُ أَيَّامٍ فَإِنْ شِئْنَا غَيَّرْنَا وَ إِلَّا تَرَكْنَا ".

(وَأَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ مَا عُبِّدَ لِلَّهِ) أَيْ: اشْتَمَلَ عَلَي عُبُودِيَّتِهِ تَعَالَي كَعَبْدِ اللَّهِ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَ الرَّحِيمِ وَ غَيْرِهِ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَي، (وَأَفْضَلُهَا) أَيْ: الْأَسْمَاءِ مُطْلَقًا (اسْمُ مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ أَسْمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ وَ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) قَالَ الْبَاقِرُ

عَلَيْهِ السَّلَامُ: " أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ مَا سُمِّيَ بِالْعُبُودِيَّةِ وَ أَفْضَلُهَا أَسْمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ " وَ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قال:

{ مَنْ وُلِدَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْلَادٍ وَ لَمْ يُسَمِّ أَحَدَهُمْ بِاسْمِي فَقَدْ جَفَانِي } وَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَيْسَ فِي الْأَرْضِ دَارٌ فِيهَا اسْمُ مُحَمَّدٍ إلَّا وَ هِيَ تُقَدِّسُ كُلَّ يَوْمٍ } وَ عَنْ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ " لَوْ وُلِدَ لِي مِائَةُ وَلَدٍ لَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أُسَمِّيَ أَحَدًا مِنْهُمْ إلَّا عَلِيًّا " و قال الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ: " لَا يَدْخُلُ الْفَقْرُ بَيْتًا فِيهِ اسْمُ مُحَمَّدٍ، أَوْ أَحْمَدَ، أَوْ عَلِيٍّ، أَوْ الْحَسَنِ، أَوْ الْحُسَيْنِ، أَوْ جَعْفَرٍ، أَوْ طَالِبٍ، أَوْ عَبْدِ اللَّهِ، أَوْ فَاطِمَةَ مِنْ النِّسَاءِ ".

(وَتَكْنِيَتُهُ) بِأَبِي فُلَانٍ إنْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُمِّ فُلَانٍ إنْ كَانَ أُنْثَي.

قَالَ الْبَاقِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " إنَّا لَنُكَنِّي أَوْلَادَنَا فِي صِغَرِهِمْ مَخَافَةَ النَّبْزِ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ ".

(وَيَجُوزُ اللَّقَبُ) وَ هُوَ مَا أَشْعَرَ مِنْ الْأَعْلَامِ بِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ وَ الْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ خَاصَّةً.

(وَيُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ كُنْيَتِهِ) بِضَمِّ الْكَافِ (بِأَبِي الْقَاسِمِ وَ تَسْمِيَتِهِ مُحَمَّدًا) قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: { إنَّ النَّبِيَّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ نَهَي عَنْ أَرْبَعِ كُنًي: عَنْ أَبِي عِيسَي وَ عَنْ أَبِي الْحَكَمِ وَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ إذَا كَانَ الِاسْمُ مُحَمَّدًا } (وَ أَنْ يُسَمِّيَ حَكَمًا، أَوْ حَكِيمًا، أَوْ خَالِدًا، أَوْ حَارِثًا، أَوْ ضِرَارًا، أَوْ مَالِكًا) قَالَ الْبَاقِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " أَبْغَضُ الْأَسْمَاءِ إلَي اللَّهِ تَعَالَي حَارِثٌ وَ خَالِدٌ وَ مَالِكٌ " وَ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ دَعَا بِصَحِيفَةٍ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ يُرِيدُ أَنْ يَنْهَي

عَنْ أَسْمَاءٍ يُتَسَمَّي بِهَا فَقُبِضَ وَ لَمْ يُسَمِّهَا.

مِنْهَا الْحَكَمُ وَ حَكِيمٌ وَ خَالِدٌ وَ مَالِكٌ } وَ ذَكَرَ أَنَّهَا سِتَّةٌ، أَوْ سَبْعَةٌ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَسَمَّي بِهَا ".

وَأَحْكَامُ الْأَوْلَادِ أُمُورٌ

(وَأَحْكَامُ الْأَوْلَادِ أُمُورٌ)

(مِنْهَا الْعَقِيقَةُ وَ الْحَلْقُ وَ الْخِتَانُ وَ ثَقْبُ الْأُذُنِ الْيُمْنَي) فِي شَحْمَتِهَا وَ الْيُسْرَي فِي أَعْلَاهَا كُلُّ ذَلِكَ (فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ) مِنْ يَوْمِ وُلِدَ وَ لَوْ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ، قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " الْعَقِيقَةُ وَاجِبَةٌ وَ كُلُّ مَوْلُودٍ مُرْتَهِنٌ بِعَقِيقَتِهِ " وَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " عُقَّ عَنْهُ وَ احْلِقْ رَأْسَهُ يَوْمَ السَّابِعِ " وَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " اخْتِنُوا أَوْلَادَكُمْ لِسَبْعَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ أَظْهَرُ وَ أَسْرَعُ لِنَبَاتِ اللَّحْمِ وَ إِنَّ الْأَرْضَ لَتَكْرَهُ بَوْلَ الْأَغْلَفِ " وَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " إنَّ ثَقْبَ أُذُنِ الْغُلَامِ مِنْ السُّنَّةِ وَ خِتَانُهُ لِسَبْعَةِ أَيَّامٍ مِنْ السُّنَّةِ وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: { تَتَنَجَّسُ الْأَرْضُ مِنْ بَوْلِ الْأَغْلَفِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا } وَ فِي آخَرَ { إنَّ الْأَرْضَ تَضِجُّ إلَي اللَّهِ تَعَالَي مِنْ بَوْلِ الْأَغْلَفِ } (وَلِيَكُنْ الْحَلْقُ) لِرَأْسِهِ (قَبْلَ) ذَبْحِ (الْعَقِيقَةِ وَ يَتَصَدَّقُ بِوَزْنِ شَعْرِهِ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً) قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ عَمَّارٍ لِلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: بِأَيِّ ذَلِكَ نَبْدَأُ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَ يَعُقُّ عَنْهُ وَ يَتَصَدَّقُ بِوَزْنِ شَعْرِهِ فِضَّةً يَكُونُ ذَلِكَ فِي مَكَان وَاحِدٍ " وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ، أَوْ ذَهَبًا.

(وَيُكْرَهُ الْقَنَازِعُ) وَ هُوَ أَنْ يَحْلِقَ مِنْ الرَّأْسِ مَوْضِعًا وَ يَتْرُكُ مَوْضِعًا فِي أَيِّ جَانِبٍ كَانَ.

رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كُرِهَ الْقُنْزُعُ فِي رُءُوسِ الصِّبْيَانِ وَ ذَكَرَ أَنَّ الْقُنْزُعَ أَنْ يَحْلِقَ الرَّأْسَ إلَّا قَلِيلًا وَسَطَ

الرَّأْسِ تُسَمَّي الْقُنْزُعَةُ وَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

{ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِصَبِيٍّ يَدْعُو لَهُ وَ لَهُ قَنَازِعُ فَأَبَي أَنْ يَدْعُوَ لَهُ وَ أَمَرَ أَنْ يُحْلَقَ رَأْسُهُ }.

(وَيَجِبُ عَلَي الصَّبِيِّ الْخِتَانُ عِنْدَ الْبُلُوغِ) أَيْ: بَعْدَهُ بِلَا فَصْلٍ لَوْ تَرَكَ وَلِيُّهُ خِتَانَهُ وَ هَلْ يَجِبُ عَلَي الْوَلِيِّ ذَلِكَ قِبَلَهُ؟ وَجْهَانِ مِنْ عَدَمِ التَّكْلِيفِ حِينَئِذٍ.

وَاسْتِلْزَامُ تَأْخِيرِهِ إلَي الْبُلُوغِ تَأْخِيرُ الْوَاجِبِ الْمَضِيقِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهِ وَ فِي التَّحْرِيرِ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَي الْبُلُوغِ وَ هُوَ دَالٌّ عَلَي الثَّانِي.

وَدَلِيلُهُ غَيْرُ وَاضِحٍ (وَيُسْتَحَبُّ خَفْضُ النِّسَاءِ وَ إِنْ بَلَغْنَ) قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " خَفْضُ النِّسَاءِ مَكْرُمَةٌ وَ أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ الْمَكْرُمَةِ ".

(وَ الْعَقِيقَةُ شَاةٌ)، أَوْ جَزُورٌ (تَجْتَمِعُ فِيهَا شَرَائِطُ الْأُضْحِيَّةِ) وَ هِيَ السَّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ وَ السِّمَنِ وَ السِّنِّ عَلَي الْأَفْضَلِ وَ يُجْزِئُ فِيهَا مُطْلَقُ الشَّاةِ.

قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " إنَّمَا هِيَ شَاةُ لَحْمٍ لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ الْأُضْحِيَّةِ يُجْزِي مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ وَ خَيْرُهَا أَسْمَنُهَا ".

(وَيُسْتَحَبُّ مُسَاوَاتُهَا لِلْوَلَدِ فِي الذُّكُورَةِ وَ الْأُنُوثَةِ) وَ لَوْ خَالَفَتْهُ أَجْزَأَتْ (وَ الدُّعَاءُ عِنْدَ ذَبْحِهَا بِالْمَأْثُورِ) وَ هُوَ " بِسْمِ اللَّهِ وَ بِاَللَّهِ اللَّهُمَّ هَذِهِ عَقِيقَةٌ عَنْ فُلَانٍ لَحْمُهَا بِلَحْمِهِ وَ دَمُهَا بِدَمِهِ وَ عَظْمُهَا بِعَظْمِهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ وِقَاءً لِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، رَوَاهُ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:

" إذَا ذَبَحْت فَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ وَ بِاَللَّهِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ اَللَّهُ أَكْبَرُ إيمَانًا بِاَللَّهِ وَ ثَنَاءً عَلَي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ الْعَظَمَةُ لِأَمْرِهِ وَ الشُّكْرُ لِرِزْقِهِ وَ الْمَعْرِفَةُ بِفَضْلِهِ عَلَيْنَا أَهْلِ الْبَيْتِ فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَقُلْ: اللَّهُمَّ إنَّك وَهَبْت لَنَا ذَكَرًا وَ أَنْتَ أَعْلَمُ بِمَا وَهَبْت وَ

مِنْك مَا أَعْطَيْت وَ كُلُّ مَا صَنَعْنَا فَتَقَبَّلْهُ مِنَّا عَلَي سُنَّتِك وَ سُنَّةِ نَبِيِّك صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَاخْسَأْ عَنَّا الشَّيْطَانَ الرَّجِيمَ اللَّهُمَّ لَك سَفَكْت الدِّمَاءَ لَا شَرِيكَ لَك وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ".

وَ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِثْلُهُ وَ زَادَ فِيهِ " اللَّهُمَّ لَحْمُهَا بِلَحْمِهِ وَ دَمُهَا بِدَمِهِ وَ عَظْمُهَا بِعَظْمِهِ وَ شَعْرُهَا بِشَعْرِهِ وَ جِلْدُهَا بِجِلْدِهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا وِقَاءً لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ " وَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إذَا أَرَدْت أَنْ تَذْبَحَ الْعَقِيقَةَ قُلْت: " يَا قَوْمِ إنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، إنِّي وَجَّهْت وَجْهِيَّ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَ مَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، إنَّ صَلَاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيَايَ وَ مَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذَلِكَ أُمِرْت وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ مِنْك وَ لَك بِسْمِ اللَّهِ وَ اَللَّهُ أَكْبَرُ ".

وَتُسَمِّي الْمَوْلُودَ بِاسْمِهِ ثُمَّ تَذْبَحُ " وَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُقَالُ عِنْدَ الْعَقِيقَةِ: " اللَّهُمَّ مِنْك وَ لَك مَا وَهَبْت وَ أَنْتَ أَعْطَيْت اللَّهُمَّ فَتَقَبَّلْهُ مِنَّا عَلَي سُنَّةِ نَبِيِّك صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ نَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَ تُسَمِّي وَ تَذْبَحُ وَ تَقُولُ: " لَك سَفَكْت الدِّمَاءَ لَا شَرِيكَ لَك وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ اخْسَأْ عَنَّا الشَّيْطَانَ الرَّجِيمَ " فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ.

(وَسُؤَالُ اللَّهِ تَعَالَي أَنْ يَجْعَلَهَا فِدْيَةً، لَحْمًا بِلَحْمٍ وَ عَظْمًا بِعَظْمٍ وَ جِلْدًا بِجِلْدٍ) هَذَا دَاخِلٌ فِي الْمَأْثُورِ فَكَانَ يُسْتَغْنَي عَنْ تَخْصِيصِهِ وَ لَعَلَّهُ لِمَزِيدِ الِاهْتِمَامِ بِهِ، أَوْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا يَتَّفِقُ الدُّعَاءُ بِالْمَأْثُورِ، (وَ لَا تَكْفِي الصَّدَقَةُ بِثَمَنِهَا) وَ إِنْ تَعَذَّرَتْ، بَلْ يَنْتَظِرُ الْوُجْدَانَ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ قِيلَ لِلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنَّا طَلَبِنَا الْعَقِيقَةَ

فَلَمْ نَجِدْهَا فَمَا تَرَي نَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " لَا، إنَّ اللَّهَ تَعَالَي يُحِبُّ إطْعَامَ الطَّعَامِ وَ إِرَاقَةَ الدِّمَاءِ (وَلْتُخَصْ الْقَابِلَةُ بِالرِّجْلِ وَ الْوَرِكِ) وَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ لَهَا رُبُعَ الْعَقِيقَةِ وَ فِي بَعْضِهَا ثُلُثَهَا، (وَ لَوْ لَمْ تَكُنْ قَابِلَةٌ تَصَدَّقَتْ بِهِ الْأُمُّ) بِمَعْنَي أَنَّ حِصَّةَ الْقَابِلَةِ تَكُونُ لَهَا وَ إِنْ كَانَ الذَّابِحُ الْأَبَ، ثُمَّ هِيَ تَتَصَدَّقُ بِهَا، لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهَا الْأَكْلُ كَمَا سَيَأْتِي.

وَلَا تَخْتَصُّ الصَّدَقَةُ بِالْفُقَرَاءِ، بَلْ تُعْطِي مَنْ شَاءَتْ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ.

(وَ لَوْ بَلَغَ الْوَلَدُ وَ لَمَّا يَعُقُّ عَنْهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْعَقِيقَةُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنْ شَكَّ) الْوَلَدُ هَلْ عُقَّ عَنْهُ أَمْ لَا (فَلْيَعُقَّ) هُوَ (إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ عَقِيقَةِ أَبِيهِ) وَ لِرِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قال:

قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنِّي وَ اَللَّهِ مَا أَدْرِي كَانَ أَبِي عَقَّ عَنِّي أَمْ لَا؟ قال:

فَأَمَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَعَقَقْت عَنْ نَفْسِي وَ أَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ و قال عُمَرُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يقول:

" كُلُّ امْرِئٍ مُرْتَهِنٌ بِعَقِيقَتِهِ.

وَالْعَقِيقَةُ أَوْجَبُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ ".

(وَ لَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ يَوْمَ السَّابِعِ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ تَسْقُطْ وَ قَبْلَهُ تَسْقُطُ) رَوَي ذَلِكَ إدْرِيسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

(وَيُكْرَهُ لِلْوَالِدَيْنِ أَنْ يَأْكُلَا مِنْهَا شَيْئًا وَ كَذَا مَنْ فِي عِيَالِهِمَا) وَ إِنْ كَانَتْ الْقَابِلَةُ مِنْهُمْ، لِقَوْلِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَا يَأْكُلُ هُوَ وَ لَا أَحَدٌ مِنْ عِيَالِهِ مِنْ الْعَقِيقَةِ ".

وَقال:

لِلْقَابِلَةِ ثُلُثُ الْعَقِيقَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْقَابِلَةُ أُمَّ الرَّجُلِ أَوْ فِي عِيَالِهِ فَلَيْسَ لَهَا مِنْهَا شَيْءٌ.

وَتَتَأَكَّدُ الْكَرَاهَةُ فِي الْأُمِّ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ: " يَأْكُلُ الْعَقِيقَةَ كُلُّ أَحَدٍ إلَّا الْأُمَّ " (وَ أَنْ تَكْسِرَ عِضَامَهَا، بَلْ تُفَصَّلَ أَعْضَاءً) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ

السَّلَامُ فِي هَذَا الْخَبَرِ: " وَ يَجْعَلُ أَعْضَاءً يَطْبُخُهَا ".

(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْعَي لَهَا الْمُؤْمِنُونَ وَ أَقَلُّهُمْ عَشَرَةٌ) قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " يُطْعِمُ مِنْهُ عَشَرَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ.

فَإِنْ زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ " وَ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ " لَا يُعْطِيهَا إلَّا لِأَهْلِ الْوِلَايَةِ (وَ أَنْ يُطْبَخَ طَبْخًا) دُون أَنْ تُفَرَّقَ لَحْمًا، أَوْ تُشْوَي عَلَي النَّارِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَمْرِ بِطَبْخِهَا وَ الْمُعْتَبَرُ مُسَمَّاهُ وَ أَقَلُّهُ أَنْ يَطْبُخَ (بِالْمَاءِ وَ الْمِلْحِ) وَ لَوْ أُضِيفَ إلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا فَلَا بَأْسَ؛ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ الصَّادِقِ بِهِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ أَكْمَلُ وَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَي أَقَلَّ مَا يَتَأَدَّي بِهِ الطَّبْخُ، لَا الْحَصْرُ إذْ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِكَوْنِ الطَّبْخِ بِالْمَاءِ وَ الْمِلْحِ خَاصَّةً، بَلْ بِهِ مُطْلَقًا.

و منها: الرَّضَاعُ

(فَيَجِبُ عَلَي الْأُمِّ إرْضَاعُ اللِّبَاءِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَ هُوَ أَوَّلُ اللَّبَنِ فِي النِّتَاجِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَ فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ: هُوَ أَوَّلُ مَا يُحْلَبُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ.

وَلَمْ أَقِفْ عَلَي تَحْدِيدِ مِقْدَارِ مَا يَجِبُ مِنْهُ وَ رُبَّمَا قَيَّدَهُ بَعْضٌ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.

وَظَاهِرُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ حَلْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَ إِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ و مع ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّبَرُّعُ بِهِ، بَلْ (بِأُجْرَةٍ عَلَي الْأَبِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ مَالٌ) وَ إِلَّا فَفِي مَالِهِ، جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ وجوب الْفِعْلِ وَ اسْتِحْقَاقِ عِوَضِهِ كَبَذْلِ الْمَالِ فِي الْمَخْمَصَةِ لِلْمُحْتَاجِ.

وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قِيلَ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا لِمَا، عُلِمَ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَي الْعَمَلِ الْوَاجِبِ وَ الْفَرْقُ أَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْ أَخْذِ أُجْرَتِهِ هُوَ نَفْسُ الْعَمَلِ، لَا عَيْنُ الْمَالِ الَّذِي يَجِبُ بَذْلُهُ وَ اللِّبَاءُ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ.

نَعَمْ يَجِيءُ عَلَي هَذَا: أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ أُجْرَةً

عَلَي إيصَالِهِ إلَي فَمِهِ، لِأَنَّهُ عَمَلٌ وَاجِبٌ وَ رُبَّمَا مُنِعَ مِنْ كَوْنِهِ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ فَيَنْقَدِحُ حِينَئِذٍ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَ الْعَلَّامَةُ قَطَعَ فِي الْقَوَاعِدِ بِكَوْنِهِ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ وَ قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِالْغَالِبِ وَ هُوَ أَوْلَي. .

(وَيُسْتَحَبُّ لِلْأُمِّ أَنْ تُرْضِعَهُ طُولَ الْمُدَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الرَّضَاعِ) وَ هِيَ " حَوْلَانِ كَامِلَانِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ، فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَي أَقَلِّ الْمُجْزِئِ فَأَحَدٌ وَ عِشْرُونَ شَهْرًا وَ لَا يَجُوزُ نُقْصَانُهُ عَنْهَا وَ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَي الْحَوْلَيْنِ شَهْرًا وَ شَهْرَيْنِ خَاصَّةً، لَكِنْ لَا تَسْتَحِقُّ الْمُرْضِعَةُ عَلَي الزَّائِدِ أُجْرَةً وَ إِنَّمَا كَانَ إرْضَاعُ الْأُمِّ مُسْتَحَبًّا، لِأَنَّ لَبَنَهَا أَوْفَقُ بِمِزَاجِهِ، لِتَغَذِّيهِ بِهِ فِي الرَّحِمِ دَمًا.

(وَ الْأُجْرَةُ كَمَا قُلْنَاهُ) مِنْ كَوْنِهَا فِي مَالِ الْوَلَدِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَ إِلَّا فَعَلَي الْأَبِ وَ إِنْ عَلَا كَمَا سَيَأْتِي مَعَ يَسَارِهِ وَ إِلَّا فَلَا أُجْرَةَ لَهَا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا كَمَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا. (وَلَهَا إرْضَاعُهُ) حَيْثُ يَسْتَأْجِرُهَا الْأَبُ (بِنَفْسِهَا وَ بِغَيْرِهَا) إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهَا إرْضَاعَهُ بِنَفْسِهَا، كَمَا فِي كُلِّ أَجِيرٍ مُطْلَقٍ (وَ هِيَ أَوْلَي) بِإِرْضَاعِهِ وَ لَوْ بِالْأُجْرَةِ (إذَا قَنَعَتْ بِمَا يَقْنَعُ بِهِ الْغَيْرُ) أَوْ أَنْقَصَ، أَوْ تَبَرَّعَتْ بِطَرِيقٍ أَوْلَي فِيهِمَا (وَ لَوْ طَلَبَتْ زِيَادَةً) عَنْ غَيْرِهَا (جَازَ لِلْأَبِ انْتِزَاعُهُ مِنْهَا وَ تَسْلِيمُهُ إلَي الْغَيْرِ) الَّذِي يَأْخُذُ أَنْقَصَ، أَوْ يَتَبَرَّعُ.

وَيُفْهَمُ مِنْ قوله:

انْتِزَاعُهُ وَ تَسْلِيمُهُ: سُقُوطُ حَضَانَتِهَا أَيْضًا وَ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ.

وَوَجْهُهُ لُزُومُ الْحَرَجِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ كَوْنِهِ فِي يَدِهَا وَ تَوَلِّي غَيْرِهَا إرْضَاعَهُ وَ لِظَاهِرِ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " إنْ وَجَدَ الْأَبُ مَنْ يُرْضِعُهُ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ وَ قَالَتْ الْأُمُّ: لَا أُرْضِعُهُ إلَّا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْهَا ".

وَالْأَقْوَي بَقَاءُ الْحَضَانَةِ لَهَا،

لِعَدَمِ تَلَازُمِهِمَا وَ حِينَئِذٍ فَتَأْتِي الْمُرْضِعَةُ وَ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا مَعَ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ حَمْلُ الصَّبِيِّ إلَي الْمُرْضِعَةِ وَقْتَ الْإِرْضَاعِ خَاصَّةً، فَإِنْ تَعَذَّرَ جَمِيعُ ذَلِكَ اتَّجَهَ سُقُوطُ حَقِّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ، لِلْحَرَجِ وَ الضَّرَرِ. (وَلِلْمَوْلَي إجْبَارُ أَمَتِهِ عَلَي الْإِرْضَاعِ لِوَلَدِهَا وَ غَيْرِهِ) لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ حُرَّةً كَانَتْ أَمْ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِهِ مُعْتَادَةً لِإِرْضَاعِ أَوْلَادِهَا أَمْ غَيْرَ مُعْتَادَةٍ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِالزَّوْجِيَّةِ مَنَافِعَهَا وَ إِنَّمَا اسْتَحَقَّ الِاسْتِمْتَاعَ.

و منها الْحَضَانَةُ

بِالْفَتْحِ وَ هِيَ: وِلَايَةٌ عَلَي الطِّفْلِ وَ الْمَجْنُونِ لِفَائِدَةِ تَرْبِيَتِهِ وَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ مَصْلَحَتِهِ مِنْ حِفْظِهِ وَ جَعْلِهِ فِي سَرِيرِهِ وَ رَفْعِهِ وَ كَحْلِهِ وَ دَهْنِهِ وَ تَنْظِيفِهِ وَ غَسْلِ خِرَقِهِ وَ ثِيَابِهِ وَ نَحْوِهِ وَ هِيَ بِأُنْثَي أَلْيَقُ مِنْهَا بِالرَّجُلِ (فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مُدَّةَ الرَّضَاعِ وَ إِنْ كَانَ) الْوَلَدُ (ذَكَرًا إذَا كَانَتْ) الْأُمُّ (حُرَّةً مُسْلِمَةً) عَاقِلَةً (أَوْ كَانَا) أَيْ: الْأَبَوَانِ مَعًا (رَقِيقَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ) فَإِنَّهُ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْأَوَّلِ وَ الْإِسْلَامِ فِي الثَّانِي لِعَدَمِ التَّرْجِيحِ وَ لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ خَاصَّةً حُرَّةً مُسْلِمَةً فَهِيَ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مُطْلَقًا مِنْ الْأَبِ الرِّقِّ أَوْ الْكَافِرِ إلَي أَنْ يَبْلُغَ وَ إِنْ تَزَوَّجَتْ.

(فَإِنْ فُصِلَ) عَنْ الرَّضَاعِ (فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِالْأُنْثَي إلَي سَبْعِ سِنِينَ).

وَقِيلَ: إلَي تِسْعٍ وَ قِيلَ: مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ الْأُمُّ وَ قِيلَ إلَي سَبْعٍ فِيهِمَا وَ الْأَوَّلُ مَعَ شُهْرَتِهِ جَامِعٌ بَيْنَ الْأَخْبَارِ الْمُطْلَقَةِ (وَ الْأَبُ أَحَقُّ بِالذَّكَرِ) بَعْدَ فِصَالِهِ (إلَي الْبُلُوغِ وَ) أَحَقُّ (بِالْأُنْثَي بَعْدَ السَّبْعِ) وَ الْأَقْوَي أَنَّ الْخُنْثَي الْمُشْكِلَ هُنَا كَالْأُنْثَي اسْتِصْحَابًا لِوِلَايَةِ الْأُمِّ الثَّابِتَةِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً إلَي أَنْ يَثْبُتَ الْمُزِيلُ وَ لَا ثُبُوتَ لَهُ قَبْلَ السَّبْعِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالذُّكُورِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ زَوَالِ وِلَايَتِهَا عَنْهُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ.

وَأَصَالَةُ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ الْوِلَايَةُ قَبْلَهَا.

هَذَا كُلُّهُ

إذَا كَانَ الْأَبَوَانِ مَوْجُودَيْنِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْآخَرُ أَحَقَّ بِالْوَلَدِ مُطْلَقًا مِنْ جَمِيعِ الْأَقَارِبِ إلَي أَنْ يَبْلُغَ (وَ) كَذَلِكَ (الْأُمُّ أَحَقُّ مِنْ الْوَصِيِّ) أَيْ: وَصِيِّ الْأَبِ (بِالِابْنِ) وَ كَذَا بِالْبِنْتِ بَعْدَ السَّبْعِ كَمَا هِيَ أَحَقُّ مِنْ الْأَقَارِبِ وَ إِنْ تَزَوَّجَتْ.

(فَإِنْ فُقِدَ الْأَبَوَانِ فَالْحَضَانَةُ لِأَبِ الْأَبِ) لِأَنَّهُ أَبٌ فِي الْجُمْلَةِ فَيَكُونُ أَوْلَي مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ وَ لِأَنَّهُ أَوْلَي بِالْمَالِ فَيَكُونُ أَوْلَي بِالْحَضَانَةِ وَ بِهَذَا جَزَمَ فِي الْقَوَاعِدِ، فَقَدَّمَ الْجَدَّ لِلْأَبِ عَلَي غَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ.

وَيُشْكَلُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مُوجِبًا لِتَقْدِيمِهِ لَاقْتَضَي تَقْدِيمَ أُمِّ الْأُمِّ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَ هِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَي الْأَبِ عَلَي مَا فُصِّلَ وَ وِلَايَةُ الْمَالِ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْحَضَانَةِ وَ إِلَّا لَكَانَ الْأَبُ أَوْلَي مِنْ الْأُمِّ وَ كَذَا الْجَدُّ لَهُ وَ لَيْسَ كَذَلِكَ إجْمَاعًا وَ النُّصُوصُ خَالِيَةٌ مِنْ غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ مِنْ الْأَقَارِبِ وَ إِنَّمَا اُسْتُفِيدَ حُكْمُهُمْ مِنْ آيَةِ أُولِي الْأَرْحَامِ وَ هِيَ لَا تَدُلُّ عَلَي تَقْدِيمِهِ عَلَي غَيْرِهِ مِنْ دَرَجَتِهِ وَ بِهَذَا جَزَمَ فِي الْمُخْتَلِفِ وَ هُوَ أَجْوَدُ.

(فَإِنْ فُقِدَ أَبُو الْأَبِ) أَوْ لَمْ نُرَجِّحْهُ (فَلِلْأَقَارِبِ: الْأَقْرَبُ مِنْهُمْ) إلَي الْوَلَدِ (فَالْأَقْرَبُ) عَلَي الْمَشْهُورِ لِآيَةِ أُولِي الْأَرْحَامِ، فَالْجَدَّةُ لِأُمٍّ كَانَتْ أُمٌّ لِأَبٍ وَ إِنْ عَلَتْ أَوْلَي مِنْ الْعَمَّةِ وَ الْخَالَةِ، كَمَا إنَّهُمَا أَوْلَي مِنْ بَنَاتِ الْعُمُومَةِ وَ الْخُئُولَةِ وَ كَذَا الْجَدَّةُ الدُّنْيَا وَ الْعَمَّةُ وَ الْخَالَةُ أَوْلَي مِنْ الْعُلْيَا مِنْهُنَّ وَ كَذَا ذُكُورُ كُلِّ مَرْتَبَةٍ، ثُمَّ إنْ اتَّحَدَ الْأَقْرَبُ فَالْحَضَانَةُ مُخْتَصَّةٌ بِهِ وَ إِنْ تَعَدَّدَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ لِمَا فِي اشْتِرَاكِهَا مِنْ الْأَضْرَارِ بِالْوَلَدِ وَ لَوْ اجْتَمَعَ ذَكَرٌ وَ أُنْثَي فَفِي تَقْدِيمِ الْأُنْثَي قَوْلٌ، مَأْخَذُهُ: تَقْدِيمُ الْأُمِّ عَلَي الْأَبِ وَ كَوْنُ الْأُنْثَي أَوْفَقَ لِتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ وَ أَقْوَمَ بِمَصَالِحِهِ لَا سِيَّمَا الصَّغِيرُ وَ

الْأُنْثَي وَ إِطْلَاقُ الدَّلِيلِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْآيَةِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا كَمَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ كَثِيرِ النَّصِيبِ وَ قَلِيلِهِ وَ مَنْ يَمُتْ بِالْأَبَوَيْنِ وَ بِالْأُمِّ خَاصَّةً، لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الْإِرْثِ.

وَقِيلَ: إنَّ الْأُخْتَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْلَي مِنْ الْأُخْتِ مِنْ الْأُمِّ وَ كَذَا أُمُّ الْأَبِ أَوْلَي مِنْ أُمِّ الْأُمِّ وَ الْجَدَّةُ أَوْلَي مِنْ الْأَخَوَاتِ وَ الْعَمَّةُ أَوْلَي مِنْ الْخَالَةِ نَظَرًا إلَي زِيَادَةِ الْقُرْبِ، أَوْ كَثْرَةِ النَّصِيبِ و فيه نَظَرٌ بَيِّنٌ، لِأَنَّ الْمُسْتَنَدَ - وَ هُوَ الْآيَةُ - مُشْتَرَكٌ وَ مُجَرَّدُ مَا ذُكِرَ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا وَ قِيلَ: لَا حَضَانَةَ لِغَيْرِ الْأَبَوَيْنِ اقْتِصَارًا عَلَي مَوْضِعِ النَّصِّ.

وَعُمُومُ الْآيَةِ يَدْفَعُهُ.

(وَ لَوْ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ) بِغَيْرِ الْأَبِ مَعَ وُجُودِهِ كَامِلًا (سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا) لِلنَّصِّ وَ الْإِجْمَاعِ (فَإِنْ طَلُقَتْ عَادَتْ) الْحَضَانَةُ عَلَي الْمَشْهُورِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْهَا وَ هُوَ تَزْوِيجُهَا وَ اشْتِغَالُهَا بِحُقُوقِ الزَّوْجِ الَّتِي هِيَ أَقْوَي مِنْ حَقِّ الْحَضَانَةِ وَ قِيلَ: لَا تَعُودُ لِخُرُوجِهَا عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ بِالنِّكَاحِ فَيُسْتَصْحَبُ وَ يَحْتَاجُ عَوْدُهُ إلَيْهَا إلَي دَلِيلٍ آخَرَ.

وَهُوَ مَفْقُودٌ وَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ لَكِنَّ الْأَشْهَرَ الْأَوَّلُ وَ إِنَّمَا تَعُودُ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ إذَا كَانَ بَائِنًا وَ إِلَّا فَبَعْدَ الْعِدَّةِ إنْ بَقِيَ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الْمُدَّةِ وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ مَوْجُودًا لَمْ تَسْقُطْ حَضَانَتُهَا بِالتَّزْوِيجِ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ.

(وَ إِذَا بَلَغَ الْوَلَدُ رَشِيدًا سَقَطَتْ الْحَضَانَةُ عَنْهُ)، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ وَ الْبَالِغُ الرَّشِيدُ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذَّكَرُ وَ الْأُنْثَي، الْبِكْرُ وَ الثَّيِّبُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يُفَارِقَ أُمَّهُ خُصُوصًا الْأُنْثَي إلَي أَنْ تَتَزَوَّجَ وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي كَوْنِ الْحَضَانَةِ حَقًّا لِمَنْ ذُكِرَ و لكن هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ أَمْ لَهُ إسْقَاطُ حَقِّهِ مِنْهَا؟ الْأَصْلُ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَ هُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي قَوَاعِدِهِ

فَقال:

لَوْ امْتَنَعَتْ الْأُمُّ مِنْ الْحَضَانَةِ صَارَ الْأَبُ أَوْلَي بِهِ.

قال:

وَ لَوْ امْتَنَعَا مَعًا فَالظَّاهِرُ إجْبَارُ الْأَبِ وَ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ و جوبهَا وَ هُوَ حَسَنٌ حَيْثُ يَسْتَلْزِمُ تَرْكُهَا تَضْيِيعَ الْوَلَدِ إلَّا أَنَّ حَضَانَتَهُ حِينَئِذٍ تَجِبُ كِفَايَةً كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُضْطَرِّينَ وَ فِي اخْتِصَاصِ الْوُجُوبِ بِذِي الْحَقِّ نَظَرٌ.

وَلَيْسَ فِي الْأَخْبَارِ مَا يَدُلُّ عَلَي غَيْرِ ثُبُوتِ أَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ.

النَّظَرُ الثَّانِي فِي النَّفَقَاتِ.

(النَّظَرُ الثَّانِي فِي النَّفَقَاتِ).

(وَأَسْبَابُهَا ثَلَاثَةٌ: الزَّوْجِيَّةُ وَ الْقَرَابَةُ) الْبَعْضِيَّةُ (وَ الْمِلْكُ).

(فَالْأَوَّلُ: تَجِبُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ بِالْعَقْدِ الدَّائِمِ) دُونَ الْمُنْقَطِعِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحُرَّةُ وَ الْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ وَ الْكَافِرَةُ (بِشَرْطِ التَّمْكِينِ الْكَامِلِ) وَ هُوَ أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنَهُ و بين نَفْسِهَا قَوْلًا وَ فِعْلًا (فِي كُلِّ زَمَانٍ وَ مَكَانٍ يَسُوغُ فِيهِ الِاسْتِمْتَاعُ) فَلَوْ بَذَلَتْ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، أَوْ مَكَان كَذَلِكَ يَصْلُحَانِ لِلِاسْتِمْتَاعِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَ حَيْثُ كَانَ مَشْرُوطًا بِالتَّمْكِينِ.

(فَلَا نَفَقَةَ لِلصَّغِيرَةِ) الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ سِنًّا يَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِالْجِمَاعِ - عَلَي أَشْهَرِ الْقَوْلَيْنِ - لِفَقْدِ الشَّرْطِ وَ هُوَ التَّمْكِينُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ.

وَقَالَ ابْنُ إدْرِيسَ: تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَي الصَّغِيرَةِ لِعُمُومِ و جوبهَا عَلَي الزَّوْجَةِ، فَتَخْصِيصُهُ بِالْكَبِيرَةِ الْمُمَكِّنَةِ يَحْتَاجُ إلَي دَلِيلٍ و سيأتي الْكَلَامُ عَلَي هَذَا الشَّرْطِ وَ لَوْ انْعَكَسَ بِأَنْ كَانَتْ كَبِيرَةً مُمَكِّنَةً وَ الزَّوْجُ صَغِيرًا وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ، لِأَنَّ الصِّغَرَ لَا يَصْلُحُ لِلْمَنْعِ كَمَا فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَي الصَّغِيرِ وَ الْكَبِيرِ، خِلَافًا لِلشَّيْخِ مُحْتَجًّا بِأَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ وَ هِيَ مُنْدَفِعَةٌ بِمَا دَلَّ عَلَي وجوب نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ الْمُمَكِّنَةِ أَوْ مُطْلَقًا وَ لَوْ قِيلَ: إنَّ الْوُجُوبَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الشَّرْعِ الْمُخْتَصِّ بِالْمُكَلَّفِينَ أَمْكَنَ جَوَابُهُ بِكَوْنِ التَّكْلِيفِ هُنَا مُتَعَلِّقًا بِالْوَلِيِّ: أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ، كَمَا يُكَلَّفُ بِأَدَاءِ أَعْوَاضِ مُتْلَفَاتِهِ الَّتِي لَا خِلَافَ فِي ضَمَانِهِ أَوْ قَضَاءِ دُيُونِهِ وَ غَرَامَاتِهِ.

(وَ

لَا لِلنَّاشِزَةِ) الْخَارِجَةِ عَنْ طَاعَةِ الزَّوْجِ وَ لَوْ بِالْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ بِلَا إذْنٍ وَ مَنْعِ لَمْسٍ بِلَا عُذْرٍ (وَ لَا لِلسَّاكِتَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ مَا) أَيْ: مُدَّةً (لَمْ تَعْرِضْ التَّمْكِينَ عَلَيْهِ) بِأَنْ تَقُولَ: سَلَّمْت نَفْسِي إلَيْك فِي أَيِّ مَكَان شِئْت وَ نَحْوُهُ وَ تَعْمَلُ بِمُقْتَضَي قَوْلِهَا حَيْثُ يَطْلُبُ وَ مُقْتَضَي ذَلِكَ أَنَّ التَّمْكِينَ الْفِعْلِيَّ خَاصَّةً غَيْرُ كَافٍ وَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجَاهِلَةِ بِالْحَالِ وَ الْعَالِمَةِ وَ لَا بَيْنَ مَنْ طَلَبَ مِنْهَا التَّمْكِينَ وَ طَالَبَتْهُ بِالتَّسْلِيمِ وَ غَيْرِهِ وَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَ اسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ وجوب النَّفَقَةِ خَرَجَ مِنْهُ حَالُ التَّمْكِينِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَبْقَي الْبَاقِي عَلَي الْأَصْلِ و فيه نَظَرٌ، لِأَنَّ النُّصُوصَ عَامَّةٌ أَوْ مُطْلَقَةٌ فَهِيَ قَاطِعَةٌ لِلْأَصْلِ إلَي أَنْ يُوجَدَ الْمُخَصِّصُ وَ الْمُقَيِّدُ إلَّا أَنَّ الْخِلَافَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ، فَالْقَوْلُ بِمَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ مُتَعَيَّنٌ.

وَتَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِيمَا ذُكِرَ وَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي التَّمْكِينِ وَ فِي وجوب قَضَاءِ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ، فَعَلَي الْمَشْهُورِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِهِمَا عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا وَ عَلَي الِاحْتِمَالِ قَوْلُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا وَجَبَ كَمَا يُقَدَّمُ قَوْلُهَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي دَفْعِهَا مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَي الْوُجُوبِ.

(وَ الْوَاجِبُ) عَلَي الزَّوْجِ (الْقِيَامُ بِمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَرْأَةُ) الَّتِي تَجِبُ نَفَقَتُهَا (مِنْ طَعَامٍ وَ إِدَامٍ وَ كِسْوَةٍ وَ إِسْكَانٍ وَ إِخْدَامٍ وَ آلَةِ الدُّهْنِ وَ التَّنْظِيفِ) مِنْ الْمُشْطِ وَ الدُّهْنِ وَ الصَّابُونِ، دُونَ الْكُحْلِ وَ الطِّيبِ وَ الْحَمَّامِ إلَّا مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِبَرْدٍ وَ نَحْوِهِ (تَبَعًا لِعَادَةِ أَمْثَالِهَا مِنْ بَلَدِهَا) الْمُقِيمَةِ بِهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَي قال:

{ عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَ مِنْ الْعِشْرَةِ بِهِ: الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا بِمَا يَلِيقُ بِهَا عَادَةً (وَ) لَا يَتَقَدَّرُ الْإِطْعَامُ بِمُدٍّ وَ لَا بِمُدَّيْنِ وَ لَا غَيْرِهِمَا،

بَلْ (الْمَرْجِعُ فِي الْإِطْعَامِ إلَي سَدِّ الْخَلَّةِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَ هِيَ الْحَاجَةُ.

(وَيَجِبُ الْخَادِمُ إذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِهِ) فِي بَيْتِ أَبِيهَا، دُونَ أَنْ تَرْتَفِعَ بِالِانْتِقَالِ إلَي بَيْتِ زَوْجِهَا (أَوْ كَانَتْ مَرِيضَةً) أَوْ زَمِنَةً تَحْتَاجُ إلَي الْخَادِمِ وَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ إخْدَامِهَا بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ وَ لَوْ بِأُجْرَةٍ وَ لَوْ كَانَ مَعَهَا خَادِمٌ تُخَيَّرُ بَيْنَ إبْقَائِهَا وَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا و بين إبْدَالِهَا وَ إِنْ كَانَتْ مَأْلُوفَةً لَهَا لِأَنَّ حَقَّ التَّعْيِينِ لَهُ لَا لَهَا، حَتَّي لَوْ أَرَادَ أَنْ يَخْدُمَهَا بِنَفْسِهِ أَجْزَأَ وَ لَوْ خَدَمَتْ نَفْسَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ.

(وَجِنْسُ الْمَأْدُومِ وَ الْمَلْبُوسِ وَ الْمَسْكَنِ يَتْبَعُ عَادَةَ أَمْثَالِهَا) فِي بَلَدِ السُّكْنَي لَا فِي بَيْتِ أَهْلِهَا وَ لَوْ تَعَدَّدَ الْقُوتُ فِي الْبَلَدِ اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْغَالِبُ فِيهَا أَوْ قُوتُهَا مِنْ غَيْرِ غَالِبٍ وَجَبَ اللَّائِقُ بِهِ (وَلَهَا الْمَنْعُ مِنْ مُشَارَكَةِ غَيْرِ الزَّوْجِ) فِي الْمَسْكَنِ بِأَنْ تَنْفَرِدَ بِبَيْتٍ صَالِحٍ لَهَا وَ لَوْ فِي دَارٍ، لَا بِدَارٍ لِمَا فِي مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ مِنْ الضَّرَرِ.

(وَيَزِيدُ كِسْوَتَهَا فِي الشِّتَاءِ الْمَحْشُوَّةَ) بِالْقُطْنِ (لِلْيَقِظَةِ وَ اللِّحَافَ لِلنَّوْمِ) إنْ اُعْتِيدَ ذَلِكَ فِي الْبَلَدِ (وَ لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ يُعْتَادُ فِيهِ الْفَرْوُ لِلنِّسَاءِ وَجَبَ) عَلَي الزَّوْجِ بَذْلُهُ (وَيُرْجَعُ فِي جِنْسِهِ) مِنْ حَرِيرٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ فِي جِنْسِ الْفَرْوِ مِنْ غَنَمٍ وَ سِنْجَابٍ وَ غَيْرِهِمَا (إلَي عَادَةِ أَمْثَالِهَا) فِي الْبَلَدِ وَ يُعْتَبَرُ فِي مَرَاتِبِ الْجِنْسِ الْمُعْتَادِ حَالُهُ فِي يَسَارِهِ وَ غَيْرِهِ وَ قِيلَ لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ عَلَي الْقُطْنِ لِأَنَّ غَيْرَهُ رُعُونَةٌ وَ هُوَ ضَعِيفٌ لِاقْتِضَاءِ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ (وَ كَذَا لَوْ اُحْتِيجَ إلَي تَعَدُّدِ اللِّحَافِ) لِشِدَّةِ الْبَرْدِ أَوْ لِاخْتِلَافِ الْفُصُولِ فِيهِ و لكن هُنَا لَا يَجِبُ إبْقَاءُ الْمُسْتَغْنَي عَنْهُ فِي الْوَقْتِ الْآخَرِ عِنْدَهَا (وَتُزَادُ الْمُتَجَمِّلَةُ ثِيَابَ التَّجَمُّلِ

بِحَسَبِ الْعَادَةِ) لِأَمْثَالِهَا فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ.

(وَ لَوْ دَخَلَ بِهَا وَ اسْتَمَرَّتْ تَأْكُلُ مَعَهُ عَلَي الْعَادَةِ، فَلَيْسَ لَهَا مُطَالَبَتُهُ بِمُدَّةِ مُؤَاكَلَتِهِ) لِحُصُولِ الْغَرَضِ وَ إِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ وَ يُحْتَمَلُ جَوَازُ مُطَالَبَتِهَا بِالنَّفَقَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ عَيْنَ الْوَاجِبِ وَ تَطَوَّعَ بِغَيْرِهِ وَ اعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ الْمَسْكَنِ الْإِمْتَاعُ اتِّفَاقًا وَ مِنْ الْمُؤْنَةِ التَّمْلِيكُ فِي صَبِيحَةِ كُلِّ يَوْمٍ، لَا أَزْيَدُ، بِشَرْطِ بَقَائِهَا مُمَكِّنَةً إلَي آخِرِهِ، فَلَوْ نَشَزَتْ فِي أَثْنَائِهِ اسْتَحَقَّتْ بِالنِّسْبَةِ وَ فِي الْكِسْوَةِ قَوْلَانِ: أَجْوَدُهُمَا أَنَّهَا إمْتَاعٌ فَلَيْسَ لَهَا بَيْعُهَا وَ لَا التَّصَرُّفُ فِيهَا بِغَيْرِ اللُّبْسِ مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ وَ لَا لُبْسُهَا زِيَادَةً عَلَي الْمُعْتَادِ كَيْفِيَّةً وَ كَمِّيَّةً، فَإِنْ فَعَلَتْ فَأَبْلَتْهَا قَبْلَ الْمُدَّةِ الَّتِي تُبْلَي فِيهَا عَادَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إبْدَالُهَا وَ كَذَا لَوْ أَبْقَتْهَا زِيَادَةً عَنْ الْمُدَّةِ وَ لَهُ إبْدَالُهَا بِغَيْرِهَا مُطْلَقًا وَ تَحْصِيلُهَا بِالْإِعَارَةِ وَ الِاسْتِئْجَارِ وَ غَيْرُهُمَا.

وَلَوْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ أَوْ مَاتَ أَوْ نَشَزَتْ اسْتَحَقَّ مَا يَجِدُهُ مِنْهَا مُطْلَقًا وَ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْفُرُشِ وَ الْآلَاتِ فِي حُكْمِ الْكِسْوَةِ. (الثَّانِي -: الْقَرَابَةُ) الْبَعْضِيَّةُ دُونَ مُطْلَقِ النِّسْبَةِ (وَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَي الْأَبَوَيْنِ فَصَاعِدًا) وَ هُمْ: آبَاءُ الْأَبِ وَ أُمَّهَاتُهُ وَ إِنْ عَلَوْا وَ آبَاءُ الْأُمِّ وَ أُمَّهَاتُهَا وَ إِنْ عَلَوْا (وَ الْأَوْلَادُ فَنَازِلًا) ذُكُورًا كَانُوا أَمْ إنَاثًا لِابْنِ الْمُنْفِقِ أَمْ لِبِنْتِهِ (وَيُسْتَحَبُّ) النَّفَقَةُ (عَلَي بَاقِي الْأَقَارِبِ) مِنْ الْإِخْوَةِ وَ الْأَخَوَاتِ وَ أَوْلَادِهِمْ وَ الْأَعْمَامِ وَ الْأَخْوَالِ ذُكُورًا وَ إِنَاثًا وَ أَوْلَادَهُمْ.

(وَيَتَأَكَّدُ) الِاسْتِحْبَابُ (فِي الْوَارِثِ مِنْهُمْ) فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ.

وَقِيلَ: تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَي الْوَارِثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَي: { وَ عَلَي الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } بَعْدَ قَوْله تَعَالَي: { وَ عَلَي الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَ إِذَا وَجَبَ عَلَي الْوَارِثِ - وَ الْعِلَّةُ

هِيَ الْإِرْثُ - ثَبَتَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِتَسَاوِيهِمَا فِيهِ وَ لَا فَرْقَ فِي الْمُنْفِقِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَ الْأُنْثَي وَ لَا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَ الْكَبِيرِ عَمَلًا بِالْعُمُومِ.

(وَ إِنَّمَا يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَي الْفَقِيرِ الْعَاجِزِ عَنْ التَّكَسُّبِ) فَلَوْ كَانَ مَالِكًا مُؤْنَةَ سَنَةٍ أَوْ قَادِرًا عَلَي تَحْصِيلِهَا بِالْكَسْبِ تَدْرِيجًا لَمْ يَجِبْ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ وَ لَا يُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ وَ لَا إسْلَامُهُ بَلْ يَجِبُ (وَ إِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ كَافِرًا) لِلْعُمُومِ وَ يَجِبُ تَقْيِيدُ الْكَافِرِ بِكَوْنِهِ مَحْقُونَ الدَّمِ، فَلَوْ كَانَ حَرْبِيًّا لَمْ يَجِبْ لِجَوَازِ إتْلَافِهِ، فَتَرْكُ الْإِنْفَاقِ لَا يَزِيدُ عَنْهُ، أَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَهِيَ شَرْطٌ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ نَفَقَتُهُ عَلَي مَوْلَاهُ، نَعَمْ لَوْ امْتَنَعَ مِنْهَا أَوْ كَانَ مُعْسِرًا أَمْكَنَ و جوبهُ عَلَي الْقَرِيبِ عَمَلًا بِالْعُمُومِ.

وَقِيلَ: لَا يَجِبُ مُطْلَقًا بَلْ يُلْزَمُ بِبَيْعِهِ، أَوْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي وَ هُوَ حَسَنٌ.

(وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُنْفِقِ أَنْ يَفْضُلَ مَالُهُ عَنْ قُوتِهِ وَ قُوتِ زَوْجَتِهِ) لِيَوْمِهِ الْحَاضِرِ وَ لَيْلَتِهِ لِيُصْرَفَ إلَي مَنْ ذُكِرَ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ وَ هُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (وَ الْوَاجِبُ) مِنْهَا (قَدْرُ الْكِفَايَةِ) لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ (مِنْ الْإِطْعَامِ وَ الْكِسْوَةِ وَ الْمَسْكَنِ) بِحَسَبِ زَمَانِهِ وَ مَكَانِهِ (وَ لَا يَجِبُ إعْفَافُ وَاجِبِ النَّفَقَةِ) أَيْ: تَزْوِيجُهُ لِيَصِيرَ ذَا عِفَّةٍ وَ إِنْ كَانَ أَبًا وَ لَا النَّفَقَةُ عَلَي زَوْجَتِهِ لِلْأَصْلِ.

نَعَمْ يُسْتَحَبُّ تَزْوِيجُ الْأَبِ.

وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْ الْأَمْرِ بِهِ وَ كَذَا لَا يَجِبُ إخْدَامُهُ وَ لَا النَّفَقَةُ عَلَي خَادِمِهِ إلَّا مَعَ الزَّمَانَةِ الْمُحْوِجَةِ إلَيْهِ.

(وَتُقْضَي نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ) لِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ وَجَبَ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ فَكَانَتْ كَالْعِوَضِ اللَّازِمِ فِي الْمُعَاوَضَةِ (لَا نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ) لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَي طَرِيقِ الْمُوَاسَاةِ وَ سَدِّ الْخَلَّةِ لَا التَّمْلِيكِ، فَلَا تَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ وَ إِنَّمَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا (وَ لَوْ قَدَّرَهَا الْحَاكِمُ) لِأَنَّ التَّقْدِيرَ

لَا يُفِيدُ الِاسْتِقْرَارَ (نَعَمْ لَوْ أَذِنَ) الْحَاكِمُ الْقَرِيبُ (فِي الِاسْتِدَانَةِ) لِغَيْبَتِهِ، أَوْ مُدَافَعَتِهِ بِهَا (أَوْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ) بِالْإِنْفَاقِ (قُضِيَ) لِأَنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِذَلِكَ.

(وَ الْأَبُ مُقَدَّمٌ) عَلَي الْأُمِّ وَ غَيْرِهَا (فِي الْإِنْفَاقِ) عَلَي الْوَلَدِ مَعَ وُجُودِهِ وَ يَسَارِهِ (وَمَعَ عَدَمِهِ أَوْ فَقْرِهِ فَعَلَي أَبٍ الْأَبِ فَصَاعِدًا) يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبُ (وَ إِنْ عَدِمَتْ الْآبَاءُ) أَوْ كَانُوا مُعْسِرِينَ (فَعَلَي الْأُمِّ) مَعَ وُجُودِهَا وَ يَسَارِهَا (ثُمَّ عَلَي أَبَوَيْهَا بِالسَّوِيَّةِ) لَا عَلَي جِهَةِ الْإِرْثِ وَ أُمُّ الْأَبِ بِحُكْمِ أُمِّ الْأُمِّ وَ أَبِيهَا وَ كَذَا أُمُّ الْجَدِّ لِلْأَبِ مَعَ أَبَوَيْ الْجَدِّ وَ الْجَدَّةِ لِلْأُمِّ.

وَهَكَذَا.

(وَ الْأَقْرَبُ) إلَي الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ (فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ) مِنْ الْمَرَاتِبِ (مُقَدَّمٌ عَلَي الْأَبْعَدِ) وَ إِنَّمَا يُنْتَقَلُ إلَي الْأَبْعَدِ مَعَ عَدَمِهِ أَوْ فَقْرِهِ، فَالْوَلَدُ مُقَدَّمٌ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَي أَبِيهِ وَ أُمِّهِ وَ إِنْ عَلَوْا عَلَي ابْنِهِ وَ هَكَذَا وَ مَتَي تَعَدَّدَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ تَسَاوَوْا فِيهِ وَ إِنْ اخْتَلَفُوا فِي الذُّكُورِيَّةِ وَ الْأُنُوثِيَّةِ وَ كَذَا يَتَسَاوَي الْغَنِيُّ فِعْلًا وَ قُوَّةً عَلَي الْأَقْوَي فِيهِمَا.

(وَ أَمَّا تَرْتِيبُ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِمْ: فَالْأَبَوَانِ وَ الْأَوْلَادُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ نِسْبَتَهُمْ إلَي الْمُنْفِقِ وَاحِدَةٌ بِحَسَبِ الدَّرَجَةِ وَ إِنَّمَا اخْتَلَفَتْ بِكَوْنِهَا فِي أَحَدِهِمَا عُلْيَا وَ فِي الْآخَرِ دُنْيَا، فَلَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَ ابْنٌ أَوْ أَبَوَانِ وَ أَوْلَادٌ مَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا، وَجَبَ قِسْمَةُ الْمَيْسُورِ عَلَي الْجَمِيعِ بِالسَّوِيَّةِ ذُكُورًا كَانُوا أَمْ إنَاثًا أَمْ ذُكُورًا وَ إِنَاثًا.

ثُمَّ إنْ كَفَاهُمْ أَوْ نَفَعَ كُلَّ وَاحِدٍ نَصِيبُهُ نَفْعًا مُعْتَدًّا بِهِ اقْتَسَمُوهُ وَ إِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ أَحَدُهُمْ لِقِلَّتِهِ وَ كَثْرَتِهِمْ، فَالْأَجْوَدُ الْقُرْعَةُ، لِاسْتِحَالَةِ التَّرْجِيحِ بِغَيْرِ مُرَجِّحٍ وَ التَّشْرِيكُ يُنَافِي الْغَرَضَ وَ لَوْ كَانَ نَصِيبُ بَعْضِهِمْ يَكْفِيهِ لِصِغَرِهِ وَ نَحْوِهِ وَ نَصِيبُ الْبَاقِينَ لَا يَنْفَعُهُمْ مُنْقَسِمًا، اُعْتُبِرَتْ الْقُرْعَةُ فِي

مَنْ عَدَا الْمُنْتَفِعِ.

(وَهُمْ) يَعْنِي الْآبَاءَ وَ الْأَوْلَادَ (أَوْلَي مِنْ آبَائِهِمْ وَ أَوْلَادِهِمْ) لِزِيَادَةِ الْقُرْبِ (وَ) هَكَذَا (كُلُّ طَبَقَةٍ أَوْلَي مِنْ الَّتِي بَعْدَهَا) وَ يَتَسَاوَي الْأَعْلَي وَ الْأَدْنَي مَعَ تَسَاوِي الدَّرَجَةِ كَالْأَجْدَادِ وَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَ هَكَذَا، كُلُّ ذَلِكَ (مَعَ الْقُصُورِ) أَمَّا مَعَ سَعَةِ مَالِهِ لِلْإِنْفَاقِ عَلَي الْجَمِيعِ فَيَجِبُ التَّعْمِيمُ (وَ لَوْ كَانَ لِلْعَاجِزِ أَبٌ وَ ابْنٌ قَادِرَانِ فَعَلَيْهِمَا) نَفَقَتُهُ (بِالسَّوِيَّةِ) لِتَسَاوِيهَا فِي الْمَرْتَبَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَ الْبِنْتُ كَالِابْنِ أَمَّا الْأُمُّ فَفِي مُسَاوَاتِهَا لِلْأَبِ فِي مُشَارَكَةِ الْوَلَدِ، أَوْ تَقْدِيمِهِ عَلَيْهَا وَجْهَانِ، مَأْخَذُهُمَا: اتِّحَادُ الرُّتْبَةِ وَ كَوْنُ الْوَلَدِ مُقَدَّمًا عَلَي الْجَدِّ الْمُقَدَّمِ عَلَيْهَا، فَيَكُونُ أَوْلَي بِالتَّقْدِيمِ فَإِنْ اجْتَمَعُوا فَعَلَي الْأَبِ وَ الْوَلَدَيْنِ خَاصَّةً بِالسَّوِيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأَبَ مُقَدَّمٌ عَلَي الْأُمِّ وَ أَمَّا الْأَوْلَادُ فَعَلَي أَصْلِ الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ مَعَ احْتِمَالِ تَقْدِيمِ الذُّكُورِ نَظَرًا إلَي الْخِطَابِ فِي الْأَمْرِ بِهَا بِصِيغَةِ الْمُذَكَّرِ.

(وَيُجْبِرُ الْحَاكِمُ الْمُمْتَنِعَ عَنْ الْإِنْفَاقِ) مَعَ و جوبهِ عَلَيْهِ (وَ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ) يَجِبُ صَرْفُهُ فِي الدَّيْنِ (بَاعَهُ الْحَاكِمُ) إنْ شَاءَ (وَأَنْفَقَ مِنْهُ).

وَفِي كَيْفِيَّةِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَبِيعَ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءًا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ.

وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَشُقُّ و لكن يَقْتَرِضُ عَلَيْهِ إلَي أَنْ يَجْتَمِعَ مَا يَسْهُلُ بَيْعُ الْعَقَارِ لَهُ وَ الْأَقْوَي: جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ.

وَلَوْ تَعَذَّرَا فَلَمْ يُوجَدْ رَاغِبٌ فِي شِرَاءِ الْجُزْءِ الْيَسِيرِ وَ لَا مُقْرِضٌ وَ لَا بَيْتُ مَالٍ يُقْتَرَضُ مِنْهُ جَازَ [لَهُ] بَيْعُ أَقَلَّ مَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ وَ إِنْ زَادَ عَنْ قَدْرِ نَفَقَةِ الْيَوْمِ، لِتَوَقُّفِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. (الثَّالِثُ الْمِلْكُ: وَ تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَي الرَّقِيقِ) ذَكَرًا وَ أُنْثَي وَ إِنْ كَانَ أَعْمَي وَ زَمِنًا (وَ الْبَهِيمَةِ) بِالْعَلَفِ وَ السَّقْيِ، حَيْثُ تَفْتَقِرُ إلَيْهِمَا وَ الْمَكَانِ مِنْ مُرَاحٍ وَ إِصْطَبْلٍ يَلِيقُ بِحَالِهَا وَ إِنْ

كَانَتْ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهَا أَوْ مُشْرِفَةً عَلَي التَّلَفِ و منها دُودُ الْقَزِّ، فَيَأْثَمُ بِالتَّقْصِيرِ فِي إيصَالِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَ وَضْعِهِ فِي مَكَان يَقْصُرُ عَنْ صَلَاحِيَّتِهِ لَهُ بِحَسَبِ الزَّمَانِ وَ مِثْلُهُ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْبَهِيمَةُ مُطْلَقًا مِنْ الْآلَاتِ حَيْثُ يَسْتَعْمِلُهَا أَوْ الْجُلِّ لِدَفْعِ الْبَرْدِ وَ غَيْرِهِ حَيْثُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ.

(وَ لَوْ كَانَ لِلرَّقِيقِ كَسْبٌ جَازَ لِلْمَوْلَي أَنْ يَكِلَهُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَفَاهُ) الْكَسْبُ بِجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ (اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَ إِلَّا يَكْفِيهِ أَتَمَّ لَهُ) قَدْرَ كِفَايَتِهِ و جوبا (وَيُرْجَعُ فِي جِنْسِ ذَلِكَ إلَي عَادَةِ مَمَالِيكِ أَمْثَالِ السَّيِّدِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ) بِحَسَبِ شَرَفِهِ وَ ضِعَتِهِ وَ اعْتِبَارِهِ وَ يَسَارِهِ وَ لَا يَكْفِي سَاتِرُ الْعَوْرَةِ فِي اللِّبَاسِ بِبِلَادِنَا وَ إِنْ اُكْتُفِيَ بِهِ فِي بِلَادِ الرَّقِيقِ وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ نَفَقَةِ السَّيِّدِ عَلَي نَفْسِهِ دُونَ الْغَالِبِ فِي نَفَقَةِ الرَّقِيقِ عَادَةً تَقْتِيرًا أَوْ بُخْلًا أَوْ رباضة.

وَفَوْقَهُ، فَلَيْسَ لَهُ الِاقْتِصَارُ بِهِ عَلَي نَفْسِهِ فِي الْأَوَّلِ وَ لَا عِبْرَةَ فِي الْكَمِّيَّةِ بِالْغَالِبِ بَلْ تَجِبُ الْكِفَايَةُ لَوْ كَانَ الْغَالِبُ أَقَلَّ مِنْهَا، كَمَا لَا يَجِبُ الزَّائِدُ لَوْ كَانَ فَوْقَهَا وَ إِنَّمَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَيْفِيَّةُ.

(وَيُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَي الْإِنْفَاقِ أَوْ الْبَيْعِ) مَعَ إمْكَانِهَا وَ إِلَّا أُجْبِرَ عَلَي الْمُمْكِنِ مِنْهُمَا خَاصَّةً وَ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ: الْإِجَارَةُ مَعَ شَرْطِ النَّفَقَةِ عَلَي الْمُسْتَأْجِرِ.

وَالْعِتْقُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَاعَهُ الْحَاكِمُ أَوْ آجَرَهُ وَ هَلْ يَبِيعُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا أَوْ يَسْتَدِينُ عَلَيْهِ إلَي أَنْ يَجْتَمِعَ شَيْءٌ فَيَبِيعَ مَا يَفِي بِهِ؟ الْوَجْهَانِ.

. (وَ لَا فَرْقَ) فِي الرَّقِيقِ (بَيْنَ الْقِنِّ) وَ أَصْلُهُ الَّذِي مُلِكَ هُوَ وَ أَبَوَاهُ وَ الْمُرَادُ هُنَا: الْمَمْلُوكُ الْخَالِصُ غَيْرُ الْمُتَشَبِّثِ بِالْحُرِّيَّةِ بِتَدْبِيرٍ وَ لَا كِتَابَةٍ وَ لَا اسْتِيلَادٍ (وَ الْمُدَبَّرِ وَ أُمِّ الْوَلَدِ) لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الْمَمْلُوكِيَّةِ وَ إِنْ تَشَبَّثَ

الْأَخِيرَانِ بِالْحُرِّيَّةِ وَ أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ وَ إِنْ كَانَ مَشْرُوطًا أَوْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا.

(وَ كَذَا يُجْبَرُ عَلَي الْإِنْفَاقِ عَلَي الْبَهِيمَةِ الْمَمْلُوكَةِ إلَّا أَنْ تَجْتَزِئَ بِالرَّعْيِ) وَ تَرِدَ الْمَاءَ بِنَفْسِهَا فَيَجْتَزِئَ بِهِ فَيَسْقُطَانِ عَنْهُ مَا دَامَ ذَلِكَ مُمْكِنًا (فَإِنْ امْتَنَعَ أُجْبِرَ عَلَي الْإِنْفَاقِ) عَلَيْهَا (أَوْ الْبَيْعِ أَوْ الذَّبْحِ إنْ كَانَتْ) الْبَهِيمَةُ (مَقْصُودَةً بِالذَّبْحِ) وَ إِلَّا أُجْبِرَ عَلَي الْبَيْعِ أَوْ الْإِنْفَاقِ صَوْنًا لَهَا عَنْ التَّلَفِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ نَابَ الْحَاكِمُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ عَلَي مَا يَرَاهُ وَ تَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَ إِنَّمَا يَتَخَيَّرُ مَعَ إمْكَانِ الْأَفْرَادِ وَ إِلَّا تَعَيَّنَ الْمُمْكِنُ مِنْهَا (وَ إِنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ وَ فَّرَ عَلَيْهِ مِنْ لَبَنِهَا مَا يَكْفِيهِ) و جوبا وَ حَلَبَ مَا يَفْضُلُ مِنْهُ خَاصَّةً (إلَّا أَنْ يَقُومَ بِكِفَايَتِهِ) مِنْ غَيْرِ اللَّبَنِ حَيْثُ يَكْتَفِي بِهِ وَ بَقِيَ مِنْ الْمَمْلُوكِ: مَا لَا رُوحَ فِيهِ كَالزَّرْعِ وَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا يَتْلَفُ بِتَرْكِ الْعَمَلِ وَ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي وجوب عَمَلِهِ.

فَفِي التَّحْرِيرِ: قُرْبُ الْوُجُوبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهِ.

وَفِي الْقَوَاعِدِ: قَطَعَ بِعَدَمِهِ لِأَنَّهُ تَنْمِيَةٌ لِلْمَالِ فَلَا تَجِبُ كَمَا لَا يَجِبُ تَمَلُّكُهُ وَ يُشْكَلُ بِأَنَّ تَرْكَ التَّمَلُّكِ لَا يَقْتَضِي الْإِضَاعَةَ بِخِلَافِ التَّنْمِيَةِ الَّتِي يُوجِبُ تَرْكُهَا فَوَاتَهُ رَأْسًا، أَمَّا عِمَارَةُ الْعَقَارِ فَلَا تَجِبُ، لَكِنْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ إذَا أَدَّي إلَي الْخَرَابِ.

بداية المعارف الالهيّة

الفصل الثالث: الامامه

1- عقديتنا في الامامة

1- عقديتنا في الامامة

نعتقد انّ الامامة اصل من اصول الدين لا يتم الايمان الا بالاعتقاد بها و لا يجوز فيه تقليد الآباء و الاهل و المربين مهما عظموا و كبروا بل يجب النظر فيها كما يجب النظر في التوحيد و النبوة.

و علي الاقل انّ الاعتقاد بفراغ ذمة المكلف من التكاليف الشرعية المفروضة عليه يتوقف علي الاعتقاد بها ايجابا او سلبا فاذا لم تكن

اصلا من الاصول لا يجوز فيها التقليد لكونها اصلا، فانه يجب الاعتقاد بها من هذه الجهة اي من جهة انّ فراغ ذمة المكلف من التكاليف المفروضة عليه قطعا من الله تعالي واجب عقلا و ليست كلّها معلومة من طريقة قطعية فلا بد من الرجوع فيها الي من نقطع بفراغ الذمة باتباعه اما الامام علي طريقة الامامية او غيره علي طريقة غيرهم.

كما نعتقد انّها كالنبوة لطف من الله تعالي فلا بد ان يكون في كل عصذ امام هاد يخلف النبي في وظائفه من هداية البشر و ارشادهم الي ما فيه الصلاح و السعادة في النشأتين و له ما للنبي من الولاية العامة علي الناس لتدبير شئؤنهم و مصالحهم و اقامة العدل بينهم و رفع الظلم و العدوان من بينهم.

و علي هذا فالإمامة استمرار للنبوّة و الدليل الذي يوجب إرسال الرسل و بعث الأ نبياء هو نفسه يوجب أيضا نصب الإمام بعد الرسول.

فلذلك نقول: إنّ الإمامة لا تكون إلا بالنصّ من الله تعالي علي لسان النبيّ أولسان الإمام الذي قبله و ليست هي بالاختيار و النتخاب من الناس، فليس لهم إذا شاؤوا أن ينصبوا أحدا نصبوه و إذا شاؤوا أن يعيّنوا إماما لهم عينوه و متي شاؤوا أن يتركوا تعيينه تركوه؛ ليصح لهم البقاء بلا إمام، بل من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية علي ما ثبت ذلك عن الرسول الأعظم بالحديث المستفيض.

وعليه لا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة منصوب من الله تعالي سواء أبي البشر

أم لم يأبوا و سواء ناصروه أم لم يناصروه، أطاعوه أم لم يطيعوه كان حاضرا أ م غائبا عن أعين الناس، إذ كما يصحّ

أن يغيب النبيّ كغيبته في الغار و الشعب، صحّ أن يغيب الإمام؛ و لا فرق في حكم العقل بين طول الغيبة و قصرها.

قال الله تعالي: «وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ » الرعد: 8

وقال:

«وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فيها نَذيرٌ » فاطر: 22

_____

(1) يقع الكلام في مقامات: المقام الأولّ: في معني الإمامة لغة: و هي بحسبها تقدّم شخص علي الناس بنحو يتبعونه و يقتدون به " فالإمام هو المقتدي به و المتقدمّ علي الناس. قال في المفردات: و الإمام المؤتم به إنسانا كان يقتدي بقوله أو فعله أو كتابا أوغير.

ذلك، محقا او مبطلا و جمعه ائمة، انتهي موضع الحاجة منه. و عن الصحاح: الامام الذي يقتدي به و جمعه ائمة و يشهد لع الاستعمال القراني كقوله عزوجل: «وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا» (1) و قوله تبارك و تعالي: «وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَي النَّارِ» (2). اذا الظاهر انه ليس مستعملا في هذه الموارد الا في معناه اللغوي. ثم ا ن الامام ان كان اماما في جهة خاصة يقيد بها و يقال:

انه امام الجماعة او امام الجمعة اوامام العسكر و نحوها وا لا اطلق و علم انه امام في جميع الجهات، كقوله تعالي في حق ابراهيم الخليل-عليه السلام -: «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً».

ومما ذكر يظهر ايضا ان الامام لغة اعم من الامام الاصل و غيره، كما انه اعم من الامام الحق و غيره و ان كان في بعض المقامات ظاهرا في الاصل فلا تغفل.

ثم ان النسبة بين الامام بالمعني المذكور و النبي - سواء كان بمعني المخبر عن الله تعالي بالانذار و التبشير كما هو الظاهر او بمعني تحمل النبا من جانب الله كما يظهر عن بعض

- هي العموم من وجه فيمكن ا جتماعهما في شخص واحد كما قد يجتمع عنوان الامام مع عنوان خليفة الرسول او وصي الرسول.

المقام الثاني: في معني الامامة

اصطلاحا: و لا يذهب عليك ان جمهور العامة فسروها بما اعتقدوه في الامامة من الخلافة الظاهرية و الامارة و قالوا: ان الامامة عند الاشاعرة هي خلافه الرسول في اقامة الدين و حفظ حوزة الملة بحيث يجب اتباعه علي كافة الامة نقلا عن الفضل بم روزبهان الاشعري المعروف. و من العلوم ان مراد هم منها هي الخلافة

________

1) الانبياء: 73

2) القصص 41 (3) البقرة: 124. (4) دلائل الصدق: ج 2 ص 4

________

2 الظاهرية التي هي اقامة غير النبي مكانه في اقانة العدل و حفظ المجتمع الاسلامي و لو لم ينصبه النبي- صلي الله عليه و اله - للخلافة باذنه تعالي و لذا حكي عن شرج المقاصد انه قال:

ان قيل الخلافة عن النبي - صلي الله عليه و اله- انما تكون فيما استخلفه النبي- صلي الله عليه و اله-، فلا يصدق التعريف علي امامة البيعة و نحوها، فضلا عن رياسة النائب العالم للامام.

قلنا: لو سمعتم فالاستخلاف اعم من ان يكون بواسطة او بدونها (1) و لذا لم يشترطوا فيها العصمة، بل لم يشترط بعضهم العدالة، كما قال شارح المقاصد علي المحكمي: ان من اسباب انعقاد الخلافة القهر و الغلبة، فمن تصدي لها بالقهر و الغلبة من دون بيعة الامة معه فالاظهر انعقاد الخلافة له و ان كان فاسقا (2) و نصب ذلك ايضا الي الحشوية و بعض المعتزلة (3)، كما لم يشترطوا فيها العلم الهي، بل اكتفو فيها بالاجتهاد و لو كان اجتهادا ناقصا قال الفضل بن روزبهان: و مستحقها ان يكون

مجتهدا في الاصول و الفروع ليقوم بامر الدين (4) و هذا علي ذهابهم الي عدم وجوب كون الامام افضل الامة (5)، بل جواز اشتباهه في الاحكام كما يشهد لذلك ما ورد عن عمر بن الخطاب انه قال مكررا: لولا علي لهلك عمر.

وكيف كان فمعني الامامة عند العامة هي الخلافة الظاهرية مع انها لو كانت واجدة لشرائطها لكانت شانا من شؤون الامامة عند الشيعة، فان الامامة عند الشيعة هي الخلافة الكلية الالهية التي من آثارها ولايتهم التشريعيه التي منها الامارة و الخلافة الظاهرية؛لان ارتقاء الامام الي المقامات الالهية

________

1) گوهر مراد ص 329

2) گوهر مراد: ص 329

3) اللوامع الاهية: ص 258-259.

4) دلائل الصدق: ج 2 ص 4 نقلا عن الفضل.

5) سرمايه ايمان: ص 116 الطبع الجديد.

________

3 المعنوية يوجب ان يكون زعيما سياسيا لادارة المجتمع الاسلامي اسضا فالامام هو الانسان الكامل العالم بجميع ما يحتاج اليه الناس في تعيين مصالحهم و مضارهم، الامين علي احكام الله تعالي و اسراره، المعصوم من الذنوب و الخطايا، المرتبط بالمبدا الاعلي، الصراط المستقيم، الحجة علي عباده، المفترض طاعته، اللائق لاقتداء العالم به و التبعية له، الحافظ لدين الله، المرجع العلمي لحل المعضلات و الاختلافات و تفسير المجملات، الزعيم السياسي و الاجتماعي، الهادي للنفوس الي درجاتها اللائقة بهم من الكمالات المعنوية، الوسيط في نيل الفيض من المبدا الاعلي الي الخلق و غير ذلك من شؤون الامامة التي تدل عليها البراهين العقلية و الادلة السمعية وستاتي الاشارة الي بعضها ان شاء الله تعالي.

وينقدح من ذلك ان ما ذكره جماعة من العلماء الامامية تبعا لعلماء العامة في تعريف الامامة من انها رياسة عامة في امور الدين و الدنيا ليس تعريفا جامعا لالامامة انما هو ان

تم شان من شؤون الامامة و لعل علماءنا ذكروه في قبال العامة من باب مماشاة و الا فمن العلوم ان هذا التعريف ليس الا تعريفا لبعض الشؤون التشريعية للامام و هو الزعامة السياسية و الاجتماعية و لا يشمل سائر المقامات المعنوية الثابتة للامام كما اشرنا اليهفي تعريف الامام و العجب من المحقق اللاهيجي- قدس سره - حيث ذهب الي تطبيق التعريف المذكور علي الامامة عند الشيعة مستدلا بان الرياسة في امور الدين لا يتحقق الابمعرفة الامور الدينية (1)، مع ان المعرفة بالامور الدينية اعم من العلم الالهي، مضافا الي خلوة عن اعتبار العصمة.

________

1) راجع گوهر مراد: ص 329.

________

4 و كيف كان فالامرسهل بعد ماعرفت من ماهية الامامةعند الشيعة، فالاختلاف بيننا و بين العامة ختلاف جوهري لا في بعض الشرائط؛ و لذلك قال الاستاذ الشهيد المطهري - قدس سره -: لزم علينا ان لا نخالط مسالة الامامة مع مسالة الحكومة و نقول: ان العامة ماذا تقول؟ بل مسالة الامامة مسالة اخري و مفهوم نظير مفهوم النبوة بما لها من درجاتها العالية و عليه فنحن معاشرالشيعة تقول بالامامة و العامة لاتقول بها اصلا، لا انهم قائلون بها و لكن اشترطوا فيها شرائط اخري. (1)

ثم لايخفي عليك ان الامامة بالمعني المختار و النبوة قد يجتمعمان كما في ابراهيم الخليل - عليه السلام - كما نص عليه في قوله بعد مضي مدة من الزمن لنبوته: «اني جاعل للناس اماما» (2) البقره 124.

بل في عدة اخري من الانبياء كما يشهد له قوله تعالي: «وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا» (3) انبياء 73 و لا سيما نبينا محمد - صلي الله عليه و آله - و قد يفترقان اذ بعض الانبياء كانو ياخذون

الوحي و يبلغونه الي الناس و اطاع عنهم من اطاع فيما بلغ اليهم و لكن مع ذلك لميكونوا نائلين مقام الامامة و اقتداء الخلق بهم و قيادة الناس و سوقهم نحو السعادة و الكمال، كما ان ائمتنا - عليهم السلام - كانوا نائلين مقام الامامة و لكن لم يكمنوا انبياء فالنسبة بين الامامة و النبوة عموم من وجه (4) راجع: امامت و رهبري: 28، شيعه در اسلام: ص 252. ثم ان المقصود من البحث الامامة حيث كان هو الامام الذي يكون خليفة عن النبي قيدت الامامة في التعابير بالنيابة عن النبي - صلي الله عليه و آله - كما يظهر من تعاريف القوم، بل اصحابنا و منهم العلامة - قدس سزه - حيث عرفوها بانها رياسة عامة في امور الدنيا و الدين لشخص من الاشخاص نيابةعن

________

1) امامت و رهبري: ص 163

5 النبي و عليه فيصدق علي كل واحد من ائمتنا عنوان الامام و عنوان خليفة الرسول او وصي الرسول، كما يصدق عليه عنوان خليفة الله ايضا و لا مانع من اجتماع هذه العناوين فيه كما لايختفي.

المقام الثالث: في شؤون الامامة و منزلتها

: و لا يخفي عليك ان الامام حيث كان خليفة الله في ارضه فليكن مظهر اسمائه و صفاته، كما انه يتصف بصفات النبي ايضا؛ لكونه خليفة له فان كان النبي معصوما فهو ايضا معصوم و ان كان النبي عالما بالكتاب و الاحكام و الاداب فهو ايضا عالم بهما و ان كان النبي عالما بالحكمة فهو ايضا عالم بها و ان كان النبي عالما بما كان و ما يكون فهو ايضا عالم به و هكذا فالامام يقوم مقام النبي في جميع صفاته عدا كونه نبيا.

و

بالجملة فالائمة هم ولاة امر الله و هداة من بعد النبي و تراجمة وحي الله و الحجج البالغة علي الخلق و خلفاء الله في ارضه و ابواب الله عز و جل التي يؤتي منها و … فهذه منزلة عظيمة لا ينالها الناس بعقولهم اوبارائهم.

ثم ان احسن رواية في تبيين هذه المنزلة هو ما نص عليه مولانا علي بن موسي الزضا - عليهما السلام- حيث قال:

ان الامامة اجل قدرا و اعظم شانا و اعلا مكانا و امنع جانبا و ابعد غورا من ان يبلغها الناس بعقولهم او ينالوها بارائهم او يقيموا اماما باختيارهم ان الامامة خص الله عز و جل بها ابراهيم الخليل - عليه السلام - بعد النبوة و الخلة مرتبة ثالثة و فضيلة شرفه بها و اشاد (1) اي رفع بهذه ذكره. بها ذكره فقال:

«اني جاعلك للناس اماما» فقال الخليل - عليه السلام - سرورا بها: «و من ذريتي» قال الله تبارك

6 و تعالي: «لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ » فابطلت هذه الاية امامة كل ظالم الي يوم القيامة و صارت في الصفوة ثم اكرمه الله تعالي بان جعلها في ذريته اهل الصفوة و الطهارة، فقال:

«وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلاًّ جَعَلْنا صالِحينَ وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدين (1) الانبياء: 72 فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتي ورثها الله تعالي النبي - صلي الله عليه و اله- فقال جل و تعالي: «إِنَّ أَوْلَي النَّاسِ بِإِبْراهيمَ لَلَّذينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنينَ » (2) ال عمران: 68

فكانت له خاصة فقلدها - صلي الله عليه و اله - عليا - عليه السلام - بامر الله تعالي علي رسم ما فرض الله، فصارت في ذريته الاصفياء الذين اتاهم الله العلم و الايمان بقوله تعالي: «وَ قالَ الَّذينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ في كِتابِ اللَّهِ إِلي يَوْمِ الْبَعْثِ » (3) الروم: 56 فهي في ولد علي -عليه السلام - خاصة الي يوم القيامة، اذا لا نبي بعد محمد -صلي الله عليه و اله - فمن اين يختار هؤلاء الجهال

ان الامامة هي منزلة الانبيائ و ارث الاوصياء، ان النمامة خلافة الله و خلافة الرسول و مقام امير المؤمنين - عليه السلام - و ميراث الحسن و الحسين - عليهما السلام - ان الامامة زمام الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عز المؤمنين، ان الامامة اس الاسلام النامي و فرعه السامي (4) اي العالي، بالامام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الجهاد و توفير الفيء و الصدقات و امضاء الحدود و الاحكام و منع الثغور و الاطراف، الامام يحل حلال الله و يحرم حرام الله و يقيم حدود الله و يذب عن دين الله و يدعو الي سبيل ربه بالحكمة

7 و الموعظة الحسنة و الحجة البالغة، الامام كالشمس الظالعة المجللة (1) بكسر اللام اي المحيطةبنورها للعالم و هي في الافق بحيث لاتنالها الايدي و الابصار، الامام البدر المنير و السراج الزاهر، (2) اي المضئ. و النور الساطع و النجم الهادي في غياهب الدجي، (3) الغياهب: جمع الغيهب و هوالظلمة الشديدة و الدجي جمع الدجية و هي الظلمة و عليه فالاضافة بيانية و قد يعبر عن الليل و عليه فليست

الاضافة بيانية. و اجواز (4) الاجواز: جمع الجوز و هو وسط كل شئ. البلدان و القفار، ولجج (5) اللجج: جمع اللجة و هي معظم الماء. البحار، الامام الماء العذب علي الظماء و الدال علي الهدي و المنجي من الردي، الامام النار علي اليفاع (6) اي ما ارتفع من الارض مثل الجبل، الحار لمن اصطلي به و الدليل في المهالك، من فارقه فهالك، الامام السحاب الماطر و الغيث الهاطل (7) اي المتتابع. و الشمس المضيئة و السماء الظليلة و الارض البسيطة و العين الغزيرة، (8) و الغديروالروضة، الامام الانيس الرفيق و الوالد الشفيق، (9) الذي لا يريد بك الا خيرا. و الاخ الشفيق، (10) الاخ من الاب و الام. الام البرة بالولد الصغير و مفزع العباد في الداهية الناد، (11) الداهية: الامر العظيم او المصيبة و النآد كسحاب الداهية و انما و صفت الداهية به للمبالغة في عظمتها و شدتها. الامام امين الله في خلقه و حجته علي عباده و خليفته في بلاده و الداعي الي الله و الذاب عن حرم الله، الامام المطهر من الذنوب و المبراء عن العيوب، المخصوص بالعلم، الموسم بالحلم، نظام الدين و عز

8 المسلمين و غيظ المنافقين و بوار الكافرين، الامام واحد دهره لايدانيه احد و لت يعا دله عالم و لا يوجد منه البدل و لا له مثل و لا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه و لا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام او يمكنه اختياره هيهات هيهات، ضلت العقول و تاهت الحلوم (1) اي ضلت الحلوم اي العقول. توحارت الالباب و خسئت العيون و تصاغرا العظماء و تحيرت الحكماء و

تقاصرت الحلماء و حصرت الخطباء و جهلت الالباء، وكلت الشعراء و عجزت الادباء و عييت (2) بكسر الياء الاولي اي عجزت. البلغاء عن وصف شان من شانه او فضيلة من فضائله و اقرت بالعجز و التقصير و كيف يوصف بكله، او ينعت بكنهه، او يفهم شئ من امره، او يوجد من يقوم مقامه و يغني غناه، لا كيف و اني و هو بحيث النجم من يد المتناولين و وصف الواصفين فاين الاختيار من هذا و اين العقول عن هذا و اين يوجد مثل هذا؟ - الي ان قال -: و القرآن يناديهم: «وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعالي عَمَّا يُشْرِكُونَ » (3) القصص: 68. - الي ان قال -: فكيف لهم باختيار الامام؟ و الامام عالم لا يجهل، وراع لاينكل (4) اي لا يمتنع و لايضعف و لايجبن. ، معدن القدس و الطهارة و النسك و الزهادة و العلم و العبادة، مخصوص بدعوة الرسول و نسل المطهرة البتول، لامغمز (5) المغمز: اسم مكان من المغمز اي الطعن و ياتي ايضا بمعني العيب. فيه في مست و لا يدانيه ذو حسب (6) الحسب الشرف بالاباء و ما يعدة الانسان من مفاخره. ، فالبيت من قريش و الذروة (7) بضم الذال اي اعلي الشيء. من هاشم

9 و العترة من الرسول - صلي الله عليه و اله - و الرضا من الله عز و جل، شرف الاشراف و الفرع (1) و الفرع من كل قوم هو الشريف منهم و الفرع من الرجل اول اولاده و هاشم اول ائلاد عبد مناف و اشرفهم. من عبد مناف نامي العلم، كامل الحلم،

مظطلع (2) اي قوي علي حمل اثقال الامامة. بالامامة عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بامر الله عز و جل، ناصح لعباد الله، حافظ لدن الله، ان الانبياء و الائمة - صلوات الله عليهم - يوفقهم الله و يؤتيهم من مخزون علمه و حكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق علمم اهل الزمان في قوله تعالي: «أَ فَمَنْ يَهْدي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدي فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ » (3) يونس: 35. -الي ان قال -: فهو معصوم مؤيد موفق مسدد، قد امنن من الخطايا و الزلل و العشار، يخصه الله بذلك، ليكون حجته (البالغة) علي علااده و شاهده علي خلقه «و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذوالفضل العظيم» فهل يقدرون علي مثل هذا فيختارونه؟ . او يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه … الحديث (4) الاصول من الكافي ك ج 1 ص 198

المقام الرابع: في انها اصل من اصول الدين او فرع من فروعه

: و قد عرفت مما ذكرنا ان الامامة هي الخلافة الابهية التي تكون متممة لوظائف النبي و ادامتها عدا الوحي، فكل وظيفة من وظائف الرسول من هدايه البشر و ارشادهم و سوقهم الي ما فيه الصلاح و السعادة في الدارين و تدبير شؤونهم و اقامة العدل و رفع الظلم و العدوان و حفظ الشرع و بيان الكتاب و رفع الاختلاف و تزكية الناس و تربيتهم و غير ذلك ثابتة للامام و عليه فما اوجب ادراج النبوة في اصول الدين اوجب ادراج الامامة بالمعني المذكور فيها و الا

10

فلا وجه لادراج النبوة فيها ايضا. قال في دلائل الصدق: و يشهد لكون الامامة من اصول الدين

ان منزلة الامام كالنبي في حفظ الشرع و وجوب اتباعه و الحاجة اليه و رياسته العامه بلا فرق و قد وافقنا علي انها اصل من اصول الدين جماعة من مخالفينا كالقاضي البيضاوي في مبحث الاخبار و جمع من شارحي كلامه، كما حكاه عنهم السيد السعيد رحمه الله. (1) دلائل الصدق: ج 2 ص 8.

