دروس حوزه - پايه چهارم

مشخصات كتاب

سرشناسه:مركز تحقيقات رايانه اي قائميه اصفهان،1389

عنوان و نام پديدآور:دروس حوزه (پايه چهارم)/ واحد تحقيقات مركز تحقيقات رايانه اي قائميه اصفهان

مشخصات نشر:اصفهان:مركز تحقيقات رايانه اي قائميه اصفهان 1389.

مشخصات ظاهري:نرم افزار تلفن همراه و رايانه

موضوع : حوزه و دانشگاه.

موضوع : حوزه هاي علميه-- ايران.

موضوع : دانشگاه ها و مدارس عالي-- ايران.

شناسه افزوده : مركز تحقيقات رايانه اي قائميه اصفهان

الموجز في اصول الفقه

المقدمة، و فيها أُمور

الأمر الأوّل: تعريف علم الأُصول و غايته و موضوعه

الأمر الأوّل: تعريف علم الأُصول و غايته و موضوعه و مسائله

إنّ لفظة أُصول الفقه تشتمل علي كلمتين تدلاّن علي أنّ هنا أُصولاً و قواعد يتّكل الفقه عليها، فلابدّ من تعريف الفقه أوّلاً، ثمّ تعريف أُصوله ثانياً.

الفقه: هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية (1) عن أدلّتها التفصيلية، أعني: الكتاب و السنّة و الإجماع و العقل.

فخرج بقيد «الشرعية» العقلية، و ب «الفرعية» الاعتقادية و ب «التفصيلية» علم المقلِّد بالأحكام، فإنّه و إن كان عالماً بالأحكام، لكنّه لا عن دليل تفصيلي، بل بتبع دليل إجمالي و هو حجّية رأي المجتهد في حقّه في عامة الأحكام. و أمّا المجتهد فهو عالم بكلّ حكم عن دليله الخاص.

و أمّا أُصول الفقه: فهي القواعد التي يتوصل بها إلي استنباط الأحكام الشرعية عن الأدلّة.

و بذلك يعلم أنّ أُصول الفقه من مباديء علم الفقه و هي بمنزلة المنطق

1. هذا هو المعروف في تعريف الفقه و لكنّه أعم من العلم بالأحكام الشرعية، بل يعمّ تنقيح موضوعاتها، كتحديد الكر و الدماء الثلاثة و أوقات الفرائض و النوافل و متعلّقات الخمس و الزكاة إلي غير ذلك من الموضوعات التي هي بحاجة إلي التنقيح و التحديد.

و لأجل إكمال التعريف يجب عطف «تنقيح الموضوعات» علي الأحكام الشرعية و يقال: الفقه: هو العلم بالأحكام الشرعية أو تنقيح

موضوعاتها عن أدلّتها التفصيلية. فالفقيه هو العارف بالأحكام و المنقح لموضوعاتها.

(12)

إلي الفلسفة، فكما أنّ المنطق يعرِّف الطالب كيفيةَ إقامة البرهان علي المسائل الفلسفية، فهكذا علم الأُصول يتكفّل بيان كيفية إقامة الدليل علي الحكم الشرعي.

و أمّا غايته: فالغاية من وراء

تدوين مسائل هذا العلم هي تحصيل ملكة استنباط الأحكام الشرعية عن أدلّتها.

و أمّا موضوعه: فعلم الأُصول كسائر العلوم له موضوع و له مسائل ينطبق عليه قولهم: «موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية» فعلينا بيان موضوعه أوّلاً، ثمّ بيان عوارضه ثانياً و يعبر عن العوارض بالمسائل أيضاً.

فنقول: اختلفت كلماتهم في بيان موضوع علم الأُصول إلي أقوال:

1. الأدلّة الأربعة.

2. مطلق الأدلة.

3. الحجّة في الفقه.

و القول الثالث هو الظاهر، و له تقريران:

الأوّل: انّ الموضوع الذي يبحث عن عوارضه هو ما يصلح لأن يكون حجّة في الفقه و من شأنه أن يقع في طريق الاستنباط.

و عوارضه التي تعرض عليه: هو كونه حجّة بالفعل و معتبراً لدي الشارع.

توضيحه: أنّه ليس كلّ قاعدة علمية تصلح لأن تكون حجّة في الفقه، فليس لمسائل العلوم الطبيعية و لا الرياضية، هذه الصلاحية و إنّما هي لعديد من المسائل، كظواهر الكتاب و خبر الواحد و الشهرة الفتوائية و القياس و الاستحسان إلي غير ذلك.

ثمّ إنّ ما يصلح علي قسمين: قسم تجاوز عن حد القابلية و الصلاحية و صار حجّة بالفعل و معتبراً لدي الشارع، كبعض ما قلناه و قسم بقي علي ما

(13)

كان عليه و لم يعتبره الشارع أو ردع عنه، كالقياس و الاستحسان.

و علي ذلك فالأُصولي يبحث عن الحجج الفعلية المعتبرة لدي الشارع، العارضة لما هو حجّة بالشأن فيصدق علي ما ذكرنا قولهم: «موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية». (1)

و الذي

يؤيد ما ذكرناه أمران:

1. انّ الغاية القصوي للفقيه من علم الأُصول، هو العثور علي أُمور يحتج بها في الفقه علي الأحكام الشرعية، فتحصيل الحجّة بالفعل و المعتبر لدي الشارع هو الغرض المنشود.

2. انّ من سبر المسائل الأُصولية يقف علي أنّ المحمول فيها، امّا هو البحث عن الحجة الفعلية في الفقه صريحاً، أو ما ينتهي إليها.

أمّا الأوّل كالبحث عن حجّية ظواهر الكتاب و خبر الواحد و الشهرة الفتوائية إلي غير ذلك.

و أمّا الثاني كالبحث عن الخبرين المتعارضين و ظهور الأمر في الوجوب و النهي في الحرمة. و المطلوب هو تعيين ما هو الحجّة منهما عند تعارض الخبرين و بالتالي إقامة الحجة علي لزوم الإتيان أو الترك و علي ذلك فما له شأن الحجّية في الفقه هو الموضوع و كونه حجّة بالفعل و قاطعاً للعذر، يعدّ من العوارض الطارئة له و التي تشكل مسائل علم الأُصول.

الثاني: انّ الموضوع هو الحجة بالفعل في الفقه، و لكن المحمول هو البحث عن تعينه في حجية الظواهر و خبر الواحد و الشهرة الفتوائية إلي غير ذلك. (2)

1. الالتزام بكون العوارض ذاتية في العلوم الاعتبارية منظور فيه، بل يكفي في المقام كون المحمول العارض للموضوع دخيلاً في الغرض الذي دوّن لأجله العلم.

2. الفرق بين التقريرين هو أنّ الموضوع في الأوّل الحجّة الشأنية و في الثاني الحجّة الفعلية و مع الاختلاف في الموضوع تختلف العوارض و المحمولات.

(14)

فالمجتهد يعلم اجمالاً به وجود حجّة بالفعل علي الأحكام الشرعية دون أن يميز بين حدودها و خصوصياتها، فيبحث عنها و يضع الموضوع المقطوع بوجوده (الحجة بالفعل في الفقه) نصبَ عنيه و يبحث عن تعيناته و خصوصياته (1).

و أنت إذا استقصيت المسائل الأُصولية، تقف علي أنّ روح البحث

في جميعها هو البحث عن ما هو الحجّة علي اثبات الأحكام الشرعية أو نفيها، أو علي اثبات عذر (2) أو عدمه (3) و ما من مسألة من المسائل إلاّ و يحتج بها بنحو من أنحاء الاحتجاج.

هذا كلّه حول الموضوع، و أمّا مسائله أي محمولاته فقد اتضحت مما سبق.

فإن قلنا أنّ الموضوع هو الحجة الشأنية فالمحمول هو البحث عن الحجة بالفعل، و إن قلنا بأنّ الموضوع هو الحجة بالفعل، فالمحمول هو البحث عن تعيناته و خصوصياته.

و مما ذكرنا يعلم وجه الحاجة إلي أُصول الفقه، فإنّ الحاجة إليه كالحاجة إلي علم المنطق، فكما أنّ المنطق يرسم النهج الصحيح في كيفية إقامة البرهان، فهكذا الحال في علم الأُصول فإنّه يبين كيفية اقامة الدليل علي الحكم الشرعي.

فتلخص مما سبق تعريف علم الأُصول و موضوعه و مسائله و غايته.

1. نلفت نظر القارئ إلي أنّ البحث عن تعين الحجة بخبر الواحد له نظير في العلوم الحقيقية كالفلسفة الالهية، فإنّ الفيلسوف يعلم أنّ ثمة وجوداً يعبر عنه ب "الواقعية " دون أن يقف علي خصوصياته و حدوده، فيتناول الوجود بالبحث و يقول: الوجود أمّا واجب أو ممكن، إما علة أو معلول، و أمّا مجرد أو مادي، و أمّا جوهر أو عرض، فروح البحث في الجميع واحدة و هي عبارة عن البحث عن تعين الوجود بالمطلق بهذه الخصوصيات. لاحظ شرح المنظومة قسم الالهيات بالمعني الأخص: 200.

2. كالبراءة التي هي بمعني كون الجهل عذراً في مجاريها.

3. كقاعدة الاشتغال التي هي بمعني عدم كون الجهل عذراً في مجاريها.

الأمر الثاني: تقسيم مباحثه

الأمر الثاني: تقسيم مباحثه

تنقسم المباحث الأُصولية إلي نوعين:

الأوّل: المباحث اللفظية و يقع البحث فيها عن مداليل الألفاظ و ظواهرها التي تقع في طريق الاستنباط، كالبحث عن ظهور

صيغة الأمر في الوجوب و النهي في الحرمة.

الثاني: المباحث العقلية و يقع البحث فيها عن الأحكام العقلية الكلّية التي تقع في طريق الاستنباط، كما إذا شككنا في حرمة شيء أو وجوبه و لم نعثر علي دليل في مظانّه، فالعقل يستقل حينئذ بقبح العقاب بلا بيان واصل، فيستنتج منه انّ حكم الشارع في الموردين هو براءة الذمّة من الوجوب و الحرمة ظاهراً. (1)

1. كما إذا علمنا بوجوب أحد الشيئين أو حرمته، فالعقل يستقلّ بأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني و لا يحصل إلاّ بالإتيان بهما في الأوّل و تركهما في الثاني فيستنبط منه حكم الشارع الظاهري.

و كالملازمات العقلية بين وجوب الشيء و وجوب مقدّمته، أو حرمته و حرمة مقدّمته، أو وجوبه و حرمة ضدّه و هكذا.

الأمر الثالث: الوضع

الأمر الثالث: الوضع

إنّ دلالة الألفاظ علي معانيها دلالة لفظية وضعية فاستدعت الحال إلي تعريف الوضع و قد عُرِّف بوجوه أوضحها:

جعل اللفظ في مقابل المعني و تعيينه للدلالة عليه.

و ربما يعرَّف: انّه نحو اختصاص اللفظ بالمعني و ارتباط خاص بينهما ناشيء من تخصيصه به تارة، و يسمّي بالوضع التعييني و كثرة استعماله أُخري و يسمّي بالوضع التعيني.

و الفرق بين التعريفين واضح، فإنّ الأوّل لا يشمل إلاّ التعييني بخلاف الثاني فانّه أعمّ منه و من التعيني.

أقسام الوضع

ثمّ إنّ للوضع في مقام التصوّر أقساماً أربعة:

1. الوضع الخاص و الموضوع له الخاص.

2. الوضع العام و الموضوع له العام.

3. الوضع العام و الموضوع له الخاص.

4. الوضع الخاص و الموضوع له العام.

ثمّ إنّ الميزان في كون الوضع خاصّاً أو عامّاً هو كون المعني الملحوظ حين

الوضع جزئياً أو كلّياً.

(17)

فإن كان الملحوظ خاصّاً و وضع اللفظ بازائه، فهو من القسم الأوّل، كوضع الأعلام الشخصية.

وإن كان الملحوظ عامّاً و

وضع اللفظ بازائه، فهو من القسم الثاني، كأسماء الأجناس.

وإن كان الملحوظ عامّاً و لم يوضع اللفظ بازائه بل وضع لمصاديق ذلك العام، فهو من القسم الثالث، كالأدوات و الحروف علي ما هو المشهور، فالواضع علي هذا القول تصور مفهومي الابتداء و الانتهاء الكليين، ثمّ وضع لفظة «من» و «إلي» لمصاديقهما الجزئية الخارجية و التي يعبّر عنها بالمعاني الحرفية.

وإن كان الملحوظ خاصّاً و وضع اللفظ للجامع بين هذا الخاص و الفرد الآخر، فهو من القسم الرابع.

لا خلاف في إمكان الأوّلين و وقوعهما في عالم الوضع، كما لا خلاف في إمكان الثالث و إنّما الخلاف في وقوعه. و قد عرفت انّ الوضع في الحروف من هذا القبيل.

إنّما الكلام في إمكان الرابع فضلاًعن وقوعه، فالمشهور استحالته.

ثمّ إنّه يقع الكلام في الفرق بين الثالث و الرابع بعد الاتّفاق علي إمكان الثالث دون الرابع و هو انّ الملحوظ العام له قابلية الحكاية عن مصاديقه و جزئياته، فللواضع أن يتصوّر مفهوم الابتداء و الانتهاء و يضع اللفظ لمصاديقهما التي تحكي عنها مفاهيمهما.

و هذا بخلاف الرابع فإنّ الملحوظ لأجل تشخّصه بخصوصيات يكون خاصّاً، ليست له قابلية الحكاية عن الجامع بين الأفراد، حتي يوضع اللفظ بازائه.

و بالجملة العام يصلح لأن يكون مرآة لمصاديقه الواقعة تحته و لكن الخاص لأجل تضيقه و تقيده لا يصلح أن يكون مرآة للجامع بينه و بين فرد آخر.

(18)

تقسيم الوضع بحسب اللفظ الموضوع

ثمّ إنّ ما مرّ تقسيم للوضع حسب المعني و ثمة تقسيم آخر له حسب اللفظ الموضوع إلي شخصي و نوعي.

فإذا كان اللفظ الموضوع متصوّراً بشخصه، فيكون الوضع شخصياً كتصوّر لفظ زيد بشخصه و أمّا إذا كان متصوّراً بوجهه و عنوانه، فيكون الوضع نوعياً، كهيئة الفعل الماضي التي

هي موضوعة لانتساب الفعل إلي الفاعل في الزمان الماضي و لكن الموضوع ليس الهيئةَ الشخصية في ضرب أو نصر مثلاً، بل مطلق هيئة «فعل» ، في أي مادة من المواد تحقّقت.

و بذلك يعلم أنّ وضع الهيئة في الفاعل و المفعول و المفعال هو نوعي لا شخصي.

الأمر الرابع: تقسيم الدلالة إلي تصوّرية و تصديقية

الأمر الرابع: تقسيم الدلالة إلي تصوّرية و تصديقية

تنقسم دلالة اللفظ إلي تصوّرية و تصديقية.

فالدلالة التصوّرية: هي عبارة عن انتقال الذهن إلي معني اللفظ بمجرّد سماعه و إن لم يقصده اللافظ، كما إذا سمعه من الساهي أو النائم.

و أمّا الدلالة التصديقية: فهي دلالة اللفظ علي أنّ المعني مراد للمتكلّم و مقصود له.

فالدلالة الأُولي تحصل بالعلم بالوضع و أمّا الثانية فتتوقف علي أُمور:

أ. أن يكون المتكلم عالماً بالوضع.

ب. أن يكون في مقام البيان و الإفادة.

ج. أن يكون جادّاً لا هازلاً.

د. أن لا ينصب قرينة علي خلاف مراده.

و لأجل ذلك فقد اشتهر انّ الدلالة التصورية غير تابعة لإرادة المتكلم خلافاً للثانية.

الأمر الخامس: الحقيقة و المجاز

الأمر الخامس: الحقيقة و المجاز

الاستعمال الحقيقي: هو إطلاق اللفظ و إرادة ما وضع له، كإطلاق الأسد و إرادة الحيوان المفترس.

و أمّا المجاز: فهو استعمال اللفظ و إرادة غير ما وضع له، مع وجود علقة بين الموضوع له و المستعمل فيه بأحد العلائق المسوِّغة، كإطلاق الأسد و إرادة الرجل الشجاع.

فإذا كانت العلقة هي المشابهة بين المعنيين فتطلق عليه الاستعارة و إلاّ فيطلق عليه المجاز المرسل كإطلاق الجزء و إرادة الكلّ كالعين و الرقبة.

هذا هو التعريف المشهور للمجاز و هناك نظر آخر موافق للتحقيق و حاصله:

أنّ اللفظ سواء كان استعماله حقيقياً أو مجازياً يستعمل فيما وضع له، غير أنّ اللفظ في الأوّل مستعمل في الموضوع له من دون أي ادعاء و مناسبة و في الثاني مستعمل في الموضوع له لغاية ادعاء انّ المورد من مصاديق الموضوع له، كما في قول الشاعر:

لَدي أسد شاكي السلاحِ مقذّف

له لُبَد أظفارهُ لم تقلَّم

فاستعمل لفظ الأسد حسب الوجدان في نفس المعني الحقيقي لادّعاء انّ المورد أي الرجل الشجاع من مصاديقه و أفراده حتّي أثبت

له آثار الأسد من

(21)

اللُبد و الأظفار، و هذا هو المنقول عن السكاكي في «مفتاح العلوم» و هو خيرة أُستاذنا السيد الإمام الخميني قدَّس سرَّه (1) مع فارق ضئيل بينهما.

و الحاصل: أنّه لو كان تفهيم المعني الموضوع له هو الغاية من وراء الكلام، فالاستعمال حقيقي و إن كان مقدّمة و مرآة لتفهيم فرد ادّعائي و لو بالقرينة فالاستعمال مجازي.

1. تهذيب الأُصول: 1/44.

الأمر السادس: علامات الحقيقة و المجاز

الأمر السادس: علامات الحقيقة و المجاز

إذا استعمل المتكلم لفظاً في معني معين، فلو عُلِم انّه موضوع له، سمِّي هذا الاستعمال حقيقياً و أمّا إذا شُك في المستعمل فيه و أنّه هل هو الموضوع له أو لا؟ فهناك علامات تميز بها الحقيقة عن المجاز.

1. التبادر:

هو انسباق المعني إلي الفهم من نفس اللفظ مجرّداً عن كلّ قرينة و هذا يشكلُ دليلاً علي أنّ المستعمل فيه معني حقيقي، إذ ليس لحضور المعني في الذهن سبب سوي أحد أمرين، إمّا القرينة، أو الوضع و الأوّل منتف قطعاً كما هو المفروض، فيثبت الثاني.

إشكال: و قد يظن أنّ العلم بالوضع، متوقّف علي التبادر و هو بدوره متوقف علي العلم بالوضع حسب الفرض، إذ لولا العلم بأنّ اللفظ موضوع لذلك المعني، لما تبادر منه المعني و هذا دور واضح.

و الجواب: انّ الدور منتف، لأنّ المستعلِم بالتبادر، إمّا أن يكون من أهل اللسان أو لا؟

فعلي الأوّل، فالعلم التفصيلي بأنّ المستعمل فيه هو الموضوع له موقوف علي التبادر عند المستعلم و لكن التبادر عنده موقوف علي العلم الارتكازي الحاصل له نتيجة نشوئه و اختلاطه مع أهل اللسان منذ صباه.

(23)

فالعلم التفصيلي بالحقيقة هو الموقوف و العلم الإجمالي (1) الارتكازي بها هو الموقوف عليه، فاختلف الموقوف و الموقوف عليه.

و علي الثاني، فالدور منتف أيضاً، لأنّ

علم المستعلِم بالحقيقة تفصيلاً موقوف علي تبادر المعني عند أهل اللسان لاعنده و التبادر عند أهل اللسان موقوف علي علمهم الارتكازي الحاصل لهم.

2. صحّة الحمل و السلب:

إنّ صحّة الحمل دليل علي أنّ الموضوع الوارد في الكلام قد وضع للمحمول كما أنّ صحّة السلب دليل علي عدمه.

توضيحه: أنّ الحمل علي قسمين:

الأوّل: الحمل الأوّلي الذاتي و هو ما إذا كان المحمول نفسَ الموضوع مفهوماً بأن يكون ما يفهم من أحدهما نفسَ ما يفهم من الآخر، مع اختلاف بينهما في الإجمال و التفصيل، كما إذا قلنا: الأسد حيوان مفترس، و الإنسان حيوان ناطق.

الثاني: الحمل الشائع الصناعي و هو ما إذا كان الموضوع مغايراً للمحمول في المفهوم، و لكن متحداً معه في الخارج، كما إذا قلنا: زيد إنسان، فما يفهم من أحدهما غير ما يفهم من الآخر غير أنّهما متحقّقان به وجود واحد في الخارج.

إذا اتّضح ما تلوناه عليك، فاعلم أنّ المقصود من أنّ صحّة الحمل أو السلب علامة للحقيقة و المجاز هو القسم الأوّل، فصحّة الحمل و الهوهوية تكشف عن وحدة المفهوم و المعني و هو عبارة أُخري عن وضع أحدهما للآخر، كما أنّ صحّة السلب تكشف عن خلاف ذلك، مثلاً إذا صحّ حمل الحيوان

1. المراد من العلم الإجمالي هنا هو العلم الارتكازي الحاصل للإنسان الناشئ بين أهل اللغة من لدن صباه إلي شيخوخته و إن لم يلتفت إليه، و هذا غير العلم الإجمالي المبحوث عنه في باب الاشتغال.

(24)

المفترس علي الأسد بالحمل الأوّلي يكشف عن أنّ المحمول نفس الموضوع مفهوماً و هو عبارة أُخري عن وضع أحدهما للآخر، كما أنّه إذا صحّ سلب الحيوان الناطق عن الأسد بالحمل الأوّلي يكشف عن التغاير المفهومي بينهما و هو يلازم عدم

وضع أحدهما للآخر.

ثمّ إنّ إشكال الدور المذكور في التبادر يأتي في هذا المقام أيضاً. و تقرير الإشكال و الجواب واحد في كلا المقامين.

3. الإطّراد:

هي العلامة الثالثة لتمييز الحقيقة عن المجاز و توضيح ذلك:

إذا اطّرد استعمال لفظ في أفراد كلي بحيثية خاصّة، كرجل باعتبار الرجولية، في زيد و عمرو و بكر، مع القطع بعدم كونه موضوعاً لكلّ واحد علي حدة، يستكشف منه وجود جامع بين الأفراد قد وضع اللفظ بازائه.

فالجاهل باللغة إذا أراد الوقوف علي معاني اللغات الأجنبية من أهل اللغة، فليس له سبيل إلاّ الاستماع إلي محاوراتهم، فإذا رأي أنّ لفظاً خاصّاً يستعمل مع محمولات عديدة في معني معين، كما إذا قال الفقيه: الماء طاهر و مطهّر و قال الكيميائي: الماء رطب سيال، و قال الفيزيائي: الماء لا لون له، يقف علي أنّ اللفظ موضوع لما استعمل فيه، لأنّ المصحّح له إمّا الوضع أو العلاقة و الثاني لا إطراد فيه، فيتعين الأوّل.

و لنذكر مثالاً:

إنّ آية الخمس، أعني قوله سبحانه: (وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيء فَأَنَّ للّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِوَ لِذِي القُربي وَ اليتامي وَ المَساكينِ وَ ابْنِ السَّبيل) (الأنفال/41) توجب إخراج الخمس عن الغنيمة.

فهل الكلمة (الغنيمة) موضوعة للغنائم المأخوذة في الحرب، أو تعمّ كلّ

(25)

فائدة يحوزها الإنسان من طرق شتي؟

يستكشف الثاني عن طريق الاطّراد في الاستعمال، فإذا تتبعنا الكتاب و السنّة نجد إطّراد استعمالها في كلّ ما يحوزه الإنسان من أي طريق كان.

قال سبحانه: (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَياة الدُّنْيا فَعِنْدَ اللّهِ مَغانِمَ كثِيرَة) (النساء/94)، و المراد مطلق النِّعم و الرزق.

و قال رسول اللّه صلَّي الله عليه و آله و سلَّم في مورد الزكاة: «اللّهمّ اجْعَلْها مغنماً» (1)، و في مسند أحمد: «غنيمة مجالس الذكر الجنة» ،

و في وصف شهر رمضان: غنم المؤمن.

فهذه الاستعمالات الكثيرة المطّردة، تكشف عن وضعه للمعني الأعم.

و هذا هو الطريق المألوف في اقتناص مفاهيم اللغات و معانيها و في تفسير لغات القرآن و مشكلات السنّة، و عليه قاطبة المحقّقين و يطلق علي هذا النوع من تفسير القرآن، التفسير البياني.

4. تنصيص أهل اللغة

المراد من تنصيص أهل اللغة هو تنصيص مدوّني معاجم اللغة العربية، فإنّ مدوّني اللغة الأوائل كالخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170 ه) مؤلّف كتاب «العين» و الجوهري (ت 398) مؤلّف الصحاح قد دوّنوا كثيراً من معاني الألفاظ من ألسن القبائل العربية و سُكان البادية، فتنصيص مثل هؤلاء يكون مفيداً للاطمئنان بالموضوع له.

فإن قيل: إنّ كتب اللغة موضوعة لبيان المستعمل فيه لا الموضوع له (2)، فتجد

1. للوقوف علي مصادر الروايات عليك بمراجعة الاعتصام بالكتاب و السنّة، ص 92.

2. النسبة بين الموضوع له و المستعمل فيه هي العموم و الخصوص من وجه، فقد يفترقان فيما إذا وضع اللفظ لمعني و لم يستعمل فيه بل هُجِر قبل الاستعمال، أو استعمل فيه و لم يكن موضوعاً له كالمجاز و قد يجتمعان كما في الاستعمال الحقيقي.

(26)

انّها تذكر للفظ «القضاء» عشرة معان (1) و هكذا الحال في لفظ «الوحي» مع أنّهما ليسا من المشترك اللفظي في شيء، فلا يفيد التنصيص سوي انّ اللفظ قد استعمل في معني من المعاني و من المعلوم أنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة.

قلت: إنّ ما ذكر ليس ضابطة كلّية لأنّ بعض معاجم اللغة أُلّف لبيان المعني الأصلي الذي اشتق منه سائر المعاني التي استعمل فيه اللفظ ككتاب ا «لمقاييس» (2) و أساس اللغة، للزمخشري فمن ألقي نظرة فاحصة فيهما يميز المعني الأصلي عن المعني الذي استعمل فيه اللفظ

لمناسبة من المناسبات.

هذا و سيأتي الكلام في حجّية قول اللغوي في الجزء الثاني فانتظر.

1. ستوافيك ص 31.

2. معجم مقاييس اللغة، تأليف أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا المتوفي عام 395 ه و قد طبع الكتاب بالقاهرة سنة 1366 و لا غني للمفسّر و الفقيه عن مراجعة هذا الكتاب.

لأمر السابع: الأُصول اللفظية

لأمر السابع: الأُصول اللفظية

إنّ الشك في الكلام يتصوّر علي نحوين:

أ. الشك في المعني الموضوع له، كالشك في أنّ الصعيد هل وضع للتراب أو لمطلق وجه الأرض؟

ب. الشك في مراد المتكلّم بعد العلم بالمعني الموضوع له.

أمّا النحو الأوّل من الشك فقد مرّ الكلام فيه في الأمر السادس و علمتَ أنّ هناك علامات يميز بها المعني الحقيقي عن المجازي.

و أمّا النحو الثاني من الشك فقد عُقد له هذا الأمر، فنقول:

إنّ الشك في المراد علي أقسام و في كلّ قسم أصل يجب علي الفقيه تطبيق العمل عليه و إليك الإشارة إلي أقسام الشك و الأُصول التي يعمل بها:

1. أصالة الحقيقة

إذا شك في إرادة المعني الحقيقي أو

المجازي من اللفظ، بأن لم يعلم وجود القرينة علي إرادة المعني المجازي مع احتمال وجودها، كما إذا شك في أنّ المتكلم هل أراد من الأسد في قوله: رأيت أسداً، الحيوان المفترس أو الجندي الشجاع؟ فعندئذ يعالج الشك عند العقلاء بضابطة خاصة و هي الأخذ بالمعني الحقيقي مالم يدل دليل علي المعني المجازي و هذا ما يعبّر عنه بأصالة الحقيقة.

و حاصلها: أنّه إذا دار الأمر بين كون مراد المتكلّم هو المعني الحقيقي أو

(28)

المجازي، فالأصل هو الأوّل، مالم يدل دليل علي الثاني و من خرج عن هذه الضابطة فقد خرج عمّا اتّفق عليه العقلاء.

2. أصالة العموم

إذا ورد عام في الكلام كما إذا قال المولي: أكرم العلماء

و شك في ورود التخصيص عليه و إخراج بعض أفراده كالفاسق، فالأصل هو الأخذ بالعموم و ترك احتمال التخصيص و هذا ما يعبّر عنه بأصالة العموم.

3. أصالة الإطلاق

إذا ورد مطلق و شك في كونه تمام الموضوع أو بعضه، كما قال سبحانه: (أحلّ اللّهُ البيع) (البقرة/275) و احتمل انّ المراد هو البيع بالصيغة دون مطلقه، فالمرجع عندئذ هو الأخذ بالإطلاق و إلغاء احتمال التقييد و هذا ما يعبَّر عنه بأصالة الإطلاق.

4. أصالة عدم التقدير

إذا ورد كلام و احتمل فيه تقدير لفظ خاصّ، فالمرجع عند العقلاء هو عدم التقدير إلاّ أن تدلّ عليه قرينة، كما في قوله سبحانه: (وَ اسْئَلِ القرية الّتي كنّا فِيها) (يوسف/82) و التقدير أهل القرية و هذا ما يعبَّر عنه بأصالة عدم التقدير.

5. أصالة الظهور

إذا كان اللفظ ظاهراً في معني خاص دون أن يكون نصّاً فيه بحيث لا يحتمل معه الخلاف، فالأصل هو الأخذ بظهور الكلام و إلغاء احتمال الخلاف و هذا ما يعبّر عنه بأصالة الظهور.

و ثمّة سؤال يطرح نفسه هو انّه ما الفرق بين أصالة الظهور و الأُصول

(29)

المتقدمة؟

و الجواب: انّ الأُصول المتقدمة الذكر تثبت أصل الظهور و هذا الأصل يبعث علي لزوم الأخذ بالظهور.

وإن شئت قلت: إنّ الأُصول السابقة تثبت الصغري و هذا الأصل يثبت الكبري و هو لزوم الأخذ بالظهور عند العقلاء.

و هذه الأُصول ممّا يعتمد عليها العقلاء في محاوراتهم و لم يردع عنها الشارع.

الأمر الثامن: الاشتراك و الترادف

الأمر الثامن: الاشتراك و الترادف

الاشتراك عبارة عن كون اللفظ الواحد موضوعاً لمعنيين أو أكثر بالوضع التعييني أو التعيني.

و يقابله الترادف و هو وضع اللفظين أو الأكثر لمعني واحد كذلك.

و اختلفوا في إمكان الاشتراك أوّلاً و وقوعه بعد تسليم إمكانه ثانياً فذهب الأكثر إلي الإمكان، لأنّ

أدلّ دليل عليه هو وقوعه، فلفظة العين تستعمل في الباكية و الجارية، و في الذهب و الفضة.

و مردّ الاشتراك إلي اختلاف القبائل العربية القاطنة في أطراف الجزيرة في التعبير عن معني الألفاظ، فقد كانت تُلْزِمُ الحاجة طائفة إلي التعبير عن معني بلفظ، و تُلْزم أُخري التعبيرَ بذلك اللفظ عن معني آخر و لمّا قام علماء اللغة بجمع لغات العرب ظهر الاشتراك اللفظي.

و ربّما يكون مردّه إلي استعمال اللفظ في معناه المجازي بكثرة إلي أن يصبح الثاني معني حقيقياً، كلفظ الغائط، فهو موضوع للمكان الذي يضع فيه الإنسان، ثمّ كنِّي به عن فضلة الإنسان، إلي أن صار حقيقة فيها مع عدم هجر المعني الأوّل.

نعم ربّما يذكر أهل اللغة للفظ واحد معاني عديدة، و لكنّها من قبيل

(31)

المصاديق المختلفة لمعني واحد و هذا كثير الوقوع في المعاجم. (1)

وقد اشتمل القرآن علي اللفظ المشترك، كالنجم المشترك بين الكوكب و النبات الذي لا ساق له، قال سبحانه: (وَالنَّجْمِ إِذا هَوي) (النجم/1).

و قال سبحانه: (وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ يسْجُدان) (الرحمن/6).

هذا كلّه في المشترك اللفظي.

و أمّا المشترك المعنوي، فهو عبارة عن وضع اللفظ لمعني جامع يكون له مصاديق مختلفة، كالشجر الذي له أنواع كثيرة.

تنبيه

إنّ فهم المعني المجازي بما أنّه لم يوضع له اللفظ بحاجة إلي قرينة، كقولك «يرمي» أو «في الحمام» في «رأيت أسداً يرمي أو في الحمّام» كما أنّ تعيين المعني المراد من بين المعاني المتعددة للّفظ المشترك يحتاج إلي قرينة كقولنا: «باكية» أو «جارية» في عين باكية، أو عين جارية، لكن قرينة المجاز قرينة صارفة و قرينة اللفظ المشترك قرينة معينة و الأُولي آية المجازية دون الثانية.

1. ذكر الفيروز آبادي في كتاب «قاموس اللغة» للقضاء معاني متعددة كالحكم، الصنع، الحتم،

البيان، الموت، الإتمام و بلوغ النهاية، العهد، الإيصاء، الأداء مع أنّ الجميع مصاديق مختلفة لمعني فارد و لذلك أرجعها صاحب المقاييس إلي أصل واحد، فلاحظ.

الأمر التاسع: استعمال المشترك في أكثر من معني

الأمر التاسع: استعمال المشترك في أكثر من معني

إذا ثبت وجود اللفظ المشترك، يقع الكلام حينئذ في جواز استعماله في أكثر من معني واحد في استعمال واحد، بمعني أن يكون كل من المعنيين مراداً باستقلاله، كما إذا قال: اشتريت العين و استعمل العين في الذهب و الفضة. فخرج ما إذا استعمله في معني جامع صادق علي كلا المعنيين، كما إذا استعمل العين في «المسمّي بالعين» فإنّ الذهب و الفضة داخلان تحت هذا العنوان، فهذا النوع من الاستعمال ليس من قبيل الاستعمال المشترك في أكثر من معني.

إذا علمت ذلك، فاعلم أنّه اختُلِفَ في جواز استعمال اللفظ في أكثر من معني واحد علي أقوال أربعة:

أ. الجواز مطلقاً.

ب. المنع مطلقاً.

ج. التفصيل بين المفرد و غيره و التجويز في الثاني.

د. التفصيل بين الإثبات و النفي و التجويز في الثاني.

و الحق جوازه مطلقاً، و أدلّ دليل علي إمكانه و قوعه و يجد المتتبع في كلمات الأُدباء نماذج من هذا النوع في الاستعمال: يقول الشاعر في مدح النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم:

المُرتمي في الدجي، و المُبتلي بِعَمي * و المُشتكي ظمأً و المبتغي دَيناً

يأتون سدَّتَه من كلِّ ناحية * و يستفيدون من نعمائه عيناً

(33)

فاستخدم الشاعر لفظ «العين» في الشمس و البصر و الماء الجاري و الذهب؛ حيث إنّ المرتمي في الدجي، يطلب الضياء؛والمبتلي بالعمي، يطلب العين الباصرة؛ و الإنسان الظم آن يريد الماء و المستدين يطلب الذهب.

و كقول الشاعر يمدح صديقيه الملقّبين بشمس الدين و بدر الدين:

و لما رأيتُ الشمس و البدر معاً *

قد انجلتْ دونهما الدياجي

حقّرْت نفسي و مضيتُ هارباً * و قلت ماذا موضِع السراجِ

يجد الشاعر نفسه ضئيلاً أمام صديقيه، كما أنّ السراج ضئيل دون الشمس و القمر، فيطلِق الشمسَ و القمر و يريد من الأوّلين: النيرين تارة و صديقيه «شمس الدين» و «بدر الدين» أُخري، كما يريدمن السراج المصباح تارة، و نفسه الملقّب بسراج الدين أُخري.

استدل القائل بعدم الجواز بأنّ الاستعمال عبارة عن لحاظ اللفظ وجهاً و عنواناً للمعني، كأنّ الملقي إلي المخاطب بدل اللفظ هو المعني دونه و لأجل ذلك يسري قبح المعني و حسنه إلي اللفظ و ما هو كذلك لا يمكن جعله عنواناً و وجهاً للمعني الثاني أيضاً، لاستلزامه لحاظاً آخر للّفظ و المفروض انّه ليس هنا إلاّ لحاظ واحد.

يلاحظ عليه: أنّه لو كان المراد من جعل اللفظ وجهاً و عنواناً هو إفناء اللفظ في المعني علي وجه يذوب فيه، كذوبان الملح في الماء فهو بين البطلان، و لو كان المراد منه أنّ الغرض الذاتي تعلّق بالمعني دون اللفظ، فهو صحيح، إلاّ أنّه لامانع من تعلّق الغرض الذاتي في لفظ واحد بمعنيين و ينظر إليهما بلفظ واحد خصوصاً إذا اقترن الاستعمال بالقرينة الدالة علي إرادتهما.

و بثبوت الجواز يظهر بطلان التفصيلين.

الأمر العاشر: الحقيقة الشرعية

الأمر العاشر: الحقيقة الشرعية

ذهب أكثر الأُصوليين إلي أنّ ألفاظ الصلاة و الصوم و الزكاة و الحج كانت عند العرب قبل الإسلام موضوعة لمعانيها اللغوية و مستعملة فيها، أعني: الدعاء و الإمساك و النمو و القصد، و هذا ما يعبّر عنه بالحقيقة اللغوية.

و إلي أنّ تلك الألفاظ في عصر الصادقين عليمها السَّلام و قبلهما بقليل، كانت ظاهرة في المعاني الشرعية الخاصة بحيث كلّما أطلقت الصلاة و الصوم و الزكاة تتبادر منها معانيها الشرعية.

إنّما

الاختلاف في منشأ الأمر الثاني، و هو أنّه كيف صارت هذه الألفاظ ظاهرة في المعاني الشرعية في عصر الصادقينعليمها السَّلام و قبلهما؟ فهنا قولان:

أ. ثبوت الحقيقة الشرعية في عصر النبوّة.

ب. ثبوت الحقيقة المتشرّعية في عصر الصحابة و التابعين.

أمّا الأوّل: فحاصله: أنّ تلك الألفاظ نقلت في عصر النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم من معانيها اللغوية إلي معانيها الشرعية بالوضع التعييني أو التعيني حتي صارت حقائق شرعية في تلك المعاني في عصره، لأنّ تلك الألفاظ كانت كثيرة التداول بين المسلمين لا سيما الصلاة التي يؤدّونها كلّ يوم خمس مرّات و يسمعونها كراراً من فوق الم آذن.

و من البعيد أن لا تصبح حقائق في معانيها المستحدثة في وقت ليس بقليل.

(35)

و أما الثاني فحاصله: أنّ صيرورة تلك الألفاظ حقائق شرعية علي لسان النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم يتوقف علي الوضع و هو إمّا تعييني أو تعيني و الأوّل بعيد جداً و إلاّ لنقل إلينا، و الثاني يتوقف علي كثرة الاستعمال التي هي بحاجة إلي وقت طويل و أين هذا من قصر مدّة عصر النبوّة؟!

يلاحظ عليه: أنّ عصر النبوّة استغرق 23 عاماً و هي فترة ليست قصيرة لحصول الوضع التعيني علي لسانه، و إنكاره مكابرة.

علي أنّ الوضع لا ينحصر في التعييني و التعيني، بل ثمّة قسم ثالث هو الاستعمال بداعي الوضع، كما إذا أُقيمت مراسيم احتفال لتسمية المولود الجديد، فقام أبوه يخاطب الأُم بقوله: آتيني بولدي الحسن، فهو بهذا الاستعمال أسماه حسناً، و لعلّ النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم سلك هذا السبيل حينما قال: «صَلّوا كما رأيتموني أُصلّي». فبنفس الاستعمال و ضعَ اللفظَ للمعني.

و هناك قولان آخران يختلفان مع القولين السابقين

في المبني لكنّهما يشتركان مع القول الثاني في إنكار النقل:

الأوّل: للشيخ الباقلاني (1) و حاصله: أنّ الألفاظ المذكورة باقية علي معانيها اللغوية إلي يومنا هذا و أنّ الشارع تصرّف في كيفيتها و هو يسلّم الأمر الأوّل الذي عليه الأُصوليون و ينكر الأمر الثاني، أي النقل عن معانيها إلي معان أُخر، في عصر النبوّة و مابعدها.

و هو من الوهن بمكان، لأنّ الفرق بين الدعاء اللغوي و الصلاة، أو الفرق بين النمو و الزكاة الواجبة كثير علي نحو يجعل المعني الثاني مغايراً للمعني اللغوي، فكيف تكون باقية علي معانيها اللغوية؟ فأين القصد من أعمال الحج؟!

1. أبوبكر محمد بن الطيب بن محمد القاضي المعروف بالباقلاني، بصري، سكن بغداد توفي عام 403 ه.

(36)

الثاني: ما اختاره بعض الأُصوليين و حقّقه سيد مشايخنا المحقّق البروجردي قدَّس سرَّه و حاصله: أنّ استعمال تلك الألفاظ في المعاني الشرعية كان رائجاً بين العرب قبل الإسلام، لأنّها كانت تشكل جزءاً من شريعة إبراهيم و كانت تُحكي بنفس تلك الألفاظ عن معانيها الشرعية الواردة في شريعته. (1) و كانت شريعته عليه السَّلام هي الرائجة بين العرب.

و علي ضوء ذلك تكون تلك الألفاظ بالنسبة إلي معانيها الشرعية أشبه بالحقائق اللغوية دون حاجة إلي النقل و الوضع.

و هذا القول ينكر كلا الأمرين:

1. كونها حقائق في معان لغوية، كالدعاء و النمو …، بل كانت قبل عصر النبوّة موضوعة و مستعملة في المعاني الشرعية، إذ كانت حقائقها موجودة في شريعة الخليل و الكليم و المسيحعليهم السَّلام و من البعيد أن لا يكون في لغة العرب لفظ يعبّر عن هذه المعاني و كان في الجاهلية من يصلّي و يحج مثل ما يصلّي و يحجّ المسلمون.

2. كونها منقولة في الشريعة الإسلامية، بل

هي مستعملة في نفس ما استعملت فيها المعاني الشرعية، فليس هناك أي نقل.

و يؤيد هذا القول استعمال الصلاة في أوائل البعثة في نفس تلك المعاني بلا قرينة.

كقوله سبحانه: (فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلّي *و لكنْ كذَّبَ وَ تَوَلّي) (القيامة/3132)

و كقوله سبحانه: (قالُوا لَمْ نَك مِنَ المصلّين) (المدثر/43).

1. هذا القول هو الموافق للتحقيق، و قد أسهبنا الكلام فيه خلال دراساتنا العليا.

(37)

و قال تعالي: (أَ رَأَيْتَ الذي ينهي* عبداً إذا صَلَّي) (العلق/910)

ومن البعيد أن يكون استعمال اللفظ في هذه الآيات في معانيها الشرعية بالقرينة.

ثمرة البحث

و أمّا ثمرة البحث بين القولين الأوّلين، فتظهر في الألفاظ الواردة علي لسان النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم بلا قرينة، فتحمل علي الحقيقة الشرعية بناءً علي ثبوتها و علي الحقيقة اللغوية بناءً علي إنكارها، و أمّا علي القولين الآخرين فلا ثمرة.

و الظاهر انتفاء الثمرة مطلقاً حتي علي القولين الأوّلين، لعدم الشك في معاني الألفاظ الواردة في الكتاب و السنّة لكي يتوقف فهم معانيها علي ثبوت الحقيقة الشرعية و نفيها إلاّ نادراً.

الأمر الحادي عشر: الصحيح و الأعم

الأمر الحادي عشر: الصحيح و الأعم

هل أسماء العبادات و المعاملات موضوعة للصحيح منهما، أو للأعم منه؟

يعرب عنوان البحث عن تفريعه علي المسألة السابقة، أعني: ثبوت الحقيقة الشرعية.

فعندئذ وقع الكلام في أنّ النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم هل نقلها إلي القسم الصحيح من تلك المعاني، أو الأعم و أمّا علي القول الآخر فلا ينطبق عليه عنوان البحث كما لايخفي و من أراد البحث علي ضوء الأقوال الأربعة فلابدّ من تغيير عنوان البحث علي وجه ينطبق علي الجميع.

و لنقدّم البحث في العبادات علي المعاملات فنقول:

تطلق الصحّة في اللغة تارة علي ما يقابل المرض، فيقال: صحيح و سقيم و

أُخري علي ما يقابل العيب، فيقال: صحيح و معيب.

و الأوّلان (الصحة و السقم) أمران وجوديان عارضان علي الشيء، فيكون التقابل بينهما تقابل التضاد.

و الثانيان (الصحّة و العيب) أمران أحدهما وجودي و الآخر عدمي و التقابل بينهما تقابل الملكة و العدم، كالمبيع الصحيح و المعيب.

و أمّا الصحة اصطلاحاً في العبادات فقد عرِّفت تارة بمطابقة المأتي به للمأمور به، و أُخري بما يوجب سقوط الإعادة و القضاء و يقابلها الفساد. و أمّا في

(39)

المعاملات فقدعُرِّفت بما يترتّب عليه الأثر المطلوب منها، كالملكية في البيع و الزوجية في النكاح و هكذا.

و المراد من وضع العبادات للصحيح هي أنّ الألفاظ موضوعة لماهيات اعتبارية لو تحقّقت في الخارج لاتصفت بالصحّة (1)، فكأنّ لفظ الصحّة إشارة إلي المرتبة الخاصّة من تلك الماهية و هي الجامعة لجميع الأجزاء و الشرائط، كما أنّ الأعم في العنوان إشارة إلي مرتبة أُخري شاملة للصحيح و غيره.

و علي كلّ تقدير فالبحث في أنّ ألفاظ العبادات وضعت لما تمّت أجزاؤها و كملت شروطها، أو للأعم منه و من الناقص.

المعروف هو القول الأوّل، و استدلّ له بوجوه (2) مسطورة في الكتب الأُصولية أوضحها:

إنّ الصلاة ماهية إعتبارية جعلها الشارع لآثار خاصّة وردت في الكتاب و السنّة، منها: كونها ناهية عن الفحشاء و المنكر، أو معراج المؤمن، و غيرهما و هذه الآثار إنّما تترتب علي الصحيح لا علي الأعمّ منه و هذا (أي ترتّب الأثر علي الصحيح) ممّا يبعث الواضع إلي أن يضع الألفاظ لما يحصّل أغراضه و يؤمِّن أهدافه و ليس هو إلاّالصحيح. لأنّ الوضع للأعمّ الذي لا يترتّب عليه الأثر، أمر لغو.

استدل القائل بالأعم بوجوه أوضحها صحّة تقسيم الصلاة إلي الصحيحة و الفاسدة.

و أُجيب عنه بأنّ غاية ما يفيده

هذا التقسيم هو استعمال الصلاة في كلّ من الصحيح و الفاسد و الاستعمال أعمّ من الحقيقة.

1. احتراز عن دخول الصحة بمفهومها في الموضوع له، فلو قلنا بوضع الأسماء للصحيح، فلا يراد منه، الصحيح بالحمل الأوّلي، بل الصحيح بالحمل الشائع الصناعي.

2. التبادر و صحّة الحمل و صحّة السلب عن الأعم و غيرها.

(40)

يلاحظ عليه: أنّ الاستعمال و إن كان أعمّ من الحقيقة و لكنّه فيما إذا احتمل كون الاستعمال من باب المجاز، و أمّا إذا كان الاحتمال منتفياً فالاستعمال يكون دليلاً علي الحقيقة كما في المقام و ذلك لأنّ المجاز كما مرّ قائم بالتشبيه و ادّعاء الفردية و هو غير متحقّق في المقام، لأنّ تقسيم الصلاة إلي الصحيح و الفاسد، بشهادة الوجدان، غير متوقّف علي علاقة التشابه و ادّعاء كون الفاسد مصداقاً لها، بل يصحّ التقسيم مع الغفلة عن لحاظ العلاقة و ادّعاء الفردية.

نعم يمكن أن يقال: إنّ عدم الحاجة إلي الادّعاء إنّما هو في عصرنا هذا الذي كثر فيه استعمال هذه الألفاظ في الأعمّ، و هذا لا يكون دليلاً علي عدم الحاجة إليه في عصر النبوّة و لعلّ الاستعمال في الأعم كان متوقفاً علي الادّعاء في ذلك العصر.

الأمر الثاني عشر: المشتق

الأمر الثاني عشر: المشتق

اتّفقت كلمتهم علي أنّ المشتق حقيقة في المتلبّس بالمبدأ في الحال و مجاز فيما يتلبّس به في المستقبل و اختلفوا فيما انقضي عنه التلبّس، مثلاً إذا ورد النهي عن التوضؤ بالماء المسخّن بالشمس، فتارة يكون الماء موصوفاً بالمبدأ بالفعل و أُخري يكون موصوفاً به في المستقبل و ثالثة كان موصوفاً به لكنّه زال و برد الماء، فإطلاق المشتق علي الأوّل حقيقة و دليل الكراهة شامل له، كما أنّ إطلاقه علي الثاني مجاز لا يشمله دليلها

و أمّا الثالث فكونه حقيقة أو مجازاً و بالتالي شمول دليلها له و عدمه مبني علي تحديد مفهوم المشتق، فلو قلنا بأنّه موضوع للمتلبّس بالمبدأ في الحال يكون الإطلاق مجازياً و الدليل غير شامل له، و لو قلنا بأنّه موضوع لما تلبّس به و لو آناً ما فيكون الإطلاق حقيقياً و الدليل شاملاً له.

و المشهور انّه موضوع للمتلبس بالفعل.

و توضيح المقام يتوقف علي تقديم أُمور:

1. الفرق بين المشتق النحوي و الأُصولي

المشتق عند النحاة يقابل الجامد، فالجميع غير المصدر (علي القول بكونه الأصل) مشتق كالماضي و المضارع و الأمر و النهي و أسماء الفاعلين.

و أمّا المشتق عند الأُصوليين، فهو عبارة عمّا يجري علي الذات باعتبار اتصافها بالمبدأ و اتحادها معه بنحو من الاتحاد، فخرجت الأفعال قاطبة ماضيها و

(42)

مضارعها و أمرها و نهيها ضرورة أنّها تدلّ علي قيام مبادئها بالذوات قيام صدور أو حلول (1) أو طلب فعل أو طلب ترك، و لا تدل علي وصف الذوات بها. فكم فرق بين قولنا: قائم و قولنا: ضرب.

كما خرجت المصادر المزيدة و المجرّدة لعدم صحّة حملها علي الذوات علي نحو الهوهوية، فلم يبق إلاّ أسماء الفاعلين و المفعولين و أسماء الزمان و المكان و الآلات و الصفات المشبهة و صيغ المبالغة، لوجود الملاك في جميعها و هو انتزاع مفاهيمها عن الذوات باعتبار اتصافها بالمبدأ فيشمل حتي الزوجة و الرق و الحر، فإذن النسبة بين المشتق النحوي و المشتق الأُصولي عموم و خصوص من وجه. (2)

2. اختلاف أنحاء التلبسات حسب اختلاف المبادئ

ربّما يفصل بين المشتقات فيتوهم انّ بعضها حقيقة في المتلبس و بعضها في الأعمّ، نظير الكاتب و المجتهد و المثمر، فما يكون المبدأ فيه حرفة أو ملكة أو قوّة

يصدق فيه هذه الثلاثة و إن زال التلبس فهي موضوعة للأعم بشهادة صدقها مع عدم تلبسها بالكتابة و الاجتهاد و الأثمار بخلاف غيرها ممّا كان المبدأ فيه أمراً فعلياً، كالأبيض و الأسود.

يلاحظ عليه: أنّ المبدأ يؤخذ تارة علي نحو الفعلية كقائم و أُخري علي نحو الحرفة كتاجر و ثالثة علي نحو الصناعة كنجّار و رابعة علي نحو القوّة كقولنا: شجرة مثمرة و خامسة علي نحو الملكة كمجتهد و سادسة علي نحو الانتساب إلي الأعيان الخارجية كلابن و تامر.

1. القيام الصدوري: كقيام الضرب بالضارب، و الحلولي كقيام الضاحك بالإنسان.

2. فيجتمعان في أسماء الفاعلين و المفعولين و أمثالهما و يفترقان في الفعل الماضي و المضارع، فيطلق عليهما المشتق النحوي دون الأصولي؛ و في الجوامد كالزوج و الرق، فيطلق عليها المشتق الأُصولي دون النحوي.

(43)

فإذا اختلفت المبادئ جوهراً و مفهوماً لاختلفت أنحاء التلبسات بتبعها أيضاً، و عندئذ يختلف بقاء المبدأ حسب اختلاف المبادئ، ففي القسم الأوّل يشترط في صدق التلبس تلبس الذات بالمبدأ فعلاً و في القسم الثاني و الثالث يكفي عدم إعراضه عن حرفته و صناعته و إن لم يكن ممارساً بالفعل و في الرابع يكفي كونه متلبساً بقوة الإثمار و إن لم يثمر فعلاً و في الخامس يكفي حصول الملكة و إن لم يمارس فعلاً، فالكلّ داخل تحت المتلبس بالمبدأ بالفعل و بذلك علم أنّ اختلاف المبادئ يوجب اختلاف طول زمان التلبس و قصره و لا يوجب تفصيلاً في المسألة.

فما تخيله القائل مصداقاً لمن انقضي عنه المبدأ، فإنّما هو من مصاديق المتلبس و منشأ التخيل هو أخذ المبدأ في الجميع علي نسق واحد و قد عرفت أنّ المبادئ علي أنحاء.

3. ما هو المراد من الحال في عنوان

البحث؟

المراد من الحال في عنوان البحث هو الفعلية في مقابل القوة، و مرجع النزاع إلي سعة المفاهيم و ضيقها و أنّ الموضوع له هل هو خصوص الذات المتلبّسة بالمبدأ أو الأعمّ من تلك الذات المنقضي عنها المبدأ فعلي القول بالأخصّ، يكون مصداقه منحصراً في الذات المتلبّسة، و علي القول بالأعمّ يكون مصداقه أعمّ من هذه و ممّا انقضي عنها المبدأ.

و إن شئت قلت: النزاع في أنّ الصفات تنتزع من الذات المقارنة للمبدأ، أو تنتزع منها و من الذات المنقضي عنها المبدأ و علي ذلك فالحال في عنوان البحث بمعني فعلية التلبّس و ما أشبه ذلك.

و بعبارة ثالثة: إنّ العقل يري جامعاً حقيقياً بين الأفراد المتلبّسة بالمبدأ، و لايري ذاك الجامع الحقيقي للأعمّ منها و ممّا انقضي عنها المبدأ و إنّما يري بينهما

(44)

جامعاً انتزاعياً. فالنزاع في أنّ الموضوع له هل هو ذاك الجامع الحقيقي أو جامع انتزاعي آخر.

***

إذا وقفت علي هذه الأُمور. فاعلم أنّ المشتق موضوع للمتلبس بالمبدأ في الحال و الدليل علي ذلك أمران:

1. التبادر، إنّ المتبادر من المشتق هو المتلبس بالمبدأ في الحال، فلو قيل: صلّ خلف العادل، أو أدّب الفاسق، أو قيل: لا يصلين أحدكم خلف المجذوم و الأبرص و المجنون، أو لا يؤم الأعرابي المهاجرين؛ لا يفهم منه إلاّ المتلبس بالمبدأ في حال الاقتداء.

2. صحّة السلب عمّن انقضي عنه المبدأ، فلا يقال لمن هو قاعد بالفعل انّه قائم إذا زال عنه القيام و لا لمن هو جاهل بالفعل، انّه عالم إذا نسي علمه.

و أمّا القائلون بالأعم فاستدلّوا بوجهين:

الأوّل: صدق أسماء الحِرَف كالنجار علي من انقضي عنه المبدأ، مثل أسماء الملكات كالمجتهد.

وقد عرفت الجواب عنه و أنّ الجميع من قبيل التلبس بالمبدأ لا

الزائل عنه المبدأ.

الثاني: لو تلبس بالمبدأ في الزمان الماضي يصح أن يقال انّه ضارب باعتبار تلبسه به في ذلك الزمان.

يلاحظ عليه: أنّ اجراء المشتق علي الموضوع في المثال المذكور يتصور علي وجهين:

(45)

أ. أن يكون زمان التلبس بالمبدأ في الخارج متحداً مع زمان النسبة الكلامية، كأن يقول زيد ضارب أمس، حاكياً عن تلبسه بالمبدأ في ذلك الزمان، فهو حقيقة و معدود من قبيل المتلبس لأنّ المراد كونه ضارباً في ذلك الظرف.

ب. أن يكون زمان التلبس بالمبدأ في الخارج مختلفاً مع زمان النسبة الكلامية، كأن يقول: زيد باعتبار تلبسه بالمبدأ أمس ضارب في ظرف التكلم، فالجري مجاز و من قبيل ما انقضي عنه المبدأ.

تطبيقات

1. قال رجل لعلي بن الحسين عليمها السَّلام: أين يتوضأ الغرباء؟ قال: «تتّقي شطوط الأنهار، و الطرق النافذة و تحت الأشجار المثمرة». (1)

فعلي القول بالوضع للمتلبس بالمبدء يختص الحكم بما إذا كانت مثمرة و لو بالقوة، بخلاف القول بالأعم من المتلبس و غيره فيشمل الشجرة غير المثمرة و لو بالقوة.

2. عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام في المرأة ماتت و ليس معها امرأة تغسلها، قال: «يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها إلي المرافق». (2)

فلو قلنا بأنّ المشتق حقيقة في المنقضي أيضاً، فيجوز للزوج المطلِّق تغسيلها عند فقد المماثل و إلاّ فلا.

إذا وقفت علي تلك الأُمور، فاعلم أنّ كتابنا هذا مرتّب علي مقاصد و كلّ مقصد يتضمن فصولاً:

1. الوسائل: 1، الباب 15 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 1.

2. الوسائل: 2، الباب 24 من أبواب غسل الميت، الحديث 8.

المقصد الأوّل: في الأوامر، و فيه فصول

الفصل الأوّل: في مادّة الأمر

الفصل الأوّل: في مادّة الأمر

المبحث الأوّل: كلمة الأمر مشترك لفظي

إنّ كلمة الأمر مشترك لفظي بين معنيين هما:

إمّا الطلب و الفعل و إليهما يرجع سائر المعاني التي ذكرها

أهل اللغة.

أو الطلب و الشأن و إليهما يرجع سائر المعاني و هو خيرة صاحب الفصول.

أو الطلب و الشيء و إليهما ترجع المعاني الأُخري و هو خيرة المحقّق الخراساني.

لا اختلاف بين الجميع في صحّة استعماله في الطلب لقوله سبحانه: (فَلْيحْذَرِالَّذِينَ يخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يصيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (النور/63).

و الضمير في أمره يرجع إلي النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم و إنّما الاختلاف في المعني الثاني و الظاهر صحّة استعماله في الفعل لوروده في القرآن. قال سبحانه: (قُلْ إِنَّ الأمْرَ كلَّهُ للّهِ يخْفُونَ في أَنْفُسِهِمْ ما لا يبْدُونَ) (آل عمران/154).

و قال سبحانه: (وَ قُضِي الأَمْرُ وَ إِلَي اللّهِ تُرجَعُ الأُمور) (البقرة/210).

(50)

و قال سبحانه: (وَشاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران/159).

و أمّا الجمع فالأمر إن كان بمعني الطلب أي طلب الفعل من الغير فيجمع علي أوامر، كما أنّه إذا كان بمعني الفعل و الحدث فيجمع علي أُمور.

بقي الكلام في استعماله في معنيين آخرين هما: الشأن و الشيء.

فذهب صاحب الفصول إلي صحّة استعماله في الشأن مستدلاً بقولهم: شَغله أمر كذا، أي شأن كذا.

يلاحظ عليه: أنّ الأمر فيما ذكره من المثال بمعني الفعل و الحادثة لا الشأن كما هو واضح.

كما ذهب المحقّق الخراساني إلي صحّة استعماله في الشيء مستدلاً بقولهم: رأيت اليوم أمراً عجيباً، أي شيئاً عجيباً.

يلاحظ عليه: أنّه لو كان الشيء من معاني الأمر لصح وضعُ الأمر مكان الشيء مع أنّه لا يصح أن يقال: اللّه أمر، أو العقل أمر، أو البياض أمر، إلي غير ذلك مع صحّة قولنا: اللّه شيء و ….

و علي ذلك إذا أطلقت كلمة الأمر بلا قرينة تكون مجملة و التعيين يحتاج إلي قرينة.

المبحث الثاني: في اعتبار العلوّ و الاستعلاء في صدق

الأمر بمعني الطلب

اختلف الأُصوليون في اعتبار العلو و الاستعلاء في صدق الأمر بمعني الطلب إلي أقوال:

1. يعتبر في صدق مادة الأمر وجود العلوّ في الآمر دون اعتبار الاستعلاء، فيكفي فيه صدور الطلب من العالي و إن كان مستخفضاً لجناحه و هو خيرة

(51)

المحقّق الخراساني قدَّس سرَّه.

2. يعتبر في صدق مادة الأمر كلا الأمرين، فلا يعدّ كلام المولي مع عبده أمراً إذا كان علي طريق الاستدعاء و هو خيرة السيد الإمام الخميني قدَّس سرَّه.

3. يعتبر في صدق مادة الأمر أحد الأمرين: ا لعلو أو الاستعلاء، أمّا كفاية العلو فلما تقدّم في دليل القول الأوّل، و أمّا كفاية الاستعلاء، فلأنّه يصحّ تقبيح الطالب السافل المستعلي، ممّن هو أعلي منه و توبيخه.

4. لا يعتبر في صدق مادة الأمر واحد منهما و هو خيرة المحقّق البروجردي.

الظاهر هو القول الثاني، فإنّ لفظ الأمر في اللغة العربية معادل للفظ «فرمان» في اللغة الفارسية و هو يتضمن علوّ صاحبه، و لذلك يذم إذا أمر و لم يكن عالياً.

و أمّا اعتبار الاستعلاء فلعدم صدقه إذا كان بصورة الاستدعاء و يشهد له قول بريرة (1) لرسول اللّهصلَّي اللّه عليه و آله و سلَّم: «تأمرني يا رسول اللّه؟ قال: إنّما أنا شافع» فلو كان مجرد العلو كافياً لما انفك طلبه من كونه أمراً.

المبحث الثالث: في دلالة مادة الأمر علي الوجوب

إذا طلب المولي من عبده شيئاً بلفظ الأمر كأن يقول: آمرك بكذا، فهل يدل كلامه علي الوجوب أو لا؟

الظاهر هو الأوّل، لأنّ السامع ينتقل من سماع لفظ الأمر إلي لزوم الامتثال

1. روي أحمد بن حنبل في مسنده عن ابن عباس: لما خُيرتْ بريرة (بعد ما أُعتقت و خُيرت بين البقاء مع زوجها أو الانفصال عنه) رأيت زوجها

يتبعها في سُكك المدينة و دموعه تسيل علي لحيته، فكلَّم العباس ليكلِّم فيه النبي صلَّي اللّه عليه و آله و سلَّم لبريرة انّه زوجك، فقالت: تأمرني يا رسول اللّه؟ قال: «إنّما أنا شافع» ، قال: فخيرها فاختارت نفسها. (مسند أحمد: 1/215).

(52)

الذي يعبّر عنه بالوجوب و يؤيد هذا الانسباق و التبادر بالآيات التالية:

1. قوله سبحانه: (فَلْيحْذَرِالّذينَ يخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يصيبَهُمْ عَذابٌ أَليم) (النور/63) حيث هدّد سبحانه علي مخالفة الأمر و التهديد دليل الوجوب.

2. قوله سبحانه: (ما مَنَعَك أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُك) (الأعراف/12) حيث ذمّ سبحانه ابليس لمخالفة الأمر و الذم آية الوجوب.

3. قوله تعالي: (عَلَيها مَلائِكةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يعْصُونَ اللّهَ ما أَمَرَهُمْ) (التحريم/6) حيث سمّي سبحانه مخالفة الأمر عصياناً و الوصف بالعصيان دليل الوجوب.

4. الإخبار عن أنّ الأمر بالسواك يلازم المشقّة، كما في قوله صلَّي الله عليه و آله و سلَّم: «لولا أن أشُقّ علي أُمّتي لأمرتهم بالسواك». (1) و لزوم المشقّة آية كونه مفيداً للوجوب إذ لا مشقّة في الاستحباب.

إلي غير ذلك من الآيات و الروايات.

1. وسائل الشيعة، كتاب الطهارة، أبواب السواك، الباب 3، الحديث 4.

الفصل الثاني: في هيئة الأمر، و فيه مباحث

الفصل الثاني: في هيئة الأمر، و فيه مباحث

المبحث الأوّل: في بيان مفاد الهيئة

اختلفت كلمة الأُصوليين في معني هيئة افعل إلي أقوال مختلفة:

1. انّها موضوعة للوجوب.

2. انّها موضوعة للندب.

3. انّها موضوعة للجامع بين الوجوب و الندب، أي الطلب إلي غير ذلك.

و الحقّ انّها موضوعة لإنشاء البعث إلي إيجاد متعلقه و يدلّ عليه التبادر و الانسباق، فقول المولي لعبده: اذهب إلي السوق و اشتر اللحم عبارة أُخري عن بعثه إلي الذهاب و شراء اللحم.

و إن شئت قلت: إنّ بعث العبد إلي الفعل قد يكون بالإشارة باليد،

كما إذا أشار المولي بيده إلي خروج العبد و تركه المجلس و أُخري بلفظ الأمر كقوله: اخرج، فهيئة افعل في الصورة الثانية قائمة مقام الإشارة باليد، فكما أنّ الإشارة باليد تفيد البعث إلي المطلوب، فهكذا القائم مقامها من صيغة افعل، و إنّما الاختلاف في كيفية الدلالة، فدلالة الهيئة علي إنشاء البعث لفظية بخلاف دلالة الأُولي.

(54)

سؤال: انّ هيئة افعل و إن كانت تستعمل في البعث كقوله سبحانه: (وَأَقِيمُوا الصَّلاة وَ آتُوا الزَّكاة) (البقرة/43) أو قوله: (أَوفُوا بِالعُقود) (المائدة/1) و لكن ربما تستعمل في غير البعث أيضاً.

كالتعجيز مثل قوله سبحانه: (وَ إِنْ كنْتُمْ فِي رَيب مِمّا نَزَّلنا عَلي عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَة مِنْ مِثْلِهِ) (البقرة/23).

و التمنّي كقول الشاعر:

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي * بصبح و ما الإصباح منك بأمثل

إلي غير ذلك من المعاني المختلفة المغايرة للبعث. فيلزم أن تكون الهيئة مشتركة بين المعاني المختلفة من البعث و التعجيز و التمنّي.

الجواب: انّ هيئة إفعل قد استعملت في جميع الموارد في البعث إلي المتعلّق و الاختلاف إنّما هو في الدواعي، فتارة يكون الداعي من وراء البعث هو ايجاد المتعلق في الخارج و أُخري يكون الداعي هو التعجيز و ثالثة التمني و رابعة هو الإنذار و التهديد كقوله: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيرَي اللّه عَمَلَكمْ وَ رسُولُهُ وَ المُؤْمِنُونَ) (التوبة/105) إلي غير ذلك من الدواعي ففي جميع الموارد يكون المستعمل فيه واحداً و إنّما الاختلاف في الدواعي من وراء إنشائه.

و نظير ذلك، الاستفهام فقد يكون الداعي هو طلب الفهم و أُخري أخذ الإقرار مثل قوله: (هَلْ يسْتَوي الّذينَ يعْلَمُونَ وَ الّذينَ لا يعْلَمُونَ) (الزمر/9). و المستعمل فيه في الجميع واحد و هو إنشاء طلب الفهم.

المبحث الثاني: دلالة هيئة الأمر علي الوجوب

قدعرفت أنّ

هيئة إفعل موضوعة لإنشاء البعث و أنّها ليست موضوعة للوجوب و لا للندب و أنّهما خارجان عن مدلول الهيئة و مع ذلك هناك

(55)

بحث آخر، و هو أنّه لا إشكال في لزوم امتثال أمر المولي إذا علم أنّه يطلب علي وجه اللزوم إنّما الكلام فيما إذا لم يعلم فهل يجب امتثاله أو لا؟ الحقّ هوالأوّل.

و قبل بيان دليله نشير إلي الفرق بين الوجوب و الندب، فنقول: إنّ البعث الإنشائي علي قسمين:

فتارة يكون البعث صادراً عن إرادة أكيدة لا يرضي المولي بمخالفتها.

و أُخري صادراً عن إرادة غير أكيدة علي وجه لو خالفها لما ذمّه المولي.

وإن شئت قلت: البعث الإنشائي فعل اختياري للنفس فلابدّ في تحقّقه من سبق إرادة تكوينية، فهي تختلف شدّة و ضعفاً حسب اختلاف الأغراض من البعث، فالذي يميز الوجوب عن الندب هو صدور أحد البعثين عن إرادة أكيدة و صدور الآخر عن إرادة ضعيفة مع اشتراكهما في البعث.

و بذلك يعلم أنّ الوجوب و الندب ليسا من مداليل الألفاظ و إنّما ينتزعان من البعث الناشيء من قوة الإرادة و ضعفها.

إذا تبين الفرق بين الوجوب و الندب ثبوتاً فنقول: لو دلّ الدليل علي واحد من الأمرين أعني: الوجوب أو الندب فهو المتَّبع و إلاّفاللازم حمله علي الوجوب، أي صدور البعث عن إرادة أكيدة و ذلك بحكم العقل علي أنّ بعث المولي لا يترك بلا امتثال و احتمال أنّ البعث ناشئ من إرادة ضعيفة لا يعْتمد عليه مالم يدل عليه دليل.

و بعبارة أُخري: العقل يحكم بلزوم تحصيل المؤمِّن في دائرة المولوية و العبودية و لا يصحّ ترك المأمور به بمجرّد احتمال أن يكون الطلب طلباًندبياً و هذا ما يعبّر عنه في سيرة العقلاء بأنّ ترك المأمور به

لابدّ أن يستند إلي عذر قاطع و العذر القاطع إمّا إحراز كون البعث ناشئاً عن إرادة غير أكيدة و المفروض عدم إحرازه، أو الامتثال و هو يتّحد في النتيجة مع الحمل علي الوجوب، فخرجنا بالنتيجة التالية:

(56)

1. انّ المدلول المطابقي لهيئة إفعل هو إنشاء البعث.

2. الوجوب و لزوم الامتثال مدلول التزامي لها بحكم العقل.

سؤال: يظهر من صاحب المعالم انّه لو افترضنا أنّ الأمر حقيقة في الوجوب لما صحّ التمسّك به في أخبار الأئمّة المعصومين عليهم السَّلام عند الشك، لأنّ صيغة الأمر مستعملة في كلماتهم في الندب كثيراً حتّي صار من المجازات الراجحة، فيشكل التمسك بمجرّد ورود الأمر في كلامهم علي إثبات الوجوب. (1)

الجواب: انّ الاستعمال في الندب و إن كان كثيراً إلاّ أنّه لمّا كان بالقرينة، فلا يوجب صيرورتَه مجازاً مشهوراً فيه ليرجّح أو يتوقف علي الخلاف في المجاز المشهور.

نعم لو ثبت أنّ الأئمّة كانوا يستعملون الأمر كثيراً في الندب بلا قرينة كان لما ذكره وجه.

و هناك جواب آخر و هو أنّ الوجوب و الندب كما مرّ ليسا من المداليل اللفظية، لما عرفت من أنّ الأمر موضوع لإنشاء البعث، بل ينتزعان من شدّة الإرادة و ضعفها، فإن كان في الكلام قرينة تدلّ علي أحد الأمرين فهو و إلاّ فالعقل حاكم بأنّه يجب علي العبد إطاعة الأمر مالم يعلم الإذن في الترك.

و بعبارة أُخري: يحكم العقل بلزوم تحصيل المؤمِّن إمّا بالإتيان بالمأمور به، أو بالعلم بالندب و بما أنّ الثاني منتف فيتعين تحصيل الأمر الأوّل و هو الإتيان و ترك المأمور به لأجل أنّهمعليهم السَّلام يستعملون صيغة الأمر في الندب كثيراً ليس عذراً قاطعاً في مقابل حكم العقل بلزوم تحصيله.

1. المعالم، ص 48 جاء تحت عنوان: فائدة،

و قد استحسنه السيد المحقّق البروجردي في درسه الشريف و وافقه السيد المحقّق الخوئي كمافي محاضراته: 2/132.

المبحث الثالث: استفادة الوجوب من أساليب أُخري

إنّ للقرآن و السنّة أساليب أُخري في بيان الوجوب و الإلزام غير صيغة الأمر، فتارة يعبّر عنه بلفظ الفرض و الكتابة مثل قوله سبحانه: (قَدْفَرَضَ اللّهُ لَكمْ تَحِلَّةَ أَيمانِكمْ) (التحريم/2). و قال: (كتِبَ عَلَيكمُ الصِّيام) (البقرة/182) و قال: (إِنَّ الصلاةَ كانَتْ عَلي المُؤْمِنينَ كتاباً مَوقُوتاً) (النساء/103).

و أُخري يجعل المكلّف به في عهدة المكلّف إلي أن يخرج عن عهدته قال: (وَ للّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنْ اسْتَطاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً) (آل عمران/97).

و ثالثة يخبر عن وجود شيء في المستقبل مشعراً بالبعث الناشئ عن إرادة أكيدة، قال سبحانه: (و الوالِداتُ يرضِعْنَ أَولادَهُنَّ حَولَينِ كامِلَين) (البقرة/233).

و أمّا السنّة فقد تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت في أبواب الطهارة و الصلاة و غيرهما قولهم: «يغْتَسِلُ» ، «يعيدُ الصلاة» أو «يستَقْبِل القبلة» فالجمل الخبرية في هذه الموارد و إن استعملت في معناها الحقيقي، أعني: الإخبار عن وجود الشيء في المستقبل، لكن بداعي الطلب و البعث.

سؤال: فهل استعمال الجملة الخبرية لداعي البعث حقيقي أو استعمال مجازي و علي التقديرين، إذا لم يمتثل، فهل يلزم الكذب لأجل أنّ المعصوم أخبر عن المستقبل، و لم يتحقق أو لا؟

الجواب: انّ الاستعمال حقيقي ليس بمجازي، لأنّ المستعمل فيه هو الموضوع له و إنّما الاختلاف في الداعي.

كما أنّه لو لم يمتثل العبد لا يلزم الكذب، لأنّ الاستعمال لم يكن بداعي الإخبار عن وجود الشيء بل بداعي البعث و الطلب، و لا يضرّ عدم تحقق المخبر

(58)

عنه إذا لم يكن الداعي الإخبار.

نعم هذا النوع من الاستعمال لغاية البعث آكد من الجملة الإنشائية، لأنّ الإخبار عن أمر

مفروغ عنه، يكشف عن شدّة حبّ المولي بالمراد إلي حدّ يجده متحقّقاً في الخارج.

المبحث الرابع: في التوصلي و التعبدي

الأمر الأوّل: معني التوصلي و التعبدي

الأمر التوصلي: هو ما يتحقّق امتثاله بمجرد الإتيان بالمأمور به من دون حاجة إلي قصد القربة.

و يقابله التعبدي: و هو ما لا يحصل امتثاله بمجرد الإتيان بالمأمور به، بل لابدّ في حصوله من الإتيان به متقرباً إلي اللّه سبحانه.

و الأوّل، كدفن الميت و تطهير المسجد و أداء الدين و ردّ السلام ممّا يحصل الامتثال و يسقط الأمر بمجرّد الإتيان به و لو لرغبة نفسية.

و الثاني، كالصلاة و الصوم، فلا يحصل الامتثال إلاّ بالإتيان بهما متقرباً إلي اللّه سبحانه.

ثمّ إنّ قصد القربة يحصل بأحد أمور:

أ. الإتيان بقصد امتثال أمره سبحانه.

ب. الإتيان للّه تبارك و تعالي مع صرف النظر عن الأمر.

ج. الإتيان بداعي محبوبية الفعل له تعالي، فيكون الداعي إلي الإتيان به هو

1. ستأتي تقسيمات الواجب إلي أقسام في الفصل الخامس و منها تقسيمه إلي التعبدي و التوصّلي.

(59)

كونه محبوباً للّه دون سائر الدواعي النفسانية.

و يراد من التعبدية في المقام هو المعني الأوّل و ما سيأتي من البحوث يدور حول هذا المعني، لا المعنيين الأخيرين.

الأمر الثاني: حكم الشك في التوصلية و التعبدية

إذا علمنا بأنّ الواجب تعبدي أو توصلي فيجب امتثاله علي النحو الذي عليه، إنّما الكلام فيما إذا شك في واجب أنّه توصلي أو تعبدي فهل ثمة أصل لفظي يعوَّل عليه كالشك في وجوب ردّ السلام؟ و أنّه هل هو توصلي يحصل الامتثال بردّه بأي داع كان، أو هو أمر تعبدي لا يحصل الامتثال إلاّ بقصد امتثال الأمر الوارد في الكتاب؟ قال سبحانه: (وَ إِذا حُييتُمْ بِتَحِية فَحَيوا بِأَحْسنَ مِنْها أَو رُدُّوها) (النساء/86).

و لْيعلم انّ

التمسك بالإطلاق إنّما يصحّ إذا أمكن أخذ الشيء المشكوك اعتبارُه في متعلق الأمر، فإذا خلا منه متعلّقه، يحكم بعدم اعتباره فيه، مثلاً إذا شك في وجوب السورة في الصلاة فبما أنّه يمكن أخذها في متعلّق الأمر بأن يقول: صلّ مع السورة، فيصحّ التمسك بالإطلاق اللفظي إذا خلا منها متعلّق الأمر عند الشك.

و أمّا إذا تعذّر أخذ المشكوك في متعلّق الأمر فلا يصحّ التمسك بالإطلاق، لأنّ التمسك به فرع إمكان أخذه فيه و المفروض أنّه متعذر.

ثمّ إنّ الأُصوليين اختلفوا في إمكان أخذ قصد الأمر في المتعلّق و عدمه، فلو أمكن أخذه في متعلّق الأمر، يصحّ التمسّك بإطلاقه إذاخلا عنه، و إلاّ فلا.

فذهب الأكثر إلي إمكان أخذ قصد الأمر في متعلّق الأمر، فإذا شك في اعتباره في المتعلّق يتمسك بإطلاقه و يحكم بالتوصلية.

و ذهب الشيخ الأنصاري إلي امتناع أخذه في متعلّق الأمر، فلا يمكن

(60)

التمسك بإطلاق المتعلّق و إثبات التوصلية، فإنّ من شرائط التمسّك بالإطلاق، إمكان الإتيان بالقيد في متعلّقه و المفروض عدم إمكان أخذ القيد فيه.

ثمّ إنّ محل الخلاف في أخذ «قصد امتثال الأمر» في المأمور به كما هو التفسير الأوّل للتعبدية، و أمّا التفسيران الآخران للتعبدية، أعني: الإتيان للّه تبارك و تعالي، أو الإتيان لأجل محبوبية الفعل، فأخذهما فيه بمكان من الإمكان.

و بعبارة أُخري: أنّ محل الخلاف في إمكان الأخذ و عدمه هو أن يأمر المولي بالنحو التالي: صلّ صلاة الظهر بقصد امتثال أمرها و أمّا إذا قال: صلّ صلاة الظهر للّه تبارك و تعالي، أو لكونها محبوبة للّه، فأخذهما في المتعلّق ممّا لا شبهة فيه. و نحيل التفصيل إلي دراسات عليا.

المبحث الخامس: الواجب النفسي و إطلاق الصيغة

ينقسم الواجب إلي نفسي و غيري.

فالواجب النفسي: هو ما

وجب لنفسه، كالصلاة.

و الواجب الغيري: هو ما وجب لغيره، كالوضوء. (1)

فإذا دار مفاد الصيغة بين أحد أمرين، كما إذا قال: اغتسل للجنابة و احتمل كون الغسل واجباً لنفسه بمعني أنّه يجب الاغتسال مطلقاً سواء أراد إقامة الصلاة أم لم يردها، أو واجباً لغيره بمعني أنّه يجب لأجل ذيها، أعني: الصلاة، فإذا دار الواجب بينهما فما هو مقتضي الأصل اللفظي أي إطلاق المتعلّق، إذا كان المتكلّم في مقام البيان من هذه الجهة؟

فنقول: إنّ مقتضي الإطلاق اللفظي هو كونه نفسياً لا غيرياً، لأنّ النفسي يكفي فيه الأمر بالشيء علي وجه الإطلاق بخلاف الغيري فانّه لا يكفيه ذلك بل

1. ما يوافيك من التعاريف من قبيل شرح الاسم لا تعريف حقيقي، فلا يستشكل بأخذ المعرَّف في المعرِّف.

(61)

يحتاج إلي بيان قيد آخر، مثلاً أن يقول: اغتسل للصلاة.

توضيحه: انّ كلاً من الواجب النفسي و الغيري و إن كان يشتركان في كونهما واجبين و يفترقان بقيدين هما «لنفسه» و «لغيره» لكن الحاجة إلي القيد في كلّ من القسمين راجع إلي مقام الثبوت و التحديد، و أمّا في مقام الإثبات فيكفي في بيان الواجب النفسي، الأمر بالشيء مع السكوت عن قيده بخلاف الآخر فلا يكفي الأمر بالشيء مع السكوت عن القيد، مثلاً لو كان الاغتسال واجباً نفسياً يكفي قول الشارع إغتسل و لو كان واجباً غيرياً لا يكفي الإطلاق بل يجب أن يقول: اغتسل للصلاة.

المبحث السادس: الواجب العيني و إطلاق الصيغة

ينقسم الواجب إلي العيني و الكفائي.

فالواجب العيني: هو ما يتعلّق الأمر بكلّ مكلّف و لا يسقط بفعل الغير، كالفرائض اليومية.

و الواجب الكفائي: ما يتعلّق الأمر بكلّ مكلّف لكن يسقط بفعل الغير، كالصلاة علي الميت.

فإذا دار أمر الواجب بين كونه عينياً أو كفائياً، كما

إذا قال: «قاتل في سبيل اللّه» و دار أمره بين كونه واجباً عينياً أو كفائياً، فمقتضي الإطلاق هو كونه عينياً لا كفائياً بالبيان السابق في النفسي و الغيري و ذلك لانّ الواجب العيني و الكفائي و إن كانا يشتركان في كونهما واجبين و يفترق كلّ بقيد يخصه و لكنّ هذا (حاجة كلّ إلي القيد) يرجع إلي مقام الثبوت و التحديد المنطقي.

و أمّا في مقام الإثبات و بيان المراد فيكفي في بيان الواجب العيني، الأمر بالشيء و السكوت عن أي قيد بخلاف الواجب الكفائي فلا يكفي في بيانه الأمر به مع السكوت عن القيد بل يحتاج إلي قيد آخر نظير: مالم يقم به الآخر. فالقتال

(62)

في سبيل اللّه لو كان واجباً عينياً يكفي فيه قول المولي: قاتل في سبيل اللّه، و لو كان كفائياً فلا يكفيه ذلك إلاّأن ينضم إليه قيد آخر، أعني: مالم يقاتل غيرك.

المبحث السابع: الواجب التعييني و إطلاق الصيغة

ينقسم الواجب إلي تعييني و تخييري.

فالواجب التعييني: هو الواجب بلا أن يكون له عدل، كالفرائض اليومية.

و الواجب التخييري: هو الواجب الذي يكون له عدل، كخصال كفارة الإفطار العمدي في صوم شهر رمضان، المخيرة بين صوم شهرين متتابعين و إطعام ستين مسكيناًوعتق رقبة.

فإذا دار أمر الواجب بين كونه واجباً تعيينياً أو تخييرياً كقوله سبحانه: (فَاسْعَوا إِلي ذِكرِ اللّهِ) (الجمعة/9) الذي قصدت به فريضة الجمعة، فمقتضي الإطلاق كونه تعيينياً لا تخييرياً بينها و بين صلاة الظهر و ذلك لأنَّ كلاً من الواجبين و إن كانا يشتركان في الواجب و يفترقان بالقيد (ما ليس له عدل و ماله عدل) و لكن ذلك يرجع إلي مقام الثبوت و التحديد المنطقي، و أمّا في مقام الإثبات و بيان المراد فيكفي في

بيان الواجب التعييني إيجابه مع السكوت عن أي قيد، بخلاف التخييري فلا يكفي إيجاب الشيء إلاّمع ذكر القيد.

كلّ ذلك إذاكان المتكلّم في مقام البيان من الجهة المشكوكة، كالنفسية و الغيرية و العينية و الكفائية، و التعيينية و التخييرية و إلاّ يكون الأمر مجملاً من الناحية المشكوكة.

و هناك بيان آخر جامع يثبت به كون الأمر نفسياً عينياً تعينياً و ذلك لما عرفت من أن حكم العقل علي وجوب تحصيل المؤمِّن الذي هو فرع أحد أمرين.

إمّا العلم بكيفية الأمر و أنّه غيري أو كفائي أو تخييري، و إمّا الامتثال القطعي الذي يقتضي الأخذ بجانب الاحتياط و هو كون الأمر نفسياً و عينياً و

(63)

تعيينياً حتّي يحصل الامتثال القطعي، فمثلاً: يغتسل و إن لم يرد إقامة الصلاة، يقاتل في سبيل اللّه و إن قاتل غيره أيضاً، يصوم شهرين متتابعين و لا يكتفي بالآخرين.

المبحث الثامن: الأمر عقيب الحظر

إذا قلنا بأنّ الوجوب يستفاد من الهيئة لوضعها له كما عليه الأُصوليون، أو قلنا بأنّه يستفاد من حكم العقل علي أنّ ترك امتثال بعث المولي قبيح إلاّ أن يدل دليل علي جواز الترك و علي كلا القولين:

إذا ورد الأمر عقيب الحظر فهل يحمل الأمر علي الوجوب أو لا؟

فمثلاً: قال سبحانه: (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي المَحيض وَ لا تَقْرَ بُوهُنَّ).

ثمّ قال: (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فأْتُوهُنَّ مِنْ حَيثُ أَمَرَكمُ اللّهُ) (البقرة/222).

مثال آخر:

قال سبحانه: (أُحِلَّتْ لَكمْ بَهِيمَةُ الأَنْعامِ إِلاّما يتلي عَلَيكمْ غَير مُحِلّي الصيدِ وَ أَنْتُمْ حُرُم).

ثمّ قال: (وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا …) (المائدة/1 و 2).

فقد اختلف الأُصوليون في مدلول هيئة الأمر عقيب الحظر إلي أقوال:

أ. ظاهرة في الوجوب.

ب. ظاهرة في الإباحة.

ج. فاقدة للظهور.

و الثالث هو الأقوي، لأنّ الضابطة فيما إذا اكتنف الكلام بما يصلح للقرينية هو الإجمال

و عدم الظهور و ذلك لأنّ تقدّم الحظر يصلح لأن يكون قرينة علي أنّ الأمر الوارد بعده لرفع الحظر لا للإيجاب، فتكون النتيجة هي الإباحة، كما يحتمل

(64)

أنّ المتكلم لم يعتمد علي تلك القرينة و أطلق الأمر لغاية الإيجاب، فتكون النتيجة هي الوجوب و لأجل الاحتمالين يكون الكلام مجملاً.

نعم إذا قامت القرينة علي أنّ المراد هو رفع الحظر فهو أمر آخر خارج عن البحث.

المبحث التاسع: المرّة و التكرار

إذا دلّ الدليل علي أنّ المولي يطلب الفعل مرّة واحدة كقوله سبحانه: (للّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ البَيتِ) (آل عمران/97)، أو دلّ الدليل علي لزوم التكرار كقوله سبحانه: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكمُ الشَّهْرَ فَلْيصُمْهُ) (البقرة/185) فيتبعُ مدلوله.

و أمّا إذا لم يتبين واحد من الأمرين، فهل تدل علي المرّة أو علي التكرار أو لا تدل علي واحد منهما؟

الحقّ هو الثالث، لأنّ الدليل إمّا هو هيئة الأمر أو مادته، فالهيئة وضعت لنفس البعث و المادّة وضعت لصرف الطبيعة، فليس هناك ما يدل علي المرّة و التكرار و استفادتهما من اللفظ بحاجة إلي دليل آخر.

المبحث العاشر: في الفور و التراخي

اختلف الأُصوليون في دلالة هيئة الأمر علي الفور أو التراخي إلي أقوال:

1. انّها تدلّ علي الفور.

2. انّها تدلّ علي التراخي.

3. انّها لا تدلّ علي واحد منهما.

و الحقّ هو القول الثالث لما تقدّم في المرّة و التكرار من أنّ الهيئة وضعت للبعث، و المادة وضعت لصرف الطبيعة، فليس هناك في صميم الأمر ما يدلّ علي واحد منهما.

(65)

فمقتضي الإطلاق اللفظي عدم تقيد المتعلّق بالفور و التراخي.

استدل القائل بالفور بآيتين:

1. قوله سبحانه: (وَ سارِعُوا إِلي مَغْفِرَة مِنْ رَبِّكمْ وَ جَنَّة عَرْضُهَا السَّمواتُ وَ الأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقين) (آل عمران/133).

وجه الاستدلال: انّ المغفرة فعل للّه تعالي، فلا معني لمسارعة العبد

إليها، فيكون المراد هو المسارعة إلي أسباب المغفرة و منها فعل المأمور به.

يلاحظ عليه: بأنّ أسباب المغفرة لا تنحصر بالواجبات إذ المستحبات أيضاً من أسبابها و عندئذ لا يمكن أن يكون الاستباق واجباً مع كون أصل العمل مستحباً.

2. قوله سبحانه: (وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَعَلَكمْ أُمَّةً واحِدَةً و لكن لِيبْلُوَكمْ فِي ما آتاكمْ فَاسْتَبِقُوا الخَيرات) (المائدة/48).

فظاهر الآية وجوب الاستباق نحوَ الخير و الإتيان بالفرائض الذي هو من أوضح مصاديقه فوراً.

يلاحظ عليه: أنّ مفاد الآية بعث العباد نحوَ العمل بالخير بأن يتسابق كلّ علي الآخر مثل قوله سبحانه: (وَاسْتَبَقا الباب) (يوسف/25) و لا صلة للآية بوجوب مبادرة كلّ مكلّف إلي ما وجب عليه و إن لم يكن في مظنة السبق.

الفصل الثالث: في الإجزاء، و فيه مباحث

الفصل الثالث: في الإجزاء، و فيه مباحث

المبحث الأوّل: إطاعة أمر المولي علي الوجه المطلوب

الإجزاء مصدر أجزأ بمعني أغني و المقصود في المقام هو أنّ المكلّف إذا امتثل ما أمر به مولاه علي الوجه المطلوب أي جامعاً لما هو معتبر فيه من الأجزاء أو الشرائط يعدّ ممتثلاً لذلك الأمر و مسقطاً له من دون حاجة إلي امتثال ثان.

دليل ذلك: انّ الهيئة تدلّ علي البعث أو الطلب و المادة تدل علي الطبيعة و هي توجد به وجود فرد واحد، فإذا امتثل المكلّف ما أمر به بإيجاد مصداق واحد منه فقد امتثل ما أمر به و لا يبقي لبقاء الأمر بعد الامتثال وجه.

إذ لو بقي فانّما هو لأحد الوجوه الاتية و كلّها مخدوشة:

أ. أن يكون المطلوب متعدداً و هو خلف، لأنّ المطلوب هو الطبيعة و هي توجد به وجود فرد واحد.

ب. عدم حصول الغرض و هو أيضاً خلف، لأنّ المفروض أنّ الإتيان بالمأمور به محصّل للغرض و إلاّ لما

أمر به و المفروض أنّه أتي به.

ج. بقاء الأمر مع حصول الغرض و هذا أيضاً باطل لاستلزامه الإرادة الجزافية و المفروض أنّ المولي حكيم.

د. أو لجواز تبديل امتثال بامتثال آخر، كما إذا صلّي فرادي و أراد إعادته

(67)

بالجماعة.

و يلاحظ عليه: مضافاً إلي أنّ جواز التبديل غير عدم كون الامتثال الأوّل مجزئاً، انّ تجويزه في التعبديات يحتاج إلي دليل لئلاّ يلزم التشريع فانّ إعادة الصلاة الواحدة و عدّها جزءاً من الشريعة يحتاج إلي ورود الدليل و إلاّ يكون تشريعاً إذا أفتي المجتهد بذلك و بدعة إذ دعا الناس إليه و الكلام فيما لا دليل علي الإعادة و تبديل الامتثال. نعم لا إشكال في تبديله في التوصليات، لعدم شرطية اسناد العمل إلي اللّه في صحّتها كما مرّ فلو أمر المولي بإحضار الماء فأحضره، فله أن يبدله بامتثال آخر و إحضار ماء ثان أفضل منه.

المبحث الثاني: إجزاء الأمر الواقعي الاضطراري عن الاختياري

الصلوات اليومية واجبة بالطهارة المائية قال سبحانه: (يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكمْ وَ أَيديكمْ إِلَي المَرافِقِ …). (1)

و ربما يكون المكلّف غير واجد للماء فجُعِلت الطهارة الترابية مكان الطهارة المائية لأجل الاضطرار، قال سبحانه: (وَ إِنْ كنْتُمْ مَرضي أَو عَلي سَفَر أَوْ جاءَأَحَدٌ مِنْكمْ مِنَ الغائِطِ اوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيمَّمُوا صَعِيداً طَيباً). (2)

فالصلاة بالطهارة المائية فرد اختياري و الأمر به أمر واقعي أوّلي، كما أنّ الصلاة بالطهارة الترابية فرد اضطراري و الأمر به أمر واقعي ثانوي، فيقع الكلام في أنّ المكلّف إذا امتثل المأمور به في حال الاضطرار علي الوجه المطلوب، فهل يوجب امتثالُه سقوطَ الأمر الواقعي الأوّلي بمعني أنّه لو تمكن من الماء بعد إقامة الصلاة بالتيمم، لا تجب

عليه الإعادة و لا القضاء، أو لا يوجب؟ أمّا سقوط أمر نفسه فهو داخل في المبحث السابق و قد علمت أنّ امتثال أمر كلّ شيء

1. المائدة/6.

2. المائدة/6.

(68)

مسقط له.

ثمّ إنّ للمسألة صورتين:

تارة يكون العذر غيرَ مستوعب، كما إذا كان المكلّف فاقداً للماء في بعض أجزاء الوقت فصلّي متيمّماً ثمّ صار واجداً له.

و أُخري يكون العذر مستوعباً، كما إذا كان فاقداً للماء في جميع الوقت فصلّي متيمّماً، ثمّ ارتفع العذر بعد خروج الوقت.

فالكلام في القسم الأوّل في وجوب الإعادة في الوقت و القضاء خارجه، كما أنّ الكلام في الثاني في وجوب القضاء.

إنّ القول بالإجزاء أي عدم الإعادة في الوقت و القضاء خارجه يتوقف علي وجود الإطلاق في دليل البدل الاضطراري بأن يكون المتكلم في مقام البيان لما يجب علي المكلّف عند الاضطرار، فلم يذكر إلاّ الإتيان بالفرد الاضطراري من دون إيعاز إلي شيء آخر بعد رفع العذر، فمثلاً:

انّ ظاهر قوله سبحانه: (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيمّمُوا صَعِيداً طَيباً) (المائدة/6)، و قوله صلَّي الله عليه و آله و سلَّم: «يا أباذر يكفيك الصعيد عشر سنين». (1) و قوله عليه السَّلام في رواية أُخري: «إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد فقد فعل أحد الطهورين». (2) هو الإجزاء و عدم وجوب الإعادة و القضاء، و إلاّ لوجب عليه البيان فلابدّ في إيجاب الإتيان به ثانياً من دلالة دليل بالخصوص.

هذا كلّه إذا كان دليل البدل (آية التيمم) في مقام البيان و مفيداً للإجزاء بحكم الإطلاق.

و أمّا إذا كان دليل البدل مجملاً و لم يكن هناك دليل اجتهادي، فتصل النوبة إلي الأُصول العملية و الأصل العملي في المقام هو البراءة من إيجاب الإعادة

1. الوسائل: ج 2، الباب 14 من أبواب التيمم، الحديث 12 و

15.

2. الوسائل: ج 2، الباب 14 من أبواب التيمم، الحديث 12 و 15.

(69)

و القضاء.

و مثل التيمم امتثال الواجب علي وجه التقية، كما إذا صلّي تقية فغسل الرجلين مكان المسح و سجد علي غير ما يصحّ عليه السجود، ثمّ ارتفع الاضطرار من غير فرق بين كون العذر مستوعباً أو غير مستوعب، فمقتضي إطلاق دليل البدل هو كفاية ما أتي به و عدم لزوم الإعادة و القضاء، إذ لو كانا واجبين لأمر بهما.

روي زرارة، عن أبي جعفر عليه السَّلام أنّه قال: «التقية في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه». (1)

و مثله قوله صلَّي الله عليه و آله و سلَّم: «رفع عن أُمّتي تسعة …» و عُدَّ منها الاضطرار. (2)

ولو افترضنا عدم الإطلاق في دليل البدل و كونه ساكتاً عن الإعادة و القضاء، فمقتضي الأصل هو البراءة. (3)

فقد خرجنا بالنتائج التالية:

1. انّ امتثال كلّ أمر سواء كان واقعياً أوّلياً أو ثانوياً موجب لسقوط نفسه.

2. انّ امتثال كلّ أمر واقعي ثانوي موجب لسقوط الأمر الواقعي الأوّلي إذا كان في دليل البدل إطلاق، فلو ارتفع العذر في الوقت أو خارجه، لا تجب الإعادة، و لا القضاء.

3. إذا لم يكن لدليل البدل إطلاق، فمقتضي الأصل العملي هو البراءة،

1. الوسائل: ج 11، الباب 25 من أبواب الأمر بالمعروف، الحديث 2.

2. رواه الصدوق في الخصال بسند صحيح في باب التسعة، ص 417، الحديث 1، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «قال رسول اللّه صلَّي اللّه عليه و آله و سلَّم رفع عن أُمّتي تسعة: الخطأ و النسيان، و ما أُكرهوا عليه و مالا يعلمون و ما لا يطيقون و ما اضطرّوا إليه و الحسد و الطيرة و التفكر في

الوسوسة في الخلق مالم ينطق بشفة».

3. هذا كلّه فيما إذا لم يكن لدليل المبدل الصلاة بالطهارة المائية إطلاق و إلاّفيكون الاشتغال محكماً و التفصيل موكول إلي دراساتعليا.

(70)

لأنّ الشك في أصل التكليف.

المبحث الثالث: في إجزاء الأمر الظاهري عن الأمر الواقعي

الكلام في إجزاء امتثال الأمر الظاهري عن امتثال الأمر الواقعي يتوقف علي توضيح الأمر الظاهري أوّلاً، ثمّ البحث عن الإجزاء ثانياً.

ينقسم الحكم عند الأُصوليين إلي واقعي و ظاهري.

أمّا الواقعي: فهو الحكم الثابت للشيء بما هوهو أي من غير لحاظ كون المكلّف جاهلاً بالواقع أو شاكاً فيه، كوجوب الصلاة و الصوم و الزكاة و غيرهما من الأحكام القطعية.

و أمّا الحكم الظاهري، فهو الحكم الثابت للشيء عند الجهل بالحكم الواقعي و هذا كالأحكام الثابتة بالأمارات و الأُصول. (1)

أمّا الأمارة: فهي الدليل المعتبر، لأجل كونها كاشفة عن الواقع كشفاً ظنّياً كخبر الواحد.

و أمّا الأُصول: فهي ما ينتهي إليها المجتهد عند عدم الأمارة، كأصل البراءة و الاحتياط و التخيير و الاستصحاب، لا لأجل كونها كاشفة و لو نسبياً عن الواقع بل لكونها وظيفة عملية في هذا الظرف.

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في أنّ العمل بالأمارة أو الأُصول هل يقتضي الإجزاء عن امتثال الأمر الواقعي أو لا؟

فمثلاً إذا دلّ الخبر الواحد علي كفاية التسبيحة الواحدة في الركعتين الأخيرتين، أو دلّ علي عدم وجوب السورة الكاملة، أو عدم وجوب الجلوس بعد

1. ما ذكر في المتن أحد الاصطلاحين في الحكم الظاهري و ربما يخصُّ الظاهري بالحكم الثابت بالأُصول العملية، و يعطف الحكم الثابت بالأمارات، إلي الحكم الواقعي.

(71)

السجدة الثانية، فطُبِّق العمل علي وفق الأمارة ثمّ تبين خطؤها، فهل يجزي عن الإعادة في الوقت و القضاء خارجه أو لا؟

أو إذا صلّي في ثوب مستصحب الطهارة ثمّ

تبين أنّه نجس، فهل يجزي عن الإعادة في الوقت و القضاء بعده أو لا؟ (1) ففيه أقوال:

الأوّل: الإجزاء مطلقاً من غير فرق بين كون الامتثال بالأمارة أو الأصل و هو خيرة القدماء و السيد المحقّق البروجردي و هو المختار.

الثاني: التفصيل بين الامتثال بالأمارة و الامتثال بالأصل، فيجزي الثاني دون الأوّل و هو مختار المحقّق الخراساني. ففيما إذا صلّي في ثوب مستصحب الطهارة ثمّ بان خلافها لا يعيد الصلاة بخلاف ما إذا اعتمد في عمله علي الأمارة و صلّي بتسبيحة واحدة ثمّ بان الخلاف، فيعيد الصلاة أو يقضيها.

الثالث: عدم الإجزاء مطلقاً و هو مختار المحقّق النائيني.

و قبل إيضاح دليل القول المختار نشير إلي محلّ النزاع و هو ما إذا قامت الأمارة أو الأصل علي كيفية امتثال المأمور به من كفاية التسبيحة الواحدة ثمّ ظهر خلافها، أو طهارة الثوب الذي صلّي به، فيقع الكلام حينئذ في إجزاء امتثال الأمر الظاهري المستفاد من الأمارة، أو الأصل عن الأمر الواقعي (التسبيحات الثلاث أو الصلاة بالثوب الطاهر الواقعي) و عدمه.

و أمّا إذا قاما علي أصل التكليف (لا علي كيفيته) كما إذا قام الدليل أمارة كان أو أصلاً علي وجوب صلاة الظهر و تبين انّ الواجب هو الجمعة، فهذا خارج عن محل النزاع و قد اتفق الأُصوليون علي عدم الإجزاء و لم يعلم فيه مخالف.

1. الفرق بين المثالين انّ الشبهة في المثال الأوّل حكمية و المجهول حكم الشارع، و في الثاني موضوعية و المجهول هو المصداق أوالموضوع الخارجي.

(72)

إذا اتضح ذلك، فاعلم أنّ الدليل علي الإجزاء هي الملازمة العرفية بين الأمر بتطبيق العمل علي ما تفرضه الأمارة و الأصل و الإجزاء عند ظهور الخلاف.

بيان الملازمة: إذا أمر المولي عبده بأن يهيئ له

دواءً ليتعافي من مرضه و أمره بالرجوع إلي صيدلي ماهر، فعين له كمية الدواء و كيفيته و نوعية الأجزاء المركبة له، فاتّبع العبد إرشادات الصيدلي الذي جعل قوله حجّة في هذا الباب، ثمّ بان خطأ الصيدلي في ذلك، فالعرف يعدُّ العبد ممتثلاً لأمر مولاه و يري عمله مسقطاً للتكليف، من دون إيجابه بالقيام مجدَّداً بتحضير الدواء.

و مثله ما إذا أمر عبده ببناء دار و أمره بالرجوع إلي مهندس متخصص و معمار ماهر و اتبع العبد أوامره فبني الدار، ثمّ بان خطأ المهندس أو المعمار، فإنّ العبد يعدّ معذوراً و العمل مجزئاً.

سؤال: انّ العبد و إن كان معذوراً لعدم تقصيره في القيام بالمأمور به، بل التقصير يرجع إلي الأمارة التي أمر المولي بتطبيق العمل علي و فقها، لكن غرض المولي بعدُ لم يستوفَ، فتجب الإعادة و القضاء لذلك.

جوابه: انّه لو علم العبد أنّ غرض المولي بعدُ لم يستوف لزم عليه تجديد العمل، كما إذا أمر بإحضار الماء للتوضؤ، فأتي به ثمّ تلف، لكن الكلام فيما إذا لم يعلم ذلك و احتمل اجتزاء المولي بما أتي به العبد من العمل غير التام لما في إيجاب الإعادة و القضاء من الحرج الذي يوجب رغبة الناس عن الدين، و عدم إقبالهم عليه و مع هذا الاحتمال لا تجب الإعادة و لا القضاء و لا يجب علي المكلّف تحصيل الغرض المحتمل.

تنبيه: في تبدّل القطع

لو قطع المكلّف بشيء ثمّ بان خلافه من غير فرق بين تعلّق قطعه بكيفية

(73)

العمل أو أصله، فلا ينبغي الشك في عدم الإجزاء و ذلك لأنّه لم يكن هناك أمر من المولي بالمقطوع به حتي يستدل بالملازمة علي الإجزاء إذ القطع حجّة عقلية و الآمر بتطبيق العمل علي

وفقه هو العقل لا الشرع و من جانب آخر لم يستوفَ غرض المولي، فهو بعد باق، فلا وجه للإجزاء.

الفصل الرابع: في مقدّمة الواجب، و فيه أمور

الفصل الرابع: في مقدّمة الواجب، و فيه أمور

مقدّمة الواجب

تعريف المقدّمة: «ما يتوصل بها إلي شيء آخر علي وجه لولاها لما أمكن تحصيله» من غير فرق بين كون المقدّمة منحصرة، أو غير منحصرة، غاية الأمر أنّها لو كانت منحصرة لانحصر رفع الاستحالة بها و إن كانت غير منحصرة لانحصر رفع الاستحالة في الإتيان بها أو بغيرها و قد وقع الخلاف في وجوب مقدمة الواجب و قبل الدخول في صلب الموضوع نقدّم أُموراً:

الأمر الأول: هل النزاع في الوجوب العقلي أو الوجوب الشرعي؟

الأمر الأول: هل النزاع في الوجوب العقلي أو الوجوب الشرعي؟

هل النزاع في وجوب المقدّمة في حكم العقل بلزوم الإتيان بها، أو في حكم الشرع به وراء حكمه بوجوب ذيها؟ و إليك البيان:

أما الأوّل: فالمراد منه حكم العقل بأنّ الوصول إلي المقصود رهن الإتيان بالمقدّمة و هذا النوع من الوجوب الذي نعبّر عنه «باللابدية العقلية» ممّا لا يختلف فيه اثنان و خارج عن محط النزاع.

أمّا الثاني: فالمراد منه انّ العقل بفضل الملازمة بين الوجوبين في ذهن الآمر الشارع، يكشف عن إيجاب المقدّمة شرعاً كإيجاب ذيها، فهناك وجوبان شرعيان مختلفان تعلق أحدهما بذي المقدّمة و الثاني بالمقدّمة، وأحد الوجوبين لفظي و الآخر مُستَكشَف عن طريق العقل.

و مبني القول (وجوب المقدّمة و عدم وجوبها) وجود الملازمة بين الوجوبين

(75)

أو بين الإرادتين و عدمه، فمن قال بأنّ البعث إلي شيء يلازم البعث إلي مقدّمته و إن لم يصرح الباعث بالثاني، فقد قال بوجوب المقدّمة شرعاً.

و من أنكر هذه الملازمة و أنّه لا ملازمة بين طلب الشيء و إيجابه، و بين إيجاب مقدّمته،

فقد أنكر وجوب المقدّمة.

و لو قلنا به وجود الملازمة و بالتالي بوجوب المقدّمة، يكون الفرق بين الوجوبين أنّ أحدهما نفسي و الآخر غيري، مطلوب لغيره.

الأمر الثاني: تقسيمات المقدّمة

للمقدّمة تقسيمات مختلفة:

الأوّل: تقسيمها إلي داخلية و خارجية.

المقدّمة الداخلية: و هي جزء الواجب المركب، أو كلّ ما يتوقف عليها الواجب و ليس لها وجود مستقل خارج عن وجود الواجب كالصلاة فانّ كلّ جزء منها مقدّمة داخلية باعتبار أنّ المركب متوقّف في وجوده علي أجزائه، فكلّ جزء في نفسه مقدّمة لوجود المركب و إنّما سمّيت داخلية لأنّ الجزء داخل في قوام المركب، فالحمد أو الركوع بالنسبة إلي الصلاة مقدّمة داخلية.

المقدّمة الخارجية: و هي كلّ ما يتوقف عليه الواجب و له وجود مستقل خارج عن وجود الواجب، كالوضوء بالنسبة إلي الصلاة.

الثاني: تقسيمها إلي عقلية و شرعية و عادية

المقدّمة العقلية: ما يكون توقّف ذي المقدّمة عليه عقلاً، كتوقف الحج علي قطع المسافة.

المقدّمة الشرعية: ما يكون توقّف ذي المقدّمة عليه شرعاً، كتوقّف الصلاة علي الطهارة.

(76)

المقدّمة العادية: ما يكون توقّف ذي المقدّمة عليه عادة، كتوقّف الصعود إلي السطح علي نصب السلَّم.

الأمر الثالث: تقسيمها إلي مقدّمة الوجود و الصحّة و الوجوب و العلم

و الملاك في هذا التقسيم غير الملاك في التقسيمين الماضيين، فانّ الملاك في التقسيم الأوّل هو تقسيم المقدّمة بلحاظ نفسها و في الثاني تقسيمها بلحاظ حاكمها و هو إمّا العقل أو الشرع أو العادة و في التقسيم الثالث تقسيمها باعتبار ذيها كما سيوافيك.

مقدّمة الوجود: هي ما توقف وجود ذيها عليها كتوقف المسبب علي سببه.

مقدّمة الصحّة: هي ما تتوقف صحّة ذي المقدّمة عليها كتوقف صحّة العقد الفضولي علي إجازة المالك.

مقدّمة الوجوب: هي ما يتوقف وجوب ذيها عليها كتوقف وجوب الحجّ علي الاستطاعة.

مقدّمة العلم:

هي ما يتوقّف العلم بتحقّق ذيها عليها، كتوقّف العلم بالصلاة إلي القبلة، علي الصلاة إلي الجهات الأربع.

و النزاع في وجوب المقدّمة و عدمه إنّما هو في القسمين الأوّلين أي مقدّمة الوجود و الصحّة و أمّا مقدّمة الوجوب فهو خارج عن محطّ النزاع، لأنّها لولا المقدّمة لما وصف الواجب بالوجوب، فكيف تجب المقدّمة بالوجوب الناشئ من قبل الواجب، المشروط وجوبه بها؟

و إن شئت قلت: إنّ الغاية من إيجاب المقدّمة هو البعث إلي تحصيلها و إيجادها، هذا من جانب و من جانب آخر، لا يوصف ذو المقدّمة بالوجوب إلاّ بعد حصول مقدّمته الوجوبية و تحقّقها في الخارج و معه (أي مع حصول المقدّمة الوجوبية) لا حاجة للبعث إلي تحصيل المقدّمة، لأنّها تحصيل للحاصل.

(77)

و أمّا المقدّمة العلمية فلا شك في خروجها عن محطّ النزاع، فإنّها واجبة عقلاً لا غير، و لو ورد في الشرع الأمر بالصلاة إلي الجهات الأربع، فهو إرشاد إلي حكم العقل.

الأمر الرابع: تقسيمها إلي السبب و الشرط و المُعدّ و المانع

و ملاك هذا التقسيم هو اختلاف كيفية تأثير كلّ في ذيها و الجميع داخل تحت المقدّمة الوجودية غير أنّ تأثير كلّ يغاير نحو تأثير الآخر و إليك تعاريفها.

السبب: ما يكون منه وجود المسبب و يتوقّف وجوده عليه و هذا ما يطلق عليه المقتضي و ربما يعرف بأنّه ما يلزم من وجوده وجود المسبب و من عدمه عدمه و لكن التعريف الثاني يلازم العلة التامة مع أنّ السبب جزء العلة، فالتعريف الأوّل هو الأصحّ. و علي أية حال فالدلوك سبب لوجوب الصلاة، و شغل ذمة المكلّف بها لقوله سبحانه: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوك الشَّمْسِ إِلي غَسَقِ اللَّيل) (الإسراء/ 78).

الشرط: ما يكون مصححاً إمّا لفاعلية الفاعل، أو لقابلية

القابل و هذا كمجاورة النار للقطن، أو كجفاف الحطب شرط احتراقه بالنار. و مثاله الشرعي كون الطهارة شرطاً لصحّة الصلاة، و الاستطاعة المالية شرطاً لوجوب الحج.

المُعِدّ: ما يقرّب المعلول إلي العلّة كارتقاء السلّم، فإنّ الصعود إلي كلّ درجة، معدّللصعود إلي الدرجة الأُخري.

المانع: ما يكون وجوده مانعاً عن تأثير المقتضي، كالقتل حيث جعله الشارع مانعاً من الميراث، و الحدث مانعاً من صحّة الصلاة.

و ربّما يقال: المانع ما يعتبر عدمه في تأثير المقتضي، و الأولي أن يقال: ما يكون وجوده مضاداً و مزاحماً للمعلول، فربما عُبر عن هذه المضادة بأنّ عدمه شرط و هو لا يخلو عن مسامحة.

الأمر الخامس: تقسيمها إلي مفوِّتة و غير مفوِّتة

المقدّمة المفوّتة: عبارة عن المقدّمة التي يحكم العقل بوجوب الإتيان بها قبل وجوب ذيها علي وجه لو لم يأت بها قبله لما تمكن من الإتيان بالواجب في وقته، كقطع المسافة للحجّ قبل حلول أيامه بناء علي تأخر وجوب الحجّ إلي أن يحين وقته، فبما أنّ ترك قطع المسافة في وقته يوجب فوت الواجب، يعبّر عنه بالمقدّمة المفوّتة.

و مثله الاغتسال عن الجنابة للصوم قبل الفجر، فإنّ الصوم يجب بطلوع الفجر و لكن يلزم الإتيان بالغسل قبله و إلاّ لفسد الصوم و يكون تركه مفوِّتاً للواجب. (1)

الأمرالسادس: تقسيمها إلي مقدّمة عبادية و غيرها

1. و هناك سؤال: و هو انّه إذا كان وجوبُ المقدّمة علي القول بوجوبها مترشحاً من وجوب ذيها، فكيف يمكن القول بوجوب المقدّمة المفوّتة في ظرفها مع عدم وجوب ذيها؟ و هذا كالمثالين السابقين فإنّ لازم وجوب المقدّمة هناك هو تقدّم وجوبها علي وجوب ذيها حيث يجب قطع المسافة قبل حلول أيام الحجّ مع عدم وجوب الحجّ قبل أيامه و مثله الاغتسال قبل

الفجر.

و الجواب بوجهين:

الوجه الأوّل: انّ وجوب المقدّمة المفوّتة عقلي محض لا شرعي مترشح من وجوب ذيها، فإنّ العقل يحكم بأنّه لو ترك الإتيان بالمقدّمة في ظرفها لما تمكن من الواجب في وقته، فيعاقب علي ترك الواجب في ظرفه لأجل ترك المقدّمة.

الوجه الثاني: انّ الوجوب شرعي و لكن وجوب المقدّمة وجوب تبعي لا ترشحي، فليس وجوبها مترشحاً من وجوب ذيها حتي يطلب لنفسه تقدّمَ وجوب ذيها، بل هو تبعي لوجوب أمر آخر في ظرفه الآتي و يكفي في هذا علم المولي بحدوث الوجوب الآخر في ظرفه و لا يلزم وجود المتبوع حين الحكم بوجوبها. فتُطلب المقدّمة قبل طلب ذيها.

الأمر السادس: تقسيمها إلي مقدّمة عبادية و غيرها

إنّ الغالب علي المقدّمة هي كونها أمراً غير عبادي، كتطهير الثوب للصلاة و قطع المسافة إلي الحجّ و ربما تكون عبادة، و مقدّمة لعبادة أُخري بحيث لا تقع

مقدّمة إلاّإذا وقعت علي وجه عبادي و مثالها منحصر في الطهارات الثلاث الوضوء و الغسل و التيمم فالأمر المقدّمي (وجوب المقدّمة) إنّما يتعلّق بها بما هي عبادة فلابدّ أن تكون عبادة قبل تعلّق الأمر الغيري بها فلا محيص من أن تكون عباديتها معلولة لشيء وراء الأمر الغيري بها، و لا مانع من القول بأنّها عبادات في نفسها، او إذا أُتي بها لغاية من الغايات، كقراءة القرآن و مسّه و غيرهما و عند ذاك تقع موضوعاً للأمر الغيري و إلي هذا يرجع قول القائل بأنّ الوضوء مستحب استحباباً نفسياً، واجب وجوباً غيرياً و هكذا الغسل و التيمم.

الأمر السابع: تقسيم الشرط إلي شرط التكليف و الوضع و المأموربه

قد عرفت أنّ من المقدّمات هو الشرط و لكن الشرط علي أقسام:

أ. شرط للتكليف، كالأُمور العامة مثل العقل و

البلوغ و القدرة.

ب. شرط الوضع أي ما هو شرط الصحّة، كالإجازة في بيع الفضولي إذ لولاها لما وصف العقد الصادر من الفضولي بالصحّة.

ج. شرط المأمور به كالطهارة من الحدث و الخبث.

الأقوال فيما هو الواجب من المقدّمة

لو قلنا بوجوب المقدّمة، فقد اختلفوا فيما هو الواجب إلي أقوال:

1. القول بوجوبها مطلقاً و هو المشهور.

2. التفصيل بين السبب فلا يجب و بين غيره كالشرط و عدم المانع و المعدّ فيجب.

3. عكس القول الثاني: يجب السبب دون غيره.

4. التفصيل بين الشرط الشرعي كالوضوء فلا يجب بالوجوب الغيري باعتبار انّه واجب بالوجوب النفسي لأنّ التقيد كون الصلاة عن وضوء جزء

(80)

الواجب و بين غيره فيجب بالوجوب الغيري.

5. عكس القول الرابع.

6. التفصيل بين المقدّمة الموصلة أي التي يترتب عليها الواجب بالوجوب النفسي في نفس الأمر فتجب و المقدّمة غير الموصلة فلا تجب، و هو مختار صاحب الفصول.

فلو توقف نجاة نفس محترمة علي التصرف في المغصوب، فلا يجب من باب المقدّمة إلاّ الدخول الذي يترتب عليه النتيجة و هو إنقاذ النفس المحترمة.

7. التفصيل بين ما قصد به التوصل من المقدّمات فيقع علي وصف الوجوب و بين ما لم يقصد به ذلك فلا يقع واجباً و هو مختار الشيخ الأنصاري. فلو دخل في المثال السالف الذكر لا لغاية إنقاذ النفس المحترمة، بل للتنزّه، فلا يتصف بالوجوب و إن انتهي في آخر المطاف إلي إنقاذه، كما إذا عدل عن رأيه و حاول إنقاذه.

هذه هي الأقوال المعروفة و هناك أقوال أُخري قد ذكرت في المطولات. و كلّها مبنية علي قبول الأصل و هو وجوب المقدّمة.

و المختار عندنا: عدم وجوب المقدّمة أساساً، فتصبح الأقوال المتقدّمة كالسالبة بانتفاء الموضوع، لأنّها علي فرض وجوبها و إليك بيان المختار.

وجوب المقدّمة

بين اللغوية و عدم الحاجة

إنّ الغرض من الإيجاب هو جعل الداعي في ضمير المكلّف للانبعاث نحو الفعل و الأمر المقدّمي فاقد لتلك الغاية، فهو إمّا غير باعث، أو غير محتاج إليه.

أمّا الأوّل، فهو فيما إذا لم يكن الأمر بذي المقدّمة باعثاً نحو المطلوب النفسي، فعند ذلك يكون الأمر بالمقدّمة أمراً لغواً لعدم الفائدة بالإتيان بها.

(81)

و أمّا الثاني، فهو فيما إذا كان الأمر بذيها باعثاً للمكلّف نحو المطلوب، فيكفي في بعث المكلّف نحو المقدّمة أيضاً و يكون الأمر بالمقدّمة أمراً غير محتاج إليه.

و الحاصل: أنّ الأمر المقدّمي يدور أمره بين عدم الباعثية إذا لم يكن المكلّف بصدد الإتيان بذيها، و عدم الحاجة إليه إذا كان بصدد الإتيان بذيها و إذا كان الحال كذلك فتشريع مثله قبيح لا يصدر عن الحكيم.

إذا تبين ذلك فلا حاجة في إفاضة القول في تحليل الأقوال السابقة المبنية علي وجوب المقدّمة الذي تبين خلافه و مع ذلك نشير إلي أهمّ تلك الأقوال و هي ثلاثة:

1. القول بوجوب المقدّمة مطلقاً.

2. القول بوجوب المقدّمة الموصلة.

3. القول بوجوب المقدّمة بقصد التوصل.

1. القول بوجوب المقدّمة مطلقاًً

لقد استدل علي وجوب المقدّمة مطلقاً بوجوه أمتنها ما ذكره المحقّق الخراساني قائلاً بأنّ الوجدان أقوي شاهد علي أنّ الإنسان إذا أراد شيئاًله مقدّمات، أراد تلك المقدّمات و لو التفت إليها ربما يجعلها في قالب الطلب مثله و يقول أدخل السوق و اشتر اللحم.

يلاحظ عليه: أنّه لو صحّ ما ذكره لوجب أن يكون هناك بعثان مولويان تعلّق أحدهما بالمقدّمة و الآخر بذيها و الحال انّ الوجدان يشهد علي خلافه و انّه ليس في المورد إلاّ بعث واحد و لو صدر الأمر بالمقدّمة، فهو إمّا إرشاد إلي المقدّمية كما إذا لم يعرف

المخاطب ما هي المقدّمة للمطلوب، أو تأكيد لأمر ذيها.

(82)

2. القول بوجوب المقدّمة الموصلة

استدل صاحب الفصول علي هذا القول بوجوه أمتنها هو ما يلي:

إنّ الحاكم بالملازمة بين الوجوبين هو العقل و لا يري العقل إلاّ الملازمة بين وجوب الشيء و وجوب ما يقع في طريق حصوله و سلسلة وجوده و فيما سوي ذلك لا يدرك العقل أية ملازمة بينهما.

و أجاب عنه المحقق الخراساني بأنّ العقل الحاكم بالملازمة دلّ علي وجوب مطلق المقدّمة لا خصوص ما إذا ترتب عليها الواجب لثبوت مناط الوجوب في مطلقها و عدم اختصاصه بالمقيد بذلك منها.

و حاصل كلامهما: أنّ صاحب الفصول يدّعي انّ ملاك وجوب المقدّمة هو الوصول إلي ذيها، فيختص الوجوب بالموصلة منها و يدّعي المحقّق الخراساني انّ ملاك وجوبها هو رفع الإحالة و إيجاد التمكن و هو موجود في جميعها.

و الحقّ مع صاحب الفصول علي فرض وجوب المقدّمة لأنّ الغاية تُحدِّد حكم العقل و تضيقه و ذلك لأنّ التمكن من ذي المقدّمة و إن كان غاية لوجوبها لكنّها ليست تمامها و الغاية التامة هي كون المقدّمة الممكنة موصلة لما هو المطلوب و إلاّفلو لم تكن موصلة لما أمر بها، لأنّ المفروض انّ المقدّمة ليست مطلوبة و إنّما تطلب لأجل ذيها.

وإن شئت قلت: إنّ المطلوب الذاتي هو التوصل خارجاً، دون التوقف و رفع الإحالة، فلو فرض إمكان التفكيك بينهما، لكان الملاك هو التوصل خارجاً دون التوقّف.

و بما أنّ المقدّمة في متن الواقع علي قسمين يتعلّق الوجوب بالقسم الموصل في الواقع و نفس الأمر دون غيره.

(83)

3. القول بوجوب المقدّمة بقصد التوصّل

إنّ قصد التوصّل معروض للوجوب و إنّ الواجب هو خصوص ما أُوتي به بقصد التوصّل.

و أجاب عنه المحقّق الخراساني بأنّ ملاك الوجوب

هو التوقّف و به ترتفع الاستحالة، و لا معني لأخذ مالا دخالة له في معروض الوجوب.

إلي هنا تمّ تحليل الأقوال حول وجوب المقدّمة و قد عرفت أنّ الحقّ عدم وجوبها، فلا تصل النوبة إلي هذه التفاصيل.

تطبيقات

1. إنّه علي القول بالملازمة بين الوجوبين يترتّب عليها وجوب المقدّمة في الواجبات و حرمتها في المحرمات و بذلك تكون المسألة (وجوب المقدّمة) من المسائل الأُصولية لوقوعها كبري لاستنباط حكم شرعي.

2. إذا تعلّق النذر بالواجب، فلو قلنا بوجوب المقدّمة يكفي في الامتثال الإتيان بكلّ واجب غيري و إلاّفلابدّ من الإتيان بواجب نفسي.

3. إذا أمر شخص ببناء بيت، فأتي المأمور بالمقدّمات، ثمّ انصرف الآمر، فعلي القول بأنّ الأمر بالشيء أمر بمقدّمته يصير الآمر ضامناً لها، فيجب عليه دفع أُجرة المقدّمات و إن انقطع العمل.

4. لو قلنا بوجوب المقدّمة شرعاً، يحرم أخذ الأُجرة عليها، كما إذا أخذ الأُجرة علي تطهير الثوب الذي يريد الصلاة فيه، لما تقرّر في محله من عدم جواز أخذ الأُجرة علي الواجبات.

5. لو كان لواجب واحد مقدّمات كثيرة، كالحجّ من أخذ جواز السفر و تذكرة الطائرة، يحصل الفسق بترك هذين الأمرين علي وجه لا يمكن تداركهما،

(84)

لصدق الإصرار علي الصغيرة إذا كانت مخالفة الأمر المقدّمي معصية صغيرة، و لا يتوقف حصول الفسق علي ترك ذيها.

6. إذا كانت المقدّمة أمراً عبادياً، كالطهارات الثلاث، فلو قلنا بأنّ قصد الأمر الغيري يكفي في كون الشيء عبادة، فعلي القول بوجوب المقدّمة يكفي قصد الأمر الغيري.

نعم في بعض هذه التطبيقات نظر ذكرناها في محلّها.

إكمال: في حكم مقدّمة المستحب و المكروه و الحرام

لو قلنا بوجوب مقدّمة الواجب لزم القول باستحباب مقدّمة المستحب و ذلك لوحدة البرهان، فإنّ الملاك في وجوب المقدّمة، إمّا كونها دخيلة في

تحقّق الواجب، أو موصلة إليه، فيكون الحال في مقدّمة المستحب كذلك.

إنّما الكلام في مقدّمة الحرام و المكروه، فهل المحرم و المكروه هو الجزء الأخير الذي يكون تحقّق الحرام و المكروه معه أمراً محققاً؟ أو جميع أجزاء المقدّمة من السبب و الشرط و المعد؟ وجهان و إن كان القول بحرمة الجميع أو كراهته أوجه لوحدة البرهان في الجميع دون خصوص الجزء الأخير من دون فرق بين القول بوجوب مطلق المقدّمة، أو خصوص الموصلة منها، غاية الأمر يتوقّف وصف الجميع بالوجوب علي ترتّب ذيها عليه.

الفصل الخامس: في تقسيمات الواجب

الفصل الخامس: في تقسيمات الواجب

1. تقسيم الواجب إلي مطلق و مشروط

إذا قيس وجوب الواجب إلي شيء آخر خارج عنه، فهو لا يخرج عن أحد

(86)

نحوين:

إمّا أن يكون وجوب الواجب غير متوقّف علي تحقّق ذلك الشيء، كوجوب الحجّ بالنسبة إلي قطع المسافة، فالحجّ واجب سواء قطع المسافة أو لا، غاية الأمر انّه إذا لم يقطع المسافة يكون عاصياً بترك الواجب لأجل ترك مقدّمته، فوجوبه غير متوقّف علي وجوده. نعم وجود الحجّ و إيجاده في الخارج يتوقّف علي قطع المسافة.

و من هذا القبيل نسبة وجوب الصلاة إلي الوضوء و الغسل و غيرهما، فإنّ وجوبها غير متوقّف علي وجود هذه الأُمور، فسواء تطهر أو لم يتطهر فالصلاة واجبة عليه، لكن وجودها متوقّف علي وجود تلك الشروط، توقّفَ المقيد (الصلاة متطهراً) علي وجود القيد.

و إمّا أن يكون وجوبه متوقّفاً علي تحقّق ذلك الشيء، بمعني انّه لولا حصوله لما تعلّق الوجوب بالواجب، كالاستطاعة الشرعية (1) بالنسبة إلي الحجّ، فلولاها لما تعلّق الوجوب بالحجّ.

و من هنا يعلم انّه يمكن أن يكون وجوب الواجب بالنسبة إلي شرط واجباً مطلقاً و بالنسبة إلي شرط آخر واجباً مشروطاً كوجوب الصلاة، بل عامة

التكاليف بالنسبة إلي البلوغ و القدرة و العقل، فإنّ الصبي و العاجز و المجنون غير مكلّفين بشيء و قد رفع عنهم القلم، فوجوب الصلاة مشروط بالنسبة إلي هذه الأُمور الثلاثة و لكنّه في الوقت نفسه غير مشروط بالنسبة إلي الطهارة الحدثية و الخبثية، فالصلاة واجبة سواء كان المكلّف متطهراً أم لا، غير انّه يجب علي المكلَّف تحصيل الطهارة كسائر الأجزاء و الشرائط.

و بذلك يظهر أنّ الإطلاق و الاشتراط من الأُمور النسبية، فقد يكون الوجوب بالنسبة إلي شيء مطلقاً و إلي شيء آخر مشروطاً.

1. خرجت الاستطاعة العقلية كالحج متسكعاً فلا يجب معها الحجّ.

(87)

سؤال: هل الوجوب قبل حصول الشرط فعلي أو لا؟

الجواب: انّه ليس بفعلي و ليس هنا أي بعث أو طلب فعلي بل البعث إنشائي بمعني انّه لو استطاع لوجب عليه الحجّ.

و عندئذ يطرح السؤال التالي: إذا كان وجوب الواجب مشروطاً بالنسبة إلي شيء فما فائدة إنشاء الوجوب قبل تحقّقه؟

الجواب: انّه يكفي في وجود الفائدة صيرورة الوجوب فعلياً بعد حصول الشرط بلا حاجة إلي خطاب آخر و ربما لا يكون بمقدور المولي إصدار الخطاب إليه بعد حصول الشرط.

و يمكن الجواب بنحو آخر و هو انّ السؤال (ما فائدة هذا الحكم الإنشائي) إنّما يتوجّه إلي الخطابات الشخصية و أمّا الخطابات القانونية العامة، كما هو الحال في الكتاب و السنة فلا تلزم فيها اللغوية، لأنّ المكلّفين بين واجد للشرط و فاقد له، فالخطابات فعلية في حقّ الواجدين للشرط و إنشائية في حقّ الفاقدين له و كفي هذا في مصونية الخطاب عن اللغوية.

الفرق بين تقييد الهيئة و المادة

تنقسم القيود إلي قسمين:

قسم يكون القيد راجعاً إلي مفاد الهيئة و يكون الوجوب مشروطاً به، كالاستطاعة بالنسبة إلي الحجّ، و كالأُمور العامة

بالإضافة إلي التكاليف.

و قسم يكون القيد راجعاً إلي مادة الأمر، أي ما تعلّق به الوجوب، كالصلاة في مورد الطهارة من الحدث و الخبث، فقول القائل: صلّ متطهراً يرجع إلي قوله: يجب الصلاة مع الطهارة.

و الثمرة بين القيدين واضحة، فإنّ قيد الهيئة لا يجب تحصيله، لأنّ الشارع فرض الحج عند حصول الاستطاعة، بخلاف الآخر، فإنّه يجب تحصيله، لأنّه فرض

(88)

الصلاة مطلقاً، غير أنّها لا تصحّ إلاّ بالطهارة. فالحكم في القسم الأوّل مقيد، بخلافه في الثاني فانّه مطلق.

فلو تبين بحكم التبادر أو الفهم العرفي أنّ القيد راجع إلي أحد القسمين فهو المتَّبع، و أمّا إذا دار أمره بينهما كان الكلام مجملاً ساقطاً عن الحجية فيكون المرجع حينئذ هو الأصل العملي، للضابطة المحرّرة في محلّها و هي انّه إذا لم يكن في المسألة دليل اجتهادي، فالمرجع هو الأُصول العملية الأربعة.

و بما أنّ نتيجة الشك في رجوع القيد إلي الهيئة أو المادة هو وجوب تحصيل القيد علي المعني الثاني دونه علي المعني الأوّل يكون المقام من قبيل الشك في التكليف و هو مجري البراءة كما سيأتي في محلّه.

2. تقسيم الواجب إلي منجَّز و معلّق

إنّ الواجب المشروط بعد حصول شرطه ينقلب (1) إلي واجب مطلق، كدخول الوقت بالنسبة إلي الصلاة و هذا النوع من الواجب ينقسم إلي قسمين:

الأوّل: أن يكون زمان فعلية الوجوب مقارناً لزمان فعلية الواجب.

و بعبارة أُخري، أن يكون زمان الوجوب و الواجب فعليين، كالصلاة عند دخول الوقت، فإنّ زمان الواجب (الصلاة) هو نفس زمان الوجوب، فهو الواجب المنجّز.

الثاني: أن لا يكون زمان فعلية الوجوب مقارناً لزمان فعلية الواجب، بأن يكون زمان الوجوب أوسع من زمان الواجب و ذلك كالحج بعد الاستطاعة و قبل حضور الموسم، فإذا حصلت صار

الوجوب فعلياً مع أنّ الواجب ليس بفعلي، لأنّ فعلية الواجب معلّقة علي حضور الموسم، فالوجوب فعلي و الواجب

1. أي الحكم الجزئي في مورد المكلّف الخاص و أمّا الحكم الكلّي فهو باق علي كونه مشروطاً. فلاتغفل.

(89)

استقبالي فهو الواجب المعلّق و بذلك ظهر أنّ المنجّز و المعلّق قسمان من أقسام الواجب المطلق الذي كان مشروطاً (1) و صار بعد حصول شرطه مطلقاً و هو بين منجّز يكون الوجوب و الواجب فعليين و معلَّق يكون الوجوب فعلياً و الواجب استقبالياً.

ما هو الداعي وراء هذا التقسيم

المشهور أنّ فعلية وجوب المقدّمة تتبع فعلية وجوب ذيها و مع ذلك فقد وقعت في الشريعة الإسلامية موارد توهم خلاف ذلك بمعني فعلية وجوب المقدّمة دون فعلية وجوب ذيها و هذا يستلزم انخرام القاعدة العقلية من امتناع تقدم المعلول وجوب المقدّمة، علي العلة وجوب ذيها و إليك تلك الموارد:

1. وجوب الاحتفاظ بالماء قبل الوقت إذا علم عدم تمكنه منه بعد دخول الوقت.

2. وجوب الغسل ليلة الصيام قبل الفجر.

3. وجوب تحصيل المقدّمات الوجودية قبل وقت الحج، مع عدم فعلية وجوبه إلاّ في الموسم. (2)

4. وجوب تعلّم الأحكام للبالغ، قبل مجيئ وقت الوجوب إذا ترتّب علي تركه فوت الواجب في ظرفه.

5. وجوب تعلّم الأحكام علي الصبي إذا علم عدم تمكنه منه بعد بلوغه.

كلّ ذلك يستلزم تقدّم وجوب المقدّمة و فعليتها علي وجوب ذيها و لأجل

1. نعم ربما يستعمل المنجّز في الأوسع من هذا المعني، كما إذا كان مطلقاً من أوّل الأمر، لكنّه خارج عن مصطلح صاحب الفصول الذي ينسب إليه هذا التقسيم فلاحظ.

2. ما ذكر من المثال إنّما يتمّ لو قلنا بفعلية وجوب الحجّ عند حصول الاستطاعة سواء حلّ الموسم أو لا، و أمّا لو قلنا

بأنّوجوبه مشروط بحلول الموسم فلايتم هذا المثال.

(90)

ذلك اختار كلّ مهرباً.

فقد تفصّي صاحب الفصول عن هذه الإشكالات بهذا التقسيم، و قال بأنّ هذه الموارد و أمثالها من قبيل الواجب المعلّق أي الوجوب فعلي و الواجب استقبالي و إن شئت قلت: بأنّ زمان الوجوب أوسع من زمان الواجب، فلم ينفك فعلية وجوب المقدّمة عن فعلية وجوب ذيها بل هما متقارنان.

و قد عرفت أنّ هناك مخلصاً آخر أشرنا إليه فيما سبق. (1)

3. تقسيم الواجب إلي موسّع و مضيق

ينقسم الواجب إلي مؤقّت و غير مؤقّت.

فالواجب غير المؤقت: مالا يكون للزمان فيه مدخلية و إن كان الفعل لا يخلو عن زمان (2)، كإكرام العالم و إطعام الفقير.

ثمّ إنّ غير المؤقت ينقسم بدوره إلي فوري: و هو ما لا يجوز تأخيره عن أوّل أزمنة إمكانه، كإزالة النجاسة عن المسجد و ردّالسّلام، و الأمر بالمعروف.

و غير فوري: و هو ما يجوز تأخيره عن أوّل أزمنة إمكانه، كقضاء الصلاة الفائتة، و أداء الزكاة، و الخمس.

هذا كلّه في الواجب غير المؤقّت.

و أمّا الواجب المؤقّت فهو: ما يكون للزمان فيه مدخلية و له أقسام ثلاثة:

أ. أن يكون زمان الوجوب مساوياً لزمان الواجب، كالصوم و هو المسمّي

1. حاصله أنّوجوب المقدّمة ليس مترشحاً من وجوب ذيها بل تابعٌ لوجوب ذيها، فلا مانع من تقدّم وجوب المقدّمة علي ذيها و إنّما يلزم انخرام القاعدة العقلية إذا قلنا بالأوّل دون الثاني. لاحظ التعليقة/82.

2 و كم فرق بين عدم انفكاك الفعل عن الزمان و مدخليته في الموضوع كسائر الأجزاء، و غير المؤقت من قبيل القسم الأوّل دون الثاني.

(91)

بالمضيق.

ب. أن يكون زمان الوجوب أوسع من زمان الواجب، كالصلوات اليومية و يعبّر عنه بالموسّع.

ج. أن يكون زمان الوجوب أضيق من زمان الواجب

و هو مجرّد تصور، ولكنّه محال لاستلزامه التكليف بمالا يطاق.

تتمة

هل القضاء تابع للأداء؟

إذا فات الواجب المؤقت في ظرفه من دون فرق بين كونه مضيقاً أو موسّعاً، فهل يجب الإتيان به خارج وقته أو لا؟

فعلي القول الأوّل، يقال: القضاء تابع للأداء و علي الثاني يقال: القضاء بأمر جديد و يختص محلّ النزاع فيما إذا لم يكن هناك دليل يدلّ علي أحد الطرفين، مثلاً:

إذا كان في دليل الواجب إطلاق يدل علي وجوبه خارج الوقت أيضاً بمعنيانّ للآمر مطلوبين: 1 أصل العمل داخل الوقت أو خارجه، 2 العمل في الوقت المحدّد، فإذا فات الثاني بقي مطلوبية الأوّل علي حاله، كما هو الحال في الفرائض اليومية حسب الدليل الخارجي، فلا شك حينئذ انّ القضاء تابع للأداء.

أو كان في دليل التوقيت إشارة إلي كون الوقت ركناً و أنّه يسقط وجوب الفعل بفقدان ركنه، فلا شك أنّ القضاء هناك بأمر جديد.

إنّما الكلام فيما إذا لم يكن دليل علي أحد الطرفين أي تعدّد المطلوب أو ركنية الزمان فمقتضي القاعدة سقوط الأمر المؤقّت بانقضاء وقته و عدم وجوب

(92)

الإتيان به خارج الوقت لأنّه من قبيل الشك في التكليف الزائد و الأصل البراءة.

4. تقسيم الواجب إلي أصلي و تبعي

إذا كان الوجوب مفاد خطاب مستقل و مدلولاً بالدلالة المطابقية، فالواجب أصلي سواء كان نفسياً كما في قوله سبحانه: (وَ أَقِيمُوا الصَّلاة وَ آتُوا الزَّكاة) (النور/56) أو غيرياً كما في قوله سبحانه: (يا أَيهَا الّذينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكمْ وَ أَيدِيكمْ إِلَي المَرافِقِ) (المائدة/6).

و أمّا إذا كان بيان وجوب الشيء من توابع ما قصدت إفادته، كما إذا قال: اشتر اللحم، الدال ضمناً علي وجوب المشي إلي السوق، فالواجب تبعي لم يسق الكلام إلي بيانه

إلاّ تبعاً.

هذه هي بعض التقسيمات الواردة في صدر الفصل، و أمّا التقسيمات الأُخري التي ذكرناها بعناوينها فنحن في غني عن إفاضة القول فيها لما بيناه من مفاهيمها عند البحث عن إطلاق صيغة افعل. (1)

1. تقدّم البحث إذا دار الأمر بين النفسي و الغيري و العيني و الكفائي و التعييني و التخييري و التعبدي التوصلي: ص 60 63.

الفصل السادس: في اقتضاء الأمر بالشيء، النهي عن ضد

الفصل السادس: في اقتضاء الأمر بالشيء، النهي عن ضدّه

ما هو المراد من الضد؟ و فيه مسألتان

اختلف الأُصوليون في أنّ الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضدّه أو لا؟ علي أقوال و قبل الخوض في الموضوع نقدّم تفسيراً الضدّ.

ما هو المراد من الضد؟

قسّم الأُصوليون الضدّ إلي ضدّ عام و ضدّ خاص.

و الضدّ العام: هو ترك المأمور به.

و الضد الخاص: هومطلق المعاند الوجودي.

و علي هذا تنحلُّ المسألة في عنوان البحث إلي مسألتين موضوع إحديهما الضدّ العام و موضوع الأُخري الضدّ الخاص.

فيقال في تحديد المسألة الأُولي: هل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه العام أو لا؟ مثلاً إذا قال المولي: صلّ صلاة الظهر، فهل هو نهي عن تركها؟ كأن يقول: «لاتترك الصلاة» فترك الصلاة ضدّ عام للصلاة بمعني انّه نقيض له و الأمر بها نهي عن تركها. (1)

1. كما انّ ترك الصلاة ضدّ عام لها، كذلك الصلاة أيضاً ضد عام لتركها؛ و علي هذا فالضد العام هو النقيض، و نقيض كلّ شيء إمّا رفعه أومرفوعه، فترك الصلاة رفع و الصلاة مرفوع و كلّ، نقيض للآخر و ضدّ عام له. فليكن هذا ببالك يفيدك فيما يأتي.

(94)

كما يقال في تحديد المسألة الثانية: إنّ الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضدّه الخاص أو لا؟ فإذا قال المولي: أزل النجاسة عن المسجد، فهل هي لأجل

كونها واجباً فورياً بمنزلة النهي عن كلّ فعل وجودي يعاندها، كالصلاة في المسجد؟ فكأنّه قال: أزل النجاسة و لا تصلّ في المسجد عند الابتلاء بالإزالة.

نعم علي كلا القولين (الاقتضاء و عدمه) فالصلاة غير مأموربها لسقوط أمرها بالابتلاء بالأمر الأهم المضيق.

فلنرجع إلي البحث في المسألة الأُولي، فنقول:

المسألة الأولي: الضدّ العام

إنّ للقائلين باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضدّ العام أقوالاً:

الأوّل: الاقتضاء علي نحو العينية و انّ الأمر بالشيء عين النهي عن ضدّه العام، فيدلّ الأمر عليه حينئذ بالدلالة المطابقية، فسواء قلت: صلّ أو قلت: لا تترك الصلاة، فهما بمعني واحد.

الثاني: الاقتضاء علي نحو الجزئية و انّ النهي عن الترك جزء المدلول للأمر بالشيء، لأنّ الوجوب الذي هو مدلول مطابقي للأمر ينحلُّ إلي طلب الشيء و المنع من الترك، فيكون المنع من الترك الذي هو نفس النهي عن الضدّ العام، جزءاً تحليلياً للوجوب.

الثالث: الاقتضاء علي نحو الدلالة الالتزامية، فالأمر بالشيء يلازم النهي عن الضدّ عقلاً.

و الحقّ عدم الدلالة مطلقاً و ذلك:

أمّا القول بالعينية، فلما عرفت من انّ مفاد هيئة الأمر هو بعث المكلف إلي المأمور به و النهي هو الزجر عن المنهي عنه، فكيف يكون أحدهما عين الآخر؟!

(95)

و أمّا القول بالجزئية فهو مبني علي كون مفاد هيئة الأمر هو الوجوب المنحلّ إلي طلب الفعل مع المنع من الترك و قد عرفت أنّ مفاده هو البعث إلي المأمور به، و أمّا الوجوب فهو حكم عقلي بمعني انّ بعث المولي لا يترك بلا عذر قاطع و لا صلة للوجوب بمدلول الأمر.

و أمّا القول بالدلالة الالتزامية، فهو يتصوّر علي نحوين:

الأوّل: الدلالة بنحو اللزوم البين بالمعني الأخص بأن يكون نفس تصوّر الوجوب كافياً في تصوّر المنع عن الترك.

الثاني: الدلالة بنحو اللزوم البين

بالمعني الأعم بأن يكون نفس تصور الأطراف (الأمر بالشيء و النهي عن الضدّ العام و النسبة) كافياً في التصديق بالاقتضاء.

أمّا الأوّل، فواضح الانتفاء إذ كثيراً ما يأمر الآمر و هو غافل عن الترك فضلاً عن النهي عنه.

و أمّا الثاني، فهو و إن كان بمكان من الإمكان، لكن النهي عن الضد العام علي فرض صحّته يكون نهياً مولوياً و من المعلوم عدم الحاجة إلي ذلك النهي لأنّ الأمر بالصلاة إمّا باعث للعبد نحو المأمور به أو لا، و علي كلا التقديرين لا ملاك و لا موضوع لهذا النهي المولوي فيلزم اللغوية.

المسألة الثانية: الضد الخاص

قد عرفت أنَّ المراد من الضدّ الخاصّ هو الفعل الوجودي المعاند للواجب كالصلاة بالنسبة إلي الإزالة، و مصبُّ البحث فيما إذا كان أحد الواجبين فورياً كالإزالة و الآخر موّسعاً كالصلاة، و عند التزاحم يسقط أمر الواجب الموسع لكون المضيق أهم، فيقع البحث في أنّ الأمر بإزالة النجاسة عن المسجد هل يستلزم وراء سقوط أمر الضد الخاص النهي عنه أو لا؟

(96)

وقد استدل القائلون بالملازمة بمسلكين:

الأوّل: مسلك الملازمة:

و الاستدلال مبني علي مقدّمات ثلاث:

أ. انّ الأمر بالشيء كالإزالة مستلزم للنهي عن ضده العام و هو ترك الإزالة علي القول به في البحث السابق.

ب. انّ الاشتغال بكل فعل وجودي (الضد الخاص) كالصلاة و الأكل ملازم للضد العام، كترك الإزالة حيث إنّهما يجتمعان.

ج. المتلازمان متساويان في الحكم، فإذا كان ترك الإزالة منهياً عنه حسب المقدّمة الأُولي فالضد الملازم لها كالصلاة يكون مثله في الحكم أي منهياً عنه فينتج أنّ الأمر بالشيء كالإزالة مستلزم للنهي عن الضد الخاص.

يلاحظ عليه: أوّلاً: بمنع المقدّمة الأُولي لما عرفت من أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده العام و أنّ مثل هذا

النهي المولوي أمر لغو لا يحتاج إليه.

ثانياً: بمنع المقدّمة الثالثة أي لا يجب أن يكون أحد المتلازمين محكوماً بحكم المتلازم الآخر بأن يكون ترك الإزالة حراماً و لا يكون ملازمه أعني الصلاة حراماً، بل يمكن أن لا يكون محكوماً بحكم أبداً علي القول بجوازه، و هذا كاستقبال الكعبة الملازم لاستدبار الجدي، فوجوب الاستقبال لا يلازم وجوب استدبار الجدي. نعم يجب أن لايكون الملازِم محكوماً بحكم يضادّ حكم الملازَم، كأن يكون الاستقبال واجباً و استدبار الجَدي حراماً، و في المقام أن يكون ترك الإزالة محرماً و الصلاة واجبة.

الثاني: مسلك المقدمية:

و هذا الدليل مبني أيضاً علي مقدّمات ثلاث:

1. انّ ترك الضد الخاص كالصلاة مقدّمة للمأُمور به و هي الإزالة و أداء

(97)

الدين.

2. انّ مقدّمة الواجب واجبة، فيكون ترك الصلاة واجباً بهذا الملاك.

3. انّ الأمر بالشيء و لو أمراً غيرياً كما في «اترك الصلاة مقدمة للإزالة» يقتضي النهي عن ضده العام أي نقيضه و هي الصلاة، و قد قرّر في محله أنّ نقيض الفعل هو الترك و نقيض الترك هو الفعل.

فيستنتج حرمة الصلاة عند الأمر بالإزالة.

و المهم في هذا الاستدلال هي المقدّمة الأُولي، أي جعل ترك الضد الخاص مقدّمة لفعل الضد الآخر، كترك الصلاة مقدّمة لفعل الإزالة، فلو تمّت هذه المقدّمة فهو، و إلاّ فالقياس عقيم.

استدل علي المقدّمة الأُولي بما حاصله:

إنّ توقّف الشيء كالإزالة علي ترك ضده كالصلاة ليس إلاّ من باب المضادة و المعاندة بين وجود «الإزالة» و «الصلاة» و الممانعة بينهما، و من الواضح أنّ عدم المانع (عدم الصلاة) من المقدّمات فيكون ترك الصلاة واجباً بحكم المقدّمة الأولي.

ثم تُضمُ إلي تلك المقدّمة، المقدّمتان الأخيرتان، فينتج مطلوب المستدلّ.

و نحن نناقش المقدّمة الأولي فيبطل القياس بلا حاجة إلي الكلام

في المقدّمتين الأخيرتين.

فنقول: إنّ التمانع يراد منه تارة، التمانع في الوجود، و أُخري التمانع في التأثير.

أمّا الأوّل: فالمقصود منه أنّ بين الشيئين تمانع و تزاحم فلا يجتمعان أبداً، و هذا كالبياض و السواد و الإزالة و الصلاة.

و أمّا الثاني: أعني التمانع في التأثير فيراد منه المانع من تأثير المقتضي، و هذه كالرطوبة في الحطب المانع من تأثير النار فيه.

(98)

إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ المراد من قولهم عدم المانع من مقدّمات الواجب هو المانع بالمعني الثاني أي المانع من تأثير المقتضي، فيقال إنّ عدم الرطوبة في المحلّ من أجزاء العلة التامة لاشتعال الحطب.

و أمّا التمانع بالمعني الأوّل، فلا يعدّ عدم أحد الضدين مقدّمة للضد الآخر غاية الأمر بما أنّ بين الضدين (السواد و البياض) أو (الإزالة و الصلاة) كمال المنافرة، فيكون بين أحدهما و عدم الآخر كمال الملائمة، فالعينان لا تجتمعان لوجود التنافر بينهما و أمّا وجود أحدهما مع عدم الآخر فيجتمعان دون أن يكون عدم أحدهما مقدّمة لوجود الآخر.

و بذلك ظهر وجود المغالطة في البرهان، و هو أنّ المستدل خلط بين التمانع في الوجود و التمانع في التأثير، فضرب الجميع بسهم واحد.

شبهة الكعبي في نفي المباح

نقل الأُصوليون عن الكعبي (1) القول بانتفاء المباح قائلاً: بأنّ ترك الحرام يتوقّف علي فعل واحد من أفراد المباح فيجب المباح بحكم كونه مقدّمة، و بما أنّ مقدّمة الواجب واجبة، فتكون المباحات واجبة.

و الجواب ما عرفت في تحليل الدليل السابق من أنّ بين الفعلين (الحرام و المباح) التضادّ في الوجود و المعاندة في التحقق، و لكن بين أحدهما و ترك الآخر كمال الملائمة، فهما متقارنان و متلائمان لا أنّ فعل المباح مقدّمة لترك الحرام.

و ترك الحرام مستند إمّا إلي فقد

المقتضي أو وجود المقتضي للضد الآخر و ليس مستنداً إلي وجود الضد الآخر.

فمثلاً ترك السرقة مستند إلي فقد المقتضي، كعدم الرغبة إلي ارتكاب الحرام

1. هو أبو القاسم البلخي الكعبي (273 317 ه) خرّيج مدرسة بغداد في الاعتزال.

(99)

لأجل الخوف من اللّه، أو وجود المقتضي للضدّ و هو الرغبة النفسية لتلاوة القرآن و ليس ترك السرقة مستند إلي نفس التلاوة و الأكل.

الثمرة الفقهية للمسألة:

تظهر الثمرة الفقهية للمسألة في بطلان العبادة إذا ثبت الاقتضاء، فإذا كان الضد عبادة كالصلاة، و قلنا بتعلّق النهي بها بأحد المسلكين السابقين تقع فاسدة، لأنّ النهي يقتضي الفساد، فلو اشتغل بالصلاة حين الأمر بالإزالة تقع صلاته فاسدة أو اشتغل بها، حين طلب الدائن دينه.

ثم إنّ شيخنا بهاء الدين العاملي أنكر الثمرة، و قال: إنّ الصلاة باطلة سواء قلنا باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده أم لم نقل.

أمّا علي الصورة الأُولي فلأجل النهي، و أمّا علي الصورة الثانية فلأجل سقوط الأمر بالصلاة، لأنّ الأمر بالشيء و إن لم يقتض النهي عن الضد و لكن يستلزم سقوط الأمر بالضدّ في ظرف الأمر بالإزالة لئلاّ يلزم الأمر بالضدين في وقت واحد، فنفس عدم الأمر كاف في البطلان و ان لم يتعلّق بها النهي.

فالمسألة فاقدة للثمرة علي كل حال، لأنّ الصلاة باطلة إمّا لكونها محرّمة علي القول بالاقتضاء، أو غير واجبة علي القول بإنكاره، و معني عدم وجوبها، عدم تعلّق الأمر بها (1).

1. ثم إنّ المتأخرين من الأُصوليين المنكرين للاقتضاء حاولوا إثبات الأمر بالمهم في ظرف الأمر بالأهم عن طريق الترتب علي وجه لا يلزم الأمر بالضدين في ظرف واحد، كأن يقول: «أزل النجاسة و إن عصيت فصلّ» و بالتالي ذهبوا إلي صحّة الصلاة إذا أتي بها

في ظرف الابتلاء بالأهم، و يطلب هذا البحث أي تعلّق الأمر بالضد علي نحو الترتب من الدراسات العليا.

الفصل السابع: متعلّق الأوامر

الفصل السابع: متعلّق الأوامر

هل الأوامر و النواهي تتعلّق بالطبائع أو بالأفراد؟ فنقول: المراد من الطبيعة: هو المفهوم الكلي من غير فرق بين أن يكون من الماهيات الحقيقية، كالأكل و الشرب؛ أو الماهيات المخترعة، كالصلاة و الصوم.

و المراد من الأفراد: هي الطبيعة مع اللوازم التي لا تنفك عنها لدي وجودها و لا يمكن إيجادها في الخارج منفكة عنها، فوقع النزاع في أنّ متعلّق الأمر هل هو نفس الطبيعة الصرفة بحيث لو قدر المكلّف علي الإتيان بها مجرّدة عن المشخصات الفردية لكان ممتثلاً لأوامر المولي، أو أنّ متعلّقه هو الطبيعة مع اللوازم الفردية؟

و علي ذلك فالمراد من الطبيعة هو ذات الشيء بلا ضم المشخّصات، كما أنّ المراد من الفرد ذاك الطبيعي منضماً إلي المشخّصات الفردية الكلية، فمثلاً:

إذا قال: المولي أكرم العالم، فهل متعلّق الأمر هو نفس ذلك المفهوم الكلي أي إكرام العالم أو هو مع المشخّصات الملازمة للمأُمور به، كالإكرام في زمان معين، أو مكان معين، و كون الإكرام بالضيافة، أو بإهداء هدية إلي غير ذلك من العوارض.

إذا وقفت علي معني الطبيعة و الأفراد في عنوان البحث، فنقول:

الحق أنّ الأمر يتعلّق بالطبيعة دون الفرد، لأنّ البعث و الطلب لا يتعلّقان إلاّ بما هو دخيل في الغرض و يقوم هو به، و لا يتعلّقان بما هو أوسع ممّا يقوم به الغرض

(101)

ولا بما هو أضيق منه، و ليس هو إلاّ ذات الطبيعة دون مشخّصاتها، بحيث لو أمكن للمكلّف الإتيان بذات الطبيعة بدونها لكان ممتثلاً.

و علي هذا فالطبيعة بما هي هي متعلّقة للطلب و البعث.

و بذلك يعلم أنّ متعلّق الزجر في النهي

هو نفس متعلّق الأمر أي الطبيعة.

و الحاصل: أنّ محصّل الغرض هو المحدّد لموضوع الأمر، و قد عرفت أنّ المحصّل هو نفس الطبيعة لا المشخّصات، كالزمان و المكان و سائر عوارض الطبيعة.

ثمرة المسألة:

تظهر الثمرة في باب الضمائم، كما إذا توضأ في الصيف بماء بارد و قصد القربة في أصل الوضوء لا في الضمائم، فلو قلنا بتعلّق الأمر بالطبائع لكفي وجود القربة في أصل الوضوء بالماء و إن لم يقصد القربة في الضمائم، و أمّا لو قلنا بتعلّقه مضافاً إلي الطبيعة بالأفراد أي اللوازم لبطل الوضوء لعدم قصد القربة فيها بل لأجل التبريد مثلاً.

تفسير خاطئ للفرد في المقام:

نعم ربّما يفسر احتمال تعلّق الأمر بالفرد، الفرد الخارجي أو المصداق من الطبيعة و يقال: هل الأمر يتعلّق بالمفهوم الكلي كالصلاة، أو يتعلّق بالفرد الخارجي الذي يمتثل به المكلّف.

لكنّه تفسير خاطئ، لأنّ الفرد بهذا المعني لا يتحقق إلاّ في الخارج و هو ظرف لسقوط التكليف، لا لعروضه، و البحث إنّما هو في معروض التكليف لا فيما يسقط به، بل المراد من الفرد في المقام هوالطبيعة مع العوارض و المشخّصات كما مثلنا و هما كالطبيعة من الأمور الكلية.

الفصل الثامن: نسخ الوجوب

الفصل الثامن: نسخ الوجوب

إذا نسخ الوجوب فهل يبقي الجواز أو لا؟ و لنقدم مثالاً من الكتاب العزيز.

فرض اللّه سبحانه علي المؤمنين إذا أرادوا النجوي مع النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم تقديم صدقة قال سبحانه:

(يا أيها الذينَ آمَنُوا إذا نَاجَيتُمُ الرسولَ فَقَدِّمُوا بَينَ يدَي نجواكم صَدَقَةً ذلك خَيرٌ لَكمْ و أطهر فإن لَمْ تَجِدُوا فَإنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحيم) (المجادلة /12).

فلمّا نزلت الآية كفّ كثير من الناس عن النجوي، بل كفّوا عن المسألة، فلم يناجه أحد إلاّ علي بن أبي طالب عليه

السَّلام (1)، ثم نسخت الآية بما بعدها، و قال سبحانه:

(أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَينَ يدَي نَجْواكمْ صَدَقات فَإِذ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تابَ اللّهُ عَلَيكمْ فَأَقِيمُوا الصَلاةَ وَ آتُوا الزَكاةَ وَ أَطيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ و اللّهُ خبيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (المجادلة / 13).

فوقع الكلام في بقاء جواز تقديم الصدقة إذا ناجي أحد مع الرسول صلَّي الله عليه و آله و سلَّم فهناك قولان:

الأوّل: ما اختاره العلاّمة في «التهذيب» من الدلالة علي بقاء الجواز.

الثاني: عدم الدلالة علي الجواز، بل يرجع إلي الحكم الذي كان قبل الأمر. و هو خيرة صاحب المعالم.

1. الطبرسي: مجمع البيان: 5/245 في تفسير سورة المجادلة.

(103)

استدل للقول الأوّل بأنّ المنسوخ لما دلَّ علي الوجوب، أعني قوله: (فَقَدِّمُوا بَينَ يدَي نجواكم صَدَقَةً) فقد دلَّ علي أُمور ثلاثة:

1. كون تقديم الصدقة جائزاً.

2. كونه أمراً راجحاً.

3. كونه أمراً لازماً.

و القدر المتيقّن من دليل الناسخ هو رفع خصوص الإلزام، و أمّا ما عداه كالجواز و كالرجحان فيؤخذ من دليل المنسوخ، نظيره ما إذا دل دليل علي وجوب شيء و دلّ دليل آخر علي عدم وجوبه، كما إذا ورد أكرم زيداً و ورد أيضاً لابأس بترك إكرامه فيحكم بأظهرية الدليل الثاني علي الأوّل و علي بقاء الجواز و الرجحان.

يلاحظ عليه: أنّه ليس للأمر إلاّ ظهور واحد و هو البعث نحو المأُمور به، و أمّا الوجوب فإنّما يستفاد من أمر آخر، و هو كون البعث تمام الموضوع لوجوب الطاعة و الالتزام بالعمل عند العقلاء، فإذا دلّ الناسخ علي أنّ المولي رفع اليد عن بعثه، فقد دلَّ علي رفع اليد عن مدلول المنسوخ فلا معني للالتزام ببقاء الجواز أو الرجحان إذ ليس له إلاّ ظهور واحد، لا ظهورات متعدّدة حتي يترك

المنسوخ (اللزوم) و يؤخذ بالباقي (الجواز و الرجحان).

و بعبارة أُخري: الجواز و الرجحان من لوازم البعث إلي الفعل، فإذا نسخ الملزوم فلا وجه لبقاء اللازم.

و ربّما يقاس المقام بالدليلين المتعارضين أي ما إذا دلَّ أحدهما علي الوجوب و الآخر علي عدمه، فيستكشف الجواز علي كلّ تقدير.

لكنّه قياس مع وجود الفارق، لأنّ استكشاف الجواز هناك انّما هو لاتفاق الدليلين علي الجواز، بخلاف المقام إذ لم يتفقا علي بقاء الجواز، أمّا المنسوخ فإنّ مفاده البعث و قد ارتفع، و أمّا الناسخ فإنّ مفاده منحصر في رفع الوجوب لاإثبات أمر آخر.

الفصل التاسع: في الأمر بالأمر بفعل، أمر بذلك الفعل

الفصل التاسع: في الأمر بالأمر بفعل، أمر بذلك الفعل

إذا أمر المولي فرداً ليأمر فرداً آخر بفعل، فهل الأمر الصادر من المولي أمر بذلك الفعل أيضاً أو لا؟ و لإيضاح الحال نذكر مثالاً:

إنّ الشارع أمر الأولياء ليأمروا صبيانهم بالصلاة، فعن أبي عبد اللّه عليه السَّلام بسند صحيح عن أبيه عليه السَّلام قال: «إنّا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بين خمس سنين، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بين سبع» ففي هذا الحديث أمر الإمام الأولياء بأمر صبيانهم بالصلاة.

فعندئذ يقع الكلام في أنّ أمر الإمام يتحدّد بالأمر بالأولياء، أو يتجاوز عنه إلي الأمر بالصلاة أي (1) ضاً.

فمحصّل الكلام: أنّه لا شك إنّ الصبيان مأُمورون بإقامة الصلاة إنّما الكلام في أنّهم مأُمورون من جانب الأولياء فقط، أو هم مأُمورون من جانب الشارع أيضاً.

و تظهر الثمرة في مجالين:

الأوّل: شرعية عبادات الصبيان، فلو كان الأمر بالأمر، أمراً بذلك الفعل تكون عبادات الصبيان شرعية، فيجوز الاقتداء بهم و الاكتفاء بصلواتهم و صيامهم

1. الوسائل: 3/ الباب 3، من أعداد الفرائض، الحديث 5.

(105)

عند النيابة عن الغير.

و هذا بخلاف ما إذا لم يكن أمراً بنفس ذلك الفعل

فلا تكون عباداتهم شرعية بل تصبح تمرينية، و لا تترّتب عليها الآثار السابقة.

الثاني: في صحّة البيع و لزومه فيما إذا أمر الوالد ولده الأكبر بأن يأمر ولده الأصغر ببيع متاعه، فنسي الواسطة إبلاغ أمر الوالد و اطّلع الأصغر من طريق آخر علي أمر الوالد فباع المبيع.

فإن قلنا بأنّ الأمر بالأمر بفعل، أمر بنفس ذلك الفعل يكون بيعه صحيحاً و لازماً، و إن قلنا بخلافه يكون بيعه فضولياً غير لازم.

الظاهر أنّ الأمر بالأمر بالفعل أمر بذلك أيضاً، لأنّ المتبادر في هذه الموارد تعلّق غرض المولي بنفس الفعل و كان أمر المأُمور الأوّل، طريقاً للوصول إلي نفس الفعل من دون دخالة لأمر المأُمور الأوّل.

الفصل العاشر: في الأمر بالشيء بعد الأمر به

الفصل العاشر: في الأمر بالشيء بعد الأمر به

هل الأمر بالشيء بعد الأمر به ظاهر في التأكيد أو التأسيس، فمثلاً إذا أمر المولي بشيء ثم أمر به قبل امتثال الأمر الأوّل فهل هو ظاهر في التأكيد، أو ظاهر في التأسيس؟

أقول للمسألة صور:

أ. إذا قُيدَ متعلّق الأمر الثاني بشيء يدل علي التعدّد و الكثرة كما إذا قال: صلِّ، ثم قال: صلِّ صلاة أُخري.

ب. إذا ذُكرَ لكل حكم سبب خاص، كما إذا قال: إن ظاهرت فاعتق رقبة، و إن قتلت نفساً خطأ فاعتق رقبة.

ج. أن يذكر السبب لواحد من الحكمين دون الآخر، كما إذا قال: توضأ، ثم قال: إذا بلت فتوضأ.

د. أن يكون الحكم خالياً عن ذكر السبب في كلا الأمرين.

لا إشكال انّ الأمر في الصورة الأُولي للتأسيس لا للتأكيد أوّلاً، و لا يجوز التداخل (أي امتثال كلا الواجبين بفرد واحد) ثانياً لأن الأمر الثاني صريح في التعدّد.

و أمّا الصورة الثانية، فهي كالصورة الأُولي ظاهرة في تأسيس إيجاب، وراء إيجاب آخر.

نعم يقع الكلام في إمكان التداخل

بأن يمتثل كلا الوجوبين المتعدّدين

(107)

بعتق رقبة واحدة و عدمه، و سيأتي الكلام فيه عند البحث عن تداخل المسببات في باب المفاهيم، فيختص محل البحث بالصورتين الأخيرتين.

و لعل القول بالإجمال و عدم ظهور الكلام في واحد من التأكيد و التأسيس أولي، لأنّ الهيئتين تدلاّن علي تعدّد البعث و هو أعم من التأكيد و التأسيس. و ما يقال من انّ التأسيس أولي من التأكيد، لا يثبت به الظهور العرفي.

تم الكلام في المقصد الأوّل

و الحمد للّه

المقصد الثاني: في النواهي، و فيه فصول

الفصل الأوّل: في مادة النهي و صيغته

الفصل الأوّل: في مادة النهي و صيغته

النهي في اللغة الزجر عن الشيء، قال سبحانه: (أَ رَأَيْتَ الّذي ينْهي* عَبْداً إِذا صَلّي) (العلق/910) و هو تارة يكون بالفعل و أُخري بالقول، و علي الثاني لا فرق بين أن يكون بلفظ «إفعل» نحو اجتنب كذا أو بلفظة «لا تفعل». (1)

و يعتبر فيه العلو و الاستعلاء كما مرّ في الأمر، و يتبادر من مادة النهي الحرمة بمعني لزوم الامتثال علي وفق النهي.

قال سبحانه: (وَأَخذِهمُ الرِّبا وَ قَد نُهُوا عَنْهُ) (النساء/161).

و قال تعالي: (فَلَمّا عَتَوْا عَمّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كوُنُوا قِرَدَة خاسِئين) (الأعراف/166).

و قال تبارك و تعالي: (وَما آتاكمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر/7) و قد مرّ نظير هذه المباحث في مادة الأمر فلا نطيل.

الكلام في صيغة النهي

المشهور بين الأُصوليين أنّ النهي كالأمر في الدلالة علي الطلب غير أنّ متعلّق الطلب في أحدهما هو الوجود، أعني: نفس الفعل؛ و في الآخر العدم،

1. الراغب، المفردات، ص 507.

(112)

أعني: ترك الفعل.

و لكن الحق أنّ الهيئة في الأوامر وضعت للبعث إلي الفعل، و في النواهي وضعت للزجر، لأنّ الأمر يلازم غالباً ما فيه المصلحة، و النهي يلازم غالباً ما فيه المفسدة، فالأوّل يناسبه البعث إمّا بالجوارح

كالإشارة بالرأس و اليد، أو باللفظ كالأمر به؛ و الثاني يناسبه الزجر و هو أيضاً إمّا بالاشارة باليد و الرأس، أو باللفظ، فكأنّ الأمر و النهي يقومان مقام البعث و الزجر بالأعضاء.

و علي ضوء ذلك فالأمر و النهي متّحدان من حيث المتعلّق (الطبيعة)، مختلفان من حيث الحقيقة و المبادئ و الآثار.

أمّا الاختلاف من حيث الحقيقة، فالأمر بعث إنشائي و النهي زجر كذلك.

و أمّا من حيث المبادئ فمبدأ الأمر هو التصديق بالمصلحة و الاشتياق إليها، و مبدأ النهي هو التصديق بالمفسدة و الإنزجار عنها.

و أمّا من حيث الآثار فإنّ الإتيان بمتعلّق الأمر إطاعة يوجب المثوبة، و الإتيان بمتعلّق النهي معصية توجب العقوبة.

و بذلك يظهر أنّ النزاع القائم بين الأُصوليين منذ عصور بعيدة ممّا لا موضوع له حيث إنّهم اختلفوا في أنّ متعلّق النهي هو الترك و نفس «أن لا تفعل» أو الكف، و قد عرفت أنّ المتعلّق في النهي هو نفس المتعلّق في الأمر و هو الطبيعة بما هي هي، فهما متّحدان في المتعلّق مختلفان من حيث مفاد الهيئة حيث إنّ مفادها في الأمر بعث و في الآخر زجر.

فليس لهذا البحث موضوع إذ لا دلالة للنهي بهي (1) ئته و لا بمادته علي شيء وراء ذلك حتي يبحث عنه، أعني: ترك الفعل، أو الكفّ عنه و يتردّد معناه بين الأمرين.

1. فالمتعلّق علي الأوّل عدمي، و علي الثاني (الكف) وجودي.

(113)

ظهور الصيغة في التحريم

قد علمت أنّ هيئة لا تفعل موضوعة للزجر، كما أنّ هيئة إفعل موضوعة للبعث، و أمّا الوجوب و الحرمة فليسا من مداليل الألفاظ و إنّما ينتزعان من مبادئ الأمر و النهي فلو كان البعث ناشئاً من إرادة شديدة أو كان الزجر صادراً عن كراهة كذلك

ينتزع منهما الوجوب أو الحرمة و أمّا إذا كانا ناشئين من إرادة ضعيفة أو كراهة كذلك، فينتزع منهما الندب و الكراهة.

ومع الاعتراف بانّهما ليسا من المداليل اللفظية لكن الأمر أو النهي إذا لم يقترنا بما يدل علي ضعف الإرادة أو الكراهة ينتزع منهما الوجوب و الحرمة بحكم العقل علي أن بعث المولي أو زجره لا يترك بلا امتثال، و احتمال أنّهما ناشئان من إرادة أو كراهة ضعيفة لا يعتمد عليه مالم يدل عليه دليل.

و بعبارة أُخري: العقل يلزِم بتحصيل المؤمِّن في دائرة المولوية و العبودية و لا يتحقق إلاّ بالإتيان بالفعل في الأمر و تركه في النهي.

النهي و الدلالة علي المرّة و التكرار

إنّ النهي كالأمر لا يدل علي المرة و التكرار لأنّ المادة وضعت للطبيعة الصرفة، و الهيئة وضعت للزجر، فأين الدال علي المرة و التكرار.

نعم لمّا كان المطلوب هو ترك الطبيعة المنهي عنها، و لا يحصل الترك إلاّ بترك جميع أفرادها يحكم العقل بالاجتناب عن جميع محققات الطبيعة، و هذا غير دلالة اللفظ علي التكرار.

و منه يظهر عدم دلالتها علي الفور و التراخي بنفس الدليل.

الفصل الثاني: جواز اجتماع الأمر و النهي في شيء واحد

الفصل الثاني: جواز اجتماع الأمر و النهي في شيء واحد بعنوانين

جوازاجتماع الأمر و النهي في شيء واحد بعنوانين

اختلفت كلمات الأُصوليين في جواز اجتماع الأمر و النهي علي قولين:

أ. جواز الاجتماع، و هو المنقول عن الفضل بن شاذان (ت /260 ه) و قدماء الإمامية و عليه الأشاعرة (1).

ب. امتناع الإجتماع، و هو الظاهر من المتأخّرين من أصحابنا و المعتزلة (2)، و سيوافيك تفصيل القولين.

و لإيضاح الحال نقدّم أُموراً:

الأمر الأوّل: في أنواع الاجتماع

إنّ للاجتماع أنحاء ثلاثة:

أ. الاجتماع الآمري.

ب. الاجتماع المأُموري.

ج. الاجتماع الموردي.

أمّا الأوّل: فهو عبارة عمّا إذا اتحد الآمر و الناهي

أوّلاً، و المأُمور و المنهي ثانياً

1. أتباع أبي الحسن الأشعري البصري (260 324 ه).

2. أتباع واصل بن عطاء (80 130 ه).

(115)

(المكلَّف) و المأُمور به و المنهي عنه ثالثاً (المكلَّف به) مع وحدة زمان الأمر و النهي فيكون التكليف عندئذ محالاً، كما إذا قال: صل في ساعة كذا و لا تصل فيها، و من المعلوم أنّ الإرادة الجدية لا تتعلّق بالفعل و الترك معاً في آن واحد و يعبَّر عن هذا النوع، بالاجتماع الآمري، لأنّ الآمر هو الذي حاول الجمع بين الأمر و النهي في شيء واحد.

و أمّا الثاني: فهو عبارة عمّا إذا اتحد الآمر و الناهي أوّلاً، و المأُمور و المنهي (المكلّف) ثانياً و لكن اختلف المأُمور به و المنهي عنه، كما إذا خاطب الشارع المكلّف بقوله: صل، و لا تغصب، فالمأُمور به غير المنهي عنه، و الماهيتان مختلفتان غير أنّ المكلَّف بسوء اختياره جمعهما في مورد واحد علي وجه يكون المورد مصداقاً لعنوانين و مجمعاً لهما، فيقع الكلام في جواز مثل هذا الاجتماع، كما إذا صلّي في الدار المغصوبة فيبحث عن جواز اجتماع الأمر و النهي في هذه الحالة؟

فعلي القول بالجواز يكون العمل محكوماً بحكمين.

و علي القول بالامتناع يكون محكوماً بحكم واحد، و هو أهم الحكمين إما النهي أو الأمر.

و أمّا الثالث: و هو عبارة عمّا إذا لم يكن الفعل مطابقاً لكل من العنوانين بل يكون هنا فعلان تقارنا و تجاورا في وقت واحد يكون أحدهما مطابَقاً لعنوان الواجب و ثانيهما مطابَقاً لعنوان الحرام، مثل النظر إلي الأجنبية في أثناء الصلاة، فليس النظر مطابَقاً لعنوان الصلاة و لا الصلاة مطابَقاً لعنوان النظر إلي الأجنبية و لا ينطبقان علي فعل واحد، بل المكلّف يقوم بعملين

مختلفين متقارنين في زمان واحد، كما إذا صلّي و نظر إلي الأجنبية.

الأمر الثاني: ما هو المراد من الواحد في العنوان؟

المراد من الواحد في العنوان هو الواحد وجوداً بأن يتعلّق الأمر بشيء و النهي

(116)

بشيء آخر، و لكن اتحد المتعلّقان في الوجود و التحقّق، كالصلاة المأُموربها و الغصب المنهي عنه المتحدين في الوجود عند إقامة الصلاة في الدار المغصوبة.

فخرج بقيد الاتحاد في الوجود أمران:

الأوّل: الاجتماع الموردي، كما إذا صلّي مع النظر إلي الأجنبية و ليس وجود الصلاة نفسَ النظر إلي الأجنبية، بل لكل تحقق و تشخص و وجود خاص.

الثاني: الأمر بالسجود للّه و النهي عن السجود للأوثان، فالمتعلّقان مختلفان مفهوماً و مصداقاً، خرج هذان الأمران و بقي الباقي تحت عنوان الواحد.

الأمر الثالث: هل المسألة أُصولية؟

إذا كان الملاك في المسألة الأُصولية وقوع نتيجتها كبري للاستنباط، فالمسألة أُصولية، لأنّها علي القول بالاجتماع و عدم سقوط شيء من الوجوب و الحرمة تترتّب عليها الصحّة عند القدماء مطلقاً أو مع تمشي قصد القربة عند المتأخرين.

و علي القول بامتناع الاجتماع و لزوم تقديم أحد الحكمين علي الآخر في مقام الفعلية و التأثير، فإن كان المقدّم هو الوجوب يترتب عليه صحّة الصلاة، كما أنّه إذا انعكس و صار المقدّم هي الحرمة يترتب عليه الفساد، لأنّ المنهي عنه لا يكون مقرباً كما سيوافيك تفصيله عند البحث عن اقتضاء النهي الفساد عند تعلّقه بالعبادات و علي كلّ تقدير فالمسألة أُصولية عقلية.

و بذلك يظهر أنّ المراد من الجواز في عنوان المسألة هو الجواز العقلي أي الإمكان المقابل للامتناع.

الأمر الرابع: هل النزاع كبروي أو صغروي؟

من الاصطلاحات الرائجة بين أهل المعقول تقسيم النزاع إلي كبروي و صغروي، فلو كان مصب النزاع، هو الأمر الكلي فيعبّر عنه بالنزاع الكبروي،

و لو

(117)

كان مصبُّه هو كون المورد داخلاً تحت الأمر الكلي فيعبّر عنه بالنزاع الصغروي.

و علي ضوء هذا، فإذا كان النزاع في جواز اجتماع الأمر و النهي في شيء واحد، يكون النزاع كبروياً.

و أمّا إذا كان النزاع في اجتماع الأمر و النهي في هذا المورد بالخصوص فيكون النزاع صغروياً.

إنّ تحديد النزاع في المقام بأنّه كبروي أو صغروي تابع لكيفية إقامة البرهان علي المسألة، فإنّ بعض البراهين تعرب عن كبروية النزاع، كالبحث في جواز الاجتماع و عدمه كما أنّ نتيجة بعضها الآخر تعرب عن صغروية النزاع و أنّ عدم الجواز أمر مسلّم به، و انّما الكلام في أنّ المورد (كالصلاة في الدار المغصوبة) هل هو من مصاديق تلك الضابطة أو لا؟

و ستوافيك الإشارة إلي ذلك عند عرض البراهين.

و اعلم أنّ النزاع فيما إذا كانت هناك مندوحة أي إذا تمكن من إقامة الصلاة في المكان المباح و إلاّ فلو انحصر المكان بالمغصوب يسقط النهي و يبقي الأمر فقط.

الأمر الخامس: الأقوال في المسألة

إنّ القول بجواز الاجتماع هو مذهب أكثر الأشاعرة، و الفضل بن شاذان من قدمائنا، و هو الظاهر من كلام السيد المرتضي في الذريعة و إليه ذهب فحول المتأخّرين من أصحابنا كالمحقق الأردبيلي و سلطان العلماء و المحقق الخوانساري و ولده و الفاضل المدقّق الشيرواني و السيد الفاضل صدر الدين و غيرهم، و اختاره من مشايخنا: السيد المحقّق البروجردي و السيد الإمام الخميني قدّس اللّه أسرارهم و يظهر من المحدّث الكليني رضاه بذلك حيث نقل كلام الفضل بن شاذان في كتابه و لم يعقبه بشيء من الرد و القبول، بل يظهر من كلام الفضل بن

(118)

شاذان (ت / 260 ه) انّ ذلك من مسلّمات الشيعة (1).

و أمّا القول بالامتناع،

فقد اختاره المحقّق الخراساني في الكفاية و أقام برهانه.

إذا عرفت ذلك، فلنذكر دليل القولين علي سبيل الاختصار و قد استدلوا علي القول بالجواز بوجوه نقتصر منها علي وجهين:

1. لاحظ القوانين، ج 1 ص 140.

الفصل الثالث: في أدلة القائلين بالجواز

الفصل الثالث: في أدلة القائلين بالجواز

1. ما ذكره قدماء الأُصوليين: إذا أمر المولي عبده بخياطة ثوب و نهاه عن الكون في مكان خاص، فخاطه العبد في ذلك المكان، عدّ مطيعاً لأمر مولاه، عاصياً للنهي عن الكون في ذلك المكان.

يلاحظ عليه: بأنّ القائل بالامتناع يعتبره إمّا عاصياً غير مطيع، أو مطيعاً غير عاص و تعيين أحدهما يتوقّف علي تعيين ما هو الفعلي من الحكمين.

فلو كان الحكم الفعلي هو الحرمة، فهو عاص غير مطيع. و إن كان الفعلي هو الوجوب، فهو مطيع غير عاص.

و يمكن أن يجاب عن الاستدلال بوجه آخر.

وهو أنّ متعلّق الأمر و النهي متعدّد في مقام التعلّق، و التحقّق.

أمّا الأوّل، فواضح، لأنّ مفهوم الخياطة غير مفهوم الغصب.

و أمّا الثاني، فلأنّ الخياطة لا تتحد مع الغصب، لأنّها عبارة عن إدخال الإبرة في الثوب و أمّا الغصب فهو الكون في المكان الخاص، و لكل وجود خاص به. فالمثال أشبه بالاجتماع الموردي.

2. ما استفدناه عن مشايخنا العظام (1)، و حاصله أنّه لو كان متعلّق الأمر و النهي شيئاً واحداً لكان للامتناع وجه، و أمّا إذا كان مختلفاً فلا مانع من تعلّق

1. السيد المحقّق البروجردي، و السيد الإمام الخميني رضوان اللّه عليهما، لاحظ نهاية الأُصول، و تهذيب الأُصول، تجد فيهما تفصيل مالخصناه، و هذا الدليل يعرب عن أنّ النزاع كبروي.

(120)

الأمر بحيثية و النهي بحيثية أُخري و اتّحادهما مصداقاً لا يستلزم اجتماع الأمر و النهي في شيء واحد.

توضيحه: أنّ الأمر لا يتعلّق إلاّ بما هو

الدخيل في الغرض دون ما يلازمه من الخصوصيات غير الدخيلة.

و مثله النهي لا يتعلّق إلاّ بما هو المبغوض، و فيه الملاك دون اللوازم و الخصوصيات.

و علي ضوء ذلك: فاللوازم الوجودية كاستدبار الجدي حين استقبال القبلة و المقارنات الاتفاقية للمأمور به، كالغصب بالنسبة إلي الصلاة، خارجة عن تحت الأمر، فما هو المأُمور به هو الحيثية الصلاتية و إن اقترنت مع الغصب في مقام الإيجاد، و المنهي عنه هو الحيثية الغصبية و ان اقترنت مع الصلاة في الوجود و التحقق، فالخصوصيات الملازمة أو الاتفاقية كلّها خارجة عن موضوع الأمر و النهي و لو تعلّق الأمر أو النهي بتلك الخصوصيات لكان من قبيل تعلّق الإرادة بشيء لا ملاك فيه، و ليس دخيلاً في الغرض، و هو محال علي الحكيم.

و علي هذا فالوجوب تعلّق بعنوان الصلاة و لا يسري الحكم إلي غيرها من المشخصات الاتفاقية كالغصب، كما أنّ الحرمة متعلّقة بنفس عنوان الغصب و لا تسري إلي مشخصاته الاتفاقية، أعني: الصلاة، فالحكمان ثابتان علي العنوان لا يتجاوزانه و بالتالي ليس هناك اجتماع.

و تظهر حقيقة الاستدلال بملاحظة ما سبق من أنّ الأحكام تتعلّق بالطبائع دون الأفراد، و قد أوضحنا هناك أنّ المراد من الأفراد هو الخصوصيات و المشخّصات الفردية.

سؤال

إنّ الأمر و النهي و إن كانا يتعلّقان بالعناوين و المفاهيم الكلّية كالصلاة بما هي هي مجردة عن العوارض، و كالغصب بما هو هو مجرداً عن المشخّصات، و لكن

(121)

المصحح لتعلّق الأحكام بالطبائع كونها مرآة إلي الخارج و حاكية عنه. فعلي ذلك فما هو المتعلّق للأمر و النهي هو المصداق الخارجي الذي تَمثّل فيه الصلاة و الغصب به وجود واحد، فيلزم اجتماع الأمر و النهي في شيء واحد و هو المصداق الخارجي؟

الجواب: ماذا

يراد من تعلّق التكليف بالمصداق الخارجي، فإن أُريد تعلّقه به قبل وجوده، فهو عبارة أُخري عن تعلّقه بالعنوان، لا المعنون و هو المختار و إن أُريد تعلّقه به بعده فهو محال لاستلزامه تحصيل الحاصل.

توضيحه: انّ هنا أمرين غير قابلين للإنكار:

1. انّ التكليف لا يتعلّق بالأمر الموجود قبله أو حينه، لاستلزامه طلب الحاصل، و هذا يجرّنا إلي القول بتعلّقه بالعنوان، لا المعنون.

2. انّ العنوان بما هو عنوان لا يتجاوز عن كونه مفهوماً لا يترتب عليه الأثر، و لا يلبِّي حاجة الآمر و المكلِّف، فلا محيص من القول بأنّه يتعلّق به لغاية الإيجاد و الامتثال و لكن كون الإيجاد غرضاً للتكليف لا يلازم كونه متعلِّقاً للأمر لخروج الغاية عن مصبّ التكليف. و لو افترضنا كون الإيجاد متعلّقاً له، فهو متعلّق للأمر بعنوانه الكلّي و قبل تحقّقه، لا بعده و هذا يرجع إلي كون الإيجاد بالعنوان متعلّقاً للأمر أيضاً.

فنخرج بالنتيجة التالية: انّ العنوان هو الموضوع بالذات للتكليف، و المعنون أي المصداق الخارجي موضوع بالعرض.

و السؤال مبني علي أنّ التكليف يسري من العنوان إلي المعنون، و من الطبيعة إلي المصداق فيلزم في النتيجة اجتماع الأمر و النهي في المصداق الخارجي.

كما أنّ الجواب مبني علي أنّ التكليف لا يسري من العنوان إلي المعنون، غاية الأمر انّ تطبيق المأُمور به علي الخارج يكون هو الداعي للتكليف، فالأمر يتعلّق بالعنوان و النهي يتعلّق بعنوان آخر و المصداق الخارجي غاية للتكليف، فما

(122)

هو متعلّق التكليف لم يتحد فيه العنوانان و ما اتحد فيه العنوان أي المصداق الخارجي فليس متعلّقاً له بل هو غاية له. و علي فرض كون الإيجاد جزء المكلف به، فهو بمفهومه الكلي يقع تحت دائرة الطلب لا بوجوده الخارجي.

سؤال آخر:

وهو أنّ

الأمر و إن كان متعلّقاً بنفس الطبيعة بما هي هي، و لكن مقتضي إطلاق الطبيعة هو سريان الحكم إلي جميع حالاتها التي منها اقترانها في الخارج مع الغصب، فإذا قال صل فإنّ معناه صل سواء كان هناك غصب أو لا.

أو إذا قال «لا تغصب» فإنّ معناه لا تغصب سواء كانت هناك صلاة أو لا فلازم الإطلاقين كون الفعل المعنون بالصلاة و الغصب مأُموراً به و منهياً عنه.

و بعبارة أُخري: كون الطبيعة موضوعة للحكم دون المقارنات و المشخصات لا يكفي في رفع التعارض، فإنّ للطبيعة المطلقة حالات مختلفة، فإمّا أن تكون الطبيعة محكومة بالحكم في هذه الحالات أو لا، فعلي الأوّل يلزم كون الشيء الواحد و اجباً و محرماً، و علي الثاني يلزم تقييد دليل الوجوب به غير هذه الحالات، كأن يكون معني «صل» هو صل في غير حالة الغصب و هو خلاف المفروض، لأنّ الفرض هو إطلاق الموضوع من دون تقييده بعدم الآخر.

و الجواب: انّ معني الإطلاق هو كون الطبيعة تمام الموضوع للحكم بلا مدخلية قيد آخر، فقولنا: اعتق رقبة هي أنّ الرقبة تمام الموضوع للوجوب من دون مدخلية الإيمان و الكفر و غيرهما في الموضوع. و ليس معناه أنّه موضوع للحكم مع مدخلية إحدي حالاته علي وجه التخيير حتي يكون معني قوله: إن ظاهرتَ فاعتق رقبة، هو وجوب عتق الرقبة المؤمنة، أو الكافرة العادلة، أو الفاسقة، أو العالمة، أو الجاهلة بحيث يكون لكل واحد من هذه القيود مدخلية في الحكم، و لذلك قالوا: «الإطلاق رفض القيود لا الجمع بين القيود».

و علي ضوء ذلك يظهر جواب السؤال، فإنّ الحكم و إن كان ثابتاً في جميع

(123)

الحالات لكن الموضوع للوجوب هو الحيثية الصلاتية، و أمّا الحيثية الغصبية

فإنما هي حالة من حالات الصلاة لا أنّها قيد من قيودها حتي يسري الحكم (الوجوب) من موضوعه إلي تلك الحالة المحرمة.

وإن شئت قلت: معني الإطلاق الذاتي للمادة هو كون الصلاة مأُموراً بها حتي في زمان التصادق لكن المأُمور به هو نفس الحيثية الصلاتية ذات المصلحة، المتعلّقة للإرادة، كما أنّ المنهي عنه، هو نفس الحيثية الغصبية ذات المفسدة المنهي عنها.

وقد عرفت أنّ الحكم لا يتجاوز عن موضوعه إلي مقارنه، فالوجوب يبقي علي عنوان الصلاتية في جميع الحالات الّتي منها اقترانها مع الغصب، كما أنّ الحرمة تبقي علي عنوان الغصب كذلك، فالمولي يبعث إلي الأوّل و يزجر عن الثاني و في وسع المكلّف تفكيك أحد الحكمين في مقام الامتثال عن الآخر، ولكنه بسوء اختياره جمع بين الموضوعين، فهو مطيع من جانب و عاص من جانب آخر.

و حصيلة الجواب: إنّ كون الصلاة واجبة في حالة التقارن مع الغصب غير كون الغصب متعلّقاً للوجوب، أو كون الغصب محرّماً حتي في صورة التقارن مع الصلاة غير كون الصلاة متعلّقة للحرمة.

و الذي يؤيد جواز الاجتماع هو عدم ورود نص علي عدم جواز الصلاة في المغصوب و بطلانها مع عموم الابتلاء به، فإنّ ابتلاء الناس بالأموال المغصوبة في زمان الدولتين الأُموية و العباسية لم يكن أقل من زماننا خصوصاً مع القول بحرمة ما كانوا يغنمونه من الغنائم في تلك الأزمان، حيث إنّ الجهاد الابتدائي حرام بلا إذن الإمام عليه السَّلام علي القول المشهور، فكل الغنائم ملك لمقام إمامته، و مع ذلك لم يصلنا نهي في ذلك المورد، و لو كان لوصل، و المنقول عن ابن شاذان هو الجواز، و هذا يكشف عن صحة اجتماع الأمر و النهي إذا كان المتعلّقان متصادقين علي

عنوان واحد.

(124)

الفصل الرابع: في أدلة القائلين بالامتناع

الفصل الرابع: في أدلة القائلين بالامتناع

استدل القائل بالامتناع بوجوه أتقنها و أوجزها ما أفاده المحقّق الخراساني بترتيب مقدّمات نذكر المهم منها:

أ. تضاد الأحكام بعضها مع بعض.

ب. انّ متعلّق الأحكام هي الأفعال الخارجية.

أمّا المقدّمة الأُولي: فتوضيحها انّ الأحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها و بلوغها إلي مرتبة البعث و الزجر، ضرورة ثبوت المنافاة و المعاندة التامة بين البعث في زمان، و الزجر عنه في ذلك الزمان، فاستحالة اجتماع الأمر و النهي في زمان واحد من قبيل التكليف المحال، أي يمتنع ظهور إرادتين جديتين مختلفتين في ذهن الآمر.

و أمّا المقدّمة الثانية: فتوضيحها أنّ متعلّق الأحكام هو فعل المكلّف و ما يصدر عنه في الخارج لا ما هو اسمه و عنوانه، و إنّما يؤخذ العنوان في متعلّق الأحكام للإشارة إلي مصاديقها و أفرادها الحقيقية.

ثم استنتج و قال: إنّ المجمع حيث كان واحداً وجوداً و ذاتاً يكون تعلّق الأمر و النهي به محالاً و إن كان التعلّق به بعنوانين لما عرفت من أنّ الموضوع الواقعي للتكليف هو فعل المكلّف بحقيقته و واقعيته لا عناوينه و أسمائه.

يلاحظ علي ذلك: أنّ الدليل بعد تسليم المقدّمة الأُولي هو ما عرفت من أنّ

(125)

الموضوع للتكاليف ليس هو الهوية الخارجية، لأنّه يستحيل أن يتعلّق البعث و الزجر بها، و ذلك لأنّ التعلّق إمّا قبل تحققها في الخارج، أو بعده، فعلي الأوّل فلا موضوع حتي يتعلّق به الأحكام بل مرجع ذلك إلي تعلّق الحكم بالعناوين، و علي الثاني يلزم تحصيل الحاصل و طلب الموجود.

إن قلت: إنّ الطبيعة بما هي هي من الأُمور الذهنية التي لا تسمن و لا تغني من جوع و لا تلبّي حاجة المولي فكيف يتعلق بها الأمر؟

قلت: التكليف يتعلّق بالطبيعة بما

هي هي لغاية إيجادها في الخارج، أو لغاية الانزجار عنها فيه و إلاّ، فمن المعلوم أنّ الطبيعة بما هي هي ليست إلاّ هي لا تنفع و لا تضر.

وقد عرفت أيضاً أنّ الأمر بها لغاية الإيجاد لا يجعل وجود الطبيعة متعلَّقاً للتكليف، فالقوة المقنّنة إنّما تنظر إلي واقع الحياة عن طريق المناهج و العناوين الكلية و تبعث إليها لغاية الإيجاد أو تزجر عنها لغاية الترك فيكون المتعلّق فاقداً لكل شيء إلاّ نفسه غير أنّ الهدف من تعلّق التكليف بالطبيعة هو تجسيدها في الخارج، عند الأمر أو استمرار تركها عند النهي.

ثمرات المسألة: انّ القائل بجواز الاجتماع يذهب إلي حصول الامتثال و العصيان به عمل واحد، فهو يتحفّظ علي كلا الحكمين بلا تقديم أحدهما علي الآخر، و أما القائل بالامتناع، فهو يقدّم من الحكمين ما هو الأهم، فربما كان الأهم هو الوجوب فتكون حرمة الغصب إنشائية، و ربما ينعكس فيكون الترك أهم من الإتيان بالواجب.

و علي ضوء هذا تظهر الثمرة في الصور التالية:

أ. حصول الامتثال مطلقاً علي القول بالاجتماع:

إنّ القائل بجواز الاجتماع يحكم بحصول الامتثال في المقام، عبادياً كان

(126)

العمل أو توصلياً و أنّ الفاعل امتثل بحيثية و عصي بحيثية أُخري.

و بالجملة علي القول بجواز اجتماع الأمر و النهي ليس هنا إلاّ صورة واحدة، و هي حصول الامتثال مطلقاً.

أقول: هذا هو المشهور بين أصحابنا، و لكن حصول الامتثال في التوصليات ممّا لا غبار عليه، و أمّا التعبديات فحصول الامتثال لا يخلو من غموض، لأنّ المأُمور به و إن كان هو الطبيعة، لكن الامتثال إنّما هو بإيجادها مع قصد التقرّب حين العمل و هو أمر مشكل في المقام إذ كيف يتقرب بالعمل الذي يعدّ مبغوضاً للمولي و خروجاً عن رسم

العبودية وزي الرقية؟ و لأجل ذلك ينحصر حصول الامتثال في التوصليات دون التعبديات.

لكن يمكن أن يقال انّه لا مانع من أن يتقرب بالمأتي به من حيثية دون حيثية، و إن كان المحبوب و المبغوض موجودين به وجود واحد، كما إذا مسح رأس اليتيم في الدار المغصوبة، أو أطعمه فيها لأجل رضاه سبحانه، فيكون متقرّباً من جهة و عاصياً من جهة أُخري، و هكذا الأمر في المقام.

ب. القول بالامتناع و تقديم جانب الأمر:

قد عرفت انّه ليس علي القول بالاجتماع إلاّ صورة واحدة، و أمّا علي القول بالامتناع فله صور مختلفة، فتارة يقدَّم الأمر علي النهي و يقال: بأنّ الحكم الفعلي هو الوجوب، كما إذا لم يتمكن من الصلاة في الوقت إلاّ في المكان المغصوب فيحكم بالصحة لكونها مصداقاً للمأُمور به دون المنهي عنه، و أُخري يقدّم النهي علي الوجوب و هو الذي سيأتيك بيانه في الفقرات التالية.

ج. القول بالامتناع و تقديم جانب النهي مع الجهل بالحرمة قصوراً:

إذا قيل بالامتناع مقدِّماً جانب النهي علي الأمر، و لكن إذا كان المكلّف جاهلاً بالحرمة جهلاً مع القصور فيمكن الحكم بالصحة، لأنّ الحرمة حينئذ منفية

(127)

بحديث الرفع الحاكم برفع ما لا يعلمون و ليس العمل مصداقاً للتمرد و الطغيان، و الأمر و إن كان مرتفعاً حسب الفرض (تقديم الحرمة علي الأمر) لكن يكفي التقرب بالملاك و هو كون العمل في هذه الحالة محبوباً للمولي.

د. القول بالامتناع و تقديم جانب النهي مع الجهل التقصيري:

إذا قيل بالامتناع مقدِّماً جانب النهي و كان الفاعل جاهلاً بالحرمة عن تقصير فالحكم هو البطلان و ذلك لأنّ الصحة معلول أحد شيئين: إمّا الأمر و هو مفروض الانتفاء لتقديم جانب النهي علي الأمر و إمّا الملاك، و هو

غير معلوم الثبوت للفرق بين العمل الصادر عن جهل قصوري للفاعل، و العمل الصادر عن جهل تقصيري له أو غير موجود لأنّ احرازه فرع الأمر و المفروض عدمه.

و منه يعلم حال الناسي المقصِّر، فلا يحكم بصحة صلاته إذا جهل بالغصب أو نسيه عن تقصير.

ه. القول بالامتناع و تقديم جانب النهي مع العلم بالحرمة:

إذا قيل بالامتناع مقدِّماً جانب النهي و كان الفاعل عالماً بالحرمة لا جاهلاً و لا ناسياً فالحكم هو البطلان، لأنّ الصحّة رهن أحد شيئين: إمّا الأمر و هو مفروض الانتفاء، و إمّا الملاك و هو غير معلوم، لأنّ الفاعل بعمله هذا متمرّد و خارج عن رسم العبودية.

هذا تمام الكلام في جواز الاجتماع و عدمه.

الفصل الخامس: في اقتضاء النهي في العبادات للفساد

الفصل الخامس: في اقتضاء النهي في العبادات للفساد

في اقتضاء النهي في العبادات للفساد

هذه المسألة من المسائل المهمة في علم الأُصول التي يترتب عليها استنباط مسائل فقهية كثيرة و لإ يضاح عنوان البحث نقدم أُموراً:

الأوّل: انّ عنوان البحث بين المتأخرين هو ما عرفته (من اقتضاء النهي …) و لكن عنوانه بين القدماء هو «دلالة النهي علي الفساد» و لعلّ التعبير الأوّل ناظر إلي أنّ الدلالة عقلية و أنّ هناك ملازمة بين تعلّق النهي بالعبادة و فسادها.

كما أنّ التعبير الثاني ناظر إلي أنّ الدلالة لفظية، و المسألة من مسائل مباحث الألفاظ.

و يمكن إرجاع التعبيرين إلي أمر واحد و هو أنّ مقصود القدماء من الدلالة في العنوان هي الدلالة الالتزامية و هي من الدلالات العقلية عند غير المنطقيين لا اللفظية، فيكون مرجع التعبيرين واحداً حيث إنّ القائل بأنّ النهي يدلّ علي الفساد لا يعني كون الفساد مدلولاً مطابقياً أو تضمنياً للنهي و انّما يعني به الدلالة الالتزامية و هو نفس القول به

وجود الملازمة بين النهي عن الشيء و فساده.

الثاني: انّ الفرق بين هذه المسألة و المسألة السابقة أعني: مسألة اجتماع الأمر و النهي واضح لوجهين:

1. انّ المسألتين مختلفتان موضوعاً و محمولاً فلا قدر مشترك بينهما حتي تُبحث في الجهة المائزة، لأنّ عنوان البحث في المسألة السابقة هو:

هل يجوز تعلّق الأمر و النهي بشيئين مختلفين في مقام التعلّق، و متحدين في

(129)

مقام الإيجاد أو لا؟ كما أنّ عنوان البحث في هذا المقام هو:

هل هناك ملازمة بين النهي عن العبادة و فسادها أو لا؟

فالمسألتان مختلفتان موضوعاً و محمولاً، و مع هذا الاختلاف، فالبحث عن الجهة المائزة ساقط.

2. انّ المسألة السابقة تبتني علي وجود الأمر و النهي، و لكن هذه المسألة تبتني علي وجود النهي فقط سواء أكان هناك أمر كما في باب العبادات، أم لا كما في باب المعاملات، فوجود الأمر في المسألة السابقة يعدُّ من مقوماتها دون هذه المسألة.

الثالث: انّ النهي ينقسم إلي تحريمي و تنزيهي، و إلي نفسي و غيري، و إلي مولوي و إرشادي. (1)

و الظاهر دخول الجميع تحت عنوان البحث نعم قيل انّ في دخول الغيري وجهين:

1. لو قلنا بأنّ الفساد يدور حول وجود المفسدة في نفس العمل فيختص

1. يقسم الأمر إلي مولوي و إرشادي: و المراد من المولوي هو البعث الحقيقي نحو إيجاد الطبيعة لمصلحة فيها علي وجه يترتب علي امتثاله الثواب، و هذا كغالب الأوامر الواردة في الكتاب و السنّة، و يسمي مولوياً لأنّ البعث يصدر من المولي إعمالاً لمولويته دون فرق بين كون البعث و جوبياً أو ندبياً.

و المراد من الإرشادي هو البعث الصادر من المولي بلسان النصح و الهداية علي وجه لا يترتب علي امتثاله شيء سوي الوصول إلي مصلحة الفعل

المرشد إليه، و يسمي إرشادياً لأنّ البعث صدر من المولي بعنوان النصح و الهداية لا إعمالاً للمولوية. مثلاً إذا أمر المولي و قال: صل و حجّ أو قال صل نافلة الليل، فكلا الأمرين مولويان غير انّ الأوّلين للوجوب و الأخير للاستحباب.

ثمّ إذا قال المولي بلسان الإرشاد «أطع ما أمرتك به» فالأمر الثاني أمر إرشادي لا يترتب عليه شيء سوي ما يترتب علي موافقة القسم الأوّل من الأوامر و مخالفته، فلو صلي و حجّ أو صلي صلاة الليل لا يستحق ثوابين كما انّه لو عصي و لم يصل و لم يصم فلا يعاقب بعقابين.

و بهذا يتبين معني تقسيم النهي أيضاً إلي مولوي و إرشادي فلا نطيل.

(130)

البحث بالنهي النفسي دون الغيري، لأنّ المفسدة إنّما تكمن في المنهي بالنهي النفسي، و أمّا المنهي بالنهي الغيري فليست فيه أية مفسدة سوي كونه مقدّمة لما فيه المفسدة.

2 و لو قلنا بأنّ الفساد يدور حول مطلوبية العمل و عدمها، فيدخل الغيري فيه أيضاً، لأنّ المنهي بالنهي الغيري ليس مطلوباً للمولي.

وإن شئت قلت: إنّ الفساد يدور مدار كون العمل مُبْعِداً عن المولي، و هو في حال كونه مُبْعِداً لا يكون مقرِّباً، فالمنهي بالنهي الغيري مبعِد بلا شك و إلاّ لما تعلّق به النهي.

و الظاهر شمول العنوان للجميع، لكن لقائل أن يختار في مقام التحقيق عدم اقتضاء النهي الغيري بل التنزيهي أيضاً للفساد، ولكنه لا يكون دليلاً علي اختصاص البحث في الكتب الأُصولية بغيرهما.

الرابع: المقصود من العبادة في عنوان البحث ما لا يسقط أمرها علي فرض تعلّقه بها إلاّ إذا أتي بها علي وجه قربي، فخرجت التوصليات من التعريف، لأنّها أُمور يسقط أمرها و لو لم يأتِ بها كذلك.

الخامس: قد عرفت (1) انّ

المراد من الصحة في العبادات هو كون المأتي به مطابقاً للمأُمور به أو ما يسقط الإعادة و القضاء، كما أنّ المراد منها في المعاملات ما يترتب عليها الأثر المطلوب منها كالملكية في البيع و الزوجية في النكاح.

إذا عرفت ذلك فلندخل في صلب الموضوع، فنقول:

إنّ النهي المتعلّق بالعبادات علي أقسام:

1. أن يكون النهي المتعلّق بها، نهياً مولوياً تحريمياً.

2. أن يكون النهي المتعلّق بها نهياً مولوياً تنزيهياً.

1. عند البحث عن وضع أسماء العبادات للصحيح أو للأعم، ص 38.

(131)

3. أن يكون النهي المتعلّق بها، نهياً إرشادياً إلي الفساد.

4. أن يدور أمره بين كونه مولوياً أو إرشادياً.

و إليك البحث عن كل واحد منها:

القسم الأوّل: في النهي المولوي المتعلّق بنفس العبادة:

و هذا يتصوّر علي أنحاء:

أ. أن يتعلّق النهي بنفس العبادة.

ب. أن يتعلّق بجزء العبادة.

ج. أن يتعلّق بشرطها الخارج عنها.

د. أن يتعلّق بوصفها الملازم لها.

ه. أن يتعلّق بوصفها المفارق عنها.

و إليك بيان أحكامها:

أ. إذا تعلّق النهي التحريمي النفسي بنفس العبادة، فلا شك في اقتضائه للفساد، كما في قوله صلَّي الله عليه و آله و سلَّم: «دعي الصلاة أيام أقرائك» (1) لأنّ الصحة بمعني مطابقة المأتي به للمأُمور و مع تعلّق النهي بنفس العبادة لا يتعلّق بها الأمر لاستلزامه اجتماع الأمر و النهي في متعلّق واحد، فلا يصدق كون المأتي به مطابقاً للمأُمور به لعدم الأمر، و بالتالي لا يكون مسقطاً للإعادة و القضاء.

و بعبارة أُخري: انّ الصحة إمّا لأجل وجود الأمر، أو لوجود الملاك (المحبوبية) وكلا الأمرين منتفيان، أمّا الأوّل فلامتناع اجتماع الأمر و النهي في شيء واحد تحت عنوان واحد، و أمّا الثاني فلأنّ النهي التحريمي يكشف عن المبغوضية فلا يكون المبغوض مقرّباً.

1. المتقي الهندي: كنز العمال: 6/42 و 262.

(132)

و

هذه هي الضابطة في دلالة النهي علي الفساد و عدمها، ففي كل مورد لا يجتمع ملاك النهي (المبغوضية) مع ملاك الصحّة (الأمر أو الملاك و المحبوبية) يحكم عليها بالفساد (1).

ب. إذا تعلّق النهي التحريمي النفسي بجزء العبادة، كالنهي عن قراءة سور العزائم في الصلاة، فلا شك في أنّه يقتضي فساد الجزء، لأنّ النهي يكشف عن المبغوضية و المبغوض لا يكون مقرباً.

نعم فساد الجزء لا يؤثر علي فساد الكل إلاّ إذا اقتصر علي ذلك الجزء المبغوض، و إلاّ فلو أتي بفرد آخر من ذلك الجزء غير منهي عنه يكون الكل محققاً، كما إذا قرأ سورة أُخري من غير العزائم.

ما ذكرناه هي الضابطة الكلية، و لكن ربما يكون الإتيان بفرد آخر موجباً للفساد، لأجل طروء عنوان آخر و هو استلزامه زيادة في الصلاة المكتوبة أو استلزامه القِرانَ بين السورتين، و لكن الفساد من هذه الجهة غير مطروح في هذا المقام.

ج. اذا تعلّق النهي التحريمي النفسي بشرط العبادة كما في النهي عن الطهارات الثلاث، فلا شك أنّه يستلزم الفساد للدليل المذكور في القسم الثاني، فإنّ النهي المُبْعِد عن اللّه و المثير لسخطه سبحانه لا يمكن التقرّب به.

هذا كلّه إذا كان الشرط عبادة كما في الطهارات الثلاث.

و أمّا إذا كان الشرط المنهي عنه أمراً توصلياً كالستر في الصلاة فلو تستر بالحرير، فهل يكشف عن بطلان الشرط و بالتالي عن بطلان المشروط أو لا؟

1. و أمّا إذا لم تكن صحة الشيء رهن الأمر أو المحبوبية بل دائراً مدار كونه جامعاً للأجزاء و الشرائط كما في باب المعاملات فلا يكشف ملاك النهي أعني: المبغوضية عن الفساد و بذلك (أي عدم تأثير المبغوضية) يفترق باب المعاملات عن العبادات حيث لا يحكم علي

المعاملات بالفساد مع تعلّق النهي النفسي بها كما سيوافيك.

(133)

الظاهر هو الأوّل، لأنّ الستر و إن لم يكن جزء الصلاة و لكن التستر جزء لها، فإذا تعلّق به النهي يكشف عن كون التستر بهذا النحو مبغوضاً لا يمكن التقرب به فيحكم عليه بالفساد.

د. إذا تعلّق النهي التحريمي النفسي بالوصف الملازم كالجهر بالنسبة إلي القراءة، و المراد من الملازم هو أن لا يكون للوصف وجود مغاير للموصوف حيث إنّ الجهر من خصوصيات القراءة و كيفياتها.

فالظاهر اقتضاؤه للفساد لاستحالة كون القراءة التي يجهر بها، مقرِّبة مع أنّ الجهر بها منهياً عنه فعلاً، و المنهي عنه لا يمكن التقرّب به.

ه. إذا تعلّق النهي التحريمي النفسي بالوصف المفارق و إن كان متحداً مع العبادة، كالغصبية يجري فيه ما ذكرناه في مسألة اجتماع الأمر و النهي.

و حاصله أنّ الصلاة تكون صحيحة في صورتين:

1. إذا قلنا بجواز الاجتماع و إمكان قصد القربة في هذه الحالة.

2. إذا قلنا بامتناع الاجتماع و قدّمنا الأمر علي النهي، فلا محالة تكون صحيحة، لعدم النهي كما هو واضح.

نعم لو قدّمنا النهي علي الأمر، فالبطلان ظاهر.

القسم الثاني: في النهي المولوي التنزيهي:

إذا كان النهي متضمّناً حكماً شرعياً تنزيهياً كأحد الأحكام الأربعة و منشأً بداعي الردع و الزجر (1)، فهو أيضاً يلازم الفساد، لاستحالة كون المبعِّد مقرّباً و إن كانت مرتبة البعد فيه أخفّ ممّا عليه في النهي التحريمي، كاختلاف مرتبة القرب في موافقة الأمر الوجوبي و الاستحبابي، لكنهما يشتركان في استحالة التقرّب، بما لا

1. جئنا بهذا التعبير تبعاً للقوم، و إلاّ فليس للنهي مفهوم سوي الزجر و الردع.

(134)

يحبّه المولي و يزجر العبد عنه و إن خالف لا يترتب عليه العقاب.

و الحاصل أنّه لو أحرز أنّ النهي متضمّن لحكم شرعي

أنشأ بداعي الردع و الزجر، لكن لا علي وجه يبغضه المولي و يعاقب عليه، بل علي وجه لا يحبه، و لا يستحسنه فهو أيضاً يلازم الفساد، لامتناع التقرب بشيء مزجور و أمر مرغوب عنه.

سؤال: لو صح ما ذكر، يلزم بطلان العبادات المكروهة، كالصلاة عند طلوع الشمس و غروبها تجنباً عن التشبه بعبدة الشمس، أو الصلاة في مرابض الخيل، و البغال، و الحمير و معاطن الإبل، أو الصلاة علي الطرق و الأرض السبخة و المالحة، أو في بيت فيه خمر أو مسكر، مع الإجماع علي صحة الصلاة إذا أتي بها المكلّف في هذه الأزمنة أو الأمكنة؟

(1) و الجواب: انّ اتفاق الأصحاب علي الصحة و ورود النصوص الدالة عليها (2)، قرينة علي أنّ النهي فيها لم يرد لبيان حكم شرعي تنزيهي، بل سيق لبيان قلّة الثواب مع صحّتها شرعاً لو أُتي بها، و بعبارة أُخري ليس النهي فيها مسوقاً لبيان الحكم التكليفي بداعي الزجر و الردع عنه، بل مسوقاً لبيان قلّة الثواب بالنسبة إلي غيرها، و لذلك تصح تلك العبادات مع الالتزام بقلّة ثوابها.

نعم لو أحرز أنّ النهي تضمّن حكماً شرعياً كراهياً أُنشأ لداعي ردع العبد عن العمل، دون أن يكون بصدد بيان أقلية الثواب، يحكم علي فساد العبادة، و إن كان المورد قليلاً.

سؤال آخر: ما هو الفرق بين المقامين حيث قلنا في المقام باقتضاء النهي المولوي الفساد مطلقاً سواء كان تحريمياً أو تنزيهياً بخلاف المقام السابق (جواز اجتماع الأمر و النهي) حيث ذهب القائل بجواز الاجتماع إلي صحة العبادة، و لم

1. الوسائل: ج 3، الباب 17 20 من أبواب مكان المصلّي.

2. الوسائل: ج 3، الباب 17 20 من أبواب مكان المصلّي.

(135)

يستشكل فيه إلاّ السيد المحقق البروجردي

(1)؟

الجواب: الفرق بين المقامين واضح، لأنّ النهي في المقام تعلّق بنفس العبادة، أو جزئها أو شرطها أو وصفها، بخلاف المقام الآخر، فقد تعلّق فيه النهي بعنوان آخر (الغصب) غير عنوان المأُمور به، أعني: الصلاة، لكن المكلّف جمع بينهما في مقام الامتثال بسوء اختياره، علي وجه كان الاجتماع «مأُمورياً» لا «آمرياً».

نعم لو قلنا بالامتناع و قدّمنا النهي دون الأمر بحيث لم يكن في الساحة إلاّ النهي، يكون المورد من مصاديق المقام، و يحكم عليها بالفساد.

القسم الثالث: في النهي الإرشادي المتعلّق بالعبادة:

إنّ النهي كالأمر، فكما أنّ الأمر ينقسم إلي مولوي و إرشادي، فكذلك النهي ينقسم إلي مولوي، كقوله سبحانه: (وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنا إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبِيلاً) (الإسراء / 32).

و إلي إرشادي كقوله سبحانه: (وَ لا تَنْكحُوا ما نَكحَ آباؤُكمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبِيلاً) (النساء / 22).

فالآية الثانية بصدد الإرشاد إلي بطلان نكاحها.

إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ النهي الإرشادي علي نحوين:

تارة يكون إرشاداً إلي الفساد، كما في قوله صلَّي الله عليه و آله و سلَّم: «دعي الصلاة أيامَ أقرائك» علي القول بانّ النهي فيه للإرشاد فإنّ معناه أيتها المكلَّفة لا تصلِّي، لأنّ الصلاة في هذه الحالة لا تكون صحيحة.

و تارة أُخري إرشاداً إلي قلّة الثواب، كما في قوله: «لا صلاة لجار المسجد إلاّ

1. فإنّه مع القول بجواز الاجتماع ذهب إلي فساد العبادة، و قد ذكرنا كلامه و ما يمكن الجواب عنه، فلاحظ.

(136)

في المسجد» (1) فإنّه بحكم الإجماع علي صحة الصلاة لو صلّي في غيره، إرشاد إلي قلّة الثواب لا الكراهة المصطلحة.

لكنك قد عرفت في صدر البحث أنّ مصب النزاع هو اقتضاء النهي المولوي، أي ما أُنشأ بداعي

الزجر و الردع، سواء أكان تحريمياً أم تنزيهياً، و أمّا النهي الإرشادي إلي الفساد أو قلّة الثواب، فخارج عن محل النزاع، لوضوح الحال فيهما، فإنّ العبادة فاسدة في الأوّل و صحيحة في الثاني بلا كلام.

القسم الرابع: إذا لم يعلم حال النهي

إذا دار أمر النهي بين كونه نهياً مولوياً أو إرشادياً (2)، فالظاهر هو الثاني، فإنّ العبادات المخترعة كالمعاجين لها أجزاء و شرائط و موانع، فكما إذا قال الطبيب: امزج المادة الفلانية في الدواء أو لاتمزجها فيه، يكون الأوّل إرشاداً إلي الجزئية، و الثانية إرشاداً إلي المانعية، فهكذا الحال إذا قال عليه السَّلام: «لا تصل في و بر ما لا يؤكل لحمه» (3) فانّه يكون ظاهراً في الإرشاد إمّا إلي المانعية المستلزمة للفساد كما هو الحال في هذه الرواية، أو إلي الكراهة و قلّة الثواب، كالنهي عن الصلاة في المواضع المكروهة.

1. الوسائل: ج 3، الباب 2 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 2.

2. فلو كان مولوياً، فهو يستلزم الفساد مطلقاً سواء كان تحريمياً أو تنزيهياً، بخلاف ما إذا كان إرشادياً، ففيه التفصيل المذكور في المتن من استلزامه الفساد إذا كان إرشاداً إلي الجزئية و المانعية، و عدمه إذا كان إرشاداً إلي قلّة الثواب.

3. الوسائل: 3، الباب 2 من أبواب لباس المصلي، الحديث 7.

الفصل السادس: في اقتضاء النهي في المعاملات للفساد

الفصل السادس: في اقتضاء النهي في المعاملات للفساد

في أقسام النهي المتعلق بالمعاملات و أحكامها

فهي علي أنحاء:

أ. إذا تعلّق النهي

تطبيقات:

لقد مضي أنّ مسألة النهي في العبادات و المعاملات من المسائل المهمة، لذا استوجب الحال بأن نستعرض تطبيقات لتلك المسائل:

1. الصلاة في خاتم الذهب:

روي عن أئمّة أهل البيت عليهم السَّلام الروايات التالية:

أ. لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلّي فيه (1).

ب. لا يصلّي الرجل و في

يده خاتم (2).

ج. لا يصلّي الرجل و في تكته مفتاح حديد (3).

قال شيخ مشايخنا العلاّمة الحائري: قد دلّت طائفة من الأخبار علي اعتبار عدم كون لباس المصلّي من الذهب للرجال، و النهي في تلك الأخبار قد تعلّق بالصلاة في الذهب، و النهي المتعلّق بالعبادة يقتضي الفساد كما حرّر في محلّه (4).

2. إذا فرَّق الزكاة بين الفقراء مع طلب الإمام:

لو طلب الإمامُ الزكاة، و لكن المالك فرّقها بين الفقراء دون أن يدفعها إلي الإمام، فهل يجزي مع النهي الصادر من الإمام أو لا؟ (5)

3. لو تضرّر باستعمال الماء:

لو تضرّر باستعمال الماء في الوضوء ينتقل فرضه إلي التيمم، فإن استعمل

1. الوسائل: ج 3، الباب 30 من أبواب لباس المصلّي، الحديث 4.

2. الوسائل: ج 3، الباب 23 من أبواب لباس المصلّي، الحديث 1 و 2.

3. الوسائل: ج 3، الباب 23 من أبواب لباس المصلّي، الحديث 1 و 2.

4. الحائري: الصلاة: 57.

5. الجواهر: 15/421.

(142)

الماء و حاله هذا فهل يبطل الوضوء أو لا؟ (1)

4. التيمّم بالتراب أو الحجر المغصوبين:

إذا تيمّم بالتراب أو بالحجر المغصوبينأي الممنوع من التصرف فيه شرعاً، فهل يفسد تيمّمه أولا؟ (2)

5. الاكتفاء بالأذان المنهي عنه:

إذا تغنَّي بالأذان، أو أذّنت المرأة متخضعة، أو أذّن في المسجد و هو جنب، فهل يصح الأذان منهم و يكتفي به أو لا؟ (3)

6. حرمة الاستمرار في الصلاة:

إذا وجب قطع الصلاة لأجل صيانة النفس و المال المحترمين من الغرق و الحرق، و مع ذلك استمرَّ في الصلاة فهل تبطل صلاته أو لا؟ (4)

7. النهي عن التكفير في الصلاة:

قد ورد النهي عن التكفير في الصلاة أي قبض اليد اليسري باليمني كما ورد النهي عن إقامة النوافل جماعة في ليالي شهر رمضان (صلاة التراويح) فهل

تبطل الصلاة أو لا؟

8. صوم يوم الشك بنية رمضان:

إذا صام آخر يوم من شهر شعبان بنية رمضان، فهل يصح صومه أو لا؟ (5)

1. الجواهر: 5/111.

2. الجواهر: 5/135.

3. الجواهر: 9/53 59

4. الجواهر: 11/123.

5. الجواهر: 12/328.

(143)

9. القِران بين الحج و العمرة:

لو قارن بين الحج و العمرة بنية واحدة، فهل يبطل عمله لأجل النهي عن القِران كما لو نوي صلاتين بنية واحدة أو لا؟ (1)

10. شرط اللزوم في المضاربة:

إذا شرط اللزوم في المضاربة، فهل تبطل المضاربة للنهي عن شرط اللزوم المنكشف عن طريق الإجماع أو لا؟ (2)

تمّ الكلام في المقصد الثاني

و الحمد للّه

1. الجواهر: 17/207.

2. مباني العروة الوثقي، كتاب المضاربة، ص 13.

المقصد الثالث: في المفاهيم و فيه أُمور و فصول

أُمور

الأمر الأوّل: تعريف المفهوم و المنطوق:

إنّ مداليل الجمل علي قسمين:

قسم يصفه العرف بأنّ المتكلّم نطق به، و قسم يفهم من كلامه و لكن لا يوصف بأنّ المتكلّم نطق به، و لأجل اختلاف المدلولين في الظهور و الخفاء ليس للمتكلّم إنكار المدلول الأوّل بخلاف المدلول الثاني، فإذا قال المتكلّم، إذا جاءك زيد فأكرمه فإنّ هنا مدلولين.

أحدهما: وجوب الإكرام عند المجيء، و هذا مما نطق به المتكلّم و ليس له الفرار منه، و لا إنكاره.

و الآخر: عدم وجوب الإكرام عند عدم المجيء، و هذا يفهم من الكلام و بإمكان المتكلّم التخلّص عنه بنحو من الأنحاء.

فالأوّل مدلول منطوقي، و الثاني مدلول مفهومي.

و ربما يعدّان من أوصاف الدلالة و يقال: دلالة منطوقية و دلالة مفهومية، و لكن الإطلاق من باب التوسع و المجاز، و لعل ما ذكرناه هو مراد الحاجبي من تعريفه للمنطوق و المفهوم بقوله:

المنطوق: ما دلَّ عليه اللفظ في محل النطق.

و المفهوم: ما دلَّ عليه اللفظ في غير محل النطق (1).

1. الحاجبي: منتهي السؤل و الأمل: 147، و اختصره المؤلف و اشتهر بالمختصر

الحاجبي و شرحه العضدي، و كلاهما مطبوعان.

(146)

وما فسرنا به كلام الحاجبي أولي ممّا فسره العضدي في كتابه المعروف ب «شرح المختصر» فلاحظ (1).

فخرجنا بهذه النتيجة: انّ ما دل عليه اللفظ في حد ذاته علي وجه يكون اللفظ حاملاً لذلك المعني و قالباً له فهو منطوق (تسمية للمدلول باسم الدال).

وما دل عليه اللفظ علي وجه لم يكن اللفظ حاملاً و قالباً للمعني و لكن دل عليه باعتبار من الاعتبارات فهو مفهوم.

الأمر الثاني: تقسيم المدلول المنطوقي إلي صريح و غير صريح
اشاره

تنقسم المداليل المنطوقية إلي قسمين: صريح و غير صريح. فالصريح، هو المدلول المطابقي؛ و أمّا غير الصريح، فهو المدلول التضمني و الالتزامي.

ثم إنّ الالتزامي علي ثلاثة أقسام:

أ. المدلول عليه بدلالة الاقتضاء.

ب. المدلول عليه بدلالة التنبيه و الإيماء.

ج. المدلول عليه بدلالة الإشارة.

الأوّل

أمّا الأوّل فهو ما يتوقف عليه صدق الكلام أو صحته عقلاً أو شرعاً، كقولهصلَّي اللّه عليه و آله و سلَّم: «رفع عن أُمتي تسعة الخطأ و النسيان» فإنّ المراد رفع المؤاخذة عنها و إلاّ كان الكلام كاذباً.

و قوله تعالي: (واسْئَلِ القريةَ التي كنّا فِيها) (يوسف / 82) فلو لم يقدَّر الأهل لما صحَّ الكلام عقلاً.

و قول القائل: اعتق عبدك عنّي علي ألف، فإنّ معناه ملِّكه لي علي ألف ثم

1. المحصول في علم الأُصول، الجزء الثاني قسم المنطوق و المفهوم.

(147)

اعتقه، إذ لا يصح العتق شرعاً إلاّ في ملك.

الثاني

و أمّا الثاني، فهو ما لا يتوقف عليه صدق الكلام و لا صحته عقلاً و شرعاً، و لكن كان مقترناً بشيء لو لم يكن ذلك الشيء علة له، لبعد الاقتران و فُقِد الربطُ بين الجملتين فيفهم منه التعليل فالمدلول، هو علّية ذلك الشيء، لحكم الشارع كقوله صلَّي الله عليه و آله و سلَّم: «اعتق رقبة» بعد قول الأعرابي: هلكت و أهلكت، وقعت علي أهلي في يوم من شهر رمضان. (1)

فيعلم من ذلك أنّ الوقاع علّة لوجوب الكفارة عليه، و هذا يسمي مدلولاً بدلالة التنبيه و الإيماء في مقابل المنصوص عليه كما إذا قال: «إذا واقعت فكفِّر» فالوقوع هنا علة منصوصة. كما هو في الحديث علة مؤمي إليها.

الثالث

و أمّا الثالث، فهو لازم الكلام و ان لم يكن المتكلّم قاصداً له مثل دلالة قوله سبحانه: (وحَمْلُهُ و فصالُهُ ثلاثُونَ شهراً) (الأحقاف / 15) إذا انضم إلي قوله تعالي: (والوالِداتُ يرضِعْن أولادَهُنَّ حولينِ كامِلَين) (البقرة / 233) علي كون أقل الحمل ستة أشهر، فإنّ المقصود في الآية الأُولي بيان ما تتحمّله الأُم من آلام و مشاقّ و في الثانية بيان أكثر مدة الرضاع، غير أنّ لازم هذين المدلولين مدلول ثالث، و هو أنّ أقل الحمل ستة أشهر

الأمر الثالث: النزاع في باب المفاهيم صغروي

إنّ النزاع في باب المفاهيم صغروي لا كبروي و أنّ مدار البحث هو أنّه هل للقضايا الشرطية مفهوم أو لا؟

و أمّا علي فرض الدلالة و الانفهام العرفي فلا إشكال في حجيته.

و بعبارة أُخري: النزاع في أصل ظهور الجملة في المفهوم و عدم ظهورها،

1. السنن الكبري: 5 / 186.

(148)

فمعني النزاع في مفهوم الجملة الشرطية (إذا سلَّم أكرمه) هو أنّ الجملة الشرطية مع قطع النظر عن القرائن الخاصة هل تدل علي انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط، و هل هي ظاهرة في ذلك أو لا؟

و أمّا بعد ثبوت دلالتها علي المفهوم أو ظهورها فيه فلا نزاع في حجيته، و من خلال هذا البيان يظهر وجود التسامح في قولهم مفهوم الشرط حجة أو لا، فإنّ ظاهره أنّ وجود المفهوم مفروغ عنه و انّما الكلام في حجيته، مع أنّ حقيقة النزاع في وجود أصل المفهوم.

الأمر الرابع: تقسيم المفهوم إلي مخالف و موافق

إنّ الحكم المدلول عليه عن طريق المفهوم إذا كان موافقاً في السنخ للحكم الموجود في المنطوق فهو مفهوم موافق، كما في قوله سبحانه: (فَلا تَقُل لَهُما أُفّ) (الإسراء/23) فحرمة التأفيف تدل بالأولوية علي حرمة الشتم و ربما يسمّي لحن الخطاب.

و أمّا لو كان الحكم في المفهوم مخالفاً في السنخ لحكم الموجود في المنطوق فهو مفهوم مخالف و هو الشايع.

الأمر الخامس: الشرط المسوق لتحقّق الموضوع

إنّ النزاع في وجود المفهوم في القضايا الشرطية إنّما هو فيما إذا عُدَّ القيد شيئاً زائداً علي الموضوع و تكون الجملة مشتملة علي موضوع، و محمول، و شرط، فيقع النزاع حينئذ في دلالة القضية الشرطية علي انتفاء المحمول عن الموضوع، عند انتفاء الشرط و عدمها مثل قوله عليه السَّلام: «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجِّسه شيء» فهناك موضوع و هو الماء، و محمول و هو العاصمية (لم ينجسه) و شيء آخر باسم الشرط،

(149)

أعني: الكرية، فعند انتفاء الشرط يبقي الموضوع (الماء) بحاله بخلاف القضايا التي يعد الشرط فيها محقّقاً للموضوع من دون تفكيك بين الشرط و الموضوع بل يكون ارتفاع الشرط ملازماً لارتفاع الموضوع، فهي خارجة عن محل النزاع، كقوله: إن رزقت ولداً فاختنه، فهذه القضايا فاقدة للمفهوم. فإنّ الرزق هنا ليس شيئاً زائداً علي نفس الولد.

إذا عرفت ما ذكرنا، فاعلم أنّ الموارد التي وقعت محل النزاع عبارة عما يلي:

1. مفهوم الشرط.

2. مفهوم الوصف.

3. مفهوم الغاية.

4. مفهوم الحصر.

5. مفهوم العدد.

6. مفهوم اللقب.

و علي ذلك يقع الكلام في ستة فصول

فصول

الفصل الأوّل: في مفهوم الشرط

الفصل الأوّل: في مفهوم الشرط

مفهوم الشرط

إنّ دلالة الجملة الشرطية علي المفهوم أي ثبوت الجزاء لدي ثبوت الشرط و انتفاءه لدي انتفائه لا يتم إلاّ إذا ثبتت الأُمور الثلاثة التالية:

1. وجود الملازمة بين الجزاء و الشرط في القضية بأن لا يكون من قبيل القضايا الاتفاقية، كما في قوله: كلما كان الإنسان ناطقاً فالحيوان ناهق، فإنّ التقارن من باب الاتفاق، و لأجل ذلك يحصل الانفكاك بينهما كثيراً.

2. أن يكون التلازم من باب الترتب أي ترتب أحدهما علي الآخر، بأن يكون الشرط علة للجزاء، خرج ما إذا لم يكن هناك أي ترتب كما إذا قال: إن طال الليل قصر

النهار، أو إذا قصر النهار طال الليل، فليس بينهما أي ترتب لكونهما معلولين لعلة ثالثة.

3. أن يكون الترتب علّياً انحصارياً و معني الانحصار عدم وجود علّة أُخري تقوم مقام الشرط.

فالقائل بالمفهوم لا محيص له إلاّ من إثبات هذه الأُمور الثلاثة، و يكفي للقائل بالعدم منع واحد منها.

ثمّ إنّ دلالة الجملة الشرطية علي هذه الأُمور الثلاثة بأحد الوجوه التالية:

1. الوضع: ادّعاء وضع الهيئة علي ما يلازم هذه الأُمور الثلاثة: الملازمة، الترتب، الانحصار.

2. الانصراف: ادّعاء انصراف الجملة الشرطية في ذهن المخاطب إلي هذه

(151)

الأُمور.

3. الإطلاق: ادّعاء أنّ المتكلّم كان في مقام بيان العلل و لم يذكر إلاّ واحداً منها، فيعلم انحصارها فتثبت الملازمة و الترتب بوجه أُولي، أمّا إثباتها بالطريق الأوّل أي بالدلالة الوضعية، فالحق دلالة الجملة الشرطية علي الأمرين: الملازمة و الترتب، و ذلك لأنّ المتبادر من هيئة الجملة الشرطية هو أنّ فرض وجود الشرط و تقدير حصوله، يتلوه حصول الجزاء و تحقّقه و هذا مما لا يمكن إنكاره، و هو نفس القول بالملازمة و الترتب.

و لأجل ذلك نعبّر عن القضايا الشرطية بالقضايا التعليقية، و كأنّ الثاني معلّق علي الأوّل خصوصاً فيما إذا كان الجزاء إنشائياً.

نعم إذا كان الجزاء جملة خبرية فالتعليق و الترتب إنّما هو في الإخبار لا في الوجود و التحقق، فلأجل ذلك صحّ قولنا: إن كان النهار موجوداً فالشمس طالعة، فإنّه و إن لم يكن بين وجود النهار و طلوع الشمس ترتب خارجاً و لذلك يجوز الإخبار بالعكس، و لكن المتكلّم أضفي الترتب عليه في مقام الحكاية.

و أمّا الأمر الثالث، و هو انّ العلّية بنحو الانحصار، فهو غير ثابت، لأنّ تقسيم العلّة إلي المنحصرة و غير المنحصرة من المفاهيم الفلسفية البعيدة عن الأذهان العامة

فمن البعيد، أن ينتقل الواضع إلي التقسيم، ثم يضع الهيئة الشرطية علي قسم خاص منها و هي المنحصرة.

و أمّا إثبات الانحصار بالانصراف (بعد عدم الحاجة إلي إثبات الأمرين الأوّلين عن هذا الطريق لثبوتهما بثبوت الانحصار بطريق أولي) فهو أيضاً بعيد، لأنّ الانصراف رهن أحد أمرين:

1. كثرة الاستعمال في العلة المنحصرة.

2. كون العلة المنحصرة أكمل من غيرها.

و كلا الأمرين منتفيان لكثرة الاستعمال في غير المنحصرة، و كون العلة

(152)

المنحصرة ليست بأكمل في العلية من غيرها، فلم يبق في إثبات الانحصار إلاّ الطريق الثالث و هو الإطلاق و كون المتكلّم في مقام البيان و هذا يتصوّر علي وجهين:

تارة يكون في مقام بيان خصوصيات نفس السبب الوارد في الجملة الشرطية و ماله من جزء و شرط و مانع من دون نظر إلي وجود سبب آخر، و أُخري يكون في مقام بيان ما هو المؤثر في الجزاء، فعلي الأوّل يكون مقتضي الإطلاق انّ ما جاء بعد حرف الشرط هو تمام الموضوع و ليس له جزء أو شرط آخر و لايتفرع عليه المفهوم، بل أقصاه أنّ ما وقع بعد حرف الشرط تمام الموضوع للجزاء و أمّا أنّه لايخلفه شيء آخر فلايمكن دفعه لأنّه ليس في مقام البيان.

و علي الثاني أي إذا كان بصدد بيان ما هو المؤثر في الجزاء علي وجه الإطلاق، فإذا ذكر سبباً واحداً و سكت عن غيره، فالسكوت يكون دالاً علي عدم وجود سبب آخر قائم مقامه.

و الحاصل: أنّه لو أحرز كون المتكلّم في مقام تحديد الأسباب و مع ذلك اقتصر علي ذكر سبب واحد يستكشف أنّه ليس له سبب إلاّ ما جاء في كلامه فيحكم علي السبب بأنّه علة منحصرة، و هذا بخلاف ما إذا لم يكن

في مقام بيان الأسباب كلّها فإنّ مقتضي الإطلاق أنّ ما وقع تحت الشرط تمام الموضوع و ليس له جزء آخر غير موجود، و أمّا أنّه ليس للجزاء سبب آخر يقوم مقام السبب الأوّل فلايدل عليه.

تطبيقات

إنّ للقول بدلالة الجملة الشرطية علي المفهوم ثمرات فقهية لا تحصي، و ربما يستظهر من خلال الروايات أنّ القول بالدلالة كان أمراً مسلماً بين الإمام و الراوي، و إليك تلك الروايات:

(153)

1. روي أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن الشاة تُذْبَح فلا تتحرك، و يهرق منها دم كثير عبيط، فقال: «لا تأكل، إنّ علياً كان يقول: إذا ركضت الرِجْل أو طُرِفت العين فكل» (1).

تري أنّ الإمام عليه السَّلام يستدل علي الحكم الذي أفتي به بقوله: «لا تأكل» بكلام علي عليه السَّلام، و لا يكون دليلاً عليه إلاّ إذا كان له مفهوم، و هو إذا لم تركض الرجل و لم تطرف العين (كما هو مفروض الرواية) فلا تأكل.

2. روي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «كان أمير المؤمنين يضمّن القصار و الصائغ احتياطاً للناس، و كان أبي يتطوّل عليه إذا كان مأموناً». (2)

فالرواية علي القول بالمفهوم دالة علي تضمينه إذا لم يكن مأموناً. (3)

3. روي علي بن جعفر في كتاب مسائله و قرب الإسناد: أنّه سأل أخاه عن حمل المسلمين إلي المشركين التجارة، فقال: «إذا لم يحملوا سلاحاً فلا بأس». (4)

دلت الرواية علي القول بالمفهوم علي حرمة التجارة مع المشرك إذا حملوا سلاحاً من دون فرق بين زمان الحرب و الهدنة.

4. روي معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام: «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء».

دلت الرواية بحكم اشتمالها علي المفهوم علي نجاسة القليل

بالملاقاة، و إلاّ كان تعليق عدم الانفعال بالكرّية أمراً لغواً. (5)

5. روي عبد اللّه بن جعفر عن أبي محمد قوله: و يجوز للرجل أن يصلّي و معه فارة مسك، فكتب: «لا بأس به إذا كان ذكياً».

1. الوسائل: 16/264، الباب 12 من أبواب الذبائح، الحديث 1.

2. الوسائل: 13/272، الباب 29 من أبواب أحكام الإجارة، الحديث 4.

3. مباني العروة: كتاب المضاربة: 17.

4. الجواهر: 22/28.

5. الجواهر: 1/106.

(154)

فلو قلنا بالمفهوم لدلّ علي المنع عن حمل الميتة و إن كان جزءاً صغيراً. (1)

6. روي محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام، قلت له: الأمة تغطي رأسها، فقال: «لا، و لا علي أُم الولد أن تغطي رأسها إذا لم يكن لها ولد».

دلّ بمفهومه علي وجوب تغطية الرأس مع الولد. (2)

7. روي الحلبي عن الصادق عليه السَّلام قال: «لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأُولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئاً». (3)

دلّ علي وجوب السورة بعد الحمد في غير مورد الشرط.

8. روي ابن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام: «لا بأس أن يتكلّم إذا فرغ الإمام من الخطبة يوم الجمعة ما بينه و بين أن تقام الصلاة». (4)

استدلّ بها صاحب الجواهر علي حرمة الكلام في أثناء الخطبة.

9. روي علي بن فضل الواسطي، عن الرضا عليه السَّلام قال: كتبت إليه إذا انكسفت الشمس أو القمر و أنا راكب لا أقدر علي النزول، فكتب إلي: «صل علي مركبك الذي أنت عليه».

استدلّ بها علي عدم جواز إقامة صلاة الآيات علي ظهر الدابة إلاّ مع الضرورة. (5)

10. روي معاوية بن وهب بعد أن سأله عن السرية يبعثها الإمام عليه السَّلام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال: «إن

قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليه السَّلام، أخرج منها الخمس للّه تعالي و للرسول، و قسّم بينهم ثلاثة أخماس».

استدلّ بأنّه إذا كان هناك حرب به غير إذنه، فليس ما أخذه من الغنائم بل من الأنفال. (6)

1. الجواهر: 6/132.

2. الجواهر: 8/222.

3. الجواهر: 9/334.

4. لجواهر: 11/294.

5. الجواهر: 11/477.

6. الجواهر: 11/294.

التنبيه الأوّل: إذا تعدّد الشرط و اتحد الجزاء

إذا كان الشرط متعدّداً و الجزاء واحداً كما لو قال: إذا خفي الأذان فقّصر، و إذا خفي الجدران فقصّر، فعلي القول بظهور الجملة الشرطية في المفهوم، تقع المعارضة بين منطوق أحدهما و مفهوم الآخر، فلو افترضنا أنّ المسافر بلغ إلي حدّ لايسمع أذان البلد و لكن يري جدرانه فيقصِّر حسب منطوق الجملة الأُولي و يتمّ حسب مفهوم الجملة الثانية، كما أنّه إذا بلغ إلي حد يسمع الأذان و لا يري الجدران فيتم حسب مفهوم الجملة الأولي و يقصّر حسب منطوق الجملة الثانية، فالتعارض بين منطوق إحديهما و مفهوم الأُخري.

و بما انّك عرفت أنّ استفادة المفهوم مبني علي كون الشرط علّة تامة أوّلاً، و منحصرة ثانياً يرتفع التعارض بالتصرف في أحد ذينك الأمرين، فتفقد الجملة الشرطية مفهومها، و عندئذ لا يبقي للمعارضة إلاّ طرف واحد و هو منطوق الآخر، و إليك بيان كلا التصرفين:

أمّا الأوّل: أي التصرف في السببية التامة بأن تكون الجملة الثانية قرينة علي أنّ خفاء الأذان ليست سبباً تاماً للقصر، و انّما السبب التام هو خفاء كلا الأمرين من الأذان و الجدران، فتكون النتيجة بعد التصرف هو إذا خفي الجدران و الأذان معاً فقصر.

و أمّا الثاني: و هو التصرّف في انحصارية الشرط بأن يكون كل منهما سبباً مستقلاً لا سبباً منحصراً، فتكون النتيجة هي استقلال كل واحد في

وجوب القصر، فكأنّه قال: إذا خفي الأذان أو الجدران فقصّر.

و الفرق بين التصرفين واضح، فإنّ مرجع التصرف في الأوّل إلي نفي السببية المستقلّة عن كل منهما و جعلهما سبباً واحداً، كما أنّ مرجعه في الثاني إلي سلب الانحصار بعد تسليم سببية كل منهما مستقلاً.

(156)

فعلي الأوّل لا يقصر إلاّ إذا خفي كلاهما و علي الثاني يقصر مع خفاء كل منهما.

و علي كلا التقديرين يرتفع التعارض لزوال المفهوم بكل من التصرفين، لأنّ المفهوم فرع كون الشرط سبباً تاماً و منحصراً، و المفروض أنّه إمّا غير تام، أو غير منحصر.

إلاّ أنّه وقع الكلام في تقديم أحد التصرفين علي الآخر، و الظاهر هو التصرف في ظهور كل من الشرطين في الانحصار فيكون كل منهما مستقلاً في التأثير، فإذا انفرد أحدهما كان له التأثير في ثبوت الحكم، و إذا حصلا معاً فإن كان حصولهما بالتعاقب كان التأثير للسابق و ان تقارنا كان الأثر لهما معاً و يكونان كالسبب الواحد.

و انّما قلنا برجحان التصرف في الانحصار علي التصرف في السببية التامة، لأجل أنّ التصرف في الانحصار مما لا بدّ منه سواء تعلّق التصرف برفع الانحصار أو تعلّق التصرف بالسببية التامة، فالانحصار قطعي الزوال و متيقن الارتفاع، و أمّا السببية التامة فمشكوك الارتفاع فلا ترفع اليد عنه إلاّ بدليل.

التنبيه الثاني: في تداخل الأسباب و المسببات

إذا تعدّد السبب و اتحد الجزاء كما إذا قال: إذا بُلْت فتوضأ و إذا نُمتَ فتوضأ، فيقع الكلام في تداخل الأسباب أوّلاً، و تداخل المسببات ثانياً.

و المراد من تداخل الأسباب و عدمه هو أنّ السببين هل يقتضيان وجوباً واحداً فتتداخل الأسباب في التأثير، أو يقتضيان وجوبين فلا تتداخل في مقام التأثير؟

و أمّا المراد من تداخل المسببات، فالبحث في

تداخلها و عدمها مبني علي

1. يكفي في عقد هذا البحث القول بكون كل شرط سبباً تاماً، لا سبباً منحصراً، فليس البحث مبنياً علي اشتمال القضية الشرطية علي المفهوم، فلاحظ.

(157)

ثبوت عدم التداخل في الأسباب، فلو قلنا بأنّ كلاً من البول و النوم سبب مستقل في مقام التأثير و أنّ لكل وجوباً خاصاً يقع الكلام حينئذ في أنّ الإتيان بالطبيعة مرة هل يكفي في امتثال كلا الوجوبين و هذا ما يعبّر عنه بتداخل المسببات، أو يتوقف علي الإتيان بها مرتين و هذا ما يعبّر عنه بعدم تداخل المسببات؟

ثم إنّ البحث في التداخل علي وجه الإطلاق، فيما إذا أمكن تكرار الجزاء كالوضوء، و أمّا إذا لم يمكن التكرار كالقتل، فيسقط البحث علي وجه الإطلاق كقتل زيد لأسباب مختلفة لكونه محارباً و زانياً محصناً و مرتداً، فإنّ القتل غير قابل للتكرر، فلا معني للبحث عن التداخل سبباً أو مسبباً، إذا عرفت ذلك فلنبحث تارة في تداخل الأسباب، و أُخري في تداخل المسببات.

التداخل في الأسباب

اختلفت كلمة الأُصوليين إلي أقوال:

أ. عدم التداخل مطلقاً، و هو المشهور. و إليه ذهب الشيخ الأعظم الأنصاري، و المحقّق الخراساني.

ب. التداخل مطلقاً و هو المنسوب إلي المحقّق الخوانساري.

ج. التفصيل بين اختلاف الشرط ماهية، كالنوم و البول؛ و اتحاده، كتكرر البول. فالتداخل يتم في الثاني دون الأوّل و هو المحكي عن ابن ادريس الحلّي.

دليل القائل بعدم التداخل

لا شبهة في أنّه إذا ورد دليل خاص علي التداخل أو عدمه نأخذ به، إنّما الكلام فيما إذا لم يرد دليل خاص علي أحد الأمرين، فظاهر الجملة الشرطية حدوث الجزاء (الوجوب) عند حدوث الشرط (النوم أو البول) و لازم ذلك هو حدوث الوجوبين لا الوجوب الواحد، و قد عرفت أنّ معني

عدم تداخل الأسباب هو تعدد التكليف و الاشتغال، و أنّ ظاهر كل قضية أنّ الشرط علّة تامة لحدوث

(158)

الجزاء، أعني: الوجوب مطلقاً، سواء وجد الآخر معه أو قبله أو بعده أو لم يوجد، و ليس لعدم تداخل الأسباب معني إلاّ تعدد الوجوب.

دليل القائل بالتداخل

إنّ القائل بالتداخل يعترف بهذا الظهور (حدوث الجزاء عند حدوث الشرط) إلاّ أنّه يقول: لا يمكن الأخذ به، لأنّ متعلّق الوجوب في كلا الموردين شيء واحد و هو طبيعة الوضوء، و من المعلوم أنّه يمتنع أن يقع الشيء الواحد متعلّقاً لوجوبين و موضوعاً لحكمين متماثلين، و المفروض أنّ متعلّق الوجوب في كليهما طبيعة الوضوء لا طبيعة الوضوء في أحدهما و الوضوء الآخر في الثاني حتي يصح تعدّد الوجوب بتعدّد المتعلّق، فإطلاق الجزاء، و أنّ الوضوء بما هو هو موضوع لا هو مع قيد كلفظ «آخر» ، يقتضي التداخل.

وما ذكرناه دليل القولين؛ فالقائل بعدم التداخل يتمسّك بظهور القضية الشرطية في حدوث الجزاء عند كل شرط، و هو يلازم عدم التداخل في الأسباب؛ و القائل بالتداخل يتمسّك بوحدة المتعلّق و كون الموضوع للوجوبين هو نفس الطبيعة التي تقتضي وحدة الحكم و لا تقبل تعدّده فلابد من رفع اليد عن أحد الظهورين.

و الظاهر تقديم ظهور القضية الشرطية في حدوث الجزاء عند كلّ شرط، علي إطلاق الجزاء في وحدة المتعلَّق، فتكون قرينة علي تقدير لفظ مثل «فرد آخر» في متعلّق أحد الجزائين أو لفظ «مرة أُخري» و عندئذ تكون الطبيعة موضوعة للوجوب في إحدي القضيتين، و الفرد الآخر من الطبيعة موضوعة للوجوب في القضية الأُخري.

و لعل العرف يساعد تقديم ظهور الصدر علي ظهور الذيل بالتصرف في الثاني لقوة ظهور الصدر.

(159)

و يمكن توجيه تقديم ظهور الصدر علي إطلاق

الذيل بالارتكاز العرفي إذ المرتكز في الأذهان هو أنّ كل سبب تكويني يطلب معلولاً خاصاً، فكل من النار و الشمس يفيض حرارة مستقلّة من غير فرق بين أن يتقارنا أو تتقدّم إحداهما علي الأخري فإذا كان هذا هو المرتكز في الأذهان، و سمع صاحب هذا الارتكاز من المعصوم قوله: إذا نمت فتوضأ، و إذا بلت فتوضأ، ينتقل إلي أنّ كلاً من النوم و البول يطلب وجوباً مستقلاً و أن أثر كل واحد غير أثر الآخر، و الارتكاز الموجود في الأذهان يوجب انعقاد ظهور خاص للقضية و هو حدوث الوجوب عند حدوث كل شرط مستقلاً مطلقاً.

و بهذا يقدم ظهور الصدر علي ظهور الجزاء في وحدة المتعلّق الآبية عن تعلّق الوجوبين (1) و ليس هذا من قياس التشريع علي التكوين حتي يقال بأنّه أمر باطل، بل هو من باب جعل الارتكاز العرفي في العلل التكوينية قرينة علي انتقال العرف لمقتضي مثلها في العلل التشريعية.

و بذلك ظهرت قوة الوجه الأوّل و ضعف الوجه الثاني، و أمّا التفصيل المنقول عن ابن ادريس من التفريق بين وحدة الشرطين ماهية و اختلافهما فيها، فليس له دليل صالح للذكر.

هذا كلّه حول التداخل و عدمه في الأسباب، و إليك البحث في التداخل في المسببات.

التداخل في المسببات

إذا ثبت في البحث السابق عدم التداخل و أنّ كل سبب علّة لوجوب مستقل، فحينئذ يقع الكلام في مقام آخر و هو إنّ تعدّد الوجوب هل يقتضي تعدّد الواجب أو لا؟

1. اقتباس مما ذكره الاستاذ الكبير السيد الإمام الخميني قدَّس سرَّه _ في دروسه الشريفة.

(160)

و بعبارة أُخري: إنّ تعدّد السبب كما يقتضي تعدد الوجوب فهكذا يقتضي تعدد الامتثال أيضاً، أو لايقتضي بل يكفي في امتثال كلا الوجوبين الإتيان

بمصداق واحد نظير امتثال قول القائل: أكرم العالم و اكرم الهاشمي بضيافة العالم الهاشمي.

الظاهر عدم ظهور القضية في أحد الطرفين، أي كفاية امتثال واحد و عدم كفايته، فتصل النوبة إلي الأصل العملي و هو أنّ الأصل عدم سقوط الواجبات المتعددة بفعل واحد و لو كان ذلك بقصد امتثال الجميع في غير ما دل الدليل علي سقوطها به، و بعبارة أُخري: الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية و هي رهن تعدّد الامتثال.

نعم دلّ الدليل علي سقوط أغسال متعددة بغسل الجنابة أو بغسل واحد نوي به سقوط الجميع.

فخرجنا بهذه النتيجة: انّ مقتضي الأصل العملي هو عدم سقوط الواجبات المتعددة ما لم يدلّ دليل بالخصوص علي سقوطها.

و يستثني من ذلك ما إذا كانت النسبة بين الواجبين عموماً و خصوصاً من وجه، كما في قضية أكرم عالماً و أكرم هاشمياً، فإنّ إكرام العالم الهاشمي يكون مسقطاً لكلا الخطابين و لا يعتبر في تحقّق الامتثال إلاّ الإتيان بما ينطبق عليه متعلّق الأمر. (1)

تطبيقات

1. إذا وجبت عليه الزكاة، فهل يجوز دفعها إلي واجب النفقة إذا كان فقيراً من جهة الانفاق؟ قال في الجواهر: لايجوز، لكونه ليس إيتاءً للزكاة لأصالة عدم تداخل الأسباب.

1. أجود التقريرات: 1/432.

(161)

2. إذا اجتمع للمستحق سببان يستحق بهما الزكاة، كالفقر و الجهاد في سبيل اللّه جاز أن يعطي لكل سبب نصيباً، لاندارجه حينئذ في الصنفين مثلاً، فيستحق بكل منهما.

3. إذا اجتمع سببان للخيار، كالمجلس و العيب، أو خيار الحيوان، فلا يتداخل السببان، و فائدته بقاء أحدهما مع سقوط الآخر.

4. لو تكرّر منه وطء الحائض في وقت واحد كالثلث الأوّل، أو في وقتين كما إذا كان الثاني في الثلث الثاني يقع الكلام في تكرّر الكفّارة و عدمه.

5. إذا وقعت نجاسات

مختلفة في البئر لكل نصيب خاص من النزح، فهل يجب نزح كل ما قدّر أو لا؟

6. إذا تغيرت أوصاف ماء البئر، و مع ذلك وقعت فيه نجاسات لها نصيب من النزح، فهل يكفي نزح الجميع أو يجب معه نزح ما هو المقدّر؟

7. إذا مات و هو جنب، فهل يكفي الغسل الواحد أو يجب الغسلان؟

الفصل الثاني: مفهوم الوصف، و فيه أُمور

الفصل الثاني: مفهوم الوصف، و فيه أُمور

مفهوم الوصف

و قبل الدخول في الموضوع نقدم أُموراً:

الأوّل: المراد من الوصف في عنوان المسألة ليس خصوص الوصف النحوي بل الأُصولي، فيعم الحال و التمييز ممّا يصلح أن يقع قيداً لموضوع التكليف أو لنفسه.

و بما أنّ المفهوم مبني علي أساس اشتمال المنطوق علي موضوع، و محمول، و قيد، يتبّين أنّ البحث يختص بما إذا كان الوصف معتمداً علي موصوف و إلاّ فيخرج عن محط البحث و يدخل في باب مفهوم اللقب، فمثل قوله سبحانه: (وَالسّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيهُما) (المائدة/ 38) خارج عن محل البحث، فإنّ نفي الحكم عن غير السارق و السارقة أشبه بانتفاء الحكم عند انتفاء الموضوع.

ومع ذلك كلّه يري تعميم النزاع إلي الوصف غير المعتمد علي الموصوف في كلمات الأُصوليين حيث يستدلون بآية النبأ علي حجية خبر الواحد متمسكين بمفهوم الوصف و هو غير معتمد علي موصوف قال سبحانه: (إِنْ جاءَكمْ فاسِقٌ بِنَبأ فَتَبَينُوا) (الحجرات /6) كما يستدلّون بحديث الرسول صلَّي الله عليه و آله و سلَّم: «لي الواجد بالدين يحلّ عرضه و عقوبته» و هو مثل آية النبأ في عدم الاعتماد علي الموصوف. (1)

الثاني: يشترط في الوصف أن يكون أخصّ من الموصوف مطلقاً حتي يصح

1. الوسائل: 13، كتاب الدين، الباب الثامن، الحديث 4.

(163)

فرض بقاء الموضوع مع انتفاء الوصف كالإنسان العادل.

فخرج منه الموارد

التالية:

أ. ما إذا كانا متساويين، كالإنسان المتعجب.

ب. ما إذا كان أعم منه، كالإنسان الماشي.

وجه الخروج أنّ المفهوم فرع بقاء الموضوع مع انتفاء الوصف، ففي المتساويين ينتفيان معاً و في الأعم ينتفي الموضوع بانتفاء الوصف بطريق أولي علي خلاف باب المفهوم.

ج. إذا كان أعم منه من وجه كما في الغنم السائمة زكاة فانّ بين الغنم و السائمة عموم و خصوص من وجه، فيفترق الوصف عن الموضوع في الغنم المعلوفة، و الموضوع عن الوصف في الإبل السائمة و يجتمعان في الغنم السائمة، فهل هو داخل في النزاع أو لا؟

الظاهر دخوله في النزاع إذا كان الافتراق من جانب الوصف بأن يكون الموضوع باقياً و الوصف غير باق كالغنم المعلوفة، و أمّا إذا ارتفع الموضوع، سواء كان الوصف باقياً، كالإبل السائمة، أو كان هو أيضاً مرتفعاً كالإبل المعلوفة فلا يدل علي شيء في حقهما.

الثالث: انّ النزاع في ثبوت مفهوم الوصف و عدمه لا ينافي اتفاقهم علي أنّ الأصل في القيود أن تكون احترازية و ذلك:

لأنّ معني كون القيد احترازياً ليس إلاّ ثبوت الحكم في مورد القيد، فإذا قال: أكرم الرجال طوال القامة، معناه ثبوت الحكم مع وجود الأمرين: الرجال و الطوال.

و أمّا نفي الحكم عن الرجال القصار فلا يدل عليه كون القيد احترازياً، بل يتوقف في الحكم بالثبوت أو العدم بخلاف القول بالمفهوم، فإنّ لازمه نفي الحكم

(164)

في غير مورد الوصف و الفرق بين الأمرين واضح، فكون القيد احترازياً يلازم السكوت في غير مورد الوصف، و القول بالمفهوم يلازم نقض السكوت و الحكم بعدم الحكم في غير مورد الوصف.

الرابع: انّ النزاع في ثبوت المفهوم للوصف لا ينافي ما اتفقوا عليه من حمل المطلق علي المقيد، فإنّ معني حمل المطلق علي

المقيد إنّما هو تخصيص الحكم بالموضوع المقيد و قصره عليه، فكأنّ الحكم ورد علي المقيد من أوّل الأمر، و أمّا دلالته علي ارتفاع الحكم في مورد انتفاء القيد فلا يدل عليه، بل هو ساكت عنه كسكوت القيد الاحترازي.

و هذا بخلاف القول بالمفهوم، فإنّ معناه دلالة الوصف علي انتفاء الحكم عن غير مورد الوصف، و شتان بين قصر الحكم علي موضوع مقيد و السكوت عن انتفائه عن غير مورده، و بين دلالة الشيء علي قصر الحكم علي المقيد و دلالته علي انتفائه عن غير مورده.

إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ الحقّ عدم دلالة الوصف علي المفهوم و يعلم ذلك ببيان أقسام القيود.

أقول: إنّ القيود الواردة في الكلام علي أقسام خمسة:

1. القيد الزائد كقولك: الإنسان الضاحك ناطق، فإنّ الإنسان ناطق سواء كان ضاحكاً أو لا.

2. القيد التوضيحي: و هو القيد الذي يدلّ عليه الكلام و إن لم يذكر كقوله سبحانه: (وَ لا تُكرِهُوا فَتَياتِكمْ عَلَي البِغاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) (النور/33) فقوله: (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) قيد توضيحي، إذ لا يصدق الإكراه إلاّ معه و يغني عن ذكره قوله: (وَلا تُكرِهُوا) و مع ذلك جيئ به لنكتة خاصة، كما هو الحال في كلّ قيد توضيحي في كلام البلغاء.

3. القيد الغالبي: و هو القيد الوارد مورد الغالب و مع ذلك لا مدخلية له

(165)

في الحكم، كقوله سبحانه: (وَرَبائبكمُ اللاتِي في حُجُورِكمْ مِنْ نِسائِكمُ اللاتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) (النساء/22) فكونهن في حجور الأزواج قيد غالبي، لأنّ المرأة التي توفّي عنها زوجها إذا تزوّجت مرّة أُخري تجلب أطفالها إلي بيت زوجها الثاني، فلذلك تكون الربائب غالباً في حجر الزوج الثاني و لكن الربيبة محرّمة سواء أكانت في حُجره أم لا.

4. القيد الاحترازي: و هو القيد

الذي له مدخلية في الحكم و لا يحكم علي الموضوع بحكم إلاّ معه كالدخول في الآية المتقدّمة فانّ الدخول بالأُم شرط لحرمة الربيبة، فلو لم يدخل بها و طلّقها يتوقّف في الحكم.

5. القيد المفهومي: أو القيد ذات المفهوم و هو ما يدل علي ثبوت الحكم عند وجوده و عدمه عند انتفائه، و هذا النوع من القيد يثبت أكثر ممّا يثبته القيد الاحترازي، فإنّ الثاني يثبت الحكم في مورد القيد و يسكت عن وجوده و عدمه في غير مورده و لكن القيد المفهومي يثبت الحكم في مورده و ينفيه عن غيره.

إذا وقفت علي أقسام القيد و آثاره المختلفة، فاعلم أنّ أقصي ما يدلّ عليه القيد هو كونه قيداً احترازياً بالمعني الذي مرّعليك، و أمّا الزائد عليه أي الانتفاء لدي الانتفاء فلا دليل عليه.

نعم ربما تدل القرائن علي ثبوت المفهوم للقضية الوصفية وراء كونه احترازياً مثل ما حُكي أنّ أبا عبيدة قد فهم من قول رسول اللّه صلَّي اللّه عليه و آله و سلَّم: «لي الواجد يحِلُّ عرضه و عقوبته»: أنّ لي غير الواجد لا يحلّ.

و إن كان القول بالمفهوم في الحديث لا يخلو من إشكال و ذلك لأنّ اللي فرع الوجدان، فإذا لم يكن واجداً فلا يطلق (1) عليه اللي، مثل قولك: إن رزقت ولداً فاختنه، فلا يدل علي أنّه إذا لم يرزق ولداً فلا تختنه.

1 و اللي: «المطل» و الواجد: الغني و إحلال عرضه: عقوبتُه و حبسُه.

(166)

و علي كلّ تقدير فالذي دعا الأُصوليين إلي عدم القول بالمفهوم في التقييد بالوصف، هو عدم انتفاء الحكم عند انتفاء القيد في النصوص الشرعية نظير قوله سبحانه: (يا أَيهَا الّذينَ آمَنُوا لا تَأْكلُوا الرِّبا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) (آل عمران/130) فإنّ

الربا حرام مطلقاً أضعافاً كان أو لا.

و قوله سبحانه: (وَاسْتَشْهِدوا شَهِيدَينِ مِنْ رِجالِكمْ فَإِنْ لَمْ يكونا رَجُلَينِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ) (البقرة/282) مع اتّفاقهم علي جواز القضاء بشهادة شاهد واحد و يمين المدّعي.

و قوله سبحانه: (وَ رَبائِبُكمُ اللاّتي فِي حُجُورِكمْ من نِساءِكمُ اللاّتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) (النساء/23) مع حرمة الربيبة إذا دخل بأُمّها و إن لم تكن في حجره.

و قوله سبحانه: (وَ إِذا ضَرَبْتُمْ في الأَرْضِ فَلَيسَ عَلَيكمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يفْتِنَكمُ الّذينَ كفَرُوا) (النساء/101).

فالتقصير قيد بالخوف من فتنة الكفار مع أنّه جائز مطلقاً سواء كان هناك فتنة أو لا.

نعم خرجت عن تلك الضابطة العقود و الإيقاعات المتداولة بين الناس حتي الأقارير و الوصايا، فإنّها لو اشتملت علي قيد و وصف لأفاد المفهوم، فمثلاً لو قال: «داري هذه وقف للسادة الفقراء» فمعناه خروج السادة الأغنياء عن الخطاب.

(167)

الفصل الثالث: في مفهوم الغاية، و فيه جهتان

الفصل الثالث: في مفهوم الغاية، و فيه جهتان

مفهوم الغاية

إذا ورد التقييد بالغاية مثل قوله: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكمْ وَ أَيدِيكمْ إِلَي المَرافِقِ) (المائدة/6) فقد اختلف الأُصوليون فيه من جهتين:

الجهة الأُولي: في دخول الغاية «المرفق» في حكم المنطوق «اغسلوا» و هذا ما يعبّر عنه بدخول الغاية في حكم المغيي (غسل اليد) و عدمه.

الجهة الثانية: في مفهوم الغاية و هو موضوع البحث في المقام فقد اختلفوا في أنّ التقييد بالغاية هل يدل علي انتفاء سنخ الحكم عمّا وراء الغاية (العضد) و من الغاية نفسها (المرفق) إذا قلنا في النزاع الأوّل بعدم دخولها في المغيي أو لا؟

الجهة الأُولي: في دخول الغاية في حكم المنطوق

أ. خروجها مطلقاً و هو خيرة المحقّق الخراساني و السيد الإمام الخميني قدّس اللّه سرّهما.

ب. دخولها مطلقاً.

ج. التفصيل بين ما إذا كان ماقبل الغاية و مابعدها متحدين

في الجنس، فتدخل كما في قوله سبحانه: (فَاغسِلُوا وُجُوهكمْ وَ أَيديكمْ إِلَي المَرافِقِ) (المائدة/6) فيجب غسل المرفق و بين ما لم يكن كذلك فلا يدخل كما في قوله تعالي: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَي اللَّيلِ) (البقرة/187) فإنّ الليل (الغاية) يغاير المغيي (النهار). فانّ جنس النهار عرفاً هو النور، و جنس الآخر هو الظلمة فهما

(168)

مختلفان جنساً، و اشتراكهما في الزمان صحيح لكنّه أمر عقلي.

د. عدم الدلالة علي شيء و إنّما يتبع في الحكم، القرائنُ الدالّة علي واحد منهما.

و قبل بيان المختار نشير إلي أمرين:

الأوّّل: انّ البحث في دخول الغاية في حكم المغيي إنّما يتصوّر فيما إذا كان هناك قدر مشترك أمكن تصويره تارة داخلاً في حكمه و أُخري داخلاً في حكم مابعد الغاية، كالمرفق فانّه يصلح أن يكون محكوماً بحكم المغيي (الأيدي) و محكوماً بحكم ما بعد الغاية (العضد) و أمّا إذا لم يكن كذلك فلا، كما إذا قال: اضربه إلي خمس ضربات، فالضربة السادسة هي بعد الغاية و ليس هنا حدّ مشترك صالح لأن يكون محكوماً بحكم المغيي أو محكوماً بحكم ما بعد الغاية و بذلك يظهر أنّه لو كانت الغاية، غاية للحكم لا يتصوّر فيه ذلك النزاع، كما إذا قال: «كلّ شيء حلال حتي تعلم أنّه حرام» فانّه لا يمكن أن يكون العلم بالحرام داخلاً في حكم المغيي، إذ ليس بعد العلم بالحظر رخصة و «ليس وراء عبادان قرية».

الثاني: إذا كانت أداة الغاية هي لفظ «حتي» فالنزاع في دخول الغاية في حكم المغيي و عدمه إنّما يتصوّر إذا كانت خافضة كما في قوله: «أكلت السمكة حتي رأسِها و مثل قوله سبحانه: (كلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّي يتَبَينَ لَكمُ الخَيطُ الأَبْيضُ مِنَ الخَيطِ الأَسْود) (البقرة/187).

و أمّا العاطفة

فهي خارجة عن البحث، لأنّ الغاية فيها داخلة تحت حكم المغيي قطعاً، كما إذا قال: مات الناسُ حتي الأنبياء، فإنّ معناه أنّ الأنبياء ماتوا أيضاً و الغرض من ذكر الغاية هو بيان أنّه إذا كان الفرد الفائق علي سائر أفراد المغيي، محكوماً بالموت فكيف حال الآخرين و نظيره القول المعروف: مات كلُّ أب حتي آدم.

(169)

إذا عرفت ذلك فالحقّ هو القول الأوّل، أي عدم دخول الغاية في حكم المغيي أخذاً بالتبادر في مثل المقام، قال سبحانه: (تَنَزَّلُ المَلائِكةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كلِّ أَمْر* سَلامٌ هِي حَتّي مَطْلَعِ الْفَجْر) (القدر/4 و 5) فإنّ المتبادر منه أنّ النزول إلي مطلع الفجر لا فيه نفسه و لا بعده و كقول القائل: قرأت القرآن إلي سورة الإسراء، فإنّ المتبادر خروج الإسراء عن إخباره بالقراءة، فإن تمّ ما ذكرنا من التبادر فهو و إلاّ فالقول الرابع هو الأقوي من أنّه لا ظهور لنفس التقييد بالغاية في دخولها في المغيي و لا في عدمه.

و علي القول المختار تكون آية الوضوء آية واضحة المدلول في المرفق إلاّ إذا قيل إنّ «إلي» بمعني «مع» أو قيل بوجوب الغسل من باب المقدّمة العلمية و أمّا علي القول الرابع يكون مجملاً، فلو لم يكن هناك دليل اجتهادي من أمارة أو إجماع، ينتهي الأمر إلي الأُصول العملية، وأصل البراءة من وجوب الغسل هو المحكم عندئذ.

الجهة الثانية: في مفهوم الغاية و انتفاء سنخ الحكم عمّا وراءها

الغاية و من الغاية نفسها إذا لم نقل بدخولها في المغيي.

فهناك صورتان:

الأُولي: أن يكون القيد غاية للحكم، فلا ريب في الدلالة علي المفهوم كقولهعليه السَّلام: «كلّ شيء طاهر حتّي تعلم أنّه قذر».

و قوله: كلّ (1) شيء حلال حتي تعلم أنّه

حرام، لامتناع بقاء الطهارة أو الحلية مع انكشاف الواقع و أنّه قذر أو حرام.

الثانية: أن يكون قيداً للموضوع كما في قولك: سر من البصرة إلي الكوفة، فانّ قولك: إلي الكوفة، قيد للسير لا للوجوب و كأنّك تقول: «السير من البصرة

1. الوسائل: ج 1، الباب 1 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5.

(170)

إلي الكوفة واجب» و مثله قوله سبحانه: (فَاغْسِلُوا وُجوهَكمْ وَ أَيديكمْ إِلَي المَرافِقِ) فقوله: (إِلَي المَرافِقِ) قيد الغسل لا الوجوب فكأنّه قال: غَسْلُ الأيدي إلي المرافق واجب و الظاهر دلالة الجملة علي ارتفاع الحكم عمّا بعد الغاية و حتي عن الغاية أيضاً إذا قلنا بعدم دخولها في حكم المغيي، لأنّ المتفاهم العرفي في أمثال المقام هو تحديد الواجب و تبيين ما هو الوظيفة في مقام التوضؤ و يؤيد ما ذكرنا تبادر المفهوم في أكثر الآيات الواردة فيها حتي الخافضة قال سبحانه: (وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّي يطْهُرنَ) (البقرة/222) و قال سبحانه: (كلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّي يتَبَينَ لَكمُ الخَيطُ الأَبْيضُ مِنَ الخَيطِ الأَسْود) (البقرة/187) و قال: (وَ قاتِلُوهُم حَتّي لا تَكونَ فِتْنَة) (البقرة/193) فانّ المتبادر من هذه الآيات هو حصر الحكم إلي حدّ الغاية و سريان خلافه إلي ما بعدها.

فخرجنا بهذه النتيجة: و هي اشتمال الغاية علي المفهوم من غير فرق بين أن يكون قيداً للحكم أو للموضوع و إن كان القول بالمفهوم للأوّل أوضح.

الفصل الرابع: في مفهوم الوصف

الفصل الرابع: في مفهوم الوصف

مفهوم الحصر

المشهور أنّ الألفاظ التالية تفيد الحصر:

1. إلاّ الاستثنائية.

2. إنّما.

3. بل الإضرابية.

4. تقديم ما حقّه التأخير.

5. تعريف المسند إليه باللاّم.

و إليك الكلام في كلّ واحد منها:

1. إلاّ الاستثنائية: فيقع الكلام فيها في مواضع ثلاثة:

الأوّل: هل الاستثناء من النفي إثبات و من الإثبات نفي و هل تدل «إلاّ» علي

هذا أو لا؟ فقد اتّفقت كلمتهم علي الدلالة و لم يخالف فيه إلاّ أبو حنيفة و يشهد علي صحّة قولهم تبادر ما ذكرناه في عامة اللغات.

الثاني: هل الاستثناء يدلّ علي الحصر أي حصر الخروج في المستثني و عدم خروج فرد آخر عن المستثني منه و الظاهر هو الدلالة عليه و يكفي في ذلك التبادر القطعي بحيث لو دلّ دليل آخر علي خروج فرد غيره لعدّ مخالفاً لظاهر الدليل، فلو قال: «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمس: الطهور و القبلة و القيام و الركوع و

(172)

السجود» ثمّ قال في دليل آخر بوجوب الإعادة في غير هذه الخمسة لعدّ مخالفاً للمفهوم المستفاد من القضية الأُولي و لابدّ من علاج التعارض بوجه.

الثالث: هل الدلالة علي الحصر دلالة منطوقية أو مفهومية، فيه وجهان، و لا تترتب ثمرة عملية علي (1) ذلك و ربما يتصوّر وجود الثمرة، لأنّ الدلالة المنطوقية أقوي من الدلالة المفهومية، فلو قلنا بأنّ دلالتها علي الحصر دلالة منطوقية، فقد أثبتنا للحصر مقاماً أقوي في مقام المعارضة، فلو عارضته دلالة منطوقية يتساويان و لو عارضته دلالة مفهومية تكون متقدّمة عليها.

يلاحظ عليه: أنّه ليست لتقديم الدلالة المنطوقية علي المفهومية ضابطة كلية، بل التقديم تابع لأقوي الظهورين، فربما تكون الدلالة المفهومية أقوي من المنطوقية كما قدتكون الدلالة المنطوقية أقوي من الأُخري.

تطبيقات

1. لو حصل التغير بملاقاة النجاسة لماء الكر أو الجاري في غير صفاته الثلاث: اللون و الطعم و الرائحة، كالحرارة و الرقة و الخفة، فهل ينجس الماء أو لا؟

الظاهر هو الثاني، للحصر المستفاد من الاستثناء بعد النفي، أعني قوله: «خلق اللّه الماء طهوراً لا ينجِّسه شيء إلاّ ما غير لونه أو طعمه أو ريحه». (2)

2. لو ضمّ إلي نية التقرّب

في الوضوء رياءً.

قال المرتضي بالصحّة مع عدم الثواب، و المشهور هو البطلان لقوله سبحانه: (وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيعْبُدوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين) (البينة/4) و المراد من

1. الوسائل: الجزء 4، الباب 1 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 4.

2. الجواهر: 1/83.

(173)

الدين هو الطاعة و الحصر قاض بأنّ العمل الفاقد للإخلاص لم يتعلّق به أمر فكيف يكون صحيحاً؟ (1)

في أدوات الحصر

من أدوات الحصر كلمة (إنّما)

استدل علماء المعاني علي إفادتها للحصر بوجهين:

أ. التبادر عند استعمال تلك اللفظة.

ب. تصريح اللغويين كالأزهري و غيره علي أنّها تفيد الحصر. (2)

و التتبع في الآيات الكريمة يرشدنا إلي كونها مفيدة للحصر، أي حصر الحكم في الموضوع، قال سبحانه:

1. (إِنّما وَلِيكمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الّذينَ آمَنُوا الّذينَ يقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يؤْتُونَ الزَّكاةَوَ هُمْ راكعُونَ) (المائدة/55).

2. (إِنّما حَرَّمَ عَلَيكمُ المَيتةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الخِنْزير) (البقرة/173).

3. (لا ينْهاكمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَم يقاتِلُوكمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يخْرجُوكمْ مِنْ دِيارِكمْ … * إِنَّما ينْهاكمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتلُوكمْ فِي الدِّينِ وَ أَخرجُوكمْ) (الممتحنة/89).

إلي غير ذلك من الآيات المسوقة بالحصر.

تطبيقات

1. يجب أن يحنَّط مساجد الميت السبعة بالحنوط و هو الطيب المانع عن فساد البدن و ظاهر الأدلّة حصر الحنوط بالكافور، لقول الصادق عليه السَّلام: «إنّما

1. الجواهر: 2/9697.

2. مطارح الأنظار: 122.

(174)

الحنوط بالكافور» و قوله: «الكافور هو الحنوط».

2. روي أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام، قال: «إذا كنت إماماً، فإنّما التسليم (1) أن تسلم علي النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم و تقول: السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت ال (2) صلاة».

فيدل الحصر علي عدم الخروج إلاّ بالتسليم الثاني.

3. من أدوات الحصر (بل الإضرابية)

تستعمل بل الإضرابية علي

وجوه:

أ. ما كان لأجل أنّ المضرب عنه إنّما أُوتي به غفلة أو سبقه به لسانه، فيضرب بها عنه إلي ما قصد بيانه كما إذا قال: جاءني زيد بل عمرو، إذا التفت إلي أنّ ما أتي به أوّلاً صدر عنه غفلةً فلا تدل علي الحصر.

ب. ما كان لأجل التأكيد فيكون ذكر المضرب عنه كالتوطئة و التمهيد لذكر المضرب إليه فلا تدل علي الحصر، كقوله سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكي*وَ ذَكرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّي* بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَياةَ الدّنيا) (الأعلي/14 16).

و قوله تعالي: (وَ لَدَينا كتابٌ ينْطِقُ بِالحَقِّ وَ هُمْ لا يظْلَمُونَ*بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَة مِنْ هذا وَ لَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُون ذلِك هُمْ لَها عامِلُونَ) (المؤمنون/6263)

ج. ما كان في مقام الردع و إبطال ما جاء أوّلاً، فتدل علي الحصر، قال سبحانه: (وَقالُوااتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً بَلْ عِبادٌ مُكرَمُونَ) (الأنبياء/26) و المعني بل هم عباد فقط.

و نحوه قوله سبحانه: (أَمْ يقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالحَقِّ وَ أَكثَرُهُمْ

1. الجواهر: 4/176.

2. الوسائل: 4، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 2.

(175)

لِلْحَقِّ كارِهُونَ) (المؤمنون/70).

و الآية تدل علي حصر ما جاء به في الحقّ.

4. من أدوات الحصر تقديم ما حقّه التأخير

هناك هيئات غير الأدوات تدلّ علي الحصر، مثل تقديم المفعول علي الفعل، نحو قوله: (إِياك نَعْبُدُ وَ إِياك نَسْتَعِين) (الحمد/5).

5. من أدوات الحصر تعريف المسند إليه باللاّم

إذا دخلت اللام علي المسند إليه سواء كانت لام الجنس أو لام الاستغراق، فهو يفيد الحصر، كقولك: الكاتب زيد و مثله الفتي علي.

(176)

الفصل الخامس: في مفهوم العدد

الفصل الخامس: في مفهوم العدد

إنّ العدد المأخوذ قيداً للموضوع يتصوّر حسب الثبوت علي أقسام أربعة:

1. يؤخذ علي نحو لا بشرط في جانبي الزيادة و النقيصة، كقوله سبحانه: (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعينَ مَرَّةً فَلَنْ يغْفِرَ

اللّهُ لَهُمْ) (التوبة/80) فالاستغفار لهم مادام كونهم منافقين لا يفيد قلّ أو كثر.

2. يؤخذ بشرط لا في كلا الجانبين، كأعداد الفرائض.

3. يؤخذ بشرط لا في جانب النقيصة دون الزيادة، كما هو الحال في مسألة الكرّ حيث يجب أن يكون ثلاثة أشبار و نصف طولاً و عرضاً و عمقاً و لا يكفي الناقص كما لا يضرّالزائد.

4. عكس الصورة الثالثة بأن يؤخذ بشرط لا في جانب الزيادة دون النقيصة، كما في أيام العادة فيحكم عليها بالحيض إلي العشرة بشرط أن لا تتجاوز العشرة و مثله الفصل بين المصلّين في الجماعة، فيجوز الفصل بالخطوة دون الزائد.

هذه هي أقسام العدد ثبوتاً.

و أمّا في مقام الإثبات، فالظاهر أو المنصرف إليه أنّه بصدد التحديد قلّة أو كثرة فيدلّ علي المفهوم في جانب التحديد إلاّ إذا دلّ الدليل علي خلافه، مثل قوله: (الزّانِيةُ وَ الزّاني فَاجْلِدُوا كلّ واحد مِنْهُما مِائةَ جَلْدَة) (النور/2) و ظاهر الآية التحديد في كلا الجانبين.

(177)

و ربما تشهد القرينة علي أنّه بصدد التحديد في جانب النقيصة دون الزيادة، كقوله سبحانه: (وَاسْتَشْهدوا شَهيدينَ مِنْ رِجالِكمْ) (البقرة/282).

و مثله ما ورد في عدد الغسلات من إصابة البول و ملاقاة الخنزير و في منزوحات البئر و نصاب الزكاة و الخمس و عدد من تقوم به الجمعة، فهي بصدد التحديد في جانب النقيصة دون الزيادة.

و ربما ينعكس فيؤخذ التحديد في جانب الزيادة، ككون ما تراه المرأة من الدم حيضاً في عشرة أيام بشرط أن لا تتجاوز العشرة.

كلّ ذلك يعلم بالقرينة و إلاّفيحمل علي التحديد في كلا الجانبين: الزيادة و النقيصة.

تطبيقات

1. لا يفسد الصوم ما يصل إلي الجوف به غير الحلق من منافذ البدن عمداً غير الحقنة بالمائع و ذلك أخذاً بمفهوم العدد الوارد في

حديث الإمام الباقر عليه السَّلام: «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال: الطعام و الشراب و النساء و الإرتماس». (1)

2. هل يكفي الحجر الواحد في الاستنجاء إذا كان له أطراف ثلاثة أو لا يكفي؟!، فلو قلنا بمفهوم العدد، فالثاني هو المحكم، لورود النصّ علي ثلاثة أحجار إلاّ أن يحمل علي الغالب. (2)

3. هل تكره قراءة أزيد من سبع آيات علي الجنب، قيل: نعم، لمفهوم موثقة سماعة سألته عن الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال: «ما بينه و بين سبع آيات». (3)

1. الجواهر: 16/296.

2. الجواهر: 6/71.

3. الجواهر: 23/30.

(178)

4. يسقط خيار الحيوان بانقضاء المدة و هي ثلاثة أيام. (1)

5. يستحب إرغام الأنف في حال السجود و لا يجب لمفهوم ما دلّ علي أنّ السجود علي سبعة أعظم أو أعضاء. (2)

6. لا تنعقد الجمعة بالأقل من خمسة، لقوله عليه السَّلام: «لا تكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين علي أقلّ من خمسة رهط: الإمام و أربعة» فيكون مفهومه لو قلنا بانّ للعدد مفهوماً انعقادها بالخمسة. (3)

1. الجواهر: 10/177.

2. الجواهر: 1/174.

3. الجواهر: 11/199.

الفصل السادس: في مفهوم اللقب

الفصل السادس: في مفهوم اللقب

المقصود باللقب كلّ اسم سواء كان مشتقاً أو جامداً وقع موضوعاً للحكم كالفقير في قولهم: أطعم الفقير و كالسارق و السارقة في قوله تعالي: (وَالسّارِق وَ السّارِقَة) و معني مفهوم اللقب نفي الحكم عمّا لا يتناوله عموم الاسم و بما أنّك عرفت عدم دلالة الوصف علي المفهوم، فعدم دلالة اللقب عليه أولي، بل غاية ما يفهم من اللقب عدم دلالة الكلام علي ثبوته في غير ما يشمله عموم الاسم و أمّا دلالته علي العدم فلا، فمثلاً إذا قلنا إنّ محمّداً رسول اللّه، فمفاده ثبوت الرسالة للنبي صلَّي الله عليه و آله

و سلَّم و عدم دلالة الكلام علي ثبوتها لموسي الكليم و أمّا دلالتها علي العدم فلا.

و بذلك يعلم عدم ثبوت المفهوم لما يعد أحد أركان الكلام و القيود الراجعة إليه، كالفاعل و المفعول و المبتدأ و الخبر و الظروف الزمانية و المكانية، فإنّ أقصي ما تدل عليه هذه الأُمور عدم ثبوت ما جاء فيه من الحكم في غير ما ذكر. و أمّا ثبوت العدم و الحكم بالنفي فلا.

تطبيقات

1. يستدل علي حرمة الصور المجسمة لذوات الأرواح، بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: «لا بأس بتماثيل الشجر». (1)

1. الوسائل: 12، الباب 94 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(180)

2. يستدل علي اختصاص خيار الحيوان بالمشتري بصحيح الحلبي عن الصادق عليه السَّلام قال: «في الحيوان كلّه شرط ثلاثة أيام للمشتري و هو بالخيار فيها إن شرط أو لم يشترط». فيدلّ علي نفيه عن البائع بمفهوم اللقب. (1)

3. روي عن أمير المؤمنين عليه السَّلام أنّ رسول اللّه صلَّي الله عليه و آله و سلَّم نهي أن يكفَّن الرجال في ثياب الحرير، فلو قلنا بمفهوم اللقب لدلّ علي جواز تكفين المرأة به. (2)

4. استدل علي وجوب قراءة سورة كاملة بعد الحمد بصحيحة ابن سنان يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحده و مفهومه عدم جواز الاكتفاء بها لغيره. (3)

1. الوسائل: 12، الباب 3، من أبواب الخيار، الحديث 1.

2. الجواهر: 4/170.

3. الجواهر: 9/334.

المقصد الرابع: في العموم و الخصوص

التمهيد

المقصد الرابع: في العموم و الخصوص و فيه فصول

و لنقدم أُموراً:

الأوّل: العام من المفاهيم الواضحة الغنية عن التعريف، و لكن عرّفه الأُصوليون بتعاريف عديدة و ناقشوا فيها بعدم الانعكاس تارة و عدم الاطراد أُخري و لنقتصر علي تعريف واحد و هو:

شمول الحكم لجميع أفراد

مدخوله و يقابله الخاص.

الثاني: ينقسم العام إلي أقسام ثلاثة:

أ. العام الاستغراقي.

ب. العام المجموعي.

ج. العام البدلي.

أ. العام الاستغراقي: و هو لحاظ كلّ فرد فرد من أفراد العام بحياله و استقلاله و اللفظ الموضوع له هو لفظ «كل».

ب. العام المجموعي: و هو لحاظ الأفراد بصورة مجتمعة و اللفظ الدالّ عليه هو لفظ «المجموع» كقولك: أكرم مجموع العلماء.

ج. العام البدلي: و هو لحاظ فرد من أفراد العام لا بعينه و اللفظ الدالّ عليه لفظ «أي» كقولك: أطعم أي فقير شئت.

و علي ذلك فالعام مع قطع النظر عن الحكم يلاحظ علي أقسام ثلاثة و

(184)

لكلّ لفظ خاص يعرب عنه و ربما يقال (1) انّ التقسيم إنّما هو بلحاظ تعلّق الحكم، فمثلاً:

العام الاستغراقي هو أن يكون الحكم شاملاً لكلّ فرد فرد، فيكون كلّ فرد وحده موضوعاً للحكم.

و العام المجموعي هو أن يكون الحكم ثابتاً للمجموع بما هو مجموع، فيكون المجموع موضوعاً واحداً.

و العام البدلي هو أن يكون الحكم لواحد من الأفراد علي البدل، فيكون فرد واحد علي البدل موضوعاً للحكم.

الثالث: ربما يتصوّر انّ في عدِّ القسم الثالث أي العام البدلي من أقسام العموم مسامحة واضحة بداهة انّ البدلية تنافي العموم فإنّ متعلّق الحكم في العموم البدلي ليس إلاّفرداً واحداً و هو ليس بعام. (2)

يلاحظ عليه: أنّه مبني علي تفسير العام بشموله لجميع الأفراد في عرض واحد إمّا بنحو الاستقلال، أو بنحو الجمع و هو اصطلاح خاص و لا مانع من أن يكون العام أعمّ من أن يشمل جميع الأفراد في عرض واحد، أو يشملها لكن كلّ فرد في طول الآخر، فيشمل العامَّ البدلي.

إذا عرفت ذلك، فيقع الكلام في فصول:

1. القائل هو المحقّق الخراساني.

2. أجود التقريرات: 1/443.

الفصل الأوّل: في ألفاظ العموم

الفصل الأوّل: في ألفاظ العموم

لا

شك انّ للعموم ألفاظاً دالّة عليه إمّا بالدلالة اللفظية الوضعية، أو بالإطلاق و بمقتضي مقدّمات الحكمة. (1)

أمّا الدالّ بالوضع عليه فألفاظ مفردة مثل:

أ. كلّ.

ب. جميع.

ج. تمام.

د. أي.

ه. دائماً.

و الألفاظ الأربعة الأُوَل تفيد العموم في الأفراد، و اللفظ الأخير يفيد العموم في الأزمان، فقولك: أكرم زيداً في يوم الجمعة دائماً، يفيد شمول الحكم لكلّ جمعة.

إنّما الكلام في الألفاظ الّتي يستفاد منها العموم بمقتضي الإطلاق و مقدّمات الحكمة و هي عبارة عن:

1. وقوع النكرة في سياق النفي.

2. الجمع المحلّي باللام.

1. سيأتي تفسيرها مفصلاً في مبحث المطلق و المقيد و إجماله أن يكون المتكلّم في مقام البيان و لم يأت في كلامه بقرينة دالّة علي الخصوص، فيحكم عليه بالعموم.

(186)

3. المفرد المحلّي باللام.

فلنأخذ هذه الأُمور الثلاثة بالبحث واحداً تلوَ الآخر.

1. وقوع النكرة في سياق النفي

المعروف انّ «لا» النافية الداخلة علي النكرة تفيد العموم، لأنّها لنفي الجنس و هو لا ينعدم إلاّ بانعدام جميع الأفراد، أو بعبارة أُخري يدل علي عموم السلب لجميع أفراد النكرة عقلاً (1)، لأنّ عدم الطبيعة إنّما يكون بعدم جميع أفرادها.

ثمّ إنّ تعلّق النفي بالطبيعة تارة يكون بملاك عدم وجودها، كقولك: لا رجل في الدار إذا لم يكن هناك أي رجل و أُخري بملاك عدم صحّتها، كقولك: لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب و ثالثة بلحاظ نفي الكمال عنها، نحو: لا صلاة لجار المسجد إلاّ بالمسجد.

2. الجمع المحلّي باللام

من أدوات العموم الجمع المحلّي باللام كقوله سبحانه: (يا أَيهَا الّذينَ آمَنُوا أَوفُوا بالعُقُود) (المائدة/1) و قول القائل: جمع الامير الصاغة.

وهل الدلالة علي العموم بالوضع أو بالإطلاق؟ فيه وجهان.

3. المفرد المحلّي باللام

قد عدّ من ألفاظ العموم، المفرد المحلّي باللام و استدل له بوجوه:

أ. وصفه بالجمع كقوله: أهلك الناسَ الدينار

الصُفْر و الدرهم البيض.

1. المراد من العقل هو العقل العرفي، لا العرف الفلسفي و إلاّ فحسب التحليل الفلسفي أنّ للطبيعة وجودات حسب تعدّد أفرادها، و إعداماً حسب انعدام أفرادها.

(187)

ب. صحّة ورود الاستثناء عليه، كقوله سبحانه: (وَ العَصرِ* إِنَّ الإِنْسانَ لَفِي خُْسر *إِلاّالّذينَ آمَنُوا). (العصر/13).

ج. انّ اللام للتعريف و المعرّف هوأقصي المراتب المساوية للعموم و أمّا غيره فيحتاج إلي دليل يعينه.

يلاحظ عليه: أنّ استفادة العموم في المثال و الآية لأجل القرينة الخارجية، إذ لا فرق بين دينار و دينار و درهم و درهم في إلحاق الضرر بالإنسان.

كما أنّ ماهية الإنسان طبيعة واحدة، فيكون تمام أفراده بحكم الوحدة في الجنس في خسر.

و أمّا الوجه الثالث، فهو وجه عقلي لا يثبت الظهور الذي هو المطلوب، مضافاً إلي أنَّ أقل المراتب يصلح أن يكون هو المعرّف.

(188)

الفصل الثاني: في أن العام بعد التخصيص حقيقة

الفصل الثاني: في أن العام بعد التخصيص حقيقة

هل العام بعد التخصيص حقيقة أو مجاز؟

إذا خُصَّ العام و أُريد به الباقي فهل هو مجاز أو لا؟ فهنا أقوال:

أ. انّه مجاز مطلقاً و هو خيرة الشيخ الطوسي و المحقّق و العلاّمة الحلّي في أحد قوليه.

ب. انّه حقيقة مطلقاً و هو خيرة المحقّق الخراساني و من تبعه.

ج. التفصيل بين التخصيص بمخصص متصل (والمراد منه ما إذا كان المخصص متصلاً بالكلام و جزءاً منه) كالشرط و الصفة و الاستثناء و الغاية فحقيقة، و بين التخصيص بمخصص منفصل (والمراد ما إذا كان منفصلاً و لا يعدّ جزء منه) من سمع أو عقل فمجاز و هو القول الثاني للعلاّمة اختاره في التهذيب.

و الحقّ انّه حقيقة سواء كان المخصص متصلاً أو منفصلاً.

أمّا الأوّل: أي إذا كان المخصص متصلاً بالعام، ففي مثل قولك: «أكرم كلّ عالم عادل» الوصف مخصص متصل للعام

و هو كلّ عالم غير أنّ كلّ لفظة من هذه الجملة مستعملة في معناها، فلفظة «كل» استعملت في استغراق المدخول سواء كان المدخول مطلقاً كالعالم، أو مقيداً كالعالم العادل.

كما أنّ لفظة «عالم» مستعملة في معناها سواء كان عادلاً أو غير عادل و مثله اللفظ الثالث، أعني: عادل، فالكل مستعمل في معناه اللغوي.

نعم لا ينعقد الظهور لألفاظ العموم (كلّ عالم) إلاّ بعد فراغ المتكلّم عن

(189)

كلّ قيد يتصل به و لذلك لا ينعقد للكلام المذكور ظهور إلاّ في الخصوص.

و إن شئت قلت: إنّ المخصص المتصل من باب تعدّد الدالّو المدلول، فهناك دوال:

1. كلّ، 2. عالم، 3. عادل و هناك مداليل و كلّ لفظ استعمل في معناه و إنّما تلزم المجازية لو استعملت لفظة «كل» ، في «كل عالم عادل» أو استعملت لفظة «عالم» في «عالم عادل».

و بعبارة أُخري: أنّ أداة العموم وضعت لاستيعاب المدخول، فلو كان المدخول مطلقاً يدل علي استيعابه و إن كان مقيداً فكذلك، فلفظة «كل» في قولك: أكرم كلّ ضيف مثله في قولك: أكرم كلّ ضيف عادل، فسواء قيد الموضوع، أو أطلق، فلا يحصل أي فرق في ناحية أداة العموم وضعاً و استعمالاً و إن كان هناك تفاوت بين سعة المراد الجدّي و ضيقه.

هذا كلّه في المخصص المتصل.

و أمّّا الثاني: أي المخصص المنفصل، فالتحقيق أنّ التخصيص لا يوجب المجازية في العام بالبيان التالي:

إذا قال المتكلّم: أكرم العلماء و تعلّقت إرادته الجدية بإكرام العلماء العدول. و أشار إلي موضوع الإرادة الجدية بكلام مستقل و قال: لا تكرم العالم الفاسق، فيقع الكلام في أنّ البيان الثاني هل يستلزم كون الجملة الأُولي مستعملة في غير معناها أو لا؟

التحقيق أنّه لا يستلزم ذلك. وجهه أنّ للمتكلّم إرادتين:

الأُولي: الإرادة

الاستعمالية التي تعد مقوّمة للاستعمال و هو إطلاق اللفظ و إرادة معناه و يشترك فيه كلّ من يتكلم عن شعور و إرادة من غير فرق بين الهازل و الممتحِن و ذي الجدّ.

ثمّ إنّ له وراء تلك الإرادة إرادة أُخري و هي ما يعبّر عنها بالإرادة الجدية،

(190)

فتارة لا تتعلّق الإرادة الجدية بنفس ما تعلّقت به الإرادة الاستعمالية، كما في الهازل و الآمر امتحاناً.

و أُخري تتعلّق الأُولي بنفس ما تعلّقت به الثانية بلا استثناء و تخصيص، كما في العموم غير المخصص.

و ثالثة تتعلق الإرادة الجدية ببعض ما تعلّقت به الإرادة الاستعمالية و هذا كالعام المخصص و عند ذاك يشير إلي ذلك البعض بدليل مستقل و يكشف المخصص عن تضيق الإرادة الجدية من رأس دون الإرادة الاستعمالية.

و علي ضوء ذلك يكفي للمقنِّن أن يلقي كلامه بصورة عامة و يقول: أكرم كلّ عالم و يستعمل الجملة في معناها الحقيقي من دون أن يستعملها في معني مضيق. ثمّ إنّه يشير بدليل مستقل إلي مالم تتعلّق به إرادته الجدية كالفاسق مثلاً.

و أكثر المخصصات الواردة في الشرع و القوانين العرفية من هذا القبيل حيث نجد أنّه سبحانه يقول: (يا أَيهَا الّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ و ذَرُوا ما بَقِي من الرِّبا إِنْ كنْتُمْ مُؤْمنينَ) (البقرة/278). ثمّ يرخَّص في السنّة الشريفة و يخصّص حرمة الربا به غير الوالد و الولد، و الزوج و الزوجة، و ما أكثر التخصيص في القوانين الوضعية حيث يتمُّ وضع القانون أوّلاً، ثمّ يلْحقُ به ما يعدُّ متمِّماً له بعد، مثلاً تُفْرض الخدمة العسكرية علي كلّ من بلغ العشرين عاماً، ثمّ يلحق به متمم آخر و هو إعفاء المريض و الطالب و غيرهما منها.

كلّ ذلك يتم بصورة المخصص المنفصل.

فاعلم أنّ

التخصيص بالمنفصل إنّما يوجب مجازية العام المخصَّص إذا استعمله المتكلّم في غير معناه العام من أوّل الأمر، كأن يريد بقوله: أكرم العلماء «العلماء غير الفساق» و لكنّه أمر علي خلاف المتعارف، فالمتكلّم يستعمله في نفس ما وضع له، بالإرادة الاستعمالية، أو قل بالإرادة التفهيمية.

ثمّ إنّه لو كان المراد بالإرادة الاستعمالية نفسَ المراد بالإرادة الجدية لسكت،

(191)

و لم يعقبه بشيء و أمّا إذا كان المراد بالإرادة الاستعمالية غير المراد بالإرادة الجدية من حيث السعة و الضيق لأشار إلي إخراج بعض ما ليس بمراد جداً، و يقول: لا تكرم فساق العلماء و هذا إن دلّ علي شيء فإنّما يدلّ علي ضيق الإرادة الجدية من أوّل الأمر، و أمّا الإرادة الاستعمالية فتبقيعلي شموليتها للمراد الجدي و غيره و هذا رائج في المحاورات العرفية و الملاك في كون الاستعمال حقيقة أو مجازاً هي الإرادة الأُولي، و المفروض أنّ العام حسب تلك الإرادة مستعمل في نفس ما وضع له و إن ورد التخصيص فإنّما يرد علي ما هو المراد بالإرادة الجدية.

فخرجنا بهذه النتيجة: انّ العام المخصص سواء كان التخصيص متصلاً أم منفصلاً حقيقة لا مجاز فيه و يجمع كلا التخصيصين كونُ العام و الخاص من قبيل تعدّد الدال و المدلول.

سؤال: لماذا لا يستعمل المتكلّم العامَّ في الخاص من أوّل الأمر أي فيما هو متعلّق الإرادة الجدية، بل يستعمله منذ بدء الأمر في العموم ثمّ يشير بدليل ثان إلي التخصيص.

الجواب: إنّما يستعمله كذلك لضرب القاعدة و إعطاء الضابطة فيما إذا شك المخاطبُ في خروج بعض الأفراد، حتي يتمسك بالعموم إلي أن يثبت المخصص.

و هذا لا يتم إلاّ باستعماله من أوّل الأمر في العموم بخلاف ما إذا استعمله في الخصوص و في غير

معناه الحقيقي فلا يمكن للمخاطب التمسك بعموم العام في موارد الشك، لأنّ للمعني المجازي مراتب (1) مختلفة، و لا نعلم أي مرتبة من تلك المراتب هي المرادة، فيصير الكلام مجملاً في صورة الشك.

1. و حيث يحتمل انّه استعمله في تمام الباقي كما يحتمل استعماله في بعض الباقي و للبعض الباقي أصناف مختلفة، مثلاً العلماء غير القرّاء، العلماء غير النحاة، العلماء غير الفقهاء، فالكل يعدّ من المجاز حيث إنّ اللفظ فيها ليس بحقيقة فتعيين أحدها يحتاج إلي دليل.

(192)

الفصل الثالث: في أنّ العام المخصَّص حجّة في الباقي

الفصل الثالث: في أنّ العام المخصَّص حجّة في الباقي

حجّية العام المخصَّص في الباقي

إذا ورد عام و تبعه التخصيص ثمّ شككنا في ورود تخصيص آخر عليه غير ما علم، فهل يكون العام حجّة فيه أو لا؟ و هذا ما يعبّر عنه في الكتب الأُصولية ب «هل العام المخصص حجّة في الباقي أو لا؟»: مثلاً إذا ورد النص بحرمة الربا، ثمّ علمنا بخروج الربا بين الوالد و الولد عن تحت العموم و شككنا في خروج سائر الأقربين كالأخ و الأُخت، فهل العام (حرمة الربا) حجّة في المشكوك أو لا؟

هناك مبنيان:

الأوّل: انّ العام المخصَّص مستعمل في معناه الحقيقي بالإرادة الإستعمالية و إن ورد عليه التخصيص فإنّما يخصص الإرادة الجدية و إلاّ فالإرادة الاستعمالية باقية علي حالها لا تمس كرامتها. هذا من جانب.

و من جانب آخر إنّ الأصل العقلائي هو تطابق الإرادة الاستعمالية مع الإرادة الجدية إلاّ ما علم فيه عدم التطابق.

فيترتب علي هذين الفرضين، حجّيته في الموارد المشكوكة، كالربا بين الأخوين.

و هذه (أي حجّية العام المخصص في الباقي) هي الثمرة للفصل السابق في كون العام المخصص حقيقة في الباقي و ليس مجازاً.

(193)

الثاني: انّ العام المخصص مستعمل في غير معناه الحقيقي، فإنّ

العالم موضوع لمن قام به العلم، فإذا خرج منه العالم الفاسق يلزم استعماله في غير ما وضع له و عندئذ يكون المعني المستعمل فيه مردّداً بين معاني متعدّدة لتعدّد مراتب المجازات.

فلو قلنا بأنّ جميع المراتب سواء يلزم إجمال العام لعدم العلم بالمعني المستعمل فيه.

ولو قلنا بأنّ الباقي (العالم غير الفاسق) أقرب المجازات فيتعين هو و قد قالوا إذا تعذّرت الحقيقة فأقرب المجازات أولي.

و لكن المبني الثاني غير تام و الصحيح ما ذكرنا و يترتّب عليه حجّية العام في الباقي بلا كلام.

(194)

الفصل الرابع: في سراية إجمال المخصِّص مفهوماً إلي

الفصل الرابع: في سراية إجمال المخصِّص مفهوماً إلي العام

سراية إجمال المخصِّص مفهوماً إلي العام

كان البحث في الفصل السابق منصبّاً علي حجية العام في الباقي بعد كون المخصص مبيناً لا إجمال فيه و إنّما كان الشك في تخصيص زائد بمعني احتمال أن يكون هناك تخصيص وراء التخصيص الأوّل، فقد قلنا بحجّية العام في الباقي مالم يثبت تخصيص آخر.

و أمّا البحث في هذا الفصل فهو فيما إذا كان المخصص مجملاً مفهوماً و صار إجماله سبباً للشك في بقاء مورد تحت العام، أو داخلاً تحت الخاص و علي هذا فالفصلان مختلفان موضوعاً و محمولاً و إن كانا يشتركان في تعلّق الشك ببقاء فرد أو عنوان تحت العام، لكن منشأ الشك في الفصل السابق، احتمال طروء تخصيص زائد علي العام و في المقام وجود الإجمال في المخصِّص فالمسألتان متغايرتان.

ثمّ إنّ إجمال المخصص مفهوماً علي قسمين: فتارة يكون مفهوم المخصص مردّداً بين الأقل و الأكثر، و أُخري يكون مفهومه مردّداً بين المتباينين و إليك توضيح القسمين بذكر بعض الأمثلة.

أمّا المخصص المردّد بين الأقل و الأكثر، فإليك مثالين:

أ. إذا قال: كلّ ماء طاهر إلاّما تغير طعمُه أو لونُه أو رائحته،

فإنّ المخصِّص مردّد بين كون المراد خصوص التغير الحسي، أو ما يعمّه و التغير التقديري، كما إذا مزج الماء الذي وقعت فيه النجاسة، مع الطيب علي فرض لولاه

(195)

لظهر التغير بإحدي صوره الثلاث، فالمخصص (إلاّما تغير) مردّد بين الأقل و هو التغير الحسّي و الأكثر و هو شموله له و التقديري.

ب. إذا قال: أكرم العلماء إلاّالفساق و تردّد مفهوم الفاسق بين مرتكب الكبيرة، أو هو و مرتكب الصغيرة، فهو مردّد بين الأقل و هو مرتكب الكبيرة و الأعمّو هو مرتكب الكبيرة و الصغيرة.

و أمّا المخصص المردّد بين المتباينين.

فكما إذا قال المولي: أكرم العالم إلاّ سعداً و تردّد بين سعد بن زيد و سعد ابن بكر، فالإجمال في المفهوم صار سبباً لتردّد المخصّص بين المتباينين.

إذا وقفت علي إجمال المفهوم بقسميه، فاعلم أنّ الصور المتصوّرة في المقام أربع. لأنّ المخصّص المجمل إمّا متصل أو منفصل و إجمال كلّ، إمّا لدورانه بين الأقل و الأكثر، أو بين المتباينين و إليك أحكام الصور الأربع:

الصورة الأُولي: المخصص المتصل الدائر مفهومه بين الأقل و الأكثر

إذا كان العام مقروناً من أوّل الأمر بمخصص مجمل مفهوماً مردّد أمره بين الأقل و الأكثر كما عرفت في المثالين، فلا شك في أمرين:

1. انّ الخاص حجّة في الأقل أعني: التغير الحسّي و مرتكب الكبيرة و ليس العام حجّة فيهما بلا كلام.

2. انّ الخاص ليس حجّة في المصداق المشكوك، أي التغير التقديري و مرتكب الصغيرة.

إنّما الكلام في أمر ثالث و هو هل العام حجّة في هذا الفرد المشكوك أو لا؟ و المسألة مبنية علي سريان إجمال المخصص إلي العام فلا يكون حجّة فيه و عدمه فيكون حجّة.

(196)

التحقيق انّه يسري، لأنّ المخصص المتصل من قبيل القرائن المتصلة بالكلام و

ما هذا شأنه يوجب «عدم انعقاد ظهور للعام إلاّفيما عدا الخاص» فإذا كان الخاص مجملاً سري إجماله إلي العام، لأنّ ما عدا الخاص غير معلوم فلا يحتج بالعامّ في مورد الشك.

وإن شئت قلت: إنّ التخصيص بالمتصل أشبه شيء بالتقييد حيث يعود الموضوع مركباً من العام و عنوان «غير الفاسق» فلابدّ في الحكم بوجوب الإكرام (حكم العام) من إحراز كلا الجزئين، أعني: كونه عالماً و كونه غير فاسق و الأوّل و إن كان محرزاً بالوجدان و لكن الثاني (غير فاسق) غير محرز، لأنّه لو كان الفاسق موضوعاً لمرتكب الكبيرة فمرتكب الصغيرة غير فاسق و لو كان موضوعاً للأعم فهو فاسق و عندئذ لم يحرز عندنا الجزء الآخر، أي أنّه غير فاسق للجهل بالمفهوم حتي يتمسك بالعام.

الصورة الثانية: المخصص المتصل الدائر مفهومه بين المتباينين

إذا ورد العام منضماً إلي مخصص دائر مفهومه بين أمرين متباينين ليس بينهما قدر مشترك حتي يدور الأمر بين الأقل و الأكثر، كما إذا قال: أكرم العالم إلاّ سعداً و كان مردّداً بين سعد بن زيد و سعد بن بكر، فلا يمكن التمسّك بالعام في واحد منهما للبيان السابق حيث إنّ العام حجّة فيما عدا الخاص، فيجب إحراز كلا الجزئين: الأوّل: انّه (عالم) و الثاني انّه (ليس سعداً) و بما أنّ سعداً مردّد مفهوماً بين الفردين، فلا يكون موضوع العام محرزاً بتمامه في أيواحد من الفردين.

الصورة الثالثة: المخصص المنفصل الدائر مفهومه بين الأقلّ و الأكثر

إذا ورد العام مجرداًعن المخصص ثمّ لحقه مخصص منفصل دائر مفهومه بين الأقل و الأكثر، كما إذا قال: أكرم العلماء و قال بعد فترة: لا تكرم فسّاق

(197)

العلماء، فلا شك أنّ العام ليس بحجّة في مرتكب الكبيرة و يقع الكلام في

كونه حجّة في مرتكب الصغيرة.

المشهور بين المحقّقين كونه حجّة في مورد الصغيرة و يقع الكلام في بيان ما هو الفرق بين المتصل و المنفصل حيث إنّ إجمال المخصص المتصل يسري إلي العام عند دورانه بين الأقل و الأكثر و لا يسري إليه إجمال المخصص المنفصل إذا دار أمره بينهما و إليك بيان الفرق:

إنّ اتصال المخصص يوجب عدم انعقاد ظهور للعام من أوّل الأمر إلاّفي العنوان المركب، فلا يكون هنا إلاّدليل واحد و له ظهور واحد.

و هذا بخلاف ما إذا كان المخصص منفصلاً، فإنّه ينعقد للعام ظهور في العموم و يعمّ قوله: أكرم العلماء مرتكبَ الصغيرة وا لكبيرة معاً في بدء الأمر و يكون حجّة فيهما.

ثمّ إذا لحقه المخصص المنفصل فهو لا يزاحم ظهوره، لأنّ ظهوره انعقد في العموم و إنّما يزاحم حجّيته في العموم، لأنّ ظهور الخاص أقوي و بما انّ المخصص المنفصل ليس حجّة إلاّ في مرتكب الكبيرة دون الصغيرة، بل كان فيها مشكوك الحجية فيتمسك بالعام الذي انعقد ظهوره في العموم و كان حجّة فيه ما لم يكن هناك حجّة أُخري و المفروض عدمها.

و بعبارة أُخري: العام المنفصل عن المخصص ينعقد ظهوره في العموم، فيكون حجّة في وجوب أكرام العالم أعم من مرتكب الصغيرة أو الكبيرة و هذا الظهور حجّة ما لم يكن هناك دليل أقوي و المفروض أنّ الدليل الأقوي مجمل مردّد بين الأقل و الأكثر، فلا يكون حجّة في المشكوك أي الأكثر فلا ترفع اليد عن الحجّة السابقة إلاّ بمقدار ما ثبتت حجّية الخاصّ فيه و ليس هو إلاّ مرتكب الكبيرة فيتمسك في مورد الصغيرة، بالعام.

(198)

الصورة الرابعة: المخصص المنفصل الدائر مفهومه بين المتباينين

إذا ورد العام مجرداً عن المخصص، ثمّ لحقه المخصص

بعد فترة و لكن دار أمره بين متباينين، كما إذا قال: «أكرم العالم» ، ثمّ قال بعد فترة: «لا تكرم سعداً» و كان سعد اسماً مردّداً بين شخصين، فهل يكون العام حجّة في واحد منهما؟

التحقيق: انّه لا يكون العام حجّة بل يسري إجمال المخصص و إن كان منفصلاً إلي العام و وجه ذلك مع أنّه يشترك مع الصورة الثالثة في انفصال المخصص و لكن يفارقه في شيء آخر و هو عدم وجود العلم الإجمالي في الصورة الثالثة في مورد مرتكب الصغيرة بل كان الشك فيه شكاً بدوياً بخلاف المقام، فإنّ هنا علماً إجمالياً بحرمة أو عدم وجوب إكرام أحد الشخصين و مع هذا العلم كيف يمكن التمسك بظهور العام و إن انعقد ظهوره قبل لحوق المخصص المنفصل به في العموم، بل يسقط العموم عن الحجية في كلّواحد منهما.

فخرجنا بالنتائج التالية:

1. يسري إجمال المخصص المتصل الدائر أمره بين الأقل و الأكثر إلي العام.

2. يسري إجمال المخصص المتصل الدائر أمره بين المتباينين إلي العام.

3. يسري إجمال المخصص المنفصل الدائر أمره بين المتباينين إلي العام. (1)

4. لا يسري إجمال المخصص المنفصل الدائر أمره بين الأقل و الأكثر إلي العام.

1. هذه هي الصورة الرابعة قدمناها في المقام لمساواة حكمها مع القسمين الأوّلين.

الفصل الخامس: في إجمال المخصص مصداقاً

الفصل الخامس: في إجمال المخصص مصداقاً

إجمال المخصص مصداقاً

إذا كان المخصص مبيناً مفهوماً، لكن وقع الشك في دخول فرد من أفراد ما ينطبق عليه العام، فيه فمثلاً، قال رسول اللّه صلَّي الله عليه و آله و سلَّم: «علي اليد ما أخذت حتي تؤدي» و هو عام يشمل اليد العادية و اليد الأمينة، ثمّ لحقه المخصص فأخرج اليد الأمينة.

فلو تلف مال تحت يد إنسان مردّدة مصداقاً بين كونها يدعادية

أو يد أمانة، فالإجمال ليس في مفهوم العام و لا في مفهوم الخاص، و إنّما الإجمال في المصداق و الأمر الخارجي حيث إنّ كيفية اليد مردّدة بين كونها باقية تحت العام أو كونها خارجة عنه، فهل يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للخاص، أو لا؟

ربما ينسب إلي القدماء صحّة التمسك و لذلك أفتوا في مثال اليد المشكوكة، بالضمان و لكن الحقّ خلافه.

بيانه: انّ الخاص (اليد الأمينة) و إن لم يكن دليلاً في الفرد المشتبه، كما في المقام لتردّده بينها و بين غيرها و لكنه يوجب اختصاص حجية العام في غير عنوان المخصص، فكأنّه صلَّي الله عليه و آله و سلَّم قال: علي اليد «إذا لم تكن أمينة ما أخذت حتي تؤدي» ، فالاحتجاج بالعام في مورد الشبهة مبني علي إحراز كلا العنوانين:

أ. استيلاؤه علي العين و هو محرز بالوجدان.

ب. استيلاؤه علي وجه العدوان و غير الأمانة و هو مشكوك.

(200)

ومع الشك في صدق الجزء الثاني علي المورد كيف يتمسك بالعام و يحكم بالضمان؟

و إلي ما ذكرنا يرجع قول العلماء: «إنّ الخاص و إن لم يكن حجّة في مورد المشتبه، لكنّه يجعل العام السابق حجّة في غير عنوانه فيجب علي المتمسك إحراز كلا العنوانين».

هذا من غير فرق بين كون المخصص متصلاً أو منفصلاً، فإنّ المخصص علي وجه الإطلاق يضيق دائرة الحجّية.

نعم هنا فرق بين المخصص المتصل و المنفصل في جميع الموارد و لكنّه غير فارق امّا الفرق فهو أنّ المخصص المتصل يزاحم ظهور العام فضلاً عن حجّيته و يوجب أن لا ينعقد له ظهور في العموم و لكن المنفصل لانفصاله لا يزاحم ظهور العام، لأنّ المفروض أنّ العام قد انعقد له ظهور و لم يكن للمخصص أي

أثر و إنّما يزاحم حجّيته بمعني يسلب عنه الحجّية في مورد التخصيص و علي كلا الفرضين فالعام لا يحتج به في المقام إمّا لورود الخدشة علي ظهور العام فيه، إذا كان المخصص متصلاً، أو علي حجّيته فيه، اذا كان منفصلاً.

وقد خرجنا بالنتيجة التالية:

وهي انّ العام ليس حجّة في الشبهة المصداقية للمخصص.

سؤال: إذا كان هذا هو مقتضي القاعدة، فلماذا أفتي المشهور بضمان اليد المشكوكة مع أنّه من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص؟

الجواب: انّ الإفتاء بالضمان ليس من هذا الباب، بل لأجل ضابطة فقهية سارية في أمثالها و هي:

إذا كان طبع العمل مقتضياً للفساد و كانت الصحّة حالة طارئة، عليه فلا تجري فيه أصالة الصحّة بل يحكم عليه بالفساد مالم يحرز مسوغ الصحّة. و التصرف

(201)

في مال الغير يقتضي الضمان بطبعه، و عدم الضمان أمر طارئ استثنائي، فاللازم هو الأخذ بمقتضي طبيعة الموضوع إلي أن يثبت خلافه، و إليك نظائرها:

1. إذا باع غير الولي مال اليتيم و احتمل كون بيعه مقروناً بالمسوغ، فلا يحكم عليه بالصحّة إلاّ بالعلم و البينة علي وجوده، لأنّ طبع العمل (بيع مال اليتيم) محكوم بالفساد، فهو محكوم بمقتضي الطبع إلي أن يعلم خلافه.

2. إذا قام الموقوف عليه ببيع الوقف فلا يحكم عليه بالصحة إلاّ بإحراز أحد المسوغات، لأنّ طبع بيع الوقف يقتضي الفساد و الصحّة أمر طارئ عليه، فيحكم بمقتضي الطبع إلي أن يعلم خلافه.

3. إذا تردّدت المرأة بين كونها ممّن يجوز النظر إليها و غيرها فلا يجوز النظر إليها، لأنّ مقتضي طبع العمل في المقام هو حرمة النظر و جواز النظر أمر طارئ علي مطلق المرأة، فيحكم بحرمة النظر إلي أن يعلم المسوغ.

(202)

الفصل السادس: في التمسّك بالعام قبل الفحص عن المخص

الفصل السادس: في التمسّك بالعام قبل الفحص

عن المخصص

التمسّك بالعام قبل الفحص عن المخصص

إنّ ديدَن العقلاء في المحاورات العرفية هو الإتيان بكلّ ما له دخل في كلامهم و مقاصدهم دون فرق بين القضايا الجزئية أو الكلية و لذا يتمسّك بظواهر كلامهم من دون أي تربص.

و أمّا الخطابات القانونية التي ترجع إلي جَعْل القوانين و سَنِّ السُنن سواء كانت دولية أو إقليمية، فقد جرت سيرة العقلاء علي خلاف ذلك، فتراهم يذكرون العام و المطلق في باب و المخصص و المقيد في باب آخر، كما أنّهم يذكرون العموم و المطلق في زمان و بعد فترة يذكرون المخصِّص و المقيد في زمان آخر، لدواع و أغراض غير خفية كقلّة إحاطتهم بملاكات الأحكام و مصالح العباد فربما يتراءي في أنظارهم أنّ المصلحة في جعل الحكم علي وجه العام لكن يثبت مرور الزمان خلاف ذلك و أنّ الملاك قائم ببعض الأفراد. فيخصّ العام و يقيد المطلق بملحق.

وقد سلك التشريع الإسلامي هذا النحو لا لأجل عدم الإحاطة بالملاكات الواقعية، بل لأجل وجود المصلحة في بيان الأحكام تدريجاً و إليه يشير قوله سبحانه:

(وَقالَ الّذينَ كفَرُوا لَولا نُزِّلَ عَلَيهِ القُرآنُ جُمْلَةً واحدَةً كذلِك لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَك وَ رَتَّلْناهُ تَرْتيلاً) (الفرقان/32).

فجُعِل تثبيت فؤاد النبي دليلاً علي نزول القرآن نجوماً و هذا أحد الأسباب

(203)

لبيان الأحكام عن طريق الوحي القرآني تدريجاً و ليس ثمة سبباً منحصراً بل هناك أسباب أُخري له.

هذا هو حال التشريع القرآني و مثله حال السنة فقد اتبعتْ النهجَ القرآني في بيان الأحكام تدريجاً في فترة تقرب من 250 سنة، فتجد ورود العموم في كلام النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم و المخصص و المقيد في كلام الأوصياء و ما هذا شأنه لا يصحّ عند العقلاء التمسك بالعموم

قبل الفحص عن مخصصاته أو بالمطلق قبل الفحص عن مقيداته.

نعم لا يجب الفحص عن المخصص المتصل، لأنّ سقوطه عن كلام المتكلّم علي خلاف الأصل، لأنّ سقوطه عمداً تنفيه وثاقة الراوي و سهواً يخالفه الأصل العقلائي المجمعَ عليه.

هذا هو الدليل الرصين علي وجوب الفحص عن المخصص قبل العمل بالعام.

وقد استدل بوجوه أُخري مذكورة في المطولات.

ثمّ اعلم أنّ المشهور بين الأُصوليين أنّ الفحص عن المخصص بحث عمّا يزاحم الحجّية، فالعام حجّة تامة بلا كلام و الفحص عن المخصص بحث عن الحجّة الثانية التي ربما تزاحم الحجّة الأُولي. (1)

1 و بذلك يفارق الفحص هنا عن الفحص عن الدليل الاجتهادي في العمل بالأُصول العملية، فإنّ الفحص هنا فحص عن متمّم الحجّية، لأنّ موضوع الأُصول العملية هو الشك في ظرف عدم البيان، فما لم يتحقّق الفحص لا يحرز موضوع الأصل (عدم البيان) و لا يحصل المقتضي.

(204)

الفصل السابع: في تعقيب العام بضمير يرجع إلي بعض أف

الفصل السابع: في تعقيب العام بضمير يرجع إلي بعض أفراده

تعقيب العام بضمير يرجع إلي بعض أفراده

إذا كان هناك عام يتعقّبه ضمير يرجع إلي بعض أفراده، فهل يوجب ذلك تخصيص العام أو لا؟ مثاله قوله سبحانه: (وَالمُطلَّقاتُ يتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةُ قُروء وَ لا يحلُّ لَهُنَّ أَنْ يكتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ في أَرْحامِهنَّ إِنْ كنَّ يؤْمِنَّ بِاللّهِ وَ اليومِ الآخر وَ بُعُولَتهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِك إِنْ أَرادُوا إِصلاحاً …) (البقرة/228).

فقد دلّ الدليل علي أنّه ليس كلّ بعل أحقّ باسترجاع مطلّقته و إنّما يستحق إذا كان الطلاق رجعياً لا بائناً، فيقع الكلام في أنّه يوجب ذلك تخصيص العام و اختصاص التربص أيضاً (كالاسترجاع) للرجعيات، أو يبقي العام علي عمومه سواء كانت رجعية أو بائنة و يتصرف في الضمير فقط. وجهان:

توضيحه: انّ هنا حكمين:

1. حكم العام، أعني

قوله: (وَالمُطلَقاتُ يتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةُ قُروء) و ظاهره عموم حكم التربّص لعامة المطلّقات رجعية كانت أو بائنة.

2. حكم الضمير الراجع إلي العام، أعني: حقّ الرجوع في قوله: (بُعُولَتهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِن) فقوله: (أَحَقُّ) لا يشمل كل بعل بل البعض أي المطلِّق رجعياً.

فعندئذ يقع التنافر بين الحكمين، حكم المرجع و حكم الضمير، فلابدّمن علاجه بإحدي الصور التالية:

أ. التصرّف في المرجع بإخراج البائنة عن حكمه و ذلك لأجل أنّ الحكم الثاني يرجع إلي بعض المطلقات، فيشكلُ قرينة علي أنّ الحكم الأوّل (التربص)

(205)

لبعض الأفراد، فيحصل التطابق بين المرجع و الضمير.

ب. التصرّف في الضمير بارتكاب الاستخدام فيه بعوده إلي خصوص المطلقة الرجعية و إبقاء حكم العام علي عمومه.

ج. عدم التصرّف في واحد من المرجع و الضمير و التصرّف في الإسناد و ذلك بإسناد الحكم المسند إلي البعض (الرجعية) إلي الكل (مطلق المطلقة) توسعاً و تجوزاً، فيكون مجازاً في الإسناد، بلا تصرف في المرجع و لا في الضمير.

و هناك وجه رابع و هو عدم الحاجة إلي التصرف مطلقاً و ذلك لأنّه يمكن أن يقال إنّ الحكمين باقيان علي عمومهما.

1. فالمطلقات كلهنّ يتربصن بلا استثناء، و الإرادة الاستعمالية فيها مطابقة للجدية.

2 و بعولتهن أحقّ بردهنّ بلا استثناء لكن بالإرادة الاستعمالية و أمّا الإرادة الجدية فقد تعلّقت به خصوص الرجعية و ذلك بشهادة الدليل القطعي علي خروج بعض الأصناف كما إذا كان الطلاق بائناً عنه.

و تظهر صحّة ما ذكرنا ممّا تقدّم في الفصل الثاني من هذا المقصد (عدم استلزام التخصيص المجاز في العام) فالعلم بتخصيص الحكم بالرجعية لا يستلزم استعمال الضمير في بعض ما يراد من العموم حتي يدور الأمر بين أحد المجازات، بل من الجائز أن يستعمل الضمير في المعني العام أيضاً

غاية الأمر علمنا بدليل خارجي اختصاص الحكم بالرجعية. و أقصي ما يلزم من ذلك تخصيص الإرادة الجدية في جانب الضمير لا الاستعمالية كما هو الضابطة في كلّ تخصيص.

(206)

الفصل الثامن: في تخصيص العام بالمفهوم

الفصل الثامن: في تخصيص العام بالمفهوم

تخصيص العام بالمفهوم

إذا كان هناك عام و دليل آخر له مفهوم، فهل يقدّم المفهوم علي العام أو لا؟

و إنّما عقدوا هذا البحث مع اتّفاقهم علي تقديم المخصص علي العام لأجل تصوّر أنّ الدلالة المفهومية (و إن كانت أخص) أضعف من الدلالة المنطوقية (العموم) و لأجل ذلك عقدوا هذا الفصل و انّه هل يقدم مع ضعفه أو لا؟ و يقع الكلام في مباحث ثلاثة:

المبحث الأوّل: تخصيص العام بالمفهوم الموافق.

المبحث الثاني: تخصيص العام بالمفهوم المخالف إذاكانا متصلين.

المبحث الثالث: تخصيص العام بالمفهوم المخالف إذا كانا منفصلين.

المبحث الأوّل: تخصيص العام بالمفهوم الموافق

قد نقل الاتفاق علي جواز التخصيص بالمفهوم الموافق و انّ الاختلاف إنّما هو في المفهوم المخالف، فمثلاً إذا قال: اضرب من في الدار، ثمّ قال: و لا تقل للوالدين أُف.

فالدليل الثاني يدل علي حرمة ضرب الوالدين أيضاً إذا كانا في الدار فيخصص العام بهذا المفهوم.

(207)

المبحث الثاني: في تخصيص العام بالمفهوم المخالف المتصل

إذا كان العام و ما له مفهوم في كلام واحد علي نحو يصلح أن يكون كلّ قرينة علي التصرف في الآخر، فهل يخصص العام بالمفهوم المخالف إذا كانا متصلين، كقوله سبحانه: (إِنْ جاءَكمْ فاسِقٌ بِنَبَأ فتبَينُوا أَن تُصِيبُوا قَوماً بِجَهالَة فَتُصْبِحُوا عَلي ما فَعَلْتُمْ نادِمينَ) (الحجرات/6).

فلو قلنا بمفهوم الوصف، فالصدر ظاهر في اختصاص التبين بخبر الفاسق و عدم وجوب التبين في خبر العادل.

و لكن الذيل عام يعمّ خبر العادل و الفاسق، أعني قوله: (أَن تُصِيبُوا قَوماً بِجَهالَة) حيث إنّ الجهالة بمعني عدم العلم بالواقع

(1) و هي بعمومها توجب التبين لكلّ خبر غير علمي سواء كان المخبر فاسقاً أو عادلاً.

و علي أي حال فيتردّد الأمر بين رفع اليد عن المفهوم و الأخذ بالعموم، أو الأخذ بالمفهوم و التصرف في العموم، و لا يتعين أحد الأمرين إلاّ بتعيين الأظهر منهما، فيقدّم علي الظاهر، و أمّا انّ الأظهر هل هو المفهوم أو العام فيختلف حسب الموارد. و أمّا ما هو الأظهر في الآية، فسيوافيك عند البحث في حجية الخبر الواحد.

المبحث الثالث: تخصيص العام بالمفهوم المخالف إذا كانا منفصلين

إذا كان العام في كلام و ماله مفهوم في كلام آخر منفصلين فهل يخصص العام بالمفهوم أو لا؟

فالظاهر أنّه إذا لم تكن قوّة لأحد الدليلين في نظر العرف علي الآخر يعود

1. هذا إذا قلنا بأنّ الجهالة بمعني عد م العلم، لا بمعني السفاهة و ما يقرب منها، و أمّا عليه، فلا يشمل العام خبر العادل حتي يكون المفهوم مخصِّصاً له و سيوافيك معناها عند البحث عن حجّية الخبر الواحد.

(208)

الكلام مجملاً و أمّا إذا كان أحدهما أظهر من الآخر كما إذا كان حكم العام معللاً بشيء غير قابل للتخصيص، فيقدّم علي المخصص سواء كان مفهوماً أو منطوقاً، و إليك المثال:

أ. روي محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام: انّه سئل عن الماء يبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب، قالعليه السَّلام: «إذاكان الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء». (1)

فالرواية تحمل المفهوم و هو أنّ الماء إذا لم يكن قدر كرّ يتنجس بالنجس. و في مقابله عام قابل لتخصيصه بمفهوم الحديث المتقدم.

ب. روي محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السَّلام قال: «ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلاّ

أن يتغير ريحُه أو طعمُه، فينزَحُ حتي يذهبَ الريحُ و يطيب طعمُه، لأنّ له مادة». (2)

وهو يدل علي اعتصام ماء البئر و عدم انفعاله بالملاقاة سواء كان كراً أو غير كر، فهل يخصص العام (لا يفسده شيء) بالمفهوم المستفاد عن الشرطية في الحديث المتقدّم، فيختص اعتصام البئر بما إذا كان كراً لا قليلاً أو لا؟

ج. روي ابن إدريس في أوّل السرائر و المحقّق في المعتبر، وا لمتبادر منهما انّ الحديث متّفق عليه انّه قالعليه السَّلام: «خلق اللّه الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلاّ ما غير لونه أو طعمه أو ريحه». (3)

و مفاده عام يعمّ القليل و الكثير، فهل يخصص بالمفهوم المستفاد من الحديث الأوّل أو لا؟

1. الوسائل: 1، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 1.

2. الوسائل: 1، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 6.

3. الوسائل: 1، الباب 1 من أبواب الماء المطلق، الحديث 9.

الفصل التاسع: تخصيص الكتاب بالخبر الواحد

الفصل التاسع: تخصيص الكتاب بالخبر الواحد

تخصيص الكتاب بالخبر الواحد

اتّفق الأُصوليون علي الأمرين التاليين:

أ. تخصيص الكتاب بالكتاب.

ب. تخصيص الكتاب بالخبر المتواتر.

و اختلفوا في تخصيص الكتاب بالخبر الواحد علي أقوال ثلاثة:

القول الأوّل: عدم الجواز مطلقاً و هو خيرة السيد المرتضي في «الذريعة» و الشيخ الطوسي في «العدّة» ، و المحقّق في «المعارج».

القول الثاني: الجواز مطلقاً و هو خيرة المتأخّرين.

القول الثالث: التفصيل بين تخصيص الكتاب بمخصص قطعي قبله فيجوز بالخبر الواحد و عدمه فلا يجوز به.

و الكلام يقع في موردين:

الأوّل: تبيين مجملات القرآن و مبهماته بالخبر الواحد.

الثاني: تخصيص أحكامه و تقييد مطلقاته به.

أمّا الأوّل: فلا شك أنّ كثيراً من الآيات الواردة حول الصلاة و الزكاة و الصوم و غيرها واردة في مقام أصل التشريع و لأجل ذلك تحتاج إلي البيان و الخبر

الواحد بعد ثبوت حجيته يكون مبيناً لمجملاته و موضحاً لمبهماته و لا يعدُّ مثل ذلك مخالفاً للقرآن و معارضاً له، بل يكون في خدمة القرآن و الغاية المهمة من وراء

(210)

حجّية خبر الواحد هو ذلك.

أمّا الثاني: فقد استدل المتأخرون علي جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد بوجهين:

الوجه الأوّل: جريان سيرة الأصحاب علي العمل بأخبار الآحاد في قبال عمومات الكتاب و احتمال أن يكون ذلك بواسطة القرينة المفيدة للعلم بعيد جدّاً، فمثلاً خصصت آية الميراث: (يوصيكمُ اللّهُ فِي أَولادِكمْ لِلذَّكرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيين) (النساء/11) بالسنّة كقوله: لا ميراث للقاتل. (1)

2. كما خصصت آية حلية النساء، أعني قوله: (أُحِلَّ لَكمْ ما وراء ذلِكمْ) (النساء/24) بما ورد في السنّة من أنّ المرأة لا تزوّج علي عمّتها و خالتها. (2)

3. خصصت آية الربا بما دلّ علي الجواز بين الولد و الوالد و الزوج و الزوجة.

الوجه الثاني: إذا لم نقل بجواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد لزم إلغاء الخبر بالمرَّة إذ ما من حكم مروي بخبر الواحد إلا بخلافه عموم الكتاب و لا يخلو الوجه الثاني عن إغراق.

هذا و لنا نظر خاص في تخصيص الكتاب بخبر الواحد أوضحناه في محاضراتنا الأُصولية.

ثمّ لو قلنا بجواز تخصيص القرآن بخبر الواحد لا نجيز نسخه به، لأنّ الكتاب قطعي الثبوت و خبر الواحد ظني الصدور، فكيف يسوغ نسخ القطعي بالظني خصوصاً إذا كان النسخ كلياً لا جزئياً، أي رافعاً للحكم من رأسه و إليك المثال:

1. الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1.

2. الوسائل: 14، الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة و نحوها.

(211)

قال سبحانه: (كتِبَ عَلَيكمْ إِذا حَضَرَأَحَدَكمُ الْمَوتُ إِنْ تَرَك خَيراً الْوَصِيةُ لِلْوالِدَينِ وَ الأَقْرَبينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَي الْمُتَّقين) (البقرة/180).

و يدل لحن الآية

علي أنّ الوصية أمر قطعي لا تزول عبر الزمان بشهادة قوله: (كتب عليكم) الحاكي عن الثبوت و اللزوم، كما أنّ تذييل الآية بقوله: (حقّاً علي المُتَّقين) دليل علي انّه حقّ ثابت علي خصوص المتَّقين (والحق القديم لا يبطله شيء).

ومع ذلك فقد ذهب أكثر فقهاء السنّة إلي أنّه منسوخ بخبر الواحد، أي ما روي عنه صلَّي الله عليه و آله و سلَّم: «لا وصية لوارث» و قد أوضحنا حال الرواية سنداً و دلالة في محاضراتنا الفقهية. (1)

1. الاعتصام بالكتاب و السنّة: 237.

(212)

الفصل العاشر: في تعقيب الاستثناء للجمل المتعدّدة

الفصل العاشر: في تعقيب الاستثناء للجمل المتعدّدة

تعقيب الاستثناء للجمل المتعدّدة

إذا تعقّب الاستثناء جملاً متعددة، ففي رجوع الاستثناء إلي الجميع أو إلي الجملة الأخيرة أقوال:

أ. رجوعه إلي جميع الجمل، لأنّ تخصيصه بالأخيرة فقط بحاجة إلي دليل.

ب. ظهور الكلام في رجوع الاستثناء إلي الجملة الأخيرة لكونها أقرب.

ج. عدم ظهور الكلام في واحد منها و إن كان رجوعه إلي الأخيرة متيقناً علي كلّ حال، لكن الرجوع إليها شيء و ظهوره فيها شيء آخر.

د. التفصيل بين: ما إذا ذكر الموضوع في الجملة الأُولي فقط و أُشير إليه في الجمل التالية بالضمير، كما في قوله: أكرم العلماء و أضفهم و أطعمهم إلاّفساقهم، فالظاهر الرجوع إلي الجميع، لأنّ الاستثناء يرجع إلي عقد الوضع و لم يذكر إلاّ في صدر الكلام.

و بين ما إذا كرّر عقد الوضع في الأثناء أو في خصوص الجملة الأخيرة أيضاً كما في الآية المباركة: (وَالَّذِينَ يرْمُونَ المُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداء)، فهناك أحكام ثلاثة:

1. (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانينَ جَلْدَةً).

2. (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادة أَبَداً).

3. (وَ أُولئِك هُمُ الفاسِقُونَ).

(213)

تجد انّ عقد الوضع تكرّر في الجملة الثالثة باسم (الفاسقين مع تضمّنه الحكم الشرعي) ثمّ تلاها الاستثناء بقوله:

(إِلاّالّذينَ تابُوا مِنْ

بَعْدِ ذلِك وَ أَصْلحُوا فانَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحيم) (النور/45).

فالظاهر في مثله رجوع الاستثناء إلي خصوص الجملة الأخيرة، لأنّ تكرار عقد الوضع في الجملة الأخيرة مستقلاً يوجب أخذ الاستثناء محله من الكلام، فيحتاج تخصيص الجمل السابقة علي الجملة الأخيرة إلي دليل.

هذه هي الأقوال في المسألة.

لا شك في إمكان رجوع الاستثناء إلي خصوص الأخيرة أو الجميع و إنّما الكلام في انعقاد الظهور لواحد منهما عند العقلاء، فالاستثناء كما يحتمل رجوعه إلي الأخيرة كذلك يحتمل رجوعه إلي الجميع و التعيين بحاجة إلي دليل قاطع و ما ذكر من الدلائل للأقوال الثلاثة لا يخرج عن كونها قرائن ظنية، غير مثبتة للظهور.

الفصل الحادي عشر: في النسخ و التخصيص

الفصل الحادي عشر: في النسخ و التخصيص

النسخ و التخصيص

النسخ في اللغة: هو الإزالة و في الاصطلاح: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخّر علي وجه لولاه لكان ثابتاً.

و بذلك علم أنّ النسخ تخصيص في الأزمان، أي مانع عن استمرار الحكم، لا عن أصل ثبوته و لنذكر مثالاً:

قال سبحانه: (يا أَيهَا الّذينَ آمَنُوا إِذا ناجَيتُمُ الرَّسُولَ فَقدِّمُوا بَينَ يدَي نَجواكمْ صَدَقَة ذلِك خَيرٌ لَكمْ وَ أَطْهَر فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ) (المجادلة/12) فرض اللّه سبحانه علي المؤمنين إذا أرادوا مناجاة الرسول أن يقدّموا قبله صدقة.

ثمّ إنّ الصحابة لمّا نهُوا عن المناجاة حتي يتصدّقوا ضنَّ كثير من الناس من التصدق حتي كفُّوا عن المسألة فلم يناجه إلاّعلي بن أبي طالب عليه السَّلام بعد ما تصدّق.

ثمّ نسخت الآية بما بعدها، قال سبحانه: (أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقدِّمُوا بَينَ يدَي نَجواكمْ صَدقات فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تابَ اللّهُ عَلَيكمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ اللّهُ خَبيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (المجادلة/13).

انّ النسخ في القرآن الكريم نادر جدّاً و

لم نعثر علي النسخ في الكتاب إلاّفي آيتين إحداهما ما عرفت و الثانية قوله سبحانه: (وَ الّذينَ يتوفَّونَ مِنْكمْ وَ يذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيةً لأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلي الحَولِ غَيرَ إِخْراج) (البقرة/240).

(215)

و اللام في الحول إشارة إلي الحول المعهود بين العرب قبل الإسلام حيث كانت النساء يعتددن إلي حول و قد أمضاه القرآن كبعض ما أمضاه من السنن السائدة فيه لمصلحة هو أعلم بها.

ثمّ نسخت بقوله سبحانه: (وَ الّذينَ يتوفَّونَ مِنْكمْ وَ يذَرُونَ أَزْواجاً يتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعة أَشْهُر وَ عَشْراً) (البقرة/234).

و بذلك يعلم أنّه يشترط في النسخ وقوع العمل بالمنسوخ فترة، ثمّ ورود الناسخ بعده و إلي هذا يشير كلام الأُصوليين حيث يقولون يشترط في النسخ حضور العمل.

إنّ النسخ في القوانين الوضعية (1) يلازم البداء (2)، أي ظهور ما خفي لهم من المصالح و المفاسد و هذا بخلاف النسخ في الأحكام الشرعية، فإنّ علمه سبحانه محيط لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض و لا في السماء، فاللّه سبحانه يعلم مبدأ الحكم و غايته غير أنّ المصلحة اقتضت إظهار الحكم بلا غاية لكنّه في الواقع مغيي.

فقد خرجنا بهذه النتيجة أنّ النسخ في الأحكام الوضعية رفع للحكم واقعاً و لكنه في الأحكام الإلهية دفع لها و بيان للأمد الذي كانت مغيي به منذ تشريعها و لا مانع من إظهار الحكم غير مغيي و هو في الواقع محدّد لمصلحة في نفس الإظهار.

هذا هوالنسخ و أمّا حدّ التخصيص، فهو إخراج فرد أو عنوان عن كونه محكوماً بحكم العام من أوّل الأمر حسب الإرادة الجدية و إن شمله حسب الإرادة الإستعمالية، فهو تخصيص في الأفراد لا في الأزمان مقابل النسخ الذي

1. المراد ما تقابل الأحكام الإلهية. فالقوانين المجعولة بيد الإنسان

يسمي في اصطلاح الحقوقيين قوانين وضعية.

2. البداء بهذا المعني محال علي اللّه دون الإنسان.

(216)

عرفت أنّه هو تخصيص فيها و لأجل ذلك يشترط في التخصيص وروده قبل حضور وقت العمل بالعام و إلاّفلو عمل بالعام ثمّ ورد التخصيص يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة و هو قبيح علي الحكيم، فلا محيص من وروده قبل العمل بالعام لو كان مخصِّصاً، نعم لو كان ناسخاً لحكم العام في مورده يجب تأخيره عن وقت حضور العمل بالعام.

تمّ الكلام في المقصد الرابع

و الحمد للّه

المقصد الخامس: في المطلق و المقيد، و فيه فصول

الفصل الأوّل: في تعريف المطلق

الفصل الأوّل: في تعريف المطلق

عرّف المطلق: بأنّه ما دلّ علي شائع في جنسه و المقيد علي خلافه.

و المراد من الموصول في قولهم «ما دلّ» هو اللفظ و المراد من الشائع هو المتوفّر وجودُه من ذلك الجنس.

و عرّفه الشهيد الثاني: بأنّه اللفظ الدالّ علي الماهية بما هي هي. (1)

ثمّ إنّ ظاهر التعريفين أنّ الإطلاق و التقييد عارضان للّفظ بما هو هو سواء تعلّق به الحكم أو لا، فهنا لفظ مطلق و لفظ مقيد.

و لكن هذا النوع من البحث يناسب البحوث الأدبية و الذي يهمّ الأُصولي الذي هو بصدد تأسيس قواعد تكون مقدّمة للاستنباط هو تعريف المطلق و المقيد بلحاظ تعلّق الحكم بالموضوع، فنقول:

المطلق: عبارة عن كون اللفظ بما له من المعني، تمامَ الموضوع للحكم، بلا لحاظ حيثية أُخري، فبما أنّه مرسل عن القيد في مقام الموضوعية للحكم فهو مطلق.

وإن شئت قلت: إنّ الإطلاق و التقييد وصفان عارضان للموضوع باعتبار تعلّق الحكم باللفظ، فلو كان اللفظ في مقام الموضوعية مرسلاً عن القيد و الحيثية

1 و إنّما عدل عن التعريف الأوّل، لعدم شموله (لأخذ الشيوع في التعريف) للمطلق الدالّ علي الماهية المطلقة، مثل قوله: أحلّ اللّه البيع، من دون

أن يدلّ علي الشيوع.

(219)

الزائدة كان مطلقاً و إلاّ كان مقيداً.

فقولنا: أعتق رقبة مطلق لكونها تمام الموضوع للحكم و مرسلة عن القيد في موضوعيته و يخالفه أعتق رقبة مؤمنة فهي مقيدة بالإيمان لعدم كونها تمام الموضوع و عدم إرسالها عن القيد.

و بذلك يظهر أنّه لا يشترط في المطلق أن يكون مفهوماً كلياً، بل يمكن أن يكون جزئياً حقيقياً و مرسلاً عن التقيد بحالة خاصة، فإذا قال: أكرم زيداً فهو مطلق، لأنّه تمام الموضوع للوجوب و مرسل عن القيد، بخلاف ما إذا قال: أكرم زيداً إذا سلم، فهو مقيد بحالة خاصة، أعني: «إذا سلّم» ، فإطلاق الكلي في مقام الموضوعية للحكم باعتبار الأفراد و إطلاق الجزئي في ذلك المقام بالنسبة إلي الحالات.

و يترتب علي ما ذكرنا أُمور:

الأوّل: لا يشترط في المطلق أن يكون أمراًشائعاً في جنسه بل يكفي كونه جزئياً و ذا أحوال، فلو كان موضوعاً للحكم بلا قيد فهو مطلق و إلاّ فهو مقيد.

و بعبارة أُخري لا يشترط في التمسّك بالمطلق أن يكون ما وقع تحت دائرة الطلب أمراً كلياً، بل يكفي كونه أمراً شخصياً، كالبيت العتيق و الوقوف في عرفات و المزدلفة، و السعي بين الصفا و المروة.

فمثلاً إذا شك الحاج في جواز الطواف بالبيت مع خلو البيت عن الستر، فيصح له التمسّك بقوله سبحانه: (وَلْيطَّوَّفُوا بالبَيتِ العَتِيق) (الحج/29) إذ لو كان الستر شرطاً للصحّة كان عليه البيان.

الثاني: إنّ الإطلاق و التقييد من الأُمور الإضافية، فيمكن أن يكون الحكم مطلقاًمن جهة و مقيداًمن جهة أُخري، كما إذا قال: أطعم إنساناً في المسجد، فهو مطلق من جهة كون الموضوع هو الإنسان لا الإنسان العالم و مقيد بتقييد

(220)

مكانه بالمسجد.

الثالث: يظهر من التعريف المشهور أنّ الإطلاق من المداليل

اللفظية كالعموم و الحقّ كما سيتضح أنّ الإطلاق من المداليل العقلية، فإذا كان المتكلّم حكيماً غير ناقض لغرضه و جعل الشيء بلا قيد موضوعاً للحكم كشف ذلك انّه تمام الموضوع و إلاّلكان ناقضاً لغرضه و هو ينافي كونه حكيماً فيكون البحث عن المطلق و المقيد في مباحث الألفاظ استطرادياً.

الرابع: إذا كانت حقيقة الإطلاق دائرة مدار كون اللفظ تمام الموضوع من دون اشتراط أن يكون الموضوع اسم الجنس أو النكرة أو معرفاً باللام، فنحن في غني عن إفاضة القول في حقائق تلك الأسماء.

نعم من فسّر الإطلاق بالشيوع أو نظيره (1) فلا محيص له عن التكلّم في حقائق تلك الأسماء، و حيث إنّها ذكرت في الكتب الأُصولية نشير إليها علي سبيل الإجمال.

1. قد فسر المحقّق القمي تعريف المشهور بقوله: ما دلّ علي حصّة محتملة الصدق علي حصص كثيرة مندرجة تحت جنس تلك الحصة، فقد حصر المطلق في الكلي الذي يصدق علي تلك الحصة و غيرها و عليه و علي غيره تحقيق مفاهيم هذه الأسماء و لكنّا في غني عن هذه البحوث، لأنّ مقوم الإطلاق و ملاكه، هو كون الشيء تمام الموضوع، سواء كان كلياً أم جزئياً.

(221)

الفصل الثاني: في ألفاظ المطلق

الفصل الثاني: في ألفاظ المطلق

1. اسم الجنس

كان الرأي السائد بين الأُصوليين قبل سلطان العلماء انّ المطلق كاسم الجنس موضوع للماهية بقيد الإطلاق و السريان و الشيوع علي نحو كان الشيوع بين الأفراد و الحالات من مداليل اللفظ، فالرقبة في (أعتق رقبة) موضوعة للرقبة المطلقة علي وجه يكون الإطلاق قيداً و هذا ما يسمّي باللا بشرط القسمي الذي يكون الإطلاق فيه قيداً للموضوع كالمفعول المطلق.

و لكن صار الرأي السائد بعد تحقيق سلطان العلماء هو أنّه موضوع للماهية المبهمة المرسلة لا بقيد الإطلاق

و يسمّونه باللا بشرط المقسمي، أعني: ما لا يكون الإطلاق قيداً كمطلق المفعول.

و علي ذلك فاسم الجنس موضوع للماهية المبهمة المهملة بلا شرط أصلاً ملحوظ معها حتي لحاظ أنّها كذلك.

هذا ما هو المشهور و علي ذلك فالأسد و الإنسان و البقر كلّها موضوعة للماهية المعرّاة عن كلّ قيد.

نظرنا في أسماء الأجناس

إنّ ما ذكروه من أنّ أسماء الأجناس موضوعة بالوضع التعييني للماهية المعراة من كلّ قيد، متوقف علي وجود واضع حكيم حتي يتصور الماهية الكلية، فيضع

(222)

اللفظ علي حيالها و إثبات واضع بهذا النحو دونه خرط القتاد.

و غاية ما يمكن أن يقال في تصحيحه انّ الإنسان البدائي عندما كان يواجه شيئاً و تمسّ الحاجة إلي تفهيمه، يطلق عليه لفظاً يراه مناسباً له ثمّ يشاع استعماله في الأفراد المشابهة.

و الحاصل كانت الحاجة تدعو في مورد إلي إطلاق اللفظ في مقابل فرد من أفراد الماهية، ثمّ كثر استعماله في الأفراد المشابهة إلي أن صارت كثرة الاستعمال سبباً لوضعه التعيني في الجنس المشترك بين أفرادها و هذا هو المراد من كونه موضوعاً للماهية المعراة.

و علي هذا فالوضع خاص و الموضوع له كذلك بالوضع التعييني في بدء الأمر و حصلت عمومية الموضوع بالوضع التعيني.

2. علم الجنس

إنّ في لغة العرب أسماءً ترادفُ أسماءَ الأجناس، لكن تُعامل معها معاملةَ المعرفة بخلاف أسماء الأجناس فيعامل معها معاملة النكرة، فهناك فرق بين الثعلب و ثعالة، و الأسد و أُسامة، حيث يقع الثاني منهما مبتدأً و ذا حال بخلاف الأوّلين و هذا ما دعاهم إلي تسمية ذلك بعلم الجنس و قد اختلفت أنظارهم في بيان الفرق بينهما إلي أقوال نكتفي بما ذكره الرضي في شرحه علي الكافية قائلاً:

«إنّ كون علم الجنس معرفة مثل كون الشمس مؤنثاً،

فكما انّ التأنيث ينقسم إلي حقيقي و مجازي، كذلك التعريف ينقسم إلي حقيقي، كالأعلام الشخصية و مجازي، كعلم الجنس، أي يعامل معه معاملة المعرفة من صحّة وقوعه مبتدأً و ذا حال».

3. المعرّف بالألف و اللام

إنّ اللفظ ينقسم إلي معرب و مبني و المعرب ما يختلف آخره باختلاف

(223)

العوامل الداخلة عليه و هو لا يستعمل إلاّ باللام أو التنوين أو الإضافة.

ثمّ اللام تنقسم إلي: لام الجنس و لام الاستغراق و لام العهد.

و لام الاستغراق تنقسم إلي: استغراق الأفراد و استغراق خصائصها.

و لام العهد تنقسم إلي: ذهني و ذكري و حضوري.

فصارت الأقسام ستة و إليك الأمثلة:

1. المحلّي بلام الجنس، مثل قولهم: التمرة خير من جرادة.

2. المحلّي بلام استغراق الأفراد، مثل قولهم: جمع الأمير الصاغة.

3. المحلّي بلام استغراق خصائص الأفراد، مثل قولهم: زيد الإنسان، أي كلّ الإنسان.

4. المحلّي بلام العهد الذهني كقوله:

و لقد أمرّ علي اللئيم يسبّني * فمررت ثمة قلت لا يعنيني

و هو بمنزلة النكرة عندهم و الفرق بينه و بين المحلّي بلام الجنس انّ القصد في لام الجنس إلي نفس الطبيعة من حيث هي هي، و في الثاني إلي الطبيعة من حيث وجودها في ضمن فردها.

5. المحلّي بلام العهد الذكري، كقوله سبحانه: (إِنّا أَرْسَلْنا إِلَيكمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيكمْ كما أَرْسَلْنا إِلي فِرْعَونَ رَسُولاً *فَعَصي فِرْعونُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً) (المزمل/1516).

6. المحلّي بلام العهد الحضوري، مثل قوله: عليك بهذا الرجل.

ثمّ علي القول بأنّ اللام للتعريف، تكون الخصوصيات الماضية مستفادة من القرائن لا من المدخول و إلاّ يلزم أن يكون مشتركاً بين معاني مختلفة و لا من اللام، لأنّها موضوعة للتعريف فقط، فالخصوصيات مستفادة من القرائن المحفوفة

(224)

بالكلام.

4. النكرة

اختلفت كلمة الأُصوليين في أنّ النكرة هل وضعت للفرد المردّد بين الأفراد،

أو الفرد المنتشر، أو موضوعة للطبيعة المقيدة بالوحدة؟

و التحقيق هو الأخير، لأنّها عبارة عن اسم الجنس الذي دخل عليه التنوين، فاسم الجنس يدل علي الطبيعة و التنوين يدلّ علي الوحدة. و لعلّ المراد من الفرد المنتشر هو هذا.

و أمّا القول بأنّها موضوعة للفرد المردّد بين الأفراد، فغير تام، إذ لازم ذلك أن لا يصحّ امتثاله إذا وقع متعلّقاً للحكم، لأنّ الفرد الممتثل به، فرد متعين مع أنّ المأُمور به هو الفرد المردّد، فإذا قال: جئني بإنسان، فأي إنسان أتيت به فهو هو و ليس مردّداً بينه و بين غيره.

(225)

الفصل الثالث: في أنّ المطلق بعد التقييد ليس مجازاً

الفصل الثالث: في أنّ المطلق بعد التقييد ليس مجازاً

اختلفت كلمة الأُصوليين في أنّ المطلق بعد التقييد مجاز أو لا إلي أقوال، نذكر منها قولين:

القول الأوّل: إنّه مجاز مطلقاً و هو المشهور قبل سلطان العلماء.

القول الثاني: إنّه حقيقة مطلقاً و هو خيرة سلطان العلماء.

حجة القول الأوّل هو أنّ مقوّم الإطلاق هو الشيوع و السريان و قد قيل في تعريفه ما دلّ علي شائع في جنسه و بالتقييد يزول الشمول و السريان فينتج المجازية.

و حجّة القول الثاني: انّ المطلق موضوع للحقيقة المعرّاة من كلّ قيد حتي الشيوع و السريان، فالتقييد لا يحدث أي تصرف في المطلق.

و الحقّ انّ التقييد لا يوجب مجازية المطلق سواء كان المطلق موضوعاً للشائع أو لنفس الماهية المعراة عن كلّ قيد لما قدّمناه من أنّ تخصيص العام بالتخصيص المتصل و المنفصل، لا يستلزم مجازيته. (1)

و الكلمة الجامعة في كلا المقامين هي أنّ كل لفظ مستعمل في معناه، فلو قلنا بأنّ المطلق موضوع للشائع في جنسه، فهو مستعمل في معناه و تقييده بقيد لا يوجب استعماله في غير ما وضع له، لما عرفت من حديث

تعدّد الدالّ و المدلول، فلاحظ.

1. لاحظ ص 188 من هذا الجزء.

الفصل الرابع: في مقدّمات الحكمة

الفصل الرابع: في مقدّمات الحكمة

الاحتجاج بالإطلاق لا يتم إلاّبعد تمامية مقدّمات الحكمة الحاكمة علي أنّ ما وقع تحت دائرة الطلب تمام الموضوع للحكم و هذا هو السرّ لحاجة المطلق إلي تلك المقدّمات.

و أمّا القائل بأنّ المطلق هو الشائع و الساري في أفراد جنسه، فقيل إنَّها أيضاً بحاجة إلي تلك المقدّمات، لإثبات سريان الحكم في جميع أفراد المطلق (1) و بما أنّك عرفت أنّ المطلق ليس إلاّ كون ما وقع تحت دائرة الطلب تمام الموضوع، فالحاجة إليها لتلك الغاية.

فنقول: إنّ مقدّمات الحكمة عبارة عن:

1. كون المتكلّم في مقام بيان تمام مراده لا في مقام الإهمال و لا الإجمال.

2. انتفاء ما يوجب التعيين. و إن شئت قلت: عدم نصب القرينة علي القيد.

3. انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب.

و إليك بيانها:

1. لو كان الشيوع مدلولاً لفظياً، فالقائل به في غني عن جريان مقدّمات الحكمة، لأنّ الدلالة اللفظية تغنيه عنها، نعم لو كان الشمول لحاظياً قائماًبتصور المتكلّم عند استعمال المطلق، كما هو الظاهر من المتأخرين، فالحاجة إليها قائمة بحالها.

(227)

أمّا المقدّمة الأُولي: فالمتكلّم قد يكون في مقام بيان أصل الحكم من دون نظر إلي الخصوصيات و الشرائط، فمثلاً: إذا نظر الطبيب إلي المريض في مكان عام و رأي عليه أمارات المرض، فيقول له: عليك بشرب الدواء، فليس للمخاطب التمسّك بإطلاق كلامه و شرب كلّ دواء، لأنّه لم يكن بصدد بيان غرضه بكافة خصوصياته و إنّما يكون بهذا الصدد إذا فحص المريض في عيادته و كتابة وصفة من الدواء له.

و مثله قوله تعالي: (أُحِلَّ لَكمُ الطَيبات) (المائدة/5) و قوله: (أُحِلَ لَكمْ صيدُ البَحْرِ) (المائدة/96) و قول الفقيه: الغنم حلال، فالجميع

في مقام بيان أصل الحكم لا في مقام بيان خصوصياته، فلا يصحّ التمسك بأمثال هذه الإطلاقات عند الشك في الجزئية و الشرطية.

و علي ذلك إنّما يصحّ التمسّك بالإطلاق في نفي الجزئية و الشرطية بالإطلاقات الواردة لبيان الموضوع بأجزائه و شرائطه دون ما كان في مقام الإجمال و الإهمال، فإن ترك بيان ما هو الدخيل في الغرض قبيح في الأوّل دون الثاني.

فلنذكر مثالين:

1. قال سبحانه: (فَكلُوا مِمّا أَمْسَكنَ عَلَيكمْ وَ اذْكرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيهِ وَ اتَّقُوا اللّه إِنَّ اللّهَ سَريعُ الحِساب) (المائدة/4).

فالآية بصدد بيان أنّ ما أمسكه الكلب بحكم المذكي إذا ذكر اسم اللّه عليه و ليس بميتة، فهي في مقام بيان جواز حلية ما يصيده الكلب و إن مات الصيد قبل أن يصل إليه الصائد.

وهل يصحّ التمسّك بإطلاق قوله: (فَكلُوا) علي طهارة موضع عضّه و جواز أكله بدون غسله و تطهيره، أو لا؟

الظاهر، لا لأنّ الآية بصدد بيان حلّيته و حرمته لا طهارته و نجاسته، فقوله

(228)

تعالي: (فكلوا) لرفع شبهة حرمة الأكل، لأجل عدم ذبحه بالشرائط الخاصة، لا بصدد بيان طهارته من أجل عضّه.

2. لو ورد خطاب لا بأس بالصلاة في دم أقل من درهم و شككنا في شموله للدماء الثلاثة أو دم الحيوان غير المأكول، فلا يصحّ لنا التمسك بإطلاقه، لأنّ الرواية بصدد بيان أنّ هذا المقدار من الدم غير مانع، و أمّا انّ المراد منه كلّ دم حتي الدماء الثلاثة، فلم تتطرق إليه الرواية.

و أمّا المقدّمة الثانية أي انتفاء ما يوجب التعيين و المراد منه عدم وجوب نصب قرينة علي التقييد لا متصلة و لا منفصلة، لأنّه مع القرينة المتصلة لا ينعقد للكلام ظهور إلاّ في المقيد و مع المنفصلة و إن كان ينعقد

للكلام ظهور في الإطلاق و لكن يسقط عن الحجّية بالقرينة المنفصلة.

و أمّا المقدّمة الثالثة، أي إنتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب و المحاورة، فمرجعه إلي أنّ وجود القدر المتيقن في مقام المحاورة بمنزلة القرينة الحالية المتصلة، فلا ينعقد للكلام ظهور في الإطلاق.

تتميم

الأصل في كلّ متكلّم أن يكون في مقام البيان، فلو شك أنّ المتكلّم في مقام بيان تمام مراده، فالأصل كونه كذلك إلاّ أن يدلّ دليل علي خلافه كما أنّه يمكن أن يكون للمطلق جهات مختلفة، كأن يكون وارداً في مقام البيان من جهة و في مقام الإهمال من جهة أُخري، كما في الآية السابقة، فقد كان في مقام البيان من جهة الحلية لا في مقام بيان طهارة موضع العض.

الفصل الخامس: في المطلق و المقيد المتنافيان

الفصل الخامس: في المطلق و المقيد المتنافيان

إذا ورد مطلق و مقيد علي وجه متنافيين فمثلاً قال الطبيب: إذا استيقظت من النوم اشرب لبناً و قال في كلام آخر: إذا استيقظت من النوم اشرب لبناً حلواً، فهذان الحكمان متنافيان، لأنّ الأوّل يدل علي كفاية شرب مطلق اللبن بخلاف الثاني فإنّه يخصه بالحلو منه.

ثمّ إنّ علاج هذا التنافي يحصل بأحد أمرين:

أ. حمل المطلق علي المقيد فيصير اللازم هو شرب اللبن الحلو.

ب. حمل المقيد علي الاستحباب و انّه من أفضل الأفراد.

و الرائج في الخطابات القانونية هو حمل المطلق علي المقيد لا حمل المقيد علي الاستحباب، و قد عرفت وجهه من أنّ التشريع تمّ تدريجاً و مثله يقتضي جعل الثاني متمماً للأوّل.

ثمّ إنّ إحراز التنافي فرع إحراز وحدة الحكم و إلاّفلا يحصل التنافي كما إذا اختلف سبب الحكمين مثلاً إذا قال: إذا استيقظت من النوم فاشرب لبناً حلواً و إذا أكلت فاشرب لبناً، فالحكمان غير متنافيين لاختلافهما في السبب

و هذا كما إذا قال: إن ظاهرت فاعتق رقبة، ثمّ قال: و إن أفطرت فاعتق رقبة مؤمنة.

فعلي الفقيه في مقام التقييد إحراز وحدة الحكم عن طريق إحراز وحدة السبب و غيرها و إلاّفلا داعي لحمل المطلق علي المقيد لتعدّد الحكمين. فالملزم علي التقييد هو إحراز وحدة الحكم و معه لا يصحّ حمل القيد علي المستحب في قوله: أعتق رقبة مؤمنة أو الكراهة، كما إذا قال: لا تعتق رقبة كافرة، إذا وردا بعد قوله: «أعتق رقبة» بل يحمل المطلق علي المقيد.

(230)

الفصل السادس: في المجمل و المبين

الفصل السادس: في المجمل و المبين

عرّف المجمل بأنّه مالم تتضح دلالته و يقابله المبين.

و المقصود من المجمل ما جهل فيه مراد المتكلّم و مقصوده إذا كان لفظاً، أو جهل فيه مراد الفاعل إذا كان فعلاً.

و علي ذلك فالمجمل هو اللفظ أو الفعل الذي لا ظاهر له و المبين ما له ظاهر يدلّ علي مقصود قائله أو فاعله.

و بذلك تظهر صحّة تقسيم المجمل إلي اللفظ و الفعل و لأجله قالوا: إنّ فعل المعصوم يدلّ علي الاستحباب أوالجواز، و لا يدل علي الوجوب، فلو صلّي مع سورة كاملة، أو جلسة الاستراحة، يكشف ذلك عن الاستحباب لا عن الوجوب.

ثمّ إنّ لإجمال الكلام أسباباً كثيرة منها:

1. إجمال مفرداته كاليد الواردة في آية السرقة، قال سبحانه: (وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيهُما) (المائدة/38) فانّ اليد تطلق علي الكف إلي أُصول الأصابع و علي الكف إلي الزند، و عليه إلي المرفق و عليه إلي المنكب، فالآية مجملة، فتعيين واحد من تلك المصاديق بحاجة إلي دليل.

2. الإجمال في متعلّق الحكم المحذوف كما في كلّ مورد تعلّق الحكم بالأعيان كقوله سبحانه: (أُحِلَّتْ لَكمْ بَهِيمَةُُ الأَنْعامِ إِلاّ ما يتْلي عَلَيكمْ) (المائدة/1) فهل المتعلّق هوالأكل،

أو البيع، أو جميع التصرفات؟

و منه يعلم وجود الإجمال في قوله سبحانه: (حُرِّمَتْ عَلَيكمُ المَيتَةُ وَ الدَّمُ

(231)

وَ لَحْمُ الخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيرِ اللّهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ المَوقُوذَةُ وَ المُتَرَدِّيةُ وَ النَّطيحَةُ وَ ما أَكلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكيتُمْ وَ ما ذُبِحَ عَلَي النُّصُبِ وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذلِكمْ فِسِقٌ) (المائدة/3).

فهل المحرم أكلها، أو بيعها، أو الانتفاع منها بكل طريق؟

3. تردّد الكلام بين الادعاء و الحقيقة كما في قوله: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» فهل المراد نفي الصلاة بتاتاً، أو نفي صحّتها، أو كمالها تنزيلاً للموجود بمنزلة المعدوم؟

و منه يظهر وجود الإجمال في مثل قوله: «لا صلاة إلاّ بطهور» أو «لا بيع إلاّفي ملك» أو «لا غيبة لفاسق» أو «لا جماعة في نافلة».

و يمكن أن يكون بعض ما ذكرنا مجملاً عند فقيه و مبيناً عند فقيه آخر و بذلك يظهر أنّ المجمل و المبين من الأوصاف الإضافية.

تتميم

إذا وقفت علي معني المجمل و المبين، فلنذكر سائر العناوين:

النص: و هو ما لا يحتمل سوي معني واحد، فلو حاول المتكلّم حمله علي غير ذلك المعني لا يقبل منه و يعد متهافتاً متناقضاً، مثل قوله سبحانه: (يوصيكمُ اللّهُ في أَولادِكمْ لِلذَّكرِمِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيينِ) (النساء/11) فإنّ دلالة الآية علي كون نصيب الذكر ضعف نصيب الأُنثي ممّا لا يحتمل فيه وجه آخر.

الظاهر: ما يتبادر منه معني خاص، لكن علي وجه لو حاول المتكلّم تأويله لقبل منه، كالأمر الظاهر في الوجوب علي القول بأنّ الوجوب من المداليل اللفظية و لو ادّعي فيما بعد أنّ المراد هو الاستحباب لما عدّ متهافتاً و متناقضاً و التأويل في النص غير مقبول، و في الظاهر مقبول.

المحكم: هو أُمّ الكتاب كما قال سبحانه: (هُوَ الّذي أَنْزلَ

عَلَيك الكتابَ

(232)

مِنْهُ آياتٌ مُحْكماتٌ هُنَّ أُمّ الكتاب وَ أُخَرُ مُتَشابِهات) (آل عمران/7).

و علي هذا فالمحكم هو الذي يرجع إليه في فهم المتشابه، كالآيات الدالّة علي الأُصول العقائدية و الأخلاقية التي لا يمسها النسخ و التخصيص، كالآيات النازلة في تنزيهه سبحانه و صفاته و أفعاله.

المتشابه: ما احتمل أكثر من معني. و ليس ظاهراً في واحد منها، أو هو الذي خفي المراد منه في بادئ النظر.

المؤول: و هو ما أُريد منه خلاف ظاهره، كقوله سبحانه: (وَ جاءَرَبّك وَ المَلك صَفّاً صَفّاً) (الفجر/22). و المراد هو مجيء أمره سبحانه و ظهور عظمته لقوله سبحانه في آية أُخري: (إِنّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّك وَ انّهُمْ آتِيهِم عذابٌ غيرُ مَرْدود) (هود/76) إلي غير ذلك من الآيات الرافعة للإجمال.

تمّت مباحث الألفاظ

و تليها الحجج الشرعية و العقلية بإذنه سبحانه

و الحمد للّه ربّ العالمين

المقصد السادس الحجج و الأمارات

[الاول]

التمهيد

المقصد السادس الحجج و الأمارات

الحجج و الامارات

و هذا المقصد من أهم المقاصد في علم الأُصول، فإنّ المستنبِط يبذل الجهد للعثور علي ما هو حجّة بينه و بين ربّه، فيثاب إن أصاب الواقع، و يعذَّر إن أخطأه.

وقد يعبّر عن هذا البحث بمصادر الفقه و أدلّته، و هي عندنا منحصرة في أربعة: الكتاب، السنّة، الإجماع، و العقل و هي معتبرة عند كلا الفريقين مع اختلاف بينهم في سعة حجية العقل. غير انّ أهل السنّة يفترقون عن الشيعة في القول بحجية أُمور أُخري ستوافيك في محلّها.

و قبل الخوض في المقصود نذكر تقسيم المكلّف حسب الحالات، فنقول:

تقسيم المكلّف باعتبار الحالات

إنّ المكلّف الملتفت إلي الحكم الشرعي له حالات ثلاث: (1)

الأُولي: القطع بالحكم الشرعي الواقعي.

الثانية: الظن بالحكم الشرعي الواقعي.

1. هذا التقسيم الثلاثي موافق لما ذكره الشيخ الأنصاري في الفرائد، و هو تقسيم طبيعي في كلّ

موضوع يقع في أُفق الفكر من غير اختصاص بالحكم الشرعي و هناك تقسيم ثنائي ذكره المحقّق الخراساني، يطلب من محلّه.

(244)

الثالثة: الشك في الحكم الشرعي الواقعي.

فإن حصل له القطع، فيلزمه العمل به لاستقلال العقل بذلك، فيثاب عند الموافقة و يعذَّر عند المخالفة شأن كلّ حجّة.

و إن حصل له الظن بالحكم الواقعي، فإن قام الدليل القطعي علي حجّية ذلك الظن كخبر الواحد يجب العمل به، فإنّ الطريق إلي الحكم الشرعي و إن كان ظنياً كما هو المفروض، لكن إذا قام الدليل القطعي من جانب الشارع علي حجّية ذلك الطريق، يكون علمياً و حجّة شرعية.

و إن لم يقم، فهو بحكم الشاك و وظيفته العمل بالأُصول العملية التي هي حجّة عند عدم الدليل. (1)

فيقع الكلام في مقامات:

المقام الأوّل: القطع و أحكامه.

المقام الثاني: الظنون المعتبرة، و يعبّر عنها بالأمارات.

المقام الثالث: الظنون غير المعتبرة عندنا و المعتبرة عند أهل السنّة.

إنّ مقتضي القاعدة فصل البحث عن الإجماع المحصَّل و الدليل العقلي عن باقي الأمارات و الظنون، لأنّهما دليلان قطعيان، و لكن لأجل حفظ المنهج السائد في الكتب الأُصولية أدخلنا البحث عن حجّية الإجماع المحصَّل في البحث عن حجّية الإجماع المنقول. كما بحثنا عن الدليل العقلي بعد الفراغ عن حجّية العرف و السيرة، و بذلك تمّ البحث في الأدلّة الأربعة الكتاب و السنة و الإجماع المحصَّل و العقل في هذا المقصد.

1. و يبحث عن الأُصول العملية في المقصد السابع مستقلاً.

(245)

المقام الأوّل القطع و أحكامه

الفصل الأوّل: حجّية القطع

الفصل الأوّل: حجّية القطع

لا شك في وجوب متابعة القطع و العمل علي و فقه مادام موجوداً، لأنّه بنفسه طريق إلي الواقع و هو حجّة عقلية و ليس حجّة منطقية أو أُصولية، و لإيضاح الحال نذكر أقسام الحجّة، فنقول: إنّ

الحجّة علي أقسام:

1. الحجّة العقلية.

2. الحجّة المنطقية.

3. الحجّة الأُصولية.

أمّا الأُولي، فهي عبارة عمّا يحتج به المولي علي العبد و بالعكس و بعبارة أُخري ما يكون قاطعاً للعذر إذا أصاب و معذِّراً إذا أخطأ و القطع بهذا المعني حجّة، حيث يستقل به العقل و يبعث القاطعَ إلي العمل وفْقَه و يحذّره عن المخالفة و ما هذا شأنه، فهو حجّة بالذات، غني عن جعل الحجّية له.

و بهذا يمتاز القطع عن الظن فانّ العقل لا يستقلُّ بالعمل علي وفق الظن و لا يحذِّر عن المخالفة، فلا يكون حجّة إلاّ إذا أُفيضت له الحجّية من المولي، بخلاف القطع فانّ العقل مستقل بالعمل علي وفقه و التحذير عن مخالفته و إلي هذا يرجع قول القائل بأنّ حجّية القطع ذاتية دون الظن فإنّها عرضية.

(246)

و بذلك يتبين أنّ للقطع خصائص ثلاث:

1. كاشفيته عن الواقع و لو عند القاطع.

2. منجّزيته عند الإصابة للحكم الواقعي بحيث لو أطاع يثاب و لو عصي يعاقَب.

3. معذِّريته عند عدم الإصابة، فيعذَّر القاطع إذا أخطأ في قطعه و بان خلافه.

و أمّا الثانية، فهي عبارة عن كون الحدّ الوسط في القياس المنطقي علّة لثبوت الأكبر للأصغر أو معلولاً لثبوته له، فيوصف بالحجّة المنطقية، كالتغير الذي هو علّة لثبوت الحدوث للعالم.

يقال: العالم متغير و كلّ متغير حادث، فالعالم حادث.

و القطع ليس حجّة بهذا المعني لأنّه ليس علّة لثبوت الحكم للموضوع و لامعلولاً له، لأنّ الحكم تابع لموضوعه فإن كان الموضوع موجوداً يثبت له الحكم سواء كان هنا قطع أم لا، و إن لم يكن موجوداً فلا يثبت له، فليس للقطع دور في ثبوت الحكم و لذلك يعدُّ تنظيم القياس بتوسيط القطع باطلاً، مثل قولك: هذا مقطوع الخمرية و كلّ مقطوع

الخمرية حرام فهذا حرام و ذلك لكذب الكبري، فليس الحرام إلاّنفس الخمر لا خصوص مقطوع الخمرية.

و أمّا الثالثة، فهي عبارة عمّا لا يستقل العقل بالاحتجاج به غير أنّ الشارع أو الموالي العرفية يعتبرونه حجّة في باب الأحكام و الموضوعات لمصالح، فتكون حجّيته عرضية مجعولة كخبر الثقة و من المعلوم أنّ القطع غني عن إفاضة الحجّية عليه و ذلك لاستقلال العقل بكونه حجّة في مقام الاحتجاج و معه لا حاجة إلي جعل الحجّية له.

أضف إليه انّ جعل الحجّية للقطع يتم إمّا بدليل قطعي أو بدليل ظني،

(247)

و علي الأوّل ينقل الكلام إلي ذلك الدليل القطعي و يقال: ما هو الدليل علي حجّيته و هكذا فيتسلسل و علي الثاني يلزم أن يكون القطع أسوأ حالاً من الظن و لذلك يجب أن ينتهي الأمر في باب الحجج إلي ما هو حجّة بالذات، أعني: القطع و قد تبين في محله «أنّ كلّ ما هو بالعرض لابد و أن ينتهي إلي ما بالذات».

و بذلك يعلم أنّه ليس للشارع الأمر المولوي بالعمل بالقطع لسبق العقل بذلك، كما ليس له المنع عن العمل بالقطع، فلو قطع إنسان بكون مايع خمراً لا يصحّ النهي عن العمل به، لاستلزامه كون الناهي مناقضاً في كلامه في نظر القاطع و في الواقع إذا أصاب قطعه للواقع.

(248)

الفصل الثاني التجرّي

الفصل الثاني التجرّي

التجرّي في اللغة إظهار الجرأة، فإذا كان المتجرّي عليه هو المولي فيتحقق التجرّي بالإقدام علي خلاف ما قطع بوجوبه أو حرمته، سواء كان القطع موافقاً للواقع، أم مخالفاً، فتكون المعصية تجرّياً أيضاً.

و أمّا التجرّي في الاصطلاح و هو الإقدام علي خلاف ما قطع به بشرط أن يكون قطعه مخالفاً للواقع، كما إذا أذعن بوجوب شيء أو حرمته، فترك الأوّل

و ارتكب الثاني، فبان خلافهما و انّه لم يكن واجباً أو حراماً.

و يقابله الانقياد في الاصطلاح، فهو عبارة عمّا إذا أذعن بوجوب شيء أو حرمته، فعمل بالأوّل و ترك الثاني، فبان خلافهما.

و الكلام في التجرّي يقع من وجهين:

الأوّل: في حكم ارتكاب ما قطع بحرمته أو ترك ما قطع بوجوبه و أنّه هل هو حرام أو لا؟

الثاني: في حكم الفعل المتجرّي به الذي تحقّق التجرّي في ضمنه من حيث الحرمة و عدمها و لأجل ذلك يقع الكلام في موضعين:

الموضع الأوّل: في حكم نفس التجرّي

و فيه أقوال ثلاثة:

(249)

الأوّل: الحرمة و استحقاق العقاب و هو خيرة المحقّق الخراساني.

الثاني: عدم الحرمة و عدم استحقاق العقاب و هو خيرة الشيخ الأنصاري.

الثالث: القول بالحرمة و العقاب إلاّ إذا اعتقد تحريم واجب غير مشروط بقصد القربة و أتي به، فلا يبعد عدم استحقاق العقاب و هو خيرة صاحب الفصول.

استدل للقول الأوّل بوجوه نذكر منها وجهين:

الأوّل: إذا فرضناشخصين قصدا شرب الخمر فصادف أحدهما الواقع دون الآخر، فإمّا أن نقول بصحّة عقوبتهما معاً، أو عدم عقوبتهما كذلك، أو عقوبة المخطئ دون المصيب، أو بالعكس و الأوّل هو المطلوب و الثاني و الثالث خلاف المتّفق عليه و أمّا الرابع فيلزم أن يكون العقاب و الثواب منوطين بأمر خارج عن الاختيار.

يلاحظ عليه: بأنّا نختار الشق الرابع و هو عقاب المصيب دون المخطئ و لكن القبيح هو إناطة العقاب بأمر خارج عن الاختيار. و أمّا إناطة عدم العقاب بأمر خارج عن الاختيار فليس بقبيح.

و بعبارة أُخري: يعاقب المصيب، لأنّه شرب الخمر عن اختيار، كما إذا شربها في حالة الانفراد، و لا يعاقب المخطئ إذ لم يشربها و إن كان لا عن اختيار.

الثاني: ما ذكره المحقّق الخراساني من

شهادة الوجدان بصحة مؤاخذته و ذمّه علي تجرّيه و هتك حرمة مولاه و خروجه عن رسم العبودية و كونه بصدد الطغيان و العزم علي العصيان.

يلاحظ عليه: أنّ موضوع البحث هو مخالفة الحجّة العقلية، لأجل غلبة الهوي علي العقل و الشقاء علي السعادة و ربما يرتكب الإنسان مع استيلاء

(250)

الخوف عليه و أمّا ضمّ عناوين أُخر عليه من الهتك و التمرّد و رفع علم الطغيان فجميعها أجنبية عن المقام، فلا شك في استحقاق العقاب إذا عُدّ عمله مصداقاً للهتك و رمزاً للطغيان و إظهاراً للجرأة إلي غير ذلك من العناوين القبيحة.

و الحاصل أنّ الإنسان ربما يرتكب ما يقطع بحرمته لا لهتك الستر و إظهار الجرأة، بل لما ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي الذي علّمه إياه الإمام السجاد عليه السَّلام، فقال في مقطع من مناجاته:

«إلهي لم أعصك حين عصيتُك و أنا بربوبيتك جاحِد، و لا بأمرك مستخِف، و لا لعُقوبَتك متّعرِض، و لا لوعيدِك متهاوِن، بل خطيئة عرضت لي و سوّلتْ لي نفسي و غلبتني هواي و أعانَني عليها شِقْوتي و غرّني سترُك المرخي علي».

و بذلك ظهر صواب القول الثاني و هو عدم كون نفس التجرّي محرّماً للقبح الفعلي المستلزم للعقاب. نعم لو كانت هناك عناوين مقبِّحة كما أشرنا يكون حراماً

غاية ما في الباب انّ التجرّي يكشف عن ضعف الإيمان، فيستحق اللوم و الذم لا العقاب.

و أمّا القول الثالث، فهو من شعب القول الأوّل، فإذا بان وهنه فنكون في غني عن دراسته.

الموضع الثاني: حكم الفعل المتجرّي به

الفرق بين التجرّي و المتجرّي به مع كونهما فعلا الإنسان واضح، فانّ الأوّل ينتزع من مخالفة المكلف الحجّةَ العقلية و الشرعية، بخلاف الثاني فانّه عبارة عن نفس العمل الخارجي كشرب الماء

الذي يتحقق به مخالفة الحجّة.

ثمّ الكلام فيه تارة من حيث كونه قبيحاً و أُخري من جهة الحرمة الشرعية.

(251)

أمّا الأوّل، فهو منتف قطعاً، لأنّ الحسن و القبح يعرضان علي الشيء بالملاك الواقعي فيه و المفروض أنّ الفعل المتجرّي به هو شرب الماء و هو فاقد لملاك القبح.

و أمّا الثاني، فلا دليل علي الحرمة، لأنّ الحرام هو شرب الخمر و المفروض أنّه شرب الماء و ليس هناك دليل يدل علي أنّ شرب ما يقطع الشارب بكونه خمراً حرام و ذلك لأنّ الحرمة تتعلّق بواقع الموضوعات لا الموضوع المقطوع به فبذلك ظهر عدم حرمة التجرّي و لا المتجرّي به.

غاية الأمر أنّ الفاعل يستحق الذم، لأنّ عمله يكشف عن سوء سريرته.

و لقد استدل علي كلا الأمرين بالعديد من الآيات و الروايات و تطلب من المطولات.

الفصل الثالث تقسيم القطع إلي طريقي و موضوعي

الفصل الثالث تقسيم القطع إلي طريقي و موضوعي

و الموضوعي إلي طريقي و وصفي

إذا كان الحكم مترتباً علي الواقع بلا مدخلية للعلم و القطع فيه، فالقطع طريقي كحرمة الخمر و القمار، و لا دور للقطع حينئذسوي تنجيز الواقع و إلاّ فمع قطع النظر عن التنجيز فالخمر و القمار حرام سواء كان هناك علم أو لا، غاية الأمر يكون الجهل عذراً للمرتكب كما يكون العلم منجزاً للواقع.

و أمّا إذا أخذ القطع في موضوع الحكم الشرعي بحيث يكون الواقع بقيد القطع موضوعاً للحكم، فيعبّر عنه بالقطع الموضوعي، فمثلاً إذا افترضنا أنّ الشارع حرّم الخمر بقيد القطع بحيث لولاه لما كان الخمر محكوماً بالحرمة، يكون عندئذ من قسم القطع الموضوعي و لقد وردت في الشريعة المقدسة موارد أخذ القطع وحده أو الظن كذلك موضوعاً للحكم، نظير:

1. الحكم بالصحّة، فإنّه مترتّب علي الإحراز القطعي للركعتين في الثنائية و للركعات

في الثلاثية من الصلوات و للأُوليين في الرباعية، بحيث لولاه لما كانت محكومة بها.

2. الحكم بوجوب التمام لمن يسلك طريقاً مخطوراً محرزاً بالقطع أو الظن.

3. الحكم بوجوب التيمّم لمن أحرز بالقطع أو الظن كون استعمال الماء مضرّاً.

4. الحكم بوجوب التعجيل بالصلاة لمن أحرز ضيق الوقت بكلا

(253)

الطريقين.

فلو انكشف الخلاف و أنّ الطريق لم يكن مخطوراً، و لا الماء مضرَّاً، و لا الوقت ضيقاً لما ضرّ بالعمل، لأنّ كشف الخلاف إنّما هو بالنسبة إلي متعلّق القطع لا بالنسبة إلي الموضوع المترتب عليه الحكم.

ثمّ إنّه ليس للشارع أي تصرف في القطع الطريقي فهو حجّة مطلقاً و أمّا القطع المأخوذ في الموضوع فبما أنّ لكلّ مقنن، التصرفَ في موضوع حكمه بالسعة و الضيق، فللشارع أيضاًحقّ التصرف فيه، فتارة تقتضي المصلحة، اتخاذ مطلق القطع في الموضوع سواء حصلت من الأسباب العادية أم من غيرها و أُخري تقتضي جعل قسم منه في الموضوع كالحاصل من الأسباب العادية و عدم الاعتداد بالقطع الحاصل من غيرها.

تطبيقات

1. انّ قول العدلين أو الشاهد الواحد فيما يعتبر مع اليمين إنّما يكون حجّة في القضاء إذا استند إلي الحس لا إلي الحدس فلو قطعت البينة أو الشاهد عن غير طريق الحس فقطعهما حجّة لهما و لا يصحّ للقاضي الحكم استناداً إلي شهادتهما لأنّ المعتبر في الشهادة هو حصول القطع للبينة أو الشاهد من طريق الحس.

فالقطع بالنسبة إلي خصوص البينة أو الشاهد قطع طريقي محض لا يمكن التصرف فيه و لكن قطعهما بالنسبة إلي القاضي قطع موضوعي و قد تصرّف الشارع في الموضوع و جعل القسم الخاص موضوعاً للحكم (القضاء) لا مطلق القطع و كم له من نظير.

2. إذا حصل اليقين للمجتهد من غير الكتاب و السنة و

الإجماع و العقل، فقطعه بالحكم حجّة لنفسه دون المقلد و ذلك لما ذكرناه في قطع الشاهد أو البينة بالنسبة إلي القاضي.

(254)

3. يجوز للقاضي العمل بعلمه في حقوق الناس لا في حقوق اللّه سبحانه و ذلك لأنّ الشارع أخذ قطعه موضوعاً للحكم في القسم الأوّل دون الثاني.

تقسيم القطع الموضوعي إلي طريقي و وصفي

ثمّ إنّ القطع الموضوعي ينقسم إلي قسمين:

1. قطع موضوعي طريقي.

2. قطع موضوعي وصفي.

توضيح ذلك: انّ القطع من الصفات النفسية ذات الإضافة، فله إضافة إلي القاطع (النفس المدرِكة) و إضافة إلي المقطوع به (المعلوم بالذات)، فتارة يؤخذ في الموضوع بما أنّ له وصف الطريقية و المرآتية فيطلق عليه القطع الموضوعي الطريقي، أي أُخذ في الموضوع بما انّ له وصف الحكاية و أُخري يؤخذ في الموضوع بما أنّه وصف نفساني كسائر الصفات مثل الحسد و البخل و الإرادة و الكراهة فيطلق عليه القطع الموضوعي الوصفي، أي المأخوذ في الموضوع لا بما أنّه حاك عن شيء وراءه بل بما أنّه وصف للنفس المدركة.

لنفترض انّك تريد شراء مرآة من السوق، فتارة تلاحظها بما أنّها حاكية عن الصور التي تعكسها. و أُخري تلاحظها بما أنّها صنعت بشكل جميل مثير للإعجاب مع قطع النظر عن محاكاتها للصور.

فالقطع الموضوعي الطريقي أشبه بملاحظة المرأة بما أنّها حاكية، كما أنّ القطع الموضوعي الوصفي أشبه بملاحظة المرأة بما لها من شكل جميل ككونها مربعة أو مستطيلة و غيرهما من الأوصاف.

(255)

الفصل الرابع الموافقة الالتزامية

الفصل الرابع الموافقة الالتزامية

لا شك أنّ المطلوب في الأُصول الدينية و الأُمور الاعتقادية هو التسليم القلبي و الاعتقاد بها جزماً، إنّما الكلام في الأحكام الشرعية التي ثبتت و تنجّزت بالقطع أو بالحجّة الشرعية فهل هناك تكليفان.

أحدهما الالتزام بأنّه حكم اللّه قلباً و جناناً. ثانيهما

الامتثال عملاً و خارجاً.

و لكلّ، امتثال و عصيان، فلو التزم قلباً و خالف عملاً فقد عصي عملاً، كما أنّه لو وافق عملاً و خالف جناناً و التزاماً فقد ترك الفريضة القلبية، فيؤاخذ عليه.

أو أنّ هناك تكليفاً واحداً و هو لزوم امتثال الأحكام الفرعية في مقام العمل و إن لم يلتزم بها قلباً و جناناً و هذا كمواراة الميت فتكفي و إن لم يلتزم قلباً بأنّها حكم اللّه الشرعي.

فليعلم أنّ البحث في غير الأحكام التعبدية، فإنّ الإمتثال فيها رهن الإتيان بها للّه سبحانه أو لامتثال أمره أو غير ذلك ممّا لا ينفك الإمتثال عن الإلتزام و التسليم بأنّه حكمه سبحانه، فينحصر البحث عن وجوب الموافقة الإلتزامية و عدمه في الأحكام التوصلية.

ذهب المحقّق الخراساني إلي القول الثاني، باعتبار أنّ الوجدان الحاكم في باب الإطاعة و العصيان خير شاهد علي عدم صحّة عقوبة العبد الممتثل لأمر المولي و إن لم يلتزم بحكمه.

(256)

و يمكن أن يقال: إنّ الالتزام مع العلم بأنّ الحكم للّه أمر قهري، فكيف يمكن أن يواري المسلم الميتَ مع العلم بأنّه سبحانه أمر به و لا يلتزم بأنّها حكم اللّه، فعدم عقد القلب علي وجوبه أو علي ضدّه أمر ممتنع و بذلك يصبح النزاع غير مفيد. كما أفاده السيد الإمام الخميني قدَّس سرَّه.

و علي هذا، فالعلم بالحكم يلازم التسليم بأنّه حكم اللّه. (1)

ثمرة البحث

تظهر الثمرة في موارد العلم الإجمالي، فلو علم بنجاسة أحد الإناءين، فهل يجري الأصل العملي، كأصل الطهارة في كلّ منهما باعتبار كون كلّواحد منهما مشكوك الطهارة و النجاسة أو لا؟

فثمة موانع عن جريان الأُصول في أطراف العلم الإجمالي. منها: وجوب الموافقة الالتزامية، فلو قلنا به، لمنع عن جريان الأُصول، فإنّ الالتزام به وجود

نجس بين الإناءين، لا يجتمع مع الحكم بطهارة كلّواحد منهما، فمن قال بوجوب الموافقة الالتزامية لايصح له القول بجواز جريان الأصل في أطراف المعلوم إجمالاً و أمّا من نفاه فهو في فسحة عن خصوص هذا المانع و أمّا الموانع الأُخر فيبحث عنها في فصل خاص إن شاء اللّه.

1. لاحظ تهذيب الأُصول: 2/46. و لنا فيما أفاده قدَّس سرَّه ملاحظة ذكرناها في محاضراتنا الأُصولية.

(257)

الفصل الخامس قطع القطّاع

الفصل الخامس قطع القطّاع

يطلق القطّاع و يراد منه تارة من يحصل له القطع كثيراً، من الأسباب التي لو أُتيحت لغيره لحصل أيضاً، و أُخري من يحصل له القطع كثيراً من الأسباب التي لا يحصل منها القطع لغالب الناس و القَطّاع بالمعني الأوّل زَين و آية للذكاء و بالمعني الثاني شين و آية الاختلال الفكري، و محل البحث هو القسم الثاني.

ثمّ إنّ الوسواسي في مورد النجاسات، من قبيل القطّاع يحصل له القطع بها كثيراً من أسباب غير عادية كما أنّه في مورد الخروج عن عهدة التكاليف أيضاً وسواسي لا يحصل له اليقين بسهولة.

و منه يظهر حال الظنّان، فله أيضاً إطلاقان كالقطاع حذو النعل بالنعل.

إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّه حُكي عن الشيخ الأكبر (1) عدم الاعتناء بقطع القطاع، و تحقيق كلامه يتوقف علي البحث في مقامين:

الأوّل: ما إذا كان القطع طريقياً محضاً.

الثاني: ما إذا كان القطع موضوعياً مأخوذاً في الموضوع.

أمّا الأوّل: فالظاهر كون قطعه حجّة عليه و لا يتصوّر نهيه عن العمل به لاستلزام النهي وجود حكمين متناقضين عنده في الشريعة، حيث يقول: الدم نجس و في الوقت نفسه ينهاه عن العمل بقطعه بأنّ هذا دم.

1. الشيخ جعفر النجفي المعروف ب «كاشف الغطاء» المتوفّي (1228 ه).

(258)

نعم لو أراد عدم كفايته في الحكم بصحّة العمل

عند انكشاف الخلاف، كما إذا قطع بدخول الوقت و تبين عدم دخوله فيحكم عليه بالبطلان فله وجه و لكن لا فرق عندئذ بين القطاع و غيره.

و أمّا الثاني: أي القطع الموضوعي فبما أنّ القطع جزء الموضوع، فللمقنّن التصرف في موضوع حكمه، فيصح له جعلُ مطلقِ القطع جزءاً للموضوع، كما يصحّ جعل القطع الخاص جزءاً له أي ما يحصل من الأسباب العادية فللنهي عندئذ مجال، فإذا قطع بأسباب غير عادية، فللشارع النهي عن العمل به، لأنّ المأخوذ في الموضوع هو غيره.

ثمّ لو وقف الإنسان علي خطأ القاطع قطّاعاً كان أم غيره في الأحكام و الموضوعات فهل يجب علي الغير إرشاده أو لا؟ فالظاهر وجوبه في مورد الجهل بالأحكام نظراً إلي أدلّة لزوم إرشاد الجاهل من غير فرق بين البسيط و المركب و أمّا الموضوعات فلا شك في عدم وجوب إرشاده إلاّفي مهام الأُمور كالدماء و الأعراض و الأموال الطائلة.

إنّ قطع القطّاع و إن كان طريقاً إلي الموضوع عنده، لكنّه بالنسبة إلي الغير من قبيل القطع المأخوذ في الموضوع فلو كان الشاهد أو القاضي أو المجتهد قطاعاً فلا يعتد بقطعه، لأنّ المأخوذ في العمل بقطع الشاهد أو القاضي أو المجتهد هو القطع الحاصل من الأسباب العادية لا من غيرها.

هذا كلّه حول القطّاع.

أمّا الظنّان فيمكن للشارع سلب الاعتبار عنه، من غير فرق بين كونه طريقاً محضاً إلي متعلّقه، أو مأخوذاً في الموضوع و الفرق بينه و بين القطع واضح، لأنّ حجّية الظن ليست ذاتية له و إنّما هي باعتبار الشارع و جعله إياه حجّة في مجال الطاعة و المعصية، و عليه يصحّ له نهي الظنّان عن العمل بظنّه من غير فرق بين كونه طريقياً محضاً أو موضوعياً.

(259)

ثمّ إنّ

ظن الظنّان يكون محكوماً بحكم الشك.

تطبيقات

1. لو ظنّ بعد الخروج عن المحلّ أنّه ترك التشهد، فلا يعود، لكونه من قبيل الشك بعد المحل و الشاك بعد الخروج عن المحلّ لا يعود، نعم لو كان ظاناً متعارفاً كان عليه الرجوع لحجّية الظن في الركعات الأخيرة و في أجزاء الصلاة.

2. لو ظنّ قبل الخروج عن المحلّ بالإتيان، فيعود لأنّه بحكم الشاك و الشاك في المحل يعود و يأتي به مع أنّه لو كان ظاناً متعارفاً كان عليه عدم الرجوع و الإتيان لما ذكرنا.

3. و أمّا الشكاك ففيه التفصيل: ففي كلّ مورد لا يعتدّبالشك العادي لا يعتني بشك الشكاك بطريق أولي كالشك بعد المحل، و أمّا المورد الذي يعتني بالشك العادي فيه و يكون موضوعاً للأثر، فلا يعتني بشك الشكاك أيضاً، كما في عدد الركعتين الأخيرتين فلو شك بين الثلاث و الأربع و كان شكه متعارفاً يجب عليه صلاة الاحتياط بعد البناء علي الأكثر و أمّا الشكاك، فلا يعتني بشكه و لا يترتب عليه الأثر بشهادة قوله: «لا شك لكثير الشك» فلو اعتدّبه لم يبق فرق بين الشكاك و غيره.

(260)

الفصل السادس هل المعلوم إجمالاً كالمعلوم تفصيلاً؟

الفصل السادس هل المعلوم إجمالاً كالمعلوم تفصيلاً؟

المعروف تقسيم العلم إلي تفصيلي و إجمالي، و ربما يعترض بأنّ العلم من مقولة الكشف عن الواقع و هو يلازم التفصيل و ينافي الإجمال، فكيف ينقسم إلي التفصيلي و الإجمالي؟! و لذلك قالوا: إنّ العلم يدور أمره بين الوجود و العدم، لا الإجمال و التفصيل.

و يجاب عنه بأنّ وصفه بالإجمال من باب وصف الشيء بوصف متعلّقه أو مصداقه.

توضيحه: أنّ العلم إذا تعلّق به وجود النجاسة في البين و تردّد مصداق المعلوم بالتفصيل بين إناءين، فهناك علم تفصيلي تعلّق بمعلوم مثله و هناك

جهل تعلّق بموضع المعلوم بالتفصيل. فحقيقة العلم الإجمالي ترجع إلي علم تفصيلي بالنجاسة و جهل بمصداقها و موضعها و إلي هذا يرجع قولهم: إنّ الإجمال ليس في نفس العلم و إنّما هو في متعلّقه و المراد منه هو المصداق لا متعلّق العلم (النجاسة) و إلاّ فلا إجمال لا في العلم و لا في المتعلّق.

ثمّ إنّ العلم بالتكليف قد يراد به العلم الوجداني بالتكليف الذي لا يرضي المولي بتركه أبداً، كما إذا علم بكون أحد الشخصين محقون الدم دون الآخر و أُخري يراد به العلم بقيام الحجّة الشرعية علي التكليف، كما إذا قامت الأمارة علي حرمة العصير العنبي إذا غلي و تردّد المغلي بين إناءين و شمل إطلاق الأمارة المعلوم بالإجمال.

(261)

و الكلام في المقام إنّما هو في الصورة الأُولي أي العلم الوجداني، لا ما إذا قامت الحجّة علي الحرمة و تردّدت بين الأمرين، فانّ البحث عن هذا القسم موكول إلي مبحث الاحتياط من الأُصول العملية.

إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّهم اختلفوا في أنّ العلم الإجمالي هل هو كالعلم التفصيلي بالتكليف ثبوتاً و إثباتاً أو لا؟ فالبحث يقع في موضعين:

الأوّل: منجّزية العلم الإجمالي.

الثاني: كفاية الامتثال الإجمالي.

أمّا الأوّل، أي منجّزية العلم الإجمالي فلا شك في أنّ العلم الإجمالي به وجود التكليف الذي لا يرضي المولي بتركه منجّز للواقع و معني التنجيز هو وجوب الخروج عن عهدة التكليف، فلو علم وجداناً بوجوب أحد الفعلين أو حرمة أحدهما، يجب عليه الإتيان بهما في الأوّل و تركهما في الثاني و لا تكفي الموافقة الاحتمالية بفعل واحد أو ترك واحد منهما.

و بهذا ظهر أنّ العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي في لزوم الموافقة القطعية (وعدم كفاية الموافقة الاحتمالية) و حرمة المخالفة القطعية و ليس للشارع

في هذا المقام جعل الترخيص بترك واحد أو كليهما إذا تعلّق العلم الإجمالي بالواجب، أو جعل الترخيص بفعل أحدهما أو كليهما إذا تعلّق بالحرام و ذلك لأنّ العلم طريق و ليس للشارع دور في هذا النوع من العلم و الترخيص يستلزم وجود التناقض في كلام الشارع عند القاطع و يستلزم التناقض ثبوتاً فيما إذا أصاب الواقع. و بذلك اتّضح عدم جريان الأُصول في أطراف العلم القطعي بالتكليف و إن كان المصداق مردداً بين شيئين.

و أمّا الثاني، أي كفاية الامتثال الإجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي، فله صور:

(262)

الصورة الأُولي: كفاية الامتثال الإجمالي في التوصليات، كما إذا علم بوجوب مواراة أحد الميتين فيواريهما من دون استعلام حال واحد منهما و مثله التردّد في وقوع الإنشاء بلفظ النكاح، أو بلفظ الزواج، فينشئ بكلا اللفظين.

الصورة الثانية: كفاية الامتثال الإجمالي في التعبديات فيما إذا لم يستلزم التكرار، كما إذا تردّد الواجب بين غسل الجنابة و غسل مسّ الميت، فيغتسل إمتثالاً للأمر الواقعي أو شك بين وجوب السورة في الصلاة أو ندبها، فيأتي بها في الصلاة احتياطاً مع التمكن من العلم التفصيلي أو الظن التفصيلي الذي دلّ الدليل علي كونه حجّة، و هذا أيضاً لا إشكال في جوازه و لا يجب عليه التفحص عن الواجب و إن تمكن منه، لأنّ الصحّة في العبادات رهن إتيان الفعل لأمره سبحانه و المفروض أنّه إنّما أتي به امتثالاً لأمره الواقعي.

الصورة الثالثة: كفاية الامتثال الإجمالي في التعبديات فيما إذا استلزم التكرار، كما إذا تردّد أمر القبلة بين جهتين، أو تردّد الواجب بين الظهر وا لجمعة مع إمكان التعيين بالإجتهاد أو التقليد فتركهما و امتثل الأمر الواقعي عن طريق تكرار العمل.

فالظاهر هو الصحة سواء تمكن من

تعيين الواجب أم لم يتمكن، لأنّ حقيقة الطاعة هو الإنبعاث عن أمر المولي بحيث يكون الداعي و المحرّك هو أمره و المفروض أنّ الداعي إلي الإتيان بكلّواحد من الطرفين هو بعث المولي المقطوع به و لولا بعثه لما قام بالإتيان بواحد من الطرفين.

نعم لا يعلم تعلّق الوجوب بالواحد المعين و لكن الداعي للإتيان بكلّ واحد هو أمر المولي في البين و احتمال انطباقه علي كلّ واحد و يكفي هذا المقدار في حصول الطاعة.

نعم فاته أمران:

ألف: قصد الوجه، و المراد قصد الوجوب أو الندب، إذ لا يمكن له الإتيان

(263)

بكل واحد بنية الوجوب.

ب: تمييز الأجزاء الواجبة عن المستحبّة، كما في مورد السورة المردّدة بين الوجوب و الندب.

و بما أنّه لا دليل علي وجوبهما فلا يضرّه الفوت.

و بذلك ظهر أنّ الاحتياط في عرض الدليل التفصيلي: الاجتهاد و التقليد. و لذلك قالوا: يجب علي كلّ مكلّف في عباداته و معاملاته و عادياته أن يكون مجتهداً أو مقلّداً أو محتاطاً. (1)

فقد خرجنا بنتيجتين:

1. العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي في منجّزية التكليف و معذّريته.

2. كفاية الامتثال الإجمالي عن الامتثال التفصيلي مطلقاً سواء تمكن من التفصيلي أو لا.

و بذلك تمّ الكلام في أحكام القطع و حان الآن البحث عن أحكام الظن الذي هوالحالة الثانية للمكلّف إذا التفت إلي الحكم الشرعي.

1. العروة الوثقي: فصل التقليد، المسألة الأُولي.

المقام الثاني: احكام اظن المعتبر

المقام الثاني

أحكام الظن المعتبر

الهدف الأسمي في المقصد السادس هو بيان الحجج الشرعية في الفقه و كان البحث عن أحكام القطع بحثاً استطرادياً و لما كانت الحجج الشرعية من قبيل الظنون المعتبرة مسّت الحاجة إلي البحث في موضعين:

الأوّل: إمكان التعبّد بالظن.

الثاني: وقوعه بعد ثبوت إمكانه.

الموضع الأوّل: في إمكان التعبّد بالظن

يطلق الإمكان و يراد منه أحد

المعاني الثلاثة:

1. الإمكان الاحتمالي: و هو عدم الجزم بامتناع الشيء بمجرّد سماعه، فإذا سَمع صعود إنسان إلي القمر كان علي السامع أن لا يعدّه ممتنعاً بل يحتمل جوازه و في الوقت نفسه يمكن أن يكون في الواقع من الممكنات أو من الممتنعات، فالإمكان الاحتمالي يجتمع مع كلا الأمرين.

و إليه يشير الشيخ الرئيس في كلامه: كلّما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الإمكان مالم يذدك عنه واضح البرهان.

2. الإمكان الذاتي: و هو أن تكون نسبة الوجود و العدم إلي الماهية علي حد سواء و يطلق عليه الإمكان الماهوي كما هو الحال في عامة الممكنات في مقابل كون وجود الشيء ضرورياً كواجب الوجود، أو كونه ممتنعاً كامتناع اجتماع

(265)

النقيضين أو الضدّين.

3. الإمكان الوقوعي: و هو ما لا يترتب علي وقوعه مفسدة بعد إمكانه ذاتاً في مقابل خلافه. مثلاً إنّ له سبحانه إدخال المطيع الجنة كما أنّ له إدخاله في النار، و لكن يتمتع الأوّل بالإمكان الوقوعي دون الثاني لكونه منافياً لحكمته.

إذا علمت ذلك، فاعلم أنّ البحث هنا ليس في الإمكان الاحتمالي و لا الذاتي لعدم وجود الشك فيهما إنّما الكلام في الإمكان بالمعني الثالث و هو هل تترتب علي التعبد بالظن مفسدة أو لا؟

فالقائلون بعدم جواز العمل بالظن ذهبوا إلي الامتناع وقوعاً، كما أنّ القائلين بجواز التعبّد ذهبوا إلي إمكانه كذلك.

ثمّ إنّ القائلين بامتناع التعبد منهم ابن قبة الرازي (1) استدلّوا بوجوه مذكورة في المطولات و لكن أدلّ دليل علي إمكان الشيء بكلا المعنيين (الذاتي و الوقوعي) وقوعه في الشريعة الإسلامية كما سيتضح فيما بعد.

الموضع الثاني: في وقوع التعبد بالظن بعد ثبوت إمكانه

قد عرفت إمكان التعبد بالظن، فيقع البحث في وقوعه خارجاً و قبل الدخول في صلب

الموضوع لابدّ أن نبين ما هو الأصل في العمل بالظن حتي يكون هو المرجع عند الشك، فما ثبت خروجه عن ذلك الأصل نأخذ به، و ما لم يثبت نتمسك فيه بالأصل فنقول:

إنّ القاعدة الأوّلية في العمل بالظن هو الحرمة و عدم الحجّية إلاّ ما خرج بالدليل.

1. هو محمد بن عبد الرحمان بن قبة الرازي المتكلّم الكبير المعاصر لأبي القاسم البلخي المتوفّي عام (317 ه) و قد توفي ابن قبة قبله و له كتاب الانصاف في الإمامة. ترجمه النجاشي في فهرسته برقم 1024.

(266)

و الدليل عليه أنّ العمل بالظن عبارة عن صحّة إسناد مؤدّاه إلي الشارع في مقام العمل و من المعلوم أنّ إسناد المؤدي إلي الشارع إنّما يصحّ في حالة الإذعان بأنّه حكم الشارع و إلاّ يكون الإسناد تشريعاً قولياً و عملياً دلّت علي حرمته الأدلّة الأربعة (1) و ليس التشريع إلاّ إسناد مالم يعلم أنّه من الدين إلي الدين.

قال سبحانه: (قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللّهُ لَكمْ مِنْ رِزْق فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَ حَلالاً قُل آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَي اللّهِ تَفْتَرُونَ) (يونس/59).

فالآية تدل علي أنّ الإسناد إلي اللّه يجب أن يكون مقروناً بالإذن منه سبحانه و في غير هذه الصورة يعد افتراءً سواء كان الإذن مشكوك الوجود كما في المقام أو مقطوع العدم و الآية تعم كلا القسمين و المفروض أنّ العامل بالظن شاك في إذنه سبحانه و مع ذلك ينسبه إليه.

و قال سبحانه: (وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيها آباءَنا وَ اللّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللّهَ لا يأْمُرُ بِالفَحْشاءِأَتَقُولُونَ عَلَي اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف/28).

تجد أنّه سبحانه يذم التقوّل بمالا يعلم صدوره من اللّه سواء أكان مخالفاً للواقع أم لا، و

العامل بالظن يتقوّل بلا علم.

فخرجنا بالنتيجة التالية:

إنّ الضابطة الكلية في العمل بالظن هو المنع لكونه تشريعاً قولياً أو عملياً محرّماً و تقوّلاً علي اللّه به غير علم. فالأصل في جميع الظنون أي في باب الحجج هو عدم الحجّية إلاّ إذا قام الدليل القطعي علي حجّيته.

ثمّ إنّ الأُصوليين ذكروا خروج بعض الظنون عن هذاالأصل. منها:

1. الكتاب و السنّة و الإجماع و العقل كما أوضحه الشيخ الأعظم في الفرائد، و اقتصرنا في المتن علي الكتاب العزيز.

(267)

1. ظواهر الكتاب.

2. الشهرة الفتوائية.

3. خبر الواحد.

4. الإجماع المنقول بخبر الواحد.

5. قول اللغوي.

6. العرف و السيرة.

و بما أنّ الإجماع المحصَّل و دليلَ العقل من الأدلّة القطعية لا الظنّية، عقدنا للأوّل بحثاً في ضمن الفصل الرابع المنعقد لبيان الإجماع المنقول، و أفردنا للثاني فصلاً مستقلاً و به ارتقت الفصول إلي سبعة.

كلّ ذلك حفظاً للنظام الدارج في الكتب الأُصولية.(268)

[الثاني]

الفصل الأوّل حجّية ظواهر الكتاب

@الفصل الأوّل حجّية ظواهر الكتاب

اتّفق العقلاء علي أنّ ظاهر كلام كل متكلّم إذا كان جادّاً لاهازلاً، حجّة و كاشف عن مراده و لأجل ذلك يؤخذ بإقراره و اعترافه في المحاكم و ينفّذ وصاياه و يحتج برسائله و كتاباته.

و آيات الكتاب الكريم إذا لم تكن مجملة و لا متشابهة، لها ظواهر كسائر الظواهر، فيحتج بها كما يحتج بسائر الظواهر، قال سبحانه (وَ لَقَدْ يسّرنا القُرآنَ لِلذِّكرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكر) (القمر/17) و في الوقت نفسه أمر بالتدبّر و قال: (أَفلا يتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أَمْ عَلي قُلُوب أَقْفالُها) (محمد/24) كلّ هذا يعرب عن كون ظواهر الكتاب كسائر الظواهر، حجّة أُلقيت للإفادة و الاستفادة و الاحتجاج و الاستدلال.