نعم لو كانت الامامة بمعني خصوص الزعامة الاجتماعية و السياسة فالانصاف انها من فروع الدين كسائر الواجبات الشرعية من الصوم و الصلاة و غيرها، لا من اصولها، فما ذهب اليه جماعة من المخالفين من كون الامامة من اصول الدينمع ذهابهم الي ان الامامة بمعني الزعامة الاجتماعية و السياسية منظور فيه.

و اليه اشار الاستاذ الشهيد المطهري - قد س سره - حيث قال:

ان كانت مسالة الامامة في هذا الحد يعني الزعامة السياسية للمسلمين بعد النبي - صلي الله عليه و آله - فالانصاف انا معاشر الشيعة جعلنا الامامة من اجزاء فروع الدين لا اصوله و نقول: ان هذه المسالة مسالة فرعيه كالصلاة و لكن الشيعة التي تقول بالامامة لا يكتفون في معني الامامة بهذا الحد. (2) امامت و رهبري: ص 50-51.

ثم انه يمكن الاستدلال لذلك مضافا الي ما ذكر بقوله تعالي: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ » (3) المائدة: 67 فان الاية بعد كونها نازلة في الامام و الولاية عند اواخر حياة الرسول - صلي الله عليه و آله - دلت علي انها اصل من اصول الدين، اذا الامامة علي ما تدل عليه الاية المباركة امر لو لم يكن كان كان لم يكن شئ من الرسالة و النبوة، فهذه تنادي باعلي صوت

ان الامامة من الاجزاء الرئيسية الحياتية للرسالة و النبوة، فكيف لا تكون من اصول الدين و اساسه؟

11

و ايضا يمكن الاستدلال بقوله تعالي في سورة المائدة التي تكون اخر السورة نزلت علي النبي - صلي الله عليه و آله -: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً»

(1) [المائدة: 3]. فان الاية كما نصت عليه الروايات نزلت في الامامة و الولاية لعلي - عليه السلام - و يؤيده عدم صلاحية شئ آخر عند نزولها لهذا التاكيد فالاية جعلا الامامة مكملة للدين و متممة للنعمة، فما يكون من مكملات الدين و متمماته كيف لايكون من اصول الدين و اساسه؟

هذا مضافا الي النبوي المستفيض عن الفريقين انه قال رسول الله - صلي الله عليه و آله -: من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة الجاهلية،

(2) [موسوعة الامام المهدي: ص 9، دلائل الصدق: ج 2 ص 6، الغدير: ج 10 ص 359 - 360 و نحوه في مسند المام الكاظم: ج 2 ص 355 و غيرها من الجوامع. و هذا الحديث يدل ان معرفة الامام ان حصلت ثبت الدين و الا فلا دين له الا دين جاهلي].

و في خبر آخر عن رسول الله - صلي الله عليه و آله -: من مات و لم يعرف امام زمانه فليمت ان شاء يهوديا و ان شاء نصرانيا.

(3) [معرفت امام: ص 6 نقلا غن رساله المسائل الخمسون للفخر الرازي المطبوعة في ضمن كتاب مجموعة الرسائل بمصر سنة 1328 و هذا الحديث مذكور في ص 384]. و هو يدل ان معرفة الامامة ان حصلت صبت الاسلام و الا فلا اسلام له و كيف كان فاذا كان

مفاد الحديث ان معرفة الامامة من مقومات الدين او تلتسلام فكيف لا تكون داخلة في اصول الدين و اساسه؟

(4) [راجع دلائل الصدق: ج 2 ص 40]. هذا مع الغمض من الاحاديث الكثيرة

12

المروية في جوامعنا التي تؤيد هذا المضمون فراجع.

(1) [امامت و رهبري: ص 58 -63 و احقاق الحق: ج 2 ص 294-300].

و لقد افاد و اجاد المحقق اللاهيجي - قدس سره - بعد نقل كلام شارح المقاصد الذي قال:

ان مباحث الامامة اليق بعلم الفروع، حيث قال:

ان جمهور الامامية اعتقدوا بان الامامة من اصول الدين لانهم علموا ان بقاء الدين و الشريعة موقوف علي وجود الامام كما ان حدوث الشريعة موقوف علي وجود النبي فحاجة الدين الي الامام بمنزلة حاجته الي النبي.

(1) [گوهر مراد: ص 333. فاذا ثبت ان الامامة اصل من اصول الدين فاللازم فيه هو تحصيل العلم و لا يكفي فيه التقليد الذي لا يفيد الا الظن لما عرفت من ان احتمال الضرر لا يدفع بسلوك الطريق الظني كما لا يخفي].

ثم ان معني كون الامامة من الاصول هو وجوب الاعتقاد و التدين بوجود الامام المنصوب من الله تعالي في كل عصر بعد النبي و خاتميته، كما ان معني كونها من الفروع هو وجوب النصل احد للرياسة و الزعامة و الانقياد له، فيما اذا لم ينصبه بعد النبي - صلي الله عليه و آله - فيقع الكلام في كيفية النصب المذكور انه باختيار بعض آحاد الامة، او باختيار جميعهم، او باختيار اكثرهم، او غير ذلك؟

واما بناء علي كونها من الاصول فلا يبقي لهذا الكلام مجال، كما لا مجال له في وجود النبي كما لا يخفي، ثم ان الامامة - اذا كانت الامامة اصلا من اصول

الدين - يلزم من فقدها اختلال الدين و لمن مقتضي الادلة التعبدية هو كفاية الشهادتين في اجراء الاحكام الاسلامية في المجتمع الاسلاني، في ظاهر الحال و لا منافاة بينهما فلا تغفل.

(3) [راجع المكاسب المحرمة للشيخ الاعظم الانصاري: مسالة الغيبة ص 40 طبع تبريز].

13

لما ذكر يظهر وجه تسمية الامامة و العدل باصول المذهب فان معناه بعد ما عرفت من كفاية الشهادتين تعبدا في ترتيب احكام الاسلام ان انكارهما يوجب الخروج عن مذهب الامامية لا عن اجراء الاحكام الاسلامية.

المقام الخامس: في وجوب النظر في امامة ائمتنا - عليهم السلام -

وجوب النظر في امامة ائمتنا - عليهم السلام -

ولا ريب في ذلك بناء علي كونها اصلا من اصول الدين، فيجب النظر فيها عقلا كسائر آحاد اصول الدين بملاك واحد، كما مر في اول الشرح من وجوب دفع الضرر المحتل و وجوب شكر المنعم.

و اما بناء علي عدم كونها اصلا من اصول الدين كما ذهب اليه اكثر العامة فعلي الاقل تكون الامامة قابلة للنظر و البحث بعنوان المرجعية العلمية الالهية؛ لامكان تعيين اشخاص من ناحيته تعالي لبيان الاحكام و حفظها، فمع هذا الاحتمال يجب بحكم العقل الفحص و النظر فيه، فان ثبتت تلك المرجعية لاحاد من الامة فلا يعلم بفراغ الذمة من التكاليع الشرعية الا بمراجعتهم و اخذ الاحكام منهم؛ لانهم حجة في بيان الاحكام لا غيرهم، فالعقل يحكم بوجوب القطع بفراغ الذمة من التكاليف الشرعية دفعا للضرر المحتمل و هو لا يحصل الا بالرجوع إلي من نقطع بفراغ الذمة باتباعه، فالبحث و النظر عمن نكون مامورين باتباعه واجب عقلي.

ونحن ندعي و نعتقد ان الائمة الاثني عشر - عليهم السلام - بعد نبينا محمد - صلي الله عليه و

آله - هم خلفاءالله في ارضه و امناؤه علي احكامه، فلو لم تثبت ولايتهم المعنوية و زعامتهم السياسية و الاجتماعيه لاخواننا المسلمين، فلو لم يتفحصوا و لم ينظروا حتي ياخذوا باثارهم مع ان مرجعيتهم العلمية ثابتة بالروايات المتواتره بين الفريقين.

منها: الحديث المعروف بحديث الثقلين المجمع عليه بين الفريقين، المروي في الكتب المعتبرة عن النبي _ صلي الله عليه و اله - انه قال في مواضع متعددة

14

و حتي في الخطبة الاخيره منه: «ايها الناس، اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي اهل بيني فتمسكوا بهما لن تضلوا فان اللطيف الخبير اخبرني و عهد الي انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض»

(1) [راجع جامع احاديث الشيعة: ج 1 ص 29 الطبع الثاني نقلا عن ينابيع المودة ص 114 اسلامبول سنة 1301 و غيره. فكما ان القران بنص الحديث حجة بنفسها، كذلك العتره فآراؤهم و اقوالهم حجة بنفسها، فعلي اخواننا المسلمين الفحص و النظر عن المرجعية العلمية للائمة الاثني عشر التي اعتقد بها الشيعة و لا يجوز بحكم العقل عدم التوجه الي هذه المرجعيه علي الاقل، اذ مع احتمالها لا يكفي في الامتثال العمل بغير طريقة الائمة -عليهم السلام - كما لايخفي].

هذا مضافا اليان ائمتنا - عليهم السلام - هم الذين كانوا وارثين لعلم الرسول و مخزن علمه فعلي اخواننا المسلمين ان ياخذوا وظائهم الشرعية عن طريق ائمتنا - عليهم السلام - و لقد افاد و اجاد السيد المحقق المتتبع المرجع الديني آيه الله العظمي البروجردي - قدس سره - حيث قال في مقدمة جامع احاديث الشيعة - بعد نقل روايات تدل علي ان رسول الله - صلي الله عليه و آله - املي كل حلال و

حرام لعلي - عليه السلام - فكتبه بسدته و بقي عند الائمة- عليهم السلام -: و قد يظهر من هذه الاحاديث امور:

الا ول:

ان رسول الله - صلي الله عليه و آله - لم يترك الامة لعده سدي مهملة بلا امام هاد ئ بيان شاف، بل عين لهم ائمة هدا ة دعاة سادة قادة حفاظا؛ و بين لهم المعارف الالهية و الفرائض الدينية و السنن و الآداب و الحلال و الحرام و الحكم و الآ ثار و جميع ما يحتاج اليه الناس الي يوم القيامة حتي ارش الخدش و لم ياذن - صلي الله عليه و آله - لاحد ان يحكم او يفتي بالراي و النظر و القياس، لعدم كون موضوع من الموضوعات او امر من الامور خاليا عن الحكم الثابت له

15

من قبل الله الحيم الغليم، بل املي- صلي الله عليه و آله - جميع الشرائع و الااحكام علي الامام علي بن ابي طالب - عليه السلام - و امره بكتابه و حفظه ورده الي الائمة من ولده - عليهم السلام - فكتبه - عليه السلام - بخطه و اداه الي اهله.

و الثاني:

انه - صلي الله عليه و آله - املي هذه العلم علي علي ابن ابي طالب - عليه السلام - فقط و لم يطلع عليه في عصره - صلي الله عليه و آله - غيره احد و اوصي اليه ان يكون هذا الكتاب بعده عند الائمة الاحد عشر، فيجب علي الائمة كلهم ان ياخذوا علم الحلال و الحرام و جميع ما يحتاجون اليه في امر دينهم بعد رسول الله - صلي الله عليه و آله - من علي بن ابي طالب و الائمة من

ولده - عليهم السلام - فانهم موضع سر النبي - صلي الله عليه و آله - و خزان علمه و حفاظ دينه.

و الثالث:

ان الكتاب كان موجودا عند الائمة - عليهم السلام - و اراه الامامان ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب و ابنه ابو عبد الله جعفر بن محمد الصادق - عليه السلام - جماعة من اصحابنا الامامية و غيرهم من الجمهور، لحصول الاطمينان، او الاحتجاج علي ما كان يتفردان من الفتاوي من سائر الفقهاء و يقسمان بالله انه املاء رسول الله - صلي الله عليه و آله - و خط علي بن ابي طالب- عليه السلام .

و الرابع:

كون الكتاب معروفا عند الخاصة و العامة في عهد المامين - عليهما السلام - لانهما كثيرا ما يقولان في جواب استفتاآت الجمهور - كغيث بن ابراهيم. طلحة بن زيد و السكوني و سفيان بن عيينة و الحكم بن عتيبة و يحيي بن سعيد و امثالهم - ان في كتاب علي - عليه السلام - كذا و كذا في جواب المسائل الاصحاب كزارة و محمدبن مسلم و عبد الله بن سنان و ابي حمزة و ابن بكير و عنبسة بن بجاد العلبد و نظائرهم.

16

و الخامس:

ان ما عند الائمة - عليهم السلام - من علم الحلال و الحرام و الشرائع و الحكام نزل به جبرئيل -عليه السلام - و اخذوه من رسول الله - صلي الله عليه و آله - فتحرم عيل الامة مخالفتهم في الحكم و الفتوي اعتمادا علي الراي و القياس و الاجتهاد و يجب عليهم الاخذ باحاديثهم و فتاويهم، ورد ما يرد عن مخالفيهم؛ لان ما عندهم اوثق مما عند

غيرهم و معلوم ان ما ورد في كون احاديث الائمة الاثني عشر و علومهم - عليهم السلام - عن النبي - صلي الله عليه و آله - من طرق العامة و الخاصة قد تجاوزت حد التواتر، بل لايسعها المجلدات الضجام و لسنا بصدد استقصائها في هذا الكتاب (1) جامع احاديث الشيعة: ج 1 ص 11 الطبع الثاني. ، فما قاله ائمتنا - عليه السلام - قاله النبي - صلي الله عليه و آله - فيجب الاتباع عنهم كما يجب الاتباع عنهم كما يجب الاتباع عن النبي - صلي الله عليه و آله .

المقام السادس: في كون الامامة لطفا و رحمة و لا سترة فيه:

بعد ما عرفت من شؤون الامامة فان شؤون الامامة عين شؤون نبوة نبينا عدا الوحي، فكما ان النبوة لطف و رحمة كذلك الامامة.

قال الحكيم المتاله المولي محمد مهدي النراقي: ان رتبةالامامة قريب برتبة النبوة الا ان النبي مؤسس للتكاليف الشرعية بمعني انه جاء بالشيعة و الاحكام و الاوامر و النواهي من جانبه تعالي ابتداء و الامام يحفظها و يبقيها بعنوان النيابة عن النبي - صلي الله عليه و آله . (2) انيس الموحدين: ص 127.

ثم ان في الامامة كالنبوة مراتب من اللطف و الرحمة التي تقتضيها رحيميته تعالي و كماله المطلق، فاصل وجود الامام لطف فانه انيان كامل كما ان تصرفه في الناس بهدايتهم و ارشادهم الي ما فيه الصلاتح و السعادة و تدبير شؤونهم و مصالحهم و اقامة العدل و رفع الظلم و العدوان من بينهم و تزكيتهم

17

وحفظه الشريعة عن التحريف و الزيادة و النقصان و ازالة الشبهات و تفسير الكتاب و تبيين المشتبهات و غير ذلك الطاف اخر، التي يقتضيها

كماله المطلق و رحيميته المطلقة و من تلك المراتب الهداية الايصالية.

قال العلامة الطباطبائي - قدس سره-: ان الامام هاد يهدي بامر ملكوتي يصاحبه، فالامامة بحسب الباطن نحو ولاية للناس في اعمالهم و هدايتها ايصالها اياهم الي المطلوب بامر الله، دون مجرد ارائة الطريق الذي هو شان النبي و الرسول، (1) و لذا قال في ذيل قوله تعالي: « وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا » (2): ان الهداية المجعولة من شؤون الامامة ليست هي بمعني ارائة الطريق؛ لان الله سبحانه جعل ابراهيم اماما بعد ما جعله نبيا كما اوضحناه في تفسير قوله «اني جاعلك للناس اماما» فيما تقدم و لا تنفك النبوة عن الهداية بمعني ارائة الطريق، فلا يبقي للامامة الا الهداية بمعني الايصال الي المطلوب و هي نوع تصرف تكويني فيالنفوس بتسييرها في سير الكمال و نقلها من موقف معنوي الي موقف آخر. و اذا كانت تصرفا تكوينيا و عملا باطنيا فالمراد بالامر الذي تكون به الهداية ليس هو الامر التشريعي الاعتباري، بل ما يفسره في فوله: «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ ءٍ» (3) فهو الفيوضات المعنوية و المقامات الباطنية التي يهتدي اليها المؤمنون باعمالهم الصالحة و يتلبسون بها رحمة من ربهم و اذ كان الامام يهدي بالامر- و الباء للسببية او الآلة- فهو متلبس به اولا و منه ينتشز في الناس علي اختلاف مقاماتهم، فالامام هو الرابط بين الناس و بين ربهم في اعطاءالفيوضات الباطنية و اخذها، كما ان النبي رابط بين الناس و بين ربهم في اخذ الفيوضات

________

1) تفسير الميزان: ج 1 ص 275، شيعه در اسلام: ص 253 - 260.

2) الانبياء:

73.

3) يس: 82- 83.

18

الظاهرية و هي الشرايع الالهية تنزل بالوحي علي النبي و تنتشر منه و يتوسطه الي الناس و فيهم و الامام دليل هاد للنفوس الي مقاماتها كما ان النبي دليل يهدي الناس الي الاعتقادات الحقة و الاعمال الصالحة. (1) تفسير الميزان: ج 14 ص 333. ثم ان ما ذكره العلامة الطباطبائي - قدس سره - يكون في مقام الفرق بين الامام و النبي فلاينتفي ما اشرنا اليه من اجتماع وظائف النبي - صلي الله عليه و آله - عدا تلقي الوحي في الامام مع وظائفه، كما عرفت من ان ائمتنا- عليهم السلام - يقومون مقام النبي - صلي الله عليه و آله - في وظائفه و وعليه فلا تنحصر وظائفهم في الهداية المعنوية كما لا يخفي.

و كيف كان فالامامة كالنبوة لطف مضاعف فانها لطف في لطف من دون فرق بين كونه ممكنا او مقربا و اصلح و مما ذكر يظهر ما في اقتصارهم علي الزعامةالسياسية في مقام بيان اثبات كون الامامة لطفا كما في شرح الاعتقاد و شرح الباب الحادي عشر (2) راجع شرح التتجريد الاعتقاد: ص 362 الطبع الحديث، شرح الباب الحادي عشر: ص 40 الطبع الحديث. ، مع انها شان من شؤون الامامة و شطر منها، كما يهر ايضا مما ذكر، ما في اكتفاء بعسض آخر علي ذكر فائدة حفظ الشريعة الواصلة عن النبي - صلي الله عليه و آله - عن التحريف و التغيير في مقام بيان فوائد وجود الامام مع انه نوع من انواع اطف وجود الامام فلا تغفل.

المقام السابع: في لزوم الامامة:

في لزوم الامامة:

و قد عرفت ان الامامة بالمعني الذي لها عند الشيعة هي كالنبوة فكما ان النبوة

لطف و رحمة، كذلك الاكاكة فاذا ظهر كونها لطفا و المفروض انه لايقترن بمانع يمنع عنه، فهومقتضي علمه تعالي بالنظام الاحسن و اطلاق كماله و حكمته تعالي و عليه فيصدر عنه تعالي و الا لزم ان يكون جاهلا بالنظام الاحسن، او لزن عدم كونه تعالي كمالا مطلقا و حكيما،

19

و نو خلف في كونه عليما و رحيما و حكيما بتلتدلة و البراهين القطعية و اليه سؤول ما يقال في تقريب لزوم الامامة انها واجب في حكمته تعالي؛ لان المراد من الوجوب هو اللزوم و المقتضي كما مر مرارا، لاالوجوب عليه فالاولي هو التعبير بالاقتضاء و اللزوم كما غبر عنه الشيخ ابو علي سينا في الشفاء حيث فال في مقام اثبات النبوة بعد ذكر المنافع التي لا دخل لها في بقاء النوع الانساني، كاثبات الشعر في الحاجب و الاشفار: فلا يجوز ان يكون العناية الاولي تقتضي تلك المنافع و لا تقتضي هذه التي هي اسها (1) الهيات الشفاء: ص 557.

وهذا كله بناءعلي التقريب الفلسفي الذي ذهب اليه المصنف في اثبات النبوة و الامامة و حاصله: ان النبوة و الامامة كليهما مما يقتضيهما كما له المطلق و رحيميته المطلقة و الا لزم الخلف في كونه كمالا مطلقع كما لا يخفي و اما بناء علي التقريب الكلامي فتقريبه كالتقريب الذي مضي في النبوة و هو ان يقال:

ان ترك اللطف نقض الغرض؛ لان غرض الحكيم لايتعلق الا بالراجح و هو وجود الانسان الكامل و اعداد الناس و تقريبهم نحو الكمال و هو لا يحصل بدون الامام، فيجب عليه اللطف؛ لان ترك الراجح عن الحكيم المتعال قبيح بل محال، اذ مرجع الترجيح من غير مرجح الي الترجح من غير مرجع كما

لا يخفي.

وكيف كان فلا بد في كل عصر من وجود امام هو يكون انسانا كاملا هاديا للناس و الخواص، مقيما للعدل و القسط، رافعا للظلم و العدوان، حافظا للكتاب و الينة، رافعا للاختلاف و الشبهة، اسوة يتخلق بالاخلاق الحسنة حجة علي الجن و الانس و الا كما عرفت لزم الخلف في كمال ذاته و هو محال، او الاخلال بغرضه و هو قبيح عن الحكيم، بل هن ايضا محال كما عرفت، فاذا كان كل نوع من انواع لطف وجود الامام من اغراضه تعالي فلا وجه

20

لتخصيص نقض الغرض بنوع منها كما يظهر من بعض الكتب الكلامية، مع ان كل نوع منها راجح من دون اقتران مانع، فبترك كل واحد يوجب نقض الغرض و لعل الاكتفاء ببعض الانواع من باب المثال فافهم. فالاولي هو عدم التخصيص ببعض تلك الانواع و لعل اليه يؤول ما في متن تجريد الاعتقاد حيث قال:

الامام لطف فيجب نصبه علي الله تعالي تحصيلا للغرض (1) شرح تجريد الاعتقاد: ص 362 الطبع الحديث. .

ثم ان مقتضي كون وجود الامام كالنبي لطفا مضاعفا ان كل واحد من ابعاد وجوده و فوائده يكون كافيا في لزوم وجوده، فان طرا مانع عن تحقق بعضها كالتصرف الظاهري بين الناس يكفي الباقي في لزوم وجوده و بقائه.

و ينقدح مما ذكر ان ظهور الامام للناس لطف زائد علي وجوده الذي يقتضيه علمه تعالي بالنظام الاحسن و اطلاق كماله، فارشاده و تعليمه و تزكيته للناس لطف آخر و هكذا بقية الشؤون التي تكون للامام.

هذا مضافا الي ان ارشاده و تعليمه و تزكيته للجن ايضا لطف في حقهم فانهم مكلفون و محجوبون بالحجج الهية كما لا يخفي.

ثم بعد وضوح ان الامامة كالنبوة اتضح

لك انه امر فوق قدرة البشر، فلا تنالها يده و لا يمكن له تعيينها و اختيارها، بل تهي فعل من افعاله تعالي فيجعلها حيث يشاء و هو اعلم بمن يشاء و منه يظهر انه لامجال للبحث عن وجوب نصب الامام علي الناس وكيقيته، فان ذلك من فروع الامارة الظاهرية مع عدم تعيين الخليفة الالهية عن الله تعالي.

و اما مع تعيينها فلا مجال للبحث عنه اذ المعلوم ان الامارة له، كما انه لا بحث مع وجود النبي المرسل عن وجوب نصب الامير علي الناس؛ لان الامارة من شؤون النبي المرسل كما لا يخفي.

21

فاتضح ان الامام لزمان يكون متعينا بنصب الهي؛ و لذلك نص النبي - صلي الله عليه و آله - من جانب الله تعالي في مواضع متعددة علي امامة علي - عليه السلام - و اولاده الاحد عشر - عليهم السلام - كما تص كل امام علي من يليه من جانب النبي - صلي الله عليه و آله - و هذه النصوص متاترة جدا يشهد بوجودها الجوامع الروائية من العامة و الشيعة كاثبات الهداة للشيخ الحرالعاملي و البحار و اصول الكافي و منتخب الاثر و غاية المرام و عبقات الانوار و كتاب الغدير و غيرهما.

و ها هنا سؤال: و هو انه لا ريب في كون وجود الامام لطفا فيما اذا كان ظاهراومتصرفا في الامور و اما اذا لم يكن ظاهرا و لم يتمكن الناس من درك محضره، كالامام الثاني عشر - عليه السلام - في زمان غيبته، فمجرد وجوده كيف يكون لطفا في حق العباد؟

و الحئاب عنه ظاهر مما مر، من ان وجود الانسان الكامل في نظام العالم ممايقتضيه علمه تعالي بالنظام الاحسن و رحمته المطلقة

و اطلاق كماله و لا مانع منه، فيلزم وحوده و الا لزم الخلف في كونه كمالا مطلقا، فوجود الامام - الذي هو انسان كامل - لطف و تصرفه و ظهوره لطف آخر، فلا يضر فقد لطف من جهة المانع بوجود اللطف من جهة او جهات اخر؛ لان المفروض عدم وجود مانع من جهة اخري.

هذا مضافا الي ان ارشاد الامام و تصرفه لايختص بالانسان، بل يعم الجن ايضا؛ لانهم مكلفون و محجوجون بوجوده علي ان بعض الخواص كانوا يسترشدون بارشاده و عناياته في الغيبة الصغري بل الكبري ايضا، كما تشهد له التشرفات المكررة لبعض المكرمين من العباد. هذا مع الغمض عما يتصرف في النفوس من وراء الحجاب و الستار.

قال الحكيم المتاله المولي محمد مهدي النراقي في الجواب عن ذلك: ان ظهور

22

الامام الثاني عشر- ارواحنا فداه- و تصرفه فائدة من فوائد وجوده؛ لان فوائد وجوده كثيرة و ان كان غائبا،

الاول:

انهقد ورد في الحديث القدسي عنه تعالي انه قال: كُنْتُ كَنْزاً مَخْفِيّاً فَأَحْبَبْتُ أَنْ اعْرَفَ فَخَلَقْتُ الخَلْقَ لِاعْرَف (1) مصابيح الانوار: ج 2 ص 405.

فيعلم منه ان الباعث علي ايجاد الانسان هو المعرفة بالله تعالي، فليكن في كل وقت فرد بين آحاد الانسان يعرفه كما هو حقه و لا تحصل المعرفة كما هو حقه في غير النبي و الامام، فلابد من وجود الحجة في الارض حتي تحصل المعرفة به كما هو حقته بين الناس.

و الثاني:

ان مجرد وجوده لطف و فيض في حق الناس و لو لم يكن ظاهرا؛ لان وجوده باعث نزول البركات و الخيرات و مقتض لدفع البليات و الآفات و سبب لقلة سلطة الشياطين من الجن و الانس علي البلاد، فان آثار الشيطان كما وصلت الي

البشر دائما كذلك لزم ان تصل آثار رئيس الموحدين و هو الحجة الالهية اليهم، فوجود الحجة في مقابل الشيطان للمقاومة مع جنوده، فلو لم يكن للامام وجود في الارض صارت سلطة الشيطان ازيد من سلطة الاولياء، فلا يمكن للانسان المقاومة في مقابل جنود الشيطان.

و الثالث:

ان غيبة الامام الثاني عشر- ارواحنا فداه- تكون عن اكثرالناس، لاعن جميعهم؛ لوجود جمع يتشرفون بخدمته و ياخذون جواب الغوامض من المسائل و يهتدون بهدايته و ان لم يعرفوه. انتهي ملخص كلامه (2) انيس الموحدين: ص 132-134.

سؤال:

وهو ان الامام يجب وجوده لو لم يقم لطف آخر مقامه كعصمة جميع الناس.

و الجواب عنه واضح؛ لان المفروض عدم اقامة هذا اللطف و الا فلا

23

موجب لبعث الرسل و الانبياء ايضا كما لايخفي فوجود الامام كوجود النبي واجب فيما اذا لم يكن الناس معصومين كما هو المفروض.

سؤال:

وهو ان الامام يجب وجوده فينا اذا علم بخلوة عن المفسدة و حيث لا علم به فلا يكون وجود الامام واجبا و لا فائدة في دعوي عئم العلم بالمفسدة؛ لان احتمالها فادح في وجوب نصب الامام كما لا يخفي.

و اجاب عنه المخقق اللاهيجي - قدس سره -: بان الامورالمتعلقة بالامام علي قسمين: الدنيوية و الاخروية و من المعلوم ان مفسدة وجود الامام بالنسبة الي الامور الدينية معلومة الانتفاء، فان المفاسد الشرعية في الامور الدينية معلومة شرعا و لا يترتب شيء منها علي وجود الامام و هذا ضروري عند العارف بالمفاسد الشرعية، فلا يجوز ان لا تكون تلك المفايد معلومة لنا و الا لزم التكليف بالمجهول و هو كما تري.

وايضا من الواضح ان تصب الامام بالنسبة الي الامور الدنيوية لا مفسدة فيه اذ الامور الدنيوية راجعة الي مصالح العباد. مفاسدهم

في حياتهم الدنيوية. حفظ النوع و الاخلال به و هي معلومة لكافة العقلاء و لا يترتب من وجود الامام شيء من المفاسد فيها، بل العقل جازم بان لا يمكن سد مفاسد امور المعاش الا بوحود سلطان قاهر عادل.

فاذا عرفت ذلك فنقول بطريق الشكل الاول نصب الامام عن الله تعالي لطف خال عن المفايد؛ و كل لطف خال عن المفاسد واجب علي الله تعالي، فنصب الامام واجب عليه تعالي و هو المطلوب (1) سرمايه ايمان: ص 108 و شرح تجريد الاعتقاد: ص 362 الطبع الحديث. . و الي ما ذكر من الشبهة و الاجوبة عنها يشير قول المحقق الطوسي- في متن تجريد الاعتقاد-: و المفاسد

24

معلومة الانتفاء و انحصار اللطف فيه معلوم لعقلاء و وجوده لطف و تصرفه لطف آخر و عدمه منا (1) و بالجملة لاشبهة في الصغري في المقام، كما لا شبهة فيكبري لزوم اللطف فيما اذا كان خاليا عن الموانع و المفاسد و اما ما يتراءي من بعص الشبهات حول قاعدة اللطف في بعض المقامات كاستكشاف راي المعصوم عقلا بفاعدة اللطف من الاجماع كما ذهب اليه الشيخ الطوسي - قدس سره - فهو من ناحيةالصغري لا من ناحيةالكبري و قد اشار اليه المصنف - قدس سره - في اثول الفقه فراجع (2) اصول الفقه: ج 2 ص 108. .

هذا كله بحسب الادلة العقلية و اما الادلة السمعية التي تدل علي لزووجود الامام للناس فكثيرة جدا و لا باس بالاشارة الي جملةمنها.

فمن الايات: قوله تعالي: «وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ

ما لا تَعْلَمُونَ » (3) البقرة: 30. بتقريب: ان الخليفة حيث لم تكن مقيدة بالاضافة الي مخلوق معين مما يؤكد ان الانسان خليفة الجاعل لاغيره، كما هو الظاهر من نظيره كقول رئيس الدولة: اني جاعل في هيئة الدولةخليفة، فان العرف يفهمون منه ان المقصود هو خليفة نفسه لاغيره.

هذا مضافا الي ان المقام الذي كان مطلوبا للملائكة هو مقام الخلافة الالهية لامقام خلافتهم عن الماضين من المخلوقات الارضية فالمراد هو جعل الانسان خليفة له تعالي.

وحيث لم يذكر جهة الخلافة، كانت الخلافة ظاهرة في كون الانسان خليفة له في مختلف الشؤون و كافة الامور، كما ان عدم ذكر ما استتخلف عليه

________

1) شرح تجريد الاعتقاد: ص 362 الطبع الحديث.

25

الخليفة يدل علي عموم ذلك، فيكون الانسان خليفة له في جميع الشؤون و كافة الامور علي جميع ما استخلف عليه الخليفة، فلا تختص خلافته ببعض دون بعض، بل هو خليفة عليهم جميعا و لذلك لزم ان يكون خليفة الله تعالي عالما بجميع صفات المستخلف و شؤون ما يستخلفه عليه، كما يجب ان تكون له القدرة الضرورية للتصرف في الامور (1) و هو الانسان الكامل الذي يكون خليفة الله تعالي في خلقه.

ثم ان هذا الانسان الذي يكون كذلك لايكون جميع آحاده، ضرورة ان هذه الخصائص ليست لجميعهم، فالمراد منه بعض الآْحاد منه و هو الاوحدي من هذا النوع و لكن مقتضي تعبيره باني جاعل في الارض خليفة و لم يقل سوف اجعل او جعلت هو استمرار هذا الجعل في امد الزمان من اول خلقة آدم الي يوم القيامة فاول فرد من افراد الانسان يكون كذلك، وا لا لم يكن هوجاعلا في الارض خليفة و يدوم ذلك كذلك الي آخر الزمن، كما

يشهد له موثقة اسحاق بن عمار المروية في الكافي حيث قال:

قلت لابيالحسن الا ول: الا تدلني علي من آخذ عنه ديني؟ فقال:

هذا علي، ان ابي اخذ بيدي فادخلني الي قبر رسول الله - صلي الله عليه و آله - فقال:

يا بني ان الله عزوجل قال:

اني جاعل في الارض خليفة و ان الله عزوجل اذا فال قولا و في به (2) تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 49 نقلا عن الكافي. . فوجود الانسان الكامل الذي يكون خليفة الله تعالي لا يختص بزمان دون زمان.

و قوله تعالي: «وَ إِذِ ابْتَلي إِبْراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ » (3) البقرة: 124. بتقريب: ان

________

1) راجع الامامة و الولاية: ص 13-19، امامت و رهبري: ص 188، تفسير الميزان: ج 1 ص 115-122.

26

الامامة في ابراهيم غير النبوة، كما يشهدا تاخرجعلها عنها فان جعله اماما بعد الابتلاء بالكلمات و من ابتلاءآته ذبح اسماعيل، مع انه لم يولد له ولد الا في حال شيخوخيته و في هذا الحال قد مضت من نبوته سنوات متعددة، فجعل الامامة بعد جعل النبوة ثم سالها ابراهيم - عليه السلام - لذريته فاجيب بان هذا المقام لا يناله الظالمون منهم، فالامامة منزلة بلوغ الانسان الي غاية مقامات الانسانية بحيث يليق لان يكون مقتدي لمن سواه من المخلوقين و يمكن له ان يهديهم بهدايته الايصالية محو سعادتهم في الدارين. مضافا الي هدايتهم بالهدالية الارشادية، كما قال العلامة الطباطبائي - قدس سره - من ان الامام وظيفته هداية الناسفي ملكوت اعمالهم بمعني سوقهم الي الله سبحانه بارشادهم و ايرادهم درجات القربكم الله سبحانه و انزال كل ذي

عمل منزله الذي يستدعيه عمله (1) تفسير الميزان: ج 18 ص 111. .

ثم ان سؤال ابراهيم هذا المقام لذريته شاهد علي عظمة هذالمقام و جواب الله تعالي عن محرومية بعض ذريته عنه بكونها عهد الله و هو لايناله الظالمين ايضا شاهد علي عظمة تلك المنزلة، كما ان هذا الجواب ظاهر في بقاء هذا المقام في ذريته حيث اخرج من ذريته جميع الظالمين فقط و بقي الباقي تحت الاجابة كما لا يخفي، فالاية تدل علي بقاءالامامة في نسله اجمالا، كما يؤيد من جاء في الرواية من ان المراد من قوله تعالي: «وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً في عَقِبِهِ » (2) الزخرف: 28. هو بقاء الامامة في نسل ابراهيم الي يوم القيامة مستشهدا بالآية المذكورة.

منها ما عن عبي بصير قال:

«سالت ابا عبدالله - عليه السلام - عن قول الله

27

عزّوجلّ: «وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً في عَقِبِهِ » (1). قال:

هي: الإمامة جعلها الله عزّوجلّ في عقب الحسين عليه السلام باقية إلي يوم القيامة» (2). ذهب بعض المفسرين إلي أنّ الضمير في قوله:

«وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً » راجع إلي معني كلمة التوحيد المستفاد من قوله تعالي: « وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِين و لكن قال في تفسير الميزان: ان التأمّل في الروايات يعطي أنّ بناءها علي إرجاع الضمير في قوله:

«جعلها» إلي الهداية المفهومة من قوله:

«سيهدين» و قد تقدم في تفسير قوله تعالي: «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً » أنّ الإمام وظيفته هداية الناس في ملكوت أعمالهم، بمعني سوقهم إلي الله سبحانه بإرشادهم و إيرادهم درجات القرب من الله سبحانه و انزال كلّ ذي عمل منزله الّذي يستدعيه عمله و حقيقة الهداية

من الله سبحانه و تنسب إليه بالتبع أو بالعرض و فعليّة الهداية النازلة من الله إلي الناس تشمله أولاً، ثم تفيض منه إلي غيره، فله أتمّ الهداية و لغيره ما هي دونها و ما ذكره إبراهيم عليه السلام في قوله:

«فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ » هداية مطلقة تقبل الانطباق علي أتمّ مراتب الهداية الّتي هي حظ الإمام منها، فهي الإمامة و جعلها كلمة باقية في عقبه جعل الإمامة كذلك (3)، إلي غير ذلك من الآيات الكريمات.

و أما الروايات فمتواترة و هي علي طوائف، فمنها: ما يدلّ علي أنّ الأئمة إثنا عشر إلي يوم القيامة، كما عن صحيح مسلم عن النبيّ صلّي الله عليه و آله عن جابر قال:

سمعت رسول الله صلّي الله عليه و آله يقول:

لا يزال الدين قائماً حتي تقوم الساعة و يكون عليهم إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش و عن

________

1) الزخرف: 28.

2) تفسير نورالثقلين: ج 4 ص 597 نقلاً عن معاني الأخبار.

3) تفسير الميزان: ج 18 ص 111.

28

صحيح مسلم أيضاً عن جابر أيضاً أنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّي يمضي فيهم إثناعشر خليفة و عن صحيح مسلم أيضاً عن عبدالله قال:

قال رسول الله صلّي الله عليه و آله :

لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس إثنان و عن مسند أحمد بن حنبل عن مسروق قال:

كنا جلوساً عند عبدالله بن مسعود و هو يقرأنا القرآن فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمان هل سألتم رسول الله صلّي الله عليه و آله كم يملك هذه الأمة من خلفة؟ عبدالله: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال:

نعم و لقد سألنا رسول الله صلّي الله عليه و آله فقال إثنا عشر كعدة نقباء بني

اسرائيل و رواه ابن حجر في الصواعق و حسّنه. و رواه البحراني بطرق عديدة من العامّة و الخاصّة (راجع الباب العاشر و الحادي عشر من غاية المرام).

قال العلامة الحلّي قدّس سرّه : و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصي (1) و كيف كان فالمراد من هذه الروايات حصر الإمامة الشرعية في إثني عشر من قريش مادام الناس لا السلطة الظاهرية، ضرورة حصولها لغير قريش في أكثر الأوقات، فيكون قرينة علي أنّ المراد منها حصر الخلفاء الشرعيين في إثني عشر إلي يوم القيامة، كما أنّ الخبر الأخير دالّ علي أنّهم خلفاء بالنصّ؛ لقوله صلّي الله عليه و آله (2) كعدة نقباء بني إسرائيل فإنّ نقباءهم خلفاء بالنصّ لقوله تعالي: «وَ لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً» (3) و بالجملة هذه النصوص تدلّ علي عدم خلوّ الاُمة الإسلامية عن الإمام إلي يوم القيامة و صرّح بأنّهم اثناعشر.

و منها: ما تدل علي أنّه لا تخلو الأرض عن الحجّة كما رواه في الكافي عن

________

1) راجع دلائل الصدق: ج 2 ص 314 316.

2) راجع امامت و رهبري: ص 163 169.

3) المائدة: 12.

29 الحسين بن أبي العلاء قال:

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع تَكُونُ الْأَرْضُ لَيْسَ فِيهَا إِمَامٌ قَالَ لَا قُلْتُ يَكُونُ إِمَامَانِ قَالَ لَا إِلَّا وَ أَحَدُهُمَا صَامِت

و عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو إِلَّا وَ فِيهَا عَالِمٌ كَيْمَا إِنْ زَادَ الْمُؤْمِنُونَ شَيْئاً رَدَّهُمْ وَ إِنْ نَقَصُوا شَيْئاً أَتَمَّهُ لَهُم

و عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَمَّنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قال: اللَّهُمَّ إِنَّكَ لَا تُخْلِي أَرْضَكَ

مِنْ حُجَّةٍ لَكَ عَلَي خَلْقِك

و عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ قَالَ وَ اللَّهِ مَا تَرَكَ اللَّهُ أَرْضاً مُنْذُ قَبَضَ آدَمَ ع إِلَّا وَ فِيهَا إِمَامٌ يُهْتَدَي بِهِ إِلَي اللَّهِ وَ هُوَ حُجَّتُهُ عَلَي عِبَادِهِ وَ لَا تَبْقَي الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ حُجَّةٍ لِلَّهِ عَلَي عِبَادِه

و عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَ تَبْقَي الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ لَوْ بَقِيَتِ الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ لَسَاخَت

و عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا اثْنَانِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْحُجَّةَ إلي غير ذلك من الروايات الكثيرة (1).

فهذه الروايات واضحة الدلالة علي أنّ الأرض لا تخلو عن حجّة الله علي خلقه من لدن خلقه آدم إلي يوم القيامة.

و منها: الروايات الدالّة علي أنّ ائمتنا لولا هم لما خلق الخلق، كما رواه في غاية المرام عن طرق الخاصة عن جعفر بن محمّد عليهما السلام في ضمن حديث:

أَنَّ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا كَانَا نُوراً بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عزّوجلّ قَبْلَ خَلْقِ الْخَلْقِ بِأَلْفَيْ عَامٍ وَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ النُّورَ، رَأَتْ لَهُ أَصْلًا قَدِ

30

انْشَعَبَ مِنْهُ شُعَاعٌ لَامِعٌ فَقَالَتْ: إِلَهَنَا وَ سَيِّدَنَا مَا هَذَا النُّورُ؟

فَأَوْحَي اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِمْ هَذَا نُورٌ مِنْ نُورِي، أَصْلُهُ نُبُوَّةٌ وَ فَرْعُهُ إِمَامَةٌ:

أَمَّا النُّبُوَّةُ فَلِمُحَمَّدٍ عَبْدِي وَ رَسُولِي.

وَ أَمَّا الْإِمَامَةُ فَلِعَلِيٍّ حُجَّتِي وَ وَلِيِّي وَ لَوْلَاهُمَا مَا خَلَقْتُ خَلْقِي.

و منها: الروايات الدالّة علي أنّ ائمتنا عليه السلام لولاهم لما عُرف الله و لماعُبد، كما رواه في غاية المرام عن طرق الخاصة عن موسي بن جعفر عليهما السلام في ضمن حديث قال:

إن الله تبارك و تعالي خَلَقَ نُورَ مُحَمَّدٍ من نور

اخترعه من نور عظمته و جلاله إلي أن قال : قسّم ذلك النور شطرين فخلق من الشطر الأوّل محمَّداً و من الشطر الآخر علي بن أبي طالب و لم يخلق من ذلك النور غيرهما، إلي أن قال : ثم اقتبس من نور محمّد فاطمة ابنته، كما اقتبس نور (1) من نور و اقتبس من نور فاطمة و علي و الحسن و الحسين كاقتباس المصابيح، هم خلقوا من الأنوار و انتقلوا من ظهر إلي ظهر و من صلب إلي صلب و من رحم إلي رحم، في الطبقة العليا، من غير نجاسة، بل نقلاً بعد نقل إلي أن قال : بل أنوار انتقلوا من أصلاب الطاهرين إلي أرحام المطهرات؛ لأنّهم صفوة الصفوة، اصطفاهم لنفسه و جعلهم خزان علمه و بلغاء عنه إلي خلقه، أقامهم مقام نفسه؛ لأنه لا يري و لا يدرك و لا تعرف كيفية انيته، فهؤلاء الناطقون المبلغون عنه المتصرفون في أمره و نهيه، فيهم يظهر قوّته و منهم تري آياته و معجزاته و بهم و منهم عرف عباده نفسه و بهم يطاع أمره و لو لا هم ما عرف الله و لا يدري كيف يُعبد الرحمان، فالله يجري أمره كيف يشاء فيما يشاء لا يُسأل عما يفعل و هم يسألون.

و منها: الروايات الدالّة علي ثبوت الأمرين المذكورين للأئمة عليهم السلام

________

1) و لعل الصحيح نوره فالمراد هو اقتباس نور محمّد صلّي الله عليه و آله من نور عظمة الله سبحانه و تعالي.

31

كما رواه في غاية المرام عن علي بن موسي الرضا عليه السلام عن آبائه عن رسول الله صلّي الله عليه و آله أنه قال: مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً أَفْضَلَ مِنِّي وَ لَا أَكْرَمَ عَلَيْهِ

مِنِّي

قَالَ عَلِيٌّ ع فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَنْتَ أَفْضَلُ أَمْ جَبْرَئِيلُ؟

فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي فَضَّلَ أَنْبِيَاءَهُ الْمُرْسَلِينَ عَلَي مَلَائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ وَ فَضَّلَنِي عَلَي جَمِيعِ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ وَ الْفَضْلُ بَعْدِي لَكَ يَا عَلِيُّ وَ لِلْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِكَ وَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَخُدَّامُنَا وَ خُدَّامُ مُحِبِّينَا يَا عَلِيُّ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ... وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا

بِوَلَايَتِنَا يَا عَلِيُّ لَوْ لَا نَحْنُ مَا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَ لَا حَوَّاءَ وَ لَا الْجَنَّةَ وَ لَا النَّارَ وَ لَا السَّمَاءَ وَ لَا الْأَرْضَ فَكَيْفَ لَا نَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ قَدْ سَبَقْنَاهُمْ إِلَي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَ تَسْبِيحِهِ وَ تَهْلِيلِهِ وَ تَقْدِيسِهِ لِأَنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خَلْقُ أَرْوَاحِنَا فَأَنْطَقَنَا بِتَوْحِيدِهِ وَ تَحْمِيدِهِ ثُمَّ خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ فَلَمَّا شَاهَدُوا أَرْوَاحَنَا نُوراً وَاحِداً اسْتَعْظَمُوا أَمْرَنَا فَسَبَّحْنَا لِتَعْلَمَ الْمَلَائِكَةُ أَنَّا خَلْقٌ مَخْلُوقُونَ وَ أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِنَا فَسَبَّحَتِ الْمَلَائِكَةُ بِتَسْبِيحِنَا وَ نَزَّهَتْهُ عَنْ صِفَاتِنَا فَلَمَّا شَاهَدُوا عِظَمَ شَأْنِنَا هَلَّلْنَا لِتَعْلَمَ الْمَلَائِكَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّا عَبِيدٌ وَ لَسْنَا بِآلِهَةٍ يَجِبُ أَنْ نُعْبَدَ مَعَهُ أَوْ دُونَهُ فَقَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَلَمَّا شَاهَدُوا كِبَرَ مَحَلِّنَا كَبَّرْنَا لِتَعْلَمَ الْمَلَائِكَةُ أَنَّ اللَّهَ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُنَالَ وَ أَنَّهُ عَظِيمُ الْمَحَلِّ إِلَّا بِهِ فَلَمَّا شَاهَدُوا مَا جَعَلَه

مَا جَعَلَ اللَّهُ لَنَا مِنَ الْعِزَّةِ وَ الْقُوَّةِ قُلْنَا لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ لِتَعْلَمَ الْمَلَائِكَةُ أَنْ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَلَمَّا شَاهَدُوا مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْنَا وَ أَوْجَبَهُ لَنَا مِنْ فَرْضِ الطَّاعَةِ قُلْنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ لِتَعْلَمَ الْمَلَائِكَةُ مَا

يَحِقُّ اللَّهُ تَعَالَي ذِكْرُهُ عَلَيْنَا مِنَ الْحَمْدِ عَلَي نِعَمِهِ فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَبِنَا اهْتَدَوْا إِلَي مَعْرِفَةِ تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَي وَ تَسْبِيحِهِ وَ تَهْلِيلِهِ وَ تَحْمِيدِهِ

…إلي أن قال :

لَمَّا عُرِجَ بِي إِلَي السَّمَاءِ

…إلي أن قال :

فَنُودِيتُ يَا مُحَمَّد

إِنَّ أَوْصِيَاءَكَ الْمَكْتُوبُونَ عَلَي سَاقِ الْعَرْشِ فَنَظَرْتُ وَ أَنَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي جلّ و جلاله إِلَي سَاقِ الْعَرْشِ فَرَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ نُوراً فِي كُلِّ نُورٍ سَطْرٌ

32

أَخْضَرُ عَلَيْهِ اسْمُ وَصِيٍّ مِنْ أَوْصِيَائِي أَوَّلُهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ آخِرُهُمْ مَهْدِيُّ أُمَّتِي فَقُلْتُ يَا رَبِّ هَؤُلَاءِ أَوْصِيَائِي مِنْ بَعْدِي فَنُودِيتُ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ أَوْلِيَائِي وَ أَحِبَّائِي وَ أَصْفِيَائِي وَ حُجَجِي بَعْدَكَ عَلَي بَرِيَّتِي وَ هُمْ أَوْصِيَاؤُك

وَ خُلَفَاؤُكَ وَ خَيْرُ خَلْقِي بَعْدَكَ وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي لَأُظْهِرَنَّ بِهِمْ دِينِي وَ لَأُعْلِيَنَّ بِهِمْ كَلِمَتِي وَ لَأُطَهِّرَنَّ الْأَرْضَ بِآخِرِهِمْ مِنْ أَعْدَائِي وَ لَأُمَكِّنَنَّهُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا وَ لَأُسَخِّرَنَّ لَهُ الرِّيَاحَ وَ لَأُذَلِّلَنَّ لَهُ السَّحَابَ الصِّعَابَ وَ لَأَرْقِيَنَّهُ فِي الْأَسْبَابِ وَ لَأَنْصُرَنَّهُ بِجُنْدِي وَ لَأَمُدَّنَّهُ بِمَلَائِكَتِي حَتَّي تَعْلُوَ دَعْوَتِي وَ يَجْتَمِعَ الْخَلْقُ عَلَي تَوْحِيدِي ثُمَّ لَأُدِيمَنَّ مُلْكَهُ وَ لَأُدَاوِلَنَّ الْأَيَّامَ بَيْنَ أَوْلِيَائِي إِلَي يَوْمِ الْقِيَامَة(1) و غير ذلك من طوائف الأخبار فراجع جوامع الأخبار.

________

1) غاية المرام: ج 1 ص 26 الطبع الثاني.

2 عقيدتنا في عصمة الإمام

2 عقيدتنا في عصمة الإمام

و نعتقد أنّ الإمام كالنبيّ يجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل و الفواحش ما ظهر منها و ما بطن من سن الطفولية إلي الموت عمداً و سهواً، كما يجب أن يكون معصوماً من السهو و الخطأ و النسيان؛ لأنّ الأئمة حفظة الشرع و القوامون عليه، حالهم في ذلك حال النبيّ صلّي الله عليه و آله و الدليل الذي اقتضانا أن نعتقد بعصمة الأنبياء هو نفسه يقتضينا

أن نعتقد بعصمة الأئمة بلا فرق.

ليس علي اللهبمستنكر أن يجمع العالم في واحد (1) و لا يخفي عليك أن طريقة المصنف لأثبات عصمة الإمام أحسن طريقة، بعد ما عرفت من حقيقة الإمامة و شؤونها، فإنّ الإمام كالنبيّ إلاّ في تلقي الوحي بعد اختصاصه بالنبي و مقتضي كونه كالنبيّ هو لزوم عصمة إذ بدونها لا يتمكن الإمام من القيام مقام النبي و العمل بوظائفه من هداية الناس إلي المصالح الواقعية و تزكية الناس و تربيتهم علي الكمال اللائق بهم و حفظ الشرع عن التحريف و الزيادة و النقصان واقعاً و غير ذلك، فالدليل الذي يدل علي لزوم وجود الإمام هو الذي يدل علي لزوم عصمة إذ بدونها لا يتمكن

34

من العمل بوظائفه و يكون وجوده كالعدم.

و لقد أفاد و أجاد المحقق اللاهيجي حيث قال:

و الحق وجوب العصمة لأنّه كما أن وجود الإمام لطف كذلك تكون العصمة لطفاً، بل لطفيّة وجوده لا تتحقق بدون العصمة (1).

و هكذا المحقق القمّي قدّس سرّه حيث قال:

و الإمام عند الإمامية يجب أن يكون معصوماً بالأدلة التي مرّت في عصمة النبي (2) و عليه فلا حاجة في إثبات العصمة في الإمام إلي إطالة الكلام بمثل ما أشار إليه المحقق الطوسي قدّس سرّه حيث قال في تجريد الاعتقاد: و امتناع التسلسل يوجب عصمة و لأنّه حافظ للشرع و لوجوب الإنكار عليه لو أقدم علي المعصية فيضاد أمر الطاعة و يفوت الغرض من نصبه و لانحطاط درجته عن أقلّ العوام (3).

هذا كله مع الغمض عن الأدلة الخاصّة الدالّة علي عصمة الائمة عليهم السّلام كحديث الثقلين المتواتر عن النبيّ صلّي الله عليه و آله أنّه قال «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي ما إن

تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً» الدالّ علي مصونية الكتاب و العترة عن الخطأ (4).

و كيف كان فالكلام في متعلق العصمة أيضاً واضح بعد ما عرفت من وحدة الدليل في باب النبوّة و الإمامة، فكلّ ما كان النبيّ معصوماً عنه كذلك يكون الإمام معصوماً عنه، فالإمام معصوم عن الذنوب صغيرة كانت أو كبيرة حال الإمامة و قبلها و عن السهو و النسيان و الخطأ و عن الذمائم الأخلاقية، بل

________

1) سرمايه ايمان: ص 114.

2) راجع اصول الدين: ص 37 منشور چهلستون مسجد جامع بطهران.

3) شرح تجريد الاعتقاد: ص 364 الطبع الجديد.

4) راجع كتاب حديث الثقلين من منشورات دارالتقريب بمصر الذي نقل الحديث من مائتي كتاب من كتب العامة.

35

المنقصات المنفّرة و لو كانت خلقية (بكسر الخاء و سكون اللام) أو نسبية كدنائة الآباء و عهر الاُمهات و لكن المصنف قدّس سرّه لم يشر إلي المنقصات المنفّرة و لعلّه أرادها أيضاً.

3 عقيدتنا في صفات الإمام و علمه

3 عقيدتنا في صفات الإمام و علمه

عقيدتنا في صفات الإمام و علمه

و نعتقد أن الإمام كالنبيّ يجب أن يكون أفضل الناس في صفات الكمال من شجاعة و كرم عفة و صدق و عدل و من تدبير و عقل و حكمة و خلق. و الدليل علي النبيّ هو نفس الدليل في الإمام. أما علمه فهو يتلقي المعارف و الأحكام الإلهية و جميع المعلومات، من طريق النبيّ، أو الإمام من قبله.

و اذا استجدّ شيء لابدّ أن يعلمه من طريق الإلهام بالقوة القدسية التي أودعها الله تعالي فيه، فإن توجّه إلي شيء و شاء أن يعلمه علي وجهه الحقيقي لا يخطأ فيه و لا يشتبه و لا يحتاج في كلّ ذلك إلي البراهين العقليّة و لا إلي تلقينات المعلمين و إن

كان علمه قابلاً للزيادة و الاشتداد و لذا قال صلّي الله عليه و آله في دعائه: «رَبِّ زِدْنِي عِلْما».

(أقول): لقد ثبت في الأبحاث النفسيّة أنّ كلّ إنسان له ساعة أو ساعات في حياته قد يعلم فيها ببعض الأشياء من طريق الحدس، الّذي

37

هو فرع من الإلهام بسبب ما أودع الله تعالي فيه من قوة علي ذلك.

و هذه القوّة تختلف شدة و ضعفاً و زيادة و نقيصة في البشر، باختلاف أفرادهم. فيطفر ذهن الإنسان في تلك الساعة إلي المعرفة من دون أن يحتاج إلي التفكير و ترتيب المقدمات و البراهين أو تلقين المعلمين.

و يجد كلّ إنسان من نفسه ذلك في فرض كثيرة في حياته و إذا كان الأمر كذلك فيجوز أن يبلغ الإنسان من قوّته الالهامية أعلي الدرجات و أكملها و هذا أمر قرّره الفلاسفة المتقدمون و المتأخرون.

فلذلك نقول و هو ممكن في حدّ ذاته : إنّ قوّة الإلهام عند الإمام الّتي تسمّي بالقوة القدسيّة تبلغ الكمال في أعلي درجاته، فيكون في صفاء نفسه القدسيّة علي استعداد لتلقّي المعلومات، في كلّ وقت و في كلّ حالة، فمتي توجه إلي شيء من الأشياء و أراد معرفته استطاع علمه بتلك القوّة القدسيّة الالهامية، بلا توقف و لا ترتيب مقدمات و لا تلقين معلم و تنجلي في نفسه المعلومات، كما تنجلي المرئيات في المرآة الصافية لا غطش فيها و لا إبهام.

و يبدو واضحاً هذا الأمر في تاريخ الأئمة عليهم السّلام كالنبيّ محمّد صلّي الله عليه و آله فإنهم لم يتربوا و لم يتعلموا علي يد معلم من مبدأ طفولتهم إلي سنّ الرشد، حتي القراءة و الكتابة و لم يثبت عن أحدهم أنّه دخل الكتاتيب أو تتلمذ علي يد اُستاذ في

شيء من الأشياء مع ما لهم من منزلة علميّة لاتجاري.

وما سئلوا عن شيء إلاّ أجابوا عليه في وقته و لم تمر علي ألسنتهم

38

كلمة (لا أدري) و لا تأجيل الجواب إلي المراجعة أو التأمل أو نحو ذلك، في حين أنّك لا تجد شخصاً مترجماً له من فقهاء الإسلام و رواته و علمائه إلاّ ذكرت في ترجمته تربيته و تلمذته علي غيره و أخذه الرواية و العلم علي المعروفين و توقفه في بعض المسائل أو شكّه في كثير من المعلومات كعادة البشر في كل عصر و مصر (1) يقع البحث في مقامات:

الأوّل: أن مقتضي كون الإمام قائما مقام النبيّ في جميع شؤونه

إلاّ تلقّي الوحي، هو تخلقه بأخلاقه و اتصافه بصفاته، إذ بدون ذلك لايتم الاستخلاف و النيابة و معه لايتم اللطف و هو نقض للغرض و مخالف لمقتضي عنايته الاُولي و رحيميته و نقض الغرض و المخالف لمقتضي عنايته تعالي لايقع و لا يصدر منه أصلاً كما لايخفي.

و توضيح ذلك أنّه قد مرّ في باب النبوة أنّ من أغراض البعثة هو استكمال النفوس، فاللازم هو أن يكون النبيّ في الصفات أكمل و أفضل من المبعوثين إليهم حتي يتمكن له أن يهديهم و يستكملهم و ينقاد الناس له للتعلم و الاستكمال، فإن كان النبيّ مبعوثاً إلي قوم خاصّين فاللازم هو أن يكون أفضل منهم في ذلك الزمان و إن كان مبعوثاً إلي جميع الناس إلي يوم القيامة، فاللازم هو أن يكون أفضل من جميعهم إذ لولا ذلك لما تيسّرت الهداية و الاستكمال بالنسبة إلي جميعهم، مع أنّهم مستعدون لذلك و هو لا يساعد عناية الاُولي و إطلاق رحيميته و نقض لغرضه و هو لا يصدر منه تعالي.

فإذا ثبت

ذلك في النبيّ لزم أن يكون الإمام أيضاً أفضل الناس في صفات الكمال من شجاعة و كرم و عفة و صدق و عدل و من تدبير و عقل و حكمة

39

و علم و حلم و خلق؛ لأنّه قائم مقامه و نائب عنه في جميع الاُمور و الشؤون إلا في تلقّي الوحي و هذه النيابة لاتتم إلاّ بالاتصاف المذكور و لعلّ إليه أشار المحقق اللاهيجي قدّس سرّه حيث قال:

لابدّ أن يكون الإمام في غاية التفرد في استجماع أنواع الكمالات و الفضائل حتّي تطيع و تنقاد له جميع الطبقات من الشرفاء و العلماء بحيث ليس لأحد منهم عارفي الاتباع عنه و الانقياد له (1).

هذا مضافاً إلي ما في تجريد الاعتقاد و شرحه (2) من أن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته؛ لأنه إما أن يكون مساوياً لهم، أو أنقص منهم، أو أفضل و الثالث هو المطلوب و الأوّل محال؛ لأنّه مع التساوي يستحيل ترجيحه علي غيره بالإمامة و الثاني أيضاً محال؛ لأنّ المفضول يقبح عقلاً تقديمه علي الفاضل.

و يدل عليه أيضاً قوله تعالي: «أَ فَمَنْ يَهْدي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدي فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ » (3).

و لذلك قال العلامة قدّس سرّه في نهج الحق: انفق الإمامية علي أنّ الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته و خالف الجمهور فجوزوا تقديم المفضول علي الفاضل و خالفوا مقتضي العقل و نصّ الكتاب (4). و يشهد لما ذكر ما سمعته عن علي بن موسي الرضا عليهما السلام في ضمن حديث من «أنّ الْإِمَامُ وَاحِدُ دَهْرِهِ لَا يُدَانِيهِ أَحَدٌ وَ لَا يُعَادِلُهُ عَالِمٌ وَ لَا يُوجَدُ مِنْهُ بَدَلٌ وَ لَا لَهُ مِثْلٌ وَ لَا

نَظِيرٌ مَخْصُوصٌ بِالْفَضْلِ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْه لَهُ وَ لَا اكْتِسَابٍ بَلِ اخْتِصَاصٌ مِنَ الْمُفْضِلِ الْوَهَّابِ …» الحديث (5).

و قال أيضاً: «لِلْإِمَامِ عَلَامَاتٌ يَكُونُ أَعْلَمَ النَّاسِ وَ أَحْكَمَ النَّاسِ وَ أَتْقَي

________

1) سرمايه ايمان: 115.

2) شرح تجريد الاعتقاد: ص 366 الطبع الجديد.

3) يونس: 35.

4) دلائل الصدق: ج 2 ص 15.

5) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 201.

40

النَّاسِ وَ أَحْلَمَ النَّاسِ وَ أَشْجَعَ النَّاسِ وَ أَسْخَي النَّاسِ وَ أَعْبَدَ النَّاسِ وَ يُولَدُ مَخْتُوناً وَ يَكُونُ مُطَهَّرا وَ يَرَي مِنْ خَلْفِهِ كَمَا يَرَي مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ » الحديث (1).

الثاني: في كيفية تعلّم الإمام

ولا يخفي أنّ علمهم علم إلهي و ليس بمكتسب عن الناس، كما أنّ علم النبيّ كذلك و توضيح ذلك: أنّ هذا العلم الإلهي قد يصل إلي الأئمة عليهم السّلام من طريق النبيّ صلّي الله عليه و آله كتعليمه ما علّم لعليٍّ عليه السّلام و هو للحسن و هو للحسين و هو لعلي بن الحسين و هكذا إلي المهدي الحجة بن الحسن عليهم الصلوات و السَّلام .

ثم إنّ هذا التعليم وقع علي أنحاء منها: التعليمات العاديّة كما قال الرسول الكريم صلّي الله عليه و آله «وسمعه علي عليه السّلام كما سمعه الناس و إنما الفرق بينه و بينهم أنّه عليه السّلام أسمعهم و أحفظهم و أفهمهم و أضبطهم».

و منها التعليمات الغير العاديّة مثل ما انتقل إلي علي عليه السّلام بالاشراق و تنوير الباطن و لعلّ من ذلك ما في كتب الفريقين كالكافي و ينابيع المودّة من أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال:

رسول الله صلّي الله عليه و آله علّمني ألف باب و كلّ باب منها يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب حتّي علمت ما كان

و ما يكون إلي يوم القيامة و علمت علم المنايا و البلايا و فصل الخطاب (2).

و لعل ذكر الألف من باب إفادة التكثير فلا خصوصية للألف.

أو مثل ما كتبه علي عليه السّلام بإملاء رسول الله صلّي الله عليه و آله و سمّي بالجامعة، قال الصادق عليه السّلام :

فيها كلّ حلال و حرام و كلّ

________

1) التنبيه للشيخ الحر العاملي: ص 26 نقلا عن الفقيه.

2) ينابيع المودة: ج 1 ص 75 و نحوه في الكافي: ج 1 ص 239.

41

شيء يحتاج الناس إليه حتي الأرش في الخدش (1).

أو مثل ما انتقل إليه من ميراث الأنبياء و الوصيين و سمّي بالجفر، قال الصادق عليه السّلام :

«

قَالَ قُلْتُ إِنَّ هَذَا هُوَ الْعِلْمُ قَالَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَ لَيْسَ بِذَاكَ ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ وَ إِنَّ عِنْدَنَا لَمُصْحَفَ فَاطِمَةَ ع وَ مَا يُدْرِيهِمْ مَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ ع قَالَ قُلْتُ وَ مَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ ع قَالَ مُصْحَفٌ فِيهِ مِثْلُ قُرْآنِكُمْ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَ اللَّهِ مَا فِيهِ مِنْ قُرْآنِكُمْ حَرْفٌ وَاحِدٌ قَالَ قُلْتُ هَذَا وَ اللَّهِ الْعِلْمُ قَالَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَ مَا هُوَ بِذَاكَ- هو وِعَاءٌ مِنْ أَدَمٍ فِيهِ عِلْمُ النَّبِيِّينَ وَ الْوَصِيِّينَ وَ عِلْمُ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ مَضَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ (2) و فيه زبور داود و توراة موسي و انجيل عيسي و صحف إبراهيم» (3). و في رواية اُخري «إِنَ لِلَّهِ عِلْماً لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ وَ عِلْماً قَدْ عَلِمَهُ مَلَائِكَتُهُ وَ رُسُلُهُ فَنَحْنُ نَعْلَمُهُ» (4).

و قد يصل العلم الإلهي إلي الإمام من طرق اُخر كمصحف فاطمة و هو الَّذي أخبرها به جبرئيل فأملته فاطمة سلام الله عليها لعلي عليه السّلام و كتبه بيده المباركة (5)، قال الصادق عليه السّلام :

مُصْحَفٌ

فِيهِ مِثْلُ قُرْآنِكُمْ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَ اللَّهِ مَا فِيهِ مِنْ قُرْآنِكُمْ حَرْفٌ وَاحِدٌ (6).

قال الصادق عليه السّلام أيضاً: «لَيْسَ مِنْ مَلِكٍ يَمْلِكُ الْأَرْضَ إِلَّا وَ هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ بِاسْمِهِ وَ اسْمِ أَبِيهِ وَ مَا وَجَدْتُ لِوُلْدِ الْحَسَنِ فِيهِ شَيْئاً.» (7).

و كتحديث الملائكة و قد ورد في روايات متعددة أنّ الأئمة محدّثون كما قال أبوالحسن عليه السّلام :

«الأئمة علماء صادقون مفقهون محدّثون» (8).

وكإلهامات واقعية إلهية، قال الحارث بن المغيرة: قلت لأبي عبدالله عليه السّلام :

أخبرني عن علم عالمكم. قال:

وراثة من رسول الله صلّي الله عليه و آله و من علي عليه السّلام قال:

قلت:

إِنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ يُقْذَفُ فِي قُلُوبِكُمْ وَ يُنْكَتُ فِي آذَانِكُمْ قَالَ أَوْ ذَاك (9).

و كجعلهم مشرفين علي الاُمور، كمّا ورد في الروايات المتعددة أنّ الإمام

________

1) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 239.

2) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 239.

3) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 240.

4) بصائر الدرجات: ص 110.

5) بصائر الدرجات: ص 154.

6) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 239.

7) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 242.

8) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 270 271.

9) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 264.

42

إذا شاء آن يعلم علم (1)، أو أنّ الإمام يري من خلفه كما يري من بين يديه و غير ذلك. و كيف كان فلا يخفي عليك أنّه لا وجه لعدم ذكر النوع الأخير في كلام المصنف.

الثالث: في مقدار علم الأئمة عليهم السّلام

و أنّي لنا بهذا مع أنّ الأئمة فاقوا فيه الأوّلين و الآخرين بعد رسول الله صلّي الله عليه و آله و بلغوا فيه إلي حدٍّ لا يحتاج أحد إلي شيء من اُمور دينه و دنياه و سعادته و آخرته إلاّ

كان علمه عندهم و لهم الجواب و هم الدعاة إلي سبيل الخير و السعادة الواقعية و قد أرشدوا الناس طيلة حياتهم إلي الحياة الطيبة و لم يعطلوا في قبال سؤال و لو لم يكن من الاُمور الدينيّة، كما تشهد لذلك الأسئلة المختلفة الّتي جاءت إليهم من الموافقين و المخالفين و الملحدين، فأجابوها بأمتن الجواب و أحسنه.

و لهم الاشراف علي الاُمور حتي النيّات و الأعمال و علي ما وقع و علي ما يقع و علي منطق الطيور و علي ما يحتاج إليه الجن و غيرهم. و لابدّ أن أقول: كيف أقول في وصفكم و ثنائكم أئمتي الأبرار، مع ما في لساني الكالّ من اللكنة و ما في ذهني الفاتر من القصور، بل الأحسن أن أكتفي بما قلتم أنتم في وصفكم:

كَلَامُكُمْ نُورٌ وَ أَمْرُكُمْ رُشْدٌ وَ وَصِيَّتُكُمُ التَّقْوَي وَ فِعْلُكُمُ الْخَيْرُ وَ عَادَتُكُمُ الْإِحْسَانُ وَ سَجِيَّتُكُمُ الْكَرَمُ وَ شَأْنُكُمُ الْحَقُّ وَ الصِّدْقُ وَ الرِّفْقُ وَ قَوْلُكُمْ حُكْمٌ وَ حَتْمٌ وَ رَأْيُكُمْ عِلْمٌ وَ حِلْمٌ وَ حَزْمٌ إِنْ ذُكِرَ الْخَيْرُ كُنْتُمْ أَوَّلَهُ وَ أَصْلَهُ وَ فَرْعَهُ وَ مَعْدِنَهُ وَ مَأْوَاهُ وَ مُنْتَهَاهُ بِأَبِي أَنْتُمْ وَ أُمِّي وَ نَفْسِي كَيْفَ أَصِفُ حُسْنَ ثَنَائِكُمْ وَ أُحْصِي جَمِيلَ بَلَائِكُمْ وَ بِكُمْ أَخْرَجَنَا اللَّهُ مِنَ الذُّلِّ وَ فَرَّجَ عَنَّا غَمَرَاتِ الْكُرُوبِ وَ أَنْقَذَنَا مِنْ شَفَا جُرُفِ الْهَلَكَاتِ وَ مِنَ النَّارِ بِأَبِي أَنْتُمْ وَ أُمِّي وَ نَفْسِي بِمُوَالاتِكُمْ عَلَّمَنَا اللَّهُ مَعَالِمَ دِينِنَا وَ أَصْلَحَ مَا كَانَ فَسَدَ مِنْ دُنْيَانَا- وَ بِمُوَالاتِكُمْ

________

1) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 258.

43

تَمَّتِ الْكَلِمَةُ وَ عَظُمَتِ النِّعْمَةُ وَ ائْتَلَفَتِ الْفُرْقَةُ وَ بِمُوَالاتِكُمْ تُقْبَلُ الطَّاعَةُ الْمُفْتَرَضَةُ وَ لَكُمُ

الْمَوَدَّةُ الْوَاجِبَةُ وَ الدَّرَجَاتُ الرَّفِيعَةُ وَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ وَ الْمَقَامُ الْمَعْلُومُ عِنْدَ

اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ الْجَاهُ الْعَظِيمُ وَ الشَّأْنُ الْكَبِيرُ وَ الشَّفَاعَةُ (1).

و إليك بعض الأحايث الدالّة علي مقدار علومهم و فخامتها و إن كان الأمر واضحاً كالنار علي المنار.

عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السّلام في حديث قال:

«إنّ الله لا يجعل حجته في أرضه يسأل عن شيء فيقول لا أدري» (2).

عَنْ سَيْفٍ التَّمَّارِ قَالَ كُنَّا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع جَمَاعَةً مِنَ الشِّيعَةِ فِي الْحِجْرِ فَقَالَ عَلَيْنَا عَيْنٌ فَالْتَفَتْنَا يَمْنَةً وَ يَسْرَةً فَلَمْ نَرَ أَحَداً فَقُلْنَا لَيْسَ عَلَيْنَا عَيْنٌ قَالَ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ وَ رَبِّ الْبَيْتِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ مُوسَي وَ الْخَضِرِ لَأَخْبَرْتُهُمَا أَنِّي أَعْلَمُ مِنْهُمَا وَ لَأَنْبَأْتُهُمَا مَا لَيْسَ فِي أَيْدِيهِمَا لِأَنَّ مُوسَي وَ الْخَضِرَ أُعْطِيَا عِلْمَ مَا كَانَ وَ لَمْ يُعْطَيَا عِلْمَ مَا هُوَ كَائِنٌ وَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أُعْطِيَ عِلْمَ مَا يَكُونُ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ ٌ حَتَّي تَقُومَ السَّاعَةُ وَ قَدْ وَرِثْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّه ص وِرَاثَة (3).

و عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يقول: «لَا وَ اللَّهِ لَا يَكُونُ عَالِمٌ جَاهِلًا أَبَداً عَالِماً بِشَيْ ءٍ جَاهِلًا بِشَيْ ءٍ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَجَلُّ وَ أَعَزُّ وَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ طَاعَةَ عَبْدٍ يَحْجُبُ عَنْهُ عِلْمَ سَمَائِهِ وَ أَرْضِهِ ثُمَّ قَالَ لَا يَحْجُبُ ذَلِكَ عَنْهُ.» (4).

و عن الرضا عليه السّلام في حديث: «

أَنَ الْإِمَامَ مُؤَيَّدٌ بِرُوحِ الْقُدُسِ

________

1) من لا يحضر الفقيه: ج 2 ص 609 طبع مكتبة الصدوق بطهران.

2) التنبيه: ص 32 نقلاً عن الكافي.

3) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 260 261.

4) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 262.

44

وَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَمُودٌ مِنْ نُورٍ يَرَي فِيهِ أَعْمَالَ الْعِبَادِ وَ كُلَّ

مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ لِدَلَالَةٍ اطَّلَعَ عَلَيْهِ … » الحديث (1).

و عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: «إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَ أَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ مَا فِي الْجَنَّةِ وَ أَعْلَمُ مَا فِي النَّارِ وَ أَعْلَمُ مَا كَانَ وَ أَعْلَمُ مَا يَكُونُ قال:

ثُمَ مَكَثَ هُنَيْئَةً فَرَأَي أَنَ ذَلِكَ كَبُرَ عَلَي مَنْ سَمِعَهُ منه، فَقال: عَلِمْتُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ ءٍ.» (2).

و قد قال مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام : «أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلَانٌ وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَي يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَ لَا يَرْقَي إِلَيَّ الطَّيْرُ » الحديث (3).

و قال أيضاً:

« أَيُّهَا النَّاسُ سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي فَلَأَنَا بِطُرُقِ السَّمَاءِ أَعْلَمُ مِنِّي بِطُرُقِ الْأَرْضِ» (4).

و قال أيضاً:

«وَ اللَّهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْبِرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَخْرَجِهِ وَ مَوْلِجِهِ وَ جَمِيعِ شَأْنِهِ لَفَعَلْتُ وَ لَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَكْفُرُوا فِيَّ بِ رَسُولِ اللَّهِ ص أَلَا وَ إِنِّي مُفْضِيهِ إِلَي الْخَاصَّةِ مِمَّنْ يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُ وَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ وَ اصْطَفَاهُ عَلَي الْخَلْقِ مَا أَنْطِقُ إِلَّا صَادِقاً وَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَ بِمَهْلِكِ مَنْ يَهْلِكُ وَ مَنْجَي مَنْ يَنْجُو وَ مَآلِ هَذَا الْأَمْرِ وَ مَا أَبْقَي شَيْئاً يَمُرُّ عَلَي رَأْسِي إِلَّا أَفْرَغَهُ فِي أُذُنَيَّ وَ أَفْضَي بِهِ إِلَيَّ» الحديث (5).

و غير ذلك من الأخبار و الروايات في ذلك متواترة و حيث كان صدورها عن المعصومين قطعياً، صار موجباً لحصول اليقين

________

1) التنبيه: ص 42 نقلاً عن عيون الأخبار.

2) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 261.

3) نهج البلاغة الخطبة: 3 ص 48 لصبحي صالح.

4) نهج البلاغة الخطبة: 189 ص 280 لصبحي صالح.

5) نهج البلاغة

الخطبة: 175 ص 250 لصبحي صالح.

45

بمفادها كما لا يخفي.

قال العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه : «إنّ الإمام وقف علي حقايق العالم، كيف ما كان بإذنه تعالي سواء كانت محسوسة أو غير محسوسة، كالموجودات السماوية و الحوادث الماضية و الوقايع الآتية و تدلّ علي ذلك الروايات المتواترات المضبوطة في الكافي و بصائر الدرجات و بحار الأنوار و غيرها» (1).

الرابع: الالهام

أنّ ما أشار إليه المصنف في قوله من أنّ الحدس الّذي ربّما يتفق في الإنسان غايته هو الإلهام علي ما قرّره الفلاسفة المتقدمون لعلّه إشارة إلي ما قرّره صدر المتألهين في الأسفار في معني الحدس و الذكاء حيث قال:

و منها الحدس و لاشك في أنّ الفكر لايتم إلاّ بوجدان شيء متوسط بين طرفي المجهول لتصير النسبة المجهولة معلومة و كذا ما يجري مجراه في باب الحدود للتصور، لما تقرّر أنّ الحدّ و البرهان متشاركان في الأطراف و الحدود و النفس حال كونها جاهلة كأنّها واقعة في ظلمة ظلماء، فلابد من قائد يقودها أو روزنة يضيء لها موضع قدمها و ذلك الموضع هو الحد المتوسط بين الطرفين و تلك الروزنة هو التحدس بذلك دفعة، فاستعداد النفس لوجدان ذلك المتوسط بالتحدس هو الحدس و منها الذكاء و هو شدة هذا الحدس و كماله و بلوغه القصوي هو القوّة القدسيّة الّتي وقع في وصفها قوله تعالي: «يكاد زيتها يضيء و لو لم تسسه نار» و ذلك لأنّ الذكاء و هو الامضاء في الاُمور و سرعة القطع بالحق و أصله من ذكت النار و ذكي الذبح و شاة مذكّاة أي يدرك ذبحها بحدة السكين (2) و لا يخفي عليك أنّ أنواع الإلهام لا تنحصر في الحدس و الذكاء لإمكان الإفاضات بدون ذلك

كما أشرنا إليه و كيف كان فمما ذكر يظهر أنّ علومهم لا تنحصر في

________

1) بحثي كوتاه در باره علم امام: ص 34.

2) الاسفار: ج 3 ص 516.

46

العلوم العاديّة، كما ذهب إليه الجمهور من علماء العامّة، بل لهم ما للرسول صلّي الله عليه و آله من العلوم الإلهية بأنواعها، كما يقتضيه قيامهم مقام النبي في الإتيان بوظائفه؛ لأن ذلك لا يتحقق من دون العلم الإلهي كما لايخفي.

الخامس: في الميز بين علومهم و العلوم البشريّة

ولا يخفي عليك أنّ العلوم البشرية منقسمة إلي: البديهيات و النظريات. و الإنسان من لدن وجوده أراد كشف المجهولات بالتفكير و ترتيب المقدمات و في هذا السبيل كثيراً ما كان يخطأ و لذا وضع علم الميزان ليمنعه عن ذلك و معه لا يعصمه و إن أفاده لخطائه في تطبيق علم الميزان علي محاوراته و عليه فالعلوم النظريّة مكتسبة من البديهيات بترتيب المقدمات و ترتيب المقدمات يحتاج إلي التعلّم و التعليمات و حيث أنّ آحاد الإنسان في التفكير و ترتيب المقدمات ليسوا بمتساوين يؤدي التفكير في جملة من المسائل إلي الاختلاف في النتائج في كشف الحقايق و لم يتمكنوا من الاتفاق فيها، إذ ربّما يكون الترتيب بنظر واحد تماماً و بنظر آخر ناقصاً و لذا تكون النتيجة عند واحد واضحة و عند آخر غير واضحة، بحيث يمكن عنده تجديد النظر و يحتمل خلافه كما ليسوا عند إظهار النظر علي السواء، إذ ربّما أظهر واحد نظره في مجهول بأنّ الأمر كذا أو قطعاً و أظهر ثان بأنّ الأمر كذا و كذا من دون التأكيد بالقطع و أظهر آخر بأنّ الظاهر أنّه كذا و رابع بأنّه محتمل و خامس بأنّه مشكل، فيما إذا لا يؤدي نظره

إلي شيء و عليه فيكون باب التأمل و الاشكال و تجديد النظر في كثير من المعلومات منفتحا.

هذا مضافاً إلي مجهولات كثيرة يكون كشفها خارجاً عن حيطة قدرة علم الإنسان و لذا اعترف الأعاظم من العلماء بالقصور عن حلّ جميع المجهولات و إن ظفروا بالاُصول و الضوابط المتعددة الصحيحة من المقدمات البديهية كما لايخفي و كيف كان فهذه هي العلوم الاكتسابية الّتي لا يمكن لأحد أن يرثها من أبيه أو آخر من دون تحمّل المشاق في تحصيلها.

47

و في قبالها علوم إلهية أفاضها الله تعالي إلي أنبيائه و أوليائه و هذه العلوم الإلهية لا تحتاج إلي الاكتساب و ترتيب المقدمات للوصول إلي المجهولات النظرية، بل نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده و معه يري حقيقة كل شيء و لا تحجب عنه و لا يحتاج انتقاله من نبيّ إلي نبيّ، أو من وليّ إلي وليّ إلي مؤنة، بل ينتقل إليه بالاشراق و تنوير الباطن في لحظة و لذا صار بعض الأنبياء أو الأئمة عليهم الصلوات و السّلام نبياً و إماماً في حال الصباوة من دون حاجة إلي مضي زمان.

ثم إنّ العلوم الإلهية لا اختلاف فيها، بل كلّها واضحة و لا يكون فيها أجلي و أوضح و لذا لم يسمع من نبيّ ما تعارف بيننا من الأوضح و الأظهر، أو الظاهر فضلاً عن لا أدري و لا أعلم و العلوم الإلهية كلّها حاضرة عندهم و لذا لم يقل أحد منهم في مقام الجواب عن مسألة، المسألة تحتاج إلي المراجعة أو التأمل، أو نحو ذلك، بل كانوا داعين للناس إلي الأسئلة و أجابوا عنها من دون إحالة إلي المطالعة أو التأجيل.

ولا يعتري علي العلوم الإلهية ما يحتاج

معه إلي تجديد النظر، بل هي علي ماهي عليها من القوّة و الظهور، نعم تصير أجلي بمرور الأزمنة و الدهور للسامعين.

ولا ينافي ذلك النسخ في الشرايع أو شريعتنا، لأنّ معني النسخ ليس إلاّ ارتفاع أمد الحكم النافع، بحيث لا اعتبار به بعد ارتفاع أمده و ليس فيه ما يكشف عن عدم صحة الحكم في وقته و زمانه، بل كلّ منسوخ حكم صحيح متين في زمانه و لذا يصدّق كلّ نبيّ مانزل علي النبيّ الآخر و لا يكذّبه.

و مما ذكر يظهر أن العلوم الإلهية حيث لا تحتاج إلي ترتيب المقدمات، لايكون فيها الاختلاف و لذا لا يكون الأنبياء و الأئمة عليهم الصلوات و السلام مختلفين في أمر من الاُمور، بل كلّهم مخبرون عن الحقايق الواحدة و إن كانت كلماتهم للناس بحسب اختلف استعدادهم و تفاوت ظروفهم مختلفة. .

4 عقيدتنا في طاعة الأئمة

4 عقيدتنا في طاعة الأئمة

عقيدتنا في طاعة الأئمة

و نعتقد أنّ الأئمة هم اُولو الأمر الَّذين أمر الله تعالي بطاعتهم و أنّهم الشهداء علي الناس و أنّهم أبواب الله و السبيل إليه و الادلاء عليه و أنّهم عيبة علمه و تراجمه وحيه و أركان توحيده و خزّان معرفته و لذا كانوا أماناً لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء (علي حد تعبيره صلّي الله عليه و آله). و كذلك علي حد قوله أيضاً إنّ مثلهم في هذه الاُمة كسفينة نوح من ركبها نجا و من تخلّف عنها غرق و هوي و أنهم حسبما جاء في الكتاب المجيد (عبادالله المكرمون الّذين لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون) و أنهم الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً.

بل نعتقد أن أمرهم أمر الله تعالي و نهيهم نهيه و طاعتهم

طاعته و معصيتهم معصيته و وليّهم وليّه و عدوّهم عدوّه و لا يجوز الردّ عليهم و الرادّ عليهم كالرادّ علي الرسول و الرادّ علي الرسول كالرادّ علي الله تعالي، فيجب التسليم لهم و الانقياد لأمرهم و الأخذ بقولهم. و لهذا نعتقد أنّ الأحكام الشرعيّة الإلهيّة لا تستقي إلاّ من غير

49

مائهم و لا يصحّ أخذها إلاّ منهم و لا تفرغ ذمّة المكلّف بالرجوع إلي غيرهم و لا يطمئن بينه و بين الله إلي أنّه قد أدّي ما عليه من التكاليف المفروضة إلاّ من طريقهم. إنّهم كسفينة نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها غرق في هذا البحر المائج الزاخر بأمواج الشبه و الضلالات و الادعاءات و المنازعات.

ولايهمّنا من بحث الإمامة في هذه العصور إثبات أنّهم هم الخلفاء الشرعيون و أهل السلطة الإلهيّة، فإنّ ذلك أمر مضي في ذمّة التأريخ و ليس في إثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد أو يعيد الحقوق المسلوبة إلي أهلها.

و إنما الّذي يهمّنا منه ما ذكرنا من لزوم الرجوع إليهم، في الأخذ بأحكام الله الشرعية و تحصيل ما جاء به الرسول الأكرم علي الوجه الصحيح الَّذي جاء به. و أنّ في أخذ الأحكام من الرواة و المجتهدين الَّذين لا يستقون من غير مائهم و لا يستضيئون بنورهم إبتعاداً عن محجّة الصواب في الدين و لا يطمئن المكلّف من فراغ ذمّته من التكاليف المفروضة عليه من الله تعالي؛ لأنّه مع فرض وجود الاختلاف في الآراء بين الطوائف و النحل فيما يتعلق بالأحكام الشرعية إختلافاً لا يرجي معه التوفيق، لا يبقي للمكلّف مجال أن يتخير و يرجع إلي أيّ مذهب شاء و رأي اختار، بل لابدّ له أن يفحص و يبحث حتي

تحصل له الحجة القاطعة بينه و بين الله تعالي علي تعيين مذهب خاص يتيقن أنه يتوصل به إلي أحكام الله و تفرغ به ذمته من التكاليف المفروضة، فإنه كما يقطع

50

بوجود أحكام مفروضة عليه يجب أن يقطع بفراغ ذمته منها، فإنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

والدليل القطعيّ دالّ علي وجوب الرجوع إلي آل البيت و أنّهم المرجع الأصلي بعد النبيّ لأحكام الله المنزلة و علي الأقلّ قوله عليه أفضل التحيات : «إنّي قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض و عترتي أهل بيتي ألا و أنّهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض». و هذا الحديث اتفقت الرواية عليه من طرق أهل السنّة و الشيعة، فدقق النظر في هذا الحديث الجليل تجد ما يقنعك و يدهشك في مبناه و معناه، فما أبعد المرمي في قوله:

(إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً) و الَّذي تركه فينا هما الثقلان معاً إذ جعلهما كأمر واحد و لم يكتف بالتمسك بواحد منهما فقط، فيهما معاً لن تضل بعده أبداً.

و ما أوضح المعني في قوله:

«لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّي يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْض فلا يجد الهداية أبداً من فرّق بينهما و لم يتمسك بهما معاً فلذلك كانوا «سفينة النجاة» و «أماناً لأهل الأرض» و من تخلّف عنهم غرق في لجج الضلال و لم يأمن من الهلاك. و تفسير ذلك بحبهم فقط من دون الأخذ بأقوالهم و اتباع طريقهم، هروب من الحق لا يلجأ إليه إلاّ التعصب و الغفلة عن المنهج الصحيح في تفسير الكلام العربيّ المبين (1) و لا بأس بذكر اُمور:

51

الأول:

أنّ الأئمة عليهم السّلام هم أولوالأمر الّذين

يكون طاعتهم مطلقاً مفروضة و ذلك واضح بعد ما مرّ من كونهم قائمين مقام النبيّ صلّي الله عليه و آله في جميع شؤونه و منها الولاية و الحكومة علي المسلمين و يشهد له مضافاً إلي الروايات المتواترة قوله تبارك و تعالي: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (1) و لا تشمل الآية المباركة غيرهم من الولاة و الخلفاء؛ لاختصاص الإطاعة المطلقة بالله تعالي و المعصومين من الرسول و الأئمة المكرمين و إلاّ لزم الأمر بالطاعة عن الفاسقين و هو قبيح، فالآية حيث تدلّ علي الطاعة المطلقة لله و للرسول و اُولي الأمر بسياق واحد، تدلّ علي أنّ المراد من الموضوع و هو اُولو الأمر هم المعصومون، كما فسرت الآية بهم في الروايات الكثيرة.

منها: ما ورد من أن جابر بن عبدالله الأنصاري سأل رسول الله صلّي الله عليه و آله فمن اُولي الأمر الَّذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ و قال صلّي الله عليه و آله :

هم خلفائي يا جابر و أئمة المسلمين من بعدي، أوّلهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمّد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، ستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمّد، ثم موسي بن جعفر، ثم عليّ بن موسي، ثم محمّد بن عليّ، ثم علي بن محمّد، ثم الحسن بن علي، ثم سميّي و كنيّي، حجة الله في أرضه و بقيته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك الَّذي يفتح الله تعالي ذكره علي يديه مشارق الأرض و مغاربها، ذاك الَّذي يغيب عن شيعته و أوليائه غيبة لا يثبت فيها علي

القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان، قال جابر: فقلت له: يا رسول الله، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال صلّي الله عليه و آله :

اي و الَّذي بعثني بالنبوة أنّهم يستضيئون بنوره و ينتفعون بولايته في غيبته،

________

1) النساء: 59.

52

كانتفاع الناس بالشمس و إن تجلاها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سرّ الله و مخزون علمه فاكتمه إلاّ عن أهله (1).

و منها: ما ورد في أمالي الشيخ قدّس سرّه من أنّ أبا محمَّد الحسن بن علي عليه السّلام خطب الناس بعد البيعة له بالامر، فقال:

نحن حزب الله الغالبون و عترة رسوله الأقربون و أهل بيته الطيبون الطاهرون و أحد الثقلين الّذين خلّفهما رسول الله في اُمته إلي أن قال : فأطيعونا فإنَّ طاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة الله عزّوجلّ مقرونة، قال الله عزّوجلّ: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم الحديث (2).

و منها: ما رواه في الكافي عن الحسين بن أبي العلا قال:

ذكرت إلي أبي عبدالله عليه السّلام قولنا في الأوصياء و أنّ طاعتهم مفترضة قال:

فقال:

نعم هم الَّذين قال الله عزّوجلّ: « أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَه و الَّذين آمنوا» (3).

و منها: ما رواه في الكافي أيضاً عن أبي جعفر عليه السّلام :

«إِيَّانَا عَنَي خَاصَّةً- أَمَرَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَي يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِطَاعَتِنَا» (4).

و إلي غير ذلك من الروايات المرويّة في الأبواب المختلفة الّتي تدل علي أنّ المراد من اُولي الأمر هم الأئمة المعصومون عليهم السّلام و علي أنّ طاعتهم مفروضة و هو كما عرفت مطابق للاعتبار، إذ السياق يفيد الإطاعة المطلقة و هي لا معني لها إلاّ في المعصومين و لعلّه لذلك قال في دلائل الصدق بعد

نقل الآية المباركة: لا يمكن أنّ يشمل سائر الخلفاء سواء أراد بهم خصوص الأربعة،

________

1) غاية المرام: المقصد الأوّل، الباب التاسع و الخمسون ص 267 ح العاشر الطبع القديم.

2) غاية المرام: المقصد الأوّل، الباب التاسع و الخمسون ص 267 ح الثالث عشر.

3) غاية المرام: المقصد الأوّل، الباب التاسع و الخمسون ص 265 ح الثاني.

4) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 276.

53

أم الاعمّ منهم و من معاوية و يزيد و الوليد و أشباههم؛ لدلالة الآية علي عصمة اُولي الأمر و هؤلاء ليسوا كذلك، فيتعين أن يراد باُولي الأمر عليّ و أبناؤه الأطهار، لانتفاء العصمة عن غيرهم بالضرورة و الاجماع (1).

و قال المحقق اللاهيجي: إنّ المراد من اُولي الأمر لا يكون إلاّ المعصومين؛ لأنّ تفويض اُمور المسلمين إلي غيرهم ترك لطف و هو قبيح (2).

و من ذلك يظهر وجه اختصاص اُولي الأمر بالأئمة الَّذي أشار إليه المصنف بقوله:

«و نعتقد أنّ الأئمة هم اُولي الأمر الَّذين أمر الله تعالي بطاعتهم».

ثم لا يخفي عليك أنّ الفخر الرازي بعد اعترافه بدلالة الآية علي عصمة الرسول و اُولي الأمر حمل اُولي الأمر علي الإجماع و قال:

حمله عليه أولي؛ لأنّه أدخل الرسول و اُولي الأمر في لفظ واحد و هو قوله:

«أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »، فكان حمل اُولي الأمر الَّذي هو مقرون الرسول علي المعصوم أولي من حمله علي العاجز و الفاسق الخ.

و فيه أنّ ذلك الحمل رديء؛ لأنّه خلاف الظاهر من الكلمة، إذ لا مناسبة بين اُولي الأمر و الإجماع، هذا مضافاً إلي أنّ الإجماع علي فرض وجوده و تحقق شرائطه حجّة بما أنه كاشف عن الحكم الشرعي و ليس لنفس المجمعين حق الأمر و الولاية، هذا

بخلاف اُولي الأمر و الرسول، فإنّ لهم الأمر و الحكم بين الناس و هذه الإطاعة غير طاعة الله و لذا كرّر الإطاعة فيهم و لم يكتف بذكرها في الله تعالي و قال:

«أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» هذا مع تفسير الآية في النصوص بالآحاد من الاُمة و هم الأئمة عليهم السّلام كما عرفت الإشارة إلي بعض هذه النصوص، فتفسيرها بالإجماع خلاف النصوص المستفيضة الصحيحة أيضاً كما لايخفي.

________

1) دلائل الصدق: ج 2 ص 192.

2) سرمايه ايمان: ص 124.

54

والأضعف مما ذكر ما حكي عن صاحب المنار من أنّ المراد من اُولي الأمر إجماع أهل الحلّ و العقد من المؤمنين، إذا أجمعوا علي أمر من مصالح الاُمة، لما عرفت من أنّ حمله علي إجماع الاُمة خلاف الظاهر و خلاف النصوص فضلاً عن حمله علي جماعة من الاُمة كأهل الحلّ و العقد هذا (1).

و أما شموله بالنسبة إلي الفقهاء ففيه تفصيل، فإن اُريد به شموله أصالة فقد مرّوجه اختصاصه بالمعصومين، فلا يشمل غيرهم.

و إن اُريد به شموله لهم تبعاً للأئمة المعصومين عليهم السّلام لأنّهم يكونون في طول الأئمة بعد كون مشروعية ولايتهم بنيابتهم عنهم، فلا يبعد صحته إذ ولايتهم من شؤون ولاية الإئمة. و لعلّ إليه يشير ماروي عن الصادق عليه السّلام من أنّ المراد من اُولي الأمر بالأصالة علي بن أبي طالب و غيره بالتبع (2) و عليه فإطاعة الفقهاء واجبة؛ لأنّها ترجع إلي إطاعة اُولي الأمر باعتبار كونهم منصوبين عنهم.

اللَّهم إلاّ أن يقال من المحتمل أن يكون الحصر في الأخبار المشارإليها حصراً إضافياً بالنسبة إلي حكام الجور المتصدين للحكومة في أعصار الأئمة عليهم السّلام فأرادوا عليهم السّلام بيان أنّ الحق لهم و أنّ هؤلاء

المتصدين ليسوا أهلاً لهذا الأمر و إلاّ فولاية الأمر إذا كانت عن حق، بأن كانت بجعل الأئمة عليهم السّلام إياها لشخص أو عنوان، فهو من قبيل تعليق الحكم علي الوصف المشعر بالعلية و دوران الحكم مداره، فعلة وجوب الإطاعة له هي كونه صاحب الأمر و أنّ له حقّ الأمر شرعاً و لا محالة لا يشمل صورة أمره بمعصية الله إذ ليس له حق الأمر بالمعصية.

و بالجملة فإطاعته واجبة في حدود ولايته المشروعة و لا يطلق صاحب

________

1) راجع الامامة و الولاية: ص 44 50.

2) احقاق الحق: ج 3 ص 424.

55

الأمر إلاّ علي من ثبت له حق الأمر و الحكم شرعاً، كما لا يطلق صاحب الدار إلاّ علي من ملكها شرعاً، دون من تسلط عليها غصباً (1) و عليه فلا مانع من شمول الآية للفقهاء عرضاً، ولكنّه تنافيه الأخبار كقول أمير المؤمنين عليه السّلام :

و إنما أمر بطاعة اُولي الأمر لأنهم معصومون مطهّرون لا يأمرون بمعصيته، إذ التعليل يخصص ذلك بالمعصومين فتدبّر جيداً.

الثاني:

أنّ الأئمة عليهم السّلام هم الشهداء علي الناس و ذلك واضح بعد ما عرفت من محدودة علمهم؛ لأنّ العلم بما كان و ما هو كائن إلي يوم القيامة يستلزم العلم بأعمال الناس، هذا مضافاً إلي شهادة الروايات علي عرض الأعمال علي رسول الله صلّي الله عليه و آله و الأئمة المعصومين عليهم السّلام في ذيل قوله تعالي: «و قل اعملوا فسيري الله عملكم و رسوله و المؤمنون» (2) و عليه فيمكن لهم إقامة الشهادة علي الناس يوم القيامة و هذا أمر دلّ عليه الكتاب حيث قال عزّوجلّ: «و وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَي النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا» (3) لأنّ الخطاب

إلي الاُمة باعتبار بعضهم ممن يكون صالحاً لوصف الوسطية المطلقة لا جميعهم؛ لوضوح عدم كونهم في الاعتدال فضلاً عن الاعتدال المطلق الواقعي، فالمراد منها هو الخواص و هم الأئمة عليهم السّلام الَّذين كانوا معصومين عن الإفراط و التفريط و خطاب الاُمة باعتبار بعضها أمر شايع، كقوله تعالي مخاطباً لبني إسرائيل: «وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً » (4) مع أنّ الملك في كلّ عصر لا يكون إلاّ واحداً و لذلك قال الإمام البلاغي قدّس سرّه : فهذه الصفات إنّما تكون باعتبار البعض و الموجه إليه الخطاب هو ذلك البعض و قد روي في اُصول الكافي

56

بأسناد صحيحة عن أبي جعفر و عن أبي عبدالله عليهما السّلام :

«نحن الاُمة الوسط و نحن شهداء الله علي خلقه» و عن الحسكاني في شواهد التنزيل، عن سليم الهلالي عن علي (ع): نحن الَّذين قال الله: «و جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ».

و عن العيّاشي عن ابن أبي عمير الزبيري عن أبي عبدالله عليه السّلام في هذه الآية «أفتري أنّ من لا تجوز شهادته في الدنيا علي صاع من تمر، يطلب الله شهادته يوم القيامة و يقبلها منه بحضرة جميع الاُمم الماضية، كلا لم يعن الله مثل هذا من خلقه» (1).

فهذا المقام مقام رفيع مخصوص بهم و مقتضاه هو إشرافهم علي الناس و أعمالهم و نيّاتهم، بحيث يسرهم إذا كانوا علي خير و يحزنهم إذا كانوا علي معصية، كما دلّت عليه النصوص.

هذا مضافاً إلي الآية الشريفة علي أنّ هؤلاء الشهداء موجودون بين الناس، إذ الشهادة علي الناس غير ممكنة بدون الحضور، كما دلّ عليه ما رواه في الكافي عن أبي عبدالله عليه السّلام في قول الله عزّوجلّ: «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا

بِكَ عَلي هؤُلاءِ شَهِيداً » قال:

نَزَلَتْ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص خَاصَّةً فِي كُلِّ قَرْنٍ مِنْهُمْ إِمَامٌ مِنَّا شَاهِدٌ عَلَيْهِمْ وَ مُحَمَّدٌ ص شَاهِدٌ عَلَيْنَا(2).

و في نهاية البحث نقول: إنّ شهادتهم علي الجميع تحكي عن علوّ شأنهم و مقامهم بالنسبة إلي الجميع و عن طهارتهم و عصمتهم و إلاّ فلم تقبل شهادتهم كذلك و لعلّ إليه يشير ما روي عن مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه قال:

«إنّ الله تبارك و تعالي طهّرنا و عصمنا و جعلنا شهداء علي خلقه و حجته

________

1) راجع تفسيرآلاء الرحمن: ص 133، تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 113.

2) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 190.

57

في أرضه و جعلنا مع القرآن و جعل القرآن معنا، لا نفارقه و لا يفارقنا (1) و بقية الكلام في محلّه (2).

الثالث:

أنّهم أبواب الله و السبيل إليه و الإدلاء عليه؛ لأنّهم قائمون مقام النبيّ صلّي الله عليه و آله فكما أنّ التعبد و السلوك بدون معرفة النبيّ ضلالة و تحيّر، كذلك الجهد و السعي في العبادة بدون معرفة الإمام الَّذي يقوم مقامه في جميع شؤونه عدا تلقّي الوحي. و الروايات في هذا المعني كثيرة جداً.

منها: ما رواه في الكافي بسند صحيح عن أبي جعفر عليه السّلام يقول:

«كل من دان الله عزّوجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه و لا إمام من الله، فسعيه غير مقبول و هو ضالّ متحيّر و الله شانيء لأعماله» (3).

و منها: ما رواه فيه أيضاً ع أمير المؤمنين عليه السّلام في ضمن حديث «أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَوْ شَاءَ لَعَرَّفَ الْعِبَادَ نَفْسَهُ وَ لَكِنْ جَعَلَنَا أَبْوَابَهُ وَ صِرَاطَهُ وَ سَبِيلَهُ وَ الْوَجْهَ الَّذِي يُؤْتَي مِنْهُ فَمَنْ عَدَلَ عَنْ وَلَايَتِنَا أَوْ فَضَّلَ عَلَيْنَا غَيْرَنَا

فَإِنَّهُمْ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ » الحديث (4).

و تشهد لهذا المعني الروايات الكثيرة الّتي عبّرت عن عليّ و أولاده العصومين عليهم السّلام بالصراط المستقيم، أو العروة الوثقي منها: ما رواه في غاية المرام عن الكليني عن محمَّد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام قال:

قلت: «أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلي وَجْهِهِ أَهْدي أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلي صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » قال:

إنّ الله ضرب مثلاً من حاد عن ولاية عليّ كمَن يمشي مكبّاً علي وجهه لا يهتدي لأمره و جعل من تبعه سوياً علي صراط مستقيم،

________

1) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 191.

2) راجع الامامة و االولاية: ص 184.

3) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 183.

4) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 184.

58

و الصراط المستقيم أمير المؤمنين (1).

و منها: ما رواه في غاية المرام أيضاً عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالي: «وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ » قال:

طريق الإمامة فاتبعوه و لا تتبعوا السبل أي طرقاً غيرها «ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » (2).

و منها: ما رواه في غاية المرام أيضاً عن أبي الحسن الفقيه محمَّد بن علي بن شاذان في المناقب المائة من طريق العامّة بحذف الأسناد عن ابن عباس قال:

سمعت رسول الله صلّي الله عليه و آله يقول:

معاشر الناس، اعلموا أنّ لله تعالي باباً من دخله أمن من النار و من الفزع الاكبر، فقام إليه أبوسعيد الخدري، فقال يا رسول الله اهدنا إلي هذا الباب حتّي نعرفه، قال:

هو عليّ بن أبي طالب سيد الوصيين و أمير المؤمنين و أخو رسول ربّ العالمين و خليفة الله علي الناس أجمعين، معاشر الناس، من أحبّ أن يتمسّك بالعروة الوثقي، الّتي لا انفصام لها، فليتمسك بولاية

عليّ بن أبي طالب، فإنّ ولايته ولايتي و طاعته طاعتي، معاشر الناس من احب أن يعرف الحجة بعدي فليعرف علي بن أبي طالب. معاشر الناس، من سرّه ليقتدي بي فعليه أن يتوالي ولاية علي بن أبي طالب و الأئمة من ذريتي، فإنّهم خزّان علمي، فقام جابر بن عبدالله الأنصاري فقال:

يا رسول الله ماعدّة الأئمة؟ قال:

يا جابر سألتني رحمك الله عن الإسلام بأجمعه، عدّتهم عدّة الشهور و هو عند الله اثناعشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات و الأرض و عدّتهم عدّة العيون الّتي انفجرت منه لموسي بن عمران عليه السّلام حين ضرب بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً و عدّة نقباء بني إسرائيل، قال الله تعالي: «

وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً » فالأئمة يا جابر، اثنا عشر إماماً أوّلهم عليّ بن أبي طالب،

________

1) غاية المرام: المقصد الثاني، الباب الثاني عشر و مائتان، ص 435.

2) غاية المرام: المقصد الثاني، الباب الثاني عشر و مائتان، ص 435.

59

و آخرهم القائم صلوات الله عليهم (1).

و تشهد لذلك أيضاً الروايات الدالّة علي أن الأئمة عليهم السّلام أركان الايمان و لا يقبل الله جلّ جلاله الأعمال من العباد إلاّ بولايتهم و الروايات الدالّة علي أن علياً باب مدينة العلم و باب مدينة الحكمة و باب المدينة الجنّة و الروايات الدالّة علي أنّ عليّاً قسيم الجنة و النار و وليّ الحوض و ساقيه و نحوها من طوائف الأخبار الّتي كانت مرويّة في جوامعنا و جوامع إخواننا العامّة بأسناد متواترة فراجع.

الرابع:

أنّهم عيبة علمه و تراجمة وحيه و أركان توحيده و خزّان معرفته و قد عرفت فيما مرّ أنّ الأئمة عليهم السَّلام ورثة علوم الأنبياء، من

طريق النبيّ، فالتورة عندهم و الإنجيل عندهم و صحف إبراهيم عندهم و تفسيرالكتاب عندهم و لا يشدّ عن علومهم شيء من العلوم الإلهية الّتي علمها الله تعالي و عليه فهم عيبة علمه و تراجمة وحيه و خزّان معرفته و حيث أنّ المعرفة الكاملة الممكنة في حد البشر بالنسبة إليه تعالي عندهم، فبهم يعرف توحيده تعالي و هم كانوا أركان توحيده.

و قد دلّت الروايات المتكثرة علي ذلك منها: ما رواه في الكافي عن الصادق عليه السّلام أنّه يقول:

«ُ نَحْنُ وُلَاةُ أَمْرِ اللَّهِ وَ خَزَنَةُ عِلْمِ اللَّهِ وَ عَيْبَة وحي الله» (2).

و منها: ما رواه في الكافي أيضاً عن سدير عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

قلت له: «جعلت فداك ما أنتم؟

قَالَ نَحْنُ خُزَّانُ عِلْمِ اللَّهِ وَ نَحْنُ تَرَاجِمَةُ وَحْيِ اللَّهِ وَ نَحْنُ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَي مَنْ دُونَ السَّمَاءِ وَ مَنْ فَوْقَ الْأَرْض (3).

________

1) غاية المرام: المقصد الاول، الباب الثامن و الثلاثون ص 244 ح 2.

2) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 192.

3) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 192.

60

و منها: ما رواه في الكافي أيضاً عن أبي الحسن موسي عليه السّلام قال:

«قال أبوعبدالله عليه السّلام : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَنَا فَأَحْسَنَ خَلْقَنَا وَ صَوَّرَنَا فَأَحْسَنَ صُوَرَنَا وَ جَعَلَنَا خُزَّانَهُ فِي سَمَائِهِ وَ أَرْضِهِ وَ لَنَا نَطَقَتِ الشَّجَرَةُ وَ بِعِبَادَتِنَا عُبِدَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَوْلَانَا مَا عُبِدَ اللَّه (1).

و منها: ما رواه في الكافي أيضاً عن أبي عبدالله عليه السّلام : «الْأَوْصِيَاءُ هُمْ أَبْوَابُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الَّتِي يُؤْتَي مِنْهَا وَ لَوْلَاهُمْ مَا عُرِفَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ بِهِمُ احْتَجَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي عَلَي خَلْقِه (2).

و يشهد لذلك أيضاً ما ورد

في عظمة علم عليّ و أولاده المعصومين عليهم السّلام مثل ما رواه في غاية المرام عن الخطيب الفقيه أبي الحسن ابن المغازلي الشافعي في كتاب المناقب بإسناده إلي ابن عباس قال:

«قال رسول الله صلّي الله عليه و آله : أَتَانِي جَبْرَئِيلُ ع بِدُرْنُوكٍ مِنْ الْجَنَّةِ فَجَلَسْتُ عَلَيْهِ فَلَمَّا صِرْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي كَلَّمَنِي وَ نَاجَانِي فَمَا عَلَّمَنِي شَيْئاً إِلَّا وَ عَلَّمْتُ عَلِيّاً فَهُوَ بَابُ عِلْمِ مَدِينَتِي ثُمَّ دَعَاهُ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا عَلِيُّ سِلْمُكَ سِلْمِي وَ حَرْبُكَ حَرْبِي وَ أَنْتَ الْعَلَمُ بَيْنِي وَ بَيْنَ أُمَّتِي بَعْدِي. (3).

و مثل ما رواه فيه أيضاً عن ابن شاذان عن أبي هريرة قال: كنت عند النبيّ إذ أقبل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال:

أَ تَدْرِي مَنْ هَذَا ؟ قلت: عليّ بن أبي طالب عليه السّلام

فَقَالَ النَّبِيُّ صلّي الله عليه و آله : هَذَا الْبَحْرُ الزَّاخِرُ هَذَا الشَّمْسُ الطَّالِعَةُ أَسْخَي مِنَ الْفُرَاتِ كَفّاً وَ أَوْسَعُ مِنَ الدُّنْيَا قَلْباً فَمَنْ أَبْغَضَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه (4).

________

1) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 193.

2) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 193.

3) غاية المرام: فصل فضل علي عليه السّلام ص 510، الباب الخامس و العشرون ح 1.

4) غاية المرام: الفصل المذكور ص 512، الباب الخامس و العشرون ح 16.

61

و مثل ما رواه فيه عن الترمذي و هو من أكابر علماء العامّة، قال ابن عباس و هو إمام المفسرين: «

الْعِلْمُ سِتَّةُ أَسْدَاسٍ لِعَلِيِّ مِنْها خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ وَ لِلنَّاسِ سُدُسٌ وَ لَقَدْ شَارَكَنَا فيه حتيّ هو أعلم به منا» (1).

و يشهد لذلك أيضاً ما ورد في أنّ علم رسول الله صلّي الله عليه و آله كلّه عند أمير المؤمنين و أولاده المعصومين عليهم السّلام و ما

ورد في أنّ علياً يقول:

«وَ اللَّهِ لَوْ ثُنِيَتْ لِيَ الْوِسَادَةُ فَجَلَسْتُ عَلَيْهَا لَأَفْتَيْتُ أَهْلَ التَّوْرَاةِ بِتَوْرَاتِهِمْ وَ أَهْلَ الْإِنْجِيلِ بِإِنْجِيلِهِمْ وَ أَهْلَ الزَّبُورِ بِزَبُورِهِمْ- وَ أَهْلَ الفرقان بفرقانهم» و غير ذلك من الروايات المتواترات.

الخامس:

أنّهم أمان لأهل الأرض و لا إشكال و لا ريب في أنّ الإهتداء لا يتحقق إلاّ بهم، بعد ما عرفت من أنّهم خلفاء الله و رسوله و عيبة علمه و خزّان علمه و تراجمة وحيه و أنّ الإعراض عنهم لا يوجب إلاّ الهلاكة و السقوط و التحيّر و الضلالة، فبهذا الاعتبار، هم أمان لأهل الأرض و لعلّه ظاهر قوله صلّي الله عليه و آله «مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي كَسَفِينَةِ نُوح ٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَي وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِق و هوي» و إليه أشار المصنف بقوله:

و لذا كانوا أماناً لأهل الأرض إلخ.

كما أنّهم باعتبار آخر أيضاً أمان لأهل الأرض و هو أنّ الأرض و السماء و بركاتهما تدوم مادام النبيّ أو الوليّ موجوداً في الأرض و إلاّ فلا بقاء لهما و لا لبركاتهما و هذا مستفاد أيضاً من الروايات.

منها: ما رواه في غاية المرام عن مسند أحمد بن حنبل … عن رسول الله صلّي الله عليه و آله أنّه قال:

«

النُّجُومُ أَمَانٌ لِأَهْلِ السَّمَاءِ، إِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ ذَهَبوا وَ أَهْلُ بَيْتِي أَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ فَإِذَا ذَهَبَ أَهْلُ بَيْتِي ذَهَبَ أَهْلُ الْأَرْضِ.» (2).

________

1) غاية المرام: الفصل المذكور ص 514، الباب الخامس و العشرون ح 33.

2) غاية المرام: المقصد الاول ص 274، الباب السادس و الستون ح 1.

62

و منها: ما رواه فيه أيضاً عن ابن بابويه عن جابر بن يزيد الجعفي قال:

«قلت لأبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السّلام

لِأَيِّ شَيْ ءٍ يُحْتَاجُ إِلَي النَّبِيِّ وَ الْإِمَامِ؟

فَقَالَ

لِبَقَاءِ الْعَالَمِ عَلَي صَلَاحِهِ وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَرْفَعُ الْعَذَابَ عَنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِذَا كَانَ فِيهَا نَبِيٌّ أَوْ إِمَامٌ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ قَالَ النَّبِيُّ ص النُّجُومُ أَمَانٌ لِأَهْلِ السَّمَاءِ وَ أَهْلُ بَيْتِي أَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَي أَهْلَ السَّمَاءِ مَا يَكْرَهُون وَ إِذَا ذَهَبَ أَهْلُ بَيْتِي أَتَي أَهْلَ الْأَرْضِ مَا يَكْرَهُونَ » (1).

و منها: ما رواه فيه أيضاً عن ابن بابويه … عن الصادق عليه السّلام عن أبيه محمّد بن علي ّ عن أبيه علي بن الحسين قال: «نَحْنُ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَ حُجَجُ اللَّهِ عَلَي الْعَالَمِينَ وَ سَادَةُ الْمُؤْمِنِينَ وَ قَادَةُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ وَ مَوَالِي الْمُؤْمِنِينَ وَ نَحْنُ أَمَانُ أَهْلِ الْأَرْضِ كَمَا أَنَّ النُّجُومَ أَمَانٌ لِأَهْلِ السَّمَاءِ وَ نَحْنُ الَّذِينَ بِنَا يُمْسِكُ اللَّهُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَي الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَ بِنَا يُمْسِكُ الْأَرْضَ أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلِهَا وَ بِنَا يُنَزِّلُ الْغَيْثَ* وَ بِنَا يَنْشُرُ الرَّحْمَةَ وَ يُخْرِجُ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ وَ لَوْ لَا مَا فِي الْأَرْضِ مِنَّا لَسَاخَتْ بِأَهْلِهَا قَالَ ع وَ لَمْ تَخْلُ] الْأَرْضُ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ حُجَّةِ اللَّهِ فِيهَا ظَاهِرٌ مَشْهُورٌ أَوْ غَائِبٌ مَسْتُورٌ وَ لَا تَخْلُو إِلَي أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ مِنْ حُجَّةٍ لِلَّهِ فِيهَا وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ يُعْبَدِ اللَّهُ» الحديث (2).

و منها ما رواه في الكافي عن مولانا الصادق عليه السّلام أنّه قال:

«

إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا فَأَحْسَنَ خَلْقَنَا وَ صَوَّرَنَا فَأَحْسَنَ صُوَرَنَا وَ جَعَلَنَا عَيْنَهُ فِي عِبَادِهِ وَ لِسَانَهُ النَّاطِقَ فِي خَلْقِهِ وَ يَدَهُ الْمَبْسُوطَةَ عَلَي عِبَادِهِ بِالرَّأْفَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ وَجْهَهُ الَّذِي يُؤْتَي مِنْهُ وَ بَابَهُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ وَ خُزَّانَهُ فِي سَمَائِهِ

وَ أَرْضِهِ بِنَا أَثْمَرَتِ الْأَشْجَارُ وَ أَيْنَعَتِ الثِّمَارُ

________

1) غاية المرام: المقصد الاول ص 275، الباب السابع و الستون ح 2.

غاية المرام: المقصد الاول ص 275، الباب السابع و الستون ح 2.

63

وَ جَرَتِ الْأَنْهَارُ وَ بِنَا يَنْزِلُ غَيْثُ السَّمَاءِ وَ يَنْبُتُ عُشْبُ الْأَرْضِ وَ بِعِبَادَتِنَا عُبِدَ اللَّهُ وَ لَوْ لَا نَحْنُ مَا عُبِدَ اللَّهُ.» (1) و غير ذلك من الروايات.

السادس:

أنّ الأئمة هم العباد المكرمون المطهّرون، إذ إمامتهم لا تنفك عن عصمتهم و طهارتهم، هذا مضافاً إلي تنصيص الروايات الكثيرة المتواترة.

قال علي بن موسي الرضا عليه السّلام في ضمن ما قال: «الْإِمَامُ الْمُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ الْمُبَرَّأُ مِنَ الْعُيُوب (2)

و قال رسول الله صلّي الله عليه و آله : «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَي الْقَضِيبِ الْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ الَّذِي غَرَسَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِيَدِهِ وَ يَكُونُ مُسْتَمْسِكاً بِهِ فَلْيَتَوَلَّ عَلِيّاً وَ الْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِهِ فَإِنَّهُمْ خِيَرَةُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ صَفْوَتُهُ وَ هُمُ الْمَعْصُومُونَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَ خَطِيئَةٍ.» (3).

و أخبرت فاطمة سلام الله عليها عن رسول الله صلّي الله عليه و آله أنّه قال: «أَخْبَرَنِي جَبْرَئِيلُ عَنْ كَاتِبَيْ عَلِيٍّ أَنَّهُمَا لَمْ يَكْتُبَا عَلَي عَلِيٍّ ذَنْباً مُذْ صَحِبَاه (4).

و أخبر محمد بن عمّار بن ياسر عن أبيه قال:

سمعت النبيّ صلّي الله عليه و آله يقول: «إِنَّ حَافِظَيْ عَلِيٍّ لَيَفْخَرَانِ عَلَي سَائِرِ الْحَفَظَةِ بِكَوْنِهِمَا مَعَ عَلِيٍّ ع وَ ذَلِكَ أَنَّهُمَا لَمْ يَصْعَدَا إِلَي اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِشَيْ ءٍ مِنْهُ فَيُسْخِطَهُ.» (5).

و قال الإمام علي بن الحسين عليهما السّلام :

«

الْإِمَامُ مِنَّا لَا يَكُونُ إِلَّا مَعْصُوماً وَ لَيْسَتِ الْعِصْمَةُ فِي ظَاهِرِ الْخِلْقَةِ فَيُعْرَفَ بِهَا وَ لِذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَنْصُوصاً فَقِيلَ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَمَا مَعْنَي الْمَعْصُومِ فَقَالَ

هُوَ الْمُعْتَصِمُ بِحَبْلِ اللَّهِ وَ حَبْلُ اللَّهِ هُوَ الْقُرْآنُ لَا يَفْتَرِقَانِ إِلَي يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ الْإِمَامُ يَهْدِي إِلَي الْقُرْآنِ

________

1) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 144.

2) بحار الأنوار: ج 25 ص 124.

3) بحار الأنوار: ج 25 ص 193.

4) بحار الأنوار: ج 25 ص 193.

5) بحار الأنوار: ج 25 ص 194.

64

وَ الْقُرْآنُ يَهْدِي إِلَي الْإِمَامِ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ.» (1).

و قال مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام :

«إِنَّمَا الطَّاعَةُ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِوُلَاةِ الْأَمْرِ وَ إِنَّمَا أُمِرَ بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مُطَهَّرُونَ لَا يَأْمُرُونَ بِمَعْصِيَتِه (2).

و قال رسول الله صلّي الله عليه و آله :

«أَنَا وَ عَلِيٌّ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ مُطَهَّرُونَ مَعْصُومُون (3). إلي غير ذلك من الروايات. بل تدل علي عصمة الأئمة جملة من الآيات المباركات، منها قوله تعالي: «لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ » (4) لوجوه (5): منها: إنّ إبراهيم بعد ارتفاعه إلي مقام الإمامة سأل هذا المقام الرفيع لبعض ذريّته فاستجاب الله هذا السؤال في بعضهم و المتصوّر من البعض المستفاد من قوله:

«قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي » أربع:

1 من يكون في جميع عمره من الأوّل إلي الآخر ظالماً

2 من لا يكون ظالماً في آخره عمره. و حيث إنّ جلالة مقام إبراهيم تمنع عن سؤاله تلك الإمامة الرفيعة الأوّلين، فانحصر سؤاله في الأخرين، فاستجاب الله سؤاله في بعضه و هو من لا يكون ظالماً في طول حياته، فعهده تعالي سواء اختص بالإمامة أو يكون أعمّ من النبوة لاينال غير المعصومين و حيث ثبت

________

1) بحار الأنوار: ج 25 ص 194.

2) بحار الأنوار: ج 25 ص 200.

3)

بحار الأنوار: ج 25 ص 201.

4) البقرة: 125.

5) راجع الامامة و الولاية: ص 31.

65

إمامة أئمتنا بالنصوص المتواترة فلا محالة بحكم هذه الآية المباركة كانوا معصومين من أول حياتهم إلي مماتهم.

و منها: قوله تعالي: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » (1) لتواتر الأخبار الدالّة علي نزولها في الخمسة الطاهرة و قد أورد جملة منها في غاية المرام و دلائل الصدق و قد صنّف في تلك الآية كتب قيمة (2).

و هذه الأخبار المتواترة تشهد أنّ المراد من أهل البيت هم أهل بيت النبوّة لا الأزواج و لا مطلق الأنساب، فالقول بأنّ سياق الآيات و المناسبة بينها يقتضي أنّها نزلت في أزواج النبيّ مردود؛ لأنّه اجتهاد في قبال النصوص الصريحة الصحيحة، هذا مضافاً إلي أنّه لو كانت نازلة في حقّ الأزواج لزم تأنيث الضمائر، إذ في هذا الفرض ليس المخاطبون بها إلاّ الإناث.

قال في دلائل الصدق بعد نقل هذا القول الفاسد و فيه أوّلاً: أنّ مناسبة النظم لا تعارض ما تواتر بنزولها في الخمسة الطاهرين أو الآربعة خاصة.

و ثانياً: أنا نمنع المناسبة لتذكير الضمير بعد التأنيث و لتعدد الخطاب و المخاطب و إنّما جعل سبحانه هذه الآية في أثناء ذكر الأزواج و خطابهن للتنبيه علي أنّه سبحانه إنّما أمرهن و نهاهن و أدبهن إكراماً لأهل البيت، تنزيهاً لهم، عن أن تنالهم بسببهن و صمة و صوناً لهم عن أن يلحقهم من أجلهن عيب و رفعاً لهم عن أن يتصل بهم أهل المعاصي؛ و لذا استهل سبحانه الآيات بقوله:

«يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ » ضرورة أنّ هذا التمييز إنّما هو للإتصال بالنبيّ و آله، لا لذواتهن، فهنّ في محلٍّ و أهل

البيت في محلّ آخر،

________

1) الاحزاب: 33.

2) راجع كتاب آية التطهير في احاديث الفريقين و كتاب أصحاب الكساء و غيرهما.

66

فليست الآية الكريمة إلاّ كقول القائل يا زوجة فلان، لست كأزواج سائر الناس فتعففي و تستري و أطيعي الله تعالي، إنّما زوجك من بيت أطهار يريد الله حفظهم من الأدناس و صونهم عن النقائص (1).

فهذه الآية نزلت في حقّ الخمسة الطاهرة و أمّا ذكرها في ضمن هذه الآيات فلعلّه إمّا لما أشار إليه صاحب دلائل الصدق و عليه فلا تكون الجملة معترضة، بل هي في حكم التعليل بالنسبة إلي ما أمر به زوجات النبيّ صلّي الله عليه و آله فيكون شاهداً علي وجود طهارة أهل البيت عليهم السّلام لا إثباتها اذ المقصود علي ما ذكر من قوله:

«إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » أنّه تعالي إنّما يريد هذه النواهي؛ لأن لا تتلوث ساحتهم المعلوم طهارتها بافعالهن التي لا تناسب طهارة أهل البيت عليهم السّلام و لعل ذكر اللام في ليذهب مما يؤيد هذا الاحتمال؛ لتعلق الإرادة بالمحذوف و هو النواهي المذكورة لهذه الغاية إلاّ فلا حاجة لتعلق الإرادة بالذهاب إلي اللام كما لا يخفي.

و أمّا لما أشار إليه البعض الآخر كالاُستاذ المطهري قدّس سرّه من أنّها نزلت في حقّ الخمسة الطاهرة و لكن وضعت بين الآيات المذكورة، لمصلحة حفظ الإسلام عن تبليغات سوء المنافقين و تمرّدهم و إعراضهم؛ لأنّ النبيّ صلّي الله عليه و آله كان خائفاً من التمرد الصريح عن الإسلام و القرآن الكريم، لا من أن يذهبوا إلي التأويل مع قيام القرينة الداخلية و الخارجية علي المعني المراد فجعلت الآية المذكورة و أشباهها كآية إكمال الدين في ضمن الآيات الاُخر؛

لأن يتمكن المخالف من التأويل و لا يضطر إلي الإعراض الصريح و التمرد الواضح، فالجملة حينئذٍ تكون معترضة بين الآيات الاُخري

________

1) دلائل الصدق: ج 2 ص 72.

67

كما لا يخفي (1).

ولا بأس بذكر بعض الروايات: روي الحاكم عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب و صحّحه أنّه قال:

«لمّا نظر رسول الله صلّي الله عليه و آله إلي الرحمة هابطة قال:

ادعوا اليّ ادعوا اليّ، فقالت صفية من يارسول الله؟ قال:

أهل بيتي علياً و فاطمة و الحسن و الحسين، فجيء بهم فألقي عليهم النبيّ صلّي الله عليه و آله كساءه، ثم رفع يديه، ثم قال:

اللّهم هؤلاء آلي فصلّ علي محمّد و آل محمَّد و أنزل الله: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ». (2).

و روي الترمذي في مناقب أهل البيت عن عمر بن أبي سلمة «نزلت هذه الآية علي النبي صلّي الله عليه و آله «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» في بيت اُمّ سلمة فدعا النبيّ صلّي الله عليه و آله فاطمة و حسناً و حسيناً بكساء و عليّ خلف ظهره فجلّله بكساء، ثم قال: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهِّرْهُمْ تَطْهِيرا

قالت اُمّ سلمة: و أنا معهم يا نبيّ الله؟ قال:

أنت علي مكانك و أنت إلي خير» (3).

و روي أحمد بن حنبل عن اُمّ سلمة، أنّ النبيّ صلّي الله عليه و آله جلّل علي عليّ و حسن و حسين و فاطمة كساء، ثم قال: اللّهم أهل بيتي و خاصّتي، اللّهم أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً، فقالت اُمّ سلمة: أنا معهم؟ قال:

إنّك إلي خير (4).

و روي سيوطيّ في الدر المنثور عن ابن مردويه عن

اُمّ سلمة «قالت: نزلت هذه الآية في بيتي «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ

________

1) راجع امامت و رهبري: 152 161.

2) دلائل الصدق: ج 2 ص 67.

3) دلائل الصدق: ج 2 ص 68.

4) دلائل الصدق: ج 2 ص 69.

68

وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» و في البيت سبعة: جبرئيل و ميكائيل و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و أنا علي باب البيت، قلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال:

إِنَّكِ إِلَي خَيْر، إنّك أزواج النبيّ (1).

و روي السيوطيّ أيضاً في الدر المنثور … عن أبي سعيد الخدري: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص:

نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي خَمْسَةٍ فِيَ وَ فِي عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ حَسَنٍ وَ حُسَيْنٍ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ» الآية (2).

و روي الترمذي في جمعه أنّ رسول الله صلّي الله عليه و آله كان من وقت نزول هذه الآية إلي قرب ستة أشهر إذا خرج إلي الصلاة يمر بباب فاطمة، ثم يقول:

«إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (3) و في بعض الروايات كان يقول قبل تلاوة الآية السلام عليكم أهل البيت و رحمة الله و بركاته، ثم يقول:

أنّما يريد الله، الآية.

قال ابن أبي الحديد المعتزلي: قد بيّن رسول الله صلّي الله عليه و آله عترته من هي لمّا قال:

أنا تارك فيكم الثقلين، فقال:

و عترتي أهل بيتي و بيّن في مقام آخر مّن أهل بيته، حين طرح عليهم الكساء و قال حين نزول: «إِنَّما يُرِيدُ » اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس (4). هذه الروايات جملة مما رواه العامّة و هو كثير.

و أمّا الروايات الّتي روتها الخاصّة فهي أكثر و لكن أكتفي منها بذكر رواية عن ابن

بابويه … عن عليّ عليه السّلام قال:

دَخَلْتُ عَلَي رَسُولِ اللَّهِ صلّي الله عليه و آله في بيت اُمّ سلمة و قد نزلت عليه هذه الآية: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» فقال رسول الله صلّي الله عليه

________

1) دلائل الصدق: ج 2 ص 69.

2) دلائل الصدق: ج 2 ص 70.

3) غاية المرام: المقصد الثاني ص 291، الباب الاول ح 38.

4) غاية المرام: المقصد الثاني ص 291، الباب الاول ح 36.

69

و آله :

يا عليّ هذه الآية فيك و في سبطيّ و الأئمة من ولدك، فقلت: ُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ كَمِ الْأَئِمَّةُ بَعْدَك

قال:

أنت يا عليّ، ثم الحسن و الحسين و بعد الحسين عليّ ابنه و بعد عليّ محمّد ابنه و بعد محمّد جعفر ابنه و بعد جعفر موسي ابنه و بعد موسي عليّ ابنه و بعد عليّ محمّد ابنه و بعد محمّد علي ابنه و بعد عليّ الحسن ابنه و الحجة من ولد الحسن، هكذا أسماؤهم مكتوبة علي ساق العرش، فسألت الله تعالي عن ذلك، فقال:

يا محمّد هذه الأئمة بعدك مطهّرون معصومون و أعداؤهم ملعونون (1).

ثم إنّ معني الآية بناء علي كونه علّة للنواهي المذكورة واضح، فإنّها تشهد علي مفروغية طهارة أهل البيت و بناء عليه فالإرادة تشريعية متعلقة بالنواهي لداعي عدم تلوث طهارتهم المحرزة المعلومة و أمّا بناء علي كون الآية جملة معترضة في ضمن الآيات المذكورة، فالإرادة متعلقة بإذهاب الرجس و تكون تكوينية و عليه فمعني الآية هو أنّه تعالي حصر إرادته لإذهاب الرجس و التطهير في أهل البيت و من المعلوم أنّ هذه الإرادة ليست إلاّ إرادة تكوينية و إلاّ فلا معني للحصر؛ لأن الإرادة التشريعيّة عامّة و لا

تختص بقوم دون قوم، فإذا ثبت أنّ الإرادة تكوينيّة فهي لن تتخلف عن المراد فإرادة التطهير مساوقة لطهارة أهل البيت و التعبير بالمضارع لعلّه لإفادة استمرار هذه الإرادة التكوينيّة، ثم إنّ هذه الإرادة التكوينيّة لا تتنافي مع اختيارية العصمة عن الذنوب لإرادته تعالي طهارتهم مع وساطة اختيارهم كما لا يخفي.

ثم إنّ طهارتهم ليست بمعني إزالة الأمراض عنهم؛ لأنّه خارج عن منطق القرآن، إذ القرآن ليس كتاباً من الكتب الطبيّة، بل كتاب سماوي نزل لهداية الناس إلي السعادة الواقعية، فالمقصود هو طهارتهم مما صرّح القرآن بكونه

________

1) غاية المرام: المقصد الثاني ص 293، الباب الثاني ح 6.

70

رجساً و رجزاً، فهم معصومون من كلّ ذنب سواء كان عمليّاً أو اعتقاديّاً أو اخلاقيّاً، فإنّ الرجس يعمّ كلّ ذلك.

قال في الميزان:

والرجس بالكسر، فالسكون صفة من الرجاسة و هي القذارة و القذارة هيئة في الشيء توجب التجنّب و التنفّر منها و تكون بحسب ظاهر الشيء كرجاسة الخنزير قال تعالي: «أَوْ لَحْمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ » (1) و بحسب باطنه و هو الرجاسة و القذارة المعنوية كالشرك و الكفر و اثر العمل السيّيء قال تعالي: «وَ أَمَّا الَّذينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَي رِجْسِهِمْ وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ » (2) و قال:

«وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَي الَّذينَ لا يُؤْمِنُون (3).

و أيّاً ما كان فهو إدراك نفسانيّ و أثر شعوريّ من تعلّق القلب بالاعتقاد الباطل أو العمل السيّي،.

و إذهاب الرجس (واللام فيه للجنس) إزالة كلّ هيئة خبيثة في النفس تخطيء حق الاعتقاد و العمل، فتنطبق علي العصمة الإلهية الّتي هي صورة علميّة نفسانيّة تحفظ الإنسان من باطل الاعتقاد

و سيّيء العمل إلي أن قال : فمن المتعين حمل إذهاب الرجس في الآية علي العصمة و يكون المراد بالتطهير في قوله:

«وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً » و قد أكّد بالمصدر إزالة أثر الرجس بإيراده ما يقابله بعد إذهاب أصله و من المعلوم أنّ ما يقابل الاعتقاد الباطل هو الاعتقاد الحقّ، فتطهيرهم هو تجهيزهم بإدراك الحقّ في الاعتقاد و العمل إلي أن قال : و المعني أنّ الله سبحانه تستمر إرادته أن يخصّكم بموهبة العصمة بإذهاب الاعتقاد الباطل و أثر العمل السيّيء عنكم أهل البيت و إيراد ما يزيل أثر ذلك

________

1) الانعام: 145.

2) التوبة: 125.

3) الانعام: 125.

71

عليكم و هي العصمة (1) و كيف كان فالأئمة عليهم السلام هم المعصومون المطهّرون و هم عباده المكرمون الَّذين لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون كما جاء في الزيارة الجامعة (2).

السابع:

أنّ طاعتهم طاعة الرسول و طاعة الرسول طاعة الله و ذلك واضح لما مرّ مراراً من أنّ الإمام يقوم مقام النبيّ صلّي الله عليه و آله فطاعته طاعة الرسول و حيث إنّ طاعة الرسول طاعة الله بنص قوله تعالي: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ » (3) فطاعة الإمام القائم مقامه أيضاً طاعة الله، فلا يجوز الرد علي الإمام و الرادّ عليه كالرادّ علي الرسول و الرادّ علي الرسول كالرادّ علي الله و عليه فيجب التسليم لهم و الانقياد لأمرهم و الأخذ بقولهم.

روي الكليني بسند صحيح عن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال:

ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الأشياء و رضا الرحمان تبارك و تعالي، الطاعة للإمام بعد معرفة، ثم قال:

إنّ الله تبارك تعالي يقول:

«مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَ مَنْ تَوَلَّي فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفيظاً »

(4).

فإذا ثبت أنّ إطاعتهم إطاعة الله، فانحل الاشتغال اليقينيّ بالتكاليف الشرعيّة في أوامرهم و نواهيهم الشرعيّة، فمن انتهي بنهيهم و امتثل بأمرهم أدي ما عليه، بلا ريب و لا كلام و من أعرض عنهم و لم يتوجه إلي أوامرهم و نواهيهم بقيت التكاليف الشرعيّة في عهدته و لم يأت بها، إلاّ بما ليس بحجّة كالقياس، أو يكون اجتهاداً في مقابل نصّهم، مع أنّ نصّهم كنصّ الرسول و نصّه كنصّ الله، فالأئمة كما يكونون في تفصيل الاعتقادات و الأخلاقيات و الحكم كسفينة نوح، كذلك في الأحكام الشرعيّة، فمن ركب هذه السفينة

________

1) تفسير الميزان: ج 16 ص 330 331.

2) تفسير الميزان: ج 16 ص 330 331.

3) النساء: 80.

4) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 185 186.

72

نجا من الضلالات و الشبهات و الرذيلات و الظلامات و مخالفة التكليف اليقينيّ و من تخلّف عنها وقع في المهلكات و التمردات و الظلامات.

الثامن:

أنّ المصنّف قدّس سرّه ذهب إلي أنّ المهم ليس في هذه العصور هو إثبات أنّ الأئمة هم الخلفاء الشرعيون و أهل السلطنة الإلهية معلّلاً بأنّ ذلك أمر مضي في ذمّة التاريخ و ليس في إثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد، أو يعيد الحقوق المسلوبة إلي أهلها.

ولكنّه لا يخلو عن النظر فإنّ أمر ولاية الأئمة عليهم السَّلام ليس مما انقضي زمانه بعد لزوم اعتقادنا بولاية صاحبنا و مولانا المهديّ الحجّة بن الحسن عليهما السّلام فمن لم يعتقد إلاّ بالمرجعيّة العلميّة كيف يتولي بإمامة مولانا الحجّة بن الحسن و كيف يتمكن من أن يأتي بما يجب عليه من معرفته بإمامته كما نصّت عليه الروايات الكثيرة منها: قوله صلّي الله عليه و آله من مات و لم يعرف إمام زمانه مات

ميتة جاهليّة.

هذا مضافاً إلي أنّ البحث عن ولاية الأئمة تفيد كيفية الولاية و الحكومة في عصر الغيبة، فإنّ من اعتقد أنّ الولاية لهم و نوّابهم، فالأمر عنده واضح؛ لأنّ الولاية في عصر الغيبة حق لنوّابهم العامّة و من لم يعتقد ذلك وقع في الحيص و البيص كما لا يخفي و لعلّ مقصود المصنّف من ذلك هو المماشاة مع العامّة فلا تغفل. .

5 عقيدتنا في حبّ آل البيت

5 عقيدتنا في حبّ آل البيت

عقيدتنا في حبّ آل البيت

قال الله تعالي: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي (1).

نعتقد أنّه زيادة علي وجوب التمسك بآل البيت، يجب علي كلّ مسلم أن يدين بحبّهم و مودّتهم؛ لأنّه تعالي في هذه الآية المذكورة حصر المسؤول عليه الناس في المودة في القربي.

و قد تواتر عن النبيّ صلّي الله عليه و آله أنّ حبّهم علامة الإيمان و أنّ بغضهم علامة النقاق و أنّ من أحبّهم أحبّ الله و رسوله و من أبغضهم أبغض الله و رسوله.

بل حبهم فرض من ضروريات الدين الإسلامي، الّتي لا تقبل الجدل و الشك. و قد اتفق عليه جميع المسلمين علي اختلاف نحلهم و آرائهم عدا فئة قليلة اعتبروا من نصبوا العداوة لآل بيت محمّد صلّي الله عليه و آله و بهذا يعدّون من المنكرين لضرورة إسلامية ثابتة بالقطع و المنكر

________

1) الشوري: 23.

74

للضرورة الإسلامية، كوجوب الصلاة و الزكاة، يعدّ في حكم المنكر لأصل الرسالة، بل هو علي التحقيق منكر للرسالة و إن أقرّ في ظاهر الحال بالشهادتين و لأجل هذا كان بغض آل محمّد عليهم السّلام من علامات النفاق و حبّهم من علامات الإيمان و لأجله أيضاً كان بغضهم بغضاً لله و لرسوله.

ولا شكّ أنّه تعالي لم يفرض حبّهم و

مودّتهم إلاّ لأنّهم أهل للحب و الولاء من ناحية قربهم إليه سبحانه و منزلتهم عنده و طهارتهم من الشرك و المعاصي و من كل ما يبعد عن دار كرامته و ساحة رضاه.

ولا يمكن أن نتصور أنّه تعالي يفرض حبّ من يرتكب المعاصي، أو لا يطيعه حق طاعة، فإنّه ليس له قرابة مع أحد أو صداقة و ليس عنده الناس بالنسبة إليه إلاّ عبيداً مخلوقين علي حدٍّ سواء و إنّما أكرمهم عند الله أتقاهم، فمن أوجب حبّه علي الناس كلّهم لابدّ أن يكون أتقاهم و أفضلهم جميعاً و إلاّ كان غيره أولي بذلك الحب، أو كان الله يفضّل بعضاً علي بعض في وجوب الحبّ و الولاية عبثاً أو لهواً بلا جهة استحقاق و كرامته (1) يقع الكلام في مقامات:

الأوّل: في معني المودّة و المحبّة

قال في القاموس: الودّ و الوداد: الحبّ و يثلثان كالودادة و المودّة و قال في المصباح المنير: وددته أودّة من باب تعب وداً بفتح الواو و ضمّها أحببته و الإسم المودة. انتهي موضع الحاجة منه و لكن في كتاب الإمامة و الولاية في القرآن أنّ المودّة المحبّة المستتبعة للمراعاة و التعاهد و لعلّها لاشتمالها علي ذلك لا يستعمل في محبّة العباد لله تعالي، انتهي.

75

و فيه أنّه لم أجد ذلك في كتب اللغة و لعلّ هذا القيد مما يقتضيه حقيقة المحبّة، إذ المحبة الواقعيّة أثرها هو المراعاة و التعاهد، نعم ربّما يقال:

إنّ المودّة هي الّتي لها الخارجية استناداً بقوله تعالي: «لا تجد قوماً يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادّون من حادّ الله و رسوله» (1) بقرينة مقابلة الموادّة للمحادّة الّتي لها الخارجية، ولكنّه غير تامّ لأنّ المودّة لا تختص بذلك؛ لاستعمالها في الأمر القلبيّ

أيضاً لقوله تعالي: «إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا » (2) فالظاهر هو عدم الفرق بين المودّة و المحبّة.

الثاني: أنّ المحبّة و الوداد في الله كالبغض في الله

من الاُمور التي ندب الإسلام الاجتماع إليها و أكّد عليها و ورد في ذلك روايات كثيرة، منها قول النبيّ صلّي الله عليه و آله :

« وُدُّ الْمُؤْمِنِ لِلْمُؤْمِنِ فِي اللَّهِ مِنْ أَعْظَمِ شُعَبِ الْإِيمَانِ أَلَا وَ مَنْ أَحَبَّ فِي اللَّهِ وَ أَبْغَضَ فِي اللَّهِ وَ أَعْطَي فِي اللَّهِ وَ مَنَعَ فِي اللَّهِ فَهُوَ مِنْ أَصْفِيَاءِ اللَّه .

و سأل صلّي الله عليه و آله أصحابه: «أَيُّ عُرَي الْإِيمَانِ أَوْثَقُ ؟

فَقَالُوا: اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ.

وَ قَالَ بعضهم: الصَّلَاةُ ،

وَ قَالَ بَعْضُهُمُ : الزَّكَاةُ ،

و قَالَ بَعْضُهُمُ : الصِّيَامُ ،

وَ قَالَ بَعْضُهُمُ : الْحَجُ وَ الْعُمْرَةُ ،

وَ قَالَ بَعْضُهُمُ : الجهاد،

فقال رسول الله صلّي الله عليه و آله :

لِكُلِّ مَا قُلْتُمْ فَضْلٌ وَ لَيْسَ بِهِ وَ لَكِنْ أَوْثَقُ عُرَي الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَ الْبُغْضُ فِي اللَّهِ وَ تَوَالِي (تولّي) أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَ التَّبَرِّي مِنْ أَعْدَاءِ اللَّه (3).

________

1) المجادلة: 22.

2) مريم: 96.

3) الاُصول من الكافي: ج 2 ص 125 126.

76

قال الفاضل النراقي قدّس سرّه في تفسير هذه المحبّة و الوداد في الله، أن يحبه لله و في الله، لا لينال منه علماً أو عملاً، أو يتوسل به إلي أمر وراء ذاته و ذلك بأن يحبه من حيث إنّه متعلق بالله و منسوب إليه، أمّا بالنسبة العامّة التي ينتسب بها كل مخلوق إلي الله، أو لأجل خصوصية النسبة أيضاً، من تقرّبه إلي الله و شدة حبّه و خدمته له تعالي. و لا ريب في أنّ من آثار غلبة

الحبّ أن يتعدي من المحبوب إلي كلّ من يتعلق به و يناسبه و لو من بعد، فمن أحبّ إنساناً حبّاً شديداً، أحبّ محبّ ذلك الإنسان و أحبّ محبوبه و من يخدمه و من يمدحه و يثني عليه أو يثني علي محبوبه و أحبّ أن يتسارع إلي رضي محبوبه كما قيل:

أمرُّ علي الديار ديار ليلي

اُقبِّل ذا الجدار وذا الجدارا

و ما حبّ الديار شغفن قلبي

ولكن حبّ مَن سكن الديارا

و أما البغض في الله: فهو أن يبغض إنسان إنساناً لأجل عصيانه الله و مخالفته له تعالي، فإنّ من يحبّ في الله، لابدّ و أن يبغض في الله، فإنّك إن أحببت إنساناً لأنه مطيع لله و محبوب عنده، فإن عصاه لابدّ أن تبغضه؛ لأنّه عاص له و ممقوت عندالله،

قال عيسي عليه السّلام :

«تَحَبَّبُوا إِلَي اللَّهِ بِبُغْضِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَ تَقَرَّبُوا إِلَي اللَّهِ بِالتَّبَاعُدِ عَنْهُمْ وَ الْتَمِسُوا رِضَاهُ بِسَخَطِهِم (1).

و هذا من مقتضيات الدين و الإيمان و كلّما ازداد دين امريء زيد حبّه في الله و بغضه في الله و كلّما ضعف إيمان امريء نقصت فيه تلك المحبة و البغضة و إليه يشير ما رواه في الكافي بسند موثق عن فضيل بن يسار قال:

سألت أبا عبدالله عليه السّلام عن الحبّ و البغض، أمن الإيمان هو؟ فقال:

و َ هَلِ الْإِيمَانُ إِلَّا الْحُبُّ وَ الْبُغْضُ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة: «َ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ

________

1) راجع جامع السعادات: ج 3 ص 186 187.

77

وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُون (1)

و قال أيضاً: «كلّ من لم يحب علي الدين و لم يبغض علي الدين فلا دين له» (2).

نعم ربّما يجتمع في بعض آحاد المسلمين موجبات الحبّ في

الله، مع موجبات البغض في الامور الشخصيّة قصوراً و تقصيراً، فعلي المؤمن الخبير أن لا يبتلي بترك محبّته في الله؛ لأنّ الإيمان يقوي علي الاُمور الشخصيّة و المنافع الدنيويّة، فمقتضي الإيمان هو كونه محبوباً من حيث إيمانه و عروة الإيمان لا تنقض بموجبات البغض، في الاُمور الشخصيّة و من المعلوم أن الاجتماع الإسلامي مبنيّ علي هذا الأساس القويم.

الثالث: في وجوب المحبّة و الوداد لأهل البيت

و قد عرفت أن المحبّة و الوداد بالنسبة إلي أهل الإيمان من مقتضيات الإيمان و من الوظايف الأخلاقية لكل مؤمن و بالجملة فضيلة من الفضائل و لا وجوب لها و لكن محبّة أهل البيت و ودادهم من أوجب الواجبات جعلها الله و رسوله أجر رسالة «قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربي» (3) و لذا سأل الأصحاب عن رسول الله عن تعيين القربي بعد الفراغ عن وجوب المودّة فيهم، كما روي عن ابن عباس أنّه قال:

«لمّا نزلت الآية «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي ؛ قُلْتُ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ قَرَابَتُكَ الَّذِينَ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا مَوَدَّتَهُمْ قَالَ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ وُلْدُهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُهَا» (4).

و أكّد الأئمة عليهم السّلام علي وجوب المحبّة و إليك بعض التأكيدات،

قَالَ مُحَمَّدُ بْنِ مُسْلِمٍ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ :«إِنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا يُحِبُّ الرَّجُلَ وَ يُبْغِضُ وُلْدَهُ فَأَبَي اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ حُبَّنَا مُفْتَرَضاً

________

1) الاُصول من الكافي: ج 2 ص 125.

2) الاُصول من الكافي: ج 2 ص 127.

3) الشوري: 23.

4) بحار الأنوار: ج 23 ص 241.

78

أَخَذَهُ مَنْ أَخَذَهُ وَ تَرَكَهُ مَنْ تَرَكَهُ وَاجِباً فَقَالَ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي (1)،

و قال أبو جعفر

عليه السّلام في ذيل الآية المباركة: « هِيَ وَ اللَّهِ فَرِيضَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَي الْعِبَادِ لِمُحَمَّدٍ ص فِي أَهْلِ بَيْتِه (2).

و قال الطبرسي قدّس سرّه : «وصحّ عن الحسن بن علي عليهما السّلام أنّه خطب الناس، فقال في خطبته: أنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم علي كلّ مسلم، فقال:

«قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً » وَ اقْتِرَافُ الْحَسَنَةِ مَوَدَّتُنَا أَهْلَ الْبَيْت (3).

و قال العلاّمة قدّس سرّه في كتاب كشف الحق: روي الجمهور في الصحيحين و أحمد بن حنبل في مسنده و الثعلبي في تفسيره، عن ابن عباس رحمه الله قال:

«لمّا نزلت «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي قالوا: يا رسول الله صلّي الله عليه و آله مَنْ قَرَابَتُكَ الَّذِينَ وَجَبَتْ عَلَيْنَا مَوَدَّتُهُمْ ؟ قال:

عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ ابْنَاهُمَا » و وجوب المودة يستلزم وجوب الطاعة (4).

قال في دلائل الصدق بعد نقل الروايات عن طرق العامّة في تفسير الآية المباركة: و يؤيدها الأخبار المستفيضة الدالّة علي وجوب حبّ أهل البيت و أنّه مسؤول عنه يوم القيامة (5).

قال في الغدير: و أما حديث أنّ الآية نزلت في علي و فاطمة و ابنيهما و إيجاب مودّتهم بها، فليس مختصاً بآية الله العلاّمة الحلي و لا باُمّته من الشيعة، بل اتفق المسلمون علي ذلك إلاّ شذاذ من حملة الروح الأمويّة نظراء ابن تيمية،

________

1) بحار الأنوار: ج 23 ص 239.

2) بحار الأنوار: ج 23 ص 239.

3) بحار الأنوار: ج 23 ص 232.

4) راجع احقاق الحق: ج 3 ص 3، بحار الأنوار: ج 23 ص 232.

5) دلائل الصدق: ج 2 ص 77.

79

و ابن كثير، ثم

ذكر أسامي جملة من الحفّاظ و المفسرين من أعلام القوم الَّذين نقلوا نزول الآية فيهم و هم خمسة و أربعون و فيهم الإمام أحمد و الحسكانيّ و الثعلبيّ و النيسابوريّ و الزمخشريّ و البيضاويّ و الشبلنجيّ و الطبريّ و الرازيّ و النسائيّ و السيوطيّ، إلي أن قال:

و قول الإمام الشافعيّ في ذلك مشهور قال:

يا أهلَ بيتِ رسولِ اللَّهِ حبُّكُمُ

فرضٌ من اللَّه في القرآنِ أنزلهُ

كفاكُمُ من عظيمِ القدرِ أنّكمُ

من لم يُصَلِّ عليكم لا صلاةَ له

ذكرهما له ابن حجر في الصواعق صفحة: 87 و الزرقانيّ في شرح المواهب إلخ (1).

فوجوب حبّ أهل البيت و مودّتهم زائداً علي وجوب التمسك بهم أمر واضح في الإسلام و يؤيّد و جوبه مضافاً إلي ما ذكر من الأخبار و الآيات، ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه في ضمن كلامه من أنّه قد تواتر عن النبيّ صلّي الله عليه و آله أنّ حبّهم علامة الإيمان و أنّ بغضهم علامة النفاق و أنّ من أحبّهم أحبّ الله و رسوله و من أبغضهم أبغض الله و رسوله و قد دلّت الأخبار علي ذلك بعبارات مختلفة.

وقد تصدّي العلاّمة آية الله الأميني قدّس سرّه في كتابه الغدير لنقل جملة منها عن طرق العامّة و نقل عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:

«والَّذي فلق الحبّة و برأ النسمة إنّه لعهد النبيّ الاُميّ إليّ: ُ لَا يُحِبُّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَ لَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِق و أشار إلي مصادر هذا الخبر و ذكر ما يقرب الثلاثين من الكتب المعروفة للعامّة و فيها صحيح مسلم و مسند أحمد و سنن ابن ماجة و رياض الطبريّ و استيعاب ابن عبدالبرّ و تذكرة سبط ابن الجوزيّ و فرايد

________

1) راجع كتاب الغدير: ج

3 ص 172 173.

80

الحموينيّ و صواعق ابن حجر الهيثميّ و فتح الباري لابن حجر العسقلانيّ و غير ذلك فراجع (1).

ثم نقل صورة ثانية عن أمير المؤمنين أنّه قال لعهد النبيّ صلّي الله عليه و آله إلي لا يحبك إلاّ مؤمن و لا يبغضك إلاّ منافق. و أشار إلي مصادره الكثيرة و نقل تصريحهم بصحّة الحديث و ثبوته و في ضمن تلك التصريحات أنّ أبا نعيم ذكر في الحلية: ج 4، ص 185: أنّ هذا حديث صحيح متّفق عليه و أنّ ابن عبدالبرّ قال في الاستيعاب: ج 3، ص 37: روته طائفة من الصحابة و أنّ ابن أبي الحديد قال في شرحه: ج 1، ص 364: قد اتفقت الأخبار الصحيحة الّتي لا ريب فيها عند المحدثين، علي أنّ النبيّ قال له: لا يبغضك إلاّ منافق و لا يحبّك إلاّ مؤمن (2).

ثم ذكر صوره الاُخري عنه و عن اُم سلمة و أشار إلي مصادرها و هي كثيرة و قال في الختام: هذا ما عثرنا عليه من طرق هذا الحديث و لعلّ ما فاتنا منها أكثر و لعلّك بعد هذه كلّها لا تستريب في أنّه لو كان هناك حديث متواتر يقطع بصدوره عن مصدر الرسالة، فهو هذا الحديث، أو أنّه من أظهر مصاديقه كما أنّك لا تستريب بعد ذلك كلّه أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام بحكم هذا الحديث الصادر، ميزان الإيمان و مقياس الهدي، بعد رسول الله صلّي الله عليه و آله و هذه صفة مخصوصة به عليه السّلام و هي لا تبارحها الإمامة المطلقة، فإنّ من المقطوع به أنّ أحداً من المؤمنين لم يتحلّ بهذه المكرمة، فليس حبّ أي أحد منهم شارة إيمان و لا بغضة سمة

نفاق و إنّما هو نقص في الأخلاق و إعواز في الكمال، ما لم تكن البغضاء لإيمانه (3) و في هذا كفاية و لا

________

1) راجع الغدير: ج 3 ص 183.

2) راجع الغدير: ج 3 ص 184.

3) راجع الغدير: ج 3 ص 184 186.

81

حاجة إلي نقل سائر الآيات و الروايات، الدالّة علي لزوم محبّتهم و بذلك اتضحت دعوي المصنف أنّ حبّ أهل البيت فرض من ضروريات الدين الاسلامي التي لا تقبل الجدل و الشك و قد اتفق عليه جميع المسلمين علي اختلاف نحلهم و آرائهم.

ثم لا يذهب عليك أنّ المحبّة الواقعيّة لهم لا تجتمع مع المحبّة لأعدائهم، لأنّ من أحبّ شخصاً أحبّ أحباءه و أبغض أعداءه و إلاّ فليس دعوي المحبّة إلاّ لقلقة في اللسان.

الرابع: في المراد من القربي

و قد عرفت تظافر الروايات و تواترها بأنّ المراد منه في الآية المباركة هم أهل البيت و أهل الكساء و بعد ذلك لا وجه لحمل القربي علي أنّ المقصود هو قرابة الرسول صلّي الله عليه و آله مع مشركي قريش و أنّ الخطاب لقريش و الأجر المسؤول هو مودّتهم للنبيّ صلّي الله عليه و آله لقرابته منهم، معللاً بأنّ قريش كانوا يكذبونه و يبغضونه لتعرضه لآلهتهم، علي ما في بعض الأخبار فأمر صلّي الله عليه و آله أن يسألهم إن لم يؤمنوا به فليودوه لمكان قرابته منهم و لا يبعضوه و لا يؤذوه، فالقربي مصدر بمعني القرابة و في للسببيّة و ذلك لأنّه اجتهاد في مقابل النصّ، هذا مضافاً إلي ما أشار إليه في دلائل الصدق من أنّه لا معني لسؤال الأجر علي التبليغ ممن لم يعترف له بالرسالة؛ لأنّ المقصود علي هذا التفسير هو السؤال من الكافرين (1).

و

وضح ذلك في الميزان حيث قال:

إنّ معني الأجر إنّما يتم إذا قوبل به عمل يمتلكه معطي الأجر، فيعطي العامل ما يعادل ما امتلكه من مال و نحوه، فسؤال الأجر من قريش و هم كانوا مكذبين له كافرين بدعوته، إنّما كان يصحّ علي تقدير إيمانهم به صلّي الله عليه و آله لأنّهم علي تقدير تكذيبه و الكفر

________

1) دلائل الصدق: ج 2 ص 78.

82

بدعوته لم يأخذوا منه شيئاً حتّي يقابلوه بالأجر و علي تقدير الإيمان به و النبوة أحد الاصول الثلاثة في الدين لا يتصور بغض حتّي تجعل المودّة أجراً للرسالة و يسأل.

و بالجملة لا تحقق لمعني الأجر علي تقدير كفر المسؤولين و لا تحقق لمعني البغض علي تقدير إيمانهم حتّي يسألوا المودّة و هذا الإشكال وارد حتي علي تقدير أخذ الاستثناء منقطعاً، فإنّ سؤال الأجر منهم علي أيّ حال إنّما يتصور علي تقدير إيمانهم و الاستدراك علي الانقطاع إنّما هو عن الجملة بجميع قيودها فأجد التأمل فيه (1).

و إليه يشير قوله في دلائل الصدق في ردّ ذلك المعني علي تقدير انقطاع الاستثناء فإنّ المنقطع عبارة عن إخراج ما لولا إخراجه، لتوهم دخوله في حكم المستثني منه نظير الاستدراك و أنت تعلم أنّ المستثني الّذي ذكره الفضل أجنبي عمّا قبله بكلّ وجه، فلا يتوهم دخوله في حكمه حتّي يستثني منه (2).

و الأضعف ممّا ذكر هو حمل القربي علي التقرّب من الله بطاعة، فإنّه مضافاً إلي كونه اجتهاداً في مقابل النصّ، لا تساعده اللغة، إذ القربي لم تأت في اللغة بمعني التقرّب، قال في القاموس: القربي القرابة و هو قريبي و ذو قرابتي و ممّا ذكر يظهر ما في تفسير القرطبي حيث مال إليه و اعتمد علي الخبر

الشاذ في مقابل الأخبار المتواترة.

ثم إنّ القربي مختص بأهل بيته بعد تعينه في الأخبار، قال في دلائل الصدق: قول الفضل و ظاهر الآية علي هذا المعني شامل لجميع قرابات النبيّ صلّي الله عليه و آله باطل … لأنّ المعلوم من حال النبيّ صلّي الله عليه و آله الاعتناء بعليّ و فاطمة و الحسنين لا من ناوأه من أقربائه و لم يسلموا إلاّ

________

1) تفسير الميزان: ج 18 ص 43 44.

2) دلائل الصدق: ج 2 ص 78.

83

بحدود السيوف و الغلبة و للقرينة العقليّة إذ لا يتصور أن يكون ودّ من لم يواد الله و رسوله أجراً للتبليغ و الرسالة، فلابدّ أن يكون المراد مودة من يكمل الإيمان بمودّته و تحصل السعادة الأبديّة بموالاته و لذا قال سبحانه في آية اُخري: «قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ » بل بلحاظ شأن النبيّ صلّي الله عليه و آله إنّما يعدّ قرابة له، من هو منه، لا من بان عنه معني و منزلة و لذا قال تعالي لنوح: « إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِح انتهي موضع الحاجة (1).

و قيل: إنّ الآية مكيّة؛ لأنّها في سورة الشوري مع أنّ الحسنين ولدا في المدينة و أجاب عنه في الإمامة و الولاية: بأنّ هذا الإشكال ضعيف، فإنه قد أكّد غير واحد من أئمة هذا الفن نزول الآية في المدينة.

علي اننا لو سلمنا كونها مكيّة، فما الانع في ذلك؟ مع أنها نظير غيرها من الآيات الكريمة التي سيقت لبيان قضية حقيقية، لا خارجية، فهي تصبح فعلية اذا وجد من تنطبق عليه (2).

و أجاب عنه في الغدير أيضاً: بأنّ دعوي كون جميع سورة الشوري مكية، تكذبها استثناؤهم قوله تعالي: «يَقُولُونَ افْتَري

عَلَي اللَّهِ كَذِباً … إلي قوله : خبير بصير» و هي أربع آيات. و استثناء بعضهم قوله تعالي: «وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ إلي قوله : مِنْ سَبيلٍ » و هي عدة آيات فضلاً عن آية المودّة.

و نص القرطبي في تفسيره: ج 16 ص 1 و النيسابوريّ في تفسيره و الخازن في تفسيره، ج 4 ص 49 و لاشوكانيّ في «فتح القدير»: ج 4 ص 510 و غيرهم عن ابن عباس و قتادة علي أنّها مكيّة إلاّ أربع آيات، أوّلها: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً » (3) إلي أن قال : و أمّا أن تزويج علي بفاطمة عليهما السّلام كان

________

1) دلائل الصدق: ج 2 ص 78 79.

2) الامامة و الولاية: ص 167.

3) الغدير: ج 3 ص 172 173.

84

من حوادث العهد المدنيّ و قد ماشينا الرجل (المستشكل) علي نزول الآية في مكّة، فإنه لا ملازمة بين إطباق الآية بهما و بأولادهما و بين تقدم تزويجهما علي نزولها، كما لا منافاة بينه و بين تأخر وجود أولادهما علي فرضه، فإنّ مما لاشبهة في كون كلّ منهما من قربي رسول الله صلّي الله عليه و آله بالعمومة و النبوّة و أما أولادهما فكان من المقدّر في العلم الأزلي أن يخلقوا منهما، كما أنّه قد قضي بعلقة التزويج بينهما و ليس من شرط ثبوت الحكم بملاك عامّ يشمل الحاضر و الغابر وجود موضوعه الفعلي، بل إنّما يتسرب إليه الحكم مهما وجد و متي وجد و أنّي وجد.

علي أنّ من الممكن أن تكون قد نزلت بمكة في حجّة الوداع و عليّ قد تزوّج بفاطمة و ولد الحسنان و لا ملازمة بين نزولها بمكّة و بين كونه قبل الهجرة. و يري

الذين اُوتوا العلم الّذي اُنزل إليك من ربك هو الحق (1).

ثم القربي لا تنحصر في عليّ و فاطمة و الحسنين عليهم السّلام بل يشمل الأئمة كلّهم دون غيرهم، كما نصّ عليه في الأحاديث و منها: ما في الكافي عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالي: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي قال:

هم الأئمة عليهم السّلام .

و منها ما في روضة الكافي عن أبي عبدالله عليه السّلام قال:

ما يقول أهل البصرة في هذه الآية: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي ؟ قلت:

جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهَا لِأَقَارِبِ رَسُولِ اللَّهِ ص؟

فَقال:

كَذَبُوا إِنَّمَا نَزَلَتْ فِينَا خَاصَّةً فِي أَهْلِ الْبَيْتِ فِي عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ أَصْحَابِ الْكِسَاءِ عليهم السَّلام (2).

________

1) الغدير: ج 3 ص 173 174.

2) تفسير نور الثقلين: ج 4 ص 571 573 نقلاً عن الكافي و روضته.

85

الخامس: في دلالة وجوب المحبّة علي قرب القربي إلي الله

و طهارتهم من الشرك و المعاصي و من كلّ ما يبعد عن دار كرامته و ساحة رضاه و ذلك واضح، لما في المتن و قريب منه ما في دلائل الصدق حيث قال:

و هي (أي الآية) تدلّ علي أفضليّتهم و عصمتهم و أنّهم صفوة الله سبحانه، إذ لو لم يكونوا كذلك لم تجب مودّتهم دون غيرهم و لم تكن مودتهم بتلك المنزلة الّتي ما مثلها منزلة، لكونها أجراً للتبليغ و الرسالة الذي لا أجر و لا حق يشبهه و لذا لم يجعل الله المودّة لأقارب نوح و هود أجراً لتبليغهما (1).

السادس: بغض آل محمّد موجب للخروج عن الإيمان

أنّ ظاهر المصنف أنّ بغض آل محمّد موجب للخروج عن الإيمان لاستلزامه لإنكار الضرورة الإسلامية؛ لأنّ

وجوب حبّهم من ضروريات الإسلام و لكن مقتضي ما ذكر هو عدم كونه كذلك لو لم يلتفت إلي كونه من الضروريات و أنكره، مع أنّ ظواهر بعض الأخبار هو خروج المنكر المبغض عن الإيمان و لو لم يكن عن التفات إلي كونه من الضروريات و لعلّه من جهة أنّ البغض المذكور ملازم لعدم المعرفة بالأئمة عليهم السّلام و قد عرفت تصريح النصوص بأنّ عدم المعرفة بهم يوجب ميتة جاهلية.

و إليك بعض هذه الروايات الدالّة علي خروج المبغض عن الإيمان منها: ما رواه الحافظ الحاكم المسكانيّ عن أبي اُمامة الباهلي قال:

قال رسول الله صلّي الله عليه و آله :

إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ أَشْجَارٍ شَتَّي- وَ خُلِقْتُ أَنَا وَ عَلِيٌّ مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَنَا أَصْلُهَا وَ عَلِيٌّ فَرْعُهَا،- وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ثِمَارُهَا وَ أَشْيَاعُنَا أَوْرَاقُهَا،- فَمَنْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا نَجَا وَ مَنْ زَاغَ هَوَي- وَ لَوْ أَنَّ عَبْداً عَبَدَ اللَّهَ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ أَلْفَ عَامٍ- ثُمَّ أَلْفَ عَامٍ ثُمَّ أَلْفَ عَامٍ حَتَّي يَصِيرَ كَالشَّنِّ الْبَالِي- ثُمَّ لَمْ يُدْرِكْ مَحَبَّتَنَا أَكَبَّهُ اللَّهُ عَلَي مَنْخِرَيْهِ فِي النَّارِ ثُمَّ قرأ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي

________

1) دلائل الصدق: ج 2 ص 79.

86

عليه» الآية (1).

و منها: ما رواه في تفسير القرطبيّ عن الثعلبيّ أنه قد قال النبيّ صلّي الله عليه و آله و سلّم: َ مَنْ مَاتَ عَلَي حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ شَهِيداً و مَنْ مَاتَ عَلَي حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ جَعَلَ اللَّهُ زُوَّارَ قَبْرِهِ الْمَلَائِكَةَ بِالرَّحْمَة و مَنْ مَاتَ عَلَي بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَكْتُوباً بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ اليوم مِنْ رَحْمَةِ اللَّه و مَنْ مَاتَ عَلَي بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ لَمْ يرح رائحة

الجنّة و من مات علي بغض آل بيتي فلا نصيب له في شفاعتي،

ثم قال القرطبيّ: قلت: و ذكر هذا الخبر الزمخشريّ في تفسيره بأطول من هذا، فقال:

و قال رسول الله صلّي الله عليه و آله و سلّم : من مات علي حبّ آل محمّد مات شهيداً، ألا مَنْ مَاتَ عَلَي حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا مَنْ مَاتَ عَلَي حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ بَشَّرَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ بِالْجَنَّةِ ثُمَّ مُنْكَر وَ نَكِيرٌ أَلَا وَ مَنْ مَاتَ عَلَي حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ فتح له قبره بابان إلي الجنة، ألا مَنْ مَاتَ عَلَي حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا مَنْ مَاتَ عَلَي حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مات علي السنّة و الجماعة، ألا و من مات علي بغض آل محمّد، جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّه ، ألا و مَنْ مَاتَ عَلَي بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ مات كافراً، ً أَلَا وَ مَنْ مَاتَ عَلَي بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ لَمْ يَشَمَّ رَائِحَةَ الْجَنَّة(2).

و إلي غير ذلك من الروايات الواردة في المقامات المختلفة مثل ما ورد في تفسيره قوله:

«وقفوهم إنّهم مسؤولون» (3).

السابع: التحكيم الاتباع عنهم

أنّ المحبّة و الوداد بالنسبة إليهم في هذه الآية لعلّها ليست إلاّ لتحكيم الاتباع عنهم، إذ الاتباع إذا قرن بالمحبّة كان أتمّ و أسهل، ألا تري أنّ

________

1) شواهد التنزيل: ج 2 ص 141.

2) تفسير القرطبي: الجزء السادس عشر ص 22 23.

3) الصافات: 24.

87

المحبّة العلويّة و الحسينيّة جذبت كثيراً من الآحاد و النفوس نحو العبادة و التعبّد و الجهد و الجهاد و التضحية و الفداء، فالدعوة إلي المحبّة و الوداد في الحقيقة إلي العمل و الاتباع.

قال في كتاب الإمامة و الولاية: إنّ هذا

الأجر المطلوب في هذه الآية الكريمة، هو في الواقع من أروع ما يعود علي الاُمة بالخير و يرتبط بمسيرتها و مستقبلها و قيادتها، حيث يشدّها الشدّ العاطفي الواعي إلي القيادة مقرباً بذلك الشدّ العقائدي بها و إذا اقترنت العقيدة بالعاطفة المبنيّة علي أساسها أمكن ضمان قيام القائد بمهماته التاريخيّة الكبري الملقاة علي عاتقه في مجال تربية الإنسانية ككل و هداتيها إلي شواطيء الكمال، فهذا الأجر المسؤول هو في الواقع تعليم اجتماعي رائح لصالح الاُمة نفسها و ليس أجراً شخصيّاً للرسول صلّي الله عليه و آله بعد أن كان أشدّ الناس إخلاصاً للحقيقة و بعد أن كان القرآن يعلن: «وما تسألهم عليه من أجر» (1) «وَ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ » (2) و قد أوضح القرآن هذه الحقيقة في قوله تعالي علي لسان نبيه: «ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَي اللَّهِ » (3) و كذا يشير إلي قوله تعالي: «قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلي رَبِّهِ سَبيلاً » (4) (5) و لذا أنكر الأئمة عليهم السّلام من ترك الطاعة مغروراً بمحبّة أهل البيت، كما نقل جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

قال لي: «يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبّنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلاّ من اتقي الله و أطاعه و ما كانوا يعرفون يا جابر إلاّ بالتواضع و التخشع و الأمانة و كثرة ذكر الله و الصوم و الصلاة و البرّ بالوالدين و التعاهد للجيران من الفقراء و أهل المسكنة

________

1) يوسف: 104.

2) الشعراء: 145.

3) سبأ: 47.

4) الفرقان: 57.

5) الامامة و الولاية: ص 164.

88

والغارمين و الأيتام و صدق الحديث و تلاوة

القرآن و كف الالسن عن الناس إلاّ من خير و كانوا اُمناء عشائرهم في الأشياء. قال جابر: فقلت: يابن رسول الله ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصفة، فقال:

يا جابر لَا تَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ- ، ُ أَ حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يقول: أُحِبُّ عَلِيّاً وَ أَتَوَلَّاهُ ثُمَّ لَا يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ فَعَّالًا ، فَلَوْ قَالَ إِنِّي أُحِبُّ رَسُولَ اللَّهِ ص فَرَسُولُ اللَّهِ ص خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ ع ثُمَّ لَا يَتَّبِعُ سِيرَتَهُ وَ لَا يَعْمَلُ بِسُنَّتِهِ مَا نَفَعَهُ حُبُّهُ إِيَّاهُ شَيْئاً فَاتَّقُوا وَ اعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَ بَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَةٌ أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَي اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ أَتْقَاهُمْ وَ أَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ يَا جَابِرُ فَوَ اللَّهِ مَا يُتَقَرَّبُ إِلَي اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي إِلَّا بِالطَّاعَةِ وَ مَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَ لَا عَلَي اللَّهِ لِأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعاً فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ وَ مَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِياً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ وَ لَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَ الْوَرَع (1). .

________

1) الاُصول من الكافي: ج 2 ص 74.

6 عقيدتنا في الأئمة

6 عقيدتنا في الأئمة

لا نعتقد في أئمتنا م يعتقده الغلاة و الحلوليون (كبرت كلمة تخرج من أفواههم). بل عقيدتنا الخالصة أنّهم بشر مثلنا، لهم مالنا و عليهم ما علينا و إنّما هو عباد مكرمون اختصّهم الله تعالي بكرامته و حباهم بولايته؛ إذ كانوا في أعلي درجات الكمال اللائقة في البشر من العلم و التقوي و الشجاعة و الكرم و العفة و جميع الأخلاق الفاضلة و الصفات الحميدة، لا يُدانيهِم أحد من البشر فيما اختصوا به. و بهذا استحقوا أن يكونوا أئمة و هداة و مرجعاً بعد النبيّ صلّي الله عليه و آله

في كلّ ما يعود للناس من أحكام و حكَم و ما يرجع للدين من بيان و تشريع و ما يختصّ بالقرآن من تفسير و تأويل.

قال إمامنا الصادق عليه السّلام :

«مَا جَاءَكُمْ مِنَّا مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَخْلُوقِينَ وَ لَمْ تَعْلَمُوهُ وَ لَمْ تَفْهَمُوهُ فَلَا تَجْحَدُوهُ وَ رُدُّوهُ إِلَيْنَا وَ مَا جَاءَكُمْ عَنَّا مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي الْمَخْلُوقِينَ فَاجْحَدُوهُ وَ لَا تَرُدُّوهُ إِلَيْنَا» (1) و لا يخفي عليك بعد ما عرفت من أنّ ما سوي الله تعالي ليس إلاّ

90

ممكناً أنّ اعتقاد الإلوهية في الأئمة أو الأنبياء عليهم الصلوات و السَّلام باطل جداً و لذا أنكر الأئمة عليهم السَّلام علي الغالين أشد الإنكار. قال الصادق عليه السّلام:

«احْذَرُوا عَلَي شَبَابِكُمُ الْغُلَاةَ لَا يُفْسِدُوهُمْ فَإِنَّ الْغُلَاةَ شَرُّ خَلْقٍ الله يُصَغِّرُونَ عَظَمَةَ اللَّهِ وَ يَدَّعُونَ الرُّبُوبِيَّةَ لِعِبَادِ اللَّهِ وَ اللَّهِ إِنَّ الْغُلَاةَ لَشَرٌّ مِنَ الْيَهُودِ وَ النَّصَارَي وَ الْمَجُوسِ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا » الحديث (1) و قَالَ مولانا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع:

اللَّهُمَّ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنَ الْغُلَاةِ كَبَرَاءَةِ عِيسَي ابْنِ مَرْيَمَ مِنَ النَّصَارَي اللَّهُمَّ اخْذُلْهُمْ أَبَداً وَ لَا تَنْصُرْ مِنْهُمْ أَحَدا (2)،

و قال رسول الله صلّي الله عليه و آله :

«لَا تَرْفَعُونِي فَوْقَ حَقِّي فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَي اتَّخَذَنِي عَبْداً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَنِي نَبِيّا» (3)،

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام :

«إِيَّاكُمْ وَ الْغُلُوَّ فِينَا قُولُوا إِنَّا عَبِيدٌ مَرْبُوبُونَ وَ قُولُوا فِي فَضْلِنَا مَا شِئْتُم (4)، قا ل سدير: قلت لأبي عبدالله عليه السّلام إِنَّ قَوْماً يَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ آلِهَةٌ يَتْلُونَ عَلَيْنَا بِذَلِكَ قُرْآناً «وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ »، فقال:

«

يَا سَدِيرُ سَمْعِي وَ بَصَرِي وَ بَشَرِي وَ لَحْمِي وَ دَمِي وَ شَعْرِي من هؤلاء بِرَاءٌ وَ

بَرِئَ اللَّهُ مِنْهُمْ مَا هَؤُلَاءِ عَلَي دِينِي وَ لا عَلَي دِينِ آبَائِي وَ اللَّهِ لَا يَجْمَعُنِيَ اللَّهُ وَ إِيَّاهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَ هُوَ سَاخِطٌ عَلَيْهِمْ » (5).