نعم أنّ الاحتجاج بكلام المتكلّم يتوقّف علي ثبوت أُمور:

الأوّل: ثبوت صدوره من المتكلّم.

الثاني: ثبوت جهة صدوره و أنّه لم يكن هازلاً مثلاً.

الثالث: ثبوت

ظهور مفرداته و جمله.

الرابع: حجّية ظهور كلامه و كونه متبعاً في كشف المراد.

و الأوّل ثابت بالتواتر و الثاني بالضرورة حيث إنّه سبحانه أجلّ من أن يكون هازلاً. و المفروض ثبوت ظهور مفرداته و مركباته و جُمَله بطرق من الطرق السابقة

(269)

وهو التبادر و صحّة الحمل و السلب و الإطراد و لم يبق إلاّ الأمر الرابع و هو حجّية ظهور كلامه و الكتاب الكريم كتاب هداية و برنامج لسعادة الإنسان و المجتمع، فلازم ذلك أن تكون ظواهره حجّة كسائر الظواهر، و لا وجه للاحتجاج بكلّ الظواهر إلاّ ظواهر الكتاب.

ثمّ إنّ الأُصوليين جعلوا مطلق الظواهر من الظنون و قالوا باعتبارها و خروجها عن تحت الضابطة السالفة الذكر بدليل خاص و هو بناء العقلاء علي حجّية ظواهر كلام كلّ متكلّم و لكن دقة النظر تقتضي أن تكون الظواهر من القطعيات لا الظنيات.

و يظهر ذلك بالبيان التالي:

إنّ السير في المحاورات العرفية يرشدنا إلي أنّها من الأمارات القطعية علي المراد الاستعمالي بشهادة انّ المتعلِّم يستدل بظاهر كلام المعلِّم علي مراده. و ما يدور بين البائع و المشتري من المفاهيم لا توصف بالظنية، و ما يتفوّه به الطبيب يتلقّاه المريض أمراً واضحاً لا سترة فيه كما أنّ ما يتلّقاه السائل من جواب المجيب يسكن إليه دون أي تردد.

فإذا كانت هذه حال محاوراتنا العرفية في حياتنا الدنيوية، فلتكن ظواهر الكتاب و السنّة كذلك فلماذا نجعلها ظنية الدلالة؟!

نعم المطلوب من كونها قطعية الدلالة هو دلالتها بالقطع علي المراد الاستعمالي لا المراد الجدي، لأنّ الموضوع علي عاتق الكلام هو كشفه عمّا يدل عليه اللفظ بالوضع و ما يكشف عنه اللفظ الموضوع هو المراد الاستعمالي و المفروض أنّ الظواهر كفيلة لإثبات هذا المعني فلا وجه لجعلها

ظنية الدلالة. و أمّا المراد الجدّي فإنّما يعلم بالأصل العقلائي أعني أصالة تطابق الإرادة الاستعمالية مع الجدّية.

و الذي صار سبباًلعدِّ الظواهر ظنّية هو تطرّق احتمالات عديدة إلي كلام

(270)

المتكلّم، أعني:

1. احتمال كون المتكلّم هازلاً،

2. أو كونه مورّياً في مقاله،

3. أو ملقياً علي وجه التقية،

4. أو كون المراد الجدّي غير المراد الاستعمالي من حيث السعة و الضيق بورود التخصيص أو التقييد عليه. فلأجل وجود تلك الاحتمالات جعلوا الظواهر من الظنون.

يلاحظ عليه: أنّ أكثر هذه الأُمور موجودة في النص أيضاً مع أنّهم جعلوه من القطعيات و وجه ذلك أنّ نفي هذه الاحتمالات ليس علي عاتق الظواهر حتي تصير لأجل عدم التمكن من دفعها ظنية، بل لا صلة لها بها و إنّما الدافع لتلك الاحتمالات هو الأُصول العقلائية الدالّة علي أنّ الأصل في كلام المتكلّم كونه جادّاً، لا هازلاً و لا مورّياً و لا ملقياً علي وجه التقية، كما أنّ الأصل هو تطابق الإرادة الاستعمالية مع الإرادة الجدية، مالم يدل دليل علي خلافه كما في مورد التخصيص و التقييد.

فالوظيفة الملقاة علي عهدة الظواهر هي إحضار المراد الاستعمالي في ذهن المخاطب و هي تحضره علي وجه القطع و البت بلا تردد و شك. و أمّا سائر الاحتمالات فليست هي المسؤولة عن نفيها حتي توصف لأجلها بالظنية علي أنّ أكثر هذه الاحتمالات بل جميعها منتفية في المحاورات العرفية و إنّما هي شكوك علمية مغفولة للعقلاء.

فخرجنا بالنتيجة التالية:

إنّ دلالة القرآن و السنّة و كذا دلالة كلام كلّ متكلّم علي مراده من الأُمور القطعية شريطة أن تكون ظاهرة لا مجملة، محكمة لا متشابهة. و يكون المراد من قطعيتها، كونها قطعية الدلالة علي المراد الاستعمالي.

نعم الفرق بين الظاهر و النص، هو انّ الأوّل قابل

للتأويل إذا دلّت عليه القرينة، بخلاف النصّ فلا يقبل التأويل و يعدّ التأويل تناقضاً.

(271)

و في خاتمة البحث نذكر أمرين:

أ. انّ القول بعدم حجّية ظواهر الكتاب العزيز، كما نسب إلي الأخباريين دعوي تقشعرّ منها الجلود و ترتعد منها الفرائص، إذ كيف توصف حجّةُ اللّه الكبري و الثقل الأعظم، بعدم الحجّية مع أنّ الكتاب هو المعجزة الكبري للنبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم أفيمكن أن يكون معجزاً و لا يحتج بظواهره و مفاهيمه مع أنّ الإعجاز قائم علي اللفظ و المعني معاً؟!

ب. ليس المراد من حجّية ظواهر القرآن هو استكشاف مراده سبحانه من دون مراجعة إلي ما يحكم به العقل في موردها، أو من دون مراجعة إلي الآيات الأُخري التي تصلح لأن تكون قرينة علي المراد، أو من دون مراجعة إلي الأحاديث النبوية و روايات العترة الطاهرة في إيضاح مجملاته و تخصيص عموماته و تقييد مطلقاته.

فالاستبداد في فهم القرآن مع غض النظر عمّا ورد حوله من سائر الحجج ضلال لا شك فيه، كيف؟ و اللّه سبحانه يقول: (وَأَنْزَلْنا إِلَيك الذِّكر لِتُبَينَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ يتَفَكرُونَ) (النحل/44) فجعل النبي مبيناً للقرآن و أمر الناس بالتفكر فيه، فللرسول سهم في إفهام القرآن كما أنّ لتفكرالناس و إمعان النظر فيه سهماً آخر و بهذين الجناحين يحلِّق الإنسان في سماء معارفه و يستفيد من حِكمِه و قوانينه.

و بذلك تقف علي مفاد الأخبار المندِّدة بفعل فقهاء العامة كأبي حنيفة و قتادة، فإنّهم كانوا يستبدون بنفس القرآن من دون الرجوع إلي حديث العترة الطاهرة في مجملاته و مبهماته و عموماته و مطلقاته. فالاستبداد بالقرآن شيء و الاحتجاج بالقرآن بعد الرجوع إلي الأحاديث شيء آخر و الأوّل هو الممنوع

و الثاني هو الذي جري عليه أصحابنا رضوان اللّه عليهم.

(272)

الفصل الثاني الشهرة الفتوائية

الفصل الثاني الشهرة الفتوائية

إنّ الشهرة علي أقسام ثلاثة:

أ. الشهرة الروائية.

ب. الشهرة العملية.

ج. الشهرة الفتوائية.

أمّا الأُولي، فهي الرواية التي اشتهر نقلها بين المحدِّثين و كثر رواتها كالأحاديث الواردة في نفي التجسيم و التشبيه و نفي الجبر و التفويض عن أئمة أهل البيت عليهم السَّلام و يقابلها النادر.

ثمّ إنّ الخبر المشهور إنّما يكون معبِّراً عن الحكم الشرعي فيما إذا أفتي الفقهاء علي وفقه و أمّا إذا رواه المحدّثون و لكن أعرض عنه الفقهاء، فهذه الشهرة موهنة لا جابرة.

أمّا الثانية، فهي الرواية التي عمل بها مشهور الفقهاء و أفتوا علي ضوئها، فهذه الشهرة تورث الاطمئنان و تسكن إليها النفس، و هي التي يصفها الإمام في مقبولة عمر بن حنظلة الّتي وردت في علاج الخبرين المتعارضين اللّذين أخذ بكلّ واحد منهما أحد الحكمين في مقام فصل الخصومات بقوله: «ينظرُ إلي ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به، المجمعَ عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حُكمنا و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك».

(273)

و علي ضوء (1) ذلك فالشهرة العملية تكون سبباً لتقديم الخبر المعمول به علي المتروك الشاذّ الذي لم يعمل به.

و هل يكون عمل الأصحاب المتقدّمين بالرواية جابراً لضعف سندها و إن لم يكن لها معارض. ذهب المشهور إلي أنّه جابر لها. نعم الجابر للضعف هو عمل المتقدّمين من الفقهاء الذين عاصروا الأئمة عليهم السَّلام، أو كانوا في الغيبة الصغري، أو بعدها بقليل كوالد الصدوق و ولده و المفيد و غيرهم، و أمّا المتأخّرون فلا عبرة بعملهم و لا إعراضهم، و قد أوضحنا ذلك في محاضراتنا. (2)

و أمّا الثالثة، فهي عبارة عن اشتهار الفتوي في

مسألة لم ترد فيها رواية و هي المطروحة في المقام، فمثلاً إذا اتّفق ا لمتقدّمون علي حكم في مورد و لم نجد فيه نصاً من أئمّة أهل البيت عليهم السَّلام يقع الكلام في حجّية تلك الشهرة الفتوائية و عدمها.

و الظاهر حجّية مثل هذه الشهرة، لأنّها تكشف عن وجود نص معتبر وصل إليهم و لم يصل إلينا حتي دعاهم إلي الإفتاء علي ضوئه، إذ من البعيد أن يفتي أقطاب الفقه بشيء بلا مستند شرعي و دليل معتدّ به و قد حكي سيد مشايخنا المحقّق البروجردي في درسه الشريف أنّ في الفقه الإمامي أربعمائة مسألة تلقّاها الأصحاب قديماً و حديثاً بالقبول و ليس لها دليل إلاّالشهرة الفتوائية بين القدماء بحيث لوحذفنا الشهرة عن عداد الأدلّة، لأصبحت تلك المسائل فتاوي فارغة مجرّدة عن الدليل.

و يظهر من غير واحد من الروايات أنّ أصحاب أئمّة أهل البيت كانوا يقيمون وزناً للشهرة الفتوائية السائدة بينهم و يقدّمونها علي نفس الرواية التي سمعوها من الإمام عليه السَّلام و لنأت بنموذج:

روي سلمة بن محرز، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: إنّ رجلاً مات و أوصي

1. الوسائل: 18، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1 و قد رواها المشايخ الثلاثة في جوامعهم و تلقّاها الأصحاب بالقبول و لذلك سمّيت بالمقبولة.

2. لاحظ المحصول في علم الأُصول: 3/207208.

(274)

إلي بتركته و ترك ابنته، قال: فقال لي: «أعطها النصف» ، قال: فأخبرت زرارة بذلك، فقال لي: اتقاك، إنّما المال لها، قال: فدخلت عليه بعد، فقلت: أصلحك اللّه إنّ أصحابنا زعموا انّك اتقيتني؟ فقال: «لا و اللّه ما اتّقيتك و لكني اتّقيت عليك أن تَضْمن فهل عَلِمَ بذلك أحد؟» قلت: لا، قال: «فأعطها ما بقي». (1)

توضيح الرواية:

انّه إذا توفّي الأب و لم يكن له وارث سوي البنت، فالمال كلّه لها، غاية الأمر: النصف الأوّل فرضاًو النصف الآخر ردّاً.

ولكن أهل السنّة يورّثون البنت في النصف و العصبةَ في النصف الآخر و قدكان حكم الإمام في اللقاء الأوّل بما يوافق فتوي العامة و لما وقف الراوي علي أنّ المشهور بين أصحاب الإمام غير ما سمعه صبر حتي لقي الإمام في العام القادم و وقف علي أنّ الحكم الواقعي ما هو المشهور عند أصحابه. فلولا أنّ للشهرة الفتوائية قيمة علمية لما توقّف الراوي في العمل و هذا يدل علي أنّه كانت للشهرة الفتوائية يومذاك مكانة عالية.

1. الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 3.

(275)

الفصل الثالث حجّية السنّة المحكية بخبر الواحد

الفصل الثالث حجّية السنّة المحكية بخبر الواحد

حجّية السنّة المحكية بخبر الواحد

السنّة في اصطلاح أكثر الفقهاء هي قول النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم أو فعله أو تقريره و المعصوم من أئمّة أهل البيت عليهم السَّلام يجري قوله و فعله و تقريره عندنا مجري قول النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم و فعله و تقريره و لأجل ذلك تطلق السنّة علي قول المعصوم و فعله و تقريره دون أن تختص بالنبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم.

و ليس أئمّة أهل البيت عليهم السَّلام من قبيل الرواة و إن كانوا يروون عن جدهمعليهم السَّلام، بل هم المنصوبون من اللّه تعالي علي لسان النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم بتبليغ الأحكام الواقعية، فقد رُزقوا من جانبه سبحانه علماً لصالح الأُمة كما رزق مصاحب النبي موسي عليمها السَّلام علماً كذلك من دون أن يكون نبياً، قال سبحانه: (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيناهُ رَحْمَةً

مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلِماً) (الكهف/65). فعندهم علم الشريعة و إن لم يكونوا أنبياء و لا رسلاً.

ثمّ إنّ الخبر الحاكي للسنّة إمّا خبر متواتر، أو خبر واحد. ثمّ الثاني إمّا مستفيض (1) أو غيره.

ولا شك انّ الأوّل يفيد العلم و لا كلام في حجّيته إنّما الكلام في حجّية الخبر الواحد أعم من المستفيض و غيره.

فقد اختلفت كلمة أصحابنا في ذلك:

1. هو الخبر الواحد المنقول بطرق متعددة دون أن يبلغ حدّ التواتر.

(276)

أ. ذهب الشيخ المفيد و السيد المرتضي و القاضي ابن البراج و الطبرسي و ابن إدريس إلي عدم جواز العمل بخبر الواحد في الشريعة.

ب و ذهب الشيخ الطوسي (1) و قاطبة المتأخّرين إلي حجّيته.

و المقصود في المقام إثبات حجّيته بالخصوص و في الجملة مقابل السلب الكلّي و أمّا البحث عن سعة حجّيته و سنشير إليها بعد الفراغ عن الأدلّة.

وقد استدلوا علي حجّيته بالأدلّة الأربعة:

الاستدلال بالكتاب العزيز

استدلّوا علي حجّية خبر الواحد بآيات:

1. آية النبأ

قال سبحانه: (إِنْ جاءَكمْ فاسِقٌ بِنَبأ فَتَبَينُوا أَن تُصِيبُوا قَوماً بِجَهالَة فَتُصْبِحُوا عَلي ما فَعَلْتُمْ نادِمينَ) (الحجرات/6). (2)

و تقرير الاستدلال يتوقّف علي شرح ألفاظ الآية:

1. التبين يستعمل لازماً و متعدياً، فعلي الأوّل فهو بمعني الظهور، قال سبحانه: (حَتّي يتَبَينَ لَكمُ الْخَيطُ الأَبْيضُ مِنَ الْخيطِ الأَسْوَد) (البقرة/187). و علي الثاني فهو بمعني طلب التثبت كقوله سبحانه: (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَينُوا وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقي إِلَيكمُ السَّلام لَسْتَ مُؤْمناً) (النساء/94) و معناه في المقام تبينوا صدقَ الخبرو كذبه.

1. لاحظ عدة الأُصول: 1/338 من الطبعة الحديثة.

2. قال الطبرسي: نزلت الآية في الوليد بن عقبة، بعثه رسول اللّه صلَّي اللّه عليه و آله و سلَّم في جباية صدقات بني المصطلق، فخرجوا يتلقّونه

فرحاًبه و كانت بينه و بينهم عداوة في الجاهلية فظنّ انّهم همّوا بقتله، فرجع إلي رسول اللّهصلَّي اللّه عليه و آله و سلَّم و قال: إنّهم مَنعوا صدقاتهم و كان الأمر بخلافه فغضب النبي صلَّي اللّه عليه و آله و سلَّم و همّ أن يغزوهم، فنزلت الآية. لاحظ مجمع البيان: 5/132.

(277)

2. قوله: (أَن تصيبُوا قَوماً بِجهالة) علّة للتثبّت و المقصود خشية أن تصيبوا قوماً بجهالة.

3. الجهالة مأخوذة من الجهل و هي الفعل الخارج عن إطار الحكمة و التعقّل.

و أمّا كيفية الاستدلال، فتارة يستدل بمفهوم الشرط، و أُخري بمفهوم الوصف. و ربما يحصل الخلط بينهما، ففي تقرير الاستدلال بمفهوم الشرط ينصبّ البحث، علي الشرط أي مجيئ المخبر بالنبأ، دون عنوان الفاسق، بخلاف الاستدلال بمفهوم الوصف حيث ينصبّ البحث علي عنوان الفاسق مقابل العادل ففي إمكان الباحث جعل لفظ آخر مكان الفاسق عند تقرير الاستدلال بمفهوم الشرط لأجل صيانة الفكر عن الخلط، فنقول:

الأوّل: الاستدلال بمفهوم الشرط

و يقرر بالنحو التالي:

إنّ الموضوع هو نبأ الفاسق، و الشرط هو المجيئ، و الجزاء هو التبين و التثبّت، فكأنّه سبحانه قال: نبأ الفاسق إن جاء به فتبينه.

و يكون مفهومه:

نبأ الفاسق إن لم يجئ به فلا تتبينه.

لكنَّ للشرط عدم مجيئ الفاسق مصداقين:

عدم مجيئ الفاسق و العادل فيكون عدم التبين لأجل عدم الموضوع و هو الحديث فيكون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.

ب. مجيئ العادل به فلا يتبين أيضاً فيكون عدم التبين من قبيل السالبة بانتفاء المحمول. أي النبأ موجود و المنفي هو المحمول أعني التثبّت.

يلاحظ علي الاستدلال: أنّ المفهوم عبارة عن سلب الحكم عن الموضوع

(278)

الوارد في القضية، لا سلبه عن موضوع آخر، لم يرد فيها، فالموضوع في المنطوق هو «نبأ الفاسق» فيجب أن يتوارد

التثبّت منطوقاً و عدم التثبّت مفهوماً علي ذلك الموضوع لا علي موضوع آخر كنبأ العادل، و عندئذ ينحصر مفهومه في المصداق الأوّل و يكون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.

وإن شئت قلت: إنّ الموضوع هو نبأ الفاسق فعند وجود الشرط أعني المجيئ بالنبأ يتثبّت عنده و عند عدم المجيئ به لا يتثبّت لعدم الموضوع، فخبر العادل لم يكن مذكوراً في المنطوق حتي يحكم عليه بشيء في المفهوم.

وإن أردت التوضيح فاجعل مكان الفاسق لفظة «الوليد» الذي نزلت في حقّه الآية و قُل: الوليد إن جاء بالخبر فتثبّت، فيكون مفهومه:

الوليد إن لم يجئ بالخبر فلا تثبّت لعدم الموضوع.

و فرض خبر شخص آخر (عادل) مكانه كأبي ذر و سلمان خارج عن الموضوع.

و لعلّ فرض مجيئ العادل بالخبر عند عدم مجيئ الفاسق نشأ من خلط مفهوم الشرط بمفهوم الوصف.

الثاني: الاستدلال بمفهوم الوصف

و طريقة الاستدلال به واضحة لأنّه سبحانه علّق التبين علي كون المخبر فاسقاً و هو يدل علي عدم التبين في خبر العادل، مثل قولك: «في سائمة الغنم زكاة» الدالّ علي عدمها في المعلوفة.

ثمّ إنّ عدم التثبّت في العادل بحكم مفهوم الوصف ليس بمعني تركه و شأنَه، إذ يلزم أن يكون خبر العادل أسوأ حالاً من الفاسق، لأنّ خبر الفاسق يتبين عنه فيعمل به عند ظهور الصحّة، و أمّا خبر العادل فيترك، فلا يتثبّت عنه مطلقاً و بالتالي لا يعمل به مطلقاً، فتعين انّ المراد من عدم التثبت هو العمل به بلا

(279)

تريث و تردّد.

يلاحظ عليه: بما مرّ من عدم دلالة الجملة الوصفية علي المفهوم غايته انّه قيد احترازي أي عدم الحكم عند انتفاء القيد و التوقف لا الحكم بالانتفاء عند الانتفاء و قد عرفت الفرق بين القيد الاحترازي و اشتمال

القيد علي المفهوم. (1)

انّ المستدل خلط بين كون القيد احترازياً، و كونه ذا مفهوم و مفاد الأوّل هو مدخليته في الحكم مقابل القيد غير الاحترازي مثل (حجوركم) في قوله سبحانه: (وَرَبائِبكمُ اللاتي فِي حُجُورِكمْ) (النساء/23) و مفاد الثاني هو كونه دخيلاً منحصراً لا يقوم مقامه شيء آخر و هذا ما لا يدل عليه القيد.

فإن قلت: لو كان القائم في المثال المعروف: «في سائمة الغنم زكاة» هي «المعلوفة» لكان ذكر السائمة لغواً إذ معناه أنّ الزكاة لجنس الغنم و لا مدخلية لأحد الوصفين فيه.

قلت: لا تلزم اللغوية لاحتمال أن تكون القضية جواباً لسؤال السائل عن المعلوفة فجاء الجواب وفقاً للسؤال لا أنّ للوصف مدخلية. و منه تعلم حال ذكر الفاسق في الآية، فالحكم (التثبّت) عام شامل لخبر العادل و الفاسق و لكن ذكره لأجل التنبيه علي فسق الوليد.

2. آية النفر

قال سبحانه: (وَ ما كانَ المُؤْمِنُونَ لِينْفِروا كافّةً فَلَولا نَفَرَ مِنْ كلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِينْذِرُوا قَومَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيهِمْ لَعَلَّهُمْ يحْذَرُون) (التوبة/122).

تشيرالآية إلي السيرة المستمرة بين العقلاء من تقسيم العمل بين الأفراد، إذ لولا ذلك لاختلّ النظام و لا تشذ عن ذلك مسألة الإنذار و التعليم و التعلّم،

1. لاحظ الجزء الأوّل: ص 177.

(280)

فلا يمكن أن ينفر المؤمنون كافة لتحصيل أحكام الشريعة و لكن لماذا لا ينفر من كلّ فرقة منهم طائفة لتعلّم الشريعة حتي ينذروا قومهم عند الرجوع إليهم؟

وجه الاستدلال: انّه سبحانه أوجب الحذر علي القوم عند رجوع الطائفة التي تعلّمت الشريعة و المراد من الحذر هو الحذر العملي، أي ترتيب الأثر علي قول المنذر. ثمّ إنّ إنذاره كما يتحقّق بصورة التواتر يتحقّق أيضاً بصورة إنذار بعضهم البعض، فلو كان التواتر أوحصول

العلم شرطاً في الإنذار لأشارت إليه الآية و إطلاقها يقتضي حجّية قول المنذر سواء أنذر إنذاراً جَماعياً أو فردياً و سواء أفادا العلم أو لا.

يلاحظ علي الاستدلال: أنّ الآية بصدد بيان أنّه لا يمكن نفر القوم برمّتهم، بل يجب نفر طائفة منهم و أمّا كيفية الإنذار و انّه هل يجب أن يكون جَماعياً أو فردياً فليست الآية بصدد بيانها حتي يتمسّك بإطلاقها و قد مرّفي مبحث المطلق و المقيد انّه يشترط في صحّة التمسّك بالإطلاق كون المتكلّم في مقام البيان.

و يشهد علي ذلك انّ الآية لم تذكر الشرط اللازم، أعني: الوثاقة و العدالة، فكيف توصف بأنّها في مقام البيان؟!

3. آية الكتمان

قال سبحانه: (إِنَّ الّذينَ يكتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيناتِ وَ الهُدي مِنْ بَعْدِ ما بَينّاهُ لِلنّاسِ فِي الكتابِ أُولئِك يلْعَنهُمُ اللّهُ وَ يلْعَنُهُمُ اللاعِنُون) (البقرة/159).

و الاستدلال بها يشبه الاستدلال بآية النفر، فانّ وجوب الإظهار و تحريم الكتمان يستلزم وجوب القبول و إلاّلغي وجوب الإظهار، نظير قوله سبحانه: (وَ لا يحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يكتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ) (البقرة/228) فانّ حرمة كتمانهنّ لما في أرحامهن يقتضي قبول قولهن و إلاّ لغي التحريم.

يلاحظ علي الاستدلال: أنّ الآية في مقام إيجاب البيان علي علماء أهل

(281)

الكتاب لما أنزل اللّه سبحانه من البينات و الهدي و من المعلوم أنّ إيجاب البيان بلا قبول أصلاً يستلزم كونه لغواً. أمّا إذا كان القبول مشروطاً بالتعدد أو بحصول الاطمئنان أو العلم القطعي فلا تلزم اللغوية و ليست الآية في مقام البيان من هذه الناحية كآية النفر حتي يتمسك بإطلاقها.

4. آية السؤال

قال سبحانه: (وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِك إِلاّرِجالاً نُوحي إِلَيهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْل الذِّكرِ إِنْ كنْتُم لا تَعْلَمُون) (النحل/43).

وجه الاستدلال علي نحو ما

مضي في آية الكتمان حيث إنّ إيجاب السؤال يلازم القبول و إلاّتلزم اللغوية.

يلاحظ عليه: أنّما تلزم اللغوية إذا لم يقبل قولهم مطلقاً، و أمّا علي القول بقبول قولهم عند حصول العلم به فلا تلزم و ليست الآية في مقام البيان من هذه الناحية حتي يتمسّك بإطلاقها، بل الآية ناظرة إلي قاعدة عقلائية مطّردة و هي رجوع الجاهل إلي العالم.

الاستدلال بالروايات

استدلّ القائلون بحجّية الخبر الواحد بروايات يستفاد منها اعتبار خبر الواحد إجمالاً و هي علي طوائف. (1)

1. ذكرها الشيخ الأنصاري في فرائده و هي خمس طوائف نشير إليها علي سبيل الإجمال:

الطائفة الأُولي: ما ورد في الخبرين المتعارضين من الأخذ بالمرجّحات كالأعدل و الأصدق و المشهور ثمّ التخيير.

الطائفة الثانية: ما ورد في إرجاع آحاد الرواة إلي آحاد أصحاب الأئمّة علي وجه يظهر فيه عدم الفرق في الإرجاع بين الفتوي و الرواية.

الطائفة الثالثة: ما دلّ علي الرجوع إلي الرواة الثقات و هذه ماأشرنا إليه في المتن. الطائفة الرابعة: ما دلّ علي الترغيب في الرواية و الحث عليها و كتابتها و إبلاغها.

الطائفة الخامسة: ما دلّ علي ذم الكذب عليهم و التحذير من الكذابين.

و لو لا أنّ خبر الواحد حجّة لما كان لهذه الأخبار موضوع.

(282)

و إليك أهمّها:

الأخبار الإرجاعية إلي آحاد الرواة الثقات من أصحابهم بحيث يظهر من تلك الطائفة انّ الكبري (العمل بقول الثقة) كانت أمراً مفروغاً عنه، و كان الحوار فيها بين الإمام و الراوي حول تشخيص الصغري و انّ الراوي هل هو ثقة أو لا؟ و إليك بعض ما يدل علي ذلك:

1. روي أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن عليه السَّلام قال: سألته و قلت: من أُعاملُ؟! و عمّن آخذ؟ و قولَ من أقبل؟، فقال: «العَمْري ثقتي، فما

أدّي عنّي، فعنّي يؤدّي و ما قال لك عنّي، فعنّي يقول، فاسْمَعْ له و أطِعْ فإنّه الثقة المأمون». (1)

2. روي الصدوق عن أبان بن عثمان أنّ أبا عبد اللّه عليه السَّلام قال له: «إنّ أبان ابن تغلب قد روي عنّي روايات كثيرة، فما رواه لك فاروه عنّي». (2)

3. عن أبي بصير قال: إنّ أبا عبد اللّه عليه السَّلام قال له في حديث: «لولا زرارة و نظراؤه، لظننت انّ أحاديث أبي ستذهب».

4. عن (3) يونس بن عمّار انّ أبا عبد اللّه عليه السَّلام قال له في حديث: «أمّا ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السَّلام، فلا يجوز لك أن تر (4) دّه».

5. عن المفضل بن عمر، انّ أبا عبد اللّه عليه السَّلام قال للفيض بن المختار في حديث: «فإذا أردت حديثنا، فعليك بهذا الجالس» و أومأ إلي رجل من أصحابه، فسألت أصحابنا عنه، فقالوا: زرارة بن أعين. (5)

6. روي القاسم بن علي التوقيع الشريف الصادر عن صاحب الزمان عليه السَّلام

1. الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 4، 8، 16، 17، 19.

2. الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 4، 8، 16، 17، 19.

3. الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 4، 8، 16، 17، 19.

4. الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 4، 8، 16، 17، 19.

5. الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 4، 8، 16، 17، 19.

(283)

انّه لا عذر لأحد من موالينا في (1) التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا.

7. روي الحسن بن علي بن يقطين عن الرضا عليه السَّلام قال: قلت: لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما احتاج إليه من

معالم ديني، أفيونسُ بن عبد الرحمان ثقة آخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: «نعم». (2)

إلي غير ذلك من الأحاديث التي تورث اليقين بأنّ حجّية قول الثقة كان أمراً مفروغاً عنه بينهم و لو كان هناك كلام، فإنّما كان في الراوي.

و للشيخ الأنصاري كلام في المقام نأتي بنصّه، فإنّه بعدما نقل طوائف من الأخبار الدالّة عملاً علي حجّية خبر الواحد، قال فيما قال: «إلي غير ذلك من الأخبار التي يستفاد من مجموعها رضا الأئمّة بالعمل بالخبر و إن لم يفِد القطع و قد ادّعي في الوسائل تواتر الأخبار بالعمل بخبر الثقة، إلاّ أنّ القدر المتيقّن منها هو خبر الثقة الذي يضعف فيه احتمال الكذب علي وجه لا يعتني به العقلاء و يقبِّحون التوقّفَ فيه لأجل ذلك الاحتمال، كما دلّت عليه ألفاظُ الثقة و المأمون و الصادق و غيرها الواردة في الأخبار المتقدّمة و هي أيضاً منصرف إطلاق غيرها».

أنت إذا استقرأت الروايات التي جمعها الشيخ الحرّ العاملي في الباب الثامنمن أبواب صفات القاضي و الذي بعده، تقف علي اتّفاق أصحاب الأئمّة علي حجّية الخبر الواحد الذي يرويه الثقة، و هو ملموس من خلال روايات البابين (3)

إنّ ظواهر ما نقلناه من الروايات تدل علي حجّية «قول الثقة» فلو كان المخبر ثقة، فخبره حجّة و إلاّفلا و إن دلّت القرائن علي صدوره من المعصوم.

لكن الإمعان فيها و في السيرة العقلائية التي يأتي ذكرها يعرب عن أنّ العناية بوثاقة الراوي في الموضوع لكونها طريقاً إلي الاطمئنان بصدوره من

1. الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 40، 33.

2. الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 40، 33.

3. الوسائل: 18، الباب 8 و 9 من

أبواب صفات القاضي، ص 5289.

(284)

المعصوم و لذلك لو كان الراوي ثقة و لكن دلّت القرائن المفيدة علي خطئه و اشتباهه، لما اعتبره العقلاء حجّة و هذه تشكل قرينة علي أنّ العبرة في الواقع بالوثوق بالصدور لا علي وثاقة الراوي و الاعتماد عليها لأجل استلزامها الوثوق بالصدور غالبا.

فتكون النتيجة حجّية الخبر الموثوق بصدوره سواء كان المخبِر ثقة أو لا، نعم الأمارة العامة علي الوثوق بالصدور، هو كون الراوي ثقة و بذلك تتسع دائرة الحجّية، فلاحظ.

3. الاستدلال بالإجماع

نقل غير واحد من علمائنا منذ عصر الشيخ الطوسي (385460 ه) إلي يومنا هذا إجماعَ علماء الإمامية علي حجّية خبر الواحد إذا كان ثقة مأموناً في نقله و إن لم يفِدْ خبره العلم و نقتصر في ذلك علي نقل الشيخ الطوسي في «العدة» ، قال:

«والذي يدلّ علي ذلك إجماع الفرقة المحقّة، فإنّي وجدتُها مجمِعَة علي العمل بهذه الأخبار التي رووها في تصانيفهم و دوّنوها في أُصولهم لا يتناكرون ذلك، و لا يتدافعونه، حتي أنّ واحداً منهم إذا أفتي بشيء لا يعرفونه سألوه من أين قلتَ هذا؟ فإذا أحالهم علي كتاب معروف أو أصل مشهور و كان راويه ثقة لا ينكر حديثُه، سكتوا و سلّموا الأمر في ذلك و قبلوا قوله و هذه عادتهم و سجيتهم من عهد النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم و من بعده من الأئمّة عليهم السَّلام و من زمن الصادق جعفر بن محمدعليمها السَّلام الذي انتشر العلم عنه و كثرت الرواية من جهته، فلولا انّ العمل بهذه الأخبار كان جائزاً لما أجمعوا علي ذلك و لأنكروه، لأنّ إجماعهم فيه معصوم لا يجوز عليه الغلط و السهو.

سؤال: إذا كا (1) ن العمل بخبر الواحد أمراً

مجمعاً عليه و لو بالشروط التي

1. عدّة الأُصول: 1/126127.

(285)

ذكرها الشيخ، فلماذا أبدي أُستاذ الشيخ السيد المرتضي خلافه؟ حيث يقول:

وقد أبطلنا العمل في الشريعة بأخبار الآحاد، لأنّها لا توجب علماً و لا عملاً و أوجبنا أن يكون العمل تابعاً للعلم، إلي أن قال: و قد تجاوز قوم من شيوخنارحمهمُ اللّه (1) في إبطال القياس في الشريعة و العمل فيها بأخبار الآحاد، إلي أن قالوا إنّه مستحيل من طريق العقول، العبادةُ بالقياس في الأحكام، و أحالوا أيضاً من طريق العقول، العبادةَ بالعمل بأخبار الآحاد و عوّلوا علي أنّ العمل يجب أن يكون تابعاً للعلم و إذا كان غير متيقن في القياس و أخبار الآحاد لم تجز العبادة بهما.

الجواب: انّ الشيخ الطوسي قد التفت إلي هذا و نقل كلام السيد المرتضي علي وجه الإيجاز و أجاب عنه «بأنّ مرادهم عدم العمل بخبر الواحد الذي يرويه مخالفوهم في الاعتقاد و يختصّون بطريقه، و أمّا ما يكون راويه عنهم و طريقة أصحابهم، فقد بينا انّ المعلوم خلاف ذلك و بينا الفرق بين ذلك و بين القياس أيضاً و انّه لو كان معلوماً حظرُ العمل بخبر الواحد لجري مجري العلم بحظر القياس و قد علم خلاف ذلك». (2)

4. الاستدلال بالسيرة العقلائية

إذا تصفّحت حال العقلاء في سلوكهم، تقف علي أنّهم مطبقون علي العمل بخبر الثقة في جميع الأزمان و الأدوار و يتضح ذلك بملاحظة أمرين:

الأوّل: انّ تحصيل العلم القطعي عن طريق الخبر المتواتر أو المحفوف بالقرائن في أكثر الموضوعات أمر صعب.

الثاني: حصول الاطمئنان بخبر الثقة عند العرف علي وجه يفيد سكوناً

1. يريد ابن قبة و أتباعه، ثمّ ردّ السيد في ذيل كلامه و قال بعدم الإحالة في التعبد، لكن ادّعي عدم وقوعه.

أخذنا كلام السيد من السرائر لابن إدريس: 1/47.

2. عدة الأُصول: 1/127128.

(286)

للنفس، خصوصاً إذا كان عدلاً و لو كانت السيرة أمراً غير مرضي للشارع كان عليه الردع كما ردع عن العمل بقول الفاسق.

ولم يكن عمل المسلمين بخبر الثقة إلاّ استلهاماً من تلك السيرة العقلائية التي ارتكزت في نفوسهم.

و الحاصل: انّه لو كان العمل بأخبار الآحاد الثقات أمراً مرفوضاً، لكان علي الشارع أن ينهي عنه و ينبه الغافل و يفهم الجاهل. فإذا لم يردع كشف ذلك عن رضاه بتلك السيرة و موافقته لها.

فالاستدلال بسيرة العقلاء علي حجّية خبر الواحد من أفضل الأدلّة التي لاسبيل للنقاش فيها، فانّ ثبوت تلك السيرة و كشفها عن رضا الشارع ممّا لاشك فيه.

سؤال: ربما يقال انّ الآيات الناهية عن اتّباع الظن كافية في ردع تلك السيرة كقوله سبحانه: (إِنْ يتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلاّيخْرُصُونَ) (الأنعام/116) و قوله سبحانه: (إِنَّ الّذينَ لا يؤْمِنُونَ بالآخرةِ لَيسَمُّونَ الْمَلائِكةَ تَسْمِيةَ الأُنْثي*وَ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إِنّ يتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَ إِنَّ الظَّنَّ لا يغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيئاً) (النجم/2728).

و الجواب: انّ المراد من الظن في الآيات الناهية ترجيح أحد الطرفين استناداً إلي الخرص و التخمين كما قال سبحانه: (إِنْ هُمْ إِلاّيخْرُصُونَ) و يشهد بذلك مورد الآية من تسمية الملائكة أُنثي، فكانوا يرجّحون أحدَ الطرفين بأمارات ظنية و تخمينات باطلة، فلا يستندون في قضائهم لا إلي الحس و لا إلي العقل بل إلي الهوي و الخيال، و أين هذا من قول الثقة أو الخبر الموثوق بصدوره الذي تدور عليه رحي الحياة و يجلب الإطمئنان و الثبات؟! (1)

1 و يشهد لما ذكرنا انّ لسان النهي عن اتباع الظن إرشاد إلي حكم العقل من أنّ الظن بما

هو ظن لامسوِّغ للاعتماد عليه، فلا نظرَ له إلي ما استقرت عليه سيرة العقلاء بما هم عقلاء علي اتّباعه، لأجل كون الراوي ثقة.

(287)

الفصل الرابع الكلام في الإجماع

الفصل الرابع الكلام في الإجماع

الكلام في الإجماع (1)

ينقسم الإجماع في اصطلاح الأُصوليين إلي إجماع محصَّل و إجماع منقول بخبر الواحد، و المعدود من الأدلّة الأربعة هو الأوّل، فنقول:

الإجماع في اللغة هو الاتّفاق عن عزم، قال سبحانه: (فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وَ أَجْمَعُوا أَنْ يجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الجُبّ) (يوسف/15). و أمّا في الاصطلاح اتفاق علماء عصر واحد علي حكم شرعي. (2) فإذا أحرزه المجتهد يسمي إجماعاً محصّلاً و إذا أحرزه مجتهد و نقله إلي الآخرين يكون إجماعاً منقولاً بالنسبة إليهم فيقع الكلام في مقامين:

المقام الأوّل: الإجماع المحصل عند السنّة و الشيعة

اتّفق الأُصوليون علي حجّية الإجماع علي وجه الإجمال و لكنّه عند أهل السنّة يعدّ من مصادر التشريع دونه عند الشيعة و إنّما يعدّ حجّة عندهم لكشفه إمّا عن قول المعصوم، أو عن دليل معتبر.

توضيحه: إذا اتّفق المجتهدون من أُمّة محمّد صلَّي الله عليه و آله و سلَّم في عصر من العصور علي حكم شرعي، يكون المجمع عليه حكماً شرعياً واقعياً عند أهل السنّة و لا تجوز

1. الإجماع المحصل من الحجج القطعية طُرح هنا استطراداً و حفظاً للمنهج السائد في الكتب الأُصولية.

2. المستصفي: 1/110.

(288)

مخالفته و ليس معني ذلك انّ إجماعهم علي حكم من تلقاء أنفسهم يجعله حكماً شرعياً، بل يجب أن يكون إجماعهم مستنداً إلي دليل شرعي قطعي أو ظنّي، كالخبر الواحد و المصالح المرسلة و القياس و الاستحسان.

فلو كان المستند دليلاً قطعياً من قرآن أو سنّة متواترة يكون الإجماع مؤيداً و معاضِداً له و لو كان دليلاً ظنياً كما مثّلناه فيرتقي الحكم حينئذ بالإجماع

من مرتبة الظن إلي مرتبة القطع و اليقين.

و مثله ما إذا كان المستند هو المصلحة و دفع المفسدة، فالاتّفاق علي حكم شرعي استناداً إلي ذلك الدليل يجعله حكماً شرعياً قطعياً، كزيادة أذان لصلاة الجمعة في عهد عثمان لإعلام الناس بالصلاة كي لا تفوتهم، حتي صار الأذان الآخر عملاً شرعياً إلهياً و إن لم ينزل به الوحي.

هذا هو حال الإجماع عند أهل السنّة و بذلك تقف علي أنّه أحد المصادر الأصلية بالمعني الذي عرفت.

و أمّا الشيعة، فتقول بانحصار الدليل في الكتاب و السنّة و العقل، و أمّا الاتّفاق فلا يضفي عندهم علي الحكم صبغةَ الشرعية و لا يؤثر في ذلك أبداً غاية الأمر انّ المستند لو كان معلوماً فنحن و المجمعون أمام المستند سواء، لا يزيد اتّفاقهم شيئاً. و أمّا إذا كان المستند غير معلوم، كما هو الحال في أكثر المقامات، فربما يكشف إجماعهم عن قول المعصوم و اتّفاقه معهم، كما إذا اتّفق الإجماع في عصر حضور المعصوم و ربما يكشف عن وجود دليل معتبر وصل إلي المجمعين و لم يصل إلينا، كما إذا اتفق في الغيبة الصغري و أوائل الكبري إذ من البعيد أن يتّفق المجتهدون علي حكم بلا مستند شرعي. و علي كلا التقديرين فالإجماع بما هو هو ليس بحجّة و إنّما هو كاشف عن الحجّة، و سيوافيك تفصيله.

و أمّا الاتّفاق علي إصدار الحكم علي وفق المصالح و المفاسد كما هو الحال في الأذان المبتدع، فإن أُريد منه انّ الحكم الصادر علي وفقها هو حكم شرعي

(289)

واقعي فهو باطل، لأنّ التشريع قد ختم برحيل النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم و لا تشريع بعده و التشريع بيد اللّه سبحانه لا غير.

و إن أُريد

منه انّ الحكم الصادر علي وفقها هو حكم حكومي تجب رعايته حفظاً للنظام، فهو أمر معقول لكن في غير مورد العبادات بل فيما يتعلّق بالأُمور الإجتماعية التي فوضت إدارتها للحاكم الإسلامي.

و بذلك يعلم انّ الأذان المبتدع إذا لم يكن مشروعاً في عهد النبي يعدّ بدعة و تشريعاً محرّماً في الدين و إن لم يسند إلي الهوي و الجزاف و لكن نفس الاعتماد علي المصالح في تشريع الحكم الشرعي الواقعي علي وفقها، يعدُّ بدعة و ضلالة. لأنّ العبادات أُمور توقيفية لا تُزاد و لا تُنقَص.

دليل حجّية الإجماع عند أهل السنّة

استدل الأُصوليون من أهل السنّة علي حجّية الإجماع بما هو هو، بأُمور نذكر منها أمرين:

الأمر الأوّل: قوله سبحانه: (وَ مَنْ يشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْْدِ ما تَبَينَ لَهُ الْهُدي وَ يتَّبعْ غَيرَ سَبيلِ المُؤْمِنينَ نُولِّهِ ما تَوَلّي وَ نُصْلِهِ جَهَنَّم وَ ساءَتْ مَصِيراً) (النساء/115) حيث إنّ الآية توجب اتباع سبيل المؤمنين، فإذا أجمع المؤمنون علي حكم، فهو سبيلهم، فيجب اتباعه.

يلاحظ عليه بوجهين:

أوّلاً: أنّ الآية بمنطوقها و مفهومها تقسِّم الأُمّة إلي قسمين:

أ. من يشاقق الرسول و يخالفه و يعاديه من بعد ما تبين له الهدي و ظهر له الحقّ و الإسلام و قامت له الحجّة علي نبوته و رسالته و يتبع طريقاً غير سبيل المؤمنين (سبيلهم هو الإيمان به و نصرته و مؤازرته) فجزاؤه انّه سبحانه يكله إلي من تولّي له من الأوثان و الأصنام و يلزمه بدخول جهنم عقوبة له.

(290)

ب. من يطيع الرسول صلَّي الله عليه و آله و سلَّم و لا يعاديه من بعد ما تبين له اعلام الحق و يتّبع سبيل المؤمنين في الإيمان بالنبي و مؤازرته في المواقف، فمصيره إلي الجنّة و أين هذا من

حجّية اتّفاق فقهاء الأُمّة علي حكم شرعي؟!

و المستدلّ أخذ جزءاً من الآية و هو قوله: (ويتّبع غير سَبيلِ المُؤْمِنين) و قطع النظر عن أنّه عطف علي قوله: (وَمَنْ يشاقِقِ) و الآية تندّد بالمعاند و التابع لغير سبيل المؤمنين و تمدح مقابله و ليس المراد من سبيل المؤمنين في هذه الآية شيء سوي الإيمان بالنبي و مناصرته و مؤازرته. و أين هو من حجّية اتفاق العلماء علي حكم شرعي لعامة الناس؟!

ثانياً: أنّ الآية لا تشير إلي حجّية إجماع الأُمّة بعد عصر الرسول و إنّما توجب تبعية سبيل المؤمنين في عصره لأجل انّ سبيلهم في ذلك العصر هو سبيل نفس الرسول، فكان الرسول و المؤمنون في جانب و المنافقون و المشركون في جانب آخر و من المعلوم انّ تبعية غير سبيل المؤمنين ضلال و و بال و تبعية مقابله هداية و سعادة، و أين ذلك من كون نفس سبيل المؤمنين مجرّداًعن الرسول حجّة؟! و الآية ناظرة إلي عصره و هي بحكم القضية الخارجية لا الحقيقية.

الأمر الثاني: ما روي عن النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم: «انّ أُمّتي لا تجتمع علي ضلالة» رواه أصحاب السنن (1) و لكن في طرق الجميع ضعف صرح به المحقّقون.

قال الشيخ العراقي في تخريج أحاديث البيضاوي: جاء الحديث بطرق في كلها نظر. (2) و قد حققنا اسناد الروايات في رسالة خاصة. و علي هذا فهو خبر واحد لم ينقل بسند صحيح فلا يحتج به في الأُصول.

ثمّ إنّ المنقول هو لفظ «الضلالة» لا لفظ «الخطأ» فيرجع إلي المسائل

1. ابن ماجة، السنن 2، الحديث 3950؛ و الترمذي: السنن: 4، برقم 2167؛ و أبي داود: السنن: 4، برقم 4253؛ و مسند أحمد: 5/145.

2. لاحظ

تعليقة سنن ابن ماجة: 2/1303.

(291)

العقائدية التي عليها مدار الهداية و الضلالة و أمّا المسائل الفقهية فلا يوصف المصيب و لا المخطئ فيها بالهداية و الضلالة.

ومع غض النظر عن كلّ ما ذكرنا فالمصون من الضلالة هي الأُمّة بما هي أُمّة لا الفقهاء فقط و لا أهل العلم و لا أهل الحل و العقد و علي ذلك ينحصر مفاد الحديث بما اتفقت عليه جميع الأُمّة في العقائد و الأُصول و الأحكام و الفروع.

حجّية الإجماع عند الإمامية

قد عرفت أنّ الأُمّة مع قطع النظر عن الإمام المعصوم غير معصومة من الخطأ في الأحكام، و أقصي ما يمكن أن يقال إنّ الإجماع يكشف عن قول المعصوم أو الحجّة الشرعية التي اعتمدت عليها الأُمّة و الثاني أمر معقول و مقبول في عصر الغيبة غير أنّ كشف اتّفاقهم عن الدليل يتصوّر علي وجوه ذكرها الأُصوليون في كتبهم. (1)

أوجهها: أنّ اتّفاق الأُمّة مع كثرة اختلافهم في أكثر المسائل يعْرِب عن أنّ الاتّفاق كان مستنداً إلي دليل قطعي لا عن اختراع للرأي من تلقاء أنفسهم نظير اتّفاق سائر ذوي الآراء و المذاهب.

و بعبارة أُخري: أنّ فتوي كلّ فقيه و إن كانت تفيد الظن و لو بأدني مرتبة إلاّ انّها تتقوّي بفتوي فقيه ثان، فثالث إلي أن يحصل اليقين بأنّ فتوي الجميع كانت مستندة إلي الحجّة، إذ من البعيد أن يتطرّق الخلاف إلي فتوي هؤلاء و تظهر حقيقة الحال إذا وقفنا علي أحوال الفقهاء في العصور الماضية حيث إنّهم صرفوا أعمارهم في حلّ مشكلات الفقه و كشف معضلاته و التزموا بالإفتاء بالسماع عن

1. لاحظ «كشف القناع عن وجه حجّية الإجماع» للعلاّمة التستري، فقد ذكر فيه اثني عشر طريقاً إلي كشف الإجماع عن الدليل و نقلها

المحقّق الآشتياني في تعليقته علي الفرائد لاحظ ص 122 125.

(292)

المعصومين.

و بالجملة ملاحظة إطباقهم في الإفتاء علي عدم العمل إلاّ بالنصوص دون المقاييس يورث القطع به وجود حجّة في البين وصلت إليهم و لم تصل إلينا. (1)

المقام الثاني: الإجماع المنقول بخبر الواحد

و المراد هو الاتّفاق الذي لم يحصِّله الفقيه بنفسه و إنّما ينقله غيره من الفقهاء و قد مضي انّ القسم الأوّل من الإجماع حجّة قطعية لكشفه عن وجود دليل معتبر عند المجمعين و احتمال خطئهم في سند الدليل و دلالته أمر ضعيف لا يعبأ به، إنّما الكلام في حجّية الإجماع المنقول بخبر الواحد، فاختلفوا فيها إلي أقوال:

القول الأوّل: إنّه حجّة مطلقاً، لأنّ المفروض أنّ الناقل ثقة و ينقل الحجّة أي الاتّفاق الملازم لوجود دليل معتبر.

القول الثاني: إنّه ليسبحجّة مطلقاً و ذلكلأنّ الخبر الواحدحجّة فيما إذا كان المخبَر به أمراًحسّياً أو كانت مقدّماته القريبة، أُموراً حسّية، كالإخبار بالعدالة النفسانية إذا شاهد منه التورّعَ عن المحرّمات، أو الإخبار بالشجاعة إذا شاهد قتاله مع الأبطال في ساحات الوغي و أمّا إذا كان المخبر به أمراً حدسياً محضاً لا حسّياً و لم تكن له مقدّمات قريبة من الحسّ، فالخبر الواحد ليس بحجّة.

فالناقل للإجماع ينقل أقوال العلماء و هي في أنفسها ليست حكماً شرعياً و لا موضوعاً ذا أثر شرعي، و أمّا الحجّة، أعني: قول المعصوم أو الدليل المعتبر، فإنّما ينقله عن حدس لا عن حس بزعم انّ اتّفاق هؤلاء يلازم قول المعصوم أو الدليل المعتبر و الخبر الواحد حجّة في مورد الحسيات لا الحدسيات إلاّما خرج بالدليل

1. و علي ذلك يكون الإجماع المحصل من الأدلة المفيدة للقطع به وجود الحجة، الخارج عن تحت الظنون موضوعاً و تخصّصاً و قد

تناولناه بالبحث للإشارة إلي الأدلّة الأربعة، و المناسب للبحث في المقام هو الإجماع المنقول بالخبر الواحد.

(293)

كقول المقوِّم في أرش المعيب

يلاحظ عليه: أنّه إذا كانت هناك ملازمة بين أقوال العلماء و الحجّة الشرعية، فلماذا لا يكون نقل السبب الحسي دليلاً علي وجود المسبب و قد تقدّم انّ نقل الأُمور الحدسية إذا استند الناقل في نقلها إلي أسباب حسية، هو حجّة كما في وصف الرجل بالعدالة و الشجاعة.

و أمّا عدم حجّية خبر الواحد في الأُمور الحدسية، فإنّما يراد منه الحدسي المحض كتنبّؤات المنجمين لا في مثل المقام الذي يرجع واقعه إلي الاستدلال بالسبب الحسّي علي وجود المسبب.

القول الثالث: إنّه ليس بحجّة إلاّإذا كان ناقل الإجماع معروفاً بالتتبّع علي وجه علم أنّه قد وقف علي آراء العلماء المتقدّمين و المتأخّرين علي نحو يكون ما استحصله من الآراء ملازماً عادة للدليل المعتبر أو لقول المعصوم.

غير أنّ الذي يوهن الإجماعات المنقولة في الكتب الفقهية، وجود التساهل في نقل الإجماع، فربما يدّعون الإجماع بعد الوقوف علي آراء محدودة غير ملازمة لوجود دليل معتبر، بل ربما يدّعون الإجماع لوجود الخبر.

نعم لو كان الناقل واسع الباع محيطاً بالكتب و الآراء، باذلاً جهوده في تحصيل الأقوال في المسألة و كانت نفسُ المسألة من المسائل المعنونة في العصور المتقدّمة، ربما يكشف تتبعه عن وجود دليل معتبر.

تنبيه

قد اتّضح انّ قول الثقة أو الخبر الموثوق الصدور حجّة بلا كلام و معه لاحاجة للاستدلال بالدليل العقلي الذي يطلقون عليه دليل الانسداد، و أوّل من سلك هذا المسلك هو الشيخ حسن صاحب المعالم بقوله: «الرابع انّ باب العلم القطعي بالأحكام الشرعية منسدّقطعاً» ثمّ تناوله المتأخّرون بالبحث و لكنّا في

(294)

غني عنه و ذلك لأنّ دليل الانسداد مبني علي انسداد باب

العلم (الخبر المتواتر و المحفوف بالقرينة) و العلمي (الظن الذي دلّ الدليل القطعي علي حجّيته كخبر الواحد و الشهرة الفتوائية و غيرهما) و قد أثبتنا فيما سبق انفتاح باب العلمي و كفايته في مقام الاستنباط و معه تكون مقدّمات دليل الانسداد عقيمة.

الفصل الخامس حجّية قول اللغوي

الفصل الخامس حجّية قول اللغوي

إنّ لإثبات الظواهر طرقاً ذكرناها في محلّها (1) بقي الكلام في حجّية قول اللغوي في إثبات الظاهر و تعيين الموضوع له و قد استدل جمع من العلماء علي حجّية قول اللغوي بأنّ الرجوع إلي قول اللغوي من باب الرجوع إلي أهل الخبرة و لا إشكال في حجّية قول أهل الخبرة فيما هم خبرة فيه.

أُشكل عليه: بأنّ الكبري و هي حجّية قول أهل الخبرة مسلّمة، إنّما الكلام في الصغري و هي كون اللغوي خبيراً في تعيين الموضوع له عن غيره و بالتالي في تعيين المعني الحقيقي عن المجازي، مع أنّ ديدن اللغويين في كتبهم ذكر المعاني التي شاع استعمال اللفظ فيها، سواء كان معني حقيقياً أو مجازياً.

و لكن يمكن أن يقال: أنّ أكثر المعاجم اللغوية و إن كانت علي ما وصفت و لكن بعضها أُلِّف لغاية تمييز المعني الأصلي عن المعني الذي استعمل فيه بمناسبة بينه و بين المعني الأصلي و هذا كالمقاييس لمحمد بن فارس بن زكريا المتوفّي (395 ه) فقد قام ببراعة خاصة بعرض أُصول المعاني و تمييزها عن فروعها و مشتقاتها و مثله كتاب أساس اللغة للزمخشري المتوفّي (538 ه).

علي أنّ الإنسان إذا ألِفَ بالمعاجم الموجودة، استطاع أن يميز المعاني الأصلية عن المعاني الفرعية المشتقة منها، و لا يتم ذلك إلاّ مع قريحة أدبية و أُنس باللغة و الأدب. نعم تكون الحجة عند ذلك هو قطعه و

يقينه لا قول اللغوي.

1. راجع مقدمة الكتاب، بحثَ علائم الحقيقة و المجاز.

(296)

و من سبر في الأدب العربي يجد أنّ سيرة المسلمين قد انعقدت علي الرجوع إلي الخبرة من أهل اللغة في معاني الألفاظ الّذين يعرفون أُصول المعاني عن فروعها و حقايقها عن مجازيها. و قد كان ابن عباس المرجع الكبير في تفسير لغات القرآن و كان يقول «الشعر ديوان العرب، فإذا خفي علينا معني اللّفظ من القرآن رجعنا إلي ديوانه». (1)

***

1. لاحظ الاتقان للسيوطي: 1/382.

(297)

الفصل السادس حجّية العقل (1)

الفصل السادس حجّية العقل (1)

حجّية العقل في مجالات خاصة:

إنّ العقل أحد الحجج الأربع التي اتّفق أصحابنا إلاّقليلاً منهم علي حجّيته و لأجل إيضاح الحال نقدّم أُموراً:

الأوّل: الإدراك العقلي ينقسم إلي إدراك نظري و إدراك عملي، فالأوّل إدراك ما ينبغي أن يعلم، كإدراك وجود الصانع و صفاته و أفعاله و غير ذلك و الثاني إدراك ما ينبغي أن يعمل، كإدراكه حسن العدل و قبح الظلم و وجوب ردّالوديعة و ترك الخيانة فيها و المقْسَمْ هو الإدراك فهو ينقسم إلي نظري و عملي و ربما يتوسع فيقسم العقل إلي القسمين.

الثاني: انّ الاستدلال لا يتم إلاّ بأحد طرق ثلاث:

1. الاستقراء.

2. التمثيل.

3. القياس المنطقي.

و الاستقراء الناقص لا يحتج به، لأنّه لا يفيد إلاّ الظنّ و لم يدلّ دليل علي حجّية مثله و أمّا الاستقراء الكامل فلا يعدّ دليلاً، لأنّ المستقرئ يصل إلي النتيجة في ضمن الاستقراء، فلا تبقي حاجة للاستدلال به علي المدعي.

1. العقل من الحجج العقلية القطعية، طرح هنا استطراداً و حفظاً للمنهج السائد في الكتب الأُصولية.

(298)

و بعبارة أُخري: الاستقراء الكامل علوم جزئية تفصيلية تُصَبُّ في قالب قضية كلية عند الانتهاء من الاستقراء دون أن يكون هناك مجهول يستدل به علي المعلوم.

و أمّا

التمثيل، فهو عبارة عن القياس الأُصولي الذي لا نقول به، كما سيوافيك تفصيله عند البحث عن مصادر التشريع عند أهل السنّة.

فتعين أن تكون الحجّة هي القياس المنطقي و هو علي أقسام ثلاثة:

أ. أن تكون الصغري و الكبري شرعيتين و هذا ما يسمّي بالدليل الشرعي.

ب. أن تكون كلتاهما عقليتين، كإدراك العقل حسن العدل و حكمه بوجوب العمل علي وفقه و قبح الظلم و حكمه بالاجتناب عنه و هذا ما يعبّر عنه بالمستقلاّت العقلية، أو التحسين و التقبيح العقليين. (1)

ج. أن تكون الصغري شرعية و الكبري عقلية.

توضيح القسمين الأخيرين:

انّ الأحكام الشرعية المستنبطة من الأحكام العقلية تنقسم إلي قسمين:

الأوّل: ما يستنبط من مقدّمتين عقليتين، و هذا كالحكم بحسن العدل و قبح الظلم، و حكمه بكونهما عند الشرع أيضاً كذلك و هذا ما يسمّي بالمستقلات العقلية، فالدليل بعامة أجزائه عقلي فقد حكم بحسن العدل كما حكم بالملازمة بين العقل و الشرع.

الثاني: ما تكون إحدي المقدّمتين عقلية، و الأُخري شرعية و هذا كما في باب الملازمات العقلية كوجوب المقدّمة، فإنّ العقل يحكم بثبوت التلازم بين وجوب الشيء و وجوب ما يتوقّف عليه، و أنّ طالب الشيء طالب مقدّماته أيضاً، أو

1. في مقابل الأشاعرة الذين لا يعترفون بهما إلاّ عن طريق الشرع، فالحسن عندهم ما حسّنه الشارع و هكذا القبيح.

(299)

يحكم بثبوت التلازم بين الأمر بالشيء و حرمة أضداده، و أيضاً يكشف عن أنّ حكم الشرع في كلا الموردين أيضاً كذلك.

و من المعلوم انّه لا يمكن التوصل بهذا الحكم الكلّي إلي وجوب الوضوء إلاّ بعد تنصيص الشارع بوجوب الصلاة و توقفها عليه، فإذا أُريدَ ترتيبُ القياسِو أخذِ النتيجة، يقال: «الوضوء ممّا يتوقف عليه الواجب (الصلاة)» و هذه مقدّمة شرعية «وكلّ ما يتوقف

عليه الواجب فهو واجب عقلاً» و هذه مقدمة عقلية فينتج: فالوضوء واجب عقلاً. و هذا ما يعبر عنه به غير المستقلات العقلية نعم يعلم وجوب الوضوء شرعاً بالملازمة بين حكمي العقل و الشرع.

الثالث: الفرق بين هذا المقام الباحث عن حجّية العقل و بين ما مرّ في مبحث الأوامر من الملازمات العقلية بين وجوب الشيء و وجوب مقدّمته، أووجوب الشيء و حرمة ضدّه إلي غير ذلك، هو أنّ البحث السابق كان يدور حول وجود الملازمة بين الإرادتين أو الوجوبين عند العقل و عدمها؟ و لكن البحث في هذا المقام يدور حول كشفه عن كون الحكم كذلك عند الشرع أيضاً؟

و بعبارة أُخري كان البحث السابق منصبّاً علي إثبات الملازمة العقلية بين الوجوبين و عدمها، أو وجودها بين الوجوب و حرمة ضدّه و عدمها.

نعم بعد ثبوتها عند العقل يبحث في المقام عن وجود الملازمة بين حكم العقل و حكم الشرع و أنّ الواجبعقلاً، واجب شرعاً أيضاً أو لا.

و علي ذلك فالبحث في السابق كان مركزاً علي كشف حكم العقل في باب المقدمة كما انّه مركز في المقام علي كشفه عن حكم الشرع فيه.

الرابع: عرّف الدليل العقلي بأنّه حكم يتوصّل به إلي حكم شرعي و ربما يعرَّف بأنّه ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلي مطلوب نظري (1) مثلاً إذا حكم

1. القوانين: 2/2؛ مطارح الأنظار: 233.

(300)

العقل بأنّ الإتيان بالمأمور به علي ما هو عليه موجب لحصول الامتثال يستدل به علي أنّه في الشرع أيضاً كذلك، فيترتّب عليه براءة الذمّة عن الإعادة و القضاء، أو إذا حكم العقل عند التزاحم بلزوم تقديم الأهم كالنفس المحترمة علي المهم كالتصرف في مال الغير بلا إذنه، فيستدل به علي الحكم الشرعي و هو

وجوب إنقاذ الغريق و جواز التصرف في مال الغير، كلّ ذلك توصلٌ بالحكم العقلي للاهتداء إلي الحكم الشرعي.

الخامس: انّ الاستدلال بالحكم العقلي علي الحكم الشرعي يتصور علي وجهين:

أ. إذا أدرك العقلُ حكم الموضوع عند لحاظه بما هوهو مع قطع النظر عن سائر الجهات من كونه ذات مصلحة أو مفسدة، موجب لبقاء النظام أو زواله، نافع للمزاج أو مضرّ به، بل استقلّ العقل بحكمه إذا نظر إلي الموضوع بما هوهو، من دون لحاظ أي ضميمة من الضمائم و من أوضح أمثلة هذا القسم استقلاله بحسن العدل و حكمه بلزوم فعله و قبح الظلم و حكمه بلزوم تركه.

نعم المورد لا ينحصر بالتحسين و التقبيح و سيوافيك أنّ كلّ ما يدركه العقل بوصف كونه حكماً عاماً غير مقيد بفاعل خاص، و لا طرف معين، فهو من مصاديق هذا القسم، نظير إدراكه الملازمة بين الإرادتين و الوجوبين، أو بين وجوب شيء و حرمة ضدّه و هكذا فإنّ المدرَك حكم عام غير مقيد بشيء. غير انّ التحسين و التقبيح من المستقلات العقلية و غيرهما كباب الملازمات من غير المستقلات العقلية لكن يجمعهما إدراك العقل الحكمَ العام الذي يشارك فيه الممكن و الواجب.

ب. إذا استقل العقل بالحكم لا بملاحظة الموضوع بما هوهو، بل بما هو ذات مصلحة أو مفسدة فحكم بلزوم حيازة الأُولي و الاجتناب عن الثانية، فهل يستكشف منه الوجوب أو الحرمة عند الشارع أيضاً بحيث يكون العلم بالمصالح

(301)

و المفاسد من مصادر التشريع الإسلامي.

إذا عرفت ذلك، فيقع البحث في حجّية العقل في مقامين:

المقام الأوّل: استكشاف حكم الشرع عند استقلاله بالحكم بالنظر إلي ذات الموضوع، فنقول: إذا استقل العقل بالحكم علي الموضوع عند دراسته بما هوهو من غير التفات إلي ماوراء

الموضوع من المصالح و المفاسد، و من امتلثه وراء ما مرّ أعني حسن الإحسان و باب الملازمات، استقلاله بقبح تكليف غير المميز و من لم يبلغه البيان فهل يكون ذلك دليلاً علي كون الحكم عند الشارع كذلك أيضاً أو لا؟ فذهب الأُصوليون إلي وجود الملازمة بين الحكمين و ما ذلك إلاّ لأنّ العقل يدرك حكماً عاماً غير مقيد بشيء.

مثلاً إذا أدرك العقل (حسن العدل) فقد أدرك انّه حسن مطلقاً أي سواء كان الفاعل واجب الوجود أو ممكن الوجود و سواء كان الفعل في الدنيا أو في الآخرة و سواء كان مقروناً بالمصلحة أو لا، فمثل هذا الحكم العقلي المدرَك يلازم كون الحكم الشرعي أيضاً كذلك و إلاّ لما كان المدرَك عاماً شاملاً لجميع تلك الخصوصيات. و بذلك تتضح الملازمة بين حكم العقل و حكم الشرع في المستقلات العقلية.

هذا كلّه في المستقلات العقلية و به يظهر حكم غير المستقلات العقلية التي عرفت معناها، فمثلاً إذا أدرك العقل الملازمة بين وجوب الشيء و وجوب مقدّمته، أو وجوب الشيء و حرمة ضدّه، أو الملازمة بين ثبوت الجزاء عند ثبوت العلّة المنحصرة و انتفائه عند انتفائها، يكشف ذلك انّ الحكم عند الشرع كذلك، لأنّ الحكم المدرَك بالعقل حكم عام غير مقيد بشيء من القيود، فكما انّ العقل يدرك الملازمة بين الأربعة و الزوجية بلا قيد فيكون حكماً صادقاً في جميع الأزمان و الأحوال، فكذلك يدرك الملازمة بين الوجوبين أو بين الوجوب و الحرمة، فالقول بعدم كشفه عن حكم الشارع، كذلك ينافي إطلاق حكم العقل و عدم

(302)

تقيده بشيء.

و بذلك يتّضح أنّ ادّعاء الملازمة بين حكم العقل و حكم الشرع يرجع إلي أنّ الحكم المدرك بالعقل حكم مطلق غير مقيد بشيء،

فيعمّ حكم الشارع أيضاً.

فالاحتجاجات في باب الملازمات مستقلة كانت أو غير مستقلة ترجع إلي أنّ الحكم المدرك حكم مطلق، شامل لكلّ فاعل و ظرف، فإخراج الواجب و حكمه عن تحت القاعدة خلاف ما يحكم به العقل علي وجه الجزم، فمن حاول نفي الملازمة، فعليه أن ينفي الإدراك القطعي العام للعقل في تلك المجالات و أنّي له ذلك؟!

المقام الثاني: استكشاف الحكم الشرعي من المصالح و المفاسد في الموضوع دون نظر إلي حكم العقل بحسنه أو قبحه بما هوهو.

فنقول: إذا أدرك العقل المصلحة أو المفسدة في شيء و كان إدراكه مستنداً إلي المصلحة أو المفسدة العامتين اللّتين يستوي في إدراكهما جميع العقلاء، ففي مثله يصحّ استنباط الحكم الشرعي من الحكم العقلي.

نعم لو أدرك المصلحة أو المفسدة و لم يكن إدراكه إدراكاً نوعياً يستوي فيه جميع العقلاء، بل إدراكاً شخصياً حصل له بالسبر و التقسيم، فلا سبيل للعقل بأن يحكم بالملازمة فيه و ذلك لأنّ الأحكام الشرعية المولوية و إن كانت لا تنفك عن المصالح أو المفاسد و لكن أنّي للعقل أن يدركها كما هي عليها.

و بذلك يعلم أنّه لا يمكن للفقيه أن يجعل ما أدركه شخصياً من المصالح و المفاسد ذريعة لاستكشاف الحكم الشرعي، بل يجب عليه الرجوع إلي سائر الأدلّة.

فخرجنا بالنتائج التالية:

أوّلاً: انّ حكم العقل بشيء في المستقلاّت العقلية أو في غيرها يكشف عن

(303)

كون الحكم عند الشرع كذلك شريطة أن يكون العقل قاطعاً و يكون المدرَك حكماً عاماً، كما هو الحال في الأمثلة المتقدّمة.

ثانياً: إذا أدرك العقل وجود المصلحة أو المفسدة في الأفعال إدراكاً نوعياً يستوي فيه جميع العقلاء، كوجود المفسدة في استعمال المخدرات، ففي مثله يكون حكم العقل ذريعة لاستكشاف الحكم الشرعي.

ثالثاً: استكشاف ملاكات الأحكام

و استنباطها بالسبر و التقسيم، ثمّ استكشاف حكم الشرع علي وفقه أمر محظور، لعدم إحاطة العقل بمصالح الأحكام و مفاسدها، و سوف يوافيك عند البحث عن سائر مصادر الفقه عدم العبرة بالاستصلاح الذي عكف عليه مذهب المالكية.

تطبيقات

يترتب علي حجّية العقل في المجالات الثلاثة أعني:

1. باب الملازمات العقلية.

2. باب الحسن و القبح العقليين.

3. باب المصالح و المفاسد العامتين.

ثمرات فقهية كثيرة نستعرض قسماً منها:

أمّا باب الملازمات العقلية فيستنتج منها الأحكام التالية:

1. وجوب المقدّمة علي القول بالملازمة بين وجوب الشيءو وجوب مقدّمته.

2. حرمة ضدّ الواجب علي القول بالملازمة بين الأمر بالشيء و النهي عن ضدّه.

3. بطلان العبادة علي القول بامتناع اجتماع الأمر و النهي

و تقديم النهي

(304)

علي الأمر و صحّتها في هذه الصورة علي القول بتقديم الأمر و صحّتها مطلقاً علي القول بجواز الاجتماع.

4. فساد العبادة إذا تعلّق النهي بها.

5. فساد العبادة إذا تعلّق النهي بأجزائها أو شرائطها أو أوصافها و قد مرّ انّ الصحة رهن أحد أمرين: وجود الأمر و وجود الملاك، و الأوّل منتف لوجود النهي و الثاني مثله لكشف النهي عن المبغوضية و هي لا تجتمع مع الملاك علي تفصيل مرّ ذكره.

6. فساد المعاملة إذا تعلّق النهي بالتصرف في الثمن أو المثمن للملازمة بين مثل هذا النهي و فسادها.

7. انتفاء الحكم مع انتفاء الشرط في القضايا الشرطية إذا ثبت كون الشرط علّة منحصرة للملازمة بين انتفاء العلّة المنحصرة و انتفاء معلولها.

أمّا باب الحسن و القبح العقليين، فيستنتج منه الأحكام التالية:

1. البراءة من التكليف لقبح العقاب بلا بيان.

2. الاشتغال بالتكليف عند العلم الإجمالي، و تردد المكلّف بين أمرين، لحكمه بأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية، و حسن عقوبة من لم يخرج عن عهدة التكليف قطعاً.

3. الإتيان بالمأمور

به مجز عن الإعادة و القضاء لقبح بقاء الأمر بعد الامتثال علي تفصيل مرّفي محلّه.

4. وجوب تقديم الأهم علي المهم إذا دار الأمر بينهما لقبح العكس.

و أمّا باب إدراك المصالح و المفاسد النوعيتين اللّتين يستوي فيهما كافة العقلاء، كاستعمال المخدرات فقد عرفت انّه يمكن أن يقع ذريعة لاستكشاف

(305)

الحكم الشرعي و يحصل منه القطع بأنّ الحكم عند الشرع نفسُ الحكم عند العقل. نعم إدراك المصالح و المفاسد و مناطات الأحكام بالسبر و التقسيم فهو أمر مرغوب عنه و إن حصل القطع، فالقطع حجّة للقاطع لا لغيره، فلا يكون حجّة علي المقلِّد، لاستناده في استنباط الحكم الشرعي علي مصدر غير معتبر، نظير استناده علي القياس و الاستحسان.

إلي هنا انتهينا من دراسة الحجج الشرعية الأربعة: الكتاب و السنّة و الإجماع و العقل و هي أدلّة اجتهادية تتكفل لبيان الأحكام الشرعية الواقعية.

بقي الكلام في الظنون غير المعتبرة شرعاً و إن اعتبرها لفيف من أهل السنّة و هذا يطلب لنفسه عقد مقام خاص.

(306)

(307)

المقصد السابع الأُصول العملية و فيه فصول

التمهيد

المقصد السابع الأُصول العملية و فيه فصول:

الأُصول العملية

إنّ المكلّف الملتفت إلي الحكم الشرعي تحصل له إحدي حالات ثلاث:

1. القطع. 2. الظن. 3. الشك.

فإن حصل له القطع، فقد فرغنا عنه في بابه و أنّه حجّة عقلية لا مناص من العمل علي وفقه.

وإن حصل له الظن، فالأصل فيه عدم الحجّية إلاّ إذا دلّ الدليل القطعي علي صحّة الاحتجاج به و غيره يدخل تحت حكم الشك.

وإن حصل له الشك (ولا يحصل إلاّإذا لم يكن هناك دليل قطعي و لا ظني دلّ علي حجيته دليل قطعي) يجب عليه العمل بالقواعد التي شرّعها الإسلام للشاك.

و بما ذكرنا يظهر أنّ المستنبط إنّما ينتهي إلي تلك القواعد التي تسمّي ب «الأُصول العملية» إذا لم

يكن هناك دليل قطعي، كالخبر المتواتر؛ أو دليل علمي، كالظنون المعتبرة التي دلّ علي حجّيتها الدليل القطعي (وقد مرّالبحث عنها في الفصل الأسبق)، و تسمّي بالأمارات و الأدلّة الاجتهادية، كما تسمّي الأُصول العملية بالأدلّة الفقاهية.

و بذلك تقف علي ترتيب الأدلّة في مقام الاستنباط، فالمفيد لليقين هو الدليل المقدّم علي كلّ دليل، يعقّبه الدليل الاجتهادي، ثمّ الأصل العملي.

إنّ الأُصول العملية المعتبرة و إن كانت كثيرة، لكن أكثرها مختص بباب دون

(310)

باب، كأصل الطهارة المختص بباب الطهارة، أو أصل الحلّية المختص بباب الشك في خصوص الحلال و الحرام، أو أصالة الصحّة المختصة به عمل صدر عن الشخص و شك في صحّته و فساده، و أمّا الأُصول العملية العامة التي يتمسك بها المستنبط في جميع أبواب الفقه فهي أربعة تعرف ببيان مجاريها.

لأنّ الشك إمّا تلاحظ فيه الحالة السابقة أو لا و علي الثاني إمّا أن لا يمكن الاحتياط أو يمكن و علي الثاني إمّا يكون الشك في التكليف أو المكلّف به، فالأوّل مجري الاستصحاب و الثاني مجري التخيير و الثالث مجري البراءة و الرابع مجري الاحتياط.

توضيحه (1)

1. إذا شك المكلّف في حكم أو موضوع كان علي يقين منه في السابق، كما إذا كان علي طهارة ثمّ شك في ارتفاعها، فبما أنّ الحالة السابقة ملحوظة غير ملغاة تكون مجري الاستصحاب علي الشروط المقرّرة في محلّها.

2. إذا لم تكن الحالة السابقة موجودة أو ملحوظة و كان الاحتياط غير ممكن، كما إذا حلف في واقعة مردّدة بين كونها محلوفة الفعل أو محلوفة الترك، فهي مجري التخيير.

3. إذا لم تكن الحالة السابقة ملحوظة، و كان الاحتياط ممكناً و تعلّق الشك بأصل التكليف؛ فهي مجري البراءة.

4. إذا لم تكن الحالة السابقة ملحوظة و كان

الاحتياط ممكناً، و علم بأصل التكليف و لكن شك في متعلّقه، كما إذا علم بوجوب الصلاة يوم الجمعة و تردّدت بين الظهر و الجمعة، أو علم به وجود النجاسة و تردّد بين الإناءين؛ فهي مجري الاحتياط.

1. قد اختلفت كلمة الأُصوليين في بيان مجاري الأُصول و قد اخترنا ما في المتن لوضوحه و سهولته.

(311)

و هذا التقسيم غير خال عن الإشكال، لانّ لازمه أن يكون الشك في التكليف مطلقاً، مجري للبراءة و أن يكون الشك في المكلّف به كذلك مجري للاشتغال، مع انّ هذه الضابطة ليست بمطردة، إذ ربما يكون الشك في التكليف مجري للاشتغال كما في الأمثلة التالية.

أ. إذا شك في التكليف قبل الفحص عن الدليل الاجتهادي فهو مجري للاحتياط.

ب. إذا شك في حلّية الدماء و الأعراض و الأموال فهو مجري للاحتياط أيضاً، و أن كانت الشبهة موضوعية، كدوران حال الشخص بين كونه محقون الدم أو مهدوره.

و ربما يكون الشك في المكلّف به مجري للبراءة كما في الشبهة غير المحصورة.

فالأولي في بيان الضابطة لمجري البراءة و الاشتغال أن يقال:

إذا لم تكن الحالة السابقة ملحوظة و كان الاحتياط ممكناً، فإمّا أن لا يدل دليل عقلي أو نقلي علي ثبوت العقاب بمخالفة الواقع المجهول، أو يدلّ؟ و الأوّل مورد البراءة و الثاني مورد الاحتياط.

و علي ضوء ذلك فليس الميزان في جريان البراءة و الاشتغال، الشك في التكليف و المكلّف به، بل الميزان في جريان البراءة هو عدم وجود الدليل العقلي و النقلي علي العقاب، كما انّ الميزان في جريان الاشتغال وجودهما، و بما انّه قام الدليل العقلي و النقلي علي العقاب في الموارد الثلاثة فصار مجري للاشتغال و أن كان الشك في التكليف. كما قام الدليل علي عدم

العقاب في الشبهة غير المحصورة فصار مورداً للبراءة و أن كان الشك في المكلّف به.

فبذلك ظهر أنّ مجاري الأُصول أربعة كنفس الأُصول و لنقدم البحث عن البراءة أوّلاً، ثمّ التخيير، ثمّ الاحتياط، ثمّ الاستصحاب، حفظاً للنهج الدارج في الكتب الأُصولية.

(312)

الفصل الأوّل: في أصالة البراءة، و فيه مقامان

الفصل الأوّل: في أصالة البراءة، و فيه مقامان

أصالة البراءة

قد تقدّم انّ مجري أصالة البراءة هو الشك في أصل التكليف و هو علي أقسام:

لأنّ الشك تارة يتعلّق بالحكم، أي يكون أصل الحكم مشكوكاً، كالشك في حكم التدخين هل هوحرام أو لا؟

و أُخري يتعلّق الشك بالموضوع بمعني أنّ الحكم معلوم، و لكن تعلّق الشك بمصاديق الموضوع، كالمائع المردّد بين كونه خمراً أو خلاً.

و يسمّي الأوّل بالشبهة الحكمية و الثاني بالشبهة الموضوعية، أي بمعني الجهل بمصداق الموضوع كما سيظهر.

و الشبهة تنقسم إلي: تحريمية و وجوبية:

أمّا التحريمية، فالمراد منها هي ما إذا احتُمِلَتْ حرمةُ الشيء مع العلم بأنّه غير واجب، فيدور أمره بين الحرمة و الإباحة، أو الكراهة، أو الاستحباب؛ كالتدخين الدائر أمره بين الحرمة و الإباحة.

و أمّا الوجوبية، فالمراد منها هي ما إذا احتمل وجوبه مع العلم بأنّه غير محرّم، فيدور أمره بين الوجوب و الاستحباب؛ أو الإباحة، أو الكراهة، كالدعاء عند رؤية الهلال الدائر أمره بين الوجوب و الاستحباب.

ثمّ إنّ منشأ الشك في الشبهة الحكمية أحد أُمور ثلاثة:

(313)

أ. فقدان النص.

ب. إجمال النص.

ج. تعارض النصين.

و منشأ الشك في الشبهة الموضوعية خلط الأُمور الخارجية.

و علي ذلك يقع الكلام في مقامين:

المقام الأوّل: في الشبهة الحكمية التحريمية بمسائلها الأربع

المقام الأوّل: الشبهة التحريمية و فيها مسائل أربع:

أ. الشبهة الحكمية التحريمية لأجل فقدان النص.

ب. الشبهة الحكمية التحريمية لأجل إجمال النص.

ج. الشبهة الحكمية التحريمية لأجل تعارض النصّين.

د. الشبهة الموضوعية التحريمية لأجل خلط الأُمور الخارجية.

(1)

و إليك الكلام في هذه المسائل، الواحدة تلو الأُخري.

المسألة الأولي: في الشبهة الحكمية التحريمية لفقدان النص

إذا شك في حرمة شيء لأجل عدم النصّ عليها في الشريعة فقد ذهب الأُصوليون إلي البراءة و الأخباريون إلي الاحتياط. و استدلّ كلّ بالكتاب و السنّة و إليك تقرير أدلّة الأُصوليين من الكتاب العزيز:

1. التعذيب فرع البيان

قال سبحانه: (مَنِ اهْتَدي فَإِنَّما يهْتَدي لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يضِلُّ عَلَيها وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْري وَ ما كنّا مُعَذِّبينَ حَتّي نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء/15).

1 و يأتي في المقام الثاني أي الشبهة الوجوبية نفس هذه المسائل.

(314)

قوله: (وَما كنّا) إمّا بمعني: «نفي الشأن» كما في قوله: (وَ ما كانَ اللّهُ لِيضِيعَ إِيمانَكمْ) أو لنفي الإمكان، كما في قوله: (وَ ما كانَ لِنَفْس أَنْ تَمُُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ كتاباً مُؤجّلاً) (آل عمران/145).

و بعث الرسول كناية عن البيان الواصل إلي المكلّف، لانّه لو بَعَثَ الرسول و لم يكن هناك بيان، أو كان هناك بيان و لم يصل إلي المكلّف، لما صحّ التعذيب و لَقبُحُ عقابُه، فالدافع لقبح العقاب هو البيان الواصل بمعني وجوده في مظانّه علي وجه لو تفحص عنه المكلّف لعثر عليه.

و المفروض أنّ المجتهد تفحص في مظانّ الحكم و لم يعثر علي شيء يدلّ علي الحرمة، لا بالعنوان الأوّلي، كما إذا قال: لا تشرب التتن؛ و لا بالعنوان الثانوي، كما إذا أمر مولوياً بالاحتياط عند الشبهة، فينطبق عليه مفاد الآية و هو أنّ التعذيب فرعُ البيان الواصل و المفروض عدم التالي (البيان بالعنوان الأوّلي أو الثانوي) فيكون المقدم مثله.

و مثله قوله سبحانه: (يا أَهْلَ الكتابِ قَدْ جاءَكمْ رَسُولُنا يبَينُ لَكمْ عَلي فَتْرَة مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِير وَ لا نَذير

فَقَدْ جاءَكمْ بَشِيرٌ وَ نَذِيرٌ وَ اللّهُ عَلي كلِّ شَيء قَديرٌ) (المائدة/19). فإنّ ظاهره انّه لولا مجيء الرسول كان لهم الاحتجاج بقولهم: (ما جاءَنا مِنْ بَشِير وَ لا نَذِير) و لأجل صحّة الاحتجاج أفحمهم بإرسال الرسل، و إنزال الكتب، و إيصال البيان حتي يكون للّه الحجّة البالغة، و لا يكون للناس علي اللّه حجّة بعد الرسل. (1)

2. الإضلال فرع البيان

قال سبحانه: (وَ ما كانَ اللّهُ لِيضِلَّ قَوماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتّي يبينَ لَهُمْ ما

1. اقتباس من قوله سبحانه: (رُسُلاً مُبَشِّرينَ وَ مُنْذِرينَ لِئلاّ يكون لِلنّاسِ عَلَي اللّهِ حجّة بَعْدَ الرُّسُل و كان اللّهُ عَزيزاً حَكيماً) (النساء/165) و لاحظ (الأنعام/149).

(315)

يتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكلِّ شَيء عَلِيمٌ) (التوبة/115).

و تقرير الاستدلال بالآية كسابقتها، غير أنّه سبحانه فرّع التعذيب علي البيان في الآية السابقة و فرّع الإضلال عليه في هذه الآية و بما أنّ التعذيب من آثار الضلالة، فيكون التعذيب أيضاً معلّقاً عليه.

و المراد من الإضلال، هو الإضلال بعد الهداية لأجل عدم الاتقاء عمّا حرّم اللّه، فلا يعدّمثل هذا النوع من الإضلال ظلماً لانّ العبد هو السبب لانقطاع الفيض عنه كقوله سبحانه: (ذلِك بأنّ اللّهَ لَمْ يك مُغَيراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلي قَوم حَتّي يغَيرُوا ما بأَنْفُسِهِمْ) (الأنفال/53).

ثمّ إنّ أصحابنا الأُصوليين استدلوا بأحاديث صحيحة نأتي بأهمّها:

الحديث الأوّل: حديث الرفع

روي الصدوق بسند صحيح عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام، قال: قال رسول اللّه صلَّي الله عليه و آله و سلَّم: «رفع عن أُمّتي تسعة: الخطأ، و النسيان، و ما أُكرهوا عليه، و ما لا يعلمون، و ما لا يطيقون و ما اضطروا إليه و الحسد و الطيرة، و التفكر في الوسوسة في الخلق مالم ينطق بشفة». (1)

تقرير الاستدلال يتوقف علي ذكر أمرين:

الأوّل:

انّ الرفع ينقسم إلي تكويني و هو واضح و تشريعي و المراد منه نسبة الرفع إلي الشيء بالعناية و المجاز، باعتبار رفع آثاره كقوله عليه السَّلام: «لا شك لكثير الشك» و من المعلوم أنّ المرفوع ليس هو نفس «الشك» لوجوده، و إنّما المرفوع هو آثاره و هذا صار سبباً لنسبة الرفع إلي ذاته و نظيره حديث الرفع، فانّ نسبة الرفع إلي الأُمور التسعة نسبة ادّعائية بشهادة وجود الخطأ و النسيان و ما عطف عليه في الحديث، بكثرة بين الأُمّة و لكن لمّا كانت الموضوعات المذكورة

1. الخصال، باب التسعة، الحديث 9، ص 417.

(316)

مسلوبة الآثار صحّت نسبة الرفع إلي ذاتها باعتبار عدم آثارها.

الثاني: انّ لفظة «ما» في قوله: «ما لا يعلمون» موصولة تعمّ الحكم و الموضوع المجهولين، لوضوح انّه إذا جهل المكلّف بحكم التدخين، أو جهل بكون المايع الفلاني خلاً أو خمراً صدق علي كلّ منهما انّه من «مالا يعلمون» فيكون الحديث عاماً حجّة في الشبهة الحكمية و الموضوعية معاً.

و ربما يتصوّر أنّ الموصول مختص بالموضوع المجهول لا الحكم المجهول، بشهادة قوله صلَّي الله عليه و آله و سلَّم في الفقرات التي أعقبته، أعني: «و ما أُكرهوا عليه» و «مالا يطيقون» و «ما اضطروا إليه» ، فإنّ المراد هو الفعل المكرَه عليه و العمل الخارج عن الإطاقة و العمل المضطرّ إليه، فيلزم أن يكون المراد من الموصول في «مالا يعلمون» هو العمل المجهول لا الحكم المجهول، فيختص الحديث بالشبهات الموضوعية.

يلاحظ عليه: أنّ «ما» الموصولة استعملت في جميع الفقرات في المعني المبهم، لا في الحكم و لا في الموضوع و إنّما يعلم السعة (شمولها للحكم و الموضوع المجهولين) و الضيق (اختصاصها بالموضوع) من صلتها و الصلة «فيما لا

يعلمون» قابل للانطباق علي الموضوع و الحكم، دون سائر الفقرات، فإنّها لاتنطبق إلاّ علي الفعل، و لا يكون ذلك قرينة علي اختصاص الفقرة الأُولي بالشك في الموضوع.

أضف إلي ذلك: أنّ المرفوع في «الحسد» «والطيرة» و «التفكر في الوسوسة في الخلق مالم ينطق بشفة» هو الحكم، أي حرمة الحسد و الطيرة، و أمّا النسيان و الخطأ المرفوعان في الحديث فيتعلّقان بالحكم و الموضوع معاً، فيصلحان لكلا الأمرين نسيان الحكم أو الموضوع و مثله الخطأ.

إذا عرفت ذلك، فنقول: إنّ الرفع كما عرفت رفع تشريعي و المراد منه رفع الموضوع بلحاظ رفع أثره، فحينئذ يقع الكلام في تعيين ما هو الأثر المسلوب

(317)

الذي صار مصحِّحاً لنسبة الرفع إليها، فهنا أقوال ثلاثة:

1. المرفوع هي المؤاخذة.

2. المرفوع هو الأثر المناسب لكلّ واحد من تلك الفقرات، كالمضرّة في الطيرة، و الكفر في الوسوسة.

3. المرفوع هو جميع الآثار أو الآثار البارزة.

و الظاهر هو الأخير، لوجهين:

الأوّل: أنّه مقتضي الإطلاق.

الثاني: أنّ فرض الشيء مرفوعاً في لوح التشريع ينصرف إلي خلوّه عن كلّ أثر و حكم، أو عن الآثار البارزة له. (1) فلو كان البعض مرفوعاً دون البعض، فلا يطلق عليه أنّه مرفوع.

و علي ذلك فالآثار كلّها مرفوعة سواء تعلّق الجهل بالحكم كما في الشبهة الحكمية، أو بالموضوع كما في الشبهة الموضوعية.

نعم، انّ مقتضي الحديث هو رفع كلّ أثر مترتب علي المجهول إلاّإذا دلّ الدليل علي عدم رفعه، كنجاسة الملاقي فيما إذا شرب المائع المشكوك فبان انّه خمر، فلا ترتفع نجاسة كلّ ما لاقي الخمرَ بضرورة الفقه علي عدم ارتفاع مثل هذه الآثار الوضعية.

اختصاص الحديث بما يكون الرفع منّة علي الأُمّة

إنّ حديث الرفع، حديث منّة و امتنان كما يعرب عنه قوله: «رفع عن أُمّتي» أي دون

سائر الأُمم و علي ذلك يختص الرفع بالأثر الذي يكون في رفعه منّة علي

1. كما في قول الإمام علي عليه السَّلام: «يا أشباه الرجال و لا رجال» هذا إذا كان الأثر منقسماً إلي بارز و غيره، و أمّا إذا كان الجميع علي حد سواء، فالمرفوع هو جميع الآثار كما في المقام.

(318)

الأُمّة (لا الفرد الخاص)، فلا يعم ما لا يكون رفعه منّة لهم، كما في الموارد التالية:

1. إذا أتلف مال الغير عن جهل و نسيان، فهو ضامن، لأنّ الحكم بعدم الغرامة علي خلاف المنّة.

2. إذا أكره الحاكمُ المحتكرَ في عام المجاعة علي البيع، فالبيع المكره يقع صحيحاً و لا يعمّه قوله: «وما أُكرهوا عليه» لأنّ شموله للمقام و الحكم برفع الصحة و ببطلان البيع علي خلاف المنّة.

3. إذا أكره الحاكمُ المديون علي قضاء دينه و كان متمكناً، فلا يعمّه قوله: «وما أُكرهوا» لأنّ شموله علي خلاف الامتنان.

تنبيه

المراد من الآثار الموضوعة هي الآثار المترتبة علي المعنون، أي ما يعرضه الخطأ، أو النسيان، أو الجهل، مثلاً إذا نسي السورة أو غيرها من أجزاء الصلاة فمعني رفعها رفع وجوبها الضمني، و أمّا الآثار المترتبة علي نفس تلك العناوين العارضة في هذه الظروف فلا ترتفع كسجدتي السهو عند نسيان الأجزاء، لأنّ هذه الآثار أثر نفس العناوين، فلا يكون طروء الخطأ رافعاً للحكم المترتّب علي نفس الخطأ في لسان الدليل و مثله النسيان و إنّما تكون تلك العناوين سبباً لرفع الآثار المترتبة علي معروض النسيان و الخطأ و لأجل ذلك لو قتل خطأ فالقصاص ساقط و أمّا الدية فلا، لأنّ القصاص مترتب علي نفس القتل، بصورة الإطلاق، قال سبحانه: (وَ كتَبْنا عَلَيهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَينَ بِالْعَينِ وَ الأَنْفَ

بِالأَنْفِ وَ الأُذُنَ بِالأُذُنِ وَ السِّنَّ بالسِّنِّ و الْجُرُوحَ قِصاص) (المائدة/45) و يقيد به غير الخطأ و أمّا الدية فغير مرفوعة، لأنّها أثر مترتب علي عنوان الخطأ في ظرفه فلا يحكم برفعها، قال سبحانه: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خطأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَة مُؤْمِنَة وَدِيةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلي أَهْلِهِ) (النساء/92).

(319)

الحديث الثاني: مرسلة الصدوق

روي الصدوق مرسلاً في «الفقيه» و قال: قال الصادق عليه السَّلام: «كلّ شيء مطلق حتّي يرد فيه نهي». (1)

و الحديث و إن كان مرسلاً و لكن الصدوق يسنده إلي الإمام الصادق عليه السَّلام بصورة جازمة و يقول: قال الصادق عليه السَّلام: و هذا يعرب عن علمه بصدور الحديث عن الإمام الصادق عليه السَّلام، نعم لو قال رُوي عن الإمام الصادق عليه السَّلام كان الاعتماد علي مثله مشكلاً.

أمّا كيفية الاستدلال: فقد دلّ الحديث علي أنّ الأصل في كلّ شيء هو الإطلاق حتي يرد فيه النهي بعنوانه، كأن يقول: الخمر حرام، أو الرشوة حرام، فما لم يرد النهي عن الشيء بعنوانه يكون محكوماً بالإطلاق و الإرسال، و بما أنّ التدخين لم يرد فيه النهي بعنوانه الأوّلي فهو مطلق و علي هذا فلا يكفي في رفع الإطلاق ورود النهي بعنوانه الثانوي كأن يقول: إذا شككت فاحتط، بل هو باق علي إطلاقه حتي يرد النهي فيه بالعنوان الأوّلي، فتكون الشبهات البدوية التي لم يرد النهي فيها بعنوانها الأوّلي محكومة بالإطلاق و الحلية. و علي هذا تمّ دليل الأخباري بورود النهي عن ارتكاب الشبهات التحريمية بالعنوان الثانوي (الشبهة) وقع التعارض بينه و بين دليله.

نعم لو قلنا بأنّ المراد هو الأعم من ورود النهي بعنوانه الأوّلي أو بعنوانه الثانوي، يكون دليل الأخباري مقدّماًعليه، لأنّ الإطلاق في المقام معلّق علي عدم ورود النهي مطلقاً،

لا بالعنوان الأوّلي و لا الثانوي و الأخباري يدعي ورود النهي بعنوانه الثانوي و حصول المعلّق عليه.

و لكن تفسير الحديث بهذا النحو الأعم خلاف الظاهر، أوّلاً حيث إنّ ظاهر قوله: «حتي يرد فيه» أي يرد النهي في نفس الشيء بما هوهو و دليل الأخباري ضعيف ثانياً، حيث سيوافيك عدم دليل يدل علي لزوم الاجتناب في

1. الوسائل: الجزء 18، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 60.

(320)

الشبهات البدوية.

فإن قلت: لعلّ النهي تعلق بالشيء بعنوانه الأوّلي، و لكن لم يصل إلينا فلا يكون الحديث حجّة في المقام لعدم احراز عدم ورود النهي.

قلت: الظاهر انّ المراد من الورود هو الوصول إلي المكلّف بقرينة انّ الإمام بصدد بيان ضابطة كلية للبراءة، و هي لا تتم إلاّ أن يكون المراد هو الوصول إليه و إلاّ لزم تعليق الحكم بشيء لا يمكن احرازه.

إلي هنا تمّ الاستدلال علي البراءة بالكتاب العزيز و السنّة المطهّرة، بقي الكلام في الاستدلال عليها بالعقل.

الاستدلال بالعقل علي البراءة

إنّ صحّة احتجاج الآمر علي المأمور من آثار التكليف الواصل لأنّ صرف التكليف الواقعي من غير وصول إلي المكلّف لا يكون في الحقيقة آمراً و لا زاجراً و لا يصحّ الاحتجاج به أبداً بل يعدّ العذاب معه ظلماً و قبيحاً من المولي الحكيم و هذا ممّا يستقل به العقل و يعد العقاب بلا بيان واصل أمراً قبيحاً لا يصدر عن الحكيم.

و قياس الاستدلال بالشكل التالي:

العقاب علي محتمل التكليف عقاب بلا بيان بعد الفحص التام و عدم العثور عليه لا بالعنوان الأوّلي (1) و لا بالعنوان الثانوي. (2)

و العقاب بلا بيان يمتنع صدوره عن المولي الحكيم:

فينتج: العقاب علي محتمل التكليف يمتنع صدوره من المولي الحكيم.

التعارض بين القاعدتين

سؤال: ثمة قاعدة عقلية أُخري

هي علي طرف النقيض من هذه القاعدة

1. كأن يقول: التدخين حرام.

2. كأن يقول: إذا شككت في حرمة شيء فلا ترتكبه فالنهي هنا تعلّق لا بنفس التدخينبل بعنوان ثانوي و هو الشك في حرمة التدخين.

(321)

العقلية و هي:

أنّ العقل يفرِّق بين الضرر الدنيوي المحتمل فلا يحكم بوجوب دفعه إلاّ إذا كان خطيراً لا يتحمّل. و أمّا الضرر الأُخروي الذي هو كناية عن العقاب الأُخروي فيؤكد العقل علي وجوب دفعه و يستقلّ به، فلا يرخّص استعمال شيء فيه احتمال العقوبة الأُخروية، و لو احتمالاً ضعيفاً و علي ذلك فيمكن للقائل بالاحتياط أن يعارض القاعدة الأُولي بقاعدة أُخري و هي قاعدة «وجوب دفع الضرر المحتمل» بالبيان التالي:

احتمال الحرمة في مورد الشبهة البدوية يلازم احتمال الضرر الأُخروي، و هو بدوره واجب الدفع و إن كان احتماله ضعيفاً و عندئذ يحكم العقل بلزوم الاحتياط بترك ارتكاب محتمل الضرر لذلك المحذور.

و إن أردت صبَّه في قالب القياس المنطقي المؤلف من الصغري و الكبري فتقول:

الشبهة البدوية التحريمية فيها ضرر محتمل و كلّ ما فيه ضرر محتمل يلزم تركه.

فينتج: الشبهة البدوية التحريمية يلزم تركها، فينتج لزوم الاحتياط و عندئذ يقع التعارض بين القاعدتين العقليتين، فمن جانب يحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان فيرخِّص بالارتكاب و من جانب آخر يحكم بدفع الضرر الأُخروي المحتمل فيمنع من الارتكاب.

الجواب

انّ الصغري في القاعدة الثانية غير محرزة، إذ المراد من الصغري هو احتمال الضرر (العقاب) في ارتكاب الشبهة البدوية، فيجب أن يكون لاحتماله مناشئ عقلائية، و المفروض انتفاؤها جميعاً، لأنّ احتمال العقاب ناشئ من الأُمور التالية:

(322)

1. صدور البيان عن المولي و وصوله إلي العبد، لكن حصل الإجمال بأحد علله، كما إذا تردّد الواجب بين صلاتي الظهر و الجمعة، أو

الحرام بين الإناءين و هذا ينطبق علي الشبهة المحصورة دون الشبهة البدوية، إذ البيان فيها غير واصل أصلاً و الحرمة مشكوكة، لا معلومة علي خلاف الشبهة المحصورة.

2. إذا كان التمسك بالبراءة قبل الفحص و هو خلاف المفروض.

3. كون العقاب بلا بيان أمراً غير قبيح، و هو مفروض البطلان.

4. كون المولي شخصاً غير حكيم أو غير عادل و هو أيضاً منتف.

فإذا انتفت مناشئ الاحتمال عقلاً، فاحتمال العقاب الذي هو الصغري في القاعدة الثانية غير موجود و مع انتفائه كيف يمكن الاحتجاج بالكبري وحدها؟ مع أنّ الاحتجاج لا يتمّ إلاّ مع إحراز الصغري.

و بذلك ظهر عدم التعارض بين القاعدتين لفقدان الصغري في القاعدة الثانية و مع عدم التعارض لا نحتاج إلي الأجوبة المذكورة في المطولات.

و بذلك خرجنا بالنتيجة التالية: «انّ الحكم الشرعي في الشبهات البدوية التحريمية سواء أكانت حكمية أم كانت موضوعية هو البراءة الشرعية، إذا استُنِد فيها إلي الكتاب و السنة و البراءة العقلية إذا اسْتُنِدَ فيها إلي العقل.

أدلّة الأخباريين علي وجوب الاحتياط في الشبهة الحكمية التحريمية

استدل الأخباريون بآيات و روايات، نذكر المهم منها:

الاستدلال بالكتاب

الآيات الآمرة بالتقوي بقدر الوسع و الطاقة، قال سبحانه: (يا أَيهَا الّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران/102). (1)

1. لاحظ الآية السادسة عشرة من سورة التغابن.

(323)

وجه الاستدلال: أنّ اجتناب محتمل الحرمة يعدّ من التقوي و كلّ ما يعدّ منها فهو واجب بحكم انّ الأمر في (اتّقوا اللّه) دالّ علي الوجوب، فينتج أنّ اجتناب محتمل الحرمة واجب.

يلاحظ عليه: أنّ كلية الكبري ممنوعة، أي ليس كلُّ ما يعدّمن التقوي فهو واجب و ذلك لانّ التقوي تستعمل تارة في مقابل الفجور و لا شك في وجوب مثلها

بعامة مراتبها، مثل قوله: (أَمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كالْفُجّار) (ص/28) و قوله: (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقواها) (الشمس/8) و قد تطلق و يراد منها ما يعم القيام بكلّ مرغوب فيه من الواجب و المستحب و التحرّز عن كلّ مرغوب عنه من حرام و مكروه مثل قوله سبحانه: (وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَالزّادِ التَّقْوي) (البقرة/197) ففي مثل ذلك تكون التقوي واجبة، لكن ببعض مراتبها لا بكلّ مراتبها و يحمل الأمر في (تَزَوَّدُوا) علي الاستحباب كالآية التي استدل بها في المقام.

الاستدلال بالسنّة

استدل الأخباريون بطوائف من الروايات:

الأُولي: حرمة الإفتاء بلا علم

دلّت طائفة من الروايات علي حرمة القول و الإفتاء به غير علم، أو الإفتاء بما لم يدل دليل علي حجّيته كالقياس و الاستحسان، كصحيحة هشام بن سالم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: ما حقّ اللّه علي خلقه؟ قال: «أن يقولوا ما يعلمون و يكفّوا عمّا لا يعلمون، فإذا فعلوا ذلك فقد أدّوا إلي اللّه حقّه». (1)

1. الوسائل: الجزء 18، الباب 2 من أبواب صفات القاضي، الحديث 4 و بهذا المضمون الحديث 19 و 54 و مثله ما دلّ علي لزوم الكف عمّا لا يعلم، كالحديث 4 و 32.

(324)

و بهذا المضمون روايات كثيرة في نفس الباب.

يلاحظ عليه: أنّ الإفتاء بأنّ مورد الشبهة ليس بحرام واقعاً، يعدّ قولاً بلا علم و هو مورد الروايات و هذا ممّا يحترز عنه الأُصوليون.

و أمّا القول بعدم المنع ظاهراً، حتي يعلم الواقع مستنداً إلي الأدلّة الشرعية و العقلية، فليس قولاً بلا علم و هو نفس ما يرومه الأُصولي.

الثانية: ما ورد من الأمر بالاحتياط قبل الفحص

روي عبد الرحمان بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسنعليه السَّلام عن رجلين أصابا صيداً و هما محرمان، الجزاء بينهما؟ أو علي

كلّ واحد منهما جزاء، قال: «لا، بل عليهما أن يجزي كلّ واحد منهما الصيد» ، قلت: إنّ بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه، فقال: «إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتي تسألوا عنه فتعلموا». (1)

إنّ هذه الرواية ناظرة إلي الاحتياط قبل الفحص، و هي خارجة عن مورد الكلام و إنّما الكلام فيما إذا فحص عن دليل الحرمة في مظانه و لم يعثر علي شيء.

الثالثة: التوقف فيما يرجع إلي العقيدة

روي زرارة عن أبي عبد اللّهعليه السَّلام، قال: «لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا و لم يجحدوا، لم يكفروا». (2)

و هذه الطائفة خارجة عن محط البحث، لأنّ البحث في الفروع و الرواية في الأُصول.

1. الوسائل: الجزء 18، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1 و بهذا المضمون الحديث 3 و 23 و 29 و 31 و 43.

2. الوسائل: الجزء 18، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 11 و 53.

الرابعة: الاحتياط في الشبهات الموضوعية

ثمّة روايات تدل علي وجوب الاحتياط في الشبهات الموضوعية، نظير ما كتبه علي عليه السَّلام إلي عامله علي البصرة عثمان بن حنيف: «فانظر إلي ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه و ما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه». (1)

ولا يخفي انّ هذه الرواية محمولة علي الاستحباب، لاتّفاق العلماء أُصوليهم و أخباريهم علي استحبابه في الشبهات الموضوعية و لم يقل أحدٌ بوجوب الاحتياط فيها.

الخامسة: ترك الشبهات يسهِّل الاجتنابَ عن الحرام

هناك روايات كثيرة تدلّ علي أنّ الاجتناب عن الشبهات تخلق في الإنسان ملكة الاجتناب عن الحرام و ذلك آية الندب و الاستحباب.

روي الصدوق، أنّ أمير المؤمنين عليه السَّلام خطب في الناس و قال: «حلالٌ بينٌ، و حرامٌ

بينٌ، وَ شبهات بين ذلك، (2) فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك و المعاصي حمي اللّه، فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها».

السادسة: ترك الشبهات يورث الورع

يظهر من عدّة من الروايات أنّ ترك الشبهة يورث الورع، قال أمير المؤمنينعليه السَّلام: «لا ورع كالوقوف عند الشبهة». (3)

1. الوسائل: الجزء 18، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 17، و بهذا المضمون الحديث 18.

2. الوسائل: الجزء 18، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 22 و في مضمونه الأحاديث: 39، 47، 61.

3. الوسائل: الجزء 18، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 20 و في مضمونه الحديث 24، 25، 33، 41، 57.

(326)

لا شك أنّها محمولة علي الاستحباب، لأنّ الورع أقصي مراتب التقوي و هو مستحب جدّاً.

السابعة: لزوم الوقوف عند الشبهة

هناك روايات تدل علي لزوم الوقوف عند الشبهة، و أنّه خيرٌ من الاقتحام في الهلكة و إليك بعض ما يدلّ علي ذلك:

1. روي داود بن فرقد، عن أبي شيبة، عن أحدهما عليمها السَّلام قال: «الوقوف عند الشبهة خيرٌ من الاقتحام في (1) الهلكة».

2. روي مسعدة بن زياد، عن جعفر عليه السَّلام، عن آبائه، عن النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم أنّه قال: «لا تجامعوا في النكاح علي الشبهة، وقفوا عند الشبهة، فإنّ الوقوف عند الشبهة خيرٌ من الاقتحام في الهلكة». (2)

3. روي في «الذكري» ، قال: قال النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم: «دع ما يريبك لما لا يريبك». (3)

يلاحظ علي الاستدلال بهذه الطائفة من الأحاديث أنّها إمّا راجعة إلي الشبهة المحصورة التي يعلم به وجود الحرمة فيها و ذلك بقرينة «الهلكة» ، كما في الحديث الأوّل.

أو راجعة إلي

الشبهة الموضوعية، التي لم يقل أحد بالاحتياط فيها كما في الحديث الثاني، أو محمولة علي الاستحباب كما في الحديث الأخير.

الثامنة: الاحتياط عند التمكن من السؤال

ثمة روايات تدل علي الاحتياط عند التمكن من السؤال.

روي عمر بن حنظلة، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام في خبرين متعارضين متساويين بالنسبة إلي المرجحات أنّه قال: «إذا كان ذلك فارجئه حتي تلقي

1. الوسائل: الجزء 18، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 13 و 15.

2. الوسائل: الجزء 18، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 13 و 15.

3. الوسائل: الجزء 18، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 56.

(327)

إمامك، فإنّ الوقوف عند الشبهات خيرٌ من الاقتحام في الهلكات». (1)

فمورد الحديث إذا تمكن من العلم بالحكم الواقعي و أين هو من القول بالبراءة عند عدم التمكن من العلم.

التاسعة: الوقوف عند العلم بالاشتغال اليقيني

روي عبد الرحمان بن وضّاح، أنّه كتب إلي العبد الصالح، يسأله عن وقت المغرب و الإفطار، فكتب إليه: «أري لك (2) أن تنتظر حتي تذهب الحمرة و تأخذ بالحائطة لدينك».

و الحكم بوجوب الاحتياط، لأجل خروجه عن مجري البراءة لاستصحاب النهار أو لاشتغال ذمّته بالصلاة و الصوم، و لا يعلم ببراءتها إلاّ بالصلاة و الإفطار بعد ذهاب الحمرة.

هذه هي مجموع الروايات التي رواها الشيخ الحر العاملي في الباب الثاني عشر و غيره، و قد عرفت أنّها ليست علي نمط واحد، بل تهدف كلّ منها إلي مجال خاص لا مساس له ببحثنا.

العاشرة: حديث التثليث

إنّ أقوي حجّة للأخباريين هو حديث التثليث الوارد في كلام النبي و الوصي، رواه عمر بن حنظلة عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام، في حديث قال: «إنّما الأُمور ثلاثة: أمر بين رشده فيتَّبع، و أمر بينغيه فيجْتَنب، و

أمر مشكل يردّ علمه إلي اللّه و رسوله».

قال رسول اللّهصلَّي اللّه عليه و آله و سلَّم: «حلال بين، و حرام بين و شبهات بين ذلك، فمن ترك

1. الوسائل: الجزء 18، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

2. الوسائل: الجزء 18، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 37.

(328)

الشبهات نجا من المحرمات و مَن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات و هلك من حيث لا يعلم».

ثمّ قال في آخر الحديث: «فإنّ الوقوف عند الشبهات خيرٌ من الاقتحام في الهلكات».

إنّ مورد التثليث الوارد في كلام الوصي هو الشبهات الحكمية، و حاصل التثليث أنّ ما يبتلي به المكلّف إمّا بين رشده فيتَّبع و إمّا بين غيه فيجتنب، و أمّا الأمر المشكل فلا يفتي بما لا يعلم حتي يرجع حكمه إلي اللّه.

و الجواب انّ التثليث في كلام الوصي ينسجم مع الطائفة الأُولي من حرمة الإفتاء به غير علم.

و أمّا التثليث في كلام الرسول، فموردها الشبهات الموضوعية التي يقطع به وجود الحرام فيها و هي تنطبق علي الشبهة المحصورة، حيث إنّ ظاهر الحديث أنّ هناك حلالاً بيناً، و حراماً بيناً و شبهات بين ذلك، علي وجه لو ترك الشبهات نجا من المحرمات و لو أخذ بها ارتكب المحرمات و هلك من حيث لا يعلم و ما هذا شأنه فهو خارج عن الشبهة البدئية، و منطبق علي الشبهة المحصورة.

وإن شئت قلت: إنّ الرواية ظاهرة فيما إذا كانت الهلكة محرزة مع قطع النظر عن حديث التثليث، و كان اجتناب الشبهة أو اقترافها ملازماً لاجتناب المحرمات وا قترافها، حتي يصحّ أن يقال: «فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات و من أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات» و ما هذا شأنه لا ينطبق إلاّ علي الشبهة المحصورة

لا الشبهة البدوية التي لا علم فيها أصلاً بالمحرمات.

و أنت إذا استقصيت روايات الباب تقف علي أنّ أكثرها لا مساس لها بمورد البراءة و ما لها مساس محمول إمّا علي الاستحباب، أو التورّع الكثير.

(329)

الاستدلال بالعقل

نعلم إجمالاً قبل مراجعة الأدلّة به وجود محرمات كثيرة في الشريعة التي يجب الخروج عن عهدتها بمقتضي قوله سبحانه: (وَما نَهاكمْ عَنْهُ فَانْتَهوا) (الحشر/7).

و بعد مراجعة الأدلّة نقف علي وجود محرمات في الشريعة بينها الكتاب و السنّة و لكن نحتمل وجود محرمات أُخري بينها الشارع و لم تصل إلينا، فمقتضي منجزية العلم الإجمالي، هو الاجتناب عن كلّ ما نحتمل حرمته إذا لم يكن هناك دليل علي حلّيته، حتي نعلم بالخروج عن عهدة التكليف القطعي، شأن كلّ شبهة محصورة.

يلاحظ عليه: أنّ العلم الإجمالي إنّما ينجِّز إذا بقي علي حاله و أمّا إذا انحلّ إلي علم تفصيلي وشك بدوي، فلا يكون منجزاً و يكون المشكوك مورداً للبراءة، مثلاً إذا علم بغصبية أحد المالين مع احتمال غصبيتهما معاً، فإذا قامت البينة علي غصبية أحدهما المعين، انحلّ العلم الإجمالي إلي علم تفصيلي بالحرمة و هو ما قامت البينة علي غصبيته، وشك بدوي و هو المال الآخر الذي يحتمل أيضاً غصبيته.

و مثله المقام إذ فيه علمان:

أحدهما: العلم الإجمالي به وجود محرمات في الشريعة و التي أُشير إليها في الآية المتقدمة.

ثانيهما: العلم التفصيلي بمحرمات واردة في الطرق و الأمارات و الأُصول المثبتة للتكليف كاستصحاب الحرمة، علي وجه لو عزلنا موارد العلم التفصيلي عن موارد العلم الإجمالي، لما كان فيها علم بالمحرّمات بل تكون الحرمة أمراً محتملاً تقع مجري للبراءة.

(330)

و علي ضوء ما ذكرنا، فالعلم الإجمالي بالمحرمات المتيقنة ينحلّ إلي علم بمحرمات تفصيلية ثبتت بالطرق و الأمارات و

إلي شك بدوي محتمل الحرمة و في مثل ذلك ينتفي العلم الإجمالي فلا يكون مؤثراً و تكون البراءة هي الحاكمة في مورد الشبهات.

المسألة الثانية: الشبهة الحكمية التحريمية لإجمال النصّ

قد عرّفت فيما مضي انّ البحث في الشبهة التحريمية يتمُّ في ضمن مسائل أربع، لأنّ الشك ينشأ تارة من فقدان النص و قد مضي البحث عنه، أو من إجمال النص و هذه هي المسألة التي نتناولها، أو مع تعارض النصّين و هي المسألة الثالثة، أو من خلط الأُمور الخارجية و هي المسألة الرابعة. فنقول:

إذا تردّد الغناء بين كونه مطلق الترجيع أو الترجيع المطرب، فيكون الترجيع المطرب قطعي الحرام، و الترجيع بلا طرب مشكوك الحكم فيكون مجري للبراءة.

و مثله النهي المجرّد عن القرينة إذا قلنا باشتراكه بين الحرمة و الكراهة.

و نظيره أيضاً إذا شككنا في شمول الخمر إلي الخمر غير المسكر و لم يكن هناك إطلاق (1) يؤخذ به و الحكم في جميع الأمثلة حكم ما ذكر في المسألة الأُولي، من البراءة عن الحرمة و الأدلّة المذكورة من الطرفين جارية في المقام إشكالاً و جواباً.

المسألة الثالثة: الشبهة الحكمية التحريمية لتعارض النصّين

إذا دلّ دليل علي الحرمة و دليل آخر علي الإباحة و لم يكن لأحدهما مرجّح، فلا يجب الاحتياط بالأخذ بجانب الحرمة لعدم الدليل عليه، نعم ورد

1. نظير قوله: «ما يسكر كثيره فقليله أيضاًحرام».

(331)

الاحتياط في رواية وردت في «غوالي اللآلي» نقلها عن العلاّمة، رفعها إلي زرارة عن مولانا أبي جعفر عليه السَّلام انّه قال في الخبرين المتعارضين: «فخذ بما فيه الحائطة لدينك و اترك الآخر» (1) و الرواية ضعيفة السند لا يحتج بها.

المسألة الرابعة: الشبهة الموضوعية التحريمية

إذا دار الأمر بين كون شيء حراماً أو مباحاً لأجل الاشتباه في بعض

الأُمور الخارجية، كما إذا شك في حرمة شرب (2) مائع أو إباحته للتردّد في أنّه خلّ أو خمر، فالظاهر عدم الخلاف في أنّ مقتضي الأصل الإباحة، للأخبار الكثيرة في ذلك، مثل قوله عليه السَّلام: كلّ شيء لك حلال حتي تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه.

و يمكن الاستدلال علي البراءة بالدليل العقلي و هو أنّ الاحتجاج لا يتمّ بالعلم بالكبري وحده و هو انّ الخمر حرام مالم ينضم إليه العلم بالصغري، ففي المقام، الكبري محرزة، دون الصغري، فلا يحتج بالكبري المجرّدة علي العبد.

و بما انّ المسألة محلّ اتّفاق لا نطيل الكلام فيها.

1. غوالي اللآلي: 4/133 برقم 229.

2. الوسائل: الجزء 12، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

المقام الثاني: في الشبهة الحكمية الوجوبية بمسائلها الأربع

إذا شك في وجوب شيء و عدمه، ففيها أيضاً مسائل أربع، لأنّ الشبهة إمّا حكمية أو موضوعية، و منشأ الشك في الحكمية، إمّا: فقدان النص، أو إجمال النص، أو تعارض النصين، فتصبح المسائل أربع كالآتي:

أ. الشبهة الحكمية الوجوبية لأجل فقدان النصّ، كالدعاء عند رؤية الهلال، أو الاستهلال في شهر رمضان.

ب. الشبهة الحكمية الوجوبية لأجل إجمال النصّ، كاشتراك لفظ الأمر بين الوجوب و الاستحباب.

ج. الشبهة الحكمية الوجوبية لأجل تعارض النصّين، كما في الخبرين المتعارضين، أحدهما يأمر، و الآخر يبيح و لم يكن لأحدهما مرجح.

د. الشبهة الموضوعية لأجل الاشتباه في بعض الأُمور الخارجية، كما إذا تردّدت الفائتة بين صلاة أو صلاتين و الحكم في الجميع البراءة و عدم وجوب الاحتياط، إجماعاً.

تمّ الكلام في المقامين بمسائلهما الثمان و به تمّ الكلام في أصل البراءة، لكن بقيت تنبيهات نشير إليها:

(333)

تنبيهات

التنبيه الأوّل: في حكومة الأصل الموضوعي علي البراءة

انّ موضوع البراءة العقلية هو عدم البيان و موضوع البراءة

الشرعية هو الشك في الحكم الشرعي، فلو كان هناك أصل آخر يصلح لأن يكون بياناً أو رافعاً للشك تعبّداً فلا يبقي موضوع لأصل البراءة و هذا هو المعروف من أنّ الأصل المنقِّح للموضوع حاكم علي أصل البراءة، أو أصالة الحلّية.

فمثلاً: إذا شككنا في تذكية حيوان علي النحو الوارد في الشرع فمقتضي الأصل هو الحلية و لكنّه محكوم بأصل آخر و هو أصالة عدم التذكية و هو أصل موضوعي ينقِّح حال الموضوع و يحرِز انّه غير مذكي و بطبع الحال يكون محرّماً لا حلالاً و هذا الأصل عبارة عن استصحاب عدم التذكية، لأنّه حينما كان حياً لم يكن مذكي، و بعد زهوق روحه نشك في تذكيته، فاستصحاب عدم التذكية مقدم علي أصالة الحل و ذلك لأنّ الشك في الحلية مُسَبب عن الجهل بحال الموضوع و أنّه هل وردت عليه التذكية أو لا؟ فإذا ثبت حال الحيوان بالاستصحاب و حكم عليه بعدم التذكية، لا يبقي الشك في حرمته و هذا ما يعبر عنه بتعبيرين:

أ. حكومة الأصل الموضوعي (عدم التذكية) علي الأصل الحكمي (الحلية).

ب. حكومة الأصل السببي (عدم التذكية) علي الأصل المسببي (الحلية).

مثال آخر: لو افترضنا دلالة الدليل الاجتهادي علي جواز مسّ المرأة بعد النقاء و قبل الاغتسال و لكن وقع الشك في حصول النقاء، فاستصحاب كونها حائضاً حاكم علي أصالة الحلية لأنّه بيان، فيرتفع موضوع البراءة العقلية، و رافع

(334)

أيضاً للشك في الظاهر فيكون رافعاً لموضوع البراءة الشرعية.

التنبيه الثاني: في حسن الاحتياط

لا شك في حسن الاحتياط (بشرط أن لا يخل بالنظام عقلاً أو لا ينجرّ إلي العسر و الحرج شرعاً)، و لكن الظاهر من الشيخ الأعظم اتّفاق الفقهاء علي لزوم الاحتياط في الموارد الثلاثة: النفوس و الأعراض و

الأموال، فيجب الاحتياط و إن كان الاحتمال ضعيفاً، مع كون الشبهة موضوعية.

و الظاهر انّ اتّفاقهم علي وجوب الاحتياط فيها مبني علي قاعدة مضي الإيعاز إليها في مبحث العام و الخاص (1) و هي انّ كلّ موضوع كانت الحرمة و الفساد هو الحكم الأصلي فيه يجب الاجتناب عنه حتي في الشبهة الموضوعية و لذلك حكم الفقهاء بالاحتياط وراء الموارد الثلاثة أيضاً، كما إذا ترددت المرأة بين كونها ممّن يجوز النظر إليها أو غيرها، و بيع الوقف بين احتمال وجود المسوِّغ فيه و عدمه و تصرف غير الولي في مال اليتيم بين وجود الغبطة فيه، و عدمه، ففي هذه الموارد يحمل علي الحرمة و الفساد، لأنّ طبيعة الموضوع تقتضي الحرمة و الفساد إلاّ ما خرج بالدليل.

التنبيه الثالث: قاعدة التسامح في أدلّة السنن

السنن التي ورد فيها خبر ضعيف يصحّ الإتيان بها رجاءً من باب الاحتياط لاحتمال الأمر و يدل عليها صحيحة هشام بن سالم عن صفوان عن أبي عبد اللّهعليه السَّلام قال: «من بلغه شيء من الثواب علي شيء من الخير، فعمل به كان له أجر ذلك و إن كان رسول اللّه لم يقله». (2)

1. راجع فصل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

2. الوسائل: الجزء 1، الباب 18 من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 1. و لاحظ الحديث 3 و 4 و 6 و 7 و 8 و 9.

(335)

و صحيحة أحمد بن النضر، عن محمد بن مروان، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام، قال: من بلغه عن النبي شيء من الثواب، ففعل ذلك طلب قول النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم، كان له ذلك الثواب و أن كان النبي صلَّي الله عليه و آله و سلَّم لم يقله.

و

المهم فهم مدلولهما فالمشهور علي انّهما لا تدلان علي أزيد من ترتب الثواب علي عمله مطلقاً، سواء أكان الخبر صادقاً أم لا، و ذلك للانقياد حيث قام بامتثال المحتمل من المستحبات و الواجبات، و يكشف عن ترتّب الثواب لأجله، قوله: ففعل ذلك طلب قول النبي.

و ربما تستظهر دلالتُهما علي إعطاء الحجّية للخبر الضعيف في المندوبات و تترتب عليه صيرورة نفس العمل عندئذ مستحباً في نفسه فيصح أن يأتي به بهذا العنوان، بزعم انّ الحديثين بصدد اعطاء الحجّية لكلّ خبر ضعيف و الغاء شرائط الحجّية من الوثاقة و الضبط.

لكن الاستظهار في غير محله لعدم دلالتهما عليه.

و تظهر الثمرة فيما ورد خبر دال علي انّ من توضأ لدخول المسجد فله كذا من الثواب، فتوضأ له فعلي القول بدلالتهما علي صيرورة العمل مستحباً يرفع به الحدث و يدخل في الصلاة، دون ما لو قيل بعدم دلالتهما إلاّ علي ترتّب الثواب علي عمله.

تمّ الكلام في أصل البراءة و يليه البحث في أصل التخيير الذي هوالأصل الثاني منالأُصول العملية الأربعة.

الفصل الثاني: في أصالة التخيير بمسائلها الأربع

الفصل الثاني: في أصالة التخيير بمسائلها الأربع

أصالة التخيير

إذا دار الأمر بين وجوب شيء و حرمته، فهنا مسائل أربع:

لأنّ الشبهة إمّا حكمية، أو موضوعية، ثمّ إنّ منشأ الشك في الشبهة الحكمية إمّا فقدان النص، أو إجماله، أو تعارض النصّين، كما أنّ منشأ الشك في الشبهة الموضوعية هو خلط الأُمور الخارجية. فالكلام يقع في مسائل أربع

المسألة الأُولي: دوران الأمر بين المحذورين لفقدان النص

إذا اختلفت الأُمّة علي قولين كالتكتّف علي القول بوجوبه عند طائفة و حرمته عندنا، كالولاية عن الجائر لدفع الظلامة عن الناس، فقالت طائفة بالحرمة، لأنّها إعانة للظالم و أُخري بالوجوب، لأنّ فيها التمكن من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

حسب المقدرة.

لا شك انّ المكلّف مخير بين الفعل و الترك تخييراً تكوينياً علي وجه ليس بإمكانه المخالفة القطعية، لامتناع الجمع بين الفعل و الترك مع وحدة زمان العمل و لا الموافقة القطعية لنفس السبب.

هذا ممّا لا غبار عليه، إنّما الكلام في تبيين ما هو الحكم الظاهري في المقام، لأنّ المفروض انّ المكلّف مع العلم الإجمالي بوجوب الفعل أو حرمته، شاك و هو موضوع الحكم الظاهري و قد اختلفت كلماتهم في تعيين ما هو الحكم الظاهري في المقام و سيوافيك انّ لهذا الحكم أثراً شرعياً، فهنا أقوال:

(337)

الأوّل: الحكم بالبراءة عقلاً.

الثاني: الحكم بالبراءة عقلاً و شرعاً.

الثالث: الحكم بالإباحة الظاهرية.

الرابع: التخيير في الأخذ بأحدهما تخييراً شرعياً.

الخامس: الأخذ بأحدهما تعييناً و هو جانب الحرمة.

السادس: التخيير بين الفعل و الترك عقلاً، مع التوقّف عن الحكم شرعاً.

و إليك دراسة الأقوال:

أمّا جريان البراءة العقلية و الشرعية، فلأنّ موضوع البراءة العقلية هو عدم البيان الوافي و المراد من الوافي ما لو اقتصر عليه المكلِّف لكفي في نظر العقلاء و يقال انّه أدّي الوظيفة في مقام البيان، و لكن الحكم المردّد بين الوجوب و الحرمة ليس بياناً وافياً حتي يصحّ للمتكلّم السكوت عليه، فيكون من مصاديق، قبح العقاب بلا بيان.

كما أنّ موضوع البراءة الشرعية هو الجهل بالحكم الواقعي و المفروض وجود الجهل و العلم بالإلزام الجامع بين الوجوب و الحرمة ليس علماً بالحكم الواقعي، فيشمله قوله صلَّي الله عليه و آله و سلَّم: «رفع عن أُمّتي مالا يعلمون» و لعلّ هذا القول هو الأقرب.

و أمّا جريان الإباحة الظاهرية، فهو لأجل شمول، مثل قوله عليه السَّلام: «كلّ شيء لك حلال حتي تعرف انّه حرام» له لدوران الأمر فيه بين المحذورين. و لا مانع عنه عقلاً

و لا نقلاً و هذا خيرة المحقّق الخراساني.

يلاحظ علي هذا القول: أنّ أصالة الإباحة بمدلولها المطابقي تنافي المعلوم بالإجمال، لأنّ مفاد أصالة الإباحة، الرخصةُ في الفعل و الترك و ذلك ينافي العلم بالإلزام فلا يجتمع مع جعل الإباحة ظاهراً.

و بعبارة أُخري: إنّ أصالة الإباحة تضاد العلم الإجمالي بالإلزام تضادّاً

(338)

تطابقياً، فالعلم الإجمالي به يدلّ علي خروج الموضوع عن حدّ الاستواء و لكن الأصل يدلّ علي كونه باقياً عليه، فلأجل ذلك لا تجري أصالة الإباحة.

فإن قيل: إذا كان المانع من جريان أصالة الإباحة منافاتها مع العلم بالإلزام، فهو بنفسه موجود أيضاً في البراءة العقلية و الشرعية، فإنّ البراءة من الحكمين ينافي العلم الإجمالي بالإلزام.

قلنا: الفرق بينهما واضح، فإنّ أصالة الإباحة بمفهومها المطابقي لا تجتمع مع العلم بالإلزام و هذا بخلاف البراءة عن خصوص الوجوب وحده، فإنّها تجتمع مع العلم بالإلزام بأن يكون حراماً، كما انّ البراءة عن خصوص الحرمة وحدها تجتمع أيضاً مع العلم بالإلزام بأن يكون واجباً.

نعم بعد جريان البراءتين يحصل علم إجمالي بمنافاة إحديهما مع العلم بالإلزام و لكن هذا العلم بالتنافي غير مخلّ و إنّما المخلّ حصول العلم بالتنافي حين الجريان.

و أمّا دليل الحكم بالتخيير شرعاً، فلقياس المقام بتعارض الخبرين الدال أحدهما علي الحرمة و الآخر علي الوجوب، فإنّ الحكم الظاهري هناك هو التخيير بين الخبرين، فليكن الأمر كذلك إذا كان هناك علم إجمالي بأحدهما.

يلاحظ عليه: أنّ التخيير بين الخبرين ثبت بالدليل الخاص و قد تضافرت الأخبار علي التخيير في الخبرين المتعارضين إذا لم يكن بينهما مرجّح، فاستنباط حكم المقام منه أشبه بالقياس.

و بعبارة أُخري: أنّ موضوع روايات التخيير ما إذا دار الأمر بين المحذورين لأجل تعارض النصّين، لا لفقدان النص و لا لإجماله

و لا لخلط الأُمور الخارجية و التعدّي عن مورد التعارض إلي مطلق الدوران قياس لا نقول به.

و أمّا دليل لزوم الأخذ بإحديهما تعييناً و هوجانب الحرمة فهو انّ دفع

(339)

المفسدة أولي من جلب المنفعة.

يلاحظ عليه، أوّلاً: أنّ الضابطة ليست بتامّة، لأنّ في ترك الواجب أيضاً وجود المفسدة و لذلك ربما يقدّم الواجب علي الحرمة، كإنقاذ النفس المحترمة إذا توقّفت علي التصرّف في مال الغير.

ثانياً: أنّ القاعدة إنّما تجري فيما إذا دار الأمر بين ارتكاب المفسدة القطعية و جلب المنفعة القطعية، لا في مثل المقام الذي لم يثبت وجود المفسدة، غاية الأمر احتمالها.

و أمّا التخيير بين الفعل و الترك عقلاً، مع التوقف عن الحكم شرعاً، فلأنّه لا مناص عن التخيير، مع عدم دليل علي حكم ظاهري و لكنّك عرفت وجود الدليل عليه لصحة جريان البراءتين.

المسألة الثانية: دوران الأمر بين المحذورين لإجمال النص

إذا دار الأمر بين الوجوب و الحرمة من جهة إجمال الدليل، كالأمر المردّد بين الإيجاب و التهديد و مثله ما لو أمر بالاحتراز عن أمر مردّد بين فعله و تركه، فالحكم فيه كالحكم في المسألة السابقة.

المسألة الثالثة: دوران الأمر بين المحذورين لتعارض النصّين

المسألة الثالثة: دوران الأمر بين المحذورين لتعارض النصّين

لو دار الأمر بين الوجوب و الحرمة من جهة تعارض الأدلّة، فالحكم هو التخيير شرعاً لإطلاق أدلّته.

روي الحسن بن الجهم، عن الرضا عليه السَّلام: قلت: يجيئنا الرجلان و كلاهما ثقة بحديثين مختلفين، و لا نعلم أيهما الحق، قال: «فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت». (1)

1. الوسائل: الجزء 18، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.

(340)

أضف إلي ذلك أنّ بعض روايات التخيير وردت في دوران الأمر بين المحذورين. (1)

المسألة الرابعة: دوران الأمر بين المحذورين في الشبهة

الموضوعية

إذا وجب إكرام العادل و حرم إكرام الفاسق و اشتبه حال زيد من حيث الفسق و العدالة، فالحكم فيه كالحكم في المسألة الأُولي طابق النعل بالنعل.

بقيت هنا أُمور:

1. ما هي الفائدة من وراء جعل الحكم الظاهري، و جريان البراءة العقلية و الشرعية مع أنّ عمل المكلّف لا يخلو عن الفعل و الترك؟

و الجواب: أنّ فائدة الأصل هو دفع احتمال الأخذ بأحد الطرفين معيناً، كالحرمة، أو مخيراً، فلا يبقي لهذا الاحتمال مجال بعد جريان البراءتين: الشرعية و العقلية.

2. انّ الرجوع إلي الأصل مخالف للعلم الإجمالي بكون أحد الأصلين علي خلاف الواقع و عندئذ تلزم المخالفة الالتزامية.

و الجواب: انّ حرمة المخالفة الالتزامية عبارة أُخري عن لزوم الموافقة الالتزامية، فلابدّ من توضيح وجوبها.

فإن أُريد منها لزوم الموافقة القلبية لما جاء به النبي من فرائض و محرّمات و سنن و مستحبّات علي وجه الإجمال، فهو حاصل لا ينفك عن الاعتقاد برسالته.

وإن أُريد منها الاعتقاد بالجامع بين الوجوب و الحرمة و انّ جريان البراءة عن كلّ من الاحتمالين ينافي العلم بالإلزام عند جريانه، فهو أيضاً غير تام، لأنّ الميزان عدم مخالفة كلّ أصل منفرداً مع العلم بالالزام و المفروض انّ كلّ أصل

1. الوسائل: الجزء 18، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5 و 42.

(341)

يجتمع مع العلم بالإلزام و لذا منعنا عن جريان أصالة الإباحة.

وإن أُريد منها أنّه يجب الإلتزام به خصوص أحدهما، فهو ممنوع إلاّمع العلم بالحكم، و إلاّ كان من التشريع المحرّم.

3. إذا دار الأمر بين المحذورين و كانت الواقعة واحدة، فلا شك أنّه مخير عقلاً بين الأمرين، مع جريان البراءة عن كلا الحكمين في الظاهر، أمّا لو كانت لها أفراد في طول الزمان، كما إذا تردّد (إكرام

زيد في كلّ جمعة إلي شهر) بين الوجوب و الحرمة، فيقع الكلام في أنّ التخيير العملي هل هو حكم استمراري، فله أن يختار في الجمعة الثانية غير ما اختاره في الجمعة الأُولي، و أن استلزم ذلك، المخالفةَ القطعية، أو لا، بل التخيير ابتدائي فلا يجوز له أن يكرمه في الجمعة الأُولي دون الثانية؟

الظاهر عدم كونه استمرارياً، لأنّه لا فرق في تنجيز العلم الإجمالي و حرمة المخالفة بين كون الواقعة دفعية أو تدريجية، فكما تحرم المخالفة العملية الدفعية كذلك تحرم التدريجية أيضاً، فإنّه يعلم بأنّه لو أكرم زيداً في الجمعة الأُولي و ترك إكرامه في الجمعة الثانية، فقد ارتكب مبغوضاً للشارع.

فالمانع هو تنجيز العلم الإجمالي مطلقاً في الدفعيات و التدريجيات و عدم الفرق بينهما لحكم العقل بلزوم إطاعة المولي و حرمة المخالفة حسب الإمكان و الاستطاعة.

فتلخص انّ الحكم بالتخيير عند دوران الأمر بين المحذورين لا يكون حجّة علي جواز المخالفة القطعية و هذه ضابطة كلية تجب مراعاتها.

4. قد تقدّم تضافر الروايات علي التخيير في تعارض النصين من غير فرق بين أن يكون المورد من موارد الشبهة التحريمية أو الوجوبية، أو من موارد الدوران بين المحذورين، فإنّ التخيير في هذه المسائل الثلاث تخيير شرعي، فله الأخذ

(342)

بأحد الخبرين بحكم رواياته بخلاف التخيير في غير تعارض النصين، فإنّه تخيير عقلي يحكم به العقل لأجل عدم القدرة علي المخالفة القطعية في واقعة واحدة.

5. انّ المجري لأصالة التخيير هو عدم التمكن من الاحتياط و الموافقة القطعية عقلاً، سواء لم يتمكن من المخالفة القطعية، كما إذا دار الأمر بين الوجوب و الحرمة في واقعة و احدة، أو تمكن كما إذا كانت الواقعة متعدّدة علي ما مرّ.

ومن هنا انّ مجري أصالة التخيير هو

عدم التمكن من الموافقة القطعية يعلم أنّ التخيير كما يجري في الشك في التكليف يجري في الشك في المكلّف به إذا لم يمكن الاحتياط، كما إذا اشتبه الواجب بالحرام بأن يعلم أنّ أحد الفعلين واجب و الآخر حرام و اشتبه أحدهما بالآخر، مثلاً إذا علم بأنّ أحد البيعين واجب و الآخر حرام، لكونه ربوياً و اشتبه الواجب بالحرام، فيكون الحكم معلوماً و المتعلّق مجهولاً و مع ذلك فالموافقة القطعية غير ممكنة، فيكون مخيراً بين فعل أحدهما و ترك الآخر، و لو افترضنا تعدّد الواقعة، فليس له المخالفة القطعية بأن يأتي بأحدهما و يترك الآخر في واقعة، ثمّ يعكس في واقعة أُخري، كما ذكرناه سابقاً. (1)

1. ما ذكرناه من جريان التخيير في الشك في المكلّف به قد ذكره الشيخ في مبحث الشك في المكلّف به تحت عنوان المطلب الثالث في «اشتباه الواجب بالحرام». لاحظ الرسائل: 298، طبعة رحمة اللّه. لكن لمّا عقدنا لأصالة التخيير فصلاً خاصاً علي خلاف الشيخ ذكرنا جميع موارد التخيير من دون فرق بين الشك في التكليف، أو الشك في المكلّف به في فصل واحد.

(343)

الفصل الثالث: في أصالة الاحتياط، و فيه مقامان

الفصل الثالث: في أصالة الاحتياط، و فيه مقامان

أصالة الاحتياط

هذا هو الأصل الثالث من الأُصول العملية و يعبّر عنه بأصالة الاشتغال أيضاً و مجراه هو الشك في المكلّف به مع العلم بنوع (1) التكليف و إمكان الاحتياط.

ثمّ الشبهة تنقسم إلي تحريمية و وجوبية، فيقع الكلام في مقامين:

المقام الأوّل: في الشبهة التحريمية بمسائلها الأربع.

المقام الثاني: في الشبهة الوجوبية بمسائلها الأربع.

و اليك الكلام في المقام الأوّل:

1. المراد من النوع، هو الوجوب، أو الحرمة و المراد من الجنس، هو الإلزام الجامع بينهما، أو الجواز الجامع بين الإباحة و الكراهة، ففي الشك في

المكلّف به نعلم النوع، أي الوجوب وحده، أو الحرمة وحدها و لكن نجهل المتعلّق و هذا هو الحدّ الغالب للشك في المكلّف به فتدبّر.

(344)

المقام الأوّل: في الشبهة الحكمية التحريمية بمسائلها الأربع

المقام الأوّل:

أصالة الاحتياط

الشبهة التحريمية

مقتضي التقسيم السابق في الشك في التكليف يقتضي أن يكون هنا أيضاً مسائل أربع، لأنّ الشبهة إمّا حكمية، أو موضوعية و منشأ الشك في الحكمية إمّا فقدان النص، أو إجماله، أو تعارض النصين و لكن كلّ ذلك فروض نظرية لاواقع لها في الفقه فالتي لها تطبيقات عملية ملموسة في الفقه هي المسألة الرابعة، أي الشبهة التحريمية الموضوعية، و أمّا المسائل الثلاث الحكمية، فليست لها تطبيقات عملية و لذلك نكتفي بالمسألة الرابعة. (1)

ثمّ إنّ الشبهة الموضوعية التحريمية من الشك في المكلّف به تنقسم إلي قسمين، لأنّ الحرام المشتبه بغيره، إمّا مشتبه في أُمور محصورة، كما لو دار الحرام بين أمرين أو أُمور محصورة و تسمّي بالشبهة المحصورة و إمّا مشتبه في أُمور غير محصورة، و تسمي بالشبهة غير المحصورة فإليك دراسة حكم كلا القسمين.

أ. حكم الشبهة الموضوعية التحريمية المحصورة

حكم الشبهة المحصورة:

إذا علم المكلّف بتكليف (الحرمة) علي وجه لا يرضي المولي بمخالفته، أو قامت أمارة يعلم أنّ المولي لا يرضي بترك العمل بها علي فرض صدقها، فلا محيص عن وجوب الموافقة القطعية فضلاً عن حرمة المخالفة القطعية سواء كان العلم إجمالياً أو تفصيلياً، فالبحث عن إمكان جعل الترخيص لبعض الأطراف أو

1. قال الشيخ الأنصاري: إنّما قدمنا الشبهة الموضوعية لاشتهار عنوانها في كلام العلماء بخلاف عنوان الشبهة الحكمية (لاحظ الرسائل: 240، طبعة رحمة اللّه).

ثمّ إنّه قدَّس سرَّه بحث عن المسائل الثلاث الأُولي في نهاية المطلب الأوّل من «الشك في المكلّف به» بحثاً موجزاً في عدّة

أسطر و قال: و أمّا الثلاث الأُخر …، فمن أراد فليرجع إلي الرسائل: 262، طبعة رحمة اللّه.

(345)

لجميعها مع العلم الوجداني بالتكليف الجدي تهافت لاستلزامه اجتماع الإرادتين المتضادتين و هذا كمثل قتل المؤمن إذا اشتبه بغيره و هذا هو الذي قلنا انّه مناسب للبحث عنه في باب القطع، و أمّا المناسب للمقام، فهو ما إذا قامت الأمارة علي حرمة شيء و شمل إطلاق الدليل مورد العلم الإجمالي، كما إذا قال: اجتنب عن النجس و كان مقتضي إطلاقه شموله للنجس المعلوم إجمالاً أيضاً و هذا هو المبحوث عنه في المقام. (1) من أنّه هل يجوز المخالفة الاحتمالية أو لا و ما ذكرناه هو الظاهر أيضاً من كلام الشيخ. (2)

فيقع الكلام في موارد ثلاثة:

الأوّل: ما هو مقتضي القاعدة الأوّلية؟

الثاني: إمكان الترخيص و تجويز المخالفة الاحتمالية أو القطعية.

الثالث: في ورود الترخيص في لسان الشارع.

أمّا الأوّل: فمقتضي القاعدة الأوّلية وجوب الاجتناب عن الأطراف لوجود المقتضي و عدم المانع، أمّا وجود المقتضي فلأنّ قول الشارع «اجتنب عن الخمر» يشمل الخمر المردد بين الإناءين أو أزيد، و لا وجه لتخصيصه بالخمر المعلوم تفصيلاً.

و أمّا عدم المانع فلأنّ العقل لا يمنع من تعلق التكليف عموماً أو خصوصاً بالاجتناب عن عنوان الحرام المشتبه بين أمرين أو أُمور، كما لا يمنع عن العقاب علي مخالفة هذا التكليف.

فتبين انّ مقتضي القاعدة هو وجوب الاجتناب عنالطرفينلولا الترخيص.

و أمّا الثاني: فالحقّ إمكانه لأنّك عرفت أنّ مالا يقبل الترخيص هو العلم

1. و بذلك يعلم وجه تكرار المسألة في باب القطع مرّة و في المقام أُخري، فإنّ المطروح في باب القطع هو صورة وجود العلم القطعي بالحكم، بخلاف المقام، فإنّ الموجود فيه إطلاق الدليل الشامل للجنس المعلوم تفصيلاً و إجمالاً.

2.

لاحظ الفرائد: 240 حيث يقول: «إنّ قول الشارع اجتنب عن الخمر يشمل الخمر المعلوم المشتبه بين إناءين أو أزيد، و لا وجه لتخصيصه بالخمر الموجود تفصيلاً».

(346)

الوجداني بالتكليف، فهو الذي لا يجتمع مع الترخيص لاستلزامه اجتماع الإرادتين المتناقضتين.

و أمّا لو كان سبب العلم بالتكليف هو إطلاق الدليل الشامل للصور الثلاث:

أ. المعلوم تفصيلاً. ب. المعلوم إجمالاً.

ج. المشكوك وجوداً (مع وجوده واقعاً).

فكما يصحّ تقييد إطلاقه بإخراج المشكوك و جعل الترخيص فيه، فهكذا يجوز تقييد إطلاقه بإخراج صورة المعلوم بالإجمال، فتكون النتيجة اختصاصَ حرمة الخمر بصورة العلم بها تفصيلاً، فالشك في إمكان التقييد كأنّه شك في أمر بديهي، إنّما الكلام في الأمر الثاني.

و أما الثالث: ورود الترخيص في لسان الشارع، و هذا هو الأمر المهم في الشبهة المحصورة و أنّه هل ورد فيه الترخيص لبعض الأطراف أو لا؟ فالناظر إلي الروايات يقطع بعدم وروده.

1. روي الكليني بسند معتبر عن سماعة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو و ليس يقدر علي ماء غيره؟ قال: «يهريقهما و يتيمّم». (1)

2. ما ورد في وجوب غسل الثوب من الناحية التي يعلم بإصابة بعضها للنجاسة.

روي زرارة، قال: قلت له: إنّي قد علّمته أنّه قد أصابه (الدم) و لم أدر أين هو فاغسلَه؟ قال: «تغسل من ثوبك الناحية (2) التي تري أنّه قد أصابها حتي تكون علي يقين من طهارتك».

1. الوسائل: الجزء 1، الباب 8 من أبواب الماء المطلق، الحديث 82 و في السند عثمان بن عيسي و كان واقفياً و قد رجع عنه و سماعة بن مهران الذي قال النجاشي في حقّه: ثقة ثقة و روي عمار الساباطي نظيره

عن الصادق عليه السَّلام باختلاف يسير و في سنده ثقات فطحيون.

2. التهذيب: 1/421، الحديث 1335.

(347)

3. ما ورد في الثوبين المشتبهين من تكرار الصلاة في كلّ منهما علي الانفراد. (1)

إلي غير ذلك من الروايات التي تدل علي لزوم الأخذ بإطلاق الدليل و عدم ورود التقييد.

الاستدلال علي جواز الترخيص

و ربما يستدل علي جواز الترخيص ببعض الروايات نذكر منها ما يلي:

1. كلّ شيء هولك حلال حتي تعلم أنّه حرام بعينه.

وجه الاستدلال: أنّ قوله: «بعينه» تأكيد للضمير في قوله: «إنّه» فيكون المعني حتي تعلم أنّه بعينه حرام، فيكون مفاده أنّ محتمل الحرمة ما لم يتعين انّه بعينه حرام، فهوحلال، فيعمالعلم الإجمالي و الشبهة البدوية.

الجواب: انّ تلك الفقرة ليست رواية مستقلة، بل هي جزء من رواية مسعدة ابن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: سمعته، يقول: «كلّ شيء هو لك حلال حتي تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة و المملوك عندك لعلّه حرّ قد باعَ نفسه، أو خُدِعَ فبيعَ قهراً، أو امرأة تحتك و هي أُختك أو رضيعتك و الأشياء كلّها علي هذا حتي يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة». (2)

و الأمثلة الواردة في ذلك الحديث كلّها من الشبهة البدوية و هذا يوجب انصراف إطلاق الحديث إلي موارده و عدم عموميته لموارد العلم الإجمالي، و لو كان الحديث عاماً لكلا الموردين لكان له عليه السَّلام الإتيان بمثال لصورة العلم الإجمالي.

الثاني: ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن عبد اللّه بن سليمان، قال: سألت أبا

1. الوسائل: الجزء 2، الباب 64 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

2. الوسائل: 12، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به،

الحديث 4.

(348)

جعفر عليه السَّلام عن الجبن، فقال لي: «لقد (1) سألتني عن طعام يعجبني» ، ثمّ أعطي الغلام درهماً، فقال: «يا غلام ابتع لنا جبناً» ثمّ دعا بالغداء، فتغدّينا معه، فأتي بالجبن فأكل و أكلنا، فلمّا فرغنا من الغداء، قلت: ما تقول في الجبن …، إلي أن قال: «سأُخبرك عن الجبن و غيره، كلّما كان فيه حلال و حرام، فهو لك حلال حتي تعرف الحرام بعينه فتدعه».

و الرواية ناظرة إلي الشبهة غير المحصورة، إذ كان في المدينة المنوّرة أمكنة كثيرة تجعل الميتة في الجبن و كان هذا سبب السؤال، فأجاب الإمام عليه السَّلام بما سمعت و يشهد علي ذلك ما رواه أبو الجارود، قال: سألت أبا جعفر عليه السَّلام في الجبن، فقلت له: أخبرني من رأي أنّه يجعل فيه الميتة، فقال: «أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة، حرّم في جميع الأرضين؟!». (2)

فخرجنا بالنتيجة التالية: انّ الروايتين المرخِّصتين خارجتان عن محط البحث و انّ العلم الإجمالي بالتكليف منجز مطلقاً سواء كان علماً قطعياً، أو حاصلاً من إطلاق الدليل، فتحرم مخالفته القطعية كما تجب موافقته القطعية.

تنبيهات

التنبيه الأوّل: تنجيز العلم الإجمالي في التدريجيات

لا فرق في تنجيز العلم الإجمالي بين أن يكون أطرافه حاصلة بالفعل، أو يكون بعضها حاصلة بالفعل دون بعض و هذا ما يسمّي بالعلم الإجمالي بالتدريجيات، كما إذا علم بأنّ أحد البيعين: إمّا ما يبيعه اليوم أو ما يبيعه غداً ربوي، فلا فرق عند العقل بينه و بين ما علم أنّ أحد البيعين الحاضرين ربوي، فيجب ترك الجميع تحصيلاً للموافقة القطعية.

1. الوسائل: 17، الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 1.

2. الوسائل: 17، الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 5.

(349)

التنبيه الثاني: تنجيز العلم الإجمالي

إذا تعلّق بحقيقتين

لا فرق في تنجيز العلم الإجمالي بين أن تكون المشتبهات من حقيقة و احدة، كما إذا علم بنجاسة ماء أحد الإناءين، أو من حقيقتين، كما إذا علم إجمالاً إمّا نجاسة هذا الماء، أو غصبية الماء الآخر و المناط في الجميع واحد و هو انّ الاشتغال اليقيني بالتكليف يستلزم البراءة اليقينية.

التنبيه الثالث: شرط التنجزكونه محدثاً للتكليف علي كلّ تقدير

يشترط في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون محدِثاً للتكليف علي كلّ حال فلو وقعت النجاسة في أحد الإناءين الطاهرين و لم يعلم أنّها وقعت في أي واحد منهما، فهو ينجِّز، لانّها لو وقعت في أي منهما يحدث تكليفاً بإيجاب الاجتناب عنه و أمّا إذا لم يحصل لنا علم بحدوث التكليف كذلك فلا يكون منجزاً، كما إذا علم بوقوع النجاسة إمّا في هذا الماء القليل، أو في ذاك الماء الكر، فإنّه لو وقع في الماء القليل يكون محدثاً للتكليف دون ما إذا وقع في الكر، فلا يكون محدثاً للتكليف علي كلّ تقدير.

و وجه شرطية ذلك انّ مقوِّم العلم الإجمالي أمران:

1. القطع بأصل التكليف.

2. احتمال وجود التكليف في كلّ من الطرفين و هذا الشرط مفقود، لأنّه لو وقعت النجاسة في الماء الكر لا تؤثر فيه أبداً فلا يحتمل فيه التكليف، فهو طاهر قطعاً علي كلّ تقدير و لو وقعت في الإناء الآخر، فهو و أن كان يحدث تكليفاً، لكن وقوعه فيه محتمل فيكون محتمل النجاسة و يكون مجري لأصل البراءة و بالتالي: ينحلّ العلم الإجمالي بوقوع النجاسة في أحدهما إلي طاهر قطعي و هو الماء الكرّ و مشكوك النجاسة و هو الماء القليل فلا ينعقد العلم الإجمالي من أصله.

(350)

و مثله ما إذا كان أحد الإناءين نجساً قطعاً و

الآخر طاهراً قطعاًً، فوقعت النجاسة في أحدهما، فمثل هذا العلم بما أنّه لا يحدث تكليفاً علي كلّ تقدير لا يكون منجزاً، لأنّه لو وقعت في الإناء النجس لا تزيده النجاسة الجديدة حكماً جديداً، و وقوعه في الإناء الآخر مشكوك، فتجري فيه البراءة، فلا ينعقد العلم الإجمالي، أي ليس لنا أن نقول: إمّا هذا نجس، أو ذاك نجس، بل الأوّل نجس قطعاً و الثاني مشكوك النجاسة.

و الحاصل: أنّه لو لم يحدث تكليفاً في كلّ طرف لا ينعقد العلم الإجمالي القائم بالتردّد الذي نعبّر عنه بلفظة «إمّا» أو بلفظة «أو».

التنبيه الرابع: حكم خروج أحد الطرفين عن محلّ الابتلاء

إذا تعلّق العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين اللّذين يتمكن المكلّف من ارتكاب أحدهما دون الإناء الآخر، لأنّه في بيت شخص لا يتفق للمكلّف عادة دخوله و استعماله، فلا يكون منجِّزاً، لأنّه لا يحدث التكليف علي كلّ تقدير، إذ لو كانت النجاسة في الإناء الذي ابتلي به يحسن التكليف، و أمّا إذا كان فيما لا يبتلي به لَقَبُح الخطاب، فلا يصحّ خطابه ب «اجتنب إمّا عن هذا الإناء، أو ذلك الإناء» ، فإذا كان الخطاب بالنسبة إلي الإناء الخارج عن ابتلائه قبيحاً لا ينعقد العلم الإجمالي، فيكون الشك في الإناء الأوّل أشبه بالشبهة البدوية.

و لأجل ذلك يشترط في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون كلا الطرفين مورداً للابتلاء قبل حدوث العلم الإجمالي حتي يصحّ خطابه بالنسبة إلي كلا الطرفين، و أمّا لو كان أحدهما خارجاً عن محلّ الابتلاء قبل حدوث العلم الإجمالي، ثمّ حدث فلا يكون منجزاً، لأنّه ليس محدثاً للتكليف علي كلّ تقدير.

(351)

نعم لوحدث العلم الإجمالي و الطرفان في محل الابتلاء، ثمّ خرج أحدهما عن محلّ الابتلاء، فالاجتناب عن الإناء الآخر

لازم و ذلك لأنّ العلم الإجمالي و إن لم يكن باقياً بعد خروج أحد أطرافه عن محلّ الابتلاء و لكنه انعقد مؤثراً و أثره باق علي حاله غير مرتفع فالاجتناب عن الإناء الباقي من آثار العلم السابق المرتفع، فوجوده آناًما، يوجب الاجتناب عن الثاني مادام موجوداً.

و يدلّ علي ذلك أنّه لو كان الخروج عن محل الابتلاء بعد طروء العلم موجباً لجواز ارتكاب الإناء الآخر، لما أمر الإمام بإهراقهما، بل أمر بإهراق أحدهما و التوضّؤ بالآخر.

التنبيه الخامس: الاضطرار إلي بعض الأطراف

لو اضطرّ إلي ارتكاب بعض المحتملات، فهو علي قسمين:

الأوّل: إذا اضطر إلي ارتكاب واحد معين.

الثاني: إذا اضطر إلي ارتكاب واحد لا بعينه.

أمّا القسم الأوّل، فله صورتان:

الأُولي: إذا اضطرّ إلي ارتكاب واحد معين قبلَ العلم أو معه، فلا يجب الاجتناب عن الآخر.

الثانية: إذا اضطر إلي ارتكاب واحد معين بعد العلم، فيجب الاجتناب عن الآخر.

أمّا الصورة الأُولي، أي إذا كان الاضطرار إلي طرف معين قبل العلم، أو معه، فلما عرفت من أنّه يشترط في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون محدِثاً للتكليف

(352)

علي كلّ تقدير و أن يصحّ خطاب المكلّف بالاجتناب عن كلّ من الطرفين و هذا الشرط غير موجود في هذه الصورة، لأنّ الحرام لو كان فيما اضطرّ إليه معيناً فلا يكون العلم محدثاً للتكليف لفرض اضطراره إليه و هو رافع للتكليف فلا يصحّ خطابه بالاجتناب عنه، و لو كان الحرام في غير ما اضطرّ إليه فهو و إن كان يحدث فيه التكليف و يصحّ خطابه بالاجتناب عنه، لكن وجوده فيه عندئذ أمر محتمل فتجري فيه البراءة.

و إن شئت قلت: إنّ العلم الإجمالي بحرمة واحد من الأُمور إنّما ينجِّز فيما لو علم تفصيلاً لوجب الاجتناب عنه علي كل حال

و هذا الشرط غير متحقّق، لأنّه لو علم أنّ الحرام في غير الطرف المضطرّ إليه وجب الاجتناب عنه، و أمّا لو كان في الجانب المضطرّ إليه فلا يجب و يقبح الخطاب، فالعلم التفصيلي بالحرام ليس منجّزاً علي كلّ حال بل منجّز علي حال دون حال، فيكون العلم الإجمالي مثله، فلا يكون هناك قطع بالتكليف المنجز علي كلّ التقادير حتي يجب امتثاله.

و أمّا الصورة الثانية، أي إذا كان الاضطرار إلي واحد معين بعد انعقاد العلم الإجمالي، فالحقّ وجوب الاجتناب عن الآخر، لأنّ الخطاب بعد طروء الاضطرار بالاجتناب عن كلّ من الطرفين و إن لم يكن صحيحاً، لكن وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر من آثار العلم الإجمالي السابق حيث تنجّز التكليف و أوجب الاجتناب و حكم العقل بوجوبه، فإذا طرأ الاضطرار فلا يتقدر إلاّ بقدر الضرورة، فالحكم العقلي السابق من لزوم الخروج عن عهدة التكليف القطعي باق علي حاله إلاّ ما خرج بالدليل، أي المضطرّإليه.

هذا كلّه إذا كان الاضطرار إلي طرف معين.

و أمّا القسم الثاني، أي إذا كان الاضطرار إلي ارتكاب واحد لا بعينه، فيجب الاجتناب عن الطرف الآخر مطلقاً سواء كان الاضطرار بعد العلم كما هو واضح، أو كان الاضطرار قبل العلم الإجمالي، أو معه علي خلاف ما إذا كان الاضطرار إلي

(353)

معين و الفرق بين القسمين ظاهر ممّا سبق و هو أنّ العلم الإجمالي في هذا القسم حاصل بحرمة واحد من أُمور علي وجه لو علم بحرمته تفصيلاً، وجب الاجتناب عنه علي كل تقدير، لإمكان رفع الاضطرار، به غير الحرام، فيكون العلم الإجمالي مثله غاية الأمر انّ ترخيص بعضها علي البدل لرفع الاضطرار موجب لاكتفاء الآمر، بالاجتناب عن الباقي بخلاف القسم السابق فإنّ العلم التفصيلي لم

يكن فيه منجزاً علي كلّ تقدير، فكيف بالعلم الإجمالي؟ (1)

التنبيه السادس: حكم ملاقي أحد الأطراف

لا شك انّه يجب الاجتناب عن ملاقي النجس الواقعي، و أمّا إذا لاقي شيئاً لا نعلم بنجاسته و لكنّه محكوم عقلاً و شرعاً بوجوب الاجتناب، كأحد طرفي العلم الإجمالي، فهل يجب الاجتناب عن الملاقي أيضاً أو لا؟ و هذا كما إذا علم بنجاسة موضع من ثوبه و تردد بين أسفله و أعلاه ثمّ أصاب الملاقي الرطب، أحد الموضعين، فيقع الكلام في وجوب الاجتناب عن الملاقي و فيه قولان سيوافيك بيانهما.

و بذلك اتضحت عدّة أُمور:

1. نلفت نظر الأساتذة إلي البيان التالي: إذا كان هناك اضطرار إلي طرف معين لا يحصل العلم بعدم التنافي بين الحكم الواقعي بوجوب الاجتناب عن النجس و جواز ارتكاب المضطر إليه لاحتمال أن يكون النجس هو نفس المضطر إليه المعين، فلا يكون هناك علم بعدم التنافي بين الحكم الواقعي و حكم الاضطرار، فلا يكون مثل هذا العلم الإجمالي منجزاً.

و هذا بخلاف ما إذا كان الاضطرار إلي واحد غير معين، فإنّ عدم التنافي أمر قطعي لإمكان رفع الاضطرار بالحلال، غاية الأمر انّ جهل المكلّف بالطاهر من الطرفين أباح له استعمال أيهما شاء و ليس له استعمال كليهما، لأنّ الضرورات تتقدر بقدرها.

(354)

أ. إذا لاقي الملاقي كلا الطرفين، فهو معلوم النجاسة قطعاً لا مشكوكها فيجب الاجتناب عنه.

ب. إذا تعدّد الملاقي، بأن يلاقي شيء أحدَ الطرفين و شيء آخر الطرف الآخر، فيحدث علم إجمالي بنجاسة أحد الملاقيين، كالعلم الإجمالي بنجاسة أحد الأصلين.

ج. انّ البحث عن طهارة الملاقي و نجاسته إذا كان هناك مجرّد ملاقاة دون أن يحمل شيئاً من أجزاء الملاقي و علي ذلك فلو غمس يده في أحد الإناءين ثمّ أخرجها

تكون اليد طرفاً للعلم الإجمالي لا ملاقياً، فينقلب العلم عن كونه ثنائي الأطراف إلي ثلاثيها، نظير ما إذا قسّم أحد المشتبهين، قسمين و جعل كلّ قسم في إناء.

إذا علمت ذلك، فالمشهور بين الأُصوليين المتأخّرين عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي.

دليل القائل بعدم وجوب الاجتناب عن الملاقي

استدل القائل بعدم وجوب الاجتناب بأنّ وجوب الاجتناب عن الملاقي من شؤون ملاقاة النجس لا من شؤون محتمل النجاسة و إن حكم عليه بوجوب الاجتناب مقدمة.

و بعبارة أُخري: أنّ الشك في طهارة الملاقي ناشئ من طهارة الملاقي و نجاسته، فليسا في رتبة واحدة و بما أنّ أصالة الطهارة في الملاقي معارضة لأصالة الطهارة في الطرف الآخر فتتعارضان و يتساقطان، فيجري الأصل في الملاقي بلا معارض.

و الحاصل أنّ الأصل يجري في الملاقي و الطرف الآخر ثمّ يتساقطان و لا يجري في الملاقي حين جريانه في الملاقي لتأخّر رتبته عن الملاقي و المفروض انّ الأصلين فيهما تعارضا و تساقطا، فيكون الأصل في جانب الملاقي بلا معارض.

استدل القائل بوجوب الاجتناب بانّه يحصل علمان بعد العلم بالملاقاة:

(355)

أ. العلم بنجاسة أحد الطرفين.

ب. العلم بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر، بحكم انّ الملاقي متحد في الحكم مع الملاقي فإذا كان الملاقي، طرفاً للعلم يكون الملاقي أيضاً مثله.

يلاحظ عليه: بما مرّ في التنبيه الثالث من انّه يشترط في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون محدِثاً للتكليف علي كلّ تقدير، فلو أحدث علي تقدير دون آخر فلا يكون منجِّزاً.

و هذا الشرط موجود في العلم الأوّل لأنّه لم يكن واحد من المشتبهين محكوماً بوجوب الاجتناب دون العلم الثاني، لانّه حدث، عند ما كان الطرف الآخر محكوماً بوجوب الاجتناب بالعلم الإجمالي الأوّل، و معه لا يحدث فيه حكماً جديداً و عندئذ لا يؤثر

في الملاقي أيضاً لفقدان الشرط المؤثّر في تنجيز العلم الإجمالي. فيجري فيه الأصل بلا معارض فيكون بحكم الشبهة البدوية.

فإن قلت: انّ هنا علماً إجمالياً ثالثاً و هو العلم الإجمالي بنجاسة الطرف، أو الملاقي و الملاقي معاً فالطرفان بين أُحادِي و ثُنائِي.

قلت: ليس هذا علماً ثالثاً وراء العلمين و إنّما هو تلفيق منهما، و قد عرفت انّ العلم الأوّل منجز دون الثاني فليس هنا علم ثالث نبحث في حكمه.

و اعلم انّ محط البحث فيما إذا عَلم إجمالاً بنجاسة أحد الشيئين ثمّ حصل الملاقاة و العلم بها ففي ذلك المورد تجري أصالة الطهارة في الملاقي بلا معارض لانّه فرد مستقل، شك في طهارته و نجاسته.

و أمّا غير هذه الصورة فيختلف حكمه مع ما ذكرناه في المقام نظير:

1. إذا حصل العلم الإجمالي و الملاقاة و العلم به في زمان واحد.

2. إذا تقدمت الملاقاة و العلم بها علي العلم الإجمالي بأحد الطرفين، فيختلف حكمهما مع ما سبق.

هذا خلاصة الكلام و التفصيل موكول إلي دراسات عليا.

ب. حكم الشبهة الموضوعية التحريمية غير المحصورة

الشبهة غير المحصورة (1)

اتّفق الأُصوليون علي عدم تنجيز العلم الإجمالي في أطراف الشبهة التحريمية الموضوعية غير المحصورة و يقع الكلام في تحديد الموضوع أوّلاً و بيان حكمه ثانياً.

أمّا الأوّل، فقد عرِّفت بوجوه:

أ. أن تكون الأطراف إلي حدّ يوجب ضعف احتمال كون الحرام في طرف خاص بحيث لا يعتني به العقلاء، و يتعاملون معه معاملة الشك البدوي، فلو أُخبِر أحد باحتراق بيت في بلد أو اغتيال إنسان فيه و للسامع فيه بيت أو ولد لا يعتدُّ بذلك الخبر.

إن قلت: علي هذا لو علم بنجاسة حبة في ألف حبة من الارز لجاز أكل الجميع لض آلة الاحتمال.

قلت: إنّ تناول ألف حبة

من الأُرز يتحقّق بعشر لقمات مثلاً، فالحرمة مردّدة بين عشرة محتملات لا ألف محتمل.

ب. غير المحصورة عبارة عمّا لا يتمكن الإنسان عادة من الجمع بين الأطراف من حيث الأكل أو الشرب أو اللبس. (2)

و لعلّ التعريف الأوّل أدق.

و أمّا حكمها، فلو علم المكلّف به وجود تكليف قطعي أو احتمالي بين الأطراف علي وجه لا يرضي المولي بمخالفته علي فرض وجوده، فلا يجوز الترخيص لا في كلّها و لا في بعضها و لكن الكلام في مقام آخر و هو انّه إذا دلّ الدليل علي حرمة الشيء و كان مقتضي إطلاق الدليل حرمته، مطلقاً و إن كانت

1. قد مرّ انّ الشبهة التحريمية الموضوعية تنقسم إلي محصورة و غير محصورة و قد تقدّم الكلام في الأُولي و حان حين البحث عن الثانية.

2. فوائد الأُصول: 4/119.

(357)

غير محصورة، فهل هناك دليل أقوي يقدّم علي ذلك الإطلاق؟

وقد استدل القوم علي وجود دليل يقدّم علي الإطلاق بوجوه نذكر بعضها:

الأوّل: انّ الموافقة القطعية في الشبهة غير المحصورة أمر موجب للعسر و الحرج و معه لا يكون التكليف فعلياً، فيجوز ارتكاب الأطراف جميعها أو بعضها.

الثاني: الروايات الواردة حول الجبن و غيرها المحمولة علي الشبهة غير المحصورة، الدالة علي عدم وجوب الاجتناب، و قد تقدّم بعضها عند البحث في الشبهة المحصورة، و إليك بعضها الآخر:

1. روي إسحاق بن عمّار عن الرجل يشتري من العامل و هو يظلم، قال: «يشتري منه مالم يعلم أنّه ظلم فيه أحداً». (1)

2. ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال: سألته عن الرجل أيشتري من العامل و هو يظلم؟ فقال: «يشتري منه». (2)

وقد وردت روايات في أخذ جوائز الظالم. (3)

إلي غير ذلك من الروايات المورِثة لليقين بعدم وجوب الموافقة

القطعية.

تنبيه

إذا كان المردّد في الشبهة غير المحصورة أفراداً كثيرة نسبة مجموعها إلي المشتبهات كنسبة الشيء إلي الأُمور المحصورة، كما إذا علم به وجود مائة شاة محرّمة في ضمن ألف شاة، فإنّ نسبة المائة إلي الألف نسبة الواحد إلي العشرة و هذا ما يسمّي بشبهة الكثير في الكثير، فالعلم الإجمالي هنا منجز و العقلاء يتعاملون معه معاملة الشبهة المحصورة، و لا يعد احتمال الحرمة في كلّ طرف احتمالاً ضئيلاً.

1. الوسائل: 12، الباب 53 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2 و 3، و لاحظ الباب 52 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1 و 3. و تقدّم بعض روايات الجبن ص 48 فلاحظ.

2. الوسائل: 12، الباب 53 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2 و 3، و لاحظ الباب 52 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1 و 3. و تقدّم بعض روايات الجبن ص 48 فلاحظ.

3. لاحظ الوسائل: 12، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

المقام الثاني: في الشبهة الوجوبية، و فيه موضعان

الشبهة الوجوبية

قد عرفت أنّ الشك في المكلّف به ينقسم إلي شبهة تحريمية و إلي شبهة وجوبية و قد تمّ الكلام في الأُولي مع الإشارة إلي مسائلها الأربع. (1)

ثمّ إنّ الشبهة الوجوبية في المكلّف به تنقسم إلي قسمين، تارة يكون الشك مردّداً بين المتباينين كتردّد الأمربين وجوب الظهر أو الجمعة، و أُخري بين الأقل و الأكثر (2) كتردّد الواجب بين الصلاة مع السورة أو بدونها و بذلك يقع الكلام في موضعين.

الموضع الأوّل: الشبهة الحكمية الوجوبية الدائرة بين متباينين

إذا دار الواجب بين أمرين متباينين، فمنشأ الشك إمّا فقدان النص أو إجماله، أو تعارض النصّين، أو الشبهة الموضوعية، فهناك مسائل أربع: و إليك البحث

فيها بوجه موجز:

1. أشرنا إليها و لم نذكر من المسائل الأربع إلاّ الشبهة الموضوعية، لما تقدّم من عدم وجود تطبيقات عملية لمسائلها الثلاث: الشبهة التحريمية الحكمية لأجل عدم النص، أو لإجمال النص، أو لتعارض النصين، نعم أكثر التطبيقات تتعلّق بالمسألة الرابعة.

2. لم نذكر في الشبهة التحريمية من الشك في المكلّف به صورة دوران الأمر بين الأقل و الأكثر و اقتصرنا علي المتبائنين لانّ مرجع الدوران بينهما عندئذ إلي الشك في أصل التكليف لانّ الأقل معلوم الحرمة و الشك في حرمة الأكثر. لاحظ الفرائد تحت عنوان «المطلب الثاني في اشتباه الواجب بالحرام» ص 262، طبعة رحمة اللّه.

(359)

1. إذا تردد الواجب بغيره لأجل فقدان النصّ، كتردّده بين الظهر و الجمعة.

2. إذا تردد الواجب بغيره لأجل إجمال النص بأن يتعلّق التكليف الوجوبي بأمر مجمل، كقوله تعالي: (حافِظُوا علَي الصَلَواتِ وَ الصَّلاةِ الوُسْطي) (البقرة/238) حيث إنّ الصلاة الوسطي مردّدة بين عدّة منها.

3. إذا تردد الواجب بغيره لأجل تعارض النصّين و تكافؤهما، كما إذا دار الأمر بين القصر و الإتمام.

4. إذا تردد الواجب بغيره من جهة اشتباه الموضوع، كما في صورة اشتباه الفائتة بين العصر و المغرب.

إنّ الخلاف في هذه المسائل كالخلاف في الشبهة التحريمية و المختار هو المختار طابق النعل بالنعل، فيجب الاحتياط في الأُولي و الثانية و الرابعة، و أمّا الثالثة، فالمشهور فيها التخيير، لأخبار التخيير السليمة عن المعارض.

و يدل علي الاحتياط فيما لا نصّ فيه وراء الدليل العقلي بعض الروايات، كصحيحة عبد الرحمان بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن عليه السَّلام عن رجلين أصابا صيداً و هما محرمان، الجزاء بينهما؟ أو علي كلّواحد منهما جزاء؟ قال: «لا، بل عليهما أن يجزي كلّ منهما الصيد». قلت: إنّ بعض

أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه؟ فقال: «إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا، فعليكم بالاحتياط حتي تسألوا عنه، فتعلموا». (1)

الموضع الثاني: الشبهة الحكمية، الوجوبية الدائرة بين الأقل و الأكثر

قد عرفت أنّ الشبهة الحكمية الوجوبية تنقسم إلي قسمين، لأنّ الواجب إمّا يكون مشتبهاً بين المتباينين و هذا هو الذي مرّبمسائلها الأربع، أو يكون مردّداً

1. الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

(360)

بين الأقل و الأكثر، كما إذا شككنا في جزئية السورة، أو جزئية جلسة الاستراحة، أو شرطية شيء للصلاة كإباحة اللباس و المكان، أو مانعية شيء لها كنجاسة المحمول في الصلاة المحتمل كونها مانعة.

و هذا ما يسمّي بالأقل و الأكثر الارتباطيين. (1) و يبحث عنه ضمن مسائل أربع:

المسألة الأُولي: دوران الأمر بين الأقل و الأكثر لأجل فقدان النص

إذا شككنا في جزئية السورة، أو جلسة الاستراحة، أو شرطية إباحة ثوب المصلّي فيكون الواجب مردّداً بين الأقل كالصلاة بلا سورة و بلا جلسة الاستراحة …، أو الأكثر كالصلاة مع السورة و مع جلسة الاستراحة، فهل الإتيان بالأكثر مجري للبراءة، أو مجري للاحتياط؟

فصل بعض بين البراءة العقلية و الشرعية فنفي جريان الأُولي دون الثانية، كما فصّل بعض بين الجزء و الشرط فجعل الجزء المشكوك مصبّاً للبراءة دون الشرط.

و المختار هو البراءة مطلقاً و يتضح ذلك بالبيان التالي:

1. انّ العقل يستقل بقبح مؤاخذة من أُمر بمركب لم يعلم من أجزائه إلاّعدّة أجزاء و يشك في وجود جزء آخر، ثمّ بذل جهده في طلب الدليل علي

1. إنّ الأقل و الأكثر ينقسمان إلي استقلاليين و إرتباطيين و الفرق بينهما، هو انّ وجوب الأقل و امتثاله في الاستقلالي يغاير وجوب الأكثر علي فرض وجوبه و امتثاله، فلكل وجوب و

امتثال، كالفائتة المردّدة بين الواحد و الكثير، والدين المردّد بين الدينار و الدينارين، و لذلك لم يختلف أحد في وجوب امتثال الأقل، و عدم لزوم امتثال الأكثر لعدم ثبوت وجوبه، بخلاف الأقل في الإرتباطي فانّه علي فرض وجوب الأكثر يكون واجباً بنفس وجوب الأكثر فلهما وجوب واحد و امتثال فارد، و لذلك اختلفوا في جواز الاقتصار بالأقل، أو لزوم الإتيان بالأكثر.

(361)

جزئية ذلك الأمر فلم يعثر فأتي بما علم و ترك المشكوك، خصوصاً مع اعتراف المولي بعدم نصب قرينة عليه، غاية الأمر أنّ ترك النصب من الآمر قبيح. فكما تقبح المؤاخذة فيما إذا لم ينصب قرينة فهكذا تقبح فيما إذا نصب و لكن لم تصل إلي المكلّف بعد الفحص و هذا تقرير للبراءة العقلية.

2. انّ العلم الإجمالي بوجوب الصلاة بلا سورة، أو وجوبها معها، ينحلّ إلي علم تفصيلي بوجوب الأقل، لأنّه واجب إمّا نفسياً إذا لم تكن السورة واجبة، أو مقدمّياً إذا كانت السورة واجبة باعتبار أنّ الأقل مقدمة للأكثر و علي كلّ تقدير فالعلم التفصيلي حاصل بوجوب الأقل و الشك في وجوب الأكثر، فينحل العلم الإجمالي إلي علم تفصيلي و شك بدوي فيؤخذ بالمتيقّن و يجري البراءة عن الأكثر.

3. انّ الأقلّ واجب نفسي علي كلا التقديرين سواء كان الواجب هو الأقل أو الأكثر، لانّ الأمر بتعلّقه بعنوان الصلاة التي ليست سوي الأجزاء في لحاظ الإجمال ينبسط علي الأجزاء، بشهادة أنّ الاتي بكل جزء منها ينوي به امتثال الأمر النفسي علي نحو التدريج، لا امتثال الأمر المقدمي و لا الأمر الضمني، و علي ضوء هذا، فانبساط الأمر النفسي علي الأقل محرز و علي الأكثر مشكوك تجري فيه البراءة. (1)

ثمّ اعلم انّه يعْتَمَدُ في تقرير البراءة العقلية

علي مسألة قبح العقاب بلا بيان، فيقال في المقام انّ الجزء المشكوك لم يرد في وجوبه بيان، فلو تركه العبد و كان

1. الفرق بين البيانين هو انّ الأوّل مبني علي انّ وجوب الأقل عند وجوب الأكثر مقدمي غيري و البيان الثاني مبني علي انّوجوب الأقل عندوجوب الأكثر نفسي بانبساط الأمر النفسي عليه و علي الأكثر، و الانحلال علي الوجه الثاني أوضح. و ممّا ينبغي أن نلفت النظر إليه انّ ما ذكره المحقّق الخراساني من انّ القول بالانحلال يستلزم الدور، إنّما يتم بناء علي التقرير الأوّل دون الثاني. و علي كلا التقريرين تجري البراءة العقلية و الشرعية فليتدبّر.

(362)

واجباً في الواقع فالعقاب علي تركه عقاب بلا بيان و هو قبيح علي الحكيم.

كما انّه يعْتَمدُ في تقرير البراءة الشرعية لأجل رفع الوجوب الشرعي، علي حديث الرفع و الحجب، فيقال انّ وجوب الأكثر بعدُ «مما لا يعلمون» أو «مما حجب اللّهعلمه» و كلّ ما كان كذلك فهو مرفوع.

استدلال القائلين بالاحتياط بوجهين:

الأوّل: انّ الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية، فذمّة المكلّف مشغولة بالواجب المردّد بين الأقل و الأكثر، و لا يحصل اليقين بالبراءة إلاّ بالإتيان بالأكثر نظير ما إذا دار أمر الصلاة الفائتة بين إحدي الصلاتين: المغربِ أو العشاءِ، فيجب الإتيان بالأقل و الأكثر كما يجب الإتيان بكلتا الصلاتين.

يلاحظ عليه: وجود الفرق بين المشبَّه (دوران الواجب بين الأقل و الأكثر) و المشبَّه به (دوران الواجب بين المتباينين) فانّ العلم الإجمالي في الثاني باق علي حاله حيث إنّ الواجب مردد بين شيئين مختلفين غير متداخلين كصلاتي المغرب و العشاء.

و هذا بخلاف المقام فانّ الترديد زائل بأدني تأمّل حيث يعلم وجوب الأقل علي كلّ حال، بنحو لا يقبل الترديدَ، و إنّما الشك في

وجوب الأكثر أي السورة، ففي مثله يكون وجوب الأقل معلوماً علي كلّ حال، و وجوب الأكثر مشكوكاً من رأس، فيأخذ بالمتيقن و تجري البراءة في المشكوك.

ومن ذلك يعلم أنّ عدّ الشك في الأقل و الأكثر الارتباطيين من باب العلم الإجمالي إنّما هو بظاهر الحال و بدء الأمر، و أمّا بالنسبة إلي حقيقة الأمر فوجوب السورة داخل في الشبهة البدوية التي اتفق الأخباري و الأُصولي علي جريان البراءة فيها.

(363)

الثاني: انّ الأحكام الشرعية تابعة لمصالح و مفاسد شرعية، فالأمر بالصلاة لمصلحة قائمة بالمتعلق و قد دعا الشارع إلي إيجابها، و حينئذ فلو أتي بالأكثر يعلمبحصول المصلحة بخلاف ما إذا أتي بالأقل فتكون مشكوكة الحصول معانّ المصلحة يلزم تحصيلها لانّها من قبيل الدواعي و الأغراض للمولي.

يلاحظ عليه: انّ متعلّق الأمر يتصور علي قسمين:

تارة يكون تحصيل الغرض متعلقاً بالأمر مباشرة و بلا واسطة، كما إذا قال المولي: حضِّر دواءاً يشفي من المرض، فشك في انّ محصِّل الغرض تسعة أجزاء أو عشرة ففي مثله يجب الاحتياط لانّ المأمور به هو مفهوم بسيط لا قلة فيه و لا كثرة أعني «الشفاء من المرض» ، و إنّما القلة و الكثرة في محصِّله الذي ليس بمأمور به. فتحصيل اليقين بالإتيان بالمأمور به رهن الإتيان بالأكثر.

و أُخري يكون العنوان المنحلّ إلي عدّة أجزاء، متعلقاً للأمر و الغرض مترتباً عليه لا متعلقاً للأمر، ففي مثله يكون نفسُ الواجب عند التحليل مرداً بين الأقل و الأكثر فيؤخذ بالمتيقن و تجري البراءة في الأكثر.

و احتمال انّ غرض المولي ربما لا يكون حاصلاً بالأقلّ، غير ملزِم بالنسبة إلي المكلّف إذ الواجب عليه تحصيل غرضه حسب ما قامت الحجّة علي مدخليته في الغرض. و أمّا المشكوك في مدخليته فلا

دليل علي تحصيله، و لو كان للمولي إرادة جدّية تتعلق بحصول الغرض المترتب علي المأمور حتي في حالة جهل المكلّف بالجزء، لكان عليه إرشاده إلي كيفية تحصيله من خلال فرض الاحتياط عليه عند الشك في الجزء، كأن يقول: إذا شككت في جزئية شيء يجب عليك الاحتياط و المفروض انتفاءه.

(364)

المسألة الثانية: دوران الأمر بين الأقل و الأكثر لأجل إجمال النص

إذا دار الواجب بين الأقل أو الأكثر لأجل إجمال النصّ، كما إذا علّق الوجوب في الدليل اللفظي بلفظ مردّد معناه بين مركبين يدخل أقلّها تحت الأكثر بحيث يكون اتيان الأكثر إتياناً للأقل و لا عكس، كما إذا دلّ الدليل علي غسل ظاهر البدن، فيشك في أنّ الجزء الفلاني كباطن الأُذن أو عكنة البطن من الظاهر أو من الباطن و الحكم فيه كالحكم في السابق و نزيد هنا بياناً:

إنّ الملاك في جريان البراءة الشرعية هو رفع الكلفة، فكلّ شيء فيه كلفة زائدة وراء الكلفة الموجودة في الأقل، يقع مجري للبراءة الشرعية.

المسألة الثالثة: دوران الأمر بين الأقل و الأكثر لأجل تعارض النصّين

إذا تعارض نصّان متكافئان في جزئية شيء، كأن يدل أحد الدليلين علي جزئية السورة و الآخر علي عدمها و لم يكن لأحدهما مرجح، فالحكم فيه هوالتخيير، لما عرفت من تضافر الروايات العديدة علي التخيير عند التعارض.

المسألة الرابعة: دوران الأمر بين الأقل و الأكثر للخلط في الأُمور الخارجية

إذا شك في جزئية شيء للمأمور به من جهة الشبهة في الموضوع الخارجي، كما إذا أمر بمفهوم مبين مردّد مصداقه بين الأقل و الأكثر و هذا كما إذا أمر المولي بإكرام العلماء علي نحو العام المجموعي بحيث تكون للجميع إطاعة واحدة و عصيان واحد، فالشك في كون زيد عالماً أو غير عالم

شك في كون الواجب هو الأقل أو الأكثر و منشأ الشك هو خلط الأُمور الخارجية و بما انّ عنوان المجموع،

(365)

عنوان طريقي إلي الواجب ففي الحقيقة يتردد الواجب بين الأقل و الأكثر فتجري البراءة. (1)

حكم الشك في المانعية و القاطعية

كان البحث السابق يدور حول الشك في كون شيء جزءاً أو شرطاً، و لكن البحث في المقام يدور حول الشك في كون شيء مانعاً، أو قاطعاً و كلا القسمين من شُعب الشك بين الأقل و الأكثر.

و قبل أن نذكر حكم الشك بين مانعية شيء أو قاطعيته نذكر الفرق بين المانعية و القاطعية في مجال التكوين و الاعتبار، فاعلم انّ هنا واقعيتين، و اعتبارين:

1. أن يكون وجود الشيء مخلاًّ و مانعاً عن تأثير المقتضي، كالرطوبة في الحطب المانعة من تأثير النار فيه، فهذا ما يعبّر عنه بالمانع.

2. أن يكون وجود شيء قاطعاً لاستمرار وجود الشيء كايقاف نزيف الدم و تسكين الوجع بالدواء.

هذا هو المانع و القاطع في عالم التكوين.

1. نلفت نظر الأساتذة الكرام إلي أنّ الشبهة الموضوعية في الأقل و الأكثر غير الشك في المحصِّل و ربما يحصل الخلط بينها حتي أنّ الشيخ الأنصاري عنون المسألة و لكنّه مثّل بالشك في المحصِّل، لاحظ الفرائد: 284 طبعة رحمة اللّه و الفرق بين الأمرين هو انّ نفس الواجب في الأقل و الأكثر مطلقا حكمية كانت الشبهة أم موضوعية مردّد بينهما، فينحلّ العلم الإجمالي إلي علم تفصيلي و هو وجوب الأقل و شك بدوي و هو وجوب الأكثر.

و أمّا الواجب في الشك في المحصل، فهو مفهوم مبين لا قلّة فيه و لا كثرة و إنّما القلّة و الكثرة في محصِّله و محقِّقه، كما إذا وجب صوم ما بين الهلالين و دار

أمره بين التسعة و العشرين يوماً أو الثلاثين يوماً، أو وجب الوضوء أو الغسل الرافعان للحدث أو المبيحان للصلاة، فوقع الشك في محقِّقه و انّه هل هو الغسلتان و المسحتان، أو بضميمة المضمضة و الاستنشاق، ففي مثله يجب الاحتياط لأنّ الاشتغال اليقيني بالواجب المبين يقتضي البراءة اليقينية. لاحظ المحصول: 3/560.

(366)

وقد جري الفقهاء علي ذلك الاصطلاح في الأُمور الاعتبارية فعبّروا عن بعض الأُمور بالموانع، و عن أُخري بالقواطع تبعاً لكيفية اعتبار الشارع، و استظهاره من لسان الدليل، فإن اعتبره الشارع بما انّ وجوده مخل لتأثير الأجزاء في الغرض المطلوب فيعبّر عنه بالمانع، كنجاسة الثوب في حال الصلاة، فانّها تمنع عن تأثير الأجزاء في الغرض المطلوب كحصول التقرب و العروج إلي اللّه، و أن اعتبر بما انّه قاطع للهيئة الاستمرارية كالفعل الماحي للصورة الصلائية فيعبر عنه بالقاطع.

و بذلك تقف علي انّ اعتبار شيء مانعاً أو قاطعاً ليس إلاّ باعتبار كون وجوده مانعاً أو قاطعاً، لا انّ عدمهما مأخوذ في المأمور به كما هو الدائر علي الألسن.

فإذا شككنا في مانعية شيء أو قاطعيته، فمرجع الشك إلي اعتبار أمر زائد علي الواجب وراء ما علم اعتباره، فيحصل هنا علم تفصيلي، بوجوب الإجزاء و شك بدوي في مانعية شيء أو قاطعيته فالأصل عدم اعتبارهما إلي أن يعلم خلافه، فالشك فيهما كالشك في جزئية شيء أو شرطيته في انّ المرجع في الجميع هو البراءة.

تمّ الكلام في الاحتياط، و يليه البحث في الأصل الرابع و هو الاستصحاب.

و الحمد للّه ربّ العالمين

الفصل الرابع: الاستصحاب، و فيه أُمور

الفصل الرابع: الاستصحاب، و فيه أُمور

الاستصحاب

و قبل الخوض في صلب الموضوع نقدّم أُموراً:

الأوّل: الاستصحاب في اللغة أخذ الشيء مصاحَباً أو طلب صحبته، و في الاصطلاح «إبقاء ما كان علي ما كان»

مثلاً إذا كان المكلف متيقناً بأنّه متطهّر من الحدث، و لكن بعد فترة شك في حصول حدث ناقض طهارته، فيبني علي بقائها، و أنّه بعدُ متطهر، فتكون النتيجة: «إبقاء ما كان علي ما كان» و يختلف عن الأُصول الثلاثة السابقة باختلاف المجري، فانّ مجري الأُصول الثلاثة هو الشك في الشيء من دون لحاظ الحالة السابقة، إمّا لعدمها أو لعدم لحاظها، و هذا بخلاف الاستصحاب فانّ مجراه هو لحاظ الحالة السابقة.

الثاني: المعروف بين المتأخرين أنّ الاستصحاب أصل كسائر الأُصول و إن كانت مرتبته متقدّمة علي سائر الأُصول العملية لكن الظاهر من قدماء الأُصوليين أنّه أمارة ظنية، فكأنّ اليقين السابق بالحدوث أمارة ظنية لبقاء الشيء في ظرف الشك، و ليس المراد من الشك هو الشك المنطقي أعني به تساوي الطرفين حتي ينافي الظن بالبقاء، بل المراد احتمال الخلاف الجامع مع الظن بالبقاء.

و أمّا المتأخرون فلم يعتبروه أمارة ظنية بل تلقّوه أصلاً عملياً و حجّة في ظرف الشك، و استدلوا عليه بروايات ستوافيك.

الثالث: الاستصحاب مسألة أُصولية لا قاعدة فقهية، و ذلك لأنّ المعيار في

(368)

تمييز المسائل الأُصولية عن القواعد الفقهية هو محمولاتها.

توضيحه: انّ المحمول في القواعد الفقهية لا يخلو إمّا أن يكون حكماً فرعياً تكليفياً كالوجوب و الحرمة و الاستحباب و الكراهة و الإباحة. أو حكماً فرعياً وضعياً كالضمان و الصحّة و البطلان. مثلاً قوله: «كل شيء حلال حتي تعلم أنّه حرام» قاعدة فقهية بحكم أنّ المحمول هو الحلية، التي هي من الأحكام الفرعية التكليفية، كما أنّ قوله: «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» قاعدة فقهية، لأنّ المحمول فيها هو الضمان و هو حكم وضعي، و مثله قوله: «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمس: الطهور و الوقت و القبلة و

الركوع و السجود» (1) فانّ المحمول هو البطلان في الخمسة و الصحّة في غيرها.

هذا هو ميزان القاعدة الفقهية، و أمّا القاعدة الأُصولية فتختلف محمولاً عن القاعدة الفقهية، فالمحمول فيها ليس حكماً شرعياً تكليفياً أو وضعياً، بل يدور حول الحجّية و عدمها، فنقول: الظواهر حجّة، الشهرة العملية حجّة، خبر الواحد حجّة، أصل البراءة و الاحتياط و الاستصحاب حجّة في ظرف الشك.

و ربما يخطر في الذهن بأنّ المحمول في المسائل الأُصولية ربما يكون غير الحجّة، كقولك: الأمر ظاهر في الوجوب و النهي ظاهر في الحرمة، ولكنّه عند التدقيق يرجع إلي البحث عن الحجّة علي الوجوب و الحرمة، فالغاية من إثبات ظهورهما هي إقامة الحجّة علي الوجوب و التحريم.

وإن شئت قلت: الغاية من إثبات الصغري (كونه ظاهراً في الوجوب) هي احتجاج المولي به علي العبد. و روح المسألة عبارة عن كون الأمر حجّة في الوجوب أو لا، و هكذا ما مرّ في باب الأوامر و النواهي.

الرابع: قد تضافرت الأخبار عن أئمّة أهل البيت عليهم السَّلام أنّ اليقين لا ينقض

1. الوسائل: 4، الباب 1 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 4.

(369)

بالشك، و ظاهره اجتماعهما في زمان واحد و عدم نقض أحدهما الآخر، و هو في بادئ النظر أمر غريب، لانّهما لا يجتمعان حتي لا ينقض أحدهما الآخر، لأنّ اليقين هو الجزم بشيء، و الشك هو التردّد و انفصام الجزم، فكيف يجتمعان؟!

و الجواب أنّ اليقين و الشك لايجتمعان إذا كان المتعلّق واحداً ذاتاً و زماناً، كما إذا فرضنا انّه تيقّن بعدالة زيد يوم الجمعة ثمّ شك في نفس ذلك اليوم في عدالته، ففي مثله لا يمكن اجتماع اليقين و الشك، فعندما يكون متيقناً لا يمكن أن يكون شاكاً و بالعكس.

و أمّا

إذا كان متعلقاهما متحدين جوهراً و متغايرين زماناً، فاليقين و الشك يجتمعان قطعاً، مثلاً لو تيقن بعدالة زيد يوم الجمعة لكن صدر منه يوم السبت فعلٌ شك معه في بقاء عدالته في ذلك اليوم، ففي هذا الظرف يجتمع اليقين و الشك فهو في آن واحد متيقن بعدالة زيد يوم الجمعة لا يشك فيه أبداً، و هو في الوقت نفسه شاك في عدالته يوم السبت، و بذلك صحّ اجتماع اليقين و الشك في زمان واحد لتغاير المتعلّقين زماناً، و إلي ذلك يؤول قولهم في باب الاستصحاب «اليقين يتعلّق بالحدوث و الشك بالبقاء» فمقتضي الاستصحاب إبقاء عدالة زيد يوم الجمعة إلي يوم السبت و ترتيب أثر العدالة في كلا الزمانين.

و بذلك علم أنّ الاستصحاب يتقوّم بأمرين:

أ. فعلية اليقين في ظرف الشك، و وجودهما في آن واحد في وجدان المستصحِب.

ب. وحدة متعلّقهما جوهراً و ذاتاً و تعدده زماناً و سبق زمان المتيقن علي المشكوك.

هذه هي أركان الاستصحاب.

(370)

الفرق بين الاستصحاب و قاعدة اليقين

و هناك قاعدة أُخري تسمّي في مصطلح الأُصوليين بقاعدة اليقين، و تختلف عن الاستصحاب في الأمرين التاليين:

أ. عدم فعلية اليقين لزواله بالشك.

ب. وحدة متعلقي اليقين و الشك جوهراً و زماناً.

و هذا كما إذا تيقّن بعدالة زيد يوم الجمعة ثم طرأ عليه الشك يوم السبت في عدالة زيد في نفس يوم الجمعة (لا السبت) و قد تبين بذلك أركان قاعدة اليقين:

أ. عدم فعلية اليقين في ظرف الشك.

ب. وحدة متعلقهما جوهراً و زماناً، حيث تعلّق الشك بنفس ما تعلّق به اليقين و هو عدالة يوم الجمعة.

و المعروف بين الأصحاب انّ الاستصحاب حجّة دون قاعدة اليقين. و أنّ روايات الباب منطبقة علي الأوّل دون الثانية كما سيوافيك.

***

وثمة قاعدة ثالثة و

هي قاعدة المقتضي و المانع التي تغاير القاعدتين الماضيتين و تختلف عنهما باختلاف متعلّق اليقين و الشك جوهراً و ذاتاً فضلاً عن الاختلاف في الزمان.

مثلاً إذا تيقن بصبِّ الماء علي اليد للوضوء، و شك في تحقّق الغَسْل للشك في المانع.

أو تيقن برمي السهم و شك في القتل للشك في وجود المانع، فمتعلّق اليقين غير متعلّق الشك بالذات، حيث تعلّق اليقين بصبّ الماء و الرمي، و تعلّق الشك

(371)

به وجود الحاجب و المانع.

نعم يتولد من هذا اليقين و الشك، شك آخر، و هو الشك في حصول المقتضي أعني: الغَسْل و القَطْع، و القائل بحجّية تلك القاعدة يتمسك بأصالة عدم المانع و الحاجب و يثبت بذلك الغَسل أو القطع. بحجّة انّ المقتضي موجود و المانع مرفوع بالأصل فيكون «المقتضي» محقّقاً.

تقسيمات الاستصحاب

إنّ للاستصحاب تقسيمات، تارة باعتبار المستصحَب، و أُخري باعتبار الشك المأخوذ فيه، و إليك البيان:

1. تقسيمه باعتبار المستصحَب

ينقسم الاستصحاب باعتبار المستصحَب إلي الأقسام التالية:

1. أن يكون المستصحَب أمراً وجودياً أو عدمياً، كاستصحاب الكرّية إذا كان الماء مسبوقاً بها، أو عدم الكرّية إذا كان مسبوقاً به.

2. أن يكون المستصحَب حكماً شرعياً تكليفياً سواء كان كلياً كاستصحاب حلية المتعة، أوجزئياً كاستصحاب وجوب الانفاق علي الزوجة المعينة إذا شك في كونها ناشزة.

3. أن يكون المستصحَب حكماً شرعياً وضعياً لا تكليفياً كاستصحاب الزوجية، و الجزئية، و المانعية و الشرطية، و السببية عند طروء الشك في بقائها.

4. أن يكون المستصحب موضوعاً لحكم شرعي سواء كان موضوعاً لحكم شرعي تكليفي، أو موضوعاً لحكم وضعي، و هذا كاستصحاب حياة زيد، فتترتب عليه حرمة قسمة أمواله و بقاء علقة الزوجية بينه و بين زوجته.

(372)

2. تقسيمه باعتبار الشك

ينقسم الاستصحاب باعتبار الشك المأخوذ فيه إلي الأقسام التالية:

أ. أن

يتعلّق الشك باستعداد المستصحَب للبقاء في الحالة الثانية، كالشك في بقاء نجاسة الماء، المتغيرِ أحدُ أوصافه الثلاثة، بالنجس، إذا زال تغيره بنفسه، حيث إنّه يتعلّق الشك بمقدار استعداد النجاسة للبقاء، بعد زوال تغيره بنفسه، و مثله الشك في بقاء الليل أو النهار، حيث إنّه يتعلّق بمقدار استعدادهما للبقاء من حيث الطول و القِصَر، و هذا ما يسمّي بالشك في المقتضي.

ب. و أُخري يتعلّق بطروء الرافعمع إحراز قابلية بقائه و دوامه لولاه، و هو علي أقسام:

1. أن يتعلّق الشك به وجود الرافع، مع إحراز قابلية بقائه و دوامه لولا الرافع، كما إذا شك في وجود الحدث بعد الوضوء.

2. أن يتعلّق الشك برافعية الأمر الموجود للجهل بحكمه، كالمذي الخارج من الإنسان، فيشك في أنّه رافع للطهارة مثل البول أو لا؟ فيرجع الشك إلي رافعية الأمر الموجود للجهل بحكمه.

3. أن يتعلّق الشك برافعية الأمر الموجود للجهل بوصفه و حاله، كالبلل المردّد بين البول و الوذي مع العلم بحكمهما.

هذه هي التقسيمات الرئيسية، و هناك تقسيمات أُخري تركنا ذكرها للاختصار.

أدلّة حجّية الاستصحاب

اختلف الأُصوليون في كيفية حجّية الاستصحاب، فذهب القدماء إلي أنّه حجّة من باب الظن، و استدلوا عليه بالوجوه التالية:

1. بناء العقلاء علي العمل علي وفق الحالة السابقة، و لم يثبت الردع عنه من

(373)

جانب الشارع.

يلاحظ عليه: مضافاً إلي عدم كلّيتها، فانّ العقلاء لا يعملون في الأُمور الخطيرة علي وفق الاستصحاب و إن أفاد الظن انّه يكفي في الردع ما دلَّ من الكتاب و السنّة علي النهي عن اتّباع غير العلم، و قد مرّت تلك الآيات عند البحث عن حجّية خبر الواحد.

2. ما استند إليه العضدي في شرح المختصر، فقال: إنّ استصحاب الحال: انّ الحكم الفلاني قد كان و لم يظن

عدمه، و كلّ ما كان كذلك فهو مظنون البقاء.

يلاحظ عليه، أوّلاً: بعدم ثبوت الكبري، لمنع افادة الاستصحاب الظن في كلّ مورد، و ثانياً سلّمنا لكن الأصل في الظنون عدم الحجّية إلاّ أن يدلّ دليل قاطع عليها.

3. الاستدلال بالإجماع، قال العلاّمة: الاستصحاب حجّة لإجماع الفقهاء علي أنّه متي حصل حكم، ثمّوقع الشك في طروء ما يزيله، وجب الحكم علي ما كان أوّلاً، و لو لا القول بأنّ الاستصحاب حجّة لكان ترجيحاً لأحد طرفي الممكن من غير مرجّح.

يلاحظ عليه: عدم حجّية الإجماع المنقول، خصوصاً إذا علم مستند المجمعين. أضف إلي ذلك مخالفة عدّة من الفقهاء مع الاستصحاب.

و أمّا المتأخرون فقد استدلوا بالأخبار، و أوّل من استدل بها الشيخ الجليل الحسين بن عبدالصمد والد الشيخ بهاء الدين العاملي (918984 ه) في كتابه المعروف ب «العقد الطهماسبي» و هي عدّة روايات:

1. صحيحة زرارة الأُولي

روي الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد (1) (الأهوازي) عن

1. سند الشيخ إلي الحسين بن سعيد صحيح في المشيخَة و الفهرست و حمّاد، الوارد في السند، هو حماد بن عيسي المتوفّي عام 208 ه أو 209 ه عن عمر يناهز التسعين المعروف بغريق الجحفة، و ليس المراد حمّاد بن عثمان المتوفّي عام 190 ه لعدم رواية الحسين بن سعيد عنه، و الإضمار في الرواية، لا يضرّ بها لجلالة زرارة عن ان يسأل غير الإمام، مع أنّ اتقان الحديث يشهد علي صدوره من المعصوم.

(374)

حمّاد، عن حريز، عن زرارة قال: قلت له: الرجل ينام و هو علي وضوء، أتوجب الخفقة و الخفقتان عليه الوضوء؟ فقال: «يا زرارة: قد تنام العين و لا ينام القلب و الأُذن، فإذا نامت العين و الأُذن و القلب وجب الوضوء».

قلت: فإن حُُرِّك

علي جنبه شيء و لم يعلَم به؟ قال: «لا، حتي يستيقن أنّه قد نام، حتي يجيئ من ذلك أمر بين، و إلاّ فإنّه علي يقين من وضوئه، و لا تنقض اليقين أبداً بالشك، و إنّما تنقضه بيقين آخر». (1)

وجه الدلالة: أنّ المورد و أن كان هو الوضوء، لكن قوله: «ولا تنقض اليقين أبداً بالشك» إلي آخره ظاهر في أنّه قضية كلّية طبِّقت علي مورد الوضوء، فلا فرق بين الشك في الوضوء و غيره. و أنّ اللاّم في قوله: «اليقين» لام الجنس لا العهد، و يدلّك علي هذا، أنّ التعليل بأمر ارتكازي و هو عدم نقض مطلق اليقين بالشك، لا خصوص اليقين بالوضوء.

ثمّ إنّ الرواية مشتملة علي سؤالين:

الأوّل: أتوجب الخفقة و الخفقتان عليه الوضوء؟

الثاني: فإنْ حرّك علي جنبه شيء و لم يعلم به؟

أمّا السؤال الأوّل فالشبهة فيه شبهة حكمية مفهومية، لا بمعني أنّ الراوي كان غير عارف بمفهوم النوم إجمالاً بل كان علي علم به إلاّ أنّه لم يكن عارفاً بمفهومه الدقيق الجامع حتي يطبِّقه علي موارد الشبهة، لذلك شرح الإمام له مفهومه و هو أنّه إذا نامت العين و الأُذن و القلب، وجب الوضوء.

1. الوسائل: 1، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 1.

(375)

و أمّا السؤال الثاني فالشبهة فيه موضوعية، و هي السؤال عن صحّة الاستدلال بعدم الالتفات عند تحريك شيء علي جنبه، علي أنّه قد نام، و قد أجاب الإمام بالنفي.