و هكذا بعد ما عرفت من أنّ كلّ شيء يحتاج إلي الله في أصل وجوده و حياته و قدرته و علمه و غير ذلك لا يصح اعتقاد الاستقلال بالنسبة إليه في أمر من الامور و يكون غلوّاً كما ورد في التوقيع عن صاحب الزمان صلوات الله عليه رداً علي الغلاة: «يا محمّد بن علي، تعالي الله عزّوجلّ عمّا يضفون، سبحانه و بحمده، ليس نحن شركاء في علمه و لا في قدرته» (6). قال العلاّمة

________

1) بحار الأنوار: ج 25 ص 265.

2) بحار الأنوار: ج 25 ص 266.

3) بحار الأنوار: ج 25 ص 265.

4) بحار الأنوار: ج 25 ص 270.

5) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 269.

6) بحار الأنوار: ج 25 ص 266.

91

المجلسي قدّس سرّه بيان: المراد من نفي علم الغيب أنّهم لا يعلمونه من غير وحي و إلهام و أمّا ما كان من ذلك فلا يمكن نفيه؛ إذ كانت عمدة معجزات الأنبياء و الأوصياء عليهم السّلام الإخبار عن المغيّبات و قد استثناهم الله تعالي في قوله:

« إِلَّا مَنِ ارْتَضي مِنْ رَسُولٍ » (1).

و أيضاً بعد ما عرفت من أنّ النبوّة ختمت بوجود نبياً محمَّد صلّي الله عليه و آله فلا مجال لاعتقاد النبوّة في الأئمة عليهم السّلام قال الصادق عليه السّلام :

«مَنْ قَالَ بِأَنَّنَا أَنْبِيَاءُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ مَنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه (2). .

________

1) بحار الأنوار: ج 25 ص 268.

2) بحار الأنوار: ج 25 ص 296.

7 عقيدتنا في أنّ الإمامة بالنصّ

7 عقيدتنا في أنّ الإمامة بالنصّ

نعتقد أن الإمامة كالنبوّة

لا تكون إلاّ بالنصّ من الله تعالي علي لسان رسوله، أو لسان الإمام المنصوب بالنصّ إذا أراد أن ينصّ علي الإمام من بعده و حكمها في ذلك حكم النبوّة بلا فرق، فليس للناس أن يتحكّموا في من يعيّنه الله هادياً و مرشداً لعامّة البشر، كما ليس لهم حق تعيينه أو ترشيحه أو انتخابه؛ لأنّ الشخص الذي له من نفسه القدسيّة استعداد لتحمّل أعباء الإمامة العامّة و هداية البشر قاطبة، يجب أن لا يعرف إلاّ بتعريف الله و لا يعيّن إلاّ بتعيينه.

و نعتقد أن النبي صلّي الله عليه و آله نصّ علي خليفته و الإمام في البرية من بعده، فعيّن ابن عمه علي بن أبي طالب أميراً للمؤمنين و أميناً للوحي و إماماً للخلق، في عدة مواطن و نصّبه و أخذ البيعة له بإمرة المؤمنين يوم الغدير، فقال:

«ألا مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُم وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ ، ُ وَ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ كَيْفَ مَا دَار».

93

و من أوّل مواطن النصّ علي إمامته قوله حينما دعا أقرباءه الأدنين و عشيرته الأقربين فقال:

«هذا أخي و وصيي و خليفتي من بعدي فاسمعوا له و أطيعوا» و هو يومئذٍ صبيّ لم يبلغ الحلم و كرّر قوله له في عدّة مرّات: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي» إلي غير ذلك من روايات و آيات كريمة دلّت علي ثبوت الولاية العامّة له كآية المائدة: 55 «إنّما وليّكم الله و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون» و قد نزلت فيه عندما تصدّق بالخاتم و هو راكع و لا

يساعد وضع هذه الرسالة علي استقصاء كلّ ما ورد في إمامته من الآيات و الروايات و لا بيان وجه دلالتها.

ثم إنّه عليه السّلام نصّ علي إمامة الحسن و الحسين و الحسين نصّ علي إمامة ولده علي زين العابدين و هكذا إماماً بعد إمام ينصّ المتقدّم منهم علي المتأخر إلي آخرهم و هو أخيرهم علي ما سيأتي (1) يقع الكلام في اُمور:

الأوّل:

أنّه قد مضي البحث عن كون أمر تعيين النبيّ بيد الله أو بيد النبيّ الآخر الذي عيّنه الله فإنه لا يقول إلاّ عن الله و حيث إنّ الإمامة كالنبوة عندنا إلاّ في تلقّي الوحي فالأمر فيه واضح، فلا مجال لانتخاب الناس و تعيينهم، كما لا يخفي و لذلك قال في العقائد الحقّة: فمن قال بلزوم بعث النبيّ صلّي الله عليه و آله من جانب الله تبارك و تعالي و ليس هذا من قبل نصب السلطان أو نصب السلطان وليّ العهد؛ لأنّ نصب الناس أو نصب السلطان راجع إلي نصب من يلي أمر الناس من جهة معاشهم و ما يكون مربوطاً بدنياهم و لا ربط له باُمور الآخرة، فنصب الإمام من جانب الناس، كنصب الناس من يكون طبيباً لهم يعالجهم من دون أن يكون عالماً بعلم الطب (1).

________

1) كتاب العقائد الحقّة: ص 18.

94

و أشار إليه المحقق الطوسيّ قدّس سرّه حيث قال:

«و العصمة تقتضي النصّ و سيرته عليه السّلام» و قال العلاّمة الحليّ قدّس سرّه في شرحه: «أقول: ذهبت الإمامية خاصة إلي أنّ الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه. و قالت العبّاسية: إنّ الطريق إلي تعيين الإمام، النصّ أو الميراث. و قالت الزيدية: تعيين الإمام بالنصّ أو الدعوة إلي نفسه. و قال باقي المسلمين: الطريق إنّما هو

النصّ أو اختيار أهل الحلّ و العقد.

و الدليل علي ما ذهبنا إليه وجهان، الأوّل: أنّا قد بيّنا أنّه يجب أن يكون الإمام معصوماً و العصمة أمر خفي لا يعلمها إلاّ الله تعالي، فيجب أن يكون نصبه من قبله تعالي؛ لأنّه العالم بالشرط دون غيره.

الثاني: أنّ النبيّ صلّي الله عليه و آله كان أشفق علي الناس من الوالد علي ولده حتّي أنّه عليه السّلام أرشدهم إلي أشياء لانسبة لها إلي الخليفة بعده، كما أرشدهم في قضاء الحاجة إلي امور كثيرة مندوبة و غيرها من الوقائع و كان عليه السّلام إذا سافر عن المدينة يوماً أو يومين استخلف فيها من يقوم بأمر المسلمين و من هذه حاله كيف ينسب إليه إهمال اُمّته و عدم إرشادهم في أجلّ الأشياء و أسناها و أعظمها قدراً و أكثرها فائدة و أشدّهم حاجة إليها و هو المتولي لاُمورهم بعده، فوجب من سيرته عليه السّلام نصب إمام بعده و النصّ عليه و تعريفهم إيّاه و هذا برهان لميّ (1).

هذا كله ما يقضيه الدليل العقلي و الاعتبار و تؤيده الأخبار و الروايات منها: ما عن الرضا عليه السّلام في ضمن حديث «إِنَّ الْإِمَامَةَ أَجَلُّ قَدْراً وَ أَعْظَمُ شَأْناً وَ أَعْلَي مَكَاناً وَ أَمْنَعُ جَانِباً وَ أَبْعَدُ غَوْراً مِنْ أَنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ ،

________

1) شرح تجريد الاعتقاد: ص 366 الطبع الحديث.

95

أَوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ فَيُقِيمُوهَا بِاخْتِيَارِهِمْ » الحديث (1).

و منها: ما عن الصدوق عن أبي عبدالله عليه السّلام يقول:

«أَ تَرَوْنَ الْأَمْرَ إِلَيْنَا نَضَعُهُ حَيْثُ نَشَاءُ كَلَّا وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَعَهْدٌ مَعْهُودٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص إِلَي رَجُلٍ فَرَجُلٍ حَتَّي يَنْتَهِيَ إِلَي صَاحِبِه (2) و غير ذلك من الروايات.

و بالجملة فهو من المسلّمات عند الشيعة في

الإمام المعصوم و من المعلوم أنّ مع التعيين و التشخيص من جانب الله لا مورد لاختيار الناس، ثم لا يخفي أنّ التنصيص أحد الطرق التي يعرف الإمام بها لإمكان المعرفة بالإمام من إقامة المعجزة مع دعوي الإمامة و لذا صرّح الميرزا القمّي قدّس سرّه بذلك حيث قال:

إنّ الإمام إذا ادعي الإمامة و أقام علي طبقها المعجزة دلّ ذلك علي حقّيقته كما مرّ في النبوّة (3)، بل ظاهر الكلمات أنّ الإمام يعرف بالأفضلية في الصفات، فإنّ تقديم المفضول علي الأفضل قبيح، فهو طريق ثالث للمعرفة بالإمام كما صرّح به المحقق القمّي أيضاً فراجع و المحقق اللاهيجي في كتاب سرمايه إيمان (4).

الثاني:

في ثبوت النصوص علي أنّ الإمام بعد النبيّ هو عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و تدلّ عليه الروايات الصحاح و المتواترات و ذلك واضح و قد أشار المصنف إلي بعض هذه الروايات و في ما أشار إليه غني و كفاية.

ثم إنّ المصنّف أشار إلي أن تعيينه صلّي الله عليه و آله لعليّ عليه السّلام في عدة مواطن و هو كذلك، بل قد كرّر بعضها في مواطن متعددة و هذا التكرار يشهد علي أن النبيّ صلّي الله عليه و آله اهتم بهذا الأمر

________

1) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 198.

2) ولاية الفقيه: ج 1 ص 392، نقلاً عن بحار الأنوار: ج 23 ص 70.

3) اصول الدين: ص 37.

4) اصول دين: ص 125.

96

كمال الاهتمام و لم يهمله، بل من أوّل الأمر و شروعه في دعوة الناس إلي التوحيد توجّه إليه و أحكم أمر الإمامة بعده، فنسبة الإهمال إليه صلّي الله عليه و آله إفك و افتراء و عليه فلا مجال بعد نصب النبيّ عليّاً من جانب الله

تعالي للخلافة لهذه الأبحاث، من أنّ نصب الإمام واجب علي الناس؟ أم لا يكون واجباً؟ فإذا كان واجباً، فهل هو واجب علي جميع الاُمّة؟ أو علي بعضها؟ و علي الأخير هل المراد من البعض أصحاب الحلّ و العقد؟ أو المراد غيرهم، فإنّ تلك الأبحاث من متفرعات الإمارة و الخلافة الظاهريّة دون الخلافة الالهيّة المنصوصة، فإنّ النصب فيه نصب إلهي كنصب النبيّ و المفروض هو وقوعه، فتلك الأبحاث اجتهاد في قبال النصّ، ثم من المعلوم أنّ النصب الإلهي خال عن الانحراف و أبعد عن الاختلاف فيه و لعلّه لذلك قال الشيخ أبو علي سينا: و الاستخلاف بالنصّ أصوب، فإنّ ذلك لا يؤدي إلي التشعب و التشاغب و الاختلاف (1).

ثم إنّ المصنف لم يشر إلي البحث السندي عن هذه الروايات، لأنّها من المتواترات و قد تصدّي لإثباته جمع من أعاظم الأصحاب كالعلاّمة مير سيد حامد حسين موسوي النبيشابوريّ هنديّ قدّس سرّه في عبقات الأنوار و كالعلاّمة الشيخ عبدالحسين الأميني قدّس سرّه في الغدير، قال العلاّمة الأميني حول حديث الغدير: و لا أحسب أنّ أهل السنّة يتأخرون بكثير من الإمامية في إثبات هذا الحديث و البخوع لصحة و الركون إليه و التصحيح له و الإذعان بتواتره، اللَّهم إلاّ شذاذ تنكبت عن الطريقة، وحدت بهم العصبية العمياء إلي رمي القول علي عواهنه و هؤلاء لا يمثّلون من جامعة العلماء إلا أنفسهم، فإنّ المثبتين المحقيقين للشأن المتولعين في الفن لا تخالجهم أية شبهة

________

1-1) الهيات الشفاء: ص 564.

97

في اعتبار أساتيدهم أنهوها متعاضدة متظافرة، بل متواترة إلي جماهير من الصحابة و التابعين و إليك أسماء جملة و قفنا علي الطرق المنتهية اليهم علي حروف الهجاء، ثم ذكر مائة و عشرة من أعاظم

الصحابة و قال:

هؤلاء من أعاظم الصحابة الذين وجدنا روايتهم لحديث الغدير و لعلّ فيما ذهب علينا أكثر من ذلك بكثير و طبع الحال يستدعي أن تكون رواة الحديث أضعاف المذكورين؛ لأنّ السامعين الوعاة له كانوا مائة ألف أو يزيدون و بقضاء الطبيعة أنّهم حدّثوا به عند مرتجعهم إلي أوطانهم شأن كلّ مسافر ينبيء عن الأحداث الغريبة التي شاهدها في سفره، نعم فعلوا ذلك إلاّ شذاذاً منهم صدّتهم الضغائن عن نقله و المحدثون منهم و هم الأكثرون فمنهم هؤلاء المذكورون و منهم من طوت حديثه أجواز الفلي بموت السامعين في البراري و الفلوات قبل أن ينهوه إلي غيرهم و منهم من أرهبته الظروف و الأحوال عن الإشادة بذلك الذكر الكريم.

و جملة من الحضور كانوا من أعراب البوادي لم يتلق منهم حديث و لا انتهي إليهم الإسناد و مع ذلك كلّه ففي من ذكرناه غني لإثبات التواتر، ثم ذكر أربعة و ثمانين من التابعين، ثم قال:

ليست الصحابة و التابعين بالعناية بحديث الغدير بدعاً من علماء القرون المتتابعة بعد قرنهم، فإنّ الباحث يجد في كلّ قرن زرافات من الحفّاظ الأثبات، يروون هذه الإثارة من علم الدين، متلقين عن سلفهم و يلقونها إلي الخلف، شأن ما يتحقق عندهم و يخضعون لصحة من الأحاديث، فإليك يسيراً من أسمائهم في كلّ قرن شاهداً علي الدعوي و نحيل الحيطة بجميعها إلي طول باع القاريء الكريم و الوقوف علي الأسانيد و معرفة المشيخة.

ثم شرع من القرن الثاني إلي قرن الرابع عشر و ذكر وعدّ ستين و ثلاثمائة من الحفّاظ و الناقلين لحديث الغدير مع أنّ جمعاً من هؤلاء كانوا يروون ذلك

98

بطرق مختلفة، كما قال في هامش ص 14: إن أحمد بن حنبل رواه

من أربعين طريقاً و ابن جرير الطبريّ من نيف و سبعين طريقاً و الجزريّ المقريء من ثمانين طريقاً و ابن عقدة من مائة و خمس طرق و أبو سعيد السجستانيّ من مائة و عشرين طريقاً و أبوبكر الجعابيّ من مائة و خمس و عشرين طريقاً و في تعليق هداية العقول ص 30 عن الأمير محمّد اليمنيّ (أحد شعراء الغدير في القرن الثاني عشر) أنّ له مائة و خمسين طريقاً، ثم قال العلاّمة الأميني قدّس سرّه في متن الغدير: بلغ إهتمام العلماء بهذا الحديث إلي غاية غير قريبة، فلم يقنعهم إخراجه بأسانيد مبثوثة خلال الكتب، حتي أفرده جماعة بالتأليف، فدوّنوا ما انتهي إليهم من أسانيده و ضبطوا ما صحّ لديهم من طريقة، كلّ ذلك حرصاً علي كلاءة متنه من الدثور و عن تطرق يد التحريف إليه، ثم أيّد تواتره بالمناشدة و الاحتجاج، حيث قال:

لم يفتأ هذا الحديث منذ الصدر الأوّل و في القرون الاُولي، حتي القرن الحاضر من الاُصول المسلّمة، يؤمن به القريب و يرويه المناويء، من غير نكير في صدوره و كان ينقطع المجادل إذا خصمه مناظره بإنهاء القضية إليه و لذلك كثر الحجاج به و توفرت مناشدته بين الصحابة و التابعين و علي العهد العلويّ و قبله.

ثم ذكر الاثنين و العشرين، من مواضع المناشدة و الاحتجاج و بين أعلام الشهود فيها، ثم ذكر جماعة من علماء العامّة الذين اعترفوا بصحّة الحديث و ثبوته و تواتره و هم الثلاثة و الأربعون و هذا هو الحصّل لما أفاده قدّس سرّه في تحقيق سند حديث الغدير فراجع (1).

قال في إحقاق الحق: و قد شهد بتواتره فطاحل الآثار و حفظة الأخبار أو دعوه في كتبهم علي تنوّعها و

أذعنوا بعد لاتأويلات الباردة بصراحته في

________

1) راجع الغدير: ج 1 ص 14 314.

99

ما نقول نحن معاشر شيعة أهل البيت، ثم نقل ذلك عن جمع منهم فراجع (1).

قال في دلائل الصدق: بل الحق أنّ هذا الحديث من المتواترات حتّي عند القوم، فقد نقل السيد السعيد رحمه الله عن الجزريّ الشافعيّ أنّه أثبت في رسالته أسني المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب تواتره من طرق كثيرة و نسب منكرة إلي الجهل و العصبية إلخ (2) هذا يكفيك بالنسبة إلي سند حديث الغدير.

و أما سند حديث المنزلة فهو أيضاً في غاية القوة و يكفيك فيه ما حقّقه آية الله السيد شرف الدين قدّس سرّه في المراجعات حيث قال:

«لم يختلج في صحّة سنده ريب حتّي الذهبيّ علي تعنّته صرّح في تلخيص المستدرك بصحته و ابن حجر الهيثميّ علي محاربته بصواعقه ذكر الحديث في الشبهة 12 من الصواعق، فنقل القول بصحته عن أئمة الحديث الَّذين لا معوّل فيه إلاّ عليهم فراجع و لو لا أنّ الحديث بمثابة من الثبوت، ما أخرجه البخاري في كتابه، فإنّ الرجل يغتصب نفسه عند خصائص عليّ و فضائل أهل البيت اغتصاباً و معاوية كان إمام الفئة الباغية، ناصب أمير المؤمنين و حاربه و لعنه علي منابر المسلمين و أمرهم بلعنه، لكنّه بالرغم من وقاحته في عدوانه لم يجحد حديث المنزلة و لاكابر فيه سعد بن أبي وقاص حين قال له فيما أخرجه مسلم ما منعك أن تسب أباتراب، فقال:

أما ماذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله فلن أسبه؛ لإن تكون لي واحدة منها أحبّ إليّ من حمر النعم، سمعت رسول الله يقول له و قد خلفه في بعض مغازيه: أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة

هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي … الحديث، فأبلس معاوية و كفّ عن تكليف سعد.

________

1) احقاق الحق: ج 2 ص 422.

2) دلائل الصدق: ج 2 ص 53.

100

أزيدك علي هذا كلّه أنّ معاوية نفسه حدّث بحديث المنزلة، قال ابن حجر في صواعقه: أخرج أحمد أنّ رجلاً سأل معاوية عن مسألة، فقال:

سل عنها عليّاً فهو أعلم، قال:

جوابك فيها أحبّ إليّ من جواب عليّ، قال:

بئس ما قلت: لقد كرهت رجلاً كان رسول الله يغرّه بالعلم غراً و لقد قال له: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي و كان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه … إلي آخر كلامه.

و بالجملة فإنّ حديث المنزلة مما لا ريب في ثبوته بإجماع المسلمين علي اختلافهم في المذاهب و المشارب، ثم أشارإلي جمع من كتب السير و جوامع الحديث التي نقل فيها حديث المنزلة كالجمع بين الصحاح الستة و صحيح البخاري و صحيح مسلم و سنن ابن ماجة و مسند أحمد بن حنبل و الطبراني، ثم قال:

و كلّ من تعرّض لغروة تبوك من المحدّثين أهل السير و الأخبار، نقلوا هذا الحديث و نقله كلّ من ترجم عليّاً من أهل المعاجم في الرجال من المتقدمين و المتأخرين علي اختلاف مشاربهم و مذاهبهم و رواه كلّ من كتب في مناقب أهل البيت و فضائل الصحابة من الأئمة، كأحمد بن حنبل و غيره ممن كان قبله أو جاء بعده و هو من الأحاديث المسلّمة في كلّ خلف من هذه الاُمة (1) و خصّ صاحب عبقات الأنوار جلداً ضخماً بحديث المنزلة جزاه الله عن الإسلام خيراً و روي في غاية المرام مائة حديث من طريق العامّة و سبعين حديثاً

من طرق الخاصّة حول حديث المنزلة فراجع، هذا كلّه بالنسبة إلي حديث المنزلة.

و أمّا اعتبار نصّ الدار يوم الإنذار فيكفيك ما في المراجعات حيث قال:

و حسبك منها (أي النصوص) ما كان في مبدأ الدعوة الإسلامية قبل ظهور

________

1) المراجعات: ص 129 132.

101

الاسلام بمكة، حين أنزل الله تعالي عليه «و أنذر عشيرتك الأقربين» فدعاهم إلي دار عمه أبي طالب و هم يومئذٍ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه و فيهم أعمامه أبوطالب و حمزة و العباس و أبولهب و الحديث في ذلك من صحاح السنن المأثورة، ثم أشار إلي من أخرج هذا الحديث في كتابه و كان فيهم ابن اسحاق و ابن جرير و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و أبو نعيم و البيهقيّ و الطبريّ و الثعلبيّ، ثم قال:

و أرسله ابن الأثير إرسال المسلمات و صحّحه غير واحد من أعلام المحققين كابن جرير و الاسكافيّ و الذهبيّ و صرّح في آخر كلامه بتواتره عند الشيعة فراجع (1).

هذه جملة من النصوص التي و ردت لتعيين عليّ عليه السّلام للولاية و الإمامة و بقيتها تطلب من المطوّلات كما لا يخفي.

الثالث:

في فقه الحديث و لا يخفي عليك أنّ المصنّف اكتفي بوضوح الدلالة و لم يبحث عنه و لكن الأولي هو أن يبحث عنه بعد ورود إشكالات من ناحية بعض إخواننا العامّة و إن كان جوابها واضحاً و لذلك بقول: أمّا حديث الغدير: فالمراد منه هو إثبات كونه عليه السّلام أولي بالتصرّف من دون فرق بين كون المولي كالوليّ ظاهراً فيه بحسب الوضع اللغويّ، أو مشتركاً لفظيّاً بين المعاني، أو مشتركاً معنوياً بينها، لفهم من حضر و من يحتجّ بقوله في اللغة من الاُدباء و الشعراء، فإنّه يوجب الوثوق

و الاطمئنان بالمعني المراد و هو كاف في كلّ مقام كما لا يخفي.

قال العلاّمة الأميني قدّس سرّه : و أمّا دلالته علي إمامة مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام فإنّا معها شككنا في شيء فلا نشك في أنّ لفظة المولي سواء كانت نصاً في المعني الذي نحاوله بالوضع اللغوي، أو مجملة في مفادها

________

1) المراجعات: ص 118 124.

102

لا شتراكها بين معان جمّة و سواء كانت عريّة عن القرائن لإثبات ما ندعيه من معني الإمامة، أو محتفّة بها فإنّها في المقام لا تدلّ إلاّ علي ذلك لفهم من وعاه من الحضور في ذلك المحتشد العظيم و من بلغه النبأ بعد حين ممن يحتج بقوله في اللغة من غير نكير بينهم و تتابع هذا الفهم فيمن بعدهم من الشعراء و رجالات الأدب حتّي عصرنا الحاضر و ذلك حجّة قاطعة في المعني المراد و في الطليعة من هؤلاء: مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام حيث كتب إلي معاوية في جواب كتاب له من أبيات ستسمعها ما نصّه:

• و أوجب لي ولايته عليكم رسولالله يوم غدير خمّ

• رسولالله يوم غدير خمّ رسولالله يوم غدير خمّ

و منهم: حسّان بن ثابت الحاضر مشهد الغدير و قد استأذن رسول الله صلّي الله عليه و آله أن ينظم الحديث في أبيات منها قوله:

• فقال له: قم يا عليّ فإنّني رضيتكمن بعدي إماماً و هادياً

• رضيتكمن بعدي إماماً و هادياً رضيتكمن بعدي إماماً و هادياً

و من اُولئك: الصحابيّ العظيم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاريّ الذي يقول:

• و عليّ إمامنا و إمام لسوانااتي به التنزيل

• لسوانااتي به التنزيل لسوانااتي به التنزيل

• يوم قال النبيّ: من كنت مولاه فهذامولاه خطب جليل

• فهذامولاه خطب جليل فهذامولاه خطب جليل

و من

القوم:

• محمَّد بن عبدالله الحميريّ القائل: منالبادي و من خير الأنام منالبادي و من خير الأنام

• تناسوا نصبه في يوم خمّ منالبادي و من خير الأنام

و منهم: عمرو بن العاص الصحابيّ القائل:

• و كم قد سمعنا من المصطفي و في يوم خمّ رقي منبراً فأمنحه إمرة المؤمنين و في كفِّه كفّه معلناً يناديبأمر العزيز العليِّ

• وصايا مخصّصة في عليِّ و بلّغ و الصحب لم ترحل منالله مستخلف المنحل يناديبأمر العزيز العليِّ يناديبأمر العزيز العليِّ

• و قال:

فمن كنتُ مولي له عليّله اليوم نعم الوليِّ

• عليّله اليوم نعم الوليِّ عليّله اليوم نعم الوليِّ

103

و من اُولئك: كميت بن زيد الأسديّ الشهيد 126، حيث يقول:

• و يوم الدوح دوح غدير خمّ و لكن الرجال تنايعوها فلمأرمثلها خطراً مبيعا

• أبانله الولاية لو اُطيعا فلمأرمثلها خطراً مبيعا فلمأرمثلها خطراً مبيعا

ثم نقل عن الحميريّ و العبديّ الكوفيّ و غيره من شعراء القرن الثاني و الثالث أشعاراً، ثم قال:

و تبع هؤلاء جماعة من بواقع العلم و العربية الذي لا يعدون مواقع اللغة، ولا يجهلون وضع الألفاظ و لا يتحرّون إلاّ الصحة في تراكيبهم و شعرهم، كدعبل الخزاعيّ و الحمانيّ و الأمير أبي فراس و علم الهدي المرتضي و السيد الشريف الرضيّ و الحسين بن الحجّاج و ابن الروميّ و كشاجم و الصنوبريّ و المفجع و الصاحب بن عباد، ثم ذكر عدة اُخري من الشعراء إلي أن قال : إلي غيرهم من اساطين الأدب و أعلام اللغة و لم يزل اثرهم مقتصّاً في القرون المتتابعة إلي يومنا هذا و ليس في وسع الباحث أن يحكم بخطأ هؤلاء جميعاً و هم مصادره في اللغة و مراجع الاُمة في الأدب (1).

و أيضاً يدلّ علي هذا الفهم

المذكور استشهادات الصحابة و غيرهم بهذا الحديث للخلافة، قال في دلائل الصدق: و في رواية لأحمد أنّه سمعه من النبيّ صلّي الله عليه و آله ثلاثون صحابياً و شهدوا به لعليّ عليه السّلام لمّا نُوزع أيام خلافته كما مرّ و سيأتي. ثم قال صاحب دلائل الصدق: أقول: و هذا صريح في دلالة الحديث علي الخلافته (2).

هذا مضافاً إلي القرائن الداخلية و الخارجية الدالة علي تعيين المراد من كلمة المولي و هي كثيرة و لا بأس بالإشارة إلي بعضها.

القرينة الاُولي: هو قوله صلّي الله عليه و آله :

ألست أولي بكم من

________

1) راجع الغدير: ج 1 ص 340 342.

2) دلائل الصدق: ج 2 ص 52.

104

أنفسكم في صدر الحديث، فإنّه يدلّ علي اولويّة نفسه علي الناس في الاُمور و الأنفس، فتفريع قوله:

«فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» علي الصدر يدلّ علي أن المقصود هو أن يثبت بذلك لعليّ عليه السّلام مثل ما كان لنفسه من ولاية التصرف و الاولويّة المذكورة، فلو اُريد من المولي غير الاولويّة، فلا مناسبة لتصدير هذه المقدمة و تفريع قوله عليه كما لا يخفي.

و لذا قال العلاّمة الحليّ قدّس سرّه : و وجه الاستدلال به أنّ لفظة مولي تفيد الأولي؛ لأنّ مقدمة الحديث تدلّ عليه (1) و تبعه الأعلام و الفحول. قال العلاّمة الأمينيّ قدّس سرّه : و قد رواها (أي المقدمة المذكورة) الكثيرون من علماء الفريقين و ذكر أربعة و ستين منهم و فيهم أحمد بن حنبل و الطبريّ و الذهبيّ و ابن الصبّاغ و الحلبيّ و ابن ماجة و الترمذيّ و الحاكم و ابن عساكر و النسائي و الكنجيّ و ابن المغازليّ و الخوارزميّ و التفتازانيّ و البيضاويّ و ابن الأثير و

المقريزيّ و السيوطيّ و غيرهم من الأعلام.

ثم قال:

أضف إلي ذلك من رواها (أي المقدمة المذكورة) من علماء الشيعة الذين لا يحصي عددهم إلي أن قال : و يزيدك وضوحاً و بياناً ما في «التذكرة» لسبط ابن الجوزي الحنفيّ: ص 20 فإنّه بعد عدّ معان عشرة للمولي و جعل عاشرها الأولي، قال:

و المراد من الحديث: الطاعة المخصوصة، فتعيّن الوجه العاشر و هو الأولي و معناه: من كنت أولي به من نفسه فعليّ أولي به و قد صرّح بهذا المعني الحافظ أبو الفرج يحيي بن سعيد الثقفيّ الإصبهاني ي كتابه المسمّي بمرج البحرين، فإنّه روي هذا الحديث بإسناده إلي مشايخه و قال فيه: فأخذ رسول الله صلّي الله عليه و آله بيد عليّ فقال:

من كنت وليّه و أولي به من نفسه فعليّ وليّه الخ (2).

________

1) شرح تجريد الاعتقاد: ص 369 الطبع الحديث.

2) الغدير: ج 1 ص 370 372.

105

و أيضاً نقل في احقاق الحقّ القرينة الاُولي من العلاّمة ابن بطريق الأسديّ الحليّ (1).

القرينة الثانية: هي قوله صلّي الله عليه و آله في ذيل الحديث: هنئوني هنئوني، إنّ الله تعالي خصّني بالنبوّة و خصّ أهل بيتي بالإمامة، فلقي عمر بن الخطاب أمير المؤمنين فقال:

طوبي لك يا أبا الحسن، اصبحت مولاي و مولي كلّ مؤمن و مؤمنة، رواه في الغدير عن شرف المصطفي فراجع (2). قال العلاّمة الأمينيّ قدّس سرّه : فصريح العبارة هو الإمامة المخصوصة بأهل بيته الذين سيدهم و المقدّم فيهم هو أمير المؤمنين عليه السّلام و كان هو المراد في الوقت الحاضر، ثم نفس التهنئة و البيعة و المصافحة و الاحتفال بها و اتصالها ثلاثة أيام، كما مرّت هذه كلّها ص 269 283 (و قد نقل في

هذه الصفحات قصة تهنئة الشيخين عن الستين من أعاظم علماء أهل السنّة) لا تلائم غير معني الخلافة و الاولويّة و لذلك تري الشيخين أبابكر و عمر لقيا أمير المؤمنين فهنئاه بالولاية (3).

القرينة الثالثة: هي التعبير عن يوم الغدير بيوم نصب عليّ علماً و إماماً، كما روي في مودة القربي علي ما حكاه في كتاب الغدير عن عمر بن الخطاب أنّه قال:

نصّب رسول الله صلّي الله عليه و آله عليّاً علماً، فقال:

من كنت مولاه فعليّ مولاه الحديث (4) و روي فرائد السمطين، عن زيد بن أرقم و البراء بن عازب و سلمان و أبي ذر و المقداد و عمّار، أنّهم قالوا: نشهد لقد حفظنا قول رسول الله صلّي الله عليه و آله و هو قائم علي المنبر: «و أنت (والخطاب لعلي عليه السَّلام) إلي جنبه و هو يقول:

أيّها الناس، إنّ الله عزّوجلّ أمر أن اُنصّب

________

1-1) 2-احقاق الحقّ: ج 2 ص 469.

2) الغدير: ج 1 ص 274.

3) الغدير: ج 1 3-ص 375. 4) الغدير: ج 1 ص 57.

106

لكم إمامكم و القائم فيكم بعدي و وصيي و خليفتي» الحديث (1). هذا صريح في أنّ المراد من المولي هو الأولي بالتصرف لا سائر المعاني.

القرينة الرابعة: الأخبار المفسّرة منها: ما رواه في الغدير عن طريق العامّة عن النبيّ صلّي الله عليه و آله أنّه لمّا سئل عن معني قوله:

مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ، قال:

اللَّهُ مَوْلَايَ أَوْلَي بِي مِنْ نَفْسِي لَا أَمْرَ لِي مَعَهُ وَ أَنَا مَوْلَي الْمُؤْمِنِينَ أَوْلَي بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ لَا أَمْرَ لَهُمْ مَعِي وَ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ أَوْلَي بِهِ مِنْ نَفْسِهِ لَا أَمْرَ لَهُ مَعِي فَعَلِيُّ مَوْلَاهُ أَوْلَي بِهِ مِنْ نَفْسِهِ لَا أَمْرَ لَهُ مَعَه (2).

و منها

ما رواه شيخ الإسلام الحمويني في حديث احتجاج أمير المؤمنين أيام عثمان قوله عليه السّلام :

ثم خطب رسول الله صلّي الله عليه و آله فقال:

أَيُّهَا النَّاسُ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَ جَلَّ مَوْلَايَ وَ أَنَا مَوْلَي الْمُؤْمِنِينَ وَ أَنَا أَوْلَي بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ قَالُوا بَلَي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُمْ يَا عَلِيُّ فَقُمْتُ فَقَالَ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ فَقَامَ سَلْمَانُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالاهُ كَمَا ذَا فَقَالَ لَا كَوَلَائِي فَمَنْ كُنْتُ أَوْلَي بِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعَلِيٌّ أَوْلَي بِهِ مِنْ نَفْسِهِ(3) و غير ذلك من الأخبار.

القرينة الخامسة: و هي كما في دلائل الصدق أنه صلّي الله عليه و آله بيّن قرب موته كما في رواية الحاكم و رواية الصواعق و غيرهما، حيث قال فيه: «أيّها الناس إنّه قد نبأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبيّ إلاّ نصف عمر النبي الذي يليه من قبله و إنّي لأظن أنّي يوشك أن اُدعي فاُجيب و إني مسؤول و إنكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنّك بلّغت و جهدت و نصحت، فجزاك الله خيراً» الحديث و هو مقتض لعهد بالخلافة و مناسب له، فلابدّ من

________

1) الغدير: ج 1 ص 165.

2) الغدير: ج 1 ص 386.

3) الغدير: ج 1 ص 387.

107

حمل قوله:

«من كنت مولاه فعليّ مولاه» علي العهد لأمير المؤمنين بالخلافة لا علي بيان الحبّ و النصرة و لا سيّما مع قوله في رواية الحاكم: «إنّي تركت» إلي آخره الدالّ علي الحاجة إلي عترته و كفايتهم مع الكتاب في ما تحتاج إليه الاُمة و قوله في رواية الصواعق: «إنّي سائلكم عنهما» و قوله:

«لن يفترقا» بعد أمره بالتمسك بالكتاب، فإنّ

هذا يقتضي وجوب التمسك بهم و اتباعهم، فيسأل عنهم و ذلك لا يناسب إلاّ الإمامة (1).

القرينة السادسة: هي كما في دلائل الصدق قرائن الحال الدالة علي أنّ ما أراد النبيّ صلّي الله عليه و آله بيانه هو أهم الامور و أعظمها كأمره بالصلاة جامعة في السفر بالمنزل الوعر بحرّ الحجاز وقت الظهيرة مع إقامة منبر من الاحداج له و قيامه خطيباً بين جماهير المسلمين، الذين يبلغ عددهم مائة ألف أو يزيدون، فلابدّ مع هذا كلّه أن يكون مراد النبيّ صلّي الله عليه و آله بيان إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام التي يلزم ايضاح حالها و الاهتمام بشأنها و إعلام كلّ مسلم بها، لا مجرد بيان أن علياً محبّ لمن أحببته و ناصر لمن نصرته و هولا أمر و لا إمرة له و علي هذا فبالنظر إلي خصوص كلّ واحدة من تلك القرائن الحالية و المقالية، فضلاً عن مجموعها، لا ينبغي أن يشكّ ذو ادراك في إرادة النصّ علي عليّ عليه السّلام بالإمامة و إلاّ فكيف تستفاد المعاني من الألفاظ و كيف يدلّ الكتاب العزيز أو غيره علي معني من المعاني و هل يمكن أن لا تراد الإمامة و قد طلب أمير المؤمنين عليه السّلام من الصحابة بمجمع الناس بيان الحديث و دعا علي من كتمه؛ إذ لو اُريد به مجرد الحبّ و النصرة لما كان محلاً لهذا الاهتمام و لا كان مقتض لأن يبقي في أبي الطفيل منه شيء و هو أمر ظاهر ليس به عظيم فضل، حتّي قال له زيد بن أرقم: ما

________

1) دلائل الصدق: ج 2 ص 58.

108

تنكر ق سمعت رسول الله صلّي الله عليه و آله يقول ذلك له كما سبق (1).

ولا

كان مستوجباً لتهنئة أبي بكر و عمر، لأمير المؤمنين عليه السّلام بقولهما «أصبحت مولي كلّ مؤمن و مؤمنة» فإنّ التهنئة لأمير المؤمنين الذي لم يزل محلاً لذكر رسول الله صلّي الله عليه و آله بالفضائل العظيمة و الخصائص الجليلة، إنّما تصحّ علي أمر حادث تقصر عنه سائر الفضائل و تتقاصر له نفوس الأفاضل و تتشوق إليه لاقلوب و تتسوف له العيون، فهل يمكن أن يكون هو غير الإمامة من النصرة و نحوها ممّا هو أيسر فضائله و أظهرها و أقدمها و لكن كما قال الغزالي في سر العالمين: «ثم بعد ذلك غاب الهوي و حبّ الرياسة و عقود البنود و خفقان الرايات و ازدحام الخيول و فتح الأمصار و الأمر و النهي، فحملهم علي الخلاف، فنبذوه وراء ظهورهم و اشتروا به ثمناً قليلاً، فبئس ما يشترون» و قد ذكر جماعة من القوم أنّ سرّ العالمين للغزالي كالذهبي في ميزان الاعتدال بترجمة الحسن بن الصباح الاسماعيلي هذا (2).

و إلي غير ذلك من القرائن الكثيرة المذكورة في المطولات.

هذا مضافاً إلي فهم أهل البيت الذين كانوا مصونين عن الخطأ و الاشتباه بنصّ الرسول الأعظم صلّي الله عليه و آله و لذا أعظموا يوم الغدير و أوصوا و أكدوا بتعظيمه و جعله عيداً؛ لكونه يوم نصب عليّ عليه السّلام للإمامة و الخلافة

________

1) و نقل فيما سبق عن أحمد عن حسين محمد و أبي نعيم قالا: «حدّثنا فطر عن أبي الطفيل قال جمع علي الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كلّ امريء مسلم سمع رسول الله يقول يوم غدير خم ما سمع لمّا قام. فقام ثلاثون من الناس و قال أبو نعيم، فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذه

بيده فقال للناس: أَ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلي بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ؟ قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ. قال فخرجت و كان في نفسي شيء فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إنّي سمعت علياً يقول كذا و كذا قال:

فما تنكر قد سمعت رسول الله صلّي الله عليه و آله يقول ذلك له» راجع دلائل الصدق: ج 2 ص 55.

2) دلائل الصدق: ج 2 ص 58 59.

109

بحيث صار مفاد الحديث عند الشيعة قطعيّاً و يقينيّاً كما لا يخفي. فالحديث مع ما قد حفّ به من القرائن نصّ جليّ علي خلافة عليّ عليه السّلام و علي وجوب الاتباع له، كوجوب الاتباع عن النبيّ صلّي الله عليه و آله هذا كلّه بالنسبة إلي حديث الغدير و بقية الكلام تطلب من دلائل الصدق و الغدير و المراجعات و غير ذلك.

و أمّا الكلام في حديث المنزلة فوجه الاستدلال به كما في العقائد الحقّة أنّ المستفاد من هذا الخبر ثبوت جميع منازل هارون من موسي و استثني منزلة النبوّة و من جملة المنازل الخلافة بعده (1).

بل يمكن أن يستفاد من حديث المنزلة خلافته و إمامته من زمان حياة الرسول الأعظم صلّي الله عليه و آله .

قال في دلائل الصدق و نعم ما قال:

لا ريب أنّ الاستثناء دليل العموم، فتثبت لعليّ عليه السلام جميع منازل هارون الثابتة له في الآية سوي النبوّة و من منازل هارون الإمامة؛ لأنّ المراد بالأمر في قوله تعالي: «و أشركه في أمري» هو الأعمّ من النبوّة التي هي التبليغ عن الله تعالي و من الإمامة، التي هي الرياسة العامّة، فإنّهما أمران مختلفان، إلي أن

قال : و يشهد للحاظ الإمامة و إرادتها من الأمر في الآية الأخبار السابقة المتعلّقة بآخر الآيات، التي ذكرناها في الخاتمة المصرّحة تلك الأخبار بأنّ النبيّ صلّي الله عليه و آله دعا فقال:

«اللَّهم إني أسألك بما سألك أخي موسي، أن تشرح لي صدري و أن تيسر لي أمري و تحلّ عقدة من لساني يفقهوا قولي و اجعل لي وزيراً من أهلي، عليّاً أخي اشدد به أزري و أشركه في أمري» فإنّ المراد هنا بالاشراك في أمره هو الإشراك بالإمامة لا الإشراك بالنبوّة كما هو ظاهر و لا المعاونة علي تنفيذ

________

1) العقائد الحقة: ص 20.

110

ما بعث فيه؛ لأنّه قد دعا له أولاً بأن يكون وزيراً له.

و بالجملة معني الآية أشركه في أمانتي الشاملة لجهتي النبوّة و الإمامة؛ و لذا نقول: إنّ خلافة هارون لموسي لمّا ذهب إلي الطور ليست كخلافة سائر الناس، ممن لا حكم و لا رياسة له ذاتاً، بل هي خلافة شريك لشريك أقوي؛ و لذا لا يتصرف بحضوره فكذا عليّ بحكم الحديث لدلالته علي أنّ له جميع منازل هارون، التي منها شركته لموسي في أمره سوي النبوّة، فيكون عليّ إماماً مع النبيّ في حياته إلي أن قال : فلابدّ أن تستمر إمامته إلي ما بعد وفاته و لا سيّما أنّ النظر في الحديث إلي ما بعد النبيّ صلّي الله عليه و آله أيضاً و لذا قال:

إلاّ أنه لا نبيّ بعدي. و لو تنزّلنا عن ذلك فلا إشكال بأنّ من منازل هارون أن يكون خليفة لموسي لو بقي بعده؛ لأنّ الشريك أولي الناس بخلافة شريكه، فكذا يكون عليّ عليه السّلام إلي أن قال : و قد علم علي جميع الوجوه أنّه لا ينافي الاستدلال

بالحديث علي المدعي موت هارون قبل موسي، كما علم بطلان أن يكون المراد مجرد استخلاف أمير المؤمنين في المدينة خاصّة، فإنّ خصوص المورد لا يخصص العموم الوارد و لا سيّما أن الاستخلاف بالمدينة ليس مختصاً بأمير المؤمنين عليه السّلام لاستخلاف النبيّ صلّي الله عليه و آله غيره بها في باقي الغزوات و مقتضي الحديث أن الاستخلاف منزلة خاصّة به كمنزلة هارون من موسي التي لم يستثن منها إلاّ النبوة. فلابدّ أن يكون المراد بالحديث إثبات تلك المنزلة العامّة له إلي ما بعد النبيّ صلّي الله عليه و آله إلي أن قال : و يدلّ علي عدم إرادة ذلك الاستخلاف الخاصّ (أي في غزوة تبوك) بخصوصة ورود الحديث في موارد لا دخل لها به. (فمنها): ما سيجيء إن شاء الله تعالي من أنّ النبيّ صلّي الله عليه و آله علّل تحليل المسجد لعليّ جنباً بأنّه منه بمنزلة هارون من موسي. (و منها): ما رواه في كنز العمال عن اُم سليم أنّ النبيّ صلّي الله عليه و آله قال لها: يا اُمّ سليم، إنّ

111

عليّاً لحمه من لحمي و دمه من دمي و هو منّي بمنزلة هارون من موسي. (و منها): ما رواه في الكنز أيضاً عن ابن عباس أنّ عمر قال:

«كفوا عن ذكر علي بن أبي طالب إنيّ سمعت رسول الله صلّي الله عليه و آله يقول في عليّ ثلاث خصال لان يكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ : كنت و أبوبكر و أبوعبيدة و نفر من أصحاب رسول الله و النبيّ متكئ علي عليّ حتّي ضرب علي منكبه، ثم قال:

انت يا عليّ أوّل المؤمنين ايماناً و أولهم اسلاماً، ثم قال:

أنت بمنزلة هارون

من موسي و كذب من زعم أنّه يحبني و يبغضك» إلي أن قال : إلي غيرها من الموارد الكثيرة (1).

ثم إنّ الأحاديث المذكورة شطر من الأحاديث الكثيرة الدالة علي إمامة عليّ و أولاده عليهم السّلام فعليك بالكتب الكلامية و جوامع الحديث و السّيرؤ و التفاسير.

الرابع:

في الآيات و هي كثيرة و قد اُشير إليها في الكتب التفسيريّة و الكلامية و المصنف قدّس سرّه اكتفي بآية واحدة و هي آية الولاية و هي من الآيات الباهرات و تقريب تلك الآية علي ما في العقائد الحقّة و غيرها: أنّ وجه الاستدلال أنّ لفظة إنّما للحصر لاتفاق أهل العربية عليه و الوليّ و إن ذكر له معان، لكن لا يناسب مع الحصر المذكور معني غير الأولي بالتصرف، كقولهم: السلطان وليّ من لا وليّ له و وليّ الدم و وليّ الميّت و قوله:

أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل و قد ذكر المفسرون أنّ المراد بهذه الآية الشريفة عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه لأنّه لمّا تصدّق بخاتمه حال ركوعه نزلت هذه الآية (2).

قال العلاّمة الحليّ قدّس سرّه : أجمعوا علي نزولها في عليّ عليه السّلام

________

1) دلائل الصدق: ج 2 ص 252 254.

2) العقائد الحقة: ص 19 20.

112

و هو مذكور في الصحاح الستة لمّا تصدّق بخاتمه علي المسكين في الصلاة بمحضر من الصحابة و الوليّ هو المتصرف و قد أثبت الله تعالي الولاية لذاته و شرك معه الرسول و أمير المؤمنين و ولاية الله عامّة فكذا النبيّ و الوليّ (1) فالمحصور فيه الولاية معلوم للصحابة علي ما تشهد له الأخبار الواردة في الصحاح و هو عليّ عليه السلام.

و قال الاُستاذ الشهيد آية الله المطهريّ قدّس سرّه : لم

يرد في الشرع أمر بأداء الزكاة في حال الركوع حتّي يكون ذلك قانوناً كلياً و له أفراد، فالآية إشارة إلي قضية خارجية لم تقع إلاّ مرّة واحدة و الشيعة و أهل التسنن اتفقوا علي أنّ هذه القضية هي التي وقعت من عليّ عليه السّلام حال ركوعه في لاصلاة، فالآية نزلت في حقّه و عليه فالآية لا تدلّ إلاّ علي ولاية عليّ عليه السّلام (2).

وبالجملة فالحصر في المقام يدلّ علي أنّ المراد من الولاية هو الأولي بالتصرف لا غير و إلاّ فلا يصحّ الحصر إذ المحبّة و النصرة لا اختصاص لهما بقوم دون قوم، هذا مضافاً إلي وحدة السياق فإنّ المراد من الوليّ في الله تعالي و رسوله الأعظم هو الأولي بالتصرف و هكذا في الذين آمنوا … الآية، كما أنّ خارجية القضية تشهد بكون المراد منها هو ما وقعت من عليّ عليه السّلام بمحضر الصحابة و هذا التقريب أسدّ و أخضر ممّا في دلائل الصدق حيث قال:

لا يبعد أنّ الوليّ مشترك معني موضوع للقائم بالأمر أي الذي له سلطان علي المولي عليه و لو في الجملة، فيكون مشتقاً من الولاية بمعني السلطان و منه وليّ المرأة و الصبي و الرعية أي القائم باُمورهم و له سلطان عليهم في الجملة و منه أيضاً الوليّ بمعني الصديق و المحبّ فإنّ للصديق ولاية و سلطاناً في الجملة علي

________

1) دلائل الصدق: ص 44.

2) امامت و رهبري: ص 60 61.

113

صديقه و قياماً باُموره و كذا الناصر بالنسبة إلي المنصور و الحليف بالنسبة إلي حليفه و الجار بالنسبة إلي جاره، إلي غير ذلك، فحينئذٍ يكون معني الآية: إنّما القائم باُموركم هو الله و رسوله و أمير المؤمنين و لا شك أنّ

ولاية الله تعالي عامّة في ذاتها مع أنّ الآية مطلقة، فتفيد العموم بقرينة الحكمة، فكذا ولاية النبيّ و الوصيّ فيكون علي عليه السّلام هو القائم باُمور المؤمنين و السطان عليهم و الإمام لهم.

ولو سلّم تعدد المعاني و اشتراك الوليّ بينها لفظاً فلا ريب أنّ المناسب لانزال الله الآية في مقام التصدق أن يكون المراد بالوليّ هو القائم بالاُمور لا الناصر، إذ أي عاقل يتصور أنّ إسراع الله سبحانه بذكر فضيلة التصدّق و اهتمامه في بيانها بهذا البيان العجيب لا يفيد إلاّ مجرد بيان أمر ضروري و هو نصرة علي عليه السّلام للمؤمنين.

ولو سلّم أنّ المراد الناصر فحصر الناصر بالله و رسوله و عليّ لا يصحّ إلاّ بلحاظ إحدي جهتين:

(الاُولي):

أنّ نصرتهم للمؤمنين مشتملة علي القيام و التصرّف باُمورهم و حينئذٍ يرجع إلي المعني المطلوب.

(الثانية)

أن تكون نصرة غيرهم للمؤمنين كلا نصرة بالنسبة إلي نصرتهم و حينئذٍ يتمّ المطلوب أيضاً؛ إذ من لوازم الإمامة النصرة الكاملة للمؤمنين و لا سيّما قد حكم الله عزّوجلّ بأنّها في قرن نصرته و نصرة رسوله.

و بالجملة قد دلّت الآية الكريمة علي انحصار الولاية بأيّ معني فسّرت بالله و رسوله و أمير المؤمنين و أنّ ولايتهم من سنخ واحد، فلابدّ أن يكون أمير المؤمنين عليه السّلام ممتازاً علي الناس جميعاً بما لا يحيط به وصف الواصفين، فلا يليق إلاّ أن يكون إماماً لهم و نائباً من الله تعالي عليهم جميعاً.

و يشهد لإرادة الإمامة من هذه الآية، الآية التي قبلها الداخلة معها في خطاب واحد و هي قوله تعالي: «

يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دينِهِ

114

فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَي الْمُؤْمِنينَ أَعِزَّةٍ عَلَي الْكافِرينَ يُجاهِدُونَ في سَبيلِ اللَّهِ

وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَليمٌ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ » الآية، فإنّها ظاهرة في أنّ من يأتي بهم الله تعالي من أهل الولاية علي الناس و القيام باُمورهم؛ لأن معناها يا أيّها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم مخصوص معه بالمحبّ بينه و بينهم، أذلّة علي المؤمنين، أي متواضعين لهم تواضع ولاة عليهم؛ للتعبير ب «علي» التي تفيد العلوّ و الارتفاع، أعزّة علي الكافرين أي ظاهري العزّة عليهم و العظمة عندهم و من شأنهم الجهاد في سبيل الله و لا يخافون لومة لائم و من المعلوم أنّ هذه الأوصاف إنّما تناسب ذا الولاية و الحكم و الإمامة، فيكون تعقبها بقوله تعالي: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ » الآية دليلاً علي أنّ المراد بوليّ المؤمنين إمامهم القائم باُمورهم للارتباط بين الآيتين (1).

و هنا تقريب آخر مذكور في كتاب الإمامة و الولاية حيث قال:

إنّ هذا الخطاب الإلهي يتوجه إلي الاُمة الإسلامية ليحدّد لها أولياءها بالخصوص و أنّ من الواضح جداً هنا أن المولي غير المولي عليه فالذين آمنوا في تعبير الآية هم غير المخاطبين المولّي عليهم و سياق هذه الآية ليس كسياق الآية الشريفة (وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) لأنّ الآية في مقام بيان الأولياء من الله تعالي و الرسول الأعظم و الذين آمنوا و هو أمر لا يخفي علي العارف بأساليب الكلام.

و عليه ف «الَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ » هم أفراد معيّنون، لهم شأن و امتياز عن الآخرين و ذلك إمّا لأنّ هذه الصفات المذكورة تتجلّي بكلّ واقعها فيهم أو لأنّهم سبقوا

غيرهم إليها، كما أنّ من

________

1) راجع دلائل الصدق: ج 2 ص 44 46.

115

الواضح أيضاً أنّ حقيقة هذه العلاقة المعبّر عنها بالولاية، بين الله و رسوله و هؤلاء الذين آمنوا و بين أفراد الاُمة الإسلامية ليست كالرابطة المتقابلة بين فردين أو جماعتين من الاُمة أي رابطة الحبّ و التعاون و التناصر و إنّما هي علاقة خاصة يكون أحد الطرفين فيها مؤثراً في الآخر دون العكس و ليست هي إلاّ الأولوية في التصريف و إن اختلفت بالنسبة إلي الله تعالي و إلي غيره أصالة و تبعاً و شدّة و ضعفاً، فولاية الله تعالي هي الأصلية في حين أنّ ولاية الرسول و من يتلوه هي ولاية مستمدّة من ولاية الله تعالي.

إذا لا حظنا هذا الذي قلناه و أدركنا الربط بين الحكم الوارد في هذه الآية و مدي تناسبه مع موضوعه و ركّزنا علي جعل ولاية الذين آمنوا هؤلاء في سياق ولاية الله تعالي و رسوله عرفنا بدقّة أنّ المراد منهم اُولوا الأمر الذين افترض الله طاعتهم علي المؤمنين و قرن طاعتهم بطاعته و طاعة رسوله إلي أن قال : و قد جاءت الولاية المعطاة لهؤلاء مطلقة في الآية بلا أي تقييد بجانب معيّن من الجواب؛ و لذا فيلتزم بهذا الإطلاق إلاّ ما خرج بالدليل القطعيّ و هو الاستقلال بالولاية التكوينيّة و التشريعيّة، فولايتهم علي أيّ حال تبعية متفرعة علي ولاية الله تعالي الأصيلة المستقلة (1).

و بالجملة مقتضي مغايرة المضاف مع المضاف إليه في قوله:

«إنّما وليّكم» أنّ المراد من الوليّ هو الأولي بالتصرّف و إلاّ فلا مغايرة بعد كون النصرة أو المحبّة لا تختص بقوم دون قوم؛ لأنّ كلّ مؤمن بالنسبة إلي آخر يكون كذلك، مع أنّ سياق الآية

لا يكون في مقام بيان كون المؤمنين بعضهم محبّاً أو ناصراً للبعض؛ إذ الآية في مقام بيان تعيين الأولياء من طرف واحد و هم: الله و الرسول و الذين آمنوا.

________

1) الامامة و الولاية: ص 62 64.

116

و كيف كان فالآية من آيات الولاية و الإمامة و يؤيدها الأخبار الكثيرة، منها: ما عن الثعلبيّ عن أبي ذر الغفاري قال:

أما إني صليت مع رسول الله صلّي الله عليه و آله يوماً من الأيام الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد شيئاً، فرفع السائل يديه إلي السماء و قال:

اللّهم اشهد إني سألت في مسجد نبيّك محمّد صلّي الله عليه و آله فلم يعطني أحد شيئاً و كان عليّ رضي الله عنه في الصلاة راكعاً فأومأ إليه بخنصره اليمني و فيه خاتم فاقبل السائل فأخذ الخاتم من خنصره و ذلك بمرأي من النبي صلّي الله عليه و آله و هو في المسجد، فرفع رسول الله صلّي الله عليه و آله طرفه إلي السماء و قال:

«

اللَّهُمَّ إِنَّ أَخِي مُوسَي سَأَلَكَ فَقَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي. وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي. وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [اللَّهُمَّ] فَأَنْزَلْتَ عَلَيْهِ قُرْآناً : سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما [بِآياتِنا] اللَّهُمَّ وَ أَنَا مُحَمَّدٌ نَبِيُّكَ وَ صَفِيُّكَ اللَّهُمَّ فَ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي ... وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي عَلِيّاً أَخِي اشْدُدْ بِهِ ظَهْرِي وَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ فَمَا اسْتَتَمَّ دعاءه حَتَّي نَزَلَ جَبْرَائِيلُ ع مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ :إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ

آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُون (1).

و منها: ما رواه الكلينيّ قدّس سرّه عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

أمر الله عزّوجلّ رسوله بولاية عليّ و أنزل عليه «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ ». الحديث (2).

و منها: ما رواه ابن بابويه عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله الله عزّوجلّ:

________

1) الإمامة و الولاية: ص 65 نقلاً عن غاية المرام و الغدير.

2) الإمامة و الولاية: ص 68.

117

«إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا » قال:

«

إِنَّ رَهْطاً مِنَ الْيَهُودِ أَسْلَمُوا مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَ أَسَدٌ وَ ثَعْلَبَةُ وَ ابْنُ يَامِينَ وَ ابْنُ صُورِيَا فَأَتَوُا النَّبِيَّ ص فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ مُوسَي ع أَوْصَي إِلَي يُوشَعَ بْنِ نُونٍ فَمَنْ وَصِيُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَنْ وَلِيُّنَا بَعْدَكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ- إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ [ثُمَّ] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص:

قُومُوا فَقَامُوا فَأَتَوُا الْمَسْجِدَ فَإِذَا سَائِلٌ خَارِجٌ فَقَالَ يَا سَائِلُ أَ مَا أَعْطَاكَ أَحَدٌ شَيْئاً قَالَ نَعَمْ هَذَا الْخَاتَمَ قَالَ مَنْ أَعْطَاكَهُ قَالَ أَعْطَانِيهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي يُصَلِّي قَالَ عَلَي أَيِّ حَالٍ أَعْطَاكَ قَالَ كَانَ رَاكِعاً فَكَبَّرَ النَّبِيُّ ص وَ كَبَّرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَقَالَ النَّبِيُّ ص:

عَلِيُّ وَلِيُّكُمْ بَعْدِي قَالُوا رَضِينَا بِاللَّهِ رَبّاً وَ بِالْإِسْلَامِ دِيناً وَ بِمُحَمَّدٍ نَبِيّاً وَ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَلِيّاً فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (1) و بقية الكلام تطلب من المطولات.

و أمّا مفاد نصّ الدار فهو واضح و لا

كلام فيه و يستفاد منه أنّ الدعوة إلي الإمامة مقرونة مع دعوي الرسالة و هو حاك عن أهمّية الإمامة، كما أنّه يحكي عن عظمة عليّ عليه السّلام مع كونه عند ذلك في حوالي عشر سنوات، حيث قام بإجابة دعوة الرسول و الإيمان به و نصرته مع مخلفة كبراء عشيرة النبيّ صلّي الله عليه و آله لدعوته. .

________

1) الإمامة و الولاية: ص 68.

8 عقيدتنا في عدد الأئمة

8 عقيدتنا في عدد الأئمة

و نعتقد أنّ الأئمة الذين لهم صفة الإمامة الحقّة، هم مرجعنا في الأحكام الشرعيّة المنصوص عليهم بالأدلة اثنا عشر إماماً نصّ عليهم النبيّ صلّي الله عليه و آله جميعاً بأسمائهم، ثم نصّ المتقدّم منهم علي من بعده علي النحو الآتي:

1 أبوالحسن علي بن أبي طالب (المرتضي) المتولد سنة 23 قبل الهجرة و المقتول سنة 40 بعدها.

2 أبو محمّد الحسن بن علي «الزكي» (2 50)

3 أبو عبدالله الحسين بن علي «سيّد الشهداء» (3 61)

4 أبو محمّد علي بن الحسين «زين العابدين» (38 95)

5 أبو جعفر محمّد بن علي «الباقر» (57 114)

6 أبو عبدالله جعفر بن محمَّد «الصادق» (83 148)

7 أبو إبراهيم موسي بن جعفر «الكاظم» (128 182)

8 أبو الحسن علي بن موسي «الرضا» (148 203)

9 أبو جعفر محمَّد بن علي «الجواد» (195 220)

119

10 أبو الحسن علي بن محمَّد «الهادي» (212 254)

11 أبو محمَّد الحسن بن علي «العسكري» (232 260)

12 أبو القاسم بن الحسن «المهدي» (256 000)

و هو الحجّة في عصرنا الغائب المنتظر عجّل الله فرجه و سهّل مخرجه، ليملأ الأرض عدلاً و قسطاً بعد ما ملئت ظلماً و جوراً (1) يكفيك جوامع الحديث منها: الاُصول من الكافي و بحار الأنوار و إثبات الهداة و غاية المرام و قد أوردوا فيها

النصوص التي وردت من طرق الشيعة و العامة لتعيين الائمة الطاهرين عليهم السلام و هذه الروايات كثيرة و متواترة جداً.

قال الشيخ الحرّ العامليّ قدّس سرّه في إثبات الهداة: إذا عرفت هذا ظهر لك تواتر النصوص و المعجزات الآتية إن شاء الله تعالي، بل تجاوزها حدّ التواتر بمراتب، فإنّها أكثر بكثير من كلّ ما اتفقوا علي تواتره لفظاً أو معني، مثل وجوب الصلاة و الزكاة و تحريم الخمر و أخبار المعاد و كرم حاتم و غزاة بدر و اُحد و حنين و خبر الخضر و موسي و ذي القرنين و أمثال ذلك و كثرة النقلة من الشيعة و غيرهم بحيث لا يحصي لهم عدد ظاهر و اجتماع الشرائط المذكورة واضح، لاريب فيه و من خلا ذهنه من شبهة أو تقليد حصل له العلم من هذه الأخبار بحيث لا يحتمل النقيض عنده أصلاً و لو أنصف العامّة لعلموا أنّ نصوص أئمتنا عليهم السّلام و معجزاتهم أوضح تواتراً من نصوص النبيّ صلّي الله عليه و آله و معجزاته و لو أنصف اليهود و النصاري و أمثالهم لعلموا أنّ تواتر نصوص نبينا و أئمتنا عليهم السّلام و معجزاتهم أوضح و أقوي من تواتر نصوص أنبيائهم و معجزاتهم، كما أشرنا إليه سابقاً (1) اثبات الهداة: ج 1 ص 35 36. .

1) يكفيك جوامع الحديث منها: الاُصول من الكافي و بحار الأنوار و إثبات الهداة و غاية المرام و قد أوردوا فيها النصوص التي وردت من طرق الشيعة و العامة لتعيين الائمة الطاهرين عليهم السلام و هذه الروايات كثيرة و متواترة جداً.

قال الشيخ الحرّ العامليّ قدّس سرّه في إثبات الهداة: إذا عرفت هذا ظهر لك تواتر النصوص و المعجزات الآتية إن

شاء الله تعالي، بل تجاوزها حدّ التواتر بمراتب، فإنّها أكثر بكثير من كلّ ما اتفقوا علي تواتره لفظاً أو معني، مثل وجوب الصلاة و الزكاة و تحريم الخمر و أخبار المعاد و كرم حاتم و غزاة بدر و اُحد و حنين و خبر الخضر و موسي و ذي القرنين و أمثال ذلك و كثرة النقلة من الشيعة و غيرهم بحيث لا يحصي لهم عدد ظاهر و اجتماع الشرائط المذكورة واضح، لاريب فيه و من خلا ذهنه من شبهة أو تقليد حصل له العلم من هذه الأخبار بحيث لا يحتمل النقيض عنده أصلاً و لو أنصف العامّة لعلموا أنّ نصوص أئمتنا عليهم السّلام و معجزاتهم أوضح تواتراً من نصوص النبيّ صلّي الله عليه و آله و معجزاته و لو أنصف اليهود و النصاري و أمثالهم لعلموا أنّ تواتر نصوص نبينا و أئمتنا عليهم السّلام و معجزاتهم أوضح و أقوي من تواتر نصوص أنبيائهم و معجزاتهم، كما أشرنا إليه سابقاً (1) اثبات الهداة: ج 1 ص 35 36.

120

ثم إنّ الشيخ الحرّ العامليّ مع أنّه جمع النصوص في سبعة أجلاد ضخمة قال:

و قد تركت أحاديث كثيرة من الكتب التي رأيتها و طالعتها، لضعف دلالتها و احتياجها إلي بعض التوجيهات و ضمّ بعض المقدمات لعدم الاحتياج إلي ذلك القسم و من جملة أحاديث تفضيل أمير المؤمنين و سائر الأئمة عليهم السّلام فإنّها أكثر من أن تحصي و ما لم أنقله منه ربّما كان أكثر مما نقلته و لكن لكثرة النصوص و المعجزات اكتفيت بما ذكرته و من شكّ أو شكّك أو تعصّب بعد الاطلاع علي ما جمعته، فالله تعالي حاكم بيننا و بينه، فإنّه قد تجاوز حدّ التواتر اللفظيّ

و المعنويّ و لا يوجد في شيء من المتواترات اللفظيّة و المعنويّة ما يماثله و لا يقاربه و ناهيك بنقل جميع الخصوم له و عدم خلوّ شيء من مؤلفات الفريقين منه إلاّ النادر و الله ولي التوفيق (1).

و لذا قال الخواجه نصير الدين الطوسيّ قدّس سرّه بعد إثبات إمامة عليّ عليه السّلام :

و النقل المتواتر دلّ علي الأحد عشر.

و كيف كان فالروايات علي أصناف و طوائف، منها: ما يدلّ علي أنّ الأئمة اثنا عشر من قريش و قد مرّت الإشارة إليها.

و منها: ما يدلّ علي أنّهم كانوا معيّنين عند الرسول الأعظم عليه الصلوات و السَّلام، كقوله صلّي الله عليه و آله :

«أخبرني جبرئيل بأسمائهم و أسماء آبائهم» (2).

و منها: ما يدلّ علي ذكر بعض خصوصياتهم كقوله صلّي الله عليه و آله :

«من سرّه أن يحيي حياتي و يموت ميتتي و يدخل الجنة التي وعدنيها ربّي و يتمسّك بقضيب غرسه ربّي بيده، فليتول عليّ بن أبي طالب و أوصياءه من بعده، فإنّهم لا يدخلونكم في باب ضلال و لا يخرجونكم من باب هدي و لا

________

1) اثبات الهداة: ج 1 ص 75 76.

2) اثبات الهداة: ج 1 ص 249.

121

تعلموهم فإنّهم أعلم منكم» الحديث (1).

و كقوله صلّي الله عليه و آله :

«أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَي النَّاسِ أَجْمَعِينَ وَ لَكِنْ سَيَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ عَلَي النَّاسِ مِنَ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَقُومُونَ فِي النَّاسِ فَيُكَذِّبُونَهُمْ وَ يَظْلِمُهُمْ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَ الضَّلَالِ وَ أَشْيَاعُهُم الحديث (2).

و كقول عليّ عليه السّلام :

إِنَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي كُلِ سَنَةٍ وَ إِنَّهُ يَنْزِلُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَمْرُ السَّنَةِ وَ إِنَّ لِذَلِكَ الْأَمْرِ وُلَاةً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص فقيل مَنْ هُمْ فَقَالَ أَنَا وَ أَحَدَ عَشَرَ

مِنْ صُلْبِي أَئِمَّةٌ مُحَدَّثُونَ (3).

و كقول أبي جعفر عليه السّلام :

«نَحْنُ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً مِنْهُمْ حَسَنٌ وَ حُسَيْنٌ ثُمَّ الْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْن عليه السَّلام» (4).

و كقول رسول الله صلّي الله عليه و آله :

«من بعدي اثنا عشر نقيباً نجيباً محدّثون مفهّمون آخرهم القائم بالحقّ يملأها كما ملئت جوراً» و هكذا زادت الروايات بياناً من جهة الأسماء و الصفات و سائر الخصوصيات، حتّي لا يبقي مجال للترديد و التشكيك فكلّ واحد من الأئمة الاثني عشر، منصوص من قبل الإمام السابق، حتّي ينتهي إلي تنصيص الرسول صلّي الله عليه و آله و تنصيصه ينتهي إلي تنصيص الله سبحانه و تعالي.

قال الشارح العلاّمة قدّس سرّه عند تبيين إمامة الأئمة الأحد عشر: «و استدلّ علي ذلك بوجوه ثلاثة، الوجه الأوّل: النقل المتواتر من الشيعة خلفاً عن سلف، فإنّه يدلّ علي إمامة كلّ واحد من هؤلاء بالتنصيص و قد نقل المخالفون ذلك من طرق متعددة تارة علي الإجمال و اُخري علي التفصيل، كما روي عن رسول الله صلّي الله عليه و آله و سلّم متواتراً أنّه قال للحسين

________

1) اثبات الهداة: ج 2 ص 254.

2) اثبات الهداة: ج 2 ص 256.

3) اثبات الهداة: ج 2 ص 256.

4) اثبات الهداة: ج 2 ص 298.

122

عليه السّلام :

هذا ابني إمام ابن إمام، أخو إمام، أبو ائمّة تسعة تاسعهم قائمهم، غير ذلك من الأخبار و روي عن مسروق و قال:

بينا نحن عند عبدالله بن مسعود، إذ قال له شابّ: هل عهد إليكم نبيّكم صلّي الله عليه و آله و سلّم كم يكون من بعده خليفة؟ قال:

إنّك لحديث السنّ و أن هذا شيء ما سألني أحد عنه، نعم عهد إلينا نبيّنا صلّي الله عليه و

آله و سلّم أن يكون بعده اثنا عشر خليفة عدد نقباء بني إسرائيل.

الوجه الثاني: قد بيّنا أنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً و غير هؤلاء ليسوا معصومين إجماعاً فتعيّنت العصمة لهم و إلاّ لزم خلوّ الزمان عن المعصوم و قد بيّنا استحالته.

الوجه الثالث: أنّ الكمالات النفسانيّة و البدنيّة بأجمعها موجودة في كلّ واحد منهم و كلّ واحد منهم كما هو كامل في نفسه، كذا هو مكمّل لغيره و ذلك يدلّ علي استحقاقه الرياسة العامّة؛ لأنّه أفضل من كلّ أحد في زمانه و يقبح عقلاً تقديم المفضول علي الفاضل، فيجب أن يكون كلّ واحد منهم إماماً و هذا برهان لمّي (1).

هذا كلّه مضافاً إلي دعوي الإمامة عن كلّ واحد من الأئمة الاثني عشر و ظهور المعجزة في أيديهم و قد تواترت معجزاتهم عند خواصّهم و شيعتهم كما هي مسطورة في كتب الآثار عن الأئمة الأطهار و هي شاهدة علي صدقهم في دعواهم و لذا تسلّم الإماميّة لإمامتهم و أجمعوا عليها جيلاً بعد جيل و نسلاً بعد نسل، كما هو واضح.

ثم إنّك بعد ما عرفت من قطعيّة أنّ الأئمة هم الاثنا عشر لا أقلّ و لا أكثر، نعلم بطلان دعوي الإمامة عن غيرهم، كما نعلم بعد قطعيّة الخاتميّة، بطلان

________

1) شرح تجريد الاعتقاد: ص 398 الطبع الحديث.

123

دعوي النبوّة بعد نبوّة نبينا محمَّد صلّي الله عليه و آله و لا حاجة بعد بطلانها إلي الفحص و التحرّي حول مدّعي من ادعي الإمامة، كما لا حاجة إلي الفحص و التحرّي حول مدّعي النبوّة بعد العلم ببطلان دعواها كما لا يخفي. .

9 عقيدتنا في المهديّ «ع»

9 عقيدتنا في المهديّ «ع»

عقيدتنا في المهديّ «ع»

إنّ البشارة بظهور المهديّ من ولد فاطمة في آخر الزمان ليملأ الأرض

قسطاً و عدلاً بعد ما ملئت ظلماً و جوراً ثابتة عن النبيّ صلّي الله عليه و آله بالتواتر و سجّلها المسلمون جميعاً فيما رووه من الحديث عنه علي اختلاف مشاربهم و ليست هي بالفكرة المستحدثة عند (الشيعة) دفع إليها انتشار الظلم و الجور، فحلموا بظهور من يطهّر الأَرض من رجس الظلم، كما يريد أن يصوّرها بعض المغالطين غير المنصفين.

ولولا ثبوت (فكرة المهدي) عن النبيّ علي وجه عرفها جميع المسلمين و تشبعت في نفوسهم و اتقدوها لما كان يتمكن مدّعو المهديّة في القرون الاُولي كالكيسانيّة و العبّاسيين و جملة من العلويّين و غيرهم من خدعة الناس و استغلال هذه العقيدة فيهم، طلباً للملك و السلطان، فجعلوا ادعاءهم المهديّة الكاذبة طريقاً للتأثير علي العامّة و بسط نفوذهم عليهم.

و نحن مع إيماننا بصحّة الدين الإسلامي و أنّه خاتمة الأديان الإلهية و لا نترقب ديناً آخر لإصلاح البشر و مع نشاهد من انتشار

125

الظلم و استشراء الفساد في العالم علي وجه، لا تجد للعدل و الصلاح موضع قدم في الممالك المعمورة و مع ما نري من انكفاء المسلمين أنفسهم عن دينهم و تعطيل أحكامه و قوانينه في جميع الممالك الإسلامية و عدم التزامهم بواحد من الألف من أحكام الإسلام، نحن مع كلّ ذلك لابدّ أن ننتظر الفرج بعودة الدين الإسلامي إلي قوّته و تمكينه من إصلاح هذا العالم المنغمس بغطرسة الظلم و الفساد.

ثم لا يمكن أن يعود الإسلام إلي قوّته و سيطرته علي البشر عامّة و هو عليه اليوم و قبل اليوم من اختلاف معتنقيه في قوانينه و أحكامه و في أفكارهم عنه و هم علي ما هم عليه اليوم و قبل اليوم من البدع و التحريفات في قوانينه و

الضلالات في ادعاءاتهم.

نعم لا يمكن أن يعود الدين إلي قوّته إلاّ إذا ظهر علي رأسه مصلح عظيم يجمع الكلمة و يردّ عن الدين تحريف المبطلين و يبطل ما اُلصق به من البدع و الضلالات بعناية ربّانيّة و بلطف إلهي، ليجعل منه شخصاً هادياً مهديّاً، له هذه المنزلة العظمي و الرياسة العامّة و القدرة الخارقة، ليملأ الأرض قسطاً و عدلاً بعد ما ملئت ظلماً و جوراً. و الخلاصة أنّ طبيعة الوضع الفاسد في البشر البالغة الغاية في الفساد و الظلم مع الإيمان بصحة هذا الدين و أنّه الخاتمة للأديان يقتضي إنتظار هذا المصلح «المهديّ (ع)»، لإنقاذ العالم ممّا هو فيه.

ولأجل ذلك آمنت بهذا الانتظار جميع الفرق المسلمة، بل الاُمم من غير المسلمين غير أنّ الفرق بين الإمامية و غيرها هو أنّ الإمامية تعتقد أنّ هذا المصلح المهدي هو شخص معيّن معروف ولد سنة 256 هجرية و لا

126

يزال حيّاً هو ابن الحسن العسكري و اسمه (م ح م د).

و ذلك بما ثبت عن النبي و آل البيت من الوعد به و ما تواتر عندنا من ولادته و احتجابه.

و لا يجوز أن تنقطع الإمامة و تحول في عصر من العصور و إن كان الإمام مخفيّاً ليظهر في اليوم الموعود به من الله تعالي الذي هو من الأسرار الإلهية التي لا يعلم بها إلاّ هو تعالي.

ولا يخلو من أن تكون حياته و بقاؤه هذه المدة الطويلة معجزة جعلها الله تعالي له و ليست هي بأعظم من معجزة أن يكون إماماً للخلق و هو ابن خمس سنين يوم رحل والده إلي الرفيق الأعلي و لا هي بأعظم من معجزة عيسي إذ كلّم الناس في المهد صبيّاً و بُعث في الناس

نبياً.

و طول الحياة أكثر من العمر الطبيعي، أو الذي يتخيل أنه العمر الطبيعي، لا يمنع منها فن الطب و لا يحيلها، غير أنّ الطبّ بعدُ لم يتوصل إلي ما يمكنه من تعمير حياة الإنسان.

و إذا عجز عنه الطب فإنّ الله تعالي قادر علي كلّ شيء و قد وقع فعلاً تعمير نوح و بقاء عيسي عليهما السَّلام كما اُخبر عنهما القرآن الكريم … و لو شكّ الشاك فيما أخبر به القرآن فعلي الإسلام السلام.

و من العجب أن يتساءل المسلم عن إمكان ذلك و هو يدّعي الإيمان بالكتاب العزيز.

و ممّا يجدر أن نذكره في هذا الصدد و نذكّر أنفسنا به، أنّه ليس معني انتظار هذا المصلح المنقذ (المهدي عليه السّلام )، أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلي الحقّ من دينهم و ما يجب عليهم

127

من نصرته و الجهاد في سبيله و الأخذ بأحكامه و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

بل المسلم أبداً مكلّف بالعمل بما اُنزل من الأحكام الشرعيّة و واجب عليه السعي لمعرفتها علي وجهها الصحيح بالطريق الموصلة إليها حقيقة و واجب عليه أن يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر ما تمكّن من ذلك و بلغت إليه قدرته (كلّكم راع و كلّكم مسؤول عن رعيته). فلا يجوز له التأخر عن واجباته بمجرّد الانتظار للمصلح (المهدي عليه السّلام ) و المبشّر الهادي.

فإن هذا لا يسقط تكليفاً و لا يؤجل عملاً و لا يجعل الناس هملاً كالسوائم (1) يقع البحث في مقامات:

أحدها:

أنّ مقتضي ما مرّ من ادلّة لزوم الإمامة و العصمة، هو عدم خلوّ كلّ عصر و زمان عن وجود الإمام المعصوم سواء قام بالسيف أو لم يقم، ظهر أو لم يظهر و عليه فنعتقد بوجود الإمام

المعصوم الحيّ في كلّ زمان.

و بهذا الأمر الثابت يظهر بطلان المذاهب التي أهمل أصحابها هذا الأصل الأصيل كالزيدية الذين قالوا بإمامة كلّ فاطميّ عالم زاهد خرج بالسيف مع ادعاء الإمامة (1) فرق الشيعة: ص 78. فإنهم أهملوا العصمة بما اعتقدوا و ذهبوا إليه، هذا مضافاً إلي أنّ بعض الأئمة الذين لم يشهروا سيفهم، كعلي بن الحسين و الإمام الباقر و الإمام الصادق إلي الإمام الثاني عشر ممّن نصّ النبيّ صلّي الله عليه و آله

1) يقع البحث في مقامات:

أحدها: أنّ مقتضي ما مرّ من ادلّة لزوم الإمامة و العصمة، هو عدم خلوّ كلّ عصر و زمان عن وجود الإمام المعصوم سواء قام بالسيف أو لم يقم، ظهر أو لم يظهر و عليه فنعتقد بوجود الإمام المعصوم الحيّ في كلّ زمان.

و بهذا الأمر الثابت يظهر بطلان المذاهب التي أهمل أصحابها هذا الأصل الأصيل كالزيدية الذين قالوا بإمامة كلّ فاطميّ عالم زاهد خرج بالسيف مع ادعاء الإمامة (1) فرق الشيعة: ص 78.

128

و الأئمة الاُول علي إمامتهم، فاشتراط القيام بالسيف اشتراط شيء في قبال نصّ النبيّ صلّي الله عليه و آله علي إمامتهم، ألا تري ما روي في كتب الفريقين عن النبيّ صلّي الله عليه و آله في الحسن و الحسين عليهما السّلام :

هذان ولداي إمامان قاما أو قعدا و لو كان القيام بالسيف شرطاً لما صدر ذلك عن النبيّ صلّي الله عليه و آله قال العلاّمة الحليّ قدّس سرّه : كلام الزيدية باطل من وجوه، الأوّل: قولهم بعدم العصمة و هم يشاركون كلّ من خالف الإمامية في هذه المقالة إلي أن قال:

الخامس ليس القيام بالسيف شرطاً لقوله عليه السّلام في الحسن و الحسين عليهما السّلام هذان ولداي إمامان

قاما أو قعدا و لو كان القيام بالسيف شرطاً لما صحّ نفيه عنهما كالعلم و العدالة (1). و مما ذكر يظهر أيضاً بطلان مذهب الفطحية، الذين قالوا بإمامة عبدالله بن جعفر و هكذا بطلان مذهب الإسماعيلية الذين قالوا بإمامة إسماعيل بن جعفر، مع أنّهما ليسا بمعصومين و ليسا بداخلين فيما نصّ النبيّ و الأئمة السابقة عليهم الصلوات السَّلام علي إمامتهم.

ثانيها:

أنّ مقتضي الأخبار المتواترة أنّ الأئمة عليهم السَّلام هم الاثنا عشر، لا أقل و لا أكثر و لازم ذلك أيضاً بطلان اعتقاد من ذهب إلي الأزيد، كالزيدية، أؤ إلي الأقلّ كالكيسانية الذين قالوا بإمامة عليّ عليه السَّلام و بعده الحسن و ثم الحسين ثم محمَّد بن الحنفية و قالوا: إنّه الإمام المنتظر أعني المهديّ الذي يملأ الأرض عدلاً و هو إلي الآن مستتر في جبل رضوي بقرب المدينة (2).

هذا مضافاً إلي إهمالهم العصمة و إعراضهم عن النصوص الخاصّة من النبيّ و الأئمة الماضين علي أشخاص الأئمة اللاحقين عليهم السَّلام.

________

1) كشف الفوائد: ص 83.

2) راجع كشف الفوائد: ص 82.

129

و مما ذكر يظهر أيضاً بطلان مذهب الناووسية، الذين وقفوا علي إمامة الإمام جعفر الصادق عليه السَّلام و بطلان مذهب الواقفية الذين وقفوا علي إمامة الإمام موسي الكاظم عليه السَّلام و عليه فالحقّ هو مذهب الاثني عشرية الذين قالوا بإمامة اثني عشر، كما نصّ النبيّ و الأئمة الاُول صلوات الله عليهم علي أشخاصهم.

ثالثها:

أنّ فكرة وجود الإمام في كلّ عصر و زمان ليست فكرة حديثة، بل هي أمر له سابقة من لدن خلقة البشر، لما عرفت من إقامة البراهين التامّة علي لزوم الارتباط بين الخلق و خالقة بالنبوّة أو الإمامة و أكّدها النبيّ صلّي الله عليه و آله بجملات، منها:

من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية (1) فالاعتقاد بالإمامة كان مبتنياً في أساس قويم برهاني، بل فكرة كون الأئمة في الإسلام اثني عشر و فكرة كون الأئمة الأحد عشر عليهم السَّلام من نسل النبيّ و نسل علي و فاطمة و نسل الحسين عليهم السَّلام و بعض خصوصيات اُخر أمر سماويّ أخبر به الأنبياء السالفة و نبيّنا صلّي الله عليه و آله بالتواتر من الأخبار.

روي في منتخب الأثر عن كفاية الأثر بإسناده إلي اُم سلمة قالت: قال:

رسول الله صلّي الله عليه و آله :

لمّا اُسري بي إلي السماء، نظرت فإذا مكتوب علي العرش لا إله إلاّ الله محمَّد رسول الله، أيدته بعليّ و نصرته بعليّ و رأيت أنوار عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و أنوار علي بن الحسين و محمَّد بن عليّ و جعفر بن محمَّد و موسي بن جعفر و عليّ بن موسي و محمَّد بن عليّ و عليّ بن محمَّد و الحسن بن عليّ و رأيت نور الحجّة يتلألأ من بينهم كأنّه كوكب درّي،

________

1) موسوعة الإمام المهدي: ص 9 نقلاً عن أحمد بن حنبل في مسنده: ج 2 ص 83 و ج 3 ص 446 و ج 4 ص 960 و غيره من الأعلام فراجع.

130

فقلت يا رب من هذا؟ و من هؤلاء؟ فنوديت يا محمَّد هذا نور عليّ و فاطمة و هذا نور سبطيك الحسن و الحسين و هذه أنوار الأئمة بعدك من ولد الحسين مطهّرون معصومون و هذا الحجّة الذي يملأ الأرض (الدنيا نخ) قسطاً و عدلاً (1).

و عليه ففكرة ظهور الإمام الثاني عشر أرواحنا فداه و غلبته علي الظلم و الجور و إقامته للعدل و القسط

و الحكومة الإلهية الإسلامية في جميع أقطار الأرض، أمر سماوي أخبر به الأنبياء السابقة و نبيّنا محمَّد صلّي الله عليه و آله و الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم بالتواتر و وقع كما أخبروا من دون ريب و شبهة، بل يمكن إقامة البرهان عليه بمايلي:

قال العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه في «الشيعة في الاسلام» تحت عنوان بحث في ظهور المهدي عجل الله فرجه من وجهة نظر العامّة: و كما أشرنا في بحث النبوّة و الإمامة وفقاً لقانون الهداية الجارية في جميع أنواع الكائنات، فالنوع الإنساني منه مجهّز بحكم الضرورة بقوة (قوة الوحي و النبوّة) ترشده إلي الكمال الإنساني و السعادة النوعيّة و بديهي أنّ الكمال و السعادة لو لم يكونا أمرين ممكنين و واقعين للإنسان الذي تعتبر حياته حياة إجتماعية لكان أصل التجهيز لغواً و باطلاً و لا يوجد لغو في الخلقة مطلقاً.

و بعبارة اُخري أنّ البشر أن وجد علي ظهر البسيطة كان يهدف إلي حياة إجتماعية مقرونة بالسعادة و كان يعيش لغرض الوصول إلي هذه المرحلة و لو لم تتحقق هذه الاُمنية في الخارج، لما منّي الإنسان نفسه بهذه الاُمنية، فلو لم يكن هناك غذاء لم يكن هناك جوع و إذا لم يكن هناك ماء لم يكن عطش و إذا لم يكن تناسل لم تكن علاقة جنسية.

________

1) منتخب الأثر: ص 114.

131

فعلي هذا و بحكم الضرورة (الجبر) فإنّ مستقبل العالم سيكشف عن يوم يهيمن فيه العدل و القسط علي المجتمع البشري و يتعايش أبناء العالم في صلح و صفاء و مودّة و محبّة، تسودهم الفضيلة و الكمال و طبيعي أنّ استقرار مثل هذه الحالة بيد الإنسان نفسه و القائد لمثل هذا المجتمع سيكون منجي العالم البشري و

علي حدّ تعبير الروايات سيكون المهديّ (1).

و كيف كان فنذكر من الروايات الكثيرة المتواترة رواية واحدة و هي ما رواه في فرائد السمطين عن عبدالله بن عباس قال:

قال رسول الله صلّي الله عليه و آله و سلّم : إنّ خلفائي و أوصيائي و حجج الله علي الخلق بعدي لإثنا عشر، أوّلهم أخي و آخرهم ولدي قيل: يا رسول الله و من أخوك؟ قال:

عليّ بن أبي طالب، قيل: فمن ولدك؟ قال:

المهديّ الذي يملأها قسطاً و عدلاً، كما ملئت جوراً و ظلماً و الذي بعثني بالحقّ بشيراً لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّي يخرج فيه ولدي المهديّ، فينزل روح الله عيسي بن مريم فيصلّي خلفه و تشرق الأرض بنور ربّها و يبلغ سلطانه المشرق و المغرب (2).