2. صحيحة زرارة الثانية

روي الشيخ في التهذيب (1) عن زرارة رواية مفصّلة تشتمل علي أسئلة و أجوبة، و نحن ننقل مقاطع منها:

أصاب ثوبي دم رعاف، أو غيره، أو شيء من مني، فعلَّمتُ أثره إلي أن أُصيبَ له من الماء، فأصبتُ و حضرت الصلاة و

نسيتُ أنّ بثوبي شيئاً و صلّيتُ ثمّ إنّي ذكرتُ بعد ذلك.

قال: «تعيد الصلاة و تَغْسله».

قلت: فإنّي لم أكن رأيتُ موضعه، و علِمتُ أنّه قد أصابه فطَلْبُته فلم أقدر عليه، فلما صلّيتُوجدته؟

قال: «تَغْسله و تُعيد».

قلت: فإن ظننت أنّه قد أصابه و لم أتيقن ذلك، فنظرتُ فلم أر شيئاً، ثمّ صلّيتُ فرأيت فيه؟

قال: «تغسله و لا تعيد الصلاة» ، قلت: لِمَ ذلك؟

قال: «لأنّك كنت علي يقين من طهارتك ثمّ شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً». (2)

وجه الاستدلال: يركز الراوي في سؤاله الثالث علي أنّه ظن قبل الدخول في الصلاة باصابة الدم بثوبه و لكن لم يتيقن ذلك فنظر فلم يرَ شيئاً فصلّي فلما فرغ

1. رواه عن زرارة بنفس السند السابق.

2. الوسائل: 2، الباب 41 من أبواب النجاسات، الحديث 1، و قد تركنا نقل الأسئلة الباقية للاختصار.

(376)

عنها رأي الدم الذي ظن بها قبل الصلاة فأجاب الإمام عليه السَّلام بأنّه يغسل ثوبه للصلوات الأُخري و لكن لا يعيد ما صلّي. فسأل الراوي عن سببه مع أنّه صلّي في الثوب النجس، كالصورتين الأوليين فأجاب عليه السَّلام: به وجود الفرق، و هو علْمُه السابق بنجاسة ثوبه في الصورتين فدخل في الصلاة بلا مسوِّغ شرعي، و شكه فيها بعد الاذعان بطهارته في الصورة الثالثة فدخل فيها بمجوز شرعي و هو عدم نقض اليقين بالطهارة، بالشك في النجاسة و منه يعلم أنّ ظرف الاستصحاب هو قبيل الدخول فيها.

ثم انّ للاستصحاب دوراً فقط في احراز الصغري: أعني طهارة الثوب، و يترتب عليه أمر الشارع بجواز الصلاة فيه، و من المعلوم أنّ امتثال الأمر الشرعي واقعياً كان أو ظاهرياً مسقط للتكليف كما مرّ في مبحث الاجزاء، فسبب عدم الاعادة مركب من أُمور

ثلاثة:

1. الاستصحاب و هو محرز للطهارة.

2. أمر الشارع باقامة الصلاة فيه و إلاّ يكون الاستصحاب أمراً لغواً.

3. حكم العقل باجزاء الامتثال الظاهري و أن انكشف الخلاف.

3. صحيحة زرارة الثالثة

روي الكليني بسند صحيح عن زرارة عن أحدهما عليمها السَّلام في حديث قال: «إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع، و قد أحرز الثلاث، قام فأضاف إليها أُخري و لا شيء عليه، و لا ينقض اليقين بالشك». (1)

«ولا يدخل الشك في اليقين و لا يخْلِطُ أحدَهما بالآخر، ولكنه ينقض الشك باليقين، و يتِّمُ علي اليقين، فيبني عليه، (2) و لا يعتد بالشك في حال من

1. الوسائل: 5، الباب 10 من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث 3، رواه عن علي بن إبراهيم الثقة عن أبيه، الذي هو فوق الثقة، عن حماد بن عيسي عن حريز عن زرارة و كلّهم ثقات.

2. الوسائل: 5، الباب 8 من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث 3، و نقل صدر الحديث في الباب 11 برقم 3.

(377)

الحالات.

وجه الاستدلال: انّ المراد من اليقين في قوله: «وينقض اليقين بالشك» ، هو اليقين بعدم الاتيان بالركعة المشكوكة فلا محيص عن الاتيان به بحكم الاستصحاب أعني عدم نقض اليقين بعدم الاتيان، بالشك في الاتيان.

و لما كان للاستصحاب في المقام أثران:

1. أصل الاتيان بالركعة المشكوكة.

2. الاتيان بها موصولة لا مفصولة.

و كان الاتيان بها موصولة خلاف المذهب المتفق عليه، أشار الإمام بالجمل الأُخري إلي الاكتفاء بالأثر الأوّل، و عدم ترتيب الأثر الثاني، بفصلها عن الركعات السابقة و لذلك قال: و لا يدخِلُ الشك في اليقين (الركعة المشكوكة في المتيقنة) و لا يخْلط أحدَهما بالآخر إلي آخر الحديث.

4. موثقة إسحاق بن عمّار

روي الصدوق باسناده، عن إسحاق بن عمار، قال: قال

لي أبو الحسن الأوّل: «إذا شككت فابن علي اليقين» ، قلت: هذا أصل؟ قال: «نعم». (1)

وجه الاستدلال: أنّه لو قلنا بأنّ الرواية ناظرة إلي خصوص الشكوك في الصلاة يكون المراد من اليقين، هو البناء علي الأقل و يترتب عليه أثران:

1. أصل الاتيان بالركعة المشكوكة.

2. الاتيان بها موصولة.

1. الوسائل: 5، الباب 8 من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث 2 و سند الصدوق إلي إسحاق بن عمار صحيح في المشيخة.

(378)

فترفع اليد عن الأثر الثاني بضرورة المذهب.

وإن قلنا بأنّها تعم جميع الأبواب، تكون حجة في الجميع غير أنّها لو طُبقت علي باب الشكوك يجري فيها ما ذكرناه في الصورة الأُولي.

5. حديث الأربعمائة (1)

روي أبو بصير و محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السَّلام، أنّه قال: «من كان علي يقين ثمّ شك فليمض علي يقينه، فانّ الشك لا ينقض اليقين» (2).

و الرواية صالحة للاستدلال بها علي حجية قاعدة اليقين إذا كان متعلق اليقين و الشك واحداً ذاتاً و زماناً، بأن يكون مفادها، من كان علي يقين (من عدالة زيد يوم الجمعة) ثم شك (في عدالته في نفس ذلك اليوم و بالتالي شك في صحة الطلاق الذي طلق عنده) فليمض علي يقينه.

كما هي صالحة للاستدلال بها علي حجية الاستصحاب إذا كان متعلّق الشك غير متعلق اليقين زماناً ففي المثال: إذا أيقن بعدالته يوم الجمعة و شك في بقاءها يوم السبت فليمض علي يقينه (مثلاً ليطلق عنده).

لكنها في الاستصحاب أظهر لوجهين:

1. انّ الصحاح السابقة تُشكل قرينة منفصلة علي تفسير هذه الرواية فتحمل إلي ما حملت عليه الروايات السابقة.

2. انّ التعليل في الحديث تعليل بأمر ارتكازي و هو موجود في الاستصحاب دون قاعدة اليقين لفعلية

اليقين في الأوّل دون الآخر.

1. المراد من حديث الأربعمائة، الحديث الذي علّم فيه أمير المؤمنين عليه السَّلام أصحابه أربعمائة كلمة تصلح للمسلم في دينه و دنياه، رواه الصدوق بسند صحيح، عن أبي بصير، و محمد بن مسلم، في كتاب الخصال في أبواب المائة و مافوقها. لاحظ ص 619.

2. الوسائل: 7، باب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 13.

(379)

6. مكاتبة القاساني

كتب علي بن محمد القاساني إلي أبي محمد عليه السَّلام، قال: كتبت إليه و أنا بالمدينة عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان، هل يصام أم لا؟ فكتب: «اليقين لا يدخل فيه الشك، صم للرؤية و أفطر للرؤية».

وجه الاستدلال: أنّ المراد من اليقين، إمّا هو اليقين بأنّ اليوم الماضي كان من شعبان فشك في خروجه بحلول اليوم التالي، أو اليقين بعدم دخول رمضان و قد شك في دخوله. و علي كلا التقديرين لا يكون اليقين السابق منقوضاً بالشك. و هذا هو المراد من قوله: «اليقين لا يدخل فيه الشك». و المراد من الدخول، المزاحمة التي هي عبارة أُخري عن عدم نقضه به.

7. صحيحة عبد اللّه بن سنان

روي الشيخ بسند صحيح عن عبد اللّه بن سنان قال: سأل أبي أبا عبد اللّهعليه السَّلام و أنا حاضر: إنّي أُعير الذمِّي ثوبي و أنا أعلم أنّه يشرب الخمرَ، و يأكل لحم الخنزير، فيردّها علي أفأغسِلُه قبل أن أُصلّي فيه؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السَّلام: «صلّ فيه و لا تغسله من أجل ذلك، فإنّك أعرته إياه و هو طاهر، و لم تستيقن أنّه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتي تستيقن أنّه نجسه». (1)

وجه الاستدلال: انّ الإمام لم يعلِّل طهارة الثوب بعدم العلم بالنجاسة حتي ينطبق علي قاعدة

الطهارة، بل علّله بأنّك كنتَ علي يقين من طهارة ثوبك و شككتَ في تنجيسه فمالم تستيقن انّه نجّسه لايصحّ لك الحكم علي خلاف اليقين

1. الوسائل: 2، الباب 74 من أبواب النجاسات، الحديث 1، رواه الشيخ باسناده عن سعد بن عبد اللّه القمي، عن أحمد بن محمد بن عيسي المتوفّي حوالي 280 ه، عن الحسن بن محبوب المتوفّي عام 224، عن عبد اللّه بن سنان، و سند الشيخ إلي سعد بن عبد اللّه صحيح في التهذيبين، لاحظ آخر الكتاب الذي ذكر فيه أسانيده إلي أصحاب الكتب التي أخذ الأحاديث منها.

(380)

السابق، و المورد و إن كان خاصّاً بطهارة الثوب لكنه غير مخصِّص و ذلك لوجهين:

الأوّل: ظهور الرواية في صددإعطاء الضابطة الكلّية.

و الثاني: التعليل بأمر إرتكازي يورث إسراء الحكم إلي غير مورد السؤال.

8. خبر بكير بن أعين

روي بكير بن أعين قال: قال لي أبو عبد اللّهعليه السَّلام: «إذا أستيقنت أنّك توضّأت، فإياك أن تحدث و ضوءاً حتي تستيقن أنّك أحدثت». (1)

هذه هي المهمّات من روايات الباب، و فيما ذكرنا غني و كفاية.

ثمّ إنّ مقتضي إطلاق الروايات، و كون التعليل (لا تنقض اليقين بالشك) أمراً إرتكازياً، حجّية الاستصحاب في جميع الأبواب و الموارد، سواء كان المستصحب أمراً وجودياً أو عدمياً، و علي فرض كونه وجودّياً لا فرق بين كونه حكماً شرعياً تكليفياً أو وضعياً أو موضوعاً خارجياً له آثاره الشرعية كالكرّية، و حياة زيد، و غير ذلك.

حجّية الاستصحاب في الشك في المقتضي

ذهب بعضهم إلي عدم حجّيته في الشك في المقتضي دون الرافع، و لْنُوضِح الفرق بين الشكين:

كلُّ حكم أو موضوع لو ترك لبقي علي حاله إلي أن يرفعه الرافع فالشك فيه شك في الرافع، و أمّا كلّ حكمأو موضوع

لو ترك لزال بنفسه و إن لم يرفعه الرافع فالشك فيه من قبيل الشك في المقتضي، فمثلاً وجوب الصلاة و الصوم و الحجّ من التكاليف التي لا ترفع إلاّ برافع، و ذلك لانّ الوجوب الجزئي منه لا يرفع إلاّ

1. الوسائل 1، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 7، و السند صحيح إلي «بكير» غير أنّ بكيراً لم يوثق لكن القرائن تشهد علي وثاقته.

(381)

بالامتثال، و أمّا الوجوب الكلي فبالنسخ، فالشك في الامتثال في مورد الحكم الجزئي، أو الشك في النسخ في مورد الحكم الكلي، شك في الرافع، لإحراز المقتضي لبقائه.

و هذا بخلاف مالو شك في بقاء الخيار في الآنات المتأخرة، كالخيار المجعول للمغبون بعد علمه بالغبن و تمكنه من إعمال الخيار، إذا لم يفسخ، فيشك في بقاء الخيار، لأجل الشك في اقتضائه للبقاء بعد العلم و المساهلة في إعماله، و مثله الشك في بقاء النهار إذا كانت في السماء غيوم، فالشك في تحقّق الغروب يرجع إلي طول النهار و قصره، فالشك فيه شك في المقتضي.

إذا عرفت ذلك فقد استدل القائل علي عدم حجّية الاستصحاب في الشك في المقتضي بوجه مبني علي أمرين:

الأوّل: أنّ حقيقة النقض هي رفع الهيئة الإتصالية، كما في قوله نقضت الحبل، قال سبحانه: (وَ لا تَكونُوا كالّتي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّة أَنكاثاً) (النحل/92).

الثاني: أنّ إرادة المعني الحقيقي ممتنعة في المقام لعدم اشتمال اليقين علي الهيئة الاتصالية، فلابدّ من حمله علي المعني المجازي، و أقرب المجازات هو ما إذا تعلّق اليقين بما أحرز فيه المقتضي للبقاء و شك في رافعه، لا ما شك في أصل اقتضائه للبقاء مع صرف النظر عن الرافع، و قد قُرر في محلّه أنّه إذا تعذرت الحقيقة فأقرب

المجازات أولي.

يلاحظ عليه: أنّه لم يثبت في اللغة كون النقض حقيقة في رفع الهيئة الاتصالية حتي لا تصح نسبته إلي اليقين لعدم اشتماله عليها، بل هو عبارة عن نقض الأمر المبرم و المستحكم سواء أكان أمراً حسياً أم قلبياً و الشاهد علي ذلك صحّة نسبة النقض إلي اليمين و الميثاق و العهد في الذكر الحكيم، قال سبحانه: (وَلا تَنْقُضُوا الأَيمانَ بَعْدَ تَوكيدِها) (النحل/91) و قال سبحانه: (فَبِما نَقْضِهِمْ

(382)

مِيثاقَهُمْ وَ كفْرِهِمْ بِ آياتِ اللّهِ) (النساء/155) و قال سبحانه: (وَالّذينَ ينْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) (الرعد/25) و اليقين كالميثاق و اليمين و العهد من الأُمور النفسانية المبرمة المستحكمة فتصح نسبة النقض إليه، سواء تعلق بما أحرز فيه المقتضي للبقاء أو لا، و المصحح للنسبة هو كون نفس اليقين أمراً مبرماً مستحكماً، سواء كان المتعلّق كذلك، كما في الشك في الرافع، أم لم يكن كذلك كما في الشك في المقتضي.

هذا تمام الكلام في أدلّة الاستصحاب.

تنبيهات

التنبيه الأوّل: كفاية إحراز المتيقّن بالأمارة

قد عرفت أنّ اليقين بالحدوث من أركان الاستصحاب فلا كلام فيما إذا كان حدوث المتيقّن محرزاً باليقين، إنّما الكلام فيما إذا كان محرزاً بالأمارة و شك في بقائه، كما إذا دلّ الدليل علي وجود الخيار للمغبون في الآن الأوّل و شُك في بقائه في الآن الثاني، أو دلّت البينة علي حياة زيد أو كونه مالكاً فشُك في بقاء حياته أو مالكيته فهل يحكم بالبقاء أو لا؟ وجه الإشكال أنّه لا يقين بالحدوث لعدم إفادة قول الثقة أو البينة، اليقينَ فكيف يحكم بالبقاء؟

و الجواب أنّ المراد من اليقين في أحاديث الاستصحاب هو الحجّة علي وجه الإطلاق، لا خصوص اليقين بمعني الاعتقاد الجازم، كما هو المصطلح في علم المنطق، و

الشاهد علي ذلك أمران:

1. انّ العلم و اليقين يستعملان في الحجّة الشرعية، فما روي من حرمة الاقتفاء به غير علم، أو النهي في الإفتاء به غير علم، يراد منه الحجّة الشرعية لا العلم الجازم القاطع.

2. ملاحظة روايات الباب مثلاً ففي الصحيحة الأُولي لزرارة لم يكن له

(383)

علم وجداني بالطهارة النفسانية، بل كان علمه مبنياً علي طهارة مائه و بدنه و لباسه، بالأُصول و الأمارات، و هكذا سائر الروايات، فإنّ حصول اليقين فيها هناك كان رهن قواعد فقهية و أُصولية، و في الصحيحة الثانية كان اليقين بطهارة ثوبه و الشك في طروء النجاسة مستنداً إلي جريان أصالة الطهارة في الإناء و الماء الذي غسل به ثوبه إلي غير ذلك.

فكلّ ذلك دليل علي أنّ المراد من اليقين في الروايات هو الحجّة، عقلية كانت كالقطع، أو شرعية كالبينة و الأمارة، و يكون المراد من «الشك» بقرينة المقابلة هو اللاحجّة من غير فرق بين الظن و الشك و الوهم. فكأنّ الشارع يقول: «لا تنقض الحجّة باللا حجّة» لأنّ اليقين فيه صلابة، و الشك فيه رخاوة فلا ينقض الأوّل بالثاني كما لا ينقض الحجر بالقطن.

التنبيه الثاني: في استصحاب الكلي (1)

المراد من استصحاب الكلي هو استصحاب الجامع بين الفردين، كاستصحاب الإنسان المشترك بين زيد و عمرو، و كاستصحاب الطلب الجامع بين الوجوب و الندب، و له أقسام ثلاثة:

القسم الأوّل من استصحاب الكلي

إذا علم بتحقّق الكلي في ضمن فرد ثمّ شك في بقائه و ارتفاعه، فلا محالة يشك في بقاء الكلي و ارتفاعه، فإذا علم به وجود زيد في الدار فقد علم به وجود الإنسان فيها، فإذا شك في بقائه فيها يجري هناك استصحابان:

أ. استصحاب بقاء الفرد أعني: زيداً.

1. المراد من الكلي هو

«الطبيعي» ، لا الكلي المنطقي، و لا الكلي العقلي و الطبيعي يتكثر بتكثر الأفراد، فلو كان في الدار زيد و بكر، ففيها إنسانان طبيعيان، لا إنسان واحد.

(384)

ب. استصحاب بقاء الكلي أعني: الإنسان.

فمثلاً إذا صار محدثاً بالحدث الأكبر أعني: الجنابة و شك في ارتفاعها بالرافع فيجوز له استصحاب الجنابة، فيترتب عليه جميع آثار الجنابة كحرمة المكث في المساجد و عبور المسجدين الشريفين.

كما يجوز استصحاب الكلي، أي أصل الحدث الجامع بين الجنابة و سائر الأحداث، فيترتب عليه أثر نفس الحدث الجامع كحرمة مس كتابة القرآن. نعم لايثبت باستصحاب الحدث الجامع إلاّ آثاره لا آثار الفرد، أعني: الجنابة، و إنّما تثبت آثار الفرد باستصحاب نفس الفرد.

القسم الثاني من استصحاب الكلي

إذا علم إجمالاً أنّ في الدار حيواناً مردّداً بين قصير العُمر كالبق و طويله كالفيل، فقد علم تفصيلاً به وجود حيوان فيها و إن كانت المشخّصات مجهولة فلا يصحّ استصحاب الفرد مثل البقِّ أو الفيل، لعدم الحالة المتيقّنة للفرد، لافتراض كون المشخّصات مجهولة، و لكن يصحّ استصحاب الكلي إذا مضي زمان يقطع فيه بانتفاء الفرد القصير، فيترتب عليه آثار الجامع، أي الحيوان.

و مثاله من الأُمور الشرعية ما إذا كان متطهراً (1) و خرج بلل مردّد بين البول و المني، فعندئذ حصل له علم تفصيلي بالحدث الكلي. ثمّ إذا توضأ بعده فلو كان البلل بولاً ارتفع الحدث الأصغر قطعاً، و لو كان منياً فهو باق، و عندئذ لا يقطع بارتفاع الحدث الجامع لاحتمال كون الحادث هو المني.

فلا يجوز استصحاب أي فرد من أفراد الحدث لعدم العلم بالحالة السابقة، لكن يصحّ استصحاب الجامع أي مطلق الحدث الجامع بين الأصغر و الأكبر.

القسم الثالث من استصحاب الكلي

إذا تحقّق الكلي (الإنسان) في الدار في

ضمن فرد كزيد، ثمّ علم بخروجه

1. خرج ما إذا كان محدثاً أو مجهول الحال فلكل حكم خاص.

(385)

من الدار قطعاً، و لكن يحتمل مصاحبة عمرو معه عندما كان زيد في الدار، أو دخوله فيها مقارناً مع خروجه.

ففي هذا المقام لا يجري استصحاب الفرد أصلاً، لأنّ الفرد الأوّل مقطوع الارتفاع و الفرد الثاني مشكوك الحدوث من رأس، و لكن يجري استصحاب الكلي أي وجود الإنسان في الدار الذي هو الجامع بين الفردين.

مثاله في الأحكام الشرعية ما إذا علمنا بكون الشخص كثير الشك و علمنا أيضاً ارتفاع كثرة شكه إجمالاً، و لكن احتملنا ارتفاعها من رأس أو انقلابها إلي مرتبة ضعيفة فلا يجوز استصحاب المرتبة الشديدة لأنّها قطعية الارتفاع، و لا المرتبة الضعيفة لأنّها مشكوكة الحدوث، لكن يمكن استصحاب الجامع بين المرتبتين و هو كونه كثير الشك غير مقيد بالشدة و الضعف.

التنبيه الثالث: في استصحاب الزمان و الزمانيات

المستصحب تارة يكون نفس الزمان، و أُخري الشيء الواقع فيه.

أمّا الأوّل، فكما إذا كان الزمان موصوفاً بوصف ككونه ليلاً أو نهاراً، فشككنا في بقاء ذلك الوصف، فيستصحب بقاء الليل أو النهار.

و ربّما يقال: إنّ الزمان غير قارّ الذات و لا يتصوّر فيه البقاء بل سنخ تحقّقه هو الوجود شيئاً فشيئاً، و ما هذا حاله، لا يتصور فيه الحدوث و البقاء، حتي يتحقّق فيه أركان الاستصحاب.

و الجواب، إنّ بقاء كلّ شيء بحسبه، فللأُمور القارّة بقاء و انقضاء، و للأُمور المتصرّمة كالليل و النهار أيضاً بقاء و زوال مثلاً، يطلق علي الطليعة، أوّل النهار، و علي الظهيرة، وسط النهار، و علي الغروب، آخره، و هذا يعرب عن أنّ للنهار بقاءً حسب العرف، و أن لم يكن كذلك بالدقة العقلية.

و أمّا الثاني: أعني الشيء

الواقع في الزمان و هو المسمّي بالزماني كالتكلم

(386)

و الكتابة و المشي و سيلان الماء، فلكل منها حدوث و بقاء في نظر العرف، فلو شرع الإنسان بالتكلّم أو أخذ بالمشي، فشككنا في بقائهما أو انقطاعهما، يصح استصحابهما كاستصحاب الزمان، و الإشكال فيه كالإشكال في الزمان و الجواب نفس الجواب.

و مثاله الشرعي إذا كانت العين جارية سيالة و وقعت فيها نجاسة، و شككنا عند الوقوع في بقاء السيلان، فيستصحب، و يترتب عليه الأثر الشرعي و هو عدم انفعال ماء العين بالنجاسة.

و هناك قسم ثالث و هو تقييد قار الذات بالزمان، كايجاب الجلوس إلي النهار فشك في جلوسه بعده فيستصحب إذا كان الزمان ظرفاً لا قيداً لبقاء الموضوع في الأوّل دون الثاني.

التنبيه الرابع: عدم حجّية الأصل المثبت

المراد من الأصل المثبت هو إجراء الاستصحاب في موضوع له أثر شرعي كالحياة و إثبات الأثر العقلي للمستصحب كالبلوغ لغاية إثبات آثاره الشرعية كوجوب الانفاق من ماله علي مَنْ نفقته عليه كالوالدين و الإماء و العبيد، فالمشهور عند المتأخرين عدم حجّية مثل ذلك الأصل؛ و إليك الإيضاح و البرهان:

يشترط في الاستصحاب أن يكون المستصحَب إمّا حكماً شرعياً كاستصحاب أحد الأحكام الشرعية كلية أو جزئية أو موضوعاً لحكم شرعي كاستصحاب حياة زيد، فانّها موضوعة لأحكام كثيرة، مثل بقاء علقة الزوجية و حرمة تقسيم أمواله، و وجوب الانفاق من ماله علي زوجته إلي غير ذلك من الآثار الشرعية.

فلو افترضنا أنّ زيداً غاب و له من العمر اثنا عشر عاماً، فشككنا في حياته بعد مضي خمسة أعوام من غيبته، فهل يصحّ استصحاب حياته لغاية إثبات أثره العقلي البلوغ حتي يترتب عليه آثاره الشرعية من وجوب الإنفاق أو لا يصحّ؟

(387)

ذهب المحقّقون إلي عدم صحّته، و وجه

ذلك:

إنّ قضية الاستصحاب عبارة عن تنزيل الشارع القضيةَ المشكوكة منزلَة المتيقن لغاية ترتيب الأحكام و الآثار الشرعية المحمولة علي المتيقن السابق، و أمّا تنزيلها منزلة المتيقن لغاية ترتب الآثار العقلية أو العادية كالبلوغ فلا، و ذلك لأنّ نفس تلك الآثار ليست قابلة للجعل، و إنّما هي تابعة لصلب الواقع فلا تثبت بالاستصحاب، و أمّا الآثار الشرعية المترتبة علي تلك الآثار العقلية و العادية كوجوب الإنفاق مثلاً فهي و إن كانت قابلة للجعل، لكنّها ليست آثاراً شرعية لنفس المتيقن أي الحياة الذي تعلق التعبّد بإبقائها. فما تعلّق التعبد بإبقائه كالحياة فليس الانفاق من آثاره، و ما هو من آثاره كالبلوغ لم يتعلّق التعبد بإبقائه.

وإن شئت قلت: إنّ الآثار العقلية و أن كانت أثراً لنفس المتيقّن، ولكنّها ليست آثاراً شرعية، بل آثار تكوينية غير خاضعة للجعل و الاعتبار، و الآثار الشرعية المترتبة علي تلك الأُمور العادية و العقلية و إن كانت خاضعة للجعل لكنّها ليست آثاراً للمتيقن (الحياة) الذي أمرنا الشارع بإبقائه و تنزيل مشكوكه منزلة المتيقن.

و إليك مثالاً آخر:

مثلاً إذا تعبّدنا الشارع بإبقاء شهر رمضان، أو عدم رؤية هلال شوال في يوم الشك فإذا ضُمّ هذا التعبد إلي العلم القطعي بمضي تسعة و عشرين يوماً من أوّل الشهر قبل هذا اليوم، يلازمه الأثر العادي و هو كون اليوم التالي هوعيد الفطر، فهل يترتب علي ذلك الأثر العادي الملازم للاستصحاب الأثر الشرعي من صحّة صلاة الفطر و لزوم اخراج الفطرة بعد الهلال و نحوهما؟

فالتحقيق: انّه لا يترتب علي الاستصحاب، الأثر العادي حتي يترتب عليه الأثر الشرعي، لأنّ الذي تعبدنا الشارع بإبقائه هو بقاء شهر رمضان أو عدم رؤية هلال شوال، فلصيانة تعبد الشارع عن اللغوية يترتب كل

أثر شرعي علي هذين

(388)

المستصحبين، لا الأثر العادي، لأنّه غير خاضع للجعل و الاعتبار، فإنّ الأُمور التكوينية تدور مدار الواقع.

و أمّا الآثار الشرعية المرتبة علي ذلك الأثر العادي، فهي و أن كانت خاضعة للجعل و الاعتبار، لكنّها ليست أثراً مترتباً علي ما تعبدنا الشارع بإبقائه و هو كون اليوم شهر رمضان أو عدم كونه من شوال.

نعم استثني بعض المحقّقين من الأصل المثبت موارد تطلب من دراسات عليا.

التنبيه الخامس: في شرطية فعلية الشك

يشترط في الاستصحاب فعلية الشك فلا يفيد الشك التقديري، فلو تيقن الحدث من دون أن يشك ثمّ غفل و صلّي ثمّ التفت بعدها فشك في طهارته من حدثه السابق فلا يجري الاستصحاب، لأنّ اليقين بالحدث و أن كان موجوداً قبل الصلاة لكنّه لم يشك لغفلته فلا يتحقّق أركان الاستصحاب، و لأجل عدم جريانه يحكم عليه بصحّة الصلاة أخذاً بقاعدة الفراغ، لاحتمال أنّه توضّأ قبل الصلاة، و هذا المقدار من الاحتمال كاف لجريان قاعدة الفراغ، و لكن يجب عليه التوضّؤ بالنسبة إلي سائر الصلوات، لأنّ قاعدة الفراغ لا تثبت إلاّ صحّة الصلاة السابقة، و أمّا الصلوات الآتية فهي رهن إحراز الطهارة.

و هذا بخلاف ما إذا كان علي يقين من الحدث ثمّ شك في وضوئه و مع ذلك غفل و صلّي و التفت بعدها فالصلاة محكومة بالبطلان لتمامية أركان الاستصحاب و أن احتمل انّه توضأ بعد الغفلة.

التنبيه السادس: المراد من الشك مطلق الاحتمال

يطلق الظن علي الاحتمال الراجح، و الوهم علي الاحتمال المرجوح، فيكون الشك هو الاحتمال المساوي و هذا هو المسمّي بالشك المنطقي.

(389)

و أمّا الشك الأُصولي المطروح في باب الاستصحاب فهو عبارة عن خلاف اليقين، سواء كان البقاء مظنوناً أو موهوماً أو مشكوكاً متساوي الطرفين، و هذا

هوالمراد من الشك في لسان الروايات، و قد استعمل الشك بالمعني الأُصولي في الذكر الحكيم، قال سبحانه: (فَإِنْ كنْتَ فِي شَك مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيك فَاسْأَلِ الَّذينَ يقْرأون الكتابَ مِنْ قَبْلِك) (يونس/94).

و قال سبحانه: (قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَك فاطِرِالسَّماواتِ وَ الأَرْضُ) (إبراهيم/10)، كما استعمل الشك في مقابل اليقين في صحيحة زرارة «قال: فإنْ حُرّك علي جنبه شيء و لم يعلم به؟ قالعليه السَّلام: لا، حتي يستيقن أنّه قد نام حتي يجيئ من ذلك أمر بين، و إلاّفانّه علي يقين من وضوئه، و لا ينقض اليقين أبداً بالشك» و ذلك لأنّ التحريك علي جنب الإنسان يفيد الظن بأنّه قد نام و مع ذلك أطلق عليه الإمام الشك و لم يستفصل بين إفادته الظن بالنوم و عدمه، و هذا يدل علي أنّ المراد من الشك هو مطلق الاحتمال المخالف لليقين، من غير فرق بين كون البقاء مظنوناً أو مرجوحاً أو مساوياً.

أضف إلي ذلك ما مرّ من أنّ المراد من اليقين هو الحجّة الشرعية، و يكون ذلك قرينة علي أنّ المراد من الشك هو اللاّ حجة، و يكون معني الحديث لا تنقض الحجّة باللاّ حجّة، فالملاك في الجميع عدم وجود الحجّة، من دون نظر إلي كون البقاء راجحاً أو مرجوحاً أو متساوياً.

التنبيه السابع: التمسك بعموم العام أو استصحاب حكم المخصص

إذا كان هناك عموم يدل علي استمرار الحكم في جميع الأزمنة، كقوله سبحانه: (أَوفُوا بالعُقود) حيث يدلّ علي وجوب الوفاء علي وجه الإطلاق من غير فرق بين زمان دون زمان.

(390)

ثمّ إذا فرضنا أنّه خرج منه عقد في وقت خاص، كالعقد الغبني، فانّ المغبون يملك الخيار و له أن يفسخ العقد بظهوره، ولكنّه تساهل و لم يفسخ، فيقع الشك في

بقاء الخيار في الآن الثاني فهل المرجع هو:

أ. عموم العام، فيكون العقد واجب الوفاء في الآن الثاني و الخيار فورياً؟

ب. أو استصحاب حكم المخصص (1) و يكون الخيار غير فوري؟

و مثله خيار العيب إذا تساهل المشتري و لم يفسخ، فهل المرجع عموم وجوب الوفاء بالعقد أو استصحاب حكم المخصص الذي دلّ علي جواز الفسخ إذا ظهر العيب؟ (2)

فالتحقيق أن يقال: إنّه إن لزم من العمل بحكم المخصص عن طريق الاستصحاب، تخصيص زائد وراء التخصيص الأوّل فالمرجع هو عموم العام، و أمّا إذا لم يلزم إلاّ نفس التخصيص الأوّل فالمرجع هو استصحاب حكم المخصص.

توضيح ذلك: أنّ الزمان تارة يكون قيداً للموضوع، بحيث يكون العقد في الزمان الأوّل موضوعاً و في الزمان الثاني موضوعاً آخر و هكذا، و هذا ما يطلق عليه بكون الزمان مفرِّداً للموضوع.

و أُخري يكون الزمان ظرفاً للحكم و مبيناً لاستمراره، بمعني أنّ العقد في جميع الآنات موضوع واحد، فلو خرج في الآن الأوّل أو خرج في جميع الآنات لم يلزم إلاّ تخصيص واحد.

1. المخصص قوله عليه السَّلام: «غبن المسترسل سحت» و قوله: «غبن المؤمن حرام» و قوله صلَّي اللّه عليه و آله و سلَّم: «لا ضرر و لا ضرار» لاحظ الوسائل: 12، الباب 17 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 2 و 3.

2. مثل قوله عليه السَّلام: إن شاء رد البيع و أخذ ماله كله … لاحظ الوسائل: 12، الباب 14 من أبواب الخيار.

(391)

ففي الصورة الأُولي يكون المرجع هو عموم العام، لافتراض أنّ الأخذ بحكم المخصص يستلزم تخصيصاً زائداً، و من المعلوم أنّ المرجع عند الشك في التخصيص هو عموم الدليل الاجتهادي، مثلاً إذا قال المولي: أكرم العلماء و علمنا بخروج زيد ثمّ

شككنا في خروج عمرو، فكما أنّ المرجع عندئذ هو عموم قوله: أكرم العلماء، لأنّ خروج عمرو تخصيص زائد، فهكذا المقام، فالعقد الغبني في الآن الأوّل موضوع أوّل كما انّه في الآن الثاني موضوع ثان، و قد دلّ الدليل علي التخصيص الأوّل، و بقي العقد في الآن الثاني تحت العام، فيتمسك به لتقدم الدليل الاجتهادي علي الأصل العملي و هو استصحاب حكم المخصص.

و هذا بخلاف ما إذا كان للفرد في جميع الأزمنة مصداق واحد بحيث لا يلزم من خروجه في الآن الأوّل و الثاني إلاّتخصيص واحد، ففي مثله يؤخذ باستصحاب حكم المخصص، لأنّه كان متيقناً و شك في بقائه، و لا ينقض اليقين بالشك و لا يؤخذ بالعام لخروجه عنه حسب الفرض. فرجوعه تحت العام يتوقف علي دليل خاصّ.

و زبدة القول: هي أنّه لو كان الزمان في ناحية العام قيداً للموضوع العقد و مفرِّداً له بحيث يلزم من خروجه بعد الآن الأوّل تخصيص ثان و ثالث فالمرجع هو عموم العام.

و أمّا إذا كان الزمان في ناحية العام ظرفاً لبيان استمرار الحكم بحيث يكون له في جميع الأزمنة فرد واحد و لا يلزم من خروجه في الآنات المتأخرة تخصيص زائد، فالمرجع هو استصحاب حكم المخصص.

و هذه هي النظرية المعروفة و هناك نظريات أُخري تطلب من محالها.

(392)

التنبيه الثامن: كفاية وجود الأثر بقاءً

يكفي في جريان الاستصحاب ترتّب الأثر حين البقاء سواء ترتّب عليه الأثر حين الحدوث أولا، و بعبارة أُخري يشترط ترتّب الأثر في زمان الشك و ظرف التعبّد بالبقاء، دون زمان اليقين، إذ يكفي في صحّة التعبّد بالبقاء وجود أصل الأثر حتي لا يكون التعبّد ببقاء المستصحب أمراً لغواً، و لذلك يصحّ الاستصحاب في المثال التالي:

إذا كان الوالد

و الولد حيين فمات الوالد و شككنا في حياة الولد، فتستصحب حياتُه، و يترتب عليها الأثر الشرعي من إرثه و بالتالي: تُعزل حصته من التركة، فحياة الولد ذاتُ أثر الوراثة القطعية بقاءً و أن لم يكن كذلك حدوثاً، أي في زمان حياة الوالد إلاّعلي وجه التعليق.

التنبيه التاسع: قياس الحادث إلي أجزاء الزمان

إذا علم بحادث في زمان معين و لم يعلم وقته فيمكن استصحاب عدم حدوثه إلي زمان العلم به، مثلاً إذا علمنا بحدوث الكرّية و شككنا في حدوثها يوم الخميس أو الجمعة، فتجري أصالة عدم حدوثها إلي نهاية يوم الخميس، فيترتب عليه أثر عدم الكرّية في ذلك اليوم، فلو غسل ثوب بهذا الماء في يوم الخميس يحكم ببقاء النجاسة فيه.

نعم لا يثبت باستصحاب عدم حدوث الكرية إلي يوم الخميس عنوان تأخرها عنه، لأنّه لازم عقلي لا شرعي، و لو كان للتأخر أثر شرعي فلا يثبت بهذا الاستصحاب.

(393)

التنبيه العاشر: قياس الحادث بحادث آخر

الكلام هنا حول قياس حادث بحادث آخر، كما إذا علم بحدوث حادثين كالطهارة و الحدث، و لم يعلم المتقدّم و المتأخر منهما فهل يجري الأصل أو لا؟ أو علم موت الوالد المسلم في غرّة رجب، و علم أيضاً بإسلام وارثه، و لكن شك في تقدّم موت المورِّث علي إسلام الوارث حتي لا يرثه لأنّ الكافر لا يرث المسلم حتي و أن أسلم بعد موت المورِّث أو تأخر موته عن إسلامه حتي يرثه، فهل يجري الأصل أو لا؟

فنقول: للمسألة صورتان:

الأُولي: أن يكون أحد الحادثين معلوم التاريخ و الآخر مجهوله، فيجري الأصل في المجهول دون المعلوم.

امّا أنّه لا يجري الأصل في معلوم التاريخ كموت الوالد المسلم في غرّة رجب فلأجل أنّ حقيقة الاستصحاب هو استمرار حكم

المستصحَب عدم الموت إلي الزمان الذي يشك في بقائه، و هذا إنّما يتصور فيما إذا جهل تاريخ حدوثه، و أمّا لو فرض العلم بزمان الحدوث و أنّه مات في غرّة رجب فلا معني لاستصحاب عدمه لعدم الشك في زمان الموت.

و بعبارة أُخري: لابدّ في الاستصحاب من وجود زمان يشك في بقاء المستصحَب فيه و هذا غير متصوّر في معلوم التاريخ، لأنّا نعلم عدم موت الوالد قبل غرّة رجب و موته فيها، فليس هنا زمان خال يشك في بقاء المستصحب عدم موت الوالد فيه.

و أمّا جريانه في مجهول التاريخ، و هو إسلام الولد، حيث كان كافراً في شهر جمادي الآخرة و مسلماً في غرّة شعبان و مشكوك الإسلام بين الشهرين فيستصحب بقاؤه أي عدم الإسلام في الظرف المشكوك، و يترتب عليه أثره و هو

(394)

حرمانه من الإرث لثبوت موضوعه و هو موت الوالد حين كفر الولد.

الثانية: إذا كانا مجهولي التاريخ فيجريان و يتعارضان و يتساقطان فلابدّ من طلب دليل آخر علي إرث الولد و عدمه، و منه يظهر حال الشك في الطهارة و الحدث بصورتيهما فلاحظ.

التنبيه الحادي عشر: تقدّم الاستصحاب علي سائر الأُصول

الاستصحاب متقدّم علي سائر الأُصول، لأنّ التعبّد ببقاء اليقين السابق و جعله حجّة في الآن اللاحق يوجب إرتفاع موضوعات الأُصول، أو حصول غاياتها، و إليك البيان:

أ. أنّ موضوع البراءة العقلية هو عدم البيان، فإذا كان الشيء مستصحَب الحرمة أو الوجوب، فالأمر بالتعبّد با بقاء اليقين السابق بيان من الشارع، فلا يبقي موضوع للبراءة العقلية.

ب. كما أنّ موضوع البراءة الشرعية هو «مالا يعلمون» و المراد من العلم هو الحجّة الشرعية، و الاستصحاب كما قرّرناه حجّة شرعية علي بقاء الوجوب و الحرمة في الأزمنة اللاحقة، فيرتفع موضوع

البراءة الشرعية.

ج. أنّ موضوع التخيير هو تساوي الطرفين من حيث الاحتمال، و الاستصحاب بحكم الشرع هادم لذلك التساوي.

د. أنّ موضوع الاشتغال هو احتمال العقاب في الفعل أو الترك، و الاستصحاب بما أنّه حجّة مؤمِّن، فالاستصحاب بالنسبة إلي هذه الأُصول رافع لموضوعها. و أن شئت فسمِّه وارداً عليها.

و ربّما يكون الاستصحاب موجباً لحصول غاية الأصل كما هو الحال في

(395)

أصالتي الطهارة و الحلية، فإنّ الغاية في قولهعليه السَّلام: «كلّ شيء طاهر حتّي تعلم أنّه قذر» ، و في قوله عليه السَّلام: «كلّ شيء حلال حتي تعلم أنّه حرام» و أن كان هو العلم، لكن المراد منه هو الحجّة و الاستصحاب حجّة، و مع جريانه تحصل الغاية، فلا يبقي للقاعدة مجال.

التنبيه الثاني عشر: تقدّم الأصل السببي علي المسببي

إذا كان في المقام أصلان متعارضان، غير أنّ الشك في أحدهما مسبب عن الشك في الآخر، مثلاً إذا كان ماء قليل مستصحب الطهارة، و ثوب متنجس قطعاً، فغسل الثوب بهذا الماء، فهنا يجري بعد الغَسل استصحابان:

أ. استصحاب بقاء طهارة الماء الذي به غسل الثوب النجس، و مقتضاه طهارة الثوب المغسول به.

ب. استصحاب نجاسة الثوب و بقائها حتي بعد الغسل.

و عندئذ يقدّم الاستصحاب الأوّل علي الاستصحاب الثاني، لأنّ الشك في بقاء النجاسة في الثوب بعد الغسل ناشئ عن طهارة الماء الذي غُسل به، فإذا تعبدنا الشارع ببقاء طهارة الماء ظاهراً يكون معناه ترتيب ما للماء الطاهر الواقعي من الآثار علي مستصحب الطهارة، و من جملة آثاره طهارة الثوب المغسول به، فالتعبد ببقاء الأصل السببي يرفع الشك، في جانب الأصل المسببي بمعني انّ النجاسة هناك مرتفعة غير باقية فيكون الأصل السببي مقدّماً علي الأصل المسببي.

و يمكن أن يقال إنّ الأصل السببي استصحاب طهارة

الماء ينقّح موضوعَ الدليل الاجتهادي، فيكون الدليل الاجتهادي مقدّماً علي الأصل المسببي، لأنّ استصحاب طهارة الماء يثبت موضوعاً، و هو أنّ هذا الماء طاهر، هذا من

(396)

جانب.

ومن جانب آخر دلّ الدليل الاجتهادي أنّ كلَّ نجس غسل بماء طاهر فهو طاهر، فبضم الصغري إلي الكبري لا يبقي شك في طهارة الثوب و ارتفاع نجاسته.

و لمّا انجرّ الكلام إلي تقدّم الاستصحاب علي عامّة الأُصول اقتضي المقام بيان تقدّم بعض القواعد علي الاستصحاب.

تمّ الكلام في الأُصول العملية،

ويليه البحث في تعارض الأدلّة الشرعية إن شاء اللّه

و الحمد للّه ربّ العالمين

المقصد الثامن: في تعارض الأدلّة الشرعية و فيه [الفصول]

التمهيد

المقصد الثامن: في تعارض الأدلّة الشرعية: و فيه فصلان

في تعارض الأدلّة الشرعية

يعدّ البحث عن تعارض الأدلّة الشرعية، و كيفية علاجها، من أهمّ المسائل الأُصولية، إذ قلّما يتفق في باب أن لا توجد فيه حجّتان متعارضتان، علي نحو لا مناص للمستنبط من علاجهما، و لأجل تلك الأهمية أفردوا لها مقصداً.

الفصل الأوّل في الجمع بين الدليلين

الفصل الأوّل في الجمع بين الدليلين

أو

التعارض غير المستقر

إذا كان التعارض بين الخبرين تعارضاً غير مستقر، يزول بالتأمّل بحيث لا يعد التكلّم بهذا النحو علي خلاف الأساليب المعروفة بين المقنّنين و علماء الحقوق و القانون و ظرف التقنين، بل كان دارجاً بينهم، فيقدّم فيه الجمع علي غيره. (1) و هذا هو المراد من قول الأُصوليين: «الجمع مهما أمكن أولي من الطرح» و مقصودهم هو الجمع المطلوب عند أهل الحقوق و القانون بحيث يعد أحد الدليلين قرينة علي

1. سواء كان المراد من الغير هو التخيير أو الترجيح.

(400)

التصرف في الآخر، و هذا ما يعبّر عنه بالجمع العرفي، أو الجمع مع الشاهد في مقابل الجمع التبرّعي الذي يجمع بين الدليلين بلا شاهد و قرينة، و لأجل ذلك يكون الجمع الأوّل مقبولاً و الآخر مرفوضاً.

وقد بذل الأُصوليون جهودهم في إعطاء ضوابط الجمع المقبول و حصروها في العناوين التالية:

1. التخصّص، 2. الورود، 3. الحكومة، 4. التخصيص، 5. تقديم الأظهر علي الظاهر.

و إليك تعريف تلك العناوين:

1. التخصّص: هو خروج موضوع أحد الدليلين عن موضوع الدليل الآخر حقيقة و تكويناً، كقولنا: «الخمر حرام» و «الخل حلال» فالمحمولان و أن كانا متنافيين، و لكن التنافي بينهما بدائي يزول بالنظر إلي تغاير الموضوعين.

2. الورود: هو رفع أحد الدليلين موضوع الدليل الآخر حقيقة، لكن بعناية من الشارع بحيث لولاه لما كان له هذا الشأن كتقدّم الأمارة علي

الأُصول العملية، فإنّ لكلّ من الأُصول العملية موضوعاً خاصّاً، فالأمارة بعد ثبوت حجّيتها بالأدلة القطعية ترفع موضوع تلك الأُصول عامة.

مثلاً موضوع البراءة العقلية هو عدم البيان و موضوع الاشتغال هو احتمال العقاب، و موضوع التخيير هو عدم المرجّح، فإذا قام الدليل القطعي علي حجّية الأمارة ارتفع بذلك موضوع الأصل، فتكون الأمارة بياناً لمورد الشك (في أصل البراءة)، و رافعاً لاحتمال العقاب (في أصالة الاشتغال)، و مرجحاً لأحد الطرفين علي الآخر (في أصالة التخيير). كلّ ذلك بفضل جعل الشارع الحجّية للأمارة تأسيساً أو إمضاءً لسيرة العقلاء علي حجّيتها.

(401)

و بذلك يظهر ورود الأمارة علي أصالتي الطهارة و الحلّية، لأنّهما مغياة بعدم العلم، و المراد منه هو الحجّة الشرعية، فالأمارة بما أنّها حجّة شرعية دالة علي حصول الغاية في قولهعليه السَّلام: «كلّ شيء طاهر حتي تعلم أنّه قذر» أو قولهعليه السَّلام: «كلّ شيء حلال حتي تعلم أنّه حرام».

3. الحكومة: أن يكون لأحد الدليلين رقابة و نظر إلي الدليل الآخر، فيقدّم علي الآخر بحكم انّ له تلك الخصوصية و يسمّي الناظر بالحاكم، و المنظور إليه بالمحكوم، و يتلخّص النظر في الأقسام التالية:

أ: التصرف في عقد الوضع بتوسيعه، قال سبحانه: (يا أَيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكمْ وَ أَيدِيكمْ إِلَي الْمَرافِقِ) (المائدة/6) فالمتبادر من الصلاة هو الفريضة، فإذا ضمَّ إليه قولهعليه السَّلام: «الطواف بالبيت صلاة» يكون حاكماً علي الآية بتوسيع موضوعها ببيان انّ الطواف علي البيت من مصاديق الصلاة فيشترط فيه ما يشترط في الصلاة.

و مثله قوله صلَّي الله عليه و آله و سلَّم: «لا صلاة إلاّ بطهور» الظاهرة في شرطية الطهارة المائية، فكأنّه قال: «الطهور شرط للصلاة» فإذا قال: التراب أحد الطهورين، فقد وسّع الموضوع (الطهور)

إلي الطهارة الترابية أيضاً، و هذا النوع من التصرّف في عقد الوضع لا يتم إلاّ ادّعاءً، كادّعاء انّ الطواف أو التيمم صلاة أو طهور.

ب: التصرّف في عقد الوضع بتضييقه، و ذلك بعدما علم أنّ للشاك في الصلوات أحكاماً خاصة وردت في الأحاديث، ثمّ إذا قال: «لا شك لكثير الشك» ، أو قال: «لا شك للإمام مع حفظ المأموم» ، أو بالعكس، فالأدلّة المتأخّرة حاكمة علي الدليل الأوّل بتضييق موضوعه بادّعاء عدم وجود الشك في تلك الموارد الثلاثة، و الغاية هي رفع الحكم برفع الموضوع ادّعاءً.

(402)

مع أنّ هذه الأمثلة أشبه بالتخصيص، و لكن الذي يميزها عن التخصيص بأنّ لسانها هو لسان النظر و الرقابة إلي الدليل الآخر.

ج: التصرّف في عقد الحمل أو متعلّقه بتوسيعه، فإذا قال: صلّ في ثوب طاهر، و قال: «كلّ شيء طاهر حتي تعلم أنّه قذر» فقد وسّع متعلّق الحكم إلي الطهارة الثابتة حتي بالأصل.

د: التصرّف في عقد الحمل بتضييقه، و هذا كقوله سبحانه: (وَما جَعَلَ عَلَيكمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج) (الحج/78) فإنّها بحكم نظرها إلي الأحكام الشرعية المترتبة علي العناوين الأوّلية تضيق محمولاتها و يخصصها به غير صورة الحرج، و مثله قوله: «لا ضرر و لا ضرار» بالنسبة إلي سائر الأحكام.

و الحاصل: أنّ مقوم الحكومة اتخاذ الدليل لنفسه موقف الشرح و التبيين و النظر و الرقابة، فتكون النتيجة إمّا تصرّفاً في عقد الوضع، أو الحمل إمّا بالتوسيع أو بالتضييق. و لكن التعارض و رفعه بالحكومة مختص بصورة التضييق لا التوسيع و ليس فيها أي تعارض حتي تُعالج بالحكومة بخلاف صورة التضييق فالتعارض محقّق لكن يقدم الحاكم علي المحكوم في عرف أهل التقنين فلاحظ.

4. التخصيص: عبارة عن إخراج بعض أفراد العام عن الحكم

المحمول عليه مع التحفّظ علي الموضوع كما إذا قال: أكرم العلماء، ثمّ قال: لا تكرم العالم الفاسد، فهو يشارك الحكومة في بعض أقسامه (القسم الرابع) لكنّه يفارقه بأنّ لسان التخصيص هو رفع الحكم عن بعض أفراد الموضوع ابتداءً من دون أن يكون لسانه، لسان الرقابة، بخلاف الحكومة فإنّ لسانها لسان النظر و الرقابة إمّا إلي المحمول أو إلي الموضوع، و لذلك ربما يقال بأنّه لو لم يرد من الشارع حكم في المحكوم لم يكن للدليل الحاكم مجال.

(403)

ثمّ إنّ تقديم الحاكم و المخصّص علي المحكوم و العام واضح، أمّا تقديم الحاكم، فلأجل لسانه و كأنّه دليل متمّم للدليل الأوّل.

و أمّا تقديم المخصص علي العام، فلأنّ السيرة السائدة في عالم التقنين هي فصل الخصوص عن العموم لعدم إحاطة المقنّن بالمصالح و المفاسد، فربّما يشرّعقانوناً ثمّ يبدو له أنّ الحكم بسعته علي خلاف المصلحة العامة، فيذكر المخصص متأخراً و ذلك ممّا حدا بعلماء الحقوق و القانون علي تقديم الخاص علي العام.

و التشريع الإلهي و أن كان نزيهاً عن تلك الوصمة و لكن تعلّقت مشيئته سبحانه ببيان الأحكام علي سبيل التدريج لمصالح فيها، و علي ضوئه جاءت المخصصات بعد العموم.

5. تقديم الأظهر علي الظاهر، إذا عُدَّ أحد الدليلين قرينة علي التصرّف في الآخروإن لم يدخل تحت العناوين السابقة يقدم ما يصلح للقرينية علي الآخر و أن لم يدخل تحت العناوين السابقة، و هذا ما يسمّي بتقديم الأظهر علي الظاهرَ التعرّف علي الأظهر و الظاهر نذكر أمثلة:

أ: دوران الأمر بين تخصيص العام و تقييد المطلق

إذا دار الأمر بين تخصيص العام و تقييد المطلق، كما إذا قال المولي: أكرم العلماء، ثمّ قال: لا تكرم الفاسق، فدار أمر العالم الفاسق بين دخوله

تحت الحكم الأوّل أو الثاني، فقد اختار الشيخ الأعظم الأنصاري تقديم العام علي المطلق، و لزوم التصرّف في الثاني، فتكون النتيجة وجوب إكرام الفاسق، و ما هذا إلاّلأنّ دلالة العام علي الشمول أظهر من دلالة المطلق عليه.

(404)

ب: إذا كان لأحد الدليلين قدر متيقن

إذا كان لأحد الدليلين قدر متيقن، لتساويهما في الظهور اللفظي و كونهما بصيغة العموم كما إذا قال: أكرم العلماء ثمّ قال: لا تكرم الفسّاق، و لكن علمنا من حال المتكلّم أنّه يبغض العالم الفاسق، فتشكل قرينة علي تقديم عموم النهي علي عموم الأمر، فيكون مجمع العنوانين (العالم الفاسق) محرَّم الإكرام.

ج: دوران الأمر بين التقييد و الحمل علي الاستحباب

إذا قال الشارع إذا أفطرت فأعتق رقبة، ثمّ ورد بعد مدّة إذا أفطرت فاعتق رقبة مؤمنة، فيدور الأمر بين حمل المطلق علي المقيد، أو حمل الأمر المتعلّق بالمقيد علي الاستحباب، فربما يقدّم الأوّل علي الثاني لشيوع التقييد، و ربما يرجح العكس لشيوع استعمال الأوامر علي لسان الشارع في الاستحباب. و قد مرّ تفصيله في المقصد الخامس عند البحث في المطلق و المقيد.

و يدل علي هذا النوع من الجمع طائفة من الروايات.

قال الإمام الرضا عليه السَّلام: «إنّ في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن، و متشابهاً كمتشابه القرآن، فردّوا متشابهها إلي محكمها، و لا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا». (1)

روي داود بن فرقد، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السَّلام يقول: «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا، انّ الكلمة لتنصرف علي وجوه لو شاء إنسان لصرف كلامه حيث يشاء». (2)

و الحديثان يحثّان علي التأمّل و التدبر في الأحاديث المروية، حتي لا يتسرّع السامع باتّهامها بالتعارض بمجرد السماع، دون التدبّر في أطرافها.

1. الوسائل: الجزء 18 الباب 9 من أبواب

صفات القاضي، الحديث 22.

2. الوسائل: الجزء 18، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 27.

(405)

فتلخّص أنّ التنافي غير المستقر يرتفع بأحد الأُمور الخمسة التي أشرنا إليها، بقي الكلام في التنافي المستقر و هو الذي يبحث عنه في الفصل التالي.

(406)

الفصل الثاني التعارض المستقر

الفصل الثاني التعارض المستقر

أواعمال الترجيح و التخيير

إذا كان هناك بين الدليلين تناف و تدافع في المدلول علي وجه لا يمكن الجمع بينهما جمعاً عرفياً مقبولاً عند أهل التقنين، فيقع البحث في أُمور:

الأوّل: ماهي القاعدة الأوّلية عند التعارض؟

لا شك أنّ الأخبار حجّة من باب الطريقية بمعني أنّها الموصلة إلي الواقع في كثير من الأحيان، هذا من جانب، و من جانب آخر أنّ دليل حجية قول الثقة منحصرة في السيرة العقلائية، و بما أنّ السيرة دليل لبّي يؤخذ بالقدر المتيقن منه لعدم وجود لسان لفظي لها حتي يؤخذ بإطلاقه، و القدر المتيقن من السيرة في مورد حجّية قول الثقة هي صورة عدم التعارض، فتكون القاعدة الأوّلية هي سقوط الخبرين المتعارضين عن الحجّية. لما مضي من أنّ الشك في الحجّية يساوق القطع بعدمها.

الثاني: ماهي القاعدة الثانوية عند التعارض؟

قد وقفت علي أنّ مقتضي القاعدة الأوّلية في الخبرين المتعارضين هو التساقط، فلو ثبت شيء علي خلاف تلك القاعدة نأخذ به، و إلاّ فهي محكمة.

ثمّ إنّ الخبرين المتعارضين علي صورتين:

أ: الخبران المتكافئان اللّذان لا مزية لأحدهما توجب ترجيحه علي الآخر.

(407)

ب: الخبران المتعارضان اللّذان في أحدهما مزية توجب ترجيحه علي الآخر. و إليك الكلام في كلا القسمين:

الصورة الأُولي: الخبران المتعارضان المتكافئان

إذا ورد خبران متعارضان متكافئان من دون مزية لأحدهما علي الآخر، (1) فقد استفاضت الروايات علي التخيير بينهما:

1. روي الطبرسي في «الاحتجاج» عن الحسن بن الجهم (2) قال: قلت له تجيئنا الأحاديث عنكم

مختلفة، فقال: «ما جاءك عنّا فقس علي كتاب اللّه عزّ و جلّ و أحاديثنا، فإن كان يشبههما فهو منّا، و أن لم يكن يشبههما فليس منّا» ، قلت: يجيئنا الرجلان و كلاهما ثقة بحديثين مختلفين و لانعلم أيهما الحق؟ قال: «فإذا لم تعلم فموسّع عليك بأيهما أخذت». (3)

2. ما رواه الطبرسي في «الاحتجاج» عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد اللّهعليه السَّلام قال: «إذا سمعت من أصحابك الحديث و كلّهم ثقة، فموسّع عليك حتي تري القائم عليه السَّلام، فترد إليه». (4)

و ربّما يتصور أنّ الرواية ناظرة إلي حجّية قول الثقة، و ليست ناظرة إلي الحديثين المختلفين و لكن في الرواية قرائن ثلاث تُدعم كون الرواية ناظرة إلي الحديثين المختلفين و هي:

أ: قوله: «وكلّهم ثقة» و من المعلوم أنّه لا يشترط في حجّية كلّ خبر إلاّ وثاقة مخبره، لا وثاقة المخبر الآخر.

1. سيوافيك أنّ أخبار التخيير محمولة علي صورة التكافؤ.

2. الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين الشيباني، ترجمه النجاشي برقم 108، و قال ثقة، روي عن أبي الحسن الرضا 7.

3 و 4. الوسائل: 18، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 40 و 41.

(408)

ب: قوله عليه السَّلام: «فموسّع» فإنّ تلك اللفظة وردت في رواية الحسن بن الجهم السابقة الواردة في الخبرين المتعارضين.

ج: قوله عليه السَّلام: «حتي تري القائم، فإنّ قول الثقة حجّة مطلقاً دون أن تُغيي بغاية، سواء أُريد من القائم الإمام القائم بالأمر عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف أو الإمام المعاصر للراوي.

3. ما رواه الشيخ في «التهذيب» ، عن علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب لعبد اللّه بن محمد، إلي أبي الحسنعليه السَّلام: اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام

في ركعتي الفجر في السفر، فروي بعضهم: صلّها في المحمل، وروي بعضهم لا تصلّها إلاّ علي الأرض، فقال عليه السَّلام: «موسّع عليك بأية عملت». (1)

و الرواية بقرينة قوله: «موسّع عليك بأية عملت» ناظرة إلي الأخبار المتعارضة، غير أنّ مورد الرواية الأخيرة هي الأُمور المستحبّة، و التخيير في المستحبات لا يكون دليلاً علي التخيير في الواجبات، لأنّ للأُولي مراتب مختلفة في الفضيلة، فيصح التخيير بين درجاتها، و هذا بخلاف الواجبات، فإنّ أحد الطرفين تعلّق به الأمر دون الآخر.

نعم في الروايتين الأُوليين كفاية في ثبوت التخيير، حتي أنّ الشيخ الأعظم ادّعي في رسائله تواتر الروايات علي التخيير، و قال: «إنّ عليه المشهور و جمهور المجتهدين للأخبار المستفيضة بل المتواترة».

وقد قال الشيخ الكليني في ذلك الصدد: «بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك» و علي ذلك يمكن ادّعاء الاستفاضة دون التواتر.

هل التخيير بدائي أو استمراري؟

إذا ورد خبران متعارضان متكافئان، فهل التخيير بينهما بدائي أو استمراري

1. الوسائل: 18، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 44.

(409)

بمعني أنّه له اختيار غير ما اختاره في الواقعة الأُولي؟ و الحقّ أنّه بدائي، و قد سبق بيانه في مبحث الاشتغال، و ذكرنا فيه أنّ المخالفة القطعية العملية للعلم الإجمالي قبيح و حرام، من غير فرق بين أن تكون المخالفة دفعية أو تدريجية، فإذاأخذ بأحد الخبرين في واقعة، و الخبر الآخر في واقعة أُخري، فقد علم بالمخالفة العملية امّا بعمله هذا أو بما سبق.

هل التخيير فقهي أو أُصولي؟

إنّ التخيير علي قسمين:

1. التخيير في المسألة الفقهية، و المراد منه كون التخيير نفس الحكم الشرعي كالتخيير بين الخصال الثلاث في كفارة شهر رمضان، أو كالتخيير بين القصر و الإتمام في الأماكن الأربعة.

2. التخيير في المسألة الأُصولية، و

هذا نظير التخيير بين الخبرين المتعارضين، فبما انّ المسألة أُصولية و الحكم الشرعي في أحد الخبرين التخيير، فيتخير بينهما و تكون النتيجة إمضاء الشارع حجّية كلّ من الخبرين، فللمجتهد أن يعمل أو يفتي بواحد منهما.

ما هو مرجع الروايات الآمرة بالتوقّف؟

هناك روايات تأمر بالتوقف و الصبر إلي لقاء الإمام، أو مَنْ يخبر بحقيقة الحال من بطانة علومهمعليهم السَّلام و معها كيف يكون التكليف هو التخيير بين الخبرين المختلفين؟

روي الكليني، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه، أحدهما يأمر بأخذه، و الآخر ينهاه عنه، كيف يصنع؟ قال: «يرجئه حتي يلقي من يخبره فهو في سعة

(410)

حتي يلقاه». (1)

وفي مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة حينما انتهي السائل إلي مساواة الخبرين في المرجّحات قال: «إذا كان ذلك فارجئه حتي تلقي إمامك، فإنّ الوقوف عند الشبهات خيرمن الاقتحام في الهلكات». (2)

و الأوّل يأمر بالتوقّف منذ بدء الأمر، و الآخر يأمر به بعد مساواتهما في المرجحات، و علي كلّ تقدير ينفيان التخيير.

و الجواب: أنّ هذا القسم من الروايات محمول علي صورة التمكن من لقاء الإمام، أو من لقاء بطانة علومهم، و يشهد لهذا الجمع نفس الحديثين، ففي الأوّل: «يرجئه حتي يلقي من يخبره» أي يخبره بحقيقة الحال و ما هوالصحيح من الخبرين، و في الثاني: «فارجئه حتي تلقي إمامك» و من لاحظ الروايات الآمرة بالتوقّف يلمس ذلك، فإنّ من الرواة من كان يتمكن من لقاء الإمام و السماع منه، و منهم من لم يكن متمكنّاً من لقائه عليه السَّلام إلاّببذل مؤن و قطع مسافة بعيدة، فالأمر بالتوقّف راجع إلي المتمكن، و الأمر بالتخيير إلي الثاني.

الصورة الثانية: الخبران

المتعارضان غير المتكافئين

إذا كان هناك خبران، أو أخبار متعارضة، و يكون لأحدهماترجيح علي الآخر؛ فيقع الكلام في الأُمور الثلاثة:

1. التعرّف علي هذه المرجحات.

2. هل الأخذ بذي المزية واجب أو راجح؟

3. هل يقتصر علي المنصوص من المرجحات أو يتعدي غيره؟

و لنتناول البحث في كل واحد منها.

1 و 2. الوسائل: 18، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5، 1 و لاحظ الحديث 42 و 36 من هذا الباب.

(411)

الأمر الأوّل: في بيان المرجحات الخبرية

نستعرض في هذا الأمر المرجحات الخبرية عندنا أو ما قيل إنّها من المرجحات الخبرية و هي أُمور:

أ. الترجيح بصفات الراوي

قد ورد الترجيح بصفات الراوي، مثل الأعدلية و الأفقهية و الأصدقية و الأورعية، في غير واحد من الروايات التي نذكرها.

روي الكليني بسند صحيح، عن عمر بن حنظلة (1) قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين، أو ميراث، فتحاكما إلي السلطان، و إلي القضاة أيحل ذلك؟ قال: «من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلي الطاغوت، و ما يحكم له فإنّما يأخذ سحتاً و إن كان حقاً ثابتاً له، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت، و ما أمر اللّه أن يكفر به، قال اللّه تعالي: (يريدُونَ أَنْ يتَحاكمُوا إِلَي الطاغُوتِ وَ قَد أُمِرُوا أن يكفُرُوا بِه) (2)».

قلت: فكيف يصنعان؟ قال: «ينظران من كان منكم ممن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنّما استخف بحكم اللّه و علينا ردّ، و الراد علينا، راد علي اللّه و هو علي حدِّ الشرك باللّه».

فإن كان كلّ واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا

أن يكونا الناظرين في

1. عمر بن حنظلة و أن لم يوثق في المصادر الرجالية، لكن الأصحاب تلقوا روايته هذه بالقبول و لذا سمّيت بالمقبولة، و اعتمدوا عليها في باب القضاء، و الحديث مفصل ذكرناه في مقاطع أربعة فلا تغفل.

2. النساء: 60.

(412)

حقهما، و اختلفا فيما حكما، و كلاهما اختلفا في حديثكم، فقال: «الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث و أورعهما، و لا يلتفت إلي ما حكم به الآخر». (1)

إنّ هذا القسم من الترجيح قد ورد في غير واحد من الروايات (2) لكن الجميع راجع إلي ترجيح حكم أحد القاضيين علي حكم القاضي الآخر، و من المحتمل جداً اختصاص الترجيح به لمورد الحكومة، حتي يرتفع النزاع و تُفْصل الخصومة، و لا دليل علي التعدي منه إلي غيره، و ذلك لانّه لمّا كان إيقاف الواقعة و عدم صدور الحكم، غير خال من المفسدة، أمر الإمام بإعمال المرجحات حتي يرتفع النزاع.

نعم ورد الترجيح بصفات الراوي في موردتعارض الخبرين، فيما رواه ابن أبي جمهور الاحسائي، عن العلاّمة، مرفوعاً إلي زرارة، لكن الرواية فاقدة للسند، يرويها ابن أبي جمهور الاحسائي (المتوفّي حوالي سنة 900 ه)، عن العلاّمة (المتوفي عام 726 ه)، عن زرارة (المتوفي عام 150 ه)، و مثل هذا لا يصحّ الاحتجاج به أبداً، ذلك، لم نعتمد عليها.

ب: الترجيح بالشهرة العملية

قد ورد الترجيح بالشهرة العملية، أي عمل جلّ الأصحاب بالرواية، دون الرواية الأُخري، في المقبولة السابقة، فقد طرح عمر بن حنظلة مساواة الراويين في الصفات قائلاً:

فقلت: إنّهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضَّل واحد منهما علي الآخر، قال: فقال:

1. الكافي: 1 / 68، ط دار الكتب الإسلامية.

2. الوسائل: الجزء 18، الباب 9 من أبواب صفات

القاضي، الحديث 20 رواية داود بن الحصين و 45، رواية موسي بن أكيل.

(413)

«ينظر إلي ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمعَ عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا، و يترك الشاذ النادر الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فانّ المجمع عليه لا ريب فيه».

إنّما الأُمور ثلاثة: أمر بين رشده فيتبع، و أمر بين غيه فيجتنب، و أمر مشكل يرد علمه إلي اللّه و إلي رسوله». (1)

يلاحظ علي الاستدلال بوجهين:

أوّلا: أنّ الراوي لمّا فرض تساوي الراويين من حيث الصفات، و أنّه لا يفضل واحد منهما علي الآخر، أرجعه الإمام إلي أخذ رأي مَن استند في حكمه إلي المجمع عليه، و أمر بترك حكم من استند في حكمه إلي الشاذ، و عندئذ يحتمل جداً اختصاص الترجيح بالشهرة العملية بمورد القضاء و فصل الخصومة الذي لا يصحّ فيه إيقاف الحكم فيرجّح أحد الراويين علي الآخر بملاحظة مصدره، و أمّا لزوم الترجيح بها أيضاً في تعارض الخبرين في مقام الإفتاء، فغير ظاهر من الحديث، لا يثبته و لا ينفيه، إلا إذا قيل بإلغاء الخصوصية بين المقامين عرفاً.

و ثانياً: أنّ اللائح من الرواية، هي كون الشهرة العملية من مميزات الحجّة عن اللا حجّة لا من مرجحات إحدي الحجتين علي الأُخري، كما هو موضوع البحث في المقام، و هذا يظهر بالإمعان في المقبولة.

و ذلك لأنّ المراد من قوله: «فإنّ المجمع عليه (2) لا ريب فيه» ، هو «نفي الريب» علي وجه الإطلاق كما هو مفاد النكرة إذا وقعت في سياق النفي، فالرواية إذا أفتي بها جلُّ الأصحاب تكون مصداقاً لما ليس فيه ريب و شك.

و أمّا الخبر الشاذ، فبما أنّه مقابله و نقيضه، يكون لامحالة موصوفاً بضدّ

1. الكافي:

1 / 68.

2. المراد من المجمع عليه ليس ما اتّفق الكل علي روايته، بل المراد ما هو المشهور بين الأصحاب في مقابل ما ليس بمشهور بقرينة قوله: «ويترك الشاذ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك».

(414)

وصفه، مثلاً إذا كان المجمع عليه ممّا لا ريب في صحّته، يكون الشاذ ممّا لا ريب في بطلانه، مثلاً إذا كانت عدالة زيد ممّا لا ريب فيها، يكون فسقه ممّا لا ريب في بطلانه، و علي هذا تكون الشهرة العملية من مميزات الحجة عن اللا حجة، فلا يقام للشاذ في سوق الاعتبار وزن.

و بذلك يعلم أنّ المجمع عليه داخل في بين الرشد، و الخبر الشاذ داخل في القسم الثاني من التثليث أي بين الغي، لا في القسم الثالث أي الأمر المشكل.

ج: الترجيح بموافقة الكتاب

إنّ الإمعان في المقبولة يثبت انّ صدر الحديث بصدد بيان مرجحات القضاء، لكن السائل لمّا وقف علي أنّ الإمام عليه السَّلام يقدّم رأي أحد القاضيين علي الآخر بحجّة أنّ مستند أحدهما هو الخبر المجمع عليه، بدا له أن يسأله عن تعارض الخبرين و مرجّحاتهما مع قطع النظر عن كونهما مصدراً للقضاء و قال:

فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهماالثقات عنكم؟

قال: «ينظر فماوافق حكمه حكم الكتاب و السنّة (وخالف العامة) فيؤخذ به، و يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب و السنّة (ووافق العامة)». (1)

و يدل علي الترجيح بموافقة الكتاب و السنّة غير واحد من الروايات:

روي عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه، قال: قال الصادق عليه السَّلام: «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان، فاعرضوهما علي كتاب اللّه، فما وافق كتاب اللّه فخذوه، و ما خالف كتاب اللّه فردّوه». (2)

1. أخذنا الرواية من كتاب الكافي: 1 / 67، الحديث 10، لأنّ صاحب الوسائل

جزّأها علي عدّة أبواب.

2. الوسائل: الجزء 18، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 29؛ و لاحظ أيضاً الحديث 21 و 20 من هذا الباب.

(415)

ثمّ إنّه ليس المراد من مخالفة الكتاب هو المخالفة بالتناقض و التباين الكلّي، لأنّ عدم حجية المباين الصريح معلوم لا يحتاج إلي البيان أوّلاً، و لا يضعه الوضّاعون ثانياً، لأنّه يواجَه من أوّل الأمر بالنقد و الرد بأنّه كذب موضوع علي لسان الإمام.

فإذن المراد من مخالفة الكتاب هو المخالفة بمثل العموم و الخصوص، فلو كان أحد الخبرين موافقاً لعموم الكتاب و الآخر مخالفاً له بنحو التخصيص يؤخذ بالأوّل دون الثاني، و أن كان المخالف (الخاص) حجّة يخصص به الكتاب إذا لم يكن مبتلي بالمعارض.

نعم تقدم منّا أنّ تخصيص عموم القرآن ليس أمراً هيناً، و لا يصلح في ذلك خبر الثقة إلاّ إذا كان علي وجه يفيد الاطمئنان الذي هو علم عرفي.

د: الترجيح بمخالفة العامة

روي عمر بن حنظلة، قال: قلت: جعلت فداك إن رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب و السنّة، و وجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة و الآخر مخالفاً لهم بأي الخبرين يؤخذ؟ قال: «ما خالف العامة ففيه الرشاد».

فقلت: جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعاً، قال: «ينظر إلي ما هم إليه أميل حكامهم و قضاتهم، فيترك و يؤخذ بالآخر». (1)

و يدل عليه أيضاً ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (البصري) قال: قال الصادق عليه السَّلام: «فإن لم تجدوهما في كتاب اللّه فاعرضوهما علي أخبار العامّة، فما وافق أخبارهم فذروه، و ما خالف أخبارهم فخذوه». (2)

1. مضي مصدر الرواية.

2. الوسائل: الجزء 18، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 29؛ لاحظ الحديث 21، 30، 31، 34، 40، 42،

48 من ذلك الباب.

(416)

وجه الإفتاء بالتقية

إنّ أئمّة أهل البيت عليهم السَّلام كانوا يفتون بالتقية خوفاً من شرّ السلطان أوّلاً، و فقهاء السلطة ثانياً، و المحافظة علي نفوس شيعتهم ثالثاً، و كان العامل الثالث من أكثر الدواعي إلي الإفتاء بها، و كفانا في ذلك ما جمعه المحدّث البحراني في هذا الصدد، في مقدّمة حدائقه. (1)

إنّ الرواة كانوا علي علم بأنّ الإمام ربما يفتي في مكاتيبه بالتقية بشهادة ما رواه الصدوق باسناده عن يحيي بن أبي عمران أنّه قال: كتبت إلي أبي جعفر الثاني عليه السَّلام في السنجاب و الفنك و الخز، و قلت: جعلت فداك أحب أن لا تجيبني بالتقية في ذلك، فكتب إلي بخطّه: «صلّ فيها». (2)

لم يكن للإمام بُد، من إعمالها لصيانة دمه و دم شيعته حتي نري أنّه ربما كان يذم أخلص شيعته، كزرارة في غير واحد من المحافل حتي لا يؤخذ و يضرب عنقه بحجّة أنّه من شيعة أبي عبد اللّه الصادق.

و كانت بطانة علومه و خاصة شيعته يميزون الحكم الصادر عن تقية، عن الحكم الصادر لبيان الواقع عندما كانت تصل إليهم أجوبة الإمام، فإن كان علي وجه التقية يقولون لمن جاء به: «أعطاك من جراب النورة» و عندما كان يفتي بالحكم الواقعي يقولون: «أعطاك من عين صافية».

الأمر الثاني: الأخذ بالمرجحات لازم

لا شك انّ من رجع إلي لسان الروايات يقف علي لزوم العمل بالمرجحات، و لا يمكن حملها علي الاستحباب إذ كيف يمكن حمل الأمر في قولهعليه السَّلام: «ما وافق كتاب اللّه فخذوه، و ما خالف كتاب اللّه فردّوه» علي

1. الحدائق: 1 / 5 8.

2. الوسائل: الجزء 18، الباب 3 من أبواب لباس المصلّي، الحديث 6.

(417)

الاستحباب، و قد سبق منّا القول بأنّ

الأمر حجّة من المولي علي العبد، فليس له ترك العمل إلاّ بحجّة أُخري.

و أمّا ما هو ترتيب العمل بالمرجحات، فهل يقدّم الترجيح بموافقة الكتاب علي الترجيح بمخالفة العامة أولا؟

الجواب: انّ الحجة في المقام هي المقبولة، فالمستفاد منها، هو تقديم الترجيح بالأوّل علي الثاني، كما هوالظاهر من رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، و قد مضي نصها. (1)

الأمر الثالث: التعدّي من المنصوص إلي غير المنصوص

قدعرفت أنّ المنصوص من المرجحات لا يتجاوز الاثنين «موافقة الكتاب و مخالفة العامة» ، و هل يجب الاقتصار عليهما، و الرجوع في غيرهما إلي أخبار التخيير، أو يجوز التعدّي من المنصوص إلي غيره، فيعمل بكل خبر ذي مزية، و لا تصل النوبة إلي أخبار التخيير إلاّ بعد تساوي الخبرين في كلِّ مزية توجب أقربية أحدهما إلي الواقع؟

الحقّ هو الأوّل: لأنّ إطلاق أخبار التخيير يفرض علينا التخيير في مطلق المتعارضين، سواء كانا متكافئين أم غير متكافئين، خرجنا عن إطلاقها بروايات الترجيح، و أمّا في غير موردها فالمحكم هو أخبار التخيير، فلو كان في أحد الطرفين مزية غير منصوصة، فالتخيير هو المحكم.

و يمكن تأييد المختار بوجهين:

الوجه الأوّل: لوكان الملاك هو العمل بكل مزية في أحد الطرفين، لكان الأنسب في المقام الإشارة إلي الضابطة الكلية من دون حاجة إلي تفصيل

1. الوسائل: الجزء 18، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 29.

(418)

المرجحات.

ولو قيل إنّ الغاية من التفصيل هو إرشاد المخاطَب إلي تلك المرجحات، و لو لا بيان الإمام لما كان المخاطَب علي علم بها.

قلت: نعم و لكن لا منافاة بين تفصيل المرجحات و إعطاء الضابطة ليقف المخاطَب علي وظيفته العملية في باب التعارض.

الوجه الثاني: انّ الإمام في مقبولة عمر بن حنظلة بعد فرض تساوي الخبرين

أمر بالتوقف و إرجاء حكم الواقعة حتي يلقي الإمام، و لو كان العمل بكلّ ذي مزية واجباً لما وصلت النوبة إلي التوقّف إلاّ نادراً.

***

النتائج المحصلة

قد خرجنا من هذا البحث الضافي في هذا المقصد بالنتائج التالية:

1. إذا كان التنافي بين الخبرين أمراً غير مستقرّ، يزول بالتدبر، فهو خارج عن باب التعارض، و داخل في باب الجمع الدلالي بين الخبرين.

2. أنّ القاعدة الأوّلية في الخبرين المتعارضين اللّذين يكون التنافي بينهما أمراً مستقراً، هو التساقط و الرجوع إلي دليل آخر، كالعمومات و الإطلاقات إن وُجدت، و إلاّ فالأصل العملي، لكن خرجنا عن تلك القاعدة بأخبار التخيير.

3. انّ مقتضي أخبار التخيير و إن كان هو التخيير بين الخبرين مطلقاً، سواء كان هناك ترجيح أو لا، لكن خرجنا عن مقتضي تلك الأخبار بلزوم إعمال المرجحات المنصوصة فقط دون غيرها.

(419)

خاتمة المطاف: التعارض علي نحو العموم و الخصوص من وجه

إنّ التنافي بين الدليلين إذا كان بنحو العموم و الخصوص المطلق، أو المطلق و المقيد، فقد علمت انّه من أقسام التعارض غير المستقر و أنّه داخل في قاعدة الجمع، و أنّ المرجع هناك هو الجمع بينهما، بتخصيص العام و تقييد المطلق.

و أمّا إذا كان التنافي بينهما بنحو التباين الكلي فالمرجع هو الترجيح، ثمّ التخيير، كما إذا ورد في الخبر: «ثمن العذرة سحت» و في الخبر الآخر: «لا بأس بثمن العذرة».

بقي الكلام فيما إذا كان التعارض بين الدليلين علي نحو العموم و الخصوص من وجه، كما إذا قال: «أكرم العلماء» ، ثمّ قال: «لا تكرم الفساق» فيكون العالم الفاسق مجمع العنوانين فيجب إكرامه باعتبار كونه عالماً، و يحرم باعتبار كونه فاسقاً، فما هي الوظيفة؟

و كما إذا ورد دليل يدل بإطلاقه علي نجاسة عذرة كلّ

مالا يؤكل لحمه، و ورد دليل آخر يدل بإطلاقه علي طهارة عذرة كلّ طائر، فيكون الطائر غير المأكول مجمع العنوانين، فهل يحكم علي نجاسة عذرته بحكم الدليل الأوّل، أو علي طهارته بحكم الدليل الثاني؟

لا شك في انصراف روايات التخيير عن المقام، لأنّ المتبادر من قوله في رواية الحسن بن الجهم «يجيئنا الرجلان و كلاهما ثقة بحديثين مختلفين» هو اختلافهما في تمام المدلول لا في بعضه، و لذلك كان منصرفاً عمّا إذا كان التنافي

(420)

بنحو العموم و الخصوص المطلق.

فيكون المرجع هو روايات الترجيح، فلو كان حكم أحد الدليلين في مورد الاجتماع موافقاً للكتاب، دون غيره، أو مخالفاً للعامّة، فيؤخذ به دون الآخر.

نعم يعمل بهما في موردي الافتراق و لا محذور في ذلك لإمكان أن يكون الإمام في مقام بيان الحكم الواقعي بالنسبة إلي أصل الحكم لا بالنسبة إلي إطلاقه، و ليس الخبر كشهادة الشاهد حيث لا يجوز الأخذ ببعض مدلولها دون بعض.

تمّ الكلام بحمد اللّه في تعارض الأدلّة

وقع الفراغ من تحرير هذا الكتاب، و لاح بدر تمامه بيد مؤلفه جعفر السبحاني

ابن الفقيه الشيخ محمد حسين الخياباني التبريزي قدّس اللّه سرّه

يوم الأحد الثامن من شهر رجب المرجب

من شهور عام 1418 من الهجرة النبوية

علي هاجرها و آله ألف صلاة و تحية.

آشنايي با علوم اسلامي اصول (شهيد مطهري)

درس اول: مقدمه

درس اول: مقدمه

درس اول: مقدمه

موضوع بحث ما در اين بخش، كلياتي درباره «علم اصول است. فقه و اصول دو علم به هم وابسته مي باشند. وابستگي آنها به يكديگر، چنانكه بعدا روشن خواهد شد، نظير وابستگي فلسفه و منطق است. علم اصول به منزله مقدمه اي براي «علم فقه است و لهذا آن را «اصول فقه يعني «پايه ها» و «ريشه ها» ي فقه مي نامند.

نخست لازم است تعريف مختصري از اين دو

علم به دست دهيم.

«فقه در لغت به معني فهم است، اما فهم عميق. اطلاعات ما درباره امور و جريانهاي جهان دو گونه است. گاهي اطلاعات ما سطحي است و گاهي عميق است. از امور اقتصادي مثال مي آوريم. ما دائما مشاهده مي كنيم كه كالائي در سالهاي پيش موجود نبود اكنون به بازار آمده است و بر عكس يك سلسله كالاهاي ديگر كه موجود بود اكنون يافت نمي شود، قيمت فلان كالا مرتب بالا مي رود و قيمت فلان كالاي ديگر فرضا ثابت است.

اين اندازه اطلاعات براي عموم ممكن است حاصل شود و سطحي است. ولي بعضي افراد اطلاعاتشان درباره اين مسائل عميق است و از سطح ظواهر به اعماق جريانها نفوذ مي كند و آنها كساني هستند كه به ريشه اين جريانها پي برده اند، يعني مي دانند كه چه جرياني موجب شده كه فلان كالا فراوان شود و فلان كالاي ديگر ناياب، فلان كالا گران شود و فلان كالا ارزان و چه چيز موجب شده كه سطح قيمتها مرتب بالا رود. تا چه اندازه اين جريانها ضروري و حتمي و غير قابل اجتناب است و تا چه اندازه قابل جلوگيري است.

اگر كسي اطلاعاتش در مسائل اقتصادي به حدي برسد كه از مشاهدات سطحي عبور كند و به عمق جريانها پي ببرد او را «متفقه در اقتصاد بايد خواند.

مكرر در قرآن كريم و اخبار و روايات ماثوره از رسول اكرم و ائمه اطهار امر به «تفقه در دين شده است. از مجموع آنها چنين استنباط مي شود كه نظر اسلام اين است كه مسلمين، اسلام را در همه شؤون عميقا و از روي كمال بصيرت درك كنند. البته تفقه در دين كه

مورد عنايت اسلام است شامل همه شؤون اسلامي است اعم از آنچه مربوط است به اصول اعتقادات اسلامي و جهان بيني اسلامي و يا اخلاقيات و تربيت اسلامي و يا اجتماعيات اسلامي و يا عبادات اسلامي و يا مقررات مدني اسلامي و يا آداب خاص اسلامي در زندگي فردي و يا اجتماعي و غيره. ولي آنچه در ميان مسلمين از قرن دوم به بعد در مورد كلمه «فقه مصطلح شد قسم خاص است كه مي توان آن را «فقه الاحكام يا «فقه الاستنباط خواند و آن عبارت است از: «فهم دقيق و استنباط عميق مقررات عملي اسلامي از منابع و مدارك مربوطه.

احكام و مقررات اسلامي درباره مسائل و جريانات، به طور جزئي و فردي و به تفصيل درباره هر واقعه و حادثه بيان نشده است - و امكان هم ندارد، زيرا حوادث و واقع در بي نهايت شكل و صورت واقع مي شود - بلكه به صورت يك سلسله اصول، كليات و قواعد بيان شده است.

يك نفر فقيه كه مي خواهد حكم يك حادثه و مساله را بيان كند بايد به منابع و مدارك معتبر كه بعدا درباره آنها توضيح خواهيم داد مراجعه كند و با توجه به همه جواب نظر خود را بيان نمايد. اين است كه فقاهت توام است با فهم عميق و دقيق و همه جانبه.

فقها در تعريف فقه اين عبارت را به كار برده اند:

هو العلم بالاحكام الشرعية الفرعية عن ادلتها التفصيلية.

يعني فقه عبارت است از علم به احكام فرعي شرع اسلام (يعني نه مسائل اصول اعتقادي يا تربيتي بلكه احكام عملي) از روي منابع و ادله تفصيلي. (بعدا درباره اين منابع و مدارك توضيح

خواهيم داد).

اصول فقه

براي فقيه، تسلط بر علوم زيادي مقدمتا لازم است. آن علوم عبارت است از:

1. ادبيات عرب، يعني نحو، صرف، لغت، معاني، بيان، بديع. زيرا قرآن و حديث به زبان عربي است و بدون دانستن - لا اقل در حدود متعارف - زبان و ادبيات عربي استفاده از قرآن و حديث ميسر نيست.

2. تفسير قرآن مجيد. نظر به اينكه فقيه بايد به قرآن مجيد مراجعه كند آگاهي اجمالي به علم تفسير براي فقيه ضروري است.

3. منطق. هر علمي كه در آن استدلال به كار رفته باشد نيازمند به منطق است. از اين رو فقيه نيز بايد كم و بيش وارد در علم منطق باشد.

4. علم حديث. فقيه بايد حديث شناس باشد و اقسام احاديث را بشناسد و در اثر ممارست زياد با زبان حديث آشنا بوده باشد.

5. علم رجال. علم رجال يعني راوي شناسي. بعدها بيان خواهيم كرد كه احاديث را در بست از كتب حديث نمي توان قبول كرد، بلكه بايد مورد نقادي قرار گيرد. علم رجال براي نقادي اسناد احاديث است.

6. علم اصول فقه. مهمترين علمي كه در مقدمه فقه ضروري است كه آموخته شود علم «اصول فقيه است كه علمي است شيرين و جزء علوم ابتكاري مسلمين است.

علم اصول در حقيقت «علم دستور استنباط است. اين علم روش صحيح استنباط از منابع فقه را در فقه به ما مي آموزد. از اين رو علم اصول مانند علم منطق يك علم «دستوري است و به «فن نزديكتر است تا «علم يعني در اين علم درباره يك سلسله «بايد ها سخن مي رود نه درباره يك سلسله «است ها.

بعضي خيال كرده اند كه مسائل علم اصول مسائلي است

كه در علم فقه به آن شكل مورد استفاده واقع مي شود كه @مبادء يعني مقدمتين قياسات يك علم در آن علم مورد استفاده قرار مي گيرد. از اين رو گفته اند كه مسائل و نتايج در علم اصول @ «كبريات علم فقه است.

ولي اين نظر صحيح نيست. همچنانكه مسائل منطق «كبريات فلسفه قرار نمي گيرند مسائل اصول نيز نسبت به فقه همين طورند. اين مطلب دامنه درازي دارد كه اكنون فرصت آن نيست.

نظر به اينكه رجوع به منابع و مدارك فقه به گونه هاي خاص ممكن است صورت گيرد و احيانا منجر به استنباطهاي غلط مي گردد كه بر خلاف واقعيت و نظر واقعي شارع اسلام است، ضرورت دارد كه در يك علم خاص، از روي ادله عقلي و نقلي قطعي تحقيق شود كه گونه صحيح مراجعه به منابع و مدارك فقه و استخراج و استنباط احكام اسلامي چيست؟ علم اصول اين جهت را بيان مي كند.

از صدر اسلام، يك كلمه ديگر كه كم و بيش مرادف كلمه «فقه است در ميان مسلمين معمول شده است و آن كلمه «اجتهاد» است. امروز در ميان ما كلمه «فقيه و كلمه «مجتهد» مرادف يكديگرند.

اجتهاد از ماده «جهد» (به ضم جيم) است كه به معني منتهاي كوشش است. از آن جهت به فقيه، مجتهد گفته مي شود كه بايد منتهاي كوشش و جهد خود را در استخراج و استنباط احكام به كار ببرد.

كلمه «استنباط نيز مفيد معني اي شبيه اينها است. اين كلمه از ماده «نبط مشتق شده است كه به معني استخراج آب تحت الارضي است. گوئي فقها كوشش و سعي خويش را در استخراج احكام تشبيه كرده اند به عمليات مقنيان كه از زير قشرهاي

زيادي بايد آب زلال احكام را ظاهر نمايند.

درس دوم: منابع فقه

درس دوم: منابع فقه

درس دوم: منابع فقه

در درس اول دانستيم كه علم اصول فقيه، به ما راه و روش و دستور صحيح استنباط احكام شرعي را از منابع اصلي مي آموزد. پس بايد بدانيم كه آن منابع چيست و چند تا است؟ و آيا همه مذاهب و فرق اسلامي درباره آن منابع از هر جهت وحدت نظر دارند يا اختلاف نظر دارند؟ اگر اختلاف نظري هست چيست؟ اول نظر علماء و فقهاء شيعه را درباره منابع فقه بيان مي كنيم و ضمن توضيح هر يك از منابع، نظر علماء ساير مذاهب اسلامي را نيز بيان مي كنيم:

منابع فقيه از نظر شيعه (به استثناء گروه قليلي به نام «اخباريين كه بعدا درباره نظريات آنها بحث خواهيم كرد) چهار تا است:

1. كتاب خدا «قرآن (و از اين پس به تعبير فقهاء و اصوليين به طور اختصار با عنوان «كتاب ياد مي كنيم).

2. سنت. يعني قول و فعل و تقرير پيغمبر يا امام.

3. اجماع.

4. عقل.

اين چهار منبع در اصطلاح فقهاء و اصوليون «ادله اربعه خوانده مي شوند. معمولا مي گويند علم اصول در اطراف ادله اربعه بحث مي كند. اكنون لازم است درباره هر يك از اين چهار منبع توضيحاتي بدهيم و ضمنا نظر ساير مذاهب اسلامي و همچنين گروه اخباريين شيعه را نيز بيان نمائيم.

بحث خود را از كتاب خدا آغاز مي كنيم.

@قرآن

بدون شك قرآن مجيد اولين منبع احكام و مقررات اسلام است. البته آيات قرآن منحصر به احكام و مقررات علمي نيست، در قرآن صدها گونه مساله طرح شده است، ولي قسمتي از آنها كه گفته شده در حدود پانصد آيه از مجموع شش هزار و

ششصد و شصت آيه قرآن، يعني در حدود يك سيزدهم [آيات قرآن است] به احكام اختصاص يافته است.

علماء اسلام كتب متعددي درباره خصوص همين آيات تاليف كرده اند. معروفترين آنها در ميان ما شيعيان كتاب «آيات الاحكام مجتهد و زاهد متقي معروف ملا احمد اردبيلي معروف به مقدس اردبيلي است كه در قرن دهم هجري مي زيسته است و معاصر با شاه عباس كبير است و ديگر كتاب «كنز العرفان تاليف فاضل مقداد سيوري حلي از علماء قرن هشتم و اوايل قرن نهم هجري است. در ميان اهل تسنن نيز كتابهايي در خصوص آيات الاحكام نوشته شده است.

مسلمين از صدر اسلام، براي استنباط احكام اسلامي در درجه اول به قرآن مجيد رجوع كرده و مي كنند، ولي تقريبا مقارن با ظهور صفويه در ايران جرياني پيش آمد و فرقه اي ظاهر شدند كه حق رجوع مردم عادي را به قرآن مجيد ممنوع دانستند، مدعي شدند كه تنها پيغمبر و امام حق رجوع به قرآن دارند، ديگران عموما بايد به سنت يعني اخبار و احاديث رجوع كنند.

اين گروه همانطور كه رجوع به قرآن را ممنوع اعلام كردند، رجوع به اجماع و عقل را نيز جايز ندانستند زيرا مدعي شدند كه اجماع ساخته و پرداخته اهل تسنن است، عقل هم به دليل اينكه جايز الخطا است قبل اعتماد نيست، پس تنها منبعي كه بايد به آن رجوع كرد اخبار و احاديث است. از اين رو اين گروه «اخباريين خوانده شدند.

اين گروه به موازات انكار حق رجوع به قرآن و انكار حجيت اجماع و عقل، اساسا اجتهاد را منكر شدند، زيرا اجتهاد چنانكه قبلا گفته شد، عبارت است از فهم دقيق و

استنباط عميق و بديهي است كه فهم عميق بدون به كار افتادن عقل و اعمال نظر ناميسر است. اين گروه معتقد شدند كه مردم مستقيما - بدون وساطت گروهي به نام مجتهدين - بايد به اخبار و احاديث مراجعه كنند، آن چنان كه عوام الناس به رساله هاي عمليه مراجعه مي كنند و وظيفه خود را در مي يابند.

سر دسته اين گروه مردي است به نام «امين استرآبادي كه در كليات منطق، فصل «ارزش قياس از او نام برديم. كتاب معروفي دارد به نام «فوائد المدنيه و عقايد خود را در آن كتاب ذكر كرده است. اهل ايران است اما سالها مجاور مكه و مدينه بوده است.

ظهور اخباريين و گرايش گروه زيادي به آنها در برخي شهرستانهاي جنوبي ايران و در جزاير خليج فارس و برخي شهرهاي مقدس عراق ركود و انحطاط زيادي را موجب گشت، ولي خوشبختانه در اثر مقاومت شايان و قابل توجه مجتهدين عاليمقامي، جلو نفوذشان گرفته شد و اكنون جز اندكي در گوشه و كنار يافت نمي شوند.

سنت

سنت يعني گفتار يا كردار يا تاييد معصوم. بديهي است كه اگر در سخنان رسول اكرم يك حكمي بيان شده باشد و يا ثابت شود كه رسول اكرم عملا وظيفه اي ديني را چگونه انجام مي داده است و يا محقق شود كه ديگران برخي وظائف ديني را در حضور ايشان به گونه اي انجام مي دادند و مورد تقرير و تاييد و امضاء عملي ايشان قرار گرفته است، يعني ايشان عملا با سكوت خود صحه گذشته اند، كافي است كه يك فقيه بدان استناد كند.

در مورد «سنت و حجيت آن، از نظر كلي بحثي نيست و مخالفي وجود ندارد. اختلافي كه در

مورد سنت است در دو جهت است: يكي اينكه آيا تنها سنت نبوي حجت است يا سنت مروي از ائمه معصومين هم حجت است؟ اهل تسنن تنها سنت نبوي را حجت مي شمارند ولي شعيان به حكم برخي از آيات قرآن مجيد و احاديث متواتر از رسول اكرم كه خود اهل تسنن روايت كرده اند و از آن جمله اينكه فرمود: «دو چيز گرانبها بعد از خود براي شما باقي مي گذاريم كه به آنها رجوع كنيد و مادام كه به اين دو رجوع نمائيد گمراه نخواهيد شد: كتاب خدا و عترتم به قول و فعل و تقرير ائمه اطهار نيز استناد مي كنند.

جهت ديگر اين است كه سنت مرويه از رسول خدا و ائمه اطهار گاهي قطعي و متواتر است و گاهي ظني است و به اصطلاح «خبر واحد» است. آيا به سنن غير قطعي رسول خدا نيز بايد مراجعه كرد يا نه؟

اينجا است كه نظريات تا حد افراط و تفريط نوسان پيدا كرده است. برخي مانند ابو حنيفه به احاديث منقوله بي اعتنا بوده اند. گويند ابو حنيفه در ميان همه احاديث مرويه از رسول خدا تنها هفده حديث را قابل اعتماد مي دانسته است.

برخي ديگر به احاديث ضعيف نيز اعتماد مي كرده اند. ولي علماء شيعه معقتدند كه تنها حديث صحيح و موثق قابل اعتماد است، يعني اگر راوي حديث شيعه و عادل باشد و يا لا اقل شخص راستگو و مورد وثوقي باشد به روايتش مي توان اعتماد كرد. پس بايد راويان حديث را بشناسيم و در احوال آنها تحقيق كنيم، اگر ثابت شد كه همه راويان يك حديث مردماني راستگو و قابل اعتماد هستند به روايت آنها اعتماد مي كنيم.

بسياري از علماء اهل تسنن نيز بر همين عقيده اند. به همين جهت «علم رجال يعني علم راوي شناسي در ميان مسلمين به وجود آمد.

ولي اخباريين شيعه كه ذكرشان گذشت تقسيم احاديث را به صحيح و موثق و ضعيف ناروا دانستند و گفتند همه احاديث خصوصا احاديث موجود در كتب اربعه يعني «كافي ، «من لا يحضره الفقيه ، «تهذيب الاحكام و «استبصار» معتبرند. در ميان اهل تسنن نيز برخي چنين نظريات افراطي داشته اند.

اجماع

اجماع يعني اتفاق آراء علماء مسلمين در يك مساله. از نظر علماء شيعه، اجماع از آن نظر حجت است كه اگر عموم مسلمين در يك مساله وحدت نظر داشته باشند دليل بر اين است كه اين نظر را از ناحيه شارع اسلام تلقي كرده اند. امكان ندارد كه مسلمين در يك مساله اي از پيش خود وحدت نظر پيدا كنند. علي هذا آن اجماعي حجت است كه كاشف از قول پيغمبر يا امام باشد.

مثلا اگر معلوم گردد كه در يك مساله اي همه مسلمانان عصر پيغمبر بلا استثناء يك نوع نظر داشته اند و يك نوع عمل كرده اند دليل بر اين است كه از پيغمبر اكرم تلقي كرده اند و يا اگر همه اصحاب يكي از ائمه اطهار كه جز از ائمه دستور نمي گرفته اند در يك مساله وحدت نظر داشته باشند دليل بر اين است كه از مكتب امام خود آن را فرا گرفته اند. علي هذا از نظر شيعه اجماعي حجت است كه مستند به قول پيغمبر يا امام باشد و از اين، دو نتيجه گرفته مي شود:

الف: از نظر شيعه تنها اجماع علماء معاصر پيغمبر يا امام حجت است. پس اگر در زمان ما همه علماء اسلام بدون

استثناء بر يك مساله اجماع نمايند به هيچ وجه براي علماء زمان بعد حجت نيست.

ب: از نظر شيعه، اجماع اصالت ندارد. يعني حجيت اجماع از آن نظر نيست كه اجماع و اتفاق آراء است، بلكه از آن نظر است كه كاشف قول پيغمبر يا امام است.

اما از نظر علماء اهل تسنن اجماع اصالت دارد. يعني اگر علماء اسلامي (و به اصطلاح اهل حل و عقد) در يك مساله در يك زمان (هر زماني و لو زمان ما) وحدت نظر پيدا كنند حتما نظرشان صائب است. مدعي هستند كه ممكن است بعضي از امت خطا كنند و بعضي نه، اما ممكن نيست همه بالاتفاق خطا نمايند.

از نظر اهل تسنن توافق آراء همه امت در يك زمان در حكم وحي الهي است و در حقيقت هم امت در حين توافق در حكم پيغمبرند كه آنچه بر آنها القاء مي شود حكم خدا است و خطا نيست.

عقل

حجيت عقل از نظر شيعه به اين معني است كه اگر در موردي عقل يك حكم قطعي داشت، آن حكم به حكم اينكه قطعي و يقيني است حجت است.

اينجا اين پرسش پيش مي آيد كه آيا مسائل شرعي در حوزه حكم عقل هست تا عقل بتواند حكم قطعي درباره آنها بنمايد يا نه؟ ما به اين پرسش آنگاه كه به تفصيل درباره كليات مسائل علم اصول بحث مي كنيم پاسخ خواهيم گفت.

گروه اخباريين شيعه چنانكه قبلا هم بدان اشاره كرديم عقل را به هيچ وجه حجت نمي شمارند.

در ميان نحله هاي فقهي اهل تسنن يعني مذاهب حنفي، شافعي، مالكي، حنبلي، ابو حنيفه قياس را دليل چهارم مي شمارد. از نظر حنفيها منابع فقه چهار است: كتاب، سنت، اجماع،

قياس. قياس همان چيزي است كه در منطق به نام تمثيل خوانديم.

مالكيها و حنبليها، خصوصا حنبليها، هيچگونه توجهي به قياس ندارند، اما شافعيها به پيروي از پيشواشان محمد بن ادريس شافعي حالت بين بين دارند، يعني بيش از حنفيها به حديث توجه دارند و بيش از مالكيها و حنبليها به قياس.

در اصطلاح فقهاء قديم گاهي به قياس «راي يا «اجتهاد راي هم اطلاق مي كرده اند.

از نظر علماء شيعه، به حكم اينكه قياس صرفا پيروي از ظن و گمان و خيال است و به حكم اينكه كلياتي كه از طرف شارع مقدس اسلام و جانشينان او رسيده است وافي به جوابگوئي است، رجوع به قياس به هيچ وجه جايز نيست.

درس سوم: تاريخچه مختصر

درس سوم: تاريخچه مختصر

براي يك دانشجو كه مي خواهد علمي را تحصيل كند و يا اطلاعاتي درباره آن كسب كند لازم است كه آغاز پيدايش آن علم، پديد آورنده آن، سير تحولي آن علم در طول قرون، قهرمانان و صاحبنظران معروف آن علم و كتابهاي معروف و معتبر آن علم را بشناسد و با همه آنها آشنائي پيدا كند.

علم اصول از علومي كه در دامن فرهنگ اسلامي تولد يافته و رشد كرده است. معروف اين است كه مخترع علم اصول محمد بن ادريس شافعي است. ابن خلدون در مقدمه معروف خود در بخشي كه درباره علوم و صنايع بحث مي كند مي گويد:

«اول كسي كه در علم اصول كتاب نوشت، شافعي بود كه كتاب معروف خود به نام «الرساله را نوشت و در آن رساله درباره اوامر و نواهي و بيان و خبر و نسخ و قياس منصوص العله بحث كرد. پس از او علماء حنفيه در اين باره كتاب

نوشتند و تحقيقات وسيع به عمل آوردند».

همانطور كه مرحوم سيد حسن صدر اعلي الله مقامه در كتاب نفيس «تاسيس الشيعة لعلوم الاسلام نوشته اند، قبل از شافعي مسائل اصول از قبيل اوامر و نواهي و عام و خاص و غيره مطرح بوده است و درباره هر يك از آنها از طرف علماء شيعه رساله نوشته شده است.

شايد بتوان گفت شافعي اول كسي است كه رساله جامعي درباره همه مسائل اصول مطروحه در زمان خودش نوشته است.

برخي مستشرقين پنداشته اند كه اجتهاد در شيعه دويست سال بعد از اهل تسنن پيدا شد، زيرا شيعه در زمان ائمه اطهار نيازي به اجتهاد نداشت و در نتيجه نيازي به مقدمات اجتهاد نداشت. ولي اين نظريه به هيچ وجه صحيح نيست.

اجتهاد به معني صحيح كلمه يعني «تفريع و رد فروع بر اصول و تطبيق اصول بر فروع، از زمان ائمه اطهار در شيعه وجود داشته است و ائمه اطهار به اصحابشان دستور مي دادند كه تفريع و اجتهاد نمايند. (1)

البته و بدون شك، به واسطه روايات زيادي كه از ائمه اطهار در موضوعات و مسائل مختلف وارد شده است، فقه شيعه بسي غني تر شده است و نياز به تلاشهاي اجتهادي كمتر گرديده است. در عين حال شيعه خود را از تفقه و اجتهاد بي نياز نمي دانسته است و ائمه اطهار مخصوصا دستور تلاش اجتهاد مآبانه به برجستگان از اصحاب خود مي داده اند. اين جمله در كتب معتبر از ائمه اطهار روايت شده است: علينا القاء الاصول و عليكم ان تفرعوا.

بر ما است كه قواعد و كليات را بيان كنيم و بر شماست كه آن قواعد و كليات را بر فروع و جزئيات تطبيق دهيد.

در ميان علماء

شيعه، اولين شخصيت برجسته اي كه در علم اصول كتبي تاليف كرد و آراء او در علم اصول قرنها مورد بحث بود سيد مرتضي علم الهدي بود. سيد مرتضي كتب زيادي در علم اصول تاليف كرد. معروف ترين كتب او كتاب «ذريعه است.

سيد مرتضي برادر سيد رضي است كه جامع نهج البلاغه است. سيد مرتضي در اواخر قرن چهارم و اوايل قرن پنجم هجري مي زيسته است. وفاتش در سال 436 واقع شده است. سيد مرتضي شاگرد متكلم معروف شيعه شيخ مفيد (متوفا در سال 413) است و شيخ مفيد شاگرد شيخ صدوق معروف به ابن بابويه (متوفا در سال 381) است كه در شهر ري مدفون است.

پس از سيد مرتضي شخصيت معروفي كه در علم اصول كتاب نوشت و آراء و عقائدش سه چهار قرن نفوذ فوق العاده داشت شيخ ابو جعفر طوسي متوفي در سال 460 است.

شيخ طوسي شاگرد سيد مرتضي است و مقداري هم درس شيخ مفيد را درك كرده است. حوزه نجف كه حدود هزار سال از عمر آن مي گذرد وسيله اين مرد بزرگ تاسيس شد. كتاب اصول شيخ طوسي به نام «عدة الاصول است.

شخصيت ديگري كه كتاب و آرائش در اصول معروف شد صاحب معالم است. وي نامش شيخ حسن است و پسر شهيد ثاني صاحب «شرح لمعه است. كتاب معالم از كتب معروف علم اصول است و هنوز هم مورد استفاده طلاب علوم دينيه است. صاحب معالم در سال 1011 هجري در گذشته است.

يكي ديگر از اين شخصيتها مرحوم وحيد بهبهاني است كه در سال 1118 متولد شده است و در سال 1208 در گذشته است.

اهميت مرحوم وحيد بهبهاني يكي در اين است

كه شاگردان بسيار مبرزي با ذوق فقاهت و اجتهاد تربيت كرد، از قبيل سيد مهدي بحر العلوم، شيخ جعفر كاشف الغطاء، ميرزا ابوالقاسم گيلاني معروف به ميزاي قمي و عده اي ديگر. ديگر اينكه مبارزه اي پيگير با گروه اخباريين كه در آن زمان نفوذ زيادي داشته اند كرد و شكست سختي به آنها داد. پيروزي روش فقاهت و اجتهاد بر روش اخباريگري تا حد زيادي مديون زحمات مرحوم وحيد بهبهاني است.

يكي ديگر از اين شخصيتها كه علم اصول را جلو برد مرحوم ميرزا ابو القاسم گيلاني قمي سابق الذكر است كه شاگرد وحيد بهبهاني بود و معاصر با فتحعليشاه و فوق العاده مورد احترام او بوده است. كتاب «قوانين الاصول كه سالها در حوزه هاي علميه قديم تدريس مي شد و اكنون نيز مورد استفاده است و كم و بيش تدريس مي شود اثر اين مرد بزرگ است.

در صد ساله اخير مهمترين شخصيت اصولي كه همه را تحت الشعاع قرار داده و علم اصول را وارد مرحله جديدي كرد استاد المتاخرين حاج شيخ مرتضي انصاري است.

اين مرد بزرگ در سال 1214 در دزفول متولد شد و پس از تحصيل مقدمات علوم اسلام و قسمتي فقه و اصول به بلاد مختلف عراق و ايران در جستجوي علماء صاحبنظران مسافرتها كرد و استفاده ها نمود و بالاخره رحل اقامت در نجف افكند و در سال 1266 كه صاحب جواهر فوت كرد مرجعيت شيعه به او محول شد و در سال 1281 در گذشت. آراء و نظريات او هنوز محور بحث است.

كساني كه بعد از او آمده اند همه پيرو مكتب او هستند. هنوز مكتبي كه مكتب شيخ انصاري را به كلي دگرگون كند به

وجود نيامده است، ولي شاگردان مكتب او آراء و نظريات زيادي بر اساس همان مكتب آورده اند كه احيانا نظر او را نسخ كرده است. شيخ انصاري دو كتاب معروف دارد يكي «فرائد الاصول كه در علم اصول است و ديگر «مكاسب كه در فقه است و هر دو هم اكنون از كتب درسي حوزه هاي علوم دينيه است.

در ميان شاگردان مكتب شيخ انصاري از همه معروفتر و مشخصتر مرحوم آخوند ملا محمد كاظم خراساني صاحب «كفاية الاصول است. آراء و نظريات مرحوم آخوند خراساني همواره در حوزه هاي علمي مطرح است.

اين مرد بزرگ همان است كه فتوا به مشروطيت داد و در برقرار رژيم مشروطه ايران سهم به سزايي دارد و نامش در كتب تاريخ مشروطه ايران همواره برده مي شود. وي در سال 1329 هجري قمري در گذشت.

بعد از مرحوم آخوند خراساني نيز آراء و افكار جديد در علم اصول زيا پيدا شده است و برخي از آنها فوق العاده از دقت نظر و موشكافي برخوردار است.

در ميان علوم اسلامي هيچ علمي به اندازه علم اصول «پويا» و متغير و متحول نبوده است و هم اكنون نيز شخصيتهاي مبرزي وجود دارند كه در اين علم صاحبنظر شمرده مي شوند.

علم اصول، نظر به اينكه سر و كارش با محاسبات عقلي و ذهني است و موشكافي زياد دارد، علمي شيرين و دلپذير است و ذهن دانشجو را جلب مي كند. براي ورزش فكري و تمرين دقت ذهن در رديف منطق و فلسفه است. طلاب علوم قديمه دقت نظر خود را بيشتر مديون علم اصول مي باشند.

پي نوشت

1 - براي توضيح بيشتر اين مطلب رجوع شود به نشريه سالانه مكتب تشيع شماره 3 مقاله

«اجتهاد در اسلام به قلم مرتضي مطهري [و يا كتاب ده گفتار] و به جلد دوم كتاب هزاره شيخ طوسي، مقاله «الهامي از شيخ الطائفه به قلم مرتضي مطهري [و يا كتاب تكامل اجتماعي انسان].

درس چهارم: مسائل علم اصول

درس چهارم: مسائل علم اصول

مسائل علم اصول

ما براي آشنائي دانشجويان محترم به مسائل علم اصول كلياتي ذكر مي كنيم ولي از ترتيبي كه اصوليون دارند پيروي نمي كنيم، بلكه ترتيب نوي كه خود آن را بهتر مي دانيم به مطالب مي دهيم.

قبلا گفتيم كه علم اصول علم دستوري است، يعني روش و راه استنباط صحيح احكام را از منابع اصلي به ما مي آموزد. علي هذا مسائل علم اصول همه مربوط است به منابع چهارگانه اي كه در درس دوم شرح داديم. از اينرو مسائل علم اصول يا مربوط است به كتاب و يا به سنت (و يا به هر دو) و يا به اجماع و يا به عقل.

اكنون مي گوئيم احيانا ممكن است در مواردي بر بخوريم به اينكه از هيچ يك از منابع چهارگانه نتوانيم حكم اسلامي را استنباط كنيم، يعني راه استنباط بر ما مسدود باشد. در اين موارد شارع اسلام سكوت نكرده است و يك سلسله قواعد و وظائف عملي كه از آنها به «حكم ظاهري مي توانيم تعبير كنيم، براي ما مقرر كرده است. به دست آوردن وظيفه عملي ظاهري پس از مايوس شدن از استنباط حكم واقعي نيز خود نيازمند به اين است كه ما راه و روش و دستور استفاده از آن قواعد را بياموزيم.

علي هذا علم اصول كه علم دستوري است دو قسمت مي شود. يك قسمت آن عبارت است از دستور استنباط صحيح احكام شرعي واقعي از منابع مربوطه. قسمت

ديگر مربوط است به دستور صحيح استفاده از يك سلسله قواعد عملي در صورت ياس از استنباط. ما بخش اول را مي توانيم «اصول استنباطيه و بخش دوم را «اصول عمليه بناميم و نظر به اينكه اصول استنباطيه يا مربوط است به استنباط از كتاب و يا از سنت و يا اجماع و يا از عقل، مسائل اصول استنباطيه منقسم مي شود به چهار مبحث. بحث خود را از مبحث كتاب آغاز مي كنيم.

حجيت ظواهر كتاب

در علم اصول مباحث زيادي كه اختصاص به قرآن داشته باشد نداريم. غالب مباحث مربوط به قرآن، مشترك است ميان كتاب و سنت. تنها مبحث اختصاصي قرآن، مبحث «حجيت ظواهر» است، يعني آيا ظاهر قرآن قطع نظر از اينكه وسيله حديثي تفسير شده باشد حجت است و فقيه مي تواند آن را مستند قرار دهد يا خير؟

به نظر عجيب مي آيد كه اصوليون چنين مبحثي را طرح كرده اند. مگر جاي ترديد است كه يك فقيه مي تواند ظواهر آيات كريمه قرآن را مورد استناد قرار دهد؟.

اين مبحث را اصوليون شيعه براي رد شبهات گروه اخباريين طرح كرده اند. اخباريين - چنانكه قبلا اشاره شد - معتقدند كه احدي غير از معصومين حق رجوع و استفاده و استنباط از آيات قرآن را ندارد و به عبارت ديگر: همواره استفاده مسلمين از قرآن بايد به صورت غير مستقيم بوده باشد، يعني به وسيله اخبار و روايات وارده از اهل بيت.

اخباريين در اين مدعا به اخباري استناد مي كنند كه «تفسير به راي را منع كرده است. اخباريون مدعي هستند كه معني هر آيه اي را از حديث بايد استفسار كرد، فرضا ظاهر آيه اي بر مطلبي دلالت كند، ولي حديثي آمده باشد

و بر ضد ظاهر آن آيه باشد، ما بايد به مقتضاي حديث عمل كنيم و بگوئيم معني واقعي آيه را ما نمي دانيم. علي هذا اخبار و احاديث «مقياس آيا قرآنيه اند.

ولي اصوليون ثابت مي كنند كه استفاده مسلمين از قرآن به صورت مستقيم است، معني تفسير به راي كه نهي شده اين نيست كه مردم حق ندارند با فكر و نظر خود معني قرآن را بفهمند، بلكه مقصود اين است كه قرآن را بر اساس ميل و هواي نفس و مغرضانه نبايد تفسير كرد.

اصوليون مي گويند خود قرآن تصريح مي كند و فرمان مي دهد كه مردم در آن «تدبر» كنند و فكر خود را در معاني بلند قرآن به پرواز درآورند، پس مردم حق دارند كه مستقيما معاني آيات قرآنيه را در حدود توانايي به دست آورند و عمل نمايند. به علاوه در اخبار متواتره وارد شده كه پيغمبر اكرم و ائمه اطهار از اينكه اخبار و احاديث مجعوله پيدا شده و به نام آنها شهرت يافته ناليده و رنج برده اند و براي جلوگيري از آنها مساله «عرضه بر قرآن را طرح كرده اند. فرموده اند كه هر حديثي كه از ما روايت شده بر قرآن عرضه كنيد اگر ديديد مخالف قرآن است بدانيد كه ما نگفته ايم، آن را به ديوار بزنيد.

پس معلوم مي شود بر عكس ادعاي اخباريين، احاديث، معيار و مقياس قرآن نيستند، بلكه قرآن معيار و مقياس اخبار و روايات و احاديث است.

ظواهر سنت

درباره حجيت ظواهر سنت، احدي بحثي ندارد، ولي در باب سنت كه مقصود همان اخبار و روايات است كه قول يا فعل يا تقرير پيغمبر يا امام را بازگو كرده است دو مطلب مهم وجود دارد

كه اصوليون درباره آنها بحث مي كند. يكي حجيت خبر واحد است، ديگر مسئله تعارض اخبار و روايات است. از اين رو دو فصل مهم و پرشاخه در علم اصول باز شده يكي به نام «خبر واحد» و ديگر به نام «تعادل و تراجيح.

خبر واحد

خبر واحد يعني روايتي كه از پيغمبر يا امام نقل شده ولي راوي يك نفر است و يا چند نفرند ولي به مرحله تواتر نرسيده است، يعني در مرحله اي نيست كه موجب يقين بشود. آيا چنين اخباري را مي توان مبناي استنباط قرار داد يا نه؟

اصوليون معتقدند كه اگر راوي يا راويان عادل باشند و لا اقل اگر اطميناني به راستگوئي آنان باشد مي توان روايات آنها را مورد استناد قرار داد. يكي از ادله اصوليون بر اين مدعا آيه «نبا» است كه مي فرمايد:

ان جائكم فاسق بنبا فتبينوا. (1)

اگر فاسقي خبري به شما داد درباره خبر او تحقيق كنيد و تحقيق نكرده به آن ترتيب اثر ندهيد.

مفهوم آيه اين است كه اگر فرد عادل و مورد اعتمادي خبري به شما داد ترتيب اثر بدهيد. پس مفهوم اين آيه دليل بر حجيت خبر واحد است.

تعادل و تراجيح

اما مساله تعارض اخبار و روايات. بسيار اتفاق مي افتد كه در مورد يك چيز، اخبار و روايات با يكديگر تعارض دارند و بر ضد يكديگرند. مثلا آيا در ركعت سوم و چهارم نماز يوميه لازم است تسبيحات اربعه سه بار گفته شود يا يك نوبت كافي است؟ از برخي روايات استفاده مي شود كه لازم است سه مرتبه خوانده شود و از يك روايت استفاده مي شود كه يك مرتبه كافي است. يا درباره اينكه فروختن كود آدمي جايز است يا

نه، روايات مختلف است.

در اينگونه روايات چه بايد كرد؟ آيا بايد گفت: اذا تعارضا تساقطا يعني در اثر تعارض هر دو سقوط مي كنند و مانند اين است كه روايتي نداريم، يا مخيريم كه به هر كدام كه مي خواهيم عمل كنيم و يا بايد عمل به احتياط كنيم و هر روايت كه با احتياط مطابقتر است به آن عمل كنيم (مثلا در مساله تسبيحات اربعه به روايتي عمل كنيم كه مي گويد سه نوبت بخوان و در مساله خريد و فروش كود آدمي به آن روايت عمل كنيم كه مي گويد جايز نيست) و يا راه ديگري در كار است؟

اصوليون ثابت مي كنند كه اولا تا حدي كه ممكن است بايد ميان روايات مختلف جمع كرد: الجمع مهما امكن اولي من الطرح. (2) اگر جمع ميان آنها ممكن نشد بايد ديد يك طرف بر طرف ديگر از يك لحاظ (مثلا از حيث اعتبار سند يا از حيث مشهور بودن ميان علماء و يا از حيث مخالف تقيه بودن و غير اينها) رجحان دارد يا ندارد. اگر يك طرف رجحان دارد همان طرف راجح را مي گيري و طرف ديگر را طرح مي كنيم و اگر از هر حيث مساوي هستند و رجحاني در كار نيست، مخيريم كه به هر كدام بخواهيم عمل كنيم.

در خود اخبار و احاديث دستور رسيده است كه در موقع تعارض اخبار چه بايد كرد. اخباري كه ما را به طرز حل مشكل تعارض اخبار و روايات راهنمائي مي كند «اخبار علاجيه ناميده مي شوند.

اصوليون نظر خود را درباره تعارض اخبار و روايات به استناد همين اخبار علاجيه ابراز داشته اند. اصوليون نام آن باب از اصول را كه درباره اين

مساله بحث مي كند باب «تعادل و تراجيح نهاده اند.

«تعادل يعني تساوي و برابري. «تراجيح جمع ترجيح است و به معني ترجيحات است. يعني بابي كه در آن باب درباره صورت تساوي و برابري روايات متعارض و درباره صورت نابرابري و راجح بودن بعضي بر بعضي سخن مي گويند.

از آنچه گفتيم معلوم شد كه مساله حجيت ظواهر مربوط است به قرآن مجيد و مساله حجيت خبر واحد و مساله تعارض ادله مربوط است به سنت. اكنون بايد بدانيم كه يك سلسله مسائل در اصول مطرح مي شود كه مشترك است ميان كتاب و سنت. در درست آينده درباره آنها سخن خواهيم گفت.

پي نوشتها

1 - سوره حجرات، آيه 6.

2 - جمع ميان روايات مختلف تا آنجا كه ممكن است، بهتر است از طرد آنها.

درس پنجم: مسائل مشترك كتاب و سنت

درس پنجم: مسائل مشترك كتاب و سنت

مسائل مشترك كتاب و سنت

در درس گذشته به پاره اي مسائل اصولي كه از مختصات «كتاب و يا از مختصات «سنت بود اشاره كرديم و در پايان درس گفتيم كه پاره اي مسائل اصولي، هم مربوط به كتاب است و هم مربوط به سنت. در اين درست به همين مسائل مشترك و به تعبير جامعتر «مباحث مشترك مي پردازيم. مباحث مشترك عبارت است از:

الف. مبحث اوامر.

ب. مبحث نواهي.

ج. مبحث عام و خاص.

د. مبحث مطلق و مقيد.

ه. مبحث مفاهيم.

و. مبحث مجمل و مبين.

ز. مبحث ناسخ و منسوخ.

اكنون در حدود آشنايي با اصطلاحات، درباره هر يك از اينها توضيح مختصري مي دهيم.

مبحث اوامر

«اوامر» جمع امر است. امر يعني فرمان. از جمله افعالي كه در زبان عربي و هر زبان ديگر هست «فعل امر» است. مثلا فعل «بدان در فارسي و «اعلم در عربي فعل امر است.

بسياري از

تعبيرات كه در كتاب يا سنت آمده است به صورت فعل امر است. در اينجا پرسشهاي زيادي براي فقيه طرح مي شود كه اصوليون بايد پاسخ آن را روشن كنند. مثلا آيا امر دلالت بر وجوب مي كند يا بر استحباب يا بر هيچكدام؟ آيا امر دلالت بر فوريت مي كند يا بر تراخي؟ آيا امر دلالت بر «مرة مي كند يا تكرار؟

مثلا در آيه كريمه وارد شده است:

خذ من اموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها و صل عليهم ان صلواتك سكن لهم. (1)

از اموال مسلمين زكات بگير. به اين وسيله آنان را پاك و پاكيزه مي گرداني و به آنها «دعا كن كه دعاي تو موجب آرامش آنها است.

كلمه «صل در آيه شريفه به معني «دعا كن يا «درود بفرست است. در اينجا اين سؤال مطرح مي شود كه آيا اولا دعا كردن كه با صيغه امر فرمان داده شده واجب است يا نه؟ به عبارت ديگر آيا امر در اينجا دلالت بر وجوب مي كند يا نه؟ ثانيا آيا فوريت دارد يا نه؟ يعني آيا واجب است بلافاصله پس از دريافت ماليات خدائي (زكات) درود فرستاده شود يا اگر فاصله هم بشود مانعي ندارد؟ ثالثا آيا يك بار دعا كردن كافي است يا اين عمل مكرر بايد انجام يابد؟

اصوليون به تفصيل درباره همه اينها بحث مي كنند و ما در اينجا مجال بحث بيشتر نداريم. افرادي كه رشته فقه و اصول را به عنوان رشته اختصاصي انتخاب كرده اند به تفصيل با آنها آشنا خواهند شد.

مبحث نواهي

«نهي يعني باز داشتن، نقطه مقابل امر است. مثلا اگر به فارسي بگوئيم «شراب ننوش و يا به عربي بگوئيم «لا تشرب الخمر» نهي است.

در باب

نهي هم اين پرسش پيش مي آيد كه آيا نهي دلالت بر حرمت مي كند يا بر كراهت و يا بر هيچكدام دلالت نمي كند بلكه دلالت بر اعم از حرمت و كراهت مي كند، يعني فقط دلالت مي كند بر اينكه شي ء مورد نظر ناپسند است اما اينكه اين ناپسندي در حد حرمت است كه مرتكب آن مستحق عقوبت است يا در حد كراهت است و مرتكب آن مستحق ملامت است نه عقوبت، مورد دلالت نهي نيست و همچنين آيا نهي دلالت مي كند بر ابديت، يعني بر اينكه هيچگاه نبايد آن كار را مرتكب شد يا صرفا دلالت مي كند بر لزوم و لو در يك مدت موقت.

اينها پرسشهايي است كه علم اصول به آنها پاسخ مي دهد.

مبحث عام و خاص

ما در قوانين مدني و جزائي بشري مي بينيم كه يك قانون را به صورت كلي و عام ذكر مي كنند كه شامل همه افراد موضوع قانون مي شود. بعد در جاي ديگر درباره گروهي از افراد همان موضوع، حكمي ذكر مي كنند كه بر خلاف آن قانون كلي و عام است.

در اينجا چه بايد كرد؟ آيا اين دو ماده قانون را بايد متعارض يكديگر تلقي كنيم و يا چون يكي از اين دو ماده قانون نسبت به ديگري عام است و ديگري خاص است بايد آن خاص را به منزله يك استثناء براي آن عام تلقي كنيم و اينها را متعارض بدانيم؟

مثلا در قرآن مجيد وارد شده است كه:

و المطلقات يتربصن بانفسهن ثلثة قروء. (2)

زنان مطلقه لازم است بعد از طلاق تا سه عادت ماهانه صبر كنند و شوهر نكنند (عده نگهدارند) پس از آن آزادند در اختيار شوهر.

اكنون فرض كنيد كه در حديث

معتبر وارد شده است كه اگر زني به عقد مردي در آيد و پيش از آنكه رابطه زناشوئي ميان آنها برقرار شود زن مطلقه شود، لازم نيست زن عده نگهدارد.

در اينجا چه بكنيم؟ آيا اين حديث را معارض قرآن تلقي كنيم و در نتيجه همانطور كه دستور رسيده است آن را دور بيندازيم و به سينه ديوار بزنيم؟ يا خير اين حديث در حقيقت مفسر آن آيه است و به منزله استثنائي است در بعضي مصاديق آن و به هيچ وجه معارض نيست.

البته نظر دوم صحيح است، زيرا معمول مخاطبات آدميان اين است كه ابتدا يك قانون را به صورت كلي ذكر مي كنند و سپس موارد استثناء را بيان مي نمايند. قرآن هم بر اساس محاورات عمومي بشري با بشر سخن گفته است و از طرف ديگر خود قرآن حديث پيغمبر را معتبر شمرده و گفته است:

ما آتيكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا. (3)

آنچه پيامبر براي شما آورده بگيريد و عمل نمائيد.

در اين گونه موارد، خاص را به منزله استثناء براي عام تلقي مي كنيم و مي گوئيم عام را وسيله خاص «تخصيص مي دهيم و يا مي گوئيم: خاص «مخصص عام است.

مطلق و مقيد

مطلق و مقيد هم چيزي است شبيه عام و خاص، چيزي كه هست عام و خاص در مورد افراد است و مطلق و مقيد در مورد احوال و صفات. عام و خاص در مورد اموري است كلي كه داراي افراد موجود متعدد و احيانا بي نهايت است و بعضي از انواع و يا افراد آن عام به وسيله دليل خاص از آن عموم خارج شده اند، ولي مطلق و مقيد مربوط است به طبيعت و

ماهيتي كه متعلق تكليف است و مكلف موظف است آن را ايجاد نمايد.

اگر آن طبيعت متعلق تكليف قيد خاص نداشته باشد مطلق است و اگر قيد خاص براي آن در نظر بگيريم مقيد است.

مثلا در مثالي كه قبلا ذكر كرديم به پيغمبر اكرم امر شده كه هنگام اخذ زكات از مسلمين به آنها دعا كن و درود بفرست (صل عليهم). اين دستور از آن نظر كه مثلا با صداي بلند باشد يا آهسته، در حضور جمع باشد و يا حضور خود طرف كافي است، مطلق است.

اكنون مي گوئيم اگر دليل ديگري از قرآن يا حديث معتبر نداشته باشيم كه يكي از قيود بالا را ذكر كرده باشد ما به اطلاق جمله «و صل عليهم عمل مي كنيم، يعني آزاديم كه به هر صورت بخواهيم انجام دهيم ولي اگر دليل ديگري معتبر پيدا شد و گفت كه مثلا اين عمل بايد با صداي بلند باشد و يا بايد در حضور جمع و در مسجد باشد، در ايجا مطلق را حمل بر مقيد مي كنيم يعني آن دليل ديگر را مقيد (به كسر ياء) اين جمله قرار مي دهيم. نام اين عمل «تقييد» است.

مبحث مفاهيم

كلمه مفهوم، در اصطلاح، در مقابل منطوق است. فرض كنيد شخصي مي گويد: «اگر همراه من تا خانه من بيائي من فلان كتاب را به تو مي دهم. اين جمله در حقيقت يك جمله است به جاي دو جمله:

الف: اگر همراه من تا خانه من بيائي من آن كتاب را مي دهم.

ب: اگر همراه من تا خانه من نيائي آن كتاب را نمي دهم.

پس در اين جا دو رابطه وجود دارد: رابطه مثبت و رابطه منفي. رابطه مثبت ميان همراهي كردن

و كتاب دادن در متن جمله آمده و مورد تلفظ و نطق قرار گرفته است. از اينرو آن را «منطوق مي گويند. ولي رابطه منفي به لفظ نيامده و متعلق نطق قرار نگرفته است، اما عرفا از چنين جمله اي فهميده مي شود. از اين رو آن را «مفهوم مي خوانند.

ما در بحث حجيت خبر واحد خوانديم كه اصوليون از آيه شريفه «نبا» كه مي فرمايد: ان جائكم فاسق بنبا فتبينوا (اگر فاسقي خبري براي شما آورد درباره اش تحقيق كنيد و تحقيق نكرده ترتيب اثر ندهيد) حجيت خبر واحد را در صورتي كه راوي عادل باشد استفاده كرده اند.

اين، استفاده از «مفهوم آيه شريفه است. «منطق آيه اين است كه به خبر فاسق ترتيب اثر ندهيد، اما مفهوم آيه اين است كه به خبر عادل ترتيب اثر بدهيد.

مجمل و مبين

بحث مجمل و مبين چندان اهميتي ندارد. مقصود اين است كه گاهي تعبير در لسان شارع مي رسد كه مفهومش ابهام دارد و مقصود روشن نيست، مثل مفهوم «غنا» و در دليل ديگر چيزي يافت مي شود كه روشن كننده است. در اين صورت مي توان به وسيله آن «مبين رفع ابهام از «مجمل كرد.

معمولا اهل ادب به بعضي تعبيرات مجمل در كلمات پيشوايان ادب بر مي خورند كه در مفهومش در مي مانند، بعد با پيدا كردن قرائن روشنگر رفع ابهام مي كنند.

ناسخ و منسوخ

گاهي دستوري در قرآن و سنت رسيده است كه «موقت بوده است يعني پس از مدتي دستور ديگر رسيده است و به اصطلاح دستور اول را لغو كرده است.

مثلا در قرآن كريم ابتدا درباره زنان شوهردار اگر مرتكب فحشا شوند دستور رسيد كه در خانه آنها را حبس ابد كنند تا مرگشان فرا

رسد يا خدا راهي براي آنها مقرر دارد. بعد راهي كه براي آنها مقرر شد اين بود كه دستور رسيد به طور كلي اگر مردان زن دار و يا زنان شوهردار مرتكب فحشا شوند بايد «رجم (سنگسار) شوند.

يا مثلا در ابتدا دستور رسيده بود كه در ماه مبارك رمضان، حتي در شب نيز مردان با زنان خود نزديكي نكنند، بعد اين دستور لغو شد و اجازه داده شد.

براي يك فقيه لازم است كه ناسخ و منسوخ را از يكديگر تميز دهد. درباره نسخ، مسائل زيادي هست كه اصوليون متعرض آنها شده اند.

پي نوشتها

1 - سوره توبه، آيه 103.

2 - سوره بقره، آيه 228.

3 - سوره حشر، آيه 7.

درس ششم: اجماع و عقل

درس ششم: اجماع و عقل

اجماع

يكي از منابع فقه «اجماع است. در علم اصول درباره حجيت اجماع و ادله آن و بالتبع طريق بهره برداري از آن بحث مي شود.

يكي از مباحث مربوط به اجماع اين است كه چه دليلي بر حجيت آن هست؟ اهل تسنن مدعي هستند كه پيغمبر اكرم فرموده است: لا تجتمع امتي علي خطاء يعني همه امت من بر يك امر باطل اتفاق نظر پيدا نخواهند كرد. پس اگر همه امت در يك مساله اتفاق نظر پيدا كردند معلوم مي شود مطلب درست است.

طبق اين حديث، همه امت مجموعا در حكم شخص پيغمبرند و معصوم از خطا مي باشند، قول همه امت به منزله قول پيغمبر است، همه امت مجموعا هنگام وحدت نظر معصومند.

بنا بر نظر اهل تسنن، نظر به اينكه مجموع امت معصومند، پس در هر زمان چنين توافق نظر حاصل شود مثل اين است كه وحي الهي بر پيغمبر اكرم نازل شده باشد.

ولي شيعه اولا چنين حديث را از

رسول اكرم مسلم نمي شمارد. ثانيا مي گويد: راست است كه محال است همه امت بر ضلالت و گمراهي وحدت پيدا كنند، اما اين بدان جهت است كه همواره يك فرد معصوم در ميان امت هست. اينكه مجموع امت از خطا معصوم است از آن جهت است كه يكي از افراد امت معصوم است، نه از آن جهت كه از مجموع «نامعصوم ها» يك «معصوم تشكيل مي شود. ثالثا عادتا هم شايد ممكن نباشد كه همه امت بالاتفاق در اشتباه باشند، ولي آنچه به نام اجماع در كتب فقه يا كلام نام برده مي شود اجماع امت نيست، اجماع گروه است، منتها گروه اهل حل و عقد، يعني علماء امت. تازه اتفاق همه علماء امت نيست، علماء يك فرقه امت است.

اين است كه شيعه براي اجماع، اصالت - آنچنان كه اهل تسنن قائلند - قائل نيست. شيعه براي اجماع آن اندازه حجيت قائل است كه كاشف از سنت باشد.

به عقيده شيعه هرگاه در مساله اي فرضا هيچ دليلي نداشته باشيم اما بدانيم كه عموم يا گروه زيادي از صحابه پيغمبر يا صحابه ائمه كه جز به دستور عمل نمي كرده اند، به گونه اي خاص عمل مي كرده اند، كشف مي كنيم كه در اينجا دستوري بوده است و به ما نرسيده است.

اجماع محصل و اجماع منقول

اجماع - چه به گونه اي كه اهل تسنن پذيرفته اند و چه به گونه اي كه شيعه بدان اعتقاد دارد - بر دو قسم است: يا محصل است يا منقول. اجماع محصل يعني اجماعي كه خود مجتهد در اثر تفحص در تاريخ و آراء و عقايد صحابه رسول خدا يا صحابه ائمه يا مردم نزديك به عصر ائمه، مستقيما به دست آورده است.

اجماع

منقول يعني اجماعي كه خود مجتهد مستقيما اطلاعي از آن ندارد، بلكه ديگران نقل كرده اند كه اين مسئله اجماعي است. اجماع محصل البته حجت است، ولي اجماع منقول اگر از نقلي كه شده است يقين حاصل نشود قابل اعتماد نيست. علي هذا اجماع منقول به خبر واحد حجت نيست، هر چند سنت منقول به خبر واحد حجت است.

عقل

عقل يكي از منابع چهارگانه احكام است. مقصود اين است كه گاهي ما يك حكم شرعي را به دليل عقل كشف مي كنيم. يعني از راه استدلال و برهان عقلي كشف مي كنيم كه در فلان مورد فلان حكم وجوبي يا تحريمي وجود دارد و يا فلان حكم چگونه است و چگونه نيست.

حجيت عقل، هم به حكم عقل ثابت است (آفتاب آمد دليل آفتاب) و هم به تاييد شرع. اساسا ما حقانيت شرع و اصول دين را به حكم عقل ثابت مي كنيم، چگونه ممكن است از نظر شرعي عقل را حجت ندانيم.

اصوليون بحثي منعقد كرده اند به نام «حجيت قطع يعني حجيت علم جزمي. در آن مبحث، مفصل در اين باره بحث كرده اند.

اخباريين منكر حجيت عقل مي باشند ولي سخنشان ارزشي ندارد.

مسائل اصولي مربوط به عقل دو قسمت است: يكي قسمت مربوط است به «ملاكات و «مناطات احكام و به عبارت ديگر به «فلسفه احكام ، قسمت ديگر مربوط است به لوازم احكام.

اما قسمت اول: توضيح اينكه يكي از مسلمات اسلامي، خصوصا از نظر ما شيعيان اين است كه احكام شرعي تابع و منبعث از يك سلسله مصالح و مفاسد واقعي است. يعني هر امر شرعي به علت يك مصلحت لازم الاستيفاء است و هر نهي شرعي ناشي از يك مفسده واجب

الاحتراز است. خداوند متعال براي اينكه بشر را به يك سلسله مصالح واقعي كه سعادت او در آن است برساند يك سلسله امور را واجب يا مستحب كرده است و براي اينكه بشر از يك سلسله مفاسد دور بماند او را از پاره اي كارها منع كرده است. اگر آن مصالح و مفاسد نمي بود نه امري بود و نه نهيي و آن مصالح و مفاسد و به تعبير ديگر: آن حكمتها، به نحوي است كه اگر عقل انسان به آنها آگاه گردد همان حكم را مي كند كه شرع كرده است.

اين است كه اصوليون - و همچنين متكلمين - مي گويند كه چون احكام شرعي تابع و دائر مدار حكمتها و مصلحتها و مفسده ها است، خواه آن مصالح و مفاسد مربوط به جسم باشد يا به جان، مربوط به فرد باشد يا به اجتماع، مربوط به حيات فاني باشد يا به حيات باقي، پس هر جا كه آن حكمتها وجود دارد حكم شرعي مناسب هم وجود دارد و هر جا كه آن حكمتها وجود ندارد، حكم شرعي هم وجود ندارد.

حالا اگر فرض كنيم در مورد بخصوصي از طريق نقل هيچگونه حكم شرعي به ما ابلاغ نشده است ولي عقل به طور يقين و جزم به حكمت خاصي در رديف ساير حكمتها پي ببرد، كشف مي كند كه حكم شارع چيست. در حقيقت عقل در اينگونه موارد صغرا و كبراي منطقي تشكيل مي دهد به اين ترتيب:

1. در فلان مورد مصلحت لازم الاستيفائي وجود دارد. (صغرا).

2. هر جا كه مصلحت لازم الاستيفائي وجود داشته باشد قطعا شارع بي تفاوت نيست بلكه استيفاء آن را امر مي كند (كبرا).

3. پس در مورد بالا

حكم شرع اين است كه بايد آن را انجام داد.

مثلا در زمان شارع، ترياك و اعتياد به آن وجود نداشته است و ما در ادله نقليه دليل خاصي درباره ترياك نداريم اما به دلائل حسي و تجربي زيانها و مفاسد اعتياد به ترياك محرز شده است، پس ما در اينجا با عقل و علم خود به يك «ملاك يعني يك مفسده لازم الاحتراز در زمينه ترياك دسته يافته ايم. ما به حكم اينكه مي دانيم كه چيزي كه براي بشر مضر باشد و مفسده داشته باشد از نظر شرعي حرام است حكم مي كنيم كه اعتياد به ترياك حرام است.

اگر ثابت شود كه سيگار سرطانزا است يك مجتهد به حكم عقل حكم مي كند كه سيگار شرعا حرام است.

متكلمين و اصوليون، تلازم عقل و شرع را قاعده ملازمه مي نامند، مي گويند: كل ما حكم به العقل حكم به الشرع. يعني هر چه عقل حكم كند شرع هم طبق آن حكم مي كند.

ولي البته اين در صورتي است كه عقل به يك مصلحت لازم الاستيفاء و يا مفسده لازم الاحتراز به طور قطع و يقين پي ببرد و به اصطلاح به «ملاك و «مناط واقعي به طور يقين و بدون شبهه دست يابد و الال با صرف ظن و گمان و حدس و تخمين نمي توان نام حكم عقل بر آن نهاد. قياس به همين جهت باطل است كه ظني و خيالي است نه عقلي و قطعي. آنگاه كه به «مناط قطعي دست يابيم آن را «تنقيح مناط مي ناميم.

متعاكسا در مواردي كه عقل به مناط احكام دست نمي يابد ولي مي بيند كه شارع در اينجا حكمي دارد، حكم مي كند كه قطعا در اينجا مصلحت

در كار بوده و الا شارع حكم نمي كرد. پس عقل همانطور كه از كشف مصالح واقعي، حكم شرعي را كشف مي كند، از كشف حكم شرعي نيز به وجود مصالح واقعي پي مي برد.

لهذا همانطور كه مي گويند: كل ما حكم به العقل حكم به الشرع، مي گويند: كل ما حكم به الشرع حكم به العقل.

اما قسمت دوم يعني لوازم احكام: هر حكم از طرف هر حاكم عاقل و ذي شعور، طبعا يك سلسله لوازم دارد كه عقل بايد در مورد آنها قضاوت كند كه آيا فلان حكم، لازم فلان حكم هست يا نه و يا فلان حكم مستلزم نفي فلان حكم هست يا نه؟

مثلا اگر امر به چيزي بشود، مثلا حج و حج يك سلسله مقدمات دارد از قبيل گرفتن گذرنامه، گرفتن بليط، تلقيح، احيانا تبديل پول، آيا امر به حج مستلزم امر به مقدمات آن هم هست يا نه؟ به عبارت ديگر: آيا وجوب يك چيز مستلزم وجوب مقدمات آن چيز هست يا نه؟.

در حرامها چطور؟ آيا حرمت چيزي مستلزم حرمت مقدمات آن هست يا نه؟

مساله ديگر: انسان در آن واحد قادر نيست دو كاري كه ضد يكديگرند انجام دهد، مثلا در آن واحد هم نماز بخواند و هم به كار تطهير مسجد كه فرضا نجس شده است بپردازد، بلكه انجام يك كار مستلزم ترك ضد آن كار است. حالا آيا امر به يك شي ء مستلزم اين هست كه از ضد آن نهي شده باشد؟ آيا هر امري چندين نهي را (نهي از اضداد مامور به را) به دنبال خود مي كشد يا نه؟

مساله ديگر: اگر دو واجب داشته باشيم كه امكان ندارد هر دو را در آن واحد با يكديگر

انجام دهيم بلكه ناچاري يكي از آن دو واجب از ديگري مهمتر است قطعا «اهم (مهمتر) را بايد انتخاب كنيم.

حالا اين سؤال پيش مي آيد كه آيا در اين صورت تكليف ما به «مهم به واسطه تكليف ما به «اهم به كلي ساقط شده است يا سقوطش در فرضي است كه عملا اشتغال به «اهم پيدا كنيم؟ نتيجه اين است كه آيا اساسا رفتيم و خوابيديم، نه اهم را انجام داديم و نه مهم را، فقط يك گناه مرتكب شده ايم و آن ترك تكليف اهم است و اما نسبت به تكليف مهم گناهي مرتكب نشده ايم چون او به هر حال ساقط بوده است؟ يا دو گناه مرتكب شده ايم، زيرا تكليف مهم آنگاه از ما ساقط بود كه عملا اشتغال به انجام تكليف اهم پيدا كنيم، حالا كه رفته ايم خوابيده ايم دو گناه مرتكب شده ايم؟

مثلا دو نفر در حال غرق شدنند و ما قادر نيستيم هر دو را نجات دهيم اما قادر هستيم كه يكي از آن دو را نجات دهيم. يكي از اين دو نفر متقي و پرهيزكار و خدمتگزار به خلق خدا است و ديگري فاسق و موذي است ولي به هر حال نفسش محترم است.

طبعا ما بايد آن فرد مؤمن پرهيزكار خدمتگزار را كه وجودش براي خلق خدا مفيد است ترجيح دهيم. يعني نجات او «اهم است و نجات آن فرد ديگر «مهم است.

حالا اگر ما عصيان كرديم و بي اعتنا شديم و هر دو نفر هلاك شدند آيا دو گناه مرتكب شده ايم و در خون دو نفر شريكيم يا يك گناه، يعني فقط نسبت به هلاكت فرد مؤمن مقصريم اما نسبت به هلاكت ديگري

تقصير كار نيستيم؟

مساله ديگر: آيا ممكن است يك كار از دو جهت مختلف، هم حرام باشد و هم واجب، يا نه؟ در اينكه يك كار از يك جهت و يك حيث ممكن نيست هم حرام باشد و هم واجب، بحثي نيست. مثلا ممكن نيست تصرف در مال غير بدون رضاي او از آن حيث كه تصرف در مال غير است هم واجب باشد و هم حرام. اما از دو حيث چطور؟ مثلا نماز خواندن در زمين غصبي - قطع نظر از اينكه در اين موارد شارع شرط نماز را مباح بودن مكان نمازگزار قرار داده است - از يك حيث تصرف در مال غير است، زيرا حركت روي زمين غير و بلكه استقرار در زمين غير، تصرف در مال او است و از طرف ديگر با انجام دادن اعمال به صورت خاص عنوان نماز پيدا مي كند. آيا مي شود اين كار از آن جهت كه نماز است واجب باشد و از آن جهت كه تصرف در مال غير است حرام بوده باشد؟

در هر چهار مساله بالا اين عقل كه مي تواند با محاسبات دقيق خود تكليف را روشن كند. اصوليون بحثهاي دقيقي در چهار مسئله بالا آورده اند.

از اين چهار مساله، مساله اول به نام «مقدمه واجب ، مساله دوم به نام «امر به شي ء مقتضي نهي از ضد است» و مساله سوم به نام «ترتب و مساله چهار به نام «اجتماع امر و نهي ناميده مي شود.

از آنچه از درس چهارم تا اينجا گفتيم معلوم شد كه مسائل علم اصول به طور كلي دو بخش است: بخش «اصول استنباطي و بخش «اصول عملي. بخش اصول استنباطي نيز به

نوبه خود بر دو قسم است: قسم نقلي و قسم عقلي و قسم نقلي شامل همه مباحث مربوط به كتاب و سنت و اجماع است و قسم عقلي صرفا مربوط به عقل است.

درس هفتم: اصول عمليه

درس هفتم: اصول عمليه

اصول عمليه

گفتيم كه فقيه براي استنباط حكم شرعي به منابع چهارگانه رجوع مي كند. فقيه گاهي در رجوع خود موفق و كامياب مي گردد و گاه نه. يعني گاهي (و البته غالبا) به صورت يقيني و يا ظني معتبر (يعني ظني كه شارع اعتبار آن را تاييد كرده است) به حكم واقعي شرعي نائل مي گردد، پس تكليفش روشن است، يعني مي داند و يا ظن قوي معتبر دارد كه شرع اسلام از او چه مي خواهد. ولي گاهي مايوس و ناكام مي شود يعني تكليف و حكم الله را كشف نمي كند و بلاتكليف و مردد مي ماند. در اينجا چه بايد بكند؟ آيا شارع و يا عقل و يا هر دو وظيفه و تكليفي در زمينه دست نارسي به تكليف حقيقي معين كرده است يا نه؟ و اگر معين كرده است چيست؟.

جواب اين است كه آري، شارع وظيفه معين كرده است، يعني يك سلسله ضوابط و قواعدي براي چنين شرائطي معين كرده است. عقل نيز در برخي موارد مؤيد حكم شرع است، يعني حكم استقلالي عقل نيز عين حكم شرع است و در برخي موارد ديگر لا اقل ساكت است يعني حكم استقلالي ندارد و تابع شرع است.

علم اصول، در بخش «اصول استنباطيه دستور صحيح استنباط احكام واقعي را به ما مي آموزد و در بخش «اصول عمليه دستور صحيح اجراء و استفاده از ضوابط و قواعدي كه براي چنين شرائطي در نظر گرفته شده به

ما مي آموزد.

چهار اصل عملي

اصول عمليه كليه كه در همه ابواب فقه مورد استعمال دارد چهار تا است:

1. اصل برائت.

2. اصل احتياط.

3. اصل تخيير.

4. اصل استصحاب.

هر يك از اين اصول چهارگانه مورد خاص دارد كه لازم است بشناسيم. اول اين چهار اصل را تعريف مي كنيم.

«اصل برائت يعني اصل، اين است كه ذمه ما بري است و ما تكليفي نداريم اصل احتياط يعني اصل، اين است كه بر ما لازم است عمل به احتياط كنيم و طوي عمل كنيم كه اگر تكليفي در واقع و نفس الامر وجود دارد انجام داده باشيم. «اصل تخيير» يعني اصل اين است كه ما مخيريم كه يكي از دو تا را به ميل خود انتخاب كنيم. «اصل استصحاب يعني اصل، اين است كه آنچه بوده است بر حالت اوليه خود باقي است و خلافش نيامده است.

حالا ببينيم در چه موردي بايد بگوئيم اصل، برائت است و در چه مورد بايد بگوئيم اصل، احتياط يا تخيير يا استصحاب است. هر يك از اينها مورد خاص دارد و علم اصول اين موارد را به ما مي آموزد.

اصوليون مي گويند: اگر از استنباط حكم شرعي ناتوان مانديم و نتوانستيم تكليف خود را كشف كنيم و در حال شك باقي مانديم، يا اين است كه شك ما توام با يك علم اجمالي هست و يا نيست، مثل اينكه شك مي كنيم در اينكه آيا در عصر غيبت امام، در روز جمعه نماز جمعه واجب است يا نماز ظهر؟ پس هم در وجوب نمزا جمعه شك داريم و هم در وجوب نماز ظهر. پس هم در وجوب نماز جمعه شك داريم و هم در وجوب نماز ظهر. ولي علم

اجمالي داريم كه يكي از اين دو قطعا واجب است. ولي يك وقت شك مي كنيم كه در عصر غيبت امام نماز عيد فطر واجب است يا نه؟ در اينجا به اصطلاح شك ما «شك بدوي است نه شك در اطراف علم اجمالي.

پس شك در تكليف يا توام با علم اجمالي است و يا شك بدوي است. اگر توام با علم اجمالي باشد يا اين است كه ممكن الاحتياط است يعني مي شود هر دو را انجام داد يا احتياط ممكن نيست. اگر احتياط ممكن باشد احتياط كنيم و هر در دو را انجام دهيم، يعني اينجا جاي اصل احتياط است و اگر احتياط ممكن نيست. زيرا امر ما دائر است ميان محذورين، يعني وجوب و حرمت، يك امر معين را نمي دانيم واجب است يا حرام، مثلا نمي دانيم در عصر غيبت اما اجراء بعضي از وظائف از مختصات امام است و بر ما حرام است يا از مختصات امام نيست و بر ما واجب است، بديهي است كه در اينگونه موارد راه احتياط بسته است پس اينجا جاي اصل تخيير است.

و اما اگر شك ما شك بدوي باشد و با علم اجمالي توام نباشد. در اينجا يا اين است كه حالت سابقه اش معلوم است و شك ما در بقاء حكم سابق است و يا اين است كه حالت سابقه محرز نيست. اگر حالت سابقه محرز است جاي اصل استصحاب است و اگر حالت سابقه محرز نيست جاي اصل برائت است.

يك نفر مجتهد بايد در اثر ممارست زياد، قدرت تشخيصش در اجراء اصول چهارگانه كه گاهي تشخيص مورد نيازمند به موشكافي هاي بسيار است، زياد باشد و اگر نه

دچار اشتباه مي شود.

از اين چهار اصل، اصل استصحاب، شرعي محض است، يعني عقل حكم استقلالي در مورد آن ندارد بلكه تابع شرع است، ولي سه اصل ديگر عقلي است كه مورد تاييد شرع نيز واقع شده است.

ادله استصحاب، يك عده اخبار و احاديث معتبر است كه با اين عبارت آمده است: لا تنقض اليقين بالشك. (1) يعني يقين خود را با شك، عملا نقض نكن و سست منما. از متن خود احاديث و قبل و بعد آن جمله كاملا مشخص مي شود كه منظور همين چيزي است كه فقهاء اصوليون آن را «استصحاب مي نامند.

در باب اصل برائت نيز اخبار زيادي وارد شده است و از همه مشهورتر «حديث رفع است. حديث رفع حديثي است نبوي و مشهور كه رسول اكرم صلي الله عليه و آله فرموده است:

رفع عن امتي تسعة: ما لا يعلمون و ما لا يطيقون و ما استكرهوا عليه و ما اضطروا اليه و الخطا و النسيان و الطيرة و الحسد و الوسوسة في التفكر في الخلق. (2)

نه چيز از امت من برداشته شده است: آنچه نمي دانند، آنچه طاقت ندارند، آنچه بر آن مجبور شده اند، آنچه بدان اضطرار پيدا كرده اند، اشتباه، فراموشي، فال بد، احساس حسادت (مادامي كه به مرحله عمل نرسيده است - و يا محسود واقع شدن) و وساوس شيطاني در امر خلقت.

اصوليون در باره اين حديث و هر يك از جمله هايش بحثها و سخنان فراوان دارند و البته محل شاهد براي اصل برائت همان جمله اول است كه فرمود: آنچه امت من نمي دانند و به آنها ابلاغ نشده از آنها برداشته شده است و ذمه آنها بري است.

اصول چهارگانه اختصاص به

مجتهدين براي فهم احكام شرعي ندارد، در موضوعات هم جاري است، مقلدين هم مي توانند در عمل هنگام شك در موضوعات از آنها استفاده كنند.

فرض كنيد كودكي در حال شيرخوارگي چند نوبت از پستان زني ديگر شير مي خورد و بعد اين كودك بزرگ مي شود و مي خواهد با يكي از فرزندان آن زن ازدواج كند، اما نمي دانيم كه آيا آن قدر شير خورده كه فرزند رضاعي آن زن و شوهرش محسوب شود يا نه؟ يعني شك داريم كه آيا 15 نوبت متوالي يا يك شبانه روز متوالي يا آنقدر كه از آن شير در بدن كودك گوشت روئيده باشد شير خورده است يا نه؟ اينجا جاي اصل استصحاب است. زيرا قبل از آنكه كودك شير بخورد فرزند رضاعي نبود و شك داريم كه اين فرزندي محقق شده يا نه؟ استصحاب مي كنيم عدم تحقق رضاع را.

اگر وضو داشتيم و چرت زديم و شك كرديم كه واقعا خوابمان برد يا نه، استصحاب مي كنيم وضو داشتن را. اگر دست ما پاك بود و شك كرديم كه نجس شده يا نه، استصحاب مي كنيم طهارت آن را و اما اگر نجس بود و شك كرديم كه تطهير كرده ايم يا نه، استصحاب مي كنيم نجاست آن را.

اگر مايعي جلو ما است و شك مي كنيم كه در آن ماده الكلي وجود دارد يا نه؟ (مانند برخي دواها) اصل، برائت ذمه ما است، يعني استفاده از آن بلامانع است. اما اگر دو شيشه دوا داريم و يقين داريم در يكي از آنها ماده الكلي وجود دارد، يعني علم اجمالي داريم به وجود الكل در يكي از آنها، اينجا جاي اصل احتياط است.

و اگر فرض كنيم در

بياباني بر سر يك دو راهي قرار گرفته ايم كه ماندن در آنجا و رفتن به يكي از آنها قطعا مستلزم خطر جاني است ولي يكي راه ديگر مستلزم نجات ما است و ما نمي دانيم كه كداميك از اين دو راه موجب نجات ما است و كداميك موجب خطر و فرض اين است كه توقف ما هم مستلزم خطر است؛ از طرفي حفظ نفس واجب است و از طرف ديگر القاء نفس در خطر حرام است، پس امر ما دائر است ميان دو محذور و ما مخيريم هر كدام را بخواهيم انتخاب كنيم.

پي نوشتها

1 - وسائل - جلد 1، صفحه 175.

2 - خصال، صفحه 417، كافي جلد 3 صفحه 463 با اندكي اختلاف.

آشنايي با علوم اسلامي فقه (شهيد مطهري)

درس اول: علم فقه

درس اول: علم فقه

علم فقه

علم فقه از وسيعترين و گسترده ترين علوم اسلامي است. تاريخش از همه علوم ديگر اسلامي قديمي تر است. در همه زمانها در سطح بسيار گسترده اي تحصيل و تدريس مي شده است. فقهاء زيادي در اسلام پديد آمده اند كه غير قابل احصائند. برخي از اين فقهاء از نوابغ دنيا به شمار مي روند. كتب فوق العاده زيادي در فقه نوشته شده است. بعضي از اين كتب فوق العاده ارزنده است. مسائل فراواني كه شامل همه شؤون زندگي بشر مي شود در فقه طرح شده است. مسائلي كه در جهان امروز تحت عنوان حقوق طرح مي شود با انواع مختلفش: حقوق اساسي، حقوق مدني، حقوق خانوادگي، حقوق جزائي، حقوق اداري، حقوق سياسي و … در ابواب مختلف فقه با نامهاي ديگر پراكنده است. به علاوه در فقه مسائلي هست كه در حقوق امروز مطرح نيست، مانند مسائل عبادات. چنانكه مي دانيم آنچه از فقه در حقوق امروز مطرح

است به صورت رشته هاي مختلف در آمده و در دانشكده هاي مختلف تحصيل و تدريس مي شود. اين است كه فقه بالقوه مشتمل بر رشته هاي گوناگون است.

كلمه فقه در قرآن و حديث

كلمه «فقه و «تفقه در قرآن كريم و در احاديث، زياد به كاربرده شده است. مفهوم اين كلمه در همه جا همراه با تعمق و فهم عميق است. در قرآن كريم آمده است:

فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون. (1).

چرا از هر گروهي يك دسته كوچ نمي كنند تا در امر دين بصيرت كامل پيدا كنند و پس از بازگشتن، مردم خود را اعلام خطر نمايند، باشد كه از ناشايستها حذر نمايند.

در حديث است كه رسول اكرم فرمود:

من حفظ علي امتي اربعين حديثا بعثه الله فقيها عالما. (2)

هر كس چهل حديث بر امت من حفظ كند خداوند او را فقيه و عالم محشور كند.

درست نمي دانيم كه علما و فضلاء صحابه به عنوان «فقهاء» خوانده مي شده اند يا نه. ولي مسلم است كه از زمان تابعين (شاگردان صحابه - كساني كه پيغمبر را درك نكرده ولي صحابه را درك كرده اند) اين عنوان بر عده اي اطلاق مي شده است.

هفت نفر از تابعين به نام «فقهاء سبعه خوانده مي شده اند. سال 94 هجري كه سال فوت حضرت علي بن الحسين عليهما السلام است و در آن سال سعيد بن مسيب و عروة بن زبير از فقهاء سبعه و سعيد بن جبير و برخي ديگر از فقهاء مدينه در گذشتند به نام «سنة الفقهاء» ناميده شد. از آن پس دوره به دوره به علماء عارف به اسلام - خصوصا احكام اسلام -

«فقهاء» اطلاق مي شد.

ائمه اطهار مكرر اين كلمه را به كار برده اند، بعضي از اصحاب خود را امر به تفقه كرده اند و يا آنها را فقيه خوانده اند. شاگردان مبرز ائمه اطهار در همان عصرها به عنوان «فقهاء شيعه شناخته مي شده اند.

كلمه فقه در اصطلاح علماء

در اصطلاح قرآن و سنت، «فقه علم وسيع و عميق به معارف و دستورهاي اسلامي است و اختصاص به قسمت خاص ندارد. ولي تدريجا در اصطلاح علماء اين كلمه اختصاص يافت به «فقه الاحكام.

توضيح اينكه علماء اسلام، تعاليم اسلامي را منقسم كردند به سه قسمت:

الف. معارف و اعتقادات، يعني اموري كه هدف از آنها شناخت و ايمان و اعتقاد است كه به قلب و دل و فكر مربوط است مانند مسائل مربوط به مبدا و معاد و نبوت و وحي و ملائكه و امامت.

ب. اخلاقيات و امور تربيتي، يعني اموري كه هدف از آنها اين است كه انسان از نظر خصلتهاي روحي چگونه باشد و چگونه نباشد، مانند تقوا، عدالت، جود و سخا، شجاعت، صبر و رضا، استقامت و غيره.

ج. احكام و مسائل عملي، يعني اموري كه هدف از آنها اين است كه انسان در خارج، عمل خاصي انجام دهد و يا عملي كه انجام مي دهد چگونه باشد و چگونه نباشد و به عبارت ديگر «قوانين و مقررات موضوعه.

فقهاء اسلام، كلمه فقه را در مورد قسم اخير اصطلاح كردند، شايد از آن نظر كه از صدر اسلام آنچه بيشتر مورد توجه و پرسش مردم بود مسائل عملي بود. از اينرو كساني كه تخصصشان در اين رشته مسائل بود به عنوان «فقهاء» شناخته شدند.

حكم تكليفي و حكم وضعي

لازم است بعضي اصطلاحات خاص فقهاء را

ذكر كنيم. از آن جمله اين است كه فقهاء احكام را، يعني مقررات موضوعه الهي را به دو قسم تقسيم مي كنند: حكم تكليفي، حكم وضعي.

حكم تكليفي يعني وجوب، حرمت، استحباب، كراهت، اباحه.

اين پنج حكم به عنوان احكام خمسه تكليفيه خوانده مي شوند.

مي گويند از نظر اسلام هيچ كاري از كارها خالي از اين پنج حكم نيست، يا واجب است يعني بايد انجام يابد و نبايد ترك شود مانند نمازهاي يوميه و يا حرام است يعني نبايد انجام يابد و بايد ترك شود مانند دروغ، ظلم، شرب خمر و امثال اينها و يا مستحب است، يعني خوب است انجام يابد ولي اگر انجام نيافت مجازات ندارد، مانند نمازهاي نافله يوميه و يا مكروه است، يعني خوب است انجام نيابد ولي اگر انجام يافت مجازات ندارد، مانند سخن دنيا گفتن در مسجد كه جاي عبادت است و يا مباح است، يعني فعل و تركش علي السويه است مانند اغلب كارها. احكام تكليفي همه از قبيل بكن و نكن يعني از قبيل امر و نهي و يا رخصت است.

اما احكام وضعي از اين قبيل نيست، مانند زوجيت، مالكيت، شرطيت، سببيت و امثال اينها.

تعبدي و توصلي

مطلب ديگر اينكه واجبات بر دو قسم است: تعبدي و توصلي.

واجب تعبدي يعني آن كه در انجامش قصد قربت شرط است، يعني اگر انسان به قصد تقرب به خداوند، بدون هيچ غرض دنيوي و مادي انجام دهد صحيح است و اگر نه، صحيح نيست، مانند نماز و روزه.

اما واجب توصلي يعني آن كه فرضا به قصد تقرب به خداوند هم انجام نيابد تكليف ساقط مي شود، مثل اطاعت پدر و يا مادر، يا انجام تعهدات اجتماعي از

قبيل اينكه انسان متعهد مي شود كه فلان كار را در مقابل فلان اجرت انجام دهد، كه بايد انجام دهد، بلكه مطلق وفاي به وعده و عهد اين طور است.

عيني و كفائي

واجبات به گونه اي ديگر نيز تقسيم مي شوند: عيني و كفائي. واجب عيني يعني آنكه بر هر كس به خصوص و جدا جدا واجب است، مانند مانند نماز و روزه، ولي واجب كفائي عبارت است از آنكه بر عموم مسلمين واجب است كه يك كار معين را انجام دهند و با انجام يك يا چند فرد، از ديگران ساقط مي گردد، مانند ضروريات اجتماعي از قبيل پزشكي، سربازي، قضاوت، افتاء، زراعت، تجارت و غيره و از اين قبيل است امر تجهيز اموات كه بر عموم واجب است و با تصدي بعضي، از ديگران ساقط مي شود.

تعييني و تخييري

واجبات به گونه اي ديگر هم تقسيم مي شوند: تعييني و تخييري. واجب تعييني آن است كه يك كار متعين و مشخص بايد انجام شود، مانند نمازهاي يوميه، روزه، حج، خمس، زكات، امر به معروف و جهاد و غيره.

ولي واجبات تخييري عبارت است از اينكه مكلف بايد يكي از چند كار را انجام دهد، مانند برخي از كفارات. مثلا اگر كسي به عمد روزه ماه مبارك رمضان را نگرفته است بايد يا يك بنده آزاد كند و يا شصت نفر محتاج را اطعام كند و يا شصت روز روزه بگيرد.

نفسي و مقدمي

تقسيم ديگر اين است كه واجب بر دو قسم است: نفسي و مقدمي. واجب نفسي آن است كه في نفسه مورد توجه شارع است، مطلوب بودنش به خاطر خودش است نه به خاطر يك واجب ديگر.

مثلا نجات دادن يك انسان مشرف به

هلاكت واجب است ولي اين واجب مقدمه واجب ديگري نيست. اما كوششهاي مقدماتي براي نجات او از قبيل اينكه فرض شود انساني در چاهي افتاده است و بايد طناب و ساير وسائل فراهم شود تا از چاه بيرون آورده شود، تهيه وسائل واجب است اما به عنوان مقدمه يك واجب ديگر.

يا مثلا اعمال حج واجب است به وجوب نفسي، ولي تهيه گذرنامه و بليط و ساير وسائل مقدماتي واجب است به وجوب مقدمي. نماز واجب است به وجوب نفسي، اما وضو و يا غسل در وقت نماز براي نماز واجب است به وجوب مقدمي.

پي نوشتها

1 - سوره توبه، آيه 122.

2 - خصال، صفحه 541، ثواب الاعمال صفحه 162، با اندكي اختلاف.

درس دوم: تاريخچه فقه و فقهاء (1)

درس دوم: تاريخچه فقه و فقهاء (1)

تاريخچه فقه و فقهاء (1)

همچنانكه در درسهاي پيش يادآوري كرده ايم، يكي از مقدمات آشنائي با يك علم اين است كه شخصيتها و صاحبنظران معروف آن علم كه عقائد و آرائشان در آن علم مورد توجه است و همچنين تاليفات و آثار و كتب مهمي كه در آن علم نگاشته شده است و مورد استناد و نقل واقع مي گردد مورد شناسائي قرار گيرد.

علم فقه - يعني فقه مدون كه در آن كتاب تدوين و تاليف شده است و آن كتب هم اكنون نيز موجود است - سابق هزار و صد ساله دارد. يعني از 11 قرن پيش تا كنون بدون وقفه حوزه هاي تدريسي فقهي برقرار بوده است؛ استادان، شاگرداني تربيت كرده اند و آن شاگردان به نوبه خود شاگردان ديگري تربيت كرده اند تا عصر حاضر و اين رابطه استاد و شاگردي قطع نشده است.

البته علوم ديگر مانند فلسفه، منطق، رياضيات، طب

سابقه بيشتري دارند و كتابهايي از زمانهاي دورتر در اين علوم در دست است، ولي در هيچيك از آن علوم شايد نتوان اين چنين حيات متسلسل و متداومي كه بدون وقفه و يا ينقطع رابطه استاد و شاگردي در آن محفوظ باشد نشان داد، فرضا هم در علم ديگري وجود داشته باشد منحصر به جهان اسلام است، يعني تنها در جهان اسلام است كه علوم، سابقه حياتي متسلسل و منظم هزار ساله و بيشتر دارند كه وقفه اي در بين حاصل نشده است. ما قبلا راجع به تسلسل و تداوم عرفان هم بحث كرده ايم.

خوشبختانه يكي از مسائلي كه مورد توجه علماي مسلمين بوده است اين است كه طبقات متسلسل ارباب علوم را مشخص سازند. اين كار در درجه اول نسبت به علماي حديث انجام يافته است و در درجات بعدي براي علماي علوم ديگر. ما كتابهاي زيادي به اين عنوان داريم، مانند «طبقات الفقهاء» ابو اسحاق شيرازي، «طبقات الاطباء» ابن ابي اصيبعه، «طبقات النحويين و «طبقات الصوفيه ابو عبد الرحمن سلمي.

ولي با كمال تاسف تا آنجا كه اين بنده اطلاع دارد، آنچه درباره طبقات فقهاء نوشته شده از اهل تسنن و مربوط به آنها است، درباره طبقات فقهاء شيعه تا كنون كتابي نوشته نشده است. لهذا براي كشف طبقات فقهاء شيعه از لابلاي كتب تراجم و يا كتب اجازات كه مربوط است به طبقات راويان حديث بايد استفاده كرد.

ما در اينجا نمي خواهيم طبقات فقهاء شيعه را به تفصيل بيان كنيم، بلكه مي خواهيم شخصيتهاي برجسته و به نام فقهاء را كه آراءشان مورد توجه است با ذكر كتابهاي فقه ذكر كنيم، ضمنا طبقات فقهاء نيز شناخته مي شوند.

فقهاء

شيعه

تاريخ فقهاء شيعه را از زمان غيبت صغرا (260 - 320) آغاز مي كنيم به دو دليل: يكي اينكه: عصر قبل از غيبت صغرا عصر حضور ائمه اطهار است و در عصر حضور، هر چند فقهاء - و به معني صحيح كلمه، مجتهدين و ارباب فتوا - كه ائمه اطهار آنها را به فتوا دادن تشويق مي كرده اند بوده اند، ولي خواه و ناخواه فقهاء به علت حضور ائمه اطهار (ع) تحت الشعاع بوده اند، يعني مرجعيت آنها در زمينه دست نارسي به ائمه بوده است و مردم حتي الامكان سعي مي كردند به منبع اصلي دست يابند و خود آن فقهاء نيز مشكلات خود را تا حد مقدور و ممكن با توجه به بعد مسافتها و ساير مشكلات، با ائمه اطهار در ميان مي گذاشتند. ديگر اينكه علي الظاهر فقه مدون ما منتهي مي شود به زمان غيبت صغرا، يعني تاليف و اثري فقهي قبل از آن دوره از فقهاء شيعه فعلا در دست نداريم يا اين بنده اطلاع ندارد.

ولي به هر حال در شيعه نيز فقهاء بزرگي در عصر ائمه اطهار وجود داشته اند كه با مقايسه با فقهاء معاصر آنها از ساير مذاهب، ارزش آنها معلوم و مشخص مي شود. «ابن النديم فن پنجم از مقاله ششم كتاب بسيار نفيس خود را كه به نام «فهرست ابن النديم شهرت و اعتبار جهاني دارد اختصاص داده به «فقهاء الشيعه و در ذيل نامهاي آنها از كتابهاي آنها در حديث يا فقه ياد مي كند. درباره حسين بن سعيد اهوازي و برادرش مي گويد: «اوسع اهل زمانهما علما بالفقه و الآثار و المناقب. يا درباره علي بن ابراهيم قمي مي گويد: «من العلماء الفقهاء» و درباره

محمد بن حسن بن احمد بن الوليد قمي مي گويد: «و له من الكتب كتاب الجامع في الفقه. ولي ظاهرا كتب فقهيه آنها به اين شكل بوده است كه در هر بابي احاديثي كه آنها را معتبر مي دانسته اند و بر طبق آنها عمل مي كرده اند ذكر مي كرده اند؛ آن كتابها هم حديث بود و هم نظر مؤلف كتاب.

محقق حلي در مقدمه «معتبر» مي گويد:

«نظر به اينكه فقهاء ما رضوان الله عليهم زيادند و تاليفات فراوان دارند و نقل اقوال همه آنها غير مقدور است، من به سخن مشهورين به فضل و تحقيق و حسن انتخاب اكتفا كرده ام و از كتب اين فضلا به آنچه اجتهاد آنها در كتابها هويدا است و مورد اعتماد خودشان بوده است اكتفا كرده ام. از جمله كساني كه نقل مي كنم (از قدماي زمان ائمه) حسن بن محبوب، احمد بن ابي نصر بزنطي، حسين بن سعيد (اهوازي)، فضل بن شاذان (نيشابوري)، يونس بن عبد الرحمن و از متاخران، محمد بن بابويه قمي (شيخ صدوق) و محمد بن يعقوب كليني و از اصحاب فتوا علي بن بابويه قمي، اسكافي، ابن ابي عقيل، شيخ مفيد، سيد مرتضي علم الهدي و شيخ طوسي است …»

محقق با آنكه گروه اول را اهل نظر و اجتهاد و انتخاب مي داند آنها را به نام اصحاب فتوا ياد نمي كند، زيرا كتب آنها در عين اينكه خلاصه اجتهادشان بوده است، به صورت كتاب حديث و نقل بوده است نه به صورت فتوا. اينك ما بحث خود را از مفتيان اولي كه در زمان غيبت صغرا بوده اند آغاز مي كنيم:

1. علي بن بابويه قمي متوفا در سال 329، مدفون در قم، پدر شيخ محمد بن علي بن

بابويه معروف به شيخ صدوق است كه در نزديكي شهر ري مدفون است. پسر، محدث است و پدر: فقيه و صاحب فتوا. معمولا اين پدر و پسر به عنوان «صدوقين ياد مي شوند.

2. يكي ديگر از فقهاء بنام و معروف آن زمان كه معاصر با علي بن بابويه قمي است، بلكه اندكي بر او تقدم زماني دارد «عياشي سمرقندي صاحب تفسير معروف است. او مردي جامع بوده است. گرچه شهرتش به تفسير است، او را از فقهاء شمرده اند. كتب زيادي در علوم مختلف و از آن جمله در فقه دارد. ابن النديم در الفهرست مي گويد: «كتب او در خراسان رواج فراوان دارد». در عين حال ما تاكنون نديده ايم كه در فقه آراء او نقل شده باشد. شايد كتب فقهي او از بين رفته است.

عياشي، ابتداء سني بود و بعد شيعه شد. ثروت فراواني از پدر به او ارث رسيد و او همه آنها را خرج جمع آوري و نسخه برداري كتب و تعليم و تعلم و تربيت شاگرد كرد.

بعضي جعفر بن قولويه را كه استاد شيخ مفيد بوده است (در فقه) همدوره علي بن بابويه و قهرا از فقهاي دوره غيبت صغرا شمرده اند و گفته اند كه جعفر بن قولويه شاگرد سعد بن عبد الله اشعري معروف بوده است. (1) ولي با توجه به اينكه او استاد شيخ مفيد بوده است و در سال 367 و يا 368 در گذشته است نمي توان او را معاصر علي بن بابويه و از علماي غيبت صغرا شمرد. آنكه از علماي غيبت صغرا است پدرش محمد ابن قولويه است.

3. ابن ابي عقيل عماني. گفته اند يمني است. عمان از سواحل درياي يمن است.

تاريخ وفاتش معلوم نيست. در آغاز غيبت كبرا مي زيسته است.

بحر العلوم گفته است كه او استاد جعفر بن قولويه بوده است و جعفر بن قولويه استاد شيخ مفيد بوده است. اين قول از قول بالا كه جعفر بن قولويه را همدوره علي بن بابويه معرفي كرده است اقرب به تحقيق است. آراء ابن ابي عقيل در فقه زياد نقل مي شود. او از چهره هايي است كه مكرر به نام او در فقه بر مي خوريم.

4. ابن جنيد اسكافي. از اساتيد شيخ مفيد است. گويند كه در سال 381 در گذشته است. گفته اند كه تاليفات و آثارش به پنجاه مي رسد. فقهاء از ابن الجنيد و ابن ابي عقيل سابق الذكر به عنوان «القديمين ياد مي كنند. آراء ابن الجنيد همواره در فقه مطرح بوده و هست.

5. شيخ مفيد. نامش محمد بن محمد بن نعمان است. هم متكلم است و هم فقيه. ابن النديم در فن دوم از مقاله پنجم «الفهرست كه درباره متكلمين شيعه بحث مي كند از او به عنوان «ابن المعلم ياد مي كند و ستايش مي نمايد. در سال 336 متولد شده و در 413 در گذشته است. كتاب معروف او در فقه به نام «مقنعه است و چاپ شده و موجود است. شيخ مفيد از چهره هاي بسيار درخشان شيعه در جهان اسلام است.

ابو يعلي جعفري كه داماد مفيد بوده است گفته است كه مفيد شبها مختصري مي خوابيد، باقي را به نماز يا مطالعه يا تدريس يا تلاوت قرآن مجيد مي گذرانيد. شيخ مفيد، شاگرد شاگرد ابن ابي عقيل است.

6. سيد مرتضي معروف به علم الهدي، متولد 355 و متوفاي 436. علامه حلي او را معلم شيعه اماميه خوانده است.

مردي جامع بوده است. هم اديب بوده و هم متكلم و هم فقيه. آراء فقهي او مورد توجه فقهاء است.

كتاب معروف او در فقه يكي كتاب «انتصار» است و ديگري كتاب «جمل العلم و العمل. او و برادرش «سيد رضي جامع نهج البلاغه نزد شيخ مفيد سابق الذكر تحصيل كرده اند.

پي نوشت

1 - الكني و الالقاب.

درس سوم: تاريخچه فقه و فقهاء (2)

درس سوم: تاريخچه فقه و فقهاء (2)

7. شيخ ابو جعفر طوسي، معروف به شيخ الطائفه. از ستارگان بسيار درخشان جهان اسلام است. در فقه و اصول و حديث و تفسير و كلام و رجال تاليفات فراوان دارد. اهل خراسان است. در سال 385 متولد شده و در سال 408 يعني در 23 سالگي به بغداد كه آن وقت مركز بزرگ علوم و فرهنگ اسلامي بود مهاجرت كرد و تا پايان عمر در عراق ماند و پس از استادش سيد مرتضي رياست علمي و فتوائي شيعه به او منتقل شد.

مدت پنج سال پيش شيخ مفيد درس خوانده است. ساليان دراز خدمت شاگرد مبرز شيخ مفيد يعني سيد مرتضي بهره مند شده است. استادش سيد مرتضي در سال 436 در گذشت و او 24 سال ديگر بعد از استادش در قيد حيات بود.

دوازده سال بعد از سيد در بغداد ماند ولي بعد به علت يك سلسله آشوبها كه خانه و كتابخانه اش به تاراج رفت به نجف مهاجرت كرد و حوزه علميه را در آنجا تاسيس كرد و در سال 460 در همانجا در گذشت. قبرش در نجف معروف است.

شيخ طوسي كتابي در فقه دارد به نام «النهاية كه در قديم الايام كتاب درسي طلاب بوده است. كتاب ديگري دارد به نام «مبسوط كه فقه

را وارد مرحله جديدي كرده است و در عصر خودش مشروحترين كتاب فقهي شيعه بوده است. كتاب ديگري دارد به نام «خلاف كه در آنجا، هم آراء فقهاء اهل سنت را ذكر كرده و هم راي شيعه را. شيخ طوسي كتابهاي ديگر نيز در فقه دارد. قدما تا حدود يك قرن پيش اگر در فقه «شيخ به طور مطلق مي گفتند مقصود شيخ طوسي بود و اگر شيخان مي گفتند مقصود شيخ مفيد و شيخ طوسي بود.

شيخ طوسي يكي از چند چهره معروفي است كه در سراسر فقه نامشان برده مي شود. خاندان شيخ طوسي تا چند نسل همه از علماي و فقها بوده اند. پسرش شيخ ابو علي ملقب به مفيد ثاني، فقيه جليل القدري است و بنا بر نقل مستدرك الوسائل (1) او كتابي دارد به نام «امالي و كتاب «النهاية پدرش را نيز شرح كرده است.

مطابق نقل كتاب «لؤلؤ البحرين دختران شيخ طوسي نيز فقيه و فاضله بوده اند. شيخ ابو علي فرزندي دارد به نام شيخ ابو الحسن محمد، بعد از پدرش ابو علي مرجعيت و رياست حوزه علميه به او منتقل شد و بنا بر نقل ابن عماد حنبلي در كتاب «شذرات الذهب في اخبار من ذهب (2) در زمان اين مرد بزرگ طلاب علوم ديني شيعه از اطراف و اكناف به سوي او مي شتافته اند و او خود مردي پارسا و زاهد و عالم بوده است. عماد طبري گفته است اگر صلوات بر غير انبيا روا بود من بر اين مرد صلوات مي فرستادم. او در سال 540 در گذشته است (3).

8. قاضي عبد العزيز حلبي معروف به ابن البراج. شاگرد سيد مرتضي و شيخ طوسي

است. از طرف شيخ طوسي به بلاد شام كه وطنش بود فرستاده شد. بيست سال در طرابلس شام قاضي بود. در سال 481 در گذشته است. كتابهاي فقهي او كه بيشتر نام برده مي شود يكي به نام «مهذب است و ديگري به نام «جواهر».

9. شيخ ابو الصلاح حلبي. او نيز اهل شامات است. شاگرد سيد مرتضي و شيخ طوسي بوده و صد سال عمر كرده است. در «ريحانة الادب مي نويسد كه او شاگرد سلار بن عبد العزيز آت الذكر نيز بوده است. اگر اين نسبت درست باشد، مي بايست ابو الصلاح، سه طبقه را شاگردي كرده باشد! كتاب معروف او در فقه به نام «كافي است. در سال 447 در گذشته است. اگر عمر او صد سال بوده است و در 447 هم وفات كرده باشد او از هر دو استادش بزرگسال تر بوده است. شهيد ثاني او را «خليفة المرتضي في البلاد الحلبية خوانده است.

10. حمزة بن عبد العزيز ديلمي معروف به «سلار ديلمي. در حدود سال 448 تا 463 در گذشته است. شاگرد شيخ مفيد و سيد مرتضي است. اهل ايران است و در خسروشاه تبريز در گذشته است. كتاب معروف او در فقه به نام «مراسم است. سلار هر چند هم طبقه شيخ طوسي است نه از شاگردان او، در عين حال محقق حلي در مقدمه كتاب «المعتبر» از او و ابن البراج و ابو الصلاح حلبي به عنوان «اتباع الثلاثه نام مي برد يعني او را از پيروان مي شمارد كه علي الظاهر مقصودش اين است كه اين سه نفر تابع و پيروان سه نفر ديگر (شيخ مفيد، سيد مرتضي، شيخ طوسي) بوده اند.

11. سيد ابو

المكارم ابن زهره. در حديث به يك واسطه از ابو علي پسر شيخ الطائفه روايت مي كند و در فقه با چند واسطه شاگرد شيخ طوسي است. اهل حلب است و در سال 585 در گذشته است. كتاب معروف او در فقه به نام «غنيه معروف است. هرگاه در اصطلاح فقهاء «حلبيان (به صيغه تثنيه) گفته شود، مقصود ابو الصلاح حلبي و ابن زهره حلبي است و هرگاه «حلبيون (به صيغه جمع) گفته شود، مقصود آن دو نفر به علاوه ابن البراج است كه او هم اهل حلب بوده است. بنا بر اين آنچه در مستدرك (4) ضمن احوال شيخ طوسي آمده است، ابن زهره كتاب «النهاية شيخ طوسي را نزد ابو علي حسن بن الحسين معروف بن ابن الحاجب حلبي خوانده است و او آن كتاب را نزد ابو عبد الله زينوبادي در نجف و او نزد شيخ رشيد الدين علي بن زيرك قمي وسيد ابن هاشم حسيني و أن دو نزد شيخ عبد الجبار رازي تحصيل كرده بوده اند و شيخ عبد الجبار شاگرد شيخ طوسي بوده است. بنا بر اين نقل، ابن زهره با چهار واسطه شاگرد شيخ طوسي بوده است.

12. ابن حمزه طوسي، معروف به عماد الدين طوسي. هم طبقه شاگردان شيخ طوسي است. بعضي او را هم طبقه شاگردان شاگردان شيخ دانسته و بعضي دوره او را از اين هم متاخرتر دانسته اند. نياز به تحقيق بيشتري است.

سال وفاتش دقيقا معلوم نيست. شايد در حدود نيمه دوم قرن ششم در گذشته است. اهل خراسان است. كتاب معروفش در فقه به نام «وسيله است.

13. ابن ادريس حلي. از فحول علماي شيعه است. خودش عرب

است و شيخ طوسي جد مادري او (البته مع الواسطه) به شمار مي رود. به حريت فكر معروف است. صولت و هيبت جدش شيخ طوسي را شكست. نسبت به علماء و فقهاء تا سر حد اهانت انتقاد مي كرد. در سال 598 در سن 55 سالگي در گذشته است. كتاب نفيس و معروف او در فقه به نام «سرائر» است. گفته اند كه ابن ادريس از تلامذه سيد ابو المكارم ابن زهره بوده است، ولي بنا بر تعبيراتي كه ابن ادريس در كتاب الوديعه از كتاب «السرائر» مي كند چنين بر مي آيد كه صرفا معاصر وي بوده است و او را ملاقات كرده است و در برخي مسائل فقهي ميان آنها مكاتباتي رد و بدل شده است.

14. شيخ ابو القاسم جعفر بن حسن بن يحيي بن سعيد حلي، معروف بن «محقق. صاحب كتابهاي زياد در فقه از آن جمله: شرايع، معارج، معتبر، المختصر، النافع و غيره است. محقق حلي با يك واسطه شاگرد ابن زهره و ابن ادريس حلي سابق الذكر است. در «الكني و الالقاب ذيل احوال «ابن نما» مي نويسد.

«محقق كركي در وصف محقق حلي گفته است: اعلم اساتيد «محقق در فقه اهل بيت، محمد بن نماي حلي و اجل اساتيد او ابن ادريس حلي است».

ظاهرا مقصود محقق كركي اين است كه اجل اساتيد «ابن نما» ابن ادريس است. زيرا ابن ادريس در 598 در گذشته است و محقق در 676 در گذشته است. قطعا محقق حوزه درس ابن ادريس را درك نكرده است. در «ريحانة الادب مي نويسد:

«محقق حلي شاگرد جد و پدر خودش و سيد فخار بن محمد موسوي و ابن زهره بوده است».

اين نيز اشتباه است،

زيرا محقق، ابن زهره را كه در 585 در گذشته است درك نكرده است. بعيد نيست كه پدر محقق شاگرد ابن زهره بوده است. او استاد علامه حلي است كه بعدا خواهد آمد.

در فقه كسي را بر او مقدم نمي شمارند. در اصطلاح فقهاء هرگاه «محقق به طور مطلق گفته شود مقصود همين شخص بزرگوار است. فيلسوف و رياضي دادن بزرگ خواجه نصير الدين طوسي با او در حله ملاقات كرده و در جلسه درس فقهش حضور يافته است. كتابهاي «محقق ، مخصوصا كتاب «شرايع در ميان طلاب يك كتاب درسي بوده و هست و فقهاء زيادي كتب محقق را شرح كرده يا حاشيه بر آنها نوشته اند.

15. حسن بن يوسف بن علي بن مطهر حلي، معروف به علامه حلي. يكي از اعجوبه هاي روزگار است. در فقه و اصول و كلام و منطق و فلسفه و رجال و غيره كتاب نوشته است. در حدود صد كتاب از آثار خطي يا چاپي او شناخته شده كه بعضي از آنها به تنهائي (مانند تذكرة الفقهاء) كافي است كه نبوغ او را نشان دهد. علامه كتب زيادي در فقه دارد كه غالب آنها مانند كتابهاي محقق حلي در زمانهاي بعد از او از طرف فقهاء شرح و حاشيه شده است. كتب معروف فقهي علامه عبارت است از: ارشاد، تبصرة المتعلمين، قواعد، تحرير، تذكرة الفقهاء، مختلف الشيعه، منتهي. علامه اساتيد زيادي داشته است. در فقيه شاگرد دائي خود محقق حلي و در فلسفه و منطق شاگرد خواجه نصير الدين طوسي بوده است. فقه تسنن را نزد علماي اهل تسنن تحصيل كرده است. علامه در سال 648 متولد شده و در سال

726 در گذشته است.

16. فخر المحققين، پسر علامه حلي. در 682 متولد شده و در سال 771 در گذشته است. علامه حلي در مقدمه «تذكرة الفقهاء» و در مقدمه كتاب «قواعد» از فرزندش به تجليل ياد كرده است و در آخر «قواعد» آرزو كرده كه پسر بعد از پدر كارهاي ناتمام او را تمام كند. فخر المحققين كتابي دارد به نام «ايضاح الفوائد في شرح مشكلات القواعد». آراء فخر المحققين در كتاب «ايضاح در كتب فقهيه مورد توجه است.

17. محمد بن مكي، معروف به شهيد اول. شاگرد فخر المحققين و از اعاظم فقهاي شيعه است. در رديف محقق حلي و علامه حلي است. اهل جبل عامل است كه منطقه اي است در جنوب لبنان و از قديم ترين مراكز تشيع است و هم اكنون نيز يك مركز شيعه است. شهيد اول در سال 734 متولد شده و در 786 به فتواي يك فقيه مالكي مذهب و تاييد يك فقيه شافعي مذهب شهيد شده است. او شاگرد شاگردان علامه حلي و از آن جمله فخر المحققين بوده است. كتابهاي معروف شهيد اول در فقه عبارت است از «اللمعه كه در مدت كوتاهي در همان زنداني كه منجر به شهادتش شد تاليف كرده است (5) و عجيب اين است كه اين كتاب شريف را در دو قرن بعد فقيهي بزرگ شرح كرد كه او سرنوشتي مانند مؤلف پيدا كرد، يعني شهيد شد و «شهيد ثاني لقب گرفت. «شرح لمعه تاليف شهيد ثاني است كه همواره از كتب درسي طلاب بوده و هست. كتابهاي ديگر شهيد اول عبارت است از: دروس، ذكري، بيان، الفيه، قواعد. همه كتب او از نفائس

آثار فقهي است. كتب شهيد اول نيز مانند كتب محقق و علامه حلي در عصرهاي بعد از طرف فقهاء شرحهها و حاشيه هاي زياد خورده است.

در ميان فقهاء شيعه، كتابهاي سه شخصيت فوق الذكر، يعني محقق حلي، علامه حلي، شهيد اول كه در قرن هفتم و هشتم مي زيسته اند، به صورت متون فقهي در آمده و ديگران بر آنها شرح و حاشيه نوشته اند و كسي ديگر نمي بينيم كه چنين عنايتي به آثار او شده باشد. فقط در يك قرن گذشته دو كتاب از كتابهاي شيخ مرتضي انصاري كه در حدود صد و سيزده سال از وفاتش مي گذرد چنين وضعي به خود گرفته است.

خاندان شهيد اول خاندان علم و فضل و فقه بوده اند و نسلهاي متوالي اين شرافت را براي خود نگهداري كرده اند. شهيد سه پسر دارد كه هر سه از علما و فقها بوده اند همچنانكه همسرش ام علي و دختر ام الحسن نيز فقيهه بوده اند و شهيد زنان را در پاره اي از مسائل فقهي به اين دو بانوي فاضله ارجاع مي كرده است. در كتاب «ريحانة الادب مي نويسد:

«بعضي از بزرگان، فاطمه دختر شهيد را «شيخة و «ست المشايخ يعني سيدة المشايخ لقب داده اند».

18. فاضل مقداد. اهل سيور است كه از قراء حله است. از شاگردان مبرز شهيد اول است. كتاب معروف او در فقه كه چاپ شده و در دست است و از او نقل مي شود كتاب «كنز العرفان است. اين كتاب، آيات الاحكام است، يعني در اين كتاب آن سلسله از آيات كريمه قرآن كه از آنها مسائل فقهيه استنباط مي شود و در فقه مطرح مي گردد تفسير شده و به سبك فقهي به آنها استدلال شده است.

در شيعه و سني كتابهاي زيادي در آيات الاحكام نوشته شده است و كنزل العرفان فاضل مقداد بهترين و يا از بهترين آنها است.

فاضل مقداد در سال 826 وفات كرده است. علي هذا او از علماء قرن نهم هجري محسوب مي شود.

19. جمال السالكين ابو العباس احمد بن فهد حلي اسدي. در سال 757 متولد شده و در سال 841 وفات يافته است. در طبقه شاگردان شهيد اول و فخر المحققين است. مشايخ حديث او فاضل مقداد سابق الذكر و شيخ علي بن الخازن فقيه و شيخ بهاء الدين علي بن عبد الكريم است. (6) علي الظاهر اساتيد فقهي او نيز همينها هستند. ابن فهد تاليفات فقهي معتبر دارد از قبيل «المهذب البارع كه شرح «مختصر النافع محقق حلي است و شرح «ارشاد» علامه به نام «المقتصر» و شرح الفيه شهيد اول. شهرت بيشتر ابن فهد در اخلاق و سير و سلوك است. كتاب مشهور او در اين زمينه «عدة الداعي است.

20. شيخ علي بن هلال جزائري. زاهد و متقي و جامع المعقول و المنقول بوده است. استاد روايتش ابن فهد حلي است و بعيد نيست كه استاد فقه وي نيز هم او باشد. مي گويند در عصر خودش شيخ الاسلام و رئيس شيعه بوده است. محقق كركي شاگرد او بوده و او را به صفت فقاهت و شيخ الاسلامي ستوده است. ابن ابي جمهور احسائي نيز فقه را نزد او تحصيل كرده است.

پي نوشتها

1 - جلد 3/ص 498.

2 - جلد 4/ص 126 - 127.

3 - قسمتهاي مربوط به شيخ ابو الحسن فرزند شيخ ابو علي، از ياد داشتي است كه دوست عاليقدر، دانشمند محترم آقاي نصر الله

شبستري تبريزي مرقوم فرموده اند و ايشان آن را از علامه سيد محمد صادق آل بحر العلوم در مقدمه اي كه بر رجال شيخ طوسي نوشته اند نقل كرده اند.

4 - جلد 3/ص 506.

5 - گويند براي امير علي بن مؤيد، امير سربداران خراسان.

6 - الكني و الالقاب.

درس چهارم: تاريخچه فقه و فقهاء (3)

درس چهارم: تاريخچه فقه و فقهاء (3)

21. شيخ علي بن عبد العالي كركي، معروف به محقق كركي يا محقق ثاني. از فقهاء جبل عامل است و از اكابر فقهاء شيعه است. در شام و عراق تحصيلات خود را تكميل كرده و سپس به ايران (در زمان شاه تهماسب اول) آمده و منصب شيخ الاسلامي براي اولين بار در ايران به او تفويض شد. منصب شيخ الاسلامي بعد از محقق كركي به شاگردش شيخ علي منشار، پدر زن شيخ بهائي رسيد و بعد از او اين منصب به شيخ بهائي واگذار شد. فرماني كه شاه تهماسب به نام او نوشته و به او اختيارات تام داده و در حقيقت او را صاحب اختيار واقعي و خود را نماينده او دانسته است معروف است. كتاب معروف او كه در فقه زياد نام برده مي شود «جامع المقاصد» است كه شرح «قواعد» علامه حلي است. او علاوه بر اين، «مختصر النافع محقق و «شرايع محقق و چند كتاب ديگر از علامه و چند كتاب از شهيد اول را حاشيه زده و يا شرح كرده است.

آمدن محقق ثاني به ايران و تشكيل حوزه در قزوين و سپس در اصفهان و پرورش شاگرداني مبرز در فقه سبب شد كه براي اولين بار پس از دوره صدوقين، ايران مركز فقه شيعه بشود. محقق كركي ميان سالهاي 937 و

941 در گذشته است. محققن كركي شاگرد علي بن هلال جزايري و او شاگرد ابن فهد حلي بوده است. ابن فهد حلي شاگرد شاگردان شهيد اول از قبيل فاضل مقداد بوده. علي هذا او به دو واسطه شاگرد شهيد اول است. پسر محقق كركي به نام شيخ عبد العالي بن علي بن عبد العالي نيز از فقهاء شيعه است، «ارشاد» علامه و «الفيه شهيد را شرح كرده است.

22. شيخ زين الدين معروف بن شهيد ثاني. از اعاظم فقهاء شيعه است. مردي جامع بوده و در علوم مختلف دست داشته است. اهل جبل عامل است. جد ششم او صالح نامي است كه شاگرد علامه حلي بوده است. ظاهرا اصلا اهل طوس بوده است. از اين رو شهيد ثاني گاهي «الطوسي الشامي امضاء مي كرده است. شهيد ثاني در سال 991 متولد شده و در 966 شهيد شده است. مسافرت زياد كرده و اساتيد زياد ديده است. به مصر و دمشق و حجاز و بيت المقدس و عراق و استانبول مسافرت كرده و از هر خرمني خوشه هائي چيده است. تنها اساتيد سني او را دوازده تن نوشته اند و به همين جهت مردي جامع بوده است، علاوه بر فقه و اصول، از فلسفه و عرفان و طب و نجوم هم آگاهي داشته است. فوق العاده زاهد و متقي بوده است. شاگردانش در احوالش نوشته اند كه در ايام تدريس، شبها به هيزم كشي براي اعاشه خاندانش مي رفت و صبح به تدريس مي نشست. مدتي در بعلبك به پنج مذهب (جعفري، حنفي، شافعي، مالكي، حنبلي) تدريس مي كرده است. شهيد تاليفات زيادي دارد. معروفترين تاليف او در فقه «شرح لمعه شهيد اول و

ديگر «مسالك الافهام است كه شرح «شرايع محقق حلي است. شهيد ثاني نزد محقق كركي (قبل از آنكه محقق به ايران بيايد) تحصيل كرده است. شهيد ثاني به ايران نيامد. صاحب «معالم كه از معاريف علماء شيعه است فرزند شهيد ثاني است.

23. احمد بن محمد اردبيلي، معروف بن مقدس اردبيلي. ضرب المثل زهد و تقوا است و در عين حال از محققان فقهاء شيعه است. محقق اردبيلي در نجف سكني گزيد معاصر صفويه است. گويند شاه عباس اصرار داشت كه به اصفهان بيايد، حاضر نشد. شاه عباس خيلي مايل بود كه مقدس اردبيلي خدمتي به او ارجاع كند تا اينكه اتفاق افتاد كه شخصي به علت تقصيري از ايران فرار كرد و در نجف از مقدس اردبيلي خواست كه نزد شاه عباس شفاعت كند. مقدس نامه اي به شاه عباس نوشت به اين مضمون:

«باني مُلك عاريت عباس بداند: اگر چه اين مرد اول ظالم بود، اكنون مظلوم مي نمايد، چنانچه از تقصير او بگذري «شايد» كه حق سبحانه از «پاره اي تقصيرات تو بگذرد - بنده شاه ولايت، احمد اردبيلي.

شاه عباس نوشت:

به عرض مي رساند: عباس خدماتي كه فرموده بوديد به جان منت داشته به تقديم رسانيد. اميد كه اين محب را از دعاي خير فراموش نفرمائيد - كلب آستان علي، عباس. (1)

امتناع مقدس اردبيلي از آمدن به ايران سبب شد كه حوزه نجف به عنوان مركزي ديگر در مقابل حوزه اصفهان احيا شود، همچنانكه امتناع شهيد ثاني و پسرش شيخ حسن صاحب «معالم و دختر زاده اش سيد محمد صاحب «مدارك از مهاجرت از جبل عامل به ايران سبب شد كه حوزه شام و جبل عامل همچنان ادامه يابد

و منقرض نگردد. صاحب «معالم و صاحب «مدارك براي اينكه دچار محظور و رودربايستي براي توقف در ايران نشوند، از زيارت حضرت رضا (ع) كه فوق العاده مشتاق آن بودند صرف نظر كردند.

اين بنده فعلا نمي داند كه مقدس اردبيلي، فقه را كجا و نزد چه كسي تحصيل كرده است. همين قدر مي دانيم كه فقه را نزد شاگردان شهيد ثاني تحصيل كرده است. پسر شهيد ثاني (صاحب معالم) و نواده دختريش (صاحب مدارك) در نجف شاگرد او بوده اند. در كتاب زندگي جلال الدين دواني مي نويسد كه:

«ملا احمد اردبيلي، مولانا عبد الله شوشتري، مولانا عبد الله يزدي، خواجه افضل الدين تركه، مير فخر الدين هماكي، شاه ابو محمد شيرازي، مولانا ميرزاجان و مير فتح شيرازي، شاگردان خواجه جمال الدين محمود بوده اند و او شاگرد محقق جلال الدين دواني بوده است». (2)

و ظاهرا تحصيل مقدس اردبيلي نزد خواجه جمال الدين محمود در رشته هاي معقول بوده نه منقول.

مقدس اردبيلي در سال 993 در نجف در گذشته است. كتاب فقهي معروف او يكي «شرح ارشاد» است و ديگر «آيات الاحكام. نظريات دقيق او مورد توجه فقها است.

24. شيخ بهاء الدين محمد عاملي، معروف به شيخ بهائي. او نيز اهل جبل عامل است. در كودكي همراه پدرش شيخ حسين بن عبد الصمد كه از شاگردان شهيد ثاني بود به ايران آمد. شيخ بهائي از اين رو كه به كشورهاي مختلف مسافرت كرده و محضر اساتيد مختلف در رشته هاي مختلف را درك كرده و به علاوه داراي استعداد و ذوقي سرشار بوده است، مردي جامع بوده و تاليفات متنوعي دارد. هم اديب بوده و هم شاعر و هم فيلسوف و هم رياضي

دان و مهندس و هم فقيه و هم مفسر. از طب نيز بي بهره نبوده است. اولين كسي است كه يك دوره احكام فقه غير استدلالي به صورت رساله عمليه به زبان فارسي نوشت. آن كتاب همان است كه به نام «جامع عباسي معروف است.

شيخ بهائي چون فقه رشته اختصاصي و تخصصيش نبوده از فقهاء طراز اول به شمار نمي رود، ولي شاگردان زيادي تربيت كرده است. ملا صدراي شيرازي، ملا محمد تقي مجلسي اول - پدر مجلسي دوم صاحب كتاب بحار الانوار - محقق سبزاوري و فاضل جواد صاحب «آيات الاحكام از شاگردان اويند. همچنانكه قبلا اشاره كرديم، منصب شيخ الاسلامي ايران پس از محقق كركي به شيخ علي منشار پدر زن شيخ بهائي رسيد و پس از او به شيخ بهائي رسيد. همسر شيخ بهائي كه دختر شيخ علي منشار بوده است، زني فاضله و فقيهه بوده است. شيخ بهائي در سال 953 به دنيا آمده و در سال 1030 يا 1031 در گذشته است. شيخ بهائي ضمنا مردي جهانگرد بوده است، به مصر و شام و حجاز و عراق و فلسطين و آذربايجان و هرات مسافرت كرده است.

25. ملا محمد باقر سبزواري، معروف به محقق سبزواري. اهل سبزوار بوده و در مكتب اصفهان كه هم مكتبي فقهي بود و هم فلسفي پرورش يافته و از اين رو جامع المعقول و المنقول بوده است. نام او در كتب فقهيه زياد برده مي شود. كتاب معروف او در فقه يكي به نام «ذخيره و ديگري به نام «كفايه است و چون فيلسوف هم بوده است بر الهيات شفاي ابو علي سينا حاشيه نوشته. در سال 1090

در گذشته است. محقق سبزواري نزد شيخ بهائي و مجلسي اول تحصيل كرده است.

26. آقا حسين خوانساري، معروف به محقق خوانساري. او نيز در مكتب اصفهان پرورش يافته و جامع المعقول و المنقول است. شوهر خواهر محقق سبزواري است. كتاب معروف او در فقه به نام «مشارق الشموس است كه شرح كتاب «دروس شهيد اول است.

محقق خوانساري در سال 1098 در گذشته است. او با محقق سبزواري معاصر است و همچنين با ملا محسين فيض كاشاني و ملا محمد باقر مجلسي كه هر دو از اكابر محدثين به شمار مي روند.

27. جمال المحققين معروف به آقا جمال خوانساري. فرزند آقا حسين خوانساري سابق الذكر است. مانند پدر، جامع المعقول و المنقول است. حاشيه معروفي دارد بر «شرح لمعه و حاشيه مختصري دارد بر طبيعيات شفاي بو علي كه در حاشيه شفاي چاپ سنگي تهران چاپ شده است. آقا جمال با دو واسطه استاد سيد مهدي بحر العلوم است. زيرا او استاد سيد ابراهيم قزويني است و او استاد پسرش سيد حسين قزويني است و سيد حسين قزويني يكي از اساتيد بحر العلوم است.

28. شيخ بهاء الدين اصفهاني، معروف به «فاضل هندي. اين مرد «قواعد» علامه را شرح كرده است و نام كتابش «كشف اللثام است و به همين مناسبت خود او را «كاشف اللثام مي خوانند. آراء و عقائد و نظريات او كاملا مورد توجه فقهاء است. فاضل هندي در سال 1137 در گير و دار فتنه افغان در گذشت. فاضل هندي نيز جامع المعقول و المنقول بوده است.

29. محمد باقر بن محمد اكمل بهبهاني، معروف به «وحيد بهبهاني. اين مرد شاگرد سيد صدر الدين رضوي قمي

شارح «وافيه و او شاگرد آقا جمال خوانساري سابق الذكر است.

وحيد بهبهاني در دوره بعد از صفويه قرار دارد. حوزه اصفهان بعد از انقراض صفويه از مركزيت افتاد، برخي از علماء و فقها - از آن جمله سيد صدر الدين رضوي قمي استاد وحيد بهبهاني - در اثر فتنه افغان به عتبات مهاجرت كردند.

وحيد بهبهاني كربلا را مركز قرار داد و شاگردان بسيار مبرز تربيت كرد. از آن جمله است سيد مهدي بحر العلوم، شيخ جعفر كاشف الغطاء، ميرزا ابو القاسم قمي صاحب كتاب «قوانين ، حاج ملا مهدي نراقي، سيد علي صاحب «رياض ، ميرزا مهدي شهرستاني، سيد محمد باقر شفتي اصفهاني معروف به حجة الاسلام، ميرزا مهدي شهيد مشهدي، سيد جواد صاحب «مفتاح الكرامة ، سيد محسن اعرجي.

علاوه بر اين او مبارزه پي گيري كرد در دفاع از اجتهاد و مبارزه با اخباريگري كه در آن وقت سخت رواج يافته بود. شكست دادن اخباريان و تربيت گروهي مجتهد مبرز سبب شد كه او را استاد الكل خواندند. او تقوا را در حد كمال داشت. شاگردانش براي او احترام بسيار عميقي قائل بودند. وحيد بهبهاني نسب به مجلسي اول مي برد يعني از نواده ها دختري مجلسي اول (البته به چند واسطه) است. دختر مجلسي اول كه جده وحيد بهبهاني است به نام «آمنه بيگم است. آمنه بيگم همسر ملا صالح مازندراني بوده و زني فاضله و فقيهه بوده است. با آنكه همسرش ملا صالح مردي بسيار عالم و فاضل بوده است گاهي آمنه بيگم مشكلات علمي شوهر فاضل خود را حل مي كرده است.

30. سيد مهدي بحر العلوم. شاگرد بزرگ و بزرگوار وحيد بهبهاني است و

از فقهاي بزرگ است. منظومه اي در فقه دارد كه معروف است. آراء و نظريات او مورد اعتنا و توجه فقها است. بحر العلوم به علت مقامات معنوي و سير و سلوكي كه طي كرده فوق العاده مورد احترام علماء شيعه است و تالي معصوم به شمار مي رود. كرامات زياد از او نقل شده است. كاشف الغطاء آتي الذكر با تحت الحنك عمامه خود غبار نعلين او را پاك مي كرد. بحر العلوم در سال 1154 يا 1155 متولد شده و در سال 1212 در گذشته است.

31. شيخ جعفر كاشف الغطاء. شاگرد وحيد بهبهاني و شاگرد او سيد مهدي بحر العلوم بوده است. او عرب است و فقيه فوق العاده ماهري است. كتاب معروف او در فقه به نام «كشف الغطاء» است. در نجف مي زيسته و شاگردان زيادي تربيت كرده است. سيد جواد صاحب «مفتاح الكرامه و شيخ محمد حسن صاحب «جواهر الكلام از جمله شاگردان اويند. چهار پسر داشته كه هر چهار از فقهاء بوده اند. كاشف الغطاء معاصر فتحعلي شاه است. در مقدمه «كشف الغطاء» او را مدح كرده و در سال 1228 در گذشته است. كاشف الغطاء در فقه نظريات دقيق و عميق داشته و از او به عظمت ياد مي شود.

پي نوشتها

1 - اين داستان هر چند در مآخذ معتبر نقل شده ولي با توجه به سال فوت محقق اردبيلي و جلوس شاه عباس قابل خدشه و نيازمند به تحقيق است.

2 - زندگي جلال الدين دواني - تاليف فاضل محترم آقاي علي دواني.

درس پنجم: تاريخچه فقه و فقهاء (4)

درس پنجم: تاريخچه فقه و فقهاء (4)

32. شيخ محمد حسن صاحب كتاب «جواهر الكلام كه شرح شرايع محقق است و مي توان آن را

دائرة المعارف فقه شيعه خواند. اكنون هيچ فقيهي خود را از جواهر بي نياز نمي داند. اين كتاب مكرر چاپ سنگي شده است و اخيرا با چاپ حروفي در قطع وزيري مشغول چاپش هستند و در حدود پنجاه جلد 400 صفحه اي يعني در حدود بيست هزار صفحه خواهد شد. كتاب «جواهر» عظيمترين كتاب فقهي مسلمين است و با توجه به اينكه هر سطر اين كتاب مطلب علمي است و مطالعه يك صفحه آن وقت و دقت زياد مي خواهد مي توان حدس زد كه تاليف اين كتاب بيست هزار صفحه اي چقدر نيرو برده است. سي سال تمام يكسره كار كرد تا چنين اثر عظيمي به وجود آورد. اين كتاب مظهر نبوغ و همت و استقامت و عشق و ايمان يك انسان به كار خويشتن است. صاحب «جواهر» شاگرد كاشف الغطاء شاگرد شاگرد او سيد جواد صاحب «مفتاح الكرامة است و خود در نجف حوزه عظيمي داشته و شاگردان زيادي تربيت كرده است. صاحب جواهر عرب است. در زمان خود مرجعيت عامه يافت و در سال 1266 كه اوايل جلوس ناصر الدين شاه در ايران بود درگذشت.

33. شيخ مرتضي انصاري. نسبش به جابر بن عبد الله انصاري از صحابه بزرگوار رسول خدا مي رسد. در دزفول متولد شده و تا بيست سالگي نزد پدر خود تحصيل كرده و آنگاه همراه پدر به عتبات رفته است. علماء وقت كه نبوغ خارق العاده او را مشاهده كردند از پدر خواستند كه او را نبرد. او در عراق چهار سال توقف كرد و از محضر اساتيد بزرگ استفاده كرد. آنگاه در اثر يك سلسله حوادث ناگوار به وطن خويش بازگشت. بعد از دو سال

بار ديگر به عراق رفت و دو سال تحصيل كرد و به ايران مراجعت نمود. تصميم گرفت از محضر علماء بلاد ايران استفاده كند. عازم زيارت مشهد شد و در كاشان با حاج ملا احمد نراقي صاحب كتاب «مستند الشيعه و صاحب كتاب معروف «جامع السعادات فرزند حاج ملا مهدي نراقي سابق الذكر ملاقات كرد. ديدار نراقي عزم رحيل او را مبدل به اقامت كرد و سه سال در كاشان از محضر او استفاده كرد و آنگاه به مشهد رفت و پنج ماه توقف نمود. شيخ انصاري سفري به اصفهان و سفري به بروجرد رفته و در همه سفرها هدفش ملاقات اساتيد و استفاده از محضر آنها بوده است. در حدود سالهاي 1252 و 1253 براي آخرين بار به عتبات رفت و به كار تدريس پرداخت. بعد از صاحب «جواهر» مرجعيت عامه يافت.

شيخ انصاري را خاتم الفقهاء و المجتهدين لقب داده اند. او از كساني است كه در دقت و عمق نظر بسيار كم نظير است. علم اصول و بالتبع فقه را وارد مرحله جديدي كرد. او در فقه و اصول ابتكاراتي دارد كه بي سابقه است. دو كتاب معروف او «رسائل و «مكاسب كتابي درسي طلاب شده است. علماء بعد از او شاگرد و پيرو مكتب اويند. حواشي متعدد از طرف علماء بعد از او بر كتابهاي او زده شده. بعد از محقق حلي و علامه حلي و شهيد اول، شيخ انصاري تنها كسي است كه كتابهايش از طرف علماء بعد از خودش مرتب حاشيه خورده و شرح شده است.

زهد و تقواي او نيز ضرب المثل است و داستانها از آن گفته مي شود. شيخ انصاري

در سال 1281 در نجف در گذشته و همانجا دفن شده است.

34. حاج ميرزا محمد حسن شيرازي، معروف به ميرزاي شيرازي بزرگ. ابتدا در اصفهان تحصيل كرد و سپس به نجف رفت و در حوزه درس صاحب «جواهر» شركت كرد و بعد از او به درس شيخ انصاري رفت و از شاگردان مبرز و طراز اول شيخ شد. بعد از شيخ انصاري مرجعيت عامه يافت. در حدود 23 سال مرجع علي الاطلاق شيعه بود و هم او بود كه با تحريم تنباكو، قرار داد معروف استعماري رژي را لغو كرد. شاگردان زيادي در حوزه درس او تربيت شدند از قبيل آخوند ملا محمد كاظم خراساني، سيد محمد كاظم طباطبائي يزدي، حاج آقا رضا همداني، حاج ميرزا حسين سبزواري، سيد محمد فشاركي اصفهاني، ميرزا محمد تقي شيرازي و غير اينها. از او اثري كتبي باقي نمانده است ولي احيانا برخي آرائش مورد توجه است. در سال 1312 در گذشت.

35. آخوند ملا محمد كاظم خراساني. در سال 1255 در مشهد در يك خانواده غير معروف متولد شد و در 22 سالگي به تهران مهاجرت كرد و مدت كوتاهي تحصيل فلسفه كرد و سپس به نجف رفت. دو سال درس شيخ انصاري را درك كرده است اما بيشتر تحصيلاتش نزد ميرزاي شيرازي بوده است. ميرزاي شيرازي در سال 1291 سامرا را محل اقامت خود قرار داد ولي آخوند خراساني از نجف دور نشد و خودش مستقلا حوزه درس تشكيل داد. او از مدرسين بسيار موفق است. در حدود هزار و دويست شاگرد از محضرش استفاده مي كرده اند و در حدود دويست نفر آنها خود مجتهد بوده اند.

فقهاء عصر اخير نظير

مرحوم آقا سيد ابو الحسن اصفهاني، مرحوم حاج شيخ محمد حسين اصفهاني، مرحوم حاج آقا حسين بروجردي، مرحوم حاج آقا حسين قمي و مرحوم آقا ضياء الدين عراقي همه از شاگردان او بوده اند. شهرت بيشتر آخوند خراساني در علم اصول است. كتاب «كفاية الاصول او يك كتاب درسي مهم است و حواشي زيادي بر آن نوشته شده است. آراء اصولي آخوند خراساني همواره در حوزه هاي علميه نقل مي شود و مورد توجه است. آخوند خراساني همان كسي است كه فتوا به ضرورت مشروطيت داد و مشروطيت ايران رهين او است. او در سال 1329 هجري قمري در گذشت.

36. حاج ميرزا حسين نائيني. از اكابر فقهاء و اصوليون قرن چهاردهم هجري است. نزد ميرزاي شيرازي سابق الذكر و سيد محمد فشاركي اصفهاني سابق الذكر تحصيل كرده است و خود مدرسي عالي مقام شد. شهرت بيشتر او در علم اصول است. به معارضه علمي با مرحوم آخوند خراساني برخاست و از خود نظريات جديدي در علم اصول آورد. بسياري از فقهاء زمان ما از شاگردان اويند. او كتابي نفيس به فارسي دارد به نام «تنزيه الامة يا «حكومت در اسلام كه در دفاع از مشروطيت و مباني اسلامي آن نوشته است. او در سال 1355 هجري قمري در نجف وفات يافت.

خلاصه و بررسي

ما مجموعا سي و شش چهره از چهره هاي مشخص فقهاء را از زمان غيبت صغرا يعني از قرن سوم هجري تا كنون كه به پايان قرن چهاردهم هجري قمري نزديك مي شويم معرفي كرديم. ما چهره هايي را نام برديم كه در دنياي فقه و اصول شهرت زيادي دارند، يعني همواره از زمان خودشان تا عصر حاضر نامشان

در درسها و در كتابها برده مي شود. البته ضمنا نام شخصيتهاي ديگر غير اين سي و شش چهره نيز برده شد. از مجموع آنچه گفتيم چند نكته معلوم مي گردد:

الف. از قرن سوم تا كنون فقه يك حيات مستمر داشته و هرگز قطع نشده است. حوزه هاي فقهي بدون وقفه در اين يازده قرن و نيم دائر بوده است. رابطه استاد و شاگردي در همه اين مدت هرگز قطع نشده است. اگر في المثل از استاد بزرگوار خود مرحوم آية الله بروجردي شروع كنيم مي توانيم سلسله اساتيد فقهي ايشان را تا عصر ائمه اطهار به طور مسلسل بيان نمائيم. چنين حيات متسلسل و متداوم يازده قرن و نيمي ظاهرا در هيچ تمدن و فرهنگ ديگر غير از تمدن و فرهنگ اسلامي وجود ندارد. استمرار فرهنگي به معني واقعي، كه يك روح و يك حيات، بدون هيچ وقفه و انقطاع، طبقات منظم و مرتب و متوالي را در قروني اين چنين دراز مدت به يكديگر پيوند دهد و يك روح بر همه حاكم باشد، جز در تمدن و فرهنگ اسلامي نتوان يافت. در تمدن و فرهنگهاي ديگر، ما به سوابق طولاني تري احيانا بر مي خوريم ولي با وقفه ها و بريدگيها و انقطاعها.

همچنان كه قبلا نيز يادآوري كرديم، اينكه قرن سوم را كه مقارن با غيبت صغرا است مبدا قرار داديم نه بدان جهت است كه حيات فقه شيعه از قرن سوم آغاز مي شود، بلكه بدان جهت است كه قبل از آن عصر، عصر حضور ائمه اطهار است و فقهاء شيعه تحت الشعاع ائمه اند و استقلالي ندارند و الا آغاز اجتهاد و فقاهت در ميان شيعه و آغاز تاليف

كتاب فقهي به عهد صحابه مي رسد. چنانكه گفتيم اولين كتاب را علي بن ابي رافع (برادر عبيد الله بن ابي رافع كاتب و خزانه دار امير المؤمنين علي (ع) در زمان خلافت آن حضرت) نوشته است.

ب. بر خلاف تصور بعضي ها، معارف شيعه و از آن جمله فقه شيعه تنها به وسيله فقهاء ايراني تدوين و تنظيم نشده است. ايراني و غير ايراني در آن سهيم بوده اند. تا قبل از قرن دهم هجري و ظهور صفويه، غلبه با عناصر غير ايراني است و تنها از اواسط دوره صفويه است كه غلبه با ايرانيان مي گردد.

ج. مركز فقه و فقاهت نيز قبل از صفويه ايران نبوده است. در ابتدا بغداد مركز فقه بود. سپس نجف وسيله شيخ طوسي مركز شد. طولي نكشيد كه جبل عامل (از نواحي جنوبي لبنان فعلي) و پس از آن و قسمتي مقارن با آن، حله كه شهر كوچكي است در عراق، مركز فقه و فقاهت بود. حلب (از نواحي سوريه) نيز مدتي مركز فقهاء بزرگ بوده است. در دوران صفويه بود كه مركزيت به اصفهان انتقال يافت و در همان زمان حوزه نجف وسيله مقدس اردبيلي و ديگر اكابر احيا شد كه تا امروز ادامه دارد. از شهرهاي ايران، تنها شهر قم است كه در قرون اول اسلامي، در همان زمان كه بغداد مركز فقاهت اسلامي بود، وسيله فقهائي نظير علي بن بابويه و محمد بن قولويه به صورت يكي از مراكز فقهي در آمد همچنان كه در دوره قاجار وسيله ميرزا ابو القاسم قمي صاحب قوانين نيز احيا شد و بار ديگر در سال 1340 هجري قمري يعني در حدود 56 سال پيش

وسيله مرحوم حاج شيخ عبد الكريم حائري يزدي احيا شد و اكنون يكي از دو مركز بزرگ فقهي شيعه است.

علي هذا، گاهي بغداد، زماني نجف، دوره اي جبل عامل (لبنان)، برهه اي حلب (سوريه)، مدتي حله (عراق)، عهدي اصفهان و دورانهائي قم مركز نشاط فقهي و فقهاء بزرگ بوده است. در طول تاريخ مخصوصا بعد از صفويه در شهرهاي ديگر ايران از قبيل مشهد، همدان، شيراز، يزد، كاشان، تبريز، زنجان، قزوين و تون (فردوس فعلي) حوزه هاي علميه عظيم و معتبري بوده است ولي هيچ يك از شهرهاي ايران به استثناي قم و اصفهان و در مدت كوتاهي كاشان، مركز فقهاء طراز اول نبوده و عالي ترين و يا در رديف عالي ترين حوزه هاي فقهي به شمار نمي رفته است. بهترين دليل بر نشاط علمي و فقهي اين شهرها وجود مدارس بسيار عالي و تاريخي است كه در همه شهرستانهاي نامبرده موجود است و يادگار جوش و خروشهاي علمي دورانهاي گذشته است.

د. فقهاء جبل عامل نقش مهمي در خط مشي ايران صفويه داشته اند. چنانكه مي دانيم، صفويه درويش بودند. راهي كه ابتدا آنها بر اساس سنت خاص درويشي خود طي مي كردند اگر با روش فقهي عميق فقهاء جبل عامل تعديل نمي شد و اگر وسيله آن فقهاء حوزه فقهي عميقي در ايران پايه گذاري نمي شد، به چيزي منتهي مي شد نظير آنچه در علويهاي تركيه و يا شام هست. اين جهت تاثير زيادي داشت در اينكه اولا روش عمومي دولت و ملت ايراني از آن گونه انحرافات مصوم بماند و ثانيا عرفان و تصوف شيعي نيز راه معتدل تري طي كند. از اين رو فقهاء جبل عامل از قبيل محقق كركي و شيخ بهائي و

ديگران با تاسيس حوزه فقهي اصفهان حق بزرگي به گردن مردم اين مرز و بوم دارند.

ه. همان طور كه شكيب ارسلان گفته است: «تشيع در جبل عامل زمانا مقدم است بر تشيع در ايران و اين يكي از دلايل قطعي بر رد نظريه كساني است كه تشيع را ساخته ايرانيان مي دانند. بعضي معتقدند نفوذ تشيع در لبنان وسيله ابوذر غفاري صحابي مجاهد بزرگ صورت گرفت. (1) ابوذر در مدت اقامت در منطقه شام قديم كه شامل همه يا قسمتي از لبنان فعلي نيز بود، همدوش مبارزه با ثروت اندوزيهاي معاويه و ساير امويان، مرام پاك تشيع را نيز تبليغ مي كرد.

پي نوشت

1 - نشريه دانشكده الهيات مشهد، آقاي واعظ زاده، تحت عنوان «بازديد از چند كشور اسلامي عربي نقل از كتاب «جبل عامل في تاريخ.

درس ششم: ابواب و رؤوس مسائل فقه (1) عبادات

درس ششم: ابواب و رؤوس مسائل فقه (1) عبادات

ما براي اينكه با فقه آشنائي مختصري پيدا كنيم لازم است كه با ابواب و رؤوس مسائل فقه آشنا شويم. قبلا گفتيم كه دائره فقه بسيار وسيع است، زيرا شامل همه موضوعاتي كه اسلام در آن موارد دستور عملي دارد.

از ميان تعليمات اسلامي، تنها معارف اسلامي و ديگر اخلاق و تربيت اسلامي است كه از حوزه فقه خارج است. آنچه در دائره فقه مطرح مي شود، امروز در علوم متعدد و متنوع مطرح است و درباره آنها تحقيق و كاوش مي شود.

اولين مطلبي كه لازم است يادآوري شود اين است كه آيا اين مسائل گسترده فقهي به نحو دسته بندي شده و تقسيمي بر مبناي صحيح روي آنها صورت گرفته است يا خير؟

پاسخ اين است كه متاسفانه خير. تقسيم و دسته بندي معروف همان است كه محقق حلي

صاحب «شرايع در كتاب «شرايع آورده است و شهيد اول در كتاب «قواعد» اندكي درباره آن توضيحاتي داده است. عجيب اين است كه شارحان زبردست كتاب شرايع از قبيل شهيد ثاني در «مسالك و سيد محمد نوه او در كتاب «مدارك و شيخ محمد حسن نجفي در «جواهر» كوچكترين تفسير و توضيحي درباره تقسيم محقق نكرده و نداده اند! خود شهيد اول نيز در كتاب «لمعه از روش محقق پيروي نكرده است.

به هر حال دسته بندي و تقسيم محقق بدينگونه است كه ابواب فقه را بر چهار قسم دانسته است: عبادات، عقود، ايقاعات، احكام.

اين تقسيم بر اين اساس است كه كارهائي كه انسان بايد بر ميزان شرعي آنها را انجام دهد يا به نحوي است كه قصد تقرب به خداوند در آنها شرط شده است، يعني صرفا براي خدا بايد انجام شود و اگر قصد و غرضي ديگر در كار باشد تكليف ساقط نمي شود و بايد دوباره صورت گيرد، يا چنين نيست؟

اگر از نوع اول باشد «عبادت ناميده مي شود مانند نماز و روزه و خمس و زكات و حج و غيره. اينگونه كارها را در فقه «عبادات مي نامند.

اما اگر از نوع دوم باشد، يعني قصد قربت شرط صحت آن نباشد و فرضا به قصد و غرضي ديگر نيز صورت گيرد صحيح است، بر دو قسم است: يا اين است كه وقوع آن موقوف به اجراء صيغه خاص نيست و يا هست.

اگر موقوف به اجراء صيغه خاص نباشد «احكام ناميده مي شوند، مانند ارث، حدود، ديات و غيره و اگر موقوف به اجراء صيغه خاص باشد اين نيز به نوبه خود دو نوع است: يا اين است كه آن

صيغه بايد وسيله دو طرف خوانده شود، يكي طرف ايجاب باشد و ديگري طرف قبول و يا آنكه نيازي به دو طرف ندارد، صيغه اي است كه يك جانبه.

اگر از نوع اول باشد «عقد» ناميده مي شود، مانند بيع و اجاره و نكاح كه يك طرف ايجاب مي كند و طرف ديگر قبول و اگر صرفا يك فرد به تنائي مي تواند اجرا كند بدون نياز به طرف ديگر «ايقاع ناميده مي شود. مانند «ابراء» يعني صرف نظر كردن از طلب خود، يا طلاق و يا عتق. ما بعدا درباره اين تقسيم و ساير تقسيمات بحث خواهيم كرد.

محقق حلي در اين تقسيم بندي مجموع ابواب فقه را چهل و هشت باب قرار داده است. ده باب را «عبادات ، پانزده باب را «عقود» ، يازده باب را «ايقاعات و دوازده باب را «احكام خوانده است. ولي بعدا خواهيم ديد كه عملا اين شماره ها به هم خورده است.

ضمنا اين نكته ناگفته نماند كه در قرن اول و دوم هجري كتبي كه نوشته مي شد، درباره يك يا چند موضوع فقهي نوشته مي شد نه درباره همه موضوعات. مثلا در كتب تراجم مي خوانيم كه فلان شخص كتابي در «صلوه و فلان شخص ديگر كتابي در «اجاره و سومي كتابي در «نكاح نوشته است. از اينرو در دوره هاي بعد نيز كه جوامع فقهي (يعني كتب جامع همه دوره فقه) نوشته شد، ابواب فقه هر كدام تحت عنوان «كتاب ياد مي شود. رسم بر اين است كه به جاي اينكه بنويسند «باب الصلوة يا «باب الحج مي نويسند «كتاب الصلوة يا «كتاب الحج.

اكنون ما ابواب و رؤوس مسائل فقهي را به ترتيب «شرايع محقق حلي و به نقل

از آن كتاب ذكر مي كنيم.

عبادات

«محقق ده كتاب عبادات را به اين ترتيب ذكر مي كند:

1. كتاب الطهارة. طهارت بر دو قسم است: طهارت از خبث يا آلودگيهاي ظاهري و جسمي و عارضي و طهارت از حدث يعني آلودگي معنوي طبعي. طهارت از خبث عبارت است از تطهير بدن يا لباس يا چيز ديگر از امور ده گانه اي كه اصطلاحا نجاسات خوانده مي شوند از قبيل: بول، غايط، خون، مني، ميته و غيره و طهارت از حدث عبارت است از حدث عبارت است از وضو و غسل و تيمم كه شرط عبادات از قبيل نماز و طواف است و با يك سلسله اعمال طبيعي مانند خواب، ادرار، جنابت و غيره باطل مي شود و بايد تجديد شود.

2. كتاب الصلوة. در اين كتاب درباره نمازهاي واجب يعني نمازهاي يوميه، نماز عيدين، نماز ميت، نماز آيات، نماز طواف و نمازهاي نافله يعني نمازهاي مستحبي از قبيل نوافل يوميه و غيره و درباره شرائط و اركان و مقدمات و موانع و قواطع و خلل نماز و همچنين درباره انواع نماز از قبيل نماز حاضر و نماز مسافر يا نماز فرادي و نماز جماعت، يا نماز اداء و نماز قضاء به تفصيل بحث مي شود.

3. كتاب الزكوة. زكات نوعي پرداخت مالي است شبيه به ماليات كه به نه چيز تعلق مي گيرد: طلا، نقره، گندم، جو، خرما، مويز، گاو، گوسفند، شتر. در فقه درباره شرائط تعلق زكات به اين امور نه گانه و درباره مقدار زكات و درباره مصرف آن كه به چه مصارفي بايد برسد بحث مي شود. در قرآن «زكات غالبا همرديف نماز ذكر مي شود. در قرآن از مسائل زكات فقط مصارف آن توضيح داده

شده است، آنجا كه مي فرمايد:

انما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و في سبيل الله و ابن السبيل. (1)

صدقات براي نيازمندان و تهيدستان و ماموران جمع آوري آنها و مردمي كه بايد دل آنها به دست آيد و در راه آزادي بردگان و قرض داران و در راه خيري كه به خدا منتهي گردد و مسافران بي توشه مي باشد.

4. كتاب الخمس. خمس نيز مانند زكات نوعي پرداخت مالي شبيه ماليات است. خمس يعني يك پنجم. از نظر اهل تسنن تنها غنائم جنگي است كه يك پنجم آن به عنوان خمس بايد به بيت المال منتقل شود و صرف مصالح عموم گردد. ولي از نظر شيعه غنائم جنگي يكي از چيزهائي است كه بايد خمس آن پرداخت شود. علاوه بر آن، معادن، گنجها، مالهاي مخلوط به حرام كه تشخيص آنها و مالك آنها مقدور نيست، زميني كه كافر ذمي از مسلمان مي خرد، آنچه از طريق غواصي به دست مي آيد و مازاد عوائد سالانه نيز بايد تخميس شوند و خمس آنها داده شود. خمس در مذهب شيعه بودجه هنگفتي است كه قسمت مهم بودجه يك كشور را مي تواند تامين كند.

5. كتاب الصوم. صوم يعني روزه. چنانكه مي دانيم در حال روزه از خوردن و آشاميدن، آميزش جنسي و سر زير آب فرو كردن و غبار غليظ به حلق فرو بردن و برخي چيزهاي ديگر بايد اجتناب كرد. هر سال قمري يك ماه يعني ماه مبارك رمضان بر هر مكلف بالغي كه عذري نداشته باشد واجب است روزه بگيرد. روزه به طور كلي در غير ماه رمضان مستحب است. دو روز

در سال روزه حرام است: عيد فطر و عيد اضحي. بعضي روزها روزه مكروه است مانند روز عاشورا.

6. كتاب الاعتكاف. اعتكاف به حسب معني لغوي يعني مقيم شدن در يك محل معين. ولي در اصطلاح فقهي عبارت است از نوعي عبادت كه انسان سه روز يا بيشتر در مسجد مقيم مي شود و پا بيرون نمي گذارد و هر سه روز روزه مي گيرد. اين كار شرائط و احكامي دارد كه در فقه مسطور است. اعتكاف في حد ذاته مستحب است نه واجب، ولي اگر انسان آن را شروع كرد و دو روز گذشت روز سوم واجب مي شود. اعتكاف بايد در مسجد الحرام يا مسجد النبي يا مسجد كوفه يا مسجد بصره صورت گيرد و حد اقل اين است كه در يك مسجد جامع يك شهر صورت گيرد. اعتكاف در مساجد كوچك جايز نيست. پيغمبر اكرم دهه آخر رمضان اعتكاف مي فرمود.

7. كتاب الحج. حج همان عمل معروفي است كه در مكه و اطراف مكه وسيله حجاج انجام مي شود و معمولا توام با عمره است. اعمال حج عبارت است است:

احرام در مكه، وقوف در سرزمين عرفات، وقوف شبانه در سرزمين مشعر، رمي جمرة العقبه، قرباني، حلق يا تقصير، طواف، نماز طواف، سعي بين صفا و مروة، طواف النساء، نماز طواف النساء، رمي جمرات، بيتوته در مني.

8. كتاب العمرة. عمرة نيز نوعي حج كوچك است. ولي معمولا براي حجاج واجب است كه اول عمره را بجا آورند و بعد حج را. اعمال عمرة عبارت است از:

احرام در يكي از ميقاتها، طواف خانه كعبه، نماز طواف، سعي بين صفا و مروه، تقصير.

شيخ بهائي براي اينكه اعمال عمره و حج و ترتيب

آنها در اذهان طلاب باقي بماند آنها را با رمز حرف اول آنها در يك شعر جمع كرده است و آن اين است:

«اطرست للعمرة اجعل نهج «او وارنحط رس طرمر» لحج به اين ترتيب:

الف - احراف

ط - طواف

ر - ركعتين طواف

س - سعي بين صفا و مروه

ت - تقصير

مجموع اينها كلمه «اطرست را تشكيل مي دهد كه رمز عمره است و باز:

الف - احرام

و - وقوف در عرفات

و - وقوف در مشعر الحرام

الف - افاضه (يعني كوچ كردن) از عرفات و مشعر به سرزمين منا.

ر - رمي جمرة العقبه.

ن - نحر يعني قرباني

ح - حلق يعني تراشيدن سر و براي كسي كه حج او حج اول نيست چيدن مقداري مو يا ناخن.

ط - طواف حج.

ر - ركعتين طواف حج.

س - سعي ميان صفا و مروه.

ط - طواف النساء.

ر - ركعتين طواف.

م - مبيت (يعني بيتوته) در منا.

ر - رمي جمرات.

بنا بر آنچه ما اعمال حج را شرح داديم مجموع اعمال سيزده تا است ولي در اين شعر چهارده تا آمده است. سر مطلب اين است كه شيخ بهائي افاضه از عرفات و مشعر، يعني كوچ كردن از آنجا به طرف منا را عملي مستقل شمرده است، در صورتي كه عمل مستقل نيست.

9. كتاب الجهاد. در اين كتاب مسئله جنگهاي اسلامي مطرح است. اسلام دين اجتماعي و مسئوليتهاي اجتماعي است. از اين رو جهاد در متن دستورات اسلام قرار گرفته است. جهاد بر دو قسم است: ابتدائي و دفاعي. از نظر فقه شيعه جهاد ابتدائي منحصرا زير نظر پيغمبر اكرم يا امام معصوم مي تواند صورت گيرد و لا غير. اين چنين جهادي تنها بر مردان واجب است

ولي جهاد دفاعي در همه زمانها بر همه مردم اعم از مرد و زن واجب است.

ايضا جهاد يا داخلي است يا خارجي. اگر گروهي از مردم بر امام مفترض الطاعة مسلمين خروج كنند آنچنانكه خوارج يا اصحاب جمل و اصحاب صفين كردند جهاد با آنها نيز واجب است. در فقه، احكام جهاد و احكام ذمه يعني شرائط پذيرفتن غير مسلمان تحت عنوان تابعيت دولت اسلامي و همچنين درباره صلح ميان دولت اسلامي و دولت غير اسلامي به تفصيل بحث مي شود.

10. امر به معروف و نهي از منكر. اسلام به حكم اينكه دين اجتماعي و مسؤوليتهاي اجتماعي است و محيط مناسب را شرط اصلي اجراء برنامه آسماني و سعادت بخش خود مي داند يك مسؤوليت مشترك براي عموم به وجود آورده است. همه مردم موظفند كه پاسدار فضيلتها و نيكيها و نابود كننده بديها و نادرستيها باشند. پاسداري نيكيها به نام «امر به معروف و ستيزه گري با بديها «نهي از منكر» ناميده مي شود. «امر به معروف و نهي از منكر» در فقه اسلامي، شرائط و مقررات و نظاماتي دارد كه در فقه مسطور است.

تا اينجا ده باب عبادات پايان مي پذيرد و نوبت عقود مي رسد.

پي نوشتها

1 - سوره توبه، آيه 60.

درس هفتم: ابواب و رؤوس مسائل فقه (2) عقود

درس هفتم: ابواب و رؤوس مسائل فقه (2) عقود

«محقق مي گويد: قسم دوم عقود است و مشتمل بر پانزده كتاب است:

1. كتاب التجارة. در اين كتاب درباره خريد و فروش، شرائط طرفين معامله (يعني خريدار و فروشنده) و شرائط عوضين، شرائط عقد يعني صيغه معامله و همچنين درباره انواع خريد و فروشها: معامله نقد، معامله نسيه كه جنس نقد است و پول مدت دارد، معامله سلف كه عكس آن

است يعني پيش فروش است: پول نقد دريافت مي شود و جنس مدت دار است، بحث مي شود. البته معامله اي كه هم جنس و هم پول هر دو مدت دار باشد باطل است و همچنين در باب «بيع درباره مرابحه، مواضعه، تولية بحث مي شود. مقصود از مرابحه در اينجا اين است كه شخصي معامله اي مي كند و بعد با گرفتن يك مقدار سود معامله را به ديگري واگذار مي كند و مواضعه بر عكس است، يعني معامله را با مقداري كسر و تحمل ضرر به ديگري واگذار مي كند و تولية اين است كه معامله را بدون سود و زيان به ديگري واگذار مي نمايد.

2. كتاب الرهن. رهن يعني گرو. احكام گرو گذاشتن و گرو گرفتن در اين باب فقهي بيان مي شود.

3. كتاب مفلس. مفلس يعني ور شكسته، يعني كسي كه دارائيش وافي به ديونش نيست. حاكم شرعي براي رسيدگي به ديون چنين شخصي او را ممنوع التصرف مي كند تا دقيقا رسيدگي شود و ديون طلبكاران به قدر امكان پرداخت شود.

4. كتاب الحجر. حجر يعني منع. مقصود ممنوع التصرف بودن است. در موارد زيادي مالك شرعي در عين مالكيت تامه، ممنوع التصرف است. مفلس كه قبلا ياد شد يكي از اين گونه افراد است. همچنين است طفل نابالغ، ديوانه، سفيه، مريض در مرض موت نسبت به وصيت در مازاد از ثلث ثروت خود و همچنين است - به قولي - مريض در مرض موت نسبت به نقل و انتقالهاي ماليش در مازاد از ثلث دارائي خود.

5. كتاب الضمان. «ضمان همان چيزي است كه در عرف امروز فارسي زبانان «ضمانت ناميده مي شود. يعني كسي در برابر يك نفر طلبكار يا مدعي طلبكاري عهده دار

دين او مي شود و از او به اصطلاح ضمانت مي كند. درباره حقيقت «ضمان ميان فقه شيعه با فقه سني اختلاف است. از نظر فقه شيعه ضمان «نقل دين از ذمه مديون به ذمه ضامن است، يعني پس از ضمان، شخص طلبكار حق مطالبه از مديون اولي را ندارد، فقط حق دارد از ضامن مطالبه كند. البته ضامن اگر به تقاضاي مديون ضمانت كرده باشد مي تواند پس از پرداخت به طلبكار، از مديون استيفا كند. ولي از نظر فقه اهل تسنن، ضمان «ضم عهده اي بر عهده ديگر» است، يعني پس از ضمان، طلبكار حق دارد كه از مديون اولي مطالبه كند و يا از ضامن. «محقق در ضمن «كتاب ضمان احكام باب حوالة و باب كفالة را هم ذكر كرده است.

6. كتاب الصلح. در اين كتاب احكام مصالحه بيان مي شود. مقصود از صلح در اينجا غير از صلحي است كه در كتاب جهاد بيان مي شود. صلح كتاب جهاد درباره قراردادهاي سياسي است و كتاب الصلحي كه در باب عقود ذكر مي شود مربوط به امور مالي و حقوق عرفي است، مثل اينكه ديني كه ميزانش مجهول است به مبلغ معيني صلح مي شود. صلح معمولا در مورد دعاوي و اختلافات واقع مي شود.

7. كتاب الشركة. شركت يعني اينكه مالي يا حقي به بيش از يك نفر تعلق داشته باشد. مثل اينكه مثلا ثروتي به فرزندان به ارث مي رسد كه مادامي كه قسمت نكرده اند با يكديگر شريكند و مثل اينكه دو نفر مشتركا اتومبيل يا اسب يا زميني را مي خرند و يا احيانا چند نفر مشتركا يك مباحي را حيازت مي كنند مثلا زمين مواتي را احيا مي كنند و گاهي به

صورت قهري صورت مي گيرد، مثل اينكه گندمهاي يك نفر با گندمهاي يك نفر ديگر مخلوط مي شود كه جدا كردن آنها ممكن نيست.

شركت بر دو قسم است: عقدي و غير عقدي. آنچه قبلا گفتيم شركت غير عقدي بود. شركت عقدي اين است كه دو يا چند نفر با يك قرارداد و يك پيمان و عقد با يكديگر شركتي بر قرار مي كنند، مانند شركتهاي تجارتي يا زراعي يا صنعتي. شركت عقدي احكام زيادي دارد كه در فقه مسطور است. در باب شركت ضمنا احكام قسمت نيز ذكر مي شود.

8. كتاب المضاربة. مضاربه نوعي شركت عقدي است، اما نه شركت دو يا چند سرمايه بلكه شركت سرمايه و كار. يعني اينكه يك يا چند نفر سرمايه اي براي تجارت مي گذارند و يك يا چند نفر ديگر به عنوان «عامل عمليات تجاري را بر عهده مي گيرند. قبلا بايد از نظر تقسيم سود كه به چه نسبت باشد به توافق رسيده باشند و عقد مضاربه، يعني صيغه مضاربه جاري شود و يا لا اقل عملا پيمان منعقد شود.

9. كتاب المزارعة و المساقات. مزارعه و مساقات دو نوع شركت است شبيه مضاربه، يعني هر دو از نوع شركت كار و سرمايه است، با اين تفاوت كه مضاربه شركت كار و سرمايه براي كسب و تجارت است ولي مزارعه شركت كار و سرمايه براي كشاورزي است، به اين معني كه صاحب آب و زمين با فردي ديگر قرارداد كشاورزي منعقد مي كند و توافق مي كنند كه محصول كشاورزي به نسبت معين ميان آنها تقسيم شود و مساقات شركت كار و سرمايه در امر باغداري است كه صاحب درخت ميوه با يك كارگر، قرادادي منعقد مي كند

كه عهده دار عمليات باغباني از قبيل آب دادن و ساير كارها كه در به ثمر رساندن ميوه مؤثر است بشود و به نسبت معين كه با يكديگر توافق خواهند كرد، هر كدام از مالك و كارگر سهمي مي برد.

اين نكته لازم است يادآوري شود كه در شركت سرمايه و كار، خواه به صورت مضاربه و خواه به صورت مزارعه يا مساقات، نظر به اينكه سرمايه به مالك تعلق دارد، هر گونه خطر و زياني كه متوجه سرمايه شود از مال صاحب سرمايه است و از طرف ديگر سود سرمايه قطعي نيست. يعني ممكن است سود كمي عايد شود و ممكن است هيچ سودي عايد نشود. صاحب سرمايه تنها در صورتي كه سودي عايد شود، چه كم و چه زياد، در همان سود سهيم و شريك خواهد شد. اين است كه سرمايه دار نيز مانند عامل ممكن است سودي نبرد و ممكن است احيانا سرمايه اش تلف شود و از بين برود و به اصطلاح ورشكست شود.

ولي در جهان امروز بانكداران به صورت ربا منظور خود را عملي مي سازند و در نتيجه سود معين در هر حال مي برند.، خواه عمليات تجاري يا كشاورزي يا صنعتي كه با آن سرمايه صورت مي گيرد سود داشته باشد و خواه نداشته باشد. فرضا سود نداشته باشد، عامل (مباشر) مجبور است و لو با فروختن خانه خود آن سود را تامين نمايد و همچنين در اين نظام هرگز سرمايه دار ورشكست نمي شود، زيرا بر اساس نظام ربوي سرمايه دار سرمايه خود را در ذمه عامل و مباشر به صورت قرض قرار داده است و در هر حال دين خود را مطالبه مي كند هر چند تمام

سرمايه از بين رفته باشد.

در اسلام استفاده از سرمايه به صورت ربا يعني اينكه سرمايه دار پول خود را به صورت قرض به عامل و مباشر بدهد و دين خود را به علاوه مقداري سود در هر حال بخواهد اكيدا و شديدا ممنوع است.

10. كتاب الوديعة. وديعه يعني امانت، به عبارت ديگر سپردن مالي نزد يكي نفر و نايب گرفتن او از جانب خود براي حفظ و نگهداري. وديعه به نوبه خود وظائف و تكاليف براي «ودعي يعني كسي كه امانتدار است ايجاد مي كند، همچنانكه او را در صورت تلف مال - اگر تقصير نكرده باشد - معاف مي دارد.

11. كتاب العارية. عاريه اين است كه كسي مال شخصي را مي گيرد براي اينكه از منافع آن منتفع شود. عاريه وديعه هر دو نوعي امانت مي باشند، اما در وديعه انسان مال خود را به ديگري مي دهد براي حفظ و نگهداري و طبعا او بدون اذن مالك حق هيچگونه استفاده ندارد، ولي عاريه اين است كه انسان از اول مال خود را به ديگري مي دهد كه از آن بهره ببرد و بعد بر گرداند. مثل اينكه كسي لباس خود را يا اتومبيل خود يا ظروف خود را به ديگري عاريه مي دهد.

12. كتاب الاجارة. اجاره دو نوع است: يا به اين نحو است كه انسان منافع مال خود را در مقابل پولي كه آن را مال الاجاره مي نامند به ديگري واگذار مي كند، مثل اينكه انسان طبق معمول، خانه يا اتومبيل و يا لباس خود را اجاره مي دهد و يا به اين نحو است كه انسان خود اجير مي شود يعني متعهد مي شود كه در مقابل انجام عملي خاص نظير دوختن

لباس، اصلاح سر و صورت، بنائي و غيره مزدي دريافت نمايد. اجاره و بيع از يك جهت شبيه يكديگرند و آن اينكه در هر دو مورد، معاوضه در كار است. چيزي كه هست در بيع، معاوضه ميان يك عين خارجي و پول است و در اجاره ميان منافع عين و پول است. عوضين را در بيع، «مبيع و «ثمن مي نامند و در اجاره «عين موجره و «مال الاجاره. اجاره وجه مشتركي با عاريه دارد و آن اينكه مستاجر و مستعير هر دو از منافع استفاده مي كنند. اما تفاوتشان در اين است كه مستاجر به حكم اينكه مال الاجاره مي پردازد مالك منافع عين است ولي مستعير مالك منافع نيست فقط حق انتفاع دارد.

13. كتاب الوكالة. يكي از نيازهاي بشري نايب گرفتن افراد ديگر است براي كارهايي كه او بايد به صورت عقد يا ايقاع انجام دهد. مثل اينكه شخصي ديگري را وكيل مي كند كه از طرف او عقد بيع يا اجاره يا عاريه يا وديعه يا وقف و يا صيغه طلاق را جاري كند. آنكه به ديگري از طرف خود اختيار مي دهد «موكل و آن كه از طرف موكل به عنوان نايب برگزيده مي شود «وكيل و نفس اين عمل «توكيل ناميده مي شود.

14. كتاب الوقوف و الصدقات. وقف يعني اينكه مال خود را از ملك خود خارج كند و خالص براي يك مصرف قرار دهد. در تعريف وقف گفته اند: تحبيس العين و تسبيل المنفعة يعني نگهداشتن عين و غير قابل انتقال كردن آن و آزاد ساختن منافعش. در اينكه در وقف قصد قربت شرط هست يا نه، اختلاف است. علت اينكه «محقق آن را در باب عقود

ذكر كرده نه در باب عبادات، اين است كه قصد قربت را شرط نمي داند.

وقف بر دو قسم است: وقف خاص و وقف عام و هر كدام احكام مفصلي دارد.

15. كتاب السكني و الحبس. سكني و حبس شبيه وقفند با اين تفاوت كه در «وقف عين مال براي هميشه حبس مي شود و ديگر قابل اينكه مالك شخصي پيدا كند نيست ولي «حبس اين است كه منافع مال خود را تا مدت معين براي يك مصرف خيريه قرار مي دهد و بعد از انقضاء مدت به صورت ملك شخصي در مي آيد و اما «سكني عبارت است از اينكه مسكني را براي مدت معين براي استفاده يك مستحق قرار مي دهد و پس از انقضاء مدت مانند ساير اموال شخصي مالك اولي مي شود.

16. كتاب الهبات. هبه يعني بخشش. يكي از آثار مالكيت اين است كه انسان حق دارد مال خود را به ديگري ببخشد. هبه بر دو قسم است: معوضه و غير معوضه. هبه غير معوضه اين است كه در مقابل بخشش خود هيچ عوضي نمي گيرد. ولي هبه معوضه اين است كه پاداشي در مقابل دارد. هبه معوضه غير قابل برگشت است و اما هبه غير معوضه اگر ميان خويشاوندان و ارحام باشد و يا عين موهوبه تلف شود غير قابل برگشت است و الا قابل برگشت است يعني واهب مي تواند رجوع كند و عقد هبه را فسخ نمايد.

17. كتاب السبق و الرمايه. سبق و رمايه يعني نوعي قرارداد و شرط بندي براي مسابقه در اسبدواني و يا شتردواني و يا تير اندازي. سبق و رمايه با اينكه نوعي شرط بندي است و اسلام شرط بنديها را منع كرده است،

نظر به اينكه براي تمرين عمليات سربازي است جايز شمرده شده است. سبق و رمايه از توابع جهاد است.

18. كتاب الوصيه. مربوط است به سفارشهايي كه انسان در مورد اموالش و يا در مورد فرزندان كوچكش كه ولي آنها است براي بعد از مردن خود مي نمايد. انسان حق دارد كه شخصي را وصي خودش قرار دهد كه بعد از او عهده دار تربيت و حفظ و نگهداري فرزندان صغيرش بوده باشد و همچنين حق دارد كه تا حدود يك سوم ثروت خود را طبق وصيت به هر مصرفي كه خود مايل باشد برساند. فقهاء مي گويند: وصيت بر سه قسم است: تمليكيه، عهديه، فكيه. وصيت تمليكيه اين است كه وصيت مي كند كه فلان مبلغ از مالش بعد از خودش متعلق به فلان شخص معين باشد. وصيت عهديه اين است كه وصيت مي كند بعد از مردنش فلان عمل انجام شود، مثلا برايش در حج يا زيارت يا نماز و روزه نايب بگيرند يا به نوعي ديگر كار خير انجام دهند. وصيت فكيه اين است كه مثلا وصيت مي كند فلان برده بعد از مردن من آزاد باشد.

19. كتاب النكاح. «نكاح عبارت است از پيمان ازدواج. فقها در باب نكاح اولا درباره شرائط عقد نكاح بحث مي كنند و بعد درباره محارم يعني كساني كه ازدواجشان با يكديگر حرام است، از قبيل پدر و دختر، يا مادر و پسر و يا برادر و خواهر غير اينها، به بحث مي پردازند و ديگر درباره دو نوع نكاح: دائم و منطقع و درباره «نشوز» يعني سر پيچي هر يك از زن و مرد از وظائف خود نسبت به حقوق طرف ديگر و درباره

نفقات يعني لزوم اداره اقتصادي زن و فرزند از طرف پدر خانواده و در پاره اي مسائل ديگر بحث مي كنند.

تا اينجا «عقود» به پايان رسيد. چنانكه در ابتدا خوانديم، «محقق حلي در اول بخش عقود گفت: «عقود پانزده تا است» اما عملا بيشتر شد. معلوم نيست چرا اين طور است. شايد اشتباه لفظي بوده است و يا از آن جهت بوده كه «محقق بعضي ابواب را با بعضي ديگر يكي مي دانسته است.

درس هشتم: ابواب و رؤوس مسائل فقه (3) ايقاعات

درس هشتم: ابواب و رؤوس مسائل فقه (3) ايقاعات

«محقق مي گويد: قسمت سوم ايقاعات است و آن يازده تا است.

«ايقاع يعني كاري كه نيازمند به اجراء صيغه است ولي نياز به دو طرف ندارد و يك جانبه قابل انجام است.

1. كتاب الطلاق. «طلاق عبارت است كه برهم زدن مرد پيمان ازدواج را. طلاق يا بائن است و يا رجعي. طلاق بائن يعني طلاق غير قابل رجوع. طلاق رجعي يعني طلاق قابل رجوع. مقصود اين است كه مرد مي تواند مادامي كه عده زن منقضي نشده رجوع كند و طلاق را كان لم يكن نمايد. طلاق بائن كه غير قابل رجوع است يا از آن جهت است كه عده ندارد مانند طلاق زني كه مرد با او نزديكي نكرده است و طلاق زن يائسه و يا از آن جهت است كه در عين اينكه زن عده دارد مرد حق رجوع ندارد، مانند طلاق در نوبت سوم و يا ششم كه تا زن با مرد ديگر ازدواج نكند و با او آميزش ننمايد، شوهر اول نمي تواند با او ازدواج كند و يا طلاق نوبت نهم كه براي هميشه آن زن بر شوهر سابقش حرام مي شود. در طلاق شرط

است كه اولا در حال پاكي زن صورت گيرد، ثانيا دو نفر شاهد عادل در حين طلاق حضور داشته باشند. طلاق مبغوض الهي است. پيغمبر خدا فرمود: ابغض الحلال عند الله الطلاق. يعني طلاق در عين اينكه حرام نيست مبغوض و منفور خداوند است و اين خود، سري دارد.

2. كتاب الخلع و المبارات. خلع و مبارات نيز دو نوع طلاق بائن است. «خلع طلاقي است كه كراهت از طرف زوجه است و زوجه مبلغي به مرد مي پردازد و يا از همه و يا قسمتي از مهر خود صرف نظر مي كند كه مرد حاضر به طلاق شود، همين كه مرد طلاق داد حق رجوع از او سلب مي شود، مگر اينكه زوجه بخواهد آنچه بذل كرده پس بگيرد، در اين صورت زوج نيز حق رجوع دارد.

«مبارات نيز نوعي طلاق بائن است مانند «خلع با اين تفاوت كه كراهت طرفيني است و در عين حال زوجه مبلغي بذل مي كند براي طلاق. تفاوت ديگر اين است ك مقدار مبذول در «خلع حد معين ندارد ولي در «مبارات مشروط است كه بيش از مهر زوجه نباشد.

3. كتاب الظهار. «ظهار» در جاهليت نوعي طلاق بوده است به اين ترتيب كه زوج به زوجه مي گفت: «انت علي كظهر امي يعني تو نسبت به من مانند پشت مادرم هستي و همين كافي بود كه زوجه مطلقه شناخت شود. اسلام آن را تغيير داد. از نظر اسلام «ظهار» طلاق نيست، ولي اگر كسي چنين كاري كند بايد كفاره بدهد و تا كفاره نداده است نزديكي با آن زن بر او حرام است. كفاره ظهار آزاد كردن يك بنده است، اگر ممكن نشد، دو ماه

متوالي روزه گرفتن و اگر ممكن نشد شصت مسكين اطعام كردن.

4. كتاب الايلاء. «ايلاء» يعني سوگند خوردن، ولي در اينجا منظور سوگند خاص است و آن اينكه مردي براي زجر همسرش سوگند ياد مي كند كه براي هميشه و يا مدت معين (بيش از چهار ماه) با او نزديكي نخواهد كرد. اگر زن شكايت كند حاكم شرعي او را مجبور مي كند به يكي از دو كار: نقض سوگند، يا طلاق زوجه. اگر مرد سوگند خود را نقض كند البته بايد كفاره سوگند خود را بپردازد. نقض سوگند همه جا حرام است ولي در اينجا واجب است.

5. كتاب اللعان. «لعان نيز مربوط است به روابط خانوادگي زن و شوهر. لعان به اصطلاح نوعي مباهله، يعني نوعي نفرين طرفيني است و اين در صورتي است كه مردي همسر خود را متهم به فحشاء نمايد و يا فرزندي را كه آن زن در خانه او آورده از خود نفي كند و بگويد فرزند من نيست. البته نفي ولد مستلزم متهم ساختن به عمل فحشاء نيست زيرا ممكن است فرزندي از طريق شبهه - نه زنا - به وجود آمده باشد.

اگر كسي زني را متهم به فحشا كند و نتواند چهار شاهد عادل اقامه كند، برخورد او بايد حد «قذف يعني حد متهم ساختن جاري شود. همچنين است اگر مردي همسر خودش را متهم سازد. چيزي كه هست اگر مردي همسر خودش را متهم سازد به فحشاء يك راه ديگر وجود دارد و آن اينكه «لعان نمايد، ولي اگر لعان محقق شد هر چند حد قذف از او ساقط مي گردد، اما آن زن براي هميشه بر او حرام مي شود. لعان

در حضور حاكم شرعي صورت مي گيرد. همانطور كه گفتيم، لعان نوعي مباهله است، يعني نوعي نفرين طرفيني است. ترتيب كار اين است كه مرد در حضور حاكم مي ايستد و چهار بار مي گويد: «خدا را گواه مي گيرم كه در ادعاي خود صادقم. در نوبت پنجم مي گويد: «لعنت خدا بر من اگر در ادعاي خود دروغگو باشم. سپس زن در حضور حاكم مي ايستد و چهار بار مي گويد: «خدا را گواه مي گيرم كه او (شوهر) در ادعاي خود كاذب است». در نوبت پنجم مي گويد: «خشم خدا بر من اگر او در ادعاي خود صادق باشد».

اگر به اين ترتيب «ملاعنه محقق شد، زن و شوهر براي هميشه از يكديگر منفصل مي گردند.

6. كتاب العتق. «عتق يعني آزاد كردن بردگان. در اسلام يك سلسله مقررات در مورد بردگان وضع شده است. اسلام برده گرفتن را منحصرا در مورد اسيران جنگي مشروع مي داند و هدف از برده گرفتن بهره كشي از آنها نيست، بلكه هدف اين است كه اجبارا مدتي در خانواده هاي مسلمان واقعي زندگي كنند و تربيت اسلامي بيابند و اين كار خود به خود به اسلام و تربيت اسلامي آنها منجر مي گردد و در حقيقت دوران بندگي دالاني است كه بردگان از آزادي دوره كفر تا آزادي دوره اسلام طي مي كنند. پس هدف اين نيست كه بردگان برده بمانند، هدف اين است كه كافران تربيت اسلامي بيابند و در حالي آزادي اجتماعي داشته باشند كه آزادي معنوي كسب كرده اند. از اين رو آزادي بعد از بردگي هدف اسلام است. لهذا اسلام برنامه وسيعي براي «عتق يعني آزادي فراهم كرده است. فقها نيز نظر به اينكه هدف اسلام «عتق است نه

«رق بابي كه باز كرده اند تحت عنوان «كتاب العتق است نه «كتاب الرق.

فقها مي گويند: موجبات آزادي چند چيز است: آزادي ارادي و بالمباشره كه مالك براي اداء كفاره يا صرفا براي رضاي خدا برده را آزاده مي كند. ديگر سرايت، يعني اگر برده اي قسمتي از او مثلا نصف يا ثلث يا ربع يا عشر او به علتي آزاد شد اين آزادي به همه او سرايت مي كند. سوم مملوك عمودين واقع شدن. «عمودين يعني پدر و مادر و پدران و مادران آنها هر چه بالا برود و ديگر فرزندان و فرزندان فرزندان هر چه پائين برود. مقصود اين است كه اگر كسي مملوك پدر يا مادر يا جد يا جده يا فرزند يا نوه خود قرار گيرد خود به خود آزاد مي شود. چهارم عوارض متفرقه مثل ابتلاي به كوري يا جذام و غيره كه خود به خود موجب آزادي است.

7. كتاب التدبير و المكاتبة و الاستيلاد. تدبير و مكاتبه و استيلاد سه موجب از موجبات آزادي است. «تدبير» اين است كه مالك وصيت مي كند كه برده بعد از مردنش آزاد باشد. «مكاتبه اين است كه برده با مالك خود قرار داد منعقد مي كند كه با پرداخت وجهي آزاد شود. در قرآن تصريح شده كه اگر چنين تقاضائي از طرف برده شد و در آنها خيري تشخيص داديد، يعني ايماني در آنها تشخيص داديد (يا اگر تشخيص داديد كه مي تواند خود را اداره كند و بيچاره نمي شود) تقاضاي او را بپذيرد و سرمايه اي هم از ثروت خود در اختيار او بگذاريد. «استيلاد» اين است كه كنيزي از مالك خود حامله شود. اينچنين زن بعد از فوت مالك قهرا در

سهم فرزند خود قرار مي گيرد و چون هيچكس مالك عمودين خود نمي شود خود به خود آزاد مي گردد.

8. كتاب الاقرار. اقرار به حقوق قضائي مربوط است. يكي از موجباتي كه حقي را بر انسان ثابت مي كند اقرار خود او است. اگر كسي بر ديگري ادعا كند كه فلان مبلغ از او طلبكار است بايد دليل و شاهد اقامه كند، اگر شاهد و دليلي نداشته باشد ادعايش مردود است. اما اگر خود آن ديگري يك نوبت اقرار كند به اينكه مديون است، اين اقرار جاي هر شاهد و دليلي را پر مي كند. اقرار العقلاء علي انفسهم جائز.

9. كتاب الجعاله. «جعاله از نظر ماهيت شبيه اجاره انسانها است. اجير گرفتن انسانها به اين نحو است كه انسان كارگر يا صنعتگر مشخصي را اجير مي كند كه در مقابل فلان مبلغ مزدي كه مي گيرد فلان عمل معين را انجام دهد. ولي در «جعاله شخص معيني اجير نمي شود بلكه صاحب كار اعلان عمومي مي كند كه هر كس فلان كار را براي من انجام دهد فلان مبلغ به او مي پردازيم.

10. كتاب الايمان ايمان (به فتح الف) جمع يمين است كه به معني سوگند است. اگر انسان سوگند بخورد كه فلان كار را خواهم كرد، آن كار بر او واجب مي گردد، يعني سوگند، تعهد آور است، اما به شرط اينكه سوگند به نام خدا باشد (علي هذا سوگند به نام پيغمبر يا امام يا قرآن شرعا تعهدآور نيست)، ديگر آنكه آن كار جايز باشد، پس سوگند براي انجام كاري كه حرام يا مكروه است، بلا اثر است و تعهد آور نيست. سوگند مشروع مثل اينكه سوگند ياد كند كه فلان كتاب مفيد را

از اول تا آخر مطالعه كند و يا سوگند ياد مي كند كه روزي يك مرتبه دندان خود را مسواك كند. حِنث يعني تخلف سوگند مستلزم كفاره است.

11. كتاب النذر. نذر نوعي تعهد شرعي است - بدون سوگند - براي انجام كاري. صيغه مخصوص دارد. مثلا انسان نذر مي كند كه نافله هاي يوميه را بخواند و مي گويد: لله علي ان اصلي النوافل كل يوم. در سوگند شرط بود كه مورد سوگند مرجوح نباشد يعني حرام يا مكروه نباشد. علي هذا سوگند بر امر مباح مانعي ندارد. ولي در نذر شرط است كه متعلق نذر راجح باشد يعني كاري باشد كه براي دين يا دنيا مفيد باشد. پس نذر براي امري كه رجحاني ندارد و فعل و تركش علي السويه است باطل است.

فلسفه لزوم عمل به سوگند و وفاي به نذر اين است كه اين هر دو نوعي پيمان با خدا است. همانطور كه پيمان با بندگان خدا بايد محترم شمرده شود: اوفوا بالعقود، پيمان با خدا نيز بايد محترم شمرده شود.

معمولا افرادي سوگند مي خورند و يا نذر مي كنند كه به اراده خود اعتماد ندارند، از راه سوگند يا نذر براي خود اجبار به وجود مي آورند تا تدريجا عادت كنند و تنبلي از آنها دور شود. اما افراد قوي الاراده هرگز از اين طرق براي خود اجبار به وجود نمي آورند. براي آنها تصميمشان فوق العاده محترم است. همين كه اراده كردند و تصميم گرفتند بدون هيچ اجبار خارجي به مرحله اجرا در مي آورند.

درس نهم و دهم: ابواب و رؤوس مسائل فقه (4) احكام

درس نهم و دهم: ابواب و رؤوس مسائل فقه (4) احكام

قسم چهارم از چهار قسم ابواب فقهي، چيزهائي است كه محقق حلي آنها را «احكام

اصطلاح كرده است. احكام در اينجا تعريف خاص ندارد، آنچه كه نه عبادت است و نه عقد و نه ايقاع، محقق آن را «حكم اصطلاح كرده است. محقق مي گويد: احكام دوازده كتاب است:

1. كتاب الصيد و الذباحه. صيد يعني شكار حيوان، ذبح يعني سر بريدن حيوان. مقدمتا بايد بگوئيم كه هر حيواني كه حلال گوشت است خوردن گوشتش آنگاه حلال است كه به ترتيب خاصي «ذبح يا «نحر» شده باشد و يا (در بعضي حيوانات) به وسيله سگ شكاري تعليم يافته و يا وسيله آلات فلزي شكار شده باشد.

اگر حيوان ذبح شرعي شده باشد و يا مطابق موازين شرعي شكار شده باشد اصطلاحا مي گويند آن حيوان «تذكيه شده است و آن را «مذكي مي نامند و اگر تذكيه شرعي نشده باشد مي گويند «ميته است. ميته چنانكه مي دانيم نجس است و استفاده از آن حرام است. ذبح شتر شكل خاص دارد و «نحر» ناميده مي شود.

شكار مربوط است به حيوان حلال گوشت وحشي، مانند آهو، بزكوهي، گاو كوهي و امثال اينها. علي هذا حيوان اهلي مانند گوسفند و گاو اهلي با شكار حلال نمي شود. سگي كه وسيله آن سگ شكار مي شود بايد «معلَم (به فتح لام) يعني تعليم يافته باشد. شكار با سگ تعليم نيافته حلال نيست، همچنانكه شكار با حيوانات ديگر غير سگ نيز حلال نيست. در شكار با ابزار غير حيواني شرط است كه آهن باشد و لا اقل فلزي باشد و بايد تيز باشد كه با تيزي خود حيوان را از پا در آورد. پس شكار با سنگ يا عمود آهني حلال نيست. در شكار و ذبح هر دو شرط است كه متصدي عمل، مسلمان

باشد و با نام خدا آغاز كند. شرائط ديگر نيز هست كه مجال ذكر آنها نيست.

2. كتاب الاطعمة و الاشربة. «اطعمه يعني خوردنيها و «اشربه يعني آشاميدنيها. اسلام يك سلسله دستورات دارد در مورد استفاده از مواهب طبيعي از نظر خوردن و آشاميدن كه بايد آنها را آداب - ولي آداب لازم الاجراء - ناميد. صيد و ذباحه از اين قبيل بود و اطعمه و اشربه نيز از اين قبيل است. از نظر اسلام به طور كلي «طيبات يعني امور مفيد و متناسب، حلال و «خبائث يعني امور نامتناسب و پليد براي انسان حرام است. اسلام به بيان اين كلي قناعت نكرده است، درباره يك سلسله امور تصريح كرده است كه از خبائث است و بايد اجتناب شود و يا از طبيات است و استفاده از آنها بلامانع است.

اطعمه (خوردنيها) يا حيواني است و يا غير حيواني. حيواني يا دريائي است و يا صحرائي و يا هوائي. از حيوان دريائي فقط ماهي حلال است آن هم ماهي فلس دار و حيوان صحرائي بر دو قسم است: اهلي و وحشي. از ميان حيوانات اهلي گاو، گوسفند و شتر حلال گوشت است بدون كراهت و اسب و قاطر و الاغ حلال گوشت است ولي مكروه است. گوشت سگ و گربه حرام است. از حيوانات وحشي گوشت درندگان و همچنين گوشت حشرات حرام است، ولي گوشت آهو، گاو وحشي، قوچ وحشي، الاغ وحشي حلال است. گوشت خرگوش با اينكه درنده نيست طبق فتواي مشهور علما حرام است.

پرندگان: گوشت انواع كبوترها: كبك، مرغابي، مرغ خانگي و غيره حلال است. گوشت پرندگان شكاري حرام است. در مواردي كه شرعا تصريح

نشده به حليت يا حرمت پرنده اي، دو چيز علامت حرمت قرار داده شده است: يكي اينكه در حين پرواز بيشتر بالهاي خود را صاف نگهدارد. ديگر اينكه چينه دان يا سنگدان يا در پشت پا علامت برآمدگي خاص نداشته باشد.

اما غير حيوان: هر نجس العين خوردن و آشاميدن آن حرام است. همچنين است متنجس يعني طاهر العيني كه وسيله يك نجس متنجس شده باشد. همچنين هر چيزي كه مضر به بدن باشد و ضرر آن «معتد به» باشد يعني از نظر عقلا با اهميت شمرده شود، حرام است. لهذا سمومات حرام است. اگر طب تشخيص دهد كه فلان چيز - مثلا سيگار - ضرر قطعي دارد به بدن، مثلا قلب يا اعصاب را خراب مي كند و موجب كوتاهي عمر مي شود و يا توليد سرطان مي كند، استعمال آن حرام است. اما اگر ضرر «غير معتد به» باشد - مانند تنفس در هواي تهران - حرام نيست.

خوردن زن حامله چيزي را كه منجر به سقط جنين شود و يا خوردن كسي چيزي را كه منجر به اختلال حواس شود و يا قوه اي از قوا را از كار بيندازد - مثلا خوردن مرد چيزي را كه منجر به قطع نسل او شود و يا خوردن زن چيزي را كه منجر به نازائي دائمي شود - حرام است. خوردن گل مطلقا حرام است. خواه مضر باشد يا نباشد نوشيدن مسكرات مطلقا حرام است همچنانكه خوردن مال غير بدون رضاي مالك حرام است، ولي اين حرمت، حرمت عارضي است نه ذاتي.

بعضي از اجزاء حلال گوشت حرام است از قبيل سپرز، بيضه، آلت تناسلي و همچنين بول حيوان حرام گوشت و شير

حيوان حرام گوشت حرام است.

3. كتاب الغصب. غصب يعني استيلاي جابرانه بر مال غير. غصب اولا حرام است، ثانيا موجب ضمان است، يعني اگر در حالي كه مال در دست غاصب است تلف شود، هر چند تقصيري در حفظ مال نكرده باشد، غاصب ضامن است. انسان هر تصرفي در مال غصبي بكند حرام است. وضوي با آب غصبي و نماز با لباس غصبي و در مكان غصبي باطل است.

ضمنا بايد دانسته شود همانطور كه غصب يعني استيلاي عدواني موجب ضمان است، اتلاف نيز موجب ضمان است. مثلا اگر كسي با سنگ شيشه كسي را بشكند ضامن است هر چند آن شيشه تحت تسلط عدواني او نيامده است. تسبيب نيز موجب ضمان است. يعني اگر كسي مباشرتا مال كسي را تلف نكند ولي موجباتي فراهم كند كه منجر به خسارتي بشود ضامن است. مثلا اگر كسي در معبر عمومي شي ء لغزنده اي (مثلا پوست خربزه) بيندازد و عابري در اثر آن بلغزد و خسارتي مالي بر او وارد شود ضامن است.

4. كتاب الشفه. «شفعه عبارت است از حق اولويت يك شريك براي خريد سهم شريك ديگر. اگر دو نفر به طور مشاع در مالي شريك باشند و يكي از آنها بخواهد سهم خود را بفروشد، اگر شريك او به همان ميزان كه ديگران واقعا خريدارند خريدار باشد، حق اولويت دارد.

5. كتاب احياء الموات. موات يعني زمين مرده (زمين بائر) يعني زمين كه وسيله ساختمان يا وسيله كشاورزي و امثال اينها زنده نشده است. زمين احيا شده را در فقه «عامر» مي نامند. پيغمبر فرمود:

من احيي ارضا مواتا فهي له.

هر كس زمين مرده اي را زنده كند آن زمين از

خود اوست.

احياء موات مسائل زيادي دارد كه در فقه مسطور است.

6. كتاب اللقطة. «لقطه يعني پيدا شده. در اينجا احكام اشيائي كه پيدا مي شوند و صاحب آنها معلوم نيست ذكر مي شود. لقطه يا حيواني است يا غير حيواني. اگر حيواني باشد و به نحوي باشد كه خطري متوجه حيوان نيست، حق ندارد او را در اختيار بگيرد و اگر خطر متوجه آن است، مثل گوسفند در صحرا، مي تواند آن را در اختيار بگيرد ولي بايد صاحب آن را جستجو كند، اگر صاحبش پيدا شد بايد به او تحويل داده شود و اگر صاحبش پيدا نشد مجهول المالك است بايد با اجازه حاكم شرعي به مصرف فقرا برسد. لقطه غير حيوان اگر اندكش باشد، يعني كمتر از حدود نيم مثقال نقره مسكوك باشد، يابنده مي تواند به نفع خود تصرف كند و اگر بيشتر باشد بايد تا يك سال در جستجوي مالك اصلي باشد (مگر اينكه شي ء پيدا شده قابل بقا نباشد مانند ميوه ها) اگر مالك اصلي پيدا نشد در اينجا فرق است ميان لقطه حرم يعني لقطه اي كه در حرم مكه پيدا شده باشد و غير آن. اگر در حرم مكه پيدا شده باشد بايد يكي از دو كار را بكند يا صدقه بدهد به قصد اينكه اگر صاحبش پيدا شد عوضش را به او بپردازد و يا نگهدارد به نيت اينكه صاحبش پيدا شود و اگر لقطه غير حرم باشد ميان يكي از سه كار مخير است: يا براي خود بردارد به قصد اينكه اگر صاحبش پيدا شد عين يا عوض آن مال را به او بدهد و يا صدقه بدهد يا همين قصد و

يا نگهداري كند به اميد اينكه صاحبش پيدا شود.

اگر شي ء پيدا شده بي علامت باشد جستجوي صاحب اصلي ضرورت ندارد و از همان ابتدا مخير است ميان سه امر بالا.

7. كتاب الفرائض. مقصود كتاب الارث است. مي دانيم كه در اسلام قانون ارث هست. قانون ارث در اسلام اختياري نيست، يعني مورث حق ندارد كه از پيش خود را براي ورثه سهم معين كند و يا همه ثروت خود را به يك نفر اختصاص دهد. مال مورث ميان ورثه شكسته و تقسيم مي شود.

وراث از نظر اسلام طبقات مختلفي را تشكيل مي دهند، با وجود طبقه قبلي نوبت به طبقه بعدي نمي رسد.

طبقه اول والدين و فرزندان و نوه ها (در صورت نبودن فرزندان) مي باشند.

طبقه دوم اجداد و جدات و برادران و خواهران (و اولاد برادران و خواهران در صورت فقدان خود آنها) هستند.

طبقه سوم عموها و عمه ها و دائيها و خاله ها و اولاد آنها مي باشند.

البته آنچه گفته شد مربوط به وراث نسبي بود و ارث غير نسبي هم داريم. زوج و زوجه وارث غير نسبي مي باشند و با همه طبقات ارث مي برند. اما اينكه هر يك از طبقات نسبي و يا زوج و زوجه چه قدر ارث مي برند مسائل زيادي دارد كه مستقلا در فقه بايد بخوانيد.

8. كتاب القضاء. «قضاء» يعني داوري. در عرف امروز فارسي كلمه «قضاوت به كار برده مي شود. مسائل قضاء آن قدر زياد است كه نمي توان وارد شد. اجمالا همين قدر مي گوئيم كه نظام قضائي اسلام نظام خاصي است. عدالت قضائي در اسلام فوق العاده مورد توجه است. در اسلام همان اندازه كه درباره شخصيت علمي قاضي دقت زياد شده كه بايد در حقوق اسلامي

صاحبنظر و مجتهد مسلم باشد، درباره صلاحيت اخلاقي او نيز نهايت اهتمام به عمل آمده است. قاضي بايد مبرا از هر گونه گناه باشد و لو گناهي كه مستقيما با مسائل قضائي سر و كار ندارد. قاضي به هيچ وجه حق ندارد از متخاصمين اجرت بگيرد. بودجه قاضي بايد به طور وافر از بيت المال مسلمين تاديه شود. مسند قضا آن قدر محترم است كه طرفين دعوا هر كه باشد - و لو خليفه وقت باشد آنچنانكه تاريخ در سيره علي عليه السلام نشان مي دهد - بايد با كمال احترام بدون هيچگونه تبعيضي در پيشگاه مسند قضاء حاضر شود. اقرار و شهادت و در برخي «سوگند» نقش مؤثري در اثبات يا نفي دعاوي در نظام قضائي اسلام دارد.

9. كتاب الشهادات. كتاب شهادات از توابع كتاب قضاء است. همچنان كه اقرار نيز چنين است. اگر كسي بر كسي ادعائي مالي كند، يا طرف اقرار مي كند و يا انكار. اگر اقرار كند كافي است براي اثبات مدعاي مدعي و حكم قاضي و اگر منكر شود بر عهده مدعي است كه بينه يعني شاهد اقامه كند. اگر شاهد جامع الشرايط داشته باشد مدعا ثابت مي شود. بر منكر نيست كه شاهد اقامه كند.

منكر در موارد خاصي مكلف به قسم مي شود و اگر قسم بخورد قرار منع تعقيب او صادر مي شود. اين قاعده در فقه مسلم است كه: البينه علي المدعي و اليمين علي من انكر. يعني بر مدعي است كه شاهد اقامه كند و بر منكر سوگند است. مسائل قضاء آنقدر زياد است كه برخي كتب مستقل كه در اين باب نوشته شده است برابر همه كتاب «شرايع محقق

حلي است.

10. كتاب الحدود و التعزيرات. كتاب الحدود و التعزيرات مربوط است به مقررات جزائي اسلام، آنچنان كه كتاب القضاء و كتاب الشهادات مربوط بود به مقررات قضائي اسلام. در اسلام درباره بعضي تخلفات مجازات معين و مشخصي مقرر شده كه در همه شرائط و امكنه و ازمنه به گونه اي يكسان اجرا مي شود. اينگونه مقررات را «حدود» مي نامند. ولي پاره اي مجازاتها است كه از نظر شارع بستگي دارد به نظر حاكم كه با در نظر گرفتن علل و شرائط و موجبات مخففه يا مشدده اجرا مي كند. اينها را «تعزيرات مي نامند. اكنون به ذكر بعضي از «حدود» مي پردازيم. ذكر تفصيلي همه حدود وقت بيشتري مي خواهد.

الف. حد زناي محصن و محصنه - يعني مرد زنداري كه همسرش در اختيار او است و يا زن شوهرداري كه شوهر در اختيار او است - رجم يعني سنگسار كردن است و حد زناي غير محصن و غير محصنه صد تازيانه است، مگر در زناي با محارم كه حدش قتل است.

ب. حد لواط، كشتن با شمشير يا از كوه انداختن يا سوختن است و به قولي يا ديوار بر روي او خراب كردن است.

ج. حد قذف، يعني متهم ساختن مرد يا زني به زنا بدون شاهد معتبر هشتاد تازيانه است.

د. حد شرب خمر، يا هر مسكر مايع، هشتاد تازيانه است.

ه. حد دزدي، بريدن انگشتان دست راست است، به شرط آنكه مال دزدي حد اقل معادل يك چهارم مثقال هجده نخودي طلاي مسكوك باشد.

و. حد محارب - يعني هر كسي كه به قصد ارعاب و سلب امنيت از مردم، مسلح شود و در ميان مردم ظاهر شود - يكي از سه امر

است و اختيار آن با حاكم است كه متناسب با شرائط يكي را انتخاب نمايد: كشتن (با شمشير) يا به دار زدن و يا بريدن يك دست از يك طرف بدن و يك پا از طرف ديگر، يعني دست راست و پاي چپ و يا دست چپ و پاي راست.

همچنانكه گفتيم در مواردي كه براي مجازات خاصي «حد» معيني بر قرار نشده است حكومت اسلامي مي تواند هر طور كه مصلحت بداند مجازات نمايد. اينچنين مجازاتهايي را «تعزير» مي نامند.

11. كتاب القصاص: قصاص نيز نوعي مجازات است ولي در مورد جنايتها يعني در مورد وارد كردن كسي زياني جاني بر كس ديگر. قصاص در حقيقت حقي است كه براي «مَجني عليه يعني كسي كه جنايت بر او وارد شده است يا ورثه او (در صورتي كه منجر به قتل او شده باشد) مقررات اسلامي قائل شده است. جنايتي كه حاصل شده است يا قتل است و يا نقض عضوي و هر يك از اين دو يا عمد است يا شبه عمد و يا خطاء محض.

جنايت عمدي اين است كه آن جنايت از روي قصد صورت گرفته باشد مثل اينكه كسي كس ديگر را به قصد كشتن مي زند و او مي ميرد، مثل اينكه كسي كس ديگر را به قصد كشتن مي زند و او مي ميرد، اعم از آنكه با آلت قتاله مثلا با شمشير يا تفنگ بزند يا آلت غير قتاله مثلا سنگ. همين كه قصد جدي او كشتن طرف بوده است كافي است كه عمد شمرده شود.

شبه عمد اين است كه در فعل خود قاصد هست ولي آنچه واقع شده منظور نبوده است. مثلا شخصي به قصد مجروح

كردن كسي، او را چاقو مي زند و منجر به قتل او مي گردد، يا مثلا طفلي را به قصد تاديب مي زند و او مي ميرد و از آن جمله است كار پزشك كه به قصد معالجه دوا مي دهد ولي دوايش مضر واقع مي شود و سبب قتل مريض مي گردد.

اما خطا محض اين است كه اصلا قصدي نداشته باشد، مثل اينكه كسي تفنگ خود را اصلاح مي كند و تير خالي مي شود و منجر به قتل مي گردد و يا اينكه راننده اي به طور عادي در جاده حركت مي كند و منجر به كشتن فردي مي گردد.

در مورد قتل عمد و شبه عمد وراث ميت حق قصاص دارند، يعني تحت نظر حكومت اسلامي، قاتل وسيله اولياء ميت اعدام مي شود. ولي در خطا محض قاتل اعدام نمي شود بلكه بايد به اولياء مقتول ديه بپردازد.

12. كتاب الديات. ديه نيز مانند قصاص در مورد جنايات است و مانند قصاص حقي است براي مجني عليه (و يا ورثه او) برجاني، با اين تفاوت كه قصاص نوعي معامله به مثل است ولي ديه جريمه مالي است. احكام ديات نيز مانند احكام قصاص مفصل است.

فقهاء در ذيل كتاب القصاص و كتاب الديات به مناسبت، مساله ضمانت طبيب و ضمانت مربي (مؤدب) را طرح مي كنند.

در مورد طبيب مي گويند: اگر طبيب حاذق نباشد و در معالجه اش اشتباه كند و منجر به قتل مريض شود ضامن است و اگر حاذق باشد و بدون اجازه مريض يا اولياء مريض معالجه كند و سبب مرگ مريض گردد باز هم ضامن است، اما اگر حاذق باشد و با اجازه مريض يا ولي مريض دست به كار شود بايد قبلا ذمه خود را بري نمايد، يعني

با مريض يا اولياة مريض شرط كند كه من حداكثر كوشش خود را خواهم كرد اما اگر احيانا منجر به مرگ مريض شد من متعهد نيستم. در اين صورت فرضا منجر به مرگ مريض و يا نقص عضوي شود ضامن نيست. اما اگر شرط نكرده و دست به كار شود، بعضي از فقهاء مي گويند ضامن است.

مربي و مؤدب نيز اگر بدون هيچ ضرورتي، كودك را بزند و منجر به قتل يا نقص عضو او بشود، ضامن است. اگر واقعا در شرايطي است كه ضرورت ايجاب مي كند كه كودك را تنبيه كند و اتفاقا منجر به مرگ يا نقص عضوي او مي شود، بايد قبلا از اولياء كودك اجازه بگيرد و الا ضامن است.

درس يازدهم: تنوع مسائل فقه

درس يازدهم: تنوع مسائل فقه

از آنچه به طور اجمال در اين چند درس بحث كرديم معلوم شد كه در فقه مسائل بسيار متنوعي مطرح مي شود به طوري كه اگر خود آن مسائل را في حد ذاتها بخواهيم مطالعه كنيم، گاهي ميان آنها كمتر شباهتي نمي بينيم. هيچ علمي مانند فقه مسائل مختلف الماهيه اي را در بر نگرفته است. مثلا اگر عمل نماز يا روزه يا اعتكاف را با بيع و اجاره يا اطعمه و اشربه و يا قصاص و ديه مقايسه كنيم كمترين شباهتي ميان آنها نمي يابيم، هر يك از آنها يك مقوله كار از مقولات مختلف كارهاي آدمي است. اگر بخواهيم مجموع آنچه در ابواب مختلفه فقهي مطرح است مورد مطالعه قرار دهيم خواهيم ديد كه چگونه هر قسمتي به جنبه اي از جنبه هاي حيات بشري تعلق دارد.

برخي موضوعات فقهي صرفا در زمينه انجام بعضي وظائف فطري مربوط به پرستش است كه يكي تجلي

از تجليات فطري روان آدمي است، يعني يك سلسله آداب و مقررات است در زمينه اين تمايل فطري و در حقيقت مربوط است به تنظيم علاقه پرستش ميان مخلوق و خالق خودش. نماز، روزه، اعتكاف از اين قبيل است. برخي مربوط است به خدمات و تعاونها و اسلام عنايت خاص دارد كه اينگونه كارها كه يك سلسله كارهاي اجتماعي است، توام با روح پرستش باشد مانند زكات، خمس و از اين قبيل است مسؤوليتهاي اجتماعي و سياسي از قبيل جهاد، امر به معروف و نهي از منكر، سبق و رمايه. بعضي مربوط است به رابطه انسان با نفس خودش از قبيل وجوب حفظ نفس، حرمت اظرار به نفس، حرمت خودكشي، حرمت عزوبت (در بعضي موارد). بعضي مربوط است به شرائط بهره مندي انسان از مواهب طبيعي و حدود آن كه صرفا در روابط انسان با طبيعت خلاصه مي شود. اطعمه و اشربه، صيد و ذباحه و حتي احكام البسه و امكنه و احكام ظروف و اواني از اين نوع است.

بعضي ديگر مربوط است به روابط انسان با طبيعت و مواهب طبيعي از يك طرف و انسانهاي ديگر ذي استحقاق مانند او از طرف ديگر و در حقيقت مربوط است به اوليتهاي افراد نسبت به افراد ديگر در بهره مندي از مواهب طبيعي، يعني مربوط است به مالكيتهاي ابتدائي و بلاعوض از قبيل احياء موات، زراعت، ارث، تملك محصول كار خود و امثال اينها و بعضي مربوط است به نقل و انتقالهاي اقتصادي مانند بيع، اجاره، جعاله، هبه و صلح و غيره.

و بعضي به حقوق خانوادگي مانند نكاح، طلاق، ظهار، ايلاء، لعان. برخي به حقوق قضائي مانند قضاء، شهادات،

اقرار. برخي مربوط است به حقوق جزائي و جنائي مانند حدود، تعزيرات، قصاص و ديات. برخي مربوط است به ضمانات مانند غصب، حواله و غيره و برخي مربوط است به شركتهاي ميان سرمايه و سرمايه يا ميان سرمايه و كار مانند شركت مضاربه، مزارعه، مساقات. برخي داراي چند جنبه است مانند حج كه هم عبادت است و هم تعاون است و هم كنگره اجتماعي. يا سبق و رمايه كه از نظر شرط بندي، مالي است و به امور مالي و روابط اقتصادي مربوط است و از نظر اينكه هدف تمرين عمليات سربازي است به مسؤوليتهاي اجتماعي و سياسي مربوط مي شود.

البته واضح است كه همه اين كارهاي متنوع جزء يك دستگاه و يك منظومه است و در يك هدف نهايي كه سعادت آدمي است اشتراك دارند. اما مي دانيم كه اين اندازه وجه اشتراك در ميان مسائل علوم مختلف هم هست. مسائل علوم قضائي و سياسي و علوم اقتصادي و علوم رواني و اجتماعي همه در اين كلي شركت دارند و همه علوم مختلف و متنوع بشر از نظر تاثيرشان در سعادت بشر منظومه واحدي را تشكيل مي دهند.

اينجا قهرا اين پرسش پيش مي آيد كه آيا فقه واقعا يك علم نيست بلكه چندين علم است؟ خصوصا با توجه به اينكه مسائلي كه فقه در حوزه خود طرح كرده و در زير يك چتر قرار داده است امروز علوم مختلف خوانده مي شوند و احيانا مبادي تحقيق و متود تحقيق در آنها نيز با يكديگر مختلف و متفاوت است.

پاسخ اين است كه فقه يك علم است نه چندين علم. با اينكه اگر مسائلي كه فقه در زير چتر خود قرار

داده است، اگر بنا شود با مبدا استدلالي و تجربي مورد تحقيق قرار گيرد، علوم مختلفي را تشكيل مي دهد ولي نظر به اينكه فقه از زاويه خاص به اين مسائل مي نگرد، همه در حوزه علم واحد قرار مي گيرند.

توضيح اينكه فقه به اين مسائل تنها از اين زاويه مي نگرد كه براي افراد بشر در شريعت اسلامي درباره همه اينها مقرراتي از نظر روائي و ناروائي و از نظر درستي و نادرستي و امثال اينها وضع شده است و اين مقررات را وسيله كتاب و يا سنت و يا اجماع و يا عقل مي توان به دست آورد. از نظر فقيه، اختلافات ماهوي آن موضوعات كه برخي طبيعت رواني فردي دارد و برخي طبيعت اجتماعي، برخي طبيعت قضائي دارد و برخي طبيعت اقتصادي و غيره مطرح نيست و تاثيري ندارد و موجب دوگانگي نمي شود. فقيه همه آنها را با يك رنگ خاص مي بيند و آن رنگ «فعل مكلف است و احكام همه را از يك نوع مبادي استنباط مي كند و با يك متود همه را مورد تحقيق و مطالعه قرار مي دهد. اين است كه في المثل اعتكاف و بيع و نكاح و حدود در يك رديف قرار مي گيرد.

ولي اگر بنا باشد نه از زاويه مقررات موضوعه اسلامي كه بايد از ادله اربعه آنها را استكشاف كنيم در آن مسائل مطالعه كنيم، يعني اگر بخواهيم با مبادي به اصطلاح استدلالي و تجربي و عقلي خالص در موضوعات نامبرده مطالعه كنيم ناچاريم كه اختلافات ماهوي و طبايع گوناگون آن موضوعات را مد نظر قرار دهيم. آن وقت است كه ناچاريم با مبادي مختلف و با متدهاي مختلف و در حوزه هاي

مختلف آنها را مطالعه كنيم و از اين نظر مسائل نامبرده علوم مختلفي را تشكيل خواهند داد.

پي نوشت

1 - تقريرات مرحوم آقا شيخ موسي نجفي خوانساري از درس مكاسب مرحوم آية الله نائيني اول كتاب البيع. من اكنون نمي دانم كه اين تقسيم ابتكار خود آن مرحوم است يا اقتباس از ديگري است.

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية

اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد محمد بن جمال الدين مكي العاملي (الشهيد الاول) قدس سره 786 - 734 الجزء الاول الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعي العاملي (الشهيد الثاني) قدس سره 911 - 965

خطبة الكتاب

خطبة الكتاب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَحَ صُدُورَنَا بِلُمْعَةٍ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، كافِيةٍ فِي بَيانِ الْخِطَابِ، وَ نَوَّرَ قُلُوبَنَا مِنْ لَوَامِعِ دُرُوسِ الْأَحْكامِ بِمَا فِيهِ تَذْكرَةٌ وَ ذِكرَي لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَ كرَّمَنَا بِقَبُولِ مُنْتَهَي نِهَايةِ الْإِرْشَادِ، وَ غَايةِ الْمُرَادِ، فِي الْمَعَاشِ وَ الْمَآبِ، وَ الصَّلَاةُ عَلَي مَنْ أُرْسِلَ لِتَحْرِيرِ قَوَاعِدِ الدِّينِ، وَ تَهْذِيبِ مَدَارِك الصَّوَابِ مُحَمَّدٍ الْكامِلِ فِي مَقَامِ الْفَخَارِ، الْجَامِعِ مِنْ سَرَائِرِ الِاسْتِبْصَارِ لِلْعَجَبِ الْعُجَابِ، و علي آلِهِ الْأَئِمَّةِ النُّجَبَاءِ، وَ أَصْحَابِهِ الْأَجِلَّةِ الْأَتْقِياءِ خَيرِ آلٍ وَ أَصْحَابٍ، وَ نَسْأَلُك اللَّهُمَّ أَنْ تُنَوِّرَ قُلُوبَنَا بِأَنْوَارِ هِدَايتِك، وَ تَلْحَظَ وُجُودَنَا بِعَينِ عِنَايتِك، إنَّك أَنْتَ الْوَهَّابُ وَ بَعْدُ: فَهَذِهِ تَعْلِيقَةٌ لَطِيفَةٌ، وَ فَوَائِدُ خَفِيفَةٌ أَضَفْتُهَا إلَي الْمُخْتَصَرِ الشَّرِيفِ، وَ الْمُؤَلَّفِ الْمُنِيفِ، الْمُشْتَمِلِ عَلَي أُمَّهَاتِ الْمُطَالَبِ الشَّرْعِيةِ، الْمَوْسُومِ ب " اللُّمْعَةِ الدِّمَشْقِيةِ " مِنْ مُصَنَّفَاتِ شَيخِنَا وَ إِمَامِنَا الْمُحَقِّقِ الْبَدَلِ التَّحْرِيرِ الْمُدَقِّقِ الْجَامِعِ بَينَ مُنَقِّبَةِ الْعِلْمِ وَ السَّعَادَةِ، وَ مَرْتَبَةِ الْعَمَلِ وَ الشَّهَادَةِ الْإِمَامِ السَّعِيدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشَّهِيدِ مُحَمَّدِ بْنِ مَكي أَعْلَي اللَّهُ دَرَجَتَهُ كمَا شَرَّفَ خَاتِمَتَهُ.

جَعَلْتُهَا جَارِيةً لَهُ مَجْرَي الشَّرْحِ الْفَاتِحِ لِمُغْلَقِهِ، وَ الْمُقَيدِ لِمُطْلَقِهِ، وَ الْمُتَمِّمِ لِفَوَائِدِهِ، وَ الْمُهَذِّبِ لِقَوَاعِدِهِ، ينْتَفِعُ بِهِ الْمُبْتَدِي، وَ يسْتَمِدُّ مِنْهُ الْمُتَوَسِّطُ وَ الْمُنْتَهِي، تَقَرَّبْت بِوَضْعِهِ إلَي رَبِّ الْأَرْبَابِ، وَ أَجَبْت بِهِ مُلْتَمِسَ بَعْضِ فُضَلَاءِ الْأَصْحَابِ أَيدَهُمْ اللَّهُ تَعَالَي بِمَعُونَتِهِ، وَ وَفَّقَهُمْ لِطَاعَتِهِ، اقْتَصَرْت فِيهِ عَلَي بَحْثِ الْفَوَائِدِ، وَ جَعَلَتْهُمَا ككتَابٍ وَاحِدٍ، وَ سَمَّيتُهُ:

" الرَّوْضَةُ الْبَهِيةُ فِي شَرْحِ اللُّمْعَةِ الدِّمَشْقِيةِ " سَائِلًا مِنْ اللَّهِ جَلَّ اسْمُهُ أَنْ يكتُبَهُ فِي صَحَائِفِ الْحَسَنَاتِ، و أن يجْعَلَهُ وَسِيلَةً إلَي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ، وَ يقْرِنَهُ بِرِضَاهُ، وَ يجْعَلَهُ خَالِصًا مِنْ شَوْبِ سِوَاهُ، فَهُوَ حَسْبِي وَ نِعْمَ الْوَكيلُ قَالَ الْمُصَنِّفُ قَدَّسَ اللَّهُ لَطِيفَهُ وَ أَجْزَلَ تَشْرِيفَهُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ، وَ الظَّرْفُ مُسْتَقِرٌّ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ اُبْتُدِئَ الْكتَابُ كمَا فِي " دَخَلْت عَلَيهِ بِثِيابِ السَّفَرِ "، أَوْ لِلِاسْتِعَانَةِ وَ الظَّرْفُ لَغْوٌ كمَا فِي " كتَبْت بِالْقَلَمِ "، وَ الْأَوَّلُ أَدْخَلُ فِي التَّعْظِيمِ، وَ الثَّانِي لِتَمَامِ الِانْقِطَاعِ؛ لِإِشْعَارِهِ بِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يتِمُّ بِدُونِ اسْمِهِ تَعَالَي.

وَ إِضَافَتُهُ إلَي اللَّهِ تَعَالَي دُونَ بَاقِي أَسْمَائِهِ؛ لِأَنَّهَا مَعَانٍ وَ صِفَاتٍ، و في التَّبَرُّك بِالِاسْمِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ كمَالُ التَّعْظِيمِ لِلْمُسَمَّي، فَلَا يدُلُّ عَلَي اتِّحَادِهِمَا، بَلْ دَلَّتْ الْإِضَافَةُ عَلَي تَغَايرِهِمَا.

و " الرَّحْمَنِ " " وَ الرَّحِيمِ " اسْمَانِ بُنِيا لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ رَحِمَ، كالْغَضْبَانِ مِنْ " غَضِبَ " وَ الْعَلِيمِ مِنْ " عَلِمَ "، وَ الْأَوَّلُ أَبْلَغُ؛ لِأَنَّ زِيادَةَ اللَّفْظِ تَدُلُّ عَلَي زِيادَةِ الْمَعْنَي، وَ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَي، لَا لِأَنَّهُ مِنْ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ؛ لِأَنَّهُ يقْتَضِي جِوَازَ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيرِهِ تَعَالَي بِحَسَبِ الْوَضَعِ و ليس كذَلِك، بَلْ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْمُنْعِمُ الْحَقِيقِي، الْبَالِغُ فِي الرَّحْمَةِ غَايتُهَا.

وَ تَعْقِيبُهُ بِالرَّحِيمِ مِنْ قَبِيلِ التَّتْمِيمِ، فَإِنَّهُ لَمَّا دَلَّ عَلَي جَلَائِلِ النِّعَمِ وَ أُصُولِهَا ذَكرَ الرَّحِيمَ؛ لِيتَنَاوَلَ مَا خَرَجَ مِنْهَا.

(اللَّهَ أَحْمَدُ) جَمَعَ بَينَ التَّسْمِيعَةِ وَ التَّحْمِيدِ فِي الِابْتِدَاءِ جَرْيا عَلَي قَضِيةِ الْأَمْرِ فِي كلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ، فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ يعْتَبَرُ فِي الْعُرْفِ مُمْتَدًّا مِنْ حَينِ الْأَخْذِ فِي التَّصْنِيفِ إلَي الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ، فَيقَارِنُهُ التَّسْمِيةُ وَ التَّحْمِيدُ وَ نَحْوُهُمَا، وَ لِهَذَا يقَدَّرُ الْفِعْلُ الْمَحْذُوفُ فِي أَوَائِلِ التَّصَانِيفِ

" اُبْتُدِئَ " سَوَاءٌ اُعْتُبِرَ الظَّرْفُ مُسْتَقِرًّا أَمْ لَغْوًا؛ لِأَنَّ فِيهِ امْتِثَالًا لِلْحَدِيثِ لَفْظًا وَ مَعْنًي، وَ فِي تَقْدِيرِ غَيرِهِ مَعْنًي فَقَطْ.

وَ قَدَّمَ التَّسْمِيةَ؛ اقْتِفَاءً لِمَا نَطَقَ بِهِ الْكتَابُ، وَ اتَّفَقَ عَلَيهِ أُولُو الْأَلْبَابِ وَ ابْتَدَأَ فِي اللَّفْظِ بِاسْمِ اللَّهِ؛ لِمُنَاسَبَةِ مَرْتَبَتِهِ فِي الْوُجُودِ الْعَينِي؛ لِأَنَّهُ الْأَوَّلُ فِيهِ، فَنَاسَبَ كوْنَ اللَّفْظِي وَ نَحْوِهِ كذَلِك، وَ قَدَّمَ مَا هُوَ الْأَهَمُّ و أن كانَ حَقُّهُ التَّأْخِيرَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْمُولِيةِ، لِلتَّنْبِيهِ عَلَي إفَادَةِ الْحَصْرِ عَلَي طَرِيقَةِ { إياك نَعْبُدُ }، وَ نُسِبَ الْحَمْدُ إلَيهِ تَعَالَي بِاعْتِبَارِ لَفْظَةِ " اللَّهِ " لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ، بِخِلَافِ بَاقِي أَسْمَائِهِ تَعَالَي؛ لِأَنَّهَا صِفَاتٌ كمَا مَرَّ، وَ لِهَذَا يحْمَلُ عَلَيهِ، وَ لَا يحْمَلُ عَلَي شَيءٍ مِنْهَا.

وَ نِسْبَةُ الْحَمْدِ إلَي الذَّاتِ بِاعْتِبَارِ وَصْفٍ، تُشْعِرُ بِعِلِّيتِهِ، وَ جَعَلَ جُمْلَةَ الْحَمْدِ فِعْلِيةً لِتَجَدُّدِهِ حَالًا فَحَالًا بِحَسَبِ تَجَدُّدِ الْمَحْمُودِ عَلَيهِ، و هي خَبَرِيةٌ لَفْظًا، إنْشَائِيةٌ مَعْنًي لِلثَّنَاءِ عَلَي اللَّهِ تَعَالَي بِصِفَاتِ كمَالِهِ، وَ نُعُوتِ جَلَالِهِ، و ما ذُكرَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ.

وَ لَمَّا كانَ الْمَحْمُودُ مُخْتَارًا مُسْتَحِقًّا لِلْحَمْدِ عَلَي الْإِطْلَاقِ أَخْطَرَ الْحَمْدُ عَلَي الْمَدْحِ وَ الشُّكرِ (اسْتِتْمَامًا لِنَعْتِهِ) نُصِبَ عَلَي الْمَفْعُولِ لَهُ، تَنْبِيهًا عَلَي كوْنِهِ مِنْ غَاياتِ الْحَمْدِ، وَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الشُّكرُ؛ لِأَنَّهُ رَأْسُهُ وَ أَظْهَرُ أَفْرَادِهِ، و هو نَاظِرٌ إلَي قَوْله تَعَالَي { لَئِنْ شَكرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكمْ } لِأَنَّ الِاسْتِتْمَامَ طَلَبُ التَّمَامِ، و هو مُسْتَلْزِمٌ الزِّيادَةَ، و ذلك بَاعِثٌ عَلَي رَجَاءِ الْمَزِيدِ، و هذه اللَّفْظَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ كلَامِ عَلِي عَلَيهِ السَّلَامُ فِي بَعْضِ خُطَبِهِ.

و " النِّعْمَةُ " هِي الْمَنْفَعَةُ الْوَاصِلَةُ إلَي الْغَيرِ عَلَي جِهَةِ الْإِحْسَانِ إلَيهِ، و هي مُوجِبَةٌ لِلشُّكرِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْمَزِيدِ، وَ وَحَّدَهَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَي أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُسْتَتَمَّ عَلَي عَبْدٍ، فَإِنَّ

فَيضَهُ غَيرُ مُتَنَاهٍ كمًّا وَ لَا كيفًا، وَ فِيهَا يتَصَوَّرُ طَلَبُ تَمَامِ النِّعْمَةِ الَّتِي تَصِلُ إلَي الْقَوَابِلِ بِحَسَبِ اسْتِعْدَادِهِمْ.

(وَالْحَمْدُ فَضْلُهُ) أَشَارَ إلَي الْعَجْزِ عَنْ الْقِيامِ بِحَقِّ النِّعْمَةِ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ إذَا كانَ مِنْ جُمْلَةِ فَضْلِهِ فَيسْتَحِقُّ عَلَيهِ حَمْدًا وَ شُكرًا فَلَا ينْقَضِي مَا يسْتَحِقُّهُ مِنْ الْمَحَامِدِ؛ لِعَدَمِ تَنَاهِي نِعَمِهِ.

وَ اللَّامُ فِي " الْحَمْدِ " يجُوزُ كوْنُهُ لِلْعَهْدِ الذِّكرِي و هو الْمَحْمُودُ بِهِ أَوَّلًا، وَ لِلذِّهْنِي الصَّادِرِ عَنْهُ، أَوْ عَنْ جَمِيعِ الْحَامِدِينَ، وَ لِلِاسْتِغْرَاقِ لِانْتِهَائِهِ مُطْلَقًا إلَيهِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِدُونِهَا فَتُكوِّنُ كلَّ قَطْرَةٍ مِنْ قَطَرَاتِ بِحَارِ فَضْلِهِ، وَ لَمْحَةً مِنْ لَمَحَاتِ جُودِهِ، وَ الْجِنْسُ و هو رَاجِعٌ إلَي السَّابِقِ بِاعْتِبَارٍ.

(وَإِياهُ أَشْكرُ) عَلَي سَبِيلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّرْكيبِ الْمُفِيدِ لِانْحِصَارِ الشُّكرِ فِيهِ، لِرُجُوعِ النِّعَمِ كلِّهَا إلَيهِ، و أن قِيلَ لِلْعَبْدِ فِعْلٌ اخْتِيارِي؛ لِأَنَّ آلَاتَهُ وَ أَسْبَابَهُ الَّتِي يقْتَدِرُ بِهَا عَلَي الْفِعْلِ لَا بُدَّ أَنْ ينْتَهِي إلَيهِ، فَهُوَ الْحَقِيقُ بِجَمِيعِ أَفْرَادِ الشُّكرِ، وَ أَرْدَفَ الْحَمْدَ بِالشُّكرِ مَعَ أَنَّهُ لَامِحٌ لَهُ أَوَّلًا لِلتَّنْبِيهِ عَلَيهِ بِالْخُصُوصِيةِ، وَ لَمْحُ تَمَامِ الْآيةِ (اسْتِسْلَامًا) أَي: انْقِيادًا (لِعِزَّتِهِ) و هي غَايةٌ أُخْرَي لِلشُّكرِ كمَا مَرَّ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يسْتَعِدُّ بِكمَالِ الشُّكرِ لِمَعْرِفَةِ الْمَشْكورِ، و هي مُسْتَلْزِمَةٌ لِلِانْقِيادِ لِعِزَّتِهِ، وَ الْخُضُوعِ لِعَظَمَتِهِ، و هو نَاظِرٌ إلَي قَوْله تَعَالَي { وَ لَئِنْ كفَرْتُمْ إنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }، وَ لِمَا تَشْتَمِلُ عَلَيهِ الْآيةُ مِنْ التَّخْوِيفِ الْمَانِعِ مِنْ مُقَابَلَةِ نِعْمَةِ اللَّهِ بِالْكفْرَانِ، فَقَدْ جَمَعَ صَدْرَهَا وَ عَجُزَهَا بَينَ رُتْبَتَي الْخَوْفِ وَ الرَّجَاءِ، وَ قَدَّمَ الرَّجَاءَ لِأَنَّهُ سَوْطُ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ الْمُحَرِّك لَهَا نَحْوَ الطِّمَاحِ، وَ الْخَوْفُ زِمَامُهَا الْعَاطِفُ بِهَا عَنْ الْجِمَاحِ (وَالشُّكرُ طُولُهُ) أَي مِنْ جُمْلَةِ فَضْلِهِ الْوَاسِعِ، و منه السَّابِغِ، فَإِنَّ كلَّ مَا نَتَعَاطَاهُ مِنْ أَفَعَالِنَا مُسْتَنِدٌ إلَي جَوَارِحِنَا وَ

قُدْرَتِنَا وَ إِرَادَتِنَا، وَ سَائِرِ أَسْبَابِ حَرَكاتِنَا، و هي بِأَسْرِهَا مُسْتَنِدَةٌ إلَي جُودِهِ، وَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ نِعَمِهِ، وَ كذَلِك مَا يصْدُرُ عَنَّا مِنْ الشُّكرِ، وَ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ نِعْمَةٌ مِنْهُ، فَكيفَ تُقَابَلُ نِعْمَتُهُ بِنِعْمَةٍ، و قد رُوِي أَنَّ هَذَا الْخَاطِرَ خَطَرَ لِدَاوُدَ عَلَيهِ السَّلَامُ، وَ كذَا لِمُوسَي عَلَيهِ السَّلَامُ فَقَالَ: " يا رَبِّ كيفَ أَشْكرُك وَ أَنَا لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَشْكرَك إلَّا بِنِعْمَةٍ ثَانِيةٍ مِنْ نِعَمِك، " وَ فِي رِوَايةٍ أُخْرَي " وَ شُكرِي لَك نِعْمَةٌ أُخْرَي تُوجِبُ عَلَي الشُّكرَ لَك "، فَأَوْحَي اللَّهُ تَعَالَي إلَيهِ " وَ إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَقَدْ شَكرْتَنِي " وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ " إذَا عَرَفْتَ أَنَّ النِّعَمَ مِنِّي فَقَدْ رَضِيت بِذَلِك مِنْك شُكرًا ".

(حَمْدًا وَ شُكرًا كثِيرًا كمَا هُوَ أَهْلُهُ)، يمْكنُ كوْنُ الْكافِ فِي هَذَا التَّرْكيبِ زَائِدَةً مِثْلُهَا فِي { لَيسَ كمِثْلِهِ شَيءٌ } لِأَنَّ الْغَرَضَ حَمْدُهُ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، لَا بِحَمْدٍ يشَابِهُ الْحَمْدَ الَّذِي هُوَ أَهْلُهُ، و ما مَوْصُولَةٌ و " و هو أَهْلُهُ " صِلَتُهَا وَ عَائِدُهَا، وَ التَّقْدِيرُ: الْحَمْدُ وَ الشُّكرُ الَّذِي هُوَ أَهْلُهُ مَعَ مُنَافَرَةِ تَنْكيرِهِمَا لِجَعْلِ الْمَوْصُولِ صِفَةً لَهُمَا، أَوْ نَكرَةً مَوْصُوفَةً بَدَلًا مِنْ " حَمْدًا وَ شُكرًا " لِئَلَّا يلْزَمَ التَّكرَارُ و قد تُجْعَلُ مَا أَيضًا زَائِدَةً، وَ التَّقْدِيرُ: حَمْدًا وَ شُكرًا هُوَ أَهْلُهُ.

وَ يمْكنُ كوْنُ الْكافِ حَرْفَ تَشْبِيهٍ، اعْتِبَارًا بِأَنَّ الْحَمْدَ الَّذِي هُوَ أَهْلُهُ لَا يقْدِرُ عَلَيهِ هَذَا الْحَامِدُ وَ لَا غَيرُهُ، بَلْ لَا يقْدِرُ عَلَيهِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَي، كمَا أَشَارَ إلَيهِ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِقَوْلِهِ: { لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيك أَنْتَ كمَا أَثْنَيتَ عَلَي نَفْسِك }، و في التَّشْبِيهِ حِينَئِذٍ سُؤَالٌ أَنْ يلْحِقَهُ اللَّهُ تَعَالَي بِذَلِك الْفَرْدِ الْكامِلِ مِنْ

الْحَمْدِ، تَفَضُّلًا مِنْهُ تَعَالَي، مَثَلُهُ فِي قَوْلِهِمْ " حَمْدًا وَ شُكرًا مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ، وَ حَمْدًا يفْوَقُ حَمْدَ الْحَامِدِينَ " وَ نَحْوَ ذَلِك.

وَ اخْتَارَ الْحَمْدَ بِهَذِهِ الْكلِمَةِ لِمَا رُوِي عَنْ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ { مَنْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ كمَا هُوَ أَهْلُهُ " شَغَلَ كتَابَ السَّمَاءِ، فَيقُولُونَ: اللَّهُمَّ إنَّا لَا نَعْلَمُ الْغَيبَ، فَيقُولُ تَعَالَي: اُكتُبُوهَا كمَا قَالَهَا عَبْدِي و علي ثَوَابُهَا }.

(وَأَسْأَلُهُ تُسَهِّلُ مَا) أَي الشَّيءَ، و هو الْعِلْمُ الَّذِي (يلْزَمُ حَمْلُهُ وَ تَعْلِيمُ مَا لَا يسَعُ) أَي لَا يجُوزُ (جَهْلُهُ) و هو الْعِلْمُ الشَّرْعِي الْوَاجِبُ.

(وَأَسْتَعِينُهُ عَلَي الْقِيامِ جَمِيعًا بِمَا يبْقِي أَجْرَهُ) عَلَي الدَّوَامِ؛ لِأَنَّ ثَوَابَهُ فِي الْجَنَّةِ { أُكلُهَا دَائِمٌ وَ ظِلُّهَا }، (وَيحْسُنُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَي ذِكرُهُ).

أَصْلُ الْمَلَأِ: الْأَشْرَافُ وَ الرُّؤَسَاءُ الَّذِينَ يرْجِعُ إلَي قَوْلِهِمْ، و منه قَوْله تَعَالَي: { أَلَمْ تَرَ إلَي الْمَلَأِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ }، وَ قِيلَ لَهُمْ ذَلِك لِأَنَّهُمْ مَلَأٌ بِالرَّأْي وَ الْغِنَا، أَوْ أَنَّهُمْ يمْلَئُونَ الْعَينَ وَ الْقَلْبَ، وَ الْمُرَادُ بِالْمَلَأِ الْأَعْلَي الْمَلَائِكةُ، (وَتُرْجَي مَثُوبَتُهُ وَ ذُخْرُهُ)، وَ فِي كلِّ ذَلِك إشَارَةٌ إلَي التَّرْغِيبِ فِيمَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنْ تَصْنِيفِ الْعِلْمِ الشَّرْعِي وَ تَحْقِيقِهِ وَ بَذْلِ الْجَهْدِ فِي تَعْلِيمِهِ.

(وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) تَصْرِيحٌ بِمَا قَدْ دَلَّ عَلَيهِ الْحَمْدُ السَّابِقُ، بِالِالْتِزَامِ مِنْ التَّوْحِيدِ، وَ خَصَّ هَذِهِ الْكلِمَةَ؛ لِأَنَّهَا أَعْلَي كلِمَةٍ، وَ أَشْرَفَ لَفْظَةٍ نُطِقَ بِهَا فِي التَّوْحِيدِ، مُنْطَبِقَةً عَلَي جَمِيعِ مَرَاتِبِهِ و " لَا " فِيهَا هِي النَّافِيةُ لِلْجِنْسِ و " إلَهَ " اسْمُهَا، قِيلَ: وَ الْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ " مَوْجُودٌ "، وَ يضَعَّفُ بِأَنَّهُ لَا ينْفِي إمْكانَ إلَهٍ مَعْبُودٍ بِالْحَقِّ غَيرَهُ تَعَالَي؛ لِأَنَّ الْإِمْكانَ أَعَمُّ مِنْ الْوُجُودِ، وَ قِيلَ: " مُمْكنٌ " و فيه

أَنَّهُ لَا يقْتَضِي وُجُودَهُ بِالْفِعْلِ وَ قِيلَ " مُسْتَحِقٌّ لِلْعِبَادَةِ " و فيه أَنَّهُ لَا يدُلُّ عَلَي نَفْي التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا.

وَ ذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إلَي عَدَمِ الِاحْتِياجِ إلَي الْخَبَرِ و أنّ " إلَّا اللَّهُ " مُبْتَدَأٌ وَ خَبَرُهُ " لَا إلَهَ "، إذْ كانَ الْأَصْلُ " اللَّهُ إلَهٌ "، فَلَمَّا أُرِيدَ الْحَصْرُ زِيدَ " لَا وَ إِلَّا " وَ مَعْنَاهُ " اللَّهُ إلَهٌ، وَ مَعْبُودٌ بِالْحَقِّ لَا غَيرُهُ " أَوْ أَنَّهَا نُقِلَتْ شَرْعًا إلَي نَفْي الْإِمْكانِ وَ الْوُجُودِ عَنْ إلَهٍ سِوَي اللَّهِ، مَعَ الدَّلَالَةِ عَلَي وُجُودِهِ تَعَالَي و أن لَمْ تَدُلَّ عَلَيهِ لُغَةً.

(وَحْدَهُ لَا شَرِيك لَهُ) تَأْكيدٌ لِمَا قَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ، حَسُنَ ذِكرُهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِمَزِيدِ الِاهْتِمَامِ.

(وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا نَبِي أَرْسَلَهُ) قَرَنَ الشَّهَادَةَ بِالرِّسَالَةِ بِشَهَادَةِ التَّوْحِيدِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَابِ لَهَا، و قد شَرَّفَ اللَّهُ نَبِينَا صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِكوْنِهِ لَا يذْكرُ إلَّا وَ يذْكرُ مَعَهُ، وَ ذَكرَ الشَّهَادَتَينِ فِي الْخُطْبَةِ لِمَا رُوِي عَنْهُ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ: { مِنْ أَنَّ كلَّ خُطْبَةٍ لَيسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِي كالْيدِ الْجَذْمَاءِ }.

وَ " مُحَمَّدٌ "، عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ مَفْعُولِ الْمُضَعَّفِ، وَ سُمِّي بِهِ نَبِينَا صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إلْهَامًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَي؛ وَ تَفَاؤُلًا بِأَنَّهُ يكثُرُ حَمْدُ الْخَلْقِ لَهُ لِكثْرَةِ خِصَالِهِ الْحَمِيدَةِ.

وَ قَدْ قِيلَ لِجَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - و قد سَمَّاهُ فِي يوْمِ سَابِعِ وِلَادَتِهِ لِمَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَهَا -: لِمَ سَمَّيت ابْنَك مُحَمَّدًا و ليس مِنْ أَسْمَاءِ آبَائِك وَ لَا قَوْمِك؟ فَقَالَ: " رَجَوْتُ أَنْ يحْمَدَ فِي السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ " و قد حَقَّقَ اللَّهُ رَجَاءَهُ وَ " النَّبِيءُ " بِالْهَمْزِ مِنْ النَّبَأِ و هو الْخَبَرُ؛ لِأَنَّ النَّبِي مُخْبِرٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَي،

وَ بِلَا هَمْزٍ و هو الْأَكثَرُ إمَّا تَخْفِيفًا مِنْ الْمَهْمُوزِ بِقَلْبِ هَمْزَتِهِ ياءً، أَوْ أَنَّ أَصْلَهُ مِنْ النَّبْوَةِ بِفَتْحِ النُّونِ وَ سُكونِ الْبَاءِ أَي الرِّفْعَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِي مَرْفُوعُ الرُّتْبَةِ عَلَي غَيرِهِ مِنْ الْخَلْقِ، وَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ " أَرْسَلَهُ " عَلَي جَمْعِهِ بَينَ النُّبُوَّةِ وَ الرِّسَالَةِ وَ الْأَوَّلُ أَعَمُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ إنْسَانٌ أُوحِي إلَيهِ بِشَرْعٍ و أن لَمْ يؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ، فَإِنْ أُمِرَ بِذَلِك فَرَسُولٌ أَيضًا، أَوْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ و أن لَمْ يكنْ لَهُ كتَابٌ أَوْ نُسَخٌ لِبَعْضِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ كيوشَعَ عَلَيهِ السَّلَامُ، فَإِنْ كانَ لَهُ ذَلِك فَرَسُولٌ أَيضًا.

وَ قِيلَ هُمَا بِمَعْنًي وَاحِدٍ، و هو مَعْنَي الرَّسُولِ عَلَي الْأَوَّلِ (عَلَي الْعَالَمِينَ) جَمْعُ " الْعَالَمِ "، و هو اسْمٌ لِمَا يعْلَمُ بِهِ كالْخَاتَمِ، وَ الْقَالَبِ غَلَبَ فِيمَا يعْلَمُ بِهِ الصَّانِعُ، و هو كلُّ مَا سِوَاهُ مِنْ الْجَوَاهِرِ وَ الْأَعْرَاضِ، فَإِنَّهَا لِإِمْكانِهَا وَ افْتِقَارِهَا إلَي مُؤَثِّرٍ وَاجِبٍ لِذَاتِهِ تَدُلُّ عَلَي وُجُودِهِ، وَ جَمَعَهُ لِيشْمَلَ مَا تَحْتَهُ مِنْ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَ غُلِّبَ الْعُقَلَاءُ مِنْهُمْ، فَجَمَعَهُ بِالْياءِ وَ النُّونِ كسَائِرِ أَوْصَافِهِمْ.

وَ قِيلَ: اسْمٌ وُضِعَ لِذَوِي الْعِلْمِ مِنْ الْمَلَائِكةِ وَ الثَّقَلَينِ، وَ تَنَاوُلُهُ لِغَيرِهِمْ عَلَي سَبِيلِ الِاسْتِتْبَاعِ، وَ قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ النَّاسُ هَاهُنَا، فَإِنَّ كلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ " عَالَمٌ أَصْغَرُ "، مِنْ حَيثُ إنَّهُ يشْتَمِلُ عَلَي نَظَائِرَ مَا فِي " الْعَالَمِ الْأَكبَرِ "، مِنْ الْجَوَاهِرِ وَ الْأَعْرَاضِ الَّتِي يعْلَمُ بِهَا الصَّانِعُ، كمَا يعْلَمُ بِمَا أَبْدَعَهُ فِي الْعَالَمِ الْأَكبَرِ (اصْطَفَاهُ) أَي اخْتَارَهُ (وَفَضَّلَهُ) عَلَيهِمْ أَجْمَعِينَ.

(صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ) مِنْ الصَّلَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَي: { صَلُّوا عَلَيهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيمًا } وَ أَصْلُهَا الدُّعَاءُ، لَكنَّهَا مِنْهُ تَعَالَي مَجَازٌ فِي الرَّحْمَةِ.

وَ غَايةُ السُّؤَالِ بِهَا عَائِدٌ إلَي الْمُصَلِّي؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَي قَدْ أَعْطَي نَبِيهُ

صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِنْ الْمَنْزِلَةِ وَ الزُّلْفَي لَدَيهِ مَا لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ صَلَاةُ مُصَلٍّ، كمَا نَطَقَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ " وَ صَرَّحَ بِهِ الْعُلَمَاءُ الْأَخْيارُ، و كان ينْبَغِي اتِّبَاعُهَا بِالسَّلَامِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ، و إنّما تَرَكهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَي عَدَمِ تَحَتُّمِ إرَادَتِهِ مِنْ الْآيةِ، لِجَوَازِ كوْنِ الْمُرَادِ بِهِ الِانْقِيادَ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ.

(وَعَلَي آلِهِ) وَ هُمْ عِنْدَنَا " عِلِّي وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنَانِ "، وَ يطْلَقُ تَغْلِيبًا عَلَي بَاقِي الْأَئِمَّةِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ، وَ نَبَّهَ عَلَي اخْتِصَاصِهِمْ عَلَيهِمْ السَّلَامُ بِهَذَا الِاسْمِ بِقَوْلِهِ: (الَّذِينَ حَفِظُوا مَا حَمَلَهُ) - بِالتَّخْفِيفِ - مِنْ أَحْكامِ الدِّينِ، (وَعَقَلُوا عَنْهُ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَا عَنْ جِبْرِيلَ عَقَلَهُ)، وَ لَا يتَوَهَّمُ مُسَاوَاتُهُمْ لَهُ بِذَلِك فِي الْفَضِيلَةِ؛ لِاخْتِصَاصِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَنْهُمْ بِمَزَايا أُخَرَ تَصِيرُ بِهَا نِسْبَتُهُمْ إلَيهِ كنِسْبَةِ غَيرِهِمْ عَلَيهِمْ السَّلَامُ مِنْ الرَّعِيةِ إلَيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَيهِمْ السَّلَامُ فِي وَقْتِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِنْ جُمْلَةِ رَعِيتِهِ، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَي مَا أَوْجَبَ فَضِيلَتَهُمْ، وَ تَخْصِيصَهُمْ بِالذِّكرِ بَعْدَهُ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِقَوْلِهِ (حَتَّي قَرَنَ) الظَّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ الْمُسْتَكنِ إلَي النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ (بَينَهُمْ و بين مُحْكمِ الْكتَابِ) فِي قَوْلِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ: { إنِّي تَارِك فِيكمْ مَا إنْ تَمَسَّكتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيتِي } - الْحَدِيثَ، وَ يمْكنُ عَوْدُهُ إلَي اللَّهِ تَعَالَي؛ لِأَنَّ إخْبَارَ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِذَلِك مُسْتَنِدٌ إلَي الْوَحْي الْإِلَهِي؛ لِأَنَّهُ { مَا ينْطِقُ عَنْ الْهَوَي إنْ هُوَ إلَّا وَحْي يوحَي } و هو الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَجَعَلَهُمْ قُدْوَةً لِأُولِي الْأَلْبَابِ) فَإِنَّ الْجَاعِلَ ذَلِك هُوَ اللَّهُ تَعَالَي، مَعَ جَوَازِ أَنْ يرَادَ بِهِ النَّبِي

صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَيضًا و " الْأَلْبَابِ " الْعُقُولُ، وَ خَصَّ ذَوِيهِمْ لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِالْعِبَرِ، الْمُقْتَفُونَ لِسَدِيدِ الْأَثَرِ (صَلَاةً دَائِمَةً بِدَوَامِ الْأَحْقَابِ) جَمْعُ " حُقُبٍ " بِضَمِّ الْحَاءِ وَ الْقَافِ، و هو الدَّهْرُ، و منه قَوْله تَعَالَي: { أَوْ أَمْضِي حُقُبًا } أَي دَائِمَةً بِدَوَامِ الدُّهُورِ.

وَ أَمَّا " الْحُقْبُ " بِضَمِّ الْحَاءِ وَ سُكونِ الْقَافِ - و هو ثَمَانُونَ سَنَةً - فَجَمْعُهُ " حِقَابٌ " بِالْكسْرِ، مِثْلُ قُفٍّ وَ قِفَافٍ نَصَّ عَلَيهِ الْجَوْهَرِي.

(أَمَّا بَعْدُ) الْحَمْدُ وَ الصَّلَاةُ و " أَمَّا " كلِمَةٌ فِيهَا مَعْنَي الشَّرْطِ، وَ لِهَذَا كانَتْ الْفَاءُ لَازِمَةً فِي جَوَابِهَا، وَ التَّقْدِيرُ " مَهْمَا يكنْ مِنْ شَيءٍ بَعْدَ الْحَمْدِ وَ الصَّلَاةِ فَهُوَ كذَا " فَوَقَعَتْ كلِمَةُ " أَمَّا " مَوْقِعَ اسْمٍ هُوَ الْمُبْتَدَأُ، وَ فِعْلٍ هُوَ الشَّرْطُ، وَ تَضَمَّنَتْ مَعْنَاهُمَا فَلَزِمَهَا لُصُوقُ الِاسْمِ اللَّازِمِ لِلْمُبْتَدَأِ لِلْأَوَّلِ إبْقَاءً لَهُ بِحَسَبِ الْإِمْكانِ، وَ لَزِمَهَا الْفَاءُ لِلثَّانِي و " بَعْدُ " ظَرْفُ زَمَانٍ، وَ كثِيرًا مَا يحْذَفُ مِنْهُ الْمُضَافُ إلَيهِ وَ ينْوَي مَعْنَاهُ، مَبْنِي عَلَي الضَّمِّ.

(فَهَذِهِ) إشَارَةٌ إلَي الْعِبَارَاتِ الذِّهْنِيةِ الَّتِي يرِيدُ كتَابَتَهَا، إنْ كانَ وَضَعَ الْخُطْبَةَ قَبْلَ التَّصْنِيفِ، أَوْ كتَبَهَا إنْ كانَ بَعْدَهُ، نَزَّلَهَا مَنْزِلَةَ الشَّخْصِ الْمُشَاهَدِ الْمَحْسُوسِ، فَأَشَارَ إلَيهِ بِ " هَذِهِ " الْمَوْضُوعِ لِلْمُشَارِ إلَيهِ الْمَحْسُوسِ (اللُّمْعَةُ) بِضَمِّ اللَّامِ، و هي لُغَةٌ: بِالْبُقْعَةِ مِنْ الْأَرْضِ ذَاتِ الْكلَإِ إذَا يبِسَتْ وَ صَارَ لَهَا بَياضٌ، وَ أَصْلُهُ مِنْ " اللَّمَعَانِ " و هو الْإِضَاءَةُ وَ الْبَرِيقُ؛ لِأَنَّ الْبُقْعَةَ مِنْ الْأَرْضِ ذَاتِ الْكلَإِ الْمَذْكورِ كأَنَّهَا تُضِيءُ دُونَ سَائِرِ الْبِقَاعِ، وَ عُدِّي ذَلِك إلَي مَحَاسِنِ الْكلَامِ وَ بَلِيغِهِ؛ لِاسْتِنَارَةِ الْأَذْهَانِ بِهِ، وَ لِتَمَيزِهِ عَنْ سَائِرِ الْكلَامِ، فَكأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ ذُو ضِياءٍ وَ نُورٍ (الدِّمَشْقِيةُ) بِكسْرِ

الدَّالِ وَ فَتْحِ الْمِيمِ، نَسَبَهَا إلَي " دِمَشْقَ " الْمَدِينَةِ الْمَعْرُوفَةِ؛ لِأَنَّهُ صَنَّفَهَا بِهَا فِي بَعْضِ أَوْقَاتِ إقَامَتِهِ بِهَا (فِي فِقْهِ الْإِمَامِيةِ) الِاثْنَي عَشْرِيةَ أَيدَهُمْ اللَّهُ تَعَالَي (إجَابَةً) مَنْصُوبٌ عَلَي الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ، وَ الْعَامِلُ مَحْذُوفٌ، أَي صَنَّفْتُهَا إجَابَةً (لِالْتِمَاسِ) و هو طَلَبُ الْمُسَاوِي مِنْ مِثْلِهِ و لو بِالِادِّعَاءِ، كمَا فِي أَبْوَابِ الْخَطَّاطِ (بَعْضِ الدَّيانِينَ) أَي الْمُطِيعِينَ لِلَّهِ فِي أَمْرِهِ وَ نَهْيهِ.

وَ هَذَا الْبَعْضُ هُوَ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ الْآوِي مِنْ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ عَلِي بْنِ مُؤَيدٍ مَلِك خُرَاسَانَ و ما وَلَاهَا فِي ذَلِك الْوَقْتِ، إلَي أَنْ اسْتَوْلَي عَلَي بِلَادِهِ " تَيمُورْلَنْك " فَصَارَ مَعَهُ قَسْرًا إلَي أَنْ تُوُفِّي فِي حُدُودِ سَنَةِ خَمْسٍ وَ تِسْعِينَ وَ سَبْعِمِائَةٍ بَعْدَ أَنْ اُسْتُشْهِدَ الْمُصَنِّفُ قَدَّسَ رُوحَهُ بِتِسْعِ سِنِينَ، و كان بَينَهُ و بين الْمُصَنِّفِ قَدَّسَ سِرَّهُ مَوَدَّةٌ وَ مُكاتَبَةٌ عَلَي الْبُعْدِ إلَي الْعِرَاقِ، ثُمَّ إلَي الشَّامِ، وَ طَلَبَ مِنْهُ أَخِيرًا التَّوَجُّهَ إلَي بِلَادِهِ فِي مُكاتَبَةٍ شَرِيفَةٍ أَكثَرَ فِيهَا مِنْ التَّلَطُّفِ وَ التَّعْظِيمِ وَ الْحَثِّ لِلْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَي ذَلِك، فَأَبَي وَ اعْتَذَرَ إلَيهِ، وَ صَنَّفَ لَهُ هَذَا الْكتَابَ بِدِمَشْقَ فِي سَبْعَةِ أَيامٍ لَا غَيرُ، عَلَي مَا نَقَلَهُ عَنْهُ وَلَدُهُ الْمَبْرُورُ أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدٌ، وَ أَخَذَ شَمْسُ الدِّينِ الْآوِي نُسْخَةَ الْأَصْلِ، و لم يتَمَكنْ أَحَدٌ مِنْ نَسْخِهَا مِنْهُ لِضَنَّتِهِ بِهَا، و إنّما نَسَخَهَا بَعْضُ الطَّلَبَةِ و هي فِي يدِ الرَّسُولِ تَعْظِيمًا لَهَا، وَ سَافَرَ بِهَا قَبْلَ الْمُقَابَلَةِ فَوَقَعَ فِيهَا بِسَبَبِ ذَلِك خَلَلٌ، ثُمَّ أَصْلَحَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِك بِمَا ينَاسِبُ الْمَقَامَ، وَ رُبَّمَا كانَ مُغَايرًا لِلْأَصْلِ بِحَسَبِ اللَّفْظِ، و ذلك فِي سَنَةِ اثْنَينِ وَ ثَمَانِينَ وَ سَبْعِمِائَةٍ.

وَ نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَجْلِسَهُ بِدِمَشْقَ ذَلِك الْوَقْتَ مَا كانَ يخْلُو غَالِبًا مِنْ عُلَمَاءِ

الْجُمْهُورِ لِخُلْطَتِهِ بِهِمْ وَ صُحْبَتِهِ لَهُمْ، قَالَ " فَلَمَّا شَرَعْتُ فِي تَصْنِيفِ هَذَا الْكتَابِ كنْتُ أَخَافُ أَنْ يدْخُلَ عَلَيهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَيرَاهُ، فَمَا دَخَلَ عَلَي أَحَدٌ مُنْذُ شَرَعْتُ فِي تَصْنِيفِهِ إلَي أَنْ فَرَغْتُ مِنْهُ، و كان ذَلِك مِنْ خَفِي الْأَلْطَافِ " و هو مِنْ جُمْلَةِ كرَامَاتِهِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَ نَوَّرَ ضَرِيحَهُ.

(وَحَسْبُنَا اللَّهُ)، أَي مُحَسِّبُنَا وَ كافِينَا.

(وَنِعْمَ الْمُعِينُ) عَطْفٌ لَهُ عَلَي جُمْلَةِ " حَسْبُنَا اللَّهُ " بِتَقْدِيرِ الْمَعْطُوفَةِ خَبَرِيةً، بِتَقْدِيرِ الْمُبْتَدَإِ مَعَ مَا يوجِبُهُ، أَي " مَقُولٌ فِي حَقِّهِ ذَلِك " أَوْ بِتَقْدِيرِ الْمَعْطُوفِ عَلَيهَا إنْشَائِيةً، أَوْ عَلَي خَبَرِ الْمَعْطُوفِ عَلَيهَا خَاصَّةً فَتَقَعُ الْجُمْلَةُ الْإِنْشَائِيةُ خَبَرَ الْمُبْتَدَإِ، فَيكونُ عَطْفَ مُفْرَدٍ مُتَعَلِّقُهُ جُمْلَةٌ إنْشَائِيةٌ، أَوْ يقَالُ: إنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي لَهَا مَحَلٌّ مِنْ الْإِعْرَابِ لَا حَرَجَ فِي عَطْفِهَا كذَلِك، أَوْ تُجْعَلُ الْوَاوُ مُعْتَرِضَةً لَا عَاطِفَةً، مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ النُّحَاةِ أَجَازُوا عَطْفَ الْإِنْشَائِيةِ عَلَي الْخَبَرِيةِ وَ بِالْعَكسِ، وَ اسْتَشْهَدُوا عَلَيهِ بِآياتٍ قُرْآنِيةٍ، وَ شَوَاهِدَ شِعْرِيةٍ.

(وَهِي مَبْنِيةٌ) أَي مُرَتَّبَةٌ، أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّرْتِيبِ (عَلَي كتُبٍ) بِضَمِّ التَّاءِ وَ سُكونِهَا جَمْعُ كتَابٍ، و هو فِعَالٌ مِنْ " الْكتْبِ " بِالْفَتْحِ و هو الْجَمْعُ، سُمِّي بِهِ الْمَكتُوبُ الْمَخْصُوصُ لِجَمْعِهِ الْمَسَائِلَ الْمُتَكثِّرَةَ، وَ الْكتَابُ أَيضًا مَصْدَرٌ مَزِيدٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُجَرَّدِ لِمُوَافَقَتِهِ لَهُ فِي حُرُوفِهِ الْأَصْلِيةِ وَ مَعْنَاهُ.

1 - كتاب الطهارة

التمهيد

اشاره

كتَابُ الطَّهَارَةِ

(الطَّهَارَةُ) مَصْدَرُ " طَهُرَ " بِضَمِّ الْعَينِ وَ فَتْحِهَا، وَ الِاسْمُ الطُّهْرُ بِالضَّمِّ (وَهِي لُغَةً النَّظَافَة) وَ النَّزَاهَةُ مِنْ الْأَدْنَاسِ (وَشَرْعًا) - بِنَاءً عَلَي ثُبُوتِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيةِ - (اسْتِعْمَالُ طَهُورٍ مَشْرُوطٌ بِالنِّيةِ) فَالِاسْتِعْمَالُ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ، وَ الطَّهُورُ مُبَالَغَةٌ فِي الطَّاهِرِ، وَ الْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا، الطَّاهِرُ فِي نَفْسِهِ الْمُطَهِّرُ لِغَيرِهِ " جُعِلَ بِحَسَبِ الِاسْتِعْمَالِ مُتَعَدِّيا و أن كانَ بِحَسَبِ الْوَضْعِ اللُّغَوِي لَازِمًا،

كالْأَكولِ.

وَ خَرَجَ بِقَوْلِهِ: @" مَشْرُوطٌ بِالنِّيةِ " إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْ الثَّوْبِ وَ الْبَدَنِ و غيرهِمَا، فَإِنَّ النِّيةَ لَيسَتْ شَرْطًا فِي تَحَقُّقِهِ، و أن اُشْتُرِطَتْ فِي كمَالِهِ، وَ فِي تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَي فِعْلِهِ، وَ بَقِيتْ الطَّهَارَاتُ الثَّلَاثُ مُنْدَرِجَةً فِي التَّعْرِيفِ، وَاجِبَةً وَ مَنْدُوبَةً، وَ مُبِيحَةً و غير مُبِيحَةٍ، إنْ أُرِيدَ بِالطَّهُورِ مُطْلَقُ الْمَاءِ وَ الْأَرْضِ كمَا هُوَ الظَّاهِرُ.

وَ حِينَئِذٍ فَفِيهِ اخْتِيارُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُبِيحِ لِلصَّلَاةِ و هو خِلَافُ اصْطِلَاحِ الْأَكثَرِينَ وَ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي غَيرِ هَذَا الْكتَابِ، أَوْ ينْتَقَضُ فِي طَرْدِهِ بِالْغُسْلِ الْمَنْدُوبِ، وَ الْوُضُوءِ غَيرِ الرَّافِعِ مِنْهُ، وَ التَّيمُّمِ بَدَلًا مِنْهُمَا إنْ قِيلَ بِهِ، وَ ينْتَقَضُ فِي طَرْدِهِ أَيضًا بِأَبْعَاضِ كلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلطَّهُورِ مَشْرُوطٌ بِالنِّيةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يسَمَّي طَهَارَةً، و بما لَوْ نَذَرَ تَطْهِيرَ الثَّوْبِ وَ نَحْوِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ نَاوِيا، فَإِنَّ النَّذْرَ مُنْعَقِدٌ لِرُجْحَانِهِ، وَ مَعَ ذَلِك فَهُوَ مِنْ أَجْوَدِ التَّعْرِيفَاتِ، لِكثْرَةِ مَا يرِدُ عَلَيهَا مِنْ النُّقُوضِ فِي هَذَا الْبَابِ (وَالطَّهُورُ) بِفَتْحِ الطَّاءِ (هُوَ الْمَاءُ وَ التُّرَابُ).

(قَالَ اللَّهُ تَعَالَي): { وَ أَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } و هو دَلِيلُ طَهُورِيةِ الْمَاءِ.

وَ الْمُرَادُ بِالسَّمَاءِ هُنَا جِهَةُ الْعُلُوِّ، (وَقَالَ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ {: جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَ طَهُورًا }) و هو دَلِيلُ طَهُورِيةِ التُّرَابِ، و كان الْأَوْلَي إبْدَالُهُ بِلَفْظِ " الْأَرْضِ " كمَا يقْتَضِيهِ الْخَبَرُ، خُصُوصًا عَلَي مَذْهَبِهِ مِنْ جَوَازِ التَّيمُّمِ به غير التُّرَابِ مِنْ أَصْنَافِ الْأَرْضِ.

فَالْمَاءُ بِقَوْلِ مُطْلَقٍ (مُطَهِّرٌ مِنْ الْحَدَثِ)، و هو الْأَثَرُ الْحَاصِلُ لِلْمُكلَّفِ وَ شَبَهِهِ عِنْدَ عُرُوضِ أَحَدِ أَسْبَابِ الْوُضُوءِ، وَ الْغُسْلُ، الْمَانِعِ مِنْ الصَّلَاةِ، الْمُتَوَقِّفِ رَفْعُهُ عَلَي النِّيةِ، (وَالْخُبْثُ) و هو النَّجَسُ - بِفَتْحِ الْجِيمِ -

مَصْدَرُ قَوْلِك " نَجِسَ الشَّيءُ " بِالْكسْرِ ينْجُسُ فَهُوَ نَجِسٌ بِالْكسْرِ (وَينْجُسُ) الْمَاءُ مُطْلَقًا (بِالتَّغَيرِ بِالنَّجَاسَةِ) فِي أَحَدِ أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ: - اللَّوْنِ، وَ الطَّعْمِ، وَ الرِّيحِ - دُونَ غَيرِهَا مِنْ الْأَوْصَافِ وَ احْتَرَزَ بِتَغَيرِهِ بِالنَّجَاسَةِ عَمَّا لَوْ تَغَيرَ بِالْمُتَنَجِّسِ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ لَا ينْجُسُ بِذَلِك، كمَا لَوْ تَغَيرَ طَعْمُهُ بِالدِّبْسِ الْمُتَنَجِّسِ مِنْ غَيرِ أَنْ تُؤَثِّرَ نَجَاسَتُهُ فِيهِ.

وَ الْمُعْتَبَرُ مِنْ التَّغَيرِ الْحِسِّي لَا التَّقْدِيرِي عَلَي الْأَقْوَي (وَيطْهُرُ بِزَوَالِهِ) أَي زَوَالِ التَّغَيرِ و لو بِنَفْسِهِ أَوْ بِعِلَاجٍ (إنْ كانَ) الْمَاءُ (جَارِيا) و هو النَّابِعُ مِنْ الْأَرْضِ مُطْلَقًا غَيرَ الْبِئْرِ عَلَي الْمَشْهُورِ.

وَ اعْتَبَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ فِيهِ دَوَامَ نَبْعِهِ، وَ جَعَلَهُ الْعَلَّامَةُ وَ جَمَاعَةٌ كغَيرِهِ، فِي انْفِعَالٍ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ مَعَ قِلَّتِهِ، وَ الدَّلِيلُ النَّقْلِي يعَضِّدُهُ، وَ عَدَمُ طُهْرِهِ بِزَوَالِ التَّغَيرِ مُطْلَقًا، بَلْ بِمَا نَبَّهَ عَلَيهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ لَاقَي كرًّا).

وَ الْمُرَادُ أَنَّ غَيرَ الْجَارِي لَا بُدَّ فِي طُهْرِهِ مَعَ زَوَالِ التَّغَيرِ مِنْ مُلَاقَاتِهِ كرًّا طَاهِرًا بَعْدَ زَوَالِ التَّغَيرِ، أَوْ مَعَهُ، و أن كانَ إطْلَاقُ الْعِبَارَةِ قَدْ يتَنَاوَلُ مَا لَيسَ بِمُرَادٍ و هو طُهْرُهُ مَعَ زَوَالِ التَّغَيرِ، وَ مُلَاقَاتِهِ الْكرَّ كيفَ اتَّفَقَ، وَ كذَا الْجَارِي عَلَي الْقَوْلِ الْآخَرِ.

وَ لَوْ تَغَيرَ بَعْضُ الْمَاءِ و كان الْبَاقِي كرًّا طَهُرَ الْمُتَغَيرُ بِزَوَالِهِ أَيضًا كالْجَارِي عِنْدَهُ، وَ يمْكنُ دُخُولُهُ فِي قَوْلِهِ " لَاقَي كرًّا " لِصِدْقِ مُلَاقَاتِهِ لِلْبَاقِي وَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ " لَاقَي كرًّا " عَلَي أَنَّهُ لَا يشْتَرِطُ فِي طُهْرِهِ بِهِ و ُقُوعُهُ عَلَيهِ دُفْعَةً كمَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَينَ الْمُتَأَخِّرِينَ، بَلْ تَكفِي مُلَاقَاتُهُ لَهُ مُطْلَقًا، لِصَيرُورَتِهِمَا بِالْمُلَاقَاةِ مَاءً وَاحِدًا، وَ لِأَنَّ الدَّفْعَةَ لَا يتَحَقَّقُ لَهَا مَعْنًي، لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقِيةِ، وَ عَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَي الْعُرْفِيةِ، وَ كذَا لَا يعْتَبَرُ مُمَازَجَتُهُ لَهُ، بَلْ يكفِي مُطْلَقُ الْمُلَاقَاةِ لِأَنَّ

مُمَازَجَةَ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ لَا تَتَّفِقُ، وَ اعْتِبَارُ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ تَحَكمٌ، وَ الِاتِّحَادُ مَعَ الْمُلَاقَاةِ حَاصِلٌ.

وَ يشْمَلُ إطْلَاقَ الْمُلَاقَاةِ مَا لَوْ تَسَاوَي سَطْحَاهُمَا وَ اخْتَلَفَ، مَعَ عُلُوِّ الْمُطَهَّرِ عَلَي النَّجَسِ وَ عَدَمِهِ، وَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يرَي الِاجْتِزَاءَ بِالْإِطْلَاقِ فِي بَاقِي كتُبِهِ، بَلْ يعْتَبِرُ الدَّفْعَةَ، وَ الْمُمَازَجَةَ، وَ عُلُوَّ الْمُطَهِّرِ، أَوْ مُسَاوَاتُهُ، وَ اعْتِبَارُ الْأَخِيرِ ظَاهِرٌ دُونَ الْأَوَّلَينِ إلَّا مَعَ عَدَمِ صِدْقِ الْوَحْدَةِ عُرْفًا.

(وَالْكرُّ)

(وَالْكرُّ)

الْمُعْتَبَرُ فِي الطَّهَارَةِ وَ عَدَمِ الِانْفِعَالِ بِالْمُلَاقَاةِ هُوَ: (أَلْفٌ وَ مِائَتَا رِطْلٍ) بِكسْرِ الرَّاءِ عَلَي الْأَفْصَحِ، وَ فَتْحِهَا عَلَي قِلَّةٍ (بِالْعِرَاقِي)، وَ قَدْرُهُ مِائَةٌ وَ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا عَلَي الْمَشْهُورِ فِيهِمَا، وَ بِالْمِسَاحَةِ مَا بَلَغَ مُكسِّرُهُ اثْنَينِ وَ أَرْبَعِينَ شِبْرًا وَ سَبْعَةَ أَثْمَانِ شِبْرٍ مُسْتَوِ الْحَلْقَةِ عَلَي الْمَشْهُورِ، وَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، و في الاكتِفَاءِ بِسَبْعَةٍ وَ عِشْرِينَ قَوْلٌ قَوِي. (وَينْجُسُ) الْمَاءُ (الْقَلِيلُ) و هو مَا دُونَ الْكرِّ، (وَالْبِئْرُ) و هو مَجْمَعُ مَاءٍ نَابِعٍ مِنْ الْأَرْضِ لَا يتَعَدَّاهَا غَالِبًا، وَ لَا يخْرُجُ عَنْ مُسَمَّاهَا عُرْفًا (بِالْمُلَاقَاةِ) عَلَي الْمَشْهُورِ فِيهِمَا، بَلْ كادَ يكونُ إجْمَاعًا، (وَيطْهُرُ الْقَلِيلُ بِمَا ذُكرَ) و هو مُلَاقَاتُهُ الْكرَّ عَلَي الْوَجْهِ السَّابِقِ.

وَ كذَا يطْهُرُ بِمُلَاقَاةِ الْجَارِي مُسَاوِيا لَهُ أَوْ عَالِيا عَلَيهِ، و أن لَمْ يكنْ كرًّا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ و من يقُولُ بِمَقَالَتِهِ فِيهِ، وَ بِوُقُوعِ الْغَيثِ عَلَيهِ إجْمَاعًا.

البئر

البئر

(وَ) يطْهُرُ (الْبِئْرُ) بِمُطَهِّرٍ غَيرِهِ مُطْلَقًا، (وَبِنَزْحِ جَمِيعِهِ لِلْبَعِيرِ) و هو مِنْ الْإِبِلِ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْسَانِ يشْمَلُ الذَّكرَ وَ الْأُنْثَي، الصَّغِيرَ وَ الْكبِيرَ.

وَ الْمُرَادُ مِنْ نَجَاسَتِهِ الْمُسْتَنِدَةِ إلَي مَوْتِهِ، (وَ) كذَا (الثَّوْرُ) قِيلَ: هُوَ ذَكرُ الْبَقَرِ، وَ الْأَوْلَي اعْتِبَارُ إطْلَاقِ اسْمِهِ عُرْفًا مَعَ ذَلِك، (وَالْخَمْرُ) قَلِيلُهُ وَ كثِيرُهُ، (وَالْمُسْكرُ الْمَائِعُ) بِالْأَصَالَةِ، (وَدَمُ الْحَدَثِ) و هو الدِّمَاءُ الثَّلَاثَةُ عَلَي الْمَشْهُورِ (وَالْفُقَاعُ) بِضَمِّ الْفَاءِ، وَ أَلْحَقَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي عَصِيرَ الْعِنَبِ بَعْدَ اشْتِدَادِهِ بِالْغَلَيانِ قَبْلَ ذَهَابِ ثُلُثَيهِ، و هو بَعِيدٌ.

وَ لَمْ يذْكرْ هُنَا الْمَنِي مِمَّا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، وَ الْمَشْهُورُ فِيهِ ذَلِك، وَ بِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُخْتَصَرَينِ، وَ نَسَبَهُ فِي الذِّكرَي إلَي الْمَشْهُورِ، مُعْتَرِفًا فِيهِ بِعَدَمِ النَّصِّ.

وَ لَعَلَّهُ السَّبَبُ فِي تَرْكهِ هُنَا، لَكنَّ دَمَ الْحَدَثِ كذَلِك، فَلَا وَجْهَ لِإِفْرَادِهِ، وَ إِيجَابِ الْجَمِيعِ لِمَا لَا نَصَّ فِيهِ يشْمَلُهُمَا.

وَ

الظَّاهِرُ هُنَا حَصْرُ الْمَنْصُوصِ بِالْخُصُوصِ.

(وَنَزْحُ كرٍّ لِلدَّابَّةِ) و هي الْفَرَسُ، (وَالْحِمَارِ وَ الْبَقَرَةِ)، وَ زَادَ فِي كتُبِهِ الثَّلَاثَةِ الْبَغْلَ، وَ الْمُرَادُ مِنْ نَجَاسَتِهَا الْمُسْتَنِدَةِ إلَي مَوْتِهَا، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَ الْمَنْصُوصُ مِنْهَا مَعَ ضَعْفِ طَرِيقِهِ " الْحِمَارِ وَ الْبَغْلِ "، وَ غَايتُهُ أَنْ يجْبَرَ ضَعْفُهُ به عمل الْأَصْحَابِ، فَيبْقَي إلْحَاقُ الدَّابَّةِ وَ الْبَقَرَةِ بِمَا لَا نَصَّ فِيهِ أَوْلَي.

(وَنَزْحُ سَبْعِينَ دَلْوًا مُعْتَادَةً) عَلَي تِلْك الْبِئْرِ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَالْأَغْلَبُ (لِلْإِنْسَانِ) أَي لِنَجَاسَتِهِ الْمُسْتَنِدَةِ إلَي مَوْتِهِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِك الذَّكرُ وَ الْأُنْثَي وَ الصَّغِيرُ وَ الْكبِيرُ، وَ الْمُسْلِمُ وَ الْكافِرُ، إنْ لَمْ نُوجِبْ الْجَمِيعَ لِمَا لَا نَصَّ فِيهِ، وَ إِلَّا اخْتَصَّ بِالْمُسْلِمِ (وَخَمْسِينَ) دَلْوًا (لِلدَّمِ الْكثِيرِ) فِي نَفْسِهِ عَادَةً كدَمِ الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ، غَيرَ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ لِمَا تَقَدَّمَ.

وَ فِي إلْحَاقِ دَمِ نَجَسِ الْعَينِ بِهَا وَجْهُ مُخْرَجٌ، (وَالْعَذِرَةُ الرَّطْبَةُ) و هي فَضْلَةُ الْإِنْسَانِ، وَ الْمَرْوِي اعْتِبَارُ ذَوَبَانِهَا، و هو تَفْرِيقُ أَجْزَائِهَا، وَ شُيوعِهَا فِي الْمَاءِ، أَمَّا الرُّطُوبَةُ فَلَا نَصَّ عَلَي اعْتِبَارِهَا، لَكنْ ذَكرَهَا الشَّيخُ وَ تَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ وَ جَمَاعَةٌ، وَ اكتَفَي فِي الدُّرُوسِ بِكلٍّ مِنْهُمَا، وَ كذَلِك تَعَينُ الْخَمْسِينَ، وَ الْمَرْوِي أَرْبَعُونَ، أَوْ خَمْسُونَ، و هو يقْتَضِي التَّخْييرَ.

وَ إِنْ كانَ اعْتِبَارُ الْأَكثَرِ أَحْوَطَ، أَوْ أَفْضَلَ (وَأَرْبَعِينَ) دَلْوًا (لِلثَّعْلَبِ وَ الْأَرْنَبِ وَ الشَّاةِ وَ الْخِنْزِيرِ وَ الْكلْبِ وَ الْهِرِّ وَ شِبْهُ ذَلِك) وَ الْمُرَادُ مِنْ نَجَاسَتِهِ الْمُسْتَنِدَةُ إلَي مَوْتِهِ كمَا مَرَّ، وَ الْمُسْتَنَدُ ضَعِيفٌ، وَ الشُّهْرَةُ جَابِرَةٌ عَلَي مَا زَعَمُوا (وَ) كذَا فِي (بَوْلِ الرَّجُلِ) سَنَدًا وَ شُهْرَةً.

وَ إِطْلَاقُ الرَّجُلِ يشْمَلُ الْمُسْلِمَ وَ الْكافِرَ، وَ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ وَ الْخُنْثَي، فَيلْحَقُ بَوْلُهُمَا بِمَا لَا نَصَّ فِيهِ، وَ كذَا بَوْلُ الصَّبِيةِ، أَمَّا الصَّبِي فَسَيأْتِي.

وَ لَوْ قِيلَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ بِنَزْحِ ثَلَاثِينَ أَوْ

أَرْبَعِينَ وَجَبَ فِي بَوْلِ الْخُنْثَي أَكثَرُ الْأَمْرَينِ مِنْهُ و من بَوْلِ الرَّجُلِ، مَعَ احْتِمَالِ الِاجْتِزَاءِ بِالْأَقَلِّ، لِلْأَصْلِ.

(وَ) نَزْحِ (ثَلَاثِينَ) دَلْوًا (لِمَاءِ الْمَطَرِ الْمُخَالِطِ لِلْبَوْلِ وَ الْعَذِرَةِ وَ خُرْءِ الْكلْبِ) فِي الْمَشْهُورِ، وَ الْمُسْتَنَدُ رِوَايةٌ مَجْهُولَةُ الرَّاوِي.

وَ إِيجَابُ خَمْسِينَ لَلْعَذِرَةِ، وَ أَرْبَعِينَ لِبَعْضِ الْأَبْوَالِ، وَ الْجَمِيعُ لِلْبَعْضِ كالْأَخِيرِ مُنْفَرِدًا لَا ينَافِي وُجُوبَ ثَلَاثِينَ لَهُ مُجْتَمِعًا مُخَالِطًا لِلْمَاءِ، لِأَنَّ مَبْنَي حُكمِ الْبِئْرِ عَلَي جَمْعِ الْمُخْتَلِفِ، وَ تَفْرِيقِ الْمُتَّفِقِ فَجَازَ إضْعَافُ مَاءِ الْمَطَرِ لِحُكمِهِ و أن لَمْ تَذْهَبْ أَعْيانُ هَذِهِ الْأَشْياءِ.

وَ لَوْ خَالَطَ أَحَدُهَا كفَتْ الثَّلَاثُونَ إنْ لَمْ يكنْ لَهُ مُقَدَّرٌ، أَوْ كانَ و هو أَكثَرُ، أَوْ مُسَاوٍ و لو كانَ أَقَلَّ اُقْتُصِرَ عَلَيهِ.

وَ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ حُكمَ بَعْضِهَا كالْكلِّ، و غيرهُ بِأَنَّ الْحُكمَ مُعَلَّقٌ بِالْجَمِيعِ، فَيجِبُ لِغَيرِهِ مُقَدَّرُهُ، أَوْ الْجَمِيعُ، وَ التَّفْصِيلُ أَجْوَدُ، (وَنَزْحُ عَشْرِ) دِلَاءٍ (لِيابِسِ الْعَذِرَةِ) و هو غَيرُ ذَائِبِهَا، أَوْ رَطَبِهَا أَوْ هُمَا عَلَي الْأَقْوَالِ، (وَقَلِيلُ الدَّمِ) كدَمِ الدَّجَاجَةِ الْمَذْبُوحَةِ فِي الْمَشْهُورِ وَ الْمَرْوِي دِلَاءٌ يسِيرَةٌ.

وَ فُسِّرَتْ بِالْعَشْرِ لِأَنَّهُ أَكثَرُ عَدَدٍ يضَافُ إلَي هَذَا الْجَمْعِ، أَوْ لِأَنَّهُ أَقَلُّ جَمْعِ الْكثْرَةِ، وَ فِيهِمَا نَظَرٌ.

(وَ) نَزْحُ (سَبْعِ) دِلَاءٍ (لِلطَّيرِ) و هو الْحَمَامَةُ فَمَا فَوْقَهَا، أَي لِنَجَاسَةِ مَوْتِهِ (وَالْفَأْرَةُ مَعَ انْتِفَاخِهَا) فِي الْمَشْهُورِ وَ الْمَرْوِي، و أن ضَعُفَ اعْتِبَارُ تَفَسُّخِهَا.

(وَبَوْلُ الصَّبِي) و هو الذَّكرُ الَّذِي زَادَ سِنُّهُ عَنْ حَوْلَينِ و لم يبْلُغْ الْحُلُمَ، وَ فِي حُكمِهِ الرَّضِيعُ الَّذِي يغْلِبُ أَكلُهُ عَلَي رَضَاعِهِ، أَوْ يسَاوِيهِ (وَغُسْلُ الْجُنُبِ) الْخَالِي بَدَنُهُ مِنْ نَجَاسَةٍ عَينِيةٍ.

وَ مُقْتَضَي النَّصِّ نَجَاسَةُ الْمَاءِ بِذَلِك لَا سَلْبَ الطَّهُورِيةِ، و علي هَذَا فَإِنْ اغْتَسَلَ مُرْتَمِسًا طَهُرَ بَدَنُهُ مِنْ الْحَدَثِ، وَ نَجِسَ بِالْخُبْثِ.

وَ إِنْ اغْتَسَلَ مُرَتَّبًا فَفِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ بَعْدَ غَسْلِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مَعَ اتِّصَالِهِ بِهِ، أَوْ وُصُولِ

الْمَاءِ إلَيهِ، أَوْ تَوَقُّفِهِ عَلَي إكمَالِ الْغُسْلِ وَ جْهَانِ وَ لَا يلْحَقُ بِالْجُنُبِ غَيرُهُ مِمَّنْ يجِبُ عَلَيهِ الْغُسْلُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ مَعَ احْتِمَالِهِ، (وَخُرُوجُ الْكلْبِ) مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ (حَيا)، وَ لَا يلْحَقُ بِهِ الْخِنْزِيرُ بَلْ بِمَا لَا نَصَّ فِيهِ.

(وَنَزْحُ خَمْسٍ لِذَرْقِ الدَّجَاجِ) مُثَلَّثُ الدَّالِ فِي الْمَشْهُورِ، وَ لَا نَصَّ عَلَيهِ ظَاهِرًا، فَيجِبُ تَقْييدُهُ بِالْجَلَّالِ كمَا صَنَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيانِ لِيكونَ نَجِسًا.

وَ يحْتَمِلُ حِينَئِذٍ وُجُوبُ نَزْحِ الْجَمِيعِ إلْحَاقًا لَهُ بِمَا لَا نَصَّ فِيهِ إنْ لَمْ يثْبُتْ الْإِجْمَاعُ عَلَي خِلَافِهِ، وَ عَشْرٍ إدْخَالًا لَهُ فِي الْعَذِرَةِ، وَ الْخَمْسُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَي عَدَمِ الزَّائِدِ إنْ تَمَّ.

وَ فِي الدُّرُوسِ صَرَّحَ بِإِرَادَةِ الْعُمُومِ كمَا هُنَا، وَ جَعَلَ التَّخْصِيصَ بِالْجَلَّالِ قَوْلًا.

(وَثَلَاثِ) دِلَاءٍ (لِلْفَأْرَةِ) مَعَ عَدَمِ الْوَصْفِ (وَالْحَيةِ) عَلَي الْمَشْهُورِ وَ الْأَخْذُ فِيهَا ضَعِيفٌ، وَ عُلِّلَ بِأَنَّ لَهَا نَفْسًا فَتَكونُ مِيتَتُهَا نَجِسَةً.

وَ فِيهِ مَعَ الشَّك فِي ذَلِك عَدَمُ اسْتِلْزَامِهِ لِلْمُدَّعِي (وَ) أَلْحَقَ بِهَا (الْوَزَغَةَ) بِالتَّحْرِيك وَ لَا شَاهِدَ لَهُ كمَا اعْتَرَفَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي غَيرِ الْبَيانِ، وَ قَطَعَ بِالْحُكمِ فِيهِ كمَا هُنَا (وَ) أَلْحَقَ بِهَا (الْعَقْرَبَ).

وَ رُبَّمَا قِيلَ بِالِاسْتِحْبَابِ لِعَدَمِ النَّجَاسَةِ، وَ لَعَلَّهُ لِدَفْعِ وَ هْمِ السُّمِّ (وَدَلْوٍ لِعُصْفُورٍ) بِضَمِّ عَينِهِ و هو مَا دُونَ الْحَمَامَةِ سَوَاءٌ كانَ مَأْكولَ اللَّحْمِ أَمْ لَا.

وَ أَلْحَقَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الثَّلَاثَةِ بَوْلَ الرَّضِيع قَبْلَ اغْتِذَائِهِ بِالطَّعَامِ فِي الْحَوْلَينِ، وَ قَيدَهُ فِي الْبَيانِ بِابْنِ الْمُسْلِمِ و إنّما تَرَكهُ هُنَا لِعَدَمِ النَّصِّ مَعَ أَنَّهُ فِي الشُّهْرَةِ كغَيرِهِ مِمَّا سَبَقَ.

وَ اعْلَمْ أَنَّ أَكثَرَ مُسْتَنِدِ هَذِهِ الْمُقَدَّرَاتِ ضَعِيفٌ لَكنَّ الْعَمَلَ بِهِ مَشْهُورٌ بَلْ لَا قَائِلَ بِغَيرِهِ عَلَي تَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِالنَّجَاسَةِ، فَإِنَّ اللَّازِمَ مِنْ إطْرَاحِهِ كوْنُهُ مِمَّا لَا نَصَّ فِيهِ. (وَيجِبُ التَّرَاوُحُ بِأَرْبَعَةِ) رِجَالٍ كلُّ اثْنَينِ مِنْهُمَا يرِيحَانِ الْآخَرَينِ (يوْمًا) كامِلًا مِنْ أَوَّلِ

النَّهَارِ إلَي اللَّيلِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِك الطَّوِيلُ وَ الْقَصِيرُ (عِنْدَ) تَعَذُّرِ نَزْحِ الْجَمِيعِ بِسَبَبِ (الْغَزَارَةِ) الْمَانِعَةِ مِنْ نَزْحِهِ.

(وَوُجُوبُ نَزْحِ الْجَمِيعِ) لِأَحَدِ الْأَسْبَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَ لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيلِ مُتَقَدِّمًا وَ مُتَأَخِّرًا مِنْ بَابِ الْمُقَدَّمَةِ، وَ تَهْيئَةِ الْأَسْبَابِ قَبْلَ ذَلِك وَ لَا يجْزِي مِقْدَارُ الْيوْمِ مِنْ اللَّيلِ، وَ الْمُلَفَّقُ مِنْهُمَا، وَ يجْزِي مَا زَادَ عَنْ الْأَرْبَعَةِ دُونَ مَا نَقَصَ و أن نَهَضَ بِعَمَلِهَا، وَ يجُوزُ لَهُمْ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً لَا جَمِيعًا بِدُونِهَا وَ لَا الْأَكلُ كذَلِك، وَ نَبَّهَ بِإِلْحَاقِ التَّاءِ لِلْأَرْبَعَةِ عَلَي عَدَمِ إجْزَاءِ غَيرِ الذُّكورِ و لكن لَمْ يدُلَّ عَلَي اعْتِبَارِ الرِّجَالِ، و قد صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي غَيرِ الْكتَابِ بِاعْتِبَارِهِ و هو حَسَنٌ، عَمَلًا بِمَفْهُومِ الْقَوْمِ فِي النَّصِّ خِلَافًا لِلْمُحَقِّقِ حَيثُ اجْتَزَأَ بِالنِّسَاءِ وَ الصِّبْيان.

(وَلَوْ تَغَيرَ مَاءُ الْبِئْرِ بِوُقُوعِ) نَجَاسَةٍ لَهَا مُقَدَّرٌ (جُمِعَ بَينَ الْمُقَدَّرِ وَ زَوَالِ التَّغَيرِ) بِمَعْنَي وُجُوبِ أَكثَرِ الْأَمْرَينِ، جَمْعًا بَينَ النُّصُوصِ وَ زَوَالِ التَّغَيرِ الْمُعْتَبَرِ فِي طَهَارَةِ مَا لَا ينْفَعِلُ كثِيرُهُ فَهُنَا أَوْلَي، و لو لَمْ يكنْ لَهَا مُقَدَّرٌ فَفِي الِاكتِفَاءِ بِمُزِيلِ التَّغَيرِ، أَوْ وُجُوبِ نَزْحِ الْجَمِيعِ، وَ التَّرَاوُحِ مَعَ تَعَذُّرِهِ قَوْلَانِ: أَجْوَدُهُمَا الثَّانِي، و لو أَوْجَبْنَا فِيهِ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ اُعْتُبِرَ أَكثَرُ الْأَمْرَينِ فِيهِ أَيضًا.

(مسائل)

(مسائل)

(مَسَائِلُ الْأُولَي):

(الْمَاءُ الْمُضَافُ مَا) أَي: الشَّيءُ الَّذِي (لَا يصْدُقُ عَلَيهِ اسْمُ الْمَاءِ بِإِطْلَاقِهِ) مَعَ صِدْقِهِ عَلَيهِ مَعَ الْقَيدِ كالْمُعْتَصَرِ مِنْ الْأَجْسَامِ، وَ الْمُمْتَزَجِ بِهَا مَزْجًا يسْلُبُهُ الْإِطْلَاقَ كالْإِمْرَاقِ، دُونَ الْمُمْتَزِجِ عَلَي وَجْهٍ لَا يسْلُبُهُ الِاسْمَ، و أن تَغَيرَ لَوْنُهُ كالْمُمْتَزَجِ بِالتُّرَابِ، أَوْ طَعْمُهُ كالْمُمْتَزَجِ بِالْمِلْحِ، و أن أُضِيفَ إلَيهِمَا.

(وَهُوَ) أَي الْمَاءُ الْمُضَافُ (طَاهِرٌ) فِي ذَاتِهِ بِحَسَبِ الْأَصْلِ (غَيرُ مُطَهِّرٍ) لِغَيرِهِ (مُطْلَقًا) مِنْ حَدَثٍ، وَ لَا خَبَثٍ اخْتِيارًا وَ اضْطِرَارًا (عَلَي) الْقَوْلِ (الْأَصَحِّ)، وَ

مُقَابِلُهُ قَوْلُ الصَّدُوقِ بِجَوَازِ الْوُضُوءِ وَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ بِمَاءِ الْوَرْدِ، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايةٍ مَرْدُودَةٍ، و قول الْمُرْتَضَي بِرَفْعِهِ - مُطْلَقًا - الْخَبَثَ.

(وَينْجُسُ) الْمُضَافُ و أن كثُرَ بِالِاتِّصَالِ (بِالنَّجَسِ) إجْمَاعًا، (وَطُهْرُهُ إذَا صَارَ) مَاءً (مُطْلَقًا) مَعَ اتِّصَالِهِ بِالْكثِيرِ الْمُطْلَقِ لَا مُطْلَقًا (عَلَي) الْقَوْلِ (الْأَصَحِّ)، وَ مُقَابِلُهُ طُهْرُهُ بِأَغْلَبِيةِ الْكثِيرِ الْمُطْلَقِ عَلَيهِ وَ زَوَالِ أَوْصَافِهِ، وَ طُهْرُهُ بِمُطْلَقِ الِاتِّصَالِ بِهِ و أن بَقِي الِاسْمُ.

وَ يدْفَعُهُمَا مَعَ أَصَالَةِ بَقَاءِ النَّجَاسَةِ أَنَّ الْمُطَهِّرَ لِغَيرِ الْمَاءِ شَرْطُهُ وُصُولُ الْمَاءِ إلَي كلِّ جُزْءٍ مِنْ النَّجَسِ، و ما دَامَ مُضَافًا لَا يتَصَوَّرُ وُصُولُ الْمَاءِ إلَي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ النَّجِسَةِ، وَ إِلَّا لَمَا بَقِي كذَلِك، وَ سَيأْتِي لَهُ تَحْقِيقٌ آخَرُ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ. (وَالسُّؤْرُ) و هو الْمَاءُ الْقَلِيلُ الَّذِي بَاشَرَهُ جِسْمُ حَيوَانٍ (تَابِعٌ لِلْحَيوَانِ الَّذِي بَاشَرَهُ) فِي الطَّهَارَةِ وَ النَّجَاسَةِ وَ الْكرَاهَةِ، (وَيكرَهُ سُؤْرُ الْجَلَّالِ) و هو الْمُغْتَذِي بِعَذِرَةِ الْإِنْسَانِ مَحْضًا إلَي أَنْ ينْبُتَ عَلَيهَا لَحْمُهُ، وَ اشْتَدَّ عَظْمُهُ، أَوْ سُمِّي فِي الْعُرْفِ جَلَّالًا قَبْلَ أَنْ يسْتَبْرَأَ بِمَا يزِيلُ الْجَلَلَ.

(وَآكلُ الْجِيفِ مَعَ الْخُلُوِّ) أَي خُلُوِّ مَوْضِعِ الْمُلَاقَاةِ لِلْمَاءِ (عَنْ النَّجَاسَةِ) وَ سُؤْرُ (الْحَائِضِ الْمُتَّهَمَةِ) بِعَدَمِ التَّنَزُّهِ عَنْ النَّجَاسَةِ، وَ أَلْحَقَ بِهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيانِ كلَّ مُتَّهَمٍ بِهَا و هو حَسَنٌ، (وَسُؤْرُ الْبَغْلِ وَ الْحِمَارِ) وَ هُمَا دَاخِلَانِ فِي تَبَعِيتِهِ لِلْحَيوَانِ فِي الْكرَاهِيةِ، و إنّما خَصَّهُمَا لِتَأَكدِ الْكرَاهَةِ فِيهِمَا، (وَسُؤْرُ الْفَأْرَةِ وَ الْحَيةِ)، و كلّ مَا لَا يؤْكلُ لَحْمُهُ إلَّا الْهِرَّ، (وَوَلَدِ الزِّنَا) قَبْلَ بُلُوغِهِ، أَوْ بَعْدَهُ مَعَ إظْهَارِهِ لِلْإِسْلَامِ.

(الثَّانِيةُ):

- (يسْتَحَبُّ، التَّبَاعُدُ بَينَ الْبِئْرِ وَ الْبَالُوعَةِ) الَّتِي يرْمَي فِيهَا مَاءُ النَّزْحِ (بِخَمْسِ أَذْرُعٍ فِي) الْأَرْضِ (الصُّلْبَةِ) بِضَمِّ الصَّادِ وَ سُكونِ اللَّامِ، (أَوْ تَحْتِيةِ) قَرَارِ (الْبَالُوعَةِ) عَنْ قَرَارِ الْبِئْرِ، (وَإِلَّا يكنْ) كذَلِك بِأَنْ كانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً

وَ الْبَالُوعَةُ مُسَاوِيةً لِلْبِئْرِ قَرَارًا، أَوْ مُرْتَفِعَةً عَنْهُ (فَسَبْعُ) أَذْرُعٍ.

وَ صُوَرُ الْمَسْأَلَةِ عَلَي هَذَا التَّقْدِيرِ سِتٌّ يسْتَحَبُّ التَّبَاعُدُ فِي أَرْبَعٍ مِنْهَا بِخَمْسٍ، و هي الصُّلْبَةُ مُطْلَقًا وَ الرَّخْوَةِ مَعَ تَحْتِيةِ الْبَالُوعَةِ، وَ بِسَبْعٍ فِي صُورَتَينِ وَ هُمَا مُسَاوَاتُهُمَا، وَ ارْتِفَاعُ الْبَالُوعَةِ فِي الْأَرْضِ الرَّخْوَةِ، وَ فِي حُكمِ الْفَوْقِيةِ الْمَحْسُوسَةِ الْفَوْقِيةُ بِالْجِهَةِ بِأَنْ يكونَ الْبِئْرُ فِي جِهَةِ الشَّمَالِ، فَيكفِي الْخَمْسُ مَعَ رَخَاوَةِ الْأَرْضِ و أن اسْتَوَي الْقَرَارَانِ، لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ " مَجَارِي الْعُيونِ مَعَ مَهَبِّ الشَّمَالِ ".

(وَلَا ينْجُسُ) الْبِئْرُ (بِهَا) أَي بِالْبَالُوعَةِ و أن (تَقَارَبَتَا إلَّا مَعَ الْعِلْمِ بِالِاتِّصَالِ) أَي اتِّصَالِ مَا بِهَا مِنْ النَّجَسِ بِمَاءِ الْبِئْرِ، لِأَصَالَةِ الطَّهَارَةِ وَ عَدَمِ الِاتِّصَالِ.

(الثَّالِثَةُ):

- (النَّجَاسَةُ) أَي جِنْسُهَا (عَشْرَةٌ: الْبَوْلُ، وَ الْغَائِطُ مِنْ غَيرِ الْمَأْكولِ) لَحْمُهُ بِالْأَصْلِ، أَوْ الْعَارِضِ (ذِي النَّفْسِ) أَي الدَّمِ الْقَوِي الَّذِي يخْرُجُ مِنْ الْعِرْقِ عِنْدَ قَطْعِهِ، (وَالدَّمُ وَ الْمَنِي مِنْ ذِي النَّفْسِ) آدَمِيا كانَ أَمْ غَيرَهُ، بَرِّيا أَمْ بَحْرِيا، (وَإِنْ أُكلَ لَحْمُهُ، وَ الْمَيتَةُ مِنْهُ) أَي مِنْ ذِي النَّفْسِ و أن أُكلَ، (وَالْكلْبُ وَ الْخِنْزِيرُ) الْبَرِّيانِ، وَ أَجْزَاؤُهُمَا و أن لَمْ تَحِلَّهَا الْحَياةُ، و ما تَوَلَّدَ مِنْهُمَا و أن بَاينَهُمَا فِي الِاسْمِ.

أَمَّا الْمُتَوَلَّدُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَ طَاهِرٌ فَإِنَّهُ يتْبَعُ فِي الْحُكمِ الِاسْمَ و لو لِغَيرِهِمَا، فَإِنْ انْتَفَي الْمُمَاثِلُ فَالْأَقْوَي طَهَارَتُهُ و أن حَرُمَ لَحْمُهُ، لِلْأَصْلِ فِيهِمَا (وَالْكافِرُ) أَصْلِيا، وَ مُرْتَدًّا و أن انْتَحَلَ الْإِسْلَامَ مَعَ جَحْدِهِ لِبَعْضِ ضَرُورِياتِهِ.

وَ ضَابِطُهُ: مَنْ أَنْكرَ الْإِلَهِيةَ، أَوْ الرِّسَالَةَ، أَوْ بَعْضَ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً.

(وَالْمُسْكرُ) الْمَائِعُ بِالْأَصَالَةِ، (وَالْفُقَّاعُ) بِضَمِّ الْفَاءِ، وَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يتَّخَذَ مِنْ مَاءِ الشَّعِيرِ، لَكنْ لَمَّا وَرَدَ الْحُكمُ فِيهِ مُعَلَّقًا عَلَي التَّسْمِيةِ ثَبَتَ لِمَا أَطْلَقَ عَلَيهِ اسْمُهُ مَعَ حُصُولِ خَاصِّيتِهِ، أَوْ اشْتِبَاهِ حَالِهِ

و لم يذْكرْ الْمُصَنِّفُ هُنَا مِنْ النَّجَاسَاتِ الْعَصِيرَ الْعِنَبِي إذَا غَلَا وَ اشْتَدَّ و لم يذْهَبْ ثُلُثَاهُ، لِعَدَمِ وُقُوفِهِ عَلَي دَلِيلٍ يقْتَضِي نَجَاسَتَهُ كمَا اعْتَرَفَ بِهِ فِي الذِّكرَي وَ الْبَيانِ لَكنْ سَيأْتِي أَنَّ ذَهَابَ ثُلُثَيهِ مُطَهِّرٌ، و هو يدُلُّ عَلَي حُكمِهِ بِتَنَجُّسِهِ فَلَا عُذْرَ فِي تَرْكهِ.

وَ كوْنُهُ فِي حُكمِ الْمُسْكرِ كمَا ذَكرَهُ فِي بَعْضِ كتُبِهِ لَا يقْتَضِي دُخُولَهُ فِيهِ حَيثُ أُطْلِقَ، و أن دَخَلَ فِي حُكمِهِ حَيثُ يذْكرُ (وَهَذِهِ) النَّجَاسَاتُ الْعَشْرُ (يجِبُ إزَالَتُهَا) لِأَجْلِ الصَّلَاةِ (عَنْ الثَّوْبِ وَ الْبَدَنِ)، وَ مَسْجِدِ الْجَبْهَةِ، وَ عَنْ الْأَوَانِي لِاسْتِعْمَالِهَا فِيمَا يتَوَقَّفُ عَلَي طَهَارَتِهَا، وَ عَنْ الْمَسَاجِدِ، وَ الضَّرَائِحِ الْمُقَدَّسَةِ، وَ الْمَصَاحِفِ الْمُشَرَّفَةِ (وَعُفِي) فِي الثَّوْبِ وَ الْبَدَنِ (عَنْ دَمِ الْجُرْحِ وَ الْقُرْحِ مَعَ السَّيلَانِ) دَائِمًا أَوْ فِي وَقْتٍ لَا يسَعُ زَمَنُ فَوَاتِهِ الصَّلَاةَ.

أَمَّا لَوْ انْقَطَعَ وَقْتًا يسَعُهَا فَقَدْ اسْتَقْرَبَ الْمُصَنِّفُ " رَحِمَهُ اللَّهُ " فِي الذِّكرَي وُجُوبَ الْإِزَالَةِ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ، وَ اَلَّذِي يسْتَفَادُ مِنْ الْأَخْبَارِ عَدَمُ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا حَتَّي يبْرَأَ، و هو قَوِي.

(وَعَنْ دُونِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِي) سَعَةً، وَ قُدِّرَ بِسَعَةِ أَخْمُصْ الرَّاحَةِ، بِعَقْدِ الْإِبْهَامِ الْعُلْيا، وَ بِعَقْدِ السَّبَّابَةِ وَ لَا مُنَافَاةَ، لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الِاخْتِلَافِ يتَّفِقُ فِي الدَّرَاهِمِ بِضَرْبِ وَاحِدٍ، و إنّما يغْتَفَرُ هَذَا الْمِقْدَارُ (مِنْ) الدَّمِ (غَيرِ) الدِّمَاءِ (الثَّلَاثَةِ).

وَ أَلْحَقَ بِهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ دَمَ نَجَسِ الْعَينِ لِتَضَاعُفِ النَّجَاسَةِ، وَ لَا نَصَّ فِيهِ.

وَ قَضِيةُ الْأَصْلِ تَقْتَضِي دُخُولَهُ فِي الْعُمُومِ وَ الْعَفْوُ عَنْ هَذَا الْمِقْدَارِ مَعَ اجْتِمَاعِهِ مَوْضِعُ وِفَاقٍ، وَ مَعَ تَفَرُّقِهِ أَقْوَالٌ: أَجْوَدُهَا إلْحَاقُهُ بِالْمُجْتَمَعِ، وَ يكفِي فِي الزَّائِدِ عَنْ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ إزَالَةُ الزَّائِدِ خَاصَّةً. وَ الثَّوْبُ وَ الْبَدَنُ يضَمُّ بَعْضُهُمَا إلَي بَعْضٍ عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ و لو أَصَابَ الدَّمَ وَجْهَي الثَّوْبِ فَإِنْ تَفَشَّي مِنْ جَانِبٍ إلَي آخَرَ

فَوَاحِدٌ وَ إِلَّا فَاثْنَانِ.

وَ اعْتَبَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي فِي الْوَحْدَةِ مَعَ التَّفَشِّي رِقَّةَ الثَّوْبِ، وَ إِلَّا تَعَدَّدَ، و لو أَصَابَهُ مَائِعٌ طَاهِرٌ، فَفِي بَقَاءِ الْعَفْوِ عَنْهُ وَ عَدَمِهِ قَوْلَانِ لِلْمُصَنِّفِ فِي الذِّكرَي وَ الْبَيانِ، أَجْوَدُهُمَا الْأَوَّلُ نَعَمْ يعْتَبَرُ التَّقْدِيرُ بِهِمَا.

وَ بَقِي مِمَّا يعْفَي عَنْ نَجَاسَتِهِ شَيئَانِ: أَحَدُهُمَا ثَوْبُ الْمُرَبِّيةِ لِلْوَلَدِ، وَ الثَّانِي مَا لَا يتِمُّ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِيهِ وَحْدَهُ لِكوْنِهِ لَا يسْتُرُ عَوْرَتَيهِ، وَ سَيأْتِي حُكمُ الْأَوَّلِ فِي لِبَاسِ الْمُصَلِّي، و أمّا الثَّانِي فَلَمْ يذْكرْهُ لِأَنَّهُ لَا يتَعَلَّقُ بِبَدَنِ الْمُصَلِّي، وَ لَا ثَوْبِهِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ مَعَ مُرَاعَاةِ الِاخْتِصَارِ.

(وَيغْسِلُ الثَّوْبَ مَرَّتَينِ بَينَهُمَا عَصْرٌ) و هو كبْسُ الثَّوْبِ بِالْمُعْتَادِ لِإِخْرَاجِ الْمَاءِ الْمَغْسُولِ بِهِ، وَ كذَا يعْتَبَرُ الْعَصْرُ بَعْدَهُمَا، وَ لَا وَجْهَ لِتَرْكهِ وَ التَّثْنِيةُ مَنْصُوصَةٌ فِي الْبَوْلِ.

وَ حَمَلَ الْمُصَنِّفُ غَيرَهُ عَلَيهِ، مِنْ بَابِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، لِأَنَّ غَيرَهُ أَشَدُّ نَجَاسَةً، و هو مَمْنُوعٌ، بَلْ هِي إمَّا مُسَاوِيةٌ أَوْ أَضْعَفُ حُكمًا، و من ثَمَّ عُفِي عَنْ قَلِيلِ الدَّمِ دُونَهُ، فَالِاكتِفَاءُ بِالْمَرَّةِ فِي غَيرِ الْبَوْلِ أَقْوَي عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ، و هو اخْتِيارُ الْمُصَنِّفِ فِي الْبَيانِ جَزْمًا، و في الذِّكرَي وَ الدُّرُوسِ بِضَرْبٍ مِنْ التَّرَدُّدِ.

وَ يسْتَثْنَي مِنْ ذَلِك بَوْلُ الرَّضِيعِ فَلَا يجِبُ عَصْرُهُ، وَ لَا تَعَدُّدُ غَسْلِهِ وَ هُمَا ثَابِتَانِ فِي غَيرِهِ، (إلَّا فِي الْكثِيرِ وَ الْجَارِي) بِنَاءً عَلَي عَدَمِ اعْتِبَارِ كثْرَتِهِ فَيسْقُطَانِ فِيهِمَا، وَ يكتَفِي بِمُجَرَّدِ وَضْعِهِ فِيهِمَا مَعَ إصَابَةِ الْمَاءِ لِمَحَلِّ النَّجَاسَةِ، وَ زَوَالِ عَينِهَا.

(وَيصَبُّ عَلَي الْبَدَنِ مَرَّتَينِ فِي غَيرِهِمَا) بِنَاءً عَلَي اعْتِبَارِ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا وَ كذَا مَا أَشْبَهَ الْبَدَنَ مِمَّا تَنْفَصِلُ الْغُسَالَةُ عَنْهُ بِسُهُولَةٍ كالْحَجَرِ وَ الْخَشَبِ. (وَ) كذَا (الْإِنَاءُ)، وَ يزِيدُ أَنَّهُ يكفِي صَبُّ الْمَاءِ فِيهِ بِحَيثُ يصِيبُ النَّجِسَ وَ إِفْرَاغُهُ مِنْهُ و لو

بِآلَةٍ لَا تَعُودُ إلَيهِ ثَانِيا إلَّا طَاهِرَةً سَوَاءٌ فِي الْمُثْبَتِ و غيرهِ، و ما يشُقُّ قَلْعُهُ و غيرهُ.

(فَإِنْ وَلَغَ فِيهِ) أَي فِي الْإِنَاءِ (كلْبٌ) بِأَنْ شَرِبَ مِمَّا فِيهِ بِلِسَانِهِ (قُدِّمَ عَلَيهِمَا) أَي عَلَي الْغَسْلَتَينِ بِالْمَاءِ (مَسْحُهُ بِالتُّرَابِ) الطَّاهِرِ دُونَ غَيرِهِ مِمَّا أَشْبَهَهُ، و أن تَعَذَّرَ أَوْ خِيفَ فَسَادُ الْمَحَلِّ وَ أُلْحِقَ بِالْوُلُوغِ لَطْعُهُ الْإِنَاءَ دُونَ مُبَاشَرَتِهِ لَهُ بِسَائِرِ أَعْضَائِهِ.

وَ لَوْ تَكرَّرَ الْوُلُوغُ تَدَاخَلَ كغَيرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ الْمُجْتَمَعَةِ و في الأَثْنَاءِ يسْتَأْنَفُ و لو غَسَلَهُ فِي الْكثِيرِ كفَتْ الْمَرَّةُ بَعْدَ التَّعْفِيرِ (وَيسْتَحَبُّ السَّبْعُ) بِالْمَاءِ (فِيهِ) فِي الْوُلُوغِ، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا.

(وَكذَا) يسْتَحَبُّ، السَّبْعُ (فِي الْفَأْرَةِ وَ الْخِنْزِيرِ) لِلْأَمْرِ بِهَا فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ الَّتِي لَمْ تَنْهَضْ حُجَّةً عَلَي الْوُجُوبِ، وَ مُقْتَضَي إطْلَاقِ الْعِبَارَةِ الِاجْتِزَاءُ فِيهِمَا بِالْمَرَّتَينِ كغَيرِهِمَا.

وَ الْأَقْوَي فِي وُلُوغِ الْخِنْزِيرِ وُجُوبُ السَّبْعِ بِالْمَاءِ لِصِحَّةِ رِوَايتِهِ، وَ عَلَيهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَاقِي كتُبِهِ.

(وَ) يسْتَحَبُّ الثَّلَاثُ (فِي الْبَاقِي) مِنْ النَّجَاسَاتِ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ.

(وَالْغُسَالَةُ)

وَ هِي الْمَاءُ الْمُنْفَصِلُ عَنْ الْمَحَلِّ الْمَغْسُولِ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِالْعَصْرِ (كالْمَحَلِّ قَبْلَهَا) أَي قَبْلَ خُرُوجِ تِلْك الْغُسَالَةِ، فَإِنْ كانَتْ مِنْ الْغَسْلَةِ الْأُولَي وَجَبَ غَسْلُ مَا أَصَابَتْهُ تَمَامَ الْعَدَدِ، أَوْ مِنْ الثَّانِيةِ فَتَنْقُصُ وَاحِدَةً، و هكذا و هذا يتِمُّ فِيمَا يغْسَلُ مَرَّتَينِ لَا لِخُصُوصِ النَّجَاسَةِ.

أَمَّا الْمَخْصُوصُ كالْوُلُوغِ فَلَا، لِأَنَّ الْغُسَالَةَ لَا تُسَمَّي وُلُوغًا، و من ثَمَّ لَوْ وَقَعَ لُعَابُهُ فِي الْإِنَاءِ بِغَيرِهِ لَمْ يوجِبْ حُكمَهُ، و ما ذَكرَهُ الْمُصَنِّفُ أَجْوَدُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ.

وَ قِيلَ: إنَّ الْغُسَالَةَ كالْمَحَلِّ قَبْلَ الْغَسْلِ مُطْلَقًا، وَ قِيلَ بَعْدَهُ فَتَكونُ طَاهِرَةً مُطْلَقًا، وَ قِيلَ: بَعْدَهَا.

وَ يسْتَثْنَي مِنْ ذَلِك مَاءُ الِاسْتِنْجَاءِ فَغُسَالَتُهُ طَاهِرَةٌ مُطْلَقًا مَا لَمْ تَتَغَيرْ بِالنَّجَاسَةِ أَوْ تُصَبْ بِنَجَاسَةٍ خَارِجَةٍ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَدَثِ الْمُسْتَنْجَي مِنْهُ، أَوْ مَحَلُّهُ.

(الرَّابِعَةُ)

: (الْمُطَهِّرَاتُ عَشْرَةٌ: الْمَاءُ)

و هو مُطَهِّرٌ (مُطْلَقًا) مِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ الَّتِي تَقْبَلُ التَّطْهِيرَ، (وَالْأَرْضُ) تُطَهِّرُ (بَاطِنَ النَّعْلِ) و هو أَسْفَلُهُ الْمُلَاصِقُ لِلْأَرْضِ، (وَأَسْفَلَ الْقَدَمِ) مَعَ زَوَالِ عَينِ النَّجَاسَةِ عَنْهُمَا بِهَا بِمَشْي وَ دَلْك و غيرهِمَا.

وَ الْحَجَرُ وَ الرَّمَلُ مِنْ أَصْنَافِ الْأَرْضِ، و لو لَمْ يكنْ لِلنَّجَاسَةِ جِرْمٌ وَ لَا رُطُوبَةٌ كفَي مُسَمَّي الْإِمْسَاسِ وَ لَا فَرْقَ فِي الْأَرْضِ بَينَ الْجَافَّةِ وَ الرُّطُوبَةِ، مَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ اسْمِ الْأَرْضِ.

وَ هَلْ يشْتَرَطُ طَهَارَتُهَا؟ وَ جْهَانِ وَ إِطْلَاقُ النَّصِّ وَ الْفَتْوَي يقْتَضِي عَدَمَهُ.

وَ الْمُرَادُ بِالنَّعْلِ مَا يجْعَلُ أَسْفَلَ الرِّجْلِ لِلْمَشْي، وِقَايةً مِنْ الْأَرْضِ وَ نَحْوِهَا، و لو مِنْ خَشَبٍ وَ خَشَبَةِ الْأَقْطَعِ كالنَّعْلِ.

(وَالتُّرَابِ فِي الْوُلُوغِ) فَإِنَّهُ جُزْءُ عِلَّةٍ لِلتَّطْهِيرِ، فَهُوَ مُطَهِّرٌ فِي الْجُمْلَةِ (وَالْجِسْمُ الطَّاهِرُ) غَيرُ اللَّزِجِ، وَ لَا الصَّقِيلِ فِي (غَيرِ الْمُتَعَدِّي مِنْ الْغَائِطِ.

وَ الشَّمْسُ مَا جَفَّفَتْهُ) بِإِشْرَاقِهَا عَلَيهِ وَ زَالَتْ عَينُ النَّجَاسَةِ عَنْهُ مِنْ (الْحُصُرِ وَ الْبَوَارِي) مِنْ الْمَنْقُولِ، (وَمَا لَا ينْقَلُ) عَادَةً مُطْلَقًا، مِنْ الْأَرْضِ وَ أَجْزَائِهَا، وَ النَّبَاتِ وَ الْأَخْشَابِ، وَ الْأَبْوَابِ الْمُثَبَّتَةِ، وَ الْأَوْتَادِ الدَّاخِلَةِ، وَ الْأَشْجَارِ، وَ الْفَوَاكهِ الْبَاقِيةِ عَلَيهَا و أن حَانَ أَوَانُ قِطَافِهَا، وَ لَا يكفِي تَجْفِيفُ الْحَرَارَةِ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّي شَمْسًا، وَ لَا الْهَوَاءِ الْمُنْفَرِدِ بِطَرِيقٍ أَوْلَي.

نَعَمْ لَا يضُرُّ، انْضِمَامُهُ إلَيهَا، وَ يكفِي فِي طُهْرِ الْبَاطِنِ الْإِشْرَاقُ عَلَي الظَّاهِرِ مَعَ جَفَافِ الْجَمِيعِ، بِخِلَافِ الْمُتَعَدِّدِ الْمُتَلَاصِقِ إذَا أَشْرَقَتْ عَلَي بَعْضِهِ.

(وَالنَّارُ مَا أَحَالَتْهُ رَمَادًا أَوْ دُخَانًا) لَا خَزَفًا وَ آجُرًّا فِي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ، وَ عَلَيهِ الْمُصَنِّفُ فِي غَيرِ الْبَيانِ، و فيه قَوَّي قَوْلَ الشَّيخِ بِالطَّهَارَةِ فِيهِمَا.

(وَنَقْصُ الْبِئْرِ) بِنَزْحِ الْمُقَدَّرِ مِنْهُ، وَ كمَا يطْهُرُ الْبِئْرُ بِذَلِك فَكذَا حَافَّاتُهُ، وَ آلَاتُ النَّزْحِ، وَ الْمُبَاشِرُ و ما يصْحَبُهُ حَالَتُهُ (وَذَهَابُ ثُلُثَي الْعَصِيرِ) مُطَهِّرٌ الثُّلُثَ الْآخَرَ عَلَي الْقَوْلِ

بِنَجَاسَتِهِ وَ الْآلَاتِ وَ الْمَزَاوِلِ.

(وَالِاسْتِحَالَةُ) كالْمَيتَةِ وَ الْعَذِرَةِ تَصِيرُ تُرَابًا وَدُودًا، وَ النُّطْفَةُ وَ الْعَلَقَةُ تَصِيرُ حَيوَانًا، غَيرَ الثَّلَاثَةِ وَ الْمَاءُ النَّجِسُ بَوْلًا لِحَيوَانٍ مَأْكولٍ وَ لَبَنًا وَ نَحْوَ ذَلِك (وَانْقِلَابُ الْخَمْرِ خَلًّا) وَ كذَا الْعَصِيرُ بَعْدَ غَلَيانِهِ وَ اشْتِدَادِهِ.

(وَالْإِسْلَامُ) مُطَهِّرٌ لِبَدَنِ الْمُسْلِمِ مِنْ نَجَاسَةِ الْكفْرِ و ما يتَّصِلُ بِهِ مِنْ شَعْرٍ وَ نَحْوِهِ، لَا لِغَيرِهِ كثِيابِهِ (وَتَطْهُرُ الْعَينُ وَ الْأَنْفُ وَ الْفَمُ بَاطِنُهَا و كلّ بَاطِنٍ) كالْأُذُنِ وَ الْفَرْجِ (بِزَوَالِ الْعَينِ)، وَ لَا يطْهُرُ بِذَلِك مَا فِيهِ مِنْ الْأَجْسَامِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ، كالطَّعَامِ وَ الْكحْلِ.

أَمَّا الرُّطُوبَةُ الْحَادِثَةُ فِيهِ كالرِّيقِ وَ الدَّمْعِ فَبِحُكمِهِ وَ طُهْرُ مَا يتَخَلَّفُ فِي الْفَمِ مِنْ بَقَايا الطَّعَامِ وَ نَحْوِهِ بِالْمَضْمَضَةِ مَرَّتَينِ عَلَي مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْعَدَدِ، وَ مَرَّةً فِي غَيرِ نَجَاسَةِ الْبَوْلِ عَلَي مَا اخْتَرْنَاهُ.

الفصل الأول في الوضوء

الفصل الأول في الوضوء:

الوضوء

(ثُمَّ الطَّهَارَةُ) عَلَي مَا عُلِمَ مِنْ تَعْرِيفِهَا (اسْمٌ لِلْوُضُوءِ وَ الْغُسْلِ وَ التَّيمُّمِ) الرَّافِعِ لِلْحَدَثِ أَوْ الْمُبِيحِ لِلصَّلَاةِ عَلَي الْمَشْهُورِ، أَوْ مُطْلَقًا عَلَي ظَاهِرِ التَّقْسِيمِ (فَهُنَا فُصُولٌ ثَلَاثَةٌ): (الْأُولَي - فِي) (الْوُضُوءِ) بِضَمِّ الْوَاوِ: اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ فَإِنَّ مَصْدَرَهُ التَّوَضُّؤُ، عَلَي وَزْنِ التَّعَلُّمِ و أمّا الْوَضُوءُ بِالْفَتْحِ، فَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يتَوَضَّأُ بِهِ.

وَ أَصْلُهُ مِنْ الْوَضَاءَةِ، و هي النَّظَافَةُ وَ النَّضَارَةُ مِنْ ظُلْمَةِ الذُّنُوبِ (وَمُوجِبُهُ) (الْبَوْلُ وَ الْغَائِطُ وَ الرِّيحُ) مِنْ الْمَوْضِعِ الْمُعْتَادِ، أَوْ مِنْ غَيرِهِ مَعَ انْسِدَادِهِ.

وَ إِطْلَاقُ الْمُوجِبِ عَلَي هَذِهِ الْأَسْبَابِ بِاعْتِبَارِ إيجَابِهَا الْوُضُوءَ عِنْدَ التَّكلِيفِ بِمَا هُوَ شَرْطٌ فِيهِ، كمَا يطْلَقُ عَلَيهَا النَّاقِضُ بِاعْتِبَارِ عُرُوضِهَا لِلْمُتَطَهِّرِ، وَ السَّبَبُ أَعَمُّ مِنْهُمَا مُطْلَقًا كمَا أَنَّ بَينَهُمَا عُمُومًا مِنْ وَجْهٍ، فَكانَ التَّعْبِيرُ بِالسَّبَبِ أَوْلَي.

(وَالنَّوْمُ الْغَالِبُ) غَلَبَةً مُسْتَهْلِكةً (عَلَي السَّمْعِ وَ الْبَصَرِ)، بَلْ عَلَي مُطْلَقِ الْإِحْسَاسِ، و لكن الْغَلَبَةَ عَلَي السَّمْعِ تَقْتَضِي الْغَلَبَةَ عَلَي سَائِرِهَا

فَلِذَا خَصَّهُ أَمَّا الْبَصَرُ فَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ كثِيرٍ مِنْهَا، فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ.

(وَمُزِيلُ الْعَقْلِ) مِنْ جُنُونٍ، وَ سُكرٍ، وَ إِغْمَاءٍ (وَالِاسْتِحَاضَةُ) عَلَي وَجْهٍ يأْتِي تَفْصِيلُهُ. (وَوَاجِبُهُ) أَي وَاجِبُ الْوُضُوءِ (النِّيةُ) و هي الْقَصْدُ إلَي فِعْلِهِ (مُقَارِنَةً لِغُسْلِ الْوَجْهِ) الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا، و هو أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْ أَعْلَاهُ، لِأَنَّ مَا دُونَهُ لَا يسَمَّي غُسْلًا شَرْعًا، وَ لِأَنَّ الْمُقَارَنَةَ تُعْتَبَرُ لِأَوَّلِ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ وَ الِابْتِدَاءِ به غير الْأَعْلَي لَا يعَدُّ فِعْلًا (مُشْتَمِلَةً) عَلَي قَصْدِ (الْوُجُوبِ) إنْ كانَ وَاجِبًا بِأَنْ كانَ فِي وَقْتِ عِبَادَةٍ وَاجِبَةٍ مَشْرُوطَةٍ بِهِ، وَ إِلَّا نَوَي النَّدْبَ، و لم يذْكرْهُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْغَرَضِ.

(وَالتَّقَرُّبِ) بِهِ إلَي اللَّهِ تَعَالَي، بِأَنْ يقْصِدَ فِعْلَهُ لِلَّهِ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ أَوْ مُوَافَقَةً لِطَاعَتِهِ، أَوْ طَلَبًا لِلرِّفْعَةِ عِنْدَهُ بِوَاسِطَتِهِ، تَشْبِيهًا بِالْقُرْبِ الْمَكانِي، أَوْ مُجَرَّدًا عَنْ ذَلِك، فَإِنَّهُ تَعَالَي غَايةُ كلِّ مَقْصِدٍ.

(وَالِاسْتِبَاحَةُ) مُطْلَقًا، أَوْ الرَّفْعُ حَيثُ يمْكنُ، وَ الْمُرَادُ رَفْعُ حُكمِ الْحَدَثِ، وَ إِلَّا فَالْحَدَثُ إذَا وَقَعَ لَا يرْتَفِعُ وَ لَا شُبْهَةَ فِي إجْزَاءِ النِّيةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَي جَمِيعِ ذَلِك و أن كانَ فِي وُجُوبِ مَا عَدَا الْقُرْبَةِ نَظَرٌ، لِعَدَمِ نُهُوضِ دَلِيلٍ عَلَيهِ.

أَمَّا الْقُرْبَةُ فَلَا شُبْهَةَ فِي اعْتِبَارِهَا فِي كلِّ عِبَادَةٍ، وَ كذَا تَمْييزُ الْعِبَادَةِ عَنْ غَيرِهَا حَيثُ يكونُ الْفِعْلُ مُشْتَرَكا، إلَّا أَنَّهُ لَا اشْتَرَاك فِي الْوُضُوءِ حَتَّي فِي الْوُجُوبِ وَ النَّدْبِ، لِأَنَّهُ فِي وَقْتِ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ الْمَشْرُوطَةِ بِهِ لَا يكونُ إلَّا وَاجِبًا، وَ بِدُونِهِ ينْتَفِي (وَجَرْي الْمَاءِ) بِأَنْ ينْتَقِلَ كلُّ جُزْءٍ مِنْ الْمَاءِ عَنْ مَحَلِّهِ، إلَي غَيرِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمُعَينٍ (عَلَي مَا دَارَتْ عَلَيهِ الْإِبْهَامُ) بِكسْرِ الْهَمْزَةِ (وَالْوُسْطَي) مِنْ الْوَجْهِ (عَرْضًا و ما بَينَ الْقِصَاصِ) - مُثَلَّثُ الْقَافِ - و هو مُنْتَهَي مَنْبَتِ شَعْرِ الرَّأْسِ (إلَي آخِرِ الذَّقَنِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَ الْقَافِ الْمَفْتُوحَةِ مِنْهُ

(طُولًا) مُرَاعِيا فِي ذَلِك مُسْتَوَي الْخِلْقَةِ فِي الْوَجْهِ وَ الْيدَينِ.

وَ يدْخُلُ فِي الْحَدِّ مَوَاضِعُ التَّحْذِيفِ، و هي مَا بَينَ مُنْتَهَي الْعِذَارِ وَ النَّزَعَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِشَعْرِ الرَّأْسِ وَ الْعِذَارُ وَ الْعَارِضُ، لَا النَّزَعَتَانِ بِالتَّحْرِيك، وَ هُمَا الْبَياضَانِ الْمُكتَنِفَانِ لِلنَّاصِيةِ (وَتَخْلِيلُ خَفِيفِ الشَّعْرِ) و هو مَا تُرَي الْبَشَرَةُ مِنْ خِلَالِهِ فِي مَجْلِسِ التَّخَاطُبِ، دُونَ الْكثِيفِ و هو خِلَافُهُ، وَ الْمُرَادُ بِتَخْلِيلِهِ إدْخَالُ الْمَاءِ خِلَالَهُ لِغَسْلِ الْبَشَرَةِ الْمَسْتُورَةِ بِهِ، أَمَّا الظَّاهِرَةُ خِلَالَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهَا.

كمَا يجِبُ غَسْلُ جُزْءٍ آخَرَ مِمَّا جَاوَرَهَا مِنْ الْمَسْتُورَةِ مِنْ بَابِ الْمُقَدَّمَةِ.

وَ الْأَقْوَي عَدَمُ وُجُوبِ تَخْلِيلِ الشَّعْرِ مُطْلَقًا وِفَاقًا لِلْمُصَنِّفِ فِي الذِّكرَي وَ الدُّرُوسِ وَ لِلْمُعَظَّمِ، وَ يسْتَوِي فِي ذَلِك شَعْرُ اللِّحْيةِ وَ الشَّارِبِ، وَ الْخَدِّ وَ الْعِذَارِ وَ الْحَاجِبِ، وَ الْعَنْفَقَةِ وَ الْهُدُبِ.

(ثُمَّ) غَسْلُ الْيدِ (الْيمْنَي مِنْ الْمِرْفَقِ) بِكسْرِ الْمِيمِ وَ فَتْحِ الْفَاءِ أَوْ بِالْعَكسِ و هو مَجْمَعُ عَظْمَاتِ الذِّرَاعِ وَ الْعَضُدِ، لَا نَفْسَ الْمَفْصِلِ (إلَي أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ ثُمَّ) غَسْلُ (الْيسْرَي كذَلِك)، وَ غَسْلُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيهِ الْخُدُود مِنْ لَحْمٍ زَائِدٍ، وَ شَعْرٍ وَ يدٍ وَ إِصْبَعٍ، دُونَ مَا خَرَجَ و أن كانَ يدًا، إلَّا أَنْ تُشْتَبَهَ الْأَصْلِيةُ فَتُغْسَلَانِ مَعًا مِنْ بَابِ الْمُقَدِّمَةِ.

(ثُمَّ مَسْحُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ)، أَوْ شَعْرِهِ الَّذِي لَا يخْرُجُ بِمَدِّهِ عَنْ حَدِّهِ، وَ اكتَفَي الْمُصَنِّفُ بِالرَّأْسِ تَغْلِيبًا لِاسْمِهِ عَلَي مَا نَبَتَ عَلَيهِ (بِمُسَمَّاهُ) أَي مُسَمَّي الْمَسْحِ، و لو بِجُزْءٍ مِنْ إصْبَعٍ، مَمَرًّا لَهُ عَلَي الْمَمْسُوحِ لِيتَحَقَّقَ اسْمُهُ لَا بِمُجَرَّدِ وَضْعِهِ، وَ لَا حَدَّ لِأَكثَرِهِ نَعَمْ يكرَهُ الِاسْتِيعَابُ، إلَّا أَنْ يعْتَقِدَ شَرْعِيتَهُ فَيحْرُمُ، و أن كانَ الْفَضْلُ فِي مِقْدَارِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ.

(ثُمَّ مَسَحَ) بَشَرَةِ ظَهْرِ الرِّجْلِ (الْيمْنَي) مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَي الْكعْبَينِ وَ هُمَا قُبَّتَا الْقَدَمَينِ عَلَي الْأَصَحِّ وَ قِيلَ إلَي أَصْلِ

السَّاقِ، و هو مُخْتَارُهُ فِي الْأَلْفِيةِ.

(ثُمَّ) مَسَحَ ظَهْرَ (الْيسْرَي) كذَلِك (بِمُسَمَّاهُ) فِي جَانِبِ الْعَرْضِ (بِبَقِيةِ الْبَلَلِ) الْكائِنِ عَلَي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مِنْ مَائِهِ (فِيهِمَا) أَي فِي الْمَسْحَينِ، وَ فُهِمَ مِنْ إطْلَاقِهِ الْمَسْحَ أَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ فِيهِمَا فِي نَفْسِ الْعُضْوِ فَيجُوزُ النَّكسُ فِيهِ دُونَ الْغُسْلِ، لِلدَّلَالَةِ عَلَيهِ بِ " مِنْ " وَ " إلَي "، و هو كذَلِك فِيهِمَا عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ.

وَ فِي الدُّرُوسِ رَجَّحَ مَنْعَ النَّكسِ فِي الرَّأْسِ دُونَ الرِّجْلَينِ و في البَيانِ عَكسٌ، و مثله فِي الْأَلْفِيةِ (مُرَتَّبًا) بَينَ أَعْضَاءِ الْغُسْلِ وَ الْمَسْحِ: بِأَنْ يبْتَدِئَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ، ثُمَّ بِالْيدِ الْيمْنَي، ثُمَّ الْيسْرَي، ثُمَّ بِمَسْحِ الرَّأْسِ، ثُمَّ الرِّجْلُ الْيمْنَي، ثُمَّ الْيسْرَي، فَلَوْ عَكسَ أَعَادَ عَلَي مَا يحْصُلُ مَعَهُ التَّرْتِيبُ مَعَ بَقَاءِ الْمُوَالَاةِ.