قال الشهيد السيد محمَّد باقر الصدر قدّس سرّه : «إن فكرة المهديّ بوصفه القائد المنتظر لتغير العالم إلي الأفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم عموماً و في روايات أئمة أهل البيت خصوصاً و أكّدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقي إليها الشك و قد اُحصي أربعمائة حديث عن النبيّ صلّي الله عليه و آله من طرق إخواننا أهل السنّة كما اُحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهديّ من طرق الشيعة و السنّة، فكان أكثر من ستة آلاف رواية. هذا رقم إحصائي كبير لا يتوفر نظيره في كثيرة من قضايا الإسلام

________

1) الشيعة في الإسلام تعريب بهاء الدين: ص 195.

2) موسوعة الامام المهدي: ص 70 نقلاً عن فرائد السمطين: ج 2 ص 562.

132

البديهيّة التي لا شكّ فيها لمسلم عادة» (1).

ثم مما ذكر يظهر وجه ضعف القول بأنّ فكرة ظهور المهديّ مستحدثة عند الشيعة،

هذا مضافاً إلي ما أشار إليه في المتن من أنّه لو لا ثبوت فكرة المهديّ عن النبيّ صلّي الله عليه و آله علي وجه عرفها جميع المسلمين و تشبّعت في نفوسهم و اعتقدوها لما كان يتمكن مدّعو المهديّة في القرون الاُولي كالكيسانية و العبّاسيين و جملة من العلويين و غيرهم من خدعة الناس و استغلال هذه العقيدة فيهم طلباً للملك و السلطان، فجعلوا ادعاءهم المهديّة الكاذبة طريقاً للتأثير علي العامّة و بسط نفوذهم عليهم.

ثم لا يخفي عليك قصور ما أفاده المصنّف من أنّ طبيعة الوضع الفاسد في البشر البالغة الغاية في الفساد و الظلم مع الإيمان بصحّة هذا الدين و أنّه الخاتمة للأديان يقتضي إنتظار هذا المصلح (المهديّ) لإنقاذ العالم مما هو فيه و لأجل ذلك آمنت بهذا الانتظار جميع الفرق المسلمة الخ.

فإنّ مجرد طبيعة الوضع الفاسد يقتضي إظهار مصلح و إخراجه حتّي يتمكن به إصلاح العالم مما هو فيه و لا يدلّ علي وقوع هذا الإصلاح إلاّ بضميمة ما بشّر الله به في الكتاب العزيز من غلبة الدين الإسلامي علي جميع الأديان كقوله:

«هو الذي أرسل رسوله بالهدي و دين الحقّ ليظهره علي الدين كلّه و لو كره المشركون» أو بضميمة بشارة النبيّ و الأئمة الماضين عليهم السَّلام بوقوع هذا الأمر و حتميته و هذا هو السبب في إيمان جميع الفرق المسلمة بذلك الانتظار لا مجرد طبيعة الوضع الفاسد فلا تغفل.

رابعها:

أنّ الفرق بين الإمامية و غيرها من الفرق المسلمة، بل الاُمم من غير المسلمين، هو أنّ الامامية تعتقد بوجود هذا المصلح و أنّه المهديّ بن الحسن

________

1) بحث حول المهدي: ص 63 64.

133

العسكريّ و متولد في سنة 256 هجرية و لا يزال حيّاً.

والدليل عليه هو أمران،

أحدهما: الروايات الدالّة علي خصوص شخصه و أنّه ثاني عشر من الأئمة و أنّه التاسع من ولد الحسين عليه السَّلام و نحو ذلك، فإنّ مثل هذه الروايات الكثيرة المتواترة تدلّ علي وجوده و إلاّ لم يكن تاسعاً من ولد الحسين أو ثاني عشر من الأئمة الذين لا تخلو الأرض منهم و هذه الروايات نقلت قبل وجوده و شاعت و كانت محفوظة و مسطورة في الجوامع.

قال الشهيد السيد محمَّد باقر الصدر قدّس سرّه في ذيل قوله صلّي الله عليه و آله :

«الخلفاء و الاُمراء اثنا عشر»: «قد اُحصي بعض المؤلفين رواياته فبلغت أكثر من مائتين و سبعين رواية مأخوذة من أشهر كتب الحديث عند الشيعة و السنّة، بما في ذلك البخاري و مسلم و الترمذي و أبي داود و مسند أحمد و مستدرك الحاكم علي الصحيحين، يلاحظ أنّ البخاري الذي نقل هذا الحديث كان معاصراً للإمام الجواد و الإمامين الهادي و العسكري عليهم السَّلام » (1).

و ثانيهما: هو ما أشار إليه في المتن حيث قال:

و ما تواتر عندنا من ولادته و احتجابه و لا يجوز أن تنقطع الإمامة و تحوّل في عصر من العصور و إن كان الامام مخفياً الخ.

ولقد أفاد و أجاد الشهيد السيد محمَّد باقر الصدر قدّس سرّه حيث قال:

«إنّ المهديّ حقيقة عاشتها اُمة من الناس و عبّر عنها السفراء و النوّاب طيلة سبعين عاماً من خلال تعاملهم مع الآخرين و لم يلحظ عليهم أحد كلّ هذه المدّة تلاعباً في الكلام أو تحايلاً في التصرّف، أو تهافتاً في النقل، فهل تتصور بربّك أنّ بإمكان أكذوبة أن تعيش سبعين عاماً و يمارسها أربعة علي سبيل

________

1) بحث حول المهدي: ص 65 66.

134

الترتيب، كلّهم ينفقون عليها و

يظلون يتعاملون علي أساسها و كأنها قضيّة يعيشونها بأنفسهم و يرونها بأعينهم دون أن يبدر منهم أيّ شيء يثير الشكّ و دون أن يكون بين الأربعة علاقة خاصّة متميّزة تتيح لهم نحواً من التواطؤ و يكسبون من خلال ما يتّصف به سلوكهم من واقعية ثقة الجميع و إيمانهم بواقعية القضيّة، التي يدّعون أنّهم يحسّونها و يعيشون معها إلي أن قال : و هكذا نعرف أنّ ظاهرة الغيبة الصغري، يمكن أن تعتبر بمثابة تجربة علمية لإثبات ما لهامن واقع موضوعي و التسليم بالإمام القائد بولادته و حياته و غيبته و إعلانه العام عن الغيبة الكبري التي استتر بموجبها عن المسرح و لم يكشف نفسه لأحد» (1).

هذا مضافاً إلي إخبار الإمام العسكري عليه السَّلام بولادته لأصحابه و رؤية جمع منهم إياه، قبل وفاة أبيه كأحمد بن اسحاق و غيره و ظهور المعجزة علي يده و قد ذكر الطبرسيّ قدّس سرّه جمعاً كثيراً ممّن رآه في حال غيبة و وقف علي معجزاته من الوكلاء و غيرهم و قال:

«و أمّا غيبته الصغري منها فهي التي كانت فيها سفراؤه موجودين و أبوابه معروفين لا تختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن عليّ فيهم، فمنهم أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري و محمَّد بن علي بن بلال و أبو عمرو عثمان بن سعيد السمّان و ابنه أبو جعفر محمَّد بن عثمان و عمر الأهوازي و أحمد بن اسحاق و أبو محمَّد الوجناني و إبراهيم بن مهزيار و محمَّد بن إبراهيم في جماعة اُخري ربّما يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم في الرواية عنهم و كانت مدة هذه الغيبة اربعاً و سبعين سنة و كان أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري باباً لأبيه و جدّه

من قبل و ثقة لهما، ثم تولي الباقية من قبله و ظهرت المعجزات علي يده الخ» (2).

________

1) بحث حول المهدي: ص 71 72.

2) أعلام الوري: ص 416 425.

135

و قال الشيخ المفيد قدّس سرّه في ذيل باب من رأي الإمام الثاني عشر و طرف من دلايله و بيّناته و أمثال هذه الأخبار في معني ما ذكرناه كثيرة و الذي اقتصرنا عليه منها كاف فيما قصدناه (1).

و قال أيضاً في ذيل باب (دلائله و معجزاته): «والأحاديث في هذا المعني كثيرة و هي موجودة في الكتب المصنّفة المذكورة فيها أخبار القائم عليه السَّلام و إن ذهبت إلي إيراد جميعها طال بذلك الكتاب و فيما أثبته منها مقنع و لله الحمد و المنّة» (2).

هذا مع رؤية جمع كثير إياه عليه السَّلام في حال غيبته الكبري و قد تصدّي بعض الأعلام لذكر قصصهم و يكفيك النجم الثاقب و لنا طرق صحيحة لرؤية بعض الأعزة الكرام و اتصالهم معه، أرواحنا فداه و سنشير إليها عنده المناسبة.

قال في منتخب الأثر في ذيل الفصل الخامس الباب الأوّل في معجزاته في غيبته الكبري: «و قد ذكر في البحار حكايات كثيرة جداً في ذلك و هكذا ذكر المحدّث النوري في دار السلام و جنّة المأوي و النجم الثاقب و الفاضل الميثمي العراقي في دار السلام و غيرهم من المحدثين و العلماء معجزات كثيرة تتجاوز عن حدّ التواتر قطعاً و أسناد كثير منها في غاية الصحّة و المتانة رواها الزهاد و الأتقياء من العلماء. هذا مع ما نري في كلّ يوم و ليلة من بركات وجوده و ثمرات التوسل و الاستشفاع به ممّا جرّبناه مراراً» (3) و قال أيضاً في ذيل الفصل المذكور الباب الثاني فيمن

رآه في غيبته الكبري: «و اعلم أنّ ما ذكرناه في هذا الفصل ليس إلاّ قليلاً من الحكايات و الآثار المذكورة في

________

1) إرشاد المفيد: ص 329 330.

2) إرشاد المفيد: ص 336.

3) منتخب الاثر: ص 411.

136

الكتب المعتبرة و الاكتفاء به؛ لعدم اتساع هذا الكتاب لأزيد منه مضافاً إلي أنّ هذا الآثار و الحكايات بلغت في الكثيرة حداً يمتنع إحصاؤها و قد ملأوا العلماء كتبهم عنها، فراجع البحار و النجم الثاقب و جنّة المأوي و دار السلام المشتمل علي ذكر من فاز بسلام الإمام و العبقريّ الحسان و غيرها، حتّي تعرف مبلغاً من كثرتها و من تصفّح الكتب المدوّنة فيها هذه الحكايات التي لا ريب في صحّة كثير منها لقوّة إسناده و كون ناقليه من الخواصّ، الضروريّ بوجوده عليه السَّلام » (1).

الخامسها:

أنّ مسألة الغيبة للإمام الثاني عشر أرواحنا فداه مما نصّ عليه النبيّ صلّي الله عليه و آله و الائمة الأطهار عليهم السَّلام قبل ولادته و غيبته و إليك بعض هذه الأخبار.

قال رسول الله صلّي الله عليه و آله :

«المهديّ من ولدي يكون له غيبة و حيرة تضل فيهما الاُمم، يأتي بذخيرة الأنبياء فيملأها عدلاً و قسطاً كما ملئت جوراً و ظلماً» (2).

و قال صلّي الله عليه و آله أيضاً: «طوبي لمن أدرك قائم أهل بيتي و هو يأتمّ به في غيبته قبل قيامه و يتولّي أولياءه و يعادي أعداءه ذاك من رفقائي و ذوي مودّتي و أكرم اُمّتي يوم القيامة» (3).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام :

لِلْقَائِمِ مِنَّا غَيْبَةٌ أَمَدُهَا طَوِيلٌ كَأَنِّي بِالشِّيعَةِ يَجُولُونَ جَوَلَانَ النَّعَمِ فِي غَيْبَتِهِ يَطْلُبُونَ الْمَرْعَي فَلَا يَجِدُونَهُ أَلَا فَمَنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ عَلَي دِينِهِ وَ لَمْ يَقْسُ قَلْبُهُ لِطُولِ أَمَدِ غَيْبَةِ إِمَامِهِ فَهُوَ

مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ

________

1) منتخب الاثر: ص 420.

2) اثبات الهداة: ج 6 ص 390.

3) بحار الأنوار: ج 51 ص 72.

137

الْقِيَامَةِ (1).

و قال الإمام الحسن بن عليّ عليهما السّلام :

إِذَا خَرَجَ ذَاكَ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِ أَخِي الْحُسَيْنِ ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ يُطِيلُ اللَّهُ عُمُرَهُ فِي غَيْبَتِهِ ثُمَّ يُظْهِرُهُ بِقُدْرَتِهِ فِي صُورَةِ شَابٍّ دُونَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ عَلي كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (2).

و قال الإمام الحسين بن عليّ عليهما السّلام :

«قَائِمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُوَ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِي وَ هُوَ صَاحِبُ الْغَيْبَةِ وَ هُوَ الَّذِي يُقْسَمُ مِيرَاثُهُ وَ هُوَ حَي (3).

روي المفضل عن الصادق عليه السَّلام أنّه قال:

«إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ لغيبتين، أحدهما أطول من الاُخري» الحديث.

قال الشيخ الطوسي بعد نقل هذا الحديث: «و يدلّ أيضاً علي إمامة ابن الحسن عليه السَّلام و صحّة غيبته ما ظهر و اشتهر من الأخبار الشايعة الذايعة عن آبائه عليه السَّلام و صحّة غيبته ما ظهر و اشتهر من الأخبار الشايعة الذايعة عن آبائه عليهم السَّلام قبل هذه الأوقات بزمان طويل من أنّ لصاحب هذا الأمر غيبة و صفة غيبته و ما يجري فيها من الاختلاف و يحدث فيها من الحوادث و أنّه يكون له غيبتان إحداهما أطول من الاُخري و أنّ الاُولي تعرف فيها أخباره و الثانية لا تعرف فيها أخباره، فوافق ذلك علي ما تضمنته الأخبار و لو لا صحّتها و صحّة إمامته، لما وافق ذلك، لأنّ ذلك لا يكون إلاّ بإعلام الله علي لسان نبيه» (4).

و قال أمين الإسلام الطبرسيّ قدّس سرّه : «و من جملة ثقات المحّثين و المصنّفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراد و قد صنّف كتاب المشيخة الذي هو في اُصول الشيعة أشهر من

كتاب المزني و أمثاله، قبل زمان الغيبة

________

1) بحار الأنوار: ج 51 ص 109.

2) بحار الأنوار: ج 51 ص 132.

3) بحار الأنوار: ج 51 ص 132.

4) اثبات الداة: ج 7 ص 3 4.

138

بأكثر من مائة ستة تذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة، فوافق الخبر الخبر و حصل كلّ ما تضمنه الخبر بلا اختلاف» (1). فأخبار الغيبة متواترة و مسطورة في الكتب قبل ولادته عليه السَّلام قال المحقق اللاهيجي قدّس سرّه : إنّ وجوب غيبة الإمام الثاني عشر متواتر عن النبيّ و كلّ واحد من الأئمة عليهم الصلوات و السَّلام (2).

قال المحقّق القميّ قدّس سرّه : «إنّ كثيراً من جوامع الشيعة اُلفت قبل ولادة جنابه عليه السَّلام فهذه الأخبار مضافاً إلي كونها متواترة و مفيدة لليقين، تكون مقرونة بالإعجاز؛ لاشتمالها علي الأخبار بتولّده و وقوع ما أخبروا به» (3).

ثم إنّ الغيبة الصغري وقعت من سنة 260 الهجرية إلي سنة 329 و هي تقرب من سبعين سنة و الغيبة الكبري وقعت من سنة 329 و دامت إلي يومنا هذا سنة 1409 الهجرية و تدوم إلي يوم الظهور عجّل الله تعالي فرجه الشريف و جعلنا من أعوانه و أنصاره بلطفه و كرمه و لعلّ الغيبة الصغري و قعت علي ما لها من نوع ارتباط خاصّ بين نوّابه الخاصّة و بين المؤمنين به تمهيداً لوقوع الغيبة الكبري التي لاصلة بينه و بين المؤمنين و لو بعنوان النيابة الخاصّة و إنّما كانت وظيفة المؤمنين فيها هو الرجوع إلي النوّاب العامّة.

قال الشهيد السيد محمَّد باقر الصدر قدّس سرّه : «وقد لوحظ أنّ هذه الغيبة إذا جاءت مفاجأة حقّقت صدمة كبيرة للقواعد الشعبية للإمامة في الاُمة الإسلامية؛ لأنّ هذه القواعد كانت

معتادة علي الاتصال بالإمام في كل عصر و التفاعل معه و الرجوع إليه في حلّ المشاكل المتنوعة، فإذا غاب الإمام عن

________

1) اعلام الوري: ص 416.

2) سرمايه ايمان: ص 146.

3) اُصول دين: ص 63.

139

شيعته فجأة و شعروا بالانقطاع عن قيادتهم الروحيّة و الفكريّة سبّبت هذه الغيبة المفاجأة، الإحساس بفراغ دفعيّ هائل قد يعصف بالكيان كلّه و يشتّت شمله، فكان لابدّ من تمهيد لهذه الغيبة لكي تألفها هذه القواعد بالتدريج و تكيّف نفسها شيئاً فشيئاً علي أساسها و كان هذا التمهيد هو الغيبة الصغري، التي اختفي فيها الإمام المهديّ عن المسرح العام، غير أنّه كان دائم الصلة بقواعده و شيعته عن طريق و كلائه و نوّابه و الثقات من أصحابه، الذين يشكّلون همزة الوصل بينه و بين الناس المؤمنين بخطّه الإمامي» (1).

ثم إنّ النوّاب الخاصة في الغيبة الصغري أربعة و هم: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري (بفتح العين و سكون الميم) و أبو جعفر محمَّد بن عثمان بن سعيد العمري و أبوالقاسم حسين بن روح النوبختي و أبوالحسن علي بن محمَّد السمري و هم الأجلاء الكرام و الوجوه المظالم.

قال الشيخ الطوسي قدّس سرّه : «فأمّا السفراء الممدوحون في زمان الغيبة، فأوّلهم من نصّبه أبوالحسن علي بن محمَّد العسكري و أبومحمَّد الحسن بن علي بن محمَّد ابنه عليه السَّلام و هو الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري و كان أسدياً إلي أن نقل في حقّه عن الإمام عليّ بن محمَّد الهادي صلوات الله عليه أنه قال:

هذا أبو عمرو الشقة الأمين ما قاله لكم فعنّي يقوله و ما أدّاه إليكم فعنّي يؤديه و إلي أن نقل في حقّه و ابنه عن أبي محمَّد الحسن عليه

السَّلام و اشهدوا علي أنّ عثمان بن سعيد العمري و كيلي و أنّ ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم إلي أن قال : و كانت توقيعات صاحب الأمر عليه السَّلام تخرج علي يديّ عثمان بن سعيد و ابنه أبي جعفر محمَّد بن عثمان إلي شيعته و خواصّ أبيه أبي محمَّد بالأمر و النهي و الأجوبة عمّا تسأل

________

1) بحث حول المهدي: ص 68.

140

الشيعة عنه إذا احتاجت إلي السؤال فيه بالخطّ الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السَّلام فلم تزل الشيعة مقيمة علي عدالتهما إلي أن توفي عثمان بن سعيد رحمه الله و غسّله ابنه أبو جعفر و تولي القيام به و حصل الأمر كلّه مردوداً إليه و الشيعة مجتمعة علي عدالته و ثقته و أمانته؛ لما تقدم له من النصّ عليه بالأمانة و الأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن و بعد موته في حياة أبيه عثمان رحمه الله إلي أن قال : خرج التوقيع إلي الشيخ أبي جعفر محمَّد بن عثمان بن سعيد العمري قدّس الله روحه في التعزية بأبيه رضي الله عنه و جاء في التوقيع المذكور: أجزل الله لك الثواب و أحسن لك العزاء، رزئت و رزئنا و أوحشك فراقه و أوحشنا، فسرّه الله في منقلبه و كان من كمال سعادته أن رزقه الله ولداً مثلك يخلفه من بعده و يقوم مقامه بأمره و يترحم عليه و أقول الحمد لله، فإنّ الأنفس طيبة بمكانك و ما جعله الله عزّوجلّ فيك و عندك، أعانك الله و قوّاك و عضدك و وفّقك و كان لك ولياً و حافظاً و راعياً.

ثم قال الشيخ قدّس سرّه : و التوقيعات تخرج علي يده إلي الشيعة في المهمّات طول حياته

بالخطّ الذي كانت تخرج في حياة أبيه عثمان لا يعرف الشيعة في هذا الأمر غيره و لا يرجع إلي أحد سواه و قد نقلت عنه دلائل كثيرة و معجزات الإمام (التي) ظهرت علي يده و اُمور أخبرهم بها عنه زادتهم في هذا الأمر بصيرة و هي مشهورة عند الشيعة و قدّمنا طرفاً منها، فلا نطوّل بإعادتها، إلي أن روي أنّه لمّا حضرت أبا جعفر محمَّد بن عثمان العمري الوفاة، كان جعفر بن أحمد بن متيل جالساً عند رأسه و أبوالقاسم بن روح جالساً عند رجليه، فالتفت إلي جعفر بن أحمد بن متيل و قال:

اُمرت أن اُوصي إلي أبي القاسم الحسين بن روح فقام جعفر بن أحمد بن متيل من عند رأسه و أخذ بيد أبي القاسم و أجلسه في مكانه و تحوّل بنفسه إلي عند رجليه.

إلي أن قال:

لمّا اشتدت حاله اجتمع جماعة من وجوه الشيعة إلي أن

141

قال : فدخلوا علي أبي جعفر رضي الله عنه فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم: هذا أبوالقاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، القائم مقامي و السفير بينكم و بين صاحب الأمر و الوكيل له و الثقة الأمين، فارجعوا إليه في اُموركم و عوّلوا عليه في مهمّاتكم فبذلك اُمرت و قد بلّغت.

إلي أن قال الشيخ: و كان أبوالقاسم رحمه الله من أعقل الناس عند المخالف و الموافق إلي أن قال : و أوصي أبوالقاسم إلي أبي الحسن علي بن محمَّد السمري رضي الله عنه فقام بما كان إلي أبي القاسم فلمّا حضرته الوفاة حضرت الشيعة عنده و سألته عن الموكّل بعده و لمن يقوم مقامه؟ فلم يظهر شيئاً من ذلك و ذكر أنّه لم

يؤمر بأن يوصي إلي أحد بعده في هذه الشأن الي أن قال:

فأخرج إلي الناس توقيعاً قبل وفاته نسخته:

بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمَّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنّك ميت ما بينك و بين ستة أيام، فاجمع أمرك و لا توص إلي أحد، فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالي ذكره و ذلك بعد طول الأمد و قسوة القلوب و امتلأء الأرض جوراً و سيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعي المشاهدة قبل خروج السفاني و الصيحة فهو كذّاب مفتر و لا حول و لا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.

قال الشيخ: راوي الخبر: فنسخنا هذا التوقيع و خرجنا من عنده، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه و هو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك من بعدك؟ فقال:

لله أمر هو بالغة و قضي، فهذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه و أرضاه» (1).

فالمستفاد من ملاحظة الكلمات المذكورة هو ظهور تسالم الشيعة علي نيابتهم

________

1) راجع البحار: ج 51 ص 344 361.

142

الخاصّة و وجه ذلك: ما عرفت من ظهور الكرامات و المعجزات علي أيديهم بحيث يكشف عن صلتهم مع الإمام الثاني عشر أرواحنا فداه.

هذا مضافاً إلي ما ورد في وثاقتهم و جلالتهم و كيف كان فقد تمهّدت جامعة الشيعة بعد مضيّ زمان النوّاب الأربعة أن تصطبر لطيلة الغيبة الكبري لإمامها الثاني عشر أرواحنا فداه حتّي يظهر بإذن الله تعالي.

سادسها:

أنّ السبب في الغيبة ليس من ناحية الله تعالي و لا من ناحية الإمام الثاني عشر عليه السَّلام لأنّ كمال لطفه تعالي يقتضي ظهور وليّه، كما أنّ مقتضي عصمة الإمام الثاني عشر أرواحنا فداه هو أن لا

يغيب عن وظائفه و هداية الناس و إرشادهم و لذلك قال المحقّق الخواجة نصير الدين الطوسيّ قدّس سرّه علي ما حكي عنه: «ليست غيبة المهدي عليه السَّلام من الله سبحانه و لا منه عليه السَّلام بل من المكلّفين و الناس و هي من غلبة الخوف و عدم تمكين الناس من إطاعة الإمام، فإذا زال سبب الغيبة وقع الظهور» (1).

و أيضاً قال الفاضل المقداد: «و أمّا سبب خفائه: فإما لمصلة استأثر الله يعلمها، أو لكثرة العدو و قلّة الناصر؛ لأنّ حكمته تعالي و عصمته عليه السَّلام لا يجوز معهما منع اللطف، فيكون من الغير المعادي و ذلك هو المطلوب» (2).

و يؤيد ذلك ما ورد عن مولانا أمير المؤمنين عليه السَّلام أنه قال:

«واعلموا أنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله و لكن الله سيعمي خلقه منها بظلمهم و جورهم و إسرافهم علي أنفسهم» (3).

فالغيبة ناشئة من تقصير الناس و قد يوجه ذلك بأنّ إقامة العدل العام العالميّ تتوقف علي قبول نصاب من عامّة الناس في أقطار العالم لإقامة العدل

________

1) راجع رسالة الامامة الفصل الثالث: ص 25 نقلاً عن كتاب نويد أمن و أمان.

2) شرح الباب الحادي عشر: ص 52 الطبع الجديد.

3) مكيال المكارم: ج 1 ص 132 الطبع الحديث.

143

العالمي الإلهي من ناحية الرجل الإلهي و لمّا يحصل هذا النصاب و إن قرب الناس إلي قبوله، لازدياد إحساس أنّ البشر من دون إمداد غيبي لا يتمكن من الإصلاح العالمي و لو أخذوا بالمؤتمرات و المجالس المعدّة للقيام بالعدل و الإصلاح، فإنّ هذه المؤتمرات و المجالس عجزت عن ذلك المقصد العالي؛ لأنهم ليسوا أهلاً له.

هذا مضافاً إلي سلطة المفسدين من الدول القويّة عليهم و لذلك بسط الظلم الفساد في

النظام العالمي و كلّما ازدادت الأيام زادت المفاسد و المظالم في أقطار الأرض و لا ترفع تلك إلاّ بأن يرجع أهل العالم في أقطار الأرض عن انحرافهم إلي الصراط المستقيم و يستعدّون لقبول العدل الإلهي العالمي حتّي يظهر الله تعالي وليّه الأعظم أرواحنا فداه لإقامة العدل و إزالة الجور و إليه يؤول ما أشار إليه المحقّق اللاهيجي قدّس سرّه حيث قال:

إذا كان الإمام المعصوم موجوداً و غائباً فليس علينا بيان سبب غيبته بالتفصيل، نعم يعلم إجمالاً أنّ السبب في غيبته ليس من جانبه؛ لأنّه معصوم و يمتنع ترك الواجب منه، مع أنّ الظهور و القيام بأمر الإمامة و إقامة الشرايع من الواجبات، فسبب غيبة الإمام من طرف رعيته لعدم نصرتهم إياه، فإذا تحقّقت مظنة النصرة من قبل الرعيّة وجب ظهوره (1). و لقد أفاد و أجاد الشهيد السيد محمَّد باقر الصدر قدّس سرّه حيث قال:

«و علي هذا الضوء ندرس موقف الإمام المهدي عليه السَّلام لنجد أنّ عملية التغيير التي اُعدّ لها ترتبط من الناحية التنفيذيّة كأيّ عملية تغيير اجتماعي اُخري، بظروف موضوعية تساهم في توفير المناخ الملائم لها و من هنا كان من الطبيعي أن توقّت وفقاً لذلك و من المعلوم أنّ المهدي لم يكن قد أعدّ نفسه لعمل اجتماعي محدود و لا لعملية تغيير تقتصر علي

________

1) سرمايه ايمان: ص 152.

144

هذا الجزء من العالم أو ذاك؛ لأنّ رسالته التي اُدّخر لها من قبل الله سبحانه و تعالي، هي تغيير العالم تغييراً شاملاً و اخراج البشرية كلّ البشرية من ظلمات الجور إلي نور العدل و عملية التغيير الكبري هذه لا يكفي في ممارستها مجرّد وصول الرسالة و القائد الصالح و إلاّ لتمّت شروطها في عصر النبوّة

بالذات و إنّما تتطلب مناخاً عالمياً مناسباً و جوّاً عامّاً مساعداً يحقق الظروف الموضوعية المطلوبة لعملية التغيير العالمية.

فمن الناحية البشرية يعتبر شعور إنسان الحضارة بالنفاد عاملاً أساسياً في خلق ذلك المناخَ المناسب لتقبل رسالة العدل الجديدة و هذا الشعور بالنفاد يتكون و يترسّخ من خلال التجارب الحضارية المتنوعة التي يخرج منها إنسان الحضارة مثقلاً بسلبيات ما بني مدركاً حاجته إلي العون متلفتاً بفطرته إلي الغيب أو إلي المجهول» (1).

هنا سؤال و هو: إنّا نسلم أنّ القيام بالعدل العالمي يتوقف علي قبول الناس لذلك و قبولهم يرتبط بشعور حاجتهم إلي الاستمداد من الغيب و لكن ذلك لا يوجّه غيبته عن الناس، لإمكان أن يعيش بينهم و يصبر حتّي يجد الظرف الصالح لإقامة العدل الإلهي.

والجواب عنه: أنّ الإمام عليه السَّلام إن ظهر قبل الموعد فإن اتقي عن حكومة الجور فهو لا يناسبه و إن لم يتق فهم قتلوه، فالغيبة مانعة عن قتله و هذا أمر تدلّ عليه الأخبار:

منها: ما عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال:

«قال رسول الله صلّي الله عليه و آله :

لابدّ للغلام من غيبة، فقيل له: و لمَ يا رسول الله؟ قال:

يخاف القتل» (2)

________

1) بحث حول المهدي: ص 79 80.

2) بحار الأنوار: ج 52 ص 90.

145

و منها: ما عن أبي عبدالله عليه السَّلام أنه قال:

«

صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ تَعْمَي وِلَادَتُهُ عَلَي هَذَا الْخَلْقِ لِئَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ إِذَا خَرَج (1).

قال الشيخ الطوسي قدّس سرّه : «لا علّة تمنع من ظهوره عليه السَّلام إلاّ خوفه علي نفسه من القتل؛ لأنّه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار و كان يتحمّل المشاق و الأذي، فإنّ منازل الأئمة و كذلك الأنبياء عليهم السَّلام إنّما تعظم

لتحمّلهم المشاقّ العظيمة في ذات الله تعالي.

فإن قيل: هلاّ منع الله من قتله بما يحول بينه و بين من يريد قتله؟ قلنا: المنع الذي لا ينافي التكليف هو النهي عن خلافه و الأمر بوجوب اتباعه و نصرته و إلزام الانقياد له و كلّ ذلك فعله تعالي و أمّا الحيلولة بينهم و بينه فإنّه ينافي التكليف و ينقض الغرض؛ لأنّ الغرض بالتكليف استحقاق الثواب و الحيلولة تنافي ذلك و ربّما كان في الحيلولة و المنع من قتله بالقهر مفسدة للخلق، فلا يحسن من الله فعلها» (2).

و أما كون الغيبة موجبة لامتحان الخلق و تمحيصهم كما اُفيد في بعض الأخبار عن موسي بن جعفر عليهما السّلام :

«إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة فالله في أديانكم، لا يزيلنكم عنها أحد، يا بني إنّه لابدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتّي يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنّما هي محنة من الله امتحن الله بها خلقه» (3) و غيره فهو بيان فائدة الغيبة لا سببها و لذلك قال الشيخ قدّس سرّه : «و أمّا ما روي من الأخبار من امتحان الشيعة في حال الغيبة و صعوبة الأمر عليهم و اختبارهم للصبر عليه، فالوجه فيها الأخبار عما يتفق من ذلك من الصعوبة و المشاق إلي أن قال : بل سبب الغيبة هو الخوف علي

________

1) بحار الأنوار: ج 52 ص 95.

2) بحار الأنوار: ج 52 ص 98 99.

3) بحار الأنوار: ج 52 ص 113.

146

ما قلناه و أخبروا بما يتفق في هذه الحال و ما للمؤمن من الثواب علي الصبر علي ذلك و التمسك بدينه إلي أن يفرّج الله (تعالي) عنهم» (1).

سابعها:

أن جميع أبعاد وجود الإمام لطف فوجوده

في نفسه مع قطع النظر عن سائر أبعاد لطف؛ لأنّه وجود إنسان كامل في النظام الأحسن و هو مما يقتضيه علمه تعالي به و رحمته المطلقة و كماله المطلق، هذا مضافاً إلي أنّ مقتضي تماميّة الفاعل و قابلية القابل كما هو المروض في وجود أئمتنا عليهم السَّلام هو لزوم وجودهم و إلاّ لزم الخلف، إمّا في تمامية الفاعل أو قابلية القابل و الأوّل محال لعدم العجز و النقصان و البخل فيه تعالي و الثاني خلاف المفروض فإنّ قابلية الأئمة عليهم السَّلام لكمال الإنسانية واضحة و بديهية عند الشيعة الإمامية و في لسان الأخبار فتدوم الخلافة الإلهية بوجودهم، كما دلّ في قوله تعالي: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً » علي استمرار هذه الخلافة الإلهية و لذا استدل الإمام الصادق و الإمام الكاظم عليهما السَّلام في موثقة اسحاق بن عمّار علي استمرار الخلافة و عدم انقطاعها بقوله تعالي: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً » و قالا: و أنّ الله عزّوجلّ إذا قال قولاً و في به (2). و يؤيده ما ورد في الحديث القدسي عنه تعالي أنّه قال:

« كُنْتُ كَنْزاً مَخْفِيّاً فَأَحْبَبْتُ أَنْ اعْرَفَ فَخَلَقْتُ الخَلْقَ لكي اُعرف» (3)؛ إذ يعلم منه أنّ الباعث علي إيجاد الإنسان هو المعرفة الكاملة به تعالي، فليكن في كلّ وقت فرد بين آحاد الإنسان يعرفه كما هو حقّه و لا يحصل ذلك في غير النبيّ و الإمام، فلابدّ من وجود النبيّ أو الإمام بين الناس حتّي تحصل المعرفة الكاملة به تعالي كما هو حقه.

و لعلّ إليه ترجع الروايات الدالّة علي أنّه لولا محمَّد و آله عليهم السَّلام لما

________

1) بحار الأنوار: ج 52 ص 100.

2) تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 42

نقلاً عن الكافي.

3) مصابيح الأنوار: ج 2 ص 405.

147

خلق الله الخلق، كما قال رسول الله صلّي الله عليه و آله :

يَا عَلِيُّ لَوْ لَا نَحْنُ مَا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَ لَا حَوَّاءَ وَ لَا الْجَنَّةَ وَ لَا النَّارَ وَ لَا السَّمَاءَ وَ لَا الْأَرْضَ (1).

و يؤكد ذلك ما استفيض من الأخبار الدالّة علي أنّ الأئمة عليهم السَّلام علّة غائبة للخلقة كما ورد «نحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع علي الأرض إلاّ بإذنه و بنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها و بنا ينزل الغيث و ينشر الرحمة و يخرج بركات الأرض و لو لا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها» (2) و ورد من الناحية المقدّسة علي يد محمَّد بن عثمان … و إنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء (3).

قال العلاّمة المجلسي قدّس سرّه : «ثبت بالأخبار المستفيضة أنّهم العلل الغائبة لإيجاد الخلق، فلولا هم لم يصل نور الوجود إلي غيرهم و ببركتهم و الاستشفاع بهم و التوسل إليهم، يظهر العلوم و المعارف علي الخلق و يكشف البلايا عنهم، فلولا هم لاستحق الخلق بقبائح أعمالهم، أنواع العذاب» (4) و إلي غير ذلك من شواهد الأخبار و هذا كلّه بالنسبة إلي أصل وجوده ثم إنّ تصرّفه أيضاً لطف سواء كان ظاهرياً أو باطنياً و سواء كان في الإنس أو الجن، أو غيرهما، فإذا منع مانع عن ظهوره للناس بحيث يستر و يغيب فلا يضرّ بكونه لطفاً من جهة أو جهات اُخر، فإنّ المانع يمنعه عن نوع من أنواع لطف أبعاد وجوده.

هذا مضافاً إلي أنّ تصرّفه في الناس لا يتوقف جميع أنواعه علي الظهور، بل له أن يتصرف في بعض الاُمور مع

غيبته عن الناس.

________

1) غاية المرام: ج 1 ص 26 الطبع الثاني.

2) فرائد السمطين: ج 1 ص 45 بنقل وابستگي جهان به امام زمان: ص 38.

3) بحار الأنوار: ج 52 ص 92.

4) بحار الأنوار: ج 52 ص 93.

148

قال العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه : «إنّ وظيفة الإمام و مسؤوليته لم تنحصر في بيان المعارف الإلهية بشكلها الصوري ول يقتصر علي إرشاد الناس من الناحية الظاهرية، فالإمام فضلاً إرشاد الناس الظاهري يتصف بالولاية و الإرشاد الباطني للأعمال أيضاً و هو الذي ينظم الحياة المعنويّة للناس و يتقدم بحقائق الأعمال إلي الله جلّ شأنه و بديهي أنّ حضور أو غيبة الإمام الجسماني ف هذا المضمار ليس له أي تأثير و الإمام عن طريق الباطن يتصل بالنفوس و يشرف عليها و إن بعد عن الأنظار و خفي عن الأبصار، فإنّ وجوده لازم دائماً و إن تأخّر وقت ظهوره و إصلاحه للعالم (1). بل إتمام الحجّة به علي المتمرّدين متوقف علي وجوده بخلاف ما إذا لم يكن موجوداً فإنّ تعذيب الناس حينئذٍ قبيح لعدم إتمام الحجة من الله عليهم (2).

علي أنّ غيبته عن الناس لا يستلزم غيبته عن جميع آحادهم، بل له أن يظهر لبعضهم و إرشاده لهم، كما ثبت ذلك بالتواتر من الحكايات الواردة في تشرّفهم بخدمته و حلّ مشاكلهم و اهتدائهم بهدايته، كما لايستلزم غيبته عن الجنّ من الخلق، مع أنّه إمام لهم فإنّهم أيضاً محجوجون بوجوده، فبمثل ما ذكر يظهر أنّ لطف وجوده الإمام لطف مضاعف و لطف علي لطف، كما هو نور علي نور و عليه فقوائد وجوده في زمن الغيبة واضحة، فلا وجه للقول بأنّه لا فائدة لوجوده بعد ما غاب عن الناس و هذا أمر

اُشير إليه في الأخبار أيضاً و إليك بعضها:

روي الأعمش عن الصادق عليه السَّلام قال:

«

لَمْ تَخْلُ الْأَرْضُ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ حُجَّةٍ لِلَّهِ فِيهَا ظَاهِرٍ مَشْهُورٍ أَوْ غَائِبٍ مَسْتُورٍ وَ لَا تَخْلُو إِلَي أَنْ تَقُومَ

________

1) الشيعة في الاسلام: ص 199 تعريب جعفر بهاء الدين.

2) راجع كتاب سرمايه ايمان: ص 152.

149

السَّاعَةُ مِنْ حُجَّةِ اللَّهِ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ يُعْبَدِ اللَّه

قَالَ سُلَيْمَانُ فَقُلْتُ لِلصَّادِقِ عليه السّلام :

فَكَيْفَ يَنْتَفِعُ النَّاسُ بِالْحُجَّةِ الْغَائِبِ الْمَسْتُورِ قَالَ كَمَا يَنْتَفِعُونَ بِالشَّمْسِ إِذَا سَتَرَهَا السَّحَاب (1).

ثامنها:

أنّ مسألة طول عمر الإمام الثاني عشر أرواحنا فداه سهلة، لمن اعتقد بالمعجزات و خوارق العادات؛ إذ الامتناع العادي لا يمنع عن إمكانه كسائر المعجزات، فإنّ العلل و الأسباب لا دليل علي انحصارها في الأسباب العادية الموجودة المألوفة.

قال العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه : «لكنّ الذي يطالع الأخبار الواردة عن الرسول الأعظم في خصوص الإمام الغائب و كذا سائر أئمة أهل البيت عليهم السَّلام سيلاحظ أنّ نوع الحياة للإمام الغائب تتصف بالمعجزة خرقاً للعادة و طبيعي أنّ خرق العادة ليس بالأمر المستحيل و لا يمكن نفي خرق العادة عن طريق العلم مطلقاً.

لذا لا تنحصر العوامل و الأسباب التي تعمل في الكون في حدود مشاهدتنا و التي تعرّفنا عليها و لا نستطيع نفي عوامل اُخري و هي بعيدة كلّ البعد عنّا و لا علم لنا بها، أو أنّنا لا نري آثارها و أعمالها، أو نجهلها و من هذا يتضح إمكان إيجاد عوامل في فرد أو أفراد من البشر، بحيث تستطيع تلك العوامل أن تجعل الإنسان يتمتع بعمر طويل جداً قد يصل إلي الألف أو آلاف من السنوات، فعلي هذا فإنّ عالم الطب لم ييأس حتّي الآن من كشف طرق

لإطالة عمر الإنسان» (2).

ولكن لا يذهب عليك أنّ عدم اليأس عن كشف طرق للإطالة، لا يخرج طول عمر الإمام الثاني عشر عن كونه خارق العادة؛ لأنّ طول العمر المذكور

________

1) بحار الأنوار: ج 52 ص 92.

2) الشيعة في الاسلامك ص 198.

150

بدون كشف طرق الإطالة غير طبيعي، سيّما إذا بقي علي صورة رجل له أقلّ من أربعين سنة كما في بعض الأخبار و عليه فطول عمره عليه السَّلام إعجاز أخبر به النبيّ و الأئمة الأطهار عليهم صلوات الله و سلامه بالتواتر و أجمع الأصحاب علي الإيمان به كسائر المعجزات بلا كلام.

و لقد أفاد و أجاد المصنّف قدّس سرّه حيث قال:

«ولا يخلو من أن تكون حياته و بقاؤه هذه المدّة الطويلة معجزة جعلها الله تعالي له و ليست هي بأعظم من معجزة أن يكون إماماً للخلق و هو ابن خمس سنين يوم رحل والده إلي الرفيق الأعلي و لا هي بأعظم من معجزة عيسي، إذ كلّم الناس في المهد صبيّاً و بعث في الناس نبياً» إلي آخر ما قال.

نعم يزيد مثل هذه المعزة علي سائر المعجزات التي ليست من قبيلها من جهة وجود الإمكان العلمي فيها الذي أشارإليه العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه بقوله:

«فعلي هذا فإنّ عالم الطب لم ييأس حتّي الآن من كشف طرق لإطالة عمر الإنسان» دون سائر المعجزات التي ليست من قبيلها فإنّ العلم التجربي لا يرجو فيها بكشف طرق للنيل إليها، كإحياء الموتي أو جعل النار برداً و سلاماً، أو جعل صبي أو طفل عالماً بجميع العلوم و المغيبات و إن كانت هذه الاُمور ممكنة بالإمكان العقلي؛ إذ لم يلزم من وجودها تناقض و لا اجتماع الضدين و لا اجتماع المثلين و لقد أفاد و

أجاد و أطال الشهيد السيد محمَّد باقر الصدر في هذا المجال فراجع (1).

و كيف كان فازدياد الإمكان العلمي في مثل المقام و إن لم يوجب تفاوتاً في قبول المؤمنين بالله تعالي و قدرته للمعجزات و لكن يمكن أن يوجب تفاوتاً في تسليم غير المؤمنين من المادّيين، الذين أشكلوا علينا بطول العمر زائدا علي المألوف.

________

1) بحث حول المهدي: ص 19 38.

151

تاسعها:

أنّ الارتباط مع الإمام الثاني عشر عليه السَّلام صار منقطعاً من زمن الغيبة الكبري؛ إذ لا يكون له محل معلوم حتي نرجع إليه، أو نسال عنه، أو نتصل معه و نراه، أو نكتب إليه و نأخذ الجواب و لكن المنقطع هو بعض الأنواع من الارتباط الذي كان مألوفاً بينه و بين الشيعة و بقي أنواع اُخر و هو أنّه عليه السَّلام يرانا و لا نراه إلاّ إذا يرينا نفسه و يحضر بعض مجالسنا و يزور الحسين و سائر الأئمة عليهم السَّلام و يحجّ و يحضر المواسم و يجيب بعض من يليق لجوابه و ينظر إلي أعمال الشيعة و خواصّه و يسّر من حسناتهم و يغضب من سيئاتهم و يعين و كلاءه العامّة بالدعاء و الإرشاد و التصرّف في قلوبهم و يشرف علي أحوال الشيعة، فإذا اتصلوا إليه بالدعاء للفرج و التوسل و الاستشفاع به أقبل عليهم و يدعو لهم و يطلب من الله تعالي أن يقضي حوائجهم و قد ورد في توقيعه عليه السَّلام إلي أن قال : الشيخ المفيد:

َإِنَّا غَيْرُ مُهْمِلِينَ لِمُرَاعَاتِكُمْ وَ لَا نَاسِينَ لِذِكْرِكُمْ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَنَزَلَ بِكُمُ اللَّأْوَاءُ وَ اصْطَلَمَكُمُ الْأَعْدَاءُ (1).

و هذه الارتباطات معلومة واضحة، لمن أمعن النظر في جوامع الحديث و الحكايات الواردة في هذه الاتصالات و ليست

هي بقليلة طيلة الغيبة الكبري؛ إذ كثير جداً من رآه و من استشفي به فأشفاه و من استجاب منه فأجاب و قد ثبت عندي مع قلة اطلاعي جملة من ذلك في عصري و ما إليه قريب.

منها: أنّه عليه السَّلام حضر لإقامة صلاة الميت عي اُم بعض أصدقاء أبي رحهما الله بعد تشييعها و تجهيزها في صحن ابن بابويه قدّس سرّه في الري.

و منها: أنّه حضر في مجلس دعاء الندبة الذي كان يقيمه الشيخ الزاهد

________

1) مكيال المكارم: ج 1 ص 44.

152

العارف المتّقي المرتضي المجدّ قدّس سرّه في طهران.

و منها: أنّه حضر عند السيد محمَّد الفشاركي شيخ مشايخنا في سرّ من رأي لحلّ مشكلته في المسائل العلمية.

و منها: أنّه حضر في موسم الحج و قال لبعض الأخبار من أهل دزفول: إذا رجعت فأبلغ سلامي إلي الشيخ محمَّد طاهر و قل له: إقرأ هذا الدعاء، ثم غاب الإمام و نسي بعض الأخيار الدعاء فرجع إلي دزفول و ذهب إلي بيت الشيخ محمَّد طاهر لإبلاغ سلام الإمام المهدي عليه السَّلام فإذا فرغ من إبلاغ السلام تذكر الدعاء و قال:

قال الإمام: اقرأ هذا الدعاء، ثم نسي الدعاء بعد ما قاله للشيخ و لم يتذكره و لمّا استدعي من الشيخ أن يذكر له الدعاء، قال الشيخ: هو سرّ من الأسرار فلم يتجاوزني و غير ذلك من التشرفات.

هذا مضافاً إلي إرسال بعض الخواصّ لحلّ بعض مشاكل الشيعة أو إخبارهم ببعض الاُمور المهمّة و غير ذلك من الإمدادات التي هي كثيرة جداً بحيث لو التفت الإنسان إليها حصل له إطمئنان بأنه لا يكون بعيداً عن سيده و مولاه، بل يكون تحت ولايته و إمداد و عنايته و إنّما علينا التوجه و الالتفات إليه

و الارتباط معه، كما فسّر في بعض الصحاح قوله تعالي: «رابطوا» في الآية الكريمة «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » بالارتباط مع الإمام الثاني عشر عليه السَّلام .

عاشرها:

أنّ رؤية الإمام الثاني عشر عليه السَّلام و قعت في زمن الغيبة الكبري لبعض الصالحين و قصصهم و حكاياتهم كثيرة جداً و مذكورة في الكتب، منها: النجم الثاقب و جنة المأوي و من أمعن النظر إليها اطمأنّ بوقوعها و لا كلام فيه و إنّما الكلام في أنّ مسألة الرؤية هل تنافي قوله عليه السَّلام في التوقيع الوارد علي عليّ بن محمَّد السمري قدّس سرّه : «و سيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة ألا فمن ادعي المشاهدة قبل خروج

153

السفياني و الصيحة فهو كذّاب مفتر» أم لا تنافي؟ و الذي يمكن أن يقال:

إنّ ملاحظة صدر هذا التوقيع تكفي لرفع المنافاة؛ لأنه يشهد علي أنّ المراد نفي من ادعي البابية كبابية النوّاب الأربعة و لا يظهر منه نفي مطلق الرؤية.

و إليك صدر التوقيع: بسم الله الرحمن الرحيم يا عليّ بن محمَّد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنّك ميّت ما بينك و بين ستة أيّام فاجمع أمرك و لا توص إلي أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالي ذكره و ذلك بعد طول الأمد و قسوة القلوب و امتلاء الأرض جوراً و سيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، الخ.

كما احتمله في البحار حيث قال:

لعله محمول علي من يدّعي المشاهدة مع النيابة و إيصال الأخبار من جانبه عليه السَّلام إلي الشيعة، علي مثال السفراء لئلا ينافي الأخبار التي مضت و ستأتي فيمن رآه عليه السَّلام و

الله يعلم (1).

واستظهره السيد صدر الدين الصدر في كتابه «المهدي» حيث قال:

«و هذه الكتب تخبرنا عن جماعة أنّهم شاهدوه و تشرّفوا بخدمته و لا ينافي ذلك ما ورد من تكذيب مدّعي الرؤية، فإنّ المراد تكذيب مدّعي النيابة الخاصّة بقرينة صدر الرواية» (2). و هنا أجوبة اُخري ذكرها العلاّمة الحاج ميرزا حسين النوري في جنّة المأوي (3).

هذا مضافاً إلي أنّ مثل قوله و سيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة إلخ، مع قطع النظر عن الصدر لا يفيد إلاّ الظن و الظن لا يقاوم مع القطع الحاصل من القضايا التي تدلّ علي رؤيته و لعلّ إليه ينظر ما حكي عن فوائد العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه حيث قال:

«و قد يمنع أيضاً امتناعه (أي امتناع

________

1) بحار الأنوار: ج 52 ص 151.

2) راجع كتاب المهدي، ص 184، الطبع الحديث.

3) راجع جنة المأوي المطبوعة في خاتمة بحار الأنوار: ج 53 ص 318.

154

رؤيته) في شأن الخواصّ و إن اقتضاء ظاهر النصوص بشهادة الاعتبار و دلالة بعض الآثار» (1).

الحادي عشر:

مسألة الانتظار و قد أكّد في الأخبار علي انتظار الفرج و إليك بعضها:

عن ينابيع المودة عن مناقب الخوارزمي عن أبي جعفر عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين قال:

قا ل رسول الله صلّي الله عليه و آله و سلّم : «أفضل العبادة إنتظار الفرج». (2).

و عن الاحتجاج، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليهما السَّلام قال:

«تمتد بوليّ الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلّي الله عليه و آله و الأئمة بعده، يا أبا خالد، إنّ أهل زمان غيبة القائلون بإمامة، المنتظرون لظهوره أفضل أهل كلّ زمان؛ لأنّ الله تعالي ذكره أعطاهم من العقول و الإفهام و المعرفة ما

صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة و جعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلّي الله عليه و آله بالسيف، اُولئك المخلصون حقّاً و شيعتنا صدقاً و الدعاة إلي دين الله سراً و جهراً و قال عليه السَّلام إنتظار الفرج من اعظم الفرج» (3).

و عن الخصال الأربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السّلام :

انْتَظِرُوا الْفَرَجَ وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ فَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَي اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ انْتِظَارُ الْفَرَجِ (4).

و عن محاسن البرقي عن أبي عبدالله عليه السَّلام قال:

«من مات منكم

________

1) راجع جنة المأوي المطبوعة في خاتمة بحار الأنوار: ج 53 ص 320.

2) المهدي: ص 211 الطبع الحديث.

3) بحار الأنوار: ج 52 ص 122.

4) بحار الأنوار: ج 52 ص 123.

155

علي هذا الأمر منتظراً له، كان كمن كان في فسطاط القائم عليه السَّلام» (1) و عن محاسن البرقي أيضاً، عن عبدالحميد الواسطي قال:

«قلت لأبي جعفر عليه السَّلام أصلحك الله و الله لقد تركنا أسواقنا إنتظاراً لهذا الأمر، حتي أوشك الرجل منّا يسأل في يديه، فقال:

يا عبدالحميد، أتري من حبس نفسه علي الله لا يجعل الله له مخرجاً؟ بلي و الله ليجعلن الله له مخرجاً، رحم الله عبداً حبس نفسه علينا، رحم الله عبداً أحيا أمرنا قال:

قلت: فإن متُ قبل أن أدرك القائم، فقال:

القائل منكم إن أدركت القائم من آل محمَّد نصرته كالمقارع معه بسيفه و الشهيد معه له شهادتان» (2). و لعلّ المراد من ترك الأسواق هو ترك ما لا يليق بالمنتظر. و عن إكمال الدين عن عمار الساباطي قال:

«

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع الْعِبَادَةُ مَعَ الْإِمَامِ مِنْكُمُ الْمُسْتَتِرِ فِي السِّرِّ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ أَفْضَلُ أَمِ الْعِبَادَةُ فِي ظُهُورِ الْحَقِّ وَ دَوْلَتِهِ

مَعَ الْإِمَامِ الظَّاهِرِ مِنْكُمْ فَقَالَ يَا عَمَّارُ الصَّدَقَةُ فِي السِّرِّ وَ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي الْعَلَانِيَةِ وَ كَذَلِكَ عِبَادَتُكُمْ فِي السِّرِّ مَعَ إِمَامِكُمُ الْمُسْتَتِرِ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ أَفْضَلُ لِخَوْفِكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ وَ حَالِ الْهُدْنَةِ مِمَّنْ يَعْبُدُ اللَّهَ فِي ظُهُورِ الْحَقِّ مَعَ الْإِمَامِ الظَّاهِرِ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ وَ لَيْسَ الْعِبَادَةُ مَعَ الْخَوْفِ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ مِثْلَ الْعِبَادَةِ مَعَ الْأَمْنِ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ اعْلَمُوا أَنَّ مَنْ صَلَّي مِنْكُمْ صَلَاةً فَرِيضَةً وُحْدَاناً مُسْتَتِراً بِهَا مِنْ عَدُوِّهِ فِي وَقْتِهَا فَأَتَمَّهَا كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ بِهَا خَمْساً وَ عِشْرِينَ صَلَاةً فَرِيضَةً وَحْدَانِيَّةً وَ مَنْ صَلَّي مِنْكُمْ صَلَاةً نَافِلَةً فِي وَقْتِهَا فَأَتَمَّهَا كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ بِهَا عَشْرَ صَلَوَاتٍ نَوَافِلَ وَ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ حَسَنَةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عِشْرِينَ حَسَنَةً وَ يُضَاعِفُ اللَّهُ تَعَالَي حَسَنَاتِ الْمُؤْمِنِ مِنْكُمْ إِذَا أَحْسَنَ أَعْمَالَهُ وَ دَانَ اللَّهَ بِالتَّقِيَّةِ عَلَي دِينِهِ

________

1) بحار الأنوار: ج 52 ص 125.

2) بحار الأنوار: ج 52 ص 126.

156

وَ عَلَي إِمَامِهِ وَ عَلَي نَفْسِهِ وَ أَمْسَكَ مِنْ لِسَانِهِ أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً كَثِيرَةً إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ كَرِيمٌ

قَالَ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَدْ رَغَّبْتَنِي فِي الْعَمَلِ وَ حَثَثْتَنِي عَلَيْهِ وَ لَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَعْلَمَ كَيْفَ صِرْنَا نَحْنُ الْيَوْمَ أَفْضَلَ أَعْمَالًا مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ مِنْكُمُ الظَّاهِرِ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ وَ نَحْنُ وَ هُمْ عَلَي دِينٍ وَاحِدٍ وَ هُوَ دِينُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ؟

فَقَالَ إِنَّكُمْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَي الدُّخُولِ فِي دِينِ اللَّهِ وَ إِلَي الصَّلَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الْحَجِّ وَ إِلَي كُلَّ فِقْهٍ وَ خَيْرٍ وَ إِلَي عِبَادَةِ اللَّهِ سِرّاً مِنْ عَدُوِّكُمْ مَعَ الْإِمَامِ الْمُسْتَتِرِ مُطِيعُونَ لَهُ صَابِرُونَ مَعَهُ مُنْتَظِرُونَ لِدَوْلَةِ الْحَقِّ خَائِفُونَ عَلَي إِمَامِكُمْ وَ عَلَي

أَنْفُسِكُمْ مِنَ الْمُلُوكِ تَنْظُرُونَ إِلَي حَقِّ إِمَامِكُمْ وَ حَقِّكُمْ فِي أَيْدِي الظَّلَمَةِ قَدْ مَنَعُوكُمْ ذَلِكَ وَ اضْطَرُّوكُمْ إِلَي جَذْبِ الدُّنْيَا وَ طَلَبِ الْمَعَاشِ مَعَ الصَّبْرِ عَلَي دِينِكُمْ وَ عِبَادَتِكُمْ وَ طَاعَةِ رَبِّكُمْ وَ الْخَوْفِ مِنْ عَدُوِّكُمْ فَبِذَلِكَ ضَاعَفَ اللَّهُ أَعْمَالَكُمْ فَهَنِيئاً لَكُمْ هَنِيئا

قَالَ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَمَا نَتَمَنَّي إِذًا أَنْ نَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ ع فِي ظُهُورِ الْحَقِّ وَ نَحْنُ الْيَوْمَ فِي إِمَامَتِكَ وَ طَاعَتِكَ أَفْضَلُ أَعْمَالًا مِنْ أَعْمَالِ أَصْحَابِ دَوْلَةِ الْحَقِّ

فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ أَ مَا تُحِبُّونَ أَنْ يُظْهِرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْحَقَّ وَ الْعَدْلَ فِي الْبِلَادِ وَ يُحْسِنَ حَالَ عَامَّةِ النَّاسِ وَ يَجْمَعَ اللَّهُ الْكَلِمَةَ وَ يُؤَلِّفَ بَيْنَ الْقُلُوبِ الْمُخْتَلِفَةِ وَ لَا يُعْصَي اللَّهُ فِي أَرْضِهِ وَ يُقَامَ حُدُودُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَ يُرَدَّ الْحَقُّ إِلَي أَهْلِهِ فَيُظْهِرُوهُ حَتَّي لَا يَسْتَخْفِيَ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْحَقِّ مَخَافَةَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ أَمَا وَ اللَّهِ يَا عَمَّارُ لَا يَمُوتُ مِنْكُمْ مَيِّتٌ عَلَي الْحَالِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا إِلَّا كَانَ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً وَ أُحُداً فَأَبْشِرُوا» (1).

________

1) بحار الأنوار: ج 52 ص 127 128.

157

و عن إكمال الدين عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنِ الرِّضَا ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ شَيْ ءٍ مِنَ الْفَرَجِ فَقَالَ أَ لَيْسَ انْتِظَارُ الْفَرَجِ مِنَ الْفَرَجِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِين (1).

و عن إكمال الدين عن الرضا عليه السّلام :

أَحْسَنَ الصَّبْرَ وَ انْتِظَارَ الْفَرَجِ أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَي وَ ارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ وَ قَوْلَهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَجِي ءُ الْفَرَجُ عَلَي الْيَأْسِ فَقَدْ كَانَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَصْبَرَ مِنْكُم (2).

و عن إكمال الدين،

عن أبي إبراهيم الكوفيّ إلي أن قال:

فقال لي أبو عبدالله عليه السَّلام إلي أن قال : «الْمُنْتَظِرُ لِلثَّانِي عَشَرَ كَالشَّاهِرِ سَيْفَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ص يَذُبُّ عَنْهُ » (3).

عن غيبة الشيخ الطوسي قدّس سرّه عن أبي عبدالله عليه السَّلام قال:

قال رسول الله صلّي الله عليه و آله :

«سَيَأْتِي قَوْمٌ مِنْ بَعْدِكُمْ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَهُ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ كُنَّا مَعَكَ بِبَدْرٍ وَ أُحُدٍ وَ حُنَيْنٍ وَ نَزَلَ فِينَا الْقُرْآنُ فَقَالَ إِنَّكُمْ لَوْ تَحَمَّلُوا لِمَا حُمِّلُوا لَمْ تَصْبِرُوا صَبْرَهُم (4).

عن غيبة النعماني، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السَّلام أنّه قال ذات يوم:

«أَ لَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنَ الْعِبَادِ عَمَلًا إِلَّا بِهِ فَقُلْتُ بَلَي فَقَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ الْإِقْرَارُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ وَ الْوَلَايَةُ لَنَا وَ الْبَرَاءَةُ مِنْ أَعْدَائِنَا يَعْنِي أئمة [الْأَئِمَّةَ خَاصَّةً وَ التَّسْلِيمُ لَهُمْ وَ الْوَرَعُ وَ الِاجْتِهَادُ وَ الطُّمَأْنِينَةُ وَ الِانْتِظَارُ لِلْقَائِمِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ لَنَا دَوْلَةً يَجِي ءُ اللَّهُ بِهَا إِذَا

________

1) بحار الأنوار: ج 52 ص 128.

2) بحار الأنوار: ج 52 ص 129.

3) بحار الأنوار: ج 52 ص 129 و 130.

4) بحار الأنوار: ج 52 ص 129 و 130.

158

شَاءَ ثُمَّ قَالَ مَنْ سُرَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ فَلْيَنْتَظِرْ وَ لْيَعْمَلْ بِالْوَرَعِ وَ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ وَ هُوَ مُنْتَظِرٌ فَإِنْ مَاتَ وَ قَامَ الْقَائِمُ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ أَدْرَكَهُ فَجِدُّوا وَ انْتَظِرُوا هَنِيئاً لَكُمْ أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ الْمَرْحُومَة» (1).

عن غيبة النعماني عن أبي بصير قال:

«قلت لأبي عبدالله عليه السَّلام جُعِلْتُ فِدَاكَ مَتَي الْفَرَجُ فَقَالَ يَا بَا بَصِيرٍ أَنْتَ مِمَّنْ

يُرِيدُ الدُّنْيَا مَنْ عَرَفَ هَذَا الْأَمْرَ فَقَدْ فُرِجَ عَنْهُ بِانْتِظَارِه (2).

و عن تفسير النعماني عن أمير المؤمنين عليه السَّلام أنّه قال:

قال رسول الله صلّي الله عليه و آله :

«يا أبا الحسن، حقيق علي الله أن يدخل أهل الضلال الجنّة و إنّما عني بهذا المؤمنين الذين قاموا في زمن الفتنة علي الائتمام بالإمام الخفيّ المكان، المستور عن الأعيان، فهم بإمامته مقرون و بعروته مستمسكون و لخروجه منتظرون موقنون غير شاكّين، صابرون مسلمون و إنّما ضلّوا عن مكان إمامهم و عن معرفة شخصه» الحديث (3).

و عن إكمال الدين عن علي بن محمَّد بن زياد قال:

كتبت إلي أبي الحسن عليه السَّلام أسألة عن الفرج، فكتب إليّ: «إِذَا غَابَ صَاحِبُكُمْ عَنْ دَارِ الظَّالِمِينَ فَتَوَقَّعُوا الْفَرَج (4).

و عن إكمال الدين عن أبي بصير قال:

«قال الصادق جعفر بن محمَّد عليهما السَّلام في قوله الله عزّ و جلّ «يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْرا» قال:

يعني يوم خروج القائم المنتظر منّا.

ثم قال عليه السّلام :

يا أبا بصير طوبي لشيعة قائمنا، المنتظرين لظهوره في

________

1) بحار الأنوار: ج 52 ص 140.

2) بحار الأنوار: ج 52 ص 142.

3) بحار الأنوار: ج 52 ص 144.

4) بحار الأنوار: ج 52 ص 150.

159

غيبته و المطيعين له في ظهوره اُولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون» (1).

تنبيه

و اعلم أنّ الانتظار ليس بمعني رفض المسؤولية و العمل و التعهد و إحالة ذلك إلي الإمام المهديّ عليه السَّلام لقيام الضرورة علي بقاء التكاليف، هذا مضافاً إلي التصريح في رواية غيبة النعماني و غيرها، بلزوم الالتزام بأمر الله و الولاية للأئمة و البراءة من أعدائهم و

اختيار الورع و الاجتهاد و الطمأنينة، فمن ادعي أنّه من المنتظرين و مع ذلك خالف أمر الله أو تولّي لأعداء الله أو أراد غير الأئمة عليهم السَّلام من الطواغيت و لا يكون من أهل الورع و لا يجتهد في العمل بالدين و ليس له طمأنينة في هذا السبيل و سلب عن نفسه المسؤولية و تكاليفه، فهو من الضالّين المنحرفين و ليس في الحقيقة من المنتظرين و إنّما المنتظر من يصلح نفسه و أصلح الاُمور و ينتظر و يتوقع الفرج، فيما لم يقدر علي اصلاحه فالمنتظر لمقدم مولانا الإمام القائم أرواحنا فداه أتي بما عليه و أعدّ نفسه لنصرة الإمام و لا يزال مراقباً و المراقب هو لذلك سيّما إذا انتظر الفرج صباحاً و مساء، فالمنتظرون هم الجند المجند و المسؤولون المتعهدون و الصالحون المصلحون و من المعلوم أنّ هؤلاء يحتاجون إلي الصبر و المقاومة و أمّا الذين سلبوا عن أنفسهم المسؤولية فلا حاجة لهم إلي الصبر و تعبير رسول الله صلّي الله عليه و آله عن الانتظار بالعبادة يناسب إنتظار هؤلاء المتعهدين لا الذين رفضوا التكاليف و المسؤولية، كما أنّ الانتظار بالمعني المذكور يوجب الفرج عن الضلالة و النجاة عن الانحراف عن المسير بحيث إن ظهر الإمام

________

1) بحار الأنوار: ج 52 ص 149 150.

160

الثاني عشر أرواحنا فداه أمكن له أن يدخل في زمرة ناصريه، فإيمانه بالإمام قبل ظهوره و انتظاره ينفعه عند ظهوره و يصير كما نصّ عليه الإمام الصادق عليه السَّلام من مصاديق قوله تعالي: اُولئك «أَوْلِياء اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ ».

و هؤلاء المنتظرون هم المستحقّون لما ورد من أنّ المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صلّي

الله عليه و آله يذبّ عنه و غير ذلك من الفضائل.

و لقد أوضح ذلك آية الله السيد صدر الدين الصدر قدّس سرّه حيث قال:

«الانتظار هو ترقب حصول الأمر المنتظر و تحقّقه و لا يخفي ما يترتب علي انتظار ظهور المهدي، من الاُمور الإصلاحية الراجعة إلي كلّ إنسان، فضلاً عن الهيئة الإجتماعية سيّما الشيعة الإمامية:

الأول: أنّ الانتظار بنفسه من حيث هو رياضة مهمّة للنفس حتي قيل: الانتظار أشدّ من القتل و لازمة اشغال القوّة المفكرة و توجيه الخيال نحو الأمر المنتظر و هذا ممّا يوجب قهراً أمرين: الأول: قوة المفكّرة ضرورة توجب إزدياد القوي بالأعمال. الثاني: تمكّن الإنسان من جمعها و توجيهها نحو أمر واحد و هذان الأمران من أهمّ ما يحتاج إليها الإنسان في معاده و معاشه.

الثاني: يسهّل وقع المصائب و النوائب و يخفف و طأتها إذا علم الإنسان و عرف أنّها في معرض التدارك و الرفع و شتّان بين مصيبة علم الإنسان تداركها و بين مصيبة لا يعلم ذلك، سيّما إذا احتمل تداركها عن قريب و المهدي عليه السَّلام بظهوره يملأ الأرض قسطاً و عدلاً.

الثالث: لازم الانتظار محبة أن يكون الإنسان من أصحاب المهدي و شيعته، بل من أعوانه و أنصاره و لازم ذلك أن يسعي في إصلاح نفسه و تهذيب أخلاقه، حتّي يكون قابلاً لصحبة المهدي و الجهاد بين يديه، نعم إنّ ذلك يحتاج إلي أخلاق قلّما توجد بيننا اليوم.

161

الرابع: الانتظار كما أنّه يبعث إلي إصلاح النفس بل و الغير، كذلك يكون باعثاً وراء تهيئة المقدمات و المعدات الموجبة لغلبة المهدي علي عدوّه و لازمه تحصيل ما يحتاج إليه من المعارف و العلوم سيّما و قد علم أنّ غلبته علي عدوّه تكون بالأسباب

العاديّة» (1).

ثم إنّ الانتظار أثر الإيمان بمجيء الإمام الثاني عشر، الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً مع كون ظهوره محتمل في كلّ عصر و زمان و صباح و مساء؛ إذ القول بتأخير الظهور مردود بحسب الأخبار، كما أنّ القول بتوقيته كذلك و أمّا ما ذكر من علائم الظهور فهي ليس جميعها من المحتومات، مع أنّ محتوماتها أيضاً قابلة للتغيير كما دلّ عليه بعض الروايات.

هذا مضافاً إلي إمكان و قوعها في زمان قليل، فالانتظار ممكن في كلّ الأحوال؛ إذ ظهوره لا يكون معلقاً بزمان آخر. .

________

1) المهدي: ص 211 212 الطبع الحديث.

10 عقيدتنا في الرجعة

10 عقيدتنا في الرجعة

إنّ الذي تذهب إليه الإمامية أخذاً بما جاء عن آل البيت عليهمالسَّلام أنّ الله تعالي يعيد قوماً من الأموات إلي الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعزّ فيرقاً و يذلّ فريقاً آخر و يديل المحقّين من المبطلين و المظلومين منهم من الظالمين و ذلك عند قيام مهدي آل محمَّد عليه و عليهم أفضل الصلاة و السَّلام.

ولا يرجع إلاّ من علت درجته في الإيمان، أو من بلغ الغاية من الفساد، ثم يصيرون بعد ذلك إلي الموت و من بعده إلي النشور و ما يستحقونه من الثواب أو العقاب كما حكي الله تعالي في قرآنه الكريم تمنّي هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله، أن يخرجوا ثالثاً لعلهم يصلحون: «قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلي خُرُوجٍ مِنْ سَبيلٍ » المؤمن: 11.

نعم قد جاء القرآن الكريم بوقوع الرجعة إلي الدنيا و تظافرت بها الأخبار عن بيت العصمة و الإمامية بأجمعها عليه إلاّ قليلون منهم تأوّلوا ماورد في الرجعة بأنّ معناها رجوع الدولة و الأمر

و النهي إلي آل البيت

163

بظهور الإمام المنتظر من دون رجوع أعيان الأشخاص و إحياء الموتي. و القول بالرجعة يعدّ عند أهل السنّة من المستنكرات التي يستقبح الاعتقاد بها و كان المؤلفون منهم في رجال الحديث يعدّون الاعتقاد بالرجعة من الطعون في الراوي و الشناعات عليه التي تستوجب رفض روايته و طرحها. و يبدو أنّهم يعدّونها بمنزلة الكفر و الشرك بل أشنع، فكان هذا الاعتقاد من أكبر ما تنبز به الشيعة الإمامية و يشنّع به عليهم.

و لا شكّ في أنّ هذا من نوع التهويلات التي تتخذها الطوائف الإسلامية فيما غبر ذريعة لطعن بعضها في بعض و الدعاية ضدّه و لا نري في الواقع ما يبرّر هذا التهويل؛ لأنّ الاعتقاد بالرجعة لا يخدش في عقيدة التوحيد و لا في عقيدة النبوّة، بل يؤكد صحة العقيدتين؛ إذ الرجعة دليل القدرة البالغة لله تعالي، كالبعث و النشر و هي من الاُمور الخارقة للعادة التي تصلح أن تكون معجزة لنبينا و آل بيته صلّي الله عليه و عليهم و هي عيناً معجزة إحياء الموتي التي كانت للمسيح عليه السَّلام بل أبلغ هنا لأنّها بعد أن يصبح الأموات رميماً «قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَميمٌ قُلْ يُحْييهَا الَّذي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَليمٌ » يس: 79.

و أمّا من طعن في الرجعة باعتبار أنّها من التناسخ الباطل؛ فلأنّه لم يفرّق بين معني التناسخ و بين المعاد الجسماني و الرجعة من نوع المعاد الجسماني، فإنّ معني التناسخ هو انتقال النفس من بدن إلي بدن آخر منفصل عن الأول و ليس كذلك معني المعاد الجسماني، فإنّ معناه رجوع نفس البدن الأوّل بمشخصاته النفسية فكذلك الرجعة.

164

و إذا كانت الرجعة تناسخاً فإنّ

إحياء الموتي علي يد عيسي عليه السَّلام كان تناسخاً و إذا كانت الرجعة تناسخاً كان البعث و المعاد الجسماني تناسخاً.

إذن لم يبق إلاّ أن يناقش في الرجعة من جهتين (الاُولي): أنّها مستحيلة الوقوع. (الثانية): كذب الأحاديث الواردة فيها. و علي تقدير صحّة المناقشتين، فإنّه لا يعتبر الاعتقاد بها بهذه الدرجة من الشناعة التي هوّلها خصوم الشيعة. و كم من معتقدات لباقي طوائف المسلمين هي من الاُمور المستحيلة، أو التي لم يثبت فيها نصّ صحيح و لكنّها لم توجب تكفيراً و خروجاً عن الإسلام و لذلك أمثلة كثيرة: منها: الاعتقاد بجواز سهو النبيّ أو عصيانه و منها: الاعتقاد بقدم القرآن و منها: القول بالوعيد و منها: الاعتقاد بأنّ النبيّ لم ينص علي خليفة من بعده.

علي أنّ هاتين المناقشتين لا أساس لهما من الصحة، أمّا أنّ الرجعة مستحيلة فقد قلنا أنّها من نوع البعث و المعاد الجسماني غير أنّها بعث موقوت في الدنيا و الدليل علي إمكان البعث دليل علي إمكانها و لا سبب لاستغرابها إلاّ أنّها أمر غير معهود لنا ألفناه في حياتنا الدنيا. و لا نعرف من أسبابها أو موانعها ما يقرّبها إلي اعترافنا أو يبعدها و خيال الإنسان لا يسهل عليه أن يتقبل تصديق ما لم يألفه و ذلك كمن يستغرب البعث فيقول:

«مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَميمٌ » فيقال له: «يُحْييهَا الَّذي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَليمٌ ».

نعم في مثل ذلك ممّا لا دليل عقلي لنا علي نفيه أو إثباته أو نتخيّل عدم وجود الدليل، يلزمنا الرضوخ إلي النصوص الدينية التي هي مصدر الوحي الإلهي و قد ورد في القرآن الكريم ما يثبت وقوع الرجعة إلي

165

الدنيا لبعض الأموات، كمعجزة عيسي

عليه السَّلام في إحياء الموتي «وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوْتي بِإِذْنِ اللَّهِ » و كقوله تعالي: «أَنَّي يُحْيي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ » و الآية المتقدمة «قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ … » فإنّه لا يستقيم معني هذه الآية بغير الرجوع إلي الدنيا بعد الموت و إن تكلّف بعض المفسّرين في تأويلها بما لا يروي الغليل و لا يحقّق معني الآية.

و أمّا المناقشة الثانية و هي دعوي أنّ الحديث فيها موضوع فإنّه لا وجه لها؛ لأنّ الرجعة من الاُمور الضرورية فيما جاء عن آل البيت من الأخبار المتواترة.

و بعد هذا أفلا تعجب من كاتب شهير يدّعي المعرفة مثل أحمد أمين في كتابه (فجر الإسلام) إذ يقول:

«فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة» فأنا أقول له علي مدّعاه: فاليهودية أيضاً ظهرت في القرآن بالرجعة، كما تقدّم ذكر القرآن لها في الآيات المتقدمة.

و نزيدة فنقول: و الحقيقة أنّه لابدّ أن تظهر اليهودية و النصرانية في كثير من المعتقدات و الأحكام الإسلامية؛ لأنّ النبيّ الأكرم جاء مصدّقاً لما بين يديه، من الشرايع السماوية و إن نسخ بعض أحكامها، فظهور اليهودية أو النصرانية في بعض المعتقدات الإسلامية، ليس عيباً في الإسلام، علي تقدير أنّ الرجعة من الآراء اليهودية كما يدّعيه هذا الكتاب.

و علي كلّ حال فالرجعة ليست من الاُصول التي يجب الاعتقاد بها و النظر فيها و إنّما اعتقدنا بها كان تبعاً للآثار الصحيحة الواردة عن آل

166

البيت عليهم السَّلام الذين ندين بعصمتهم من الكذب و هي من الاُمور الغيبية التي أخبروا عنها و لا يمتنع وقوعها (1) لا كلام في ثبوت الرجعة في الجملة بعد كونها من ضروريات المذهب كما أشار إليه

المصنّف قدّس سرّه و صرّح به غيره كالشيخ الحرّ العاملي قدّس سرّه في الإيقاظ من الهجعة حيث قال:

«إن ثبوت الرجعة من ضروريات مذهب الإمامية عند جميع العلماء المعروفين و المصنفين المشهورين، بل يعلم العامّة أنّ ذلك من مذهب الشيعة» (1) الايقاظ من الهجعة: ص 60. .

و هكذا لا مجال للكلام فيه بعد كون الأخبار الدالّة علي ثبوت الرجعة متواترة جداً كما أشار إليه المصنّف قدّس سرّه أيضاً و صرّح به غيره كالشيخ الحرّ العامليّ فإنّه بعد اختصاص كتابه المذكور بالرجعة و جمع أدلتها فيه، قال في أواخره ص 391: «فهذه جملة من الأحاديث التي حضرتني في هذا الوقت مع ضيق المجال عن التتبع التامّ و قلة وجود الكتب التي يحتاج إليها في هذا المرام و لا ريب في تجاوزها حدّ التواتر المعنوي إلي أن قال : و لعلّ ما لم يصل إلينا في هذا المعني أكثر ممّا وصل إلينا» و كالعلاّمة المجلسي قدّس سرّه حيث قال:

«و إذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أيّ شيء يمكن دعوي التواتر مع ما روته كافّة الشيعة خلفاً عن سلف» (2).

و كالعلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه حيث قال:

«إن الروايات متواترة معني عن أئمة أهل البيت حتّي عدّ القول بالرجعة عند المخالفين من مختصات الشيعة و أئمتهم من لدن الصدر الأوّل» (3).

________

1) لا كلام في ثبوت الرجعة في الجملة بعد كونها من ضروريات المذهب كما أشار إليه المصنّف قدّس سرّه و صرّح به غيره كالشيخ الحرّ العاملي قدّس سرّه في الإيقاظ من الهجعة حيث قال:

«إن ثبوت الرجعة من ضروريات مذهب الإمامية عند جميع العلماء المعروفين و المصنفين المشهورين، بل يعلم العامّة أنّ ذلك من مذهب الشيعة» (1) الايقاظ من الهجعة: ص

60.

2) بحار الأنوار: ج 53 ص 123.

3) تفسير الميزان: ج 2 ص 110.

167

و أمّا الإشكال في إمكان الرجعة فلا وقع له بعد وقوعها في الاُمم السالفة كما نصّ عليه في القرآن الكريم كقوله تعالي:

«أَوْ كَالَّذي مَرَّ عَلي قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلي عُرُوشِها قالَ أَنَّي يُحْيي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلي طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلي حِمارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَ انْظُرْ إِلَي الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلي كُلِّ شَيْ ءٍ قَديرٌ » (1).

و قال في الإيقاظ من الهجعة: «فهذه الآية صريحة، في أنّ المذكور فيها مات مائة سنة ثم أحياه الله و بعثه إلي الدنيا و أحيا حماره و ظاهر القرآن يدلّ علي أنّه من الأنبياء لما تضمّنه من الوحي و الخطاب له و قد وقع التصريح في الأحاديث الآتية بأنّه كان نبياً، ففي بعض الروايات أنّه ارميا النبيّ و في بعضها أنّه عزيز النبيّ عليهما السَّلام و قد روي ذلك العامة و الخاصة» (2).

و كقوله تعالي: «أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ … » (3). قال في الإيقاظ من الهجعة: «و قد روت الأحاديث الآتية و غيرها أنّ المذكورين في هذه الآية كانوا سبعين ألفاً فأماتهم الله مدة طويلة ثم أحياهم فرجعوا إلي الدنيا و عاشوا أيضاً مدة طويلة» (4).

و كقوله تعالي: «يا بَني إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ … إلي قآله :

وَ إِذْ قُلْتُمْ يا

مُوسي لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّي نَرَي اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ ________

1) البقرة: 259.

2) المصدر: ص 79.

3) البقرة: 243.

4) المصدر: ص 78.

168

وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوي كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ … » (1).

و كقوله تعالي: «وَ إِذْ قالَ إِبْراهيمُ رَبِّ أَرِني كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتي قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلي وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلي كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتينَكَ سَعْياً … » (2).

و غير ذلك من الآيات الصريحة، فإنّ أدلّ دليل علي امكان شيء و وقوعه، فيعلم من وقوعها في الاُمم السالفه بطلان ما يتخيل من استحالتها. هذا مضافاً إلي ما أشار إليه في المتن من اختصاص الاستحالة بالتناسخ الذي هو انتقال النفس من بدن إلي بدن آخر منفصل عن الأوّل و الرجعة ليست كذلك لأنّها من نوع المعاد الجسماني و معناه رجوع النفس إلي البدن الأوّل بمشخصاته النفسية و إنّما الفرق بين المعاد و الرجعة أنّ الرجعة عود و رجوع موقوت في الدنيا و المعاد هو عود و رجوع في الآخرة.

علي أنّ الرجعة كالمعاد لا تستلزم عود ما خرج من القوّة إلي الفعل إلي القوّة ثانياً، فإنّ من الجائز أن يستعد الإنسان لكمال موجود في زمان بعد زمان حياته الدنيوية الاُولي فيموت ثم يحيي لحيازة الكمال المعدّ له في الزمان الثاني، أو يستعدّ لكمال مشروط بتخلّل حياة ما في البرزخ فيعود إلي الدنيا بعد استيفاء الشرط، فيجوز علي أحد الفرضين الرجعة إلي الدنيا من غير محذور المحال و تمام الكلام موكول إلي غير هذا المقام (3).

هذا

مضافاً إلي ما أفاد آية الله السيد أبوالحسن الرفيعي قدّس سرّه في رجعة الأئمة عليهم السَّلام بما حاصله: «من أنّ التناسخ هو عود الروح إلي البدن الآخر، مع ما عليه من الفعلية الأوّلية و ضعف الوجود و أمّا رجوع

________

1) البقرة: 57.

2) البقرة: 260.

3) راجع تفسير الميزان: ج 2 ص 110.

169

الروح مع بقاء كماله و جوهريته المخصوصة التي حصلت له بالموت، لتدبير بدن علي نحو أكمل من التدبير السابق، فليس بتناسخ محال، بل الرجوع المذكور كتمثل بعض الملائكة، فإنّهم مع عدم احتياجهم إلي الاستكمال من ناحية البدن المحسوس تمثّلوا في موارد بأمره تعالي في أبدان مخصوصة، كتمثّل جبرئيل بصورة بشر في قصة مريم سلام الله عليها» (1) و بقية الكلام تطلب من مظانّها.

ثم إنّ الرجعة التي تواترات الأخبار بوقوعها في الاُمة الإسلامية، تقع بعد ظهور الإمام المهديّ أرواحنا فداه ثم إنّ المرجوعين هم الأشخاص و ذواتهم لا رجوع أوصافهم و دولتهم، فإنّه أجنبيّ عن صريح الأخبار و حقيقة الرجعة، كما أنّ رجوع الأوصاف لا إختصاص له بآخر الزمان، بل هو أمر واقع من لدن خلقة آدم، فإنّ كلّ نبيّ و وصيّ كان يقوم في مقام نبيّ أو وصيّ سابق، بل أصحابهم أيضاً كانوا يقومون مقام أصحاب الماضين من الأنبياء و الأوصياء (2).

ثم إنّ الأخبار علي طوائف، منها: تدلّ علي رجوع مَن محض الإيمان محضاً و مَن محض الكفر محضاً و عن الشيخ الجليل أمين الدين أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان لعلوم القرآن عند قوله تعالي: «ِ وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِ أُمَّةٍ فَوْجا» أنّه قال:

«قد تظاهرت تلك الأخبار عن أئمة الهدي من آل محمَّد عليهم السَّلام في أن الله سيعيد عند

قيام المهدي عليه السَّلام قوماً ممن تقدم موتهم من أوليائه و شيعته ليفوزوا بثواب نصرته و معونته و يبتهجوا بظهور دولته و يعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم و ينالوا بعض ما يستحقّونه من العذاب و القتل علي أيدي شيعته و الذلّ و الخزيّ بما يشاهدون من علوّ كلمته» (3).

________

1) راجع رساله اثبات رجعت: ص 33.

2) راجع التفصيل في راهنماي دين: ج 2 ص 57 95.

3) الايقاظ من الهجعة: ص 250.

170

و روي في مختصر البصائر عن أبي عبد الله عليه السّلام :

«إنّ الرجعة ليست بعامّة و هي خاصّة، لا يرجع إلاّ مَن محض الإيمان أو محض الشرك محضاَ» (1) و لذا قال العلاّمة المجلسي قدّس سرّه : «و الرجعة عندنا يختصّ بمن محض الإيمان و محض الكفر، دون مَن سوي هذين الفريقين» (2).

و منها: تدلّ علي رجعة رسول الله و الأئمة عليهم السَّلام روي سعد بن عبدالله في مختصر البصائر علي ما نقل عنه الحسن بن سليمان بن خالد عن أحمد بن محمَّد بن عيسي و محمَّد بن الحسين عن البزنطي عن حمّاد بن عثمان عن بكير بن أعين قال:

«قال لي من لا أشك فيه يعني أبا جعفر عليه السّلام :

إنّ رسول الله صلّي الله عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السَّلام سيرجعان» (3).

و عن الصادق عليه السّلام :

« لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِكَرَّتِنَا وَ يَسْتَحِلَّ مُتْعَتَنَا (4) و قد ورد في بعض الزيارات: «إِنِّي مِنَ الْقَائِلِينَ بِفَضْلِكُمْ مُقِرٌّ بِرَجْعَتِكُمْ » (5) و في الزيارة الجامعة: «فَثَبَّتَنِي اللَّهُ أَبَداً مَا حَيِيتُ عَلَي مُوَالاتِكُمْ … وَ جَعَلَنِي مِمَّنْ يَقْتَصُّ آثَارَكُمْ وَ يَسْلُكُ سَبِيلَكُمْ وَ يَهْتَدِي بِهُدَاكُمْ وَ يُحْشَرُ فِي زُمْرَتِكُمْ وَ يَكُرُّ فِي

رَجْعَتِكُمْ» (6) و في زيارة قبر الحسين عليه السّلام :

«أُشْهِدُكُمْ أَنِّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ وَ بِإِيَابِكُمْ مُوقِنٌ » (7) و روي علي بن إبراهيم عن أبيه عن النضر بن سويد عن يحيي الحلبي عن عبدالحميد الطائي عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليهما السَّلام في قوله تعالي: «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرٰادُّكَ إِليٰ مَعٰادٍ قال:

يرجع إليكم نبيكم و أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السَّلام» (8) و إلي غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

________

1) الايقاظ من الهجعة: ص 360.

2) بحار الأنوار: ج 53 ص 137.

3) الايقاظ من الهجعة: ص 379.

4) المصدر: ص 300.

5) المصدر: ص 301.

6) المصدر: ص 303.

7) المصدر: ص 306.

8) الايقاظ من الهجعة: ص 343 344.

171

و منها: تدلّ علي بعض أشخاص الأئمة عليهم السَّلام كأمير المؤمنين. روي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن عمير عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السَّلام في ضمن حديث «أنّ رسول الله صلّي الله عليه و آله قال لعلي عليه السّلام :

يا علي، إذا كان في آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة و معك ميسم تسمّ به اعداءك» (1) و كحسين بن علي عليهما السَّلام روي في مختصر البصائر علي ما نقل عنه عن عمر بن عبدالعزيز عن جميل بن دراج عن المعلّي بن خنيس و زيد الشحام عن أبي عبدالله عليه السَّلام قال:

«سمعناه يقول:

أوّل من تكرّ في رجعته الحسين بن علي عليه السَّلام يمكث في الأرض حتّي يَسْقُطَ حَاجِبَاهُ عَلَي عَيْنَيْهِ » (2) و إلي غير ذلك من الأخبار.

و منها: تدلّ علي رجعة الأنبياء روي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبدالله بن مسكان عن أبي عبدالله عليه السَّلام في

قوله تعالي: «َ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِه وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قال:

ما بعث الله نبياً من لدن آدم و هلمّ جراً إلاّ و يرجع إلي الدنيا فينصر رسول الله صلّي الله عليه و آله و أمير المؤمنين» الحديث (3).

و منها: تدلّ علي رجعة بعض الخواصّ من الشيعة، روي الشيخ الطوسي قدّس سرّه في كتاب الغيبة عن الفضل بن شاذان عن محمَّد بن علي عن جعفر بن بشير عن خالد أبي عمارة عن المفضل بن عمر قال:

«ذكرنا القائم عليه السَّلام و من مات من أصحابنا ينتظره، فقال لنا أبو عبدالله عليه السّلام :

ذَكَرْنَا الْقَائِمَ عليه السَّلام وَ مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِنَا يَنْتَظِرُهُ فَقَالَ لَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السَّلام :

إِذَا قَامَ أُتِيَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ فَيُقَالُ لَهُ يَا هَذَا إِنَّه قَدْ ظَهَرَ صَاحِبُكَ

________

1) الايقاظ من الهجعة: ص 257.

2) الايقاظ من الهجعة: ص 358.

3) الايقاظ من الهجعة: ص 332.

172

فَإِنْ تَشَأْ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ فَالْحَقْ وَ إِنْ تَشَأْ أَنْ تُقِيمَ فِي كَرَامَةِ رَبِّكَ فَأَقِم (1).

و منها: تدلّ علي أنّ لعلي عليه السَّلام كرّات و رجعات، روي عن مختصر البصائر عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السَّلام قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السَّلام … وَ إِنَّ لِيَ الْكَرَّةَ بَعْدَ الْكَرَّةِ، وَ الرَّجْعَةَ بَعْدَ الرَّجْعَةِ، وَ أَنَا صَاحِبُ الرَّجَعَاتِ وَ الْكَرَّاتِ، وَ صَاحِبُ الصَّوْلَاتِ وَ النَّقِمَاتِ، وَ الدُّولَاتِ الْعَجِيبَاتِ و أنا دابّة الأرض و أنا صَاحِب الْعَصَا وَ الْمِيسَم الحديث (2). و إلي غير ذلك من أصناف أخبار الباب.

ثم إن الرجعة و إن كانت من حيث هي مما لا دليل عقلي علي نفيه و إثبات و

لكن يمكن إقامة الدليل العقلي علي إثبات رجعة الأئمة عليهم السَّلام فيما إذا خلت الأرض عن الحجّة بن الحسن عليه السَّلام إن أمكن ذلك كما أشير إليه في بعض الأخبار فإنّ برهان اللطف حينئذٍ يحكم بالرجعة بعد فرض عدم تجاوز عدد الأئمة عن اثني عشر، كما لا يخفي، هذا مضافاً إلي ما في رسالة إثبات الرجعة لآية الله السيد أبي الحسن الرفيعي قدّس سرّه فراجع (3). و مما ذكر يظهر وجوب الاعتقاد بها عقلاً في ذلك الفرض مع قطع النظر عن أخبار الرجعة فلا تغفل. .

________

1) الايقاظ من الهجعة: ص 271.

2) الايقاظ من الهجعة: ص 366 367.

3) اثبات رجعت: ص 7 22.

11 عقيدتنا في التقية

11 عقيدتنا في التقية

روي عن صادق آل البيت عليه السَّلام في الأثر الصحيح: «التَّقِيَّةَ دِينِي وَ دِينُ آبَائِي » و «مَنْ لَا تَقِيَّةَ لَهُ لَا دِينَ لَهُ ». و كذلك هي لقد كانت شعاراً لآل البيت عليهم السَّلام دفعاً للضرر عنهم و عن أتباعهم و حقنا لدمائهم و استصلاحاً لحال المسلمين و جمعاً لكلمتهم و لمّاً لشعثهم.

و ما زالت سمة تعرف بها الإمامية دون غيرها، من الطوائف و الاُمم و كلّ إنسان إذا أحسّ بالخطر علي نفسه أو ماله بسبب نشر معتقده أو التظاهر به، لابدّ أن يتكتّم و يتّقي في مواضع الخطر. و هذا أمر تقتضيه فطرة العقول و من المعلوم أنّ الإمامية و أئمتهم لاقوا من ضروب المحن و صنوف الضيق علي حرّياتهم في جميع العهود، إلي استعمال التقية، بمكاتمة المخالفين لهم و ترك مظاهرتهم و ستر اعتقاداتهم و أعمالهم المختصّة بهم عنهم، لما كان يعقب ذلك من الضرر في الدين و الدنيا و لهذا السبب امتازوا (بالتقية) و عرفوا بها

دون سواهم.

174

و للتقية أحكام من حيث و جوبها و عدم و جوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهيّة. و ليست هي بواجبة علي كلّ حال، بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الأحوال، كما إذا كان في إظهار الحقّ و التظاهر به نصرة للدين و خدمة للإسلام و جهاد في سبيله، فإنّه عند ذلك يستهان بالأموال و لا تعزّ النفوس.

و قد تحرم في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة، أو رواجاً للباطل أو فساداً في الدين أو ضرراً بالغاً علي المسلمين بإضلالهم أو إفشاء الظلم و الجور فيهم.

و علي كلّ حال ليس معني التقية عند الإمامية أنّها تجعل منهم جمعية سرّية لغاية الهدم و التخريب كما يريد أن يصوّرها بعض أعدائهم غير المتورّعين في إدراك الاُمور علي وجهها و لا يكلّفون أنفسهم فهم الرأي الصحيح عندنا. كما أنّه ليس معناها أنّها تجعل الدين و أحكامه سرّاً من الأسرار، لا يجوز أن يذاع لمن لا يدين به، كيف و كتب الإمامية و مؤلفاتهم فيما يخصّ الفقه و الأحكام و مباحث الكلام و المعتقدات، قد ملأت الخافقين و تجاوزت الحدّ الذي ينتظر من أيّة اُمة تدين بدينها.

بلي، إنّ عقيدتنا في التقيّة قد استغلّها من أراد التشنيع علي الإمامية، فجعلوها من جملة المطاعن فيهم و كأنهم كان لا يشفي غليلهم إلاّ أن تقدّم رقابهم إلي السيوف، لاستئصالهم عن آخرهم في تلك العصور التي يكفي فيها أن يقال هذا رجل شيعي ليلاقي حتفه علي يد أعداء آل البيت، من الامويّين و العباسيّين، بل العثمانيّين.

175

و إذا كان طعن من أراد أن يطعن يستند إلي زعم عدم مشروعيتها من ناحية دينية فإنّا نقول له:

«أولاً»

إنّا متبعون لأئمتنا عليهم السَّلام و نحن نهتدي بهداهم و هم أمرونا بها و فرضوها علينا وقت الحاجة و هي عندهم من الدين و قد سمعت قول الصادق عليه السّلام :

«مَنْ لَا تَقِيَّةَ لَهُ لَا دِينَ لَهُ ».

و «ثانياً»: قد ورد تشريعها في نفس القرآن الكريم ذلك قوله تعالي:

«إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمانِ »، النحل: 106 و قد نزلت هذه الآية في عمّار بن ياسر الذي التجأ إلي التظاهر بالكفر خوفاً من أعداء الإسلام و قوله تعالي: «إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً» آل عمران: 28.

«وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إيمانَهُ » المؤمن: 28 (1) و لا يخفي عليك أنّ التقيّة قد تكون خوفاً من الضرر علي نفس المتقي أو عرضه أو ماله أو ما يتعلق به أو علي نفس غيره من المؤمنين، أو علي حوزة الإسلام، لأجل تفريق كلمتهم و قد تكون التقيّة مداراة من دون خوف و ضرر فعلي، بأن يكون المقصود منها هو جلب مودة العامّة و التحبيب بيننا و بينهم و لعلّ المصنّف أشار إلي الأوّل حيث قال:

«و كذلك هو لقد كانت شعاراً لآل البيت عليهم السَّلام دفعاً للضرر عنهم و عن أتباعهم و حقناً لدمائهم» و أشار إلي الثاني حيث قال:

«و استصلاحاً لحال المسلمين و جمعاً لكلمتهم و لمّا لشعثهم» و لكن الظاهر من ملاحظة تمام العبادة أنّه بصدد بيان القسم الأوّل فإنّ الاستدلال له بمثل أنّ الكتم و الاتقاء في مواضع الخطر من فطرة العقول يشهد علي أنّ مقصوده هو القسم الأوّل.

اللّهم إلاّ أن يقال:

إنّ ترك المداراة مع العامّة و هجرهم في المعاشرة في

176

بلادهم و إن لم يكن مقارناً بالخوف و الضرر الفعلي و لكن

ينجرّ غالباً إلي حصول المباينة الموجبة للتضرر منهم و عليه فيشمل التقيّة المداراتية أيضاً و كيف كان فما دلّ علي التقية المداراتية، خبر هشام الكندي قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ:

إِيَّاكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا عَمَلًا نُعَيَّرُ بِهِ فَإِنَّ وَلَدَ السَّوْءِ يُعَيَّرُ وَالِدُهُ بِعَمَلِهِ كُونُوا لِمَنِ انْقَطَعْتُمْ إِلَيْهِ زَيْناً وَ لَا تَكُونُوا عَلَيْهِ شَيْناً صَلُّوا فِي عَشَائِرِهِمْ وَ عُودُوا مَرْضَاهُمْ وَ اشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ وَ لَا يَسْبِقُونَكُمْ إِلَي شَيْ ءٍ مِنَ الْخَيْرِ فَأَنْتُمْ أَوْلَي بِهِ مِنْهُمْ وَ اللَّهِ مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْ ءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْخَبْ ءِ قُلْتُ وَ مَا الْخَبْ ءُ قَالَ التَّقِيَّةُ» (1)؛

إذ الظاهر منها الترغيب إلي العمل موافقاً لآرائهم و إلي الاتيان بالصلاة مع عشائرهم و كذا غيرها من الخيرات و من المعلوم أنّ العمل معهم موافقاً لهم مستلزم لترك بعض الأجزاء و الشرائط و ليس ذلك إلاّ للتقية المداراتية.

ثم إنّ التقية محكومة بالأحكام الخمسة، قال الشيخ الأعظم الأنصاري قدّس سرّه : «أمّا الكلام في حكمها التكليفي فهو أنّ التقية تنقسم إلي الأحكام الخمسة، فالواجب منها: ما كان لدفع الضرر الواجب فعلاً و أمثلته كثيرة.

و المستحب: ما كان فيه التحرز عن معارض الضرر، بأن يكون تركه مفضياً تدريجاً إلي حصول الضرر كترك المداراة مع العامّة و هجرهم في المعاشرة في بلادهم، فإنّه ينجرّ غالباً إلي حصول المباينة الموجبة لتضرره منهم.

و المباح: ما كان التحرز عن الضرر و فعله مساوياً في نظر الشارع، كالتقيّة في إظهار كلمة الكفر علي ما ذكره جمع من الأصحاب و يدلّ عليه الخبر الوارد في رجلين اُخذا بالكوفة و اُمرا بسبّ أمير المؤمنين عليه السَّلام.

________

1) الوسائل: ج 11 ص 471 ح 2.

177

و المكروه: ما كان تركها و تحمّل الضرر أولي من فعله، كما ذكر

بعضهم في إظهار كلمة الكفر و إنّ الأولي تركها ممّن يقتدي به الناس إعلاء لكلمة الإسلام و المراد بالمكروه حينئذٍ ما يكون ضده أفضل.

و المحرّم منه: ما كان في الدماء» (1) قال الشهيد الثاني قدّس سرّه في القواعد: «و الحرام التقية حيث يؤمن الضرر عاجلاً و آجلاً أو في قتل مسلم» (2) و يشهد له ما في صحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السَّلام قال:

««إِنَّمَا جُعِلَتِ التَّقِيَّةُ لِيُحْقَنَ بِهَا الدَّمُ، فَإِذَا بَلَغَ الدَّمَ فَلَيْسَ تَقِيَّة» (3).

ثم إنّ الظاهر عدم انحصار موارد حرمة التقية بما ذكر، بل تحرم التقيّة فيما إذا كانت التقية موجبة للفساد في الدين، كما يشهد له موثقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله عليه السَّلام في حديث … و تفسير ما يتقي مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم و فعلهم علي غير حكم الحقّ و فعله، فكل شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة مما لا يؤدي إلي الفساد في الدين فإنّه جائز (4).

هذا مضافاً إلي ما أفاده السيّد المجاهد آية الله العظمي الإمام الخميني قدّس سرّه من أنّ تشريع التقيّة لبقاء المذهب و حفظ الاُصول و جمع شتات المسلمين لإقامة الدين و اُصوله، فإذا بلغ الأمر إلي هدمها فلا تجوز التقية و لذا ذهب إلي عدم جواز التقية فيما إذا كان أصل من اُصول الإسلام أو المذهب أو ضروريٍّ من ضروريات الدين في معرض الزوال و الهدم و التغيير، كما لو أراد المنحرفون الطغاة تغيير أحكام الإرث و الطلاق و الصلاة و الحج و غيرها، من اُصول الأحكام فضلاً عن اُصول الدين أو المذهب.

________

1) رسالة في التقية: ص 320 من المكاسب المطبوع في تبريز.

2) راجع رسالة في التقية للشيخ

الأعظم: ص 320.

3) الوسائل: ج 11 ص 483 ح 1.

4) الوسائل: ج 11 ص 469 ح 6.

178

بل ذهب فيما إذا كان بعض المحرّمات و الواجبات في نظر الشارع في غاية الأهميّة كهدم الكعبة و المشاهد المشرّفة بنحو يمحو الأثر و لا يرجي عوده و غيرها من عظائم المحرّمات، إلي استبعاد التقية عن مذاق الشرع غاية الاستبعاد و قال:

فهل تري من نفسك إن عرض علي مسلم تخريب بيت الله الحرام و قبر رسول الله صلّي الله عليه و آله أو الحبس شهراً أو شهرين أو أخذ مائة أو مائتين منه، يجوز له ذلك تمسّكاً بدليل الحرج و الضرر.

ثم استظهر الرجوع في أمثال تلك العظائم إلي تزاحم المقتضيات من غير توجّه إلي حكومة تلك الأدلّة علي أدلتها و الحقّ بذلك ما إذا كان المتّقي ممّن له شأن و أهمية في نظر الخلق، بحيث يكون ارتكابه لبعض المحرّمات تقية، أو تركه لبعض الواجبات مما يعدّ موهناً للمذهب و هاتكاً لحرمته، كما لو اُكره علي شرب المسكر و الزنا مثلاً فإنّ جواز التقية في مثله تشبثاً بحكومة دليل الرفع و أدلّة التقية، مشكل بل ممنوع (1). هذه جملة من الموارد التي استثنيت من أدلّة التقية و بقية الكلام في محله و كيف فالدليل علي وجوب التقية فيما إذا كانت واجبة هو عمومات التقية التي أشار إليها المصنّف (2).

هذا مضافاً إلي أدلّة نفي الضرر و حديث رفع عن اُمتي تسعة أشياء و منها: ما اضطروا إليه.

قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه : «ثم الواجب منها يبيح كلّ محظور من فعل الحرام أو ترك الواجب و الأصل في ذلك أدلّة نفي الضرر و حديث رفع عن اُمتي تسعة أشياء و منها: ما

اضطروا إليه، مضافاً إلي عمومات التقية مثل قوله في الخبر: أن التقية واسعة ليس شيء من التقية إلاّ و صاحبها مأجور و غير ذلك

________

1) الرسائل: ص 177 178.

2) راجع الوسائل: ج 11، الباب 25 من ابواب الامر و النهي ص 468.

179

من الأخبار المتفرّقة في خصوص الموارد و جميع هذه الأدلّة حاكمة علي أدلّة الواجبات و المحرّمات، فلا يعارض بها شيء منها حتّي يلتمس الترجيح و يرجع إلي الاُصول بعد فقده كما زعمه بعض في بعض موارد هذه المسألة» (1).

والدليل علي التقية فيما إذا كانت مستحبّة هو ما عرفت من صحيحة هشام بن الحكم و لذا قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه: «و أمّا المستحب من التقية فالظاهر وجوب الاقتصار فيه علي مورد النصّ و قد ورد النصّ بالحث علي المعاشرة مع العامّة و عيادة مرضاهم و تشييع جنائزهم و الصلاة في مساجدهم و الأذان لهم، فلا يجوز التعدّي عن ذلك إلي ما لم يرد النصّ من الأفعال المخالفة للحق، كذمّ بعض رؤساء الشيعة، للتحبيب إليهم» (2) و لكن مرّ عن الشهيد في قواعده من أنّه جعل المستحب من التقية فيما إذا كان لا يخاف ضرراً عاجلاً و يتوهم ضرراً آجلاً أو ضرراً سهلاً، أو كان تقيته في المستحب كالترتيب في تسبيح الزهراء صلوات الله عليها و ترك بعض فصول الأذان و مقتضاه هو عدم الاقتصار فيه علي مورد النص فافهم.

و أمّا المباح و المكروه، فقد قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه : «إن الكراهة أو الإباحة خلاف عمومات التقية فيحتاج إلي الدليل الخاص» (3) و قد أطلت الكلام و مع ذلك بقي الكلام و عليك بالمراجعة إلي المطولات، كالرسالة في التقية للشيخ الأعظم قدّس سرّه و الرسائل

للسيّد المجاهد آية الله العظمي الإمام الخميني قدّس سرّه و لله الحمد. .

________

1) رسالة في التقية: ص 320 من المكاسب المطبوعة في تبريز.

2) رسالة في التقية: ص 320 من المكاسب المطبوعة في تبريز.

3) رسالة في التقية: ص 320 من المكاسب المطبوعة في تبريز.

الفصل الرابع ما أدَّب به آل البيت شيعتهم

المدخل

الفصل الرابع ما أدَّب به آل البيت شيعتهم

ما أدَّب به آل البيت شيعتهم

1 عقيدتنا في الدعاء

2 أدعية الصحيفة السجادية

3 عقيدتنا في زيارة القبور

4 عقيدتنا في معني التشيع عند آل البيت

5 عقيدتنا في الجور و الظلم

6 عقيدتنا في التعاون مع الظالمين

7 عقيدتنا في الوظيفة في الدولة الظالمة

8 عقيدتنا في الدعوة إلي الوحدة الإسلامية

9 عقيدتنا في حقّ المسلم علي المسلم

181

تمهيد (1):

إنّ الأئمة من آل البيت عليهم السَّلام علموا من ذي قبل أنّ دولتهم لن تعود إليهم في حياتهم و أنّهم و شيعتهم سيبقون تحت سلطان غيرهم ممن يري ضرورة مكافحتهم بجميع وسائل العنف و الشدة.

فكان من الطبيعي من جهة أن يتخذوا التكتم «التقية» ديناً و ديدناً لهم و لأتباعهم، ما دامت التقية تحقن من دمائهم و لا تسيء إلي الآخرين و لا إلي الدين، ليستطيعوا البقاء في هذا الخضم العجاج بالفتن و الثائر علي آل البيت بالإحن.

و كان من اللازم بمقتضي إمامتهم من جهة اُخري أن ينصرفوا إلي تلقين أتباعهم أحكام الشريعة الإسلامية و إلي توجيههم توجيهاً دينياً صالحاً و إلي أن يسلكوا بهم مسلكاً اجتماعياً مفيداً، ليكونوا مثال المسلم الصحيح (العادل).

1) و لا يخفي علي القاريء الكريم أنّ هذا الفصل يكون لبيان ما أدّب به آل البيت شيعتهم و حيث لامساس له باُصول العقائد لم اُعلّق عليه في هذا المجال و إن كان بعض ما ذكر في هذا الفصل منظوراً فيه و لعلّ

الله أن يرزقني ذلك في مجال آخر.

182

و طريقة آل البيت في التعليم لا تحيط بها هذه الرسالة و كتب الحديث الضخمة متكفلة بما نشروه من تلك المعارف الدينيّة، غير أنّه لا بأس أن نشير هنا إلي بعض ما يشبه أن يدخل في باب العقائد فيما يتعلق بتأديبهم لشيعتهم، بالآداب التي تسلك بهم المسلك الاجتماعي المفيد و تقرّبهم زلفي إلي الله تعالي و تطهّر صدورهم من درن الآثام و الرذائل و تجعل منهم عدولاً صادقين. و قد تقدّم الكلام في (التقية) التي هي من تلك الآداب المفيدة اجتماعياً لهم و نحن ذاكرون هنا بعض ما يعن لنا من هذه الآداب.

1 عقيدتنا في الدعاء

1 عقيدتنا في الدعاء

قال النبيّ صلّي الله عليه و آله :

«الدعاء سلاح المؤمن و عمود الدين و نور السّماوات و الأرض» و كذلك هو، أصبح من خصائص الشيعة التي امتازوا بها و قد ألفوا في فضله و آدابه و في الأدعية المأثورة عن آل البيت ما يبلغ عشرات الكتب من مطولة و مختصرة. و قد أودع في هذه الكتب ما كان يهدف إليه النبيّ و آل بيته صلّي الله عليه و سلّم من الحثّ علي الدعاء و الترغيب فيه. حتّي جاء عنهم «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ الدُّعَاءُ » و «َّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَي اللَّهِ عزّوجلّ في الأرض الدعاء» بل ورد عنهم «أنّ الدعاء يردّ القضاء و البلاء» و «أنّه شفاء من كلّ داء».

و قد ورد أنّ «أمير المؤمنين» صلوات الله عليه كان رجلاً «دعّاء»، أي كثير الدعاء. و كذلك ينبغي أن يكون و هو سيد الموحدين و إمام الإلهيين. و قد جاءت أدعيته كخطبه آية من آيات البلاغة العربية كدعاء كميل بن زياد المشهور و قد تضمّنت من

المعارف الإلهية و التوجيهات الدينيّة ما يصلح أن تكون منهجاً رفيعاً للمسلم الصحيح.

184

و في الحقيقة أنّ الأدعية الواردة عن النبيّ و آل بيته عليهم الصلاة و السَّلام خير منهج للمسلم إذا تدبّرها تبعث في نفسه قوّة الإيمان و العقيدة و روح التضحية في سبيل الحق و تعرّفه سرّ العبادة، ولذّة مناجاة الله تعالي و الانقطاع إليه و تلقّنه ما يجب علي الإنسان أن يعلمه لدينه و ما يقرّبه إلي الله تعالي زلفي و يبعده عن المفاسد و الأهواء و البدع الباطلة. و بالاختصار أنّ هذه الأدعية قد اُودعت فيها خلاصة المعارف الدينيّة من الناحية الخلقية و التهذيبية للنفوس و من ناحية العقيدة الإسلامية، بل هي من أهمّ مصادر الآراء الفلسفية و المباحث العلميّة في الالهيات و الأخلاقيات.

ولو استطاع الناس و ما كلّهم بمستطعين أن يهتدوا بهذا الهدي الذي تثيره هذا الأدعية في مضامينها العالية، لما كنت تجد من هذه المفاسد المثقلة بها الأرض أثراً و لحلّقت هذه النفوس المكبّلة بالشرور في سماء الحقّ حرّة طليقة و لكن أنّي للبشر أن يصغي إلي كلمة المصلحين و الدعاة الي الحق و قد كشف عنهم قوله تعالي:

«إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ » « وَ ما أَكْثَرُ النَّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ».

نعم إن ركيزة السوء في الإنسان اغتراره بنفسه و تجاهله لمساوئه و مغالطته لنفسه في أنّه يحسن صنعاً فيما أتخذ من عمل: فيظلم و يتعدّي و يكذب و يراوغ و يطاوع شهواته ما شاء له هواه و مع ذلك يخادع نفسه أنّه لم يفعل إلاّ ما ينبغي أن يفعل، أو يغضّ بصره متعمّداً عن قبيح ما يصنع و يستصغر خطيئته في عينه. و هذه الأدعية المأثورة التي تستمد من

منبع الوحي تجاهد أن تحمل الإنسان علي الاختلاء بنفسه و التجرّد إلي الله تعالي، لتلقّنه الاعتراف بالخطأ و أنّه المذنب الذي يجب عليه

185

الانقطاع إلي الله تعالي لطلب التوبة و المغفرة و لتلمّسه مواقع الغرور و الاجترام في نفسه، مثل أن يقول الداعي من دعاء كميل بن زياد:

«إِلَهِي وَ مَوْلَايَ أَجْرَيْتَ عَلَيَّ حُكْماً اتَّبَعْتُ فِيهِ هَوَي نَفْسِي وَ لَمْ أَحْتَرِسْ فيه مِنْ تَزْيِينِ عَدُوِّي فَغَرَّنِي بِمَا أَهْوَي وَ أَسْعَدَهُ عَلَي ذَلِكَ الْقَضَاءُ فَتَجَاوَزْتُ بِمَا جَرَي عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ نَقْضِ حُدُودِكَ وَ خَالَفْتُ بَعْضَ أَوَامِرِكَ ».

و لا شكّ أنّ مثل هذا الاعتراف في الخلوة أسهل علي الإنسان من الاعتراف علانية مع الناس و إن كان من أشقّ أحوال النفس أيضاَ. و إن كان بينه و بين نفسه في خلواته و لو تمّ ذلك للإنسان فله شأن كبير في تخفيف غلواء نفسه الشريرة و ترويضها علي طلب الخير. و من يريد تهذيب نفسه لابدّ أن يصنع لها هذه الخلوة و التفكير فيها بحرّية لمحاسبتها و خير طريق لهذه الخلوة و المحاسبة أن يواظب علي قراءة هذه الأدعية المأثورة التي تصل بمضامينها إلي أغوار النفس، مثل أن يقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي رضوان الله تعالي عليه : «أي رب، جلّلني بسترك و اعف عن توبيخي بكرم وجهك». فتأمّل كلمة «جلّلني» فإنّ فيها ما يثير في النفس رغبتها في كتم ما تنطوي عليه من المساويء، ليتنبّه الإنسان إلي هذه الدخيلة فيها و يستدرجه إلي أن تعرف بذلك حين يقرأ بعد ذلك: «فلو أطلع اليوم علي ذنبي غيرك ما فعلته و لو خفت تعجيل العقوبة لا جتنبته». و هذا الاعتراف بدخيلة النفس و انتباهه إلي الحرص علي كتمان ما

186

عنده

من المساويء يستثيران الرغبة في طلب العفو و المغفرة من الله تعالي، لئلا يفتضح عند الناس لو أراد الله أن يعاقبه في الدنيا أو الآخرة علي أفعاله، فيلتذّ الإنسان ساعتئذٍ بمناجاة السر و ينقطع إلي الله تعالي و يحمده أنّه حلم عنه و عفا عنه بعد المقدرة فلم يفضحه؛ إذ يقول في الدعاء بعد ما تقدم:

«فلك الحمد علي حلمك بعد علمك و علي عفوك بعد قدرتك».

ثم يوحي الدعاء إلي النفس سبيل الاعتذار عمّا فرط منها علي أساس ذلك الحلم و العفو منه تعالي، لئلا تنقطع الصلة بين العبد و ربّه و لتلقين العبد أنّ عصيانه ليس لنكران الله و استهانة بأوامره إذ يقول:

«و يحملني و يجزئني علي معصيتك حلمك عنّي و يدعوني إلي قلّة الحياء سترك عليّ. و يسرعني إلي التوثّب علي محارمك معرفتي بسعة رحمتك و عظيم عفوك».

و علي أمثال هذا النمط تنهج الأدعية في مناجاة السرّ، لتهذيب النفس و ترويضها علي الطاعات و ترك المعاصي. و لا تسمح الرسالة هذه بتكثير النماذج من هذا النوع. و ما أكثرها.

و يعجبني أن اُؤرد بعض النماذج من الأدعية الواردة باُسلوب الاحتجاج مع الله تعالي لطلب العفو و المغفرة، مثل ما تقرأ في دعاء كميل بن زياد:

«وَ لَيْتَ شَعْرِي يَا سَيِّدِي وَ إِلَهِي وَ مَوْلَايَ أَ تُسَلِّطُ النَّارَ عَلَي وُجُوهٍ خَرَّتْ لِعَظَمَتِكَ سَاجِدَةً وَ عَلَي أَلْسُنٍ نَطَقَتْ بِتَوْحِيدِكَ صَادِقَةً وَ بِشُكْرِكَ مَادِحَةً وَ عَلَي قُلُوبٍ اعْتَرَفَتْ بِإِلَهِيَّتِكَ مُحَقِّقَةً وَ عَلَي ضَمَائِرَ حَوَتْ مِنَ

187

الْعِلْمِ بِكَ حَتَّي صَارَتْ خَاشِعَةً وَ عَلَي جَوَارِحَ سَعَتْ إِلَي أَوْطَانِ تَعَبُّدِكَ طَائِعَةً وَ أَشَارَتْ بِاسْتِغْفَارِكَ مُذْعِنَةً ً مَا هَكَذَا الظَّنُّ بِكَ وَ لَا أُخْبِرْنَا بِفَضْلِكَ».

كرّر قراءة هذا الفقرات و تأمّل في لطف هذا الاحتجاج

و بلاغته و سحر بيانه، فهو في الوقت الذي يوحي للنفس الاعتراف بتقصيرها و عبوديتها، يلقّنها عدم اليأس من رحمة الله تعالي و كرمه، ثم يكلّم النفس بابن عمّ الكلام و من طرف خفي لتلقينها واجباتها العليا؛ إذ يفرض فيها أنّها قد قامت بهذه الواجبات كاملة، ثم يعلّمها أنّ الإنسان بعمل هذه الواجبات يستحق التفضل من الله بالمغفرة و هذا ما يشوق المرء إلي أن يرجع إلي نفسه فيعمل ما يجب أن يعمله إن كان لم يؤد تلك الواجبات.

ثم تقرأ اُسلوباً آخر من الاحتجاج من نفس الدعاء:

«فهبني يا إلهي و سيدي و ربي صبرت علي عذابك فكيف أصبر علي فراقك؟ ! و هبني يا إلهي صبرت علي حرّ نارك فكيف أصبر عن النظر إلي كرامتك؟ !».

و هذا تلقين للنفس بضرورة الالتذاذ بقرب الله تعالي و مشاهدة كرامته و قدرته، حبّاً له و شوقاً إلي ما عنده و بأنّ هذا الالتذاذ ينبغي أن يبلغ من الدرجة علي وجه يكون تأثير تركه علي النفس أعظم من العذاب و حرّ النار، فلو فرض أنّ الإنسان تمكّن من أن يصبر علي حرّ النار فإنّه لا يتمكن من الصبر علي هذا الترك، كما تفهّمنا هذه الفقرات أنّ هذا الحبّ و الالتذاذ بالقرب من المحبوب المعبود خير شفيع للمذنب عندالله لأن يعفو و يصفح عنه. و لا يخفي لطف هذا النوع من التعجب و التملّق إلي

188

الكريم الحليم قابل التوب و غافر الذنب. و لا بأس في أن نختم بحثنا هذا بايراد دعاء مختصر جامع لمكارم الأخلاق و لما ينبغي لكلّ عضو من الإنسان و كلّ صنف منه أن يكون عليه من الصفات المحمودة: «

اللَّهُمَ ارْزُقْنَا تَوْفِيقَ الطَّاعَةِ وَ بُعْدَ الْمَعْصِيَةِ وَ

صِدْقَ النِّيَّةِ وَ عِرْفَانَ الْحُرْمَةِ وَ أَكْرِمْنَا بِالْهُدَي وَ الِاسْتِقَامَةِ وَ سَدِّدْ أَلْسِنَتَنَا بِالصَّوَابِ وَ الْحِكْمَةِ وَ امْلَأْ قُلُوبَنَا بِالْعِلْمِ وَ الْمَعْرِفَةِ وَ طَهِّرْ بُطُونَنَا مِنَ الْحَرَامِ وَ الشُّبْهَةِ وَ اكْفُفْ أَيْدِيَنَا عَنِ الظُّلْمِ وَ السَّرِقَةِ وَ اغْضُضْ أَبْصَارَنَا عَنِ الْفُجُورِ وَ الْخِيَانَةِ وَ اسْدُدْ أَسْمَاعَنَا عَنِ اللَّغْوِ وَ الْغِيبَةِ وَ تَفَضَّلْ عَلَي عُلَمَائِنَا بِالزُّهْدِ وَ النَّصِيحَةِ وَ عَلَي الْمُتَعَلِّمِينَ بِالْجَهْدِ وَ الرَّغْبَةِ وَ عَلَي الْمُسْتَمِعِينَ بِالاتِّبَاعِ وَ الْمَوْعِظَةِ وَ عَلَي مَرْضَي الْمُسْلِمِينَ بِالشِّفَاءِ وَ الرَّاحَةِ وَ عَلَي مَوْتَاهُمْ بِالرَّأْفَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ عَلَي مَشَايِخِنَا بِالْوَقَارِ وَ السَّكِينَةِ وَ عَلَي الشَّبَابِ بِالْإِنَابَةِ وَ التَّوْبَةِ وَ عَلَي النِّسَاءِ بِالْحَيَاءِ وَ الْعِفَّةِ وَ عَلَي الْأَغْنِيَاءِ بِالتَّوَاضُعِ وَ السَّعَةِ وَ عَلَي الْفُقَرَاءِ بِالصَّبْرِ وَ الْقَنَاعَةِ وَ عَلَي الْغُزَاةِ بِالنَّصْرِ وَ الْغَلَبَةِ وَ عَلَي الْأُسَرَاءِ بِالْخَلَاصِ وَ الرَّاحَةِ وَ عَلَي الْأُمَرَاءِ بِالْعَدْلِ وَ الشَّفَقَةِ وَ عَلَي الرَّعِيَّةِ بِالْإِنْصَافِ وَ حُسْنِ السِّيرَةِ وَ بَارِكْ لِلْحُجَّاجِ وَ الزُّوَّارِ فِي الزَّادِ وَ النَّفَقَةِ وَ اقْضِ مَا أَوْجَبْتَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَجِّ وَ الْعُمْرَةِ

189

بِفَضْلِكَ وَ رَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين .

و إني لموص إخواني القرّاء ألاّ تفوتهم الاستفادة من تلاوة هذه الأدعية، بشرط التدبّر في معانيها و مراميها و إحضار القلب و الإقبال و التوجه إلي الله بشوع و خضوع و قراءتها كأنّها من إنشائه للتعبير بها عن نفسه، مع اتباع الآداب التي ذكرت لها من طريقة آل البيت، فإنّ قراءتها بلا توجه من القلب صرف لقلقة في اللسان، لا تزيد الإنسان معرفة و لا تقرّبه زلفي و لا تكشف له مكروباً و لا يستجاب معه له دعاء.

«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً بِظَهْرِ قَلْبٍ سَاهٍ فَإِذَا دَعَوْتَ فَأَقْبِلْ بِقَلْبِكَ ثُمَّ اسْتَيْقِنْ بِالْإِجَابَةِ.»

(1).

________

1) باب الاقبال علي الدعاء من كتاب الدعاء من اُصول الكافي عن الامام الصادق عليه السَّلام .

2 أدعية الصحيفة السجادية

2 أدعية الصحيفة السجادية

بعد واقعة الطف المحزنة و تملّك بني اُمية ناصية أمر الاُمّة الإسلاميّة، فأوغلوا في الاستبداد و و لغوا في الدماء و استهتروا في تعاليم الدين، بقي الإمام زين العابدين و سيّد الساجدين عليه السَّلام جليس داره محزوناً ثاكلاً و جليس بيته لا يقرّبه أحد و لا يستطيع أن يفضي إلي الناس بما يجب عليهم و ما ينبغي لهم.

فاضطر أن يتخذ من اُسلوب الدعاء «الذي قلنا أنّه أحد الطرق التعليميّة لتهذيب النفوس» ذريعة لنشر تعاليم القرآن و آداب الإسلام و طريقة آل البيت و لتلقين الناس و رحيّة الدين و الزهد و ما يجب من تهذيب النفوس و الأخلاق و هذه طريقة مبتكرة له في التلقين لا تحوم حولها شبهة المطاردين له و لا تقوم بها عليه الحجّة لهم، فلذلك أكثر من هذه الأدعية البليغة و قد جمعت بعضها «الصحيفة السجادية» التي سمّيت ب «زبور آل محمَّد». و جاءت في اُسلوبها و مراميها في أعلي أساليب الأدب العربي و في أسمي مرامي الدين الحنيف و أدقّ أسرار التوحيد و النبوّة و أصحّ طريقة لتعليم الأخلاق المحمَّديّة و الآداب الإسلامية،

191

و كانت في مختلف الموضوعات التربويّة الدينيّة، فهي تعليم للدين و الأخلاق في أسلوب الدعاء، أو دعاء في اُسلوب تعليم للدين و الأخلاق. و هي بحقّ بعد القرآن و نهج البلاغة من أعلي أساليب البيان العربي و أرقي المناهل الفلسفيّة في الإلهيات و الأخلاقيات:

فمنها: ما يعلمك كيف تمجّد الله و تقدّسه و تحمده و تشكره و تتوب إليه. و منها: ما يعلمك كيف تناجيه و تخلوبه بسرّك و

تنقطع إليه. و منها: ما يبسط لك معني الصلاة علي نبيّه و رسله و صفوته من خلقه و كيفيتها. و منها: ما يفهّمك ما ينبغي أن تبرّ به و الديك. و منها: ما يشرح لك حقوق الوالد علي ولده أو حقوق الولد علي والده أو حقوق الجيران أو حقوق الأرحام أو حقوق المسلمين عامّة أو حقوق الفقراء علي الأغنياء و بالعكس. و منها: ما ينبّهك علي ما يجب ازاء الديون للناس عليك و ما ينبغي أن تعمله في الشؤون الاقتصادية و المالية و ما ينبغي أن تعامل به أقرانك و أصدقاءك و كافة الناس و من تستعملهم في مصالحك. و منها: ما يجمع لك بين جيمع مكارم الأخلاق و يصلح أن يكون منهاجاً كاملاً لعلم الأخلاق. و منها: ما يعلّمك كيف تصبر علي المكاره و الحوادث و كيف تلاقي حالات المرض و الصحة. و منها: ما يشرح لك واجبات الجيوش الإسلاميّة و واجبات الناس معهم … إلي غير ذلك مما تقتضيه الأخلاق المحمَّديّة و الشريعة الإلهية و كلّ ذلك بإسلوب الدعاء وحده.

و الظاهرة التي تطغو علي أدعية الإمام عدة اُمور:

«الأوّل»:

التعريف بالله تعالي و عظمته و قدرته و بيان توحيده و تنزيهه بأدق التعبيرات العلمية و ذلك يتكرر في كلّ دعاء بمختلف

192

الأساليب، مثل ما تقرأ في الدعاء الأوّل:

« الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَوَّلِ بِلَا أَوَّلٍ كَانَ قَبْلَهُ، وَ الْآخِرِ بِلَا آخِرٍ يَكُونُ بَعْدَهُ الَّذِي قَصُرَتْ عَنْ رُؤْيَتِهِ أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ، وَ عَجَزَتْ عَنْ نَعْتِهِ أَوْهَامُ الْوَاصِفِينَ. ابْتَدَعَ بِقُدْرَتِهِ الْخَلْقَ ابْتِدَاعاً، وَ اخْتَرَعَهُمْ عَلَي مَشِيَّتِهِ اخْتِرَاعا»

فتقرأ دقيق معني الأوّل و الآخر و تنزيه الله تعالي عن أن يحيط به بصر أو وهم و دقيق معني الخلق و التكوين.

ثم تقرأ اُسلوباً

آخر في بيان قدرته تعالي و تدبيره في الدعاء السادس:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَ النَّهَارَ بِقُوَّتِهِ وَ مَيَّزَ بَيْنَهُمَا بِقُدْرَتِهِ وَ جَعَلَ لِكُلِّ [وَاحِدٍ] مِنْهُمَا حَدّاً مَحْدُوداً، [وَ أَمَداً مَمْدُوداً] يُولِجُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ، وَ يُولِجُ صَاحِبَهُ فِيهِ بِتَقْدِيرٍ مِنْهُ لِلْعِبَادِ فِيمَا يَغْذُوهُمْ بِهِ، وَ يُنْشِئُهُمْ عَلَيْهِ فَخَلَقَ لَهُمُ اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ مِنْ حَرَكَاتِ التَّعَبِ وَ نَهَضَاتِ النَّصَبِ، وَ جَعَلَهُ لِبَاساً لِيَلْبَسُوا مِنْ رَاحَتِهِ وَ مَنَامِهِ، فَيَكُونَ ذَلِكَ لَهُمْ جَمَاماً وَ قُوَّةً، [وَ] لِيَنَالُوا بِهِ لَذَّةً وَ شَهْوَة» إلي آخر ما يذكر من فوائد خلق النهار و الليل و ما ينبغي أن يشكره الإنسان من هذه النعم.

و تقرأ اُسلوباً آخر في بيان أنّ جميع الاُمور بيده تعالي في الدعاء السابع:

«يَا مَنْ تُحَلُّ بِهِ عُقَدُ الْمَكَارِهِ وَ يَا مَنْ يُفْثَأُ بِهِ حَدُّ الشَّدَائِدِ وَ يَا مَنْ يُلْتَمَسُ مِنْهُ الْمَخْرَجُ إِلَي رَوْحِ الْفَرَجِ ذَلَّتْ لِقُدْرَتِكَ الصِّعَابُ وَ تَسَبَّبَتْ بِلُطْفِكَ الْأَسْبَابُ وَ جَرَي بقدرتك الْقَضَاءُ وَ مَضَتْ عَلَي إِرَادَتِكَ الْأَشْيَاءُ فَهِيَ بِمَشِيَّتِكَ دُونَ قَوْلِكَ مُؤْتَمِرَةٌ وَ بِإِرَادَتِكَ دُونَ نَهْيِكَ مُنْزَجِرَة».

«الثاني»:

بيان فضل الله تعالي علي العبد و عجز العبد عن أداء حقّه مهما بالغ في الطاعة و العبادة و الانقطاع إليه تعالي، كما تقرأ في الدعاء

193

السابع و الثلاثين:

«اللَّهُمَ إِنَ أَحَداً لَا يَبْلُغُ مِنْ شُكْرِكَ غَايَةً إِلَّا حَصَلَ عَلَيْهِ مِنْ إِحْسَانِكَ مَا يُلْزِمُهُ شُكْراً. وَ لَا يَبْلُغُ مَبْلَغاً مِنْ طَاعَتِكَ وَ إِنِ اجْتَهَدَ إِلَّا كَانَ مُقَصِّراً دُونَ اسْتِحْقَاقِكَ بِفَضْلِكَ فَأَشْكَرُ عِبَادِكَ عَاجِزٌ عَنْ شُكْرِكَ، وَ أَعْبَدُهُمْ مُقَصِّرٌ عَنْ طَاعَتِكَ ».

و بسبب عظم نعم الله تعالي علي العبد التي لا تتناهي يعجز عن شكره، فكيف إذا كان يعصمه مجترئاً، فمهما صنع بعدئذٍ لا يستطيع أن يكفّر عن معصية

واحدة. و هذا ما تصّوره الفقرات الآتية من الدعاء السادس عشر:

«يَا إِلَهِي لَوْ بَكَيْتُ إِلَيْكَ حَتَّي تَسْقُطَ أَشْفَارُ عَيْنَيَّ، وَ انْتَحَبْتُ حَتَّي يَنْقَطِعَ صَوْتِي، وَ قُمْتُ لَكَ حَتَّي تَتَنَشَّرَ قَدَمَايَ، وَ رَكَعْتُ لَكَ حَتَّي يَنْخَلِعَ صُلْبِي، وَ سَجَدْتُ لَكَ حَتَّي تَتَفَقَّأَ حَدَقَتَايَ، وَ أَكَلْتُ تُرَابَ الْأَرْضِ طُولَ عُمُرِي، وَ شَرِبْتُ مَاءَ الرَّمَادِ آخِرَ دَهْرِي، وَ ذَكَرْتُكَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ حَتَّي يَكِلَّ لِسَانِي، ثُمَّ لَمْ أَرْفَعْ طَرْفِي إِلَي آفَاقِ السَّمَاءِ اسْتِحْيَاءً مِنْكَ مَا اسْتَوْجَبْتُ بِذَلِكَ مَحْوَ سَيِّئَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ سَيِّئَاتِي.». «الثالث»:

التعريف بالثواب و العقاب و الجنّة و النار و أنّ ثواب الله تعالي كلّه تفضل و أنّ العبد يستحقّ العقاب منه بأدني معصية يجتري بها و الحجّة عليه فيها لله تعالي. و جميع الأدعية السجّادية تلهج بهذه النغمة المؤثرة، للإيحاء إلي النفس الخوف من عقابه تعالي و الرجاء في ثوابه. و كلّها شواهد علي ذلك بأساليبها البليغة المختلفة التي تبعث في قلب المتدبّر الرعب و الفزع من الإقدام علي المعصية.

مثل ما تقرأ في الدعاء السادس و الأربعين:

«حُجَّتُكَ قَائِمَةٌ لَا تُدْحَضُ و سُلْطَانُكَ ثَابِتٌ لَا يَزُولُ، فَالْوَيْلُ الدَّائِمُ لِمَنْ جَنَحَ عَنْكَ، وَ الْخَيْبَةُ الْخَاذِلَةُ

194

لِمَنْ خَابَ مِنْكَ، وَ الشَّقَاءُ الْأَشْقَي لِمَنِ اغْتَرَّ بِكَ. مَا أَكْثَرَ تَصَرُّفَهُ فِي عَذَابِكَ، وَ مَا أَطْوَلَ تَرَدُّدَهُ فِي عِقَابِكَ، وَ مَا أَبْعَدَ غَايَتَهُ مِنَ الْفَرَجِ، وَ مَا أَقْنَطَهُ مِنْ سُهُولَةِ الْمَخْرَجِ!! عَدْلًا مِنْ قَضَائِكَ لَا تَجُورُ فِيهِ، وَ إِنْصَافاً مِنْ حُكْمِكَ لَا تَحِيفُ عَلَيْهِ. فَقَدْ ظَاهَرْتَ الْحُجَجَ، وَ أَبْلَيْتَ الْأَعْذَارَ … ».

و مثل ما تقرأ في الدعاء الواحد و الثلاثين:

«اللَّهُمَّ فَارْحَمْ وَحْدَتِي بَيْنَ يَدَيْكَ، وَ وَجِيبَ قَلْبِي مِنْ خَشْيَتِكَ، وَ اضْطِرَابَ أَرْكَانِي مِنْ هَيْبَتِكَ، فَقَدْ أَقَامَتْنِي- يَا رَبِّ- ذُنُوبِي مَقَامَ الْخِزْيِ بِفِنَائِكَ، فَإِنْ

سَكَتُّ لَمْ يَنْطِقْ عَنِّي أَحَدٌ، وَ إِنْ شَفَعْتُ فَلَسْتُ بِأَهْلِ الشَّفَاعَةِ.».

و مثل ما تقرأ في الدعاء التاسع و الثلاثين:

« فَإِنَّكَ إِنْ تُكَافِنِي بِالْحَقِّ تُهْلِكْنِي، وَ إِلَّا تَغَمَّدْنِي بِرَحْمَتِكَ تُوبِقْنِي … وَ أَسْتَحْمِلُكَ مِنْ ذُنُوبِي مَا قَدْ بَهَظَنِي حَمْلُهُ، وَ أَسْتَعِينُ بِكَ عَلَي مَا قَدْ فَدَحَنِي ثِقْلُهُ.، فَصَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ هَبْ لِنَفْسِي عَلَي ظُلْمِهَا نَفْسِي، وَ وَكِّلْ رَحْمَتَكَ بِاحْتِمَالِ إِصْرِي … ».

«الرابع»:

سوق الداعي بهذه الأدعية إلي الترفّع عن مساوئ الأفعال و خسائس الصفات، لتنقيه ضميره و تطهير قلبه، مثل ما تقرأ في الدعاء العشرين:

« اللَّهُمَّ وَفِّرْ بِلُطْفِكَ نِيَّتِي، وَ صَحِّحْ بِمَا عِنْدَكَ يَقِينِي، وَ اسْتَصْلِحْ بِقُدْرَتِكَ مَا فَسَدَ مِنِّي .

«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ مَتِّعْنِي بِهُدًي صَالِحٍ لَا أَسْتَبْدِلُ بِهِ، وَ طَرِيقَةِ حَقٍّ لَا أَزِيغُ عَنْهَا، وَ نِيَّةِ رُشْدٍ لَا أَشُكُّ فِيهَا».

«اللَّهُمَّ لَا تَدَعْ خَصْلَةً تُعَابُ مِنِّي إِلَّا أَصْلَحْتَهَا، وَ لَا عَائِبَةً أُوَنَّبُ بِهَا إِلَّا حَسَّنْتَهَا، وَ لَا أُكْرُومَةً فِيَّ نَاقِصَةً إِلَّا أَتْمَمْتَهَا». 195

«الخامس»

الايحاء إلي الداعي بلزوم الترفّع عن الناس و عدم التذلّل لهم و أَلاّ يضع حاجته عند أحد غير الله و أنّ الطمع بما في أيدي الناس من أخسّ ما يتصف به الإنسان، مثل ما تقرأ في الدعاء العشرين:

«وَ لَا تَفْتِنِّي بِالاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِكَ إِذَا اضْطُرِرْتُ، وَ لَا بِالْخُضُوعِ لِسُؤَالِ غَيْرِكَ إِذَا افْتَقَرْتُ، وَ لَا بِالتَّضَرُّعِ إِلَي مَنْ دُونَكَ إِذَا رَهِبْتُ، فَأَسْتَحِقَّ بِذَلِكَ خِذْلَانَكَ وَ مَنْعَكَ وَ إِعْرَاضَكَ».

و مثل ما تقرأ في الدعاء الثامن و العشرين:

« اللَّهُمَّ إِنِّي أَخْلَصْتُ بِانْقِطَاعِي إِلَيْكَ [وَ أَقْبَلْتُ بِكُلِّي عَلَيْكَ ] وَ صَرَفْتُ وَجْهِي عَمَّنْ يَحْتَاجُ إِلَي رِفْدِكَ (4) وَ قَلَبْتُ مَسْأَلَتِي عَمَّنْ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ فَضْلِكَ (5) وَ رَأَيْتُ أَنَّ طَلَبَ الْمُحْتَاجِ إِلَي

الْمُحْتَاجِ سَفَهٌ مِنْ رَأْيِهِ وَ ضَلَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ. ».

و مثل ما تقرأ في الدعاء الثالث عشر:

«فَمَنْ حَاوَلَ سَدَّ خَلَّتِهِ مِنْ عِنْدِكَ، وَ رَامَ صَرْفَ الْفَقْرِ عَنْ نَفْسِهِ بِكَ فَقَدْ طَلَبَ حَاجَتَهُ فِي مَظَانِّهَا، وَ أَتَي طَلِبَتَهُ مِنْ وَجْهِهَا. وَ مَنْ تَوَجَّهَ بِحَاجَتِهِ إِلَي أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ أَوْ جَعَلَهُ سَبَبَ نُجْحِهَا دُونَكَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْحِرْمَانِ، وَ اسْتَحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَوْتَ الْإِحْسَانِ».

«السادس»:

تعليم الناس وجوب مراعاة حقوق الآخرين و معاونتهم و الشفقة و الرأفة من بعضهم لبعض و الايثار فيما بينهم. تحقيقاً لمعني الأخوّة الإسلامية. مثل ما تقرأ في الدعاء الثامن و الثلاثين:

«

اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ مَظْلُومٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ أَنْصُرْهُ، وَ مِنْ مَعْرُوفٍ أُسْدِيَ إِلَيَّ فَلَمْ أَشْكُرْهُ، وَ مِنْ مُسِي ءٍ اعْتَذَرَ إِلَيَّ فَلَمْ أَعْذِرْهُ، وَ مِنْ ذِي فَاقَةٍ سَأَلَنِي فَلَمْ أُوثِرْهُ، وَ مِنْ حَقِّ ذِي حَقٍّ لَزِمَنِي لِمُؤْمِنٍ فَلَمْ أُوَفِّرْهُ، وَ مِنْ عَيْبِ مُؤْمِنٍ ظَهَرَ لِي فَلَمْ أَسْتُرْهُ… ».

إن هذا الاعتذار من أبدع ما ينبّه النفس إلي ما ينبغي عمله من هذه الأخلاق الإلهية العالية.

196

و في الدعاء التاسع و الثلاثين ما يزيد علي ذلك، فيعلّمك كيف يلزمك أن تعفو عمّن أساء إليك و يحذّرك من الانتقام منه و يسمو بنفسك إلي مقام القدّيسين:

« اللَّهُمَّ وَ أَيُّمَا عَبْدٍ نَالَ مِنِّي مَا حَظَرْتَ عَلَيْهِ، وَ انْتَهَكَ مِنِّي مَا حَجَزْتَ عَلَيْهِ، فَمَضَي بِظُلَامَتِي مَيِّتاً، أَوْ حَصَلَتْ لِي قِبَلَهُ حَيّاً فَاغْفِرْ لَهُ مَا أَلَمَّ بِهِ مِنِّي، وَ اعْفُ لَهُ عَمَّا أَدْبَرَ بِهِ عَنِّي، وَ لَا تَقِفْهُ عَلَي مَا ارْتَكَبَ فِيَّ، وَ لَا تَكْشِفْهُ عَمَّا اكْتَسَبَ بِي، وَ اجْعَلْ مَا سَمَحْتُ بِهِ مِنَ الْعَفْوِ عَنْهُمْ، وَ تَبَرَّعْتُ بِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ أَزْكَي صَدَقَاتِ الْمُتَصَدِّقِينَ، وَ أَعْلَي صِلَاتِ الْمُتَقَرِّبِينَ وَ عَوِّضْنِي مِنْ

عَفْوِي عَنْهُمْ عَفْوَكَ، وَ مِنْ دُعَائِي لَهُمْ رَحْمَتَكَ حَتَّي يَسْعَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِفَضْلِكَ».

و ما أبدع الفقرة الأخيرة و ما أجمل وقعها في النفوس الخيّرة لتنبيهها علي لزوم سلامة النيّة مع جميع الناس و طلب السعادة لكلّ أحد حتّي من يظلمه و يعتدي عليه. و مثل هذا كثير في الأدعية السجّادية و ما أكثر ما فيها من هذا النوع من التعاليم السماويّة المهذّبة لنفوس البشر لو كانوا يهتدون.

3- عقيدتنا في زيارة القبور

و ممّا امتازت به الإمامية العناية بزيارة القبور «قبور النبيّ و الائمة عليهم الصلاة و السلام» و تشييدها و إقامة العمارات الضخمة عليها، و لأجلها يضحّون بكلّ غال و رخيص عن إيمان و طيب نفس.

و مردّ كلّ ذلك إلي وصايا الأئمة، و حثّهم شيعتهم علي الزيارة، و ترغيبهم فيما لها من الثواب الجزيل عند اللّه تعالي، باعتبار أنّها من أفضل الطاعات و القربات بعد العبادات الواجبة، و باعتبار أنّ هاتيك القبور من خير المواقع لاستجابة الدعاء و الانقطاع إلي اللّه تعالي. و جعلوها أيضا من تمام الوفاء بعهود الأئمة، «إذ أنّ لكلّ إمام عهدا في عنق أوليائه و شيعته، و أنّ من تمام الوفاء بالعهد و حسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم و تصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة» «1».

و في زيارة القبور من الفوائد الدينيّة و الاجتماعيّة ما تستحق العناية من أئمتنا، فإنّها- في الوقت الذي تزيد من رابطة الولاء و المحبّة بين الأئمة و أوليائهم، و تجدّد في النفوس ذكر مآثرهم و أخلاقهم و جهادهم في سبيل الحقّ- تجمع في مواسمها أشتات المسلمين المتفرّقين علي صعيد واحد، ليتعارفوا و يتآلفوا، ثم تطبع في قلوبهم روح الانقياد إلي اللّه تعالي

و الانقطاع إليه و طاعة أوامره، و تلقنهم في مضامين عبارات الزيارات البليغة الواردة عن آل البيت حقيقة التوحيد و الاعتراف بقدسية الإسلام و الرسالة المحمّديّة، و ما يجب علي المسلم من الخلق العالي الرصين و الخضوع إلي مدبّر الكائنات و شكر آلائه و نعمه، فهي من هذه الجهة تقوم بنفس وظيفة الأدعية المأثورة التي تقدّم الكلام عليها، بل بعضها يشتمل علي أبلغ الأدعية و أسماها كزيارة «أمين اللّه» و هي الزيارة المرويّة عن الإمام «زين العابدين»- عليه السلام- حينما زار قبر جده «أمير المؤمنين»- عليه السلام.

كما تفهّم هذه الزيارات المأثورة مواقف الأئمة- عليهم السّلام.

و تضحياتهم في سبيل نصرة الحقّ و إعلاء كلمة الدين و تجرّدهم لطاعة اللّه تعالي، و قد وردت باسلوب عربيّ جزل، و فصاحة عالية، و عبارات سهلة يفهمها الخاصّة و العامّة، و هي محتوية علي أسمي معاني التوحيد و دقائقه و الدعاء و الابتهال إليه تعالي. فهي بحقّ من أرقي الأدب الديني بعد القرآن الكريم و نهج البلاغة و الأدعية المأثورة عنهم؛ إذ اودعت فيها خلاصة معارف الأئمة- عليهم السلام- فيما يتعلق بهذه الشئون الدينيّة و التهذيبيّة.

ثم إنّ في آداب أداء الزيارة أيضا من التعليم و الإرشاد ما يؤكد من تحقيق تلك المعاني الدينيّة السامية: من نحو رفع معنوية المسلم و تنمية روح العطف علي الفقير، و حمله علي حسن العشرة و السلوك و التحبب إلي مخالطة الناس. فإنّ من آدابها: ما ينبغي أن يصنع قبل البدء بالدخول في «المرقد المطهّر» و زيارته.

و منها: ما ينبغي أن يصنع في أثناء الزيارة و فيما بعد الزيارة. و نحن هنا نعرض بعض هذه الآداب للتنبيه علي مقاصدها التي قلناها:

1- من آدابها أن يغتسل

الزائر قبل الشروع بالزيارة و يتطهّر، و فائدة ذلك فيما نفهمه واضحة، و هي أن ينظف الإنسان بدنه من الأوساخ ليقيه من كثير من الأمراض و الأدواء، و لئلا يتأفّف من روائحه الناس «1»، و أن يطهّر نفسه من الرذائل. و قد ورد في المأثور أن يدعو الزائر بعد الانتهاء من الغسل لغرض تنبيه علي تلكم الأهداف العالية فيقول:

«اللّهم اجعل لي نورا و طهورا و حرزا كافيا من كلّ داء و سقم و من كلّ آفة و عاهة، و طهّر به قلبي و جوارحي و عظامي و لحمي و دمي و شعري و بشري، و مخّي و عظمي و ما أقلّت الأرض منّي، و اجعل لي شاهدا يوم حاجتي و فقري و فاقتي».

2- أن يلبس أحسن و أنظف ما عنده من الثياب، فإنّ في الإناقة في الملبس في المواسم العامّة ما يحبّب الناس بعضهم إلي بعض و يقرّب بينهم و يزيد في عزّة النفوس و الشعور بأهميّة الموسم الذي يشترك فيه.

و مما ينبغي أن نلفت النظر إليه في هذا التعليم أنه لم يفرض فيه أن يلبس الزائر أحسن الثياب علي العموم، بل يلبس أحسن ما يتمكن عليه؛ إذ ليس كلّ أحد يستطيع ذلك و فيه تضييق علي الضعفاء لا تستدعيه الشفقة فقد جمع هذا الأدب بين ما ينبغي من الإناقة و بين رعاية الفقير و ضعيف الحال.

3- أن يتطيّب ما وسعه الطيب. و فائدته كفائدة أدب لبس أحسن الثياب.

4- أن يتصدق علي الفقراء بما يعن له أن يتصدّق به. و من المعلوم فائدة التصدّق في مثل هذه المواسم، فإنّ فيه معاونة المعوزين و تنمية روح العطف عليهم.

5- أن يمشي علي سكينة و وقار عاضّا من

بصره. و واضح ما في هذا من توقير للحرم و الزيارة و تعظيم للمزور و توجه إلي اللّه تعالي و انقطاع إليه، مع ما في ذلك من اجتناب مزاحمة الناس و مضايقتهم في المرور و عدم إساءة بعضهم إلي بعض 6- أن يكبّر بقول: «اللّه أكبر» و يكرّر ذلك ما شاء. و قد تحدّد في بعض الزيارات إلي أن تبلغ المائة. و في ذلك فائدة إشعار النفس بعظمة اللّه و أنّه لا شي ء أكبر منه. و أنّ الزيارة ليست إلّا لعبادة اللّه و تعظيمه و تقديسه في إحياء شعائر اللّه و تأييد دينه.

7- و بعد الفراغ من الزيارة للنبيّ أو الإمام يصلي ركعتين علي الأقل، تطوّعا و عبادة للّه تعالي ليشكره علي توفيقه إياه، و يهدي ثواب الصلاة إلي المزور. و في الدعاء المأثور الذي يدعو به الزائر بعد هذه الصلاة ما يفهم الزائر، أنّ صلاته و عمله إنّما هو للّه وحده و أنّه لا يعبد سواه، و ليست الزيارة إلّا نوع التقرب إليه تعالي زلفي؛ إذ يقول: «اللّهم لك صليت و لك ركعت و لك سجدت وحدك لا شريك لك؛ لأنه لا تكون الصلاة و الركوع و السجود إلّا لك، لأنّك أنت اللّه لا إله إلّا أنت. اللّهم صلّ علي محمّد و آل محمّد، و تقبّل منّي زيارتي و اعطني سؤلي بمحمّد و آله الطاهرين».

و في هذا النوع من الأدب ما يوضّح لمن يريد أن يفهم الحقيقة عن مقاصد الأئمة و شيعتهم تبعا لهم في زيارة القبور، و ما يلقم المتجاهلين حجرا حينما يزعمون أنّها عندهم من نوع عبادة القبور و التقرّب إليها و الشرك باللّه. و أغلب الظن أنّ غرض أمثال هؤلاء هو

التزهيد فيما يجلب لجماعة الإمامية من الفوائد الاجتماعية الدينيّة في مواسم الزيارات؛ إذ أصبحت شوكة في أعين أعداء آل بيت محمّد، و إلّا فما نظنهم يجهلون حقيقة مقاصد آل البيت فيها. حاشا اولئك الذين أخلصوا للّه نيّاتهم و تجرّدوا له في عباداتهم، و بذلوا مهجهم في نصرة دينه أن يدعو الناس إلي الشرك في عبادة اللّه.

8- و من آداب الزيارة «أن يلزم للزائر حسن الصحبة لمن يصحبه و قلّة الكلام إلّا بخير، و كثرة ذكر اللّه «1»، و الخشوع و كثرة الصلاة و الصلاة علي محمّد و آل محمّد، و أن يغضّ من بصره، و أن يعدو إلي أهل الحاجة من إخوانه إذا رأي منقطعا، و المواساة لهم، و الورع عمّا نهي عنه و عن الخصومة و كثرة الإيمان و الجدال الذي فيه الإيمان» «1».

ثم إنّه ليست حقيقة الزيارة إلّا السلام علي النبيّ أو الإمام باعتبار أنّهم «أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» فهم يسمعون الكلام و يردّون الجواب، و يكفي أن يقول فيها مثلا: «السلام عليك يا رسول اللّه» غير أن الأولي أن يقرأ فيها المأثور الوارد من الزيارات عن آل البيت؛ لما فيها- كما ذكرنا- من المقاصد العالية و الفوائد الدينيّة، مع بلاغتها و فصاحتها، و مع ما فيها من الأدعية العالية التي يتّجه بها الإنسان إلي اللّه تعالي وحده.

4 عقيدتنا في معني التشيّع عند آل البيت

4 عقيدتنا في معني التشيّع عند آل البيت

إنّ الائمة من آل البيت عليهم السَّلام لم تكن لهم همّة بعد أن انصرفوا عن أن يرجع أمر الاُمّة إليهم إلاّ تهذيب المسلمين و تربيتهم تربية صالحة كما يريدها الله تعالي منهم، فكانوا مع كلّ من يواليهم و يأتمنونه علي سرّهم يبذلون قصاري جهدهم في تعليمه الأحكام الشرعية

و تلقينه المعارف المحمّديّة و يعرّفونه ما له و ما عليه.

ولا يعتبرون الرجل تابعاً و شيعة لهم إلاّ إذا كان مطيعاً لأمر الله مجانباً لهواه آخذاً بتعاليم و إرشاداتهم. و لا يعتبرون حبّهم وحده كافياً للنجاة كما قد يمنّي نفسه بعض من يسكن إلي الدعة و الشهوات و يلتمس عذراً في التمرّد علي طاعة الله سبحانه. إنّهم لا يعتبرون حبّهم و ولاءهم منجاة إلاّ إذا اقترن بالأعمال الصالحة و تحلّي الموالي لهم بالصدق و الأمانة و الورع و التقوي.

« يَا خَيْثَمَةُ، أَبْلِغْ مَوَالِيَنَا: أَنَّا لَانُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِلَّا بِعَمَلٍ، وَ أَنَّهُمْ لَنْ يَنَالُوا وَلَايَتَنَا إِلَّا بِالْوَرَعِ، وَ أَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ

204

ِ مَنْ وَصَفَ عَدْلًا، ثُمَّ خَالَفَهُ إِلي غَيْرِهِ». (1).

بل هم يريدون من أتباعهم أن يكونوا دعاة للحقّ و أدلاّء علي الخير و الرشاد و يرون أنّ الدعوة بالعمل أبلغ من الدعوة باللسان:

« كُونُوا دُعَاةً لِلنَّاسِ بِالْخَيْرِ بِغَيْرِ أَلْسِنَتِكُمْ لِيَرَوْا مِنْكُمُ الِاجْتِهَادَ وَ الصِّدْقَ وَ الْوَرَعَ.» (2).

و نحن نذكر لك بعض المحاورات التي جرت لهم مع بعض أتباعهم، لتعرف مدي تشديدهم و حرصهم علي تهذيب أخلاق الناس:

1 محاورة أبي جعفر الباقر عليه السَّلام مع جابر الجعفي (3):

«يَا جَابِرُ، أَ يَكْتَفِي مَنْ يَنْتَحِلُ التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَوَ اللَّهِ مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَي اللَّهَ وَ أَطَاعَهُ».

وَ مَا كَانُوا يُعْرَفُونَ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ وَ التَّخَشُّعِ وَ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَ كَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ وَ الصَّوْمِ وَ الصَّلَاةِ وَ الْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ وَ تَعَهُّدِ الْجِيرَانِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَ ذَوِي الْمَسْكَنَةِ وَ الْغَارِمِينَ وَ الْأَيْتَامِ وَ صِدْقِ الْحَدِيثِ وَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَ كَفِّ الْأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ وَ كَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي الْأَشْيَاءِ.».

«فاتقوا الله

و اعلموا لما عند الله! ليس بين الله و بين أحد قرابة، أحبّ العباد إلي الله عزّوجلّ أتقاهم و أعملهم بطاعته» (4).

________

1) اُصول الكافي: كتاب الإيمان، باب زيارة الاخوان.

2) نفس المصدر: باب الورع.

3) نفس المصدر: باب الطاعة و التقوي.

4) و بهذا المعني قال أمير المؤمنين في خطبته القاصعة: «ان حكمه في أهل السماء و أهل الأرض واحد و ما بين الله و بين أحد من خلقه هوادة في اباحة حمي حرمه علي العالمين».

205

«

يَا جَابِرُ، وَ اللَّهِ مَا يُتَقَرَّبُ إِلَي اللَّهِ- تَبَارَكَ وَ تَعَالي إِلَّا بِالطَّاعَةِ، وَ مَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَ لَا عَلَي اللَّهِ لِأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ؛ مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعاً، فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ؛ وَ مَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِياً، فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ؛ وَ مَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَل و الورع».

2 محاورة أبي جعفر أيضاً مع سعيد بن الحسن (1):

أبو جعفر: أَ يَجِي ءُ أَحَدُكُمْ إِلَي أَخِيهِ فَيُدْخِلُ يَدَهُ فِي كِيسِهِ فَيَأْخُذُ حَاجَتَهُ فَلَا يَدْفَعُهُ ؟

سعيد: مَا أَعْرِفُ ذَلِكَ فِينَا

أبوجعفر: فَلَا شَيْ ءَ إِذاً

سعيد: فَالْهَلَكَةُ إِذاً

أبوجعفر: إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يُعْطَوْا أَحْلَامَهُمْ بَعْدُ.

3 محاورة أبي عبدالله الصادق عليه السَّلام مع أبي الصباح الكناني (2):

الكناني لأبي عبدالله: مَا نَلْقَي مِنَ النَّاسِ فِيك !

أبوعبدالله: وَ مَا الَّذِي تَلْقَي مِنَ النَّاسِ ؟

الكناني: لَا يَزَالُ يَكُونُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ الرَّجُلِ الْكَلَامُ فَيَقُولُ : جَعْفَرِيٌّ خَبِيثٌ .

أبوعبدالله: يُعَيِّرُكُمُ النَّاسُ بِي ؟ !

الكناني: نعم!

________

1) اُصول الكافي كتاب الايمان: باب حق المؤمن علي أخيه.

2) نص المصدر: باب الورع.

206

أبوعبدالله: مَا أَقَلَّ وَ اللَّهِ مَنْ يَتَّبِعُ جَعْفَراً مِنْكُمْ إِنَّمَا أَصْحَابِي مَنِ اشْتَدَّ وَرَعُهُ وَ عَمِلَ لِخَالِقِهِ وَ رَجَا ثَوَابَهُ فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابِي

4 و لأبي عبدالله عليه السَّلام كلمات في هذا الباب نقتطف منها ما يلي:

أ: «لَيْسَ مِنَّا وَ

لَا كَرَامَةَ مَنْ كَانَ فِي مِصْرٍ فِيهِ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ وَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ أَحَدٌ أَوْرَعَ مِنْه .

ب: « إِنَّا لَا نَعُدُّ الرَّجُلَ مُؤْمِناً حَتَّي يَكُونَ لِجَمِيعِ أَمْرِنَا مُتَّبِعاً مُرِيداً أَلَا وَ إِنَّ مِنِ اتِّبَاعِ أَمْرِنَا وَ إِرَادَتِهِ الْوَرَعَ فَتَزَيَّنُوا بِهِ يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ »

ج: «لَيْسَ مِنْ شِيعَتِنَا مَنْ لَا تَتَحَدَّثُ الْمُخَدَّرَاتُ بِوَرَعِهِ فِي خُدُورِهِنَّ وَ لَيْسَ مِنْ أَوْلِيَائِنَا مَنْ هُوَ فِي قَرْيَةٍ فِيهَا عَشَرَةُ آلَافِ رَجُلٍ فِيهِمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَوْرَعُ مِنْه .

د :« فَإِنَّمَا شِيعَةُ «جعفر» ع مَنْ عَفَّ بَطْنُهُ وَ فَرْجُهُ وَ اشْتَدَّ جِهَادُهُ وَ عَمِلَ لِخَالِقِهِ وَ رَجَا ثَوَابَهُ وَ خَافَ عِقَابَهُ فَإِذَا رَأَيْتَ أُولَئِكَ فَأُولَئِكَ شِيعَةُ جَعْفَر»

5 عقيدتنا في الجور و الظلم

5 عقيدتنا في الجور و الظلم

من أكبر ما كان يعظّمه الأئمة عليهم السَّلام علي الإنسان من الذنوب العدوان علي الغير و الظلم للناس و ذلك إتّباعاً لما جاء في القرآن الكريم من تهويل الظلم و استنكاره، مثل قوله تعالي: « وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُون إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصار».

و قد جاء في كلام أمير المؤمنين عليه السَّلام ما يبلغ الغاية في بشاعة الظلم و التنفير منه، كقوله و هو الصادق المصدّق من كلامه في نهج البلاغة برقم 219:

«وَ اللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَي أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ». و هذا غاية ما يمكن أن يتصوره الإنسان في التعفّف عن الظلم و الحذر من الجور و استنكار عمله، أنّه لا يظلم «نملة» في قشرة شعيرة و إن اُعطي الأقاليم السبعة. فكيف حال من يلغ في دماء المسلمين و ينهب أموال الناس و يستهين في أعراضهم و كراماتهم؟ كيف يكون قياسه

إلي فعل أمير المؤمنين؟ و كيف تكون منزلته من فقهه صلوات الله عليه؟ إنّ هذا هو الأدب الإلهي الرفيع الذي يتطلّبه الدين من البشر.

208

نعم، إنّ الظلم من أعظم ما حرّم الله تعالي، فلذا اُخذ من أحاديث آل البيت و أدعيتهم المقام الأوّل في ذمّة و تنفير أتباعهم عنه.

و هذا سياستهم عليهم السَّلام و عليها سلوكهم حتّي مع من يعتدي عليهم و يجتريء علي مقامهم. و قصة الإمام الحسن عليه السَّلام معروفة في حلمه عن الشاميّ الذي اجترأ عليه و شتمه، فلاطفه الإمام و عطف عليه، حتّي أشعره بسوء فعلته. و قد قرأت آنفاً في دعاء سيد الساجدين من الأدب الرفيع في العفو عن المعتدين و طلب المغفرة لهم. و هو غاية ما يبلغه السموّ النفسيّ و الإنسانيّة الكاملة و إن كان الاعتداء علي الظالم بمثل ما اعتدي جائزاً في الشريعة و كذا الدعاء عليه جائز مباح و لكن الجواز شيء و العفو الذي هو من مكارم الأخلاق شيء آخر، بل عند الأئمة أنّ المبالغة في الدعاء علي الظالم قد تعدّ ظلماً، قال الصادق عليه السّلام :

« إِنَّ الْعَبْدَ لَيَكُونُ مَظْلُوماً فَمَا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّي يَكُونَ ظَالِماً ». أي حتّي يكون ظالماً في دعائه علي الظالم بسبب كثرة تكراره. يا سبحان الله! أيكون الدعاء علي الظالم إذا تجاوز الحدّ ظلماً؟ إذن ما حال من يبتدئ بالظلم و الجور و يعتدي علي الناس، أو ينهش أعراضهم، أو ينهب أموالهم أو يمشي عليهم عند الظالمين، أو يخدعهم فيورّطهم في المهلكات أو ينبزهم و يؤذيهم، أو يتجسّس عليهم؟ ما حال أمثال هؤلاء في فقه آل البيت عليهم السَّلام؟ إنّ أمثال هؤلاء أبعد الناس عن الله تعالي و أشدّهم إثماً

و عقاباً و أقبحهم أعمالاً و أخلاقاً.

209

6 عقيدتنا في التعاون مع الظالمين

6 عقيدتنا في التعاون مع الظالمين

ومن عظم خطر الظلم و سوء مغبّته أن نهي الله تعالي عن معاونة الظالمين و الركون إليهم « وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّار وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُون .

هذا هو أدب القرآن الكريم و هو أدب آل البيت عليهم السَّلام . و قد ورد عنهم ما يبلغ الغاية من التنفير عن الركون إلي الظالمين و الاتصال بهم و مشاركتهم في أيّ عمل كان و معاونتهم و لو بشقّ تمرة.

ولا شكّ أن أعظم ما مني به الإسلام و المسلمون هو التساهل مع أهل الجور و التغاضي عن مساوئهم و التعاملي معهم، فضلاً عن ممالاتهم و مناصرتهم و إعانتهم علي ظلمهم و ما جرّ الويلات علي الجامعة الإسلامية إلاّ ذلك الانحراف عن جدد الصواب و الحقّ، حتّي ضعف الدين بمرور الأيام، فتلاشت قوّته و وصل إلي ما عليه اليوم، فعاد غريباً و أصبح المسلمون أو ما يسمّون أنفسهم بالمسلمين و ما لهم من دون الله أولياء ثم لا ينصرون حتّي علي أضعف أعدائهم و أرذل المجترئين عليهم، كاليهود الأذلاّء فضلاً عن الصليبيّين الأقوياء.

210

لقد جاهد الأئمة عليهم السَّلام في إبعاد من يتصل بهم عن التعاون مع الظالمين و شدّدوا علي أوليائهم في مسايرة أهل الظلم و الجور و ممالاتهم و لا يحصي ماورد عنهم في هذا الباب و من ذلك ما كتبه الإمام زين العابدين عليه السَّلام إلي محمَّد بن مسلم الزهري بعد أن حذّره عن إعانة الظلمة علي ظلمهم:

« أَ وَ لَيْسَ بِدُعَائِهِ إِيَّاكَ حِينَ دَعَاكَ جَعَلُوكَ قُطْباً أَدَارُوا بِكَ رَحَي مَظَالِمِهِمْ وَ جِسْراً يَعْبُرُونَ عَلَيْكَ

إِلَي بَلَايَاهُمْ وَ سُلَّماً إِلَي ضَلَالَتِهِمْ دَاعِياً إِلَي غَيِّهِمْ سَالِكاً سَبِيلَهُمْ يُدْخِلُونَ بِكَ الشَّكَّ عَلَي الْعُلَمَاءِ وَ يَقْتَادُونَ بِكَ قُلُوبَ الْجُهَّالِ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَبْلُغْ أَخَصُّ وُزَرَائِهِمْ وَ لَا أَقْوَي أَعْوَانِهِمْ إِلَّا دُونَ مَا بَلَغْتَ مِنْ إِصْلَاحِ فَسَادِهِمْ وَ اخْتِلَافِ الْخَاصَّةِ وَ الْعَامَّةِ إِلَيْهِمْ فَمَا أَقَلَّ مَا أَعْطَوْكَ فِي قَدْرِ مَا أَخَذُوا مِنْكَ وَ مَا أَيْسَرَ مَا عَمَرُوا لَكَ فَكَيْفَ مَا خَرَّبُوا عَلَيْكَ فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ فَإِنَّهُ لَا يَنْظُرُ لَهَا غَيْرُكَ وَ حَاسِبْهَا حِسَابَ رَجُلٍ مَسْئُولٍ … » (1).

ما أعظم كلمة «وَ حَاسِبْهَا حِسَابَ رَجُلٍ مَسْئُولٍ » فإنّ الإنسان حينما يغلبه هواه يستهين في أغوار مكنون سرّه بكرامة نفسه، بمعني أنّه لا يجده مسؤولاً عن أعماله و يستحقر ما يأتي به من أفعال و يتخيّل أنّه ليس بذلك الذي يحسب له الحساب علي ما يرتكبه و يقترفه، أنّ هذا من أسرار النفس الإنسانيّة الأمّارة، فاراد الإمام أن ينبّه الزهري علي هذا السرّ النفساني في دخيلته الكامنة، لئلا يغلب عليه الوهم فيفرّط في مسؤوليته عن نفسه.

و أبلغ من ذلك في تصوير حرمة معاونة الظالمين حديث صفوان

________

1) راجع تحف العقول: ص 66.

211

الجمّال مع الإمام موسي الكاظم عليه السَّلام و قد كان من شيعته و رواة حديثة الموثقين قال حسب رواية الكشي في رجاله بترجمة صفوان : «دخلت عليه فقال لي: يا صفوان ُلُّ شَيْ ءٍ مِنْكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ مَا خَلَا شَيْئاً وَاحِد.

قُلْتُ : جعلت فداك! أَيُّ شَيْ ءٍ ؟

قال:

إِكْرَاؤُكَ جِمَالَكَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ يَعْنِي هَارُونَ.

قُلْتُ وَ اللَّهِ مَا أَكْرَيْتُهُ أَشَراً وَ لَا بَطَراً وَ لَا لِلصَّيْدِ وَ لَا لِلَّهْوِ وَ لَكِنِّي أَكْرَيْتُهُ لِهَذَا الطَّرِيقِ يَعْنِي طَرِيقَ مَكَّةَ- وَ لَا أَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِي وَ لَكِنِّي أَبْعَثُ مَعَهُ غِلْمَانِي

قال:

يَا صَفْوَانُ أَ يَقَعُ كِرَاؤُكَ عَلَيْهِمْ

؟

قُلْتُ نَعَمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ .

قال:

أَ تُحِبُّ بَقَاءَهُمْ حَتَّي يَخْرُجَ كِرَاؤُكَ ؟

قلت: نعم.

قال:

فَ مَنْ أَحَبَّ بَقَاءَهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ وَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَانَ وَرَدَ النَّار.

قال صفوان: فَذَهَبْتُ فَبِعْتُ جِمَالِي عَنْ آخِرِهَا ».

فاذا كان نفس حبّ حياة الظالمين و بقائهم بهذه المنزلة، فكيف بمن يستعينون به علي الظلم أو يؤيدهم في الجور و كيف حال من يدخل في زمرتهم أو يعمل بأعمالهم أو يواكب قافلتهم أو يأتمر بأمرهم؟ !

7 عقيدتنا في الوظيفة في الدولة الظالمة

7 عقيدتنا في الوظيفة في الدولة الظالمة

إذا كان معاونة الظالمين و لو بشقّ تمرة بل حب بقائهم، من أشدّ ما حذّر عنه الأئمة عليهم السَّلام فما حال الاشتراك معهم في الحكم و الدخول في وظائفهم و ولاياتهم، بل ما حال من يكون من جملة المؤسسين لدولتهم، أو من كان من أركان سلطانهم و المنغمسين في تشييد حكمهم

«و ذلك أَنَّ وِلَايَة الْوَالِي الْجَائِرِ دُرُوسَ الْحَقِّ كُلِّهِ وَ إِحْيَاءَ الْبَاطِلِ كُلِّهِ وَ إِظْهَارَ الظُّلْمِ وَ الْجَوْرِ وَ الْفَسَادِ» كما جاء ي حديث تحف العقول عن الصادق عليه السَّلام.

غير أنّه ورد عنهم عليهم السَّلام جواز ولاية الجائر إذا كان فيها صيانة العدل و إقامة حدود الله و الإحسان إلي المؤمنين و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر «إنّ لله في أبواب الظلمة من نوّر الله به البرهان و مكّن له في البلاد، فيدفع بهم عن أوليائه و يصلح بهم اُمور المسلمين … اُولئك هم المؤمنون حقّا. اُولئك منار الله في أرضه اُولئك نور الله في رعيته … » كما جاء في الحديث عن الإمام موسي بن جعفر عليه السَّلام . و في هذا الباب أحاديث كثيرة توضّح النهج الذي ينبغي أن يجري عليه الولاة و الموظفين، مثل ما في رسالة الصادق

عليه السَّلام إلي أن قال : عبدالله النجاشي أمير الأهواز

(راجع الوسائل: كتاب البيع، الباب 78).

8 عقيدتنا في الدعوة إلي الوحدة الإسلامية

8 عقيدتنا في الدعوة إلي الوحدة الإسلامية

عرف آل البيت عليهم السَّلام بحرصهم علي بقاء مظاهر الإسلام و الدعوة إلي عزّته و وحدة كلمة أهله و حفظ التآخي بينهم و رفع السخيمة من القلوب و الأحقاد من النفوس.

ولا ينسي موقف أمير المؤمنين عليه السَّلام مع الخلفاء الذين سبقوه، مع توجّده عليهم و اعتقاده بغصبهم لحقّه، فجاراهم و سالمهم بل حبس رأيه في أنّه المنصوص عليه بالخلافة، حتّي أنّه لم يجهر في حشد عام بالنصّ إلاّ بعد أن آل الأمر إليه فاستشهد بمن بقي من الصحابة عن نصّ (الغدير) في يوم (الرحبة) المعروف. و كان لا يتأخر عن الإشارة عليهم فيما يعود علي المسلمين أن للإسلام بالنفع و المصلحة و كم كان يقول عن ذلك العهد: « فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلَامَ وَ أَهْلَهُ أَنْ أَرَي فِيهِ ثَلْما أو هدماً».

كما لم يصدر منه ما يؤثر علي شوكة ملكهم أو يضعّف من سلطانهم أو يقلّل من هيبتهم، فانكمش علي نفسه و جلس حلس البيت، بالرغم مما كان يشهده منهم. كلّ ذلك رعاية لمصلحة الإسلام العامّة و رعاية

214

أن لا يري في الإسلام ثلماً أو هدماً، حتّي عرف ذلك منه و كان الخليفة عمر بن الخطاب يقول و يكرّر القول: «لا كنت لمعضلة ليس لها أبوالحسن» أو «لولا عليّ لهلك عمر».

ولا ينسي موقف الحسن بن علي عليه السَّلام من الصلح مع معاوية بعد أن رأي أنّ الإصرار علي الحرب سيديل من ثقل الله الأكبر و من دولة العدل بل إسم الإسلام إلي آخر الدهر، فتمحي الشريعة الإلهية و يقضي علي البقية الباقية من آل البيت،

ففضّل المحافظة علي ظواهر الأسلام و اسم الدين و إن سالم معاوية العدوّ الألد للدين و أهله و الخصم الحقود له و لشيعته، مع ما يتوقع من الظلم و الذلّ له و لأتباعه و كانت سيوف بني هاشم و سيوف شيعته مشحوذة تأبي أن تغمد، دون أن تأخذ بحقّها من الدفاع و الكفاح و لكن مصلحة الإسلام العليا كانت عنده فوق جميع هذه الاعتبارات. و أمّا الحسين الشهيد عليه السَّلام فلئن نهض فلأنّه رأي ن بني اُمية إن دامت الحال لهم و لم يقف في وجههم من يكشف سوء نيّاتهم، سيمحون ذكر الإسلام و يطيحون بمجده، فأراد أن يثبت للتأريخ جورهم و عدوانهم و يفضح ما كانوا يبيّتونه لشريعة الرسول و كان ما أراد. و لولا نهضته المباركة لذهب الإسلام في خبر كان يتلهي بذكره التأريخ كأنه دين باطل و حرص الشيعة علي تجديد ذكراه بشتي أساليبهم إنّما هو لإتمام رسالة نهضته في مكافحة الظلم و الجور و لإحياء أمره امتثالاً لأوامر الأئمة من بعده.

و ينجلي لنا حرص آل البيت عليهم السَّلام علي بقاء عزّ الإسلام و إن كان ذو السلطة من ألد أعدائهم، في موقف الإمام زين العابدين

215

عليه السَّلام من ملوك بني اُمية و هو الموتور لهم و لامنتهكة في عهدهم حرمته و حرمه و المحزون علي ما صنعوا مع أبيه و أهل بيته في واقعة كربلاء، فإنّه مع كلّ ذلك كان يدعو في سرّه لجيوش المسلمين بالنصر و للإسلام بالعزّ للمسلمين بالدعة و السلامة و قد تقدّم أنّه كان سلاحه الوحيد في نشر المعرفة هو الدعاء، فعلّم شيعته كيف يدعون للجيوش الإسلامية و المسلمين، كدعائه المعروف ب (دعاء أهل الثغور) الذي يقول فيه:

«اللهم

صلّ علي محمَّد و آل محمَّد و كثّر عددهم و اشحذ أسلحتهم و احرس حوزتهم و امنع حومتهم و ألّف جمعهم و دبّر أمرهم و واتر بين ميرهم و توحّد بكفاية مؤنهم و اعضدهم بالنصر و أعنهم بالصبر و الطف لهم في المكر» إلي أن يقول بعد أن يدعو علي الكافرين :

«اللّهم وقوِّ بذلك محالّ أهل الإسلام و حصّن به ديارهم و ثمّر به أموالهم و فرّغهم عن محاربتهم لعبادتك و عن منابذتهم للخلوة بك، حتّي لا يعبد في بقاع الأرض غيرك و لا تعفر لأحد منهم جبهة دونك» (1) و هكذا يمضي في دعائه البليغ و هو من أطول أدعيته في توجيه الجيوش المسلمة إلي ما ينبغي لها من مكارم الأخلاق و أخذ العدّة للأعداء و هو يجمع إلي التعاليم الحربيّة للجهاد الإسلامي بيان الغاية منه و فائدته، كما ينبّه المسلمين إلي نوع الحذر من أعدائهم و ما يجب أن يتّخذوه في معاملتهم و مكافحتهم و ما يجب عليهم من الانقطاع إلي الله تعالي و الانتهاء عن محارمه و الإخلاص لوجهه الكريم في جهادهم.

________

1) ما أجل هذا الدعاء. و أجدر بالمسلمين في هذه العصور أن يتلوا هذا الدعاء ليعتبروا به و ليبتهلوا إلي الله تعالي ف جمع كلمتهم و توحيد صفوفهم و تنوير عقولهم.

216

و كذلك باق الأئمة عليهم السَّلام في مواقفهم مع ملوك عصرهم و إن لاقوا منهم أنواع الضغط و التنكيل بكلّ قساوة و شدّة، فإنّهم لمّا علموا أنّ دولة الحقّ لا تعود إليهم انصرفوا إلي تعليم الناس معالم دينهم و توجيه أتباعهم التوجيه الدينيّ العالي. و كلّ الثورات التي حدثت في عصرهم من العلويّين و غيرهم لم تكن عن إشارتهم و رغبتهم،

بل كانت كلّها مخالفة صريحة لأوامرهم و تشديداتهم، فإنّهم كانوا أحرص علي كيان الدولة الإسلامية من كلّ أحد حتّي من خلفاء بني العباس أنفسهم.

وكفي أن نقرأ وصية الإمام موسي بن جعفر عليه السَّلام لشيعته «لا تذلّوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم، فإن كان عادلاً فاسألوا الله بقاه و إن كان جائراً فاسألوا الله إصلاحه، فإنّ صلاحكم في صلاح سلطانكم و أنّ السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم فأحبوا له ما تحبّون لأنفسكم و اكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم» (1).