وَ أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ فِي غَيرِ الْكتَابِ التَّرْتِيبَ بَينَ الرِّجْلَينِ (مُوَالِيا) فِي فِعْلِهِ (بِحَيثُ لَا يجِفُّ السَّابِقُ) مِنْ الْأَعْضَاءِ عَلَي الْعُضْوِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مُطْلَقًا، عَلَي أَشْهَرِ الْأَقْوَالِ، وَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْجَفَافِ الْحِسِّي لَا التَّقْدِيرِي، وَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَينَ الْعَامِدِ وَ النَّاسِي وَ الْجَاهِلِ.

سننه

(وَسُنَنُهُ السِّوَاك) و هو دَلْك الْأَسْنَانِ بِعُودٍ، وَ خِرْقَةٍ، وَ إِصْبَعٍ، وَ نَحْوِهَا، وَ أَفْضَلُهُ الْغُصْنُ الْأَخْضَرُ، وَ أَكمَلُهُ الْأَرَاك، وَ مَحَلُّهُ قَبْلَ غُسْلِ الْوُضُوءِ الْوَاجِبِ وَ النَّدْبُ كالْمَضْمَضَةِ، و لو أَخَّرَهُ عَنْهُ أَجْزَأَ.

وَ اعْلَمْ أَنَّ السِّوَاك سُنَّةٌ مُطْلَقًا، وَ لَكنَّهُ يتَأَكدُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا: الْوُضُوءُ وَ الصَّلَاةُ، وَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَ اصْفِرَارُ الْأَسْنَانِ و غيرهُ.

(وَالتَّسْمِيةُ) وَ صُورَتُهَا: " بِسْمِ اللَّهِ وَ بِاَللَّهِ "، وَ يسْتَحَبُّ إتْبَاعُهَا بِقَوْلِهِ: " اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَ اجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ " و لو اقْتَصَرَ عَلَي " بِسْمِ اللَّهِ " أَجْزَأَ، و لو نَسِيهَا ابْتِدَاءً تَدَارَكهَا حَيثُ ذَكرَ، قَبْلَ الْفَرَاغِ كالْأَكلِ، وَ كذَا لَوْ تَرَكهَا عَمْدًا.

(وَغَسْلُ

الْيدَينِ) مِنْ الزَّنْدَينِ (مَرَّتَينِ) مِنْ حَدَثِ النَّوْمِ وَ الْبَوْلِ وَ الْغَائِطِ، لَا مِنْ مُطْلَقِ الْحَدَثِ كالرِّيحِ عَلَي الْمَشْهُورِ.

وَ قِيلَ مِنْ الْأَوَّلَينِ مَرَّةً، وَ بِهِ قَطَعَ فِي الذِّكرَي، وَ قِيلَ مَرَّةً فِي الْجَمِيعِ، وَ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي النَّفْلِيةِ، وَ نُسِبَ التَّفْصِيلُ إلَي الْمَشْهُورِ و هو الْأَقْوَي.

وَ لَوْ اجْتَمَعَتْ الْأَسْبَابُ تَدَاخَلَتْ إنْ سَاوَتْ، وَ إِلَّا دَخَلَ الْأَقَلُّ تَحْتَ الْأَكثَرِ.

وَلْيكنْ الْغُسْلُ (قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ) الَّذِي يمْكنُ الِاغْتِرَافُ مِنْهُ، لِدَفْعِ النَّجَاسَةِ الْوَهْمِيةِ، أَوْ تَعَبُّدًا.

وَ لَا يعْتَبَرُ كوْنُ الْمَاءِ قَلِيلًا لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، خِلَافًا لِلْعَلَّامَةِ حَيثُ اعْتَبَرَهُ.

(وَالْمَضْمَضَةُ) و هي إدْخَالُ الْمَاءِ الْفَمَ، وَ إِدَارَتُهُ فِيهِ (وَالِاسْتِنْشَاقُ) و هو جَذْبُهُ إلَي دَاخِلِ الْأَنْفِ (وَتَثْلِيثُهُمَا) بِأَنْ يفْعَلَ كلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثًا، و لو بِغُرْفَةٍ وَاحِدَةٍ، وَ بِثَلَاثٍ أَفْضَلُ، وَ كذَا يسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْمَضْمَضَةِ أَجْمَعُ عَلَي الِاسْتِنْشَاقِ، وَ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ لَا يقْتَضِيهِ (وَتَثْنِيةُ الْغَسَلَاتِ) الثَّلَاثِ بَعْدَ تَمَامِ الْغَسْلَةِ الْأُولَي فِي الْمَشْهُورِ، وَ أَنْكرَهَا الصَّدُوقُ.

(وَالدُّعَاءُ عِنْدَ كلِّ فِعْلٍ) مِنْ الْأَفْعَالِ الْوَاجِبَةِ وَ الْمُسْتَحَبَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِالْمَأْثُورِ.

(وَبَدْأَةُ الرَّجُلِ) فِي غُسْلِ الْيدَينِ (بِالظَّهْرِ وَ فِي) الْغَسْلَةِ (الثَّانِيةِ بِالْبَطْنِ، عَكسُ الْمَرْأَةِ).

فَإِنَّ السُّنَّةَ لَهَا الْبَدْأَةُ بِالْبَطْنِ، وَ الْخَتْمُ بِالظَّهْرِ - كذَا ذَكرَهُ الشَّيخُ وَ تَبِعَهُ عَلَيهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَ جَمَاعَةٌ، وَ الْمَوْجُودُ فِي النُّصُوصِ بَدْأَةُ الرَّجُلِ بِظَهْرِ الذِّرَاعِ، وَ الْمَرْأَةُ بِبَاطِنِهِ، مِنْ غَيرِ فَرْقٍ فِيهِمَا بَينَ الْغَسْلَتَينِ وَ عَلَيهِ الْأَكثَرُ، (وَيتَخَيرُ الْخُنْثَي) بَينَ الْبَدْأَةِ بِالظَّهْرِ وَ الْبَطْنِ عَلَي الْمَشْهُورِ و بين الْوَظِيفَتَينِ عَلَي الذُّكورِ.

(وَالشَّاك فِيهِ)

أَي فِي الْوُضُوءِ (فِي أَثْنَائِهِ يسْتَأْنِفُ) وَ الْمُرَادُ بِالشَّك فِيهِ نَفْسُهُ فِي الْأَثْنَاءِ الشَّك فِي نِيتِهِ، لِأَنَّهُ إذَا شَك فِيهَا فَالْأَصْلُ عَدَمُهَا، وَ مَعَ ذَلِك لَا يعْتَدُّ بِمَا وَقَعَ مِنْ الْأَفْعَالِ بِدُونِهَا، و بهذا صَدَقَ الشَّك فِيهِ فِي أَثْنَائِهِ، و أمّا الشَّك فِي أَنَّهُ هَلْ تَوَضَّأَ

أَوْ هَلْ شَرَعَ فِيهِ أَمْ لَا؟ فَلَا يتَصَوَّرُ تَحَقُّقُهُ فِي الْأَثْنَاءِ.

وَ قَدْ ذَكرَ الْمُصَنِّفُ فِي مُخْتَصَرَيهِ الشَّك فِي النِّيةِ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ و أنّه يسْتَأْنِفُ، و لم يعَبِّرْ بِالشَّك فِي الْوُضُوءِ إلَّا هُنَا.

(وَ) الشَّاك فِيهِ بِالْمَعْنَي الْمَذْكورِ (بَعْدَهُ) أَي بَعْدَ الْفَرَاغِ (لَا يلْتَفَتُ) كمَا لَوْ شَك فِي غَيرِهَا مِنْ الْأَفْعَالِ (وَ) الشَّاك (فِي الْبَعْضِ يأْتِي بِهِ) أَي بِذَلِك الْبَعْضِ الْمَشْكوك فِيهِ إذَا وَقَعَ الشَّك (عَلَي حَالِهِ) أَي حَالِ الْوُضُوءِ، بِحَيثُ لَمْ يكنْ فَرَغَ مِنْهُ، و أن كانَ قَدْ تَجَاوَزَ ذَلِك الْبَعْضَ (إلَّا مَعَ الْجَفَافِ) لِلْأَعْضَاءِ السَّابِقَةِ عَلَيهِ (فَيعِيدُ) لِفَوَاتِ الْمُوَالَاةِ.

(وَلَوْ شَك) فِي بَعْضِهِ (بَعْدَ انْتِقَالِهِ) عَنْهُ وَ فَرَاغِهِ مِنْهُ (لَا يلْتَفَتُ) وَ الْحُكمُ مَنْصُوصٌ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. (وَالشَّاك فِي الطَّهَارَةِ) مَعَ تَيقُّنِ الْحَدَثِ (مُحْدِثٌ)، لِأَصَالَةِ عَدَمِ الطَّهَارَةِ، (وَالشَّاك فِي الْحَدَثِ) مَعَ تَيقُّنِ الطَّهَارَةِ (مُتَطَهِّرٌ) أَخْذًا بِالْمُتَيقِّنِ، (وَالشَّاك فِيهِمَا) أَي فِي الْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا مَعَ تَيقُّنِ وُقُوعِهِمَا (مُحْدِثٌ) لِتَكافُؤِ الِاحْتِمَالَينِ، إنْ لَمْ يسْتَفِدْ مِنْ الِاتِّحَادِ وَ التَّعَاقُبِ حُكمًا آخَرَ هَذَا هُوَ الْأَقْوَي وَ الْمَشْهُورُ.

وَ لَا فَرْقَ بَينَ أَنْ يعْلَمَ قَبْلَهُمَا بِالطَّهَارَةِ، أَوْ بِالْحَدَثِ، أَوْ يشُك.

وَ رُبَّمَا قِيلَ بِأَنَّهُ يأْخُذُ مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ ضِدَّ مَا عَلِمَهُ، لِأَنَّهُ إنْ كانَ مُتَطَهِّرًا فَقَدْ عَلِمَ نَقْضَ تِلْك الْحَالَةِ وَشَك فِي ارْتِفَاعِ النَّاقِضِ، لِجَوَازِ تَعَاقُبِ الطَّهَارَتَينِ، و أن كانَ مُحْدِثًا فَقَدْ عَلِمَ انْتِقَالَهُ عَنْهُ بِالطَّهَارَةِ وَشَك فِي انْتِقَاضِهَا بِالْحَدَثِ، لِجَوَازِ تَعَاقُبِ الْأَحْدَاثِ، وَ يشْكلُ بِأَنَّ الْمُتَيقَّنَ حِينَئِذٍ ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ السَّابِقِ، أَمَّا اللَّاحِقُ الْمُتَيقَّنُ وُقُوعُهُ فَلَا، وَ جَوَازُ تَعَاقُبِهِ لِمِثْلِهِ مُتَكافِئٌ، لِتَأَخُّرِهِ عَنْ الطَّهَارَةِ، وَ لَا مُرَجَّحَ.

نَعَمْ لَوْ كانَ الْمُتَحَقَّقُ طَهَارَةً رَافِعَةً، وَ قُلْنَا بِأَنَّ الْمُجَدِّدَ لَا يرْفَعُ، أَوْ قَطَعَ بِعَدَمِهِ تَوَجَّهَ الْحُكمُ بِالطَّهَارَةِ فِي الْأَوَّلِ، كمَا أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ عَدَمَ تَعَاقُبِ الْحَدَثَينِ بِحَسَبِ

عَادَتِهِ، أَوْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَحَقَّقَ الْحُكمُ بِالْحَدَثِ فِي الثَّانِي، إلَّا أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مَوْضِعِ النِّزَاعِ، بَلْ لَيسَ مِنْ حَقِيقَةِ الشَّك فِي شَيءٍ إلَّا بِحَسَبِ ابْتِدَائِهِ، و بهذا يظْهَرُ ضَعْفُ الْقَوْلِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالَةِ السَّابِقَةِ بَلْ بُطْلَانُهُ.

(مَسَائِلُ):

(يجِبُ عَلَي الْمُتَخَلِّي سَتْرُ الْعَوْرَةِ) قُبُلًا وَ دُبُرًا عَنْ نَاظِرٍ مُحْتَرَمٍ، (وَتَرْك اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ) بِمَقَادِيمِ بَدَنِهِ، (وَدُبُرِهَا) كذَلِك فِي الْبِنَاءِ و غيرهِ، (وَغَسْلِ الْبَوْلِ بِالْمَاءِ) مَرَّتَينِ كمَا مَرَّ، (وَ) كذَا يجِبُ غَسْلُ (الْغَائِطِ) بِالْمَاءِ (مَعَ التَّعَدِّي) لِلْمَخْرَجِ، بِأَنْ تَجَاوَزَ حَوَاشِيهِ و أن لَمْ يبْلُغْ الْأَلْيةَ، (وَإِلَّا) أَي و أن لَمْ يتَعَدَّ الْغَائِطُ الْمَخْرَجَ (فَثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ) طَاهِرَةٍ جَافَّةٍ قَالِعَةٍ لِلنَّجَاسَةِ (أَبْكارٍ) لَمْ يسْتَنْجَ بِهَا بِحَيثُ تَنَجَّسَتْ بِهِ، (أَوْ بَعْدَ طَهَارَتِهَا) إنْ لَمْ تَكنْ أَبْكارًا وَ تَنَجَّسَتْ.

وَ لَوْ لَمْ تَنْجُسْ - كالْمُكمِّلَةِ لِلْعَدَدِ بَعْدَ نَقَاءِ الْمَحَلِّ - كفَتْ مِنْ غَيرِ اعْتِبَارِ الطُّهْرِ (فَصَاعِدًا) عَنْ الثَّلَاثَةِ إنْ لَمْ ينَقَّ الْمَحَلُّ بِهَا (أَوْ شِبْهِهَا) مِنْ ثَلَاثِ خِرَقٍ، أَوْ خَزَفَاتٍ، أَوْ أَعْوَادٍ وَ نَحْوِ ذَلِك مِنْ الْأَجْسَامِ الْقَالِعَةِ لِلنَّجَاسَةِ غَيرِ الْمُحْتَرَمَةِ.

وَ يعْتَبَرُ الْعَدَدُ فِي ظَاهِرِ النَّصِّ، و هو الَّذِي يقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الْعِبَارَةِ، فَلَا يجْزِي ذُو الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ.

وَ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي غَيرِ الْكتَابِ بِإِجْزَائِهِ، وَ يمْكنُ إدْخَالُهُ عَلَي مَذْهَبِهِ فِي شِبْهِهَا.

وَ اعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ مُجْزٍ مُطْلَقًا، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَحْجَارِ عَلَي تَقْدِيرِ إجْزَائِهَا، و ليس فِي عِبَارَتِهِ هُنَا مَا يدُلُّ عَلَي إجْزَاءِ الْمَاءِ فِي غَيرِ الْمُتَعَدِّي نَعَمْ يمْكنُ اسْتِفَادَتُهُ مِنْ قَوْلِهِ سَابِقًا الْمَاءُ مُطْلَقًا، وَ لَعَلَّهُ اجْتَزَأَ بِهِ.

(وَيسْتَحَبُّ التَّبَاعُدُ) عَنْ النَّاسِ بِحَيثُ لَا يرَي تَأَسِّيا بِالنَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يرَ قَطُّ عَلَي بَوْلٍ وَ لَا غَائِطٍ.

(وَالْجَمْعُ بَينَ الْمُطَهِّرَينِ) الْمَاءِ وَ الْأَحْجَارِ مُقَدَّمًا لِلْأَحْجَارِ فِي الْمُتَعَدِّي و غيرهِ مُبَالَغَةً فِي التَّنْزِيهِ، وَ

لِإِزَالَةِ الْعَينِ وَ الْأَثَرِ عَلَي تَقْدِيرِ إجْزَاءِ الْحَجَرِ، وَ يظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُطَهِّرِ اسْتِحْبَابُ عَدَدٍ مِنْ الْأَحْجَارِ مُطَهِّرٌ، وَ يمْكنُ تَأَدِّيهِ بِدُونِهِ لِحُصُولِ الْغَرَضِ (وَتَرْك اسْتِقْبَالِ) جِرْمِ (النَّيرَينِ) الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ بِالْفَرْجِ، أَمَّا جِهَتُهُمَا فَلَا بَأْسَ، وَ تَرْك اسْتِقْبَالِ (الرِّيحِ) وَ اسْتِدْبَارِهَا بِالْبَوْلِ وَ الْغَائِطِ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، و من ثَمَّ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ، و أن قَيدَ فِي غَيرِهِ بِالْبَوْلِ.

(وَتَغْطِيةُ الرَّأْسِ) إنْ كانَ مَكشُوفًا، حَذَرًا مِنْ وُصُولِ الرَّائِحَةِ الْخَبِيثَةِ إلَي دِمَاغِهِ، وَ رُوِي التَّقَنُّعُ مَعَهَا.

(وَالدُّخُولُ) بِالرِّجْلِ (الْيسْرَي) إنْ كانَ بِبِنَاءٍ، وَ إِلَّا جَعَلَهَا آخِرَ مَا يقَدِّمُهُ (وَالْخُرُوجُ) بِالرِّجْلِ (الْيمْنَي) كمَا وَ صَفْنَاهُ عَكسُ الْمَسْجِدِ.

(وَالدُّعَاءُ فِي أَحْوَالِهِ) الَّتِي وَرَدَ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ فِيهَا، و هي عِنْدَ الدُّخُولِ، وَ عِنْدَ الْفِعْلِ، وَ رُؤْيةِ الْمَاءِ، وَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَ عِنْدَ مَسْحِ بَطْنِهِ إذَا قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَ عِنْدَ الْخُرُوجِ بِالْمَأْثُورِ.

(وَالِاعْتِمَادِ عَلَي) الرِّجْلِ (الْيسْرَي)، وَ فَتْحِ الْيمْنَي.

(وَالِاسْتِبْرَاءُ) و هو طَلَبُ بَرَاءَةِ الْمَحَلِّ مِنْ الْبَوْلِ بِالِاجْتِهَادِ الَّذِي هُوَ مَسْحُ مَا بَينَ الْمَقْعَدَةِ وَ أَصْلُ الْقَضِيبِ ثَلَاثًا، ثُمَّ نَتْرُهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ عَصْرُ الْحَشَفَةِ ثَلَاثًا.

(وَالتَّنَحْنُحُ ثَلَاثًا) حَالَةَ الِاسْتِبْرَاءِ، نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي إلَي سَلَّارَ، لِعَدَمِ وُقُوفِهِ عَلَي مَأْخَذِهِ.

(وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْيسَارِ) لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْأَدْنَي، كمَا أَنَّ الْيمِينَ لِلْأَعْلَي كالْأَكلِ وَ الْوُضُوءِ.

(وَيكرَهُ بِالْيمِينِ) مَعَ الِاخْتِيارِ، لِأَنَّهُ مِنْ الْجَفَاءِ.

(وَيكرَهُ الْبَوْلُ قَائِمًا) حَذَرًا مِنْ تَخْبِيلِ الشَّيطَانِ (وَمَطْمَحًا بِهِ) فِي الْهَوَاءِ لِلنَّهْي عَنْهُ، (وَفِي الْمَاءِ) جَارِيا وَ رَاكدًا لِلتَّعْلِيلِ فِي أَخْبَارِ النَّهْي بِأَنَّ لِلْمَاءِ أَهْلًا فَلَا تُؤْذِهِمْ بِذَلِك.

(وَالْحَدَثُ فِي الشَّارِعِ) و هو الطَّرِيقُ الْمَسْلُوك.

(وَالْمَشْرَعُ) و هو طَرِيقُ الْمَاءِ لِلْوَارِدَةِ (وَالْفِنَاءُ) بِكسْرِ الْفَاءِ، و هو مَا امْتَدَّ مِنْ جَوَانِبِ الدَّارِ، و هو حَرِيمُهَا خَارِجَ الْمَمْلُوك مِنْهَا (وَالْمَلْعَنُ) و هو مَجْمَعُ النَّاسِ، أَوْ مَنْزِلُهُمْ، أَوْ قَارِعَةُ الطَّرِيقِ، أَوْ أَبْوَابُ الدُّورِ (وَتَحْتَ) الشَّجَرَةِ (الْمُثْمِرَةِ) و

هي مَا مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَكونَ مُثْمِرَةً و أن لَمْ تَكنْ كذَلِك بِالْفِعْلِ، وَ مَحَلُّ الْكرَاهَةِ مَا يمْكنُ أَنْ تَبْلُغَهُ الثِّمَارُ عَادَةً و أن لَمْ يكنْ تَحْتَهَا.

(وَفَيءُ النُّزَّالِ) و هو مَوْضِعُ الظِّلِّ الْمُعَدُّ لِنُزُولِهِمْ، أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ كالْمَحَلِّ الَّذِي يرْجِعُونَ إلَيهِ وَ ينْزِلُونَ بِهِ مِنْ فَاءَ يفِيءُ إذَا رَجَعَ (وَالْجِحَرَةُ) بِكسْرِ الْجِيمِ فَفَتْحِ الْحَاءِ وَ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَينِ جَمْعُ " جُحْرٍ " بِالضَّمِّ فَالسُّكونِ، و هي بُيوتُ الْحُشَارِ.

(وَالسِّوَاك حَالَتُهُ)، رُوِي أَنَّهُ يورِثُ الْبَخَرَ.

(وَالْكلَامُ إلَّا بِذَكرِ اللَّهِ تَعَالَي).

(وَالْأَكلُ وَ الشُّرْبُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَهَانَةِ، وَ لِلْخَبَرِ (وَيجُوزُ حِكايةُ الْأَذَانِ) إذَا سَمِعَهُ، وَ لَا سَنَدَ لَهُ ظَاهِرًا عَلَي الْمَشْهُورِ، وَ ذِكرُ اللَّهِ لَا يشْمَلُهُ أَجْمَعَ، لِخُرُوجِ الْحَيعَلَاتِ مِنْهُ، و من ثَمَّ حَكاهُ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي بِقَوْلِهِ وَ قِيلَ.

(وَقِرَاءَةُ آيةِ الْكرْسِي)، وَ كذَا مُطْلَقُ حَمْدِ اللَّهِ وَ شُكرِهِ وَ ذِكرِهِ، لِأَنَّهُ حَسَنٌ عَلَي كلِّ حَالٍ.

(وَلِلضَّرُورَةِ) كالتَّكلُّمِ لِحَاجَةٍ يخَافُ فَوْتَهَا لَوْ أَخَّرَهُ إلَي أَنْ يفْرَغَ.

وَ يسْتَثْنَي أَيضًا الصَّلَاةُ عَلَي النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم عِنْدَ سَمَاعِ ذِكرِهِ، وَ الْحَمْدَلَةُ عِنْدَ الْعُطَاسِ مِنْهُ و من غَيرِهِ، و هو مِنْ الذِّكرِ وَ رُبَّمَا قِيلَ بِاسْتِحْبَابِ التَّشْمِيتِ مِنْهُ أَيضًا وَ لَا يخْفَي وُجُوبُ رَدِّ السَّلَامِ و أن كرِهَ السَّلَامُ عَلَيهِ، وَ فِي كرَاهَةِ رَدِّهِ مَعَ تَأْدِي الْوَاجِبِ بِرَدِّ غَيرِهِ وَ جْهَانِ. وَ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَوَازِ فِي حِكايةِ الْأَذَانِ و ما فِي مَعْنَاهُ مَعْنَاهُ الْأَعَمُّ، لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا يسْتَوِي ظَرْفَاهُ، وَ الْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الِاسْتِحْبَابُ، لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا تَقَعُ إلَّا رَاجِحَةً و أن وَقَعَتْ مَكرُوهَةً، فَكيفَ إذَا انْتَفَتْ الْكرَاهَةُ

الفصل الثاني في الغسل

اشاره

(وَمُوجِبُهُ) سِتَّةٌ (الْجَنَابَةُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (وَالْحَيضُ وَ الِاسْتِحَاضَةُ مَعَ غَمْسِ الْقُطْنَةِ)، سَوَاءٌ سَالَ عَنْهَا أَمْ لَا، لِأَنَّهُ مُوجِبٌ حِينَئِذٍ

فِي الْجُمْلَةِ (وَالنِّفَاسُ، وَ مَسُّ الْمَيتِ النَّجِسِ) فِي حَالِ كوْنِهِ (آدَمِيا) فَخَرَجَ الشَّهِيدُ وَ الْمَعْصُومُ، و من تَمَّ غُسْلُهُ الصَّحِيحُ و أن كانَ مُتَقَدِّمًا عَلَي الْمَوْتِ، كمَنْ قَدَّمَهُ لِيقْتَلَ فَقُتِلَ بِالسَّبَبِ الَّذِي اغْتَسَلَ لَهُ، وَ خَرَجَ بِالْآدَمِي غَيرُهُ مِنْ الْمَيتَاتِ الْحَيوَانِيةِ فَإِنَّهَا و أن كانَتْ نَجِسَةً إلَّا أَنَّ مَسَّهَا لَا يوجِبُ غُسْلًا، بَلْ هِي كغَيرِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ، وَ قِيلَ: يجِبُ غَسْلُ مَا مَسَّهَا و أن لَمْ يكنْ بِرُطُوبَةٍ (وَالْمَوْتُ) الْمَعْهُودُ شَرْعًا و هو مَوْتُ الْمُسْلِمِ و من بِحُكمِهِ غَيرَ الشَّهِيدِ.

الجنابة

(وَمُوجِبُ الْجَنَابَةِ) شَيئَانِ: أَحَدُهُمَا (الْإِنْزَالُ) لِلْمَنِي يقَظَةً وَ نَوْمًا (وَ) الثَّانِي (غَيبُوبَةُ الْحَشَفَةِ) و ما فِي حُكمِهَا كقَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا (قُبُلًا أَوْ دُبُرًا) مِنْ آدَمِي و غيرهِ، حَيا وَ مَيتًا، فَاعِلًا وَ قَابِلًا، (أَنْزَلَ) الْمَاءَ (أَوْ لَا). وَ مَتَي حَصَلَتْ الْجَنَابَةُ لِمُكلَّفٍ بِأَحَدِ الْأَمْرَينِ تَعَلَّقَتْ بِهِ الْأَحْكامُ الْمَذْكورَةُ (فَيحْرُمُ عَلَيهِ قِرَاءَةُ الْعَزَائِمِ) الْأَرْبَعِ وَ أَبْعَاضِهَا حَتَّي الْبَسْمَلَةِ.

وَ بَعْضِهَا إذَا قَصَدَهَا لِأَحَدِهَا.

(وَاللُّبْثُ فِي الْمَسَاجِدِ) مُطْلَقًا، (وَالْجَوَازُ فِي الْمَسْجِدَينِ) الْأَعْظَمَينِ بِمَكةَ وَ الْمَدِينَةِ، (وَوَضْعُ شَيءٍ فِيهَا) أَي فِي الْمَسَاجِدِ مُطْلَقًا، و أن لَمْ يسْتَلْزِمْ الْوَضْعُ اللُّبْثَ بَلْ لَوْ طَرَحَهُ مِنْ خَارِجٍ، وَ يجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهَا.

(وَمَسُّ خَطِّ الْمُصْحَفِ) و هو كلِمَاتُهُ وَ حُرُوفُهُ الْمُفْرَدَةُ، و ما قَامَ مَقَامَهَا كالشَّدَّةِ وَ الْهَمْزَةِ، بِجُزْءٍ مِنْ بَدَنِهِ تُحِلُّهُ الْحَياةُ.

(أَوْ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَي) مُطْلَقًا، (أَوْ اسْمِ النَّبِي، أَوْ أَحَدِ الْأَئِمَّةِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ) الْمَقْصُودِ بِالْكتَابَةِ، و لو عَلَي دِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ فِي الْمَشْهُورِ. وَ يكرَهُ لَهُ الْأَكلُ وَ الشُّرْبُ حَتَّي يتَمَضْمَضَ وَ يسْتَنْشِقَ)، أَوْ يتَوَضَّأَ، فَإِنْ أَكلَ قَبْلَ ذَلِك خِيفَ عَلَيهِ الْبَرَصُ، وَ رُوِي أَنَّهُ يورِثُ الْفَقْرَ، وَ يتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْأَكلِ وَ الشُّرْبِ مَعَ التَّرَاخِي عَادَةً، لَا مَعَ الِاتِّصَالِ.

(وَالنَّوْمُ إلَّا بَعْدَ

الْوُضُوءِ)، وَ غَايتُهُ هُنَا إيقَاعُ النَّوْمِ عَلَي الْوَجْهِ الْكامِلِ، و هو غَيرُ مُبِيحٍ، إمَّا لِأَنَّ غَايتَهُ الْحَدَثُ أَوْ لِأَنَّ الْمُبِيحَ لِلْجُنُبِ هُوَ الْغُسْلُ خَاصَّةً.

(وَالْخِضَابُ) بِحِنَّاءٍ و غيرهِ.

وَ كذَا يكرَهُ لَهُ أَنْ يجْنِبَ و هو مُخْتَضِبٌ.

(وَقِرَاءَةُ مَا زَادَ عَلَي سَبْعِ آياتٍ) فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ جَنَابَتِهِ و هل يصْدُقُ الْعَدَدُ بِالْآيةِ الْمُكرَّرَةِ سَبْعًا؟ وَجْهَانِ، (وَالْجَوَازُ فِي الْمَسَاجِدِ) غَيرِ الْمَسْجِدَينِ، بِأَنْ يكونَ لِلْمَسْجِدِ بَابَانِ فَيدْخُلُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَ يخْرُجُ مِنْ الْآخَرِ، وَ فِي صِدْقِهِ بِالْوَاحِدَةِ مِنْ غَيرِ مُكثٍ وَجْهٌ.

نَعَمْ لَيسَ لَهُ التَّرَدُّدُ فِي جَوَانِبِهِ بِحَيثُ يخْرُجُ عَنْ الْمُجْتَازِ. (وَوَاجِبُهُ النِّيةُ) و هي الْقَصْدُ إلَي فِعْلِهِ مُتَقَرِّبًا وَ فِي اعْتِبَارِ الْوُجُوبِ وَ الِاسْتِبَاحَةِ، أَوْ الرَّفْعِ مَا مَرَّ.

(مُقَارِنَةً) لِجُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ و منه الرَّقَبَةُ إنْ كانَ مُرَتَّبًا، وَ لِجُزْءٍ مِنْ الْبَدَنِ إنْ كانَ مُرْتَمِسًا، بِحَيثُ يتْبَعُهُ الْبَاقِي به غير مُهْلَةٍ.

(وَغَسْلُ الرَّأْسِ وَ الرَّقَبَةِ) أَوَّلًا وَ لَا تَرْتِيبَ بَينَهُمَا، لِأَنَّهُمَا فِيهِ عُضْوٌ وَاحِدٌ، وَ لَا تَرْتِيبَ فِي نَفْسِ أَعْضَاءِ الْغُسْلِ، بَلْ بَينَهَا كأَعْضَاءِ مَسْحِ الْوُضُوءِ، بِخِلَافِ أَعْضَاءِ غُسْلِهِ فَإِنَّهُ فِيهَا وَ بَينَهَا (ثُمَّ) غَسْلُ الْجَانِبِ (الْأَيمَنِ ثُمَّ الْأَيسَرِ) كمَا وَصَفْنَاهُ، وَ الْعَوْرَةُ تَابِعَةٌ لِلْجَانِبَينِ، وَ يجِبُ إدْخَالُ جُزْءٍ مِنْ حُدُودِ كلِّ عُضْوٍ مِنْ بَابِ الْمُقَدَّمَةِ كالْوُضُوءِ.

(وَتَخْلِيلُ مَانِعِ وُصُولِ الْمَاءِ) إلَي الْبَشَرَةِ، بِأَنْ يدْخِلَ الْمَاءَ خِلَالَهُ إلَي الْبَشَرَةِ عَلَي وَجْهِ الْغُسْلِ. (وَيسْتَحَبُّ الِاسْتِبْرَاءُ) لِلْمُنْزِلِ لَا لِمُطْلَقِ الْجُنُبِ بِالْبَوْلِ، لِيزِيلَ أَثَرَ الْمَنِي الْخَارِجِ، ثُمَّ بِالِاجْتِهَادِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ وَ فِي اسْتِحْبَابِهِ بِهِ لِلْمَرْأَةِ قَوْلٌ، فَتَسْتَبْرِئُ عَرَضًا، أَمَّا بِالْبَوْلِ فَلَا، لِاخْتِلَافِ الْمَخْرَجَينِ.

(وَالْمَضْمَضَةُ وَ الِاسْتِنْشَاقُ) كمَا مَرَّ (بَعْدَ غَسْلِ الْيدَينِ ثَلَاثًا) مِنْ الزَّنْدَينِ، وَ عَلَيهِ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي وَ قِيلَ مِنْ الْمِرْفَقَينِ، وَ اخْتَارَهُ فِي النَّفْلِيةِ وَ أَطْلَقَ فِي غَيرِهِمَا كمَا هُنَا، وَ كلَاهُمَا

مُؤَدٍّ لِلسُّنَّةِ و أن كانَ الثَّانِي أَوْلَي.

(وَالْمُوَالَاةُ) بَينَ الْأَعْضَاءِ، بِحَيثُ كلَّمَا فَرَغَ مِنْ عُضْوٍ شَرَعَ فِي الْآخَرِ، وَ فِي غَسْلِ نَفْسِ الْعُضْوِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ إلَي الْخَيرِ، وَ التَّحَفُّظِ مِنْ طَرَيانِ الْمُفْسِدِ وَ لَا تَجِبُ فِي الْمَشْهُورِ إلَّا لِعَارِضٍ، كضِيقِ وَقْتِ الْعِبَادَةِ الْمَشْرُوطَةِ بِهِ، وَ خَوْفِ فَجْأَةِ الْحَدَثِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ، وَ نَحْوِهَا.

وَ قَدْ تَجِبُ بِالنَّذْرِ لِأَنَّهُ رَاجِحٌ.

(وَنَقْضُ الْمَرْأَةِ الضَّفَائِرَ) جَمْعُ ضَفِيرَةٍ، و هي الْعَقِيصَةُ الْمَجْدُولَةُ مِنْ الشَّعْرِ، وَ خَصَّ الْمَرْأَةَ لِأَنَّهَا مَوْرِدُ النَّصِّ، وَ إِلَّا فَالرَّجُلُ كذَلِك، لِأَنَّ الْوَاجِبَ غَسْلُ الْبَشَرَةِ دُونَ الشَّعْرِ، و إنّما اُسْتُحِبَّ النَّقْضُ لِلِاسْتِظْهَارِ، وَ النَّصِّ.

(وَتَثْلِيثُ الْغُسْلِ) لِكلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْبَدَنِ الثَّلَاثَةِ، بِأَنْ يغْسِلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. (وَفِعْلُهُ) أَي الْغُسْلِ بِجَمِيعِ سُنَنِهِ، الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ تَثْلِيثُهُ (بِصَاعٍ) لَا أَزْيدَ.

وَ قَدْ رُوِي عَنْ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ قَالَ: { الْوُضُوءُ بِمُدٍّ، وَ الْغُسْلُ بِصَاعٍ، وَ سَيأْتِي أَقْوَامٌ بَعْدِي يسْتَقِلُّونَ ذَلِك فَأُولَئِك عَلَي خِلَافِ سُنَّتِي، وَ الثَّابِتُ عَلَي سُنَّتِي مَعِي فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ }. (وَلَوْ وَجَدَ) الْمُجْنِبُ بِالْإِنْزَالِ (بَلَلًا) مُشْتَبَهًا (بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ) بِالْبَوْلِ أَوْ الِاجْتِهَادِ مَعَ تَعَذُّرِهِ (لَمْ يلْتَفِتْ، وَبِدُونِهِ) أَي بِدُونِ الِاسْتِبْرَاءِ بِأَحَدِ الْأَمْرَينِ (يغْتَسِلُ).

وَ لَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْبَوْلِ مِنْ دُونِ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَهُ وَجَبَ الْوُضُوءُ خَاصَّةً، أَمَّا الِاجْتِهَادُ بِدُونِ الْبَوْلِ مَعَ إمْكانِهِ فَلَا حُكمَ لَهُ. (وَالصَّلَاةُ السَّابِقَةُ) عَلَي خُرُوجِ الْبَلَلِ الْمَذْكورِ (صَحِيحَةٌ)، لِارْتِفَاعِ حُكمِ السَّابِقِ، وَ الْخَارِجُ حَدَثٌ جَدِيدٌ و أن كانَ قَدْ خَرَجَ عَنْ مَحَلِّهِ إلَي مَحَلٍّ آخَرَ.

وَ فِي حُكمِهِ مَا لَوْ أَحَسَّ بِخُرُوجِهِ فَأَمْسَك عَلَيهِ فَصَلَّي ثُمَّ أَطْلَقَهُ. (وَيسْقُطُ التَّرْتِيبُ) بَينَ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ (بِالِارْتِمَاسِ) و هو غَسْلُ الْبَدَنِ أَجْمَعَ دُفْعَةً وَاحِدَةً عُرْفِيةً، وَ كذَا مَا أَشْبَهَهُ كالْوُقُوفِ تَحْتَ الْمَجَارِي [الْمَجْرَي] وَ الْمَطَرِ الْغَزِيرَينِ لِأَنَّ الْبَدَنَ يصِيرُ بِهِ

عُضْوًا وَاحِدًا. (وَيعَادُ) غُسْلُ الْجَنَابَةِ (بِالْحَدَثِ) الْأَصْغَرِ (فِي أَثْنَائِهِ عَلَي الْأَقْوَي) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَ جَمَاعَةٍ، وَ قِيلَ لَا أَثَرَ لَهُ مُطْلَقًا، وَ فِي ثَالِثٍ يوجِبُ الْوُضُوءَ خَاصَّةً، و هو الْأَقْرَبُ.

وَ قَدْ حَقَّقْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِك بِرِسَالَةٍ مُفْرَدَةٍ. أَمَّا غَيرُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ مِنْ الْأَغْسَالِ فَيكفِي إتْمَامُهُ مَعَ الْوُضُوءِ قَطْعًا، وَ رُبَّمَا خَرَّجَ بَعْضُهُمْ بُطْلَانَهُ كالْجَنَابَةِ، و هو ضَعِيفٌ جِدًّا.

الحيض

(وَأَمَّا الْحَيضُ - فَهُوَ مَا) أَي الدَّمُ الَّذِي (تَرَاهُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ) إكمَالِهَا (تِسْعَ) سِنِينَ هِلَالِيةٍ، (وَقَبْلَ) إكمَالِ (سِتِّينَ) سَنَةً (إنْ كانَتْ الْمَرْأَةُ قُرَيشِيةً) و هي الْمُنْتَسِبَةُ بِالْأَبِ إلَي النَّضْرِ بْنِ كنَانَةَ و هي أَعَمُّ مِنْ الْهَاشِمِيةِ، فَمَنْ عُلِمَ انْتِسَابُهَا إلَي قُرَيشٍ بِالْأَبِ لَزِمَهَا حُكمُهَا، وَ إِلَّا فَالْأَصْلُ عَدَمُ كوْنِهَا مِنْهَا، (أَوْ نَبَطِيةً) مَنْسُوبَةً إلَي النَّبَطِ، وَ هُمْ عَلَي مَا ذَكرَهُ الْجَوْهَرِي - قَوْمٌ ينْزِلُونَ الْبَطَائِحَ بَينَ الْعِرَاقَينِ، وَ الْحُكمُ فِيهَا مَشْهُورٌ، وَ مُسْتَنَدُهُ غَيرُ مَعْلُومٍ، وَ اعْتَرَفَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ وُقُوفِهِ فِيهَا عَلَي نَصٍّ، وَ الْأَصْلُ يقْتَضِي كوْنَهَا كغَيرِهَا، (وَإِلَّا) يكنْ كذَلِك (فَالْخَمْسُونَ) سَنَةً مُطْلَقًا غَايةُ إمْكانِ حَيضِهَا.

(وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيامٍ مُتَوَالِيةٍ) فَلَا يكفِي كوْنُهَا فِي جُمْلَةِ عَشْرَةٍ عَلَي الْأَصَحِّ.

(وَأَكثَرُهُ عَشْرَةُ) أَيامٍ، فَمَا زَادَ عَنْهَا لَيسَ بِحَيضٍ إجْمَاعًا (وَهُوَ أَسْوَدُ، أَوْ أَحْمَرُ حَارٌّ لَهُ دَفْعٌ) وَ قُوَّةٌ عِنْدَ خُرُوجِهِ (غَالِبًا) قُيدَ بِالْغَالِبِ لِينْدَرِجَ فِيهِ مَا أَمْكنَ كوْنُهُ حَيضًا، فَإِنَّهُ يحْكمُ بِهِ و أن لَمْ يكنْ كذَلِك كمَا نَبَّهَ عَلَيهِ بِقَوْلِهِ: (وَمَتَي أَمْكنَ كوْنُهُ) أَي الدَّمِ (حَيضًا) بِحَسَبِ حَالِ الْمَرْأَةِ بِأَنْ تَكونَ بَالِغَةً غَيرَ يائِسَةٍ، وَ مُدَّتُهُ بِأَنْ لَا ينْقُصَ عَنْ ثَلَاثَةٍ وَ لَا يزِيدَ عَنْ عَشْرَةٍ، وَ دَوَامُهُ كتَوَالِي الثَّلَاثَةِ، وَ وَصْفُهُ كالْقَوِي مَعَ التَّمْييزِ، وَ مَحَلُّهُ كالْجَانِبِ إنْ اعْتَبَرْنَاهُ، وَ نَحْوُ ذَلِك (حُكمَ بِهِ).

وَ إِنَّمَا يعْتَبَرُ الْإِمْكانُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ

فِيمَا يتَوَقَّفُ عَلَيهِ كأَيامِ الِاسْتِظْهَارِ فَإِنَّ الدَّمَ فِيهَا يمْكنُ كوْنُهُ حَيضًا، إلَّا أَنَّ الْحُكمَ بِهِ مَوْقُوفٌ عَلَي عَدَمِ عُبُورِ الْعَشَرَةِ، و مثله الْقَوْلُ فِي أَوَّلِ رُؤْيتِهِ مَعَ انْقِطَاعِهِ قَبْلَ الثَّلَاثَةِ. (وَلَوْ تَجَاوَزَ) الدَّمُ (الْعَشَرَةَ فَذَاتُ الْعَادَةِ الْحَاصِلَةِ بِاسْتِوَاءِ) الدَّمِ (مَرَّتَينِ) أَخْذًا وَ انْقِطَاعًا، سَوَاءٌ أَكانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، بِأَنْ رَأَتْ فِي أَوَّلِ شَهْرَينِ سَبْعَةً مَثَلًا، أَمْ فِي وَقْتَينِ كأَنْ رَأَتْ السَّبْعَةَ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ وَ آخِرِهِ، فَإِنَّ السَّبْعَةَ تَصِيرُ عَادَةً وَقْتِيةً وَ عَدَدِيةً فِي الْأَوَّلِ، وَ عَدَدِيةً فِي الثَّانِي، فَإِذَا تَجَاوَزَ عَشْرَةً (تَأْخُذُهَا) أَي: الْعَادَةَ فَتَجْعَلُهَا حَيضًا.

وَ الْفَرْقُ بَينَ الْعَادَتَينِ الِاتِّفَاقُ عَلَي تَحَيضِ الْأُولَي بِرُؤْيةِ الدَّمِ، وَ الْخِلَافُ فِي الثَّانِيةِ فَقِيلَ: إنَّهَا فِيهِ كالْمُضْطَرِبَةِ لَا تَتَحَيضُ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةٍ وَ الْأَقْوَي أَنَّهَا كالْأُولَي.

وَ لَوْ اعْتَادَتْ وَقْتًا خَاصًّا - بِأَنْ رَأَتْ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ سَبْعَةً، وَ فِي أَوَّلِ آخَرَ ثَمَانِيةً، فَهِي مُضْطَرِبَةُ الْعَدَدِ لَا تَرْجِعُ إلَيهِ عِنْدَ التَّجَاوُزِ، و أن أَفَادَ الْوَقْتُ تَحَيضَهَا بِرُؤْيتِهِ فِيهِ بَعْدَ ذَلِك كالْأُولَي و أن لَمْ نُجِزْ ذَلِك لِلْمُضْطَرِبَةِ.

(وَذَاتُ التَّمْييزِ) و هي الَّتِي تَرَي الدَّمَ نَوْعَينِ أَوْ أَنْوَاعًا (تَأْخُذُهُ) بِأَنْ تَجْعَلَ الْقَوِي حَيضًا، وَ الضَّعِيفَ اسْتِحَاضَةً (بِشَرْطِ عَدَمِ تَجَاوُزِ حَدَّيهِ) قِلَّةً وَ كثْرَةً، وَ عَدَمِ قُصُورِ الضَّعِيفِ، و ما يضَافُ إلَيهِ مِنْ أَيامِ النَّقَاءِ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَ تُعْتَبَرُ الْقُوَّةُ بِثَلَاثَةٍ: " اللَّوْنِ " فَالْأَسْوَدُ قَوِي الْأَحْمَرِ، و هو قَوِي الْأَشْقَرِ، و هو قَوِي الْأَصْفَرِ، و هو قَوِي الْأَكدَرِ.

وَ " الرَّائِحَةِ " فَذُو الرَّائِحَةِ الْكرِيهَةِ قَوِي مَا لَا رَائِحَةَ لَهُ، و ما لَهُ رَائِحَةٌ أَضْعَفُ وَ " الْقَوَامِ " فَالثَّخِينُ قَوِي الرَّقِيقِ، وَ ذُو الثَّلَاثِ قَوِي ذِي الِاثْنَينِ، و هو قَوِي ذِي الْوَاحِدِ، و هو قَوِي الْعَادِمِ.

وَ لَوْ اسْتَوَي الْعَدَدُ و

أن كانَ مُخْتَلِفًا فَلَا تَمْييزَ (وَ) حُكمُ (الرُّجُوعِ)، إلَي التَّمْييزِ ثَابِتٌ (فِي الْمُبْتَدَأَةِ) بِكسْرِ الدَّالِ وَ فَتْحِهَا، و هي مَنْ لَمْ يسْتَقِرَّ لَهَا عَادَةٌ، إمَّا لِابْتِدَائِهَا، أَوْ بَعْدَهُ مَعَ اخْتِلَافِهِ عَدَدًا وَ وَقْتًا. (وَالْمُضْطَرِبَةُ) و هي مَنْ نَسِيتْ عَادَتَهَا وَقْتًا، أَوْ عَدَدًا، أَوْ مَعًا.

وَ رُبَّمَا أُطْلِقَتْ عَلَي ذَلِك و علي مَنْ تَكرَّرَ لَهَا الدَّمُ مَعَ عَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْعَادَةِ وَ تَخْتَصُّ الْمُبْتَدَأَةُ عَلَي هَذَا بِمَنْ رَأَتْهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَ تَظْهَرُ فَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ فِي رُجُوعِ ذَاتِ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْمُبْتَدَأَةِ إلَي عَادَةِ أَهْلِهَا وَ عَدَمِهِ. (وَمَعَ فَقْدِهِ) أَي فَقْدِ التَّمْييزِ بِأَنْ اتَّحَدَ الدَّمُ الْمُتَجَاوِزُ لَوْنًا وَ صِفَةً، أَوْ اخْتَلَفَ و لم تَحْصُلْ شُرُوطُهُ (تَأْخُذُ الْمُبْتَدَأَةُ عَادَةَ أَهْلِهَا) وَ أَقَارِبِهَا مِنْ الطَّرَفَينِ، أَوْ أَحَدِهِمَا كالْأُخْتِ وَ الْعَمَّةِ وَ الْخَالَةِ وَ بَنَاتِهِنَّ، (فَإِنْ اخْتَلَفْنَ) فِي الْعَادَةِ و أن غَلَبَ بَعْضُهُنَّ (فَأَقْرَانُهَا) وَ هُنَّ مَنْ قَارَبَهَا فِي السِّنِّ عَادَةً.

وَ اعْتَبَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كتُبِهِ الثَّلَاثَةِ فِيهِنَّ و في الأَهْلِ اتِّحَادَ الْبَلَدِ لِاخْتِلَافِ الْأَمْزِجَةِ بِاخْتِلَافِهِ، وَ اعْتَبَرَ فِي الذِّكرَي أَيضًا الرُّجُوعَ إلَي الْأَكثَرِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ و هو أَجْوَدُ، و إنّما اُعْتُبِرَ فِي الْأَقْرَانِ الْفِقْدَانُ دُونَ الْأَهْلِ لِإِمْكانِهِ فِيهِنَّ دُونَهُنَّ، إذْ لَا أَقَلَّ مِنْ الْأُمِّ لَكنْ قَدْ يتَّفِقُ الْفِقْدَانُ بِمَوْتِهِنَّ وَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِعَادَتِهِنَّ، فَلِذَا عَبَّرَ فِي غَيرِهِ بِالْفِقْدَانِ، وَ الِاخْتِلَافُ فِيهِمَا.

(فَإِنْ فَقَدْنَ) الْأَقْرَانَ، (أَوْ اخْتَلَفْنَ فَكالْمُضْطَرِبَةِ فِي) الرُّجُوعِ إلَي الرِّوَاياتِ، و هي (أَخْذُ عَشْرَةِ) أَيامٍ (مِنْ شَهْرٍ، وَ ثَلَاثَةٍ مِنْ آخَرَ) مُخَيرَةً فِي الِابْتِدَاءِ بِمَا شَاءَتْ مِنْهُمَا، (أَوْ سَبْعَةٍ سَبْعَةٍ) مِنْ كلِّ شَهْرٍ، أَوْ سِتَّةٍ سِتَّةٍ مُخَيرَةً فِي ذَلِك، و أن كانَ الْأَفْضَلُ لَهَا اخْتِيارُ مَا يوَافِقُ مِزَاجَهَا مِنْهَا، فَتَأْخُذُ ذَاتُ الْمِزَاجِ الْحَارِّ السَّبْعَةَ، وَ الْبَارِدِ السِّتَّةَ، وَ الْمُتَوَسِّطِ

الثَّلَاثَةَ وَ الْعَشَرَةَ، وَ تُتَخَيرُ فِي وَضْعِ مَا اخْتَارَتْهُ حَيثُ شَاءَتْ مِنْ أَيامِ الدَّمِ، و أن كانَ الْأَوْلَي الْأَوَّلَ، وَ لَا اعْتِرَاضَ لِلزَّوْجِ فِي ذَلِك.

هَذَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَتَأْخُذُ مَا يوَافِقُهُ وَقْتًا.

وَ هَذَا إذَا نَسِيتْ الْمُضْطَرِبَةُ الْوَقْتَ وَ الْعَدَدَ مَعًا، أَمَّا لَوْ نَسِيتْ أَحَدَهُمَا خَاصَّةً، فَإِنْ كانَ الْوَقْتَ؛ أَخَذَتْ الْعَدَدَ كالرِّوَاياتِ، أَوْ الْعَدَدَ جَعَلَتْ مَا تَيقَّنَ مِنْ الْوَقْتِ حَيضًا أَوَّلًا، أَوْآخِرًا، أَوْ مَا بَينَهُمَا وَ أَكمَلَتْهُ بِإِحْدَي الرِّوَاياتِ عَلَي وَجْهٍ يطَابِقُ، فَإِنْ ذَكرَتْ أَوَّلَهُ أَكمَلَتْهُ ثَلَاثَةً مُتَيقِّنَةً وَ أَكمَلَتْهُ بِعَدَدٍ مَرْوِي، أَوْ آخِرَهُ تَحَيضَتْ بِيوْمَينِ قَبْلَهُ مُتَيقِّنَةً وَ قَبْلَهُمَا تَمَامُ الرِّوَايةِ، أَوْ وَسَطُهُ الْمَحْفُوفُ بِمُتَسَاوِيينِ، و أنّه يوْمٌ حَفَّتْهُ بِيوْمَينِ وَ اخْتَارَتْ رِوَايةَ السَّبْعَةِ لِتُطَابِقَ الْوَسَطَ، أَوْ يوْمَانِ حَفَّتْهُمَا بِمِثْلِهِمَا، فَتَيقَّنَتْ أَرْبَعَةً وَ اخْتَارَتْ رِوَايةَ السِّتَّةِ فَتَجْعَلُ قَبْلَ الْمُتَيقَّنِ يوْمًا وَ بَعْدَهُ يوْمًا، أَوْ الْوَسَطُ بِمَعْنَي الْأَثْنَاءِ مُطْلَقًا حَفَّتْهُ بِيوْمَينِ مُتَيقِّنَةً، وَ أَكمَلَتْهُ بِإِحْدَي الرِّوَاياتِ مُتَقَدِّمَةً أَوْ مُتَأَخِّرَةً أَوْ بِالتَّفْرِيقِ.

وَ لَا فَرْقَ هُنَا بَينَ تَيقُّنِ يوْمٍ وَ أَزْيدَ، و لو ذَكرَتْ عَدَدًا فِي الْجُمْلَةِ فَهُوَ الْمُتَيقَّنُ خَاصَّةً، وَ أَكمَلَتْهُ بِإِحْدَي الرِّوَاياتِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بِالتَّفْرِيقِ، وَ لَا احْتِياطَ لَهَا بِالْجَمْعِ بَينَ التَّكلِيفَاتِ عِنْدَنَا، و أن جَازَ فِعْلُهُ. (وَيحْرُمُ عَلَيهَا) أَي عَلَي الْحَائِضِ مُطْلَقًا (الصَّلَاةُ) وَاجِبَةً وَ مَنْدُوبَةً.

(وَالصَّوْمُ وَ تَقْضِيهِ) دُونَهَا، وَ الْفَارِقُ النَّصُّ، لَا مَشَقَّتُهَا بِتَكرُّرِهَا وَ لَا غَيرُ ذَلِك.

(وَالطَّوَافُ) الْوَاجِبُ وَ الْمَنْدُوبُ و أن لَمْ يشْتَرَطْ فِيهِ الطَّهَارَةُ لِتَحْرِيمِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا عَلَيهَا (وَمَسُّ) كتَابَةِ (الْقُرْآنِ) وَ فِي مَعْنَاهُ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَي، وَ أَسْمَاءُ الْأَنْبِياءِ وَ الْأَئِمَّةِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ كمَا تَقَدَّمَ (وَيكرَهُ حَمْلُهُ) و لو بِالْعِلَاقَةِ (وَلَمْسُ هَامِشِهِ) و بين سُطُورِهِ (كالْجُنُبِ). (وَيحْرُمُ) عَلَيهَا (اللُّبْثُ فِي الْمَسَاجِدِ) غَيرِ الْحَرَمَينِ، وَ فِيهِمَا

يحْرُمُ الدُّخُولُ مُطْلَقًا كمَا مَرَّ، وَ كذَا يحْرُمُ عَلَيهَا وَ ضْعُ شَيءٍ فِيهَا كالْجُنُبِ، (وَقِرَاءَةُ الْعَزَائِمِ) وَ أَبْعَاضِهَا (وَطَلَاقُهَا) مَعَ حُضُورِ الزَّوْجِ أَوْ حُكمِهِ وَ دُخُولُهُ بِهَا وَ كوْنُهَا حَايلًا، وَ إِلَّا صَحَّ و إنّما أَطْلَقَ لِتَحْرِيمِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَ مَحَلُّ التَّفْصِيلِ بَابُ الطَّلَاقِ، و أن اُعْتِيدَ هُنَا إجْمَالًا (وَوَطْؤُهَا قُبُلًا عَامِدًا عَالِمًا فَتَجِبُ الْكفَّارَةُ) لَوْ فَعَلَ (احْتِياطًا) لَا وُجُوبًا عَلَي الْأَقْوَي، وَ لَا كفَّارَةَ عَلَيهَا مُطْلَقًا، وَ الْكفَّارَةُ (بِدِينَارٍ) أَي مِثْقَالِ ذَهَبٍ خَالِصٍ مَضْرُوبٍ (فِي الثُّلُثِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ نِصْفُهُ فِي الثُّلُثِ الثَّانِي، ثُمَّ رُبُعُهُ فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ) وَ يخْتَلِفُ ذَلِك بِاخْتِلَافِ الْعَادَةِ و ما فِي حُكمِهَا مِنْ التَّمَيزِ وَ الرِّوَاياتِ، فَالْأَوَّلَانِ أَوَّلٌ لِذَاتِ السِّتَّةِ، وَ الْوَسَطَانِ وَسَطٌ وَ الْأَخِيرَانِ آخِرُ، و هكذا وَ مَصْرِفُهَا مُسْتَحِقُّ الْكفَّارَةِ، وَ لَا يعْتَبَرُ فِيهِ التَّعَدُّدُ. (وَيكرَهُ لَهَا قِرَاءَةُ بَاقِي الْقُرْآنِ) غَيرِ الْعَزَائِمِ مِنْ غَيرِ اسْتِثْنَاءٍ لِلسَّبْعِ (وَكذَا) يكرَهُ لَهُ (الِاسْتِمْتَاعُ به غير الْقُبُلِ) مِمَّا بَينَ السُّرَّةِ وَ الرُّكبَةِ، وَ يكرَهُ لَهَا إعَانَتُهُ عَلَيهِ إلَّا أَنْ يطْلُبَهُ فَتَنْتَفِي الْكرَاهَةُ عَنْهَا لِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ.

وَ يظْهَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ كرَاهَةُ الِاسْتِمْتَاعِ به غير الْقُبُلِ مُطْلَقًا، وَ الْمَعْرُوفُ مَا ذَكرْنَاهُ. (وَيسْتَحَبُّ) لَهَا (الْجُلُوسُ فِي مُصَلَّاهَا) إنْ كانَ لَهَا مَحَلٌّ مُعَدٌّ لَهَا وَ إِلَّا فَحَيثُ شَاءَتْ (بَعْدَ الْوُضُوءِ) الْمَنْوِي بِهِ التَّقَرُّبُ دُونَ الِاسْتِبَاحَةِ (وَتَذْكرُ اللَّهَ تَعَالَي بِقَدْرِ الصَّلَاةِ) لِبَقَاءِ التَّمْرِينِ عَلَي الْعِبَادَةِ، فَإِنَّ الْخَيرَ عَادَةٌ (وَيكرَهُ لَهَا الْخِضَابُ) بِالْحِنَّاءِ و غيرهِ كالْجُنُبِ، (وَتَتْرُك ذَاتُ الْعَادَةِ) الْمُسْتَقِرَّةِ وَقْتًا وَ عَدَدًا أَوْ وَقْتًا خَاصًّا (الْعِبَادَةَ) الْمَشْرُوطَةَ بِالطَّهَارَةِ (بِرُؤْيةِ الدَّمِ).

أَمَّا ذَاتُ الْعَادَةِ الْعَدَدِيةِ خَاصَّةً، فَهِي كالْمُضْطَرِبَةِ فِي ذَلِك كمَا سَلَف (وَغَيرِهَا) مِنْ الْمُبْتَدَأَةِ وَ الْمُضْطَرِبَةِ (بَعْدَ ثَلَاثَةِ) أَيامٍ احْتِياطًا، وَ الْأَقْوَي جَوَازُ تَرْكهِمَا بِرُؤْيتِهِ أَيضًا خُصُوصًا إذَا ظَنَّتَا

حَيضًا، و هو اخْتِيارُهُ فِي الذِّكرَي، وَ اقْتَصَرَ فِي الْكتَابَينِ عَلَي الْجَوَازِ مَعَ ظَنِّهِ خَاصَّةً. (وَيكرَهُ وَ طْؤُهَا) قُبُلًا (بَعْدَ الِانْقِطَاعِ قَبْلَ الْغُسْلِ عَلَي الْأَظْهَرِ) خِلَافًا لِلصَّدُوقِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيثُ حَرَّمَهُ، وَ مُسْتَنَدُ الْقَوْلَينِ الْأَخْبَارُ الْمُخْتَلِفَةُ ظَاهِرًا، وَ الْحَمْلُ عَلَي الْكرَاهَةِ طَرِيقُ الْجَمْعِ، وَ الْآيةُ ظَاهِرَةٌ فِي التَّحْرِيمِ قَابِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ.

(وَتَقْضِي كلَّ صَلَاةٍ تَمَكنَتْ مَنْ فِعْلِهَا قَبْلَهُ) بِأَنْ مَضَي مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ مِقْدَارُ فِعْلِهَا وَ فِعْلِ مَا يعْتَبَرُ فِيهَا مِمَّا لَيسَ بِحَاصِلٍ لَهَا طَاهِرَةً، (أَوْ فِعْلُ رَكعَةٍ مَعَ الطَّهَارَةِ) و غيرهَا مِنْ الشَّرَائِطِ الْمَفْقُودَةِ (بَعْدَهُ).

الاستحاضة

(وَأَمَّا الِاسْتِحَاضَةُ - فَهِي مَا) أَي الدَّمُ الْخَارِجُ مَنْ الرَّحِمِ الَّذِي (زَادَ عَلَي الْعَشَرَةِ) مُطْلَقًا (أَوْ الْعَادَةِ مُسْتَمِرًّا) إلَي أَنْ يتَجَاوَزَ الْعَشَرَةَ، فَيكونَ تَجَاوُزُهَا كاشِفًا عَنْ كوْنِ السَّابِقِ عَلَيهَا بَعْدَ الْعَادَةِ اسْتِحَاضَةً (أَوْ بَعْدَ الْيأْسِ) بِبُلُوغِ الْخَمْسِينَ أَوْ السِّتِّينَ عَلَي التَّفْصِيلِ (أَوْ بَعْدَ النِّفَاسِ) كالْمَوْجُودِ بَعْدَ الْعَشَرَةِ أَوْ فِيهَا بَعْدَ أَيامِ الْعَادَةِ مَعَ تَجَاوُزِ الْعَشَرَةِ، إذَا لَمْ يتَخَلَّلْهُ نَقَاءُ أَقَلِّ الطُّهْرِ أَوْ يصَادِفْ أَيامَ الْعَادَةِ فِي الْحَيضِ، بَعْدَ مُضِي عَشْرَةٍ فَصَاعِدًا مِنْ أَيامِ النِّفَاسِ، أَوْ يحْصُلُ فِيهِ تَمْييزٌ بِشَرَائِطِهِ.

(وَدَمُهَا) أَي الِاسْتِحَاضَةِ (أَصْفَرُ بَارِدٌ رَقِيقٌ فَاتِرٌ) أَي يخْرُجُ بِتَثَاقُلٍ وَ فُتُورٍ لَا بِدَفْعٍ (غَالِبًا)، وَ مُقَابِلُ الْغَالِبِ مَا تَجِدُهُ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكورِ فَإِنَّهُ يحْكمُ بِكوْنِهِ اسْتِحَاضَةً، و أن كانَ بِصِفَةِ دَمِ الْحَيضِ لِعَدَمِ إمْكانِهِ. ثُمَّ الِاسْتِحَاضَةُ تَنْقَسِمُ إلَي قَلِيلَةٍ وَ كثِيرَةٍ وَ مُتَوَسِّطَةٍ: لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ لَا تَغْمِسَ الْقُطْنَةَ أَجْمَعَ ظَاهِرًا وَ بَاطِنًا، أَوْ تَغْمِسَهَا كذَلِك وَ لَا تَسِيلَ عَنْهَا بِنَفْسِهِ إلَي غَيرِهَا، أَوْ تَسِيلَ عَنْهَا إلَي الْخِرْقَةِ، (فَإِنْ لَمْ تَغْمِسْ الْقُطْنَةَ تَتَوَضَّأُ لِكلِّ صَلَاةٍ مَعَ تَغْييرِهَا) الْقُطْنَةَ لِعَدَمِ الْعَفْوِ عَنْ هَذَا الدَّمِ مُطْلَقًا وَ غُسْلِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْفَرْجِ عِنْدَ

الْجُلُوسِ عَلَي الْقَدَمَينِ، و إنّما تَرَكهُ لِأَنَّهُ إزَالَةُ خَبَثٍ قَدْ عُلِمَ مِمَّا سَلَفَ (وَمَا يغْمِسُهَا به غير سَيلٍ تَزِيدُ) عَلَي مَا ذُكرَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَي (الْغُسْلَ لِلصُّبْحِ) إنْ كانَ الْغَمْسُ قَبْلَهَا، و لو كانَتْ صَائِمَةً قَدَّمَتْهُ عَلَي الْفَجْرِ، وَ اجْتَزَأَتْ بِهِ لِلصَّلَاةِ، و لو تَأَخَّرَ الْغَمْسُ عَنْ الصَّلَاةِ فَكالْأَوَّلِ (وَمَا يسِيلُ) يجِبُ لَهُ جَمِيعُ مَا وَجَبَ فِي الْحَالَتَينِ وَ تَزِيدُ عَلَيهِمَا (أَنَّهَا تَغْتَسِلُ أَيضًا لِلظُّهْرَينِ) تَجْمَعُ بَينَهُمَا (ثُمَّ الْعِشَاءَينِ) كذَلِك (وَتَغْييرُ الْخِرْقَةِ فِيهِمَا) أَي فِي الْحَالَتَينِ الْوُسْطَي وَ الْأَخِيرَةِ، لِأَنَّ الْغَمْسَ يوجِبُ رُطُوبَةَ مَا لَاصَقَ الْخِرْقَةَ مِنْ الْقُطْنَةِ، و أن لَمْ يسِلْ إلَيهَا فَتَنْجَسُ، وَ مَعَ السَّيلَانِ وَاضِحٌ، وَ فِي حُكمِ تَغْييرِهَا تَطْهِيرُهَا.

وَ إِنَّمَا يجِبُ الْغُسْلُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، مَعَ وُجُودِ الدَّمِ الْمُوجِبِ لَهُ قَبْلَ فِعْلِ الصَّلَاةِ، و أن كانَ فِي غَيرِ وَقْتِهَا، إذَا لَمْ تَكنْ قَدْ اغْتَسَلَتْ لَهُ بَعْدَهُ كمَا يدُلُّ عَلَيهِ خَبَرُ الصِّحَافِ وَ رُبَّمَا قِيلَ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَ لَا شَاهِدَ لَهُ.

النفاس

(وَأَمَّا النِّفَاسُ) - بِكسْرِ النُّونِ (فَدَمُ الْوِلَادَةِ مَعَهَا) بِأَنْ يقَارِنَ خُرُوجَ جُزْءٍ و أن كانَ مُنْفَصِلًا، مِمَّا يعَدُّ آدَمِيا أَوْ مَبْدَأَ نُشُوءِ آدَمِي، و أن كانَ مُضْغَةً مَعَ الْيقِينِ.

أَمَّا الْعَلَقَةُ - و هي الْقِطْعَةُ مِنْ الدَّمِ الْغَلِيظِ - فَإِنْ فُرِضَ الْعِلْمُ بِكوْنِهَا مَبْدَأَ نُشُوءِ إنْسَانٍ، كانَ دَمُهَا نِفَاسًا إلَّا أَنَّهُ بَعِيدٌ (أَوْ بَعْدَهَا) بِأَنْ يخْرُجَ الدَّمُ بَعْدَ خُرُوجِهِ أَجْمَعُ.

وَ لَوْ تَعَدَّدَ الْجُزْءُ مُنْفَصِلًا أَوْ الْوَلَدُ، فَلِكلٍّ نِفَاسٌ و أن اتَّصَلَا، وَ يتَدَاخَلُ مِنْهُ مَا اتَّفَقَا فِيهِ.

وَ احْتُرِزَ بِالْقَيدَينِ عَمَّا يخْرُجُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَلَا يكونُ نِفَاسًا، بَلْ اسْتِحَاضَةً إلَّا مَعَ إمْكانِ كوْنِهِ حَيضًا.

(وَأَقَلُّهُ مُسَمَّاهُ) و هو وُجُودُهُ فِي لَحْظَةٍ، فَيجِبُ الْغُسْلُ بِانْقِطَاعِهِ بَعْدَهَا، و لو لَمْ تَرَ دَمًا فَلَا نِفَاسَ عِنْدَنَا (وَأَكثَرُهُ

قَدْرُ الْعَادَةِ فِي الْحَيضِ) لِلْمُعْتَادَةِ عَلَي تَقْدِيرِ تَجَاوُزِ الْعَشَرَةِ، وَ إِلَّا فَالْجَمِيعُ نِفَاسٌ، و أن تَجَاوَزَهَا كالْحَيضِ (فَإِنْ لَمْ تَكنْ) لَهَا عَادَةٌ (فَالْعَشْرَةُ) أَكثَرُهُ (عَلَي الْمَشْهُورِ).

وَ إِنَّمَا يحْكمُ بِهِ نِفَاسًا فِي أَيامِ الْعَادَةِ، وَ فِي مَجْمُوعِ الْعَشَرَةِ مَعَ وُجُودِهِ فِيهِمَا أَوْ فِي طَرَفَيهِمَا.

أَمَّا لَوْ رَأَتْهُ فِي أَحَدِ الطَّرَفَينِ خَاصَّةً، أَوْ فِيهِ و في الوَسَطِ فَلَا نِفَاسَ لَهَا فِي الْخَالِي عَنْهُ مُتَقَدِّمًا وَ مُتَأَخِّرًا، بَلْ فِي وَقْتِ الدَّمِ أَوْ الدَّمَينِ فَصَاعِدًا و ما بَينَهُمَا، فَلَوْ رَأَتْ أَوَّلَهُ لَحْظَةً وَ آخِرَ السَّبْعَةِ لِمُعْتَادَتِهَا فَالْجَمِيعُ نِفَاسٌ، و لو رَأَتْهُ آخِرَهَا خَاصَّةً فَهُوَ النِّفَاسُ، و مثله رُؤْيةُ الْمُبْتَدَأَةِ وَ الْمُضْطَرِبَةِ فِي الْعَشَرَةِ، بَلْ الْمُعْتَادَةُ عَلَي تَقْدِيرِ انْقِطَاعِهِ عَلَيهَا، و لو تَجَاوَزَ فَمَا وُجِدَ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ، و ما قَبْلَهُ إلَي زَمَانِ الرُّؤْيةِ نِفَاسٌ خَاصَّةً.

كمَا لَوْ رَأَتْ رَابِعَ الْوِلَادَةِ مَثَلًا وَ سَابِعَهَا لِمُعْتَادَتِهَا وَ اسْتَمَرَّ إلَي أَنْ تَجَاوَزَ الْعَشَرَةَ، فَنِفَاسُهَا الْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ السَّبْعَةِ خَاصَّةً، و لو رَأَتْهُ فِي السَّابِعِ خَاصَّةً فَتَجَاوَزَهَا فَهُوَ النِّفَاسُ خَاصَّةً، و لو رَأَتْهُ مِنْ أَوَّلِهِ وَ السَّابِعَ وَ تَجَاوَزَ الْعَشَرَةَ - سَوَاءٌ كانَ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ أَمْ لَا - فَالْعَادَةُ خَاصَّةً نِفَاسٌ، و لو رَأَتْهُ أَوَّلًا وَ بَعْدَ الْعَادَةِ وَ تَجَاوَزَ، فَالْأَوَّلُ خَاصَّةً نِفَاسٌ، و علي هَذَا الْقِياسُ.

(وَحُكمُهَا كالْحَائِضِ) فِي الْأَحْكامِ الْوَاجِبَةِ وَ الْمَنْدُوبَةِ وَ الْمُحَرَّمَةِ وَ الْمَكرُوهَةِ، وَ تُفَارِقُهَا فِي الْأَقَلِّ وَ الْأَكثَرِ.

وَ الدَّلَالَةِ عَلَي الْبُلُوغِ فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْحَائِضِ لِسَبْقِ دَلَالَةِ النِّفَاسِ بِالْحَمْلِ وَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْحَيضِ دُونَ النِّفَاسِ غَالِبًا، وَ رُجُوعِ الْحَائِضِ إلَي عَادَتِهَا وَ عَادَةِ نِسَائِهَا، وَ الرِّوَاياتُ وَ التَّمْييزُ دُونَهَا، وَ يخْتَصُّ النِّفَاسُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ أَقَلِّ الطُّهْرِ بَينَ النِّفَاسَينِ كالتَّوْأَمَينِ، بِخِلَافِ الْحَيضَتَينِ.

(وَيجِبُ الْوُضُوءُ مَعَ غُسْلِهِنَّ) مُتَقَدِّمًا عَلَيهِ أَوْ مُتَأَخِّرًا (وَيسْتَحَبُّ قَبْلَهُ) وَ

تُتَخَيرُ فِيهِ بَينَ نِيةِ الِاسْتِبَاحَةِ وَ الرَّفْعِ مُطْلَقًا عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ إذَا وَقَعَ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ.

مس الميت

(وَأَمَّا غُسْلُ الْمَسِّ) لِلْمَيتِ الْآدَمِي النَّجِسِ (فَبَعْدَ الْبَرْدِ وَ قَبْلَ التَّطْهِيرِ) بِتَمَامِ الْغُسْلِ، فَلَا غُسْلَ بِمَسِّهِ قَبْلَ الْبَرْدِ وَ بَعْدَ الْمَوْتِ.

وَ فِي وُجُوبِ غَسْلِ الْعُضْوِ اللَّامِسِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا ذَلِك خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ وَ كذَا لَا غُسْلَ بِمَسِّهِ بَعْدَ الْغُسْلِ، وَ فِي وُجُوبِهِ بِمَسِّ عُضْوٍ كمُلَ غُسْلُهُ قَوْلَانِ: اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ عَدَمَهُ.

وَ فِي حُكمِ الْمَيتِ جُزْؤُهُ الْمُشْتَمِلُ عَلَي عَظْمٍ وَ الْمُبَانُ مِنْهُ مِنْ حَي وَ الْعَظْمُ الْمُجَرَّدُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، اسْتِنَادًا إلَي دَوَرَانِ الْغُسْلِ مَعَهُ وُجُودًا وَ عَدَمًا، و هو ضَعِيفٌ (وَيجِبُ فِيهِ) أَي فِي غُسْلِ الْمَسِّ (الْوُضُوءُ) قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، كغَيرِهِ مِنْ أَغْسَالِ الْحَي غَيرِ الْجَنَابَةِ.

وَ " فِي " فِي قَوْلِهِ: " فِيهِ " لِلْمُصَاحَبَةِ كقَوْلِهِ تَعَالَي: { اُدْخُلُوا فِي أُمَمٍ } وَ { فَخَرَجَ عَلَي قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ } إنْ عَادَ ضَمِيرُهُ إلَي الْغُسْلِ، و أن عَادَ إلَي الْمَسِّ فَسَبَبِيةٌ.

القول في أحكام الأموات

القول في أحكام الأموات:

الاحتضار

الْقَوْلُ فِي أَحْكامِ الْأَمْوَاتِ - و هي خَمْسَةٌ) الْأَوَّلُ - (الِاحْتِضَارُ) و هو السَّوْقُ، أَعَانَنَا اللَّهُ عَلَيهِ، وَ ثَبَّتَنَا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ لَدَيهِ سُمِّي بِهِ لِحُضُورِ الْمَوْتِ أَوْ الْمَلَائِكةِ الْمُوَكلَةِ بِهِ، أَوْ إخْوَانِهِ وَ أَهْلِهِ عِنْدَهُ.

(وَيجِبُ) كفَايةً (تَوْجِيهُهُ) أَي الْمُحْتَضَرُ الْمَدْلُولِ عَلَيهِ بِالْمَصْدَرِ (إلَي الْقِبْلَةِ) فِي الْمَشْهُورِ بِأَنْ يجْعَلَ عَلَي ظَهْرِهِ، وَ يجْعَلَ بَاطِنُ قَدَمَيهِ إلَيهَا (بِحَيثُ لَوْ جَلَسَ اسْتَقْبَلَ) وَ لَا فَرْقَ فِي ذَلِك بَينَ الصَّغِيرِ وَ الْكبِيرِ، وَ لَا يخْتَصُّ الْوُجُوبُ بِوَلِيهِ، بَلْ بِمَنْ عَلِمَ بِاحْتِضَارِهِ و أن تُؤُكدَ فِيهِ و في الحَاضِرِينَ.

(وَيسْتَحَبُّ نَقْلُهُ إلَي مُصَلَّاهُ) و هو مَا كانَ أَعَدَّهُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ أَوْ عَلَيهِ، إنْ تَعَسَّرَ عَلَيهِ الْمَوْتُ وَ اشْتَدَّ بِهِ النَّزْعُ كمَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَ

قَيدَهُ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي غَيرِهِ (وَتَلْقِينُهُ الشَّهَادَتَينِ وَ الْإِقْرَارَ بِالْأَئِمَّةِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ) وَ الْمُرَادُ بِالتَّلْقِينِ التَّفْهِيمُ، يقَالُ، " غُلَامٌ لَقِنٌ " أَي سَرِيعُ الْفَهْمِ فَيعْتَبَرُ إفْهَامُهُ ذَلِك، وَ ينْبَغِي لِلْمَرِيضِ مُتَابَعَتُهُ بِاللِّسَانِ وَ الْقَلْبِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اللِّسَانُ اقْتَصَرَ عَلَي الْقَلْبِ.

(وَكلِمَاتِ الْفَرَجِ) وَ هِي ، " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكرِيمُ " إلَي قَوْلِهِ " وَ سَلَامٌ عَلَي الْمُرْسَلِينَ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ".

وَ ينْبَغِي أَنْ يجْعَلَ خَاتِمَةَ تَلْقِينِهِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ "، فَمَنْ كانَ آخِرُ كلَامِهِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " دَخَلَ الْجَنَّةَ (وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ) قَبْلَ خُرُوجِ رُوحِهِ وَ بَعْدَهُ لِلْبَرَكةِ، وَ الِاسْتِدْفَاعِ خُصُوصًا يس وَ الصَّافَّاتِ قَبْلَهُ لِتَعْجِيلِ رَاحَتِهِ.

(وَالْمِصْبَاحُ إنْ مَاتَ لَيلًا) فِي الْمَشْهُورِ، وَ لَا شَاهِدَ لَهُ بِخُصُوصِهِ، وَ رُوِي ضَعِيفًا دَوَامُ الْإِسْرَاجِ.

(وَلْتُغْمَضْ عَينَاهُ) بَعْدَ مَوْتِهِ مُعَجَّلًا، لِئَلَّا يقْبُحَ مَنْظَرُهُ.) وَ يطَبَّقُ فُوهُ) كذَلِك، وَ كذَا يسْتَحَبُّ شَدُّ لَحْييهِ بِعِصَابَةٍ لِئَلَّا يسْتَرْخِي (وَتُمَدُّ، يدَاهُ إلَي جَنْبَيهِ) وَ سَاقَاهُ إنْ كانَتَا مُنْقَبِضَتَينِ، لِيكونَ أَطَوْعَ لِلْغُسْلِ وَ أَسْهَلَ لِلدَّرْجِ فِي الْكفَنِ.

(وَيغَطَّي بِثَوْبٍ) لِلتَّأَسِّي، وَ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّتْرِ وَ الصِّيانَةِ.

(وَيعَجَّلُ تَجْهِيزُهُ) فَإِنَّهُ مِنْ إكرَامِهِ (إلَّا مَعَ الِاشْتِبَاهِ) فَلَا يجُوزُ التَّعْجِيلُ فَضْلًا عَنْ رُجْحَانِهِ (فَيصْبَرُ عَلَيهِ ثَلَاثَةَ أَيامٍ) إلَّا أَنْ يعْلَمَ قَبْلَهَا لِتَغَيرٍ و غيرهِ مِنْ أَمَارَاتِ الْمَوْتِ، كانْخِسَافِ صُدْغَيهِ وَ مَيلِ أَنْفِهِ، وَ امْتِدَادِ جِلْدَةِ وَجْهِهِ، وَ انْخِلَاعِ كفِّهِ مِنْ ذِرَاعِهِ، وَ اسْتِرْخَاءِ قَدَمَيهِ، وَ تَقَلُّصِ أُنْثَييهِ إلَي فَوْقٍ مَعَ تَدَلِّي الْجِلْدَةِ.

(وَيكرَهُ حُضُورُ الْجُنُبِ وَ الْحَائِضِ عِنْدَهُ) لِتَأَذِّي الْمَلَائِكةِ بِهِمَا، وَ غَايةُ الْكرَاهَةِ تَحَقُّقُ الْمَوْتِ، وَ انْصِرَافُ الْمَلَائِكةِ (وَطَرْحُ حَدِيدٍ عَلَي بَطْنِهِ) فِي الْمَشْهُورِ، وَ لَا شَاهِدَ لَهُ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَ لَا كرَاهَةَ فِي وَضْعِ غَيرِهِ لِلْأَصْلِ، وَ قِيلَ

يكرَهُ أَيضًا.

الغسل

(الثَّانِي - الْغُسْلُ) (وَيجِبُ تَغْسِيلُ كلِّ) مَيتٍ (مُسْلِمٍ أَوْ بِحُكمِهِ) كالطِّفْلِ وَ الْمَجْنُونِ الْمُتَوَلِّدَينِ مِنْ مُسْلِمٍ، وَ لَقِيطِ دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ دَارِ الْكفْرِ وَ فِيهَا مُسْلِمٌ يمْكنْ تَوَلُّدُهُ مِنْهُ، وَ الْمَسْبِي بِيدِ الْمُسْلِمِ عَلَي الْقَوْلِ بِتَبَعِيتِهِ فِي الْإِسْلَامِ، كمَا هُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ و أن كانَ الْمَسْبِي وَلَدَ زِنًا و في المُتَخَلِّقِ مِنْ مَاءِ الزَّانِي الْمُسْلِمِ نَظَرٌ مِنْ انْتِفَاءِ التَّبَعِيةِ شَرْعًا، و من تَوَلُّدِهِ مِنْهُ حَقِيقَةً وَ كوْنِهِ وَلَدًا لُغَةً فَيتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ كمَا يحْرُمُ نِكاحُهُ.

وَ يسْتَثْنَي مِنْ الْمُسْلِمِ مَنْ حُكمَ بِكفْرِهِ مِنْ الْفِرَقِ كالْخَارِجِي وَ النَّاصِبِي وَ الْمُجَسِّمِ، و إنّما تَرَك اسْتِثْنَاءَهُ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ حَقِيقَةً و أن أُطْلِقَ عَلَيهِ ظَاهِرًا.

وَ يدْخُلُ فِي حُكمِ الْمُسْلِمِ الطِّفْلُ (وَلَوْ سِقْطًا إذَا كانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ) و لو كانَ دُونَهَا لُفَّ فِي خِرْقَةٍ وَ دُفِنَ به غير غُسْلٍ (بِالسِّدْرِ) أَي بِمَاءٍ مُصَاحِبٍ لِشَيءٍ مِنْ السِّدْرِ وَ أَقَلُّهُ مَا يطْلَقُ عَلَيهِ اسْمُهُ، وَ أَكثَرُهُ أَنْ لَا يخْرُجَ بِهِ الْمَاءُ عَنْ الْإِطْلَاقِ، فِي الْغَسْلَةِ الْأُولَي (ثُمَّ) بِمَاءٍ مُصَاحِبٍ لِشَيءٍ مِنْ (الْكافُورِ) كذَلِك (ثُمَّ) يغَسَّلُ ثَالِثًا بِالْمَاءِ (الْقَرَاحِ) و هو الْمُطْلَقُ الْخَالِصُ مِنْ الْخَلِيطِ، بِمَعْنَي كوْنِهِ غَيرَ مُعْتَبَرٍ فِيهِ لَا أَنَّ سَلْبَهُ عَنْهُ مُعْتَبَرٌ و إنّما الْمُعْتَبَرُ كوْنُهُ مَاءً مُطْلَقًا.

وَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَغْسَالِ (كالْجَنَابَةِ) يبْدَأُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَ رَقَبَتِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ بِمَيامِنِهِ، ثُمَّ مَياسِرِهِ، أَوْ يغْمِسُهُ فِي الْمَاءِ دُفْعَةً وَاحِدَةً عُرْفِيةً، (مُقْتَرِنًا) فِي أَوَّلِهِ (بِالنِّيةِ) وَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ - و هو الَّذِي صَرَّحَ بِهِ فِي غَيرِهِ - الِاكتِفَاءُ بِنِيةٍ وَاحِدَةٍ لِلْأَغْسَالِ الثَّلَاثَةِ، وَ الْأَجْوَدُ التَّعَدُّدُ بِتَعَدُّدِهَا ثُمَّ إنْ اتَّحَدَ الْغَاسِلُ تَوَلَّي هُوَ النِّيةَ، وَ لَا تُجْزِي مِنْ غَيرِهِ، و أن تَعَدَّدَ وَ اشْتَرَكوا فِي الصَّبِّ نَوَوْا جَمِيعًا، و

لو كانَ الْبَعْضُ يصُبُّ وَ الْآخَرُ يقَلِّبُ نَوَي الصَّابُّ لِأَنَّهُ الْغَاسِلُ حَقِيقَةً، وَ اسْتُحِبَّ مِنْ الْآخَرِ.

وَ اكتَفَي الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي بِهَا مِنْهُ أَيضًا.

وَ لَوْ تَرَتَّبُوا بِأَنْ غَسَّلَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْضًا - اُعْتُبِرَتْ مِنْ كلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ ابْتِدَاءِ فِعْلِهِ.

(وَالْأَوْلَي بِمِيرَاثِهِ أَوْلَي بِأَحْكامِهِ)، بِمَعْنَي أَنَّ الْوَارِثَ أَوْلَي مِمَّنْ لَيسَ بِوَارِثٍ و أن كانَ قَرِيبًا، ثُمَّ إنْ اتَّحَدَ الْوَارِثُ اخْتَصَّ، و أن تَعَدَّدَ فَالذَّكرُ أَوْلَي مِنْ الْأُنْثَي، وَ الْمُكلَّفُ مِنْ غَيرِهِ، وَ الْأَبُ مِنْ الْوَلَدِ وَ الْجَدِّ.

(وَالزَّوْجُ أَوْلَي) بِزَوْجَتِهِ (مُطْلَقًا) فِي جَمِيعِ أَحْكامِ الْمَيتِ، وَ لَا فَرْقَ بَينَ الدَّائِمِ وَ الْمُنْقَطِعِ (وَيجِبُ الْمُسَاوَاةُ) بَينَ الْغَاسِلِ وَ الْمَيتِ (فِي الرُّجُولِيةِ وَ الْأُنُوثِيةِ) فَإِذَا كانَ الْوَلِي مُخَالِفًا لِلْمَيتِ أَذِنَ لِلْمُمَاثِلِ لَا أَنَّ وِلَايتَهُ تَسْقُطُ، إذْ لَا مُنَافَاةَ بَينَ الْأَوْلَوِيةِ وَ عَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ.

وَ قَيدَ بِالرُّجُولِيةِ لِئَلَّا يخْرُجَ تَغْسِيلُ كلٍّ مِنْ الرَّجُلِ وَ الْمَرْأَةِ ابْنَ ثَلَاثِ سِنِينَ وَ بِنْتَه، لِانْتِفَاءِ وَصْفِ الرُّجُولِيةِ فِي الْمُغَسَّلِ الصَّغِيرِ، وَ مَعَ ذَلِك لَا يخْلُو مِنْ الْقُصُورِ كمَا لَا يخْفَي.

وَ إِنَّمَا يعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ (فِي غَيرِ الزَّوْجَينِ) فَيجُوزُ لِكلٍّ مِنْهُمَا تَغْسِيلُ صَاحِبِهِ اخْتِيارًا، فَالزَّوْجُ بِالْوِلَايةِ، وَ الزَّوْجَةُ مَعَهَا أَوْ بِإِذْنِ الْوَلِي وَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِنْ وَرَاءِ الثِّيابِ و أن جَازَ النَّظَرُ وَ يغْتَفَرُ الْعَصْرُ هُنَا فِي الثَّوْبِ كمَا يغْتَفَرُ فِي الْخِرْقَةِ السَّاتِرَةِ لِلْعَوْرَةِ مُطْلَقًا، إجْرَاءً لَهُمَا مَجْرَي مَا لَا يمْكنُ عَصْرُهُ.

وَ لَا فَرْقَ فِي الزَّوْجَةِ بَينَ الْحُرَّةِ وَ الْأَمَةِ، وَ الْمَدْخُولِ بِهَا و غيرهَا، وَ الْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيةً زَوْجَةٌ، بِخِلَافِ الْبَائِنِ.

وَ لَا يقْدَحُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ فِي جَوَازِ التَّغْسِيلِ عِنْدَنَا، بَلْ لَوْ تَزَوَّجَتْ جَازَ لَهَا تَغْسِيلُهُ و أن بَعُدَ الْفَرْضُ، وَ كذَا يجُوزُ لِلرَّجُلِ تَغْسِيلُ مَمْلُوكتِهِ غَيرِ الْمُزَوَّجَةِ و أن كانَتْ أُمَّ وَلَدٍ، دُونَ الْمُكاتَبَةِ و أن كانَتْ مَشْرُوطَةً،

دُونَ الْعَكسِ لِزَوَالِ مِلْكهِ عَنْهَا، نَعَمْ لَوْ كانَتْ أُمَّ وَلَدٍ غَيرَ مَنْكوحَةٍ لِغَيرِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ جَازَ.

(وَمَعَ التَّعَذُّرِ) لِلْمُسَاوِي فِي الذُّكورَةِ وَ الْأُنُوثَةِ (فَالْمَحْرَمُ) و هو مَنْ يحْرُمُ نِكاحُهُ مُؤَبَّدًا بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، يغَسِّلُ مَحْرَمَهُ الَّذِي يزِيدُ سِنُّهُ عَنْ ثَلَاثِ سِنِينَ (مِنْ وَرَاءِ الثَّوْبِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْمَحْرَمُ وَ الْمُمَاثِلُ (فَالْكافِرُ) يغَسِّلُ الْمُسْلِمَ وَ الْكافِرَةُ تُغَسِّلُ الْمُسْلِمَةَ (بِتَعْلِيمِ الْمُسْلِمِ) عَلَي الْمَشْهُورِ.

وَ الْمُرَادُ هُنَا صُورَةُ الْغُسْلِ وَ لَا يعْتَبَرُ فِيهِ النِّيةُ، وَ يمْكنُ اعْتِبَارُ نِيةِ الْكافِرِ كمَا يعْتَبَرُ نِيتُهُ فِي الْعِتْقِ وَ نَفَاهُ الْمُحَقِّقُ فِي الْمُعْتَبَرِ لِضَعْفِ الْمُسْتَنَدِ وَ كوْنِهِ لَيسَ بِغُسْلٍ حَقِيقِي لِعَدَمِ النِّيةِ، وَ عُذْرُهُ وَاضِحٌ.

(وَيجُوزُ تَغْسِيلُ الرَّجُلِ ابْنَةَ ثَلَاثِ سِنِينَ مُجَرَّدَةً وَ كذَا الْمَرْأَةُ) يجُوزُ لَهَا تَغْسِيلُ ابْنِ ثَلَاثٍ مُجَرَّدًا و أن وُجِدَ الْمُمَاثِلُ، وَ مُنْتَهَي تَحْدِيدِ السِّنِّ الْمَوْتُ فَلَا اعْتِبَارَ بِمَا بَعْدَهُ و أن طَالَ، و بهذا يمْكنُ وُقُوعُ الْغُسْلِ لِوَلَدِ الثَّلَاثِ تَامَّةً مِنْ غَيرِ زِيادَةٍ.

فَلَا يرَدُّ مَا قِيلَ إنَّهُ يعْتَبَرُ نُقْصَانُهَا لِيقَعَ الْغُسْلُ قَبْلَ تَمَامِهَا. (وَالشَّهِيدُ) و هو الْمُسْلِمُ و من بِحُكمِهِ الْمَيتُ فِي مَعْرَكةِ قِتَالٍ أَمَرَ بِهِ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم أَوْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُمَا الْخَاصُّ.

وَ هُوَ فِي حِزْبِهِمَا بِسَبَبِهِ، أَوْ قُتِلَ فِي جِهَادٍ مَأْمُورٍ بِهِ حَالَ الْغَيبَةِ، كمَا لَوْ دَهَمَ عَلَي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يخَافُ مِنْهُ عَلَي بَيضَةِ الْإِسْلَامِ، فَاضْطُرُّوا إلَي جِهَادِهِمْ بِدُونِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، عَلَي خِلَافٍ فِي هَذَا الْقِسْمِ.

سُمِّي بِذَلِك لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ وَ الْجَنَّةِ (لَا يغَسَّلُ وَ لَا يكفَّنُ بَلْ يصَلَّي عَلَيهِ) وَ يدْفَنُ بِثِيابِهِ وَ دِمَائِهِ، وَ ينْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَ الْجُلُودُ كالْخُفَّينِ و أن أَصَابَهُمَا الدَّمُ.

وَ مَنْ خَرَجَ عَمَّا ذَكرْنَاهُ يجِبُ تَغْسِيلُهُ وَ تَكفِينُهُ و أن أُطْلِقَ عَلَيهِ اسْمُ الشَّهِيدِ

فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ، كالْمَطْعُونِ وَ الْمَبْطُونِ وَ الْغَرِيقِ، وَ الْمَهْدُومِ عَلَيهِ وَ النُّفَسَاءِ وَ الْمَقْتُولِ دُونَ مَالِهِ وَ أَهْلِهِ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ و غيرهِمْ.

(وَيجِبُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ) الْعَرَضِيةِ (عَنْ بَدَنِهِ أَوَّلًا) قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي غُسْلِهِ.

(وَيسْتَحَبُّ فَتْقُ قَمِيصِهِ) مِنْ الْوَارِثِ أَوْ مَنْ يأْذَنُ لَهُ (وَنَزْعُهُ مِنْ تَحْتِهِ) لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ النَّجَاسَةِ، وَ يجُوزُ غُسْلُهُ فِيهِ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ عِنْدَ الْأَكثَرِ، وَ يطْهُرُ بِطُهْرِهِ مِنْ غَيرِ عَصْرٍ، و علي تَقْدِيرِ نَزْعِهِ تُسْتَرُ عَوْرَتُهُ وُجُوبًا بِهِ أَوْ بِخِرْقَةٍ، و هو أَمْكنُ لِلْغُسْلِ إلَّا أَنْ يكونَ الْغَاسِلُ غَيرَ مُبْصِرٍ أَوْ وَاثِقًا مِنْ نَفْسِهِ بِكفِّ الْبَصَرِ فَيسْتَحَبُّ اسْتِظْهَارًا.

(وَتَغْسِيلُهُ عَلَي سَاجَةٍ) و هي لَوْحٌ مِنْ خَشَبٍ مَخْصُوصٍ وَ الْمُرَادُ وَضْعُهُ عَلَيهَا أَوْ عَلَي غَيرِهَا مِمَّا يؤَدِّي فَائِدَتَهَا، حِفْظًا لِجَسَدِهِ مِنْ التَّلَطُّخِ.

وَ لْيكنْ عَلَي مُرْتَفَعٍ وَ مَكانُ الرِّجْلَينِ مُنْحَدِرًا (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) و في الدُّرُوسِ يجِبُ الِاسْتِقْبَالُ بِهِ، وَ مَالَ إلَيهِ فِي الذِّكرَي، وَ اسْتَقْرَبَ عَدَمَهُ فِي الْبَيانِ (وَتَثْلِيثُ الْغَسَلَاتِ) بِأَنْ يغْسِلَ كلَّ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فِي كلِّ غَسْلَةٍ (وَغَسْلُ يدَيهِ) أَي يدَي الْمَيتِ إلَي نِصْفِ الذِّرَاعِ ثَلَاثًا (مَعَ كلِّ غَسْلَةٍ) وَ كذَا يسْتَحَبُّ غَسْلُ الْغَاسِلِ يدَيهِ مَعَ كلِّ غَسْلَةٍ إلَي الْمِرْفَقَينِ (وَمَسْحُ بَطْنِهِ فِي) الْغَسْلَتَينِ (الْأُولَيينِ) قَبْلَهُمَا تَحَفُّظًا مِنْ خُرُوجِ شَيءٍ بَعْدَ الْغُسْلِ لِعَدَمِ الْقُوَّةِ الْمَاسِكةِ، إلَّا الْحَامِلَ الَّتِي مَاتَ وَلَدُهَا، فَإِنَّهَا لَا تُمْسَحُ حَذَرًا مِنْ الْإِجْهَاضِ (وَتَنْشِيفُهُ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْغُسْلِ (بِثَوْبٍ) صَوْنًا لِلْكفَنِ مِنْ الْبَلَلِ (وَإِرْسَالُ الْمَاءِ فِي غَيرِ الْكنِيفِ) الْمُعَدِّ لِلنَّجَاسَةِ، وَ الْأَفْضَلُ أَنْ يجْعَلَ فِي حَفِيرَةٍ خَاصَّةٍ بِهِ (وَتَرْك رُكوبِهِ) بِأَنْ يجْعَلَهُ الْغَاسِلُ بَينَ رِجْلَيهِ (وَإِقْعَادُهُ وَ قَلْمُ ظُفُرِهِ وَ تَرْجِيلُ شَعْرِهِ) و هو تَسْرِيحُهُ، و لو فَعَلَ ذَلِك دُفِنَ مَا ينْفَصِلُ مِنْ شَعْرِهِ وَ ظُفْرِهِ مَعَهُ

وُجُوبًا.

الكفن

(الثَّالِثُ - الْكفَنُ) (وَالْوَاجِبُ مِنْهُ) ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ، (مِئْزَرٌ) بِكسْرِ الْمِيمِ ثُمَّ الْهَمْزَةُ السَّاكنَةُ، يسْتُرُ مَا بَينَ السُّرَّةِ وَ الرُّكبَةِ.

وَ يسْتَحَبُّ أَنْ يسْتُرَ مَا بَينَ صَدْرِهِ وَ قَدَمِهِ.

(وَقَمِيصٌ) يصِلُ إلَي نِصْفِ السَّاقِ، وَ إِلَي الْقَدَمِ أَفْضَلُ وَ يجْزِئُ مَكانَهُ ثَوْبٌ سَاتِرٌ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ عَلَي الْأَقْوَي (وَإِزَارٌ) بِكسْرِ الْهَمْزَةِ، و هو ثَوْبٌ شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ.

وَ يسْتَحَبُّ زِيادَتُهُ عَلَي ذَلِك طُولًا بِمَا يمْكنُ شَدُّهُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ وَ رِجْلَيهِ، وَ عَرْضًا بِحَيثُ يمْكنُ جَعْلُ أَحَدِ جَانِبَيهِ عَلَي الْآخَرِ.

وَ يرَاعَي فِي جِنْسِهَا الْقَصْدُ بِحَسَبِ حَالِ الْمَيتِ، فَلَا يجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَي الْأَدْوَنِ، و أن مَاكسَ الْوَارِثُ، أَوْ كانَ غَيرَ مُكلَّفٍ.

وَ يعْتَبَرُ فِي كلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يسْتُرَ الْبَدَنَ بِحَيثُ لَا يحْكي مَا تَحْتَهُ وَ كوْنُهُ مِنْ جِنْسِ مَا يصَلِّي فِيهِ الرَّجُلُ، وَ أَفْضَلُهُ الْقُطْنُ الْأَبْيضُ.

وَ فِي الْجِلْدِ وَجْهٌ بِالْمَنْعِ مَالَ إلَيهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيانِ وَ قَطَعَ بِهِ فِي الذِّكرَي، لِعَدَمِ فَهْمِهِ مِنْ إطْلَاقِ الثَّوْبِ وَ لِنَزْعِهِ عَنْ الشَّهِيدِ، و في الدُّرُوسِ اكتَفَي بِجَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهِ لِلرَّجُلِ كمَا ذَكرْنَاهُ.

هَذَا كلُّهُ (مَعَ الْقُدْرَةِ)، أَمَّا مَعَ الْعَجْزِ فَيجْزِي مِنْ الْعَدَدِ مَا أَمْكنَ و لو ثَوْبًا وَاحِدًا، و في الجِنْسِ يجْزِي كلُّ مُبَاحٍ لَكنْ يقَدَّمُ الْجِلْدُ عَلَي الْحَرِيرِ و هو عَلَي غَيرِ الْمَأْكولِ مِنْ وَبَرٍ وَ شَعْرٍ وَ جِلْدٍ، ثُمَّ النَّجِسُ وَ يحْتَمَلُ تَقْدِيمُهُ عَلَي الْحَرِيرِ و ما بَعْدَهُ، و علي غَيرِ الْمَأْكولِ خَاصَّةً، وَ الْمَنْعُ مِنْ غَيرِ جِلْدِ الْمَأْكولِ مُطْلَقًا.

(وَيسْتَحَبُّ) أَنْ يزَادَ لِلْمَيتِ (الْحِبَرَةُ) بِكسْرِ الْحَاءِ وَ فَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، و هو ثَوْبٌ يمَنِي، وَ كوْنُهَا عِبْرِيةً - بِكسْرِ الْعَينِ نِسْبَةً إلَي بَلَدٍ بِالْيمَنِ - حَمْرَاءَ، و لو تَعَذَّرَتْ الْأَوْصَافُ أَوْ بَعْضُهَا سَقَطَتْ، وَ اقْتَصَرَ عَلَي الْبَاقِي و لو لِفَافَةً بَدَلَهَا.

(وَالْعِمَامَةُ) لِلرَّجُلِ، وَ

قَدْرُهَا مَا يؤَدِّي هَيئَتَهَا الْمَطْلُوبَةَ شَرْعًا، بِأَنْ تَشْتَمِلَ عَلَي حَنَك وَ ذُؤَابَتَينِ مِنْ الْجَانِبَينِ تُلْقَيانِ عَلَي صَدْرِهِ، عَلَي خِلَافِ الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَتَا مِنْهُ هَذَا بِحَسَبِ الطُّولِ، و أمّا الْعَرْضُ فَيعْتَبَرُ فِيهِ إطْلَاقُ اسْمِهَا.

(وَالْخَامِسَةُ) و هي خِرْقَةٌ طُولُهَا ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ وَ نِصْفٌ فِي عَرْضِ نِصْفِ ذِرَاعٍ إلَي ذِرَاعٍ، يثْفَرُ بِهَا الْمَيتُ ذَكرًا أَوْ أُنْثَي، وَيلُفُّ بِالْبَاقِي حَقْوَيهِ وَ فَخِذَيهِ، إلَي حَيثُ تَنْتَهِي ثُمَّ يدْخَلُ طَرَفُهَا تَحْتَ الْجُزْءِ الَّذِي ينْتَهِي إلَيهِ، سُمِّيتْ خَامِسَةً نَظَرًا إلَي أَنَّهَا مُنْتَهَي عَدَدِ الْكفَنِ الْوَاجِبِ، و هو الثَّلَاثُ، وَ النَّدْبُ و هو الْحِبَرَةُ وَ الْخَامِسَةُ -، و أمّا الْعِمَامَةُ فَلَا تُعَدُّ مِنْ أَجْزَاءِ الْكفَنِ اصْطِلَاحًا و أن اُسْتُحِبَّتْ.

(وَلِلْمَرْأَةِ الْقِنَاعُ) يسْتَرُ بِهِ رَأْسُهَا (بَدَلًا عَنْ الْعِمَامَةِ) وَ يزَادُ عَنْهُ لَهَا (النَّمَطُ) و هو ثَوْبٌ مِنْ صُوفٍ فِيهِ خُطَطٌ تُخَالِفُ لَوْنَهُ، شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ فَوْقَ الْجَمِيعِ، وَ كذَا تُزَادُ عَنْهُ خِرْقَةٌ أُخْرَي يلَفُّ بِهَا ثَدْياهَا وَ تُشَدُّ إلَي ظَهْرِهَا عَلَي الْمَشْهُورِ.

وَ لَمْ يذْكرْهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَ لَا فِي الْبَيانِ وَ لَعَلَّهُ لِضَعْفِ الْمُسْتَنَدِ، فَإِنَّهُ خَبَرٌ مُرْسَلٌ مَقْطُوعٌ، وَ رَاوِيه سَهْلُ بْنُ زِيادٍ (وَيجِبُ إمْسَاسُ مَسَاجِدِهِ السَّبْعَةِ بِالْكافُورِ) وَ أَقَلُّهُ مُسَمَّاهُ عَلَي مُسَمَّاهَا.

(وَيسْتَحَبُّ كوْنُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَ ثُلُثًا) وَ دُونَهُ فِي الْفَضْلِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، وَ دُونَهُ مِثْقَالٌ وَ ثُلُثٌ، وَ دُونَهُ مِثْقَالٌ (وَوَضْعُ الْفَاضِلُ) مِنْهُ عَنْ الْمَسَاجِدِ (عَلَي صَدْرِهِ) لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ.

(وَكتَابَةُ اسْمِهِ و أنّه يشْهَدُ الشَّهَادَتَينِ، وَ أَسْمَاءَ الْأَئِمَّةِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ) بِالتُّرْبَةِ الْحُسَينِيةِ، ثُمَّ بِالتُّرَابِ الْأَبْيضِ (عَلَي الْعِمَامَةِ وَ الْقَمِيصِ وَ الْإِزَارِ وَ الْحِبَرَةِ.

وَ الْجَرِيدَتَينِ) الْمَعْمُولَتَينِ (مِنْ سَعْفِ النَّخْلِ) أَوْ مِنْ السِّدْرِ، أَوْ مِنْ الْخِلَافِ، أَوْ مِنْ الرُّمَّانِ (أَوْ) مِنْ (شَجَرٍ رَطْبٍ) مُرَتَّبًا فِي الْفَضْلِ كمَا ذُكرَ، يجْعَلُ إحْدَاهُمَا مِنْ جَانِبِهِ

الْأَيمَنِ، وَ الْأُخْرَي مِنْ الْأَيسَرِ (فَالْيمْنَي عِنْدَ التَّرْقُوَةِ) وَاحِدَةُ التَّرَاقِي، و هي الْعِظَامُ الْمُكتَنِفَةُ لِثُغْرَةِ النَّحْرِ (بَينَ الْقَمِيصِ وَ بَشَرَتِهِ، وَ الْأُخْرَي بَينَ الْقَمِيصِ وَ الْإِزَارِ مِنْ جَانِبِهِ الْأَيسَرِ)، فَوْقَ التَّرْقُوَةِ وَ لِتَكونَا خَضْرَاوَتَينِ لِيسْتَدْفَعَ عَنْهُ بِهِمَا الْعَذَابُ مَا دَامَتَا كذَلِك وَ الْمَشْهُورُ أَنَّ قَدْرَ كلِّ وَاحِدَةٍ طُولُ عَظْمِ ذِرَاعِ الْمَيتِ، ثُمَّ قَدْرُ شِبْرٍ، ثُمَّ أَرْبَعُ أَصَابِعَ.

وَ اعْلَمْ أَنَّ الْوَارِدَ فِي الْخَبَرِ مِنْ الْكتَابَةِ مَا رُوِي: أَنَّ الصَّادِقَ عَلَيهِ السَّلَامُ كتَبَ عَلَي حَاشِيةِ كفَنِ ابْنِهِ إسْمَاعِيلَ: " إسْمَاعِيلُ يشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ "، وَ زَادَ الْأَصْحَابُ الْبَاقِي كتَابَةً، وَ مَكتُوبًا عَلَيهِ، وَ مَكتُوبًا بِهِ لِلتَّبَرُّك، وَ لِأَنَّهُ خَيرٌ مَحْضٌ مَعَ ثُبُوتِ أَصْلِ الشَّرْعِيةِ و بهذا اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِيمَا يكتَبُ عَلَيهِ مِنْ أَقْطَاعِ الْكفَنِ.

وَ عَلَي مَا ذُكرَ لَا يخْتَصُّ الْحُكمُ بِالْمَذْكورِ بَلْ جَمِيعُ أَقْطَاعِ الْكفَنِ فِي ذَلِك سَوَاءٌ، بَلْ هِي أَوْلَي مِنْ الْجَرِيدَتَينِ، لِدُخُولِهَا فِي إطْلَاقِ النَّصِّ بِخِلَافِهِمَا.

(وَلْيخَطْ) الْكفَنُ إنْ احْتَاجَ إلَي الْخِياطَةِ (بِخُيوطِهِ) مُسْتَحَبًّا (وَلَا تُبَلُّ بِالرِّيقِ) عَلَي الْمَشْهُورِ فِيهِمَا، و لم نَقِفْ فِيهِمَا عَلَي أَثَرٍ.

(وَيكرَهُ الْأَكمَامُ الْمُبْتَدَأَةُ) لِلْقَمِيصِ، وَ احْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ كفِّنَ فِي قَمِيصِهِ، فَإِنَّهُ لَا كرَاهَةَ فِي كمِّهِ بَلْ تُقْطَعُ مِنْهُ الْأَزْرَارُ (وَقَطْعُ الْكفَنِ بِالْحَدِيدِ) قَالَ الشَّيخُ: سَمِعْنَاهُ مُذَاكرَةً مِنْ الشُّيوخِ، وَ عَلَيهِ كانَ عَمَلُهُمْ.

(وَجَعْلُ الْكافُورِ فِي سَمْعِهِ وَ بَصَرِهِ عَلَي الْأَشْهَرِ) خِلَافًا لِلصَّدُوقِ حَيثُ اسْتَحَبَّهُ اسْتِنَادًا إلَي رِوَايةٍ مُعَارَضَةٍ بِأَصَحَّ مِنْهَا وَ أَشْهَرَ.

(وَيسْتَحَبُّ اغْتِسَالُ الْغَاسِلِ قَبْلَ تَكفِينِهِ) غُسْلَ الْمَسِّ إنْ أَرَادَ هُوَ التَّكفِينَ (أَوْ الْوُضُوءُ) الَّذِي يجَامِعُ غُسْلَ الْمَسِّ لِلصَّلَاةِ، فَينْوِي فِيهِ الِاسْتِبَاحَةَ أَوْ الرَّفْعَ أَوْ إيقَاعَ التَّكفِين عَلَي الْوَجْهِ الْأَكمَلِ، فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْغَاياتِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَي الطَّهَارَةِ.

وَ لَوْ اضْطَرَّ لِخَوْفٍ عَلَي الْمَيتِ، أَوْ تَعَذَّرَتْ الطَّهَارَةُ غَسَلَ يدَيهِ

مِنْ الْمَنْكبَينِ ثَلَاثًا ثُمَّ كفَّنَهُ، و لو كفَّنَهُ غَيرُ الْغَاسِلِ فَالْأَقْرَبُ اسْتِحْبَابُ كوْنِهِ مُتَطَهِّرًا، لِفَحْوَي اغْتِسَالِ الْغَاسِلِ أَوْ وُضُوئِهِ

الصلاة عليه

(الرَّابِعُ - الصَّلَاةُ عَلَيهِ) (وَتَجِبُ) الصَّلَاةُ (عَلَي كلِّ مَنْ بَلَغَ) أَي أَكمَلَ (سِتًّا مِمَّنْ لَهُ حُكمُ الْإِسْلَامِ) مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكورَةِ فِي غُسْلِهِ، عَدَا الْفِرَقِ الْمَحْكومِ بِكفْرِهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (وَوَاجِبُهَا الْقِيامُ) مَعَ الْقُدْرَةِ، فَلَوْ عَجَزَ عَنْهُ صَلَّي بِحَسَبِ الْمُكنَةِ كالْيوْمِيةِ.

وَ هَلْ يسْقُطُ فَرْضُ الْكفَايةِ عَنْ الْقَادِرِ بِصَلَاةِ الْعَاجِزِ؟ نَظَرٌ: و من صِدْقِ الصَّلَاةِ الصَّحِيحَةِ عَلَيهِ، و من نَقْصِهَا عَنْهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَي الْكامِلَةِ، وَ تَوَقَّفَ فِي الذِّكرَي لِذَلِك.

(وَاسْتِقْبَالُ) الْمُصَلِّي (الْقِبْلَةَ، وَ جَعْلُ رَأْسِ الْمَيتِ إلَي يمِينِ الْمُصَلِّي) مُسْتَلْقِيا عَلَي ظَهْرِهِ بَينَ يدَيهِ، إلَّا أَنْ يكونَ مَأْمُومًا فَيكفِي كوْنُهُ بَينَ يدَي الْإِمَامِ وَ مُشَاهَدَتِهِ لَهُ، وَ تُغْتَفَرُ الْحَيلُولَةُ بِمَأْمُومٍ مِثْلِهِ، وَ عَدَمِ تَبَاعُدِهِ عَنْهُ بِالْمُعْتَدِّ بِهِ عُرْفًا، وَ فِي اعْتِبَارِ سَتْرِ عَوْرَةِ الْمُصَلِّي وَ طَهَارَتِهِ مَنْ الْخَبَثِ فِي ثَوْبِهِ وَ بَدَنِهِ وَ جْهَانِ.

(وَالنِّيةُ) الْمُشْتَمِلَةُ عَلَي قَصْدِ الْفِعْلِ، و هو الصَّلَاةُ عَلَي الْمَيتِ الْمُتَّحِدِ أَوْ الْمُتَعَدِّدِ، و أن لَمْ يعْرِفْهُ، حَتَّي لَوْ جَهِلَ ذُكورِيتَهُ وَ أُنُوثِيتَهُ، جَازَ تَذْكيرُ الضَّمِيرِ وَ تَأْنِيثُهُ مُؤَوَّلًا بِالْمَيتِ وَ الْجِنَازَةِ مُتَقَرِّبًا.

وَ فِي اعْتِبَارِ نِيةِ الْوَجْهِ مِنْ وُجُوبٍ وَ نَدْبٍ - كغَيرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ - قَوْلَانِ لِلْمُصَنِّفِ فِي الذِّكرَي مُقَارِنَةً لِلتَّكبِيرِ مُسْتَدَامَةَ الْحُكمِ إلَي آخِرِهَا.

(وَتَكبِيرَاتٌ خَمْسٌ) إحْدَاهَا تَكبِيرَةُ الْإِحْرَامِ فِي غَيرِ الْمُخَالِفِ (يتَشَهَّدُ الشَّهَادَتَينِ عَقِيبَ الْأُولَي، وَ يصَلِّي عَلَي النَّبِي وَ آلِهِ عَقِيبَ الثَّانِيةِ) وَ يسْتَحَبُّ أَنْ يضِيفَ إلَيهَا الصَّلَاةَ عَلَي بَاقِي الْأَنْبِياءِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ (وَيدْعُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ) بِأَي دُعَاءٍ اُتُّفِقَ و أن كانَ الْمَنْقُولُ أَفْضَلَ (عَقِيبَ الثَّالِثَةِ وَ) يدْعُوَ (لِلْمَيتِ) الْمُكلَّفِ الْمُؤْمِنِ (عَقِيبَ الرَّابِعَةِ، و في المُسْتَضْعَفِ) و هو الَّذِي لَا يعْرِفُ الْحَقَّ

وَ لَا يعَانِدُ فِيهِ وَ لَا يوَالِي أَحَدًا بِعَينِهِ (بِدُعَائِهِ) وَ هُوَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَك وَ قِهمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ". (وَيدْعُوَ) فِي الصَّلَاةِ (عَلَي الطِّفْلِ) الْمُتَوَلِّدِ مِنْ مُؤْمِنَينِ (لِأَبَوَيهِ) أَوْ مِنْ مُؤْمِنٍ لَهُ، و لو كانَا غَيرَ مُؤْمِنَينِ دَعَا عَقِيبَهَا بِمَا أَحَبَّ، وَ الظَّاهِرُ حِينَئِذٍ عَدَمُ وُجُوبِهِ أَصْلًا.

وَ الْمُرَادُ بِالطِّفْلِ غَيرُ الْبَالِغِ، و أن وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيهِ.

(وَالْمُنَافِقُ) و هو هُنَا الْمُخَالِفُ مُطْلَقًا (يقْتَصِرُ) فِي الصَّلَاةِ عَلَيهِ (عَلَي أَرْبَعِ) تَكبِيرَاتٍ (وَيلْعَنُهُ) عَقِيبَ الرَّابِعَةَ، وَ فِي وُجُوبِهِ وَجْهَانِ، وَ ظَاهِرُهُ هُنَا و في البَيانِ الْوُجُوبُ، وَ رُجِّحَ فِي الذِّكرَي وَ الدُّرُوسِ عَدَمُهُ.

وَ الْأَرْكانُ مِنْ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ سَبْعَةٌ أَوْ سِتَّةٌ: النِّيةُ، وَ الْقِيامُ لِلْقَادِرِ، وَ التَّكبِيرَاتُ (وَلَا يشْتَرَطُ فِيهَا الطَّهَارَةُ) مِنْ الْحَدَثِ إجْمَاعًا.

(وَلَا التَّسْلِيمُ) عِنْدَنَا، إجْمَاعًا، بَلْ لَا يشْرَعُ بِخُصُوصِهِ إلَّا مَعَ التَّقِيةِ، فَيجِبُ لَوْ تَوَقَّفَتْ عَلَيهِ. (وَيسْتَحَبُّ، إعْلَامُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ) أَي بِمَوْتِهِ لِيتَوَفَّرُوا عَلَي تَشْييعِهِ وَ تَجْهِيزِهِ، فَيكتَبُ لَهُمْ الْأَجْرُ و له الْمَغْفِرَةُ بِدُعَائِهِمْ، وَ لِيجْمَعَ فِيهِ بَينَ وَظِيفَتَي التَّعْجِيلِ وَ الْإِعْلَامِ، فَيعْلَمُ مِنْهُمْ مِنْ لَا ينَافِي التَّعْجِيلَ عُرْفًا، و لو اسْتَلْزَمَ الْمُثْلَةَ حَرُمَ.

(وَمَشْي الْمُشَيعِ خَلْفَهُ، أَوْ إلَي أَحَدِ جَانِبَيهِ) وَ يكرَهُ أَنْ يتَقَدَّمَهُ لِغَيرِ تَقِيةٍ (وَالتَّرْبِيعُ) و هو حَمْلُهُ بِأَرْبَعَةِ رِجَالٍ مِنْ جَوَانِبِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعَةِ كيفَ اُتُّفِقَ، وَ الْأَفْضَلُ التَّنَاوُبُ، وَ أَفْضَلُهُ أَنْ يبْدَأَ فِي الْحَمْلِ بِجَانِبِ السَّرِيرِ الْأَيمَنِ، و هو الَّذِي يلِي يسَارَ الْمَيتِ، فَيحْمِلُهُ بِكتِفِهِ الْأَيمَنِ، ثُمَّ ينْتَقِلُ إلَي مُؤَخِّرِهِ الْأَيمَنِ فَيحْمِلُهُ بِالْأَيمَنِ كذَلِك، ثُمَّ ينْتَقِلُ إلَي مُؤَخِّرِهِ الْأَيسَرِ، فَيحْمِلُهُ بِالْكتِفِ الْأَيسَرِ، ثُمَّ ينْتَقِلُ إلَي مُقَدَّمِهِ الْأَيسَرِ، فَيحْمِلُهُ بِالْكتِفِ الْأَيسَرِ كذَلِك.

(وَالدُّعَاءُ) حَالَ الْحَمْلِ بِقَوْلِهِ: " بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ

"، وَ عِنْدَ مُشَاهَدَتِهِ بِقَوْلِهِ: " اللَّهُ أَكبَرُ، هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ، اللَّهُمَّ زِدْنَا إيمَانًا وَ تَسْلِيمًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي تَعَزَّزَ بِالْقُدْرَةِ، وَ قَهَرَ الْعِبَادَ بِالْمَوْتِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يجْعَلْنِي مِنْ السَّوَادِ الْمُخْتَرَمِ "، و هو الْهَالِك مِنْ النَّاسِ عَلَي غَيرِ بَصِيرَةٍ، أَوْ مُطْلَقًا، إشَارَةً إلَي الرِّضَا بِالْوَاقِعِ كيف كانَ، وَ التَّفْوِيضِ إلَي اللَّهِ تَعَالَي بِحَسَبِ الْإِمْكانِ.

(وَالطَّهَارَةُ و لو تَيمُّمًا مَعَ) الْقُدْرَةِ عَلَي الْمَائِيةِ مَعَ (خَوْفِ الْفَوْتِ) وَ كذَا بِدُونِهِ عَلَي الْمَشْهُورِ (وَالْوُقُوفُ) أَي وُقُوفُ الْإِمَامِ، أَوْ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ (عِنْدَ وَسَطِ الرَّجُلِ وَ صَدْرِ الْمَرْأَةِ عَلَي الْأَشْهَرِ) وَ مُقَابِلُ الْمَشْهُورِ قَوْلُ الشَّيخِ فِي الْخِلَافِ: إنَّهُ يقِفُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَ صَدْرِ الْمَرْأَةِ، و قولهُ فِي الِاسْتِبْصَارِ: إنَّهُ عِنْدَ رَأْسِهَا وَ صَدْرِهِ، وَ الْخُنْثَي هُنَا كالْمَرْأَةِ.

(وَالصَّلَاةُ) فِي الْمَوَاضِعِ (الْمُعْتَادَةِ) لَهَا لِلتَّبَرُّك بِهَا بِكثْرَةِ مَنْ صَلَّي فِيهَا، وَ لِأَنَّ السَّامِعَ بِمَوْتِهِ يقْصِدُهَا (وَرَفْعُ الْيدَينِ بِالتَّكبِيرِ كلِّهِ عَلَي الْأَقْوَي) وَ الْأَكثَرِ عَلَي اخْتِصَاصِهِ بِالْأُولَي، وَ كلَاهُمَا مَرْوِي وَ لَا مُنَافَاةَ فَإِنَّ الْمَنْدُوبَ قَدْ يتْرَك أَحْيانَا وَ بِذَلِك يظْهَرُ وَجْهُ الْقُوَّةِ.

(وَمَنْ فَاتَهُ بَعْضُ التَّكبِيرِ) مَعَ الْإِمَامِ (أَتَمَّ الْبَاقِي بَعْدَ فَرَاغِهِ) وَلَاءً مِنْ غَيرِ دُعَاءٍ (وَلَوْ عَلَي الْقَبْرِ) عَلَي تَقْدِيرِ رَفْعِهَا وَ وَضْعِهَا فِيهِ، و أن بَعُدَ الْفَرْضُ.

وَ قَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَ جَمَاعَةٌ جَوَازَ الْوَلَاءِ حِينَئِذٍ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ النَّصِّ، و في الذِّكرَي لَوْ دَعَا كانَ جَائِرًا، إذْ هُوَ نَفْي وُجُوبٍ لَا نَفْي جَوَازٍ، وَ قَيدَهُ بَعْضُهُمْ بِخَوْفِ الْفَوْتِ عَلَي تَقْدِيرِ الدُّعَاءِ، وَ إِلَّا وَجَبَ مَا أَمْكنَ مِنْهُ، و هو أَجْوَدُ. (وَيصَلِّي عَلَي مَنْ لَمْ يصَلَّ عَلَيهِ يوْمًا وَ لَيلَةً) عَلَي أَشْهَرِ الْقَوْلَينِ (أَوْ دَائِمًا) عَلَي الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَ الْأَقْوَي وَ الْأَوْلَي قِرَاءَةً،

" يصَلِّي " فِي الْفِعْلَينِ مَبْنِيا لِلْمَعْلُومِ، أَي يصَلِّي مَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ عَلَي الْمَيتِ، إذَا لَمْ يكنْ هَذَا الْمُرِيدُ قَدْ صَلَّي عَلَيهِ، و لو بَعْدَ الدَّفْنِ الْمُدَّةَ الْمَذْكورَةَ أَوْ دَائِمًا سَوَاءٌ كانَ قَدْ صَلَّي عَلَي الْمَيتِ أَمْ لَا.

هَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَ يمْكنُ قِرَاءَتُهُ مَبْنِيا لِلْمَجْهُولِ، فَيكونُ الْحُكمُ مُخْتَصًّا بِمَيتٍ لَمْ يصَلَّ عَلَيهِ.

أَمَّا مَنْ صُلِّي عَلَيهِ فَلَا تُشْرَعُ الصَّلَاةُ عَلَيهِ بَعْدَ دَفْنِهِ، و هو قَوْلٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ جَمْعًا بَينَ الْأَخْبَارِ، وَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ أَقْوَي. (وَلَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ فِي الْأَثْنَاءِ) أَي فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَلَي جِنَازَةٍ أُخْرَي (أَتَمَّهَا ثُمَّ اسْتَأْنَفَ) الصَّلَاةَ (عَلَيهَا) أَي عَلَي الثَّانِيةِ، و هو الْأَفْضَلُ مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ عَلَي الثَّانِيةِ، وَ رُبَّمَا قِيلَ بِتَعَينِهِ إذَا كانَتْ الثَّانِيةُ مَنْدُوبَةً لِاخْتِلَافِ الْوَجْهِ، و ليس بِالْوَجْهِ.

وَ ذَهَبَ الْعَلَّامَةُ وَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَي أَنَّهُ يتَخَيرُ بَينَ قَطْعِ الصَّلَاةِ عَلَي الْأُولَي وَ اسْتِئْنَافِهَا عَلَيهِمَا، و بين إكمَالِ الْأُولَي وَ إِفْرَادِ الثَّانِيةِ بِصَلَاةٍ ثَانِيةٍ، مُحْتَجِّينَ بِرِوَايةِ عَلِي بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ عَلَيهِ السَّلَامُ فِي قَوْمٍ كبَّرُوا عَلَي جِنَازَةٍ تَكبِيرَةً أَوْ تَكبِيرَتَينِ وَ وُضِعَتْ مَعَهَا أُخْرَي؟ قَالَ عَلَيهِ السَّلَامُ " إنْ شَاءُوا تَرَكوا الْأُولَي حَتَّي يفْرُغُوا مِنْ التَّكبِيرِ عَلَي الْأَخِيرَةِ، و أن شَاءُوا رَفَعُوا الْأُولَي وَ أَتَمُّوا التَّكبِيرَ عَلَي الْأَخِيرَةِ، كلُّ ذَلِك لَا بَأْسَ بِهِ " قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي: وَ الرِّوَايةُ قَاصِرَةٌ عَنْ إفَادَةِ الْمُدَّعَي، إذْ ظَاهِرُهَا أَنَّ مَا بَقِي مِنْ تَكبِيرِ الْأُولَي مَحْسُوبٌ لِلْجِنَازَتَينِ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ تَكبِيرِ الْأُولَي تَخَيرُوا بَينَ تَرْكهَا بِحَالِهَا حَتَّي يكمِلُوا التَّكبِيرَ عَلَي الْأَخِيرَةِ، و بين رَفْعِهَا مِنْ مَكانِهَا وَ الْإِتْمَامِ عَلَي الْأَخِيرَةِ، و ليس فِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَي إبْطَالِ الصَّلَاةِ عَلَي الْأُولَي بِوَجْهٍ هَذَا مَعَ تَحْرِيمِ قَطْعِ

الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ نَعَمْ لَوْ خِيفَ عَلَي الْجَنَائِزِ قُطِعَتْ الصَّلَاةُ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ عَلَيهَا لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِضَرُورَةٍ.

وَ إِلَي مَا ذَكرَهُ أَشَارَ هُنَا بِقَوْلِهِ: (وَالْحَدِيثُ) الَّذِي رَوَاهُ عَلِي بْنُ جَعْفَرٍ عَلَيهِ السَّلَامُ (يدُلُّ عَلَي احْتِسَابِ مَا بَقِي مِنْ التَّكبِيرِ لَهُمَا ثُمَّ يأْتِي بِالْبَاقِي لِلثَّانِيةِ، و قد حَقَّقْنَاهُ فِي الذِّكرَي) بِمَا حَكينَاهُ عَنْهَا.

ثُمَّ اُسْتُشْكلَ بَعْدَ ذَلِك الْحَدِيثِ بِعَدَمِ تَنَاوُلِ النِّيةِ أَوَّلًا لِلثَّانِيةِ فَكيفَ يصْرَفُ بَاقِي التَّكبِيرَاتِ إلَيهَا، مَعَ تَوَقُّفِ الْعَمَلِ عَلَي النِّيةِ.

وَ أَجَابَ بِإِمْكانِ حَمْلِهِ عَلَي إحْدَاثِ نِيةٍ مِنْ الْآنَ لِتَشْرِيك بَاقِي التَّكبِيرِ عَلَي الْجِنَازَتَينِ.

وَ هَذَا الْجَوَابُ لَا مَعْدِلَ عَنْهُ، و أن لَمْ يصَرِّحْ بِالنِّيةِ فِي الرِّوَايةِ، لِأَنَّهَا أَمْرٌ قَلْبِي يكفِي فِيهَا مُجَرَّدُ الْقَصْدِ إلَي الصَّلَاةِ عَلَي الثَّانِيةِ، إلَي آخِرِ مَا يعْتَبَرُ فِيهَا.

وَ قَدْ حَقَّقَ الْمُصَنِّفُ فِي مَوَاضِعَ أَنَّ الصَّدْرَ الْأَوَّلَ مَا كانُوا يتَعَرَّضُونَ لِلنِّيةِ لِذَلِك، و إنّما أَحْدَثَ الْبَحْثَ عَنْهَا الْمُتَأَخِّرُونَ، فَينْدَفِعُ الْإِشْكالُ.

وَ قَدْ ظَهَرَ مِنْ ذَلِك أَنْ لَا دَلِيلَ عَلَي جَوَازِ الْقَطْعِ، وَ بِدُونِهِ يتَّجَهُ تَحْرِيمُهُ و ما ذَكرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ الْقَطْعِ - عَلَي تَقْدِيرِ الْخَوْفِ عَلَي الْجَنَائِزِ - غَيرُ وَاضِحٍ، لِأَنَّ الْخَوْفَ إنْ كانَ عَلَي الْجَمِيعِ، أَوْ عَلَي الْأُولَي فَالْقَطْعُ يزِيدُ الضَّرَرَ عَلَي الْأُولَي وَ لَا يزِيلُهُ، لِانْهِدَامِ مَا قَدْ مَضَي مِنْ صَلَاتِهَا الْمُوجِبُ لِزِيادَةِ مُكثِهَا، و أن كانَ الْخَوْفُ عَلَي الْأَخِيرَةِ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْمُكثِ مِقْدَارَ الصَّلَاةِ عَلَيهَا و هو يحْصُلُ مَعَ التَّشْرِيك الْآنَ وَ الِاسْتِئْنَافِ.

نَعَمْ يمْكنُ فَرْضُهُ نَادِرًا بِالْخَوْفِ عَلَي الثَّانِيةِ، بِالنَّظَرِ إلَي تَعَدُّدِ الدُّعَاءِ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِيهِ، بِحَيثُ يزِيدُ مَا يتَكرَّرُ مِنْهُ عَلَي مَا مَضَي مِنْ الصَّلَاةِ، وَ حَيثُ يخْتَارُ التَّشْرِيك بَينَهُمَا فِيمَا بَقِي ينْوِي بِقَلْبِهِ عَلَي الثَّانِيةِ، وَ يكبِّرُ تَكبِيرًا مُشْتَرَكا بَينَهُمَا، كمَا لَوْ حَضَرَتَا ابْتِدَاءً، وَ يدْعُو لِكلِّ وَاحِدَةٍ

بِوَظِيفَتِهَا مِنْ الدُّعَاءِ مُخَيرًا فِي التَّقْدِيمِ إلَي أَنْ يكمِلَ الْأُولَي، ثُمَّ يكمِلَ مَا بَقِي مِنْ الثَّانِيةِ.

وَ مِثْلُهُ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ عَلَي مُتَعَدِّدٍ، فَإِنَّهُ يشْرِك بَينَهُمْ فِيمَا يتَّحِدُ لَفْظُهُ وَ يرَاعِي فِي الْمُخْتَلِفِ - كالدُّعَاءِ لَوْ كانَ فِيهِمْ مُؤْمِنٌ وَ مَجْهُولٌ وَ مُنَافِقٌ وَ طِفْلٌ - وَظِيفَةَ كلِّ وَاحِدٍ، وَ مَعَ اتِّحَادِ الصِّنْفِ يرَاعِي تَثْنِيةَ الضَّمِيرِ وَ جَمْعَهُ وَ تَذْكيرَهُ وَ تَأْنِيثَهُ، أَوْ يذَكرُ مُطْلَقًا مُؤَوِّلًا بِالْمَيتِ، أَوْ يؤَنِّثُ مُؤَوِّلًا بِالْجِنَازَةِ، وَ الْأَوَّلُ أَوْلَي.

دفنه

(الْخَامِسُ - دَفْنُهُ) (وَالْوَاجِبُ مُوَارَاتُهُ فِي الْأَرْضِ)، عَلَي وَجْهٍ يحْرُسُ جُثَّتَهُ مَنْ السِّبَاعِ، وَ يكتُمُ رَائِحَتَهُ عَنْ الِانْتِشَارِ، وَ احْتُرِزَ بِالْأَرْضِ عَنْ وَضْعِهِ فِي بِنَاءٍ وَ نَحْوِهِ و أن حَصَلَ الْوَصْفَانِ (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) بِوَجْهِهِ وَ مَقَادِيمِ بَدَنِهِ (عَلَي جَانِبِهِ الْأَيمَنِ) مَعَ الْإِمْكانِ.

(وَيسْتَحَبُّ) أَنْ يكونَ (عُمْقُهُ) أَي الدَّفْنِ مُجَازًا، أَوْ الْقَبْرِ الْمَعْلُومِ بِالْمَقَامِ (نَحْوُ قَامَةٍ) مُعْتَدِلَةٍ، وَ أَقَلُّ الْفَضْلِ إلَي التَّرْقُوَةِ (وَوَضْعُ الْجِنَازَةِ) عِنْدَ قُرْبِهَا مِنْ الْقَبْرِ بِذِرَاعَينِ، أَوْ بِثَلَاثٍ عِنْدَ رِجْلَيهِ (أَوَّلًا وَ نَقْلُ الرِّجْلِ) بَعْدَ ذَلِك (فِي ثَلَاثِ دُفُعَاتٍ) حَتَّي يتَأَهَّبَ لِلْقَبْرِ وَ إِنْزَالُهُ فِي الثَّالِثَةِ (وَالسَّبَقُ بِرَأْسِهِ) حَالَةَ الْإِنْزَالِ.

(وَالْمَرْأَةُ) تُوضَعُ مِمَّا يلِي الْقِبْلَةَ وَ تُنْقَلُ دُفْعَةً وَاحِدَةً وَ تُنْزَلُ (عَرْضًا)، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَ الْأَخْبَارُ خَالِيةٌ عَنْ الدَّفَعَاتِ.

(وَنُزُولُ الْأَجْنَبِي مَعَهُ) لَا الرَّحِمُ، و أن كانَ وَلَدًا، (إلَّا فِيهَا) فَإِنَّ نُزُولَ الرَّحِمِ مَعَهَا أَفْضَلُ، وَ الزَّوْجُ أَوْلَي بِهَا مِنْهُ، وَ مَعَ تَعَذُّرِهِمَا فَامْرَأَةٌ صَالِحَةٌ ثُمَّ أَجْنَبِي صَالِحٌ.

(وَحَلُّ عُقَدِ الْأَكفَانِ) مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ وَ رِجْلَيهِ (وَوَضْعُ خَدِّهِ) الْأَيمَنِ عَلَي التُّرَابِ خَارِجَ الْكفَنِ (وَجَعْلُ) شَيءٍ مِنْ (تُرْبَةِ الْحُسَينِ عَلَيهِ السَّلَامُ مَعَهُ) تَحْتَ خَدِّهِ، أَوْ فِي مُطْلَقِ الْكفَنِ، أَوْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وَ لَا يقْدَحُ فِي مُصَاحَبَتِهِ لَهَا احْتِمَالُ وُصُولِ نَجَاسَتِهِ إلَيهَا لِأَصَالَةِ

عَدَمِهِ، مَعَ ظُهُورِ طَهَارَتِهِ الْآنَ.

(وَتَلْقِينُهُ) الشَّهَادَتَينِ وَ الْإِقْرَارَ بِالْأَئِمَّةِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ مِمَّنْ نَزَلَ مَعَهُ إنْ كانَ وَلِيا، وَ إِلَّا اسْتَأْذَنَهُ، مُدْنِيا فَاهُ إلَي أُذُنِهِ قَائِلًا لَهُ " اسْمَعْ " ثَلَاثًا قَبْلَهُ (وَالدُّعَاءُ لَهُ) يقُولُ: " بِسْمِ اللَّهِ وَ بِاَللَّهِ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ و علي مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، اللَّهُمَّ عَبْدُك نَزَلَ بِك، وَ أَنْتَ خَيرُ مَنْزُولٍ بِهِ، اللَّهُمَّ أَفْسِحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَ أَلْحِقْهُ بِنَبِيهِ، اللَّهُمَّ إنَّا لَا نَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَيرًا وَ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا " (وَالْخُرُوجُ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَينِ) لِأَنَّهُ بَابُ الْقَبْرِ، و فيه احْتِرَامٌ لِلْمَيتِ.

(وَالْإِهَالَةُ) لِلتُّرَابِ مِنْ الْحَاضِرِينَ غَيرِ الرَّحِمِ (بِظُهُورِ الْأَكفِّ مُسْتَرْجِعِينَ) أَي قَائِلِينَ: " إنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إلَيهِ رَاجِعُونَ " حَالَةَ الْإِهَالَةِ، يقَالُ رَجَعَ وَ اسْتَرْجَعَ: إذَا قَالَ ذَلِك.

(وَرَفْعُ الْقَبْرِ) عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ مِقْدَارَ (أَرْبَعِ أَصَابِعَ) مُفَرَّجَاتٍ إلَي شِبْرٍ لَا أَزْيدَ لِيعْرَفَ فَيزَارَ وَ يحْتَرَمَ، و لو اخْتَلَفَتْ سُطُوحُ الْأَرْضِ اُغْتُفِرَ رَفْعُهُ عَنْ أَعْلَاهَا وَ تَأَدَّتْ السُّنَّةُ بِأَدْنَاهَا.

(وَتَسْطِيحُهُ) لَا يجْعَلُ لَهُ فِي ظَهْرِهِ سَنَمٌ لِأَنَّهُ مِنْ شِعَارِ النَّاصِبَةِ وَ بِدَعِهِمْ الْمُحْدَثَةِ مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ مُرَاغَمَةً لِلْفِرْقَةِ الْمُحِقَّةِ، (وَصَبُّ الْمَاءِ عَلَيهِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ) إلَي رِجْلَيهِ (دَوْرًا) إلَي أَنْ ينْتَهِي إلَيهِ، (وَ) يصَبُّ (الْفَاضِلُ عَلَي وَسَطِهِ) وَلْيكنْ الصَّابُّ مُسْتَقْبِلًا (وَوَضْعُ الْيدِ عَلَيهِ) بَعْدَ نَضْحِهِ بِالْمَاءِ، مُؤَثِّرَةً فِي التُّرَابِ، مُفَرَّجَةَ الْأَصَابِعِ، وَ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ أَنَّ الْحُكمَ مُخْتَصٌّ بِهَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يسْتَحَبُّ تَأْثِيرُهَا بَعْدَهُ.

وَ رَوَي زُرَارَةُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيهِ السَّلَامُ قَالَ: " إذَا حُثِي عَلَيهِ التُّرَابُ وَ سُوِّي قَبْرُهُ فَضَعْ كفَّك عَلَي قَبْرِهِ عِنْدَ رَأْسِهِ وَ فَرِّجْ أَصَابِعَك وَ اغْمِزْ كفَّك عَلَيهِ، بَعْدَ مَا ينْضَحُ بِالْمَاءِ "، وَ الْأَصْلُ عَدَمُ

الِاسْتِحْبَابِ فِي غَيرِهِ، و أمّا تَأْثِيرُ الْيدِ فِي غَيرِ التُّرَابِ فَلَيسَ بِسُنَّةٍ مُطْلَقًا، بَلْ اعْتِقَادُهُ سُنَّةً بِدْعَةٌ (مُتَرَحِّمًا) عَلَيهِ بِمَا شَاءَ مِنْ الْأَلْفَاظِ، وَ أَفْضَلُهُ " اللَّهُمَّ جَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيهِ وَ أَصْعِدْ إلَيك رُوحَهُ وَ لَقِّهِ مِنْك رِضْوَانًا وَ أَسْكنْ قَبْرَهُ مِنْ رَحْمَتِك مَا تُغْنِيهِ عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاك " وَ كذَا يقُولُهُ كلَّمَا زَارَهُ مُسْتَقْبِلًا.

(وَتَلْقِينُ الْوَلِي)، أَوْ مَنْ يأْمُرُهُ (بَعْدَ الِانْصِرَافِ) بِصَوْتٍ عَالٍ إلَّا مَعَ التَّقِيةِ (وَيتَخَيرُ) الْمُلَقِّنُ (فِي الِاسْتِقْبَالِ وَ الِاسْتِدْبَارِ) لِعَدَمِ وُرُودِ مُعَينٍ. (وَيسْتَحَبُّ التَّعْزِيةُ) لِأَهْلِ الْمُصِيبَةِ، و هي تَفْعِلَةٌ مِنْ الْعَزَاءِ و هو الصَّبْرُ، و منه " أَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاءَك " أَي صَبْرَك " وَ سَلْوَك " يمَدُّ وَ يقْصَرُ، وَ الْمُرَادُ بِهَا الْحَمْلُ عَلَي الصَّبْرِ وَ التَّسْلِيةُ عَنْ الْمُصَابِ بِإِسْنَادِ الْأَمْرِ إلَي حِكمَةِ اللَّهِ تَعَالَي وَ عَدْلِهِ، وَ تَذْكيرِهِ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الصَّابِرِينَ، و ما فَعَلَهُ الْأَكابِرُ مِنْ الْمُصَابِينَ، فَمَنْ عَزَّي مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، و من عَزَّي ثَكلَي كسِي بُرْدًا فِي الْجَنَّةِ، و هي مَشْرُوعَةٌ (قَبْلَ الدَّفْنِ) إجْمَاعًا (وَبَعْدَهُ) عِنْدَنَا. (وَكلُّ أَحْكامِهِ) أَي أَحْكامِ الْمَيتِ (مَنْ فُرُوضِ الْكفَايةِ) إنْ كانَتْ وَاجِبَةً (أَوْ نَدْبِهَا) إنْ كانَتْ مَنْدُوبَةً.

وَ مَعْنَي الْفَرْضِ الْكفَائِي مُخَاطَبَةُ الْكلِّ بِهِ ابْتِدَاءً عَلَي وَجْهٍ يقْتَضِي وُقُوعَهُ مِنْ أَيهِمْ كانَ، وَ سُقُوطُهُ بِقِيامِ مَنْ فِيهِ الْكفَايةُ، فَمَتَي تَلَبَّسَ بِهِ مَنْ يمْكنُهُ الْقِيامُ بِهِ سَقَطَ عَنْ غَيرِهِ سُقُوطًا مُرَاعًي بِإِكمَالِهِ، وَ مَتَي لَمْ يتَّفَقْ ذَلِك أَثِمَ الْجَمِيعُ فِي التَّأَخُّرِ عَنْهُ، سَوَاءٌ فِي ذَلِك الْوَلِي و غيرهُ، مِمَّنْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ مِنْ الْمُكلَّفِينَ، الْقَادِرِينَ عَلَيهِ.

الفصل الثالث في التيمم

الفصل الثالث في التيمم:

التيمم

[الْفَصْلُ الثَّالِثُ - فِي التَّيمُّمِ] (وَشَرْطُهُ: عَدَمُ الْمَاءِ) بِأَنْ لَا يوجَدُ مَعَ طَلَبِهِ عَلَي الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ (أَوْ عَدَمُ الْوُصْلَةِ إلَيهِ) مَعَ كوْنِهِ مَوْجُودًا.

إمَّا

لِلْعَجْزِ عَنْ الْحَرَكةِ الْمُحْتَاجِ إلَيهَا فِي تَحْصِيلِهِ، لِكبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ ضَعْفِ قُوَّةٍ، و لم يجِدْ مُعَاوِنًا و لو بِأُجْرَةٍ مَقْدُورَةٍ، أَوْ لِضِيقِ الْوَقْتِ بِحَيثُ لَا يدْرِك مِنْهُ مَعَهُ بَعْدَ الطَّهَارَةِ رَكعَةً أَوْ لِكوْنِهِ فِي بِئْرٍ بَعِيدٍ الْقَعْرِ يتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيهِ بِدُونِ الْآلَةِ و هو عَاجِزٌ عَنْ تَحْصِيلِهَا و لو بِعِوَضٍ، أَوْ شَقِّ ثَوْبٍ نَفِيسٍ أَوْ إعَارَةٍ، أَوْ لِكوْنِهِ مَوْجُودًا فِي مَحَلٍّ يخَافُ مِنْ السَّعْي إلَيهِ عَلَي نَفْسٍ، أَوْ طَرَفٍ أَوْ مَالٍ مُحْتَرَمَةٍ أَوْ بِضْعٍ أَوْ عِرْضٍ أَوْ ذَهَابِ عَقْلٍ و لو بِمُجَرَّدِ الْجُبْنِ، أَوْ لِوُجُودِهِ بِعِوَضٍ يعْجَزُ عَنْ بَذْلِهِ لِعَدَمٍ أَوْ حَاجَةٍ و لو فِي وَقْتٍ مُتَرَقَّبٍ وَ لَا فَرْقَ فِي الْمَالِ الْمَخُوفِ ذَهَابَهُ وَ الْوَاجِبُ بَذْلُهُ عِوَضًا - حَيثُ يجِبُ حِفْظُ الْأَوَّلِ وَ بَذْلُ الثَّانِي - بَينَ الْقَلِيلِ وَ الْكثِيرِ، وَ الْفَارِقُ النَّصُّ لَا أَنَّ الْحَاصِلَ بِالْأَوَّلِ الْعِوَضُ عَلَي الْغَاصِبِ و هو مُنْقَطِعٌ، و في الثَّانِي الثَّوَابُ و هو دَائِمٌ، لِتَحَقُّقِ الثَّوَابِ فِيهِمَا مَعَ بَذْلِهِمَا اخْتِيارًا طَلَبًا لِلْعِبَادَةِ لَوْ أُبِيحَ ذَلِك، بَلْ قَدْ تَجْتَمِعُ فِي الْأَوَّلِ الْعِوَضُ وَ الثَّوَابُ بِخِلَافِ الثَّانِي.

(أَوْ الْخَوْفُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ لِمَرَضٍ) حَاصِلٍ يخَافُ زِيادَتَهُ، أَوْ بُطْأَهُ أَوْ عُسْرَ عِلَاجِهِ، أَوْ مُتَوَقَّعٍ، أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ يشُقُّ، تَحَمُّلُهُ، أَوْ خَوْفِ عَطَشٍ حَاصِلٍ، أَوْ مُتَوَقَّعٍ فِي زَمَانٍ لَا يحْصُلُ فِيهِ الْمَاءُ عَادَةً، أَوْ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ لِنَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ و لو حَيوَانًا.

(وَيجِبُ طَلَبُهُ) مَعَ فَقْدِهِ فِي كلِّ جَانِبٍ (مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ غَلْوَةِ سَهْمٍ) - بِفَتْحِ الْغَينِ - و هي مِقْدَارَ رَمْيةٍ مِنْ الرَّامِي بِالْآلَةِ مُعْتَدِلَينِ (فِي) الْأَرْضِ (الْحَزْنَةِ) - بِسُكونِ الزَّاي الْمُعْجَمَةِ - خِلَافُ السَّهْلَةِ.

وَ هِي الْمُشْتَمِلَةُ عَلَي نَحْوِ الْأَشْجَارِ وَ الْأَحْجَارِ، وَ الْعَدُوِّ وَ الْهُبُوطِ الْمَانِعِ مِنْ رُؤْيةِ مَا خَلْفَهُ (وَ) غَلْوَةَ (سَهْمَينِ

فِي السَّهْلَةِ).

وَ لَوْ اخْتَلَفَ فِي الْحُزُونَةِ وَ السُّهُولَةِ تَوَزَّعَ بِحَسَبِهِمَا.

وَ إِنَّمَا يجِبُ الطَّلَبُ كذَلِك مَعَ احْتِمَالِ وُجُودِهِ فِيهَا، فَلَوْ عَلِمَ عَدَمَهُ مُطْلَقًا، أَوْ فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ سَقَطَ الطَّلَبُ مُطْلَقًا، أَوْ فِيهِ كمَا أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ وُجُودَهُ فِي أَزْيدَ مِنْ النِّصَابِ وَجَبَ قَصْدُهُ مَعَ الْإِمْكانِ مَا لَمْ يخْرُجْ الْوَقْتُ، وَ تَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ، بَلْ قَدْ تَجِبُ و لو بِأُجْرَةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ.

وَ يشْتَرَطُ عَدَالَةُ النَّائِبِ إنْ كانَتْ اخْتِيارِيةً، وَ إِلَّا فَمَعَ إمْكانِهَا وَ يحْتَسَبُ لَهُمَا عَلَي التَّقْدِيرَينِ، وَ يجِبُ طَلَبُ التُّرَابِ كذَلِك لَوْ تَعَذَّرَ، مَعَ وُجُوبِهِ

التيمم بالتراب الطاهرِ و الحجر

(وَيجِبُ) التَّيمُّمُ (بِالتُّرَابِ الطَّاهِرِ وَ الْحَجَرِ) لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْضِ إجْمَاعًا، وَ الصَّعِيدُ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ وَجْهُهَا، وَ لِأَنَّهُ تُرَابٌ اكتَسَبَ رُطُوبَةً لَزِجَةً وَ عَمِلَتْ فِيهِ الْحَرَارَةُ فَأَفَادَتْهُ اسْتِمْسَاكا وَ لَا فَرْقَ بَينَ أَنْوَاعِهِ مِنْ رُخَامٍ، وَ بِرَامٍ، و غيرهِمَا، خِلَافًا لِلشَّيخِ حَيثُ اشْتَرَطَ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فَقْدَ التُّرَابِ، أَمَّا الْمَنْعُ مِنْهُ مُطْلَقًا فَلَا قَائِلَ بِهِ.

وَ مِنْ جَوَازِهِ بِالْحَجَرِ يسْتَفَادُ جَوَازُهُ بِالْخَزَفِ بِطَرِيقٍ أَوْلَي، لِعَدَمِ خُرُوجِهِ بِالطَّبْخِ عَنْ اسْمِ الْأَرْضِ و أن خَرَجَ عَنْ اسْمِ التُّرَابِ، كمَا لَمْ يخْرُجْ الْحَجَرُ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَي اسْتِمْسَاكا مِنْهُ، خِلَافًا لِلْمُحَقِّقِ فِي الْمُعْتَبَرِ مُحْتَجًّا بِخُرُوجِهِ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِجَوَازِ السُّجُودِ عَلَيهِ.

وَ مَا يخْرُجُ عَنْهَا بِالِاسْتِحَالَةِ يمْنَعُ مِنْ السُّجُودِ عَلَيهِ، و أن كانَتْ دَائِرَةُ السُّجُودِ أَوْسَعَ بِالنِّسْبَةِ إلَي غَيرِهِ (لَا بِالْمَعَادِنِ) كالْكحْلِ، وَ الزِّرْنِيخِ، وَ تُرَابِ الْحَدِيدِ، وَ نَحْوِهِ (وَ) لَا (النُّورَةُ) وَ الْجِصُّ بَعْدَ خُرُوجِهِمَا عَنْ اسْمِ الْأَرْضِ بِالْإِحْرَاقِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا.

يكره التيمم بالسبخة

(وَيكرَهُ) التَّيمُّمُ (بِالسَّبْخَةٍ) بِالتَّحْرِيك فَتْحًا وَ كسْرًا، وَ السُّكونِ و هي الْأَرْضُ الْمَالِحَةُ النَّشَّاشَةُ عَلَي أَشْهَرِ الْقَوْلَينِ مَا لَمْ يعْلُهَا مِلْحٌ يمْنَعُ إصَابَةَ بَعْضِ الْكفِّ لِلْأَرْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهِ،

(وَالرَّمْلِ) لِشَبَهِهِمَا بِأَرْضِ الْمَعْدِنِ، وَ وَجْهُ الْجَوَازِ بَقَاءُ اسْمِ الْأَرْضِ.

(وَيسْتَحَبُّ مِنْ الْعَوَالِي)، و هي مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ لِلنَّصِّ، وَ لِبُعْدِهَا مِنْ النَّجَاسَةِ، لِأَنَّ الْمَهَابِطَ تُقْصَدُ لِلْحَدَثِ، و منه سُمِّي الْغَائِطُ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْمُنْخَفِضُ، سُمِّي الْحَالُ بِاسْمِهِ لِوُقُوعِهِ فِيهِ كثِيرًا.

الواجب في التيمم

(وَالْوَاجِبُ) فِي التَّيمُّمِ (النِّيةُ) و هي الْقَصْدُ إلَي فِعْلِهِ، وَ سَيأْتِي بَقِيةُ مَا يعْتَبَرُ فِيهَا، مُقَارِنَةً لِأَوَّلِ أَفْعَالِهِ (وَ) هُوَ (الضَّرْبُ عَلَي الْأَرْضِ بِيدَيهِ) مَعًا، و هو وَ ضَعْهُمَا بِمُسَمَّي الِاعْتِمَادِ، فَلَا يكفِي مُسَمَّي الْوَضْعِ عَلَي الظَّاهِرِ، خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ فِي الذِّكرَي فَإِنَّهُ جَعَلَ الظَّاهِرَ الِاكتِفَاءَ بِالْوَضْعِ، وَ مَنْشَأُ الِاخْتِلَافِ تَعْبِيرُ النُّصُوصِ بِكلٍّ مِنْهُمَا، وَ كذَا عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ، فَمَنْ جَوَّزَهُمَا جَعَلَهُ دَالًا عَلَي أَنَّ الْمُؤَدَّي وَاحِدٌ، و من عَينَ الضَّرْبَ حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَي الْمُقَيدِ.

وَ إِنَّمَا يعْتَبَرُ الْيدَانِ مَعًا مَعَ الِاخْتِيارِ، فَلَوْ تَعَذَّرَتْ إحْدَاهُمَا - لِقَطْعٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ رَبْطٍ - اقْتَصَرَ عَلَي الْمَيسُورِ وَ مَسَحَ الْجَبْهَةَ بِهِ وَ سَقَطَ مَسْحُ الْيدِ.

وَ يحْتَمَلُ قَوِيا مَسْحُهَا بِالْأَرْضِ كمَا يمْسَحُ الْجَبْهَةَ بِهَا لَوْ كانَتَا مَقْطُوعَتَينِ، و ليس كذَلِك لَوْ كانَتَا نَجِسَتَينِ، بَلْ يمْسَحُ بِهِمَا كذَلِك مَعَ تَعَذُّرِ التَّطْهِيرِ إلَّا أَنْ تَكونَ مُتَعَدِّيةً، أَوْ حَائِلَةً فَيجِبُ التَّجْفِيفُ وَ إِزَالَةُ الْحَائِلِ مَعَ الْإِمْكانِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ضَرَبَ بِالظَّهْرِ إنْ خَلَا مِنْهُمَا، وَ إِلَّا ضَرَبَ بِالْجَبْهَةِ فِي الْأَوَّلِ، وَ بِالْيدِ النَّجِسَةِ فِي الثَّانِي، كمَا لَوْ كانَ عَلَيهَا جَبِيرَةٌ.

وَ الضَّرْبُ (مَرَّةً لِلْوُضُوءِ) أَي لِتَيمُّمِهِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ مِنْهُ، (فَيمْسَحُ بِهِمَا جَبْهَتَهُ مِنْ قُصَاصِ الشَّعْرِ إلَي طَرَفِ الْأَنْفِ الْأَعْلَي) بَادِئًا بِالْأَعْلَي كمَا أَشْعَرَ بِهِ " مِنْ " وَ " إلَي "، و أن احْتَمَلَ غَيرَهُ.

وَ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْجَبْهَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَ زَادَ بَعْضُهُمْ مَسْحَ الْحَاجِبَينِ، وَ نَفَي عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي الْبَأْسَ، وَ

آخَرُونَ مَسْحَ الْجَبِينَينِ - وَ هُمَا الْمُحِيطَانِ بِالْجَبْهَةِ يتَّصِلَانِ بِالصُّدْغَينِ، و في الثَّانِي قُوَّةٌ لِوُرُودِهِ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَا يتَوَقَّفُ عَلَيهِ مِنْهُ مِنْ بَابِ الْمُقَدَّمَةِ لَا إشْكالَ فِيهِ وَ إِلَّا فَلَا دَلِيلَ عَلَيهِ.

(ثُمَّ) يمْسَحُ (ظَهْرَ يدِهِ الْيمْنَي بِبَطْنِ الْيسْرَي مِنْ الزَّنْدِ) بِفَتْحِ الزَّاي، و هو مَوْصِلُ طَرَفِ الذِّرَاعِ فِي الْكتِفِ (إلَي أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ.

ثُمَّ) مَسَحَ ظَهَرَ (الْيسْرَي) بِبَطْنِ الْيمْنَي (كذَلِك) مُبْتَدِئًا بِالزَّنْدِ إلَي الْآخَرِ، كمَا أَشْعَرَ بِهِ كلَامُهُ (وَمَرَّتَينِ لِلْغُسْلِ) إحْدَاهُمَا يمْسَحُ بِهَا جَبْهَتَهُ وَ الْأُخْرَي يدَيهِ. (وَيتَيمَّمُ غَيرُ الْجُنُبِ) مِمَّنْ عَلَيهِ حَدَثٌ يوجِبُ الْغُسْلَ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مُطْلَقًا (مَرَّتَينِ) إحْدَاهُمَا بَدَلًا مِنْ الْغُسْلِ بِضَرْبَتَينِ، وَ الْأُخْرَي بَدَلًا مِنْ الْوُضُوءِ بِضَرْبَةٍ.

وَ لَوْ قَدَرَ عَلَي الْوُضُوءِ خَاصَّةً وَجَبَ، وَ تَيمَّمَ عَنْ الْغُسْلِ كالْعَكسِ، مَعَ أَنَّهُ يصْدُقُ عَلَيهِ أَنَّهُ مُحْدِثٌ غَيرُ جُنُبٍ، فَلَا بُدَّ فِي إخْرَاجِهِ مِنْ قَيدٍ، و كأنّهُ تَرَكهُ اعْتِمَادًا عَلَي ظُهُورِهِ.

النية للتيمم

(وَيجِبُ فِي النِّيةِ) قَصْدُ (الْبَدَلِيةِ) مِنْ الْوُضُوءِ، أَوْ الْغُسْلِ إنْ كانَ التَّيمُّمُ بَدَلًا عَنْ أَحَدِهِمَا كمَا هُوَ الْغَالِبُ، فَلَوْ كانَ تَيمُّمُهُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ لِلنَّوْمِ عَلَي طَهَارَةٍ، أَوْ لِخُرُوجِهِ جُنُبًا مِنْ أَحَدِ الْمَسْجِدَينِ - عَلَي الْقَوْلِ بِاخْتِصَاصِ التَّيمُّمِ بِذَلِك - كمَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَي الْمُصَنِّفِ - لَمْ يكنْ بَدَلًا مِنْ أَحَدِهِمَا مَعَ احْتِمَالِ بَقَاءِ الْعُمُومِ بِجَعْلِهِ فِيهَا بَدَلًا اخْتِيارِيا.

(وَ) يجِبُ فِيهِ نِيةُ (الِاسْتِبَاحَةِ) لِمَشْرُوطٍ بِالطَّهَارَةِ (وَالْوَجْهِ) مِنْ وُجُوبٍ، أَوْ نَدْبٍ، وَ الْكلَامُ فِيهِمَا كالْمَائِيةِ (وَالْقُرْبَةِ) وَ لَا رَيبَ فِي اعْتِبَارِهَا فِي كلِّ عِبَادَةٍ مُفْتَقِرَةٍ إلَي نِيةٍ لِيتَحَقَّقَ الْإِخْلَاصُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي كلِّ عِبَادَةٍ (وَ) تَجِبُ فِيهِ (الْمُوَالَاةُ) بِمَعْنَي الْمُتَابَعَةِ بَينَ أَفْعَالٍ بِحَيثُ لَا يعَدُّ مُفَرِّقًا عُرْفًا.

وَ ظَاهِرُ الْأَصْحَابِ الِاتِّفَاقُ عَلَي وُجُوبِهَا، و هل يبْطُلُ بِالْإِخْلَالِ بِهَا أَوْ يأْثَمُ خَاصَّةً؟ وَجْهَانِ.

وَ

عَلَي الْقَوْلِ بِمُرَاعَاةِ الضِّيقِ فِيهِ مُطْلَقًا يظْهَرُ قُوَّةُ الْأَوَّلِ وَ إِلَّا فَالْأَصْلُ يقْتَضِي الصِّحَّةَ.

(وَيسْتَحَبُّ نَفْضُ الْيدَينِ) بَعْدَ كلِّ ضَرْبَةٍ بِنَفْخِ مَا عَلَيهِمَا مِنْ أَثَرِ الصَّعِيدِ، أَوْ مَسْحِهِمَا، أَوْ ضَرْبِ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَي

التيمم عند آخر الوقت

(وَلِيكنْ) التَّيمُّمُ (عِنْدَ آخِرِ الْوَقْتِ) بِحَيثُ يكونُ قَدْ بَقِي مِنْهُ مِقْدَارُ فِعْلِهِ مَعَ بَاقِي شَرَائِطِ الصَّلَاةِ الْمَفْقُودَةِ وَ الصَّلَاةُ تَامَّةُ الْأَفْعَالِ عِلْمًا أَوْ ظَنًّا، وَ لَا يؤْثِرُ فِيهِ ظُهُورُ الْخِلَافِ (وُجُوبًا مَعَ الطَّمَعِ فِي الْمَاءِ) وَ رَجَاءِ حُصُولِهِ و لو بِالِاحْتِمَالِ الْبَعِيدِ (وَإِلَّا اسْتِحْبَابًا) عَلَي أَشْهَرِ الْأَقْوَالِ بَينَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَ الثَّانِي - و هو الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي وَ ادَّعَي عَلَيهِ الْمُرْتَضَي وَ الشَّيخُ الْإِجْمَاعَ - مُرَاعَاةً لِلضِّيقِ مُطْلَقًا، وَ الثَّالِثُ جَوَازُهُ مَعَ السَّعَةِ مُطْلَقًا، و هو قَوْلُ الصَّدُوقِ.

وَ الْأَخْبَارُ بَعْضُهَا دَالٌ عَلَي اعْتِبَارِ الضِّيقِ مُطْلَقًا، وَ بَعْضُهَا غَيرُ مُنَافٍ لَهُ، فَلَا وَجْهَ لِلْجَمْعِ بَينَهَا بِالتَّفْصِيلِ هَذَا فِي التَّيمُّمِ الْمُبْتَدَأِ.

أَمَّا الْمُسْتَدَامُ - كمَا لَوْ تَيمَّمَ لِعِبَادَةٍ عِنْدَ ضِيقِ وَقْتِهَا و لو بِنَذْرِ رَكعَتَينِ فِي وَقْتٍ مُعَينٍ يتَعَذَّرُ فِيهِ الْمَاءُ، أَوْ عِبَادَةٍ رَاجِحَةٍ بِالطَّهَارَةِ و لو ذِكرًا - جَازَ فِعْلُ غَيرِهَا بِهِ مَعَ السَّعَةِ.

تمكن المتيمم من استعمال الماء

(وَلَوْ تَمَكنَ مِنْ) اسْتِعْمَالِ (الْمَاءِ انْتَقَضَ) تَيمُّمُهُ عَنْ الطَّهَارَةِ الَّتِي تَمَكنَ مِنْهَا، فَلَوْ تَمَكنَ مَنْ عَلَيهِ غَيرُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ مِنْ الْوُضُوءِ خَاصَّةً، انْتَقَضَ تَيمُّمُهُ خَاصَّةً، وَ كذَا الْغُسْلُ، وَ الْحُكمُ بِانْتِقَاضِهِ بِمُجَرَّدِ التَّمَكنِ مَبْنِي عَلَي الظَّاهِرِ.

وَ أَمَّا انْتِقَاضُهُ مُطْلَقًا فَمَشْرُوطٌ بِمُضِي زَمَانٍ يسَعُ فِعْلَ الْمَائِيةِ مُتَمَكنًا مِنْهَا، فَلَوْ طَرَأَ بَعْدَ التَّمَكنِ مَانِعٌ قَبْلَهُ كشَفَ عَنْ عَدَمِ انْتِقَاضِهِ، سَوَاءٌ شَرَعَ فِيهَا أَمْ لَا.

كوُجُوبِ الصَّلَاةِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ، وَ الْحَجِّ لِلْمُسْتَطِيعِ بِسَيرِ الْقَافِلَةِ مَعَ اشْتِرَاطِ اسْتِقْرَارِ الْوُجُوبِ بِمُضِي زَمَانٍ يسَعُ الْفِعْلَ، لِاسْتِحَالَةِ التَّكلِيفِ بِعِبَادَةٍ فِي وَقْتٍ لَا يسَعُهَا،

مَعَ احْتِمَالِ انْتِقَاضِهِ مُطْلَقًا، كمَا يقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ وَ كلَامُ الْأَصْحَابِ.

وَ حَيثُ كانَ التَّمَكنُ مِنْ الْمَاءِ نَاقِضًا، فَإِنْ اتَّفَقَ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ انْتَقَضَ إجْمَاعًا عَلَي الْوَجْهِ الْمَذْكورِ و أن وَجَدَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ صَحَّتْ، وَ انْتَقَضَ بِالنِّسْبَةِ إلَي غَيرِهَا (وَلَوْ وَجَدَهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ) و لو بَعْدَ التَّكبِيرِ (أَتَمَّهَا) مُطْلَقًا (عَلَي الْأَصَحِّ) عَمَلًا بِأَشْهَرِ الرِّوَاياتِ وَ أَرْجَحِهَا سَنَدًا، وَ اعْتِضَادًا بِالنَّهْي الْوَارِدِ عَنْ قَطْعِ الْأَعْمَالِ وَ لَا فَرْقَ فِي ذَلِك بَينَ الْفَرِيضَةِ وَ النَّافِلَةِ.

وَ حَيثُ حُكمَ بِالْإِتْمَامِ فَهُوَ لِلْوُجُوبِ عَلَي تَقْدِيرِ وُجُوبِهَا، فَيحْرُمُ قَطْعُهَا وَ الْعُدُولُ بِهَا إلَي النَّافِلَةِ، لِأَنَّ ذَلِك مَشْرُوطٌ بِأَسْبَابٍ مُسَوِّغَةٍ وَ الْحَمْلُ عَلَي نَاسِي الْأَذَانِ قِياسٌ، و لو ضَاقَ الْوَقْتُ فَلَا إشْكالَ فِي التَّحْرِيمِ.

وَ هَلْ ينْتَقِضُ التَّيمُّمُ بِالنِّسْبَةِ إلَي غَيرِ هَذِهِ الصَّلَاةِ عَلَي تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّمَكنِ مِنْهُ بَعْدَهَا؟ الْأَقْرَبُ الْعَدَمُ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِالتَّمَكنِ و لم يحْصُلْ، وَ الْمَانِعُ الشَّرْعِي كالْعَقْلِي.

وَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَقْوَالٌ: مِنْهَا الرُّجُوعُ مَا لَمْ يرْكعْ، وَ مِنْهَا الرُّجُوعُ مَا لَمْ يقْرَأْ، وَ مِنْهَا التَّفْصِيلُ بِسَعَةِ الْوَقْتِ وَ ضِيقِهِ، وَ الْأَخِيرَانِ لَا شَاهِدَ لَهُمَا، وَ الْأَوَّلُ مُسْتَنِدٌ إلَي رِوَايةٍ مُعَارَضَةٍ بِمَا هُوَ أَقْوَي مِنْهَا.

2 - كتاب الصلاة

الفصل الاول في اعدادها

الفصل الاول في اعدادها

كتَابُ الصَّلَاةِ فُصُولُهُ أَحَدَ عَشَرَ: (الْأَوَّلُ - فِي أَعْدَادِهَا) (وَالْوَاجِبُ سَبْعُ) صَلَوَاتٍ: (الْيوْمِيةُ) الْخَمْسُ الْوَاقِعَةُ فِي الْيوْمِ وَ اللَّيلَةِ، نُسِبَتْ إلَي الْيوْمِ تَغْلِيبًا، أَوْ بِنَاءً عَلَي إطْلَاقِهِ عَلَي مَا يشْمَلُ اللَّيلَ (وَالْجُمُعَةُ وَ الْعِيدَانِ وَ الْآياتُ وَ الطَّوَافُ وَ الْأَمْوَاتُ وَ الْمُلْتَزَمُ بِنَذْرٍ وَ شِبْهِهِ) و هذه الْأَسْمَاءُ إمَّا غَالِبَةٌ عُرْفًا، أَوْ بِتَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ فِيمَا عَدَا الْأُولَي، وَ الْمَوْصُوفُ فِيهَا وَ عَدَّهَا سَبْعَةً أَسَدُّ مِمَّا صَنَعَ مَنْ قَبْلَهُ حَيثُ عَدُّوهَا تِسْعَةً بِجَعْلِ الْآياتِ ثَلَاثًا بِالْكسُوفَينِ.

وَ فِي إدْخَالِ صَلَاةِ

الْأَمْوَاتِ اخْتِيارُ إطْلَاقِهَا عَلَيهَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيةِ، و هو الَّذِي صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِاخْتِيارِهِ فِي الذِّكرَي وَ نَفَي الصَّلَاةَ عَمَّا لَا فَاتِحَةَ فِيهَا وَ لَا طَهُورَ، وَ الْحُكمُ بِتَحْلِيلِهَا بِالتَّسْلِيمِ ينَافِي الْحَقِيقَةَ.

وَ بَقِي مِنْ أَقْسَامِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ صَلَاةُ الِاحْتِياطِ وَ الْقَضَاءِ، فَيمْكنُ دُخُولُهُمَا فِي الْمُلْتَزَمِ، و هو الَّذِي اسْتَحْسَنَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْيوْمِيةِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُكمِّلٌ لِمَا يحْتَمَلُ فَوَاتُهُ مِنْهَا، وَ الثَّانِي فِعْلُهَا فِي غَيرِ وَقْتِهَا، وَ دُخُولُ الْأَوَّلِ فِي الْمُلْتَزَمِ، وَ الثَّانِي فِي الْيوْمِيةِ، و له وَجْهٌ وَجِيهٌ. (وَالْمَنْدُوبُ) مَنْ الصَّلَاةِ (لَا حَصْرَ لَهُ) فَإِنَّ الصَّلَاةَ خَيرُ مَوْضُوعٍ، فَمَنْ شَاءَ اسْتَقَلَّ و من شَاءَ اسْتَكثَرَ (وَأَفْضَلُهُ الرَّوَاتِبُ) الْيوْمِيةُ الَّتِي هِي ضِعْفُهَا (فَلِلظُّهْرِ ثَمَانِ) رَكعَاتٍ (قَبْلَهَا، وَ لِلْعَصْرِ ثَمَانِ رَكعَاتٍ قَبْلَهَا، وَ لِلْمَغْرِبِ أَرْبَعٌ بَعْدَهَا، وَ لِلْعِشَاءِ رَكعَتَانِ جَالِسًا) أَي الْجُلُوسُ ثَابِتٌ فِيهِمَا بِالْأَصْلِ لَا رُخْصَةً، لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُمَا وَاحِدَةٌ لِيكمِلَ بِهَا ضِعْفَ الْفَرِيضَةِ، و هو يحْصُلُ بِالْجُلُوسِ فِيهِمَا، لِأَنَّ الرَّكعَتَينِ مِنْ جُلُوسٍ ثَوَابُهُمَا رَكعَةٌ مِنْ قِيامٍ.

(وَيجُوزُ قَائِمًا) بَلْ هُوَ أَفْضَلُ عَلَي الْأَقْوَي لِلتَّصْرِيحِ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ وَ عَدَمِ دَلَالَةِ مَا دَلَّ عَلَي فِعْلِهِمَا جَالِسًا عَلَي أَفْضَلِيتِهِ، بَلْ غَايتِهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَي الْجَوَازِ، مُضَافًا إلَي مَا دَلَّ عَلَي أَفْضَلِيةِ الْقِيامِ فِي النَّافِلَةِ مُطْلَقًا وَ مَحَلُّهُمَا (بَعْدَهَا) أَي بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَ الْأَفْضَلُ جَعْلُهُمَا بَعْدَ التَّعْقِيبِ، وَ بَعْدَ كلِّ صَلَاةٍ يرِيدُ فِعْلَهَا بَعْدَهَا.

وَ اخْتَلَفَ كلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي تَقْدِيمِهِمَا عَلَي نَافِلَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَ تَأْخِيرِهِمَا عَنْهَا، فَفِي النَّفْلِيةِ قَطْعٌ بِالْأَوَّلِ، و في الذِّكرَي بِالثَّانِي، وَ ظَاهِرُهُ هُنَا الْأَوَّلُ نَظَرًا إلَي الْبَعْدِيةِ، وَ كلَاهُمَا حَسَنٌ.

(وَثَمَانِ) رَكعَاتٍ صَلَاةُ (اللَّيلِ، وَ رَكعَتَا الشَّفْعِ) بَعْدَهَا، (وَرَكعَةُ الْوِتْرِ، وَ رَكعَتَا الصُّبْحِ قَبْلَهَا) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ رِوَايةً وَ فَتْوَي، وَ رُوِي ثَلَاثٌ وَ

ثَلَاثُونَ بِإِسْقَاطِ الْوَتِيرَةِ، وَ تِسْعٌ وَ عِشْرُونَ وَ سَبْعٌ وَ عِشْرُونَ بِنَقْصِ الْعَصْرِيةِ أَرْبَعًا، أَوْ سِتًّا مَعَ الْوَتِيرَةِ، وَ حُمِلَ عَلَي الْمُؤَكدِ مِنْهَا لَا عَلَي انْحِصَارِ السُّنَّةِ فِيهَا.

(وَفِي السَّفَرِ وَ الْخَوْفِ) الْمُوجِبَينِ لِلْقَصْرِ (تَنْتَصِفُ الرُّبَاعِيةِ، وَ تَسْقُطُ رَاتِبَةُ الْمَقْصُورَةِ) و لو قَالَ رَاتِبَتُهَا كانَ أَقْصَرَ، فَالسَّاقِطُ نِصْفُ الرَّاتِبَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ رَكعَةً، و هو فِي غَيرِ الْوَتِيرَةِ مَوْضِعُ و ِفَاقٍ، وَ فِيهَا عَلَي الْمَشْهُورِ، بَلْ قِيلَ إنَّهُ إجْمَاعِي أَيضًا.

وَلَكنْ رَوَي الْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ عَنْ " الرِّضَا " عَلَيهِ السَّلَامُ عَدَمَ سُقُوطِهَا، مُعَلِّلًا بِأَنَّهَا زِيادَةٌ فِي الْخَمْسِينَ تَطَوُّعًا، لِيتِمَّ بِهَا بَدَلُ كلِّ رَكعَةٍ مِنْ الْفَرِيضَةِ رَكعَتَينِ مِنْ التَّطَوُّعِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي: و هذا قَوِي لِأَنَّهُ خَاصٌّ وَ مُعَلَّلٌ، إلَّا أَنْ ينْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ عَلَي خِلَافِهِ.

وَ نَبَّهَ بِالِاسْتِثْنَاءِ عَلَي دَعْوَي ابْنِ إدْرِيسَ الْإِجْمَاعَ عَلَيهِ، مَعَ أَنَّ الشَّيخَ فِي النِّهَايةِ صَرَّحَ بِعَدَمِهِ، فَمَا قَوَّاهُ فِي مَحَلِّهِ. (وَلِكلِّ رَكعَتَينِ مَنْ النَّافِلَةِ تَشَهُّدٌ وَ تَسْلِيمٌ) هَذَا هُوَ الْأَغْلَبُ و قد خَرَجَ عَنْهُ مَوَاضِعُ ذَكرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا مَوْضِعَينِ بِقَوْلِهِ: (وَلِلْوِتْرِ بِانْفِرَادِهِ) تَشَهُّدٌ وَ تَسْلِيمٌ (وَلِصَلَاةِ الْأَعْرَابِي) مِنْ التَّشَهُّدِ وَ التَّسْلِيمِ (تَرْتِيبُ الظُّهْرَينِ بَعْدَ الثُّنَائِيةِ) فَهِي عَشْرُ رَكعَاتٍ بِخَمْسِ تَشَهُّدَاتٍ وَ ثَلَاثِ تَسْلِيمَاتٍ كالصُّبْحِ وَ الظُّهْرَينِ.

وَ بَقِي صَلَوَاتٌ أُخَرُ ذَكرَهَا الشَّيخُ فِي الصَّبَاحِ وَ السَّيدُ رَضِي الدِّينِ بْنُ طَاوُسٍ فِي تَتِمَّاتِهِ يفْعَلُ مِنْهَا بِتَسْلِيمٍ وَاحِدٍ أَزْيدَ مِنْ رَكعَتَينِ، تَرَك الْمُصَنِّفُ وَ الْجَمَاعَةُ اسْتِثْنَاءَهَا لِعَدَمِ اشْتِهَارِهَا وَ جَهَالَةِ طَرِيقِهَا، وَ صَلَاةُ الْأَعْرَابِي تُوَافِقُهَا فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ.

الفصل الثاني في شروطها

الفصل الثاني في شروطها

الشرط الاول: الوقت

(الْفَصْلُ الثَّانِي - فِي شُرُوطِهَا) (وَهِي سَبْعَةٌ): (الْأُولَي - الْوَقْتُ) وَ الْمُرَادُ هُنَا وَقْتُ الْيوْمِيةِ، مَعَ أَنَّ السَّبْعَةَ شُرُوطٍ لِمُطْلَقِ الصَّلَاةِ غَيرَ الْأَمْوَاتِ فِي الْجُمْلَةِ، فَيجُوزُ عَوْدُ ضَمِيرِ شُرُوطِهَا إلَي الْمُطْلَقِ، لَكنْ

لَا يلَائِمُهُ تَخْصِيصُ الْوَقْتِ بِالْيوْمِيةِ إلَّا أَنْ يؤْخَذَ كوْنُ مُطْلَقِ الْوَقْتِ شَرْطًا و ما بَعْدَ ذِكرِهِ مُجْمَلًا مِنْ التَّفْصِيلِ حُكمٌ آخَرُ لِلْيوْمِيةِ، و لو عَادَ ضَمِيرُ شُرُوطِهَا إلَي الْيوْمِيةِ لَا يحْسُنُ، لِعَدَمِ الْمُمَيزِ مَعَ اشْتَرَاك الْجَمِيعِ فِي الشَّرَائِطِ بِقَوْلٍ مُطْلَقٍ، إلَّا أَنَّ عَوْدَهُ إلَي الْيوْمِيةِ أَوْفَقُ لِنَظْمِ الشُّرُوطِ، بِقَرِينَةِ تَفْصِيلِ الْوَقْتِ وَ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ لِلطَّوَافِ وَ الْأَمْوَاتِ وَ الْمُلْتَزَمِ إلَّا بِتَكلُّفٍ وَ تَجَوُّزٍ، وَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ وَ الْخَبَثِ فِي صَلَاةِ الْأَمْوَاتِ و هي أَحَدُ السَّبْعَةِ، وَ اخْتِصَاصُ الْيوْمِيةِ بِالضَّمِيرِ مَعَ اشْتِرَاكهِ لِكوْنِهَا الْفَرْدَ الْأَظْهَرَ مِنْ بَينِهَا، وَ الْأَكمَلُ مَعَ انْضِمَامِ قَرَائِنَ لَفْظِيةٍ بَعْدَ ذَلِك.

(فَلِلظُّهْرِ) مِنْ الْوَقْتِ (زَوَالُ الشَّمْسِ) عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ وَ مَيلُهَا عَنْ دَائِرَةِ نِصْفِ النَّهَارِ (الْمَعْلُومِ بِزَيدِ الظِّلِّ) أَي زِيادَتِهِ، مَصْدَرَانِ لَزَادَ الشَّيءُ (بَعْدَ نَقْصِهِ) و ذلك فِي الظِّلِّ الْمَبْسُوطِ، و هو الْحَادِثُ مِنْ الْمَقَاييسِ الْقَائِمَةِ عَلَي سَطْحِ الْأُفُقِ، فَإِنَّ الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ وَقَعَ - لِكلِّ شَاخِصٍ قَائِمٍ عَلَي سَطْحِ الْأَرْضِ بِحَيثُ يكونُ عَمُودًا عَلَي سَطْحِ الْأُفُقِ - ظِلٌّ طَوِيلٌ إلَي جِهَةِ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ لَا يزَالُ ينْقُصُ كلَّمَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ حَتَّي تَبْلُغَ وَسَطَ السَّمَاءِ فَينْتَهِي النُّقْصَانُ إنْ كانَ عَرْضُ الْمَكانِ الْمَنْصُوبِ فِيهِ الْمِقْياسُ مُخَالِفًا لِمَيلِ الشَّمْسِ فِي الْمِقْدَارِ وَ يعْدَمُ الظِّلُّ أَصْلًا إنْ كانَ بِقَدْرِهِ، و ذلك فِي كلِّ مَكان يكونُ عَرْضُهُ مُسَاوِيا لِلْمَيلِ الْأَعْظَمِ لِلشَّمْسِ أَوْ أَنْقَصَ عِنْدَ مَيلِهَا بِقَدْرِهِ وَ مُوَافَقَتِهِ لَهُ فِي الْجِهَةِ.

وَ يتَّفِقُ فِي أَطْوَلِ أَيامِ السَّنَةِ تَقْرِيبًا فِي مَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم و ما قَارَبَهَا فِي الْعَرْضِ، وَ فِي مَكةَ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ بِسِتَّةٍ وَ عِشْرِينَ يوْمًا، ثُمَّ يحْدُثُ ظِلٌّ جَنُوبِي إلَي تَمَامِ الْمَيلِ وَ بَعْدَهُ إلَي ذَلِك الْمِقْدَارِ، ثُمَّ يعْدَمُ

يوْمًا آخَرَ.

وَ الضَّابِطُ: أَنَّ مَا كانَ عَرْضُهُ زَائِدًا عَلَي الْمَيلِ الْأَعْظَمِ لَا يعْدَمُ الظِّلُّ فِيهِ أَصْلًا، بَلْ يبْقَي عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْهُ بَقِيةٌ تَخْتَلِفُ زِيادَةً وَ نُقْصَانًا بِبُعْدِ الشَّمْسِ مِنْ مُمَاسَّةِ رُءُوسِ أَهْلِهِ وَ قُرْبِهَا، و ما كانَ عَرْضُهُ مُسَاوِيا لِلْمَيلِ يعْدَمُ فِيهِ يوْمًا و هو أَطْوَلُ أَيامِ السَّنَةِ، و ما كانَ عَرْضُهُ أَنْقَصَ مِنْهُ كمَكةَ وَ صَنْعَاءَ يعْدَمُ فِيهِ يوْمَينِ عِنْدَ مُمَاسَّةِ الشَّمْسِ لِرُءُوسِ أَهْلِهِ صَاعِدَةً وَ هَابِطَةً، كلُّ ذَلِك مَعَ مُوَافَقَةٍ لَهُ فِي الْجِهَةِ كمَا مَرَّ.

أَمَّا الْمَيلُ الْجَنُوبِي فَلَا يعْدَمُ ظِلُّهُ مِنْ ذِي الْعَرْضِ مُطْلَقًا، لَا كمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الذِّكرَي - تَبَعًا لِلْعَلَّامَةِ - مِنْ كوْنِ ذَلِك بِمَكةَ وَ صَنْعَاءَ فِي أَطْوَلِ أَيامِ السَّنَةِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَقْبَحِ الْفَسَادِ.

وَ أَوَّلُ مَنْ وَقَعَ فِيهِ الرَّافِعِي مِنْ الشَّافِعِيةِ، ثُمَّ قَلَّدَهُ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنَّا وَ مِنْهُمْ مِنْ غَيرِ تَحْقِيقٍ لِلْمَحَلِّ، و قد حَرَّرْنَا الْبَحْثَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ.

وَ إِنَّمَا لَمْ يذْكرْ الْمُصَنِّفُ هُنَا حُكمَ حُدُوثِهِ بَعْدَ عَدَمِهِ لِأَنَّهُ نَادِرٌ، فَاقْتَصَرَ عَلَي الْعَلَامَةِ الْغَالِبَةِ، و لو عَبَّرَ بِظُهُورِ الظِّلِّ فِي جَانِبِ الْمَشْرِقِ كمَا صَنَعَ فِي الرِّسَالَةِ الْأَلْفِيةِ - لَشَمِلَ الْقِسْمَينِ بِعِبَارَةٍ وَجِيزَةٍ.

(وَلِلْعَصْرِ الْفَرَاغُ مِنْهَا و لو تَقْدِيرًا) بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يكونَ قَدْ صَلَّاهَا فَإِنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ يدْخُلُ بِمُضِي مِقْدَارِ فِعْلِهِ الظُّهْرَ بِحَسْبِ حَالِهِ مِنْ قَصْرٍ، وَ تَمَامٍ، وَ خِفَّةٍ، وَ بُطْءٍ، وَ حُصُولِ الشَّرَائِطِ، وَ فَقْدِهَا بِحَيثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِهَا لَأَتَمَّهَا.

لَا بِمَعْنَي جَوَازِ فِعْلِ الْعَصْرِ حِينَئِذٍ مُطْلَقًا، بَلْ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ لَوْ صَلَّاهَا نَاسِيا قَبْلَ الظُّهْرِ، فَإِنَّهَا تَقَعُ صَحِيحَةً إنْ وَقَعَتْ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا الْمَذْكورِ، وَ كذَا لَوْ دَخَلَ قَبْلَ أَنْ يتِمَّهَا (وَتَأْخِيرُهَا) أَي الْعَصْرِ إلَي (مَصِيرِ الظِّلِّ) الْحَادِثِ بَعْدَ الزَّوَالِ (مِثْلُهُ) أَي مِثْلُ ذِي الظِّلِّ و

هو الْمِقْياسُ (أَفْضَلُ) مِنْ تَقْدِيمِهَا عَلَي ذَلِك الْوَقْتِ، كمَا أَنَّ فِعْلَ الظُّهْرِ قَبْلَ هَذَا الْمِقْدَارِ أَفْضَلُ، بَلْ قِيلَ بِتَعَينِهِ بِخِلَافِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ.

(وَلِلْمَغْرِبِ ذَهَابُ الْحُمْرَةِ الْمَشْرِقِيةِ) و هي الْكائِنَةُ فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ، وَحَدُّهُ قِمَّةُ الرَّأْسِ.

(وَلِلْعِشَاءِ الْفَرَاغُ مِنْهَا) و لو تَقْدِيرًا عَلَي نَحْوِ مَا قُرِّرَ لِلظُّهْرِ إلَّا أَنَّهُ هُنَا لَوْ شَرَعَ فِي الْعِشَاءِ تَمَامًا تَامَّةَ الْأَفْعَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ الْمُشْتَرَك و هو فِيهَا، فَتَصِحُّ مَعَ النِّسْيانِ بِخِلَافِ الْعَصْرِ.

(وَتَأْخِيرُهَا) إلَي ذَهَابِ الْحُمْرَةِ (الْمَغْرِبِيةِ أَفْضَلُ)، بَلْ قِيلَ بِتَعَينِهِ كتَقْدِيمِ الْمَغْرِبِ عَلَيهِ أَمَّا الشَّفَقُ الْأَصْفَرُ وَ الْأَبْيضُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِمَا عِنْدَنَا.

(وَلِلصُّبْحِ طُلُوعُ الْفَجْرِ) الصَّادِقِ و هو الثَّانِي الْمُعْتَرِضِ فِي الْأُفُقِ.

(وَيمْتَدُّ وَقْتُ الظُّهْرَينِ إلَي الْغُرُوبِ) اخْتِيارًا عَلَي أَشْهُرِ الْقَوْلَينِ لَا بِمَعْنَي أَنَّ الظُّهْرَ تُشَارِك الْعَصْرَ فِي جَمِيعِ ذَلِك الْوَقْتِ، بَلْ يخْتَصُّ الْعَصْرُ مِنْ آخِرِهِ بِمِقْدَارِ أَدَائِهَا، كمَا يخْتَصُّ الظُّهْرُ مِنْ أَوَّلِهِ بِهِ.

وَ إِطْلَاقُ امْتِدَادِ وَقْتِهِمَا بِاعْتِبَارِ كوْنِهِمَا لَفْظًا وَاحِدًا إذَا امْتَدَّ وَقْتُ مَجْمُوعِهِ مِنْ حَيثُ هُوَ مَجْمُوعٌ إلَي الْغُرُوبِ لَا ينَافِي عَدَمَ امْتِدَادِ بَعْضِ أَجْزَائِهِ - و هو الظُّهْرُ - إلَي ذَلِك، كمَا إذَا قِيلَ: يمْتَدُّ وَقْتُ الْعَصْرِ إلَي الْغُرُوبِ لَا ينَافِي عَدَمَ امْتِدَادِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا - و هو أَوَّلُهَا - إلَيهِ.

وَ حِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الِامْتِدَادِ عَلَي وَقْتِهِمَا بِهَذَا الْمَعْنَي بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لَا الْمَجَازِ، إطْلَاقًا لِحُكمِ بَعْضِ الْأَجْزَاءِ عَلَي الْجَمِيعِ أَوْ نَحْوِ ذَلِك.

(وَ) وَقْتُ (الْعِشَاءَينِ إلَي نِصْفِ اللَّيلِ) مَعَ اخْتِصَاصِ الْعِشَاءِ مِنْ آخِرِهِ بِمِقْدَارِ أَدَائِهَا، عَلَي نَحْوِ مَا ذَكرْنَاهُ فِي الظُّهْرَينِ.

(وَيمْتَدُّ وَقْتُ الصُّبْحِ حَتَّي تَطْلُعَ الشَّمْسُ) عَلَي أُفُقِ مَكانِ الْمُصَلِّي و أن لَمْ تَظْهَرْ لِلْأَبْصَارِ. (وَ) وَقْتُ (نَافِلَةِ الظُّهْرِ مِنْ الزَّوَالِ إلَي أَنْ يصِيرَ الْفَيءُ) و هو الظِّلُّ الْحَادِثُ بَعْدَ الزَّوَالِ، سَمَّاهُ فِي وَقْتِ الْفَرِيضَةِ ظِلًّا وَهُنَا فَيئًا - و هو

أَجْوَدُ - لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ " فَاءَ: إذَا رَجَعَ " مِقْدَارُ (قَدَمَينِ) أَي سُبْعَي قَامَةِ الْمِقْياسِ، لِأَنَّهَا إذَا قُسِّمَتْ سَبْعَةَ أَقْسَامٍ يقَالُ لِكلِّ قِسْمٍ " قَدَمٌ "، وَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ قَامَةَ الْإِنْسَانِ غَالِبًا سَبْعَةَ أَقْدَامٍ بِقَدَمِهِ.

(وَلِلْعَصْرِ أَرْبَعَةُ أَقْدَامٍ) فَعَلَي هَذَا تُقَدَّمُ نَافِلَةُ الْعَصْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَوَّلَ وَقْتِهَا أَوْ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ، وَتُؤَخَّرُ الْفَرِيضَةُ إلَي وَقْتِهَا، و هو مَا بَعْدَ الْمِثْلِ.

هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ رِوَايةً وَ فَتْوَي.

وَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ مَا يدُلُّ عَلَي امْتِدَادِ وَقْتِهِمَا بِامْتِدَادِ وَقْتِ فَضِيلَةِ الْفَرِيضَةِ، و هو زِيادَةُ الظِّلِّ بِمِقْدَارِ مِثْلِ الشَّخْصِ لِلظُّهْرِ وَ مِثْلَيهِ لِلْعَصْرِ، و فيه قُوَّةٌ.

وَ ينَاسِبُهُ الْمَنْقُولُ مِنْ فِعْلِ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ الْأَئِمَّةِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ و غيرهِمْ مِنْ السَّلَفِ مِنْ صَلَاةِ نَافِلَةِ - الْعَصْرِ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ مُتَّصِلَةً بِهَا.

وَ عَلَي مَا ذَكرُوهُ مِنْ الْأَقْدَامِ لَا يجْتَمِعَانِ أَصْلًا لِمَنْ أَرَادَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الْفَضِيلَةِ، وَ الْمَرْوِي { أَنَّ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم كانَ يتْبِعُ الظُّهْرَ بِرَكعَتَينِ مِنْ سُنَّةِ الْعَصْرِ، وَ يؤَخِّرُ الْبَاقِي إلَي أَنْ يرِيدَ صَلَاةَ الْعَصْرِ } وَ رُبَّمَا اتَّبَعَهَا بِأَرْبَعَ وَ سِتٍّ وَ أَخَّرَ الْبَاقِي و هو السِّرُّ فِي اخْتِلَافِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْدَادِ نَافِلَتَيهِمَا، و لكن أَهْلَ الْبَيتِ أَدْرَي بِمَا فِيهِ.

وَ لَوْ أَخَّرَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَي الْفَرْضِ عَنْهُ لَا لِعُذْرِ نَقْصِ الْفَضْلِ وَ بَقِيتْ أَدَاءً مَا بَقِي وَقْتُهَا، بِخِلَافِ الْمُتَأَخَّرِ فَإِنَّ وَقْتَهَا لَا يدْخُلُ بِدُونِ فِعْلِهِ.

(وَلِلْمَغْرِبِ إلَي ذَهَابِ الْحُمْرَةِ الْمَغْرِبِيةِ، وَ لِلْعِشَاءِ كوَقْتِهَا) فَتَبْقَي أَدَاءً إلَي أَنْ ينْتَصِفَ اللَّيلُ، و ليس فِي النَّوَافِلِ مَا يمْتَدُّ بِامْتِدَادِ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ عَلَي الْمَشْهُورِ سِوَاهَا (وَاللَّيلُ بَعْدَ نِصْفِهِ) الْأَوَّلِ (إلَي طُلُوعِ الْفَجْرِ) الثَّانِي.

وَ الشَّفْعُ وَ الْوَتْرُ مِنْ جُمْلَةِ صَلَاةِ اللَّيلِ هُنَا، وَ كذَا

تُشَارِكهَا فِي الْمُزَاحَمَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ لَوْ أَدْرَك مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارَ أَرْبَعٍ، كمَا يزَاحِمُ بِنَافِلَةِ الظُّهْرَينِ لَوْ أَدْرَك مِنْ وَقْتِهَا رَكعَةً، أَمَّا الْمَغْرِبِيةُ فَلَا يزَاحَمُ بِهَا مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يتَلَبَّسَ مِنْهَا بِرَكعَتَينِ فَيتِمَّهَا مُطْلَقًا.

(وَالصُّبْحُ حَتَّي تَطْلُعَ الْحُمْرَةُ) مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، و هو آخِرُ وَقْتِ فَضِيلَةِ الْفَرِيضَةِ، كالْمِثْلِ وَ الْمِثْلَينِ لِلظُّهْرَينِ وَ الْحُمْرَةِ الْمَغْرِبِيةِ لِلْمَغْرِبِ، و هو ينَاسِبُ رِوَايةَ الْمِثْلِ لَا الْقَدَمِ. (وَتُكرَهُ النَّافِلَةُ الْمُبْتَدِئَةُ) و هي الَّتِي يحْدِثُهَا الْمُصَلِّي تَبَرُّعًا، فَإِنَّ الصَّلَاةَ قُرْبَانُ كلِّ تَقِي وَ احْتُرِزَ بِهَا عَنْ ذَاتِ السَّبَبِ، كصَلَاةِ الطَّوَافِ، وَ الْإِحْرَامِ، وَ تَحِيةِ الْمَسْجِدِ بَعْدَ دُخُولِهِ، وَ الزِّيارَةِ عِنْدَ حُصُولِهَا، وَ الْحَاجَةِ، وَ الِاسْتِخَارَةِ، وَ الشُّكرِ، وَ قَضَاءِ النَّوَافِلِ مُطْلَقًا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ الْمُتَعَلَّقِ اثْنَانِ مِنْهَا بِالْفِعْلِ (بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ) إلَي أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ (وَالْعَصْرُ) إلَي أَنْ تَغْرُبَ (وَ) ثَلَاثَةٌ بِالزَّمَانِ (عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) أَي بَعْدَهُ حَتَّي تَرْتَفِعَ وَ يسْتَوْلِي شُعَاعُهَا وَ تَذْهَبَ الْحُمْرَةُ، وَ هُنَا يتَّصِلُ وَقْتُ الْكرَاهَتَينِ الْفِعْلِي وَ الزَّمَانِي (وَ) عِنْدَ (غُرُوبِهَا) أَي مَيلِهَا إلَي الْغُرُوبِ وَ اصْفِرَارِهَا حَتَّي يكمُلَ بِذَهَابِ الْحُمْرَةِ الْمَشْرِقِيةِ.

وَ تَجْتَمِعُ هُنَا الْكرَاهَتَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (وَ) عِنْدَ (قِيامِهَا) فِي وَسَطِ السَّمَاءِ وَ وُصُولِهَا إلَي دَائِرَةِ نِصْفِ النَّهَارِ تَقْرِيبًا إلَي أَنْ تَزُولَ (إلَّا يوْمَ الْجُمُعَةِ) فَلَا تُكرَهُ النَّافِلَةُ فِيهِ عِنْدَ قِيامِهَا، لِاسْتِحْبَابِ صَلَاةِ رَكعَتَينِ مِنْ نَافِلَتِهَا حِينَئِذٍ و في الحَقِيقَةِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ نَافِلَةَ الْجُمُعَةِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَسْبَابِ إلَّا أَنْ يقَالَ بِعَدَمِ كرَاهَةِ الْمُبْتَدِئَةِ فِيهِ أَيضًا عَمَلًا بِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ بِاسْتِثْنَائِهِ (وَلَا تُقَدَّمُ) النَّافِلَةُ اللَّيلِيةُ عَلَي الِانْتِصَافِ (إلَّا لِعُذْرٍ) كتَعَبٍ وَ بَرْدٍ وَ رُطُوبَةِ رَأْسٍ وَ جَنَابَةٍ و لو اخْتِيارِيةٍ يشَقُّ مَعَهَا الْغُسْلُ، فَيجُوزُ تَقْدِيمُهَا حِينَئِذٍ مِنْ أَوَّلِهِ بَعْدَ الْعِشَاءِ بِنِيةِ التَّقْدِيمِ أَوْ الْأَدَاءِ وَ

مِنْهَا الشَّفْعُ وَ الْوَتْرُ.

(وَقَضَاؤُهَا أَفْضَلُ) مِنْ تَقْدِيمِهَا فِي صُورَةِ جَوَازِهِ. (وَأَوَّلُ الْوَقْتِ أَفْضَلُ) مَنْ غَيرِهِ (إلَّا) فِي مَوَاضِعَ تَرْتَقِي إلَي خَمْسَةٍ وَ عِشْرِينَ ذَكرَ أَكثَرُهَا الْمُصَنِّفُ فِي النَّفْلِيةِ، وَ حَرَّرْنَاهَا مَعَ الْبَاقِي فِي شَرْحِهَا، و قد ذُكرَ مِنْهَا هُنَا ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ: (لِمَنْ يتَوَقَّعُ زَوَالُ عُذْرِهِ) بَعْدَ أَوَّلِهِ، كفَاقِدِ السَّاتِرِ أَوْ وَصْفِهِ وَ الْقِيامِ، و ما بَعْدَهُ مِنْ الْمَرَاتِبِ الرَّاجِحَةِ عَلَي مَا هُوَ بِهِ إذَا رَجَا الْقُدْرَةَ فِي آخِرِهِ.

وَ الْمَاءِ عَلَي الْقَوْلِ بِجَوَازِ التَّيمُّمِ مَعَ السَّعَةِ وَ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ غَيرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا (وَلِصَائِمٍ يتَوَقَّعُ) غَيرُهُ (فِطْرَهُ) و مثله مَنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ إلَي الْإِفْطَارِ بِحَيثُ ينَافِي الْإِقْبَالَ عَلَي الصَّلَاةِ (وَلِلْعِشَاءَينِ) لِلْمُفِيضِ مِنْ عَرَفَةَ (إلَي الْمَشْعَرِ) و أن تَثَلَّثَ اللَّيلُ. (وَيعَوَّلُ فِي الْوَقْتِ عَلَي الظَّنِّ) الْمُسْتَنَدِ إلَي وِرْدٍ بِصَنْعَةٍ أَوْ دَرْسٍ وَ نَحْوِهِمَا (مَعَ تَعَذُّرِ الْعِلْمِ) أَمَّا مَعَ إمْكانِهِ فَلَا يجُوزُ الدُّخُولُ بِدُونِهِ (فَإِنْ) صَلَّي بِالظَّنِّ حَيثُ يتَعَذَّرُ الْعِلْمُ ثُمَّ انْكشَفَ و ُقُوعُهَا فِي الْوَقْتِ أَوْ (دَخَلَ و هو فِيهَا أَجْزَأَ) عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ (وَإِنْ تَقَدَّمَتْ) عَلَيهِ بِأَجْمَعِهَا (أَعَادَ) و هو مَوْضِعُ وِفَاقٍ.

الشرط الثاني: القبلة

(الثَّانِي - الْقِبْلَةُ) (وَهِي) عَينُ (الْكعْبَةِ لِلْمُشَاهِدِ) لَهَا (أَوْ حُكمُهُ) و هو مَنْ يقْدِرُ عَلَي التَّوَجُّهِ إلَي عَينِهَا به غير مَشَقَّةٍ كثِيرَةٍ لَا تُتَحَمَّلُ عَادَةً، و لو بِالصُّعُودِ إلَي جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ (وَجِهَتُهَا) و هي السَّمْتُ الَّذِي يحْتَمَلُ كوْنُهَا فِيهِ وَ يقْطَعُ بِعَدَمِ خُرُوجِهَا عَنْهُ لِأَمَارَةٍ شَرْعِيةٍ (لِغَيرِهِ) أَي غَيرِ الْمُشَاهِدِ و من بِحُكمِهِ كالْأَعْمَي.

وَ لَيسَتْ الْجِهَةُ لِلْبَعِيدِ مُحَصِّلَةً عَينَ الْكعْبَةِ و أن كانَ الْبُعْدُ عَنْ الْجِسْمِ يوجِبُ اتِّسَاعَ جِهَةِ مُحَاذَاتِهِ، لِأَنَّ ذَلِك لَا يقْتَضِي اسْتِقْبَالَ الْعَينِ، إذْ لَوْ أُخْرِجَتْ خُطُوطٌ مُتَوَازِيةٌ مِنْ مَوَاقِفِ الْبَعِيدِ الْمُتَبَاعِدَةِ الْمُتَّفِقَةِ الْجِهَةِ عَلَي وَجْهٍ يزِيدُ عَلَي جِرْمِ الْكعْبَةِ

لَمْ تَتَّصِلْ الْخُطُوطُ أَجْمَعَ بِالْكعْبَةِ ضَرُورَةً، وَ إِلَّا لَخَرَجَتْ عَنْ كوْنِهَا مُتَوَازِيةً.

وَ بِهَذَا يظْهَرُ الْفَرْقُ بَينَ الْعَينِ وَ الْجِهَةِ، وَ يتَرَتَّبُ عَلَيهِ بُطْلَانُ صَلَاةِ بَعْضِ الصَّفِّ الْمُسْتَطِيلِ زِيادَةً مِنْ قَدْرِ الْكعْبَةِ لَوْ اُعْتُبِرَ مُقَابَلَةُ الْعَينِ.

وَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْبَعِيدَ فَرْضُهُ الْجِهَةُ أَصَحُّ الْقَوْلَينِ فِي الْمَسْأَلَةِ، خِلَافًا لِلْأَكثَرِ حَيثُ جَعَلُوا الْمُعْتَبَرَ لِلْخَارِجِ عَنْ الْحَرَمِ اسْتِقْبَالَهُ، اسْتِنَادًا إلَي رِوَاياتٍ ضَعِيفَةٍ.

ثُمَّ إنْ عَلِمَ الْبَعِيدُ بِالْجِهَةِ بِمِحْرَابٍ مَعْصُومٍ أَوْ اعْتِبَارٍ رَصْدِي وَ إِلَّا عَوَّلَ عَلَي الْعَلَامَاتِ الْمَنْصُوبَةِ لِمَعْرِفَتِهَا نَصًّا أَوْ اسْتِنْبَاطًا.

(وَعَلَامَةُ) أَهْلِ (الْعِرَاقِ و من فِي سَمْتِهِمْ) كبَعْضِ أَهْلِ خُرَاسَانَ مِمَّنْ يقَارِبُهُمْ فِي طُولِ بَلَدِهِمْ (جَعَلَ الْمَغْرِبَ عَلَي الْأَيمَنِ وَ الْمَشْرِقَ عَلَي الْأَيسَرِ وَ الْجَدْي) حَالَ غَايةِ ارْتِفَاعِهِ أَوْ انْخِفَاضِهِ (خَلْفَ الْمَنْكبِ الْأَيمَنِ) و هذه الْعَلَامَةُ وَرَدَ بِهَا النَّصُّ خَاصَّةً عَلَامَةً لِلْكوفَةِ و ما ينَاسِبُهَا، و هي مُوَافِقَةٌ لِلْقَوَاعِدِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ الْهَيئَةِ و غيرهَا فَالْعَمَلُ بِهَا مُتَعَينٌ فِي أَوْسَاطِ الْعِرَاقِ مُضَافًا إلَي الْكوفَةِ كبَغْدَادَ وَ الْمَشْهَدَينِ وَ الْحُلَّةِ و أمّا الْعَلَامَةُ الْأُولَي: فَإِنْ أُرِيدَ فِيهَا بِالْمَغْرِبِ وَ الْمَشْرِقِ الِاعْتدَاليانِ - كمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيانِ، أَوْ الْجِهَتَانِ اصْطِلَاحًا وَ هُمَا الْمُقَاطِعَتَانِ لِجِهَتَي الْجَنُوبِ وَ الشَّمَالِ بِخَطَّينِ بِحَيثُ يحْدُثُ عَنْهُمَا زَوَايا قَوَائِمَ - كانَتْ مُخَالِفَةً لِلثَّانِيةِ كثِيرًا، لِأَنَّ الْجَدْي حَالَ اسْتِقَامَتِهِ يكونُ عَلَي دَائِرَةِ نِصْفِ النَّهَارِ الْمَارَّةِ بِنُقْطَتَي الْجَنُوبِ وَ الشَّمَالِ، فَجَعْلُ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ عَلَي الْوَجْهِ السَّابِقِ عَلَي الْيمِينِ وَ الْيسَارِ يوجِبُ جَعْلَ الْجَدْي بَينَ الْكتِفَينِ قَضِيةً لِلتَّقَاطُعِ، فَإِذَا اُعْتُبِرَ كوْنُ الْجَدْي خَلْفَ الْمَنْكبِ الْأَيمَنِ لَزِمَ الِانْحِرَافُ بِالْوَجْهِ عَنْ نُقْطَةِ الْجَنُوبِ نَحْوَ الْمَغْرِبِ كثِيرًا، فَينْحَرِفُ بِوَاسِطَتِهِ الْأَيمَنُ عَنْ الْمَغْرِبِ نَحْوَ الشَّمَالِ وَ الْأَيسَرُ عَنْ الْمَشْرِقِ نَحْوَ الْجَنُوبِ، فَلَا يصِحُّ جَعْلُهُمَا مَعًا عَلَامَةً لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ، إلَّا أَنْ يدَّعَي اغْتِفَارُ هَذَا

التَّفَاوُتِ، و هو بَعِيدٌ خُصُوصًا مَعَ مُخَالَفَةِ الْعَلَامَةِ لِلنَّصِّ وَ الِاعْتِبَارِ فَهِي إمَّا فَاسِدَةُ الْوَضْعِ أَوْ تَخْتَصُّ بِبَعْضِ جِهَاتِ الْعِرَاقِ، و هي أَطْرَافُهُ الْغَرْبِيةُ - كالْمُوصِلِ و ما وَ الَاهَا - فَإِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ جِهَتَهُمْ نُقْطَةُ الْجَنُوبِ، و هي مُوَافِقَةٌ لِمَا ذُكرَ فِي الْعَلَامَةِ.