و هذا غاية ما يوصف في محافظة الرعيّة علي سلامة السلطان أن يحبّوا له ما يحبّون لأنفسهم و يكرهوا له ما يكرهون لها.

وبعد هذا، فما أعظم تجنّي بعض كتّاب العصر إذ يصف الشيعة بأنّهم جمعية سريّة هدّامة. أو طائفة ثوروية ناقمة. صحيح أنّ من خلق الرجل المسلم المتّبع لتعاليم آل البيت عليهم السَّلام بغض الظلم و الظالمين و الانكماش عن أهل الجور و الفسوق و النظرة إلي أعوانهم

________

1) الوسائل: في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، الباب 17.

217

وأنصارهم نظرة الأشمئزاز و الاستنكار و الاستيحاش و الاستحقار و ما زال هذا الخلق متغلغلاً في نفوسهم يتوارثونه جيلاً بعد جيل و لكن مع ذلك ليس من شيمتهم الغدر و الختل و لا من طريقتهم الثورة و الانتفاض علي السلطة الدينية السائدة باسم الإسلام، لا سرّا و لا علناً و لا يبيحون لأنفسهم الاغتيال أو الوقيعة بمسلم مهما كان مذهبه و طريقته، أخذاً بتعاليم أئمتهم عليهم السَّلام بل المسلم الذي يشهد الشهادتين مصون المال محقون الدم، محرم العرض «لايحل مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفسه»، بل السلم أخو المسلم عليه من حقوق الاُخوّة لأخيه ما يكشف عنه البحث الآتي.

9 عقيدتنا في حقّ المسلم علي المسلم

9 عقيدتنا

في حقّ المسلم علي المسلم

إنّ من أعظم و أجمل ما دعا إليه الدين الإسلامي هو التآخير بين المسلمين علي اختلاف طبقاتهم و مراتبهم و منازلهم. كما أنّ من أوطأ و أخس ما صنعه المسلمون اليوم و قبل اليوم هو تسامحهم بالأخذ بمقتضيات هذه الاُخوّة الإسلاميّة.

لأنّ من أيسر مقتضياتها كما سيجيء في كلمة الإمام الصادق عليه السَّلام أن يحبّ لأخيه المسلم ما يحب لنفسه و يكره له ما يكره لنفسه.

أنعم النظر و فكّر في هذه الخصلة اليسيرة في نظر آل البيت عليهم السَّلام فستجد أنّها من أشقّ ما يفرض طلبه من المسلمين اليوم و هم علي مثل هذه الأخلاق الموجودة عندهم البعيدة عن روحية الإسلام، فكّر في هذه الخصلة لو قدّر للمسلمين أن ينصفوا أنفسهم و يعرفوا دينهم حقّاً و يأخذوا بها فقط أن يحبّ أحدهم لأخيه ما يحبّ لنفسه لما شاهدت من أحد ظلماً و لا اعتداء و لا سرقة و لا كذباً و لا غيبة و لا نميمة و لا تهمة بسوء و لا قدحاً بباطل و لا إهانة و لا تجبراً.

بلي، إنّ المسلمين لو وقفوا لإدراك أيسر خصال الاُخوّة فيما بينهم

219

و عملوا بها لارتفع الظلم و العدوان من الأرض و لرأيت البشر إخواناً علي سرر متقابلين قد كملت لهم أعلي درجات السعادة الاجتماعيّة و لتحقّق حلم الفلاسفة الأقدمين في المدينة الفاضلة، فما احتاجوا حينما يتبادلون الحبّ و المودة إلي الحكومات و المحاكم و لا إلي الشرطة و السجون و لا إلي قانون للعقوبات و أحكام للحدود و القصاص و لما خضعوا لمستعمر و لا خنعوا لجبّار و لا استبدّ بهم الطغاة و لتبدلت الأرض غير الأرض و أصبحت جنّة النعيم و دار السعادة.

أزيدك،

أنّ قانون المحبّة لوساد بين البشر كما يريده الدين بتعاليم الاُخوّة لانمحت من قاموس لغاتنا كلمة (العدل)، بمعني أنّا لم نعد نحتاج إلي العدل و قوانينه حتّي نحتاج إلي استعمال كلمته، بل كفانا قانون الحبّ لنشر الخير و السلام و السعادة و الهناء، لأنّ الإنسان لايحتاج إلي استعمال العدل و لا يطلبه القانون منه إلاّ إذا فقد الحبّ فيمن يجب أن يعدل معه، أمّا فيمن يبادله الحبّ كالولد و الأخ إنّما يحسن إليه و يتنازل له عن جملة من رغباته فبدافع من الحبّ و الرغبة عن طيب خاطر، لا بدافع العدل و المصلحة.

وسرّ ذلك أنّ الإنسان لا يحبّ إلاّ نفسه و ما يلائم نفسه و يستحيل أن يحبّ شيئاً أو شخصاً خارجاً عن ذاته إلاّ إذا ارتبط به و انطبعت في نفسه منه صورة ملأئمة مرغوبة لديه. كما يستحيل أن يضحّي بمحض اختياره له، في رغباته و محبوباته لأجل شخص آخر لا يحبّه و لا يرغب فيه، إلاّ إذا تكوّنت عنده عقيدة أقوي من رغباته مثل عقيدة حسن العدل و الإحسان و حينئذٍ إذ يضحي بإحدي رغباته إنّما يضحي لأجل

220

رغبة اُخري أقوي كعقيدته بالعدل إذا حصلت التي تكون جزء من رغباته بل جزء من نفسه.

و هذه العقيدة المثالية بأجل أن تتكون في نفس الإنسان تتطلب منه أن يسمو بروحه علي الاعتبارات الماديّة، ليدرك المثال الأعلي في العدل و الإحسان إلي الغير و ذلك بعد أن يعجز أن يتكون في نفسه شعور الاُخوّة الصادق و العطف بينه و بين أبناء نوعه.

فأوّل درجات المسلم التي يجب أن يتّصف بها أن يحصل عنده الشعور بالاُخوّة مع الآخرين فإذا عجز عنها و هو عاجز علي الأكثر لغلبة رغباته الكثيرة

و أنانيّته فعليه أن يكون في نفسه عقيدة في العدل و الإحسان إتباعاً للإرشادات الإسلامية، فإذا عجز عن ذلك فلا يستحقّ أن يكون مسلماً إلاّ بالإسم و خرج عن ولاية الله و لم يكن لله فيه نصيب علي حد التعبير الآتي للإمام. و الإنسان علي الأكثر تطغي عليه شهواته العارمة فيكون من أشقّ ما يعانيه أن يهييء نفسه لقبول عقيدة العدل، فضلاً عن أن يحصل عليها عقيدة كاملة تفوق بقوّتها علي شهواته.

فلذلك كان القيام بحقوق الاُخوّة من أشقّ تعاليم الدين إذا لم يكن عند الإنسان ذلك الشعور الصادق بالاُخوّة. و من أجل هذا أشفق الإمام أبوعبدالله الصادق عليه السَّلام أن يوضح لسائله و هو أحد أصحابه «الْمُعَلَّي بْنَ خُنَيْس عن حقوق الإخوان أكثر مما ينبغي أن يوضح له خشية أن يتعلم ما لا يستطيع أن يعمل به. قال المعلي (1):

________

1) راجع الوسائل: كتاب الحج، أبواب أحكام العشرة. الباب 122، الحديث 7.

221

«قُلْتُ لَهُ مَا حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَي الْمُسْلِم

قَالَ أبوعبدالله: لَهُ سَبْعُ حُقُوقٍ وَاجِبَات مَا مِنْهُنَّ حَقٌّ إِلَّا وَ هُوَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ، إِنْ ضَيَّعَ مِنْهَا شَيْئاً خَرَجَ مِنْ وَلَايَةِ اللَّهِ وَ طَاعَتِه وَ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ فِيهِ مِنْ نَصِيب

قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا هِي

قال:

يَا مُعَلَّي إِنِّي عَلَيْكَ شَفِيقٌ- أَخَافُ أَنْ تُضَيِّعَ وَ لَا تَحْفَظَ وَ تَعْلَمَ وَ لَا تَعْمَل

قلت: لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ

و حينئذٍ ذكر الإمام الحقوق السبعة بعد أن قال عن الأوّل منها: «َ أَيْسَرُ حَقٍّ مِنْهَا أَنْ تُحِبَّ لَهُ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ- وَ تَكْرَهَ لَهُ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِك .

يا سبحان الله! هذا هو الحق اليسير! فكيف نجد نحن المسلمين اليوم يسر هذا الحقّ علينا؟ شاهت وجوه تدعي الإسلام و لا تعمل بأيسر ما يفرضه

من حقوق. و الأعجب أن يلصق بالإسلام هذا التأخر الذي أصاب المسلمين و ما الذنب إلاّ ذنب من يسمّون أنفسهم بالمسلمين و لا يعلمون بأيسر ما يجب أن يعملوه من دينهم.

ولأجل التأريخ فقط و لنعرف أنفسنا و تقصيرها، أذكر هذه الحقوق السبعة التي أوضحها الإمام عليه السَّلام.

1 أن تحبّ لأخيك المسلم ما تحبّ لنفسك و تكره له ما تكره لنفسك.

2 أن تجتنب سخطه و تتبع مرضاته و تطيع أمره.

222

3 أن تعينه بنفسك و مالك و لسانك و يدك و رجلك.

4 أن تكون عينه و دليله و مرآته.

5 أن لا تشبع و يجوع و لا تروي و يظمأ و لا تلبس و يعري.

6 أن يكون لك خادم و ليس لأخيك خادم، فواجب أن تبعث خادمك، فتغسل ثيابة و تصنع طعامه و تمهّد فراشه.

7 أن تبرّ قسمه و تحبيب دعوته و تعود مريضه و تشهد جنازته. و إذا علمت له حاجة تبادره إلي قضائها و لا تلجئه إلي أن يسألكها و لكن تبادر مبادرة».

ثم ختم كلامه عليه السَّلام بقوله:

«فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته و ولايته بولايتك».

و بمضمون هذا الحديث روايات مستفيضة عن ائمتنا جمع قسما ًكبيراً منها كتاب الوسائل في أبواب متفرقة.

وقد يتوهم المتوهم أنّ المقصود بالاُخوّة في أحاديث أهل البيت عليهم السَّلام خصوص الاُخوّة بين المسلمين الذين من أتباعهم «شيعتهم خاصة» و لكن الرجوع إلي رواياتهم كلّها يطرد هذا الوهم، إن كانوا من جهة اُخري يشدّدون النكيرعلي من يخالف طريقتهم و لا يأخذ بهداهم و يكفي أن تقرأ حديث معاوية بن وهب (1) قال:

«قلت له أي الصادق عليه السّلام :

كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا و بين قومنا و بين خلطا ئنا من الناس

ممن ليسوا علي أمرنا،

________

1) اصول الكافي: كتاب العشرة، الباب الاول.

223

فقال:

تنظرون إلي ائمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون، فوالله، إنهم ليعودون مرضاهم و يشهدون جنائزهم و يقيمون الشهادة لهم و عليهم و يؤدّون الأمانة إليهم».

أمّا الاُخوّة الإسلامية و قد سمعت بعض الأحاديث في فصل تعريف الشيعة. و يكفي أن تقرأ هذه المحاورة بين أبان بن تغلب و بين الصادق عليه السلام من حديث أبان نفسه (1). قال أبان: كنت أطوف مع أبي عبدالله فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجته، فأشار إليّ، فرآنا أبوعبد الله.

قال:

يَا أَبَانُ إِيَّاكَ يُرِيدُ هَذَا

قُلْتُ نَعَمْ

قَالَ هُوَ عَلَي مِثْلِ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ

قُلْتُ نَعَمْ

قَالَ فَاذْهَبْ إِلَيْهِ

قُلْتُ فَأَقْطَعُ الطَّوَافَ

قَالَ نَعَمْ

قُلْتُ وَ إِنْ كَانَ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ

قَالَ نَعَمْ

قَالَ فَذَهَبْتُ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْدُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ عَلَي الْمُؤْمِنِ فَقَالَ

دَعْهُ لَا تَرِدْهُ فَلَمْ أَزَلْ أُرَدِّدُ عَلَيْهِ فَقَالَ

يَا أَبَانُ تُقَاسِمُهُ شَطْرَ مَالِكَ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ فَرَأَي مَا دَخَلَنِي فَقَالَ

يَا أَبَانُ أَ مَا تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ ذَكَرَ الْمُؤْثِرِينَ عَلَي أَنْفُسِهِمْ قُلْتُ بَلَي قَالَ

إِذَا أَنْتَ قَاسَمْتَهُ فَلَمْ تُؤْثِرْهُ

بَعْدُ إِنَّمَا أَنْتَ وَ هُوَ سَوَاءٌ إِنَّمَا تُؤْثِرُهُ إِذَا أَنْتَ أَعْطَيْتَهُ مِنَ النِّصْفِ الْآخَرِ.

________

1) راجع الوسائل: كتاب الحج، أبواب العشرة، الباب 122، الحديث 16.

224

إنّما تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الآخر!

(أقول): إنّ واقعنا المخجل لايطمعنا أن نسمّي أنفسنا بالمؤمنين حقّاً. فنحن بواد و تعاليم أئمتنا عليهم السَّلام في واد آخر. و ما داخل نفس أبان يداخل نفس كل قاريء لهذا الحديث، فيصرف بوجهه متناسياً له كأنّ المخاطب غيره و لا يحاسب نفسه حساب رجل مسؤول.

الفصل الخامس المعاد

1 عقيدتنا في البعث و المعاد

1 عقيدتنا في البعث و المعاد

نعتقد أنّ الله تعالي يبعث الناس بعد الموت في خلق جديد في اليوم الموعود به عباده

فيثيب المطيعين و يعذّب العاصين و هذا أمر علي جملته و ما عليه من البساطة في العقيدة اتفقت عليه الشرايع السماويّة و الفلاسفة و لا محيص للمسلم من الاعتراف به، عقيدة قرآنية، جاء بها نبينا الأكرم صلي الله عليه و آله و سلّم فإن من يعتقد بالله اعتقاداً قاطعاً و يعتقد كذلك بمحمّد صلي الله عليه و آله رسولاً منه أرسله بالهدي و دين الحقّ، لابدّ أن يؤمن بما أخبربه القرآن الكريم، من البعث و الثواب و العقاب و الجنّة و النعيم و النار و الجحيم و قد صرّح القرآن بذلك و لمح إليه بما يقرب من ألف آية كريمة و إذا تطرّق الشك في ذلك إلي شخص فليس إلاّ لشكٍّ يخالجه في صاحب الرسالة أو وجود خالق الكائنات أو قدرته، بل ليس إلاّ لشكٍّ يعتريه في أصل الأديان كلّها و في صحة الشرايع جميعها.

2 عقيدتنا في المعاد الجسماني

المدخل

2 عقيدتنافي المعاد الجسماني

و بعد هذا، فالمعاد الجسماني بالخصوص ضرورة من ضروريات الدين الإسلامي، دّل صريح القرآن الكريم عليها: «أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلي قادرين علي أن نسوّي بنانه»، القيامة: 3، «وَ إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذا كُنَّا تُراباً أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيد»، الرعد: 5، «أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيد»، ق: 14.

و ما المعاد الجسماني علي إجماله إلاّ إعادة الإنسان في يوم البعث و النشور ببدنه بعد الخراب و إرجاعه إلي هيئته الاُولي بعد أن يصبح رميماً. و لا يجب الاعتقاد في تفصيلات المعاد الجسماني أكثر من هذه العقيدة علي بساطها التي نادي بها القرآن و أكثر مما يتبعها من الحساب و الصراط و الميزان و الجنة و النار و

الثواب و العقاب بمقدار ما جاءت به التفضيلات القرآنيّة.

ولا تجب المعرفة علي التحقيق التي لا يصلها إلاّ صاحب النظر الدقيق، كالعلم بأنّ الأبدان هل تعود بذواتها أو إنّما يعود ما يماثلها بهيئاتها و أنّ الأرواح هل تعدم كالأجساد أو تبقي مستمرّة حتّي تتصل

228

بالأبدان عند المعاد و أنّ المعاد هل يختصّ بالإنسان أو يجري علي كافّة ضروب الحيوان و أن عودها بحكم الله دفعي أو تدريجي. و إذا لزم الاعتقاد بالجنّة و النار لاتلزم معرفة وجودهما الآن و لا العلم بأنّهما في السماء أو الأرض أو يختلفان و كذا إذا وجبت معرفة الميزان لاتجب معرفة أنّها ميزان معنوية، أو لها كفّتنان و لا تلزم معرفة أنّ الصراط جسم دقيق أو هو الاستقامة المعنويّة و الغرض أنّه لا يشترط في تحقيق الإسلام معرفة أنّها من الأجسام … » (1).

نعم، إن تلك العقيدة في البعث و المعاد علي بساطتها هي التي جاء بها الدين الإسلامي، فإذا أراد الإنسان أن يتجاوزها إلي تفصيلها بأكثر ممّا جاء في القرآن ليقنع نفسه دفعاً للشبه التي يثيرها الباحثون و المشكّكون بالتماس البرهان العقلي، أو التجربة الحسيّة، فإنّه إنّما يجني علي نفسه و يقع في مشكلات و منازعات، لانهاية لها. و ليس في الدين ما يدعو إلي مثل هذه التفصيلات التي حشدت بها كتب المتكلمين و المتفلسين و لا ضرورة دينية و لا إجتماعية و لا سياسية تدعو إلي أمثال هاتيك المشاحنات و المقالات المشحونة بها الكتب عبثاً و التي استنفدت كثيراً من جهود المجادلين و أوقاتهم و تفكيرهم بلا فائدة.

والشبه و الشكوك التي تثار حول التفصيلات يكفي في ردّها قناعتنا بقصور الإنسان عن إدراك هذه الاُمور الغائبة عنّا و الخارجة عن اُفقنا

و محيط وجودنا و المرتفعة فوق مستوانا الأرضي، مع علمنا بأنّ الله تعالي العالم القادر أخبرنا عن تحقيق المعاد و وقوع البعث.

________

1) في هامش نسختنا: مقتبس من كتاب كشف الغطاء: ص 5 للشيخ الكبير كاشف الغطاء.

229

و علوم الإنسان و تجربياته و أبحاثه يستحيل أن تتناول شيئاً لا يعرفه و لا يقع تحت تجربته و اختباره إلاّ بعد موته و انتقاله من هذا العالم عالم الحس و التجربة و البحث فكيف ينتظر منه أن يحكم باستقلال تفكيره و تجربته بنفي هذا الشيء أو إثباته، فضلاً عن أن يتناول تفاصيله و خصوصيّاته إلاّ إذا اعتمد علي التكهن و التخمين أو علي الاستبعاد و الاستغراب، كما هو من طبيعة خيال الإنسان أن يستغرب كلّ مالم يألفه و لم يتناوله علمه و حسّه كالقائل المندفع بجهله لاستغراب البعث و المعاد «من يحيي العظام و هي رميم». و لا سند لهذا الاستغراب إلاّ أنّه لم ير ميّتاً رميماً قد اُعيدت له الحياة من جديد، ولكنّه ينسي هذا المستغرب كيف خلقت ذاته لأوّل مرّة و لقد كان عدماً و أجزاء بدنه رميماً تألّفت من الأرض و ما حملت و من الفضاء و ما حوي من هنا و هنا حتّي صار بشراً سوياً ذا عقل و بيان «أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَه .

يقال لمثل هذا القائل الذي نسي خلقه: «أولم ير الإنسان أنّا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين و ضرب لنا مثلاً و نسي خلقه».

يقال لمثل هذا القائل الذي نسي خلقه: «يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيم يقال له: إنّك بعد

أن تعترف بخالق الكائنات و قدرته و تعترف بالرسول و ما أخبر به، مع قصور علمك حتّي عن إدراك سرّ خلق ذاتك و سرّ تكوينك، فكيف كان نموّك و انتقالك من نطفة لاشعور لها و لا إرادة و لا عقل إلي مراحل متصاعدة مؤتلفاً من ذرات متباعدة، لبلغ بشراً سويّاً عاقلاً مدبراً ذا شعور و إحساس. يقال له: بعد هذا كيف تستغرب أن تعود لك الحياة من جديد بعد أن تصبح رميماً و أنت بذلك تحاول أن تتطاول إلي معرفة ما لاقبل لتجاربك

230

و علومك بكشفه؟ يقال له: لا سبيل حينئذٍ إلاّ أن تذعن صاغراً للاعتراف بهذه الحقيقة التي أخبر عنها مدبّر الكائنات العالم القدير و خالقك من العدم و الرميم. و كلّ محاولة لكشف ما لا يمكن كشفه و لا يتناوله علمك، فهي محولة باطلة و ضرب في التيه و فتح للعيون في الظلام الحالك أنّ الإنسان مع ما بلغ من معرفة في هذه السنين الأخيرة، فاكتشف الكهرباء و الردار و استخدم الذرّة، إلي أمثال هذه الاكتشافات التي لو حدّث عنها في السنين الخوالي، لعدّها من أوّل المستحيلات و من مواضع التندّر و السخريّة، إنّه مع كلّ ذلك لم يستطع كشف حقيقة الكهرباء و لا سرّ الذرة، بل حتّي حقيقة احدي خواصّها و أحد أوصافها، فكيف يطمع أن يعرف سرّ الخلقة و التكوين، ثم يترقّي فيريد أن يعرف سرّ المعاد و البعث.

نعم ينبغي للإنسان بعد الإيمان بالإسلام أن يجتنب عن متابعة الهوي و أن يشغل فيما يصلح أمر آخرته و دنياه و فيما يرفع قدره عندالله و أن يتفكر فيما يستعين به علي نفسه و فيما يستقبله بعد الموت من شدائد القبر و الحساب بعد

الحضور بين يدي الملك العلاّم و أن يتّقي «ييَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَ لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَ لا هُمْ يُنْصَرُون (1) و يقع البحث في مقامات:

الأوّل: معاد في الاصطلاح هو زمان عود الروح إلي بدنه

الأوّل:

في أنّ المعاد بفتح الميم في الاصطلاح هو زمان عود الروح إلي بدنه الذي تعلّق به في الحياة الدنيا، فالمراد به هو يوم القيامة أو هو مكان عود الروح

231

إلي بدنه المذكور، فالمراد به حينئذٍ هو الآخرة و قد يستعمل المعاد بمعناه المصدري من عاد يعود عوداً و معاداً، فالمراد به هو عودة الأرواح إلي أبدانها هذا كلّه بناء علي بقاء الروح و انفكاكه عن البدن بالموت كما هو المختار و أمّا بناء علي اتحاده مع البدن و فنائه بالموت، فالمراد من المعاد حينئذٍ هو الوجود الثاني للأجسام و الأبدان و إعادتها بعد موتها و تفرّقها و كيف كان فقد استعمل المعاد في القرآن الكريم و لكن لم يعلم أنّ المقصود منه هو المعاني الاصطلاحية المذكورة لإحتمال أن يكون المقصود منه محل عود النبي إليه و هو مكّة «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلي مَعاد» (1).

و أمّا كلمة الميعاد فهي مستعملة في يوم القيامة و لكنّه ليست من العود بل هي من الوعد «رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ» (2).

نعم شاع استعماله في كلمات المتشرعة، بل في الآثار و الأخبار و منها ما ورد عن مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام :

«فاتقوا الله تقية من سمع فخشع إلي أن قال : و أطاب سريرة و عمّر معاداً و استظهر زاد اليوم ليوم رحيلة» (3).

و منها ما جاء في بعض الأدعية: «اللّهم صلّ علي محمَّد

و آل محمَّد أهل الذكر الذين اُمرت بمسألتهم و ذوي القربي الذين اُمرت بمودّتهم و فرضت حقّهم و جعلت الجنة معاد من اقتصّ آثارهم» (4).

الثاني: الإنسان الحي ليس بدناً محضاً و لا روحاً محضاً

الثاني: أنّ الإنسان الحي ليس بدناً محضاً و لا روحاً محضاً،

بل هو مركب من الروح و البدن و الروح و إن لم يعلم حقيقته و لكن يعلم أنّه غير البدن و قابل

________

1) القصص: 85.

2) آل عمران: 9.

3) نهج البلاغة فيض الاسلام: ج 1 ص 178، الخطبة 82.

4) مفاتيح الجنان: أعمال يوم الغدير.

232

للارتباط مع ماوراء الطبيعة و للإرسال و الإحضار و باق بعد موت البدن و يشهد لذلك مضافاً إلي ما نجده من الفرق بينهما بالعلم الحضوري بالروح دون البدن و رؤية بعض الأرواح في بعض المنامات الصادقة بعد موت الأشخاص و غير ذلك قوله تعالي في القرآن الكريم: « وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُون (1) و لا يختصّ ذلك بالشهداء، لقوله تعالي في آل فرعون: «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذاب (2)؛ لصراحة الآية الكريمة علي بقاء آل فرعون إلي يوم القيامة و عذابهم صباحاُ و مساء فالشهداء و الكفّار لا يفنون بفناء أبدانهم، بل كلّ من يموت لا يفني، بل هو باق بنصّ قوله تعالي: «حَتَّي إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلي يَوْمِ يُبْعَثُون (3)؛ لصراحة «ارْجِعُونِ » في أنّهم رحلوا عن الدنيا و دخلوا في النشأة الاُخري و هي البرزخ، فمع موت الأبدان و الرحلة عن الدنيا تكون الأرواح باقية في البرزخ و

لهم مطلوبات و تمنّيات و مكالمات و مخاطبات و أيضاً تبقي كلّ نفس بنصّ قوله تعالي أيضاً: «قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلي رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ » (4)؛ إذ المراد من التوفّي: هو الأخذ و المأخوذ هو شيء غير البدن أخذه الملك و حفظه و أرجعه إلي ربّه.

قال بعض المحققين: «هذه الآية دلّت علي أنّ في الإنسان شيئاً آخر غير البدن يأخذه ملك الموت و علي أنّ الروح تبقي بعد الموت و علي أنّ حقيقة الإنسان و شخصيته بذلك الروح الذي يكون عند ملك الموت» (5) و الأصرح من هذه الآية قوله تعالي: «اللَّهُ يَتَوَفَّي الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها

________

1) البقرة: 154.

2) غافر: 46.

3) المؤمنون: 99 100.

4) السجدة: 11.

5) راجع معارف القرآن: جلسة 50 ص 432.

233

فيمسك التي قضي عليها الموت و يرسل الاُخري إلي أجل مسمّي إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» (1)؛ إذ الإمساك و الإرسال بعد الأخذ و التوفّي ممّا يصرّحان علي وجود شيء آخر مع البدن و هو الروح و هو يبقي بعد الموت و يمسكه الله تعالي و غير ذلك من الأدلّة المتعددة المتظافرة القطعيّة (2).

الثالث: أنّ بين الحياة الدنيويّة و الحياة الاُخروية

الثالث: أنّ بين الحياة الدنيويّة و الحياة الاُخروية حياة اُخري،

و هي الحياة البرزخية و الآيات الدالّة علي تلك الحياة متعددة و قد مرّ شطر منها و بقيت الاُخري، منها: قوله تعالي: «وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُون … » (3)؛ لأنّ البشارة بالذين لم يلحقوا بهم بعد القتل في سبيل

الله و الشهادة لا تكون إلاّ في الحياة البرزخية.

و منها: قوله تعالي: « قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِين (4)؛ إذ التمنّي بعد القتل و الدخول في الجنة بالنسبة إلي قومه الذين قتلوه و لم يسمعوا إرشاده و كانوا أحياء لا يكون إلاّ في الحياة البرزخية، قال بعض الأعلام بعد نقل جملة من الآيات الدالّة علي الحياة البرزخية : ظاهر الآيات الكريمة أنّ الإنسان المؤمن بعد الموت يدخل الجنّة كما في قوله تعالي: «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُون و قوله تعالي: «فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَ رَيْحان

________

1) الزمر: 42.

2) راجع الكتب التفسيرية و الحديثية و الفلسفية منها: دررالفوائد: ج 2 ص 355 375 و نامه رهبران: ص 444 و معرفت نفس و گوهر مراد: ص 9 و 96 و 431.

3) آل عمران: 169 170.

4) يس: 25 27.

234

فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَ رَيْحان و قوله تعالي: « وَ ادْخُلِي جَنَّتِي و قوله تعالي: «قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُون ؛ لأنّ الظاهر الأمر بدخول الجنّة بعد موتهم لا يوم القيامة، بل قوله تعالي: «قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّة» صريح في أنّه في البرزخ لقوله تعالي: «قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُون .

كما أنّ بعض الآيات الكريمة ظاهرة في المطلب و إن لم يذكر فيها لفظ الجنّة من أجل أنّ الرزق بكرة و عشياً ليس من صفات الجنّة الاصليّة؛ لأن النعم فيها دائميّة و لا بكرة فيها و لا عشيء لعدم الشمس و قتئذٍ كما يأتي إن شاء الله تعالي أنّ «فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ

الْأَعْيُن و «أنّ أُكُلُها دائِم و أنّ فواكهها «لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَة» و «لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنا مَزِيد و يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِين و «يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَ شَراب انتهي موضع الحاجة (1).

أقول: و قد دلّ بعض الآيات علي أنّ الكفار كآل فرعون أيضاً لهم حياة برزخية و يعذّبون فيها بكرة و عشياً، فلا تختصّ الحياة البرزخية بالمؤمنين، هذا مضافاً إلي تواتر الأخبار بوجود الحياة البرزخية، كالروايات الدالّة علي السؤال في القبر و ضغطة القبر و الروايات الدالّة علي أنّ القبر، أمّا روضة من رياض الجنّة، أو حفرة من حفر النيران و الروايات الدالّة علي أنّ الأموات بعد قبض الروح يتلاقون و يتعارفون و يتساءلون، كما عن أبي عبدالله عليه السَّلام قال:

«إذا مات الميت اجتمعوا عنده فأسألوه عمّن مضي و عمّن بقي، فإن كان مات و لم يرد عليهم، قالوا: قد هوي هوي، بعضهم: دعوه حتي يسكن ممّا مرّ عليه من الموت» (2).

________

1) رسالة في المعاد: ج 2 ص 2 للعلاّمة الحاج الشيخ ميرزا علي الاحمدي مدظله و هي مخطوطة.

2) رسالة في المعاد: ج 1 ص 44 نقلاً عن الوافي: ج 3 ص 98 أبواب مابعد الموت باب 110.

235

والروايات الدالّة علي أنّ الأموات يأنسون بمن زار قبورهم و يدّعون في حقّ الأحياء و الروايات الدالّة علي أنّ أرواح المؤمنين قبل قيام الساعة في حجرات في الجنّة يأكلون من طعامها و يشربون من شرابها و يتزاورون فيها و يقولون: ربّنا أقم لنا الساعة لتنجز لنا ما وعدتنا و الروايات الدالّة علي أنّ أرواح الكفّار في حجرات النار يأكلون من طعامها و يشربون من شرابها و يتزاورون فيها و يقولون: ربّنا لا

تقم لنا الساعة لتنجز لنا وعدتنا.

والروايات الدالّة علي أنّ أرواح المؤمنين حشرهم الله إلي وادي السلام في ظهر الكوفة و هم حلق قعود يتحدثون.

والروايات الدالّة علي مكالمة النبي أو الأئمة عليهم صلوات الله مع الأموات، كما روي عن النبيّ صلّي الله عليه و آله :

«أنّه وقف علي قليب بدر فقال للمشركين الذين قتلوا يومئذ و قد ألقوا في القليب: لقد كنتم جيران سوء لرسول الله صلّي الله عليه و آله أخرجتموه من منزلة و طردتموه، ثم اجتمعتم عليه فحاربتموه، فقد وجدت ما وعدني ربّي حقّاً، فقال له عمر: يا رسول الله ما خطابك لهام قد صديت، فقال له: مه يابن الخطاب فوالله ما أنت بأسمع منهم و ما بينهم و بين أن تأخذهم الملائكة بمقامع الحديد إلاّ أن اُعرض بوجهي هكذا عنهم» (1) و غير ذلك من طوائف الأخبار.

ثم إنّ الظاهر من الأخبار أنّ الأرواح في عالم البرزخ يعيشون في قالب مثالي كأبدانهم، كم ورد عن أبي ولاّد عن أبي عبدالله عليه السَّلام قال:

«قلت له: جعلت فداك يروون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش فقال:

لا، المؤمن أكرم علي الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير، لكن في أبدان كأبدانهم» (2) و في رواية اُخري: «فإذا قبضه الله عزّوجلّ صيّر

________

1) بحار الأنوار: ج 6 ص 254.

2) بحار الأنوار: ج 6 ص 268.

236

تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا فيأكون و يشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصور التي كانت في الدنيا» (1) فالحياة الرزخية مسلمة لا مجال للتشكيك فيها.

الرابع: أنّ حقيقة الموت ليست هي الانعدام و الفناء،

الرابع: أنّ حقيقة الموت ليست هي الانعدام و الفناء،

بل هي انقطاع ارتباط الأرواح مع الأبدان و الانتقال من الحياة الدنيويّة إلي الحياة

البرزخية و قد عرفت قيام الأخبار المتواترة جداً علي بقاء الأرواح بعد الموت و وجود الحياة البرزخية و إليه يشير ما عن مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام :

«أيّها الناس إنّا خلقنا و إيّاكم للبقاء لا للفناء، ولكنكم من دار تنقلون، فتزودوا لما أنتم صائرون إليه و خالدون فيه و السلام» (2).

وما عن الحسن بن علي عليهما السَّلام حيث سئل: «ما الموت الذي جهلوه؟ أنّه قال:

أعظم سرور يرد علي المؤمنين إذا نقلوا عن دار النكد إلي نعيم الأبد و أعظم ثبور يرد علي الكافرين إذا نقلوا عن جنّتهم إلي نار لا تبيد و لا تنفد» (3).

وما عن علي بن الحسين عليهما السَّلام أنّه قال:

«لما أشتد الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالب، نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم، لأنّهم كلّما اشتد الأمر تغيّرت ألوانهم، وارتعدت فرائصهم و وجلت قلوبهم و كان الحسين صلوات الله عليه و بعض من معه من خصائصهم تشرق ألوانهم و تهدأ جوارحهم و تسكن نفوسهم، فقال بعض لبعض: انظروا لا يبالي بالموت، فقال لهم الحسين عليه السَّلام :

صبراً بني الكرام فما الموت إلاّ قنطرة يعبر بكم عن البؤس و الضرّاء إلي

________

1) بحار الأنوار: ج 6 ص 270.

2) بحار الأنوار: ج 73 ص 96.

3) بحار الأنوار: ج 6 ص 154.

237

الجنان الواسطة و النعيم الدائمة، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلي قصر؟ ! و ما هو لأعدائكم إلاّ كمن ينتقل من قصر إلي سجن و عذاب، أنّ أبي حدّثني عن رسول الله صلّي الله عليه و آله :

أنّ الدنيا سجن المؤمن و جنّة الكافر و الموت جسر هؤلاء إلي جنانهم و جسر هؤلاء إلي جحيمهم و ما كذبت و لا كذبت»

(1) و قال أيضاً في خطبته المعروفة: «خطّ الموت علي ابن آدم مخطّ القلادة علي جيد الفتاة» إلي آخرها، مع أنّ الزينة بدون المتزين لا إمكان لها. و قيل لمحمَّد بن علي عليهما السّلام :

«ما الموت قال:

هو النوم الذي يأتيكم كلّ ليلة إلاّ أنّه طويل مدته لا ينتبه إلاّ يوم القيامة، فمن رأي في نومه من أصناف الفرح مالا يقادر قدره و من أصناف الأهوال مالا يقادر قدره، فكيف حال فرح في النوم و وجل فيه، هذا هو الموت فاستعدوا له» (2).

فالموت ليس إعداماً للإنسان فإطلاق الإعدام و الإفناء علي بعض أنواع الموت لا يكون علي سبيل الحقيقة؛ إذ الأرواح باقية و تشخص الأشخاص بالأرواح، فزيد باق مادام روحه باقياً؛ إذ البدن كالثوب فكما أنّ نزع الثوب لا يوجب سلب الزيدية عن زيد، فكذلك نزع البدن لا يوجب ذلك و لذا كثيراً ما رأينا آباءنا أو اُمهاتنا أو أقرباءنا أو أصدقاءنا في المنام بعد مماتهم و نقول: رأيناهم و لا يكون إسناد الرؤية إليهم إسناداً مجازيّاً و ربّما يخبرونا بالواقعيات و بما يختصّ بهم، ممّا لم يعلم به إلاّ بهم، فهذه آية وجودهم في الواقع من دون ريب و الرتياب.

بل الموت وسيلة انتقال للإنسان و ارتقائه و تخليصه عن الأوساخ و الأقذار و سبب نجاته عن سجن الدنيا و كدوراتها و موجب لاستراحة المؤمن و إراحة الناس عن الكفّار و الأشرار و هو حقّ يأتي كلّ إنسان «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ

________

1) بحار الأنوار: ج 6 ص 154.

2) بحار الأنوار: ج 6 ص 155.

238

مَيِّتُونَ».

الخامس: إعادة الأرواح إلي الأبدان في القيامة لا تكون إعادة المعدوم

الخامس: أنّ إعادة الأرواح إلي الأبدان في القيامة لا تكون إعادة المعدوم،

لأنّ المفروض كما عرفت هو بقاء الأرواح في البرزخ، فالأرواح لاتكون

معدومة حتّي تكون إعادتها إعادة المعدوم، كما لا يكون أيضاً إعادة أجزاء البدن إعادة المعدوم، لأنّ الأجزاء المتفرقة موجودة معلومة عندالله تعالي و لا يعزب شيء منها عن علمه تعالي مهما تبدّلت و تغيّرت.

هذا مضافاً إلي عدم اشتراط بقاء أجزاء مادة البدن في عينية الإنسان المُعاد و اتحاده مع الإنسان الذي كان في الدنيا عقلاً؛ لما عرفت من أنّ تشخص الشخص بحقيقة و هي روحه و لذا لم يضر ببقائه تبدّل أجزائه في الحياة الدنيا بتمامها، مع ما قبل من أنّ أجزاء الإنسان تتبدّل مرّات عديدة في طول سنوات عمره (1) و يشهد له حكم المحاكم بمجرمية من ارتكب جرماً في أيام شبابه، ثم هرب و اُخذ في أيام هرمه و لزوم عقوبته مع تبدّل أجزاء بدنه مرّات عديدة، في طول حياته فلو خلق مثل بدن ميت في العقبي و اُعيد روحه إليه، لكانت العينيّة محفوظة كما لا يخفي و لكن مقتضي الأدلّة الشرعيّة هو خلق البدن من الأجزاء المتفرّقة التي كانت بدناً له في أيام الدنيا، كما يشهد له قوله تعالي: «وَ كَذلِكَ تُخْرَجُون (2)، فإنّ الإخراج و الخروج فرع بقائهم في الأرض و إلاّ فلا يصدق عنوان الإخراج و الخروج و غير ذلك من الشواهد و الأدلّة.

ولعلّ إليه يؤول ما ذكره المحقق اللاهيجي قدّس سرّه : «من أنّ المحققين يقولون: إنّ البدن بعد مفارقة الروح و إن انعدم بحسب الصورة و لكن يبقي بحسب المادة ففي وقت الإعادة اُفيض عليها مثل الصورة الأوّلية و تتعلّق الروح الباقية بالبدن المعاد (وتتحد الهوهوية) لأنّ تشخّص الإنسان بتشخّص النفس

________

1) راجع معارف قرآن: جلسة 49 ص 414 421.

2) الروم: 19.

239

الناطقة، التي هي الروح و لا دخل في

تشخص النفس الناطقة إلاّ مادة البدن مع صورة ما، فالصورة المعينة لا مدخلية لها، ألا تري أن شخص الطفل بعينه هو شخص الكهل، أو الشيخ، مع أنّ بدن الكهل أو الشيخ، ليس بدن الطفل بعينه، فإذا كانت روح المثاب روح المطيع الباقي بعينه و مادة بدنه مادة بدنه بعينها، فلا يلزم أن يكون المثاب غير المطيع، كما لا يلزم أن يكون الكهل غير الطفل» (1) و لا يخفي عليك أنّه إن أراد من قوله:

«ولا دخل في تشخّص النفس الناطقة» إلخ، دخالة مادة ما في تشخّص النفس الناطقة عقلاً، ففيه منع، لما عرفت آنفاً.

و إن أراد دخالتها شرعاً فهو و إليه يرجع أيضاً ما في متن تجريد الاعتقاد حيث قال:

«و يتأوّل (أي العدم يتأول) في المكلّف (بفتح اللام) بالتفريق كما في قصة إبراهيم عليه السَّلام » و قال الشارح العلاّمة في شرح عبارة المحقق الطوسي قدّس سرّهما : «و أما المكلّف الذي يجب إعادته فقد أوّل المصنّف رحمه الله معني إعدامه بتفريق أجزائه و لا امتناع في ذلك إلي أن قال : فإذا فرّق أجزاءه كان هو العدم، فإذا أراد الله تعالي إعادته جمع تلك الأجزاء و ألّفها كما كانت، فذلك هو المعاد» إلي آخر عبارته فراجع (2).

ولا استغراب في هذا الجمع عن الحكيم القدير الخبير، روي علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي أيّوب عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السّلام :

«إنّ إبراهيم عليه السَّلام نظر إلي جيفة، علي ساحل البحر تأكلها سباع البر و سباع البحر ثم يثب السباع بعضها علي بعض، فيأكل بعضها بعضاً، فتعجب إبراهيم عليه السَّلام فقال:

«رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْي

________

1) سرمايه ايمان: ص 159

160.

2) شرح تجريد الاعتقاد: ص 402، الطبع الجديد.

240

الْمَوْتي فقال اللّه له: «أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلي وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلي كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم فأخذ إبراهيم صلوات الله عليه الطاووس و الديك و الحمام و الغراب، قال الله عزّوجلّ: «ّ: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ » أي قطعهن ثم اخلط لحماتهن (لحمهن خ ل) و فرّقها علي كلّ عشرة جبال، ثم خذ مناقيرهن و ادعهن يأتينك سعياً، ففعل إبراهيم ذلك و فرّقهن علي عشرة جبال ثم دعاهن فقال:

أجيبيني بإذن الله تعالي، فكانت يجتمع و يتألف لحم كلّ واحد و عظمه إلي رأسه و طارت إلي إبراهيم، فعند ذلك قال إبراهيم: «أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم (1) قال العلاّمة المجلسي قدّس سرّه : «تلك الأخبار تدلّ علي أنّه تعالي يحفظ أجزاء المأكول في بدن الآكل و يعود في الحشر إلي بدن المأكول كما أخرج تلك الأجزاء المختلطة و الأعضاء الممتزجة من تلك الطيور و ميّز بينها» (2).

و روي عن هشام بن الحكم أنّه قال الزنديق للصادق عليه السّلام :

«أنّي للروح بالبعث و البدن قد بلي و الأعضاء قد تفرّقت؟ فعضو في بلدة تأكلها سباعها و عضو باُخري تمزّقه هوامها و عضو قد صار تراباً، بني به مع الطين حائط قال:

إنّ الذي أنشأه من غير شيء و صوّره علي غير مثال كان سبق إليه، قادر أن يعيده كما بدأه، قال:

أوضح لي ذلك، قال:

إنّ الروح مقيمة في مكانها: روح المحسنين في ضياء و فسحة و روح المسيء في ضيق و ظلمة و البدن يصير تراباً منه خلق (وفي المصدر: كما منه

خلق) و ما تقذف به السباع و الهوام من أجوافها، فما أكلته و مزقته كلّ ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض و يعلم عدد الأشياء و وزنها و أنّ تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب، فإذا كان حين البعث مطرت

________

1) بحار الأنوار: ج 7 ص 36 37.

2) بحار الأنوار: ج 7 ص 37.

241

الأرض فتربو الأرض، ثم تمخض مخض السقاء، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب، إذا غسل بالماء و الزبد من اللبن إذا مخض، فيجتمع تراب كلّ قالب (وفي المصدر: كلّ قالب إلي قالبه فينتقل) فينتقل بإذن الله تعالي إلي حيث الروح، فتعود الصور بإذن المصوّر كهيئتها و تلج الروح فيها فإذا قد استوي لا ينكر من نفسه شيئاً» (1).

و روي في الكافي عن عمّار بن موسي عن أبي عبدالله عليه السَّلام قال:

«سئل عن الميّت يبلي جسده، قال:

نعم، حتّي لا يبقي لحم و لاعظم إلاّ طينته التي خلق منها، فإنّها لا تبلي، تبقي في القبر مستديرة حتّي يخلق منها كما خلق أوّل مرّة» (2).

قال العلاّمة المجلسي قدّس سرّه : توضيح: «مستديرة أي بهيئة الاستدارة أو متبدلة متغيرة في أحوال مختلفة ككونها رميماً و تراباً و غير ذلك، فهي محفوظة في كلّ الأحوال» (3) انتهي موضع الحاجة.

و عليه فلا مانع جمع المتفرّقات خصوصاً إذا اكتفي بالطينة الأصلية كما هو مفاد بعض الأخبار.

السادس: عود الأرواح إلي أبدانها ممكن ذاتاً و لا استحالة فيه

السادس: في إمكان المعاد: و لا يخفي أنّ عود الأرواح إلي أبدانها ممكن ذاتاً و لا استحالة فيه،

لما عرفت من أنّ عود الأرواح إلي أبدانها ليس إعادة المعدوم، حتّي يقال باستحالتها؛ لأنّ المعدوم لا شيئية له حتّي يعاد، ففرض إعادة المعدوم لا يعقل إلاّ إذا

فرض المعدوم موجوداً حتّي يكون قابلاً للاعادة و مع هذا الفرض يجتمع العدم و الوجود في شيء واحد و هو محال و أيضاً عودة الأرواح و تجديد الحياة، تكون بعد موت الأبدان، لا في حال موت الأبدان حتّي يكون تناقضاً، فمع عودة الأرواح عادت الحياة و لا موت للأبدان، فلا

________

1) بحار الأنوار: ج 7 ص 37 38.

2) بحار الأنوار: ج 7 ص 43.

3) بحار الأنوار: ج 7 ص 43.

242

يجتمع موت الأبدان مع حياتها حتّي يناقضها و عليه فالمعاد هو إعادة الموجود إلي الموجود، لبقاء الأرواح و لبقاء أجزاء الابدان، أو مادتها و تجديد حياة الأبدان بعد موتها لا في حال موتها و هذا لا إستحالة فيه، بل أمر ممكن ذاتاً هذا كلّه بالنسبة إلي الإمكان الذاتي.

و أمّا الإمكان الوقوعي فهو أيضاً واضح؛ إذ لا يستلزم المعاد محالاً، بل المقتضي لوجوده موجود و لا مانع منه، أمّا المقتضي فهو لتماميّة شرط الفاعلية بسبب كونه موافقاً للحكمة و العدالة و نحوهما كما سيأتي إن شاء الله بيانه و أمّا عدم المانع فلعدم وجه صحيح ليمتنع وقوعه، بل أدلّ شيء علي إمكان وقوعه، هو وقوع مثل المعاد و هو الرجعة في الدنيا؛ إذ الرجعة في الحقيقة عود الأرواح إلي أبدانها كالمعاد و إنّما الفرق بينهما في التوقيت و عدمه و قد عرفت آنفاً إمكان الرجعة و وقوعها في الاُمّة السالفة بنصّ القرآن الكريم و عرفت أيضاً قيام الأخبار المتواترة علي وقوعها في الاُمة الإسلامية بعد ظهور الإمام الثاني عشر أرواحنا فداه فما تخيل أنّه مانع ليس بمانع و إنّما هو حاك عن قصور المتخيل في درك الحقائق كما لا يخفي، فلا يبقي إلاّ استبعادات من الكفّار و الملحدين

و هذا الاستبعادات ناشئة عن قياس قدرة الخالق و علمه بقدرة المخلوق و علمه، وإ لاّ فمن آمن بالله تعالي و أوصافه علي ما اقتضته الأدلّة و البراهين القطعيّة، لا يستبعد صدور شيء منه تعالي و قد أشار إلي بعضها في القرآن الكريم مع الجواب عنه كقوله تعالي: «وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيم (1) و الآية الكريمة أشارت إلي قدرته تعالي التي أوجبت إنشاء العظام و غيرها أوّل مرّة و إلي علمه الواسع الذي لا يعزب عنه شيء من المخلوقات

________

1) يس: 78.

243

حتّي يرفع استبعادهم في عودة حياة العظام البالية و في جمع الأجزاء المتفرّقة في أقطار الأرض و أكّد ذلك في ضمن آيات عديدة اُخري أيضاً، منها قوله تعالي: «أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلي أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلي وَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ «1»، و منها قوله تعالي: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ- إلي أن قال عزّ شأنه-: وَ تَرَي الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ» (2).

فمن شك في صدور المعاد عن قدرته تعالي فلينظر إلي ما صدر و ما يصدر عنه تعالي في خلقة الإنسان مع عجائب ما فيه و في خلقة الأشجار و الأثمار و النباتات، فهل يمكن أن يقدر الله تعالي علي مثل هذه الاُمور و لا يقدر علي إحياء الموتي بعد تفرّق أجزائهم، فالتأمل حول قدرته تعالي و العلم بأنّها مطلقة

و هكذا التأمل حول علمه تعالي و أنّه لا يعزب شيء عن حيطة علمه، يوجب رفع الاستبعادات و الظنون الواهية؛ إذ لا موجب لها، بل هذه الظنون و الدعاوي الباطلة لا توافق حكمة الله تعالي و قد أشار إليه في كتابه العزيز بقوله:

« «وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ» (3) و سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالي عند الإشارة إلي الأدلّة العقليّة لوقوع المعاد و و جوبه.

ثم إنّ هذه الظنون سواء كانت عن الذين آمنوا بالله، أو عن الذين لم يؤمنوا به، التي لا دليل عليها تنشأ عن ضعفهم في المعرفة بالله تعالي و قدرته و علمه، مضافاً إلي مطابقتها لأهوائهم و أميالهم الفاسدة، لأنّ الاعتقاد بالمعاد يصلح المرادعية و الدعوة إلي ترك اللذات و الشهوات الفاسدة، فبإنكار المعاد يرفع

________

1) يس: 81.

2) الحج: 5.

3) ص: 27.

244

هذا الرادع عن أمامهم و لعلّ إليه يشير قوله تعالي: «لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلي قادِرِينَ عَلي أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ» (1)، فإرادتهم للشهوات و الهواء من دون مانع تدعوهم إلي الإنكار، كما يشهد قوله تعالي: «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَ ما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ» (2). علي أنّ التجاوز و الذنوب ألجأتهم إلي الإنكار. فينقدح ممّا ذكر أنّ المعاد الجسماني أمر ممكن ذاتاً و وقوعاً و لا دليل علي خلافه.

السابع: في حتمية المعاد

السابع: في حتمية المعاد،

ولا ريب أنّ القرآن الكريم أخبر عن وقوع القيامة و المعاد أخباراً جزميّاً قطعيّاً مع التأكيدات المختلفة. و تعرّض لخصوصياته في ضمن

آيات كثيرة التي تقرب من ألفين علي ما ذكره بعض المحققين و إليك بعض الآيات: «وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ» (3).

و في هذه الآية أخبر عن وقوع القيامة و المعاد الجسماني بالجزم و القطع و نفي عنه مطلق الريب و الشكّ مع التأكيدات و أكّد وقوعها في ضمن آيات اُخر بالقسم كقوله عزّ شأنه:

«زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلي وَ رَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَ ذلِكَ عَلَي اللَّهِ يَسِيرٌ» (4) و في هذه الآية ذكر أصناف التأكيدات من القسم و لام القسم و نون التأكيد و قرن هذه التأكيدات بمثل قوله:

«وذلك علي الله يسير» في ذيل الآية، لبيان حتميّة البعث و النشر من القبور الذي أنكره الكفار و عبّر عن القيامة و البعث المذكور بالماضي، لحتمية وقوعه كقوله عزّ شأنه: «إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ» (5) و قوله تعالي: «إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها» (6).

________

1) القيامة: 1 5.

2) المطففين: 10 12.

3) الحج: 7.

4) التغابن: 7.

5) الواقعة: 1.

6) الزلزال: 1.

245

وجعل القيامة قريبة ممكنة خلافاً لما تخليه الكفّار من كونها بعيدة و قال جلّ جلاله: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَ نَراهُ قَرِيباً» (1) و أرسل رسله للإنذار و التبشير بالآخرة و القيامة، كما قال تعالي: « «وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ» (2) و ليس ذلك إلاّ لحتمية و قوعها و أيضاً جعل القيامة من ميعاده التي لا تخلف فيها، لحتمية وقوعها، كما قال تعالي: «رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ» «3».

و غير ذلك من الآيات، فإنّ كلّها تحكي عن حتميّة وقوع القيامة و البعث و النشور المذكور في

القرآن بالمطابقة أو الملازمة، فإنّ بيان أوصاف القيامة و بيان أوصاف المؤمنين و الكافرين و المجرمين، أو بيان أوصاف الجنّة و الجحيم أو غير ذلك، أيضاً تدلّ علي حتمية وقوع القيامة و البعث و النشور؛ إذ البحث عن هذه الخصوصيّات يكون بعد الفراغ عن أصل وقوعها.

ثم إنّ مقتضي قوله:

«وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتي قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلي وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلي كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (4) و غيره هو أنّ المعاد الذي آمن به إبراهيم و غيره في الأزمان السالفة قبل الإسلام هو المعاد الجسماني.

فالآيات القرآنية تدلّ بالصراحة علي وقوع المعاد و حتميته و علي كونه معاداً جسمانياً و علي كونه مما اعتقد و آمن به كلّ نبيّ و كل مرسل و كلّ مؤمن في كلّ عصر من الأعصار الماضية، هذا مع قطع النظر عن الأخبار و الروايات و المتواترات الواردة في المعاد الجسماني، فلا مجال للريب في أصل وقوع المعاد و في كونه جسمانيّاً، بمعني عودة الأرواح إلي أبدانها و لا في أدلّة المعاد لصراحتها و تواترها.

________

1) المعارج: 7.

2) الأنعام: 48.

3) آل عمران: 9.

4) البقرة: 260.

246

ولقد أفاد و أجاد العلاّمة الحلي قدّس سرّه حيق قال:

«المعاد الجسماني معلوم بالضرورة من دين محمَّد صلّي الله عليه و آله و سلّم و القرآن دلّ عليه في آيات كثيرة بالنصّ، مع أنّه ممكن فيجب المصير إليه و إنّما قلنا بأنّه ممكن؛ لأنّ المراد من الإعادة جمع الأجزاء المتفرقة و ذلك جايز بالضرورة» (1) فقول بعض الفلاسفة من أتباع المشّائين باختصاص المعاد

بالمعاد الروحاني علي المحكي مخالف للضرورة من الدين، كما أنّ قول جمع من المتكلّمين بعدم بقاء الروح و فنائه بموت الأبدان يخالف الآيات و الروايات المتواترة الدالّة علي بقاء النفس و وجود الحياة البرزخية، فالحقّ هو بقاء الأرواح و أنّ معادها هو عودتها إلي أبدانها.

الثامن في الأدلّة العقليّة
المدخل

الثامن في الأدلّة العقليّة:

ولا يخفي أنّه لا حاجة إلي الاستدلال بالأدلّة العقليّة، علي وقوع المعاد بعد قيام الأدلّة السمعيّة القطعيّة و ضرورة الإسلام بل ضرورة الدين، علي إثبات المعاد و لكن حيث اُشير في الأدلّة السمعيّة إلي الوجوه العقليّة فلا بأس بذكر بعضها:

1 دليل الحكمة

1 دليل الحكمة:

إنّ الحدّ الوسط في هذا الدليل هو حكمته تعالي و الشكل القياسي في هذا الدليل، يكون هكذا: أنّ الله تعالي حكيم و الحكيم لا يفعل عبثاً و سفهاً، فهو تعالي لا يفعل عبثاً و سفهاً.

ثم ينضم إليه القياس الاستثنائي و هو أنّه لو لم يكن للإنسان معاد لكان

________

1) شرح تجريد الاعتقاد: ص 406، الطبع الجديد.

247

خلقه عبثاً و باطلاً و لكن الله تعالي لا يفعل عبثاً و سفهاً، فالمعاد للإنسان ثابت، فحكمته تعالي تقتضي أن يكون للإنسان حياة دائمية و معاد في القيامة و توضيح ذلك يحتاج إلي بيان مقدمات.

الأول: أنّ الله تعالي حكيم و الحكيم لا يفعل العبث و السفه؛ لأنّه قبيح لرجوعه إلي ترجيح المرجوح، أو لأنّه محال، لأوْلهِ إلي الترجح من غير مرجح و قد مرّ البحث عنه في العدل و لا ينافي ذلك ما عرفته في المباحث المتقدّمة من أنّ الله تعالي لا غاية له وراء ذاته؛ لأنّ المقام يثبت الغاية للفعل لا للفاعل و كم من فرق بينها.

الثانية: أنّ البعث و السفه هو ما لا يترتب عليه غاية عقلائيّة، مثل ما إذا صرف ذو ثروة ما له فيما لا منفعة له، أو فيما يكون منفعته أقلّ ممّا صرفه و لا يكون الصرف ذا حكمة، إلاّ إذا ترتب عليه المنفعة الزائدة عمّا صرف، فالفعل لا يخرج عن العبثية و السفاهة، إلاّ إذا ترتب عليه فائدة و غاية

عقلائيه.

و عليه فخلقة الإنسان مع إبتلائه بأنواع المشكلات و كون نهايته الفناء من دون ترتب فائدة علي ذلك بالنسبة إلي الله تعالي لكونه كمالاً محضاً و غنياً مطلقاً و لا بالنسبة إلي المخلوق بعد فرض كونه سيصير فانياً عبث و سفاهة؛ لأنّه بمنزلة ذي صنعة يصنع شيئاً مهمّاً ثم يخرّبه قبل أن يستفيد منه نفسه أو غيره، تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً و عبادة الإنسان و إطاعته لله عزّوجلّ لا تنفع في حقّه تعالي، لكونه غنياً مطلقاً و لا في حقّ المطيع بعد كون المفروض أنّه سيصير فانياً و الاستكمال بالطاعة و العبادة لا مطلوبية له إلاّ إذا كان المطيع باقياً، فإنّ العبادة و الطاعة حينئذٍ توجبان رفعة نفس المطيع إلي مقام يتلذذ منه، كالقرب و الدنوّ من ساحة ربّه المتعال، وكلياقته للمجالسة مع الأولياء الكرام، في جنّات النعيم و غير ذلك.

248

قال الاُستاذ الشهيد المطهري قدّس سرّه : «إن كان خلف كلّ وجود عدم، أو خلف كلّ عمران تخريب و إن كان كلّ نيل المتخلية فما يحكم علي النظام العالمي إلاّ التحير و الضلال و تكرار المكررات، فيقوم وجود كلّ شيء علي العدم و الباطل» (1).

و قرّره الحكيم المتأله محمَّد مهدي النراقي بوجه آخر و هو: «أنّا نري في هذا العالم بعض الناس يطيعون و بعضاً آخر يعصون و بعضهم يحسنون و بعضاً آخر يسيئون و بعضهم يديمون في العبادة و الطاعة و بعضاً آخر يديمون المعاصي و السيئات و نري جمعاً في الخيرات و المبرّات و جمعاً آخر في الظلم و الخطيئات. و نري طائفة نالوا مقام رضاية الله تعالي، اُخري ذهبوا في الطغيان و الضلال و نري طبقة في الإحسان و النصح

و زمرة في الملاهي و المناهي.

و نري مع ذلك أنّ الموت يعرض علي جميعهم و يفنيهم، مع عدم نيل كلّ واحد منهم بجزاء عمله، فلولم يكن عالم آخر يجزي كلّ واحد بعمله، لكان خلقة هذا النوع العظيم شأنه عبثاً و سفهاً» (2) و نحوه كلام الفاضل الشعراني قدّس سرّه في ترجمة و شرح تجريد الاعتقاد (3) فراجع.

و كيف كان فما يخرج خلقة الإنسان عن السفاهة و العبث، هو وقوع المعاد، لأن يصل الإنسان إلي نتيجة عمله الذي عمله في الدنيا، من الاستكمال أو جزائه و إليه يؤول قوله تعالي: «أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ فَتَعالَي اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» (4).

فقوله:

«أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ» إشارة إلي أنّ خلقة الإنسان بدون الرجوع و المعاد ليس إلاّ عبثاً و سفاهة و هي المقدمة الثانية.

و قوله تعالي: «فَتَعالَي اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ» إشارة إلي عدم وقوع العبث منه

________

1) زندگي جاويد.

2) انيس الموحدين: ص 232، الطبع الجديد.

3) ترجمة و شرح تجريد الاعتقاد: ص 564.

4) المؤمنون: 115 116.

249

تعالي لعلوّه عن ذلك و هو المقدمة الاُولي و لعلّ قوله:

«لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ»

إشارة إلي عدم حاجته إلي خلقة الإنسان و معاده؛ لأنّه مالك الملك و الذي يكون كذلك، لا حاجة إلي غيره، فنيل الإنسان إلي غايته و عدمه لا يؤثران في مالكيته للملك و إنّما الخلقة و معادها تنشأ من علوّه و كماله و غناه، فلا مورد لاستكمال الكامل المطلق بالخلقة و المعاد.

الثالثة: أنّ المستفاد من دليل الحكمة هو معاد الإنسان كما تشير إليه الآية الكريمة و أمّا معاد عالم المادة و الحيوانات فقد

ذهب بعض أساتيذنا إلي الاستدلال له بدليل الحكمة، ولكنّه محلّ تأمّل؛ لإمسكان أن يقال:

إنّ خلقة المادة و الحيوانات لانتفاع الإنسان، كمّا يدلّ عليه قوله تعالي: «وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (1)

فمع وجود هذه الغاية في خلقة المادة و الحيوانات و هي استفادة الإنسان منها بحيث يتمكن من الحياة الدنيويّة حتّي يعيش و يعمل ما يعمل ليست خلقتها عبثاً و سفهاً و لو لم يكن لها معاد فإثبات المعاد بهذا الدليل محلّ تأمّل، بل منع، نعم لو لم يكن للإنسان معاد فلا يكون خلقة كلّ ذلك إلاّ عبثاً و سفهاً و باطلاً كما لا يخفي.

و كيف كان فإذا عرفت هذه المقدمات يكون خلقة الإنسان أحسن شاهد علي وقوع المعاد؛ إذ العبث لا يصدر منه تعالي، فإذا كان الإنسان مخلوقاً فلا يكون عبثاً مع أنّه لا يخرج عن العبثيّة إلاّ بوقوع المعاد، فحكمته تعالي توجب البعث و المعاد، كما صرّح به المحقّق الطوسي قدّس سرّه في متن تجريد الاعتقاد (2).

و قال العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه في ذيل قوله تعالي: «وَ ما خَلَقْنَا

________

1) الجاثية: 13.

2) شرح تجريد الاعتقاد: ص 405 الطبع الجديد.

250

السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِين (1): «إنّ للناس رجوعاً إلي الله و حساباً علي أعمالهم ليجازوا عليها ثواباً و عقاباً، فمن الواجب أن يكون هناك نبوّة و دعوة، ليدلوا بها إلي ما يجازون عليه من الاعتقاد و العمل، فالمعاد هو الغرض من الخلقة الموجب للنبوّة و لو لم يكن معاد لم يكن للخلقة غرض و غاية، فكانت الخلقة لعباً و لهواً

منه تعالي و هو غير جايز و لو جاز عليه اتخاذ اللهو لوجب أن يكون بأمر غير خارج من نفسه لا بالخلق الذي هو فعل خارج من ذاته؛ لأنّ من المحال أن يؤثر غيره فيه و يحتاج إلي غيره بوجه و إذ لم يكن الخلق لعباً فهناك غاية و هو المعاد و يستلزم ذلك النبوّة و من لوازمه أيضاً نكال بعض الظالمين إذا ما طغوا و أسرفوا و توقف عليه إحياء الحقّ، كما يشير إليه قوله بعد، بل نقذف بالحقّ علي الباطل فيدمغه فإذا هو زاحق» (2).

و قال أيضاً في ذيل قوله تعالي: «وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّار» (3): «و هو احتجاج من طريق الغايات؛ إذ لو لم يكن خلق السماء و الأرض و ما بينهما و هي اُمور مخلوقة مؤجلة توجد و تفني مؤدياً إلي غاية ثابتة باقية غير مؤجلة كان باطلاً و الباطل بمعني ما لا غاية له ممتنع التحقّق في الأعيان، علي أنّه مستحيل من الحكيم و لا ريب في حكمته تعالي» (4).

وقرّب في كنز الفوائد في اُصول العقائد دليل الحكمة بما حاصله: «أنّ بعد ثبوت حكمة الله تعالي في أفعاله نعلم بأنّ خلقة العالم ليست عبثاً، بل فيها حكمة

________

1) الانبياء: 16 17.

2) تفسير الميزان: ج 14 ص 283 284.

3) ص: 27.

4) تفسير الميزان: ج 17 ص 206.

251

و مصلحة، ثم ننظر أنّ المصلحة ترجع إلي الله تعالي، أو إلي خلقه و حيث علمنا أنّه تعالي غنيّ بالذات و كامل من جميع الجهات، فالمصلحة و الحكمة ترجع إلي الخلق لا محالة و لا تكون الخلقة بمصلحتهم إلاّ إذا كانت

نشأة اُخري عقيب هذه الدنيا و إلاّ لزم عدم كون الخلقة بمصلحتهم و هو نقض للغرض و النقض من أقبح الاُمور و وجهه أنّ المنافع و المصالح الدنيويّة منقطعة لا دوام و لا ثبات لها و وجودها لقلّة دوامها كعدمها و لا يكون إعطاء هذه المنافع و المصالح لايقاً بشأن الحكيم علي الاطلاق.

هذا مضافاً إلي اختلاطها و شوبها بأضعاف مضاعفة من الصعوبات و المشاكل و المصائب و المحن و الأمراض و الفتن و المنافرات و حصول هذه المنافع و المصالح لاتكون غرضاً من الخلقة و إلاّ لزم نقضاً للغرض؛ لأنّه خلاف الإحسان، هذا نظير كريم يدعو جمعاً كثيراً للضيافة و غرضه من الدعوة هو الإحسان إليهم لا غير، فيدخلهم في مجلس الضيافة و حضر لهم أنواع الأطعمة و الأشربة، مع إدخال أنواع الموذيات من السباع و الذئاب و الكلاب و الحيّات و العقارب و نحوها مما تمنعهم، قبل الالتذاذ الكامل بالأطعمة و الأشربة و لا يعدّ ذلك عند العقلاء إلاّ من أقبح القبائح التي لا تصدر ممن لا يبالي، فضلاً عن الحكيم علي الإطلاق، هذا بخلاف ما إذا أمر المولي الكريم عبادة بالمشقات الجزئية في زمان قليل لينال في النشأة الاُخري النعمة الدائمة و المناصب الجليلة و العطايا العظيمة، فإنّ الخلقة حينئذٍ تصير مستحسنة و قابلة للمدح و الثناء و هذا برهان قاطع أرشد إليه الحقّ سبحانه و تعالي في كلامه المجيد بقوله:

«أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُون (1).

________

1) كتاب كنز الفوائد في اصول العقائد: ص 358.

2 دليل العدالة

2 دليل العدالة:

و يمكن تقريبه بأنّ الله تعالي عادل و العادل لا يسوّي بين الظالم و المظلوم كما لا يقدّمه و لا يقدّره عليه،

بل ينتقم من الظالم، فهو تعالي ينتقم من الظالم و لا يسوّي بين الظالم و المظلوم و لا يقدّمه و لا يقدّره علي المظلوم.

ثم ينظم إليه القياس الاستثنائي و يقال:

لو لم يكن للإنسان معاد، لزم التسوية بين الظالم و المظلوم و لزم إقدار الظالم علي المظلوم و لزم الإخلال بالانتقام من الظالمين، ولكنّه تعالي منزّه عن تلك الاُمور فالمعاد ثابت للإنسان حتّي يجزي كلّ إنسان بما يستحقّه.

وتوضيح ذلك أيضاً يحتاج إلي بيان اُمور:

الأوّل: أنّ الله تعالي عادل و لا يظلم شيئاً؛ لأنّه كمال محض و محض الكمال لا يكون ناقصاً، حتّي يظلم و الظلم معلول النقص؛ إذ سببه إمّا الجهل أو حاجة الظالم، أو شقاوته و خبث ذاته، أو حسادته و كلّ واحد نقص و هو منتف فيه تعالي و قد مرّ تفصيل ذلك في بحث العدل فراجع.

الثاني: أنّ التسوية بين الظالم و المظلوم في الجزاء، كتقديم الظالم علي المظلوم و إعداده و إعانته، في كونه ظلماً و قبيحاً و تنافي العدل؛ لأنّ العدل هو إعطاء كلّ ذي حقٍّ حقّه و التسوية كالتقديم إبطال الحقّ و هو عين الظلم.

الثالث: أنّه لو لم يكن معاد لجزاء الإنسان لزم التسوية بين المجرمين و الصالحين و تقديم الظالمين علي المظلومين و إعداد الأشرار و اقدارهم؛ لأنّ أبناء البشر كانوا و يكونون علي الصلاح و الفساد و علي الإصلاح و الإفساد و علي الهداية و الضلالة و كثيراً ما تتغلّب الفئة الظالمة علي المظلومة و الأشرار علي الصلحاء و عليه فإن اكتفي بهذه الدنيا و لا يكون ورائها الآخرة، كان معناه هو عدم مكافاة الظالمين و المجرمين و عدم جزاء الصالحين و المتّقين، بل معناه هو تقديم الطائفة الظالمة

علي الطائفة المظلومة، لإعدادهم بأنواع النعمات دون الطائفة المغلوبة.

253

لا يقال:

هذه الدنيا تكفي لجزاء الصالحين و الطالحين فمن عمل صالحاً أعطاه النعم الدنيويّة و العزّة و من عمل سيئاً سلب النعم و ابتلاه بالخزي و الذلّة و مع جزاء كلّ فرقة بما يناسبهم، لا يلزم التسوية بين المجرمين و غيرهم، كما لا يلزم تقديم إحدي الطائفتين علي الاُخري.

لأنّا نقول: ليس كذلك إذ نري عدم جزاء كثير من الظالمين و الفاسدين و المفسدين بل هم يعيشون إلي آخر عمرهم في غاية العزّة الدنيويّة و القدرة، بخلاف غيرهم فإنّهم في غاية المهانة الصعوبة و هو أمر محسوس لاسترة فيه، هذا مضافاً إلي أنّ أعمال المؤمنين و الكافرين علي درجات مختلفة و قد يكون بعضها ممّا لا يمكن جزاؤه في عالم الدنيا، كمن يقتل ألف ألف نفس ببعض أنواع الصواريخ و من المعلوم أنّ سلب نعمة الحياة، أو إعدام هذا القاتل مرّة واحدة لا يكون جزاء إفساده، كما أن من يحيي النفوس الكثيرة بالمعالجة أو الهداية، لا يمكن أن يكون جزاؤه هو نعمة الدنيا مع محدوديتها فضلاً عن الأنبياء و الأولياء الذين لا يمكن تقويم عملهم و لا تصلح مثل الدنيا الدنيّة لجزائهم، لا سيّما محمّداً و آله، إذ قد فاق بعض دقائق عمرهم علي جميع عمر الآخرين و قد اشتهر في جوامع الحديث، أنّ ضربة عليّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين. علي أنّ بعض الأعمال في حال الموت و بعده، فلا يمكن جزاء العامل في الدنيا بعد موته، كما إذا جاهد المؤمنون مع الكافرين فمن استشهد من المؤمنين لا يمكن جزاؤه، كما أنّ من هلك من الكافرين فمن استشهد من المؤمنين لا يمكن جزاؤه، كما أنّ من

هلك من الكافرين لا يمكن جزاؤه و كما إذا أسّس سنّة حسنة أو سنّة سيئة، فحمله بعد الموت يدوم ما أسّسه مع عدم إمكان جزاء العامل، فطبع الدنيا لا يليق بكونها جزاء كاملاً للعاملين.

254

لا يقال:

هذا صحيح لو كان التناسخ محالاً و إلاّ يمكن العودة المتكرّرة حتّي يتكامل الجزاء، فمن كان صالحاً يعود بعد موته في بدن يعيش عيشاً مباركاً و من كان طالحاً يعود بعد موته في بدن يعيش عيش سوء و هذا أمر واسع و لا يكون محدوداً و إنّما يتكرّر بحسب ما يستحقّه و عليه فيجزي كلّ عامل بجزاء عمله و معه لا تسوية و لا تقديم للفرقة الظالمة علي الفرقة المظلومة.

لأنّا نقول: إنّ التناسخ ممّا قامت ضرورة الأديان علي خلافه، فلا مجال لإحتماله، فهو مفروض العدم، هذا مضافاً إلي عدم إمكانه لوجوه كثيرة، منها: ان النفس بخروج البدن السابق من القوة الي الفعلية، قد خرجت من القوة الي الفعلية، فلو تعلقت بعد خروجها عن البدن السابق إلي بدن آخر، لكانت النفس في مرتبة الفعلية و البدن الذي تعلقت به كالجنين مثلاً في مرتبة القوة، فيلزم عدم تكافؤهما في مرتبة القوة و الفعلية (1).

و منها: أنّ انتقال النفس المستنسخة إلي نطفة مستعدة، لا يمنع فيضان النفس الإبتدائية، فيلزم اجتماع النفسين في بدن واحد و هو مستحيل لامتناع كون الشيء ذا ذاتين، أعني ذا نفسين و ما من شخص إلاّ و هو يشعر بنفس واحدة له (2).

و منها: ما أشار إليه العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه في تفسيره حيث قال:

«إنّ التناسخ و هو تعلّق النفس المستكملة بنوع كمالها بعد مفارقتها البدن ببدن آخر محال، فإنّ هذا البدن إن كان ذا نفس استلزم التناسخ تعلق نفسين

ببدن واحد و هو وحدة الكثير و كثرة الواحد و إن لم تكن ذا نفس استلزم رجوع ما بالفعل إلي القوة» (3).

و يمكن إيضاح امتناع رجوع ما بالفعل إلي القوّة بما في المبدأ و المعاد، من أنّ

________

1) راجع درر الفوائد: ج 2 ص 393 394.

2) المبدأ و المعاد: ص 238.

3) تفسير الميزان: ج 1 ص 211.

255

النفس ما دامت تكون بالقوّة يمكن لها اكتساب أيّ مرتبة شاءت لمكان استعدادها قبل صيرورتها بالفعل شيئاً من الأشياء المتحصلة و أمّا إذا صارت مصوّرة بصورة فعلية و استحكمت فعليّتها و رسوخها و قوي تعلّقها و لصوقها بالنفس، فاستقرّت علي تلك المرتبة و بطل عنها استعداد الانتقال من النقص إلي الكمال و العبور من حال إلي حال، فإنّ الرجوع إلي الفطرة الاُولي و العود إلي مرتبة التراب و الهيولاني، كم في قوله تعالي: «ليتني كنت تراباً» مجرد تمنّي أمر مستحيل كما مرّ و المحال غير مقدور عليه (1).

هذا مضافاً إلي احتفاف الدنيا بأنواع المصيبات و الآلام التي لا تكون معها لائقة لجزاء الأولياء و الأنبياء و الصالحين، بل المناسب لهم هو جزاؤهم بما لا يحتف بهذه المكاره و المصائب و هولا يكون إلاّ الآخرة، علي أنّ مجازاة الكفرة و العصاة بدون تنبههم بما فعلوا في الدورات السابقة، ليست بمجازاة، فالتناسخ لا يمكن أولاّ و علي فرض إمكانه قامت الضرورة علي خلافه ثانياً.

هذا مضافاً إلي عدم مناسبتها للجزاء بالنسبة إلي الصالحين، لاحتفافها بالمكاره و بالنسبة إلي الطالحين لغفلتهم عن المكافاة و مضافاً إلي ما أفاد بعض أساتيذنا مدّ ظله، من أنّ الجزاء هو النعمة المحضة التي لا يشوبها تكليف و مسؤولية و النعم الدنيويّة ليست كذلك؛ لعدم خلوّها عن التكاليف و

المسؤولية كما لا يخفي.

فإذا عرفت هذه المقدمات ظهر لك أنّ عدالته تعالي، تقتضي المعاد و هو أمر أرشد إليه القرآن الكريم في ضمن آيات عديدة، منها: قوله تعالي: «وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصار» (2).

________

1) المبدأ و المعاد: ص 253 254.

2) إبراهيم: 42.

256

قال العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه في ذيل قوله تعالي: «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار» (1): «هذه هي الحجّة الثانية علي المعاد و تقريرها: أنّ للإنسان كسائر الأنواع كمالاً بالضرورة و كمال الإنسان هو خروجه في جانبي العلم و العمل من القوّة إلي الفعل، بأن يعتقد الاعتقادات الحقّة و يعمل الأعمال الصالحة، اللتين يهديه إليهما فطرته الصحيحة و هما الإيمان بالحقّ و العمل الصالح، اللذين بهما يصلح المجتمع الانساني الذي في الارض، فالذين آمنوا و عملوا الصالحات و هم المتقون الكاملون من الإنسان و المفسدون في الأرض بفساد اعتقادهم و عملهم و هم الفجّارهم الناقصون الخاسرون في إنسانيّتهم حقيقة و مقتضي هذا الكمال و النقص، أن يكون بازاء الكمال حياة سعيدة و عيش طيّب و بازاء خلافه خلاف ذلك.

و من المعلوم أنّ هذه الحياة الدنيا التي يشتركان فيها هي تحت سيطرة الأسباب و العوامل الماديّة و نسبتها إلي الكامل و الناقص و المؤمن و الكافر علي السواء، فمن أجاد العمل و وافقته الأسباب الماديّة فاز بطيب العيش و من كان علي خلاف ذلك لزمه الشقاء و ضنك المعيشة. فلو كانت الحياة مقصورة علي هذه الحياة الدنيويّة، التي نسبتها إلي الفريقين علي السواء و لم تكن حياة تختص بكلّ منهما و تناسب حاله، كان ذلك منافياً للعناية الإلهية،

بإيصال كلّ ذي حقٍّ حقّه و إعطاء المقتضيات ما تقتضيه و إن شئت فقل تسوية بين الفريقين و إلغاء ما يقتضيه صلاح هذا و فساد ذلك خلاف عدله تعالي» (2).

و من الآيات المذكورة قوله تعالي: «أَمْ حَسِبَ الَّذينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ

________

1) ص: 28.

2) تفسير الميزان: ج 17 ص 206 207.

257

وَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَ لِتُجْزي كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ » (1) و غير ذلك من الآيات.

ثم إنّ هذا الدليل لا يثبت إلاّ المعاد للمكلّفين و العاملين، فإنّ محدودة كلّ برهان تابع لحدّ وسطه و الحدّ الوسط في هذا البرهان، هو العدل و هو لا يكون إلاّ في موارد استحقاق الجزاء بالطاعة أو المخالفة و هما من أفعال المكلفين، فتسوية المطيع مع المسيء، تنافي العدالة، أو في موارد ظلم بعض العباد علي بعض آخر، فإنّ مقتضي العدل هو استيفاء حقّ المظلوم من الظالم، فكلّ موارد العدل من موارد التكليف و عليه فلا يشمل هذا الدليل معاد غير المكلّفين.

3 دليل الوعد

3 دليل الوعد:

هذا الدليل مركب من الدليل الشرعي و العقلي، إذ الجزء الأوّل منه شرعي و هو الآيات الدالّة علي الوعد بالثواب و العقاب و بالجنّة و النار، منها: قوله تعالي: «إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ» (2) و لمّا كان الوعد بهما مكرّراً و شايعاً صار عنوان اليوم الموعود من عناوين يوم القيامة كما صرّح به في قوله تعالي: «وَ السَّماءِ ذاتِ

الْبُرُوجِ وَ الْيَوْمِ الْمَوْعُود» (3).

والجزء الثاني منه عقلي و هو أنّ الله تعالي لا يخلف الوعد؛ لأنّ الخلف ناش عن النقص و هو تعالي لا نقص فيه، أو ناش عن الاضطرار و الضرورة و هو أيضاً لا مورد له في حقّه؛ لأنّه سبحانه لا يضطره ضرورة و لذا قال العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه : «و خلف الوعد و إن لم يكن قبيحاً بالذات لأنّه ربّما

________

1) الجاثية: 21.

2) يونس: 4.

3) البروج: 2.

258

يحسن عند الاضطرار لكنّه سبحانه لا يضطره ضرورة، فلا يحسن منه خلف الوعد في حال» (1) و قد أرشد إليه بقوله عزّوجلّ: «وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَ إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّون (2).

و عليه فصورة القياس هكذا: إنّ الله تعالي وعد بالثواب و العقاب الاُخرويّين و بالجنّة و النار، وكلّ ما وعده الله آت و لا يخلفه الله تعالي، فالجنّة و النار و الثواب و العقاب الاُخرويّان حتميّان و لا خلف فيهما.

و إليه أشار المحقق الطوسي في متن تجريد الاعتقاد حيث قال:

«و وجوب ايفاء الوعد … يقتضي وجوب البعث و قال الشارح العلاّمة في شرحه: إنّ الله تعالي وعد بالثواب و توعّد بالعقاب، مع مشاهدة الموت للمكلّفين فوجب القول بعودهم، ليحصل الوفاء بوعدهم و وعيده» (3).

وقال المحقق اللاهيجي قدّس سرّه : «وليعلم أنّ … إيصال ثواب و عقاب جسمانيّين يتوقف لا محالة علي إعادة البدن؛ لأنّ اللّذه و الألم الجسمانيّين، لا يمكن بدون وجود البدن، ثم لا ينافي ثبوت اللَّذة و الألم الجسمانيّين مع ثبوت اللّذة و الألم الروحانيّين، كما هو مذهب المحقّقين، الذين قالوا بتجرّد النفس الناطقة، فالحقّ هو ثبوت الثواب و العقاب الروحانيّين و الجسمانيّين، أمّا

الروحاني: فهو بناء علي تجرّد النفس الناطقة و بقائها بعد مفارقتها عن البدن و إلتذاذه بالكمالات الحاصلة له من ناحية العلم و العمل و تألّمه عن ضد الكمالات المذكورة و أمّا الجسماني: فهو بناء علي وجوب الإيفاء بالوعد و الوعيد الموجبين لإيصال الثواب و العقاب الجسمانيّين» (4).

________

1-1) 2-تفسير الميزان: ج 16 ص 163.

2) الحج: 47.

3-3) شرح تجريد الاعتقاد: ص 405 الطبع الجديد.

4) سرمايه ايمان: ص 160 الطبع الجديد.

4 دليل حبّ البقاء و الخلود

4 دليل حبّ البقاء و الخلود:

ولا خفاء في كون الإنسان بالفطرة محباً للبقاء و الخلود و لعلّه لذا تنافر الناس عن الموت لزعمهم أنّه فناء و مناف لمحبوبهم الفطري من البقاء و يشهد أيضاً علي فطرية هذا الحبّ، أنّ الحبّ المذكور لايزول عن النفس بالعلم بفناء الدنيا، هذه صغري القياس و ينضمّ إلي هذه الكبري و هي أنّ كلّ ما كان فطرياً فهو مطابق لواقع الأمر، لأنّ الفطرة أثر الحكيم المتعال و لا يكون فعله تعالي لغواً و عبثاً، فكما أنّ غريزة الأكل و الشرب و النكاح حاكية عن وجود ما يصلح للأكل و الشرب و النكاح، كذلك تشهد هذه المحبّة الفطريّة علي وجود عالم آخر يصلح للبقاء و الخلود.

ولعلّ إليه يرجع ما ذكره شيخ مشايخنا آية الله الشيخ محمَّد علي الشاه آبادي قدّس سرّه في «الإنسان و الفطرة» حيث قال:

«و يدلّ عليه عشق اللقاء و البقاء مع القطع بعدم البقاء مثل هذا البقاء الملكي و الحياة الدنيويّة مع عدم فتور العشق الكذائي، فإنّه بحكم الفطرة المعصومة، ينكشف أنّ هناك عالماً غير داثر و تلاقي معشوقك في مقعد صدق عند مليك مقتدر» (1) كما حكي الاستدلال به عن الحكيم المتألّه آية الله السيد أبوالحسن الرفيعي (2) و

غيره من الأعلام و الفحول و كيف كان فمحبّة البقاء آية وجود الآخرة و دليلها و إلاّ لزم الخلف في حكمة تعالي، هذا مضافاً إلي أنّ رحمته تعالي تقتضي إيصال كلّ شيء إلي ما يستحقّه و رفع حاجة كلّ محتاج و عليه فهو تعالي يوصل كلّ محبٍّ للخلود و البقاء إلي محبوبه برحمته كما أفاد عزّوجلّ بقوله:

«قُلْ لِمَنْ ما فِي

________

1) كتاب رشحات البحار: كتاب الانسان و الفطرة: ص 262 الطبع الجديد.

2) راجع تقريرات بحث شريف معاد: ص 5 8.

260

السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلي نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلي يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيه (1).

وفي ما ذكر غني و كفاية فمن شاء الزيادة فليراجع المطوّلات.

التاسع: في حشر الحيوانات

التاسع: في حشر الحيوانات،

وقد يستدلّ له بقوله تعالي: «وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ ثُمَّ إِلي رَبِّهِمْ يُحْشَرُون (2).

قال العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه : «أمّا السؤال الأوّل: (هل للحيوان غير الإنسان حشر؟ ) فقوله تعالي في الآية: «ثُمَّ إِلي رَبِّهِمْ يُحْشَرُون » يتكفّل الجواب عنه و يقرب منه قوله تعالي: «وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ» كورت: 5 (3).

وقال أيضاً: «و ببلوغ البحث هذا المبلغ، ربّما لاح أنّ للحيوان حشراً، كما إنّ للإنسان حشراً، فإنّ الله سبحانه يعدّ انطباق العدل و الظلم و التقوي و الفجور علي أعمال الإنسان، ملاكاً للحشر و يستدلّ به عليه كما في قوله تعالي: «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار»، ص: 28» (4).

وقال أيضاً: «و هذان الوصفان، أعني الإحسان و الظلم، موجودان في أعمال الحيوانات في الجملة و يؤيده ظاهر قوله تعالي: «وَ لَوْ يُؤاخِذُ

اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلي ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَ لكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلي أَجَلٍ مُسَمًّي (5)، فإنّ ظاهره أنّ ظلم الناس لو استوجب المؤاخذة الإلهية كان ذلك؛ لأنه ظلم و الظلم شايع بين كلّ ما يسمّي دابّة، الإنسان و سائر الحيوانات، فكان ذلك مستعقباً لأن يهلك الله تعالي كلّ دابّة علي ظهرها، هذا.

________

1) الأنعام: 12.

2) الأنعام: 38.

3) تفسير الميزان: ج 7 ص 74 75.

4) تفسير الميزان: ج 7 ص 74 75.

5) فاطر: 45.

261

و أن ذكر بعضهم أنّ المراد بالدابّة في الآية، خصوص الإنسان و لا يلزم من شمول الأخذ و الانتقام يوم القيامة لسائر الحيوان أن يساوي الإنسان في الشعور و الإرادة و يرقي الحيوان العجم إلي درجة الإنسان في نفسيّاته و روحيّاته و الضرورة تدفع ذلك و الأثار البارزة منها و من الإنسان تبطله و ذلك أنّ مجرد الاشتراك في الأخذ و الانتقام و الحساب و الأجر، بين الإنسان و غيره لا يقضي بالمعادلة و المساواة من جميع الجهات، كما لا يقتضي الاشتراك في ماهو أقرب من ذلك، بين أفراد الإنسان أنفسهم أن يجري حساب أعمالهم من حيث المداقّة و المناقشة مجري واحداً، فيوقف العاقل و السفيه و الرشيد و المستضعف في موقف واحد» (1).

قال الفاضل المقداد قدّس سرّه : «النقل الشريف دالّ علي أنّه ما من دابّة في الأرض و لا طائر يطير بجناحيه إلاّ اُمم أمثالكم ما فرّطنا في الكتاب من شيء ثم إلي ربّهم يحشرون، فهؤلاء منهم من يحكم العقل بوجوب البعثة و هو كلّ من له حقّ أو عليه حقّ للإنصاف و الانتصاف و منهم من لم يحكم بوجوبه بل بجوازه كمن عدا هؤلاء» (2).

و روي عن أبي ذر

قال:

«بينا أنا عند رسول الله صلّي الله عليه و آله إذ انتطحت عنزان فقال النبيّ صلّي الله عليه و آله :

أتدرون فيما انتطحا؟ فقالوا: لاندري، قال:

لكن الله يدري و سيقضي بينهما» (3).