وَ لَوْ اُعْتُبِرَتْ الْعَلَامَةُ الْمَذْكورَةُ غَيرَ مُقَيدَةٍ بِالِاعْتِدَالِ وَ لَا بِالْمُصْطَلَحِ بَلْ بِالْجِهَتَينِ الْعُرْفِيتَينِ انْتَشَرَ الْفَسَادُ كثِيرًا، بِسَبَبِ الزِّيادَةِ فِيهِمَا وَ النُّقْصَانِ الْمُلْحِقِ لَهُمَا تَارَةً بِعَلَامَةِ الشَّامِ وَ أُخْرَي بِعَلَامَةِ الْعِرَاقِ وَ ثَالِثَةً بِزِيادَةٍ عَنْهُمَا، وَ تَخْصِيصُهُمَا حِينَئِذٍ بِمَا يوَافِقُ الثَّانِيةَ يوجِبُ سُقُوطَ فَائِدَةِ الْعَلَامَةِ.

وَ أَمَّا أَطْرَافُ الْعِرَاقِ الشَّرْقِيةُ كالْبَصْرَةِ و ما وَ الَاهَا مِنْ بِلَادِ خُرَاسَانَ فَيحْتَاجُونَ إلَي زِيادَةِ انْحِرَافٍ نَحْوَ الْمَغْرِبِ عَنْ أَوْسَاطِهَا قَلِيلًا، و علي هَذَا الْقِياسِ (وَلِلشَّامِ) مِنْ الْعَلَامَاتِ (جَعْلُهُ) أَي الْجَدْي فِي تِلْك الْحَالَةِ (خَلْفَ الْأَيسَرِ).

الظَّاهِرُ مِنْ الْعِبَارَةِ كوْنُ الْأَيسَرِ صِفَةً لِلْمَنْكبِ بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ، و بهذا صَرَّحَ فِي الْبَيانِ، فَعَلَيهِ يكونُ انْحِرَافُ الشَّامِي عَنْ نُقْطَةِ الْجَنُوبِ مَشْرِقًا بِقَدْرِ انْحِرَافِ الْعِرَاقِي عَنْهَا مَغْرِبًا.

وَ اَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ غَيرُهُ - وَ وَافَقَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ و غيرهَا - أَنَّ الشَّامِي يجْعَلُ الْجَدْي خَلْفَ الْكتِفِ لَا الْمَنْكبِ، و هذا هُوَ الْحَقُّ الْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ، لِأَنَّ انْحِرَافَ الشَّامِي أَقَلُّ مِنْ انْحِرَافِ الْعِرَاقِي الْمُتَوَسِّطِ، وَ بِالتَّحْرِيرِ التَّامِّ ينْقُصُ الشَّامِي عَنْهُ جُزْأَينِ مِنْ تِسْعِينَ جُزْءًا مِمَّا بَينَ الْجَنُوبِ وَ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ.

(وَجَعَلَ سُهَيلَ) أَوَّلَ طُلُوعِهِ - و هو بُرُوزُهُ عَنْ الْأُفُقِ - (بَينَ الْعَينَينِ) لَا مُطْلَقِ كوْنِهِ وَ لَا غَايةَ ارْتِفَاعِهِ، لِأَنَّهُ فِي غَايةِ الِارْتِفَاعِ يكونُ مُسَامِتًا لِلْجَنُوبِ، لِأَنَّ غَايةَ ارْتِفَاعِ كلِّ كوْكبٍ يكونُ عَلَي دَائِرَةِ نِصْفِ النَّهَارِ الْمُسَامِتَةِ لَهُ كمَا سَلَفَ.

(وَلِلْمَغْرِبِ) وَ الْمُرَادُ بِهِ بَعْضُ الْمَغْرِبِ كالْحَبَشَةِ وَ النُّوبَةِ لَا الْمَغْرِبِ الْمَشْهُورِ (جَعْلُ

الثُّرَيا وَ الْعَيوقَ) عِنْدَ طُلُوعِهِمَا (عَلَي يمِينِهِ وَ شِمَالِهِ) الثُّرَيا عَلَي الْيمِينِ، وَ الْعَيوقَ عَلَي الْيسَارِ.

وَ أَمَّا الْمَغْرِبُ الْمَشْهُورُ فَقِبْلَتُهُ تَقْرُبُ مِنْ نُقْطَةِ الْمَشْرِقِ وَ بَعْضُهَا يمِيلُ عَنْهُ نَحْوَ الْجَنُوبِ يسِيرًا.

(وَالْيمَنُ مُقَابِلُ الشَّامِ) وَ لَازِمُ الْمُقَابَلَةِ أَنَّ أَهْلَ الْيمَنِ يجْعَلُونَ سُهَيلًا طَالِعًا بَينَ الْكتِفَينِ مُقَابِلَ جَعْلِ الشَّامِي لَهُ بَينَ الْعَينَينِ، وَ أَنَّهُمْ يجْعَلُونَ الْجَدْي مُحَاذِيا لِأُذُنِهِمْ الْيمْنَي، بِحَيثُ يكونُ مُقَابِلًا لِلْمَنْكبِ الْأَيسَرِ فَإِنَّ مُقَابِلَهُ يكونُ إلَي مُقَدَّمِ الْأَيمَنِ، و هذا مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي كتُبِهِ الثَّلَاثَةِ و غيرهِ مِنْ أَنَّ الْيمَنِي يجْعَلُ الْجَدْي بَينَ الْعَينَينِ وَ سُهَيلًا غَائِبًا بَينَ الْكتِفَينِ فَإِنَّ ذَلِك يقْتَضِي كوْنَ الْيمَنِ مُقَابِلًا لِلْعِرَاقِ لَا لِلشَّامِ.

وَ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ فَالْعَلَامَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ أَيضًا، فَإِنْ جَعَلَ الْجَدْي طَالِعًا بَينَ الْعَينَينِ يقْتَضِي اسْتِقْبَالَ نُقْطَةِ الشِّمَالِ، وَ حِينَئِذٍ فَيكونُ نُقْطَةُ الْجَنُوبِ بَينَ الْكتِفَينِ، و هي مُوَازِيةٌ لِسُهَيلٍ فِي غَايةِ ارْتِفَاعِهِ كمَا مَرَّ لَا غَائِبًا وَ مَعَ هَذَا فَالْمُقَابَلَةُ لِلْعِرَاقِي لَا لِلشَّامِي، هَذَا بِحَسْبِ مَا يتَعَلَّقُ بِعِبَارَاتِهِمْ و أمّا الْمُوَافِقُ لِلتَّحْقِيقِ: فَهُوَ أَنَّ الْمُقَابِلَ لِلشَّامِ مِنْ الْيمَنِ هُوَ صَنْعَاءُ و ما نَاسَبَهَا و هي لَا تُنَاسِبُ شَيئًا مِنْ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ، و إنّما الْمُنَاسِبُ لَهَا عَدَنُ و ما وَ الاهَا فَتَدَبَّرْ. (وَ) يجُوزُ أَنْ (يعَوَّلَ عَلَي قِبْلَةِ الْبَلَدِ) مِنْ غَيرِ أَنْ يجْتَهِدَ (إلَّا مَعَ عِلْمِ الْخَطَأِ) فَيجِبُ حِينَئِذٍ الِاجْتِهَادُ، وَ كذَا يجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا تَيامُنًا وَ تَياسُرًا و أن لَمْ يعْلَمْ الْخَطَأَ.

وَ الْمُرَادُ بِقِبْلَةِ الْبَلَدِ مِحْرَابُ مَسْجِدِهِ وَ تَوَجُّهُ قُبُورِهِ وَ نَحْوِهِ، وَ لَا فَرْقَ بَينَ الْكبِيرِ وَ الصَّغِيرِ.

وَ الْمُرَادُ بِهِ بَلَدُ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا عِبْرَةَ بِمِحْرَابِ الْمَجْهُولَةِ كقُبُورِهَا، كمَا لَا عِبْرَةَ بِنَحْوِ الْقَبْرِ وَ الْقَبْرَينِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَ لَا بِالْمِحْرَابِ الْمَنْصُوبِ فِي طَرِيقٍ قَلِيلَةِ الْمَارَّةِ مِنْهُمْ. (وَلَوْ

فَقَدَ الْأَمَارَاتِ) الدَّالَّةِ عَلَي الْجِهَةِ الْمَذْكورَةِ هُنَا و غيرهَا (قَلَّدَ) الْعَدْلَ الْعَارِفَ بِهَا رَجُلًا كانَ أَمْ امْرَأَةً حُرًّا أَمْ عَبْدًا.

وَ لَا فَرْقَ بَينَ فَقْدِهَا لِمَانِعٍ مِنْ رُؤْيتِهَا كغَيمٍ وَ رُؤْيتِهِ كعَمًي وَ جَهْلٍ بِهَا كالْعَامِّي مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ التَّعَلُّمِ عَلَي أَجْوَدِ الْأَقْوَالِ و هو الَّذِي يقْتَضِيه إطْلَاقُ الْعِبَارَةِ، وَ لِلْمُصَنِّفِ و غيرهِ فِي ذَلِك اخْتِلَافٌ.

وَ لَوْ فَقَدَ التَّقْلِيدَ صَلَّي إلَي أَرْبَعِ جِهَاتٍ مُتَقَاطِعَةٍ عَلَي زَوَايا قَوَائِمَ مَعَ الْإِمْكانِ، فَإِنْ عَجَزَ اكتَفَي بِالْمُمْكنِ.

وَ الْحُكمُ بِالْأَرْبَعِ حِينَئِذٍ مَشْهُورٌ، وَ مُسْتَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَ اعْتِبَارُهُ حَسَنٌ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ كذَلِك تَسْتَلْزِمُ إمَّا الْقِبْلَةَ أَوْ الِانْحِرَافَ عَنْهَا بِمَا لَا يبْلُغُ الْيمِينَ وَ الْيسَارَ، و هو مُوجِبٌ لِلصِّحَّةِ مُطْلَقًا، وَ يبْقَي الزَّائِدُ عَنْ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَاجِبًا مِنْ بَابِ الْمُقَدِّمَةِ، لِتَوَقُّفِ الصَّلَاةِ إلَي الْقِبْلَةِ أَوْ مَا فِي حُكمِهَا الْوَاجِبِ عَلَيهِ كوُجُوبِ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فِي الثِّيابِ الْمُتَعَدِّدَةِ الْمُشْتَبِهَةِ بِالنَّجَسِ لِتَحْصِيلِ الصَّلَاةِ فِي وَاحِدٍ طَاهِرٍ، وَ مِثْلُ هَذَا يجِبُ بِدُونِ النَّصِّ، فَيبْقَي النَّصُّ لَهُ شَاهِدًا و أن كانَ مُرْسَلًا.

وَ ذَهَبَ السَّيدُ رَضِي الدِّينِ بْنُ طَاوُسٍ هُنَا إلَي الْعَمَلِ بِالْقُرْعَةِ اسْتِضْعَافًا لِسَنَدِ الْأَرْبَعِ مَعَ وُرُودِهَا لِكلِّ أَمْرٍ مُشْتَبَهٍ و هذا مِنْهُ و هو نَادِرٌ.

(وَلَوْ انْكشَفَ الْخَطَأُ بَعْدَ الصَّلَاةِ) بِالِاجْتِهَادِ أَوْ التَّقْلِيدِ حَيثُ يسَوِّغُ أَوْ نَاسِيا لِلْمُرَاعَاةِ (لَمْ يعِدْ مَا كانَ بَينَ الْيمِينِ وَ الْيسَارِ) أَي مَا كانَ دُونَهُمَا إلَي جِهَةِ الْقِبْلَةِ و أن قَلَّ (وَيعِيدُ مَا كانَ إلَيهِمَا) مَحْضًا (فِي وَقْتِهِ) لَا خَارِجَهُ. (وَالْمُسْتَدْبِرُ) و هو الَّذِي صَلَّي إلَي مَا يقَابِلُ سَمْتَ الْقِبْلَةِ الَّذِي تَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَيهِ اخْتِيارًا (يعِيدُ و لو خَرَجَ الْوَقْتُ) عَلَي الْمَشْهُورِ، جَمْعًا بَينَ الْأَخْبَارِ الدَّالِ أَكثَرُهَا عَلَي إطْلَاقِ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ، وَ بَعْضُهَا عَلَي تَخْصِيصِهِ بِالْمُتَيامَنِ وَ الْمُتَياسَرِ وَ إِعَادَةُ الْمُسْتَدْبَرِ

مُطْلَقًا.

وَ الْأَقْوَي الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ مُطْلَقًا لِضَعْفِ مُسْتَنَدِ التَّفْصِيلِ الْمُوجِبِ لِتَقْييدِ الصَّحِيحِ الْمُتَنَاوِلِ بِإِطْلَاقِهِ مَوْضِعَ النِّزَاعِ، و علي الْمَشْهُورِ كلُّ مَا خَرَجَ عَنْ دُبُرِ الْقِبْلَةِ إلَي أَنْ يصِلَ إلَي الْيمِينِ وَ الْيسَارِ يلْحَقُ بِهِمَا، و ما خَرَجَ عَنْهُمَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ يلْحَقُ بِهَا.

الشرط الثالث: ستر العورة

(الثَّالِثُ - سَتْرُ الْعَوْرَةِ) (وَهِي الْقُبُلُ وَ الدُّبُرُ لِلرَّجُلِ) وَ الْمُرَادُ بِالْقُبُلِ: الْقَضِيبُ وَ الْأُنْثَيانِ وَ بِالدُّبُرِ: الْمَخْرَجُ لَا الْأَلْيانِ فِي الْمَشْهُورِ (وَجَمِيعُ الْبَدَنِ عَدَا الْوَجْهِ) و هو مَا يجِبُ غَسْلُهُ مِنْهُ فِي الْوُضُوءِ أَصَالَةً (وَالْكفَّينِ) ظَاهِرُهُمَا وَ بَاطِنُهُمَا مِنْ الزَّنْدَينِ (وَظَاهِرُ الْقَدَمَينِ) دُونَ بَاطِنِهِمَا، وَحَدُّهُمَا مَفْصِلُ السَّاقِ.

وَ فِي الذِّكرَي وَ الدُّرُوسِ أَلْحَقَ بَاطِنَهُمَا بِظَاهِرِهِمَا، و في البَيانِ اسْتَقْرَبَ مَا هُنَا، و هو أَحْوَطُ (لِلْمَرْأَةِ) وَ يجِبُ سَتْرُ شَيءٍ مِنْ الْوَجْهِ وَ الْكفِّ وَ الْقَدَمِ مِنْ بَابِ الْمُقَدِّمَةِ، وَ كذَا فِي عَوْرَةِ الرَّجُلِ.

وَ الْمُرَادُ بِالْمَرْأَةِ الْأُنْثَي الْبَالِغَةُ، لِأَنَّهَا تَأْنِيثُ " الْمَرْءِ "، و هو الرَّجُلُ فَتَدْخُلُ فِيهَا الْأَمَةُ الْبَالِغَةُ، وَ سَيأْتِي جَوَازُ كشْفِهَا رَأْسَهَا وَ يدْخُلُ الشَّعْرُ فِيمَا يجِبُ سَتْرُهُ، وَ بِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي كتُبِهِ، و في الأَلْفِيةِ جَعَلَهُ أَوْلَي.

(وَيجِبُ كوْنُ السَّاتِرِ طَاهِرًا) فَلَوْ كانَ نَجِسًا لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ (وَعُفِي عَمَّا مَرَّ) مِنْ ثَوْبِ صَاحِبِ الْقُرُوحِ وَ الْجُرُوحِ بِشَرْطِهِ، و ما نَجَسَ بِدُونِ الدِّرْهَمِ مِنْ الدَّمِ (وَعَنْ نَجَاسَةِ) ثَوْبِ (الْمُرَبِّيةِ لِلصَّبِي) بَلْ لِمُطْلَقِ الْوَلَدِ و هو مَوْرِدُ النَّصِّ، فَكانَ التَّعْمِيمُ أَوْلَي (ذَاتِ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) فَلَوْ قَدَرَتْ عَلَي غَيرِهِ و لو بِشِرَاءٍ أَوْ اسْتِئْجَارٍ أَوْ اسْتِعَارَةٍ لَمْ يعْفُ عَنْهُ، وَ أُلْحِقَ بِهَا الْمُرَبِّي، وَ بِهِ الْوَلَدُ الْمُتَعَدِّدُ.

وَ يشْتَرِطُ نَجَاسَتَهُ بِبَوْلِهِ خَاصَّةً، فَلَا يعْفَي عَنْ غَيرِهِ كمَا لَا يعْفَي عَنْ نَجَاسَةِ الْبَدَنِ بِهِ و إنّما أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ نَجَاسَةَ الْمُرَبِّيةِ مِنْ غَيرِ أَنْ

يقَيدَ بِالثَّوْبِ لِأَنَّ الْكلَامَ فِي السَّاتِرِ، و أمّا التَّقْييدُ بِالْبَوْلِ فَهُوَ مَوْرِدُ النَّصِّ و لكن الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ النَّجَاسَةَ فِي كتُبِهِ كلِّهَا.

(وَيجِبُ غَسْلُهُ كلَّ يوْمٍ مَرَّةً) وَ ينْبَغِي كوْنُهَا آخِرَ النَّهَارِ لِتُصَلِّي فِيهِ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ مُتَقَارِبَةٍ بِطَهَارَةٍ، أَوْ نَجَاسَةٍ خَفِيفَةٍ (وَ) كذَا عُفِي (عَمَّا يتَعَذَّرُ إزَالَتُهُ فَيصَلِّي فِيهِ لِلضَّرُورَةِ) وَ لَا يتَعَينُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ عَارِيا خِلَافًا لِلْمَشْهُورِ (وَالْأَقْرَبُ تَخْييرُ الْمُخْتَارِ) و هو الَّذِي لَا يضْطَرُّ إلَي لِبْسِهِ لِبَرْدٍ و غيرهِ (بَينَهُ) أَي بَينَ أَنْ يصَلِّي فِيهِ صَلَاةً تَامَّةَ الْأَفْعَالِ (وَبَينَ الصَّلَاةِ عَارِيا فَيومِئَ لِلرُّكوعِ وَ السُّجُودِ) كغَيرِهِ مِنْ الْعُرَاةِ قَائِمًا مَعَ أَمْنِ الْمَطْلَعِ، وَ جَالِسًا مَعَ عَدَمِهِ.

وَ الْأَفْضَلُ الصَّلَاةُ فِيهِ مُرَاعَاةً لِلتَّمَامِيةِ، وَ تَقْدِيمًا لِفَوَاتِ الْوَصْفِ عَلَي فَوَاتِ أَصْلِ السَّتْرِ، و لو لا الْإِجْمَاعُ عَلَي جَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهِ عَارِيا - بَلْ الشُّهْرَةُ بِتَعَينِهِ - لَكانَ الْقَوْلُ بِتَعَينِ الصَّلَاةِ فِيهِ مُتَوَجَّهًا.

أَمَّا الْمُضْطَرُّ إلَي لُبْسِهِ فَلَا شُبْهَةَ فِي وُجُوبِ صَلَاتِهِ فِيهِ. (وَيجِبُ كوْنُهُ) أَي السَّاتِرِ (غَيرَ مَغْصُوبٍ) مَعَ الْعِلْمِ بِالْغَصْبِ (وَغَيرِ جِلْدٍ وَ صُوفٍ وَ شَعْرٍ) وَ وَبَرٍ (مِنْ غَيرِ الْمَأْكولِ إلَّا الْخَزَّ) و هو دَابَّةٌ ذَاتُ أَرْبَعٍ تُصَادُ مِنْ الْمَاءِ ذَكاتُهَا كذَكاةِ السَّمَك، و هي مُعْتَبَرَةٌ فِي جِلْدِهِ لَا فِي وَبَرِهِ إجْمَاعًا (وَالسِّنْجَابَ) مَعَ تَذْكيتِهِ لِأَنَّهُ ذُو نَفْسٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي: و قد اُشْتُهِرَ بَينَ التُّجَّارِ وَ الْمُسَافِرِينَ أَنَّهُ غَيرُ مُذَكي، وَ لَا عِبْرَةَ بِذَلِك، حَمْلًا لِتَصَرُّفِ الْمُسْلِمِينَ عَلَي مَا هُوَ الْأَغْلَبُ (وَغَيرُ مَيتَةٍ) فِيمَا يقْبَلُ الْحَياةَ كالْجِلْدِ، أَمَّا مَا لَا يقْبَلُهَا كالشَّعْرِ، وَ الصُّوفِ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ مِنْ مَيتٍ إذَا أَخَذَهُ جَزًّا، أَوْ غَسَلَ مَوْضِعَ الِاتِّصَالِ (وَغَيرَ الْحَرِيرِ) الْمَحْضِ، أَوْ الْمُمْتَزِجِ عَلَي وَجْهٍ يسْتَهْلِك الْخَلِيطَ لِقِلَّتِهِ (لِلرَّجُلِ وَ الْخُنْثَي) وَ اسْتُثْنِي مِنْهُ مَا لَا يتِمُّ

الصَّلَاةَ فِيهِ كالتِّكةِ وَ الْقَلَنْسُوَةِ و ما يجْعَلُ مِنْهُ فِي أَطْرَافِ الثَّوْبِ وَ نَحْوِهَا مِمَّا لَا يزِيدُ عَلَي أَرْبَعِ أَصَابِعَ مَضْمُومَةً، أَمَّا الِافْتِرَاشُ لَهُ فَلَا يعَدُّ لُبْسًا كالتَّدَثُّرِ بِهِ وَ التَّوَسُّدِ وَ الرُّكوبِ عَلَيهِ. (وَيسْقُطُ سَتْرُ الرَّأْسِ) و هو الرَّقَبَةُ فَمَا فَوْقَهَا (عَنْ الْأَمَةِ الْمَحْضَةِ) الَّتِي لَمْ ينْعَتِقْ مِنْهَا شَيءٌ، و أن كانَتْ مُدَبَّرَةً، أَوْ مُكاتَبَةً مَشْرُوطَةً، أَوْ مُطَلَّقَةً لَمْ تُؤَدِّ شَيئًا، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، و لو انْعَتَقَ مِنْهَا شَيءٌ فَكالْحُرَّةِ (وَالصَّبِيةِ) الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ، فَتَصِحُّ صَلَاتُهَا تَمْرِينًا مَكشُوفَةَ الرَّأْسِ. (وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيمَا يسْتُرُ ظَهْرَ الْقَدَمِ إلَّا مَعَ السَّاقِ) بِحَيثُ يغَطِّي شَيئًا مِنْهُ فَوْقَ الْمِفْصَلِ عَلَي الْمَشْهُورِ، وَ مُسْتَنَدُ الْمَنْعِ ضَعِيفٌ جِدًّا وَ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ قَوِي مَتِينٌ. (وَتُسْتَحَبُّ) الصَّلَاةُ (فِي) النَّعْلِ (الْعَرَبِيةِ) لِلتَّأَسِّي (وَتَرْك السَّوَادِ عَدَا الْعِمَامَةِ وَ الْكسَاءِ وَ الْخُفِّ) فَلَا يكرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا سُودًا و أن كانَ الْبَياضُ أَفْضَلَ مُطْلَقًا (وَتَرْك) الثَّوْبِ (الرَّقِيقِ) الَّذِي لَا يحْكي الْبَدَنَ وَ إِلَّا لَمْ تَصِحَّ (وَاشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ) وَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ الِالْتِحَافُ بِالْإِزَارِ وَ إِدْخَالُ طَرَفَيهِ تَحْتَ يدِهِ وَ جَمْعُهُمَا عَلَي مَنْكبٍ وَاحِدٍ. (وَيكرَهُ تَرْك التَّحَنُّك) و هو إدَارَةُ جُزْءٍ مِنْ الْعِمَامَةِ تَحْتَ الْحَنَك (مُطْلَقًا) لِلْإِمَامِ و غيرهِ بِقَرِينَةِ الْقَيدِ فِي الرِّدَاءِ، وَ يمْكنُ أَنْ يرِيدَ بِالْإِطْلَاقِ تَرْكهُ فِي أَي حَالٍ كانَ و أن لَمْ يكنْ مُصَلِّيا، لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ بِاسْتِحْبَابِهِ وَ التَّحْذِيرِ مِنْ تَرْكهِ، كقَوْلِ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ: " مَنْ تَعَمَّمَ و لم يتَحَنَّك فَأَصَابَهُ دَاءٌ لَا دَوَاءَ لَهُ فَلَا يلُومَن إلَّا نَفْسَهُ "، حَتَّي ذَهَبَ الصَّدُوقُ إلَي عَدَمِ جَوَازِ تَرْكهِ فِي الصَّلَاةِ.

(وَتَرْك الرِّدَاءِ) و هو ثَوْبٌ أَوْ مَا يقُومُ مَقَامَهُ يجْعَلُ عَلَي الْمَنْكبَينِ ثُمَّ يرَدُّ مَا عَلَي الْأَيسَرِ عَلَي الْأَيمَنِ (لِلْإِمَامِ).

أَمَّا غَيرُهُ مِنْ الْمُصَلِّينَ فَيسْتَحَبُّ لَهُ

الرِّدَاءُ، و لكن لَا يكرَهُ تَرْكهُ بَلْ يكونُ خِلَافَ الْأَوْلَي (وَالنِّقَابُ لِلْمَرْأَةِ وَ اللِّثَامُ لَهُمَا) أَي الرَّجُلِ وَ الْمَرْأَةِ، و إنّما يكرَهَانِ إذَا لَمْ يمْنَعَا شَيئًا مِنْ وَاجِبَاتِ الْقِرَاءَةِ (فَإِنْ مَنَعَا الْقِرَاءَةَ حُرِّمَا) وَ فِي حُكمِهَا الْأَذْكارُ الْوَاجِبَةُ. (وَتُكرَهُ) الصَّلَاةُ (فِي ثَوْبِ الْمُتَّهَمِ بِالنَّجَاسَةِ، أَوْ الْغَصْبِ) فِي لِبَاسِهِ (وَ) فِي الثَّوْبِ (ذِي التَّمَاثِيلِ) أَعَمُّ مِنْ كوْنِهَا مِثَالَ حَيوَانٍ و غيرهِ، (أَوْ خَاتَمٍ فِيهِ صُورَةُ) حَيوَانٍ، وَ يمْكنُ أَنْ يرِيدَ بِهَا مَا يعُمُّ الْمِثَالَ، وَ غَايرَ بَينَهُمَا تَفَنُّنًا، وَ الْأَوَّلُ أَوْفَقُ لِلْمُغَايرَةِ (أَوْ قَبَاءٍ مَشْدُودٍ فِي غَيرِ الْحَرْبِ) عَلَي الْمَشْهُورِ، قَالَ الشَّيخُ: ذَكرَهُ عَلِي بْنُ بَابَوَيهِ وَ سَمِعْنَاهُ مِنْ الشُّيوخِ مُذَاكرَةً و لم أَجِدْ بِهِ خَبَرًا مُسْنَدًا.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي بَعْدَ حِكايةِ قَوْلِ الشَّيخِ: قُلْت: قَدْ رَوَي الْعَامَّةُ أَنَّ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم قَالَ: { لَا يصَلِّي أَحَدُكمْ و هو مُحَزَّمٌ } و هو كنَايةٌ عَنْ شِدَّةِ الْوَسَطِ، وَ ظَاهِرُ اسْتِدْرَاكهِ لِذِكرِ الْحَدِيثِ جَعْلُهُ دَلِيلًا عَلَي كرَاهَةِ الْقَبَاءِ الْمَشْدُودِ، و هو بَعِيدٌ.

وَ نُقِلَ فِي الْبَيانِ عَنْ الشَّيخِ كرَاهَةُ شَدِّ الْوَسَطِ، وَ يمْكنُ الِاكتِفَاءُ فِي دَلِيلِ الْكرَاهَةِ بِمِثْلِ هَذِهِ الرِّوَايةِ.

الشرط الرابع: المكان الذي يصلي فيه

(الرَّابِعُ - الْمَكانُ) الَّذِي يصَلَّي فِيهِ، وَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يشْغَلُهُ مِنْ الْحَيزِ، أَوْ يعْتَمِدُ عَلَيهِ و لو بِوَاسِطَةٍ، أَوْ وَسَائِطَ (وَيجِبُ كوْنُهُ غَيرَ مَغْصُوبٍ) لِلْمُصَلِّي و لو جَاهِلًا بِحُكمِهِ الشَّرْعِي أَوْ الْوَضْعِي لَا بِأَصْلِهِ أَوْ نَاسِيا لَهُ أَوْ لِأَصْلِهِ عَلَي مَا يقْتَضِيه إطْلَاقُ الْعِبَارَةِ و في الأَخِيرَينِ لِلْمُصَنِّفِ " رَه " قَوْلٌ آخَرُ بِالصِّحَّةِ، وَ ثَالِثٌ بِهَا فِي خَارِجِ الْوَقْتِ خَاصَّةً، و مثله الْقَوْلُ فِي اللِّبَاسِ.

وَ احْتَرَزْنَا بِكوْنِ الْمُصَلِّي هُوَ الْغَاصِبُ عَمَّا لَوْ كانَ غَيرَهُ، فَإِنَّ الصَّلَاةِ

فِيهِ بِإِذْنِ الْمَالِك صَحِيحَةٌ فِي الْمَشْهُورِ، كلُّ ذَلِك مَعَ الِاخْتِيارِ، أَمَّا مَعَ الِاضْطِرَارِ كالْمَحْبُوسِ فِيهِ فَلَا مَنَعَ (خَالِيا مِنْ نَجَاسَةٍ مُتَعَدِّيةٍ) إلَي الْمُصَلِّي أَوْ مَحْمُولِهِ الَّذِي يشْتَرَطُ طَهَارَتُهُ عَلَي وَجْهٍ يمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَوْ لَمْ تَتَعَدَّ أَوْ تَعَدَّتْ عَلَي وَجْهٍ يعْفَي عَنْهُ كقَلِيلِ الدَّمِ أَوْ إلَي مَا لَا يتِمُّ الصَّلَاةَ فِيهِ لَمْ يضُرَّ (طَاهِرَ الْمَسْجَدِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ، و هو الْقَدْرُ الْمُعْتَبَرُ مِنْهُ فِي السُّجُودِ مُطْلَقًا. (وَالْأَفْضَلُ الْمَسْجِدُ) لِغَيرِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَي إطْلَاقِ الْمَسْجِدِ عَلَي بَيتِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيهَا كمَا ينَبَّهُ عَلَيهِ (وَتَتَفَاوَتُ) الْمَسَاجِدُ (فِي الْفَضِيلَةِ) بِحَسْبِ تَفَاوُتِهَا فِي ذَاتِهَا أَوْ عَوَارِضِهَا ككثِيرِ الْجَمَاعَةِ: (فَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ) و منه الْكعْبَةُ وَ زَوَائِدُهُ الْحَادِثَةُ و أن كانَ غَيرُهُمَا أَفْضَلَ، فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَك بَينَهَا فَضَّلَهُ بِذَلِك الْعَدَدِ، و أن اخْتَصَّ الْأَفْضَلُ بِأَمْرٍ آخَرَ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ، كمَا يخْتَصُّ بَعْضُ الْمَسَاجِدِ الْمُشْتَرَكةِ فِي وَصْفٍ بِفَضِيلَةٍ زَائِدَةٍ عَمَّا اشْتَرَك فِيهِ مَعَ غَيرِهِ (وَالنَّبَوِي) بِالْمَدِينَةِ (بِعَشْرَةِ آلَافِ) صَلَاةٍ، و حكم زِيادَتِهِ الْحَادِثَةِ كمَا مَرَّ (وَكلٌّ مِنْ مَسْجِدِ الْكوفَةِ وَ الْأَقْصَي) سُمِّي بِهِ بِالْإِضَافَةِ إلَي بُعْدِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (بِأَلْفِ) صَلَاةٍ (وَ) الْمَسْجِدُ (الْجَامِعُ) فِي الْبَلَدِ لِلْجُمُعَةِ، أَوْ الْجَمَاعَةِ و أن تَعَدَّدَ (بِمِائَةٍ و) مَسْجِدُ (الْقَبِيلَةِ) كالْمَحَلَّةِ فِي الْبَلَدِ (بِخَمْسٍ وَ عِشْرِينَ و) مَسْجِدُ (السُّوقِ بِاثْنَتَي عَشْرَةَ).

(وَمَسْجِدُ الْمَرْأَةِ بَيتُهَا) بِمَعْنَي أَنَّ صَلَاتَهَا فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ خُرُوجِهَا إلَي الْمَسْجِدِ، أَوْ بِمَعْنَي كوْنِ صَلَاتِهَا فِيهِ كالْمَسْجِدِ فِي الْفَضِيلَةِ، فَلَا تَفْتَقِرُ إلَي طَلَبِهَا بِالْخُرُوجِ، و هل هُوَ كمَسْجِدٍ مُطْلَقٍ، أَوْ كمَا تُرِيدُ الْخُرُوجَ إلَيهِ فَيخْتَلِفُ بِحَسْبِهِ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي. (وَيسْتَحَبُّ اتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ اسْتِحْبَابًا مُؤَكدًا) { فَمَنْ بَنَي مَسْجِدًا بَنَي اللَّهُ لَهُ بَيتًا فِي الْجَنَّةِ }، وَزِيدَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ { كمَفْحَصِ قَطَاةٍ }

و هو كمَقْعَدِ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَكشِفُهُ الْقَطَاةُ وَ تُلَينُهُ بِجُؤْجُئِهَا لِتَبِيضَ فِيهِ، وَ التَّشْبِيهُ بِهِ مُبَالَغَةٌ فِي الصِّغَرِ، بِنَاءً عَلَي الِاكتِفَاءِ بِرَسْمِهِ حَيثُ يمْكنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي أَقَلِّ مَرَاتِبِهِ و أن لَمْ يعْمَلْ لَهُ حَائِطٌ وَ نَحْوُهُ.

قَالَ أَبُو عُبَيدَةَ الْجَذَّاءُ رَاوِي الْحَدِيثِ: مَرَّ بِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيهِ السَّلَامُ فِي طَرِيقِ مَكةَ و قد سَوَّيت بِأَحْجَارٍ مَسْجِدًا فَقُلْت: جُعِلْت فِدَاك نَرْجُو أَنْ يكونَ هَذَا مِنْ ذَاك فَقَالَ: نَعَمْ وَ يسْتَحَبُّ، اتِّخَاذُهَا (مَكشُوفَةً) و لو بَعْضُهَا لِلِاحْتِياجِ إلَي السَّقْفِ فِي أَكثَرِ الْبِلَادِ لِدَفْعِ الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ (وَالْمَيضَاةُ) و هي الْمُطَهِّرَةُ لِلْحَدَثِ وَ الْخَبَثِ (عَلَي بَابِهَا) لَا فِي وَسَطِهَا عَلَي تَقْدِيرِ سَبْقِ إعْدَادِهَا عَلَي الْمَسْجِدِيةِ وَ إِلَّا حُرِّمَ فِي الْخَبَثِيةِ مُطْلَقًا وَ الْحَدَثِيةِ إنْ أَضَرَّتْ بِهَا.

(وَالْمَنَارَةُ مَعَ حَائِطِهَا) لَا فِي وَسَطِهَا مَعَ تَقَدُّمِهَا عَلَي الْمَسْجِدِيةِ كذَلِك وَ إِلَّا حُرِّمَ، وَ يمْكنُ شُمُولُ كوْنِهَا مَعَ الْحَائِطِ اسْتِحْبَابَ أَنْ لَا تَعْلُوَ عَلَيهِ، فَإِنَّهَا إذَا فَارَقَتْهُ بِالْعُلْوِ فَقَدْ خَرَجَتْ عَنْ الْمَعِيةِ و هو مَكرُوهٌ (وَتَقْدِيمُ الدَّاخِلِ) إلَيهَا (يمِينُهُ وَ الْخَارِجِ) مِنْهَا (يسَارَهُ) عَكسُ الْخَلَاءِ تَشْرِيفًا لِلْيمْنَي فِيهِمَا (وَتَعَاهُدُ نَعْلِهِ) و ما يصْحَبُهُ مِنْ عَصَا وَ شَبَهِهِ، و هو اسْتِعْلَامُ حَالِهِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ احْتِياطًا لِلطَّهَارَةِ، وَ التَّعَهُّدُ أَفْصَحُ مِنْ التَّعَاهُدِ لِأَنَّهُ يكونُ بَينَ اثْنَينِ وَ الْمُصَنِّفُ تَبِعَ الرِّوَايةَ.

(وَالدُّعَاءُ فِيهِمَا) أَي الدُّخُولِ وَ الْخُرُوجِ بِالْمَنْقُولِ و غيرهِ (وَصَلَاةُ التَّحِيةِ قَبْلَ جُلُوسِهِ) وَ أَقَلُّهَا رَكعَتَانِ وَ تَتَكرَّرُ بِتَكرُّرِ الدُّخُولِ و لو عَنْ قُرْبٍ وَ تَتَأَدَّي بِسُنَّةٍ غَيرِهَا وَ فَرِيضَةٍ و أن لَمْ ينْوِهَا مَعَهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّحِيةِ أَنْ لَا تُنْتَهَك حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ بِالْجُلُوسِ به غير صَلَاةٍ، و قد حَصَلَ، و أن كانَ الْأَفْضَلُ عَدَمَ التَّدَاخُلِ.

وَ تُكرَهُ إذَا دَخَلَ وَ الْإِمَامُ فِي مَكتُوبَةٍ،

أَوْ الصَّلَاةُ تُقَامُ، أَوْ قَرُبَ إقَامَتُهَا بِحَيثُ لَا يفْرُغُ مِنْهَا قَبْلَهُ فَإِنْ لَمْ يكنْ مُتَطَهِّرًا، أَوْ كانَ لَهُ عُذْرٌ مَانِعٌ عَنْهَا فَلْيذْكرْ اللَّهَ تَعَالَي.

وَ تَحِيةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الطَّوَافُ، كمَا أَنَّ تَحِيةَ الْحَرَمِ الْإِحْرَامُ وَ مِنًي الرَّمْي (وَيحْرُمُ زَخْرَفَتُهَا) و هو نَقْشُهَا بِالزُّخْرُفِ، و هو الذَّهَبُ، أَوْ مُطْلَقُ النَّقْشِ كمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي، و في الدُّرُوسِ أَطْلَقَ الْحُكمَ بِكرَاهَةِ الزَّخْرَفَةِ وَ التَّصْوِيرِ، ثُمَّ جَعَلَ تَحْرِيمَهُمَا قَوْلًا.

وَ فِي الْبَيانِ حَرَّمَ النَّقْشَ وَ الزَّخْرَفَةَ وَ التَّصْوِيرَ بِمَا فِيهِ رُوحٌ، وَ ظَاهِرُ الزَّخْرَفَةِ هُنَا النَّقْشُ بِالذَّهَبِ، فَيصِيرُ أَقْوَالُ الْمُصَنِّفِ بِحَسْبِ كتُبِهِ، و هو غَرِيبٌ مِنْهُ.

(وَ) كذَا يحْرَمُ (نَقْشُهَا بِالصُّوَرِ) ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ دُونَ غَيرِهَا، و هو لَازِمٌ مِنْ تَحْرِيمِ النَّقْشِ مُطْلَقًا لَا مِنْ غَيرِهِ، و هو قَرِينَةٌ أُخْرَي عَلَي إرَادَةِ الزَّخْرَفَةِ بِالْمَعْنَي الْأَوَّلِ خَاصَّةً، و هذا هُوَ الْأَجْوَدُ.

وَ لَا رَيبَ فِي تَحْرِيمِ تَصْوِيرِ ذِي الرُّوحِ فِي غَيرِ الْمَسَاجِدِ فَفِيهَا أَوْلَي أَمَّا تَصْوِيرُ غَيرِهِ فَلَا (وَتَنْجِيسُهَا) وَ تَنْجِيسُ آلَاتِهَا كفُرُشِهَا لَا مُطْلَقِ إدْخَالِ النَّجَاسَةِ إلَيهَا فِي الْأَقْوَي.

(وَإِخْرَاجُ الْحَصَي مِنْهَا) إنْ كانَتْ فُرُشًا أَوْ جُزْءًا مِنْهَا، أَمَّا لَوْ كانَتْ قُمَامَةً اُسْتُحِبَّ إخْرَاجُهَا وَ مِثْلُهَا التُّرَابُ، وَ مَتَي أُخْرِجَتْ عَلَي وَجْهِ التَّحْرِيمِ (فَتُعَادُ) وُجُوبًا إلَيهَا أَوْ إلَي غَيرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ، حَيثُ يجُوزُ نَقْلُ آلَاتِهَا إلَيهِ و ما لَهَا لِغِنَاءِ الْأَوَّلِ، أَوْ أَوْلَوِيةِ الثَّانِي. (وَيكرَهُ تَعْلِيتُهَا) بَلْ تُبْنَي وَسَطًا عُرْفًا (وَالْبُصَاقُ فِيهَا) وَ التَّنَخُّمُ وَ نَحْوُهُ وَ كفَّارَتُهُ دَفْنُهُ.

(وَرَفْعُ الصَّوْتِ) الْمُتَجَاوِزِ لِلْمُعْتَادِ، و لو فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.

(وَقَتْلُ الْقَمْلِ) فَيدْفَنُ لَوْ فُعِلَ (وَبَرْي النُّبْلِ وَ) هُوَ دَاخِلٌ فِي (عَمَلِ الصَّنَائِعِ) وَ خَصَّهُ لِتَخْصِيصِهِ فِي الْخَبَرِ فَتَتَأَكدُ كرَاهَتُهُ (وَتَمْكينُ الْمَجَانِينِ وَ الصِّبْيانِ) مِنْهَا مَعَ عَدَمِ الْوُثُوقِ بِطَهَارَتِهِمْ، أَوْ كوْنِهِمْ غَيرَ مُمَيزِينَ، أَمَّا الصَّبِي الْمُمَيزُ الْمَوْثُوقُ

بِطَهَارَتِهِ الْمُحَافِظُ عَلَي أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ فَلَا يكرَهُ تَمْكينُهُ، بَلْ ينْبَغِي تَمْرِينُهُ كمَا يمَرَّنُ عَلَي الصَّلَاةِ. (وَإِنْفَاذُ الْأَحْكامِ) إمَّا مُطْلَقًا، وَ فِعْلُ عَلِي عَلَيهِ السَّلَامُ لَهُ بِمَسْجِدِ الْكوفَةِ خَارِجٌ، أَوْ مَخْصُوصٌ بِمَا فِيهِ جِدَالٌ وَ خُصُومَةٌ، أَوْ بِالدَّائِمِ لَا مَا يتَّفِقُ نَادِرًا، أَوْ بِمَا يكونُ الْجُلُوسُ فِيهِ لِأَجْلِهَا لَا بِمَا إذَا كانَ لِأَجْلِ الْعِبَادَةِ فَاتَّفَقَتْ الدَّعْوَي، لِمَا فِي إنْفَاذِهَا حِينَئِذٍ مِنْ الْمُسَارَعَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا، و علي أَحَدِهَا يحْمَلُ فِعْلُ عَلِي عَلَيهِ السَّلَامُ، وَ لَعَلَّهُ بِالْأَخِيرِ أَنْسَبُ، إلَّا أَنَّ دَكةَ الْقَضَاءِ بِهِ لَا تَخْلُو مِنْ مُنَافَرَةٍ لِلْمَحَامِلِ. (وَتَعْرِيفُ الضَّوَالِّ) إنْشَادًا وَ نِشْدَانًا وَ الْجَمْعُ بَينَ وَظِيفَتَي تَعْرِيفِهَا فِي الْمَجَامِعِ وَ كرَاهَتِهَا فِي الْمَسَاجِدِ فِعْلُهُ خَارِجُ الْبَابِ (وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ) لِنَهْي النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَنْهُ، { وَ أَمْرِهِ بِأَنْ يقَالَ لِلْمُنْشِدِ، فَضَّ اللَّهُ فَاك }، وَ رُوِي نَفْي الْبَأْسِ عَنْهُ، و هو غَيرُ مُنَافٍ لِلْكرَاهَةِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي: لَيسَ بِبَعِيدٍ حَمْلُ إبَاحَةِ إنْشَادِ الشِّعْرِ عَلَي مَا يقِلُّ مِنْهُ وَ تَكثُرَ مَنْفَعَتُهُ، كبَيتِ حِكمَةٍ، أَوْ شَاهِدٍ عَلَي لُغَةٍ فِي كتَابِ اللَّهِ تَعَالَي وَ سُنَّةِ نَبِيهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ شَبَهِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ { النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كانَ ينْشَدُ بَينَ يدَيهِ الْبَيتُ وَ الْأَبْياتُ مِنْ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ و لم ينْكرْ ذَلِك }.

وَ أَلْحَقَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مَا كانَ مِنْهُ مَوْعِظَةً، أَوْ مَدْحًا لِلنَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ الْأَئِمَّةِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ، أَوْ مَرْثِيةً لِلْحُسَينِ عَلَيهِ السَّلَامُ، وَ نَحْوِ ذَلِك لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا تُنَافِي الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمَسَاجِدِ، و ليس بِبَعِيدٍ، وَ نَهْي النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَحْمُولٌ عَلَي الْغَالِبِ مِنْ أَشْعَارِ الْعَرَبِ الْخَارِجَةِ عَنْ هَذِهِ الْأَسَالِيبِ. (وَالْكلَامُ

فِيهَا بِأَحَادِيثِ الدُّنْيا) لِلنَّهْي عَنْ ذَلِك وَ مُنَافَاتِهِ لِوَضْعِهَا فَإِنَّهَا وُضِعَتْ لِلْعِبَادَةِ. (وَتُكرَهُ الصَّلَاةُ فِي الْحَمَّامِ) و هو الْبَيتُ الْمَخْصُوصُ الَّذِي يغْتَسَلُ فِيهِ لَا الْمَسْلَخُ و غيرهُ مِنْ بُيوتِهِ وَ سَطْحِهِ نَعَمْ تُكرَهُ فِي بَيتِ نَارِهِ مِنْ جِهَةِ النَّارِ، لَا مِنْ حَيثُ الْحَمَّامُ.

(وَبُيوتِ الْغَائِطِ) لِلنَّهْي عَنْهُ، وَ لِأَنَّ الْمَلَائِكةَ لَا تَدْخُلُ بَيتًا يبَالُ فِيهِ و لو فِي إنَاءٍ، فَهَذَا أَوْلَي (وَ) بُيوتِ (النَّارِ) و هي الْمُعَدَّةُ لِإِضْرَامِهَا فِيهَا كالْأَتُونِ وَ الْفُرْنِ لَا مَا وُجِدَ فِيهِ نَارٌ مَعَ عَدَمِ إعْدَادِهِ لَهَا، كالْمَسْكنِ إذَا أُوقِدَتْ فِيهِ و أن كثُرَ (وَ) بُيوتِ (الْمَجُوسِ) لِلْخَبَرِ وَ لِعَدَمِ انْفِكاكهَا عَنْ النَّجَاسَةِ، وَ تَزُولُ الْكرَاهَةُ بِرَشِّهِ.

(وَالْمَعْطِنِ) بِكسْرِ الطَّاءِ وَاحِدُ الْمَعَاطِنِ، و هي مَبَارِك الْإِبِلِ عِنْدَ الْمَاءِ لِلشُّرْبِ (وَمَجْرَي الْمَاءِ) و هو الْمَكانُ الْمُعَدُّ لِجَرَيانِهِ و أن لَمْ يكنْ فِيهِ مَاءٌ (وَالسَّبَخَةُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَاحِدُ السِّبَاخِ، و هي الشَّيءُ الَّذِي يعْلُو الْأَرْضَ كالْمِلْحِ، أَوْ بِكسْرِهَا و هي الْأَرْضُ ذَاتُ السِّبَاخِ (وَقُرَي النَّمْلِ) جَمْعُ قَرْيةٍ، و هي مُجْتَمَعُ تُرَابِهَا حَوْلَ حُجْرَتِهَا (وَ) فِي نَفْسِ (الثَّلْجِ اخْتِيارًا) مَعَ تَمَكنِ الْأَعْضَاءِ، أَمَّا بِدُونِهِ فَلَا مَعَ الِاخْتِيارِ.

(وَبَينَ الْمَقَابِرِ) وَ إِلَيهَا و لو قَبْرًا (إلَّا بِحَائِلٍ و لو عَنَزَةٍ) بِالتَّحْرِيك، و هي الْعَصَا فِي أَسْفَلِهَا حَدِيدَةٌ مَرْكوزَةٌ أَوْ مُعْتَرِضَةٌ (أَوْ بَعْدَ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ) و لو كانَتْ الْقُبُورُ خَلْفَهُ، أَوْ مَعَ أَحَدِ جَانِبَيهِ فَلَا كرَاهَةَ.

(وَفِي الطَّرِيقِ) سَوَاءٌ كانَتْ مَشْغُولَةً بِالْمَارَّةِ، أَمْ فَارِغَةً إنْ لَمْ يعَطِّلْهَا وَ إِلَّا حُرِّمَ (وَ) فِي (بَيتٍ فِيهِ مَجُوسِي) و أن لَمْ يكنْ الْبَيتُ لَهُ (وَإِلَي نَارٍ مُضْرَمَةٍ) أَي مُوقَدَةٍ و لو سِرَاجًا أَوْ قِنْدِيلًا، و في الرِّوَايةِ كرَاهَةُ الصَّلَاةِ إلَي الْمَجْمَرَةِ مِنْ غَيرِ اعْتِبَارِ الْإِضْرَامِ، و هو كذَلِك، وَ بِهِ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي

غَيرِ الْكتَابِ، (أَوْ) إلَي (تَصَاوِيرَ) و لو فِي الْوِسَادَةِ، وَ تَزُولُ الْكرَاهَةُ بِسَتْرِهَا بِثَوْبٍ وَ نَحْوِهِ.

(أَوْ مُصْحَفٍ، أَوْ بَابٍ مَفْتُوحَينِ) سَوَاءٌ فِي ذَلِك الْقَارِئُ و غيرهُ نَعَمْ يشْتَرَطُ الْإِبْصَارُ وَ أُلْحِقَ بِهِ التَّوَجُّهُ إلَي كلِّ شَاغِلٍ مِنْ نَقْشٍ وَ كتَابَةٍ، وَ لَا بَأْسَ بِهِ.

(أَوْ وَجْهِ إنْسَانٍ) فِي الْمَشْهُورِ فِيهِ و في البَابِ الْمَفْتُوحِ وَ لَا نَصَّ عَلَيهِمَا ظَاهِرًا، و قد يعَلَّلُ بِحُصُولِ التَّشَاغُلِ بِهِ.

(أَوْ حَائِطٍ ينِزُّ مِنْ بَالُوعَةٍ) يبَالُ فِيهَا، و لو نَزَّ بِالْغَائِطِ فَأَوْلَي، و في الحَاقِ غَيرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَجْهٌ.

(وَفِي مَرَابِضِ الدَّوَابِّ) جَمْعُ مَرْبَضٍ، و هو مَأْوَاهَا وَ مَقَرُّهَا و لو عِنْدَ الشُّرْبِ (إلَّا) مَرَابِضَ (الْغَنَمِ) فَلَا بَأْسَ بِهَا لِلرِّوَايةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهَا سَكينَةٌ وَ بَرَكةٌ (وَلَا بَأْسَ بِالْبِيعَةِ وَ الْكنِيسَةِ مَعَ عَدَمِ النَّجَاسَةِ) نَعَمْ يسْتَحَبُّ رَشُّ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ مِنْهَا وَ تَرْكهُ حَتَّي يجِفَّ.

وَ هَلْ يشْتَرَطُ فِي جَوَازِ دُخُولِهَا إذْنُ أَرْبَابِهَا؟ احْتَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي تَبَعًا لِغَرَضِ الْوَاقِفِ، وَ عَمَلًا بِالْقَرِينَةِ، و فيه قُوَّةٌ، وَ وَجْهُ الْعَدَمِ إطْلَاقُ الْأَخْبَارِ بِالْإِذْنِ فِي الصَّلَاةِ بِهَا. (وَيكرَهُ تَقَدُّمُ الْمَرْأَةِ عَلَي الرَّجُلِ، أَوْ مُحَاذَاتُهَا لَهُ) فِي حَالَةِ صَلَاتِهِمَا مِنْ دُونِ حَائِلٍ، أَوْ بَعْدَ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ (عَلَي) الْقَوْلِ (الْأَصَحِّ) وَ الْقَوْلُ الْآخَرُ التَّحْرِيمُ، وَ بُطْلَانُ صَلَاتِهِمَا مُطْلَقًا، أَوْ مَعَ الِاقْتِرَانِ، وَ إِلَّا الْمُتَأَخِّرَةَ عَنْ تَكبِيرَةِ الْإِحْرَامِ.

وَ لَا فَرْقَ بَينَ الْمَحْرَمِ وَ الْأَجْنَبِيةِ، وَ الْمُقْتَدِيةِ، وَ الْمُنْفَرِدَةِ، وَ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ، وَ الْمَنْدُوبَةِ.

(وَيزُولُ) الْمَنْعُ كرَاهَةً وَ تَحْرِيمًا (بِالْحَائِلِ) الْمَانِعِ مِنْ نَظَرِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ و لو ظُلْمَةً وَ فَقْدِ بَصَرٍ فِي قَوْلٍ، لَا تَغْمِيضَ الصَّحِيحِ عَينَيهِ فِي الْأَصَحِّ (أَوْ بَعْدَ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ) بَينَ مَوْقِفِهِمَا (وَلَوْ حَاذَي سُجُودُهَا قَدَمَهُ فَلَا مَنْعَ) وَ الْمَرْوِي فِي الْجَوَازِ كوْنُهَا تُصَلِّي خَلْفَهُ، وَ ظَاهِرُهُ تَأَخُّرُهَا فِي جَمِيعِ

الْأَحْوَالِ عَنْهُ، بِحَيثُ لَا يحَاذِي جُزْءٌ مِنْهَا جُزْءًا مِنْهُ، وَ بِهِ عَبَّرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، و هو أَجْوَدُ. (وَيرَاعَي فِي مَسْجَدِ الْجَبْهَةِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ، و هو الْقَدْرُ الْمُعْتَبَرُ مِنْهُ فِي السُّجُودِ، لَا مَحَلُّ جَمِيعِ الْجَبْهَةِ (أَنْ يكونَ مِنْ الْأَرْضِ، أَوْ نَبَاتِهَا غَيرِ الْمَأْكولِ وَ الْمَلْبُوسِ عَادَةً) بِالْفِعْلِ، أَوْ بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَةِ مِنْهُ بِحَيثُ يكونُ مِنْ جِنْسِهِ، فَلَا يقْدَحُ فِي الْمَنْعِ تَوَقُّفُ الْمَأْكولِ عَلَي طَحْنٍ وَ خَبْزٍ وَ طَبْخٍ، وَ الْمَلْبُوسِ عَلَي غَزْلٍ وَ نَسْجٍ و غيرهَا، و لو خَرَجَ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ كانَ مِنْهُ كقِشْرِ اللَّوْزِ ارْتَفَعَ الْمَنْعُ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْجِنْسِيةِ.

وَ لَوْ اُعْتِيدَ أَحَدُهُمَا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ دُونَ بَعْضٍ، فَالْأَقْوَي عُمُومُ التَّحْرِيمِ نَعَمْ لَا يقْدَحُ النَّادِرُ كأَكلِ الْمَخْمَصَةِ وَ الْعَقَاقِيرِ الْمُتَّخَذَةِ لِلدَّوَاءِ مِنْ نَبَاتٍ لَا يغْلِبُ أَكلُهُ. (وَلَا يجُوزُ السُّجُودُ عَلَي الْمَعَادِنِ) لِخُرُوجِهَا عَنْ اسْمِ الْأَرْضِ بِالِاسْتِحَالَةِ وَ مِثْلُهَا الرَّمَادُ و أن كانَ مِنْهَا و أمّا الْخَزَفُ فَيبْنَي عَلَي خُرُوجِهِ بِالِاسْتِحَالَةِ عَنْهَا، فَمَنْ حَكمَ بِطُهْرِهِ لَزِمَهُ الْقَوْلُ بِالْمَنْعِ مِنْ السُّجُودِ عَلَيهِ، لِلِاتِّفَاقِ عَلَي الْمَنْعِ مِمَّا خَرَجَ عَنْهَا بِالِاسْتِحَالَةِ وَ تَعْلِيلُ مَنْ حَكمَ بِطُهْرِهِ بِهَا، لَكنْ لَمَّا كانَ الْقَوْلُ بِالِاسْتِحَالَةِ بِذَلِك ضَعِيفًا كانَ جَوَازُ السُّجُودِ عَلَيهِ قَوِيا.

(وَيجُوزُ) السُّجُودُ (عَلَي الْقِرْطَاسِ) فِي الْجُمْلَةِ إجْمَاعًا لِلنَّصِّ الصَّحِيحِ الدَّالِّ عَلَيهِ، وَ بِهِ خَرَجَ عَنْ أَصْلِهِ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ جَوَازِ السُّجُودِ عَلَيهِ، لِأَنَّهُ مُرَكبٌ مِنْ جُزْأَينِ لَا يصِحُّ السُّجُودُ عَلَيهِمَا، وَ هُمَا النُّورَةُ و ما مَازَجَهَا مِنْ الْقُطْنِ، وَ الْكتَّانِ، و غيرهِمَا، فَلَا مَجَالَ لِلتَّوَقُّفِ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ وَ الْمُصَنِّفُ هُنَا خَصَّهُ بِالْقِرْطَاسِ (الْمُتَّخَذِ مِنْ النَّبَاتِ) كالْقُطْنِ وَ الْكتَّانِ وَ الْقِنَّبِ، فَلَوْ اُتُّخِذَ مِنْ الْحَرِيرِ لَمْ يصِحَّ السُّجُودُ عَلَيهِ، و هذا إنَّمَا يبْنَي عَلَي الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ كوْنِ هَذِهِ الْأَشْياءِ مِمَّا لَا يلْبَسُ بِالْفِعْلِ

حَتَّي يكونَ الْمُتَّخَذُ مِنْهَا غَيرَ مَمْنُوعٍ، أَوْ كوْنُهُ غَيرُ مَغْزُولٍ أَصْلًا إنْ جَوَّزْنَاهُ فِيمَا دُونَ الْمَغْزُولِ، وَ كلَاهُمَا لَا يقُولُ بِهِ الْمُصَنِّفُ و أمّا إخْرَاجُ الْحَرِيرِ فَظَاهِرٌ عَلَي هَذَا لِأَنَّهُ لَا يصِحُّ السُّجُودُ عَلَيهِ بِحَالٍ.

وَ هَذَا الشَّرْطُ عَلَي تَقْدِيرِ جَوَازِ السُّجُودِ عَلَي هَذِهِ الْأَشْياءِ لَيسَ بِوَاضِحٍ لِأَنَّهُ تَقْييدٌ لِمُطْلَقِ النَّصِّ أَوْ تَخْصِيصٌ لِعَامِّهِ مِنْ غَيرِ فَائِدَةٍ، لِأَنَّ ذَلِك لَا يزِيلُهُ عَنْ حُكمِ مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ، فَإِنَّ أَجْزَاءَ النُّورَةِ الْمُنْبَثَّةِ فِيهِ بِحَيثُ لَا يتَمَيزُ مِنْ جَوْهَرِ الْخَلِيطِ جُزْءٌ يتِمُّ عَلَيهِ السُّجُودُ كافِيةٌ فِي الْمَنْعِ، فَلَا يفِيدُهُ مَا يخَالِطُهَا مِنْ الْأَجْزَاءِ الَّتِي يصِحُّ السُّجُودُ عَلَيهَا مُنْفَرِدَةً.

وَ فِي الذِّكرَي جَوَّزَ السُّجُودَ عَلَيهِ إنْ اُتُّخِذَ مِنْ الْقِنَّبِ، وَ اسْتَظْهَرَ الْمَنْعَ مِنْ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحَرِيرِ، وَ بَنَي الْمُتَّخَذَ مِنْ الْقُطْنِ وَ الْكتَّانِ عَلَي جَوَازِ السُّجُودِ عَلَيهِمَا، وَ يشْكلُ تَجْوِيزُهُ الْقِنَّبَ عَلَي أَصْلِهِ، لِحُكمِهِ فِيهَا بِكوْنِهِ مَلْبُوسًا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ، و أنّ ذَلِك يوجِبُ عُمُومَ التَّحْرِيمِ، و قال فِيهَا أَيضًا: فِي النَّفْسِ مِنْ الْقِرْطَاسِ شَيءٌ، مِنْ حَيثُ اشْتِمَالُهُ عَلَي النُّورَةِ الْمُسْتَحِيلَةِ مِنْ اسْمِ الْأَرْضِ بِالْإِحْرَاقِ، قَالَ: إلَّا أَنْ نَقُولَ الْغَالِبُ جَوْهَرُ الْقِرْطَاسِ أَوْ نَقُولَ: جُمُودُ النُّورَةِ يرُدُّ إلَيهَا اسْمَ الْأَرْضِ.

وَ هَذَا الْإِيرَادُ مُتَّجَهٌ لَوْلَا خُرُوجُ الْقِرْطَاسِ بِالنَّصِّ الصَّحِيحِ وَ عَمَلِ الْأَصْحَابِ، و ما دُفِعَ بِهِ الْإِشْكالُ غَيرُ وَاضِحٍ، فَإِنَّ أَغْلَبِيةَ الْمُسَوِّغِ لَا يكفِي مَعَ امْتِزَاجِهِ بِغَيرِهِ وَ انْبِثَاثِ أَجْزَائِهِمَا بِحَيثُ لَا يتَمَيزُ، وَ كوْنُ جُمُودِ النُّورَةِ يرُدُّ إلَيهَا اسْمَ الْأَرْضِ فِي غَايةِ الضَّعْفِ، و علي قَوْلِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ شَك فِي جِنْسِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ - كمَا هُوَ الْأَغْلَبُ - لَمْ يصِحَّ السُّجُودُ عَلَيهِ، لِلشَّك فِي حُصُولِ شَرْطِ الصِّحَّةِ.

وَ بِهَذَا ينْسَدُّ بَابُ السُّجُودِ عَلَيهِ غَالِبًا، و هو غَيرُ مَسْمُوعٍ فِي مُقَابِلِ النَّصِّ وَ

عَمَلِ الْأَصْحَابِ. (وَيكرَهُ) السُّجُودُ (عَلَي الْمَكتُوبِ) مِنْهُ مَعَ مُلَاقَاةِ الْجَبْهَةِ لِمَا يقَعُ عَلَيهِ اسْمُ السُّجُودِ خَالِيا مِنْ الْكتَابَةِ، وَ بَعْضُهُمْ لَمْ يعْتَبِرْ ذَلِك، بِنَاءً عَلَي كوْنِ الْمِدَادِ عَرَضَا لَا يحُولُ بَينَ الْجَبْهَةِ وَ جَوْهَرِ الْقِرْطَاسِ، وَ ضَعْفُهُ ظَاهِرٌ

الشرط الخامس: طهارة البدن من الحدث و الخبث

(الْخَامِسُ - طَهَارَةُ الْبَدَنِ مِنْ الْحَدَثِ وَ الْخَبَثِ) (وَقَدْ سَبَقَ) بَيانُ حُكمِهِمَا مُفَصَّلًا.

الشرط السادس: ترك الكلام

(السَّادِسُ - تَرْك الْكلَامِ) فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، و هو - عَلَي مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَ الْجَمَاعَةُ - مَا تَرَكبَ مِنْ حَرْفَينِ فَصَاعِدًا، و أن لَمْ يكنْ كلَامًا لُغَةً وَ لَا اصْطِلَاحًا، وَ فِي حُكمِهِ الْحَرْفُ الْوَاحِدُ الْمُفِيدُ كالْأَمْرِ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُعْتَلَّةِ الطَّرَفَينِ، مِثْلَ " قِ " مِنْ الْوِقَايةِ و " عِ " مِنْ الْوِعَايةِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَي مَقْصُودِ الْكلَامِ و أن أَخْطَأَ بِحَذْفِ هَاءِ السَّكتِ وَ حَرْفُ الْمَدِّ لِاشْتِمَالِهِ عَلَي حَرْفَينِ فَصَاعِدًا.

وَ يشْكلُ بِأَنَّ النُّصُوصَ خَالِيةٌ عَنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يرْجِعَ فِيهِ إلَي الْكلَامِ لُغَةً أَوْ اصْطِلَاحًا، وَ حَرْفُ الْمَدِّ و أن طَالَ مَدُّهُ بِحَيثُ يكونُ بِقَدْرِ أَحْرُفٍ - لَا يخْرُجُ عَنْ كوْنِهِ حَرْفًا وَاحِدًا فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّ الْمَدَّ - عَلَي مَا حَقَّقُوهُ - لَيسَ بِحَرْفٍ وَ لَا حَرَكةٍ، و إنّما هُوَ زِيادَةٌ فِي مَطِّ الْحَرْفِ وَ النَّفَسِ بِهِ، و ذلك لَا يلْحَقُهُ بِالْكلَامِ.

وَ الْعَجَبُ أَنَّهُمْ جَزَمُوا بِالْحُكمِ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا، وَ تَوَقَّفُوا فِي الْحَرْفِ الْمُفْهِمِ مِنْ حَيثُ كوْنُ الْمُبْطِلِ الْحَرْفَينِ فَصَاعِدًا، مَعَ أَنَّهُ كلَامٌ لُغَةً وَ اصْطِلَاحًا.

وَ فِي اشْتِرَاطِ كوْنِ الْحَرْفَينِ مَوْضُوعَينِ لِمَعْنَي وَجْهَانِ، وَ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ، وَ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي الْحَرْفَينِ الْحَادِثَينِ مِنْ التَّنَحْنُحِ وَ نَحْوِهِ.

وَ قَطَعَ الْعَلَّامَةُ بِكوْنِهِمَا حِينَئِذٍ غَيرَ مُبْطِلَينِ، مُحْتَجًّا بِأَنَّهُمَا لَيسَا مِنْ جِنْسِ الْكلَامِ، و هو حَسَنٌ.

وَ

اعْلَمْ أَنَّ فِي جَعْلِ هَذِهِ التُّرُوك مِنْ الشَّرَائِطِ تَجَوُّزًا ظَاهِرًا، فَإِنَّ الشَّرْطَ يعْتَبَرُ كوْنُهُ مُتَقَدِّمًا عَلَي الْمَشْرُوطِ وَ مُقَارِنًا لَهُ، وَ الْأَمْرُ هُنَا لَيسَ كذَلِك. (وَ) تَرْك (الْفِعْلِ الْكثِيرِ عَادَةً) و هو مَا يخْرُجُ بِهِ فَاعِلُهُ عَنْ كوْنِهِ مُصَلِّيا عُرْفًا.

وَ لَا عِبْرَةَ بِالْعَدَدِ، فَقَدْ يكونُ الْكثِيرُ فِيهِ قَلِيلًا كحَرَكةِ الْأَصَابِعِ، وَ الْقَلِيلُ فِيهِ كثِيرًا كالْوَثْبَةِ الْفَاحِشَةِ.

وَ يعْتَبَرُ فِيهِ التَّوَالِي، فَلَوْ تَفَرَّقَ بِحَيثُ حَصَلَتْ الْكثْرَةُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ و لم يتَحَقَّقْ الْوَصْفُ فِي الْمُجْتَمَعِ مِنْهَا لَمْ يضُرَّ، و من هُنَا { كانَ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يحْمِلُ أُمَامَةَ و هي ابْنَةُ ابْنَتِهِ وَ يضَعُهَا كلَّمَا سَجَدَ ثُمَّ يحْمِلُهَا إذَا قَامَ }.

وَ لَا يقْدَحُ الْقَلِيلُ كلُبْسِ الْعِمَامَةِ وَ الرِّدَاءِ وَ مَسْحِ الْجَبْهَةِ وَ قَتْلِ الْحَيةِ وَ الْعَقْرَبِ وَ هُمَا مَنْصُوصَانِ. (وَ) تَرْك (السُّكوتِ الطَّوِيلِ) الْمُخْرِجِ عَنْ كوْنِهِ مُصَلِّيا (عَادَةً) و لو خَرَجَ بِهِ عَنْ كوْنِهِ قَارِئًا بَطَلَتْ الْقِرَاءَةُ خَاصَّةً. (وَ) تَرْك (الْبُكاءِ) بِالْمَدِّ، و هو مَا اشْتَمَلَ مِنْهُ عَلَي صَوْتٍ، لَا مُجَرَّدَ خُرُوجِ الدَّمْعِ مَعَ احْتِمَالِهِ لِأَنَّهُ اُلْبُكا مَقْصُورًا، وَ الشَّك فِي كوْنِ الْوَارِدِ مِنْهُ فِي النَّصِّ مَقْصُورًا أَوْ مَمْدُودًا، وَ أَصَالَةُ عَدَمِ الْمَدِّ مُعَارَضٌ بِأَصَالَةِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ، فَيبْقَي الشَّك فِي عُرُوضِ الْمُبْطِلِ مُقْتَضِيا لِبَقَاءِ حُكمِ الصِّحَّةِ.

وَ إِنَّمَا يشْتَرِك تَرْك الْبُكاءِ (لِلدُّنْيا) كذَهَابِ مَالٍ وَ فَقْدِ مَحْبُوبٍ، و أن وَقَعَ عَلَي وَجْهٍ قَهْرِي فِي وَجْهٍ، وَ احْتُرِزَ بِهَا عَنْ الْآخِرَةِ، فَإِنَّ الْبُكاءَ لَهَا - كذِكرِ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ، وَ دَرَجَاتِ الْمُقَرَّبِينَ إلَي حَضْرَتِهِ، وَ دَرَكاتِ الْمُبْعَدِينَ عَنْ رَحْمَتِهِ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، و لو خَرَجَ مِنْهُ حِينَئِذٍ حَرْفَانِ كمَا سَلَف. (وَ) تَرْك (الْقَهْقَهَةِ) وَ هِي: الضَّحِك الْمُشْتَمِلُ عَلَي الصَّوْتِ و أن لَمْ يكنْ فِيهِ تَرْجِيعٌ، وَ

لَا شِدَّةٌ، وَ يكفِي فِيهَا و في البُكاءِ مُسَمَّاهُمَا، فَمِنْ ثَمَّةَ أُطْلِقَ.

وَ لَوْ وَقَعَتْ عَلَي وَجْهٍ لَا يمْكنُ دَفْعُهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ، وَ اسْتَقْرَبَ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي الْبُطْلَانَ. (وَالتَّطْبِيقُ) وَ هُوَ: وَضْعُ إحْدَي الرَّاحَتَينِ عَلَي الْأُخْرَي رَاكعًا بَينَ رُكبَتَيهِ، لِمَا رُوِي مِنْ النَّهْي عَنْهُ، وَ الْمُسْتَنَدُ ضَعِيفٌ، وَ الْمُنَافَاةُ بِهِ مِنْ حَيثُ الْفِعْلُ مُنْتَفِيةٌ، فَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ أَقْوَي، وَ عَلَيهِ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي. (وَالتَّكتُّفُ) وَ هُوَ: وَضْعُ إحْدَي الْيدَينِ عَلَي الْأُخْرَي بِحَائِلٍ و غيرهِ فَوْقَ السُّرَّةِ وَ تَحْتَهَا بِالْكفِّ عَلَيهِ و علي الزَّنْدِ، لِإِطْلَاقِ النَّهْي عَنْ التَّكفِيرِ الشَّامِلِ لِجَمِيعِ ذَلِك (إلَّا لِتُقْيةٍ) فَيجُوزُ مِنْهُ مَا تَأَدَّتْ بِهِ، بَلْ يجِبُ، و أن كانَ عِنْدَهُمْ سُنَّةً، مَعَ ظَنِّ الضَّرَرِ بِتَرْكهَا، لَكنْ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكهَا حِينَئِذٍ لَوْ خَالَفَ، لِتَعَلُّقِ النَّهْي بِأَمْرٍ خَارِجٍ بِخِلَافِ الْمُخَالَفَةِ فِي غُسْلِ الْوُضُوءِ بِالْمَسْحِ. (وَالِالْتِفَاتُ إلَي مَا وَرَاءَهُ) إنْ كانَ بِبَدَنِهِ أَجْمَعَ، وَ كذَا بِوَجْهِهِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ و أن كانَ الْفَرْضُ بَعِيدًا، أَمَّا إلَي مَا دُونَ ذَلِك كالْيمِينِ وَ الْيسَارِ، فَيكرَهُ بِالْوَجْهِ وَ يبْطُلُ بِالْبَدَنِ عَمْدًا مِنْ حَيثُ الِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ. (وَالْأَكلُ وَ الشُّرْبُ) و أن كانَ قَلِيلًا كاللُّقْمَةِ، إمَّا لِمُنَافَاتِهِمَا وَضْعَ الصَّلَاةِ، أَوْ لِأَنَّ تَنَاوُلَ الْمَأْكولِ وَ الْمَشْرُوبِ وَ وَضْعَهُ فِي الْفَمِ وَ ازْدِرَادَهُ أَفْعَالٌ كثِيرَةٌ، وَ كلَاهُمَا ضَعِيفٌ، إذْ لَا دَلِيلَ عَلَي أَصْلِ الْمُنَافَاةِ، فَالْأَقْوَي اعْتِبَارُ الْكثْرَةِ فِيهِمَا عُرْفًا، فَيرْجِعَانِ إلَي الْفِعْلِ الْكثِيرِ، و هو اخْتِيارُ الْمُصَنِّفِ فِي كتُبِهِ الثَّلَاثَةِ (إلَّا فِي الْوِتْرِ لِمَنْ يرِيدُ الصَّوْمَ) و هو عَطْشَانُ (فَيشْرَبُ) إذَا لَمْ يسْتَدْعِ مُنَافِيا غَيرَهُ، وَ خَافَ فَجْأَةَ الصُّبْحِ قَبْلَ إكمَالِ غَرَضِهِ مِنْهُ وَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَينَ الْوَاجِبِ وَ النَّدْبِ.

وَ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَذْكورَاتِ أَجْمَعَ إنَّمَا تُنَافِي الصَّلَاةَ مَعَ تَعَمُّدِهَا، عِنْدَ الْمُصَنِّفِ

مُطْلَقًا، وَ بَعْضُهَا إجْمَاعًا، و إنّما لَمْ يقَيدْ هُنَا اكتِفَاءً بِاشْتِرَاطِهِ تَرْكهَا، فَإِنَّ ذَلِك يقْتَضِي التَّكلِيفَ بِهِ الْمُتَوَقِّفَ عَلَي الذِّكرِ، لِأَنَّ النَّاسِي غَيرُ مُكلَّفٍ ابْتِدَاءً، نَعَمْ الْفِعْلُ الْكثِيرُ رُبَّمَا تَوَقَّفَ الْمُصَنِّفُ فِي تَقْييدِهِ بِالْعَمْدِ، لِأَنَّهُ أَطْلَقَهُ فِي الْبَيانِ، وَ نَسَبَ التَّقْييدَ فِي الذِّكرَي إلَي الْأَصْحَابِ، و في الدُّرُوسِ إلَي الْمَشْهُورِ، و في الرِّسَالَةِ الْأَلْفِيةِ جَعَلَهُ مِنْ قِسْمِ الْمُنَافِي مُطْلَقًا وَ لَا يخْلُو إطْلَاقُهُ هُنَا مِنْ دَلَالَةٍ عَلَي الْقَيدِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْبَاقِي.

نَعَمْ لَوْ اسْتَلْزَمَ الْفِعْلَ الْكثِيرَ نَاسِيا انْمِحَاءَ صُورَةِ الصَّلَاةِ رَأْسًا تَوَجَّهَ الْبُطْلَانُ أَيضًا، لَكنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا الْحُكمَ.

الشرط السابع: الاسلام

(السَّابِعُ - الْإِسْلَامُ: فَلَا تَصِحُّ) (الْعِبَادَةُ) مُطْلَقًا.

فَتَدْخُلُ الصَّلَاةُ (مَنْ الْكافِرِ) مُطْلَقًا و أن كانَ مُرْتَدًّا مَلِيا، أَوْ فِطْرِيا (وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيهِ) كمَا هُوَ قَوْلُ الْأَكثَرِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ حَيثُ زَعَمَ أَنَّهُ غَيرُ مُكلَّفٍ بِالْفُرُوعِ فَلَا يعَاقَبُ عَلَي تَرْكهَا، وَ تَحْقِيقُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأُصُولِ. (وَالتَّمْييزُ) بِأَنْ يكونَ لَهُ قُوَّةٌ يمْكنُهُ بِهَا مَعْرِفَةُ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لِيمَيزَ الشَّرْطَ مِنْ الْفِعْلِ، وَ يقْصِدُ بِسَبَبِهِ فِعْلَ الْعِبَادَةِ، (فَلَا تَصِحُّ مَنْ الْمَجْنُونِ، وَ الْمُغْمَي عَلَيهِ وَ) الصَّبِي (غَيرِ الْمُمَيزِ لِأَفْعَالِهَا) بِحَيثُ لَا يفَرِّقُ بَينَ مَا هُوَ شَرْطٌ فِيهَا و غير شَرْطٍ، و ما هُوَ وَاجِبٌ و غير وَاجِبٍ، إذَا نُبِّهَ عَلَيهِ. (وَيمَرَّنُ الصَّبِي) عَلَي الصَّلَاةِ (لِسِتٍّ)، و في البَيانِ لِسَبْعٍ، وَ كلَاهُمَا مَرْوِي، وَ يضْرَبُ عَلَيهَا لِتِسْعٍ، وَ رُوِي لِعَشْرٍ، وَ يتَخَيرُ بَينَ نِيةِ الْوُجُوبِ وَ النَّدْبِ، وَ الْمُرَادُ بِالتَّمْرِينِ التَّعْوِيدُ عَلَي أَفْعَالِ الْمُكلَّفِينَ لِيعْتَادَهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ فَلَا يشُقُّ عَلَيهِ بَعْدَهُ.

الفصل الثالث: في كيفية الصلاة

الفصل الثالث: في كيفية الصلاة

الاذان و الاقامة

(الْفَصْلُ الثَّالِثُ - فِي كيفِيةِ الصَّلَاةِ) (وَيسْتَحَبُّ) قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ (الْأَذَانُ وَ الْإِقَامَةُ) و إنّما جَعَلَهُمَا مِنْ الْكيفِيةِ خِلَافًا لِلْمَشْهُورِ مِنْ جَعْلِهِمَا مِنْ الْمُقَدَّمَاتِ نَظَرًا

إلَي مُقَارَنَةِ الْإِقَامَةِ لَهَا غَالِبًا، لِبُطْلَانِهَا بِالْكلَامِ وَ نَحْوِهِ بَينَهَا و بين الصَّلَاةِ، وَ كوْنِهَا أَحَدَ الْجُزْأَينِ فَكانَا كالْجُزْءِ الْمُقَارِنِ، كمَا دَخَلَتْ النِّيةُ فِيهَا، مَعَ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْهَا، مُتَقَدِّمَةٌ عَلَيهَا عَلَي التَّحْقِيقِ.

وَ كيفِيتُهُمَا (بِأَنْ ينْوِيهُمَا) أَوَّلًا لِأَنَّهُمَا عِبَادَةٌ، فَيفْتَقَرُ فِي الثَّوَابِ عَلَيهَا إلَي النِّيةِ، إلَّا مَا شَذَّ، (وَيكبِّرُ أَرْبَعًا فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ، ثُمَّ التَّشَهُّدَانِ) بِالتَّوْحِيدِ وَ الرِّسَالَةِ، (ثُمَّ الْحَيعَلَاتِ الثَّلَاثِ، ثُمَّ التَّكبِيرُ، ثُمَّ التَّهْلِيلُ، مَثْنَي مَثْنَي)، فَهَذِهِ ثَمَانِيةَ عَشَرَ فَصْلًا.

(وَالْإِقَامَةُ مَثْنَي) فِي جَمِيعِ فُصُولِهَا و هي فُصُولُ الْأَذَانِ إلَّا مَا يخْرِجُهُ (وَيزِيدُ بَعْدَ حَي عَلَي خَيرِ الْعَمَلِ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَينِ.

وَ يهَلِّلُ فِي آخِرِهَا مَرَّةً) وَاحِدَةً.

فَفُصُولُهَا سَبْعَةَ عَشَرَ تَنْقُصُ عَنْ الْأَذَانِ ثَلَاثَةٌ وَ يزِيدُ اثْنَينِ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ الْفُصُولِ الْمَنْقُولَةِ شَرْعًا، (وَلَا يجُوزُ اعْتِقَادُ شَرْعِيةِ غَيرِ هَذِهِ) الْفُصُولِ (فِي الْأَذَانِ وَ الْإِقَامَةِ كالتَّشَهُّدِ بِالْوِلَايةِ) لِعَلِي عَلَيهِ السَّلَامُ (وَأَنَّ مُحَمَّدًا وَ آلَهُ خَيرُ الْبَرِّيةِ) أَوْ خَيرُ الْبَشَرِ (وَإِنْ كانَ الْوَاقِعُ كذَلِك) فَمَا كلُّ وَاقِعٍ حَقًّا يجُوزُ إدْخَالُهُ فِي الْعِبَادَاتِ الْمُوَظَّفَةِ شَرْعًا، الْمَحْدُودَةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَي، فَيكونُ إدْخَالُ ذَلِك فِيهَا بِدْعَةً وَ تَشْرِيعًا، كمَا لَوْ زَادَ فِي الصَّلَاةِ رَكعَةً أَوْ تَشَهُّدًا أَوْ نَحْوَ ذَلِك مِنْ الْعِبَادَاتِ.

وَ بِالْجُمْلَةِ فَذَلِك مِنْ أَحْكامِ الْإِيمَانِ لَا مِنْ فُصُولِ الْأَذَانِ.

قَالَ الصَّدُوقُ: إنَّ إدْخَالَ ذَلِك فِيهِ مِنْ وَضْعِ الْمُفَوِّضَةِ وَ هُمْ طَائِفَةُ مِنْ الْغُلَاةِ، و لو فَعَلَ هَذِهِ الزِّيادَةَ، أَوْ إحْدَاهَا بِنِيةِ أَنَّهَا مِنْهُ أَثِمَ فِي اعْتِقَادِهِ، وَ لَا يبْطُلُ الْأَذَانُ بِفِعْلِهِ، وَ بِدُونِ اعْتِقَادِ ذَلِك لَا حَرَجَ.

وَ فِي الْمَبْسُوطِ أَطْلَقَ عَدَمَ الْإِثْمِ بِهِ، و مثله الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيانِ.

(وَاسْتِحْبَابهمَا ثَابِتٌ فِي الْخَمْسِ) الْيوْمِيةِ خَاصَّةً، دُونَ غَيرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ و أن كانَتْ وَاجِبَةً.

بَلْ يقُولُ الْمُؤَذِّنُ لِلْوَاجِبِ مِنْهَا: الصَّلَاةُ ثَلَاثًا بِنَصَبِ الْأَوَّلَينِ، أَوْ رَفْعِهِمَا، أَوْ بِالتَّفْرِيقِ

(أَدَاءً وَ قَضَاءً، لِلْمُنْفَرِدِ وَ الْجَامِعِ، وَ قِيلَ) وَ الْقَائِلُ بِهِ الْمُرْتَضَي وَ الشَّيخَانِ (يجِبَانِ فِي الْجَمَاعَةِ) لَا بِمَعْنَي اشْتِرَاطِهِمَا فِي الصِّحَّةِ، بَلْ فِي ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ عَلَي مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيخُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَ كذَا فَسَّرَهُ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ عَنْهُمْ مُطْلَقًا.

(وَيتَأَكدَانِ فِي الْجَهْرِيةِ، وَ خُصُوصًا الْغَدَاةَ وَ الْمَغْرِبَ) بَلْ أَوْجَبَهُمَا فِيهِمَا الْحَسَنُ مُطْلَقًا، وَ الْمُرْتَضَي فِيهِمَا عَلَي الرِّجَالِ، وَ أَضَافَ إلَيهِمَا الْجُمُعَةَ، و مثله ابْنُ الْجُنَيدِ، وَ أَضَافَ الْأَوَّلُ الْإِقَامَةَ مُطْلَقًا، وَ الثَّانِي هِي عَلَي الرِّجَالِ مُطْلَقًا (وَيسْتَحَبَّانِ لِلنِّسَاءِ سِرًّا)، وَ يجُوزَانِ جَهْرًا إذَا لَمْ يسْمَعْ الْأَجَانِبُ مِنْ الرِّجَالِ، وَ يعْتَدُّ بِأَذَانِهِنَّ لِغَيرِهِنَّ، (وَلَوْ نَسِيهُمَا) الْمُصَلِّي و لم يذْكرْ حَتَّي افْتَتَحَ الصَّلَاةَ (تَدَارَكهُمَا مَا لَمْ يرْكعْ) فِي الْأَصَحِّ، وَ قِيلَ يرْجِعُ الْعَامِدُ دُونَ النَّاسِي، وَ يرْجِعُ أَيضًا لِلْإِقَامَةِ لَوْ نَسِيهَا.

لَا لِلْأَذَانِ وَحْدَهُ.

(وَ يسْقُطَانِ عَنْ الْجَمَاعَةِ الثَّانِيةِ) إذَا حَضَرَتْ لِتُصَلِّي فِي مَكانِ فَوَجَدَتْ جَمَاعَةً أُخْرَي قَدْ أَذَّنَتْ وَ أَقَامَتْ وَ أَتَمَّتْ الصَّلَاةَ (مَا لَمْ تَتَفَرَّقْ الْأُولَي) بِأَنْ يبْقَي مِنْهَا و لو وَاحِدٌ مُعَقِّبًا، فَلَوْ لَمْ يبْقَ مِنْهَا أَحَدٌ كذَلِك و أن لَمْ يتَفَرَّقْ بِالْأَبْدَانِ لَمْ يسْقُطَا عَنْ الثَّانِيةِ، وَ كذَا يسْقُطَانِ عَنْ الْمُنْفَرِدِ بِطَرِيقٍ أَوْلَي، و لو كانَ السَّابِقُ مُنْفَرِدًا لَمْ يسْقُطَا عَنْ الثَّانِيةِ مُطْلَقًا.

وَ يشْتَرَطُ اتِّحَادُ الصَّلَاتَينِ، أَوْ الْوَقْتِ وَ الْمَكانِ عُرْفًا، وَ فِي اشْتِرَاطِ كوْنِهِ مَسْجِدًا وَجْهَانِ، وَ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ، و هو الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي، وَ يظْهَرُ مِنْ فَحَوَي الْأَخْبَارِ أَنَّ الْحِكمَةَ فِي ذَلِك مُرَاعَاةُ جَانِبِ الْإِمَامِ السَّابِقِ فِي عَدَمِ تَصْوِيرِ الثَّانِيةِ بِصُورَةِ الْجَمَاعَةِ وَ مَزَاياهَا، وَ لَا يشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِأَذَانِ الْأُولَي وَ إِقَامَتِهَا، بَلْ عَدَمُ الْعِلْمِ بِإِهْمَالِهَا لَهُمَا مَعَ احْتِمَالِ السُّقُوطِ عَنْ الثَّانِيةِ مُطْلَقًا عَمَلًا بِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَ

مُرَاعَاةَ الْحِكمَةِ.

(وَيسْقُطُ) (الْأَذَانُ فِي عَصْرَي عَرَفَةَ) لِمَنْ كانَ بِهَا (وَالْجُمُعَةِ، وَ عِشَاءِ) لَيلَةِ (الْمُزْدَلِفَةِ) و هي الْمَشْعَرُ، وَ الْحِكمَةُ فِيهِ مَعَ النَّصِّ اسْتِحْبَابُ الْجَمْعِ بَينَ الصَّلَاتَينِ، وَ الْأَصْلُ فِي الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ، فَمَنْ حَضَرَ الْأُولَي صَلَّي الثَّانِيةَ فَكانَتَا كالصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ، وَ كذَا يسْقُطُ فِي الثَّانِيةِ عَنْ كلِّ جَامِعٍ و لو جَوَازًا.

وَ الْأَذَانُ لِصَاحِبَةِ الْوَقْتِ، فَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَي أَذَّنَ لَهَا وَ أَقَامَ ثُمَّ أَقَامَ لِلثَّانِيةِ، و أن جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيةِ أَذَّنَ أَوَّلًا بِنِيةِ الثَّانِيةِ، ثُمَّ أَقَامَ لِلْأُولَي ثُمَّ لِلثَّانِيةِ.

وَ هَلْ سُقُوطُهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ رُخْصَةٌ فَيجُوزُ الْأَذَانُ، أَمْ عَزِيمَةٌ فَلَا يشْرَعْ؟ وَجْهَانِ، مِنْ أَنَّهُ عِبَادَةٌ تَوْقِيفِيةٌ، وَ لَا نَصَّ عَلَيهِ هُنَا بِخُصُوصِهِ وَ الْعُمُومُ مُخَصَّصٌ بِفِعْلِ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَإِنَّهُ جَمَعَ بَينَ الظُّهْرَينِ وَ الْعِشَاءَينِ لِغَيرِ مَانِعٍ بِأَذَانٍ وَ إِقَامَتَينِ، وَ كذَا فِي تِلْك الْمَوَاضِعِ.

وَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لِمَكانِ الْجَمْعِ لَا لِخُصُوصِيةِ الْبُقْعَةِ، و من أَنَّهُ ذِكرُ اللَّهِ تَعَالَي فَلَا وَجْهَ لِسُقُوطِهِ أَصْلًا، بَلْ تَخْفِيفًا وَ رُخْصَةً، وَ يشْكلُ بِمَنْعِ كوْنِهِ بِجَمِيعِ فُصُولِهِ ذِكرًا، وَ بِأَنَّ الْكلَامَ فِي خُصُوصِيةِ الْعِبَادَةِ لَا فِي مُطْلَقِ الذِّكرِ، و قد صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْعَلَّامَةُ بِتَحْرِيمِهِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَ أَطْلَقَ الْبَاقُونَ سُقُوطَهُ مَعَ مُطْلَقِ الْجَمْعِ.

وَ اخْتَلَفَ كلَامُ الْمُصَنِّفِ (ره) فَفِي الذِّكرَي تَوَقَّفَ فِي كرَاهَتِهِ فِي الثَّلَاثَةِ اسْتِنَادًا إلَي عَدَمِ وُقُوفِهِ فِيهِ عَلَي نَصٍّ، وَ لَا فَتْوَي، ثُمَّ حَكمَ بِنَفْي الْكرَاهَةِ وَ جَزَمَ بِانْتِفَاءِ التَّحْرِيمِ فِيهَا، وَ بِبَقَاءِ الِاسْتِحْبَابِ فِي الْجَمْعِ بِغَيرِهَا مُؤَوِّلًا السَّاقِطَ بِأَنَّهُ أَذَانُ الْإِعْلَامِ، و أنّ الْبَاقِي أَذَانُ الذِّكرِ وَ الْإِعْظَامِ، و في الدُّرُوسِ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِك، فَإِنَّهُ قَالَ: رُبَمَا قِيلَ بِكرَاهَتِهِ فِي الثَّلَاثَةِ، وَ بَالَغَ مَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ، و في البَيانِ:

الْأَقْرَبُ أَنَّ الْأَذَانَ فِي الثَّلَاثَةِ حَرَامٌ مَعَ اعْتِقَادِ شَرْعِيتِهِ، وَ تَوَقَّفَ فِي غَيرِهَا، وَ الظَّاهِرُ التَّحْرِيمُ فِيمَا لَا إجْمَاعَ عَلَي اسْتِحْبَابِهِ مِنْهَا، لِمَا ذَكرْنَاهُ.

وَ أَمَّا تَقْسِيمُ الْأَذَانِ إلَي الْقِسْمَينِ فَأَضْعَفُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ خَاصَّةٌ أَصْلُهَا الْإِعْلَامُ، وَ بَعْضُهَا ذِكرٌ، وَ بَعْضُهَا غَيرُ ذِكرٍ وَ تَأَدِّي وَظِيفَتِهِ بِإِيقَاعِهِ سِرًّا ينَافِي اعْتِبَارَ أَصْلِهِ، وَ الْحَيعَلَاتُ تُنَافِي ذِكرِيتِهِ، بَلْ هُوَ قِسْمٌ ثَالِثٌ، وَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، و لم يوقِعْهَا الشَّارِعُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَيكونُ بِدْعَةً.

نَعَمْ قَدْ يقَالُ: إنَّ مُطْلَقَ الْبِدْعَةِ لَيسَ بِمُحَرَّمٍ، بَلْ رُبَمَا قَسَّمَهَا بَعْضُهُمْ إلَي الْأَحْكامِ الْخَمْسَةِ، وَ مَعَ ذَلِك لَا يثْبُتُ الْجَوَازُ.

(وَيسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِمَا لِلرَّجُلِ) بَلْ لِمُطْلَقِ الذَّكرِ، أَمَّا الْأُنْثَي فَتُسِرُّ بِهِمَا كمَا تَقَدَّمَ، وَ كذَا الْخُنْثَي، (وَالتَّرْتِيلُ فِيهِ) بِبَيانِ حُرُوفِهِ وَ إِطَالَةِ وُقُوفِهِ مِنْ غَيرِ اسْتِعْجَالٍ، (وَالْحَدْرُ) هُوَ الْإِسْرَاعُ (فِيهَا) بِتَقْصِيرِ الْوُقُوفِ عَلَي كلِّ فَصْلٍ، لَا تَرْكهِ لِكرَاهَةِ إعْرَابِهِمَا حَتَّي لَوْ تَرَك الْوَقْفَ أَصْلًا فَالتَّسْكينُ أَوْلَي مِنْ الْإِعْرَابِ، فَإِنَّهُ لُغَةٌ عَرَبِيةٌ، وَ الْإِعْرَابُ مَرْغُوبٌ عَنْهُ شَرْعًا، و لو أَعْرَبَ حِينَئِذٍ تَرَك الْأَفْضَلَ و لم تَبْطُلْ.

أَمَّا اللَّحْنُ فَفِي بُطْلَانِهِمَا بِهِ وَجْهَانِ.

وَ يتَّجَهُ الْبُطْلَانُ لَوْ غَيرَ الْمَعْنَي كنَصْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِعَدَمِ تَمَامِيةِ الْجُمْلَةِ بِهِ بِفَوَاتِ الْمَشْهُودِ بِهِ لُغَةً و أن قَصَدَهُ، إذْ لَا يكفِي قَصْدُ الْعِبَادَةِ اللَّفْظِيةِ عَنْ لَفْظِهَا (وَ) الْمُؤَذِّنُ (الرَّاتِبُ يقِفُ عَلَي مُرْتَفِعٍ) لِيكونَ أَبْلَغَ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ، وَ إِبْلَاغِهِ الْمُصَلِّينَ، و غيرهُ يقْتَصِرُ عَنْهُ مُرَاعَاةً لِجَانِبِهِ حَتَّي يكرَهَ سَبْقُهُ بِهِ مَا لَمْ يفَرِّطْ بِالتَّأَخُّرِ (وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ) فِي جَمِيعِ الْفُصُولِ خُصُوصًا الْإِقَامَةُ، وَ يكرَهُ الِالْتِفَاتُ بِبَعْضِ فُصُولِهِ يمِينًا وَ شِمَالًا و أن كانَ عَلَي الْمَنَارَةِ عِنْدَنَا.

(وَالْفَصْلُ بَينَهُمَا بِرَكعَتَينِ) و لو مِنْ الرَّاتِبَةِ، (أَوْ سَجْدَةٍ، أَوْ جِلْسَةٍ) وَ النَّصُّ وَرَدَ بِالْجُلُوسِ،

وَ يمْكنُ دُخُولُ السَّجْدَةِ فِيهِ فَإِنَّهَا جُلُوسٌ وَ زِيادَةٌ مَعَ اشْتِمَالِهَا عَلَي مَزِيةٍ زَائِدَةٍ، (أَوْ خُطْوَةٍ) و لم يجِدْ بِهَا الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي حَدِيثًا، لَكنَّهَا مَشْهُورَةٌ (أَوْ سَكتَةٍ) و هي مَرْوِيةٌ فِي الْمَغْرِبِ خَاصَّةً، وَ نَسَبَهَا فِي الذِّكرَي إلَي كلَامِ الْأَصْحَابِ مَعَ السَّجْدَةِ وَ الْخُطْوَةِ، و قد وَرَدَ النَّصُّ فِي الْفَصْلِ بِتَسْبِيحَةٍ، فَلَوْ ذَكرَهَا كانَ حَسَنًا.

(وَيخْتَصُّ الْمَغْرِبُ بِالْأَخِيرَتَينِ) الْخُطْوَةُ وَ السَّكتَةُ، أَمَّا السَّكتَةُ فَمَرْوِيةٌ فِيهِ، و أمّا الْخُطْوَةُ فَكمَا تَقَدَّمَ، وَ رُوِي فِيهِ الْجِلْسَةُ، و أنّه إذَا فَعَلَهَا كانَ كالْمُتَشَحِّطِ بِدَمِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَكانَ ذِكرُهَا أَوْلَي.) وَ يكرَهُ الْكلَامُ فِي خِلَالِهِمَا) خُصُوصًا الْإِقَامَةُ، وَ لَا يعِيدُهُ بِهِ، مَا لَمْ يخْرُجْ بِهِ عَنْ الْمُوَالَاةِ وَ يعِيدُهَا بِهِ مُطْلَقًا عَلَي مَا أَفْتَي بِهِ الْمُصَنِّفُ و غيرهُ.

وَ النَّصُّ وَرَدَ بِإِعَادَتِهَا بِالْكلَامِ بَعْدَهَا (وَيسْتَحَبُّ الطَّهَارَةُ) حَالَتَهُمَا و في الإِقَامَةِ آكدُ، وَ لَيسَتْ شَرْطًا فِيهِمَا عِنْدَنَا مِنْ الْحَدَثَينِ، نَعَمْ لَوْ أَوْقَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ بِالْأَكبَرِ لَغَي، لِلنَّهْي الْمُفْسِدِ لِلْعِبَادَةِ (وَالْحِكايةُ لِغَيرِ الْمُؤَذِّنِ) إذَا سَمِعَ كمَا يقُولُ الْمُؤَذِّنُ و أن كانَ فِي الصَّلَاةِ، إلَّا الْحَيعَلَاتِ فِيهَا فَيبْدِلُهَا بِالْحَوْقَلَةِ، و لو حَكاهَا بَطَلَتْ، لِأَنَّهَا لَيسَتْ ذِكرًا، وَ كذَا يجُوزُ إبْدَالُهَا فِي غَيرِهَا، وَ وَقْتُ حِكايةِ الْفَصْلِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْهُ أَوْ مَعَهُ.

وَ لِيقْطَعَ الْكلَامَ إذَا سَمِعَهُ غَيرَ الْحِكايةِ و أن كانَ قُرْآنًا، و لو دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَخَّرَ التَّحِيةَ إلَي الْفَرَاغِ مِنْهُ.

القيام حالة النية و التكبيرة و القراءة

(ثُمَّ يجِبُ الْقِيامُ) حَالَةَ النِّيةِ، وَ التَّكبِيرِ، وَ الْقِرَاءَةِ، و إنّما قَدَّمَهُ عَلَي النِّيةِ وَ التَّكبِيرِ مَعَ أَنَّهُ لَا يجِبُ قَبْلَهُمَا، لِكوْنِهِ شَرْطًا فِيهِمَا وَ الشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَي الْمَشْرُوطِ، و قد أَخَّرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُمَا فِي الذِّكرَي، وَ الدُّرُوسِ، نَظَرًا إلَي ذَلِك، وَ لْيتَمَحَّضْ جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ،

و في الأَلْفِيةِ أَخَّرَهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِيجْعَلَهُ وَاجِبًا فِي الثَّلَاثَةِ، وَ لِكلٍّ وَجْهٌ (مُسْتَقِلًّا بِهِ) غَيرَ مُسْتَنِدٍ إلَي شَيءٍ بِحَيثُ لَوْ أُزِيلَ السِّنَادُ سَقَطَ (مَعَ الْمُكنَةِ، فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الِاسْتِقْلَالِ فِي الْجَمِيعِ (فَفِي الْبَعْضِ).

وَ يسْتَنِدُ فِيمَا يعْجَزُ عَنْهُ، (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الِاسْتِقْلَالِ أَصْلًا (اعْتَمَدَ) عَلَي شَيءٍ مُقَدَّمًا عَلَي الْقُعُودِ فَيجِبُ تَحْصِيلُ مَا يعْتَمِدُ عَلَيهِ و لو بِأُجْرَةٍ مَعَ الْإِمْكانِ، (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْهُ و لو بِالِاعْتِمَادِ، أَوْ قَدَرَ عَلَيهِ و لكن عَجَزَ عَنْ تَحْصِيلِهِ (قَعَدَ) مُسْتَقِلًّا كمَا مَرَّ، فَإِنْ عَجَزَ اعْتَمَدَ (فَإِنْ عَجَزَ) اضْطَجَعَ عَلَي جَانِبِهِ الْأَيمَنِ، (فَإِنْ عَجَزَ) فَعَلَي الْأَيسَرِ، هَذَا هُوَ الْأَقْوَي وَ مُخْتَارُهُ فِي كتُبِهِ الثَّلَاثَةِ وَ يفْهَمُ مِنْهُ هُنَا التَّخْييرُ و هو قَوْلٌ.

وَ يجِبُ الِاسْتِقْبَالُ حِينَئِذٍ بِوَجْهِهِ، (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْهُمَا (اسْتَلْقَي) عَلَي ظَهْرِهِ، وَ جَعَلَ بَاطِنَ قَدَمَيهِ إلَي الْقِبْلَةِ وَ وَجْهَهُ بِحَيثُ لَوْ جَلَسَ كانَ مُسْتَقْبِلًا كالْمُحْتَضَرِ.

وَ الْمُرَادُ بِالْعَجْزِ فِي هَذِهِ الْمَرَاتِبِ حُصُولُ مَشَقَّةٍ كثِيرَةٍ لَا تُتَحَمَّلُ عَادَةً، سَوَاءٌ نَشَأَ مِنْهَا زِيادَةُ مَرَضٍ، أَوْ حُدُوثُهُ، أَوْ بُطْءُ بُرْئِهِ، أَوْ مُجَرَّدُ الْمَشَقَّةِ الْبَالِغَةِ، لَا الْعَجْزُ الْكلِّي.

(وَيومِئُ لِلرُّكوعِ، وَ السُّجُودِ بِالرَّأْسِ) إنْ عَجَزَ عَنْهُمَا.

وَ يجِبُ تَقْرِيبُ الْجَبْهَةِ إلَي مَا يصِحُّ السُّجُودُ عَلَيهِ، أَوْ تَقْرِيبُهُ إلَيهَا، وَ الِاعْتِمَادُ بِهَا عَلَيهِ وَ وَضْعُ بَاقِي الْمَسَاجِدِ مُعْتَمِدًا، وَ بِدُونِهِ لَوْ تَعَذَّرَ الِاعْتِمَادُ، و هذه الْأَحْكامُ آتِيةٌ فِي جَمِيعِ الْمَرَاتِبِ السَّابِقَةِ، وَ حَيثُ يومِئُ لَهُمَا بِرَأْسِهِ يزِيدُ السُّجُودَ انْخِفَاضًا مَعَ الْإِمْكانِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْإِيمَاءِ بِهِ (غَمَّضَ عَينَيهِ لَهُمَا) مُزِيدًا لِلسُّجُودِ تَغْمِيضًا (وَفَتْحَهُمَا) بِالْفَتْحِ (لِرَفْعِهِمَا)، و أن لَمْ يكنْ مُبْصِرًا مَعَ إمْكانِ الْفَتْحِ قَاصِدًا بِالْإِبْدَالِ تِلْك الْأَفْعَالَ، وَ إِلَّا أَجْرَي الْأَفْعَالَ عَلَي قَلْبِهِ كلُّ وَاحِدٍ فِي مَحَلِّهِ، وَ الْأَذْكارَ عَلَي لِسَانِهِ، وَ إِلَّا أَخْطَرَهَا بِالْبَالِ وَ يلْحَقُ الْبَدَلُ

حُكمَ الْمُبْدَلِ فِي الرُّكنِيةِ، زِيادَةً وَ نُقْصَانًا مَعَ الْقَصْدِ، وَ قِيلَ مُطْلَقًا.

النية

(وَالنِّيةُ) و هي الْقَصْدُ إلَي الصَّلَاةِ الْمُعَينَةِ، وَ لَمَّا كانَ الْقَصْدُ مُتَوَقِّفًا عَلَي تَعْيينِ الْمَقْصُودِ بِوَجْهٍ لِيمْكنَ تَوَجُّهُ الْقَصْدِ إلَيهِ اُعْتُبِرَ فِيهَا إحْضَارُ ذَاتِ الصَّلَاةِ وَ صِفَاتِهَا الْمُمَيزَةِ لَهَا حَيثُ تَكونُ مُشْتَرَكةً، وَ الْقَصْدُ إلَي هَذَا الْمُعَينِ مُتَقَرَّبًا، وَ يلْزَمُ مِنْ ذَلِك كوْنُهَا (مُعَينَةَ الْفَرْضِ) مِنْ ظُهْرٍ، أَوْ عَصْرٍ، أَوْ غَيرِهِمَا (وَالْأَدَاءِ) إنْ كانَ فَعَلَهَا فِي وَقْتِهَا، (أَوْ الْقَضَاءِ) إنْ كانَ فِي غَيرِ وَقْتِهَا (وَالْوُجُوبِ).

وَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَجْعُولُ غَايةً، لِأَنَّ قَصْدَ الْفَرْضِ يسْتَدْعِي تَمَيزَ الْوَاجِبِ، مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يرِيدَ بِهِ الْوَاجِبَ الْمُمَيزَ، و يكون الْفَرْضُ إشَارَةً إلَي نَوْعِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ الْفَرْضَ قَدْ يرَادُ بِهِ ذَلِك إلَّا أَنَّهُ غَيرُ مُصْطَلَحٍ شَرْعًا.

وَ لَقَدْ كانَ أَوْلَي بِنَاءً عَلَي أَنَّ الْوُجُوبَ الْغَائِي لَا دَلِيلَ عَلَي وُجُوبِهِ كمَا نَبَّهَ عَلَيهِ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي، وَلَكنَّهُ مَشْهُورٌ، فَجَرَي عَلَيهِ هُنَا (أَوْ النَّدْبِ) إنْ كانَ مَنْدُوبًا، إمَّا بِالْعَارِضِ كالْمُعَادَةِ لِئَلَّا ينَافِي الْفَرْضَ الْأَوَّلَ إذْ يكفِي فِي إطْلَاقِ الْفَرْضِ عَلَيهِ حِينَئِذٍ كوْنُهُ كذَلِك بِالْأَصْلِ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ.

بِأَنْ يرَادَ بِالْفَرْضِ أَوَّلًا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوَاجِبِ، كمَا ذُكرَ فِي الِاحْتِمَالِ، و هذا قَرِينَةٌ أُخْرَي عَلَيهِ و هذه الْأُمُورُ كلُّهَا مُمَيزَاتٌ لِلْفِعْلِ الْمَنْوِي، لَا أَجْزَاءٌ لِلنِّيةِ، لِأَنَّهَا أَمْرٌ وَاحِدٌ بَسِيطٌ و هو الْقَصْدُ، و إنّما التَّرْكيبُ فِي مُتَعَلَّقِهِ وَ مَعْرُوضِهِ و هو الصَّلَاةُ الْوَاجِبَةُ، أَوْ الْمَنْدُوبَةُ الْمُؤَدَّاةُ، أَوْ الْمُقْضَاةُ، و علي اعْتِبَارِ الْوُجُوبِ الْمُعَلَّلِ يكونُ آخِرَ الْمُمَيزَاتِ الْوُجُوبَ و يكون قَصْدُهُ لِوُجُوبِهِ إشَارَةً إلَي مَا يقُولُهُ الْمُتَكلِّمُونَ مِنْ أَنَّهُ يجِبُ فِعْلُ الْوَاجِبِ لِوُجُوبِهِ، أَوْ نَدْبِهِ، أَوْ لِوَجْهِهِمَا مِنْ الشُّكرِ، أَوْ اللُّطْفِ، أَوْ الْأَمْرِ أَوْ الْمُرَكبِ مِنْهَا أَوْ مِنْ بَعْضِهَا عَلَي اخْتِلَافِ الْآرَاءِ،

و وجوب ذَلِك أَمْرٌ مَرْغُوبٌ عَنْهُ، إذْ لَمْ يحَقِّقْهُ الْمُحَقِّقُونَ فَكيفَ يكلَّفُ بِهِ غَيرُهُمْ؟ (وَالْقُرْبَةِ) وَ هِي: غَايةُ الْفِعْلِ الْمُتَعَبَّدِ بِهِ، و هو قُرْبُ الشَّرَفِ لَا الزَّمَانِ وَ الْمَكانِ، لِتَنَزُّهِهِ تَعَالَي عَنْهُمَا، وَ آثَرَهَا، لِوُرُودِهَا كثِيرًا فِي الْكتَابِ وَ السُّنَّةِ و لو جَعَلَهَا لِلَّهِ تَعَالَي كفَي.

وَ قَدْ تَلَخَّصَ مِنْ ذَلِك: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي النِّيةِ أَنْ يحْضُرَ بِبَالِهِ مَثَلًا صَلَاةُ الظُّهْرِ الْوَاجِبَةُ الْمُؤَادَةِ، وَ يقْصِدُ فِعْلَهَا لِلَّهِ تَعَالَي، و هذا أَمْرٌ سَهْلٌ، وَ تَكلِيفٌ يسِيرٌ، قَلَّ أَنْ ينْفَك عَنْ ذِهْنِ الْمُكلَّفِ عِنْدَ إرَادَتِهِ الصَّلَاةَ، وَ كذَا غَيرُهَا وَ تَجَشُّمُهَا زِيادَةً عَلَي ذَلِك وَسْوَاسُ شَيطَانِي، قَدْ أُمِرْنَا بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ وَ الْبَعْدِ عَنْهُ.

تكبيرة الاحرام

(وَتَكبِيرَةُ الْإِحْرَامِ) نُسِبَتْ إلَيهِ، لِأَنَّ بِهَا يحْصُلُ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ وَ يحْرُمُ مَا كانَ مُحَلَّلًا قَبْلَهَا مِنْ الْكلَامِ و غيرهِ، وَ يجِبُ التَّلَفُّظُ بِهَا بِاللَّفْظِ الْمَشْهُورِ (بِالْعَرَبِيةِ) تَأَسِّيا بِصَاحِبِ الشَّرْعِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ حَيثُ فَعَلَ كذَلِك وَ أَمَرَنَا بِالتَّأَسِّي بِهِ (وَ) كذَا تُعْتَبَرُ الْعَرَبِيةُ فِي (سَائِرِ الْأَذْكارِ الْوَاجِبَةِ)، أَمَّا الْمَنْدُوبَةُ فَيصِحُّ بِهَا وَ بِغَيرِهَا فِي أَشْهَرِ الْقَوْلَينِ هَذَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيهَا، أَمَّا مَعَ الْعَجْزِ وَ ضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ التَّعَلُّمِ فَيأْتِي بِهَا حَسْبَ مَا يعْرِفُهُ مِنْ اللُّغَاتِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ تَخَيرَ مُرَاعِيا مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيهِ مِنْ الْمَعْنَي و منه الْأَفْضَلِيةُ.

(وَتَجِبُ الْمُقَارَنَةُ لِلنِّيةِ) بِحَيثُ يكبِّرُ عِنْدَ حُضُورِ الْقَصْدِ الْمَذْكورِ بِالْبَالِ مِنْ غَيرِ أَنْ يتَخَلَّلَ بَينَهُمَا زَمَانٌ و أن قَلَّ، عَلَي الْمَشْهُورِ، وَ الْمُعْتَبَرُ حُضُورُ الْقَصْدِ عِنْدَ أَوَّلِ جُزْءٍ مَنْ التَّكبِيرِ، و هو الْمَفْهُومُ مِنْ الْمُقَارَنَةِ بَينَهُمَا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، لَكنَّهُ فِي غَيرِهِ اُعْتُبِرَ اسْتِمْرَارُهُ إلَي آخِرِهِ إلَّا مَعَ الْعُسْرِ، وَ الْأَوَّلُ أَقْوَي (وَاسْتِدَامَةُ حُكمِهَا) بِمَعْنَي أَنْ لَا يحْدِثَ نِيةً تُنَافِيهَا، و لو فِي بَعْضِ مُمَيزَاتِ الْمَنْوِي (إلَي

الْفَرَاغِ) مِنْ الصَّلَاةِ، فَلَوْ نَوَي الْخُرُوجَ مِنْهَا و لو فِي ثَانِي الْحَالِ قَبْلَهُ أَوْ فَعَلَ بَعْضَ الْمُنَافِياتِ كذَلِك، أَوْ الرِّياءَ و لو بِبَعْضِ الْأَفْعَالِ وَ نَحْوِ ذَلِك بَطَلَتْ.

قراءة الحمد و سورة كاملة

(وقراءة الحمد، و سورة كاملة) في أشهر القولين (إلا مع الضرورة) كضيق وقت، و حاجة يضر فوتها، و جهالة لها مع العجز عن التعلم فتسقط السورة من غير تعويض عنها. هذا (في) الركعتين (الاوليين) سواء لم يكن غيرهما كالثنائية أم كان كغيرها.

(ويجزي في غيرهما) من الركعات (الحمد وحدها، أو التسبيح بالأربع المشهورة (أربعا): بأن يقولها مرة (أو تسعا) باسقاط التكبير من الثلاث علي ما دلت عليه رواية حريز. (أو عشرا) بإثباته في الأخيرة (أو اثني عشر) بتكرير الأربع ثلاثا. و وجه الاجتزاء بالجميع ورود النص الصحيح بها. و لا يقدح إسقاط التكبير في الثاني، لذلك و لقيام غيره مقامه، و زيادة. و حيث يؤدي الواجب بالاربع جاز ترك الزائد فيحتمل كونه مستحبا، نظرا إلي ذلك، و واجبا مخيرا، إلتفاتا إلي أنه أحد أفراد الواجب و جواز تركه إلي بدل: و هو الأربع و أن كان جزءه كالركعتين، و الأربع في مواضع التخيير. و ظاهر النص و الفتوي: الوجوب، وبه صرح المصنف في الذكري، و هو ظاهر العبارة هنا، و عليه الفتوي. فلو شرع في الزائد عن مرتبة فهل يجب عليه البلوغ إلي أخري؟ يحتمله، قضية للوجوب، و أن جاز تركه قبل الشروع. و التخيير ثابت قبل الشروع فيوقعه علي وجهه، أو يتركه حذرا من تغيير الهيئة الواجبة. و وجه العدم: أصالة عدم وجوب الاكمال، فينصرف إلي كونه ذكر الله تعالي، إن لم يبلغ فردا آخر.

(والحمد) في غير الاوليين (أولي) من التسبيح مطلقا لرواية محمد

بن حكيم عن أبي الحسن عليه السلام. و روي أفضلية التسبيح مطلقا، و لغير الإمام و تساويهما. و بحسبها اختلفت الأقوال و اختلف اختيار المصنف، فهنا رجح القراءة مطلقا. و في الدروس للامام، و التسبيح للمنفرد. و في البيان جعلهما له سواء. و تردد في الذكري، و الجمع بين الأخبار هنا لا يخلو من تعسف. (وَيجِبُ الْجَهْرُ) بِالْقِرَاءَةِ عَلَي الْمَشْهُورِ (فِي الصُّبْحِ وَ أُولَيي الْعِشَاءَينِ وَ الْإِخْفَاتُ فِي الْبَوَاقِي) لِلرَّجُلِ.

وَ الْحَقُّ أَنَّ الْجَهْرَ وَ الْإِخْفَاتَ كيفِيتَانِ مُتَضَادَّتَانِ مُطْلَقًا، لَا يجْتَمِعَانِ فِي مَادَّةٍ، فَأَقَلُّ الْجَهْرِ: أَنْ يسْمَعَهُ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ صَحِيحًا، مَعَ اشْتِمَالِهَا عَلَي الصَّوْتِ الْمُوجِبِ لِتَسْمِيتِهِ جَهْرًا عُرْفًا، وَ أَكثَرُهُ: أَنْ لَا يبْلُغَ الْعُلُوَّ الْمُفْرِطَ، وَ أَقَلُّ السِّرِّ: أَنْ يسْمِعَ نَفْسَهُ خَاصَّةً صَحِيحًا، أَوْ تَقْدِيرًا، وَ أَكثَرُهُ: أَنْ لَا يبْلُغَ أَقَلَّ الْجَهْرِ.

(وَلَا جَهْرَ عَلَي الْمَرْأَةِ) وُجُوبًا، بَلْ تَتَخَيرُ بَينَهُ و بين السِّرِّ فِي مَوَاضِعِهِ إذَا لَمْ يسْمَعْهَا مَنْ يحْرُمُ اسْتِمَاعُهُ صَوْتَهَا، وَ السِّرُّ أَفْضَلُ لَهَا مُطْلَقًا، (وَيتَخَيرُ الْخُنْثَي بَينَهُمَا) فِي مَوْضِعِ الْجَهْرِ إنْ لَمْ يسْمَعْهَا الْأَجْنَبِي، وَ إِلَّا تَعَينَ الْإِخْفَاتُ، وَ رُبَمَا قِيلَ: بِوُجُوبِ الْجَهْرِ عَلَيهَا، مُرَاعِيةً عَدَمَ سَمَاعِ الْأَجْنَبِي مَعَ الْإِمْكانِ، وَ إِلَّا وَجَبَ الْإِخْفَاتُ، و هو أَحْوَطُ.

(ثُمَّ التَّرْتِيلُ) لِلْقِرَاءَةِ، و هو لُغَةً: التَّرَسُّلُ فِيهَا، وَ التَّبْيينِ به غير بَغْي، وَ شَرْعًا، قَالَ فِي الذِّكرَي: هُوَ حِفْظُ الْوُقُوفِ، وَ أَدَاءِ الْحُرُوفِ و هو الْمَرْوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَ قَرِيبٌ مِنْهُ عَنْ عَلِي عَلَيهِ السَّلَامُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَ بَيانُ الْحُرُوفِ، بَدَلَ أَدَائِهَا.

(وَالْوُقُوفُ) عَلَي مَوَاضِعِهِ، و هي مَا تَمَّ لَفْظُهُ وَ مَعْنَاهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا، وَ الْأَفْضَلُ: التَّامُّ، ثُمَّ الْحَسَنُ، ثُمَّ الْكافِي، عَلَي مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ وَ لَقَدْ كانَ يغْنِي عَنْهُ ذِكرُ التَّرْتِيلِ عَلَي

مَا فَسَّرَهُ بِهِ الْمُصَنِّفُ، فَالْجَمْعُ بَينَهُمَا تَأْكيدٌ، نَعَمْ: يحْسُنُ الْجَمْعُ بَينَهُمَا لَوْ فُسِّرَ التَّرْتِيلُ بِأَنَّهُ: تَبْيينُ الْحُرُوفِ مِنْ غَيرِ مُبَالَغَةٍ كمَا فَسَّرَهُ بِهِ فِي الْمُعْتَبَرُ وَ الْمُنْتَهَي، أَوْ بَيانُ الْحُرُوفِ وَ إِظْهَارُهَا مِنْ غَيرِ مَدٍّ يشْبِهُ الْغِنَاءَ كمَا فَسَّرَهُ بِهِ فِي النِّهَايةِ و هو الْمُوَافِقُ لِتَعْرِيفِ أَهْلِ اللُّغَةِ.

(وَتَعَمُّدِ الْإِعْرَابَ) إمَّا بِإِظْهَارِ حَرَكاتِهِ وَ بَيانِهَا بَيانًا شَافِيا بِحَيثُ لَا ينْدَمِجُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ إلَي حَدٍّ لَا يبْلُغُ حَدَّ الْمَنْعِ، أَوْ بِأَنْ لَا يكثِرَ الْوُقُوفَ الْمُوجِبَ لِلسُّكونِ خُصُوصًا فِي الْمَوْضِعِ الْمَرْجُوحِ، و مثله حَرَكةُ الْبِنَاءِ.

(وَسُؤَالُ الرَّحْمَةِ وَ التَّعَوُّذُ مِنْ النِّقْمَةِ) عِنْدَ آيتَيهِمَا (مُسْتَحَبٌّ) خَبَرُ التَّرْتِيلِ و ما عُطِفَ عَلَيهِ.

وَ عَطَفَهَا بِثُمَّ الدَّالِ عَلَي التَّرَاخِي لِمَا بَينَ الْوَاجِبِ وَ النَّدْبِ مِنْ التَّغَايرِ (وَكذَا) يسْتَحَبُّ (تَطْوِيلُ السُّورَةِ فِي الصُّبْحِ) كهَلْ أَتَي وَ عَمَّ، لَا مُطْلَقُ التَّطْوِيلِ، (وَتَوَسُّطِهَا فِي الظُّهْرِ وَ الْعِشَاءِ) كهَلْ أَتَاك، وَ الْأَعْلَي كذَلِك، (وَقَصْرُهَا فِي الْعَصْرِ وَ الْمَغْرِبِ) بِمَا دُونَ ذَلِك.

وَ إِنَّمَا أَطْلَقَ و لم يخُصَّ التَّفْصِيلَ بِسُوَرِ الْمُفَصَّلِ لِعَدَمِ النَّصِّ عَلَي تَعْيينِهِ بِخُصُوصِهِ عِنْدَنَا، و إنّما الْوَارِدُ فِي نُصُوصِنَا هَذِهِ السُّوَرُ وَ أَمْثَالُهَا، لَكنَّ الْمُصَنِّفَ و غيرهُ قَيدُوا الْأَقْسَامَ بِالْمُفَصَّلِ، وَ الْمُرَادُ بِهِ مَا بَعْدَ مُحَمَّدٍ أَوْ الْفَتْحِ، أَوْ الْحُجُرَاتِ، أَوْ الصَّفِّ، أَوْ الصَّافَّاتِ إلَي آخِرِ الْقُرْآنِ.

وَ فِي مَبْدَئِهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ أَشْهُرُهَا الْأَوَّلُ، سُمِّي مُفَصَّلًا لِكثْرَةِ فَوَاصِلِهِ بِالْبَسْمَلَةِ بِالْإِضَافَةِ إلَي بَاقِي الْقُرْآنِ، أَوْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحُكمِ الْمُفَصَّلِ لِعَدَمِ الْمَنْسُوخِ مِنْهُ.

(وَكذَا يسْتَحَبُّ) (قَصْرُ السُّورَةِ مَعَ خَوْفِ الضِّيقِ) بَلْ قَدْ يجِبُ (وَاخْتِيارُ { هَلْ أَتَي } وَ { هَلْ أَتَاك } فِي صُبْحِ الِاثْنَينِ)، وَ صُبْحِ (الْخَمِيسِ) فَمَنْ قَرَأَهُمَا فِي الْيوْمَينِ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّهُمَا، (وَ) سُورَةِ (الْجُمُعَةِ وَ الْمُنَافِقِينَ فِي ظُهْرَيهَا وَ جُمُعَتِهَا) عَلَي طَرِيقِ الِاسْتِخْدَامِ،

وَ رُوِي أَنَّ مَنْ تَرَكهُمَا فِيهَا مُتَعَمِّدًا فَلَا صَلَاةَ لَهُ، حَتَّي قِيلَ بِوُجُوبِ قِرَاءَتِهِمَا فِي الْجُمُعَةِ وَ ظُهْرِهَا لِذَلِك وَ حُمِلَتْ الرِّوَايةُ عَلَي تَأَكدِ الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا، (وَالْجُمُعَةِ وَ التَّوْحِيدِ فِي صُبْحِهَا) وَ قِيلَ: الْجُمُعَةِ وَ الْمُنَافِقِينَ، و هو مَرْوِي أَيضًا، (وَالْجُمُعَةِ وَ الْأَعْلَي فِي عِشَاءَيهَا): الْمَغْرِبِ وَ الْعِشَاءِ، وَ رُوِي فِي الْمَغْرِبِ: الْجُمُعَةُ وَ التَّوْحِيدُ، وَ لَا مُشَاحَّةَ فِي ذَلِك، لِأَنَّهُ مَقَامُ اسْتِحْبَابٍ.

(وَتَحْرُمُ) قِرَاءَةُ (الْعَزِيمَةِ فِي الْفَرِيضَةِ) عَلَي أَشْهَرِ الْقَوْلَينِ.

فَتَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِيهَا عَمْدًا لِلنَّهْي، و لو شَرَعَ فِيهَا سَاهِيا، عَدَلَ عَنْهَا و أن تَجَاوَزَ نِصْفَهَا، مَا لَمْ يتَجَاوَزْ مَوْضِعَ السُّجُودِ، وَ مَعَهُ فَفِي الْعُدُولِ، أَوْ إكمَالِهَا وَ الِاجْتِزَاءِ بِهَا، مَعَ قَضَاءِ السُّجُودِ بَعْدَهَا، وَجْهَانِ، فِي الثَّانِي مِنْهُمَا قُوَّةٌ وَ مَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي إلَي الْأَوَّلِ، وَ احْتُرِزَ بِالْفَرِيضَةِ عَنْ النَّافِلَةِ، فَيجُوزُ قِرَاءَتُهَا فِيهَا، وَ يسْجُدُ لَهَا فِي مَحَلِّهِ، وَ كذَا لَوْ اسْتَمَعَ فِيهَا إلَي قَارِئٍ أَوْ سَمِعَ عَلَي أَجْوَدِ الْقَوْلَينِ.

وَ يحْرُمُ اسْتِمَاعُهَا فِي الْفَرِيضَةِ فَإِنْ فَعَلَ، أَوْ سَمِعَ اتِّفَاقًا وَ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ لَهُ أَوْمَأَ لَهَا وَ قَضَاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، و لو صَلَّي مَعَ مُخَالِفٍ تَقِيةً فَقَرَأَهَا تَابَعَهُ فِي السُّجُودِ و لم يعْتَدَّ بِهَا عَلَي الْأَقْوَي وَ الْقَائِلُ بِجَوَازِهَا مِنَّا لَا يقُولُ بِالسُّجُودِ لَهَا فِي الصَّلَاةِ " فَلَا مَنْعَ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، بَلْ مِنْ حَيثُ فَعَلَهُ مَا يعْتَقِدُ الْمَأْمُومُ الْإِبْطَالَ بِهِ.

(وَيسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي نَوَافِلِ اللَّيلِ، وَ السِّرُّ فِي) نَوَافِلِ (النَّهَارِ) وَ كذَا قِيلَ فِي غَيرِهَا مِنْ الْفَرَائِضِ، بِمَعْنَي اسْتِحْبَابِ الْجَهْرِ بِاللَّيلِيةِ مِنْهَا، وَ السِّرِّ فِي نَظِيرِهَا نَهَارًا كالْكسُوفَينِ، أَمَّا مَا لَا نَظِيرَ لَهُ فَالْجَهْرُ مُطْلَقًا كالْجُمُعَةِ وَ الْعِيدَينِ، وَ الزَّلْزَلَةِ، وَ الْأَقْوَي فِي الْكسُوفَينِ ذَلِك، لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ الْخُسُوفِ بِاللَّيلِ (وَجَاهِلُ الْحَمْدِ

يجِبُ عَلَيهِ التَّعَلُّمُ) مَعَ إمْكانِ وَسَعَةِ الْوَقْتِ (فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ قَرَأَ مَا يحْسُنُ مِنْهَا) أَي مِنْ الْحَمْدِ، هَذَا إذَا سُمِّي قُرْآنًا، فَإِنْ لَمْ يسَمَّ لِقِلَّتِهِ فَهُوَ كالْجَاهِلِ بِهَا أَجْمَعَ.

وَ هَلْ يقْتَصِرُ عَلَيهِ، أَوْ يعَوِّضُ عَنْ الْفَائِتِ؟ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ الْأَوَّلُ، و في الدُّرُوسِ: الثَّانِي و هو الْأَشْهَرُ.

ثُمَّ إنْ لَمْ يعْلَمْ غَيرَهَا مِنْ الْقُرْآنِ كرَّرَ مَا يعْلَمُهُ بِقَدْرِ الْفَائِتِ، و أن عَلِمَ فَفِي التَّعْوِيضِ مِنْهَا، أَوْ مِنْهُ قَوْلَانِ مَأْخَذُهُمَا كوْنُ الْأَبْعَاضِ أَقْرَبَ إلَيهَا، و أنّ الشَّيءَ الْوَاحِدَ لَا يكونُ أَصْلًا وَ بَدَلًا، و علي التَّقْدِيرَينِ فَيجِبُ الْمُسَاوَاةُ لَهُ فِي الْحُرُوفِ، وَ قِيلَ فِي الْآياتِ.

وَ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ.

وَ يجِبُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ بَينَ الْبَدَلِ وَ الْمُبْدَلِ، فَإِنْ عَلِمَ الْأَوَّلَ أَخَّرَ الْبَدَلَ أَوْ الْآخَرَ قَدَّمَهُ، أَوْ الطَّرَفَينِ وَسَّطَهُ، أَوْ الْوَسَطَ حَفَّهُ بِهِ، و هكذا و لو أَمْكنَهُ الْإِتْمَامُ قَدَّمَ عَلَي ذَلِك، لِأَنَّهُ فِي حُكمِ الْقِرَاءَةِ التَّامَّةِ، و مثله مَا لَوْ أَمْكنَ مُتَابَعَةُ قَارِئٍ، أَوْ الْقِرَاءَةُ مِنْ الْمُصْحَفِ، بَلْ قِيلَ بِإِجْزَائِهِ اخْتِيارًا، وَ الْأَوْلَي اخْتِصَاصُهُ بِالنَّافِلَةِ.

(فَإِنْ لَمْ يحْسِنْ) شَيئًا مِنْهَا (قَرَأَ مِنْ غَيرِهَا بِقَدْرِهَا) أَي بِقَدْرِ الْحَمْدِ حُرُوفًا، وَ حُرُوفُهَا مِائَةٌ وَ خَمْسَةٌ وَ خَمْسُونَ حَرْفًا بِالْبَسْمَلَةِ إلَّا لِمَنْ قَرَأَ " مَالِك " فَإِنَّهَا تَزِيدُ حَرْفًا، وَ يجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَي الْأَقَلِّ، ثُمَّ قَرَأَ السُّورَةَ إنْ كانَ يحْسِنُ سُورَةً تَامَّةً و لو بِتَكرَارِهَا عَنْهُمَا مُرَاعِيا فِي الْبَدَلِ الْمُسَاوَاةَ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) ذَلِك كلُّهُ و لم يحْسِنْ شَيئًا مِنْ الْقِرَاءَةِ (ذَكرَ اللَّهَ تَعَالَي بِقَدْرِهَا) أَي بِقَدْرِ الْحَمْدِ خَاصَّةً، أَمَّا السُّورَةُ فَسَاقِطَةٌ كمَا مَرَّ. و هل يجْزِي مُطْلَقُ الذِّكرِ، أَمْ يعْتَبَرُ الْوَاجِبُ فِي الْأَخِيرَتَينِ؟ قَوْلَانِ، اخْتَارَ ثَانِيهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي لِثُبُوتِ بَدَلِيتِهِ عَنْهَا فِي الْجُمْلَةِ.

وَ قِيلَ يجْزِئُ مُطْلَقُ الذِّكرِ و أن لَمْ يكنْ بِقَدْرِهَا عَمَلًا بِمُطْلَقِ

الْأَمْرِ، وَ الْأَوَّلُ أَوْلَي، و لو لَمْ يحْسِنْ الذِّكرَ قِيلَ وَقَفَ بِقَدْرِهَا لِأَنَّهُ كانَ يلْزَمُهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَي الْقِرَاءَةِ قِيامٌ وَ قِرَاءَةٌ، فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا بَقِي الْآخَرُ، و هو حَسَنٌ.

(وَالضُّحَي وَ { أَلَمْ نَشْرَحْ } سُورَةٌ) وَاحِدَةٌ (وَالْفِيلُ وَ الْإِيلَافُ سُورَةٌ) فِي الْمَشْهُورِ فَلَوْ قَرَأَ إحْدَاهُمَا فِي رَكعَةٍ، وَجَبَتْ الْأُخْرَي عَلَي التَّرْتِيبِ، وَ الْأَخْبَارُ خَالِيةٌ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَي وَحْدَتِهِمَا و إنّما دَلَّتْ عَلَي عَدَمِ إجْزَاءِ إحْدَاهُمَا، وَ فِي بَعْضِهَا تَصْرِيحٌ بِالتَّعَدُّدِ مَعَ الْحُكمِ الْمَذْكورِ، وَ الْحُكمُ مِنْ حَيثُ الصَّلَاةُ وَاحِدٌ، و إنّما تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي غَيرِهَا.

(وَتَجِبُ الْبَسْمَلَةُ بَينَهُمَا) عَلَي التَّقْدِيرَينِ فِي الْأَصَحِّ لِثُبُوتِهَا بَينَهُمَا تَوَاتُرًا، وَ كتْبُهَا فِي الْمُصْحَفِ الْمُجَرَّدِ عَنْ غَيرِ الْقُرْآنِ حَتَّي النَّقْطِ وَ الْإِعْرَابِ، وَ لَا ينَافِي ذَلِك الْوَحْدَةَ لَوْ سُلِّمَتْ كمَا فِي سُورَةِ النَّمْلِ.

الركوع منحنيا

(ثُمَّ يجِبُ الرُّكوعُ مُنْحَنِيا إلَي أَنْ تَصِلَ كفَّاهُ) مَعًا (رُكبَتَيهِ) فَلَا يكفِي و ُصُولُهُمَا به غير انْحِنَاءٍ كالِانْخِنَاسِ مَعَ إخْرَاجِ الرُّكبَتَينِ، أَوْ بِهِمَا وَ الْمُرَادُ بِوُصُولِهِمَا بُلُوغُهُمَا قَدْرًا لَوْ أَرَادَ إيصَالَهُمَا وَصَلَتَا، إذْ لَا يجِبُ الْمُلَاصَقَةُ، وَ الْمُعْتَبَرُ وُصُولُ جُزْءٍ مِنْ بَاطِنِهِ لَا جَمِيعِهِ، وَ لَا رُءُوسِ الْأَصَابِعِ (مُطْمَئِنًّا) فِيهِ بِحَيثُ تَسْتَقِرُّ الْأَعْضَاءُ (بِقَدْرٍ وَاجِبِ الذِّكرِ) مَعَ الْإِمْكانِ.

(وَ) الذِّكرُ الْوَاجِبُ (هُوَ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَ بِحَمْدِهِ، أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثًا) لِلْمُخْتَارِ، (أَوْ مُطْلَقُ الذِّكرِ لِلْمُضْطَرِّ)، وَ قِيلَ يكفِي الْمُطْلَقُ مُطْلَقًا و هو أَقْوَي، لِدَلَالَةِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ عَلَيهِ، و ما وَرَدَ فِي غَيرِهَا مُعَينًا غَيرُ مُنَافٍ لَهُ لِأَنَّهُ بَعْضُ أَفْرَادِ الْوَاجِبِ الْكلِّي تَخْييرًا، وَ بِهِ يحْصُلُ الْجَمْعُ بَينَهُمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَيدْنَاهُ، و علي تَقْدِيرِ تَعَينِهِ فَلَفْظُ " وَ بِحَمْدِهِ " وَاجِبٌ أَيضًا تَخْييرًا لَا عَينًا، لِخُلُوِّ كثِيرٍ مِنْ الْأَخْبَارِ عَنْهُ، و مثله الْقَوْلُ فِي التَّسْبِيحَةِ الْكبْرَي مَعَ

كوْنِ بَعْضِهَا ذِكرًا تَامًّا.

وَ مَعْنَي سُبْحَانَ رَبِّي تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ النَّقَائِصِ، و هو مَنْصُوبٌ عَلَي الْمَصْدَرِ بِمَحْذُوفٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَ مُتَعَلِّقُ الْجَارِّ فِي " وَ بِحَمْدِهِ " هُوَ الْعَامِلُ الْمَحْذُوفُ، وَ التَّقْدِيرُ سَبَّحْتُ اللَّهَ تَسْبِيحًا وَ سُبْحَانًا وَ سَبَّحْتُهُ بِحَمْدِهِ.

أَوْ بِمَعْنَي وَ الْحَمْدُ لَهُ، نَظِيرُ { مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّك بِمَجْنُونٍ } أَي وَ النِّعْمَةِ لَهُ، (وَرَفْعُ الرَّأْسِ مِنْهُ)، فَلَوْ هَوَي مِنْ غَيرِ رَفْعٍ بَطَلَ مَعَ التَّعَمُّدِ، وَ اسْتَدْرَكهُ مَعَ النِّسْيانِ، (مُطْمَئِنًّا) وَ لَا حَدَّ لَهَا، بَلْ مُسَمَّاهَا فَمَا زَادَ بِحَيثُ لَا يخْرُجُ بِهَا عَنْ كوْنِهِ مُصَلِّيا.

(وَيسْتَحَبُّ التَّثْلِيثُ فِي الذِّكرِ) الْأَكبَرِ (فَصَاعِدًا) إلَي مَا لَا يبْلُغُ السَّأَمَ، فَقَدْ عُدَّ عَلَي الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ سِتُّونَ تَسْبِيحَةً كبْرَي إلَّا أَنْ يكونَ إمَامًا فَلَا يزِيدُ عَلَي الثَّلَاثِ إلَّا مَعَ حُبِّ الْمَأْمُومِينَ الْإِطَالَةَ.

وَ فِي كوْنِ الْوَاجِبِ مَعَ الزِّيادَةِ عَلَي مَرَّةٍ الْجَمِيعُ، أَوْ الْأَوْلَي مَا مَرَّ فِي تَسْبِيحِ الْأَخِيرَتَينِ.

وَ أَنْ يكونَ الْعَدَدُ (وِتْرًا) خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، أَوْ مَا زَادَ مِنْهُ، وَعُدَّ السِّتِّينَ لَا ينَافِيهِ، لِجَوَازِ الزِّيادَةِ مِنْ غَيرِ عَدٍّ، أَوْ بَيانِ جَوَازِ الْمُزْدَوِجِ (وَالدُّعَاءُ أَمَامَهُ) أَي أَمَامَ الذِّكرِ بِالْمَنْقُولِ و هو اللَّهُمَّ لَك رَكعْت إلَي آخِرِهِ (وَتَسْوِيةُ الظَّهْرِ) حَتَّي لَوْ صُبَّ عَلَيهِ مَاءٌ لَمْ يزُلْ لِاسْتِوَائِهِ (وَمَدُّ الْعُنُقِ) مُسْتَحْضِرًا فِيهِ: آمَنْتُ بِك و لو ضُرِبَتْ عُنُقِي (وَالتَّجْنِيحُ) بِالْعَضُدَينِ وَ الْمَرْفِقَينِ بِأَنْ يخْرِجَهُمَا عَنْ مُلَاصِقَةِ جَنْبَيهِ، فَاتِحًا إبْطَيهِ كالْجَنَاحَينِ (وَوَضْعُ الْيدَينِ) عَلَي عَينَي (الرُّكبَتَينِ) حَالَةَ الذِّكرِ أَجْمَعَ، مَالِئًا كفَّيهِ مِنْهُمَا (وَالْبَدْأَةُ) فِي الْوَضْعِ (بِالْيمْنَي) حَالَةَ كوْنِهِمَا (مُفَرَّجَتَينِ) غَيرَ مَضْمُومَتَي الْأَصَابِعِ (وَالتَّكبِيرُ لَهُ) قَائِمًا قَبْلَ الْهُوِي (رَافِعًا يدَيهِ إلَي حِذَاءِ شَحْمَتَي أُذُنَيهِ) كغَيرِهِ مِنْ التَّكبِيرَاتِ.

(وَقَوْلِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) إلَي آخِرِهِ (فِي) حَالِ (رَفْعِهِ) مِنْهُ، (مُطْمَئِنًّا)، وَ

مَعْنَي سَمِعَ هُنَا اسْتَجَابَ تَضْمِينًا.

وَ مِنْ ثَمَّ عَدَّاهُ بِاللَّامِ كمَا عَدَّاهُ بِإِلَي فِي قَوْله تَعَالَي: { لَا يسَّمَّعُونَ إلَي الْمَلَأِ الْأَعْلَي } لِمَا ضَمَّنَهُ مَعْنَي يصْغُونَ، وَ إِلَّا فَأَصْلُ السَّمَاعِ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ و هو خَبَرٌ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ، لَا ثَنَاءٌ عَلَي الْحَامِدِ (وَيكرَهُ أَنْ يرْكعَ وَ يدَاهُ تَحْتَ ثِيابِهِ)، بَلْ تَكونَانِ بَارِزَتَينِ، أَوْ فِي كمَّيهِ، نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي إلَي الْأَصْحَابِ لِعَدَمِ وُقُوفِهِ عَلَي نَصٍّ فِيهِ.

السجود علي الاعضاء السبعة

ثُمَّ تَجِبُ سَجْدَتَانِ (عَلَي الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ) الْجَبْهَةِ وَ الْكفَّينِ وَ الرُّكبَتَينِ، وَ إِبْهَامَي الرِّجْلَينِ، وَ يكفِي مِنْ كلٍّ مِنْهَا مُسَمَّاهُ حَتَّي الْجَبْهَةِ عَلَي الْأَقْوَي.

وَ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِك مِنْ الِانْحِنَاءِ إلَي مَا يسَاوِي مَوْقِفَهُ أَوْ يزِيدُ عَلَيهِ، أَوْ ينْقُصُ عَنْهُ بِمَا لَا يزِيدُ عَنْ مِقْدَارِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ مَضْمُومَةً (قَائِلًا فِيهِمَا سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَي وَ بِحَمْدِهِ، أَوْ مَا مَرَّ) مِنْ الثَّلَاثَةِ الصُّغْرَي اخْتِيارًا، أَوْ مُطْلَقِ الذِّكرِ اضْطِرَارًا، أَوْ مُطْلَقًا عَلَي الْمُخْتَارِ (مُطْمَئِنًّا بِقَدْرِهِ) اخْتِيارًا (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ) بِحَيثُ يصِيرُ جَالِسًا، لَا مُطْلَقُ رَفْعِهِ (مُطْمَئِنًّا) حَالَ الرَّفْعِ بِمُسَمَّاهُ.

(وَيسْتَحَبُّ الطُّمَأْنِينَةُ) بِضَمِّ الطَّاءِ (عَقِيبَ) السَّجْدَةِ (الثَّانِيةِ) و هي الْمُسَمَّاةُ بِجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ اسْتِحْبَابًا مُؤَكدًا، بَلْ قِيلَ بِوُجُوبِهَا.

(وَالزِّيادَةُ عَلَي) الذِّكرِ (الْوَاجِبِ) بِعَدَدٍ وَتْرٍ، وَ دُونَهُ غَيرَهُ (وَالدُّعَاءُ) أَمَامَ الذِّكرِ اللَّهُمَّ لَك سَجَدْت إلَي آخِرِهِ (وَالتَّكبِيرَاتُ الْأَرْبَعُ) لِلسَّجْدَتَينِ إحْدَاهُمَا بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكوعِ مُطْمَئِنًّا فِيهِ

وَ ثَانِيتُهَا بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَي جَالِسًا مُطْمَئِنًّا،

وَ ثَالِثَتُهَا قَبْلَ الْهُوِي إلَي الثَّانِيةِ كذَلِك،

وَ رَابِعَتُهَا بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْهُ مُعْتَدِلًا، (وَالتَّخْوِيةُ لِلرَّجُلِ) بَلْ مُطْلَقُ الذِّكرِ إمَّا فِي الْهُوِي إلَيهِ بِأَنْ يسْبِقَ بِيدَيهِ ثُمَّ يهْوِي بِرُكبَتَيهِ لِمَا رُوِي أَنَّ عَلِيا عَلَيهِ السَّلَامُ كانَ إذَا سَجَدَ يتَخَوَّي كمَا يتَخَوَّي الْبَعِيرُ الضَّامِرُ يعْنِي بُرُوكهُ، أَوْ بِمَعْنَي تَجَافِي الْأَعْضَاءِ حَالَةَ السُّجُودِ بِأَنْ يجْنَحَ بِمَرْفِقَيهِ وَ

يرْفَعَهُمَا عَنْ الْأَرْضِ، وَ لَا يفْتَرِشَهُمَا كافْتِرَاشِ الْأَسَدِ، وَ يسَمَّي هَذَا تَخْوِيةً لِأَنَّهُ إلْقَاءُ الْخَوِي بَينَ الْأَعْضَاءِ، وَ كلَاهُمَا مُسْتَحَبٌّ لِلرَّجُلِ، دُونَ الْمَرْأَةِ، بَلْ تَسْبِقُ فِي هُوِيهَا بِرُكبَتَيهَا، وَ تَبْدَأُ بِالْقُعُودِ، وَ تَفْتَرِشُ ذِرَاعَيهَا حَالَتَهُ لِأَنَّهُ أَسْتُرُ، وَ كذَا الْخُنْثَي لِأَنَّهُ أَحْوَطُ و في الذِّكرَي سَمَّاهَا تَخْوِيةً كمَا ذَكرْنَاهُ (وَالتَّوَرُّك بَينَ السَّجْدَتَينِ) بِأَنْ يجْلِسَ عَلَي وَرِكهِ الْأَيسَرِ، وَ يخْرِجَ رِجْلَيهِ جَمِيعًا مِنْ تَحْتِهِ، جَاعِلًا رِجْلَهُ الْيسْرَي عَلَي الْأَرْضِ وَ ظَاهِرَ قَدَمِهِ الْيمْنَي عَلَي بَاطِنِ الْيسْرَي وَ يفْضِي بِمَقْعَدَتِهِ إلَي الْأَرْضِ، هَذَا فِي الذَّكرِ، أَمَّا الْأُنْثَي فَتَرْفَعُ رُكبَتَيهَا، وَ تَضَعُ بَاطِنَ كفَّيهَا عَلَي فَخِذَيهَا مَضْمُومَتَي الْأَصَابِعِ.

التشهد

(ثُمَّ يجِبُ التَّشَهُّدُ: عَقِبَ) الرَّكعَةِ (الثَّانِيةِ) الَّتِي تَمَامُهَا الْقِيامُ مَنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيةِ، (وَكذَا) يجِبُ (آخِرَ الصَّلَاةِ) إذَا كانَتْ ثُلَاثِيةً، أَوْ رَبَاعِيةً (وَهُوَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيك لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ)، وَ إِطْلَاقُ التَّشَهُّدِ عَلَي مَا يشْمَلُ الصَّلَاةَ عَلَي مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ إمَّا تَغْلِيبٌ، أَوْ حَقِيقَةٌ شَرْعِيةٌ، و ما اخْتَارَهُ مِنْ صِيغَتِهِ أَكمَلُهَا، و هي مُجْزِيةٌ بِالْإِجْمَاعِ، إلَّا أَنَّهُ غَيرُ مُتَعَينٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، بَلْ يجُوزُ عِنْدَهُ حَذْفُ " وَحْدَهُ لَا شَرِيك لَهُ "، وَ لَفْظَةِ عَبْدُهُ، مُطْلَقًا، أَوْ مَعَ إضَافَةِ الرَّسُولِ إلَي الْمُظْهَرِ و علي هَذَا فَمَا ذُكرَ هُنَا يجِبُ تَخْييرًا كزِيادَةِ التَّسْبِيحِ، وَ يمْكنُ أَنْ يرِيدُ انْحِصَارَهُ فِيهِ لِدَلَالَةِ النَّصِّ الصَّحِيحِ عَلَيهِ، و في البَيانِ تَرَدُّدٌ فِي وُجُوبِ مَا حَذَفْنَاهُ، ثُمَّ اخْتَارَ وُجُوبَهُ تَخْييرًا.

وَ يجِبُ التَّشَهُّدُ (جَالِسًا مُطْمَئِنًّا بِقَدْرِهِ، وَ يسْتَحَبُّ التَّوَرُّك) حَالَتَهُ كمَا مَرَّ (وَالزِّيادَةُ فِي الثَّنَاءِ وَ الدُّعَاءِ) قَبْلَهُ، وَ فِي أَثْنَائِهِ وَ بَعْدَهُ بِالْمَنْقُولِ

التسليم

(ثُمَّ يجِبُ التَّسْلِيمُ) عَلَي أَجْوَدِ الْقَوْلَينِ عِنْدَهُ، وَ أَحْوَطِهِمَا

عِنْدَنَا (وَلَهُ عِبَارَتَانِ: السَّلَامُ عَلَينَا و علي عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَ السَّلَامُ عَلَيكمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ) مُخَيرًا فِيهِمَا (وَبِأَيهِمَا بَدَأَ كانَ هُوَ الْوَاجِبُ) وَ خَرَجَ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ (وَاسْتُحِبَّ الْآخَرُ).

أَمَّا الْعِبَارَةُ الْأُولَي فَعَلَي الِاجْتِزَاءِ بِهَا، وَ الْخُرُوجِ بِهَا مِنْ الصَّلَاةِ دَلَّتْ الْأَخْبَارُ الْكثِيرَةُ، و أمّا الثَّانِيةُ فَمُخْرِجَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ و غيرهُ.

وَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ تَقْدِيمُ الْأَوَّلِ مَعَ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَبِّ، وَ الْخُرُوجُ بِالثَّانِي، وَ عَلَيهِ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي وَ الْبَيانِ، و أمّا جَعْلُ الثَّانِي مُسْتَحَبًّا كيفَ كانَ كمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا فَلَيسَ عَلَيهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ.

وَ قَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ كلَامُ الْمُصَنِّفِ فَاخْتَارَهُ هُنَا و هو مِنْ آخِرِ مَا صَنَّفَهُ، و في الرِّسَالَةِ الْأَلْفِيةِ و هي مِنْ أَوَّلِهِ، و في البَيانِ أَنْكرَهُ غَايةَ الْإِنْكارِ فَقَالَ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ الصِّيغَةِ الْأُولَي: وَ أَوْجَبَهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَ خَيرَ بَينَهَا و بين " السَّلَامُ عَلَيكمْ "، وَ جَعَلَ الثَّانِيةَ مِنْهُمَا مُسْتَحَبَّةً، وَ ارْتَكبَ جَوَازَ " السَّلَامُ عَلَينَا و علي عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ " بَعْدَ السَّلَامِ عَلَيكمْ.

وَ لَمْ يذْكرْ ذَلِك فِي خَبَرٍ، وَ لَا مُصَنَّفٍ.

بَلْ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَ اسْتِحْبَابِهِ يجْعَلُونَهَا مُقَدَّمَةً عَلَيهِ، و في الذِّكرَي نَقَلَ وُجُوبَ الصِّيغَتَينِ تَخْييرًا عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، و قال إنَّهُ قَوِي مَتِينٌ إلَّا أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِهِ مِنْ الْقُدَمَاءِ.

وَ كيفَ يخْفَي عَلَيهِمْ مِثْلُهُ لَوْ كانَ حَقًّا.

ثُمَّ قَالَ: إنَّ الِاحْتِياطَ لِلدِّينِ الْإِتْيانُ بِالصِّيغَتَينِ جَمِيعًا بَادِئًا بِالسَّلَامِ عَلَينَا، لَا بِالْعَكسِ فَإِنَّهُ لَمْ يأْتِ بِهِ خَبَرٌ مَنْقُولٌ، وَ لَا مُصَنَّفٌ مَشْهُورٌ سِوَي مَا فِي بَعْضِ كتُبِ الْمُحَقِّقِ، وَ يعْتَقِدُ نَدْبِيةَ السَّلَامِ عَلَينَا، و وجوب الصِّيغَةِ الْأُخْرَي، و ما جَعَلَهُ احْتِياطًا قَدْ أَبْطَلَهُ فِي الرِّسَالَةِ الْأَلْفِيةِ فَقَالَ فِيهَا: إنَّ مِنْ الْوَاجِبِ جَعْلَ الْمَخْرَجِ مَا يقَدِّمُهُ مِنْ إحْدَي

الْعِبَارَتَينِ فَلَوْ جَعَلَهُ الثَّانِيةَ لَمْ تَجُزْ.

وَ بَعْدَ ذَلِك كلِّهِ فَالْأَقْوَي الِاجْتِزَاءُ فِي الْخُرُوجِ بِكلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَ الْمَشْهُورُ فِي الْأَخْبَارِ تَقْدِيمُ " السَّلَامُ عَلَينَا و علي عِبَادِ اللَّهِ " مَعَ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَبِّ إلَّا أَنَّهُ لَيسَ احْتِياطًا كمَا ذَكرَهُ فِي الذِّكرَي لِمَا قَدْ عَرَفْت مِنْ حُكمِهِ بِخِلَافِهِ فَضْلًا عَنْ غَيرِهِ (وَيسْتَحَبُّ فِيهِ التَّوَرُّك) كمَا مَرَّ (وَإِيمَاءُ الْمُنْفَرِدِ) بِالتَّسْلِيمِ (إلَي الْقِبْلَةِ ثُمَّ يومِئُ بِمُؤَخِّرِ عَينِهِ عَنْ يمِينِهِ).

أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَمْ نَقِفْ عَلَي مُسْتَنَدِهِ، و إنّما النَّصُّ وَ الْفَتْوَي عَلَي كوْنِهِ إلَي الْقِبْلَةِ به غير إيمَاءٍ، و في الذِّكرَي ادَّعَي الْإِجْمَاعَ عَلَي نَفْي الْإِيمَاءِ إلَي الْقِبْلَةِ بِالصِّيغَتَينِ و قد أَثْبَتَهُ هُنَا و في الرِّسَالَةِ الْأَلْفِيةِ.

وَ أَمَّا الثَّانِي فَذَكرَهُ الشَّيخُ وَ تَبِعَهُ عَلَيهِ الْجَمَاعَةُ وَ اسْتَدَلُّوا عَلَيهِ بِمَا لَا يفِيدُهُ (وَالْإِمَامُ) يومِئُ (بِصَفْحَةِ وَجْهِهِ يمِينًا) بِمَعْنَي أَنَّهُ يبْتَدِئُ بِهِ إلَي الْقِبْلَةِ ثُمَّ يشِيرُ بِبَاقِيهِ إلَي الْيمِينِ بِوَجْهِهِ (وَالْمَأْمُومُ كذَلِك) أَي يومِئُ إلَي يمِينِهِ بِصَفْحَةِ وَجْهِهِ كالْإِمَامِ مُقْتَصِرًا عَلَي تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ لَمْ يكنْ عَلَي يسَارِهِ أَحَدٌ، (وَإِنْ كانَ عَلَي يسَارِهِ أَحَدٌ سَلَّمَ أُخْرَي) بِصِيغَةِ السَّلَامُ عَلَيكمْ (مُومِيا) بِوَجْهِهِ (إلَي يسَارِهِ) أَيضًا.

وَ جَعَلَ ابْنُ بَابَوَيهِ الْحَائِطَ كافِيا فِي اسْتِحْبَابِ التَّسْلِيمَتَينِ لِلْمَأْمُومِ، وَ الْكلَامُ فِيهِ و في الإِيمَاءِ بِالصَّفْحَةِ كالْإِيمَاءِ بِمُؤَخِّرِ الْعَينِ مِنْ عَدَمِ الدَّلَالَةِ عَلَيهِ ظَاهِرًا، لَكنَّهُ مَشْهُورٌ بَينَ الْأَصْحَابِ لَا رَادَّ لَهُ.

(وَلْيقْصُدْ الْمُصَلِّي) بِصِيغَةِ الْخِطَابِ فِي تَسْلِيمِهِ (الْأَنْبِياءَ وَ الْمَلَائِكةَ وَ الْأَئِمَّةَ عَلَيهِمْ السَّلَامُ وَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ) بِأَنْ يحْضِرَهُمْ بِبَالِهِ، وَ يخَاطِبَهُمْ بِهِ، وَ إِلَّا كانَ تَسْلِيمُهُ بِصِيغَةِ الْخِطَابِ لَغْوًا و أن كانَ مُخْرِجًا عَنْ الْعُهْدَةِ.

(وَيقْصِدُ الْمَأْمُومُ بِهِ) مَعَ مَا ذُكرَ (الرَّدَّ عَلَي الْإِمَامِ) لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَنْ حَياهُ، بَلْ يسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ قَصْدَ الْمَأْمُومِينَ بِهِ عَلَي الْخُصُوصِ، مُضَافًا

إلَي غَيرِهِمْ، و لو كانَتْ وَظِيفَةُ الْمَأْمُومِ التَّسْلِيمَ مَرَّتَينِ فَلْيقْصِدْ بِالْأُولَي الرَّدَّ عَلَي الْإِمَامِ، وَ بِالثَّانِيةِ مَقْصِدَهُ.

(وَيسْتَحَبُّ السَّلَامُ الْمَشْهُورُ) قَبْلَ الْوَاجِبِ و هو السَّلَامُ عَلَيك أَيهَا النَّبِي وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ السَّلَامُ عَلَي أَنْبِياءِ اللَّهِ وَ رُسُلِهِ السَّلَامُ عَلَي جَبْرَائِيلَ وَ مِيكائِيلَ وَ الْمَلَائِكةِ الْمُقَرَّبِينَ، السَّلَامُ عَلَي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ خَاتَمِ النَّبِيينَ لَا نَبِي بَعْدَهُ.

الفصل الرابع: في باقي مستحباتها

الفصل الرابع: في باقي مستحباتها

(الْفَصْلُ الرَّابِعُ - فِي بَاقِي مُسْتَحَبَّاتِهَا) قَدْ ذَكرَ فِي تَضَاعِيفِهَا وَ قَبْلَهَا جُمْلَةً مِنْهَا، وَ بَقِي جُمْلَةٌ أُخْرَي (وَهِي تَرْتِيلُ التَّكبِيرِ) بِتَبْيينِ حُرُوفِهِ، وَ إِظْهَارِهَا إظْهَارًا شَافِيا (وَرَفْعُ الْيدَينِ بِهِ) إلَي حِذَاءِ شَحْمَتَي أُذُنَيهِ (كمَا مَرَّ) فِي تَكبِيرِ الرُّكوعِ وَ لَقَدْ كانَ بَيانُهُ فِي تَكبِيرِ الْإِحْرَامِ أَوْلَي مِنْهُ فِيهِ لِأَنَّهُ أَوَّلُهَا وَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ فِيهِ زِيادَةٌ.

(مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِبُطُونِ الْيدَينِ) حَالَةَ الرَّفْعِ، (مَجْمُوعَةَ الْأَصَابِعِ مَبْسُوطَةَ الْإِبْهَامَينِ) عَلَي أَشْهَرِ الْقَوْلَينِ، وَ قِيلَ: يضُمُّهُمَا إلَيهَا مُبْتَدِئًا بِهِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّفْعِ، وَ بِالْوَضْعِ عِنْدَ انْتِهَائِهِ عَلَي أَصَحِّ الْأَقْوَالِ.

(وَالتَّوَجُّهُ بِسِتِّ تَكبِيرَاتٍ) أَوَّلَ الصَّلَاةِ قَبْلَ تَكبِيرَةِ الْإِحْرَامِ و هو الْأَفْضَلُ، أَوْ بَعْدَهَا، أَوْ بِالتَّفْرِيقِ فِي كلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ وَ نَفْلٍ عَلَي الْأَقْوَي، سِرًّا مُطْلَقًا (يكبِّرُ ثَلَاثًا) مِنْهَا (وَيدْعُو) بِقَوْلِهِ: " اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِك الْحَقُّ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ " إلَي آخِرِهِ، (وَاثْنَتَينِ وَ يدْعُو) بِقَوْلِهِ " لَبَّيك وَ سَعْدَيك " إلَي آخِرِهِ، (وَوَاحِدَةٍ وَ يدْعُو) بِقَوْلِهِ: " يا مُحْسِنُ قَدْ أَتَاك الْمُسِيءُ، إلَي آخِرِهِ.

وَ رُوِي أَنَّهُ يجْعَلَ هَذَا الدُّعَاءَ قَبْلَ التَّكبِيرَاتِ، وَ لَا يدْعُو بَعْدَ السَّادِسَةِ، وَ عَلَيهِ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي، مَعَ نَقْلِهِ مَا هُنَا وَ الدُّرُوسِ وَ النَّفْلِيةِ، و في البَيانِ كمَا هُنَا، وَ الْكلُّ حَسَنٌ.

وَ رُوِي جَعْلُهَا وَلَاءً مِنْ غَيرِ دُعَاءٍ بَينَهَا، وَ الِاقْتِصَارُ عَلَي خَمْسٍ، وَ ثَلَاثٍ

(وَيتَوَجَّهُ) أَي يدْعُو بِدُعَاءِ التَّوَجُّهِ وَ هُوَ: " وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَ الْأَرْضَ " إلَي آخِرِهِ (بَعْدَ التَّحْرِيمَةِ) حَيثُ مَا فَعَلَهَا.

(وَتَرَبَّعَ الْمُصَلِّي قَاعِدًا) لِعَجْزٍ، أَوْ لِكوْنِهَا نَافِلَةً بِأَنْ يجْلِسَ عَلَي أَلْييهِ وَ ينْصِبَ سَاقَيهِ وَ وَرِكيهِ، كمَا تَجْلِسُ الْمَرْأَةُ مُتَشَهِّدَةً (حَالَ قِرَاءَتِهِ، وَ يثْنِي رِجْلَيهِ حَالَ رُكوعِهِ جَالِسًا) بِأَنْ يمُدَّهُمَا، وَ يخْرِجَهُمَا مِنْ وَرَائِهِ، رَافِعًا أَلْييهِ عَنْ عَقِبَيهِ، مُجَافِيا فَخْذَيهِ عَنْ طَيةِ رُكبَتَيهِ، مُنْحَنِيا قَدْرَ مَا يحَاذِي وَجْهُهُ مَا قُدَّامَ رُكبَتَيهِ، (وَتَوَرُّكهُ حَالَ تَشَهُّدِهِ) بِأَنْ يجْلِسَ عَلَي وَرِكهِ الْأَيسَرِ كمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ مُشْتَرَك بَين الْمُصَلِّي قَائِمًا وَ جَالِسًا، (وَالنَّظَرُ قَائِمًا إلَي مَسْجِدِهِ) به غير تَحْدِيقٍ، بَلْ خَاشِعًا بِهِ، (وَرَاكعًا إلَي مَا بَينَ رِجْلَيهِ وَ سَاجِدًا إلَي) طَرَفِ (أَنْفِهِ، وَ مُتَشَهِّدًا إلَي حِجْرِهِ)، كلُّ ذَلِك مَرْوِي إلَّا الْأَخِيرَ فَذَكرَهُ الْأَصْحَابُ و لم نَقِفْ عَلَي مُسْتَنِدِهِ نَعَمْ هُوَ مَانِعٌ مِنْ النَّظَرِ إلَي مَا يشْغَلُ الْقَلْبَ فَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ كغَيرِهِ.

(وَوَضْعُ الْيدَينِ قَائِمًا عَلَي فَخْذَيهِ بِحِذَاءِ رُكبَتَيهِ، مَضْمُومَةَ الْأَصَابِعِ) وَ مِنْهَا الْإِبْهَامُ، (وَرَاكعًا عَلَي عَينَي رُكبَتَيهِ الْأَصَابِعَ وَ الْإِبْهَامَ مَبْسُوطَةً) هُنَا (جُمَعَ) تَأْكيدٌ لِبَسْطِ الْإِبْهَامِ وَ الْأَصَابِعِ و هي مُؤَنَّثَةٌ سَمَاعِيةٌ فَلِذَلِك أَكدَهَا بِمَا يؤَكدُ بِهِ جَمْعُ الْمُؤَنَّثِ.

وَ ذَكرَ الْإِبْهَامَ لِرَفْعِ الْإِيهَامِ، و هو تَخْصِيصٌ بَعْدَ التَّعْمِيمِ لِأَنَّهَا إحْدَي الْأَصَابِعِ، (وَسَاجِدًا بِحِذَاءِ أُذُنَيهِ، وَ مُتَشَهِّدًا وَ جَالِسًا) لِغَيرِهِ (عَلَي فَخِذَيهِ كهَيئَةِ الْقِيامِ) فِي كوْنِهَا مَضْمُومَةَ الْأَصَابِعِ بِحِذَاءِ الرُّكبَتَينِ (وَيسْتَحَبُّ الْقُنُوتُ) اسْتِحْبَابًا مُؤَكدًا، بَلْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ (عَقِيبَ قِرَاءَةِ الثَّانِيةِ) فِي الْيوْمِيةِ مُطْلَقًا، وَ فِي غَيرِهَا عَدَا الْجُمُعَةِ فَفِيهَا قَنُوتَانِ أَحَدُهُمَا فِي الْأُولَي قَبْلَ الرُّكوعِ، وَ الْآخَرُ فِي الثَّانِيةِ بَعْدَهُ، وَ الْوَتْرُ فَفِيهَا قُنُوتَانِ قَبْلَ الرُّكوعِ وَ بَعْدَهُ، وَ قِيلَ يجُوزُ فِعْلُ الْقُنُوتِ مُطْلَقًا قَبْلَ الرُّكوعِ وَ بَعْدَهُ، و هو

حَسَنٌ لِلْخَبَرِ، وَ حَمْلُهُ عَلَي التَّقِيةِ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا يقُولُونَ بِالتَّخْييرِ، وَلِيكنْ الْقُنُوتُ (بِالْمَرْسُومِ) عَلَي الْأَفْضَلِ، وَ يجُوزُ بِغَيرِهِ (وَأَفْضَلُهُ كلِمَاتُ الْفَرَجِ) وَ بَعْدَهَا " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَ ارْحَمْنَا وَ عَافِنَا وَ اعْفُ عَنَّا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ إنَّك عَلَي كلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ "، (وَأَقَلُّهُ سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا).

وَ يسْتَحَبُّ رَفْعُ الْيدَينِ بِهِ مُوَازِيا لِوَجْهِهِ، بُطُونُهُمَا إلَي السَّمَاءِ، مَضْمُومَتَي الْأَصَابِعِ إلَّا الْإِبْهَامَينِ، وَ الْجَهْرُ بِهِ لِلْإِمَامِ وَ الْمُنْفَرِدِ، وَ السِّرُّ لِلْمَأْمُومِ، وَ يفْعَلُهُ النَّاسِي قَبْلَ الرُّكوعِ بَعْدَهُ، و أن قُلْنَا بِتَعَينِهِ قَبْلَهُ اخْتِيارًا فَإِنْ لَمْ يذْكرْهُ حَتَّي تَجَاوَزَ قَضَاهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ جَالِسًا، ثُمَّ فِي الطَّرِيقِ مُسْتَقْبِلًا (وَيتَابِعُ الْمَأْمُومُ إمَامَهُ فِيهِ) و أن كانَ مَسْبُوقًا.

(وَلِيدْعُ فِيهِ وَ فِي أَحْوَالِ الصَّلَاةِ لِدِينِهِ وَ دُنْياهُ مِنْ الْمُبَاحِ)، وَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مُطْلَقُ الْجَائِزِ و هو غَيرُ الْحَرَامِ. (وَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (لَوْ سَأَلَ الْمُحَرَّمَ) مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهِ، و أن جَهِلَ الْحُكمَ الْوَضْعِي و هو الْبُطْلَانُ.

أَمَّا جَاهِلُ تَحْرِيمِهِ فَفِي عُذْرِهِ وَجْهَانِ أَجْوَدُهُمَا الْعَدَمُ، صَرَّحَ بِهِ فِي الذِّكرَي و هو ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ هُنَا. (وَالتَّعْقِيبُ) و هو الِاشْتِغَالُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ بِدُعَاءٍ، أَوْ ذِكرٍ و هو غَيرُ مُنْحَصِرٍ، لِكثْرَةِ مَا وَرَدَ مِنْهُ عَنْ أَهْلِ الْبَيتِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ (وَأَفْضَلُهُ التَّكبِيرُ ثَلَاثًا)، رَافِعًا بِهَا يدَيهِ إلَي حِذَاءِ أُذُنَيهِ، وَاضِعًا لَهُمَا عَلَي رُكبَتَيهِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُمَا مُسْتَقْبِلًا بِبَاطِنِهِمَا الْقِبْلَةَ، (ثُمَّ التَّهْلِيلُ بِالْمَرْسُومِ) و هو " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَهًا وَاحِدًا وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ " إلَخْ.

(ثُمَّ تَسْبِيحُ الزَّهْرَاءِ عَلَيهَا السَّلَامُ) وَ تَعْقِيبُهَا بِثُمَّ مِنْ حَيثُ الرُّتْبَةُ لَا الْفَضِيلَةُ وَ إِلَّا فَهِي أَفْضَلُهُ مُطْلَقًا، بَلْ رُوِي أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ رَكعَةٍ لَا تَسْبِيحَ عَقِبَهَا (وَكيفِيتُهَا أَنْ يكبِّرَ أَرْبَعًا وَ ثَلَاثِينَ) مَرَّةً (وَيحْمَدَ ثَلَاثًا وَ

ثَلَاثِينَ وَ يسَبِّحَ ثَلَاثًا وَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ الدُّعَاءُ) بَعْدَهَا بِالْمَنْقُولِ، (ثُمَّ بِمَا سَنَحَ، ثُمَّ سَجْدَتَا الشُّكرِ، وَ يعَفِّرُ بَينَهُمَا) جَبِينَيهِ وَ خَدَّيهِ الْأَيمَنِ مِنْهُمَا ثُمَّ الْأَيسَرِ مُفْتَرِشًا ذِرَاعَيهِ وَ صَدْرَهُ وَ بَطْنَهُ، وَاضِعًا جَبْهَتَهُ مَكانَهَا حَالَ الصَّلَاةِ قَائِلًا فِيهِمَا " الْحَمْدُ لِلَّهِ شُكرًا شُكرًا " مِائَةَ مَرَّةٍ، وَ فِي كلِّ عَاشِرَةٍ شُكرًا لِلْمُجِيبِ، وَ دُونَهُ شُكرًا مِائَةً، وَ أَقَلَّهُ شُكرًا ثَلَاثًا (وَيدْعُو) فِيهِمَا وَ بَعْدَهُمَا (بِالْمَرْسُومِ).

الفصل الخامس: في المتروك

الفصل الخامس: في المتروك

التروك

(الْفَصْلُ الْخَامِسُ - فِي الْمَتْرُوك) يمْكنُ أَنْ يرِيدَ بِهَا مَا يجِبُ تَرْكهُ، فَيكونُ الِالْتِفَاتُ إلَي آخِرِ الْفَصْلِ مَذْكورًا بِالتَّبَعِ، و أن يرِيدَ بِهَا مَا يطْلَبُ تَرْكهُ أَعَمَّ مِنْ كوْنِ الطَّلَبِ مَانِعًا مِنْ النَّقِيضِ (وَهِي مَا سَلَفَ) فِي الشَّرْطِ السَّادِسِ، (وَالتَّأْمِينُ) فِي جَمِيعِ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ، و أن كانَ عَقِيبَ الْحَمْدِ، أَوْ دُعَاءً (إلَّا لِتَقِيةٍ) فَيجُوزُ حِينَئِذٍ، بَلْ قَدْ يجِبُ، (وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِفِعْلِهِ لِغَيرِهَا) لِلنَّهْي عَنْهُ فِي الْأَخْبَارِ الْمُقْتَضِي لِلْفَسَادِ فِي الْعِبَادَةِ، وَ لَا تَبْطُلُ بِقَوْلِهِ " اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ " و أن كانَ بِمَعْنَاهُ، وَ بَالَغَ مَنْ أَبْطَلَ بِهِ كمَا ضَعُفَ قَوْلُ مَنْ كرِهَ التَّأْمِينَ بِنَاءً عَلَي أَنَّهُ دُعَاءٌ بِاسْتِجَابَةِ مَا يدْعُو بِهِ، و أنّ الْفَاتِحَةَ تَشْتَمِلُ عَلَي الدُّعَاءِ لَا لِأَنَّ قَصْدَ الدُّعَاءِ بِهَا يوجِبُ اسْتِعْمَالَ الْمُشْتَرَك فِي مَعْنَييهِ عَلَي تَقْدِيرِ قَصْدِ الدُّعَاءِ بِالْقُرْآنِ، وَ عَدَمِ فَائِدَةِ التَّأْمِينِ مَعَ انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ، وَ انْتِفَاءُ الْقُرْآنِ مَعَ انْتِفَاءِ الثَّانِي.

لِأَنَّ قَصْدَ الدُّعَاءِ بِالْمُنَزَّلِ مِنْهُ قُرْآنًا لَا ينَافِيه، وَ لَا يوجِبُ الِاشْتِرَاك لِاتِّحَادِ الْمَعْنَي، وَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَي طَلَبِ الِاسْتِجَابَةِ لِمَا يدْعُو بِهِ أَعَمُّ مِنْ الْحَاضِرِ و إنّما الْوَجْهُ النَّهْي، وَ لَا تَبْطُلُ بِتَرْكهِ فِي مَوْضِعِ التَّقِيةِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْهَا.

وَ الْإِبْطَالُ فِي الْفِعْلِ مَعَ كوْنِهِ كذَلِك لِاشْتِمَالِهِ عَلَي الْكلَامِ الْمَنْهِي عَنْهُ.

ترك الواجب عمدا

(وَكذَا

تَرْك الْوَاجِبِ عَمْدًا) رُكنًا كانَ أَمْ غَيرَهُ، وَ فِي إطْلَاقِ التَّرْك عَلَي تَرْك التَّرْك - الَّذِي هُوَ فِعْلُ الضِّدِّ و هو الْوَاجِبُ نَوْعٌ - مِنْ التَّجَوُّزِ (أَوْ) تَرَك (أَحَدِ الْأَرْكانِ الْخَمْسَةِ و لو سَهْوًا، و هي النِّيةُ وَ الْقِيامُ وَ التَّحْرِيمَةُ وَ الرُّكوعُ وَ السَّجْدَتَانِ مَعًا)، أَمَّا إحْدَاهُمَا فَلَيسَتْ رُكنًا عَلَي الْمَشْهُورِ، مَعَ أَنَّ الرُّكنَ بِهِمَا يكونُ مُرَكبًا، و هو يسْتَدْعِي فَوَاتَهُ بِفَوَاتِهَا.

وَ اعْتِذَارُ الْمُصَنِّفِ فِي الذِّكرَي بِأَنَّ الرُّكنَ مُسَمًّي السُّجُودِ وَ لَا يتَحَقَّقُ الْإِخْلَالُ بِهِ إلَّا بِتَرْكهِمَا مَعًا خُرُوجٌ عَنْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لِمُوَافَقَتِهِ عَلَي كوْنِهِمَا مَعًا هُوَ الرُّكنُ و هو يسْتَلْزِمُ الْفَوَاتَ بِإِحْدَاهُمَا، فَكيفَ يدَّعِي أَنَّهُ مُسَمَّاهُ، وَ مَعَ ذَلِك يسْتَلْزِمُ بُطْلَانَهَا بِزِيادَةٍ وَاحِدَةٍ لِتَحَقُّقِ الْمُسَمَّي، وَ لَا قَائِلَ بِهِ، وَ بِأَنَّ انْتِفَاءَ الْمَاهِيةِ هُنَا غَيرُ مُؤَثِّرٍ مُطْلَقًا، وَ إِلَّا لَكانَ الْإِخْلَالُ بِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ مُبْطِلًا بَلْ الْمُؤَثِّرُ انْتِفَاؤُهَا رَأْسًا، فِيهِ مَا مَرَّ.

وَ الْفَرْقُ بَينَ الْأَعْضَاءِ غَيرِ الْجَبْهَةِ وَ بَينَهَا بِأَنَّهَا وَاجِبَاتٌ خَارِجَةٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ كالذِّكرِ وَ الطُّمَأْنِينَةِ دُونَهَا.

وَ لَمْ يذْكرْ الْمُصَنِّفُ حُكمَ زِيادَةِ الرُّكنِ مَعَ كوْنِ الْمَشْهُورِ أَنَّ زِيادَتَهُ عَلَي حَدِّ نَقِيصَتِهِ، تَنْبِيهًا عَلَي فَسَادِ الْكلِّيةِ فِي طَرَفِ الزِّيادَةِ، لِتَخَلُّفِهِ فِي مَوَاضِعَ كثِيرَةٍ لَا تَبْطُلُ بِزِيادَتِهِ سَهْوًا، كالنِّيةِ فَإِنَّ زِيادَتَهَا مُؤَكدَةٌ لِنِيابَةِ الِاسْتِدَامَةِ الْحُكمِيةِ عَنْهَا تَخْفِيفًا فَإِذَا حَصَلَتْ كانَ أَوْلَي، و هي مَعَ التَّكبِيرِ فِيمَا لَوْ تَبَينَ لِلْمُحْتَاطِ الْحَاجَةُ إلَيهِ أَوْ سَلَّمَ عَلَي نَقْصٍ، وَ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَي قَبْلَ فِعْلِ الْمُنَافِي مُطْلَقًا.

وَ الْقِيامُ إنْ جَعَلْنَاهُ مُطْلَقًا رُكنًا كمَا أَطْلَقَهُ، وَ الرُّكوعِ فِيمَا لَوْ سَبَقَ بِهِ الْمَأْمُومُ إمَامَهُ سَهْوًا ثُمَّ عَادَ إلَي الْمُتَابَعَةِ، وَ السُّجُودِ فِيمَا لَوْ زَادَ وَاحِدَةً إنْ جَعَلْنَا الرُّكنَ مُسَمَّاهُ، وَ زِيادَةِ جُمْلَةِ الْأَرْكانِ غَيرِ النِّيةِ، وَ التَّحْرِيمَةِ فِيمَا

إذَا زَادَ رَكعَةً آخِرَ الصَّلَاةِ و قد جَلَسَ بِقَدْرٍ وَاجِبِ التَّشَهُّدِ، أَوْ أَتَمَّ الْمُسَافِرُ نَاسِيا إلَي أَنْ خَرَجَ الْوَقْتُ.

وَ اعْلَمْ أَنَّ الْحُكمَ بِرُكنِيةِ النِّيةِ هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِيهَا، و أن كانَ التَّحْقِيقُ يقْتَضِي كوْنَهَا بِالشَّرْطِ أَشْبَهَ.

وَ أَمَّا الْقِيامُ فَهُوَ رُكنٌ فِي الْجُمْلَةِ إجْمَاعًا عَلَي مَا نَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ، وَ لَوْلَاهُ لَأَمْكنَ الْقَدْحُ فِي رُكنِيتِهِ، لِأَنَّ زِيادَتَهُ وَ نُقْصَانَهُ لَا يبْطِلَانِ إلَّا مَعَ اقْتِرَانِهِ بِالرُّكوعِ، وَ مَعَهُ يسْتَغْنَي عَنْ الْقِيامِ، لِأَنَّ الرُّكوعَ كافٍ فِي الْبُطْلَانِ.

وَ حِينَئِذٍ فَالرُّكنَ مِنْهُ، إمَّا مَا اتَّصَلَ بِالرُّكوعِ و يكون إسْنَادُ الْإِبْطَالِ إلَيهِ بِسَبَبِ كوْنِهِ أَحَدَ الْمُعَرِّفَينِ لَهُ، أَوْ يجْعَلُ رُكنًا كيفَ اتَّفَقَ، وَ فِي مَوْضِعٍ لَا تَبْطُلُ بِزِيادَتِهِ وَ نُقْصَانِهِ يكونُ مُسْتَثْنًي كغَيرِهِ، و علي الْأَوَّلِ لَيسَ مَجْمُوعُ الْقِيامِ الْمُتَّصِلِ بِالرُّكوعِ رُكنًا، بَلْ الْأَمْرُ الْكلِّي مِنْهُ، و من ثَمَّ لَوْ نَسِي الْقِرَاءَةَ، أَوْ أَبْعَاضَهَا لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ، أَوْ يجْعَلُ الرُّكنُ مِنْهُ مَا اشْتَمَلَ عَلَي رُكنٍ كالتَّحْرِيمَةِ، وَ يجْعَلُ مِنْ قَبِيلِ الْمُعَرِّفَاتِ السَّابِقَةِ.

وَ أَمَّا التَّحْرِيمَةُ فَهِي التَّكبِيرُ الْمَنْوِي بِهِ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ، فَمَرْجِعُ رُكنِيتِهَا إلَي الْقَصْدِ لِأَنَّهَا ذِكرٌ لَا تَبْطُلُ بِمُجَرَّدِهِ.

وَ أَمَّا الرُّكوعُ فَلَا إشْكالَ فِي رُكنِيتِهِ، وَ يتَحَقَّقُ بِالِانْحِنَاءِ إلَي حَدِّهِ، و ما زَادَ عَلَيهِ مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ، وَ الذِّكرِ، وَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَاجِبَاتٌ زَائِدَةٌ عَلَيهِ، وَ يتَفَرَّعُ عَلَيهِ بُطْلَانُهَا بِزِيادَتِهِ كذَلِك و أن لَمْ يصْحَبْهُ غَيرُهُ و فيه بَحْثٌ و أمّا السُّجُودُ، فَفِي تَحَقُّقِ رُكنِيتِهِ مَا عَرَفْته.

الحدث المبطل للطهارة من جملة التروك

(وَكذَا الْحَدَثُ) الْمُبْطِلُ لِلطَّهَارَةِ مِنْ جُمْلَةِ التُّرُوك الَّتِي يجِبُ اجْتِنَابُهَا، وَ لَا فَرْقَ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهِ بَينَ وُقُوعِهِ عَمْدًا وَ سَهْوًا عَلَي أَشْهَرِ الْقَوْلَينِ.

يحرم قطع الصلاة

(وَيحْرُمُ قَطْعُهَا) أَي قَطْعُ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ (اخْتِيارًا) لِلنَّهْي عَنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ الْمُقْتَضِي لَهُ إلَّا مَا

أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ.

وَ احْتُرِزَ بِالِاخْتِيارِ عَنْ قَطْعِهَا لِضَرُورَةٍ كقَبْضِ غَرِيمٍ، وَ حِفْظِ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ مِنْ تَلَفٍ، أَوْ ضَرَرٍ، وَ قَتْلِ حَيةٍ يخَافُهَا عَلَي نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ، وَ إِحْرَازِ مَالٍ يخَافُ ضَياعَهُ، أَوْ لِحَدَثٍ يخَافُ ضَرَرَ إمْسَاكهِ و لو بِسَرَيانِ النَّجَاسَةِ إلَي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ، فَيجُوزُ الْقَطْعُ فِي جَمِيعِ ذَلِك.

وَ قَدْ يجِبُ لِكثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَ يبَاحُ لِبَعْضِهَا كحِفْظِ الْمَالِ الْيسِيرِ الَّذِي يضُرُّ فَوْتُهُ وَ قَتْلِ الْحَيةِ الَّتِي لَا يخَافُ أَذَاهَا.

وَ يكرَهُ لِإِحْرَازِ يسِيرِ الْمَالِ الَّذِي لَا يبَالِي بِفَوَاتِهِ، و قد يسْتَحَبُّ لِاسْتِدْرَاك الْأَذَانِ الْمَنْسِي، وَ قِرَاءَةِ الْجُمُعَتَينِ فِي ظُهْرَيهَا وَ نَحْوِهِمَا فَهُوَ ينْقَسِمُ بِانْقِسَامِ الْأَحْكامِ الْخَمْسَةِ.

قتل الحية و العقرب في اثناء الصلاة

(وَيجُوزُ قَتْلُ الْحَيةِ) وَ الْعَقْرَبِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيرِ إبْطَالٍ إذَا لَمْ يسْتَلْزِمْ فِعْلًا كثِيرًا لِلْإِذْنِ فِيهِ نَصًّا، (وَعَدُّ الرَّكعَاتِ بِالْحَصَي) وَ شِبْهِهَا خُصُوصًا لِكثِيرِ السَّهْوِ (وَالتَّبَسُّمِ) و هو مَا لَا صَوْتَ فِيهِ مِنْ الضَّحِك عَلَي كرَاهِيةٍ.

يكره الاتفات يمينا و شمالا في الصلاة

(وَيكرَهُ الِالْتِفَاتُ يمِينًا وَ شِمَالًا) بِالْبَصَرِ أَوْ الْوَجْهِ، فَفِي الْخَبَرِ أَنَّهُ { لَا صَلَاةَ لِمُلْتَفِتٍ }، وَ حُمِلَ عَلَي نَفْي الْكمَالِ جَمْعًا وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ عَنْهُ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم { أَمَا يخَافُ الَّذِي يحَوِّلُ وَجْهَهُ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يحَوِّلَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَجْهَ حِمَارٍ }.

وَ الْمُرَادُ تَحْوِيلُ وَجْهِ قَلْبِهِ كوَجْهِ قَلْبِ الْحِمَارِ فِي عَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَي الْأُمُورِ الْعُلْوِيةِ، وَ عَدَمِ إكرَامِهِ بِالْكمَالَاتِ الْعَلِيةِ (وَالتَّثَاؤُبُ) بِالْهَمْزِ، يقَالُ تَثَاءَبْتُ وَ لَا يقَالُ تَثَاوَبْتُ قَالَهُ الْجَوْهَرِي (وَالتَّمَطِّي) و هو مَدُّ الْيدَينِ، فَعَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ أَنَّهُمَا مِنْ الشَّيطَانِ (وَالْعَبَثُ) بِشَيءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ لِمُنَافَاتِهِ الْخُشُوعَ الْمَأْمُورَ بِهِ، و قد { رَأَي النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم رَجُلًا يعْبَثُ فِي

الصَّلَاةِ فَقَالَ لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ }، (وَالتَّنَخُّمُ) و مثله الْبُصَاقُ وَ خُصُوصًا إلَي الْقِبْلَةِ، وَ الْيمِينِ، و بين يدَيهِ، (وَالْفَرْقَعَةُ) بِالْأَصَابِعِ، (وَالتَّأَوُّهُ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ)، وَ أَصْلُهُ قَوْلُ " أَوَّهْ " عِنْدَ الشِّكايةِ وَ التَّوَجُّعِ.

وَ الْمُرَادُ هُنَا النُّطْقُ بِهِ عَلَي وَجْهٍ لَا يظْهَرُ مِنْهُ حَرْفَانِ، (وَالْأَنِينُ بِهِ) أَي بِالْحَرْفِ الْوَاحِدِ، و هو مِثْلُ التَّأَوُّهِ، و قد يخَصُّ الْأَنِينُ بِالْمَرِيضِ، (وَمُدَافَعَةُ الْأَخْبَثَينِ) الْبَوْلِ وَ الْغَائِطِ (وَ الرِّيحِ)، لِمَا فِيهِ مِنْ سَلْبِ الْخُشُوعِ وَ الْإِقْبَالِ بِالْقَلْبِ الَّذِي هُوَ رُوحُ الْعِبَادَةِ، وَ كذَا مُدَافَعَةُ النَّوْمِ، و إنّما يكرَهُ إذَا وَقَعَ ذَلِك قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهَا مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ، وَ إِلَّا حَرُمَ الْقَطْعُ إلَّا أَنْ يخَافَ ضَرَرًا.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيانِ: وَ لَا يجْبُرُهُ فَضِيلَةُ الِائْتِمَامِ، أَوْ شَرَفُ الْبُقْعَةِ، وَ فِي نَفْي الْكرَاهَةِ بِاحْتِياجِهِ إلَي التَّيمُّمِ نَظَرٌ.

المراءة كالرجل الا ما استثني

(تَتِمَّةٌ) - الْمَرْأَةُ كالرَّجُلِ فِي جَمِيعِ مَا سَلَفَ إلَّا مَا اُسْتُثْنِي، وَ تَخْتَصُّ عَنْهُ أَنَّهُ (يسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ) حُرَّةً كانَتْ أَمْ أَمَةً (أَنْ تَجْمَعَ بَينَ قَدَمَيهَا فِي الْقِيامِ، وَ الرَّجُلُ يفَرِّقُ بَينَهُمَا بِشِبْرٍ إلَي فِتْرٍ)، وَ دُونَهُ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مُنْفَرِجَاتٍ، (وَتَضُمُّ ثَدْيهَا إلَي صَدْرِهَا) بِيدَيهَا (وَتَضَعُ يدَيهَا فَوْقَ رُكبَتَيهَا رَاكعَةً).

ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَنْحَنِي قَدْرَ انْحِنَاءِ الرَّجُلِ، وَ تُخَالِفُهُ فِي الْوَضْعِ، وَ ظَاهِرُ الرِّوَايةِ أَنَّهُ يجْزِيهَا مِنْ الِانْحِنَاءِ أَنْ تَبْلُغَ كفَّاهَا مَا فَوْقَ رُكبَتَيهَا، لِأَنَّهُ عَلَّلَهُ فِيهَا بِقَوْلِهِ: " لِئَلَّا تُطَأْطَأَ كثِيرًا فَتَرْتَفِعَ عَجِيزَتُهَا "، و ذلك لَا يخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ وَضْعِهِمَا، بَلْ بِاخْتِلَافِ الِانْحِنَاءِ، (وَتَجْلِسُ) حَالَ تَشَهُّدِهَا و غيرهِ (عَلَي أَلْييهَا) بِالْياءَينِ مِنْ دُونِ تَاءٍ بَينَهُمَا عَلَي غَيرِ قِياسٍ، تَثْنِيةُ أَلْيةٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فِيهِمَا، وَ التَّاءُ فِي الْوَاحِدَةِ.

(وَتَبْدَأُ بِالْقُعُودِ) عَلَي تِلْك الْحَالَةِ (قَبْلَ السُّجُودِ)، ثُمَّ تَسْجُدُ (فَإِذَا تَشَهَّدَتْ ضَمَّتْ فَخِذَيهَا، وَ

رَفَعَتْ رُكبَتَيهَا مِنْ الْأَرْضِ، وَ إِذَا نَهَضَتْ انْسَلَّتْ) انْسِلَالًا مُعْتَمِدَةً عَلَي جَنْبَيهَا بِيدَيهَا، مِنْ غَيرِ أَنْ تَرْفَعَ عَجِيزَتَهَا وَ يتَخَيرُ الْخُنْثَي بَينَ هَيئَةِ الرَّجُلِ وَ الْمَرْأَةِ.

الفصل السادس: فيَبقية الصلوات (الواجبة و المندوبة)

الفصل السادس: فيَبقية الصلوات (الواجبة و المندوبة)

صلاة الجمعة

صلاة الجمعة

(الْفَصْلُ السَّادِسُ) - فِي بَقِيةِ الصَّلَوَاتِ الْوَاجِبَةِ، و ما يخْتَارُهُ مِنْ الْمَنْدُوبَةِ (فَمِنْهَا الْجُمُعَةُ، و هي رَكعَتَانِ كالصُّبْحِ عِوَضُ الظُّهْرِ) فَلَا يجْمَعُ بَينَهُمَا، فَحَيثُ تَقَعُ الْجُمُعَةُ صَحِيحَةً تُجْزِئُ عَنْهَا، وَ رُبَّمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ حُكمِهِ بِكوْنِهَا عِوَضَهَا مَعَ عَدَمِ تَعَرُّضِهِ لِوَقْتِهَا: أَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ الظُّهْرِ فَضِيلَةً وَ إِجْزَاءً، وَ بِهِ قَطَعَ فِي الدُّرُوسِ وَ الْبَيانِ، وَ ظَاهِرُ النُّصُوصِ يدُلُّ عَلَيهِ، وَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَي امْتِدَادِ وَقْتِهَا إلَي الْمِثْلِ خَاصَّةً، وَ مَالَ إلَيهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَلْفِيةِ، وَ لَا شَاهِدَ لَهُ إلَّا أَنْ يقَالَ بِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلظُّهْرِ أَيضًا.

(وَيجِبُ فِيهَا تَقْدِيمُ الْخُطْبَتَينِ الْمُشْتَمِلَتَينِ عَلَي حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَي) بِصِيغَةِ " الْحَمْدِ لِلَّهِ " (وَالثَّنَاءِ عَلَيهِ) بِمَا سَنَحَ.

وَ فِي وُجُوبِ الثَّنَاءِ زِيادَةً عَلَي الْحَمْدِ نَظَرٌ، وَ عِبَارَةُ كثِيرٍ - وَ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي - خَالِيةٌ عَنْهُ.

نَعَمْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْخُطَبِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ النَّبِي وَ آلِهِ عَلَيهِ وَ عَلَيهِمْ السَّلَامُ، إلَّا أَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَي زِيادَةٍ عَلَي أَقَلِّ الْوَاجِبِ.

(وَالصَّلَاةِ عَلَي النَّبِي وَ آلِهِ) بِلَفْظِ الصَّلَاةِ أَيضًا، وَ يقْرِنُهَا بِمَا شَاءَ مِنْ النَّسَبِ (وَالْوَعْظِ) مِنْ الْوَصِيةِ بِتَقْوَي اللَّهِ وَ الْحَثِّ عَلَي الطَّاعَةِ، وَ التَّحْذِيرِ مِنْ الْمَعْصِيةِ، وَ الِاغْتِرَارِ بِالدُّنْيا، و ما شَاكلَ ذَلِك.

وَ لَا يتَعَينُ لَهُ لَفْظٌ، وَ يجْزِي مُسَمَّاهُ فَيكفِي أَطِيعُوا اللَّهَ أَوْ اتَّقُوا اللَّهَ وَ نَحْوُهُ، وَ يحْتَمَلُ وُجُوبُ الْحَثِّ عَلَي الطَّاعَةِ، وَ الزَّجْرِ عَنْ الْمَعْصِيةِ لِلتَّأَسِّي (وَقِرَاءَةِ سُورَةٍ خَفِيفَةٍ) قَصِيرَةٍ، أَوْ آيةٍ تَامَّةِ الْفَائِدَةِ بِأَنْ تَجْمَعَ مَعْنًي مُسْتَقِلًّا يعْتَدُّ بِهِ مِنْ وَعْدٍ، أَوْ وَعِيدٍ، أَوْ حُكمٍ،

أَوْ قِصَّةٍ تَدْخُلُ فِي مُقْتَضَي الْحَالِ، فَلَا يجْزِي مِثْلُ { مُدْهَامَّتَانِ }، { وَ أُلْقِي السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } وَ يجِبُ: فِيهِمَا النِّيةُ وَ الْعَرَبِيةُ، وَ التَّرْتِيبُ بَينَ الْأَجْزَاءِ كمَا ذُكرَ، وَ الْمُوَالَاةُ وَ قِيامُ الْخَطِيبِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَ الْجُلُوسُ بَينَهُمَا، وَ إِسْمَاعُ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ، وَ الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ، وَ الْخَبَثِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ وَ السَّتْرُ، كلُّ ذَلِك لِلِاتِّبَاعِ، وَ إِصْغَاءُ مَنْ يمْكنُ سَمَاعُهُ مِنْ الْمَأْمُومِينَ، وَ تَرْك الْكلَامِ مُطْلَقًا.

(وَيسْتَحَبُّ بَلَاغَةُ الْخَطِيبِ) بِمَعْنَي جَمْعِهِ بَينَ الْفَصَاحَةِ الَّتِي هِي: مَلَكةٌ يقْتَدِرُ بِهَا عَلَي التَّعْبِيرِ عَنْ مَقْصُودِهِ بِلَفْظٍ فَصِيحٍ، أَي خَالٍ عَنْ ضَعْفِ التَّأْلِيفِ، وَ تَنَافُرِ الْكلِمَاتِ، وَ التَّعْقِيدِ، وَ عَنْ كوْنِهَا غَرِيبَةً وَحْشِيةً، و بين الْبَلَاغَةِ الَّتِي هِي: مَلَكةٌ يقْتَدِرُ بِهَا عَلَي التَّعْبِيرِ عَنْ الْكلَامِ الْفَصِيحِ، الْمُطَابِقِ لِمُقْتَضَي الْحَالِ بِحَسَبِ الزَّمَانِ، وَ الْمَكانِ، وَ السَّامِعِ، وَ الْحَالِ، (وَنَزَاهَتُهُ) عَنْ الرَّذَائِلِ الْخُلُقِيةِ، وَ الذُّنُوبِ الشَّرْعِيةِ بِحَيثُ يكونُ مُؤْتَمِرًا بِمَا يأْمُرُ بِهِ، مُنْزَجِرًا عَمَّا ينْهَي عَنْهُ، لِتَقَعَ مَوْعِظَتُهُ فِي الْقُلُوبِ، فَإِنَّ الْمَوْعِظَةَ إذَا خَرَجَتْ مِنْ الْقَلْبِ دَخَلَتْ فِي الْقَلْبِ، وَ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ مُجَرَّدِ اللِّسَانِ لَمْ تَتَجَاوَزْ الْآذَانَ (وَمُحَافَظَتُهُ عَلَي أَوَائِلِ الْأَوْقَاتِ) لِيكونَ أَوْفَقَ لِقَبُولِ مَوْعِظَتِهِ (وَالتَّعَمُّمُ) شِتَاءً وَصَيفًا لِلتَّأَسِّي مُضِيفًا إلَيهَا الْحَنَك، وَ الرِّدَاءَ، وَ لُبْسَ أَفْضَلِ الثِّيابِ، وَ التَّطَيبَ، (وَالِاعْتِمَادُ عَلَي شَيءٍ) حَالَ الْخُطْبَةِ مِنْ سَيفٍ، أَوْ قَوْسٍ، أَوْ عَصًا لِلِاتِّبَاعِ.

لا تنعقد الجمعة الا بالامام

(وَلَا تَنْعَقِدُ) الْجُمُعَةُ (إلَّا بِالْإِمَامِ) الْعَادِلِ عَلَيهِ السَّلَامُ، (أَوْ نَائِبِهِ) خُصُوصًا، أَوْ عُمُومًا (وَلَوْ كانَ) النَّائِبُ (فَقِيهًا) جَامِعًا لِشَرَائِطِ الْفَتْوَي (مَعَ إمْكانِ الِاجْتِمَاعِ فِي الْغَيبَةِ).

هَذَا قَيدٌ فِي الِاجْتِزَاءِ بِالْفَقِيهِ حَالَ الْغَيبَةِ لِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ مِنْ الْإِمَامِ عَلَيهِ السَّلَامُ عُمُومًا بِقَوْلِهِ: " اُنْظُرُوا إلَي رَجُلٍ قَدْ رَوَي حَدِيثَنَا " إلَي آخِرِهِ، و غيرهِ.

وَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ

مَعَ حُضُورِ الْإِمَامِ عَلَيهِ السَّلَامُ لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ إلَّا بِهِ، أَوْ بِنَائِبِهِ الْخَاصِّ و هو الْمَنْصُوبُ لِلْجُمُعَةِ، أَوْ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهَا، وَ بِدُونِهِ تَسْقُطُ، و هو مَوْضِعُ وِفَاقٍ.

وَ أَمَّا فِي حَالِ الْغَيبَةِ - كهَذَا الزَّمَانِ - فَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَ تَحْرِيمِهَا: فَالْمُصَنِّفُ هُنَا أَوْجَبَهَا مَعَ كوْنِ الْإِمَامِ فَقِيهًا لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ و هو إذْنُ الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي الْجُمْلَةِ إجْمَاعًا، و بهذا الْقَوْلِ صَرَّحَ فِي الدُّرُوسِ أَيضًا، وَ رُبَّمَا قِيلَ بِوُجُوبِهَا حِينَئِذٍ و أن لَمْ يجْمَعْهَا فَقِيهٌ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ وَ اشْتِرَاطُ الْإِمَامِ عَلَيهِ السَّلَامُ، أَوْ مَنْ نَصَّبَهُ إنْ سُلِّمَ فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِحَالَةِ الْحُضُورِ، أَوْ بِإِمْكانِهِ، فَمَعَ عَدَمِهِ يبْقَي عُمُومُ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكتَابِ وَ السَّنَةِ خَالِيا عَنْ الْمُعَارِضِ، و هو ظَاهِرُ الْأَكثَرِ وَ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيانِ، فَإِنَّهُمْ يكتَفُونَ بِإِمْكانِ الِاجْتِمَاعِ مَعَ بَاقِي الشَّرَائِطِ.

وَ رُبَّمَا عَبَّرُوا عَنْ حُكمِهَا حَالَ الْغَيبَةِ بِالْجَوَازِ تَارَةً، وَ بِالِاسْتِحْبَابِ أُخْرَي نَظَرًا إلَي إجْمَاعِهِمْ عَلَي عَدَمِ وُجُوبِهَا حِينَئِذٍ عَينًا، و إنّما تَجِبُ عَلَي تَقْدِيرِهِ تَخْييرًا بَينَهَا، و بين الظُّهْرِ، لَكنَّهَا عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الظُّهْرِ و هو مَعْنَي الِاسْتِحْبَابِ، بِمَعْنَي أَنَّهَا وَاجِبَةٌ تَخْييرًا مُسْتَحَبَّةٌ عَينًا كمَا فِي جَمِيعِ أَفْرَادِ الْوَاجِبِ الْمُخَيرِ إذَا كانَ بَعْضُهَا رَاجِحًا عَلَي الْبَاقِي، و علي هَذَا ينْوِي بِهَا الْوُجُوبَ وَ تُجْزِئُ عَنْ الظُّهْرِ، وَ كثِيرًا مَا يحْصُلُ الِالْتِبَاسُ فِي كلَامِهِمْ بِسَبَبِ ذَلِك حَيثُ يشْتَرِطُونَ الْإِمَامَ، أَوْ نَائِبَهُ فِي الْوُجُوبِ إجْمَاعًا، ثُمَّ يذْكرُونَ حَالَ الْغَيبَةِ، وَ يخْتَلِفُونَ فِي حُكمِهَا فِيهَا فَيوهِمُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَذْكورَ يقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِهَا حِينَئِذٍ بِدُونِ الْفَقِيهِ، وَ الْحَالُ أَنَّهَا فِي حَالِ الْغَيبَةِ لَا تَجِبُ عِنْدَهُمْ عَينًا، و ذلك شَرْطُ الْوَاجِبِ الْعَينِي خَاصَّةً.

وَ مِنْ هُنَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ إلَي عَدَمِ جَوَازِهَا

حَالَ الْغَيبَةِ لِفَقْدِ الشَّرْطِ الْمَذْكورِ وَ يضَعَّفُ بِمَنْعِ عَدَمِ حُصُولِ الشَّرْطِ أَوَّلًا لِإِمْكانِهِ بِحُضُورِ الْفَقِيهِ، وَ مَنْعِ اشْتِرَاطِهِ ثَانِيا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيهِ مِنْ جِهَةِ النَّصِّ فِيمَا عَلِمْنَاهُ.

وَ مَا يظْهَرُ مِنْ جَعْلِ مُسْتَنَدِهِ الْإِجْمَاعَ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَي تَقْدِيرِ الْحُضُورِ، أَمَّا فِي حَالِ الْغَيبَةِ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَلَا يجْعَلُ دَلِيلًا فِيهِ مَعَ إطْلَاقِ الْقُرْآنِ الْكرِيمِ بِالْحَثِّ الْعَظِيمِ الْمُؤَكدِ بِوُجُوهٍ كثِيرَةٍ مُضَافًا إلَي النُّصُوصِ الْمُتَضَافِرَةِ عَلَي وُجُوبِهَا به غير الشَّرْطِ الْمَذْكورِ، بَلْ فِي بَعْضِهَا مَا يدُلُّ عَلَي عَدَمِهِ نَعَمْ يعْتَبَرُ اجْتِمَاعُ بَاقِي الشَّرَائِطِ و منه الصَّلَاةُ عَلَي الْأَئِمَّةِ و لو إجْمَالًا، وَ لَا ينَافِيهِ ذِكرُ غَيرِهِمْ.

وَ لَوْ لَا دَعْوَاهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَي عَدَمِ الْوُجُوبِ الْعَينِي لَكانَ الْقَوْلُ بِهِ فِي غَايةِ الْقُوَّةِ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ التَّخْييرِي مَعَ رُجْحَانِ الْجُمُعَةِ، وَ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ و غيرهِ بِإِمْكانِ الِاجْتِمَاعِ يرِيدُ بِهِ الِاجْتِمَاعَ عَلَي إمَامٍ عَدْلٍ، لِأَنَّ ذَلِك لَمْ يتَّفِقْ فِي زَمَنِ ظُهُورِ الْأَئِمَّةِ غَالِبًا و هو السِّرُّ فِي عَدَمِ اجْتِزَائِهِمْ بِهَا عَنْ الظُّهْرِ مَعَ مَا نُقِلَ مِنْ تَمَامِ مُحَافَظَتِهِمْ عَلَيهَا، و من ذَلِك سَرَي الْوَهْمُ (وَاجْتِمَاعُ خَمْسَةٍ فَصَاعِدًا أَحَدُهُمْ الْإِمَامُ) فِي الْأَصَحِّ، و هذا يشْمَلُ شَرْطَينِ: أَحَدُهُمَا: الْعَدَدُ و هو الْخَمْسَةُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ لِصِحَّةِ مُسْتَنَدِهِ وَ قِيلَ سَبْعَةٌ، وَ يشْتَرَطُ كوْنُهُمْ ذُكورًا أَحْرَارًا مُكلَّفِينَ مُقِيمِينَ سَالِمِينَ عَنْ الْمَرَضِ وَ الْبُعْدِ الْمُسْقِطَينِ، وَ سَيأْتِي مَا يدُلُّ عَلَيهِ.