قال العلاّمة المجلسي قدّس سرّه : «و أمّا حشر الحيوانات فقد ذكره المتكلمون من الخاصّة و العامّة علي اختلاف منهم في كيفيته، إلي أن قال:

أقول: الأخبار الدالّة علي حشرها عموماً و خصوصاً و كون بعضها ممّا يكون في

________

1) تفسير الميزان: ج 7 ص 76 77.

2) اللوامع الالهية: ص 377.

3) بحار الأنوار: ج 7 ص 256.

262

الجنّة كثيرة سيأتي بعضها في باب الجنّة و قد مرّ بعضها في باب الركبان يوم القيامة و غيره، كقولهم عليهم السَّلام في مانع الزكاة: تنهشه كلّ ذات ناب بنابها و يطؤه كلّ ذات ظلف بظلفها و روي الصدوق في الفقيه بإسناد عن السكوني بإسناده أنّ النبيّ صلّي الله عليه و آله أبصر ناقة معقولة و عليها جهازها، فقال أين صاحبها؟ مروه فليستعد غداً للخصمة و روي فيه عن الصادق عليه السَّلام أنّه قال:

أيّ بيعر حجّ عليه ثلاث سنين، يجعل من نعم الجنّة و روي سبع سنين و قد روي عن النبي صلّي الله عليه و آله :

استفرهوا ضحاياكم فإنّها مطاياكم علي الصراط و روي أنّ خيول الغزاة في الدنيا خيولهم في الجنة» (1).

العاشر: في تأثير الإيمان بالآخرة

العاشر: في تأثير الإيمان بالآخرة،

ولا يخفي أنّه إذا علمنا بوجود الآخرة بعد الدنيا و أنّ أعمالنا في هذه الدنيا مضبوطة للمحاسبة في الآخرة و لا يمكن إخفاؤها و إذا علمنا أنّ الجزاء متناسب للأعمال و آخرتنا رهينة أعمالنا و لا يعطي أحد فيها شيء من دون ملاحظة إيمانها و عمله في الدنيا و أنّه لا مجال لإعمال

القدرة في الآخرة، بل المحاسبة و الجزاء جرت من دون خطأ و انحراف و إذا آمنّا بكلّ هذه الاُمور و اطمئنا بها ظهر أثره في أعمالنا و عقائدنا و أفكارنا و نيّاتنا و لذا أكد الأنبياء و الأولياء علي الإيمان بالأخرة و اختصّ ثلث القرآن تقريباً بالآخرة و أحوالها و الجنّة و النار و مقامات الأولياء و دركات الجحيم و الحساب و الصراط و غيرها و أوصي النبيّ و الائمة الطاهرة عليهم الصلاة و السَّلام بذكر الموت و الآخرة و منه ورد عن النبيّ صلّي الله عليه و آله :

«أكيس الناس من كان أشدّ ذكراً للموت» (2) ثم كلّما ازداد ذكر الموت و الآخرة ازداد الصلاح و الإصلاح؛ و لذا عرف الله تعالي عباده الصالحين

________

1) بحار الأنوار: ج 7 ص 276.

2) بحار الأنوار: ج 6 ص 130.

263

بهذه الخصيصة و قال عزّوجلّ: «وَ اذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدي وَ الْأَبْصارِ - إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَي الدَّارِ - وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ » (1).

و في هذه الآية الكريمة أيضاً دلالة علي أنّ إخلاص العباد و جعلهم من المخلصين بفتح اللام بواسطة هذه الخصّيصة و الصفة المباركة و كيف كان فيكفي في أهمية ذكر الآخرة أنّ الإنذار و التبشير كان من اُصول دعوة الأنبياء و المرسلين، فمن أراد إصلاح نفسه و غيره، فعليه بذكر الموت و الآخرة و أحوالها و عليه أن يقتفي بالقرآن الكريم و بالأنبياء العظام و بالأولياء الكرام في تربية الناس و إصلاحهم، بأن ينذرهم و يبشّرهم كما كانت تلك سيرة العلماء الأبرار.

إذ علّة انحراف الجوامع البشريّة في يومنا هذا هو الغفلة عن اله و عن الآخرة و لا

يرتفع الانحراف و السقوط إلاّ بإزالة هذه العلّة و لا تزول هذه العلّة، إلاّ بذكر الآخرة و الالتفات المستمر إليها، كما قال الله تبارك و تعالي: «وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْري تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِين (2).

فمن طلب الجنّة و مقاماتها فعليه بالإيمان الخالص و بالأخلاق الحسنة و بالأعمال الصالحة؛ لأنّ الجنّة و مقامات حصيلة هذه الاُمور و الدنيا كما اشتهر عن النبي صلّي الله عليه و آله مزرعة الآخرة؛ لأنّ زاد الآخرة لا يمكن تحصيله إلاّ في هذه الدنيا، كما قال مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام :

«الدُّنْيَا دَارُ مَجَازٍ وَ الْآخِرَةُ دَارُ قَرَارٍ فَخُذُوا مِنْ مَمَرِّكُمْ لِمَقَرِّكُمْ » (3) و قال أيضاً: «ِ فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَدا» (4) و من المعلوم أنّ رجاء الآخرة بدون

________

1) ص: 45 47.

2) الذاريات: 55.

3) بحار الأنوار: ج 73 ص 134.

4) نهج البلاغة فيض الاسلام: ج 1 ص 144، الخطبة 63.

264

سيره تحليلي پيشوايان

امام دهم

امام دهم

علي هادي (ع)

امام هادي (ع) پس از شهادت پدر بزرگوار، در محيطي بسيار سخت و در وضع بسيار دشوار ميزيست و معاصر حكومت «متوكل بود كه به دشمني با امام (ع) و تعقيب ياران وي و در هم شكستن پايگاههاي او زبانزد بود و هر روز درين دژ خوئي ها پيشتر مي رفت و در دستگاه حاكم نيز اين بدرفتاريها گسترش مي يافت تا آنجا كه متوكل خطر بحران حكومت خويش را احساس كرد و بر آن شد تا با دو روش توامان در يك اقدام، از بحراني تر شدن وضع جلوگيري كند.

1-حمله بردن به ياران امام (ع) و پايگاههاي او و آزردن آنان و از ميان برداشتن آثار شيعيان تا بيش از پيش دچار وحشت گردند و آنان

را خوار گرداند. او به اين اعمال دست زد و به اندازه اي از زشتكاري پيش رفت كه قبر حضرت امام حسين (ع) را ويران ساخت و آثار آنرا از ميان برد (1).

2-امام (ع) را از پايگاههاي او دور ساخت تا مقدمه آواره ساختن و پراكندن پايگاههاي او باشد و سازمانشان را از بين ببرد و آنان را از پيروزي نا اميد گرداند. متوكل دريافت كه اگر امام هادي (ع) از مراقبت اودور باشد يعني در مدينه بگذراند، دولت او را خطري خواهد بود. پس دستور داد تا آن بزرگوار را به سامره آورند و زير نظر بدارند تا دور از پايگاههاي خود در حركات و سكنات وي نظارت كند.

متوكل به امام (ع) نامه اي نوشت و او را دعوت كرد كه با هر كس از خانواده و دوستان خود كه بخواهد به سامره آيد. متوكل به نحوي به اين اقدام دست زد كه امت بر او نشورد. اين روش همان بود كه خليفگان پيش از او نيز عمل كردند. مامون با حضرت رضا (ع) همچنين كرد و با حضرت جواد (ع) نيز به اين روش اقدام نمود و كوشيده بود كه آنان در محيط دستگاه دولت به سر برند تا زير نظر نگاهبانان قصر باشند.

متوكل بوسيله يحيي بن هرثمه، يكي از فرماندهان ارتش خود، نامه اي به امام فرستاد و گروهي سپاهي با يحيي همراه كرد تا به مدينه روند و فرمان داد تا خانه امام را بازرسي كنند و در پي مدركي باشند كه امام را محكوم به توطئه و اقدام عليه دولت او كند، سپس او را به سامره آوردند.

وقتي مردم مدينه از موضوع آگاه شدند،

سر و صدا راه افتاد و عمل «ابن هرثمه را محكوم داشتند تا جائي كه ابن هرثمه كوشيد آنان را خاموش سازد و نزد آنان سوگند ياد كرد كه دستوري كه متضمن آسيب رسانيدن به امام (ع) باشد ندهد (2).

اين امر دليل آگاهي مردم مدينه از سوء نيت حكمرانان نسبت به امام بود.

«ابن هرثمه گويد: «سپس سراي او را بازرسي كردم و در آن جز قرآنها و دعاها و كتب علمي چيزي نيافتم (3).

امام هادي (ع) همراه فرزند خود «عسكري نوجوان، با ابن هرثمه، مدينه را به سوي سامره ترك كرد. يك روز پس از رسيدن به سامره، متوكل، امام (ع) را دعوت كرد و ياران متوكل به استقبال او رفتند و متوكل نيز شرايط تعظيم و تكريم به جاي آورد و احترامات خود را به امام (ع) مرعي داشت سپس او را به منزلي فرستاد كه پيشاپيش براي وي آماده كرده بود.

متوكل با اين روش مزورانه، خواست برنامه سياسي و دشمني ديرينه خود را با امام (ع) زير پوشش قرار دهد. متوكل با احضار امام (ع) وي رابه اقامت اجباري ملزم ساخت و واداشت تا زير مراقبت شديد كاخ زندگاني كند. باري همه حركات و سكنات امام (ع) با دقت تمام زير نظر قرار گرفت.

امام (ع) زير نظر و مراقبت

در صفحات پيش ديديم كه هدف متوكل از احضار يا دعوت امام (ع)

به سامره نزد خود و نزد ياران خود، محو كردن او در حاشيه دربار خلافت بود تا حتي الامكان گوش و چشم او را بپايد و هيچ نكته زندگاني او چه صادر، چه وارد، از نظر دور نمايد.

امام با خويشتنداري در برابر آنان

تظاهر به اين ميكرد كه آنچه درباره وي عمل مي كنند مورد قبول اوست و بهر حال با سياست دولت عباسيان موافق است. دعوت به ضيافت را از طرف آنان مي پذيرفت و بر خوانشان مي نشست و در مجالس و مراسم آنان شركت مي جست (4)

اين موضع امام (ع) در برابر دولت، مسامحه يا چشم پوشي يا فروتني نبود. زيرا چنين چيزي با شخصيتي مانند شخصيت امام (ع) مطابقت نداشت.

هر گونه فروتني امام (ع) در برابر دستگاه به اين معني بود كه بر ضد مصالح عالي اسلام رفتار كرده است. اگر دولت احساس ميكرد كه امام (ع) از مواضع خود چشم پوشيده است، بالاترين مقام و موقعيت و جاه و جلال را تقديم وي ميكرد، بي آنكه وي را وادار به اقامت اجباري و مراقبت شديد كند.

امام (ع) توجه داشت كه سياست ستمگرانه آنان نسبت به او روز بروزتندتر و بيشتر مي شود تا جائي كه متوكل در پايان حكومت خود به علت سعايتها و خبرچيني ها بر ضد امام (ع)، او را زنداني كرد. آن اخبار، متوكل را هوشيارميكرد و شك را در او بيدار مي ساخت و وادارش مي نمود تا خانه امام (ع) را در مراقبت شديد قرار دهد تا آگاه گردد كه آن اخبار درست است يا خير.

افتراها و خبر چيني ها با شكست روبرو گرديد

1-همه خبرها و افتراها هميشه با شكست روبرو ميگرديد، بي آنكه از نظر كشف اطلاعات درباره حقيقت كار و فعاليتهاي امام (ع) به نتيجه برسد.

جاسوسان خليفه، هميشه وقتي باز ميگشتند تاكيد ميكردند كه در سراي آن بزرگوار (ع)، چيزي كه مايه شك باشد وجود نداشته است. (5) اين خبر به متوكل آرامش ميداد و نسبت به

حضرت امام (ع)، قدرداني و احترام خاصي ابراز ميداشت.

امام هادي (ع)، هر بار كه خانه اش مورد بازديد قرار ميگرفت، موفق مي شد آنچه را كه مشكوك بود پنهان سازد زيرا پولها و نوشته هائي به حضرتش فرستاده مي شد كه لازم بود از نظر دولت پنهان ماند. هر گاه ميخواست كاري را كه آشكار شدن آن از نظر دولت براي او (ع)، محظوري داشت، پنهان دارد، روش رمز به كار مي برد (6).

2-هر وقت سراي امام (ع) مورد بازرسي قرار ميگرفت، با نهايت آرامش و سكون، خود را به بي اعتنائي مي زد و طوري وانمود مي فرمود كه از بيگناهي خود اطمينان دارد. به پاسباناني كه براي تجسس مي آمدند كمك ميكرد تا ماموريت خود را انجام دهند. براي آنان چراغ مي افروخت و اطاق، هاي خانه را به آنان نشان ميداد تا براي دولتيان ايجاد شبهه نشود كه او فعاليت غير عادي دارد.

اگر امام (ع) جز اين موضعي اتخاذ مي فرمود، با رفتار خود شك حكمرانان را در مورد فعاليتهاي خويش بر مي انگيخت. بارها خانه امام رابازرسي ميكردند و آن در اثر سخن چينيهاي «بطحاني نزد متوكل بود كه مي گفت امام داراي پول و اسلحه مي باشد و متوكل بيدرنگ به «سعيد» حاجب، فرمان ميداد به خانه امام (ع) حمله برد و هر چه پول و اسلحه بدست مي آورد نزد او آورد.

يك بار «سعيد» بوسيله نردباني از خيابان وارد پشت بام خانه امام (ع) گرديد و در تاريكي از نردبان پائين آمد و نمي دانست چگونه وارد اتاقها شود. امام (ع) با كمال آرامش او را ندا در داد و فرمود: «اي سعيد بر جاي باش تا شمعي برايت بياورم . سعيد گفت: بر جاي

ماندم تا شمع آوردند.

در نور شمع پائين رفتم. او را ديدم، عبائي پشمين بر تن و كلاهي از همان جنس بر سر داشت و سجاده او به حصيري در برابرش گسترده، روي به قبله دارد.

پس مرا گفت: «اينك خانه ها-يعني اطاقها-» وارد آن غرفه ها شدم و بازرسي كردم و چيزي نيافتم .

سعيد كوشيد از امام پوزش طلبد و عذر مامور بودن خود را بخواهد اما امام (ع) اين آيه را تلاوت كرد:

وَ سَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .

(زود است كه ستمگران بدانند به چه گرفتاري دچار خواهند گشت. ) (7)

در رويدادي ديگر به متوكل خبر رسيد كه از شهر قم كه يكي از مراكز طرفداران امام (ع) بود، اموالي به حضرت او فرستاده اند. متوكل به وزير خود «فتح بن خاقان دستور داد كه مراقب اوضاع باشد و نتيجه را به او خبر دهد. وزير گماشته خود را كه ابو موسي نام داشت بر اين گماشت تا جريان را زير نظر گيرد و به او خبر آورد (8).

نقش امام (ع) و موضع وي در حوادث

امام در سامره زير نظر جاسوسان متوكل شب و روز مورد مراقبت بودو ميكوشيد طبق آن وضع دشوار رفتار كند و كارهاي خود را در آن محيط سخت انجام دهد. فعاليتهاي او (ع) در آن دايره پر تشويش محدود ميشد و حتي الامكان ميكوشيد بر خوردي روي ندهد. او (ع) با توجه به فشار و مراقبت شديدي كه متوجه او ياران او بود، حركت خود را در دو زمينه آغاز كرد:

1-آگاه ساختن امت و نشان دادن مواضع علمي خود به صورت پاسخ گفتن به شبهه ها و جواب به پرسشهائي كه خليفه از او

ميكرد، تا آن امام رادر تنگنا قرار دهد و نتواند از عهده حل آن بر آيد. مثلا متوكل از «ابن سكيت

خواست مساله اي پيچيده و دشوار در حضور او مطرح كند و از امام (ع) جواب آنرا بخواهد. «ابن سكيت ، برخي مسائل را كه سخت دشوار ميدانست از امام پرسيد و امام در آن مبارزه و مباحثه پيروز گرديد.

«يحيي بن اكثم ، متوكل را گفت: «دوست ندارم پس از پرسشهاي من ازين مرد چيزي پرسيده شود زيرا وقتي آشكار گردد كه او دانشمند است رافضيان تقويت ميگردند» (9).

امام (ع) پاسخ پرسندگان را ميداد و شبهه هاي كفر آميز را كه در اجتماع او رايج بود رد ميكرد (10).

2-پشتيباني از پايگاههاي خود و توجه داشتن به آنها تا در خور امكان، نيازشان را برطرف سازد و كوشش در آموزش آنان و تقويت ايمانشان به شخص امام (ع) به عنوان اينكه در همه كارها فرمانده عالي آنان است.

امام با كوشش خستگي ناپذير و فراوان، هم خود را براي تجديد فعاليت پيروان خود مصروف ميداشت. هر وقت فرصت اين كارها دست ميداد و امكان فعاليت پيش مي آمد، پايگاههاي خود را با هر روشي كه امكان داشت تقويت ميكرد تا در برابر مشكلات، نيروهاي پايداري بدست آورند و مجهز و آماده باشند. «براي امام هادي (ع) از راههاي پنهاني و آشكار و در هر صورت ممكن، پولهاي سرشار از قبيل خمس و زكات و خراج مي رسيد و آنها را در مصالح عمومي اسلام به مصرف مي رسانيد تا جنبش فرو ننشيند. اين فعاليتها البته دور از چشم حكمرانان و مركز حكومت عباسيان بود (11).

موضع عباسيان در برنامه ريزي امام (ع)

اما حكمرانان

عباسي براي بدست گرفتن كارهاي امام (ع) و عاري كردن برنامه امام از هر گونه تاثير و لگام زدن بر معارضه او، با روشهاي زير عمل ميكردند:

1-صف آرايي در برابر امام (ع) و به مبارزه طلبيدن او (ع) از نظر علمي.

درين مورد، نقشه هاي آنها با شكست روبرو گرديد زيرا چنانكه گفتيم، امام (ع) پاسخ پرسشها و استفتائات آنان را ميداد.

2-كوشش در جلب امام و كشانيدن او بطرف خود و نزديك ساختن او به دربار تا افكار وي (ع) بي ثمر و بي تاثير گردد و از پايگاههاي توده اي خود دور افتد. مي توان موضع امام (ع) را در پذيرفتن و اظهار موافقت براي حضوريافتن در سامره و همراهي با آنان چنين تفسير كرد:

الف: حمله و فشار و اجبار تا مرز مرگ پيش مي آمد و مخالفت و امتناع آشكار امام از حضور يافتن در مجلس متوكل به اين نتيجه مي رسيد كه حكومت را بر ضد خود تحريك كند و خارج شدن خود را از مدينه، صورت دشمني با آنان دهد. چنان كارهائي، با سياست گام به گام و مرحله به مرحله اي كه امام در مقابل دولت ترسيم كرده بود وفق نميداد.

ب: امام (ع) ميخواست، سخن چينها و افتراهاي بعضي از جاسوسان را كه خواستار گرفتاري و آزردن او بودند، بداند. عبد الله بن محمد كه در مدينه مسئول سپاه و نماز بود، متوكل را متوجه خطري كرد كه از جانب امام او را تهديد مي نمود. او معتقد بود كه فعاليتهاي امام (ع) در مدينه، عليه سلامت و امنيت دولت است. او با سخن چيني و نشر خبر، شايع كرد كه در خانه امام (ع)

اسلحه، نيز نامه هائي وجود

دارد. ازين رو بود كه امام (ع) مي خواست در برابر حكام طوري حركت كند كه شك و بيمي در دلها برنينگيزد تا شايد بتواند فرصتي بدست آورد و در زمينه هاي لازم به فعاليت پردازد و تحرك و كوشش را دوباره آغاز كند.

ج: امام (ع) شايد با زيستن در محيط طبقات حاكم و با نفوذ دولت مي خواست به اين امر توفيق يابد كه در ميان آنان سخن حق را رايج گرداند و از موضع عادلانه خود دفاع كند-اين احتمال درست نيست-زيرا آنان براي شخصيت امام احترام قايل بودند و علم و نسب و شرافت او را بزرگ ميداشتند و مي ستودند. امام (ع)، به اين جهت مي توانست در سطوح بالا، محبت و احترام و توجه آنان را بخود جلب كند.

د-امام در آن هنگام اين مساله را ميدانست كه طبيعت حكومت عباسي، سراپا بر اساس حسب و نسب مبتني است و نسبتها و پيوندهاي خانوادگي و مصالح شخصي و واسطه انگيزي، پايه آن است. امام انديشيد كه مي توان ازين واقعيت به سود اسلام بهره جست و كوشيد تا از فشار و ستم نسبت به مردم خود بكاهد و خطرهائي را كه به آنجا متوجه است براند.

قيامهاي علويان و دعوت براي رضا از آل محمد (ص)

ديگر از نگرانيها و وحشت فرمانروايان، شورش علويان بود. ازين روبود كه عباسيان در برابر آن، موضعي قاطعانه ميگرفتند تا پيش از آنكه رشديابد و گسترش پيدا كند، آنرا در نطفه خفه كنند و بقاياي آنرا تعقيب نمايندتا از دست آن آشوبها رهائي يابند. بديهي است كه اين چاره گري و جلوگيري، با همه وسايل قهر آميز و سركوبي وحشيانه صورت ميگرفت.

درين نظرگاه كينه

آميز نسبت به علويان، يعني حركت ضد علوي، بين خليفه و فرمانده و وزير و ساير بندگان و تركان كه در آن اوقات در سامره پايتخت عباسيان پر بودند، تفاوتي وجود نداشت. چنانكه طبقه ذينفع و برخوردار از همه امتيازهاي طبقاتي و همه فرماندهان و متنفذان كه اعلام صلح و جنگ در دست آنان بود نيز در آن حركت ضد علوي مانند ديگران بودند.

در آن هنگام، دولت عباسيان به علت سياست ظالمانه خود دچار ناتواني و پاشيدگي و گسيختگي شده بود و از اندك جنبش علويان به وحشت در مي افتاد و از سايه آنان نيز بهراس گرفتار مي آمد. ازين روي، در مقابل آنان روشي خشن پيش مي گرفتند و شورشيان را به بدترين عقوبت مي آزردند.

شورشيان علوي اگر در خود احساس قدرتي ميكردند و پيرواني فراهم مي آوردند، در مي يافتند كه بايد برنامه اي تهيه كنند و نقشه اي طرح نمايند تابر ضد حكمرانان فاسد و منحرف خروج كنند. بيشتر شورشها با شعار- «رضا از آل محمد» مردم را فرا ميخواندند و منظورشان از آن شعار، بهترين شخص از آل محمد (ص) بود و به اعتقاد آنان كسي بهتر از حضرت امام هادي (ع) وجود نداشت.

شورشيان با آن شعار همه گير و گسترده، روش جنگي جالبي به كار مي بردند تا بتوانند نام امام را پنهان دارند تا اگر انقلابيان شكست خوردند، امام در برابر دستگاه حاكم، در موضع اتهام و گرفتاري قرار نگيرد. و خوب ميدانستند كه امام (ع) زير نظر جاسوسان و خبر چينان دولتي قرار دارد و اگر بر ضد حكومت، به ايجاد عصيان و تمرد متهم گردد ممكن است بقتل برسد.

بارها به اين حقيقت اشاره كرده ايم و به تاكيد

گفته ايم كه امامان (ع)، مبارزه مسلحانه و روياروئي مستقيم را با حكومت وقت به شورشيان علوي محول ميكردند تا وجدان و اراده امت را بر انگيزند و آنان را بر ضد انحراف دولت به مقاومت آموخته كنند. آنان با فداكاري مستمر و پيوسته مي كوشيدند تا وجدان و اراده اسلامي را از سقوط نگاه دارند.

امامان (ع)، مخلصان و طرفداران خود را پشتيباني ميكردند اما به صورت مستقيم يا از گذرگاه تعليماتي كه در دل افراد پايگاههاشان مؤثر واقع ميشد و آنان را وادار ميكرد تا عليه دولت دست به عصيان مسلحانه زنند.

اما به جهت تنگي مجال و مقال نمي توان وارد اين بحث شد كه همه شورشيان علوي بر اساس آگاهي اسلامي در تطبيق احكام اسلام و زير رهبري امام معصوم دست به شورش مي زدند يا نه. اما عقيده شايع اين بود كه هدف بيشتر آنان همان بوده است. (12)

پي نوشتها:

1- كامل-ج 5-ص 304.

2- مروج الذهب مسعودي ج 4 ص 84.

3- تذكره ابن جوزي و موسوعه ص 93.

4- تاريخ غيبت ص 142.

5- همان مدرك.

6- مدرك سابق.

7- سوره شعرا-227-ارشاد ص 310 و فصول مهمه ص 296.

8- مناقب ص 515.

9- مناقب ج 3 ص 507.

10- احتجاج ج 2 ص 251-260.

11- مناقب ج 3 ص 512.

12- براي تفصيل بيشتر به تاريخ غيبت، نوشته صدر به و مقاتل الطالبين مراجعه شود.

امام يازدهم

امام يازدهم

حسن عسكري (ع)

امام عسگري (ع) همراه پدر، امام هادي (ع) ناراحتيهاي بسيار تحمل كرد و بيشتر زندگاني را در پايتخت عباسيان سپري ساخت. او همه رنجها و گرفتاريهايي را كه پدر بزرگوارش با آن روبرو بود احساس كرده بود و امامت را پس از پدر بعهده گرفت، حالي كه بيست

و دو ساله بود.

كارها و مواضع او (ع) به عنوان مرجع فكري و روحي اصحاب و پايگاه او ادامه راه و موضع پدر بود و مصالح عقيدتي و اجتماعي آنان را مراعات ميكرد. علاوه بر آنچه گفته شد. برنامه ريزي و مقدمه چيني و آمادگي براي غيبت فرزندش حجة بن الحسن، مهدي (ع) نيز از وظايف وي بود. درعصر امام (ع)، دشواريها و گرفتاريها پيش آمد و از قدرت عباسيان كاست تا آنجا كه موالي و تركان بر حكومت دست يافتند.

در آن محيط و جوي كه حكومت ناتوان شده بود، اين انتظار ميرفت كه فشار و شكنجه و آزار به امام (ع) و يارانش تخفيف يافته باشد. اما چنين نشد و بلكه موج سختگيري و فشار و آزار بالا گرفت و با دست خليفه معتمد، به اوج خود رسيد. بيم و وحشت از فعاليت امام و حركت او تنها منحصر به خليفه نبود بلكه در خط عمومي اجتماعي نمودار گرديد كه خليفه جز يكي از آن افراد نبود.

آن خط اجتماعي، همه گير و پيوسته، در مقابل خط امام و برنامه فكري و سياسي او بود و با طرح حاكم كه درين خط اجتماعي عام و طبقه ذينفع منحرف نمودار ميگرديد متمايز و متناقض بود. از اينجا بود كه پيوسته ميان آن دو خط متناقض، كشمكش وجود داشت و كوششهاي حاكم براي دور داشتن طرح و برنامه امام (ع) و رهبري او از صحنه اجتماعي و سياسي و بازخواست از او در هر عمل فعالانه و يا هر حركت دخالت مي كرد. حتي براي كوچكترين فعاليت و تحرك يا سخن چيني بي معني، يا خبري بي اهميت،

قدرت حاكم به دست و پا مي افتاد.

متوكل او را به زندان انداخت بي آنكه سبب آن كار را بگويد و ترديد نيست كه سبب، همانا دشمني و حسد و قبول افتراي سخن چينان بود. هم آن سان كه بين پدران بزرگوار امام (ع) با متوكل جريان داشت و آنان پيوسته گرفتار دربدري و حبس و قتل و انواع آزارها و شكنجه ها مي بودند. چنين روايت كرده اند كه حضرتش (ع) به دست معتمد مسموم گرديد و به شهادت رسيد (1).

ازين رو بود كه توقع تحفيف و فشار و فرو نشستن موج وحشت به مرور ايام نميرفت، بلكه به حكايت تاريخ بر آن شدتها و رنجها مي افزود.

اين كينه روز افزون در جنگ با امام (ع) سبب اصلي و موجب فهم واقعه «غيبت گرديد و انشاء الله بزودي آن را توضيح خواهيم داد.

روش امام در روياروئي با حوادث

مواضع امام (ع) و برنامه هايش را در برابر حوادث مي توان چنين تقسيم كرد:

موضع نخستين

موضع او در برابر حكومت و حكمرانان است. سياست عباسيان روياروي پيشوايان (ع) از عهد حضرت امام رضا (ع) روشن و آشكار بود و درين نكته خلاصه مي گرديد كه عباسيان، كوشش شديدي داشتند تا امام و اهل بيت را دردستگاه حكومت وارد كنند و او را در آن محيط منحل نمايند و پيوسته مراقب باشند و امام را زير نظر بدارند تا وي را از پايگاههاي خود و از ياران و پيروانش دور سازند. اين سياست مزورانه درباره حضرت امام حسن عسگري (ع) اجرا شد و حكومت توانست از آن، امتيازات فراوان بدست آورد.

حضرت امام عسگري (ع) نيز مانند پدر ناچار شد در سامره اقامت كندو مجبور بود به دربار

برود و هر دوشنبه و پنجشنبه در بارگاه خليفه حضور يابد. (2)

اما موضع و برخورد او در مقابل حكمرانان مانند موضع پدر بزرگوارش (ع) در ارتباط با حكومت، محتاطانه بود بي آنكه توجهي را جلب كند يا در دستگاه حكومت وارد شود، بلكه رابطه او به پيروي از خط پدرانش در برابر قدرت و دولت عباسي، رابطه اي بود ظاهري و به شكل روابط روز. موضع منفي امام (ع) در برابر حكومت، احترام و منزلتي رفيع براي وي فراهم آورد، اين مسئله را از علاقه وزيران زمانش به او مشاهده مي كنيم و مي بينيم كه امام چگونه شخصيت و جلال خود را حتي بر كسي كه از حيث كينه به اهل بيت و ازنظر انحراف، شديدترين مردم بود، يعني «عبد الله بن يحيي بن خاقان ، تحميل كرد. عبد الله ميگفت: هيچ مردي از علويان مانند حسن بن علي بن محمد بن علي الرضا (ع)» در سامرا از حيث آرامش و سكون و عفاف و پاكي و شرف و بزرگي نزد خاندانش و نزد همه بني هاشم كه او را بر همه سالخوردگان قوم خود برتري و سيادت دادند، نديدم و نشناختم (3).

از گفتار وزير مزبور، اندازه احترام و تقديس او در مورد امام (ع) ملاحظه ميگردد. امام يكبار به ديدار او رفت و در جلسه اي كوتاه با او روبرو گرديد و خواست به آنان بفهماند كه ايستادن او در كنار وزير و همراه شدنش با او به جهت انتقاد از ستمگري و انحراف و فسادي است كه دستگاه دولت رادر برگرفته است. به اين منظور است كه هر كجا حق و حقيقتي وجود داشته باشد امام

آنرا تاييد ميكند. زيرا نزد او مساله امت و مكتب بالاتر و برتر از دشمني و عداوتهاي شخصي و اختلافات است. شايد هم ميخواست آنان رابه اشتباه در اندازد تا نپندارند كه او بر ضد سياست آنان است و آنان را محكوم ميكند. شايد هم علت اين بود كه حاكم را وادار سازد تا از فشار و تعقيبي كه ياران امام از طرف حكومت دچار آن بودند بكاهد.

امام (ع) ميخواست در ملاء عام يا در محل عمومي با وزير ملاقات كند!

وقتي وزير در جاي خود نشسته بود حاجب اطلاع داد كه «ابو محمد بن الرضا» در آستان در اطاق است. اين خبر، توجه و احترام وزير را جلب كرد. احمد فرزند او گفت: «از چيزي كه از آنان شنيدم تعجب كردم و از گستاخي شان به شگفت دچار شدم كه چطور جرئت كرده اند در محضر پدرم آيند كه جز خليفه يا وليعهد، ديگري در آن محضر راه نداشت. او مي افزايد: «مردي خوش قامت و زيباروي، با اندامي متناسب، جوان، با جلالت و هيبت دلنشين وارد شد. پدرم به او نظر كرد. برخاست و چند گام به سوي او رفت. او رادر آغوش كشيد و روي او را بوسيد و بر سينه اش بوسه داد و او را بر بالاي مجلس در محل نماز خود نشاند و در كنار او نشست و روي به او آغاز سخن كردو مدح او گفت .

«احمد بن عبيد الله همچنان در كار و رفتار پدر با امام شگفتزده باقي ماند. از پدر خصت خواست كه ازو پرسشي كند و گفت: «اي پدر مردي كه صبح با جلال و عزت و احترام

با او برخورد كردي كيست؟ » گفت: اي فرزند، امام رافضيان «حسن بن علي است. آنگاه خاموش گرديد. من نيز خاموش شدم. گفت: «اي فرزند اگر امامت از دست خلفاي ما بني عباس بدر رود، هيچكس از بني هاشم جر او به جهت فضل و عفاف و زهد و عبادت و اخلاق نيكو، شايسته خلافت نيست (4)

اين مطلب بر اين دلالت دارد كه براي امام، از حيث محبت و عظمت و ادراك عدالت و شايستگي براي در دست گرفتن حكومت چه عقيده اي وجود داشت.

امام عسگري (ع) درباره بعضي از حوادث سكوت اختيار ميكرد بي آنكه بطور مثبت يا منفي، در مورد آن نظري ابراز فرمايد، همانگونه كه با رهبر شورش «زنگ كه مدعي بود به امام علي (ع) منسوب است، رفتار كرد.

شورش او برخاسته از برنامه و خط مشي اهل بيت نبود. كشتار مردمي بسيار و مصادره اموال و آتش زدن شهرها و به اسارت بردن زنان، هيچيك از آن كارها، حساب يا انگيزه ديني نداشت.

موضع امام (ع) درباره رفتار شورشيان به علت كارهاي خلاف احكام اسلامي كه مرتكب شده بودند قطعا موضع مخالف و محكوم كننده بود. امام، سكوت را ترجيح داد، از روش آنان عيبجوئي نكرد به تفاصيل آنهم توجه نفرمود.

اگر چنين كرده بود اين كار تاييد ضمني دولت به شمار مي رفت. چرا كه شورش «زنگ ، با توجه به نقطه ضعفهاي فراوان و منفي آن، در نهايت، براي ضعيف كردن حكومت عباسيان و در هم شكستن قدرت و نفوذشان با هدفهاي امام (ع)

تطبيق ميكرد و آن امري بود كه شايستگي داشت كه امام (ع) براي مصالح نهضت و عاليت خود از آن

استفاده كند. چه، هر چند بين معارضان اختلاف باشد اما بالنتيجه همگي در مخالفت با دشمن واحد، اشتراك منافع دارند.

چنين بود وضع حاكم.

امام (ع) از نتايج جنبش «زنگ استفاده مي برد، زيرا دولت، ناتوان ميگشت و نمي توانست در دو جبهه بجنگد و يا نيازهاي سنگين خود را در دوجبهه تامين كند.

شايد آن شورش سبب ميشد كه تا حدي از فشار بر جبهه امام بكاهد، هر چند دولت مي ديد كه فعاليت امام (ع) خطرناكتر از خطر شورش «زنگ است و اثر آن در دراز مدت بيشتر از جنبش «زنگ است كه بزودي از ميان مي رفت.

موضع دوم

موضع امام (ع) از نظرحركت و جنبش علمي و آموزش عقيدتي مواضع علمي او (ع) در پاسخهاي قاطع و استوار در مورد شبهه ها و افكار كفرآميز و بيان كردن حق، با روش مناظره و گفتگوهاي موضوعي و مناقشه ها و بحثهاي علمي و همزمان با آن فعاليتها، كوششهاي ديگر از قبيل صادر كردن بيانيه هاي علمي و تاليف كتاب و مانندهاي آن را بر عهده داشت.

با اين مجاهدتها، از طرفي امت مؤمن را به شخصيت مكتبي و فكري خود مجهز ميكرد و از طرف ديگر پايداري و ايستادگي شان را در برابر جريانهاي فكري كه عليه مكتب، خطري را تشكيل ميداد، تضمين مي فرمود و آنرا در نطفه خفه مي نمود. امام (ع) با دانش گسترده اي كه درباره محيط داشت توانا بود كه آغاز آن مسايل را احساس كند و اهميت و اثر آن را بسنجد سپس براي از بين بردن آن، برنامه ريزي نمايد.

از اينرو، موضع امام عسگري (ع) هنگام اقامت در مدينه با اهميت دادن او به تهيه برنامه شكل پيدا كرد. كندي (ابو يوسف يعقوب

بن اسحاق) فيلسوف عراقي در زمان امام (ع)، پيرامون متناقضات قرآن، كتابي تدوين كرد. امام بوسيله بعضي از منسوبان به حوزه علمي او، با او تماس گرفت و كوشش او را با شكست روبرو كرد و كندي را قانع فرمود كه در اشتباه بوده است. (5) كندي توبه كرد و اوراق خود را سوزانيد (6)

براي ابو هاشم جعفري ايراد فرمود و (7) بياناتي ارزشمند در باب تفسير قرآن دارد. (8)

موضع سوم

موضع امام (ع) در اين زمينه، نظارت بر پايگاههاي مردمي خود و پشتيباني از آن پايگاهها و بالا بردن درجه آگاهي آنها و مجهز كردن آن با همه اسلوبهاو روشهاي پايداري و بالا بردن به سطح پيشتازان متعهد بود.

امام (ع)، غالبا آنان را هشدار ميداد تا در دام عباسيان نيفتند و در مصائب روزگار از نظر اقتصادي و اجتماعي به علت بدبختيها و رفتاربيرحمانه حكام كه با آن روبرو ميشدند، به آنان كمك مي رسانيد. امام (ع) براي «محمد بن علي سمري از ياران خاص خود و نائب چهارم فرزندش (ع)

«حجة المهدي (ع) در غيبت صغري، براي پرهيز از فتنه نوشت: «فتنه اي است كه شما را گمراه ميكند … پس آماده و هشيار باشيد. (9)»

به ياران خود فرمان ميداد كه خاموشي اختيار كنند و از فعاليت خود داري نمايند تا كارها در مجراي خود افتد و حوادث روبراه شود.

امام (ع) حتي وقتي يارانش در بند و زندان بودند، آنان را از شكوه و تظلم باز ميداشت. يك بار گروهي از اصحاب او را به زندان انداختند و آنان را زير نظر «صالح بن وصيف قرار دادند. ياران امام عبارت بودنداز: ابو هاشم جعفري، داود بن قاسم، حسن بن

محمد عقيقي، محمد بن ابراهيم العمري و ديگران. امام (ع) آنان را آگاه كرد كه از كسي كه در زندان مدعي است كه علوي مي باشد بر حذر باشند كه او از آنان نيست. و در جامه او نوشته اي وجود دارد كه براي سلطان نوشته است تا به او گزارش كند كه از او چه ميگويندپس يكي از آن گروه، جامه او را بازرسي كرد و هم آن سان كه امام فرموده بود، نوشته را يافت. (10)

ديگر از مواضع امام، برخورد او با يارانش بود كه آنان را در اوقات مورد لزوم با ارسال پول مورد نياز ياري ميداد.

براي امام، از مناطق گوناگون اسلامي كه پايگاههاي توده اي او آنجابود، بوسيله نمايندگان او كه در آن مناطق پراكنده بودند اموال بسيار مي بردند.

و امام (ع) با دقت بسيار و با روشهاي گوناگون مي كوشيد تا آن امر را كاملا از چشم دولتيان بپوشاند و به نحوي پنهاني عمل كند. مي توان ديد كه امام، كه تحت نظر و در زير فشار بود، چگونه پولها را تحويل ميگرفت و به طوري كه صلاح ميدانست به مصرف مي رسانيد بي آنكه دولت از آن فعاليتها چيزي درك كند. بلكه ناتوان و دست بسته در مقابل امام به سر مي برد و با وجود كوشش بسيار، از كشف مساله ناتوان بود و اگر گاهي برخي از اموال را دولت كشف ميكرد به اين علت بود كه بعضي از اطرافيان امام (ع) در اتخاذ روش صحيح سهل انگاري ميكردند. (11)

دولت عباسي در برابر ياران امام (ع) و در پايگاههائي كه پشتيبان اوبودند، قاطعانه و بيرحمانه ايستادگي ميكرد و براي از ميان برداشتن خط مشي و برنامه امام

و پراكندن و اداره كردن ياران او كوششهاي فراوان به عمل آوردو با مال بيحساب بسيار و عيش بي دغدغه اشرافي دست به خريداري وجدانها زد.

موضع امام در مقابل آن كوششها، پندگوئي بود كه به ياران دلداري ميداد و مي فرمود: «تهيدست و با ما بودن، بهتر كه توانگر بودن و با غير ما بودن. كشته شدن با ما، بهتر كه زنده بودن با دشمن ما. ما براي هر كس كه به ما پناه آورد، پناهگاهيم و براي آن كس كه بخواهد به وسيله ما ببيند، نوريم و آن كس را كه به ما پناه آورد، عصمتيم و هر كس كه ما را دوست بدارد، به حقيقت در بزرگي و مقام با ما است و هر كس كه از ما منحرف گردد، جاي او در آتش است .

موضع چهارم: موضع امام (ع) در آماده كردن مساله غيبت

امام عسگري (ع) كه بوضوح مي ديد كه اراده الهي براي ايجاد دولت «الله بر روي زمين و در بر گرفتن همه جهان انسانيت و گرفتن دست مستضعفان در زمين-تا خوف آنان به امنيت خاطر تبديل گردد و خداي را عبادت كنند و هيچ چيز را شريك او نگيرند … -بر اين تعلق گرفته است كه فرزندش غيبت كند.

او ميدانست كه هموار كردن راه غيبت فرزندش بر عهده اوست و اين كار ازين روست كه بشر به ادراك و معرفت حسي عادت كرده است و براي اين انسان كه فقط چنين مي انديشد، دشوار است كه به تفكر وسيع دست زند.

محيط امام (ع) كه محيطي فاسد و منحرف بود و سطح روحي آن پائين آمده بود، نمي توانست تا ژرفاي اين ايمان، بالائي گيرد و

به بلنداي اين تفكر دست يابد. بخصوص كه غيبت امام رويدادي بود كه در تاريخ امت، مانندي نداشت. سخنان معجزه آساي پيشين و نصوص فراوان و پياپي، به آمدن مهدي (ع) بشارت مي داد و درين مورد روايات متواتر و صحيح از حضرت نبي اكرم (ص) موجود است و مؤلفان صحاح كه معاصران آن زمان بوده اند يا پيش از آن زمان مي زيسته اند، اين سخنان را روايت كرده اند. بخاري و مسلم و احمد بن حنبل … از آن جمله اند.

اينك مي گوئيم اگر چه همه اين نصوص و تبليغات بطور كلي اثري بزرگ و عميق در رسوخ فكر «انتظار مهدي (ع)» در نفوس مسلمانان داشت و ايمان آنان به اين معني، با عمق ايمان فرد و وسعت تفكر و اعتقاد مذهبي او در اسلام متناسب بود، اما آن نصوص، بيش ازين نبود كه از يك طرف به امام كمك كند تا مردم را به ايمان بر غيبت قانع سازد و از طرف ديگر براي مردم ثابت كند كه غيبت در مورد فرزندش مهدي (ع) صورت ميگيرد.

دشوارترين كاري كه امام عسكري (ع) بعنوان پدر مهدي (ع) متحمل آن بود و مسئوليت آنرا بر عهده داشت، اين بود كه مردم را قانع سازد كه زمان غيبت فرا رسيده است و تنفيذ آن امر در شخص فرزندش امام مهدي (ع) صورت گرفته است. اين معني بالنسبة به فردي عادي، امري دشوار بود، چه، امكان داشت آن فرد، ناگهان ايمانش متزلزل گردد.

درباره غيبت، در منطق ايمان فرد عادي به شكل مؤجل تفاوت زيادي وجود دارد. فرد نمي تواند اثر آن را در زندگاني و بين ايمان به غيبت و اعتقادبه تنفيذ آن در زمان معاصر،

حس كند. بررسي و ملاحظه آن معني در فرضيه توضيحي زير وجود دارد.

اگر شخصي كه در صدق گفتارش ترديد نداريم به ما خبر دهد كه به زودي رستاخيز بر پا ميشود، يا به زودي اجل ما فرا مي رسد، چنين خبري به ايمان مابه او صدمه ميزند و در آن خدشه وارد ميكند. زيرا ايمان به قبول وقوع چنين امري به نيروي مضاعف ايمان و اراده نياز دارد و بايد همه قدرت ايماني و روحي خود را بسيج كنيم تا بدينوسيله به اين امر غيبي مؤمن شويم. اين حقيقت رواني و مشكلات آن، امام را به اين راه كشانيد كه همه كوشش خود را بذل فرمايد تا صدمه كمتري به افكار مردم وارد شود و اذهان مردم را بدون رد و انكار، براي استقبال از آن آماده سازد و ياران و پايگاههاي خود را به ملزم بودن به آن دعوت كند. بخصوص نسلي آگاه بپروراند كه هسته اصلي براي تربيت نسلهائي كه با فعاليت خود تاريخ دو غيبت صغري و كبري را پايه گذاري كردند، تشكيل دهند.

بايد آن شرايط و اوضاع دشواري را كه امام و اصحابش از طرف دولت تحمل كردند و ضرورت عمل و تبليغ انديشه انقلابي مهدي (ع) را كه در منطق حكام براي هستي شان و بيرون رفتن از محيط قدرتشان و تمرد و مخالفت با دولتشان امري خطرناك بود، بر اين بيفزائيم.

از اينجا با كمال وضوح، دقت برنامه ريزي را كه بر عهده امام (ع)

نهاده شده بود و دشواري موضع او را كه دعوت و تبليغ براي فرزندش مهدي (ع) بود، احساس ميكنيم.

امام (ع) راه غيبت فرزندش مهدي (ع) را هموار

ميسازد

فعاليت امام عسكري (ع) و برنامه ريزي او در تحقق بخشيدن هدف مزبور به دو كار مقدماتي نياز داشت:

1-مخفي كردن مهدي (ع) از چشم مردم و نشان دادن وي (ع) فقط به بعضي از خواص.

2-آنكه به هر ترتيب، فكر غيبت را در اذهان و افكار رسوخ دهد و به مردم بفهماند كه اين مسئوليت اسلامي را بايد تحمل كنند و مردم را به اين انديشه و متفرعات آن عادت دهند.

درين باب مشاهده ميكنيم كه اعلاميه ها و بيانيه هاي امام عسكري (ع) در واقع بدنبال همان احاديث و نصوصي بود كه از ناحيه پيامبر اكرم و ائمه پس از ايشان متواليا درين معني صادر شده بود.

بيانيه هاي امام عسكري سه شكل داشت:

الف-اعلاميه ها يا بيانيه هاي كلي و عمومي درباره صفات مهدي (ع)

پس از ظهور و قيامش در دولت جهاني كه تشكيل ميدهد. چنانكه در پاسخ به پرسش يكي از ياران خود راجع به قيام مهدي (ع) چنين فرمود: «وقتي قيام كند، در ميان مردم با علم خود داوري خواهد كرد مانند داوري داود كه از بينه و دليل پرسشي نمي كرد» (12).

ب-توجيه نقد سياسي در مورد اوضاع موجود و مقرون كردن آن به انديشه وجود مهدي (ع) و ضرورت ايجاد دگرگونيها از سوي او. و ازين قبيل است: «وقتي قائم خروج كند به ويران كردن منابر و جايگاههاي خصوصي در مساجد فرمان خواهد داد. اين جايگاهها به منظور امنيت و محافظت خليفه از تعدي و براي افزودن هيبت او در دل ديگران بنا شده است (13)».

ج-اعلاميه هاي كلي براي پايگاهها و اصحابش كه در آن، ابعاد انديشه غيبت براي آنان و ضرورت آمادگي و عمل به آن از ناحيه رواني و اجتماعي

توضيح داده شده بود، تا غيبت امام (ع) و جدائي او را از آنان بپذيرند.

از جمله، امام (ع) به اين بابويه نامه اي نوشت و در آن فرمود: «بر تو باد بردباري و انتظار گشايش. پيمبر فرمود: برتر عمل امت من انتظار كشيدن گشايش است و شيعه ما پيوسته در اندوه است تا فرزندم ظهور كند.

پيامبر اكرم مژده داده است كه او زمين را از قسط و عدل پر ميسازد، آن سان كه از جور و ستم آكنده شده است. اي شيخ من، شكيبا باش. اي ابو الحسن علي، همه شيعيان مرا به شكيبائي فرمان ده كه زمين از آن خدا است و آن را بهر كس از بندگانش كه بخواهد به ارث وا ميگذارد و پايان فرخنده، مر پرهيزكاران راست (14).

3-امام عسگري (ع) موضعي ديگر نيز برگزيد كه وقتي فرزندش از چشم مردم دور شود، وضع را براي قبول غيبت آماده كرده باشد. در آنوقت فقط به خواص اصحاب نمودار مي گرديد و وظيفه تبليغ تعليمات و فرمانهاي خودرا بواسطه چند تن از خاصان خود اجرا ميكرد و اين امر را با مكاتبه و توقيع عمل مي فرمود و به اين ترتيب، براي آنچه كه فرزندش، مهدي (ع) در غيبت صغراي خود بايستي، عمل ميكرد، ايجاد آمادگي مي نمود حال آنكه بايستي از مردم پنهان مي ماند و بوسيله تعليمات خود با آنان رابطه برقرار مي كرد.

اگر اين مساله بدون مقدمه و آمادگي قبلي برقرار مي ماند، براي مردم امري شگفت آور و حيرت بخش و غافلگير كننده بود. از اينجا بود كه امام عسكري (ع) اين اسلوب را عمل كرد و آن، برنامه اي ويژه براي آماده كردن ذهنيات امت و

آگاه شدنشان بود تا آن روش را بپذيرند و بدون حيرت و شگفتي نمودن و همراه داشتن عواقب ناخوشايند و نا محمود، آن را حفظ كنند.

اين روش، بگونه اي بسيط و ساده در دوره امام هادي (ع) آغاز شد كه او (ع) بواسطه جور و ظلم حكام، از انظار پنهان شد و از راه توقعيات و نامه ها براي پيروان خود پيام مي فرستاد و با آنان تماس ميگرفت تا شيعيان، به تدريج به اين معني عادت كنند و اين روش با فهم و درك مردم بيشتر سازش داشت (15).

دوستان و طرفداران او عادت كردند كه بوسيله مكاتبه و مراسله با او تماس گيرند و از او (ع) پرسش كنند (16).

همچنين نظام و روش وكالتي و وساطتي كه امام عسكري (ع) با پايگاههاي مردمي خود برگزيد، روشي ديگر از روشهايي بود كه براي آن، مساله غيبت آماده شده بود.

شيعيان وقتي اموالي را از حقوق شرعي كه بر آنان واجب بود، براي امام (ع) مي بردند ابتدا به «عثمان بن سعيد عمري السمان وارد ميشدند و او براي سرپوش گذاشتن بر فعاليتهاي امام (ع) و براي مصلحت او، تجارت روغن ميكرد. پولهائي را كه تحويل ميگرفت در خيكهاي روغن ميگذاشت و دور از چشم حكام، براي امام (ع) ميفرستاد. زيرا اگر بر قضيه واقف ميشدند همه آنرا مصادره ميكردند (17).

در بحث آينده خواهيم ديد كه نظام «پنهان شدن و بوسيله نواب، مطالب خود را ابلاغ كردن در غيبت صغراي امام (ع) معمول بود و اجرامي شد زان پس كه مردم به مسلك امامين عسكريين عليهما السلام به آن خوگرشدند، خاصه در زمان امام حسن عسكري (ع) به آن خو گرفتند، روشي بودكه

در غيبت صغراي امام معمول گرديد و انشاء الله در مبحث آينده آنرا توضيح خواهيم داد.

پي نوشتها:

1- الموسوعة ص 94.

2- المناقب ج 3 ص 533.

3- ارشاد ص 318 و اعلام الوري ص 357.

4- ارشاد ص 318.

5- دور الائمه از صدر.

6- مناقب-ج 3 ص 526.

7- مدرك سابق.

8- احتجاج-ج 2 ص 250.

9- كشف الغمه. ج 3 ص 407.

10- مدرك سابق و نيز اعلام الوري ص 354.

11- به تاريخ غيبت نوشته صدر ص 206 مراجعه شود.

12- ارشاد ص 323.

13- مناقب ج 3 ص 536.

14- مدرك سابق ص 527.

15- اثبات الوصية ص 262.

16- ارشاد ص 323 و كشف الغمة ج 3 ص 207.

17- غيبت. از شيخ طوسي ص 215-219.

امام دوازدهم

امام دوازدهم

مهدي (ع)

مقدمه:

از آنچه گذشت دانستيم كه روش و نقشه عباسيان و سياست آنان در برابر پيشوايان از اهل بيت (ع) اين بود كه امام را در دستگاه حكومت سهيم كنند تا براي از بين بردن روشها و برنامه هاي آنان و دور كردنشان از پايگاههاي مردمي، مقدمه اي فراهم آورده باشند و هر يك را دچار قهر و بيم و عذاب سياست ددمنشانه خود كنند.

سياست فشار و اختناق، امامان (ع) را وادار كرد تا فعاليت خود رادر نهان انجام دهند و گفتار و كردار خويش را در پوشش كتمان و رمز حفظ كنند و از مرحله امتداد و گسترش افقي، به مرحله نگاهداري براي باقي بودن منتقل شوند و بكوشند با ياران يكدل-پس از آنكه قوت و قدرت اراده و مقاومت و پايداري آنان را در برابر فشار حوادث دشوار آزمودند-رابطه شخصي و تماس مستقيم داشته باشند. اين مرحله مرحله اي بود براي روشن كردن جرقه اميد در دل انقلابيان، از گذرگاه انديشه

مهدي منتظر در دل شيعيان و ادامه مخالفت جدي و قاطع در برابر حملات انحرافي بر ضد خط مكتب به طوري كه با نرمش در عمل سياسي و برانگيختن مردم در برابر دولت منافات نداشته باشد.

اين مرحله فعاليت مثبت، دولت را واداشت كه پيوسته آماده باشد و پيوسته از گرفتاري حذر كند و در مقابل كليه اقوال و افعال امام و يارانش مراقبت دائمي بعمل آورد. يكي از وسايل متفرق كردن طرفداران امام و ازبين بردن پايگاهها و يارانش، زندان و شكنجه و طرق قلع و قمع و جلوگيري از تماس امام (ع) با طرفدارانش بود.

غالبا، كار به زنداني شدن ياران امام و به دستگيري شخص امام (ع)

منجر ميگرديد. او (ع) مدتها در ظللمت زندان باقي مي ماند و سپس بيرون مي آمد تا باز به زندان افكنده شود.

با وجود همه اين تنگناها و سياست فشار و نظارت دائمي، امام هادي (ع) و امام عسكري (ع) توانستند، مخفيانه فعاليت كنند و اموال و تعليماتي كه از جانب آن دو ابلاغ مي گرديد در پرده بدارند. در محيطي چنان سرشار از كينه و رشك و بدخواهي نسبت به نهضت و پيشوايان از اهل بيت (ع)، دولت عباسي در برابر افكاري كه ذهنيات عموم مسلمانان، بخصوص افكار دوستان نزديك امام (ع) به علت اخبار متواتر از زمان رسول الله (ص) تا زمان امام عسكري (ع) از اعتقاد به وجود مهدي (ع) لبريز بود، وسائلي تدارك ميديد تا با آن افكار روبرو شود. دولت و حكمرانان بطور كلي ميدانستند كه زمان مهدي (ع) تقريبا نزديك است. اما تاريخ تولد او را-كه مراقبت بي اندازه بكار رفته بود تا پنهان ماند-نمي دانستند.

از آنجا بود كه دستگاه حاكم

فرمانها صادر كرد كه پس از فوت امام (ع)، از ترس اينكه مبادا مهدي (ع) بصورت جنين در شكم يكي از همسران امام (ع) باشد، همه زنان باردار او را مراقبت كنند و بپايند.

در چگونگي ولادت امام مهدي (ع)

امام عسگري (ع) با كنيزي كه بواسطه يكي از فتوحات اسلامي، به اسلام گرويده بود، ازدواج كرد. همسر امام (ع) از سوي ايشان به نامهاي گوناگون ناميده ميشد (1). امام (ع) در تغيير نام آن بانو هر چند مدت برنامه اي مخصوص داشت و از آن رو بود كه ميدانست وي بزودي مادر مهدي (ع) خواهد شد و از طرف حكومت تحت تعقيب قرار خواهد گرفت و مدتي در زندان خواهد گذراند. به اين جهت امام براي او طرحي محتاطانه انديشيد و براي محافظت آن بانو و فرزندش و براي اينكه مساله را در ذهن مقامات دولتي و دولتمردان دگرگون جلوه دهد و نگذارد بفهمند كه بانوي زنداني صاحب كداميك ازآن نامها است، كداميك از بانوان باردار است و كداميك مادر طفل موعود است، مسئولان امر را دچار اين تصور كرده بود كه آن نامها متعلق به بانوان متعدد است و ازين غافل شدند كه اين اسامي مختلف، همه از آن يك نفر مي باشد.

تولد او (ع).

امام مهدي (ع) در نيمه شعبان سال 255 هجري (2) متولد گرديد. پنج سال از زندگاني او در حيات پدر بزرگوارش گذشت و در آن مدت، فعاليت مهم و اساسي پدر بزرگوارش (ع) بر دو امر مهم متمركز گرديد:

1-احتياط كامل از دستگاه حاكم.

2-آشنا كردن او با ياران نزديك خود.

امام مهدي (ع) پس از پدر، مسئوليت امامت را بر عهده گرفت و آن روز پنجسال

داشت (260 هجري). خردسالي امام پديده اي شگفت آور نيست، آنسان كه در گفتار خود راجع به امام جواد (ع) گفتيم، امامت موهبتي است كه خداوند به هريك از بندگانش كه بخواهد عطا مي فرمايد. مانند يحيي پيامبر كه حكم نبوت را در دست گرفت در حاليكه كودك بود (3).

مسئوليت امام عسكري (ع) در برابر فرزندش

پس از ولادت امام مهدي (ع) پدر در قبال فرزند با دو وظيفه هماهنگ روبرو گرديد:

1-ثابت كردن وجود مهدي (ع) در برابر تاريخ و در برابر امت اسلام و مقابل طرفداران و پيروانش، با احتياطي كه در مقابل حكومت مرعي ميداشت بي آنكه اين پنهانكاري و احتياط طوري باشد كه وادار به مخفي كردن كامل او باشد و به محو كردن نامش و انكار وجودش منجر گردد. و بالاخره به استدلال و اقامه حجت به وجود مهدي (ع) نزد پيروان خاص و عموم مسلمانان و رد كردن ادعاهائي كه مبتني بر عدم وجود مهدي (ع) بود يا مدعي بود كه امام عسكري (ع) را فرزندي نيست.

2-برنامه ريزي و طرح نقشه براي پشتيباني از مهدي (ع) در مقابل كوششهائي كه براي تعقيب و قتل او از طرف مقامات دولتي كه توجه بسيار به او معطوف ميداشتند، مي شد. نيز مقابله با كوششهاي مرگزاي دولت و بسيج همه نيروها و جاسوسان و خبر گذاران براي دست يافتن به او. زيرا، ولادت او (ع) به معناي حكم مرگ نظام موجود و رسوا كردن و فاش ساختن برنامه هاي آنان و نشان دادن انحرافشان از فرمانهاي اسلام به شمار ميرفت.

هر اندازه دقت و احتياط امام عسكري (ع) براي صورت تحقق دادن به دو هدف مزبور يا دو وظيفه مشروح روياروي

فرزندش افزايش مي يافت، بيشتر در معرض تعقيب دولت و مراقبت دائمي آنان قرار ميگرفت و به اين اعتبار كه قائد اسلام بود و پايگاههاي مردمي گسترده مسلمانان را زير نظر و فرمان داشت و نماينده جبهه معترض و مخالف با قدرت حاكم آنروز بود، دائم زير نظر و توجه دولت و جاسوسان او بسر مي برد.

از اينجا بود كه برنامه ريزي امام (ع) در پشت سر گذاشتن آن تنگناها به سلامت، يا ترك كردن علني نمودن و آشكار ساختن تولد فرزندش (ع) بود.

ولادت امام مهدي (ع) طوري اتفاق افتاد كه گوئي اصولا-هيچ چيز روي نداده است حتي خدمتكار خانه امام (ع) نيز متوجه نشد و هيچ نفهميد (4).

توفيق امام (ع) به پنهان كردن مساله تولد فرزندش مساله اي مهم بود.

ولادت وي را پنهان داشت و او را از ياران و دوستان جز بوسيله مراسله، در پرده نگاه داشت. پايگاهها و دوستان، با انديشه در پرده بودن و پيوند داشتن با امام از راه نظام نوابي و تسلسل هرمي كه از راس به قاعده مي رسيد، عادت كردند.

نيز سرگرم شدن دولت به مساله جنبش «زنگ (صاحب الزنج) به سال 255 هجري، به امام عسكري مساعدت كرد تا اين قضيه را مستور بدارد.

تا اينجا امام عسكري (ع) توانست فرزندش را از حمله و قهر و غضب حكومت و از هر كه در حول و حوش آن وجود داشت حمايت فرمايد.

امام (ع) هر كس را كه از امر ولادت فرزندش مهدي (ع) آگاه ميگرديد، ملزم مي ساخت كه قطعا آن را كتمان كند. امام عسكري به احمد بن اسحاق نوشت: «ما را مولودي متولد شده است. بايد اين امر را نزد خود پوشيده بداري

و از همه مردم مكتوم نمائي (5). و تاكيد ميفرمود كه هيچكس نبايد از نام او (ع) و آگاه شود و آگاهي بر آن حرام است.

عثمان بن سعيد عمري به هر كس كه از نام امام (ع) مي پرسيد، ميگفت:

«زنهار كه درين باب پي جوئي كني (6)

امام (ع) بسي احتياط ميكرد و نام او را نمي برد و به اسم تصريح نمي فرمود و تنها به اين گفته بس ميكرد كه: «هذا صاحبكم . اما نام او را به عده بسيار اندكي از اصحاب گفته بود.

به نظر امام، آن اندازه اطلاع كافي بود، اگر چه نام مجهول و غير علني بود. به علاوه كافي بود كه به وجود امام ايمان داشته باشند تا بتوانند در احكام و مشكلات به او رجوع كنند و اين امر وقتي به وجود شخص امام آگاه بودندو رابطه با امام از طريق سفيران امام ممكن بود، به دانستن نام او (ع) احتياج نبود.

امام عسكري (ع) چند روز پيش از وفات، بين دوستان خود در مجلسي كه چهل تن از ياران وفادارش حضور داشتند و از جمله آنان محمد بن عثمان و معاوية بن حكيم و محمد بن ايوب … بودند به بزرگترين اعلان و افشاگري درباره ولادت فرزندش اقدام كرد و به آنان چنين گفت: «او بعد از من صاحب شما و خليفه شماست. او قائمي است كه گردنها در انتظار، به سوي او كشيده شده است. پس وقتي زمين از ستم و ناروائي پر شد، خروج ميكند و زمين را از قسط و عدل سرشار ميسازد. (7)

جعفر بن علي دولت را آگاه ميسازد

جعفر، پسر امام علي الهادي (ع) بود، كتابهاي تاريخ، زندگاني او

راچنين توضيح ميدهند: «به جواني رسيد و از تعاليم اسلام بيگانه و منحرف بود و راه لهو و شرابخوارگي و فسق و فجور در پيش گرفت .

پدر او، امام (ع) به ياران خود فرمان داد كه از او دوري جويند و با او آميزش نكنند و درباره او فرمود: «او نسبت به من به منزله نمرود است به نوح كه «خداي عز و جل فرمايد كه نوح گفت: همانا كه فرزندم از خاندان من است و خدا گفت: اي نوح او از خاندان تو نيست، او عمل نا صالح است . (8)

از اخبار چنين بر مي آيد كه جعفر در سه زمينه فعاليت انحرافي داشت و باامام مهدي (ع) در تضاد بود و آن عبارت بود از:

1-ادعاي امامت پس از برادرش امام عسگري (ع)

2-انكار هر وارث شرعي براي امام عسگري (ع) و ادعاي اينكه او امامت را به ارث مي برد.

3-وقتي امام مهدي (ع) به او اعتراض كرد، ماموران دولتي را از احتمال وجود او آگاه ساخت و دولت را وادار كرد تا براي تعقيب و بازرسي گسترده خانه او عمل كنند. كارگزاران حكومت، بازماندگان امام را زير فشار قرار دادند ولي در پايان از يافتن امام مهدي (ع) نا اميد شدند.

و از اينجاست كه مي بينيم خليفه-المعتمد-وقتي بوسيله جعفر از وجود مهدي (ع) و از پنهان بودن او آگاه شد، بيدرنگ سواران و پيادگان خود را براي بازرسي سراي امام عسگري (ع) گسيل داشت اما آنان پس از بازرسي دقيق چيزي نيافتند و هنگامي كه از خانه بيرون مي آمدند كوشيدند كه وسايل خانه را چپاول كنند و در حيني كه به غارت و بردن اموال سرگرم بودند، مهدي

(ع) فرصت يافت تا از خانه بيرون رود و در آن هنگام كودكي شش ساله بود.

هيچكس او را نديد تا پنهان گرديد». (9)

آنان نميدانستند كه حقيقة از چه كسي سخن ميگويند و در پي كيستند.

انديشه آنان درباره امام تاريك و مبهم بود. اين مساله بعيد نيست زيرا وقتي سرمست غارت و يغماگري بودند، توجهي نداشتند كه كودكي با نهايت سادگي و آساني، بي آنكه جلب توجه كند از دستشان بدر رود.

در پايان غارت، «صقيل را كه مادر مهدي (ع) بود دستگير كردند و براي بازجوئي نزد مسئولان امر بردند تا درباره كودك استفسار كنند و اطلاعات لازم را به دست آورند. اين بانو گفته آنان را انكار كرد و مدعي شد كه طفلي نياورده است و پافشاري كرد تا سر نهان آشكار نگردد و فرزندش را دور از دسترسي تعدي، در پرده نگاهداشت.

مادر مهدي (ع) فشار و شكنجه را با كمال اخلاص و استقامت تحمل كرد و كوشيد كه بازپرسان و تحقيق كنندگان را در وهم و شك نگاه دارد.

لذا ادعا كرد كه باردار است

اين ادعا در ذهن حكام اين احتمال را بوجود آورد كه بسا جنيني كه او ادعا ميكند، همان مهدي (ع) مطلوب باشد بخصوص كه دولت از زمان حضور امام عسگري (ع) منتظر ولادت مهدي (ع) بود. اما زندگي امام عسگري (ع) به پايان رسيد و فرزندي از آن امام نديد. وقتي دولت از تولد او اطمينان حاصل نكرد، تصميم گرفت مواظب آن بانو باشند تا وضع حمل كند، سپس كار كودكش را يكسره كنند و از او خلاص گردند.

ماموران، بيدرنگ آن بانو را زير نظر و مراقبت شديد و دائمي قرار

دادند و او را در بين زنان «معتمد و موفق و زنان قاضي «ابن ابي الشوارب قراردادند. همچنان مراقب او بودند تا مدت به درازا كشيد و كودكي نياورد.

آن بانو بيش از دو سال در همان حال زنداني بود تا دولت در جبهه هاي گوناگون گرفتار دشواريهاي جنگي بسيار شد و مساله آن بانو را از ياد بردند و او توانست به سلامت از چنگ آنان برهد. (10)

غيبت صغري

غيبت صغري از سال 260 هجري تا سال 329 هجري به طول انجاميد.

غيبت امام (ع) را نمي توان به دوري امام مهدي (ع) از جامعه و دشواريهاي پيچيده آن تفسير كرد، بلكه مهدي (ع) رهبري بود بي همتا كه با شعور سرشار، دردها و آرزوهاي امت خود و پايگاههاي مردمي خويش را احساس ميكرد و با فكر و عمل و انديشه به آنها پاسخ ميگفت و آن، بنا به مقتضيات وضع و مصلحت اسلام بود.

امام مهدي (ع) با بعضي از ياران نزديك خود بطور مستقيم تماس ميگرفت و به آنان توصيه مي فرمود كه مشاهدات خود را در ميان مردم تبليغ كنند و سفارش ميكرد كه مكان و ساير خصوصياتي را كه راه وصول به سوي او را براي مقامات دولتي آسان ميساخت، پنهان دارند. او (ع) بيشتر مسايل را كه به او ميرسيد از طريق وكيلان و سفيران خود كه مورد اعتماد او بودند، پاسخ ميداد، فقط با كساني كه اخلاص شان محرز ميشد و يقين ميكرد كه راز او را فاش نميكنند تماس مي گرفت.

براي كساني غير از نواب و سفيران او مشكل بود كه به ديدار او (ع)

دست يابند و توصيه مي فرمود كه مبادا نام او را به صراحت بر زبان

آورند بلكه با اسم مستعار و بي آنكه به وي اشارتي شود، از او نام برند، مانند:

قائم، عزيم، حجت، صاحب الزمان و مانند اينها. زيرا اگر به نام او پي مي برند، آن را افشاء و اعلام ميكردند و اگر مكان او را مي يافتند ديگران را به آن مكان راهنمائي مي نمودند. امام (ع) در هر فرصتي مكان خود را تغيير ميداد، بي آنكه نظرها را جلب كند.

پي نوشتها:

1- براي آگاهي از نامهاي ايشان به كتاب تاريخ غيبت نوشته صدر و ديگر مصادري كه از آنها نام برديم مراجعه شود.

2- ارشاد ص 326 و اعلام الوري ص 293.

3- سوره مريم آيه 12: يا يحيي خذ الكتاب بقوة و آتيناه الحكم صبيا.

4- تاريخ غيبت از صدر به نقل از اكمال الدين مخطوط.

5- همان مدرك ص 276.

6- مدرك سابق ص 278.

7- مدرك سابق ص 283.

8- تاريخ سامرا ج 2 ص 251 نقل از كتاب مدينة المعاجز.

9- الجرايح و الجرايح ص 164.

10- كامل ج 6 ص 15 و نيز تاريخ طبري.

تعقيب امام (ع) از طرف ماموران

دستگيري امام (ع) يكي از هدفهاي مهم دولت بود. چه، آنان ميدانستند كه نتيجه وجود امام، تهديد سلامت حكومت آنان است. از اينجا بود كه ديوانه وار ميكوشيدند تا دولت خود را از خطر وي (ع) نگاه دارند. حملات گسترده اي براي دستگيري امام به عمل مي آوردند. دولت براي دستگيري امام سه حمله فاشيستي انجام داد.

حمله به خانه ايشان و فرمان به تفتيش دقيق خانه او، سياستي كه همه حكام به كار مي بردند و دولتيان از آن پيروي ميكردند، تجسس پيوسته و احتياط فوق العاده از طرف ماموران براي كشف مكان پنهاني امام (ع) و دستگيري وي بود. اما

نوزده سال فعاليت نواب او و كوششهاي تجسسي خستگي ناپذيرحكومت، دستاوردي جديد داشت و آن ثبوت نيابت به نزد آنان و فعاليتهاي مشكوك در دريافت مال به وكالت جهت مصالح امام (ع) بود. اما همه اين نبود، بلكه رهبري و نظارت و مراقبت پايگاههاي مردمي نيز وجود داشت و اموال را از آن مركز دريافت ميكردند.

بر پايه اين كشف خطرناك، وقتي «معتضد» زمام خلافت را در دست گرفت، مهمترين وظيفه حكومت خود را اين دانست كه بيدرنگ براي دستگيري امام (ع) حمله را تجديد كند.

مزدوران دولت و جاسوسان آن، چنين برنامه ريزي كردند كه خليفه را از خانه امام (ع) و احتمال مخفي شدن وي مطلع سازند و معتضد سه تن را فرستاد و به آنان دستور داد كه به سامرا روند و در اين سفر سبكمايه باشند و آنچه ضروري است با خود بردارند، هر يك بر اسبي سوار شوند و از بردن چيز ديگر خود داري كنند. شرح و تفصيل محله و خانه اي را براي آنان تشريح كرد و گفت وقتي به آنجا رسيديد بر در، خادمي سياه خواهيد ديد.

شما خانه را بازرسي كنيد و هر كس را كه در آن خانه ديدند سرش را از تن جداكنيد و براي من آوريد (1).

معتضد، ماموريت حقيقي آن سه تن را برايشان فاش نكرد. آن سه تن حتي نميدانستند كه تنها موظفند امام (ع) را دستگير كنند. معتضد براي حفظ حيثيت و دولت خود و به منظور جلوگيري از بدنامي و از ترس فاش شدن و انتشار آن خبر كه او را بسي زيان بخش بود، مطلب را فاش نساخت.

همانطور كه معتضد دستور داده بود،

حمله صورت گرفت و ماموران به سامرا رفته و در جستجوي خانه برآمدند. آنرا يافتند و همه جاي خانه رابازرسي كردند. امام (ع) آنجا بود اما ماموران متوجه وي نشدند.

امام (ع) به طور معجزه آسا از دست آنان نجات يافت. تاريخ، اين واقعه را با تفصيل بيشتر براي ما بيان ميدارد (2).

معتضد پنداشت كه اين حمله به سبب قلت تعداد حمله كنندگان و سري بودن اجراي آن شكست خورده است ازين روي حمله بزرگتري را تدارك ديد.

صاحب بحار الانوار نص روايت را حكايت ميكند: «سربازان بيشتر فرستادند. وقتي وارد خانه شدند از سرداب، بانك تلاوت قرآن به گوش رسيد.

بر در سرداب فراهم آمدند و آنجا را محاصره كردند تا هيچكس نه بر آنجا به درون رود و نه از آنجا بيرون آيد. فرمانده سربازان بر در ايستاد تا همه سربازان به او پيوستند. پس امام (ع) از در سرداب بيرون آمد و از مقابلشان گذشت.

وقتي از چشم ناپديد شد، فرمانده گفت: پائين برويد. گفتند آيا او نبود كه از برابر تو گذشت جواب داد: من كسي را نديدم. پس چرا او را رها كرديد؟

گفتند: ما پنداشتيم كه تو او را ديده اي .

از كارهاي طرفه آن سربازان آن بود كه بيدرنگ به دستگيري او اقدام نكردند بلكه بر در سرداب ايستادند و از او محافظت به عمل آوردند.

نظاميان از روبرو شدن با او مي ترسيدند و به كمك بيشتر نياز داشتند و مي خواستند افراد بيشتر از بغداد به سامره فرا رسند در آن اثنا كه مشغول مراقبت بودند، امام (ع) از يك لحظه، لحظه، مقرون بوقت و وقت شناسي و تدبير شايسته و عنايت حق تعالي استفاده كرد.

آن لحظه، لحظه غفلت فرمانده سربازان از كمين گرفتن و توجه بود، لحظه اي كه هنوز فرمان حمله به خانه صادر نشده بود. اگر امام دمي چند تاخير كرده بود. براستي دستگير شده بود.

امام (ع) و سازمان هرم گونه او

از مجموع روايات و نصوص تاريخي براي محقق آشكار ميشود كه امام عليه السلام در تنظيمات تشكيلات و ارتباط و تماس خود با پايگاههاي مردمي و پيروان خويش تاكيد مي كرد كه در سازمان، نظام هرمي را رعايت كنند. او خود (ع)، در قله و راس هرم به عنوان رهبر، كارهاي خود را در خفا و به طور سري انجام ميداد و فرمانها و دستورها و رهنمودهاي خود را بطور مستقيم به نواب خود صادر ميكرد. ديگران به منزله شاخ و برگها بين او وكيلان او كه در مناطق دور پراكنده بودند، حلقه پيوند بين امام و پايگاههاي وسيع مردمي بودند.

انتخاب افراد به وسيله امام (ع) براي تصدي سفارت و بر عهده گرفتن وكالت مخصوص، بر اساس ژرفاي اخلاص و وفاداري آنان و قدرت و توانائي به تحمل شكنجه بود تا اگر به دست ماموران افتند، توانائي تحمل آزار و زندان را داشته باشند.

امام (ع) شرط نميكرد كه نايب بايد از نظر فقاهت داناتر يا از نظر دانش، دانشمندترين باشد. زيرا، نيابت جز وساطت در تبليغ چيزي ديگر نبود. لذا امام (ع) جايز ميدانست كه آن سمت را با وجود اشخاص فاضل تر، به كساني كه درجه فضلشان كمتر است واگذارد. يعني به كساني واگذارد كه اخلاصي عميق و اراده اي نيرومند داشته باشند. ازين رو عده اي به ابو سهل نوبختي اعتراض كرده گفتند: اين امر چگونه رخ داده است. چگونه آنرا

به شيخ ابو القاسم حسين بن روح داده اند نه به تو؟ او گفت: آنان داناترند و بهتر ميدانند چه كسي را انتخاب كنند. اما من كسي هستم كه با دشمنان ملاقات و مناظره ميكنم و اگر جاي او را همچنان كه ابو القاسم ميداند، مي دانستم و تحت فشار قرار ميگرفتم، شايد جاي او را نشان ميدادم. اما ابو القاسم، اگر حجت زير دامانش باشد و او را تكه تكه كنند، او را نشان نميدهد (3).

مسئوليت نواب در آن سازمان كلي و عمومي بود حال آنكه مسئوليت وكيلان مخصوص بود و فقط منطقه آنان را در بر ميگرفت. وظيفه وكيل در سازمان، فراهم آوردن آسانكاري لازم براي كار و وظيفه نايب و گسترش كاراو بود. بخصوص كه شرايط كار پنهاني، آزادي و حركت و تماس مستقيم با پايگاههاي مردمي را كه در شهرهاي گوناگون اسلامي منتشر بود مانع ميشد.

پس كار وكيلان و فعاليت آنان در اتصال دادن تعاليم و راهنمائيها و رهنمودها در گسترده ترين مقدار ممكن، بزرگترين اثر را داشت.

علاوه بر اين، انديشه اتخاذ نظام نوابي در سازماندهي هرمي، به مخفي نگاهداشتن و سري بودن و حفظ كردن نام و حفظ شخص سفير كمك ميكرد.

پس، فرد متعلق به پايگاههاي مردمي و آشنا به انديشه نيابت، حداكثر كاري كه مي توانست انجام دهد تماس گرفتن با يكي از نايب ها بود، بي آنكه نام نايب يا كار و محل سكونت او را بداند» (4)

اموال و حقوق شرعي به امام (ع) ميرسيد تا به وسيله سفيران، سپس توسط وكيلان توزيع شود و به مصرف واقعي خود برسد و در محل خود خرج شود.

قسمتي از آن اموال به طور مستقيم به دست

امام (ع) ميرسيد و قسمتي را نايب بر وفق قواعد و احكام اسلامي در صرف حقوق مصرف ميكرد. نيز از وظايف نواب، گرفتن سؤالات و رساندن آن به امام (ع) و از امام به مردم بود. سؤالات شامل سؤالات فقهي و عقيدتي و غيره بود كه از امام (ع) پرسش ميشد.

درباره نواب چهار گانه

نواب چهار گانه كساني بودند كه در غيبت صغري از طرف امام (ع)

داراي وكالت خاصه بودند. آنان به ترتيب و بنا به تسلسل تاريخي عبارت بودند از:

1-عثمان بن سعيد العمري.

2-محمد بن عثمان العمري.

3-حسين بن روح نوبختي.

4-علي بن محمد سمري. (5)

و با پايان زندگي آنان، دوران غيبت صغري به سال 329 هجري به پايان رسيد سپس دوران غيبت كبري آغاز گرديد. آنان به ماموريت خود در رهبري پايگاههاي امام (ع) از لحاظ فكري و سلوك و رفتار، طبق تعليمات امام (ع) و رابط بودن بين او در رساندن تبليغات و دستور العمل ها و صادر كردن توقيعات و حل مشكلات و از ميان بردن دشواريهايي كه با آن روبرو ميشدند، آشنا بودند.

تحركات فعاليتهاي آنان، بدون اينكه توجه ماموران را به خود جلب كنند و براي اينكه بزرگترين فرصت و گسترده ترين زمينه مساعد را براي فعاليت تحت رهبري امام (ع) فراهم آورند، بي آنكه دچار گرفتاري تعقيب و مجازات شوند-بطوري كه عبرت ديگران گردند-بسيار سري بود.

شايد انگيزه هائي كه نايبان را واداشت تا اين روش را برگزينند موجبات زير بود:

1-بيم حكومت از علويان و كوشش در تعقيب و آزار تعدادي بسيار از رهبران و سران آنان. همان مقدار از علويان كه بدست ماموران بقتل رسيدند و ابو الفرج در كتاب مقاتل الطالبيين نام آنان را به

ثبت رسانيده است براي آگاهي ما ازين معني كافي است.

طوسي در كتاب غيب گويد: «از شمشير معتضد خون مي چكيد (6) و آن مدت: «از ستم و جور و خونريزي پر بود» (7).

2-جو نگراني و تشويش كه پايگاههاي مردمي امام بخصوص چهار نايب او، در آن به سر مي بردند تا آنجا كه عثمان بن سعيد، نخستين نايب امام (ع) پولها را در مشكهاي روغن منتقل ميكرد، زيرا فشار و تعقيب ماموران را احساس مي نمود و اگر دولت از كار او آگاه مي شد يا مدركي عليه او بدست مي آورد، مجازاتي سخت در كمين او بود.

3-تعقيب جدي و دائمي امام مهدي (ع) و كوشش براي دستگيري اوو حمله هاي منظم براي بازرسي خانه وي.

وقتي موضع دولت در برابر امام (ع) چنين سخت و خصمانه بود، مي توان دانست كه موضع او در برابر پايگاهها و دوستان و مردم او چگونه بود؟

نواب امام (ع) براي گرفتن و پخش اموالي كه دوستان از اطراف شهرهاي اسلام به سوي امام (ع) حمل ميكردند، حلقه ارتباطي بودند، كه آنها را دريافت مي كردند و توزيع مي نمودند.

هيئت هاي نمايندگي نزد نايب مي آمدند و وجوه و سؤالات را با خود مي آوردند. نايب اموال را دريافت ميكرد و پاسخ سؤالها را مي داد و مشكلات را حل مي نمود. ظاهر بعضي از روايات چنين است: «در سالهاي نخستين غيبت صغري، پولها به سامره حمل ميشد. شخصي كه آنها را ميگرفت و به امام مهدي (ع) تسليم ميكرد آنجا بود و اين كار با راهنمائي شخص سفير صورت ميگرفت. آن سان كه ابو جعفر العمري با «دينور (8)» كرد. سپس آن برنامه قطع شد و نايب شخصا، برنامه گرفتن مال و دادن

آنرا، ادامه مي داد. (9)

دريافت پول و اعطاي آن به صورت سري و دور از چشم و نظارت دولت انجام مي يافت و بسيار كم اتفاق مي افتاد كه موضوع علني شود. توزيع پول غالبا و عموما با روش بازرگاني بود. يعني بصورت قرض دادن، به افراد داده ميشد بي آنكه اين روش، شك ماموران را بر انگيزد.

سخن چينان و جاسوسان، غالبا با روشي بي اندازه جالب روبرو ميشدند.

ازين قبيل بود نحوه وصول اخبار به عبد الله بن سليمان وزير، درباره وكلاي مهدي (ع) كه در بغداد و ديگر مناطق حضور داشتند و شايع بود كه براي امام (ع) كار ميكنند.

كساني نزد وزير مزبور آمدند و به او گفتند كه نزد هر يك ازين نواب، كسي فرستد و آن اشخاص بگويند كه پولي دارند و ميخواهند نزد امام بفرستند.

هر كس از آنان پولي دريافت كرد، حجت عليه او اقامه ميشود و به جرم مشهود دستگير ميگردد. وزير براي كشف و شناسائي نواب امام (ع) به اين نصيحت عمل كرد، اما دستورها و راهنمائيهاي امام (ع) زودتر به وكيلان رسيده بود.

لذا آنان نيابت امام را انكار كردند و خود را در برابر مزدوران دولت به ناداني زدند و تجاهل كردند. ازين رو توطئه وزير با شكست روبرو گرديد و نواب از شر ماموران نجات يافتند (10).

ديگر از فعاليتهايي كه نواب بر عهده داشتند، حل مشكلات علمي و شركت در بحثها و مناظرات عقيدتي بود كه براي راهنمائي پايگاههاي مردمي يا براي اعتراض به شبهه ها و دفاع از اسلام به عمل مي آمد.

هدفهاي نيابت

نمايندگي و نيابت امام (ع) دو هدف داشت:

1-آماده كردن ذهن امت از معني و مفهوم «غيبت كبري و

عادت دادن تدريجي مردم به پنهاني زيستن و جلوگيري از غافلگير شدن در موضوع غيبت، اگر امام (ع) بطور ناگهاني غيبت ميكرد، بسا كه با انكار مطلق وجود مهدي (ع) مواجه مي گرديدند.

ازين رو برنامه ريزي دو امام، هادي و عسكري عليهما السلام، اين بود كه امام به تدريج از ميان امت پنهان گردد و امام عسكري (ع) مدت اين تدريج را دو برابر كرد و امام مهدي (ع) چنانكه گفتيم، شخصا بر مدت روي پوشيدن از مردم، به تدريج افزود.

دوران نيابت نيز يكي از مراحل و دورانهائي بود كه اذهان، رفته رفته آماده آن شدند.

2-قيام نيابت براي رعايت شان پايگاههاي مردمي طرفدار امام (ع)

و وظيفه برقرار كردن رابطه بين آنان، تا پس از پنهان شدن امام (ع) از صحنه زندگاني در دوران غيبت كبري، كارها و مصالح آنانرا مورد رسيدگي قرار دهند.

نواب، اين قسمت از ماموريت خود را به بهترين نحو انجام دادند و مصالح و امور پايگاهها را در سخترين شرايط اجتماعي و سياسي كه بي اندازه پيچيده و دشوار بود حفظ كردند.

نيابت و نمايندگي از طرف امام مهدي (ع)، شصت و نه سال و ششماه و پانزده روز ادامه داشت و اين مدت، «غيبت صغري نام دارد. «عثمان بن سعيد»، نخستين نايب، به مدت پنجسال در آن سمت انجام وظيفه كرد.

محمد بن عثمان، نايب دوم، در حدود چهل سال از آن مدت عهده دار وظيفه بود.

حسين بن روح، نايب سوم، بيست و يكسال و علي بن محمد سهري خلف او نايب چهارم، مدت سه سال در نيابت باقي ماند.

غيبت صغري در سال 329 پايان يافت و در آنگاه عمر شريف امام هفتاد و چهار سال بود

چهار سال و نيم از آن عمر شريف را در هنگام زندگي پدر بزرگوارش (ع) گذراند و شصت و نه سال و نيم و پانزده روز در غيبت صغري بود.

آنگاه غيبت كبري آغاز گرديد تا خداي تبارك و تعالي به او اجازت ظهور دهد تا زمين را پر از عدل و داد كند. زان پس كه از ظلم و جور مملو شده باشد.

پي نوشتها:

1- غيبت از طوسي ص 149 و بحار الانوار ج 12 ص 8.

2- خرايح و جرايح

3- غيبت از طوسي ص 240 و بحار الانوار ج 13 ص 98.

4- منتهي المقال ج 1 ص 241.

5- غيبت نوشته طوسي.

6- غيبت از طوسي ص 179.

7- عقيدة الشيعه رونالدسن-ص 257.

8- بحار الانوار ج 13 ص 79.

9- ارشاد، ص 335.

10- اعلام الوري-ص 421.

درباره مركز

بسمه تعالی
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
با اموال و جان های خود، در راه خدا جهاد نمایید، این برای شما بهتر است اگر بدانید.
(توبه : 41)
چند سالی است كه مركز تحقيقات رايانه‌ای قائمیه موفق به توليد نرم‌افزارهای تلفن همراه، كتاب‌خانه‌های ديجيتالی و عرضه آن به صورت رایگان شده است. اين مركز كاملا مردمی بوده و با هدايا و نذورات و موقوفات و تخصيص سهم مبارك امام عليه السلام پشتيباني مي‌شود. براي خدمت رسانی بيشتر شما هم می توانيد در هر كجا كه هستيد به جمع افراد خیرانديش مركز بپيونديد.
آیا می‌دانید هر پولی لایق خرج شدن در راه اهلبیت علیهم السلام نیست؟
و هر شخصی این توفیق را نخواهد داشت؟
به شما تبریک میگوییم.
شماره کارت :
6104-3388-0008-7732
شماره حساب بانک ملت :
9586839652
شماره حساب شبا :
IR390120020000009586839652
به نام : ( موسسه تحقیقات رایانه ای قائمیه)
مبالغ هدیه خود را واریز نمایید.
آدرس دفتر مرکزی:
اصفهان -خیابان عبدالرزاق - بازارچه حاج محمد جعفر آباده ای - کوچه شهید محمد حسن توکلی -پلاک 129/34- طبقه اول
وب سایت: www.ghbook.ir
ایمیل: Info@ghbook.ir
تلفن دفتر مرکزی: 03134490125
دفتر تهران: 88318722 ـ 021
بازرگانی و فروش: 09132000109
امور کاربران: 09132000109