وَ ثَانِيهمَا: الْجَمَاعَةُ بِأَنْ يأْتَمُّوا بِإِمَامٍ مِنْهُمْ، فَلَا تَصِحُّ فُرَادَي، و إنّما يشْتَرَطَانِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا فِي الِاسْتِدَامَةِ، فَلَوْ انْفَضَّ الْعَدَدُ بَعْدَ تَحْرِيمِ الْإِمَامِ أَتَمَّ الْبَاقُونَ و لو فُرَادَي، مَعَ عَدَمِ حُضُورِ مَنْ ينْعَقِدُ بِهِ الْجَمَاعَةُ، وَ قَبْلَهُ تَسْقُطُ وَ مَعَ الْعَوْدِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ يعَادُ مَا فَاتَ مِنْ أَرْكانِهَا.

من تسقط عنهم الجمعة

(وَتَسْقُطُ) الْجُمُعَةُ (عَنْ الْمَرْأَةِ) وَ

الْخُنْثَي لِلشَّك فِي ذُكورِيتِهِ الَّتِي هِي شَرْطُ الْوُجُوبِ، (وَالْعَبْدِ) و أن كانَ مُبَعَّضًا وَ اتَّفَقَتْ فِي نَوْبَتِهِ مُهَايئًا، أَمْ مُدَبَّرًا، أَمْ مُكاتَبًا لَمْ يؤَدِّ جَمِيعَ مَالِ الْكتَابَةِ، (وَالْمُسَافِرِ) الَّذِي يلْزَمُهُ الْقَصْرُ فِي سَفَرِهِ، فَالْعَاصِي بِهِ وَ كثِيرُهُ، وَ نَاوِي إقَامَةِ عَشْرَةٍ كالْمُقِيمِ، (وَالْهِمِّ) و هو الشَّيخُ الْكبِيرُ الَّذِي يعْجَزُ عَنْ حُضُورِهَا، أَوْ يشُقُّ عَلَيهِ مَشَقَّةً لَا تُتَحَمَّلُ عَادَةً، (وَالْأَعْمَي) و أن وَجَدَ قَائِدًا، أَوْ كانَ قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِدِ (وَالْأَعْرَجِ) الْبَالِغِ عَرَجُهُ حَدَّ الْإِقْعَادِ، أَوْ الْمُوجِبِ لِمَشَقَّةِ الْحُضُورِ كالْهِمِّ، (وَمَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ) عَنْ مَوْضِعٍ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ كالْمَسْجِدِ (بِأَزْيدَ مِنْ فَرْسَخَينِ) وَ الْحَالُ أَنَّهُ يتَعَذَّرُ عَلَيهِ إقَامَتُهَا عِنْدَهُ، أَوْ فِيمَا دُونَ فَرْسَخٍ، (وَلَا ينْعَقِدُ جُمُعَتَانِ فِي أَقَلَّ مِنْ فَرْسَخٍ) بَلْ يجِبُ عَلَي مَنْ يشْتَمِلُ عَلَيهِ الْفَرْسَخُ الِاجْتِمَاعُ عَلَي جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ كفَايةً.

وَ لَا يخْتَصُّ الْحُضُورُ بِقَوْمٍ إلَّا أَنْ يكونَ الْإِمَامُ فِيهِمْ، فَمَتَي أَخَلُّوا بِهِ أَثِمُوا جَمِيعًا وَ مُحَصَّلُ هَذَا الشَّرْطِ و ما قَبْلَهُ أَنَّ مَنْ بَعُدَ عَنْهَا بِدُونِ فَرْسَخٍ يتَعَينُ عَلَيهِ الْحُضُورُ، و من زَادَ عَنْهُ إلَي فَرْسَخَينِ يتَخَيرُ بَينَهُ و بين إقَامَتِهَا عِنْدَهُ، و من زَادَ عَنْهُمَا يجِبُ إقَامَتُهَا عِنْدَهُ، أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرْسَخِ مَعَ الْإِمْكانِ، وَ إِلَّا سَقَطَتْ.

وَ لَوْ صَلُّوا أَزْيدَ مِنْ جُمُعَةٍ فِيمَا دُونَ الْفَرْسَخِ صَحَّتْ السَّابِقَةُ خَاصَّةً، وَ يعِيدُ اللَّاحِقَةَ ظُهْرًا، وَ كذَا الْمُشْتَبَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ أَمَّا لَوْ اشْتَبَهَ السَّبْقُ وَ الِاقْتِرَانُ وَجَبَ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ مَعَ بَقَاءِ وَقْتِهَا خَاصَّةً عَلَي الْأَصَحِّ مُجْتَمَعِينَ، أَوْ مُتَفَرِّقِينَ بِالْمُعْتَبَرِ، وَ الظُّهْرُ مَعَ خُرُوجِهِ. (وَيحْرُمُ السَّفَرُ) إلَي مَسَافَةٍ أَوْ الْمُوجِبِ تَفْوِيتَهَا (بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَي الْمُكلَّفِ بِهَا) اخْتِيارًا لِتَفْوِيتِهِ الْوَاجِبَ و أن أَمْكنَهُ إقَامَتُهَا فِي طَرِيقِهِ، لِأَنَّ تَجْوِيزَهُ عَلَي تَقْدِيرِهِ دَوْرِي نَعَمْ يكفِي ذَلِك فِي سَفَرٍ

قَصِيرٍ لَا يقْصَرُ فِيهِ، مَعَ احْتِمَالِ الْجَوَازِ فِيمَا لَا قَصْرَ فِيهِ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْفَوَاتِ.

وَ عَلَي تَقْدِيرِ الْمَنْعِ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ يكونُ عَاصِيا بِهِ إلَي مَحَلٍّ لَا يمْكنُهُ فِيهِ الْعَوْدُ إلَيهَا، فَتُعْتَبَرُ الْمَسَافَةُ حِينَئِذٍ، و لو اضْطَرَّ إلَيهِ شَرْعًا كالْحَجِّ حَيثُ يفُوتُ الرُّفْقَةُ أَوْ الْجِهَادُ حَيثُ لَا يحْتَمِلُ الْحَالُ تَأْخِيرَهُ، أَوْ عَقْلًا بِأَدَاءِ التَّخَلُّفِ إلَي فَوَاتِ غَرَضٍ يضُرُّ بِهِ فَوَاتُهُ لَمْ يحْرُمْ، وَ التَّحْرِيمُ عَلَي تَقْدِيرِهِ مُؤَكدٌ.

وَ قَدْ رُوِي أَنَّ قَوْمًا سَافَرُوا كذَلِك فَخُسِفَ بِهِمْ، وَ آخَرُونَ اضْطَرَمَ عَلَيهِمْ خِبَاؤُهُمْ مِنْ غَيرِ أَنْ يرَوْا نَارًا. (وَيزَادُ فِي نَافِلَتِهَا) عَنْ غَيرِهَا مِنْ الْأَيامِ (أَرْبَعُ رَكعَاتٍ) مُضَافَةٍ إلَي نَافِلَةِ الظُّهْرَينِ يصِيرُ الْجَمِيعُ عِشْرِينَ كلُّهَا لِلْجُمُعَةِ فِيهَا، (وَالْأَفْضَلُ جَعْلُهَا) أَي الْعِشْرِينَ (سُدَاسَ) مُفَرَّقَةً سِتًّا سِتًّا (فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الْمَعْهُودَةِ) و هي انْبِسَاطُ الشَّمْسِ بِمِقْدَارِ مَا يذْهَبُ شُعَاعُهَا وَ ارْتِفَاعُهَا وَ قِيامُهَا وَسَطَ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ، (وَرَكعَتَانِ) وَ هُمَا الْبَاقِيتَانِ مِنْ الْعِشْرِينَ عَنْ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ تُفْعَلُ (عِنْدَ الزَّوَالِ) بَعْدَهُ عَلَي الْأَفْضَلِ، أَوْ قَبْلَهُ بِيسِيرٍ عَلَي رِوَايةٍ، وَ دُونَ بَسْطِهَا كذَلِك جَعْلُ الِانْبِسَاطِ بَينَ الْفَرِيضَتَينِ، وَ دُونَهُ فِعْلُهَا أَجْمَعُ يوْمَ الْجُمُعَةِ كيفَ اتَّفَقَ. (وَالْمُزَاحَمُ) فِي الْجُمُعَةِ (عَنْ السُّجُودِ) فِي الرَّكعَةِ الْأُولَي (يسْجُدُ) بَعْدَ قِيامِهِمْ عَنْهُ، (وَيلْتَحِقُ) و لو بَعْدَ الرُّكوعِ، (فَإِنْ لَمْ يتَمَكنْ مِنْهُ) إلَي أَنْ سَجَدَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيةِ و (سَجَدَ مَعَ ثَانِيةِ الْإِمَامِ نَوَي بِهِمَا) الرَّكعَةَ (الْأُولَي) لِأَنَّهُ لَمْ يسْجُدْ لَهَا بَعْدُ، أَوْ يطْلِقُ فَتَنْصَرِفَانِ إلَي مَا فِي ذِمَّتِهِ.

وَ لَوْ نَوَي بِهِمَا الثَّانِيةَ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ لِزِيادَةِ الرُّكنِ فِي غَير مَحَلِّهِ، وَ كذَا لَوْ زُوحِمَ عَنْ رُكوعِ الْأُولَي، وَ سُجُودِهَا، فَإِنْ لَمْ يدْرِكهُمَا مَعَ ثَانِيةِ الْإِمَامِ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ لِاشْتِرَاطِ إدْرَاك رَكعَةٍ مِنْهَا مَعَهُ، وَ اسْتَأْنَفَ الظُّهْرَ مَعَ احْتِمَالِ الْعُدُولِ لِانْعِقَادِهَا

صَحِيحَةً، وَ النَّهْي عَنْ قَطْعِهَا مَعَ إمْكانِ صِحَّتِهَا.

صَلَاةُ الْعِيدَينِ

(وَمِنْهَا صَلَاةُ الْعِيدَينِ) - وَأَحَدُهُمَا عِيدٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَوْدِ لِكثْرَةِ عَوَائِدِ اللَّهِ تَعَالَي فِيهِ عَلَي عِبَادِهِ، وَ عَوْدِ السُّرُورِ وَ الرَّحْمَةِ بِعَوْدِهِ، وَ ياؤُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ، وَ جَمْعُهُ عَلَي أَعْيادٍ غَيرُ قِياسٍ، لِأَنَّ الْجَمْعَ يرَدُّ إلَي الْأَصْلِ، وَ الْتَزَمُوهُ كذَلِك لِلُزُومِ الْياءِ فِي مُفْرَدِهِ وَ تَمَيزِهِ عَنْ جَمْعِ الْعُودِ.

(وَتَجِبُ) صَلَاةُ الْعِيدَينِ وُجُوبًا عَينِيا (بِشُرُوطِ الْجُمُعَةِ) الْعَينِيةِ، أَمَّا التَّخْييرِيةُ فَكاخْتِلَالِ الشَّرَائِطِ لِعَدَمِ إمْكانِ التَّخْييرِ هُنَا، (وَالْخُطْبَتَانِ بَعْدَهَا) بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، و لم يذْكرْ وَقْتُهَا و هو مَا بَينَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ الزَّوَالِ، و هي رَكعَتَانِ كالْجُمُعَةِ (وَيجِبُ فِيهَا التَّكبِيرُ زَائِدًا عَنْ الْمُعْتَادِ) مِنْ تَكبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَ تَكبِيرُ الرُّكوعِ وَ السُّجُودِ (خَمْسًا فِي) الرَّكعَةِ (الْأُولَي وَ أَرْبَعًا فِي الثَّانِيةِ) بَعْدَ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا فِي الْمَشْهُورِ (وَالْقُنُوتُ بَينَهُمَا) عَلَي وَجْهِ التَّجَوُّزِ، وَ إِلَّا فَهُوَ بَعْدَ كلِّ تَكبِيرَةٍ، و هذا التَّكبِيرُ وَ الْقُنُوتُ جُزْءَانِ مِنْهَا، فَيجِبُ حَيثُ تَجِبُ، وَيسَنُّ حَيثُ تُسَنُّ، فَتَبْطُلُ بِالْإِخْلَالِ بِهِمَا عَمْدًا عَلَي التَّقْدِيرَينِ.

(وَيسْتَحَبُّ) الْقُنُوتُ (بِالْمَرْسُومِ) وَ هُوَ: " اللَّهُمَّ أَهْلَ الْكبْرِياءِ وَ الْعَظَمَةِ " إلَي آخِرِهِ، وَ يجُوزُ بِغَيرِهِ، و بما سَنَحَ، (وَمَعَ اخْتِلَالِ الشُّرُوطِ) الْمُوجِبَةِ (تُصَلَّي جَمَاعَةً، وَ فُرَادَي مُسْتَحَبًّا)، وَ لَا يعْتَبَرُ حِينَئِذٍ تَبَاعُدُ الْعِيدَينِ بِفَرْسَخٍ.

وَ قِيلَ مَعَ اسْتِحْبَابِهَا تُصَلَّي فُرَادَي خَاصَّةً، وَ تَسْقُطُ الْخُطْبَةُ فِي الْفُرَادَي، (وَلَوْ فَاتَتْ) فِي وَقْتِهَا لِعُذْرٍ و غيرهِ (لَمْ تُقْضَ) فِي أَشْهَرِ الْقَوْلَينِ لِلنَّصِّ، وَ قِيلَ: تُقْضَي كمَا فَاتَتْ، وَ قِيلَ: أَرْبَعًا مَفْصُولَةً.

وَ قِيلَ: مَوْصُولَةً و هو ضَعِيفُ الْمَأْخَذِ. (وَيسْتَحَبُّ الْإِصْحَارُ بِهَا، مَعَ الِاخْتِيارِ لِلِاتِّبَاعِ إلَّا بِمَكةَ) فَمَسْجِدُهَا أَفْضَلُ (وَأَنْ يطْعَمَ) بِفَتْحِ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ فَسُكونِ الطَّاءِ فَفَتْحِ الْعَينِ مُضَارِعُ طَعِمَ بِكسْرِهَا كعَلِمَ أَي يأْكلُ (فِي) عِيدِ (الْفِطْرِ قَبْلَ خُرُوجِهِ) إلَي

الصَّلَاةِ، (وَفِي الْأَضْحَي بَعْدَ عَوْدِهِ مِنْ أُضْحِيتِهِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَ تَشْدِيدِ الْياءِ، لِلِاتِّبَاعِ، وَ الْفَرْقُ لَائِحٌ وَلْيكنْ الْفِطْرُ فِي الْفِطْرِ، عَلَي الْحُلْوِ لِلِاتِّبَاعِ، و ما رُوِي شَاذًّا مِنْ الْإِفْطَارِ فِيهِ عَلَي التُّرْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ مَحْمُولٌ عَلَي الْعِلَّةِ جَمْعًا (وَيكرَهُ التَّنَفُّلُ قَبْلَهَا) به خصوص الْقَبْلِيةِ، (وَبَعْدَهَا) إلَي الزَّوَالِ بِخُصُوصِهِ لِلْإِمَامِ وَ الْمَأْمُومِ (إلَّا بِمَسْجِدِ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ سَلَّمَ) فَإِنَّهُ يسْتَحَبُّ أَنْ يقْصِدَهُ الْخَارِجُ إلَيهَا وَ يصَلِّي بِهِ رَكعَتَينِ قَبْلَ خُرُوجِهِ لِلِاتِّبَاعِ.

نَعَمْ لَوْ صُلِّيتْ فِي الْمَسَاجِدِ لِعُذْرٍ، أَوْ غَيرِهِ اُسْتُحِبَّ صَلَاةُ التَّحِيةِ لِلدَّاخِلِ و أن كانَ مَسْبُوقًا وَ الْإِمَامُ يخْطُبُ لِفَوَاتِ الصَّلَاةِ الْمُسْقِطِ لِلْمُتَابَعَةِ (وَيسْتَحَبُّ التَّكبِيرُ) فِي الْمَشْهُورِ، وَ قِيلَ يجِبُ لِلْأَمْرِ بِهِ (فِي الْفِطْرِ عَقِيبَ أَرْبَعِ) صَلَوَاتٍ (أَوَّلُهَا الْمَغْرِبُ لَيلَتَهُ، و في الأَضْحَي عَقِيبَ خَمْسَ عَشْرَةَ) صَلَاةً لِلنَّاسِك (بِمِنًي و) عَقِيبَ (عَشْرٍ بِغَيرِهَا)، وَ بِهَا لِغَيرِهِ (أَوَّلُهَا ظُهْرُ يوْمِ النَّحْرِ) وَ آخِرُهَا صُبْحُ آخِرِ التَّشْرِيقِ، أَوْ ثَانِيهِ و لو فَاتَ بَعْضُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ كبَّرَ مَعَ قَضَائِهَا، و لو نَسِي التَّكبِيرَ خَاصَّةً أَتَي بِهِ حَيثُ ذُكرَ (وَصُورَتُهُ: " اللَّهُ أَكبَرُ، اللَّهُ أَكبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَ اَللَّهُ أَكبَرُ، اللَّهُ أَكبَرُ عَلَي مَا هَدَانَا "، وَ يزِيدُ فِي) تَكبِيرِ (الْأَضْحَي) عَلَي ذَلِك (اللَّهُ أَكبَرُ عَلَي مَا رَزَقَنَا مِنْ بِهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) وَ رُوِي فِيهِمَا غَيرُ ذَلِك بِزِيادَةٍ وَ نُقْصَانٍ، و في الدُّرُوسِ اخْتَارَ: " اللَّهُ أَكبَرُ " ثَلَاثًا، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَ اَللَّهُ أَكبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَي مَا هَدَانَا و له الشُّكرُ عَلَي مَا أَوْلَانَا " وَ الْكلُّ جَائِزٌ، وَ ذِكرُ اللَّهِ حَسَنٌ عَلَي كلِّ حَالٍ. (وَلَوْ اتَّفَقَ عِيدٌ وَ جُمُعَةٌ تَخَيرَ الْقَرَوِي) الَّذِي حَضَرَهَا فِي الْبَلَدِ مِنْ قَرْيةٍ قَرِيبَةً كانَتْ، أَمْ بَعِيدَةً، (بَعْدَ حُضُورِ الْعِيدِ

فِي حُضُورِ الْجُمُعَةِ) فَيصَلِّيهَا وَاجِبًا وَ عَدَمهُ، فَتَسْقُطُ وَ يصَلِّي الظُّهْرَ، فَيكونُ و ُجُوبُهَا عَلَيهِ تَخْييرِيا، وَ الْأَقْوَي عُمُومُ التَّخْييرِ لِغَيرِ الْإِمَامِ، و هو الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي غَيرِهِ أَمَّا هُوَ فَيجِبُ عَلَيهِ الْحُضُورُ، فَإِنْ تَمَّتْ الشَّرَائِطُ صَلَّاهَا، وَ إِلَّا سَقَطَتْ عَنْهُ، وَ يسْتَحَبُّ لَهُ إعْلَامُ النَّاسِ بِذَلِك فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ.

صَلَاةُ الْآياتِ

(وَمِنْهَا - صَلَاةُ الْآياتِ) جَمْعُ آيةٍ و هي الْعَلَامَةُ، سُمِّيتْ بِذَلِك الْأَسْبَابِ الْمَذْكورَةِ لِأَنَّهَا عَلَامَاتٌ عَلَي أَهْوَالِ السَّاعَةِ، وَ أَخَاوِيفِهَا، وَ زَلَازِلِهَا، وَ تَكوِيرِ الشَّمْسِ، وَ الْقَمَرِ، (وَ) الْآياتُ الَّتِي تَجِبُ لَهَا الصَّلَاةُ (هِي الْكسُوفَانِ) كسُوفُ الشَّمْسِ، وَ خُسُوفُ الْقَمَرِ، ثَنَّاهُمَا بِاسْمِ أَحَدِهِمَا تَغْلِيبًا، أَوْ لِإِطْلَاقِ الْكسُوفِ عَلَيهِمَا حَقِيقَةً، كمَا يطْلَقُ الْخُسُوفُ عَلَي الشَّمْسِ أَيضًا، وَ اللَّامُ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِي و هو الشَّائِعُ مِنْ كسُوفِ النَّيرَينِ، دُونَ بَاقِي الْكوَاكبِ، وَ انْكسَافُ الشَّمْسِ بِهَا (وَالزَّلْزَلَةُ) و هي رَجْفَةُ الْأَرْضِ (وَالرِّيحُ السَّوْدَاءُ أَوْ الصَّفْرَاءُ، و كلّ مَخُوفٍ سَمَاوِي) كالظُّلْمَةِ السَّوْدَاءِ أَوْ الصَّفْرَاءِ الْمُنْفَكةِ عَنْ الرِّيحِ، وَ الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ زِيادَةً عَلَي الْمَعْهُودِ و أن انْفَكتْ عَنْ اللَّوْنَينِ أَوْ اتَّصَفَتْ بِلَوْنٍ ثَالِثٍ.

وَ ضَابِطُهُ: مَا أَخَافَ مُعْظَمَ النَّاسِ، وَ نِسْبَةُ الْأَخَاوِيفِ إلَي السَّمَاءِ بِاعْتِبَارِ كوْنِ بَعْضِهَا فِيهَا، أَوْ أَرَادَ بِالسَّمَاءِ مُطْلَقَ الْعُلُوِّ، أَوْ الْمَنْسُوبَةَ إلَي خَالِقِ السَّمَاءِ وَ نَحْوِهِ لِإِطْلَاقِ نِسْبَتِهِ إلَي اللَّهِ تَعَالَي كثِيرًا.

وَ وَجْهُ وُجُوبِهَا لِلْجَمِيعِ صَحِيحَةُ زُرَارَةَ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيهِ السَّلَامُ الْمُفِيدَةِ لِلْكلِّ، وَ بِهَا يضَعَّفُ قَوْلُ مَنْ خَصَّهَا بِالْكسُوفَينِ، أَوْ أَضَافَ إلَيهِمَا شَيئًا مَخْصُوصًا كالْمُصَنِّفِ فِي الْأَلْفِيةِ.

وَ هَذِهِ الصَّلَاةُ رَكعَتَانِ فِي كلِّ رَكعَةٍ سَجْدَتَانِ، وَ خَمْسُ رَكعَاتٍ، وَ قِيامَاتٌ وَ قِرَاءَاتٌ، (وَيجِبُ فِيهَا النِّيةُ، وَ التَّحْرِيمَةُ، وَ قِرَاءَةُ الْحَمْدِ، وَ سُورَةٍ، ثُمَّ الرُّكوعُ، ثُمَّ يرْفَعُ) رَأْسَهُ مِنْهُ إلَي أَنْ يصِيرَ قَائِمًا مُطْمَئِنًّا، (وَيقْرَأُهُمَا) هَكذَا (خَمْسًا ثُمَّ

يسْجُدُ سَجْدَتَينِ)، ثُمَّ يقُومُ (إلَي الثَّانِيةِ وَ يصْنَعُ كمَا صَنَعَ أَوَّلًا) هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ (وَيجُوزُ) لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَي (قِرَاءَةِ بَعْضِ السُّورَةِ) و لو آيةً (لِكلِّ رُكوعٍ.

وَ لَا يحْتَاجُ إلَي) قِرَاءَةِ (الْفَاتِحَةِ إلَّا فِي الْقِيامِ الْأَوَّلِ) وَ مَتَي اخْتَارَ التَّبْعِيضَ (فَيجِبُ إكمَالُ سُورَةٍ فِي كلِّ رَكعَةٍ مَعَ الْحَمْدِ مَرَّةً) بِأَنْ يقْرَأَ فِي الْأَوَّلِ الْحَمْدَ وَ آيةً، ثُمَّ يفَرِّقُ الْآياتِ عَلَي بَاقِي الْقِيامَاتِ بِحَيثُ يكمِلُهَا فِي آخِرِهَا، (وَلَوْ أَتَمَّ مَعَ الْحَمْدِ فِي رَكعَةٍ سُورَةً) أَي قَرَأَ فِي كلِّ قِيامٍ مِنْهَا الْحَمْدَ وَ سُورَةً تَامَّةً (وَبَعَّضَ فِي) الرَّكعَةِ (الْأُخْرَي) كمَا ذُكرَ (جَازَ بَلْ لَوْ أَتَمَّ السُّورَةَ فِي بَعْضِ الرُّكوعَاتِ، وَ بَعَّضَ فِي آخَرَ جَازَ).

وَ الضَّابِطُ: أَنَّهُ مَتَي رَكعَ عَنْ سُورَةٍ تَامَّةٍ وَجَبَ فِي الْقِيامِ عَنْهُ الْحَمْدُ وَ يتَخَيرُ بَينَ إكمَالِ سُورَةٍ مَعَهَا وَ تَبْعِيضِهَا، وَ مَتَي رَكعَ عَنْ بَعْضِ سُورَةٍ تَخَيرَ فِي الْقِيامِ بَعْدَهُ بَينَ الْقِرَاءَةِ مِنْ مَوْضِعِ الْقَطْعِ و من غَيرِهِ مِنْ السُّورَةِ مُتَقَدِّمًا وَ مُتَأَخِّرًا، و من غَيرِهَا، وَ تَجِبُ إعَادَةُ الْحَمْدِ فِيمَا عَدَا الْأَوَّلِ مَعَ احْتِمَالِ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الْجَمِيعِ.

وَ يجِبُ مُرَاعَاةُ سُورَةٍ فَصَاعِدًا فِي الْخَمْسِ وَ مَتَي سَجَدَ وَجَبَ إعَادَةُ الْحَمْدِ سَوَاءٌ كانَ سُجُودُهُ عَنْ سُورَةٍ تَامَّةٍ أَمْ بَعْضِ سُورَةٍ كمَا لَوْ كانَ قَدْ أَتَمَّ سُورَةً قَبْلَهَا فِي الرَّكعَةِ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يبْنِي عَلَي مَا مَضَي، أَوْ يشْرَعَ فِي غَيرِهَا، فَإِنْ بَنَي عَلَيهَا وَجَبَ سُورَةٌ غَيرُهَا كامِلَةٌ فِي جُمْلَةِ الْخَمْسِ.

(وَيسْتَحَبُّ الْقُنُوتُ عَقِيبَ كلِّ زَوْجٍ) مَنْ الْقِيامَاتِ.

تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ الرَّكعَاتِ، فَيقْنُتُ قَبْلَ الرُّكوعِ الثَّانِي وَ الرَّابِعِ وَ هَكذَا، (وَالتَّكبِيرُ لِلرَّفْعِ مِنْ الرُّكوعِ) فِي الْجَمِيعِ عَدَا الْخَامِسِ وَ الْعَاشِرِ مِنْ غَيرِ تَسْمِيعٍ، و هو قَرِينَةُ كوْنِهَا غَيرَ رَكعَاتٍ (وَالتَّسْمِيعُ) و هو قَوْلُ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ

حَمِدَهُ " (فِي الْخَامِسِ وَ الْعَاشِرِ خَاصَّةً) تَنْزِيلًا لِلصَّلَاةِ مَنْزِلَةَ رَكعَتَينِ. هَكذَا وَرَدَ النَّصُّ بِمَا يوجِبُ اشْتِبَاهَ حَالِهَا، و من ثَمَّ حَصَلَ الِاشْتِبَاهُ لَوْ شَك فِي عَدَدِهَا نَظَرًا إلَي أَنَّهَا ثُنَائِيةٌ أَوْ أَزْيدُ.

وَ الْأَقْوَي أَنَّهَا فِي ذَلِك ثُنَائِيةٌ، و أنّ الرُّكوعَاتِ أَفْعَالٌ، فَالشَّك فِيهَا فِي مَحَلِّهَا يوجِبُ فِعْلَهَا، وَ فِي عَدَدِهَا يوجِبُ الْبِنَاءَ عَلَي الْأَقَلِّ، وَ فِي عَدَدِ الرَّكعَاتِ مُبْطَلٌ.

(وَقِرَاءَةُ) السُّوَرِ (الطِّوَالِ) كالْأَنْبِياءِ وَ الْكهْفِ (مَعَ السَّعَةِ)، وَ يعْلَمُ ذَلِك بِالْأَرْصَادِ، وَ إِخْبَارِ مَنْ يفِيدُ قَوْلُهُ الظَّنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ الْعَدْلَينِ، وَ إِلَّا فَالتَّخْفِيفُ أَوْلَي، حَذَرًا مِنْ خُرُوجِ الْوَقْتِ خُصُوصًا عَلَي الْقَوْلِ بِأَنَّهُ الْأَخْذُ فِي الِانْجِلَاءِ.

نَعَمْ لَوْ جَعَلْنَاهُ إلَي تَمَامِهِ اتَّجَهَ التَّطْوِيلُ، نَظَرًا إلَي الْمَحْسُوسِ، (وَالْجَهْرُ فِيهَا) و أن كانَتْ نَهَارِيةً عَلَي الْأَصَحِّ.

(وَكذَا يجْهَرُ فِي الْجُمُعَةِ وَ الْعِيدَينِ) اسْتِحْبَابًا إجْمَاعًا.

(وَلَوْ جَامَعَتْ) صَلَاةُ الْآياتِ (الْحَاضِرَةَ) الْيوْمِيةَ (قَدَّمَ مَا شَاءَ) مِنْهُمَا مَعَ سَعَةِ وَقْتِهِمَا، (وَلَوْ تَضَيقَتْ إحْدَاهُمَا) خَاصَّةً (قَدَّمَهَا) أَي الْمُضَيقَةَ، جَمْعًا بَينَ الْحَقَّينِ (وَلَوْ تَضَيقَتَا) مَعًا (فَالْحَاضِرَةُ) مُقَدَّمَةٌ، لِأَنَّ الْوَقْتَ لَهَا بِالْأَصَالَةِ، ثُمَّ إنْ بَقِي وَقْتُ الْآياتِ صَلَّاهَا أَدَاءً، وَ إِلَّا سَقَطَتْ إنْ لَمْ يكنْ فَرَّطَ فِي تَأْخِيرِ إحْدَاهُمَا، وَ إِلَّا فَالْأَقْوَي وُجُوبُ الْقَضَاءِ، (وَلَا تُصَلَّي) هَذِهِ الصَّلَاةُ (عَلَي الرَّاحِلَةِ) و أن كانَتْ مَعْقُولَةً (إلَّا لِعُذْرٍ) كمَرَضٍ، وَزَمِنٍ يشُقُّ مَعَهُمَا النُّزُولُ مَشَقَّةً لَا تُتَحَمَّلُ عَادَةً فَتُصَلَّي عَلَي الرَّاحِلَةِ حِينَئِذٍ (كغَيرِهَا مِنْ الْفَرَائِضِ، وَ تُقْضَي) هَذِهِ الصَّلَاةُ (مَعَ الْفَوَاتِ وُجُوبًا مَعَ تَعَمُّدِ التَّرْك، أَوْ نِسْيانِهِ) بَعْدَ الْعِلْمِ بِالسَّبَبِ مُطْلَقًا، (أَوْ مَعَ اسْتِيعَابِ الِاحْتِرَاقِ) لِلْقَرْصِ أَجْمَعَ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ، أَمْ لَمْ يعْلَمْ حَتَّي خَرَجَ الْوَقْتُ.

أَمَّا لَوْ لَمْ يعْلَمْ بِهِ، وَ لَا اسْتَوْعَبَ الِاحْتِرَاقَ فَلَا قَضَاءَ و أن ثَبَتَ بَعْدَ ذَلِك وُقُوعُهُ بِالْبَينَةِ، أَوْ التَّوَاتُرِ فِي الْمَشْهُورِ.

وَ

قِيلَ: يجِبُ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا وَ قِيلَ لَا يجِبُ مُطْلَقًا و أن تَعَمَّدَ مَا لَمْ يسْتَوْعِبْ.

وَ قِيلَ: لَا يقْضِي النَّاسِي مَا لَمْ يسْتَوْعِبْ، و لو قِيلَ بِالْوُجُوبِ مُطْلَقًا فِي غَيرِ الْكسُوفَينِ، وَ فِيهِمَا مَعَ الِاسْتِيعَابِ كانَ قَوِيا عَمَلًا بِالنَّصِّ فِي الْكسُوفَينِ، وَ بِالْعُمُومَاتِ فِي غَيرِهِمَا.

يستحب الغسل للجمعة و العيدين

(وَيسْتَحَبُّ الْغُسْلُ) لِلْقَضَاءِ (مَعَ التَّعَمُّدِ وَ الِاسْتِيعَابِ) و أن تَرَكهَا جَهْلًا، بَلْ قِيلَ: بِوُجُوبِهِ، (وَكذَا يسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِلْجُمُعَةِ) اسْتَطْرَدَ هُنَا ذِكرَ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ لِمُنَاسَبَةٍ مَا.

وَ وَقْتُهُ مَا بَينَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يوْمَهَا إلَي الزَّوَالِ، وَ أَفْضَلُهُ مَا قَرُبَ إلَي الْآخِرِ، وَ يقْضَي بَعْدَهُ إلَي آخِرِ السَّبْتِ كمَا يعَجِّلُهُ خَائِفُ عَدَمِ التَّمَكنِ مِنْهُ فِي وَقْتِهِ مِنْ الْخَمِيسِ، (وَ) يوْمَي (الْعِيدَينِ، وَ لَيالِي فُرَادَي شَهْرِ رَمَضَانَ) الْخَمْسَ عَشْرَةَ، و هي الْعَدَدُ الْفَرْدُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَي آخِرِهِ، (وَلَيلَةِ الْفِطْرِ) أَوَّلِهَا (وَلَيلَتَي نِصْفِ رَجَبٍ وَ شَعْبَانَ) عَلَي الْمَشْهُورِ فِي الْأَوَّلِ، وَ الْمَرْوِي فِي الثَّانِي، (وَيوْمِ الْمَبْعَثِ) و هو السَّابِعُ وَ الْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ عَلَي الْمَشْهُورِ، (وَالْغَدِيرِ) و هو الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، (وَ) يوْمِ (الْمُبَاهَلَةِ)، و هو الرَّابِعُ وَ الْعِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ عَلَي الْأَصَحِّ.

وَ قِيلَ: الْخَامِسُ وَ الْعِشْرُونَ، (وَ) يوْمِ (عَرَفَةَ) و أن لَمْ يكنْ بِهَا، (وَنَيرُوزِ الْفُرْسِ).

وَ الْمَشْهُورُ الْآنَ أَنَّهُ يوْمُ نُزُولِ الشَّمْسِ فِي الْحَمَلِ و هو الِاعْتِدَالُ الرَّبِيعِي، (وَالْإِحْرَامِ) لِلْحَجِّ، أَوْ الْعُمْرَةِ (وَالطَّوَافِ) وَاجِبًا كانَ، أَمْ.

نَدْبًا، (وَزِيارَةِ) أَحَدِ (الْمَعْصُومِينَ).

وَ لَوْ اجْتَمَعُوا فِي مَكان وَاحِدٍ تَدَاخَلَ كمَا يتَدَاخَلُ بِاجْتِمَاعِ أَسْبَابِهِ مُطْلَقًا (وَلِلسَّعْي إلَي رُؤْيةِ الْمَصْلُوبِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ) أَيامٍ مِنْ صَلْبِهِ مَعَ الرُّؤْيةِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِك مَصْلُوبُ الشَّرْعِ، و غيرهُ (وَالتَّوْبَةِ عَنْ فِسْقٍ، أَوْ كفْرٍ)، بَلْ عَنْ مُطْلَقِ الذَّنْبِ و أن لَمْ يوجِبْ الْفِسْقَ كالصَّغِيرَةِ النَّادِرَةِ.

وَنُبِّهَ بِالتَّسْوِيةِ عَلَي خِلَافِ الْمُفِيدِ حَيثُ

خَصَّهُ بِالْكبَائِرِ، (وَصَلَاةِ الْحَاجَةِ و) صَلَاةِ (الِاسْتِخَارَةِ) لَا مُطْلَقِهِمَا، بَلْ فِي مَوَارِدَ مَخْصُوصَةٍ مِنْ أَصْنَافِهِمَا، فَإِنَّ مِنْهُمَا مَا يفْعَلُ بِغُسْلٍ، و ما يفْعَلُ بِغَيرِهِ عَلَي مَا فُصِّلَ فِي مَحَلِّهِ، (وَدُخُولِ الْحَرَمِ) بِمَكةَ مُطْلَقًا، (وَ) لِدُخُولِ (مَكةَ وَ الْمَدِينَةِ) مُطْلَقًا شَرَّفَهُمَا اللَّهُ تَعَالَي.

وَ قَيدَ الْمُفِيدُ دُخُولَ الْمَدِينَةِ بِأَدَاءِ فَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ، (وَ) دُخُولِ (الْمَسْجِدَينِ) الْحَرَمَينِ، (وَكذَا) لِدُخُولِ (الْكعْبَةِ) أَعَزَّهَا اللَّهُ تَعَالَي و أن كانَتْ جُزْءًا مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنَّهُ يسْتَحَبُّ به خصوص دُخُولِهَا، وَ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِيمَا لَوْ لَمْ ينْوِ دُخُولَهَا عِنْدَ الْغُسْلِ السَّابِقِ، فَإِنَّهُ لَا يدْخُلُ فِيهِ، كمَا لَا يدْخُلُ غُسْلُ الْمَسْجِدِ فِي غُسْلِ دُخُولِ مَكةَ إلَّا بِنِيتِهِ عِنْدَهُ، وَ هَكذَا، و لو جَمَعَ الْمَقَاصِدَ تَدَاخَلَتْ.

الصَّلَاةُ الْمَنْذُورَةُ وَ شِبْهُهَ

(وَمِنْهَا - الصَّلَاةُ الْمَنْذُورَةُ وَ شِبْهُهَا) مِنْ الْمُعَاهَدِ، وَ الْمَحْلُوفِ عَلَيهِ.

(وَهِي تَابِعَةٌ لِلنَّذْرِ الْمَشْرُوعِ، وَ شِبْهُهُ) فَمَتَي نَذَرَ هَيئَةً مَشْرُوعَةً فِي وَقْتِ إيقَاعِهَا، أَوْ عَدَدًا مَشْرُوعًا انْعَقَدَتْ.

وَ احْتُرِزَ بِالْمَشْرُوعِ عَمَّا لَوْ نَذَرَهَا عِنْدَ تَرْك وَاجِبٍ، أَوْ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ شُكرًا، أَوْ عَكسِهِ زَجْرًا، أَوْ رَكعَتَينِ بِرُكوعٍ وَاحِدٍ، أَوْ سَجْدَتَينِ وَ نَحْوِ ذَلِك، و منه نَذْرُ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي غَيرِهِ وَ نَحْوِهَا.

وَ ضَابِطُ الْمَشْرُوعِ مَا كانَ فِعْلُهُ جَائِزًا قَبْلَ النَّذْرِ فِي ذَلِك الْوَقْتِ، فَلَوْ نَذَرَ رَكعَتَينِ جَالِسًا، أَوْ مَاشِيا، أَوْ به غير سُورَةٍ، أَوْ إلَي غَيرِ الْقِبْلَةِ مَاشِيا، أَوْ رَاكبًا وَ نَحْوَ ذَلِك انْعَقَدَ، و لو أَطْلَقَ فَشَرْطُهَا شَرْطُ الْوَاجِبَةِ فِي أَجْوَدِ الْقَوْلَينِ.

صَلَاةُ النِّيابَةِ بِإِجَارَةٍ عن الميت

(وَمِنْهَا - صَلَاةُ النِّيابَةِ بِإِجَارَةٍ) عَنْ الْمَيتِ تَبَرُّعًا، أَوْ بِوَصِيتِهِ النَّافِذَةِ، (أَوْ تَحَمُّلٍ) مَنْ الْوَلِي و هو أَكبَرُ الْوَلَدِ الذُّكورِ (عَنْ الْأَبِ) لِمَا فَاتَهُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَرَضِهِ، أَوْ سَهْوًا، أَوْ مُطْلَقًا، وَ سَيأْتِي تَحْرِيرُهُ (وَهِي بِحَسَبِ مَا يلْتَزِمُ بِهِ) كيفِيةً وَ كمِّيةً.

صَلَاةُ

الِاسْتِسْقَاء

(وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ - صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ) و هو طَلَبُ السُّقْيا، و هو أَنْوَاعٌ: أَدْنَاهُ الدُّعَاءُ بِلَا صَلَاةٍ، وَ لَا خَلْفَ صَلَاةٍ، وَ أَوْسَطُهُ الدُّعَاءُ خَلْفَ.

الصَّلَاةِ، وَ أَفْضَلُهُ الِاسْتِسْقَاءُ بِرَكعَتَينِ، وَ خُطْبَتَينِ، (وَهِي كالْعِيدَينِ) فِي الْوَقْتِ، وَ التَّكبِيرَاتِ الزَّائِدَةِ فِي الرَّكعَتَينِ وَ الْجَهْرِ، وَ الْقِرَاءَةِ، وَ الْخُرُوجِ إلَي الصَّحْرَاءِ، و غير ذَلِك، إلَّا أَنَّ الْقُنُوتَ هُنَا بِطَلَبِ الْغَيثِ، وَ تَوْفِيرِ الْمِياهِ، وَ الرَّحْمَةِ (وَيحَوِّلُ) الْإِمَامُ و غيرهُ (الرِّدَاءَ يمِينًا وَ يسَارًا) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَيجْعَلُ يمِينَهُ يسَارَهُ، وَ بِالْعَكسِ، لِلِاتِّبَاعِ، وَ التَّفَاؤُلِ، و لو جَعَلَ مَعَ ذَلِك أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، وَ ظَاهِرَهُ بَاطِنَهُ كانَ حَسَنًا، وَ يتْرَك مُحَوَّلًا حَتَّي ينْزَعَ.

(وَلْتَكنْ الصَّلَاةُ بَعْدَ صَوْمِ ثَلَاثَةِ) أَيامٍ، أَطْلَقَ بُعْدِيتَهَا عَلَيهَا تَغْلِيبًا، لِأَنَّهَا تَكونُ فِي أَوَّلِ الثَّالِثِ (آخِرُهَا الِاثْنَينِ) و هو مَنْصُوصٌ فَلِذَا قَدَّمَهُ، (أَوْ الْجُمُعَةُ) لِأَنَّهَا وَقْتٌ لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ حَتَّي رُوِي أَنَّ الْعَبْدَ لَيسْأَلُ الْحَاجَةَ فَيؤَخَّرُ قَضَاؤُهَا إلَي الْجُمُعَةِ، (وَ) بَعْدَ (التَّوْبَةِ) إلَي اللَّهِ تَعَالَي مِنْ الذُّنُوبِ، وَ تَطْهِيرِ الْأَخْلَاقِ مِنْ الرَّذَائِلِ، (وَرَدِّ الْمَظَالِمِ) لِأَنَّ ذَلِك أَرْجَي لِلْإِجَابَةِ، و قد يكونُ الْقَحْطُ بِسَبَبِ هَذِهِ كمَا رُوِي، وَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَظَالِمِ مِنْ جُمْلَةِ التَّوْبَةِ جُزْءًا، أَوْ شَرْطًا، وَ خَصَّهَا اهْتِمَامًا بِشَأْنِهَا، وَ لْيخْرُجُوا حُفَاةً وَ نِعَالُهُمْ بِأَيدِيهِمْ، فِي ثِيابٍ بِذْلَةٍ وَ تَخَشُّعٍ، وَ يخْرِجُونَ الصِّبْيانَ، وَ الشُّيوخَ، وَ الْبَهَائِمَ، لِأَنَّهُمْ مَظِنَّةُ الرَّحْمَةِ عَلَي الْمُذْنِبِينَ، فَإِنْ سُقُوا وَ إِلَّا عَادُوا ثَانِيا وَ ثَالِثًا مِنْ غَيرِ قُنُوطٍ، بَانِينَ عَلَي الصَّوْمِ الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يفْطِرُوا بَعْدَهُ، وَ إِلَّا فَبِصَوْمٍ مُسْتَأْنَفٍ.

نَافِلَةُ شَهْرِ رَمَضَانَ

(وَمِنْهَا - نَافِلَةُ شَهْرِ رَمَضَانَ) (وَهِي) فِي أَشْهَرِ الرِّوَاياتِ (أَلْفُ رَكعَةٍ) مُوَزَّعَةٍ عَلَي الشَّهْرِ (غَيرُ الرَّوَاتِبِ فِي) اللَّيالِي (الْعِشْرِينَ) الْأُوَلُ (عِشْرُونَ: كلَّ لَيلَةٍ: ثَمَانٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَ اثْنَتَا عَشْرَةَ بَعْدَ الْعِشَاءِ)، وَ

يجُوزُ الْعَكسُ، (وَفِي) كلِّ لَيلَةٍ مِنْ (الْعَشْرِ الْأَخِيرَةِ ثَلَاثُونَ) رَكعَةً: ثَمَانٍ مِنْهَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَ الْبَاقِي بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَ يجُوزُ اثْنَتَا عَشْرَةَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَ الْبَاقِي بَعْدَ الْعِشَاءِ (وَفِي لَيالِي الْأَفْرَادِ) الثَّلَاثِ، و هي التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ، وَ الْحَادِيةُ وَ الْعِشْرُونَ، وَ الثَّالِثَةَ وَ الْعِشْرُونَ، (كلُّ لَيلَةٍ مِائَةٌ) مُضَافَةً إلَي مَا عُينَ لَهَا سَابِقًا، و ذلك تَمَامُ الْأَلْفِ خَمْسُمِائَةٍ فِي الْعِشْرِينَ، وَ خَمْسُمِائَةٍ فِي الْعَشْرِ.

(وَيجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيهَا فَيفَرِّقُ الثَّمَانِينَ) الْمُتَخَلِّفَةَ و هي الْعِشْرُونَ فِي التَّاسِعَةَ عَشَرَ، وَ السِّتُّونَ فِي اللَّيلَتَينِ بَعْدَهَا (عَلَي الْجَمْعِ) الْأَرْبَعِ، فَيصَلِّي فِي يوْمِ كلِّ جُمُعَةٍ عَشْرًا بِصَلَاةِ عَلِي وَ فَاطِمَةَ وَ جَعْفَرٍ عَلَيهِمْ السَّلَامُ و لو اتَّفَقَ فِيهِ خَامِسَةً تَخَيرَ فِي السَّاقِطَةِ.

وَ يجُوزُ أَنْ يجْعَلَ لَهَا قِسْطًا يتَخَيرُ فِي كمِّيتِهِ، وَ فِي لَيلَةِ آخِرِ جُمُعَةٍ عِشْرُونَ بِصَلَاةِ عَلِي عَلَيهِ السَّلَامُ، وَ فِي لَيلَةِ آخِرِ سَبْتٍ عِشْرُونَ بِصَلَاةِ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السَّلَامُ وَ أُطْلِقَ تَفْرِيقُ الثَّمَانِينَ عَلَي الْجَمْعِ مَعَ وُقُوعِ عِشْرِينَ مِنْهَا لَيلَةَ السَّبْتِ تَغْلِيبًا، وَ لِأَنَّهَا عَشِيةُ جُمُعَةٍ تُنْسَبُ إلَيهَا فِي الْجُمْلَةِ.

وَ لَوْ نَقَصَ الشَّهْرُ سَقَطَتْ وَظِيفَةُ لَيلَةِ الثَّلَاثِينَ، و لو فَاتَ شَيءٌ مِنْهَا اُسْتُحِبَّ قَضَاؤُهُ و لو نَهَارًا وَ فِي غَيرِهِ، وَ الْأَفْضَلُ قَبْلَ خُرُوجِهِ.

نَافِلَةُ الزِّيارَةِ

(وَمِنْهَا - نَافِلَةُ الزِّيارَةِ) لِلْأَنْبِياءٍ وَ الْأَئِمَّةِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ.

وَ أَقَلُّهَا رَكعَتَانِ تُهْدَي لِلْمَزُورِ، وَ وَقْتُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَ السَّلَامِ، وَ مَكانُهَا مَشْهَدُهُ و ما قَارَبَهُ وَ أَفْضَلُهُ عِنْدَ الرَّأْسِ بِحَيثُ يجْعَلُ الْقَبْرُ عَلَي يسَارِهِ، وَ لَا يسْتَقْبِلُ شَيئًا مِنْهُ.

(وَ) صَلَاةُ (الِاسْتِخَارَةِ) بِالرِّقَاعِ السِّتِّ و غيرهَا.

(وَ) صَلَاةُ (الشُّكرِ) عِنْدَ تَجَدُّدِ نِعْمَةٍ، أَوْ دَفْعِ نِقْمَةٍ عَلَي مَا رُسِمَ فِي كتُبٍ مُطَوَّلَةٍ، أَوْ مُخْتَصَّةٍ بِهِ (وَغَيرُ ذَلِك) مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَسْنُونَةِ كصَلَاةِ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم يوْمَ

الْجُمُعَةِ، و علي وَ فَاطِمَةَ وَ جَعْفَرٍ و غيرهِمْ عَلَيهِمْ السَّلَامُ.

(وَأَمَّا النَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ فَلَا حَصْرَ لَهَا) فَإِنَّهَا قُرْبَانُ كلِّ تَقِي، وَ خَيرُ مَوْضُوعٍ فَمَنْ شَاءَ اسْتَقَلَّ و من شَاءَ اسْتَكثَرَ.

الفصل السابع: في احكام الخلل الواقع في الصلاة

الفصل السابع: في احكام الخلل الواقع في الصلاة

الخلل الواقع في الصلاه (سجدة السهو و صلاة الاحتياط)

(الْفَصْلُ السَّابِعُ) (فِي) بَيانِ أَحْكامِ (الْخَلَلِ) الْوَاقِعِ (فِي الصَّلَاةِ) الْوَاجِبَةِ (وَهُوَ) أَي الْخَلَلُ (إمَّا) أَنْ يكونَ صَادِرًا (عَنْ عَمْدٍ) وَ قَصْدٍ إلَي الْخَلَلِ سَوَاءٌ كانَ عَالِمًا بِحُكمِهِ، أَمْ لَا، (أَوْ سَهْوٍ) بِعُزُوبِ الْمَعْنَي عَنْ الذِّهْنِ حَتَّي حَصَلَ بِسَبَبِهِ إهْمَالُ بَعْضِ الْأَفْعَالِ، (أَوْ شَك) و هو تَرَدُّدُ الذِّهْنِ بَينَ طَرَفَي النَّقِيضِ، حَيثُ لَا رُجْحَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَي الْآخَرِ.

وَ الْمُرَادُ بِالْخَلَلِ الْوَاقِعِ عَنْ عَمْدٍ وَ سَهْوٍ تَرْك شَيءٍ مِنْ أَفْعَالِهَا، وَ بِالْوَاقِعِ عَنْ شَك النَّقْصِ الْحَاصِلِ لِلصَّلَاةِ بِنَفْسِ الشَّك، لَا أَنَّهُ كانَ سَبَبًا لِلتَّرْك كقَسِيمَيهِ (فَفِي الْعَمْدِ تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (لِلْإِخْلَالِ) أَي بِسَبَبِ الْإِخْلَالِ (بِالشَّرْطِ) كالطَّهَارَةِ وَ السَّتْرِ، (أَوْ الْجُزْءِ) و أن لَمْ يكنْ رُكنًا كالْقِرَاءَةِ، وَ أَجْزَائِهَا حَتَّي الْحَرْفِ الْوَاحِدِ، و من الْجُزْءِ الْكيفِيةُ لِأَنَّهَا جُزْءٌ صُورِي.

(وَلَوْ كانَ) الْمُخِلُّ (جَاهِلًا) بِالْحُكمِ الشَّرْعِي كالْوُجُوبِ، أَوْ الْوَضْعِي كالْبُطْلَانِ (إلَّا الْجَهْرَ وَ الْإِخْفَاتَ) فِي مَوَاضِعِهِمَا فَيعْذَرُ الْجَاهِلُ بِحُكمِهِمَا، و أن عَلِمَ بِهِ فِي مَحَلِّهِ، كمَا لَوْ ذَكرَ النَّاسِي (وَفِي السَّهْوِ يبْطُلُ مَا سَلَفَ) مِنْ السَّهْوِ عَنْ أَحَدِ الْأَرْكانِ الْخَمْسَةِ إذَا لَمْ يذْكرْهُ حَتَّي تَجَاوَزَ مَحَلَّهُ، (وَفِي الشَّك) فِي شَيءٍ مِنْ ذَلِك (لَا يلْتَفَتُ إذَا تَجَاوُزِ مَحَلِّهِ).

وَ الْمُرَادُ بِتَجَاوُزِ مَحَلِّ الْجُزْءِ الْمَشْكوك فِيهِ، الِانْتِقَالُ إلَي جُزْءٍ آخَرَ بَعْدَهُ بِأَنْ شَك فِي النِّيةِ بَعْدَ أَنْ كبَّرَ، أَوْ فِي التَّكبِيرِ بَعْدَ أَنْ قَرَأَ، أَوْ شَرَعَ فِيهِمَا، أَوْ فِي الْقِرَاءَةِ وَ أَبْعَاضِهَا بَعْدَ الرُّكوعِ، أَوْ فِيهِ بَعْدَ السُّجُودِ، أَوْ فِيهِ

أَوْ فِي التَّشَهُّدِ بَعْدَ الْقِيامِ.

وَ لَوْ كانَ الشَّك فِي السُّجُودِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، أَوْ فِي أَثْنَائِهِ وَ لَمَّا يقُمْ فَفِي الْعَوْدِ إلَيهِ قَوْلَانِ أَجْوَدُهُمَا الْعَدَمُ، أَمَّا مُقَدِّمَاتُ الْجُزْءِ كالْهَوِي، وَ الْأَخْذِ فِي الْقِيامِ قَبْلَ الْإِكمَالِ فَلَا يعَدُّ انْتِقَالًا إلَي جُزْءٍ، وَ كذَا الْفِعْلُ الْمَنْدُوبُ كالْقُنُوتِ.

(وَلَوْ كانَ) الشَّك (فِيهِ) أَي فِي مَحَلِّهِ (أَتَي بِهِ) لِأَصَالَةِ عَدَمِ فِعْلِهِ، (فَلَوْ ذَكرَ فِعْلَهُ) سَابِقًا بَعْدَ أَنْ فَعَلَهُ ثَانِيا (بَطَلَتْ) الصَّلَاةُ (إنْ كانَ رُكنًا) لَتَحَقُّقِ زِيادَةِ الرُّكنِ الْمُبْطِلَةِ.

وَ إِنْ كانَ سَهْوًا، و منه مَا لَوْ شَك فِي الرُّكوعِ و هو قَائِمٌ فَرَكعَ، ثُمَّ ذَكرَ فِعْلَهُ قَبْلَ رَفْعِهِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ، لِأَنَّ ذَلِك هُوَ الرُّكوعُ، وَ الرَّفْعُ مِنْهُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَيهِ كزِيادَةِ الذِّكرِ وَ الطُّمَأْنِينَةِ (وَإِلَّا يكنْ) رُكنًا (فَلَا) إبْطَالَ لِوُقُوعِ الزِّيادَةِ سَهْوًا (وَلَوْ نَسِي غَيرَ الرُّكنِ) مِنْ الْأَفْعَالِ و لم يذْكرْ حَتَّي تَجَاوَزَ مَحَلَّهُ (فَلَا الْتِفَاتَ) بِمَعْنَي أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِذَلِك، و لكن قَدْ يجِبُ لَهُ شَيءٌ آخَرُ مِنْ سُجُودٍ، أَوْ قَضَاءٍ، أَوْ هُمَا كمَا سَيأْتِي (وَلَوْ لَمْ يتَجَاوَزْ مَحَلَّهُ أُتِي بِهِ).

وَ الْمُرَادُ بِمَحَلِّ الْمَنْسِي مَا بَينَهُ و بين أَنْ يصِيرَ فِي رُكنٍ، أَوْ يسْتَلْزِمَ الْعَوْدُ إلَي الْمَنْسِي زِيادَةَ رُكنٍ، فَمَحَلُّ السُّجُودِ وَ التَّشَهُّدِ الْمَنْسِيينِ مَا لَمْ يرْكعْ فِي الرَّكعَةِ اللَّاحِقَةِ لَهُ و أن قَامَ، لِأَنَّ الْقِيامَ لَا يتَمَحَّضُ لِلرُّكنِيةِ إلَي أَنْ يرْكعَ كمَا مَرَّ، وَ كذَا الْقِرَاءَةُ وَ أَبْعَاضُهَا وَ صِفَاتُهَا بِطَرِيقٍ أَوْلَي.

وَ أَمَّا ذِكرُ السُّجُودِ وَ وَاجِبَاتُهُ غَيرُ وَضْعِ الْجَبْهَةِ فَلَا يعُودُ إلَيهَا مَتَي رَفَعَ رَأْسَهُ، و أن لَمْ يدْخُلْ فِي رُكنٍ.

وَ وَاجِبَاتُ الرُّكوعِ كذَلِك لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَيهَا يسْتَلْزِمُ زِيادَةَ الرُّكنِ، و أن لَمْ يدْخُلْ فِي رُكنٍ (وَكذَا الرُّكنُ) الْمَنْسِي يأْتِي بِهِ مَا لَمْ يدْخُلْ فِي رُكنٍ آخَرَ،

فَيرْجِعُ إلَي الرُّكوعِ مَا لَمْ يصِرْ سَاجِدًا، وَ إِلَي السُّجُودِ مَا لَمْ يبْلُغْ حَدَّ الرُّكوعِ.

وَ أَمَّا نِسْيانُهُ التَّحْرِيمَةَ إلَي أَنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ، فَإِنَّهُ و أن كانَ مُبْطِلًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يدْخُلْ فِي رُكنٍ إلَّا أَنَّ الْبُطْلَانَ مُسْتَنِدٌ إلَي عَدَمِ انْعِقَادِ الصَّلَاةِ مِنْ حَيثُ فَوَاتُ الْمُقَارَنَةِ بَينَهَا و بين النِّيةِ، و من ثَمَّ جَعَلَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْمُقَارَنَةَ رُكنًا، فَلَا يحْتَاجُ إلَي الِاحْتِرَازِ عَنْهُ لِأَنَّ الْكلَامَ فِي الصَّلَاةِ الصَّحِيحَةِ. (وَيقْضِي) مِنْ الْأَجْزَاءِ الْمَنْسِيةِ الَّتِي فَاتَ مَحَلُّهَا (بَعْدَ) إكمَالِ (الصَّلَاةِ السَّجْدَةُ) الْوَاحِدَةُ (وَالتَّشَهُّدُ) أَجْمَعُ، و منه الصَّلَاةُ عَلَي مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، (وَالصَّلَاةُ عَلَي النَّبِي وَ آلِهِ) لَوْ نَسِيهَا مُنْفَرِدَةً، و مثله مَا لَوْ نَسِي أَحَدَ التَّشَهُّدَينِ فَإِنَّهُ أَوْلَي بِإِطْلَاقِ التَّشَهُّدِ عَلَيهِ، أَمَّا لَوْ نَسِي الصَّلَاةَ عَلَي النَّبِي خَاصَّةً، أَوْ عَلَي آلِهِ خَاصَّةً، فَالْأَجْوَدُ أَنَّهُ لَا يقْضَي، كمَا لَا يقْضَي غَيرُهَا مِنْ أَجْزَاءِ التَّشَهُّدِ عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ، بَلْ أَنْكرَ بَعْضُهُمْ قَضَاءَ الصَّلَاةِ عَلَي النَّبِي وَ آلِهِ لِعَدَمِ النَّصِّ، وَ رَدَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي بِأَنَّ التَّشَهُّدَ يقْضَي بِالنَّصِّ فَكذَا أَبْعَاضُهُ تَسْوِيةً بَينَهُمَا، و فيه نَظَرٌ لِمَنْعِ كلِّيةِ الْكبْرَي وَ بِدُونِهَا لَا يفِيدُ، وَ سَنَدُ الْمَنْعِ أَنَّ الصَّلَاةَ مِمَّا تُقْضَي، وَ لَا يقْضَي أَكثَرُ أَجْزَائِهَا، و غير الصَّلَاةِ مِنْ أَجْزَاءِ التَّشَهُّدِ لَا يقُولُ هُوَ بِقَضَائِهِ، مَعَ وُرُودِ دَلِيلِهِ فِيهِ، نَعَمْ قَضَاءُ أَحَدِ التَّشَهُّدَينِ قَوِي لِصِدْقِ اسْمِ التَّشَهُّدِ عَلَيهِ لَا لِكوْنِهِ جُزْءًا.

إلَّا أَنْ يحْمَلَ التَّشَهُّدُ عَلَي الْمَعْهُودِ، وَ الْمُرَادُ بِقَضَاءِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ الْإِتْيانُ بِهَا بَعْدَهَا مِنْ بَابِ " فَإِذَا قُضِيتْ الصَّلَاةُ " لَا الْقَضَاءُ الْمَعْهُودُ، إلَّا مَعَ خُرُوجِ الْوَقْتِ قَبْلَهُ.

(وَيسْجُدُ لَهُمَا) كذَا فِي النُّسَخِ بِتَثْنِيةِ الضَّمِيرِ جَعْلًا لِلتَّشَهُّدِ وَ الصَّلَاةِ بِمَنْزِلَةِ وَاحِدٍ، لِأَنَّهَا جُزْؤُهُ و لو جَمَعَهُ كانَ أَجْوَدَ (سَجْدَتَي السَّهْوِ).

وَ

الْأَوْلَي تَقْدِيمُ الْأَجْزَاءِ عَلَي السُّجُودِ لَهَا كتَقْدِيمِهَا عَلَيهِ بِسَبَبِ غَيرِهَا و أن تَقَدَّمَ، وَ تَقْدِيمُ سُجُودِهَا عَلَي غَيرِهِ و أن تَقَدَّمَ سَبَبُهُ أَيضًا وَ أَوْجَبَ الْمُصَنِّفُ ذَلِك كلَّهُ فِي الذِّكرَي، لِارْتِبَاطِ الْأَجْزَاءِ بِالصَّلَاةِ، وَ سُجُودِهَا بِهَا.

(وَيجِبَانِ أَيضًا) مُضَافًا إلَي مَا ذَكرَ (لِلتَّكلُّمِ نَاسِيا، وَ لِلتَّسْلِيمِ فِي الْأُولَيينِ نَاسِيا) بَلْ لِلتَّسْلِيمِ فِي غَيرِ مَحَلِّهِ مُطْلَقًا، (وَ) الضَّابِطُ وُجُوبُهُمَا (لِلزِّيادَةِ، أَوْ النَّقِيصَةِ غَيرِ الْمُبْطِلَةِ) لِلصَّلَاةِ، لِرِوَايةِ سُفْيانَ بْنِ السِّمْطِ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ.

وَ يتَنَاوَلُ ذَلِك زِيادَةَ الْمَنْدُوبِ نَاسِيا، وَ نُقْصَانَهُ حَيثُ يكونُ قَدْ عَزَمَ عَلَي فِعْلِهِ كالْقُنُوتِ، وَ الْأَجْوَدُ خُرُوجُ الثَّانِي إذْ لَا يسَمَّي ذَلِك نُقْصَانًا، وَ فِي دُخُولِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ، لِأَنَّ السَّهْوَ لَا يزِيدُ عَلَي الْعَمْدِ.

وَ فِي الدُّرُوسِ أَنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهِمَا لِكلِّ زِيادَةٍ، وَ نُقْصَانٍ لَمْ نَظْفَرْ بِقَائِلِهِ وَ لَا بِمَأْخَذِهِ، وَ الْمَأْخَذُ مَا ذَكرْنَاهُ، و هو مِنْ جُمْلَةِ الْقَائِلِينَ بِهِ، وَ قَبْلَهُ الْفَاضِلُ، وَ قَبْلَهُمَا الصَّدُوقُ.

(وَلِلْقِيامِ فِي مَوْضِعِ قُعُودٍ وَ عَكسِهِ) نَاسِيا، و قد كانَا دَاخِلَينِ فِي الزِّيادَةِ وَ النُّقْصَانِ، و إنّما خَصَّهُمَا تَأْكيدًا، لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ بِوُجُوبِهِ لَهُمَا مَنْ لَمْ يقُلْ بِوُجُوبِهِ لَهُمَا مُطْلَقًا، (وَلِلشَّك بَينَ الْأَرْبَعِ وَ الْخَمْسِ) حَيثُ تَصِحُّ مَعَهُ الصَّلَاةُ، (وَتَجِبُ فِيهِمَا النِّيةُ) الْمُشْتَمِلَةُ عَلَي قَصْدِهِمَا، وَ تَعْيينُ السَّبَبِ إنْ تَعَدَّدَ، وَ إِلَّا فَلَا، وَ اسْتَقْرَبَ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي اعْتِبَارَهُ مُطْلَقًا، وَ فِي غَيرِهَا عَدَمَهُ مُطْلَقًا، وَ اخْتَلَفَ أَيضًا اخْتِيارُهُ فِي اعْتِبَارِ نِيةِ الْأَدَاءِ، أَوْ الْقَضَاءِ فِيهِمَا، و في الوَجْهِ: وَ اعْتِبَارِهِمَا أَوْلَي، وَ النِّيةُ مُقَارِنَةً لِوَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَي مَا يصِحُّ السُّجُودُ عَلَيهِ، أَوْ بَعْدَ الْوَضْعِ عَلَي الْأَقْوَي.

(وَمَا يجِبُ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ) مِنْ الطَّهَارَةِ و غيرهَا مِنْ الشَّرَائِطِ، وَ وَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَي مَا يصِحُّ السُّجُودُ عَلَيهِ، وَ السُّجُودِ عَلَي الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ

و غيرهِمَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ، وَ الذِّكرِ، إلَّا أَنَّهُ هُنَا مَخْصُوصٌ بِمَا رَوَاهُ الْحَلَبِي عَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ (وَذِكرُهُمَا " بِسْمِ اللَّهِ وَ بِاَللَّهِ وَ صَلَّي اللَّهُ عَلَي مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ").

وَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، " و علي آلِ مُحَمَّدٍ "، و في الدُّرُوسِ " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ " (أَوْ " بِسْمِ اللَّهِ وَ بِاَللَّهِ وَ السَّلَامُ عَلَيك أَيهَا النَّبِي وَ رَحْمَةُ اللَّهُ وَ بَرَكاتُهُ ")، أَوْ بِحَذْفِ وَ او الْعَطْفِ مِنْ السَّلَامِ وَ الْجَمِيعُ مَرْوِي مُجْزِئٌ، (ثُمَّ يتَشَهَّدُ) بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مُعْتَدِلًا (وَيسَلِّمُ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَينَ الْأَصْحَابِ، وَ الرِّوَايةُ الصَّحِيحَةُ دَالَّةٌ عَلَيهِ و فيه أَقْوَالٌ أُخَرُ ضَعِيفَةُ الْمُسْتَنَدِ.

(وَالشَّاك فِي عَدَدِ الثُّنَائِيةِ، أَوْ الثُّلَاثِيةِ، أَوْ فِي الْأُولَيينِ مَنْ الرُّبَاعِيةِ أَوْ فِي عَدَدٍ غَيرِ مَحْصُورٍ) بِأَنْ لَمْ يدْرِ كمْ صَلَّي رَكعَةً، (أَوْ قَبْلَ إكمَالِ السَّجْدَتَينِ) الْمُتَحَقِّقِ بِإِتْمَامِ ذِكرِ السَّجْدَةِ الثَّانِيةِ (فِيمَا يتَعَلَّقُ بِالْأُولَيينِ) و أن أَدْخَلَ مَعَهُمَا غَيرَهُمَا، وَ بِهِ يمْتَازُ عَنْ الثَّالِثِ (يعِيدُ) الصَّلَاةَ لَا بِمُجَرَّدِ الشَّك بَلْ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ بِالتَّرَوِّي عِنْدَ عُرُوضِهِ، و لم يحْصُلْ ظَنٌّ بِطَرَفٍ مِنْ مُتَعَلَّقِهِ، وَ إِلَّا بُنِي عَلَيهِ فِي الْجَمِيعِ، وَ كذَا فِي غَيرِهِ مِنْ أَقْسَامِ الشَّك (وَإِنْ أَكمَلَ) الرَّكعَتَينِ (الْأُولَيينِ) بِمَا ذَكرْنَاهُ مِنْ ذِكرِ الثَّانِيةِ، و أن لَمْ يرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْهَا (وَشَك فِي الزَّائِدِ) بَعْدَ التَّرَوِّي.

(فَهُنَا صُوَرٌ خَمْسٌ) تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَي أَوْ أَنَّهَا مَنْصُوصَةٌ، وَ إِلَّا فَصُوَرُ الشَّك أَزِيدُ مِنْ ذَلِك كمَا حَرَّرَهُ فِي رِسَالَةِ الصَّلَاةِ وَ سَيأْتِي أَنَّ الْأُولَي غَيرُ مَنْصُوصَةٍ (الشَّك بَينَ الِاثْنَتَينِ وَ الثَّلَاثِ) بَعْدَ الْإِكمَالِ، (وَالشَّك بَينَ الثَّلَاثِ وَ الْأَرْبَعِ) مُطْلَقًا، (وَيبْنِي عَلَي الْأَكثَرِ فِيهِمَا ثُمَّ يحْتَاطُ) بَعْدَ التَّسْلِيمِ (بِرَكعَتَينِ جَالِسًا، أَوْ رَكعَةٍ قَائِمًا.

وَ الشَّك بَينَ الِاثْنَتَينِ وَ الْأَرْبَعِ

يبْنِي عَلَي الْأَرْبَعِ وَ يحْتَاطُ بِرَكعَتَينِ قَائِمًا، وَ الشَّك بَينَ الِاثْنَينِ وَ الثَّلَاثِ وَ الْأَرْبَعِ يبْنِي عَلَي الْأَرْبَعِ وَ يحْتَاطُ بِرَكعَتَينِ قَائِمًا ثُمَّ بِرَكعَتَينِ جَالِسًا عَلَي الْمَشْهُورِ) وَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عُمَيرٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ، عَاطِفًا لِرَكعَتَي الْجُلُوسِ بِثُمَّ كمَا ذَكرْنَا هُنَا، فَيجِبُ التَّرْتِيبُ بَينَهُمَا.

وَ فِي الدُّرُوسِ جَعَلَهُ أَوْلَي، وَ قِيلَ: يجُوزُ إبْدَالُ الرَّكعَتَينِ جَالِسًا بِرَكعَةٍ قَائِمًا، لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَي الْمُحْتَمَلِ فَوَاتُهُ، و هو حَسَنٌ، (وَ قِيلَ يصَلِّي رَكعَةً قَائِمًا، وَ رَكعَتَينِ جَالِسًا) ذَكرَهُ الصَّدُوقُ (ابْنُ بَابَوَيهِ) وَ أَبُوهُ وَ ابْنُ الْجُنَيدِ (وَهُوَ قَرِيبٌ) مِنْ حَيثُ الِاعْتِبَارُ.

لِأَنَّهُمَا ينْضَمَّانِ حَيثُ تَكونُ الصَّلَاةُ اثْنَتَينِ، وَ يجْتَزِي بِإِحْدَاهُمَا حَيثُ تَكونُ ثَلَاثًا، إلَّا أَنَّ الْأَخْبَارَ تَدْفَعُهُ، (وَالشَّك بَينَ الْأَرْبَعِ وَ الْخَمْسِ، و حكمهُ قَبْلَ الرُّكوعِ كالشَّك بَينَ الثَّلَاثِ وَ الْأَرْبَعِ) فَيهْدِمُ الرَّكعَةَ وَ يتَشَهَّدُ وَ يسَلِّمُ وَ يصِيرُ بِذَلِك شَاكا بَينَ الثَّلَاثِ وَ الْأَرْبَعِ فَيلْزَمُهُ حُكمُهُ، وَ يزِيدُ عَنْهُ سَجْدَتَي السَّهْوِ لِمَا هَدَمَهُ مِنْ الْقِيامِ، وَ صَاحَبَهُ مِنْ الذِّكرِ.

(وَبَعْدَهُ) أَي بَعْدَ الرُّكوعِ سَوَاءٌ كانَ قَدْ سَجَدَ، أَمْ لَا (يجِبُ سَجْدَتَا السَّهْوِ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ.

" بِأَنَّ مَنْ لَمْ يدْرِ أَرْبَعًا صَلَّي، أَمْ خَمْسًا يتَشَهَّدُ وَ يسَلِّمُ وَ يسْجُدُ سَجْدَتَي السَّهْوِ ".

(وَ قِيلَ: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ لَوْ شَك وَ لَمَّا يكمُلْ السُّجُودُ إذَا كانَ قَدْ رَكعَ) لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمَنْصُوصِ، فَإِنَّهُ لَمْ يكمِلْ الرَّكعَةَ حَتَّي يصَدَّقَ عَلَيهِ أَنَّهُ شَك بَينَهُمَا، وَ تَرَدُّدِهِ بَينَ الْمَحْذُورَينِ: الْإِكمَالِ الْمُعَرِّضِ لِلزِّيادَةِ، وَ الْهَدْمِ الْمُعَرِّضِ لِلنُّقْصَانِ (وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ) لِقَوْلِهِمْ عَلَيهِمْ السَّلَامُ: " مَا أَعَادَ الصَّلَاةَ فَقِيهٌ " يحْتَالُ فِيهَا وَ يدْبِرُهَا، حَتَّي لَا يعِيدَهَا وَ لِأَصَالَةِ عَدَمِ الزِّيادَةِ وَ احْتِمَالِهَا لَوْ أَثَّرَ لِأَثَّرَ فِي جَمِيعِ صُوَرِهَا، وَ الْمَحْذُورُ إنَّمَا هُوَ زِيادَةُ الرُّكنِ، لَا الرُّكنِ الْمُحْتَمَلِ زِيادَتُهُ.

مسائل سبع

الاولي: غلب

علي ظنه بعد التروي

(مَسَائِلُ سَبْعٌ) الْأُولَي - (لَوْ غَلَبَ عَلَي ظَنِّهِ) بَعْدَ التَّرَوِّي (أَحَدُ طَرَفَي مَا شَك فِيهِ، أَوْ أَطْرَافِهِ بَنَي عَلَيهِ) أَي عَلَي الطَّرَفِ الَّذِي غَلَبَ عَلَيهِ ظَنُّهُ، وَ الْمُرَادُ أَنَّهُ غَلَبَ ظَنُّهُ عَلَيهِ ثَانِيا، بَعْدَ أَنْ شَك فِيهِ أَوَّلًا، لِأَنَّ الشَّك لَا يجَامِعُ غَلَبَةَ الظَّنِّ، لِمَا عَرَفْتَ مِنْ اقْتِضَاءِ الشَّك تَسَاوِي الطَّرَفَينِ، وَ الظَّنُّ رُجْحَانُ أَحَدِهِمَا.

وَ لَا فَرْقَ فِي الْبِنَاءِ عَلَي الطَّرَفِ الرَّاجِحِ بَينَ الْأُولَيينِ و غيرهِمَا، وَ لَا بَينَ الرُّبَاعِيةِ و غيرهَا، وَ مَعْنَي الْبِنَاءِ عَلَيهِ فَرْضُهُ وَاقِعًا، وَ الْتِزَامُ حُكمِهِ مِنْ صِحَّةٍ وَ بُطْلَانٍ، وَ زِيادَةٍ وَ نُقْصَانٍ، فَإِنْ كانَ فِي الْأَفْعَالِ وَ غَلَبَ الْفِعْلُ بَنَي عَلَي و ُقُوعِهِ، أَوْ عَدَمُهُ فَعَلَهُ إنْ كانَ فِي مَحَلِّهِ، وَ فِي عَدَدِ الرَّكعَاتِ يجْعَلُ الْوَاقِعُ مَا ظَنَّهُ مِنْ غَيرِ احْتِياطٍ.

فَإِنْ غَلَّبَ الْأَقَلَّ بَنَي عَلَيهِ وَ أَكمَلَ، و أن غَلَّبَ الْأَكثَرَ مِنْ غَيرِ زِيادَةٍ فِي عَدَدِ الصَّلَاةِ كالْأَرْبَعِ تَشَهَّدَ وَ سَلَّمَ، و أن كانَ زِيادَةً كمَا لَوْ غَلَّبَ ظَنَّهُ عَلَي الْخَمْسِ صَارَ كأَنَّهُ زَادَ رَكعَةً آخِرَ الصَّلَاةِ، فَتَبْطُلُ إنْ لَمْ يكنْ جَلَسَ عَقِيبَ الرَّابِعَةِ بِقَدْرِ التَّشَهُّدِ وَ هَكذَا.

(وَلَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ الِاحْتِياطِ، أَوْ الْأَجْزَاءِ الْمَنْسِيةِ) الَّتِي تَتَلَافَي بَعْدَ الصَّلَاةِ (تَطَهَّرَ وَ أَتَي بِهَا) مِنْ غَيرِ أَنْ تَبْطُلَ الصَّلَاةُ (عَلَي الْأَقْوَي) لِأَنَّهُ صَلَاةٌ مُنْفَرِدَةٌ، و من ثَمَّ وَجَبَ فِيهَا النِّيةُ وَ التَّحْرِيمَةُ وَ الْفَاتِحَةُ، وَ لَا صَلَاةَ إلَّا بِهَا وَ كوْنُهَا جَبْرًا لِمَا يحْتَمَلُ نَقْصُهُ مِنْ الْفَرِيضَةِ و من ثَمَّ وَجَبَتْ الْمُطَابَقَةُ بَينَهُمَا لَا يقْتَضِي الْجُزْئِيةَ، بَلْ يحْتَمَلُ ذَلِك، وَ الْبَدَلِيةُ إذْ لَا يقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ مِنْ كلِّ وَجْهٍ، وَ لِأَصَالَةِ الصِّحَّةِ.

وَ عَلَيهِ الْمُصَنِّفُ فِي مُخْتَصَرَاتِهِ، وَ اسْتَضْعَفَهُ فِي الذِّكرَي، بِنَاءً عَلَي أَنَّ شَرْعِيتَهُ لِيكونَ اسْتِدْرَاكا لِلْفَائِتِ مِنْهَا.

فَهُوَ

عَلَي تَقْدِيرِ وُجُوبِهِ جُزْءٌ، فَيكونُ الْحَدَثُ وَاقِعًا فِي الصَّلَاةِ، وَ لِدَلَالَةِ ظَاهِرِ الْأَخْبَارِ عَلَيهِ.

وَ قَدْ عَرَفْتَ دَلَالَةَ الْبَدَلِيةِ، وَ الْأَخْبَارُ إنَّمَا دَلَّتْ عَلَي الْفَوْرِيةِ وَ لَا نِزَاعَ فِيهَا، و إنّما الْكلَامُ فِي أَنَّهُ بِمُخَالَفَتِهَا هَلْ يأْثَمُ خَاصَّةً - كمَا هُوَ مُقْتَضَي كلِّ وَاجِبٍ - أَمْ يبْطِلُهَا.

وَ أَمَّا الْأَجْزَاءُ الْمَنْسِيةُ فَقَدْ خَرَجَتْ عَنْ كوْنِهَا جُزْءًا مَحْضًا، وَ تَلَاقِيهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فِعْلٌ آخَرُ.

وَ لَوْ بَقِيتْ عَلَي مَحْضِ الْجُزْئِيةِ كمَا كانَتْ لَبَطَلَتْ بِتَخَلُّلِ الْأَرْكانِ بَينَ مَحَلِّهَا وَ تَلَافِيهَا.

(وَلَوْ ذَكر مَا فَعَلَ فَلَا إعَادَةَ إلَّا أَنْ يكونَ قَدْ أَحْدَثَ) أَي دَبْرَ نُقْصَانِ الصَّلَاةِ بِحَيثُ يحْتَاجُ إلَي إكمَالِهَا بِمِثْلِ مَا فَعَلَ صَحَّتْ الصَّلَاةُ و كان الِاحْتِياطُ مُتَمِّمًا لَهَا و أن اشْتَمَلَ عَلَي زِيادَةِ الْأَرْكانِ مِنْ النِّيةِ، وَ التَّكبِيرِ، وَ نُقْصَانِ بَعْضٍ كالْقِيامِ لَوْ احْتَاطَ جَالِسًا، وَ زِيادَةِ الرُّكوعِ، وَ السُّجُودِ فِي الرَّكعَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ لِلِامْتِثَالِ الْمُقْتَضِي لِلْإِجْزَاءِ، و لو اُعْتُبِرَتْ الْمُطَابَقَةُ مَحْضًا لَمْ يسْلَمْ احْتِياطٌ ذَكرَ فَاعِلُهُ الْحَاجَةَ إلَيهِ، لِتَحَقُّقِ الزِّيادَةِ و أن لَمْ تَحْصُلْ الْمُخَالَفَةُ، وَ يشْمَلُ ذَلِك مَا لَوْ أَوْجَبَ الشَّك احْتِياطَينِ، و هو ظَاهِرٌ مَعَ الْمُطَابَقَةِ، كمَا لَوْ تَذَكرَ أَنَّهَا اثْنَتَانِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ رَكعَتَي الْقِيامِ، و لو ذَكرَ أَنَّهَا ثَلَاثٌ اُحْتُمِلَ كوْنُهُ كذَلِك، و هو ظَاهِرُ الْفَتْوَي لِمَا ذُكرَ.

وَ إِلْحَاقُهُ بِمَنْ زَادَ رَكعَةً آخِرَ الصَّلَاةِ سَهْوًا، وَ كذَا لَوْ ظَهَرَ الْأَوَّلُ بَعْدَ تَقْدِيمِ صَلَاةِ الْجُلُوسِ، أَوْ الرَّكعَةِ قَائِمًا إنْ جَوَّزْنَاهُ وَ لَعَلَّهُ السِّرُّ فِي تَقْدِيمِ رَكعَتَي الْقِيامِ.

وَ عَلَي مَا اخْتَرْنَاهُ لَا تَظْهَرُ الْمُخَالَفَةُ إلَّا فِي الْفَرْضِ الْأَوَّلِ مِنْ فُرُوضِهَا، وَ أَمْرُهُ سَهْلٌ مَعَ إطْلَاقِ النَّصِّ، وَ تَحَقُّقِ الِامْتِثَالِ الْمُوجِبِ لِلْإِجْزَاءِ وَ كيفَ كانَ فَهُوَ أَسْهَلُ مِنْ قِيامِ رَكعَتَينِ مِنْ جُلُوسٍ مَقَامَ رَكعَةٍ مِنْ قِيامٍ إذَا ظَهَرَتْ الْحَاجَةُ

إلَيهِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ.

هَذَا إذَا ذُكرَ بَعْدَ تَمَامِهِ، و لو كانَ فِي أَثْنَائِهِ فَكذَلِك مَعَ الْمُطَابَقَةِ أَوْ لَمْ يتَجَاوَزْ الْقَدْرَ الْمُطَابَقَ فَلْيسَلِّمْ عَلَيهِ.

وَ يشْكلْ مَعَ الْمُخَالَفَةِ - خُصُوصًا مَعَ الْجُلُوسِ - إذَا كانَ قَدْ رَكعَ لِلْأُولَي، لِاخْتِلَالِ نَظْمِ الصَّلَاةِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَيكمِلُ الرَّكعَةَ قَائِمًا، وَ يغْتَفَرُ مَا زَادَهُ مِنْ النِّيةِ، وَ التَّحْرِيمَةُ كالسَّابِقِ وَ ظَاهِرُ الْفَتْوَي اغْتِفَارُ الْجَمِيعِ.

أَمَّا لَوْ كانَ قَدْ أَحْدَثَ أَعَادَ لِظُهُورِهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، مَعَ احْتِمَالِ الصِّحَّةِ، و لو ذَكرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ تَمَامَ الصَّلَاةِ فَأَوْلَي بِالصِّحَّةِ، و لكن الْعِبَارَةَ لَا تَتَنَاوَلُهُ، و أن دَخَلَ فِي ذِكرِ مَا فَعَلَ إلَّا أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْحَدَثِ ينَافِيهِ، إذْ لَا فَرْقَ فِي الصِّحَّةِ بَينَ الْحَالَينِ و لو ذَكرَ التَّمَامَ فِي الْأَثْنَاءِ تَخَيرَ بَينَ قَطْعِهِ وَ إِتْمَامِهِ و هو الْأَفْضَلُ.

الثاني: الشك بين الاثنين و الاربع

(الثَّانِيةُ - حَكمَ الصَّدُوقُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَابَوَيهِ بِالْبُطْلَانِ) أَي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ (فِي) صُورَةِ (الشَّك بَينَ الِاثْنَتَينِ وَ الْأَرْبَعِ) اسْتِنَادًا إلَي مَقْطُوعَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ الرَّجُلِ لَا يدْرِي أَصَلَّي رَكعَتَينِ أَمْ أَرْبَعًا؟ قَالَ: يعِيدُ الصَّلَاةَ، (وَالرِّوَايةُ مَجْهُولَةُ الْمَسْئُولِ) فَيحْتَمَلُ كوْنُهُ غَيرَ إمَامٍ، مَعَ مُعَارَضَتِهَا بِصَحِيحَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ فِيمَنْ لَا يدْرِي أَرَكعَتَانِ صَلَاتُهُ، أَمْ أَرْبَعٌ؟ قَالَ: يسَلِّمُ وَ يصَلِّي رَكعَتَينِ بِفَاتِحَةِ الْكتَابِ، وَ يتَشَهَّدُ وَ ينْصَرِفُ، وَ فِي مَعْنَاهَا غَيرُهَا، وَ يمْكنُ حَمْلُ الْمَقْطُوعَةِ عَلَي مَنْ شَك قَبْلَ إكمَالِ السُّجُودِ، أَوْ عَلَي الشَّك فِي غَيرِ الرُّبَاعِيةِ.

الثالث: الشك في المغرب بين الاثنين و الثلاث

(الثَّالِثَةُ - أَوْجَبَ) الصَّدُوقُ (أَيضًا الِاحْتِياطَ بِرَكعَتَينِ جَالِسًا لَوْ شَك فِي الْمَغْرِبِ بَينَ الِاثْنَتَينِ وَ الثَّلَاثِ، وَ ذَهَبَ وَ هْمُهُ) أَي ظَنُّهُ (إلَي الثَّالِثَةِ عَمَلًا بِرِوَايةِ عَمَّارِ) بْنِ مُوسَي (السَّابَاطِي عَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ

وَ هُوَ) أَي عَمَّارٌ (فَطْحِي) الْمَذْهَبِ مَنْسُوبٌ إلَي الْفَطْحِيةِ وَ هُمْ الْقَائِلُونَ بِإِمَامَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ الْأَفْطَحِ فَلَا يعْتَدُّ بِرِوَايتِهِ، مَعَ كوْنِهَا شَاذَّةً، وَ الْقَوْلُ بِهَا نَادِرٌ، وَ الْحُكمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ مَعَ ظَنِّ أَحَدِ الطَّرَفَينِ يبْنِي عَلَيهِ مِنْ غَيرِ أَنْ يلْزَمُهُ شَيءٌ.

(وَأَوْجَبَ) الصَّدُوقُ (أَيضًا رَكعَتَينِ جُلُوسًا لِلشَّاك بَينَ الْأَرْبَعِ وَ الْخَمْسِ، وَ هُوَ) قَوْلٌ (مَتْرُوك)، و إنّما الْحَقُّ فِيهِ مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ، مِنْ غَيرِ احْتِياطٍ، وَ لِأَنَّ الِاحْتِياطَ جَبْرٌ لِمَا يحْتَمَلُ نَقْصُهُ، و هو هُنَا مَنْفِي قَطْعًا.

وَ رُبَّمَا حُمِلَ عَلَي الشَّك فِيهِمَا قَبْلَ الرُّكوعِ، فَإِنَّهُ يوجِبُ الِاحْتِياطَ بِهِمَا كمَا مَرَّ

الرابع: الشك بَينَ الثَّلَاثِ وَ الْأَرْبَعِ

(الرَّابِعَةُ - خَيرَ ابْنُ الْجُنَيدِ) رَحِمَهُ اللَّهُ (الشَّاك بَينَ الثَّلَاثِ وَ الْأَرْبَعِ بَينَ الْبِنَاءِ عَلَي الْأَقَلِّ وَ لَا احْتِياطَ، أَوْ عَلَي الْأَكثَرِ وَ يحْتَاطُ بِرَكعَةٍ) قَائِمًا (أَوْ رَكعَتَينِ) جَالِسًا (وَهُوَ خِيرَةُ الصَّدُوقِ ابْنِ بَابَوَيهِ)، جَمْعًا بَينَ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَي الِاحْتِياطِ الْمَذْكورِ، وَ رِوَايةُ سَهْلِ بْنِ الْيسَعَ عَنْ الرِّضَا عَلَيهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: " يبْنِي عَلَي يقِينِهِ، وَ يسْجُدُ لِلسَّهْوِ " بِحَمْلِهَا عَلَي التَّخْييرِ، وَ لِتَسَاوِيهِمَا فِي تَحْصِيلِ الْغَرَضِ مِنْ فِعْلِ مَا يحْتَمَلُ فَوَاتُهُ، وَ لِأَصَالَةِ عَدَمِ فِعْلِهِ، فَيتَخَيرُ بَينَ فِعْلِهِ وَ بَدَلِهِ.

(وَتَرُدُّهُ) أَي هَذَا الْقَوْلَ (الرِّوَاياتُ الْمَشْهُورَةُ) الدَّالَّةُ عَلَي الْبِنَاءِ عَلَي الْأَكثَرِ، إمَّا مُطْلَقًا كرِوَايةِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيهِ السَّلَامُ قَالَ: " إذَا سَهَوْتَ فَابْنِ عَلَي الْأَكثَرِ، فَإِذَا فَرَغْتَ وَ سَلَّمْتَ فَقُمْ فَصَلِّ مَا ظَنَنْتَ أَنَّك نَقَصْتَ، فَإِنْ كنْتَ أَتْمَمْتَ لَمْ يكنْ عَلَيك شَيءٌ، و أن ذَكرْتَ أَنَّك كنْتَ نَقَصْتَ كانَ مَا صَلَّيتَ تَمَامَ مَا نَقَصْتَ "، و غيرهَا.

وَ إِمَّا به خصوص الْمَسْأَلَةِ كرِوَايةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سِيابَةَ، وَ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْهُ عَلَيهِ السَّلَامُ: "

إذَا لَمْ تَدْرِ ثَلَاثًا صَلَّيتَ، أَوْ أَرْبَعًا، وَ وَقَعَ رَأْيك عَلَي الثَّلَاثِ فَابْنِ عَلَي الثَّلَاثِ و أن وَقَعَ رَأْيك عَلَي الْأَرْبَعِ فَسَلِّمْ وَ انْصَرِفْ، و أن اعْتَدَلَ وَ هْمُك فَانْصَرِفْ وَ صَلِّ رَكعَتَينِ وَ أَنْتَ جَالِسٌ "، وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ عَنْهُ عَلَيهِ السَّلَامُ: " هُوَ بِالْخِيارِ إنْ شَاءَ صَلَّي رَكعَةً قَائِمًا، أَوْ رَكعَتَينِ جَالِسًا " وَ رِوَايةُ ابْنِ الْيسَعِ مُطْرَحَةٌ لِمُوَافَقَتِهَا لِمَذْهَبِ الْعَامَّةِ، أَوْ مَحْمُولَةٌ عَلَي غَلَبَةِ الظَّنِّ بِالنَّقِيصَةِ.

الخامس: الشَّك بَينَ الِاثْنَتَينِ وَ الثَّلَاثِ

(الْخَامِسَةُ - قَالَ عَلِي بْنُ بَابَوَيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الشَّك بَينَ الِاثْنَتَينِ وَ الثَّلَاثِ: إنْ ذَهَبَ الْوَهْمُ) و هو الظَّنُّ (إلَي الثَّالِثَةِ أَتَمَّهَا رَابِعَةً ثُمَّ احْتَاطَ بِرَكعَةٍ، و أن ذَهَبَ الْوَهْمُ إلَي الِاثْنَتَينِ بَنَي عَلَيهِ وَ تَشَهَّدَ فِي كلِّ رَكعَةٍ تَبْقَي عَلَيهِ) أَي بَعْدَهَا، أَمَّا عَلَي الثَّانِيةِ فَظَاهِرٌ، و أمّا عَلَي الثَّالِثَةِ فَلِجَوَازِ أَنْ تَكونَ رَابِعَةً، بِأَنْ تَكونَ صَلَاتُهُ عِنْدَ شَكهِ ثَلَاثًا، و علي الرَّابِعَةِ ظَاهِرٌ، (وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، و أن اعْتَدَلَ الْوَهْمُ تَخَيرَ بَينَ الْبِنَاءِ عَلَي الْأَقَلِّ وَ التَّشَهُّدِ فِي كلِّ رَكعَةٍ، و بين الْبِنَاءِ عَلَي الْأَكثَرِ وَ الِاحْتِياطِ).

وَ هَذَا الْقَوْلَ مَعَ نُدُورِهِ لَمْ نَقِفْ عَلَي مُسْتَنِدِهِ (وَالشُّهْرَةُ) بَينَ الْأَصْحَابِ فِي أَنَّ حُكمَ هَذَا الشَّاك مَعَ اعْتِدَالِ وَهْمِهِ الْبِنَاءُ عَلَي الْأَكثَرِ، وَ الِاحْتِياطُ الْمَذْكورُ (تَدْفَعُهُ).

وَ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا نَصَّ مِنْ الْجَانِبَينِ عَلَي الْخُصُوصِ، وَ الْعُمُومُ يدُلُّ عَلَي الْمَشْهُورِ، وَ الشَّك بَينَ الثَّلَاثِ وَ الْأَرْبَعِ مَنْصُوصٌ و هو ينَاسِبُهُ.

وَ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مَعَ السَّابِعَةِ، خَارِجَةٌ عَنْ مَوْضُوعِ الْكتَابِ، لِالْتِزَامِهِ فِيهِ أَنْ لَا يذْكرَ إلَّا الْمَشْهُورَ بَينَ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّهَا مِنْ شَوَاذِّ الْأَقْوَالِ، وَلَكنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا قَالَ.

السَّادِسَُ - لَا حُكمَ لِلسَّهْوِ مَعَ الْكثْرَةِ

(السَّادِسَةُ - لَا حُكمَ لِلسَّهْوِ مَعَ الْكثْرَةِ) لِلنَّصِّ الصَّحِيحِ الدَّالِ عَلَيهِ

مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يلْتَفِتْ تَرَكهُ الشَّيطَانُ فَإِنَّمَا يرِيدُ أَنْ يطَاعَ فَإِذَا عُصِي لَمْ يعُدْ.

وَ الْمَرْجِعُ فِي الْكثْرَةِ إلَي الْعُرْفِ و هي تَحْصُلُ بِالتَّوَالِي ثَلَاثًا و أن كانَ فِي فَرَائِضَ.

وَ الْمُرَادُ بِالسَّهْوِ مَا يشْمَلُ الشَّك، فَإِنَّ كلًّا مِنْهُمَا يطْلَقُ عَلَي الْآخَرِ، اسْتِعْمَالًا شَرْعِيا، أَوْ تَجَوُّزًا لِتَقَارُبِ الْمَعْنَيينِ، وَ مَعْنَي عَدَمِ الْحُكمِ مَعَهَا عَدَمُ الِالْتِفَاتِ إلَي مَا شَك فِيهِ مِنْ فِعْلٍ، أَوْ رَكعَةٍ، بَلْ يبْنِي عَلَي وُقُوعِهِ و أن كانَ فِي مَحَلِّهِ حَتَّي لَوْ فَعَلَهُ بَطَلَتْ.

نَعَمْ لَوْ كانَ الْمَتْرُوك رُكنًا لَمْ تُؤَثِّرْ الْكثْرَةُ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ، كمَا أَنَّهُ لَوْ ذَكرَ تَرْك الْفِعْلِ فِي مَحَلِّهِ، اسْتَدْرَكهُ وَ يبْنِي عَلَي الْأَكثَرِ فِي الرَّكعَاتِ مَا لَمْ يسْتَلْزِمْ الزِّيادَةَ عَلَي الْمَطْلُوبِ مِنْهَا فَيبْنِي عَلَي الْمُصَحَّحِ، وَ سُقُوطِ سُجُودِ السَّهْوِ لَوْ فَعَلَ مَا يوجِبُهُ بَعْدَهَا، أَوْ تَرَك و أن وَجَبَ تَلَافِي الْمَتْرُوك بَعْدَ الصَّلَاةِ تَلَافِيا مِنْ غَيرِ سُجُودٍ.

وَ يتَحَقَّقُ الْكثْرَةُ فِي الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ بِتَخَلُّلِ الذِّكرِ، لَا بِالسَّهْوِ عَنْ أَفْعَالٍ مُتَعَدِّدَةٍ مَعَ اسْتِمْرَارِ الْغَفْلَةِ، وَ مَتَي ثَبَتَتْ بِالثَّلَاثِ سَقَطَ الْحُكمُ فِي الرَّابِعِ، وَ يسْتَمِرُّ إلَي أَنْ تَخْلُوَ مِنْ السَّهْوِ وَ الشَّك فَرَائِضُ يتَحَقَّقُ فِيهَا الْوَصْفُ، فَيتَعَلَّقُ بِهِ حُكمُ السَّهْوِ الطَّارِئِ و هكذا (وَلَا لِلسَّهْوِ فِي السَّهْوِ) أَي فِي مُوجِبِهِ مَنْ صَلَاةٍ، وَ سُجُودٍ، كنِسْيانِ ذِكرٍ، أَوْ قِرَاءَةٍ، فَإِنَّهُ لَا سُجُودَ عَلَيهِ نَعَمْ لَوْ كانَ مِمَّا يتَلَافَي تَلَافَاهُ مِنْ غَيرِ سُجُودٍ.

وَ يمْكنُ أَنْ يرِيدَ بِالسَّهْوِ فِي كلٍّ مِنْهُمَا الشَّك، أَوْ مَا يشْمَلُهُ عَلَي وَجْهِ الِاشْتِرَاك، و لو بَينَ حَقِيقَةِ الشَّيءِ وَ مَجَازِهِ، فَإِنَّ حُكمَهُ هُنَا صَحِيحٌ، فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ بِهِ الشَّك فِي مُوجِبِ السَّهْوِ مِنْ فِعْلٍ، أَوْ عَدَدٍ، كرَكعَتَي الِاحْتِياطِ فَإِنَّهُ يبْنَي عَلَي وُقُوعِهِ، إلَّا أَنْ يسْتَلْزِمَ الزِّيادَةَ كمَا مَرَّ، أَوْ

فِي الثَّانِي فَالْمُرَادُ بِهِ مُوجِبُ الشَّك كمَا مَرَّ، و أن اُسْتُعْمِلَ فِيهِمَا فَالْمُرَادُ بِهِ الشَّك فِي مُوجِبِ الشَّك، و قد ذُكرَ أَيضًا، أَوْ الشَّك فِي حُصُولِهِ، و علي كلِّ حَالٍ لَا الْتِفَاتَ، و أن كانَ إطْلَاقُ اللَّفْظِ عَلَي جَمِيعِ ذَلِك يحْتَاجُ إلَي تَكلُّفٍ، (وَلَا لِسَهْوِ الْإِمَامِ) أَي شَكهِ و هو قَرِينَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ (مَعَ حِفْظِ الْمَأْمُومِ وَ بِالْعَكسِ) فَإِنَّ الشَّاك مِنْ كلٍّ مِنْهُمَا يرْجِعُ إلَي حِفْظِ الْآخَرِ و لو بِالظَّنِّ، وَ كذَا يرْجِعُ الظَّانُّ إلَي الْمُتَيقِّنِ، و لو اتَّفَقَا عَلَي الظَّنِّ وَ اخْتَلَفَ مَحَلُّهُ تَعَينَ الِانْفِرَادُ.

وَ يكفِي فِي رُجُوعِهِ تَنْبِيهُهُ بِتَسْبِيحٍ، وَ نَحْوِهِ وَ لَا يشْتَرَطُ عَدَالَةُ الْمَأْمُومِ، وَ لَا يتَعَدَّي إلَي غَيرِهِ و أن كانَ عَدْلًا نَعَمْ لَوْ أَفَادَهُ الظَّنُّ رَجَعَ إلَيهِ لِذَلِك، لَا لِكوْنِهِ مُخْبَرًا.

وَ لَوْ اشْتَرَكا فِي الشَّك وَ اتَّحَدَا لَزِمَهُمَا حُكمُهُ و أن اخْتَلَفَا رَجَعَا إلَي مَا اتَّفَقَا عَلَيهِ، وَ تَرَكا مَا انْفَرَدَ كلٌّ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يجْمَعْهُمَا رَابِطَةٌ تَعَينَ الِانْفِرَادُ، كمَا لَوْ شَك أَحَدُهُمَا بَينَ الِاثْنَينِ وَ الثَّلَاثِ، وَ الْآخَرُ بَينَ الْأَرْبَعِ وَ الْخَمْسِ.

وَ لَوْ تَعَدَّدَ الْمَأْمُومُونَ وَ اخْتَلَفُوا مَعَ الْإِمَامِ، فَالْحُكمُ كالْأَوَّلِ فِي رُجُوعِ الْجَمِيعِ إلَي الرَّابِطَةِ، وَ الِانْفِرَادِ بِدُونِهَا، و لو اشْتَرَك بَينَ الْإِمَامِ وَ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ رَجَعَ الْإِمَامُ إلَي الذَّاكرِ مِنْهُمْ و أن اتَّحَدَا، وَ بَاقِي الْمَأْمُومِينَ إلَي الْإِمَامِ، و لو اُسْتُعْمِلَ السَّهْوُ فِي مَعْنَاهُ أَمْكنَ فِي الْعَكسِ لَا الطَّرْدِ.

بِنَاءً عَلَي مَا اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي، مِنْ أَنَّهُ لَا حُكمَ لِسَهْوِ الْمَأْمُومِ مَعَ سَلَامَةِ الْإِمَامِ عَنْهُ، فَلَا يجِبُ عَلَيهِ سُجُودُ السَّهْوِ لَوْ فَعَلَ مَا يوجِبُهُ لَوْ كانَ مُنْفَرِدًا.

نَعَمْ لَوْ تَرَك مَا يتَلَافَي مَعَ السُّجُودِ سَقَطَ السُّجُودُ خَاصَّةً و لو كانَ السَّاهِي الْإِمَامَ فَلَا رَيبَ فِي

الْوُجُوبِ عَلَيهِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْمَأْمُومِ لَهُ و أن كانَ أَحْوَطَ.

السابع: سَجْدَتَي السَّهْوِ عَلَي مَنْ شَك بَينَ الثَّلَاثِ وَ الْأَرْبَعِ

(السَّابِعَةُ - أَوْجَبَ ابْنَا بَابَوَيهِ) عَلِي وَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ الصَّدُوقَانِ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ سَجْدَتَي السَّهْوِ عَلَي مَنْ شَك بَينَ الثَّلَاثِ وَ الْأَرْبَعِ وَ ظَنَّ الْأَكثَرَ) وَ لَا نَصَّ عَلَيهِمَا فِي هَذَا الشَّك بِخُصُوصِهِ، وَ أَخْبَارُ الِاحْتِياطِ خَالِيةٌ مِنْهُمَا، وَ الْأَصْلُ يقْتَضِي الْعَدَمَ، (وَفِي رِوَايةِ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ: " إذَا ذَهَبَ وَهْمُك إلَي التَّمَامِ أَبَدًا فِي كلِّ صَلَاةٍ فَاسْجُدْ سَجْدَتَي السَّهْوِ)، فَتَصْلُحُ دَلِيلًا لَهُمَا، لِتَضَمُّنِهِمَا مَطْلُوبَهُمَا، (وَحُمِلَتْ هَذِهِ) الرِّوَايةُ (عَلَي النَّدْبِ).

وَ فِيهِ نَظَرٌ.

لِأَنَّ الْأَمْرَ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ، و غيرهَا مِنْ الْأَخْبَارِ لَمْ يتَعَرَّضْ لِنَفْي السُّجُودِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَينَهُمَا إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَي زِيادَةٍ، مَعَ أَنَّهَا غَيرُ مُنَافِيةٍ لِجَبْرِ الصَّلَاةِ، لِاحْتِمَالِ النَّقْصِ، فَإِنَّ الظَّنَّ بِالتَّمَامِ لَا يمْنَعُ النَّقْصَ بِخِلَافِ ظَنِّ النُّقْصَانِ فَإِنَّ الْحُكمَ بِالْإِكمَالِ جَائِزٌ نَعَمْ يمْكنُ رَدُّهَا مِنْ حَيثُ السَّنَدُ.

الفصل الثامن: في القضاء

الفصل الثامن: في القضاء

يجِبُ قَضَاءُ الْفَرَائِضِ الْيوْمِيةِ مَعَ الْفَوَاتِ

(الْفَصْلُ الثَّامِنُ - فِي الْقَضَاءِ) (يجِبُ قَضَاءُ الْفَرَائِضِ الْيوْمِيةِ مَعَ الْفَوَاتِ، حَالَ الْبُلُوغِ، وَ الْعَقْلِ وَ الْخُلُوِّ عَنْ الْحَيضِ، وَ النِّفَاسِ، وَ الْكفْرِ الْأَصْلِي) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْعَارِضِي بِالِارْتِدَادِ فَإِنَّهُ لَا يسْقِطُهُ كمَا سَيأْتِي، وَ خَرَجَ بِالْعَقْلِ الْمَجْنُونُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيهِ، إلَّا أَنْ يكونَ سَبَبُهُ بِفِعْلِهِ كالسَّكرَانِ مَعَ الْقَصْدِ وَ الِاخْتِيارِ، وَ عَدَمِ الْحَاجَةِ.

وَ رُبَّمَا دَخَلَ فِيهِ الْمُغْمَي عَلَيهِ فَإِنَّ الْأَشْهَرَ عَدَمُ الْقَضَاءِ عَلَيهِ، و أن كانَ يتَنَاوَلُ الْغِذَاءَ الْمُؤَدِّي إلَيهِ، مَعَ الْجَهْلِ بِحَالِهِ، أَوْ الْإِكرَاهِ عَلَيهِ، أَوْ الْحَاجَةِ إلَيهِ كمَا قَيدَهُ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي، بِخِلَافِ الْحَائِضِ، وَ النُّفَسَاءِ، فَإِنَّهُمَا لَا تَقْضِيانِ مُطْلَقًا، و أن كانَ السَّبَبُ مِنْ قَبْلِهِمَا.

وَ الْفَرْقُ أَنَّهُ فِيهِمَا عَزِيمَةٌ، وَ

فِي غَيرِهِمَا رُخْصَةٌ، و هي لَا تُنَاطُ بِالْمَعْصِيةِ.

وَ الْمُرَادُ بِالْكفْرِ الْأَصْلِي هُنَا مَا خَرَجَ عَنْ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ، فَالْمُسْلِمُ يقْضِي مَا تَرَكهُ و أن حُكمَ بِكفْرِهِ كالنَّاصِبِي و أن اسْتَبْصَرَ، وَ كذَا مَا صَلَّاهُ فَاسِدًا عِنْدَهُ.

التَّرْتِيبُ بِحَسَبِ الْفَوَاتِ

(وَيرَاعَي فِيهِ) أَي فِي الْقَضَاءِ (التَّرْتِيبُ بِحَسَبِ الْفَوَاتِ) فَيقَدَّمُ الْأَوَّلُ مِنْهُ، فَالْأَوَّلُ مَعَ الْعِلْمِ.

هَذَا فِي الْيوْمِيةِ، أَمَّا غَيرُهَا فَفِي تَرَتُّبِهِ، فِي نَفْسِهِ و علي الْيوْمِيةِ، و هي عَلَيهِ قَوْلَانِ، وَ مَالَ فِي الذِّكرَي إلَي التَّرْتِيبِ وَ اسْتَقْرَبَ فِي الْبَيانِ عَدَمَهُ و هو أَقْرَبُ (وَلَا يجِبُ التَّرْتِيبُ بَينَهُ، و بين الْحَاضِرَةِ) فَيجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَيهِ مَعَ سِعَةِ وَقْتِهَا و أن كانَ الْفَائِتُ مُتَّحِدًا، أَوْ لِيوْمِيةٍ عَلَي الْأَقْوَي.

(نَعَمْ يسْتَحَبُّ) تَرْتِيبُهَا عَلَيهِ مَا دَامَ وَقْتُهَا وَاسِعًا جَمْعًا بَينَ الْأَخْبَارِ الَّتِي دَلَّ بَعْضُهَا عَلَي الْمُضَايقَةِ، وَ بَعْضُهَا عَلَي غَيرِهَا، بِحَمْلِ الْأُولَي عَلَي الِاسْتِحْبَابِ.

وَ مَتَي تَضَيقَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ قُدِّمَتْ إجْمَاعًا، وَ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَهَا بِالْأَصَالَةِ (وَلَوْ جَهِلَ التَّرْتِيبَ سَقَطَ) فِي الْأَجْوَدِ لِأَنَّ النَّاسَ فِي سَعَةٍ مِمَّا لَمْ يعْلَمُوا، وَ لِاسْتِلْزَامِ فِعْلِهِ بِتَكرِيرِ الْفَرَائِضِ عَلَي وَجْهٍ يحَصِّلُهُ الْحَرَجُ وَ الْعُسْرُ الْمَنْفِيينِ فِي كثِيرٍ مِنْ مَوَارِدِهِ، وَ سُهُولَتُهُ فِي بَعْضٍ يسْتَلْزِمُ إيجَابُهُ فِيهِ إحْدَاثَ قَوْلٍ ثَالِثٍ.

وَ لِلْمُصَنِّفِ قَوْلٌ ثَانٍ، و هو تَقْدِيمُ مَا ظَنَّ سَبْقَهُ، ثُمَّ السُّقُوطُ، اخْتَارَهُ فِي الذِّكرَي، وَ ثَالِثٌ و هو الْعَمَلُ بِالظَّنِّ، أَوْ الْوَهْمِ، فَإِنْ انْتَفَيا سَقَطَ، اخْتَارَهُ فِي الدُّرُوسِ.

وَ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ رَابِعٌ، و هو وُجُوبُ تَكرِيرِ الْفَرَائِضِ حَتَّي يحَصِّلَهُ.

فَيصَلِّي مَنْ فَاتَهُ الظُّهْرَانِ مَنْ يوْمَينِ ظُهْرًا بَينَ الْعَصْرَينِ، أَوْ بِالْعَكسِ، لِحُصُولِ التَّرْتِيبِ بَينَهُمَا عَلَي تَقْدِيرِ سَبْقِ كلِّ وَاحِدَةٍ.

وَ لَوْ جَامَعَهُمَا مَغْرِبٌ مِنْ ثَالِثٍ صَلَّي الثَّلَاثَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَ بَعْدَهَا، أَوْ عِشَاءً مَعَهَا فَعَلَ السَّبْعَ قَبْلَهَا وَ بَعْدَهَا، أَوْ صُبْحٌ مَعَهَا فَعَلَ الْخَمْسَ

عَشْرَةَ قَبْلَهَا وَ بَعْدَهَا، وَ هَكذَا.

وَ الضَّابِطُ تَكرِيرُهَا عَلَي وَجْهٍ يحْصُلُ التَّرْتِيبُ عَلَي جَمِيعِ الِاحْتِمَالَاتِ، و هي اثْنَانِ فِي الْأَوَّلِ، وَ سِتَّةٌ فِي الثَّانِي، وَ أَرْبَعَةٌ وَ عِشْرُونَ فِي الثَّالِثِ وَ مِائَةٌ وَ عِشْرُونَ فِي الرَّابِعِ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ مَا اجْتَمَعَ سَابِقًا فِي عَدَدِ الْفَرَائِضِ الْمَطْلُوبَةِ، و لو أُضِيفَ إلَيهَا سَادِسَةٌ صَارَتْ الِاحْتِمَالَاتُ سَبْعَمِائَةٍ وَ عِشْرِينَ.

وَ صِحَّتُهُ عَلَي الْأَوَّلِ مِنْ ثَلَاثٍ وَ سِتِّينَ فَرِيضَةً، وَ هَكذَا، وَ يمْكنُ صِحَّتُهَا مِنْ دُونِ ذَلِك: بِأَنْ يصَلِّي الْفَرَائِضَ جَمْعًا كيفَ شَاءَ مُكرَّرَةً عَدَدًا ينْقُصُ عَنْهَا بِوَاحِدٍ، ثُمَّ يخْتِمُهُ بِمَا بَدَأَ بِهِ مِنْهَا فَيصِحُّ فِيمَا عَدَا الْأَوَّلَينِ مِنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فِي الثَّالِثِ، وَ إِحْدَي وَ عِشْرِينَ فِي الرَّابِعِ، وَ إِحْدَي وَ ثَلَاثِينَ فِي الْخَامِسِ، وَ يمْكنُ فِيهِ بِخَمْسَةِ أَيامٍ وَلَاءً، وَ الْخَتْمُ بِالْفَرِيضَةِ الزَّائِدَةِ.

جَهِلَ عَينَ الْفَائِتَةِ مَنْ الْخَمْسِ

(وَلَوْ جَهِلَ عَينَ الْفَائِتَةِ) مَنْ الْخَمْسِ (صَلَّي صُبْحًا، وَ مَغْرِبًا) مُعَينَينِ، (وَأَرْبَعًا مُطْلَقَةً) بَينَ الرُّبَاعِياتِ الثَّلَاثِ، وَ يتَخَيرُ فِيهَا بَينَ الْجَهْرِ وَ الْإِخْفَاتِ.

وَ فِي تَقْدِيمِ مَا شَاءَ مِنْ الثَّلَاثِ، و لو كانَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ رَدَّدَ بَينَ الْأَدَاءِ وَ الْقَضَاءِ (وَالْمُسَافِرُ يصَلِّي مَغْرِبًا وَ ثُنَائِيةً مُطْلَقَةً) بَينَ الثُّنَائِياتِ الْأَرْبَعِ مُخَيرًا كمَا سَبَقَ، و لو اشْتَبَهَ فِيهَا الْقَصْرُ وَ التَّمَامُ فَرُبَاعِيةٌ مُطْلَقَةٌ ثُلَاثِيا وَ ثُنَائِيةً مُطْلَقَةً، رُبَاعِيا، وَ مَغْرِبٌ يحْصُلُ التَّرْتِيبُ عَلَيهِمَا.

يقْضِي الْمُرْتَدُّ إذَا أَسْلَمَ

(وَيقْضِي الْمُرْتَدُّ) فِطْرِيا كانَ أَوْ مَلِيا إذَا أَسْلَمَ (زَمَانَ رِدَّتِهِ) لِلْأَمْرِ بِقَضَاءِ الْفَائِتِ خَرَجَ عَنْهُ الْكافِرُ الْأَصْلِي، و ما فِي حُكمِهِ، فَيبْقَي الْبَاقِي.

ثُمَّ إنْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ كالْمَرْأَةِ وَ الْمِلِّي قَضَي، و أن لَمْ تُقْبَلْ ظَاهِرًا كالْفِطْرِي عَلَي الْمَشْهُورِ فَإِنْ أُمْهِلَ بِمَا يمْكنْهُ الْقَضَاءُ قَبْلَ قَتْلِهِ قَضَي، وَ إِلَّا بَقِي فِي ذِمَّتِهِ.

وَ الْأَقْوَي قَبُولُ تَوْبَتِهِ مُطْلَقًا.

(وَكذَا) يقْضِي (فَاقِدُ) جِنْسِ (الطَّهُورِ)

مَنْ مَاءِ، وَ تُرَابٍ عِنْدَ التَّمَكنِ (عَلَي الْأَقْوَي) لِمَا مَرَّ وَ لِرِوَايةِ زُرَارَةَ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيهِ السَّلَامُ فِيمَنْ صَلَّي به غير طَهُورٍ، أَوْ نَسِي صَلَوَاتٍ، أَوْ نَامَ عَنْهَا، قَالَ: " يصَلِّيهَا إذَا ذَكرَهَا فِي أَي سَاعَةٍ ذَكرَهَا، لَيلًا، أَوْ نَهَارًا "، و غيرهَا مِنْ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَيهِ صَرِيحًا.

وَ قِيلَ لَا يجِبُ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ، وَ أَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ وَ تَوَقُّفِ الْقَضَاءِ عَلَي أَمْرٍ جَدِيدٍ.

وَ دَفْعُ الْأَوَّلِ وَاضِحٌ لِانْفِكاك كلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ وُجُودًا وَ عَدَمًا وَ الْآخَرَينِ بِمَا ذُكرَ.

(وَأَوْجَبَ ابْنُ الْجُنَيدِ الْإِعَادَةَ عَلَي الْعَارِي إذَا صَلَّي كذَلِك) لِعَدَمِ السَّاتِرِ (ثُمَّ وَجَدَ السَّاتِرَ فِي الْوَقْتِ) لَا فِي خَارِجِهِ، مُحْتَجًّا بِفَوَاتِ شَرْطِ الصَّلَاةِ - و هو السَّتْرُ - فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ كالْمُتَيمِّمِ (وَهُوَ بَعِيدٌ)، لِوُقُوعِ الصَّلَاةِ مُجْزِيةً بِامْتِثَالِ الْأَمْرِ، فَلَا يسْتَعْقَبُ الْقَضَاءُ، وَ السَّتْرُ شَرْطٌ مَعَ الْقُدْرَةِ لَا بِدُونِهَا.

نَعَمْ رَوَي عَمَّارٌ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيهِ السَّلَامُ فِي رَجُلٍ لَيسَ عَلَيهِ إلَّا ثَوْبٌ، وَ لَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ فِيهِ، و ليس يجِدُ مَاءً يغْسِلُهُ كيف يصْنَعُ؟ قَالَ: " يتَيمَّمُ وَ يصَلِّي، وَ إِذَا أَصَابَ مَاءً غَسَلَهُ وَ أَعَادَ الصَّلَاةَ " و هو - مَعَ ضَعْفِ سَنَدِهِ - لَا يدُلُّ عَلَي مَطْلُوبِهِ، لِجَوَازِ اسْتِنَادِ الْحُكمِ إلَي التَّيمُّمِ.

قَضَاءُ النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ

(وَيسْتَحَبُّ قَضَاءُ النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ) الْيوْمِيةِ اسْتِحْبَابًا مُؤَكدًا، و قد رُوِي أَنَّ مَنْ يتْرُكهُ تَشَاغُلًا بِالدُّنْيا لَقِي اللَّهَ مُسْتَخِفًّا مُتَهَاوِنًا مُضَيعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.

(فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقَضَاءِ تَصَدَّقَ) عَنْ كلِّ رَكعَتَينِ بِمُدٍّ، فَإِنْ عَجَزَ فَعَنْ كلِّ أَرْبَعٍ، فَإِنْ عَجَزَ فَعَنْ صَلَاةِ اللَّيلِ بِمُدٍّ، وَ عَنْ صَلَاةِ النَّهَارِ بِمُدٍّ، فَإِنْ عَجَزَ فَعَنْ كلِّ يوْمٍ بِمُدٍّ، وَ الْقَضَاءُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ.

قَضَاءُ مَا فَاتَ أَبَاهُ مَنْ الصَّلَاة

(وَيجِبُ عَلَي الْوَلِي) و هو الْوَلَدُ

الذَّكرُ الْأَكبَرُ.

وَ قِيلَ: كلُّ وَارِثٍ مَعَ فَقْدِهِ.

(قَضَاءُ مَا فَاتَ أَبَاهُ) مَنْ الصَّلَاةِ (فِي مَرَضِهِ) الَّذِي مَاتَ فِيهِ.

(وَ قِيلَ): مَا فَاتَهُ (مُطْلَقًا و هو أَحْوَطُ)، و في الدُّرُوسِ قَطْعٌ بِقَضَاءِ مُطْلَقِ مَا فَاتَهُ، و في الذِّكرَي نَقَلَ عَنْ الْمُحَقِّقِ وُجُوبَ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ لِعُذْرٍ كالْمَرَضِ، وَ السَّفَرِ وَ الْحَيضِ، لَا مَا تَرَكهُ عَمْدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيهِ، وَ نَفَي عَنْهُ الْبَأْسَ، وَ نَقَلَ عَنْ شَيخِهِ عَمِيدِ الدِّينِ نُصْرَتَهُ.

فَصَارَ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَ الرِّوَاياتُ تَدُلُّ بِإِطْلَاقِهَا عَلَي الْوَسَطِ وَ الْمُوَافِقِ لِلْأَصْلِ مَا اخْتَارَهُ هُنَا.

وَ فِعْلُ الصَّلَاةِ عَلَي غَيرِ الْوَجْهِ الْمَجْزِي شَرْعًا كتَرْكهَا عَمْدًا لِلتَّفْرِيطِ وَ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَبِ عَنْ الْأُمِّ وَ نَحْوِهَا مِنْ الْأَقَارِبِ، فَلَا يجِبُ الْقَضَاءُ عَنْهُمْ عَلَي الْوَارِثِ فِي الْمَشْهُورِ، وَ الرِّوَاياتُ مُخْتَلِفَةٌ، فَفِي بَعْضِهَا ذِكرُ الرَّجُلِ وَ فِي بَعْضِ الْمَيتِ.

وَ يمْكنُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَي الْمُقَيدِ خُصُوصًا فِي الْحُكمِ الْمُخَالِفِ لِلْأَصْلِ، وَ نُقِلَ فِي الذِّكرَي عَنْ الْمُحَقِّقِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَنْ الْمَرْأَةِ وَ نَفَي عَنْهُ الْبَأْسَ، أَخْذًا بِظَاهِرِ الرِّوَاياتِ، وَ حَمْلًا لِلَفْظِ " الرَّجُلِ " عَلَي التَّمْثِيلِ.

وَ لَا فَرْقَ - عَلَي الْقَوْلَينِ - بَينَ الْحُرِّ وَ الْعَبْدِ عَلَي الْأَقْوَي و هل يشْتَرَطُ كمَالُ الْوَلِي عِنْدَ مَوْتِهِ؟ قَوْلَانِ، وَ اسْتَقْرَبَ فِي الذِّكرَي اشْتِرَاطَهُ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْ الصَّبِي وَ الْمَجْنُونِ، وَ أَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ بَعْدَ ذَلِك، وَ وَجْهُ الْوُجُوبِ عِنْدَ بُلُوغِهِ إطْلَاقُ النَّصِّ، وَ كوْنُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْحَبْوَةِ وَ لَا يشْتَرَطُ خُلُوُّ ذِمَّتِهِ مِنْ صَلَاةٍ وَاجِبَةٍ، لِتَغَايرِ السَّبَبِ فَيلْزَمَانِ مَعًا.

وَ هَلْ يجِبُ تَقْدِيمُ مَا سَبَقَ سَبَبُهُ؟ وَجْهَانِ اخْتَارَ فِي الذِّكرَي التَّرْتِيبَ و هل لَهُ اسْتِئْجَارُ غَيرِهِ؟ يحْتَمِلُهُ، لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ الْقَضَاءُ، و هو مِمَّا يقْبَلُ النِّيابَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ، و من تَعَلُّقِهَا بِحَي، وَ اسْتِنَابَتُهُ مُمْتَنِعَةٌ وَ اخْتَارَ فِي الذِّكرَي

الْمَنْعَ، وَ فِي صَوْمِ الدُّرُوسِ الْجَوَازُ، وَ عَلَيهِ يتَفَرَّعُ تَبَرُّعُ غَيرِهِ بِهِ وَ الْأَقْرَبُ اخْتِصَاصُ الْحُكمِ بِالْوَلِي فَلَا يتَحَمَّلُهَا وَلِيهُ، و أن تَحَمَّلَ مَا فَاتَهُ عَنْ نَفْسِهِ.

وَ لَوْ أَوْصَي الْمَيتُ بِقَضَائِهَا عَلَي وَجْهٍ تُنَفَّذُ سَقَطَتْ عَنْ الْوَلِي، وَ بِالْبَعْضِ وَجَبَ الْبَاقِي

فَاتَ الْمُكلَّفُ مِنْ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يحْصِهِ لِكثْرَتِه

(وَلَوْ فَاتَ الْمُكلَّفُ) مِنْ الصَّلَاةِ (مَا لَمْ يحْصِهِ) لِكثْرَتِهِ (تَحَرَّي) أَي اجْتَهَدَ فِي تَحْصِيلِ ظَنٍّ بِقَدْرٍ (وَيبْنِي عَلَي ظَنِّهِ)، وَ قَضَي ذَلِك الْقَدْرَ سَوَاءٌ كانَ الْفَائِتُ مُتَعَدِّدًا كأَيامٍ كثِيرَةٍ، أَمْ مُتَّحِدًا كفَرِيضَةٍ مَخْصُوصَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ.

وَ لَوْ اشْتَبَهَ الْفَائِتُ فِي عَدَدٍ مُنْحَصِرٍ عَادَةً وَجَبَ قَضَاءُ مَا تَيقَّنَ بِهِ الْبَرَاءَةَ، كالشَّك بَينَ عَشْرٍ وَ عِشْرِينَ، و فيه وَجْهٌ بِالْبِنَاءِ عَلَي الْأَقَلِّ و هو ضَعِيفٌ.

(وَيعْدِلُ إلَي) الْفَرِيضَةِ (السَّابِقَةِ لَوْ شَرَعَ فِي) قَضَاءِ (اللَّاحِقَةِ) نَاسِيا مَعَ إمْكانِهِ، بِأَنْ لَا يزِيدَ عَدَدُ مَا فَعَلَ عَنْ عَدَدِ السَّابِقَةِ، أَوْ تَجَاوَزَهُ وَ لِمَا يرْكعُ فِي الزَّائِدَةِ، مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ حَيثُ يمْكنُ.

وَ الْمُرَادُ بِالْعُدُولِ أَنْ ينْوِي بِقَلْبِهِ تَحْوِيلَ هَذِهِ الصَّلَاةِ إلَي السَّابِقَةِ - إلَي آخِرِ مُمَيزَاتِهَا - مُتَقَرِّبًا.

وَ يحْتَمِلُ عَدَمَ اعْتِبَارِ بَاقِي الْمُمَيزَاتِ، بَلْ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ دَلَالَةٌ عَلَيهِ.

(وَلَوْ تَجَاوَزَ مَحَلَّ الْعُدُولِ) بِأَنْ رَكعَ فِي زَائِدَةٍ عَنْ عَدَدِ السَّابِقَةِ (أَتَمَّهَا ثُمَّ تَدَارَك السَّابِقَةَ لَا غَيرَ) لِاغْتِفَارِ التَّرْتِيبِ مَعَ النِّسْيانِ، وَ كذَا لَوْ شَرَعَ فِي اللَّاحِقَةِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ عَلَيهِ فَائِتَةً، و لو عَدَلَ إلَي السَّابِقَةِ ثُمَّ ذَكرَ سَابِقَةً أُخْرَي عَدَلَ إلَيهَا، وَ هَكذَا، و لو ذَكرَ بَعْدَ الْعُدُولِ بَرَاءَتَهُ مِنْ الْمَعْدُولِ إلَيهَا عَدَلَ إلَي اللَّاحِقَةِ الْمَنْوِيةِ أَوَّلًا، أَوْ فِيمَا بَعْدَهُ، فَعَلَي هَذَا يمْكنُ تَرَامِي الْعُدُولِ وَ دَوْرِهِ.

وَ كمَا يعْدِلُ مَنْ فَائِتَةٍ إلَي مِثْلِهَا فَكذَا مَنْ حَاضِرَةٍ إلَي مِثْلِهَا كالظُّهْرَينِ لِمَنْ شَرَعَ فِي الثَّانِيةِ نَاسِيا، وَ إِلَي فَائِتَةٍ اسْتِحْبَابًا

عَلَي مَا تَقَدَّمَ، أَوْ وُجُوبًا عَلَي الْقَوْلِ الْآخَرِ، و من الْفَائِتَةِ إلَي الْأَدَاءِ لَوْ ذَكرَ بَرَاءَتَهُ مِنْهُمَا، وَ مِنْهُمَا إلَي النَّافِلَةِ فِي مَوَارِدَ، و من النَّافِلَةِ إلَي مِثْلِهَا، لَا إلَي فَرِيضَةٍ، وَ جُمْلَةُ صُوَرِهِ سِتَّ عَشْرَةَ، و هي الْحَاصِلَةُ مِنْ ضَرْبِ صُوَرِ الْمَعْدُولِ عَنْهُ وَ إِلَيهِ و هي أَرْبَعٌ نَفْلٌ، وَ فَرْضٌ، أَدَاءً، وَ قَضَاءً فِي الْآخَرِ.

مسائل

الاولي: وُجُوبِ تَأْخِيرِ أَوْلَي الْأَعْذَارِ إلَي آخِرِ الْوَقْتِ

(مَسَائِلُ) (الْأُولَي - ذَهَبَ الْمُرْتَضَي وَ ابْنُ الْجُنَيدِ وَ سَلَّارَ إلَي وُجُوبِ تَأْخِيرِ أَوْلَي الْأَعْذَارِ إلَي آخِرِ الْوَقْتِ) مُحْتَجِّينَ بِإِمْكانِ إيقَاعِ الصَّلَاةِ تَامَّةً بِزَوَالِ الْعُذْرِ، فَيجِبُ كمَا يؤَخِّرُ الْمُتَيمِّمُ بِالنَّصِّ، وَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَي مَا ادَّعَاهُ الْمُرْتَضَي، (وَجَوَّزَهُ الشَّيخُ أَبُو جَعْفَرٍ الطُّوسِي رَحِمَهُ اللَّهُ " أَوَّلَ الْوَقْتِ) و أن كانَ التَّأْخِيرُ أَفْضَلَ.

(وَهُوَ الْأَقْرَبُ) لِمُخَاطَبَتِهِمْ بِالصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ بِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ، فَتَكونُ مُجْزِئَةً لِلِامْتِثَالِ.

وَ مَا ذَكرُوهُ مِنْ الْإِمْكانِ مُعَارَضٌ بِالْأَمْرِ، وَ اسْتِحْبَابِ الْمُبَادَرَةِ إلَيهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ.

وَ مُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ لَا يوجِبُ الْقُدْرَةَ عَلَي الشَّرْطِ، وَ يمْكنُ فَوَاتُهَا بِمَوْتٍ و غيرهِ، فَضْلًا عَنْهُ، وَ التَّيمُّمُ خَرَجَ بِالنَّصِّ، وَ إِلَّا لَكانَ مِنْ جُمْلَتِهَا.

نَعَمْ يسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ مَعَ الرَّجَاءِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِهِمْ، وَ لَوْلَاهُ لَكانَ فِيهِ نَظَرٌ.

الثانية: المبطون

(الثَّانِيةُ - الْمَرْوِي فِي الْمَبْطُونِ) و هو مَنْ بِهِ دَاءُ الْبَطَنِ - بِالتَّحْرِيك - مَنْ رِيحٍ، أَوْ غَائِطٍ عَلَي وَجْهٍ لَا يمْكنُهُ مَنْعُهُ مِقْدَارَ الصَّلَاةِ (الْوُضُوءُ لِكلِّ) صَلَاةٍ، (وَالْبِنَاءُ) عَلَي مَا مَضَي مِنْهَا (إذَا فَجَأَهُ الْحَدَثُ) فِي أَثْنَائِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ، وَ اغْتِفَارُ هَذَا الْفِعْلِ و أن كثُرَ، وَ عَلَيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، (وَأَنْكرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ) الْمُتَأَخِّرِينَ، و حكموا بِاغْتِفَارِ مَا يتَجَدَّدُ مِنْ الْحَدَثِ بَعْدَ الْوُضُوءِ، سَوَاءٌ وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ، أَمْ قَبْلَهَا إنْ لَمْ يتَمَكنْ مِنْ حِفْظِ نَفْسِهِ مِقْدَارَ الصَّلَاةِ، وَ إِلَّا

اسْتَأْنَفَهَا، مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ الْحَدَثَ الْمُتَجَدِّدَ لَوْ نَقَضَ الطَّهَارَةَ لَأَبْطَلَ الصَّلَاةَ، لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ شَرْطِهِ، وَ بِالْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَي أَنَّ الْحَدَثَ يقْطَعُ الصَّلَاةَ.

(وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِتَوْثِيقِ رِجَالِ الْخَبَرِ) الدَّالِّ عَلَي الْبِنَاءِ عَلَي مَا مَضَي مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ (عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَ الْمُرَادُ تَوْثِيقُ رِجَالِهِ عَلَي وَجْهٍ يسْتَلْزِمُ صِحَّةَ الْخَبَرِ، فَإِنَّ التَّوْثِيقَ أَعَمُّ مِنْهُ عِنْدَنَا، وَ الْحَالُ أَنَّ الْخَبَرَ الْوَارِدَ فِي ذَلِك صُحِّحَ بِاعْتِرَافِ الْخَصْمِ، فَيتَعَينُ الْعَمَلُ بِهِ لِذَلِك (وَشُهْرَتُهُ بَينَ الْأَصْحَابِ) خُصُوصًا الْمُتَقَدِّمِينَ، و من خَالَفَ حُكمَهُ أَوَّلَهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِنَاءِ الِاسْتِئْنَافُ.

وَ فِيهِ: أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَي الشَّيءِ يسْتَلْزِمُ سَبْقَ شَيءٍ مِنْهُ يبْنِي عَلَيهِ، لِيكونَ الْمَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْأَسَاسِ لُغَةً وَ عُرْفًا، مَعَ أَنَّهُمْ لَا يوجِبُونَ الِاسْتِئْنَافَ، فَلَا وَجْهَ لِحَمْلِهِمْ عَلَيهِ.

وَ الِاحْتِجَاجُ بِالِاسْتِلْزَامِ مُصَادَرَةٌ، وَ كيفَ يتَحَقَّقُ التَّلَازُمُ مَعَ وُرُودِ النَّصِّ الصَّحِيحِ بِخِلَافِهِ، وَ الْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ عَلَي قَطْعِ مُطْلَقِ الْحَدَثِ لَهَا مَخْصُوصَةٌ بِالْمُسْتَحَاضَةِ وَ السَّلَسِ اتِّفَاقًا، و هذا الْفَرْدُ يشَارِكهُمَا بِالنَّصِّ الصَّحِيحِ، وَ مَصِيرُ جَمْعٍ إلَيهِ، و هو كافٍ فِي التَّخْصِيصِ.

نَعَمْ هُوَ غَرِيبٌ لَكنَّهُ لَيسَ بِعَادِمٍ لِلنَّظِيرِ، فَقَدْ وَرَدَ صَحِيحًا قَطْعُ الصَّلَاةِ وَ الْبِنَاءُ عَلَيهَا فِي غَيرِهِ مَعَ أَنَّ الِاسْتِبْعَادَ غَيرُ مَسْمُوعٍ.

الثَّالِثَةُ يسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْقَضَاءِ

(الثَّالِثَةُ يسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْقَضَاءِ) اسْتِحْبَابًا مُؤَكدًا، سَوَاءٌ الْفَرْضُ وَ النَّفَلُ، بَلْ الْأَكثَرُ عَلَي فَوْرِيةِ قَضَاءِ الْفَرْضِ، و أنّه لَا يجُوزُ الِاشْتِغَالُ عَنْهُ به غير الضَّرُورِي مِنْ أَكلِ مَا يمْسِك الرَّمَقَ، وَ نَوْمٍ يضْطَرُّ إلَيهِ، وَ شَغْلٍ يتَوَقَّفُ عَلَيهِ، وَ نَحْوِ ذَلِك وَ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ جَمَاعَةٌ، وَ فِي كثِيرٍ مِنْ الْأَخْبَارِ دَلَالَةٌ عَلَيهِ، إلَّا أَنَّ حَمْلَهَا عَلَي الِاسْتِحْبَابِ الْمُؤَكدِ طَرِيقُ الْجَمْعِ بَينَهَا و بين مَا دَلَّ عَلَي التَّوْسِعَةِ.

(وَلَوْ كانَ) الْفَائِتُ (نَافِلَةً لَمْ ينْتَظِرْ بِقَضَائِهَا مِثْلُ زَمَانِ فَوَاتِهَا) مِنْ لَيلٍ أَوْ نَهَارٍ، بَلْ

يقْضِي نَافِلَةَ اللَّيلِ نَهَارًا وَ بِالْعَكسِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَي جَعَلَ كلًّا مِنْهُمَا خِلْفَةً لِلْآخَرِ، وَ لِلْأَمْرِ بِالْمُسَارَعَةِ إلَي أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ وَ لِلْأَخْبَارِ.

وَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ إلَي اسْتِحْبَابِ الْمُمَاثَلَةِ اسْتِنَادًا إلَي رِوَايةِ إسْمَاعِيلَ الْجُعْفِي عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيهِ السَّلَامُ: " أَفْضَلُ قَضَاءِ النَّوَافِلِ قَضَاءُ صَلَاةِ اللَّيلِ بِاللَّيلِ، وَ صَلَاةِ النَّهَارِ بِالنَّهَارِ "، و غيرهَا.

وَ جَمَعَ بَينَهُمَا بِالْحَمْلِ عَلَي الْأَفْضَلِ وَ الْفَضِيلَةِ، إذْ عَدَمُ انْتِظَارِ مِثْلِ الْوَقْتِ فِيهِ مُسَارَعَةٌ إلَي الْخَيرِ و هو أَفْضَلُ - كذَا أَجَابَ فِي الذِّكرَي، و هو يؤْذِنُ بِأَفْضَلِيةِ الْمُمَاثَلَةِ، إذْ لَمْ يذْكرْ الْأَفْضَلَ إلَّا فِي دَلِيلِهَا.

وَ أَطْلَقَ فِي بَاقِي كتُبِهِ اسْتِحْبَابَ التَّعْجِيلِ، وَ الْأَخْبَارُ بِهِ كثِيرَةٌ إلَّا أَنَّهَا خَالِيةٌ عَنْ الْأَفْضَلِيةِ.

الفصل التاسع: في صلاة الخوف

الفصل التاسع: في صلاة الخوف

(الْفَصْلُ التَّاسِعُ - فِي) (صَلَاةِ الْخَوْفِ) (وَهِي مَقْصُورَةٌ سَفَرًا) إجْمَاعًا، (وَحَضَرًا) عَلَي الْأَصَحِّ لِلنَّصِّ وَ حُجَّةُ مُشْتَرِطِ السَّفَرِ بِظَاهِرِ الْآيةِ حَيثُ اقْتَضَتْ الْجَمْعَ مُنْدَفِعَةً بِالْقَصْرِ لِلسَّفَرِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْخَوْفِ، وَ النَّصُّ مُحْكمٌ فِيهِمَا (جَمَاعَةً) إجْمَاعًا، (وَفُرَادَي) عَلَي الْأَشْهَرِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ.

وَ اسْتِنَادِ مُشْتَرِطِهَا إلَي فِعْلِ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَهَا جَمَاعَةً لَا يدُلُّ عَلَي الشَّرْطِيةِ، فَيبْقَي مَا دَلَّ عَلَي الْإِطْلَاقِ سَالِمًا و هي أَنْوَاعٌ كثِيرَةٌ تَبْلُغُ الْعَشَرَةَ أَشْهَرُهَا صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَلِذَا لَمْ يذْكرْ غَيرَهَا، وَ لَهَا شُرُوطٌ.

أَشَارَ إلَيهَا بِقَوْلِهِ: (وَمَعَ إمْكانِ الِافْتِرَاقِ فِرْقَتَينِ) لِكثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ قُوَّتِهِمْ، بِحَيثُ يقَاوِمُ كلُّ فِرْقَةٍ الْعَدُوَّ حَالَةَ اشْتِغَالِ الْأُخْرَي بِالصَّلَاةِ، و أن لَمْ يتَسَاوَيا عَدَدًا (وَ) كوْنِ (الْعَدُوِّ فِي خِلَافِ) جِهَةِ (الْقِبْلَةِ) إمَّا فِي دُبُرِهَا أَوْ عَنْ أَحَدِ جَانِبَيهَا، بِحَيثُ لَا يمْكنُهُمْ الْقِتَالُ مُصَلِّينَ إلَّا بِالِانْحِرَافِ عَنْهَا، أَوْ فِي جِهَتِهَا مَعَ وُجُودِ حَائِلٍ يمْنَعُ مِنْ قِتَالِهِمْ، وَ اشْتُرِطَ ثَالِثٌ و هو كوْنُ الْعَدُوِّ ذَا قُوَّةٍ يخَافُ هُجُومُهُ عَلَيهِمْ حَالَ

الصَّلَاةِ: فَلَوْ أُمِنَ صَلُّوا به غير تَغْييرٍ يذْكرْ هُنَا، وَ تَرَكهُ اخْتِصَارًا، وَ إِشْعَارًا بِهِ مِنْ الْخَوْفِ.

وَ رَابِعٌ و هو عَدَمُ الِاحْتِياجِ إلَي الزِّيادَةِ عَلَي فِرْقَتَينِ، لِاخْتِصَاصِ هَذِهِ الْكيفِيةِ بِإِدْرَاك كلِّ فِرْقَةٍ رَكعَةً، وَ يمْكنُ الْغِنَي عَنْهُ فِي الْمَغْرِبِ.

وَ مَعَ اجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ (يصَلُّونَ صَلَاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ) سُمِّيتْ بِذَلِك لِأَنَّ الْقِتَالَ كانَ فِي سَفْحِ جَبَلٍ فِيهِ جُدَدٌ، حُمْرٌ، وَ صُفْرٌ، وَ سُودٌ كالرِّقَاعِ، أَوْ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كانُوا حُفَاةً فَلَفُّوا عَلَي أَرْجُلِهِمْ الرِّقَاعَ مِنْ جُلُودٍ، وَ خِرَقٍ لِشِدَّةِ الْحَرِّ، أَوْ لِأَنَّ الرِّقَاعَ كانَتْ فِي أَلْوِيتِهِمْ، أَوْ لِمُرُورِ قَوْمٍ بِهِ حُفَاةً فَتَشَقَّقَتْ أَرْجُلُهُمْ فَكانُوا يلُفُّونَ عَلَيهَا الْخِرَقَ، أَوْ لِأَنَّهَا اسْمُ شَجَرَةٍ كانَتْ فِي مَوْضِعِ الْغَزْوَةِ.

وَ هِي عَلَي ثَلَاثَةِ أَمْيالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ عِنْدَ بِئْرِ أَرُومَا.

وَ قِيلَ: مَوْضِعٌ مِنْ نَجْدٍ، و هي أَرْضُ غَطَفَانَ.

(بِأَنْ يصَلِّي الْإِمَامُ بِفِرْقَةٍ رَكعَةً) فِي مَكانِ لَا يبْلُغُهُمْ سِهَامُ الْعَدُوِّ، ثُمَّ ينْفَرِدُونَ بَعْدَ قِيامِهِ (ثُمَّ يتِمُّونَ) رَكعَةً أُخْرَي مُخَفَّفَةً وَ يسَلِّمُونَ وَ يأْخُذُونَ مَوْقِفَ الْفِرْقَةِ الْمُقَاتِلَةِ، (ثُمَّ تَأْتِي) الْفِرْقَةُ (الْأُخْرَي) وَ الْإِمَامُ فِي قِرَاءَةٍ الثَّانِيةِ، (فَيصَلِّي بِهِمْ رَكعَةً) إلَي أَنْ يرْفَعُوا مِنْ سُجُودِ الثَّانِيةِ فَينْفَرِدُونَ، وَ يتِمُّونَ صَلَاتَهُمْ، (ثُمَّ ينْتَظِرُهُمْ) الْإِمَامُ (حَتَّي يتِمُّوا وَ يسَلِّمُ بِهِمْ).

وَ إِنَّمَا حَكمْنَا بِانْفِرَادِهِمْ مَعَ أَنَّ الْعِبَارَةَ لَا تَقْتَضِيهِ، بَلْ رُبَّمَا دَلَّ سَلَامُهُ بِهِمْ عَلَي بَقَاءِ الْقُدْوَةِ، تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ حَيثُ ذَهَبَ فِي كتُبِهِ إلَي انْفِرَادِهِمْ، وَ ظَاهِرُ الْأَصْحَابِ، وَ بِهِ صَرَّحَ كثِيرٌ مِنْهُمْ بَقَاءَ الْقُدْوَةِ وَ يتَفَرَّعُ عَلَيهِ تَحَمُّلُ الْإِمَامِ أَوْهَامَهُمْ عَلَي الْقَوْلِ بِهِ.

وَ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يخْلُو مِنْ قُوَّةٍ.

(وَفِي الْمَغْرِبِ يصَلِّي بِإِحْدَاهُمَا رَكعَتَينِ) وَ بِالْأُخْرَي رَكعَةً مُخَيرًا فِي ذَلِك.

وَ الْأَفْضَلُ تَخْصِيصُ الْأُولَي بِالْأُولَي، وَ الثَّانِيةِ بِالْبَاقِي، تَأَسِّيا بِعَلِي عَلَيهِ السَّلَامُ لَيلَةَ الْهَرِيرِ، وَ لْيتَقَارَبَا فِي إدْرَاك الْأَرْكانِ وَ الْقِرَاءَةِ

الْمُتَعَينَةِ.

وَ تَكلِيفُ الثَّانِيةِ بِالْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مَعَ بِنَائِهَا عَلَي التَّخْفِيفِ، ينْدَفِعُ بِاسْتِدْعَائِهِ زَمَانًا عَلَي التَّقْدِيرَينِ، فَلَا يحْصُلُ بِإِيثَارِ الْأُولَي تَخْفِيفٌ، وَ لِتَكلِيفِ الثَّانِيةِ بِالْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ عَلَي التَّقْدِيرِ الْآخَرِ.

(وَيجِبُ عَلَي) الْمُصَلِّينَ أَخْذَ السِّلَاحِ، لِلْأَمْرِ بِهِ الْمُقْتَضِي لَهُ، و هو آلَةُ الْقِتَالِ وَ الدَّفْعِ، مِنْ السَّيفِ، وَ السِّكينِ، وَ الرُّمْحِ، و غيرهَا و أن كانَ نَجِسًا، إلَّا أَنْ يمْنَعَ شَيئًا مِنْ الْوَاجِبَاتِ، أَوْ يؤْذِي غَيرَهُ فَلَا يجُوزُ اخْتِيارًا.

(وَمَعَ الشِّدَّةِ) الْمَانِعَةِ مِنْ الِافْتِرَاقِ كذَلِك، وَ الصَّلَاةِ جَمِيعًا بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الْمُقَرَّرَةِ فِي هَذَا الْبَابِ (يصَلُّونَ بِحَسَبِ الْمُكنَةِ) رُكبَانًا وَ مُشَاةً جَمَاعَةً وَ فُرَادَي، وَ يغْتَفَرُ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ هُنَا، بِخِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الِاجْتِهَادِ لِأَنَّ الْجِهَاتِ قِبْلَةٌ فِي حَقِّهِمْ هُنَا.

نَعَمْ يشْتَرَطُ عَدَمُ تَقَدُّمِ الْمَأْمُومِ عَلَي الْإِمَامِ نَحْوَ مَقْصِدِهِ، وَ الْأَفْعَالُ الْكثِيرَةُ الْمُفْتَقِرَةُ إلَيهَا مُغْتَفَرَةٌ هُنَا.

وَ يومِئُونَ (إيمَاءً مَعَ تَعَذُّرِ الرُّكوعِ وَ السُّجُودِ) و لو عَلَي الْقَرَبُوسِ بِالرَّأْسِ، ثُمَّ بِالْعَينَينِ فَتْحًا وَ غَمْضًا كمَا مَرَّ، وَ يجِبُ الِاسْتِقْبَالُ بِمَا أَمْكنَ و لو بِالتَّحْرِيمَةِ، فَإِنْ عَجَزَ سَقَطَ.

(وَمَعَ عَدَمِ الْإِمْكانِ) أَي إمْكانِ الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ، وَ الْإِيمَاءِ لِلرُّكوعِ وَ السُّجُودِ (يجْزِيهِمْ عَنْ كلِّ رَكعَةٍ) بَدَلَ الْقِرَاءَةِ، وَ الرُّكوعِ وَ السُّجُودِ، وَ وَاجِبَاتِهِمَا (سُبْحَانَ اللَّهِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَ اَللَّهُ أَكبَرُ) مُقَدِّمًا عَلَيهِمَا النِّيةَ وَ التَّكبِيرَ، خَاتِمًا بِالتَّشَهُّدِ، وَ التَّسْلِيمِ.

قِيلَ: و هكذا صَلَّي عَلِي عَلَيهِ السَّلَامُ وَ أَصْحَابُهُ لَيلَةَ الْهَرِيرِ الظُّهْرَينِ، وَ الْعِشَاءَينِ.

وَ لَا فَرْقَ فِي الْخَوْفِ الْمُوجِبِ لِقِصَرِ الْكمِّيةِ، وَ تَغَيرِ الْكيفِيةِ، بَينَ كوْنِهِ مِنْ عَدُوٍّ، وَ لِصٍّ، وَ سَبُعٍ، لَا مِنْ وَ حَلٍ وَ غَرَقٍ بِالنِّسْبَةِ إلَي الْكمِّيةِ، أَمَّا الْكيفِيةُ فَجَائِزٌ حَيثُ لَا يمْكنُ غَيرُهَا مُطْلَقًا.

وَ جُوِّزَ فِي الذِّكرَي لَهُمَا قَصْرُ الْكمِّيةِ مَعَ خَوْفِ التَّلَفِ بِدُونِهِ، وَ رَجَاءِ

السَّلَامَةِ بِهِ، وَ ضِيقِ الْوَقْتِ.

وَ هُوَ يقْتَضِي جَوَازَ التَّرْك لَوْ تَوَقَّفَ عَلَيهِ، أَمَّا سُقُوطُ الْقَضَاءِ بِذَلِك فَلَا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ.

الفصل العاشر: في صلاة المسافر

الفصل العاشر: في صلاة المسافر

(الْفَصْلُ الْعَاشِرُ - فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ) الَّتِي يجِبُ قَصْرُهَا كمِّيةً (وَشَرْطُهَا قَصْدُ الْمَسَافَةِ) و هي ثَمَانِيةُ فَرَاسِخَ كلُّ فَرْسَخٍ ثَلَاثَةُ أَمْيالٍ، كلُّ مِيلٍ أَرْبَعُ آلَافِ ذِرَاعٍ، فَتَكونُ الْمَسَافَةُ (سِتَّةً وَ تِسْعِينَ أَلْفَ ذِرَاعٍ) حَاصِلَةً مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي ثَمَانِيةٍ، ثُمَّ الْمُرْتَفِعُ فِي أَرْبَعَةٍ، و كلّ ذِرَاعٍ أَرْبَعٌ وَ عِشْرُونَ إصْبَعًا كلُّ إصْبَعٍ سَبْعُ شُعَيرَاتٍ مُتَلَاصِقَاتِ بِالسَّطْحِ الْأَكبَرِ - وَ قِيلَ: سِتٌّ - عَرْضُ كلِّ شُعَيرَةٍ سَبْعُ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الْبِرْذَوْنِ، وَ يجْمَعُهَا مَسِيرُ يوْمٍ مُعْتَدِلِ الْوَقْتِ وَ الْمَكانِ وَ السَّيرُ لِأَثْقَالِ الْإِبِلِ، وَ مَبْدَأُ التَّقْدِيرِ مِنْ آخِرِ خِطَّةِ الْبَلَدِ الْمُعْتَدِلِ، وَ آخِرِ مَحَلَّتِهِ فِي الْمُتَّسَعِ عُرْفًا.

(أَوْ نِصْفُهَا لِمُرِيدِ الرُّجُوعِ لِيوْمِهِ) أَوْ لَيلَتِهِ أَوْ الْمُلَفَّقِ مِنْهُمَا، مَعَ اتِّصَالِ السَّيرِ عُرْفًا، دُونَ الذَّهَابِ فِي أَوَّلِ أَحَدِهِمَا، وَ الْعَوْدِ فِي آخِرِ الْآخَرِ، وَ نَحْوِهِ فِي الْمَشْهُورِ، و في الأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الِاكتِفَاءُ بِهِ مُطْلَقًا، وَ عَلَيهِ جَمَاعَةٌ مُخَيرِينَ فِي الْقَصْرِ وَ الْإِتْمَامِ جَمْعًا، وَ آخَرُونَ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً، وَ حَمَلَهَا الْأَكثَرُ عَلَي مُرِيدِ الرُّجُوعِ لِيوْمِهِ فَيتَحَتَّمُ الْقَصْرُ أَوْ يتَخَيرُ، وَ عَلَيهِ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي.

وَ فِي الْأَخْبَارِ مَا يدْفَعُ هَذَا الْجَمْعَ بِمَعْنَييهِ وَ خَرَجَ بِقَصْدِ الْمُقَدَّرِ السَّفَرُ إلَي الْمَسَافَةِ بِغَيرِهِ، كطَالِبِ حَاجَةٍ يرْجِعُ مَتَي وَجَدَهَا إلَّا أَنْ يعْلَمَ عَادَةً تَوَقُّفَهُ عَلَي الْمَسَافَةِ.

وَ فِي إلْحَاقِ الظَّنِّ الْقَوِي بِهِ وَجْهٌ قَوِي وَ تَابِعٍ مُتَغَلِّبٍ يفَارِقُهُ مَتَي قَدَرَ مَعَ إمْكانِهِ عَادَةً، و مثله الزَّوْجَةُ وَ الْعَبْدُ يجَوِّزَانِ الطَّلَاقَ وَ الْعِتْقَ مَعَ ظُهُورِ أَمَارَتِهِمَا.

وَ لَوْ ظَنَّ التَّابِعُ بَقَاءَ الصُّحْبَةِ قَصَرَ مَعَ قَصْدِ الْمَسَافَةِ و لو تَبَعًا، وَ حَيثُ يبْلُغُ الْمَسَافَةَ يقْصُرُ

فِي الرُّجُوعِ مُطْلَقًا، وَ لَا يضُمُّ إلَيهِ مَا بَقِي مِنْ الذَّهَابِ بَعْدَ الْقَصْدِ مُتَّصِلًا بِهِ مِمَّا يقْصُرُ عَنْ الْمَسَافَةِ.

(وَأَنْ لَا يقْطَعَ السَّفَرَ بِمُرُورِهِ عَلَي مَنْزِلِهِ) و هو مِلْكهُ مِنْ الْعَقَارِ الَّذِي قَدْ اسْتَوْطَنَهُ، أَوْ بَلَدِهِ الَّذِي لَا يخْرُجُ عَنْ حُدُودِهَا الشَّرْعِيةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بِنِيةِ الْإِقَامَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْإِتْمَامِ، مُتَوَالِيةً، أَوْ مُتَفَرِّقَةً، أَوْ مَنْوِي الْإِقَامَةِ عَلَي الدَّوَامِ مَعَ اسْتِيطَانِهِ الْمُدَّةَ و أن لَمْ يكنْ لَهُ بِهِ مِلْك.

وَ لَوْ خَرَجَ الْمِلْك عَنْهُ، أَوْ رَجَعَ عَنْ نِيةِ الْإِقَامَةِ سَاوَي غَيرَهُ، (أَوْ نِيةَ مَقَامِ عَشَرَةِ أَيامٍ) تَامَّةٍ بِلَيالِيهَا مُتَتَالِيةً، و لو بِتَعْلِيقِ السَّفَرِ عَلَي مَا لَا يحْصُلُ عَادَةً فِي أَقَلَّ مِنْهَا، (أَوْ مُضِي ثَلَاثِينَ يوْمًا) به غير نِيةِ الْإِقَامَةِ و أن جَزَمَ بِالسَّفَرِ (فِي مِصْرٍ) أَي فِي مَكان مُعَينٍ أَمَّا الْمِصْرُ بِمَعْنَي الْمَدِينَةِ، أَوْ الْبَلَدِ فَلَيسَ بِشَرْطٍ وَ مَتَي كمُلَتْ الثَّلَاثُونَ أَتَمَّ بَعْدَهَا مَا يصَلِّيهِ قَبْلَ السَّفَرِ و لو فَرِيضَةً.

وَ مَتَي انْقَطَعَ السَّفَرُ بِأَحَدِ هَذِهِ افْتَقَرَ الْعَوْدُ إلَي الْقَصْرِ إلَي قَصْدِ مَسَافَةٍ جَدِيدَةٍ، فَلَوْ خَرَجَ بَعْدَهَا بَقِي عَلَي التَّمَامِ إلَي أَنْ يقْصِدَ الْمَسَافَةَ، سَوَاءٌ عَزَمَ عَلَي الْعَوْدِ إلَي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ أَمْ لَا.

وَ لَوْ نَوَي الْإِقَامَةَ فِي عِدَّةِ مَوَاطِنَ فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ، أَوْ كانَ لَهُ مَنَازِلُ، اُعْتُبِرَتْ الْمَسَافَةُ بَينَ كلِّ مَنْزِلَينِ و بين الْأَخِيرِ، وَ غَايةِ السَّفَرِ فَيقْصُرُ فِيمَا بَلَغَهُ، وَ يتِمُّ فِي الْبَاقِي و أن تَمَادَي السَّفَرُ.

(وَأَنْ لَا يكثُرَ سَفَرُهُ) بِأَنْ يسَافِرَ ثَلَاثَ سَفَرَاتٍ إلَي مَسَافَةٍ، وَ لَا يقِيمَ بَينَ سَفْرَتَينِ مِنْهَا عَشَرَةَ أَيامٍ فِي بَلَدِهِ، أَوْ غَيرِهِ مَعَ النِّيةِ، أَوْ يصْدُقُ عَلَيهِ اسْمُ الْمُكارِي وَ إِخْوَتِهِ، وَ حِينَئِذٍ فَيتِمُّ فِي الثَّالِثَةِ، وَ مَعَ صِدْقِ الِاسْمِ يسْتَمِرُّ مُتِمًّا إلَي أَنْ يزُولَ الِاسْمُ، أَوْ يقِيمَ عَشَرَةَ أَيامٍ مُتَوَالِيةٍ، أَوْ مَفْصُولَةٍ

به غير مَسَافَةٍ فِي بَلَدِهِ، أَوْ مَعَ نِيةِ الْإِقَامَةِ، أَوْ يمْضِي عَلَيهِ أَرْبَعُونَ يوْمًا مُتَرَدِّدًا فِي الْإِقَامَةِ، أَوْ جَازِمًا بِالسَّفَرِ مِنْ دُونِهِ.

وَ مَنْ يكثُرُ سَفَرُهُ (كالْمُكارِي) بِضَمِّ الْمِيمِ وَ تَخْفِيفِ الْياءِ، و هو مَنْ يكرِي دَابَّتَهُ لِغَيرِهِ وَ يذْهَبُ مَعَهَا فَلَا يقِيمُ بِبَلَدِهِ غَالِبًا لِإِعْدَادِهِ نَفْسَهُ لِذَلِك، (وَالْمَلَّاحِ) و هو صَاحِبُ السَّفِينَةِ (وَالْأَجِيرِ) الَّذِي يؤَجِّرُ نَفْسَهُ لِلْأَسْفَارِ (وَالْبَرِيدِ) الْمُعِدِّ نَفْسَهُ لِلرِّسَالَةِ، أَوْ أَمِينِ الْبَيدَرِ، أَوْ الاشتقان.

وَ ضَابِطُهُ مَنْ يسَافِرُ إلَي الْمَسَافَةِ وَ لَا يقِيمُ الْعَشَرَةَ كمَا مَرَّ.

(وَأَلَّا يكونَ سَفَرُهُ مَعْصِيةً) بِأَنْ يكونَ غَايتُهُ مَعْصِيةً، أَوْ مُشْتَرَكةً بَينَهَا و بين الطَّاعَةِ، أَوْ مُسْتَلْزِمَةً لَهَا كالتَّاجِرِ فِي الْمُحَرَّمِ، وَ الْآبِقِ وَ النَّاشِزِ وَ السَّاعِي عَلَي ضَرَرِ مُحْتَرَمٍ، وَ سَالِك طَرِيقٍ يغْلِبُ فِيهِ الْعَطَبُ و لو عَلَي الْمَالِ.

وَ أُلْحِقَ بِهِ تَارِك كلِّ وَاجِبٍ بِهِ بِحَيثُ ينَافِيهِ، و هي مَانِعَةٌ ابْتِدَاءً وَ اسْتِدَامَةً فَلَوْ عَرَضَ قَصْدُهَا فِي أَثْنَائِهِ انْقَطَعَ التَّرَخُّصُ حِينَئِذٍ وَ بِالْعَكسِ وَ يشْتَرَطُ حِينَئِذٍ كوْنُ الْبَاقِي مَسَافَةً و لو بِالْعَوْدِ، وَ لَا يضَمُّ بَاقِي الذَّهَابِ إلَيهِ.

(وَأَنْ يتَوَارَي عَنْ جُدَرَانِ بَلَدِهِ) بِالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ لَا مُطْلَقِ الْمُوَارَاةِ، (أَوْ يخْفَي عَلَيهِ أَذَانُهُ) و لو تَقْدِيرًا كالْبَلَدِ الْمُنْخَفِضِ وَ الْمُرْتَفِعِ، وَ مُخْتَلِفِ الْأَرْضِ، وَ عَادِمِ الْجِدَارِ وَ الْأَذَانِ، وَ السَّمْعِ وَ الْبَصَرِ.

وَ الْمُعْتَبَرُ آخِرُ الْبَلَدِ الْمُتَوَسِّطِ فَمَا دُونَ وَ مَحَلَّتُهُ فِي الْمُتَّسَعِ، وَ صُورَةُ الْجِدَارِ وَ الصَّوْتُ لَا الشَّبَحُ وَ الْكلَامُ.

وَ الِاكتِفَاءِ بِأَحَدِ الْأَمْرَينِ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ، وَ الْأَقْوَي اعْتِبَارُ خَفَائِهِمَا مَعًا ذَهَابًا وَ عَوْدًا، وَ عَلَيهِ الْمُصَنِّفُ فِي سَائِرِ كتُبِهِ.

وَ مَعَ اجْتِمَاعِ الشَّرَائِطِ (فَيتَعَينُ الْقَصْرُ) بِحَذْفِ الْأَخِيرِ فِي الرُّبَاعِيةِ (إلَّا فِي) أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ (مَسْجِدَي مَكةَ وَ الْمَدِينَةِ) الْمَعْهُودَينِ، (وَمَسْجِدِ الْكوفَةِ وَ الْحَائِرِ) الْحُسَينِي (عَلَي مُشَرِّفِهِ السَّلَامِ) و هو مَا دَارَ

عَلَيهِ سُوَرُ حَضْرَتِهِ الشَّرِيفَةِ، (فَيتَخَيرُ فِيهَا) بَينَ الْإِتْمَامِ وَ الْقَصْرِ، (وَالْإِتْمَامُ أَفْضَلُ)، وَ مُسْتَنَدُ الْحُكمِ أَخْبَارٌ كثِيرَةٌ، وَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ مِنْ مَخْزُونِ عِلْمِ اللَّهِ.

(وَمَنَعَهُ) أَي التَّخْييرَ (أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَابَوَيهِ) وَ حَتَّمَ الْقَصْرَ فِيهَا كغَيرِهَا.

وَ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ حُجَّةٌ عَلَيهِ (وَطَرَّدَ الْمُرْتَضَي، وَ ابْنُ الْجُنَيدِ الْحُكمَ فِي مَشَاهِدِ الْأَئِمَّةِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ) و لم نَقِفْ عَلَي مَأْخَذِهِ، وَ طَرَّدَ آخَرُونَ الْحُكمَ فِي الْبُلْدَانِ الْأَرْبَعِ، وَ ثَالِثٌ فِي بَلَدَي الْمَسْجِدَينِ الْحَرَمَينِ دُونَ الْآخَرَينِ، وَ رَابِعٌ فِي الْبُلْدَانِ الثَّلَاثَةِ غَيرِ الْحَائِرِ، وَ مَالَ إلَيهِ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي وَ الاقْتِصَارُ عَلَيهَا مَوْضِعُ الْيقِينِ فِيمَا خَالَفَ الْأَصْلَ. (وَلَوْ دَخَلَ عَلَيهِ الْوَقْتُ حَاضِرًا) بِحَيثُ مَضَي مِنْهُ قَدْرُ الصَّلَاةِ بِشَرَائِطِهَا الْمَفْقُودَةِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْحَدَّينِ، (أَوْ أَدْرَكهُ بَعْدَ) انْتِهَاءِ (سَفَرِهِ) بِحَيثُ أَدْرَك مِنْهُ رَكعَةً فَصَاعِدًا (أَتَمَّ) الصَّلَاةَ فِيهِمَا (فِي الْأَقْوَي) عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَ لِدَلَالَةِ بَعْضِ الْأَخْبَارِ عَلَيهِ، وَ الْقَوْلُ الْآخَرُ الْقَصْرُ فِيهِمَا، وَ فِي ثَالِثٍ التَّخْييرُ، وَ رَابِعٍ الْقَصْرُ فِي الْأَوَّلِ، وَ الْإِتْمَامُ فِي الثَّانِي، وَ الْأَخْبَارُ مُتَعَارِضَةٌ، وَ الْمُحَصَّلُ مَا اخْتَارَهُ هُنَا. (وَيسْتَحَبُّ جَبْرُ كلِّ مَقْصُورَةٍ)، وَ قِيلَ: كلُّ صَلَاةٍ تُصَلَّي سَفَرًا (بِالتَّسْبِيحَاتِ الْأَرْبَعِ ثَلَاثِينَ مَرَّةً) عَقِبَهَا.

وَ الْمَرْوِي التَّقْييدُ، و قد رُوِي اسْتِحْبَابُ فِعْلِهَا عَقِيبَ كلِّ فَرِيضَةٍ فِي جُمْلَةِ التَّعْقِيبِ، فَاسْتِحْبَابُهَا عَقِيبَ الْمَقْصُورَةِ يكونُ آكدَ، و هل يتَدَاخَلُ الْجَبْرُ وَ التَّعْقِيبُ، أَمْ يسْتَحَبُّ تَكرَارُهَا؟ وَجْهَانِ، أَجْوَدُهُمَا الْأَوَّلُ لِتَحَقُّقِ الِامْتِثَالِ فِيهِمَا.

الفصل الحادي عشر: في الجماعة

الفصل الحاديعشر: في الجماعة

الْجَمَاعَةِ مُسْتَحَبَّةٌ فِي الْفَرِيضَةِ

(الْفَصْلُ الْحَادِي عَشَرَ - فِي الْجَمَاعَةِ) (وَهِي مُسْتَحَبَّةٌ فِي الْفَرِيضَةِ) مُطْلَقًا، (مُتَأَكدَةٌ فِي الْيوْمِيةِ) حَتَّي أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ مِنْهَا تَعْدِلُ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا وَ عِشْرِينَ صَلَاةً مَعَ غَيرِ الْعَالِمِ، وَ مَعَهُ أَلْفًا و لو وَقَعَتْ فِي مَسْجِدٍ تَضَاعَفَ بِمَضْرُوبِ عَدَدِهِ فِي عَدَدِهَا، فَفِي الْجَامِعِ مَعَ

غَيرِ الْعَالِمِ أَلْفَانِ وَ سَبْعِمِائَةٍ، وَ مَعَهُ مِائَةُ أَلْفٍ.

وَ رُوِي أَنَّ ذَلِك مَعَ اتِّحَادِ الْمَأْمُومِ، فَلَوْ تَعَدَّدَ تَضَاعَفَ فِي كلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ الْمَجْمُوعِ فِي سَابِقِهِ إلَي الْعَشَرَةِ ثُمَّ لَا يحْصِيهِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَي.

(وَوَاجِبَةٌ فِي الْجُمُعَةِ، وَ الْعِيدَينِ مَعَ وُجُوبِهِمَا، وَ بِدْعَةٌ فِي النَّافِلَةِ مُطْلَقًا إلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَ الْعِيدَينِ الْمَنْدُوبَةِ، وَ الْغَدِيرِ) فِي قَوْلٍ لَمْ يجْزِمْ بِهِ الْمُصَنِّفُ إلَّا هُنَا، وَ نَسَبَهُ فِي غَيرِهِ إلَي التَّقِي، و لعلّ مَأْخَذَهُ شَرْعِيتُهَا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ و أنّه عِيدٌ.

(وَالْإِعَادَةُ) مِنْ الْإِمَامِ، أَوْ الْمَأْمُومِ، أَوْ هُمَا و أن تَرَامَتْ عَلَي الْأَقْوَي (وَيدْرِكهَا) أَي الرَّكعَةَ (بِإِدْرَاك الرُّكوعِ) بِأَنْ يجْتَمِعَا فِي حَدِّ الرَّاكعِ و لو قَبْلَ ذِكرِ الْمَأْمُومِ، أَمَّا إدْرَاك الْجَمَاعَةِ فَسَيأْتِي أَنَّهُ يحْصُلُ بِدُونِ الرُّكوعِ، و لو شَك فِي إدْرَاك حَدِّ الْإِجْزَاءِ لَمْ يحْتَسَبْ رَكعَةً، لِأَصَالَةِ عَدَمِهِ فَيتْبَعُهُ فِي السُّجُودِ، ثُمَّ يسْتَأْنِفُ.

(وَيشْتَرَطُ بُلُوغُ الْإِمَامِ) إلَّا أَنْ يؤُمَّ مِثْلَهُ، أَوْ فِي نَافِلَةٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الدُّرُوسِ، و هو يتِمُّ مَعَ كوْنِ صَلَاتِهِ شَرْعِيةً لَا تَمْرِينِيةً، (وَعَقْلُهُ) حَالَةَ الْإِمَامَةِ، و أن عَرَضَ لَهُ الْجُنُونُ فِي غَيرِهَا، كذِي الْأَدْوَارِ عَلَي كرَاهَةٍ.

(وَعَدَالَتُهُ) و هي مَلَكةٌ نَفْسَانِيةٌ بَاعِثَةٌ عَلَي مُلَازَمَةِ التَّقْوَي الَّتِي هِي الْقِيامُ بِالْوَاجِبَاتِ، وَ تَرْك الْمَنْهِياتِ الْكبِيرَةِ مُطْلَقًا، وَ الصَّغِيرَةِ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَيهَا، وَ مُلَازَمَةِ الْمُرُوءَةِ الَّتِي هِي اتِّبَاعُ مَحَاسِنِ الْعَادَاتِ، وَ اجْتِنَابُ مَسَاوِئِهَا، و ما ينْفِرُ عَنْهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ، وَ يؤْذِنُ بِخِسَّةِ النَّفْسِ وَ دَنَاءَةِ الْهِمَّةِ، وَ تُعْلَمُ بِالِاخْتِبَارِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ التَّكرَارِ الْمُطْلِعِ عَلَي الْخُلُقِ مِنْ التَّخَلُّقِ، وَ الطَّبْعِ مِنْ التَّكلُّفِ غَالِبًا.

وَ بِشَهَادَةِ عَدْلَينِ بِهَا، وَ شِياعِهَا وَ اقْتِدَاءِ الْعَدْلَينِ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، بِحَيثُ يعْلَمُ رُكونُهُمَا إلَيهِ تَزْكيةً.

وَ لَا يقْدَحُ الْمُخَالَفَةُ فِي الْفُرُوعِ، إلَّا أَنْ تَكونَ صَلَاتُهُ بَاطِلَةً عِنْدَ الْمَأْمُومِ و كان

عَلَيهِ أَنْ يذْكرَ اشْتِرَاطَ طَهَارَةِ مَوْلِدِ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ شَرْطٌ إجْمَاعًا كمَا ادَّعَاهُ فِي الذِّكرَي، فَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَا، و أن كانَ عَدْلًا.

أَمَّا وَلَدُ الشُّبْهَةِ و من تَنَالُهُ الْأَلْسُنُ مِنْ غَيرِ تَحْقِيقٍ فَلَا، (وَذُكورِيتُهُ) إنْ كانَ الْمَأْمُومُ ذَكرًا أَوْ خُنْثَي.

(وَتَؤُمُّ الْمَرْأَةُ مِثْلَهَا، وَلَا) تَؤُمُّ (ذَكرًا، وَ لَا خُنْثَي) لِاحْتِمَالِ ذُكورِيتِهِ.

(وَلَا تَؤُمُّ الْخُنْثَي غَيرَ الْمَرْأَةِ) لِاحْتِمَالِ أُنُوثِيتِهِ وَ ذُكورِيةِ الْمَأْمُومِ لَوْ كانَ خُنْثَي، (وَلَا تَصِحُّ) مَعَ جِسْمٍ (حَائِلٍ بَينَ الْإِمَامِ وَ الْمَأْمُومِ) يمْنَعُ الْمُشَاهَدَةَ أَجْمَعَ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ لِلْإِمَامِ، أَوْ مَنْ يشَاهِدُهُ مِنْ الْمَأْمُومِينَ و لو بِوَسَائِطَ مِنْهُمْ، فَلَوْ شَاهَدَ بَعْضَهُ فِي بَعْضِهَا كفَي، كمَا لَا تَمْنَعُ حَيلُولَةُ الظُّلْمَةِ وَ الْعَمَي (إلَّا فِي الْمَرْأَةِ خَلْفَ الرَّجُلِ) فَلَا يمْنَعُ الْحَائِلُ مُطْلَقًا، مَعَ عِلْمِهَا بِأَفْعَالِهِ الَّتِي يجِبُ فِيهَا الْمُتَابَعَةُ، (وَلَا مَعَ كوْنِ الْإِمَامِ أَعْلَي) مِنْ الْمَأْمُومِ (بِالْمُعْتَدِّ بِهِ) عُرْفًا فِي الْمَشْهُورِ، وَ قَدْرُهُ فِي الدُّرُوسِ بِمَا لَا يتَخَطَّي، وَ قِيلَ: بِشِبْرٍ، وَ لَا يضُرُّ عُلُوُّ الْمَأْمُومِ مُطْلَقًا مَا لَمْ يؤَدِّ إلَي الْبُعْدِ الْمُفْرِطِ، و لو كانَتْ الْأَرْضُ مُنْحَدِرَةً اُغْتُفِرَ فِيهِمَا.

وَ لَمْ يذْكرْ اشْتِرَاطَ عَدَمِ تَقَدُّمِ الْمَأْمُومِ، وَ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَقِبُ قَائِمًا، وَ الْمَقْعَدُ و هو الْأَلْيةُ جَالِسًا، وَ الْجَنْبُ نَائِمًا.

تُكرَهُ الْقِرَاءَةُ مَنْ الْمَأْمُومِ

(وَتُكرَهُ الْقِرَاءَةُ) مَنْ الْمَأْمُومِ (خَلْفَهُ فِي الْجَهْرِيةِ) الَّتِي يسْمَعُهَا و لو هَمْهَمَةً (لَا فِي السِّرِّيةِ، و لو لَمْ يسْمَعْ و لو هَمْهَمَةً) و هي الصَّوْتُ الْخَفِي مِنْ غَيرِ تَفْصِيلِ الْحُرُوفِ (فِي الْجَهْرِيةِ قَرَأَ) الْمَأْمُومُ الْحَمْدَ سِرًّا (مُسْتَحَبًّا) هَذَا هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ، أَمَّا تَرْك الْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِيةِ الْمَسْمُوعَةِ فَعَلَيهِ الْكلُّ، لَكنْ عَلَي وَجْهِ الْكرَاهَةِ عِنْدَ الْأَكثَرِ، وَ التَّحْرِيمِ عِنْدَ بَعْضٍ، لِلْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ لِسَامِعِ الْقُرْآنِ، و أمّا مَعَ عَدَمِ سَمَاعِهَا و أن

قَلَّ فَالْمَشْهُورُ الِاسْتِحْبَابُ فِي أُولَييهَا، وَ الْأَجْوَدُ إلْحَاقُ أُخْرَييهَا بِهِمَا وَ قِيلَ: تَلْحَقَانِ بِالسِّرِّيةِ.

وَ أَمَّا السِّرِّيةُ فَالْمَشْهُورُ كرَاهَةُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا، و هو اخْتِيارُ الْمُصَنِّفِ فِي سَائِرِ كتُبِهِ، وَلَكنَّهُ هُنَا ذَهَبَ إلَي عَدَمِ الْكرَاهَةِ، وَ الْأَجْوَدُ الْمَشْهُورُ.

وَ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَسْقَطَ الْقِرَاءَةَ وُجُوبًا، أَوْ اسْتِحْبَابًا مُطْلَقًا و هو أَحْوَطُ.

وَ قَدْ رَوَي زُرَارَةُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيهِ السَّلَامُ قَالَ: " كانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيهِ السَّلَامُ يقُولُ: مَنْ قَرَأَ خَلْفَ إمَامٍ يأْتَمُّ بِهِ بُعِثَ عَلَي غَيرِ الْفِطْرَةِ ".

(وَيجِبُ) عَلَي الْمَأْمُومِ (نِيةُ الِائْتِمَامِ) بِالْإِمَامِ (الْمُعَينِ) بِالِاسْمِ، أَوْ الصِّفَةِ، أَوْ الْقَصْدِ الذِّهْنِي، فَلَوْ أَخَلَّ بِهَا، أَوْ اقْتَدَي بِأَحَدِ هَذَينِ، أَوْ بِهِمَا و أن اتَّفَقَا فِعْلًا لَمْ يصِحَّ، و لو أَخْطَأَ تَعْيينَهُ بَطَلَتْ و أن كانَ أَهْلًا لَهَا.

أَمَّا الْإِمَامُ فَلَا تَجِبُ عَلَيهِ نِيةُ الْإِمَامَةِ، إلَّا أَنْ تَجِبَ الْجَمَاعَةُ كالْجُمُعَةِ فِي قَوْلٍ نَعَمْ يسْتَحَبُّ.

وَ لَوْ حَضَرَ الْمَأْمُومُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ نَوَاهَا بِقَلْبِهِ مُتَقَرِّبًا.

قْطَعُ النَّافِلَةَ إذَا أَحْرَمَ الْإِمَامُ بِالْفَرِيضَةِ

(وَيقْطَعُ النَّافِلَةَ) إذَا أَحْرَمَ الْإِمَامُ بِالْفَرِيضَةِ وَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ قَطَعَهَا مَتَي أُقِيمَتْ الْجَمَاعَةُ وَ لَمَّا يكمِّلْهَا، لِيفُوزَ بِفَضِيلَتِهَا أَجْمَعَ.

(وَ قِيلَ): وَ يقْطَعُ (الْفَرِيضَةَ) أَيضًا (لَوْ خَافَ الْفَوْتَ) أَي فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ فِي مَجْمُوعِ الصَّلَاةِ، و هو قَوِي، وَ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي غَيرِ الْكتَابِ، و في البَيانِ جَعَلَهَا كالنَّافِلَةِ، (وَإِتْمَامُهَا رَكعَتَينِ) نَدْبًا (حَسَنٌ) لِيجْمَعَ بَينَ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَ تَرْك إبْطَالِ الْعَمَلِ.

هَذَا إذَا لَمْ يخَفْ الْفَوْتَ، وَ الا قَطَعَهَا بَعْدَ النَّقْلِ إلَي النَّفْلِ.

وَ لَوْ كانَ قَدْ تَجَاوَزَ رَكعَتَينِ مِنْ الْفَرِيضَةِ فَفِي الِاسْتِمْرَارِ، أَوْ الْعُدُولِ إلَي النَّفْلِ، خُصُوصًا قَبْلَ رُكوعِ الثَّالِثَةِ؟ وَجْهَانِ، و في القَطْعِ قُوَّةٌ.

(نَعَمْ يقْطَعُهَا) أَي الْفَرِيضَةَ (لِإِمَامِ الْأَصْلِ) مُطْلَقًا اسْتِحْبَابًا فِي الْجَمِيعِ.

(وَلَوْ أَدْرَكهُ بَعْدَ الرُّكوعِ) بِأَنْ لَمْ يجْتَمِعْ مَعَهُ بَعْدَ التَّحْرِيمَةِ فِي حَدِّهِ (سَجَدَ)

مَعَهُ به غير رُكوعٍ إنْ لَمْ يكنْ رَكعَ، أَوْ رَكعَ طَلَبًا لِإِدْرَاكهِ فَلَمْ يدْرِكهُ، (ثُمَّ اسْتَأْنَفَ النِّيةَ) مُؤْتَمًّا إنْ بَقِي لِلْإِمَامِ رَكعَةٌ أُخْرَي، وَ مُنْفَرِدًا بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ إنْ أَدْرَكهُ فِي الْأَخِيرَةِ.

(بِخِلَافِ إدْرَاكهِ بَعْدَ السُّجُودِ) فَإِنَّهُ يجْلِسُ مَعَهُ وَ يتَشَهَّدُ مُسْتَحِبًّا إنْ كانَ بِتَشَهُّدٍ، وَ يكمِلُ صَلَاتَهُ (فَإِنَّهَا تَجْزِيهِ وَ يدْرِك فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ) فِي الْجُمْلَةِ (فِي الْمَوْضِعَينِ) وَ هُمَا إدْرَاكهُ بَعْدَ الرُّكوعِ وَ بَعْدَ السُّجُودِ لِلْأَمْرِ بِهَا و ليس إلَّا لِإِدْرَاكهَا.

وَ أَمَّا كوْنُهَا كفَضِيلَةِ مَنْ أَدْرَكهَا مِنْ أَوَّلِهَا فَغَيرُ مَعْلُومٍ، و لو اسْتَمَرَّ فِي الصُّورَتَينِ قَائِمًا إلَي أَنْ فَرَغَ الْإِمَامُ، أَوْ قَامَ، أَوْ جَلَسَ مَعَهُ و لم يسْجُدْ صَحَّ أَيضًا، مِنْ غَيرِ اسْتِئْنَافٍ.

وَ الضَّابِطُ أَنَّهُ يدْخُلُ مَعَهُ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ، فَإِنْ زَادَ مَعَهُ رُكنًا اسْتَأْنَفَ النِّيةَ وَ الا فَلَا، وَ فِي زِيادَةِ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَجْهَانِ أَحْوَطُهُمَا الِاسْتِئْنَافُ و ليس لِمَنْ لَمْ يدْرِك الرَّكعَةَ قَطْعُ الصَّلَاةِ به غير الْمُتَابَعَةِ اخْتِيارًا.

عَلَي الْمَأْمُومِ الْمُتَابَعَةُ لِإِمَامِهِ فِي الْأَفْعَالِ

(وَيجِبُ) عَلَي الْمَأْمُومِ (الْمُتَابَعَةُ) لِإِمَامِهِ فِي الْأَفْعَالِ إجْمَاعًا، بِمَعْنَي أَنْ لَا يتَقَدَّمَهُ فِيهَا، بَلْ إمَّا أَنْ يتَأَخَّرَ عَنْهُ و هو الْأَفْضَلُ، أَوْ يقَارِنَهُ، لَكنْ مَعَ الْمُقَارَنَةِ تَفُوتُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ و أن صَحَّتْ الصَّلَاةُ، و إنّما فَضْلُهَا مَعَ الْمُتَابَعَةِ.

أَمَّا الْأَقْوَالُ فَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ فِيهَا أَيضًا فِي غَيرِهِ، وَ أَطْلَقَ هُنَا مِمَّا يشْمَلُهُ، وَ عَدَمُ الْوُجُوبِ أَوْضَحُ إلَّا فِي تَكبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، فَيعْتَبَرُ تَأَخُّرُهُ بِهَا، فَلَوْ قَارَنَهُ أَوْ سَبَقَهُ لَمْ تَنْعَقِدْ، وَ كيف تَجِبُ الْمُتَابَعَةُ فِيمَا لَا يجِبُ سَمَاعُهُ، وَ لَا إسْمَاعُهُ إجْمَاعًا، مَعَ إيجَابِهِمْ عِلْمَهُ بِأَفْعَالِهِ، و ما ذَاك إلَّا لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ فِيهَا.

(فَلَوْ تَقَدَّمَ) الْمَأْمُومُ عَلَي الْإِمَامِ فِيمَا يجِبُ فِيهِ الْمُتَابَعَةُ (نَاسِيا تَدَارَك) مَا فَعَلَ مَعَ الْإِمَامِ، (وَعَامِدًا يأْثَمُ وَ يسْتَمِرُّ) عَلَي

حَالِهِ حَتَّي يلْحَقَهُ الْإِمَامُ، وَ النَّهْي لَاحِقٌ لِتَرْك الْمُتَابَعَةِ، لَا لِذَاتِ الصَّلَاةِ أَوْ جُزْئِهَا، و من ثَمَّ لَمْ تَبْطُلْ، و لو عَادَ بَطَلَتْ لِلزِّيادَةِ.

وَ فِي بُطْلَانِ صَلَاةِ النَّاسِي لَوْ لَمْ يعِدْ قَوْلَانِ، أَجْوَدُهُمَا الْعَدَمُ، وَ الظَّانُّ كالنَّاسِي، وَ الْجَاهِلُ عَامِدٌ.

يسْتَحَبُّ إسْمَاعُ الْإِمَامِ مَنْ خَلْفَهُ أَذْكارَهُ

(وَيسْتَحَبُّ إسْمَاعُ الْإِمَامِ مَنْ خَلْفَهُ) أَذْكارَهُ لِيتَابِعَهُ فِيهَا و أن كانَ مَسْبُوقًا، مَا لَمْ يؤَدِّ إلَي الْعُلُوِّ الْمُفْرِطِ فَيسْقُطَ الْإِسْمَاعُ الْمُؤَدِّي إلَيهِ (وَيكرَهُ الْعَكسُ) بَلْ يسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ تَرْك إسْمَاعِ الْإِمَامِ مُطْلَقًا، عَدَا تَكبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لَوْ كانَ الْإِمَامُ مُنْتَظِرًا لَهُ فِي الرُّكوعِ وَ نَحْوِهِ، و ما يفْتَحُ بِهِ عَلَي الْإِمَامِ، وَ الْقُنُوتِ عَلَي قَوْلٍ.

امامة كل من الحاضر و المسافر بصاحبه

(وَأَنْ يأْتَمَّ كلٌّ مِنْ الْحَاضِرِ وَ الْمُسَافِرِ بِصَاحِبِهِ) مُطْلَقًا، وَ قِيلَ: فِي فَرِيضَةٍ مَقْصُورَةٍ، و هو مَذْهَبُهُ فِي الْبَيانِ، (بَلْ بِالْمُسَاوِي) فِي الْحَضَرِ وَ السَّفَرِ، أَوْ فِي الْفَرِيضَةِ غَيرِ الْمَقْصُورَةِ (وَأَنْ يؤُمَّ الْأَجْذَمُ وَ الْأَبْرَصُ الصَّحِيحَ) لِلنَّهْي عَنْهُ وَ عَمَّا قَبْلَهُ فِي الْأَخْبَارِ الْمَحْمُولِ عَلَي الْكرَاهَةِ جَمْعًا (وَالْمَحْدُودُ بَعْدَ تَوْبَتِهِ) لِلنَّهْي كذَلِك، وَ سُقُوطِ مَحَلِّهِ مِنْ الْقُلُوبِ (وَالْأَعْرَابِي) و هو الْمَنْسُوبُ إلَي الْأَعْرَابِ وَ هُمْ سُكانُ الْبَادِيةِ (بِالْمُهَاجِرِ) و هو الْمَدَنِي الْمُقَابِلُ لِلْأَعْرَابِي، أَوْ الْمُهَاجِرُ حَقِيقَةً مِنْ بِلَادِ الْكفْرِ إلَي بِلَادِ الْإِسْلَامِ.

وَ وَجْهُ الْكرَاهَةِ فِي الْأَوَّلِ مَعَ النَّصِّ بُعْدُهُ عَنْ مَكارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَ مَحَاسِنِ الشِّيمِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ الْحَضَرِ، وَ حَرَّمَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ إمَامَةَ الْأَعْرَابِي عَمَلًا بِظَاهِرِ النَّهْي، وَ يمْكنُ أَنْ يرِيدَ بِهِ مَنْ لَا يعْرِفُ مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ، وَ تَفَاصِيلَ الْأَحْكامِ مِنْهُمْ الْمَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَي { الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كفْرًا وَ نِفَاقًا } أَوْ عَلَي مَنْ عَرَفَ ذَلِك وَ تَرَك الْمُهَاجَرَةَ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ تَمْتَنِعُ إمَامَتُهُ، لِإِخْلَالِهِ بِالْوَاجِبِ مِنْ التَّعَلُّمِ وَ الْمُهَاجَرَةِ (وَالْمُتَيمِّمُ

بِالْمُتَطَهِّرِ بِالْمَاءِ) لِلنَّهْي عَنْهُ وَ نَقْصِهِ لَا بِمِثْلِهِ.

(وَأَنْ يسْتَنَابَ الْمَسْبُوقُ بِرَكعَةٍ)، أَوْ مُطْلَقًا إذَا عَرَضَ لِلْإِمَامِ مَانِعٌ مِنْ الْإِتْمَامِ، بَلْ ينْبَغِي اسْتِنَابَةُ مَنْ شَهِدَ الْإِقَامَةَ.

وَ مَتَي بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَإِنْ بَقِي مُكلَّفًا فَالِاسْتِنَابَةُ لَهُ، وَ الا فَلِلْمَأْمُومِينَ، و في الثَّانِي يفْتَقِرُونَ إلَي نِيةِ الِائْتِمَامِ بِالثَّانِي، وَ لَا يعْتَبَرُ فِيهَا سِوَي الْقَصْدِ إلَي ذَلِك، وَ الْأَقْوَي فِي الْأَوَّلِ ذَلِك وَ قِيلَ: لَا، لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ الْإِمَامِ فَيكونُ بِحُكمِهِ.

ثُمَّ إنْ حَصَلَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ قَرَأَ الْمُسْتَخْلَفُ، أَوْ الْمُنْفَرِدُ، و أن كانَ فِي أَثْنَائِهَا.

فَفِي الْبِنَاءِ عَلَي مَا وَقَعَ مِنْ الْأَوَّلِ، أَوْ الِاسْتِئْنَافِ، أَوْ الِاكتِفَاءِ بِإِعَادَةِ السُّورَةِ الَّتِي فَارَقَ فِيهَا أَوْجُهٌ أَجْوَدُهَا الْأَخِيرُ.

وَ لَوْ كانَ بَعْدَهَا فَفِي إعَادَتِهَا وَجْهَانِ أَجْوَدُهُمَا الْعَدَمُ.

تَبَين عَدَمُ الْأَهْلِيةِ الْإِمَامِ لِلْإِمَامَةِ

(وَلَوْ تَبَينَ) لِلْمَأْمُومِ (عَدَمُ الْأَهْلِيةِ) مِنْ الْإِمَامِ لِلْإِمَامَةِ بِحَدَثٍ، أَوْ فِسْقٍ، أَوْ كفْرٍ (فِي الْأَثْنَاءِ انْفَرَدَ) حِينَ الْعِلْمِ.

وَ الْقَوْلُ فِي الْقِرَاءَةِ كمَا تَقَدَّمَ، (وَبَعْدَ الْفَرَاغِ لَا إعَادَةَ) عَلَي الْأَصَحِّ مُطْلَقًا لِلِامْتِثَالِ، وَ قِيلَ يعِيدُ فِي الْوَقْتِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ، و هو مَمْنُوعٌ مَعَ عَدَمِ إفْضَائِهِ إلَي الْمُدَّعَي.

عَرَضَ لِلْإِمَامِ مُخْرِجٌ مَنْ الصَّلَاةِ

(وَلَوْ عَرَضَ لِلْإِمَامِ مُخْرِجٌ) مَنْ الصَّلَاةِ لَا يخْرُجُ عَنْ الْأَهْلِيةِ كالْحَدَثِ (اسْتَنَابَ) هُوَ، وَ كذَا لَوْ تَبَينَ كوْنُهُ خَارِجًا ابْتِدَاءً لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ، وَ يمْكنُ شُمُولُ الْمُخْرِجِ فِي الْعِبَارَةِ لَهُمَا

يكره الكلام

(وَيكرَهُ الْكلَامُ) لِلْمَأْمُومِ وَ الْإِمَامِ (بَعْدَ) قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ (قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ) لِمَا رُوِي أَنَّهُمْ بَعْدَهَا كالْمُصَلِّينَ.

الْمُصَلِّي خَلْفَ مَنْ لَا يقْتَدَي بِهِ يؤَذِّنُ وَ يقِيمُ

(وَالْمُصَلِّي خَلْفَ مَنْ لَا يقْتَدَي بِهِ) لِكوْنِهِ مُخَالِفًا (يؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ وَ يقِيمُ) إنْ لَمْ يكنْ وَقَعَ مِنْهُمَا مَا يجْزِئُ عَنْ فِعْلِهِ كالْأَذَانِ لِلْبَلَدِ إذَا سَمِعَهُ، أَوْ مُطْلَقًا، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْأَذَانُ لِخَوْفِ فَوْتِ وَاجِبِ الْقِرَاءَةِ (اقْتَصَرَ) عَلَي قَوْلِهِ (قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ) مَرَّتَينِ (إلَي آخِرِ الْإِقَامَةِ)، ثُمَّ يدْخُلُ

فِي الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا بِصُورَةِ الِاقْتِدَاءِ، فَإِنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِقِرَاءَةِ السُّورَةِ سَقَطَتْ، و أن سَبَقَهُ بِالْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْضِهَا قَرَأَ إلَي حَدِّ الرَّاكعِ وَ سَقَطَ عَنْهُ مَا بَقِي، و أن سَبَقَ الْإِمَامَ سَبَّحَ اللَّهَ اسْتِحْبَابًا إلَي أَنْ يرْكعَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِك غُفِرَ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ خَالَفَهُ وَ خَرَجَ بِحَسَنَاتِهِمْ، رُوِي ذَلِك عَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ.

شرايط الامام

(وَلَا يؤُمُّ الْقَاعِدُ الْقَائِمَ) وَ كذَا جَمِيعُ الْمَرَاتِبِ، لَا يؤُمُّ النَّاقِصُ فِيهَا الْكامِلَ لِلنَّهْي وَ النَّقْصِ.

وَ لَوْ عَرَضَ الْعَجْزُ فِي الْأَثْنَاءِ انْفَرَدَ الْمَأْمُومُ الْكامِلُ حِينَئِذٍ إنْ لَمْ يمْكنْ اسْتِخْلَافُ بَعْضِهِمْ.

(وَلَا الْأُمِّي) و هو مَنْ لَا يحْسِنُ قِرَاءَةَ الْحَمْدِ وَ السُّورَةِ، أَوْ أَبْعَاضِهِمَا و لو حَرْفًا أَوْ تَشْدِيدًا، أَوْ صِفَةً وَاجِبَةً (الْقَارِئَ) و هو مَنْ يحْسِنُ ذَلِك كلَّهُ، وَ يجُوزُ بِمِثْلِهِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي شَخْصِ الْمَجْهُولِ، أَوْ نُقْصَانِ الْمَأْمُومِ، وَ عَجْزِهِمَا عَنْ التَّعْلِيمِ لِضِيقِ الْوَقْتِ، وَ عَنْ الِائْتِمَامِ بِقَارِئٍ، أَوْ أَتَمَّ مِنْهُمَا، و لو اخْتَلَفَا فِيهِ لَمْ يجُزْ و أن نَقَصَ قَدْرُ مَجْهُولِ الْإِمَامِ.

إلَّا أَنْ يقْتَدِي جَاهِلُ الْأَوَّلِ بِجَاهِلِ الْآخَرِ، ثُمَّ ينْفَرِدَ عَنْهُ بَعْدَ تَمَامِ مَعْلُومِهِ كاقْتِدَاءِ مُحْسِنِ السُّورَةِ خَاصَّةً بِجَاهِلِهَا، وَ لَا يتَعَاكسَانِ.

(وَلَا الْمُؤَفُّ اللِّسَانَ) كالْأَلْثَغِ بِالْمُثَلَّثَةِ و هو الَّذِي يبَدِّلُ حَرْفًا بِغَيرِهِ، وَ بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ و هو الَّذِي لَا يبَينُ الْكلَامَ، وَ التَّمْتَامُ وَ الْفَأْفَاءُ و هو الَّذِي لَا يحْسِنُ تَأْدِيةَ الْحَرْفَينِ (بِالصَّحِيحِ).

أَمَّا مَنْ لَمْ تَبْلُغْ آفَتُهُ إسْقَاطَ الْحَرْفِ، وَ لَا إبْدَالَهُ، أَوْ يكرِّرُهُ فَتُكرَهُ إمَامَتُهُ بِالْمُتْقِنِ خَاصَّةً. (وَيقَدَّمُ الْأَقْرَأُ) مِنْ الْأَئِمَّةِ لَوْ تَشَاحُّوا أَوْ تَشَاحَّ الْمَأْمُومُونَ، و هو الْأَجْوَدُ أَدَاءً، وَ إِتْقَانًا لِلْقِرَاءَةِ وَ مَعْرِفَةِ أَحْكامِهَا وَ مَحَاسِنِهَا، و أن كانَ أَقَلَّ حِفْظًا، فَإِنْ تَسَاوَوْا فَالْأَحْفَظُ، فَإِنْ تَسَاوَوْا فِيهِمَا (فَالْأَفْقَهُ) فِي أَحْكامِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ تَسَاوَوْا فِيهَا فَالْأَفْقَهُ فِي غَيرِهَا.

وَ

أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ فِي الذِّكرَي اعْتِبَارَ الزَّائِدِ لِخُرُوجِهِ عَنْ كمَالِ الصَّلَاةِ.

وَ فِيهِ أَنَّ الْمُرَجِّحَ لَا ينْحَصِرُ فِيهَا، بَلْ كثِيرٌ مِنْهَا كمَالٌ فِي نَفْسِهِ، و هذا مِنْهَا مَعَ شُمُولِ النَّصِّ لَهُ، فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْفِقْهِ وَ الْقِرَاءَةِ (فَالْأَقْدَمُ هِجْرَةً) مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَي دَارِ الْإِسْلَامِ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَ فِي زَمَانِنَا قِيلَ هُوَ السَّبْقُ إلَي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَ قِيلَ إلَي سُكنَي الْأَمْصَارِ مَجَازًا عَنْ الْهِجْرَةِ الْحَقِيقِيةِ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الِاتِّصَافِ بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، وَ الْكمَالَاتِ النَّفْسِيةِ، بِخِلَافِ الْقُرَي وَ الْبَادِيةِ.

وَ قَدْ قِيلَ: إنَّ الْجَفَاءَ وَ الْقَسْوَةَ فِي الْفَدَّادِينَ بِالتَّشْدِيدِ، أَوْ حَذْفِ الْمُضَافِ، وَ قِيلَ: يقَدَّمُ أَوْلَادُ مَنْ تَقَدَّمَتْ هِجْرَتُهُ عَلَي غَيرِهِ، فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي ذَلِك (فَالْأَسَنُّ) مُطْلَقًا، أَوْ فِي الْإِسْلَامِ كمَا قَيدَهُ فِي غَيرِهِ.

فَإِنْ تَسَاوَوْا فِيهِ (فَالْأَصْبَحُ) وَجْهًا، لِدَلَالَتِهِ عَلَي مَزِيدِ عِنَايةِ اللَّهِ تَعَالَي، أَوْ ذِكرًا بَينَ النَّاسِ، لِأَنَّهُ يسْتَدَلُّ عَلَي الصَّالِحِينَ بِمَا يجْرِي اللَّهُ لَهُمْ عَلَي أَلْسِنَةِ عِبَادِهِ، و لم يذْكرْ هُنَا تَرْجِيحُ الْهَاشِمِي لِعَدَمِ دَلِيلٍ صَالِحٍ لِتَرْجِيحِهِ، وَ جَعْلِهِ فِي الدُّرُوسِ بَعْدَ الْأَفْقَهِ.

وَ زَادَ بَعْضُهُمْ فِي الْمُرَجَّحَاتِ بَعْدَ ذَلِك الْأَتْقَي، وَ الْأَوْرَعَ، ثُمَّ الْقُرْعَةُ.

وَ فِي الدُّرُوسِ جَعَلَ الْقُرْعَةَ بَعْدَ الْأَصْبَحِ، وَ بَعْضُ هَذِهِ الْمُرَجَّحَاتِ ضَعِيفُ الْمُسْتَنَدِ لَكنَّهُ مَشْهُورٌ.

(وَ) الْإِمَامُ (الرَّاتِبُ) فِي مَسْجِدٍ مَخْصُوصٍ (أَوْلَي مِنْ الْجَمِيعِ) لَوْ اجْتَمَعُوا، (وَكذَا صَاحِبُ الْمَنْزِلِ) أَوْلَي مِنْهُمْ، و من الرَّاتِبِ، (وَ) صَاحِبُ (الْإِمَارَةِ) فِي إمَارَتِهِ أَوْلَي مِنْ جَمِيعِ مَنْ ذُكرَ أَيضًا.

وَأَوْلَوِيةُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ سِياسَةٌ أَدَبِيةٌ لَا فَضِيلَةٌ ذَاتِيةٌ، و لو أَذِنُوا لِغَيرِهِمْ انْتَفَتْ الْكرَاهَةُ.

لَا يتَوَقَّفُ أَوْلَوِيةُ الرَّاتِبِ عَلَي حُضُورِهِ، بَلْ ينْتَظَرُ لَوْ تَأَخَّرَ، وَ يرَاجَعُ إلَي أَنْ يضِيقَ وَقْتُ الْفَضِيلَةِ فَيسْقُطَ اعْتِبَارُهُ وَ لَا فَرْقَ فِي صَاحِبِ الْمَنْزِلِ بَينَ الْمَالِك لِلْعَينِ، وَ الْمَنْفَعَةِ، و غيرهِ كالْمُسْتَعِيرِ.

وَ لَوْ اجْتَمَعَا فَالْمَالِك أَوْلَي و

لو اجْتَمَعَ مَالِك الْأَصْلِ وَ الْمَنْفَعَةِ فَالثَّانِي أَوْلَي. (وَيكرَهُ إمَامَةُ الْأَبْرَصِ، وَ الْأَجْذَمِ، وَ الْأَعْمَي بِغَيرِهِمْ) مِمَّنْ لَا يتَّصِفُ بِصِفَتِهِمْ لِلنَّهْي عَنْهُ الْمَحْمُولِ عَلَي الْكرَاهَةِ جَمْعًا، و قد تَقَدَّمَ.

3 - كتاب الزكاة

فصل الاول: في من تجب عليه الزكاة

فصل الاول: في من تجب عليه الزكاة

كتاب الزكاة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتَابُ الزَّكاةِ وَ فُصُولُهُ أَرْبَعَةٌ (الْأَوَّلُ: تَجِبُ زَكاةُ الْمَالِ عَلَي الْبَالِغِ الْعَاقِلِ) فَلَا زَكاةَ عَلَي الصَّبِي وَ الْمَجْنُونِ فِي النَّقْدَينِ إجْمَاعًا.

وَ لَا فِي غَيرِهِمَا عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ.

نَعَمْ يسْتَحَبُّ.

وَ كذَا لَوْ اتَّجَرَ الْوَلِي، أَوْ مَأْذُونُهُ لِلطِّفْلِ وَ اجْتَمَعَتْ شَرَائِطُ التِّجَارَةِ (الْحُرِّ).

فَلَا تَجِبُ عَلَي الْعَبْدِ و لو قُلْنَا بِمِلْكهِ، لِعَدَمِ تَمَكنِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، بِالْحَجْرِ عَلَيهِ، و أن أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَي، لِتَزَلْزُلِهِ، وَ لَا فَرْقَ بَينَ الْقِنِّ وَ الْمُدَبَّرِ، وَ أُمِّ الْوَلَدِ، وَ الْمُكاتَبِ الَّذِي لَمْ يتَحَرَّرْ مِنْهُ شَيءٌ، أَمَّا مَنْ تَبَعَّضَتْ رَقَبَتُهُ فَيجِبُ فِي نَصِيبِ الْحُرِّيةِ بِشَرْطِهِ (الْمُتَمَكنِ مِنْ التَّصَرُّفِ) فِي أَصْلِ الْمَالِ، فَلَا زَكاةَ عَلَي الْمَمْنُوعِ مِنْهُ شَرْعًا، كالرَّاهِنِ غَيرِ الْمُتَمَكنِ مِنْ فَكهِ و لو بِبَيعِهِ، وَ نَاذِرِ الصَّدَقَةِ بِعَينِهِ مُطْلَقًا، أَوْ مَشْرُوطًا، و أن لَمْ يحْصُلْ شَرْطُهُ عَلَي قَوْلٍ، وَ الْمَوْقُوفِ عَلَيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَي الْأَصْلِ، أَمَّا النِّتَاجُ فَيزَكي بِشَرْطِهِ، أَوْ قَهْرًا كالْمَغْصُوبِ وَ الْمَسْرُوقِ، وَ الْمَجْحُودِ إذَا لَمْ يمْكنْ تَخْلِيصُهُ و لو بِبَعْضِهِ فَيجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَي الْفِدَاءِ، أَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ و لو بِظَالِمٍ، أَوْ لِغَيبَتِهِ بِضَلَالٍ، أَوْ إرْثٍ لَمْ يقْبَضْ و لو بِوَكيلِهِ.

(فِي الْأَنْعَامِ) الْجَارُّ يتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ السَّابِقِ، أَي تَجِبُ الزَّكاةُ بِشَرْطِهَا فِي الْأَنْعَامِ (الثَّلَاثَةِ) الْإِبِلِ وَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ بِأَنْوَاعِهَا، مِنْ عِرَابٍ، وَ بَخَاتِي وَ بَقَرٍ، وَ جَامُوسٍ، وَ مَعْزٍ، وَ ضَأْنٍ.

وَ بَدَأَ بِهَا بِالْإِبِلِ لِلْبُدَاءَةِ بِهَا فِي الْحَدِيثِ، وَ لِأَنَّ الْإِبِلَ أَكثَرُ أَمْوَالِ الْعَرَبِ، (وَالْغَلَّاتِ الْأَرْبَعِ): الْحِنْطَةِ بِأَنْوَاعِهَا، وَ مِنْهَا الْعَلْسُ وَ الشَّعِيرُ

و منه السُّلْتُ، وَ التَّمْرُ، وَ الزَّبِيبُ (وَالنَّقْدَينِ) الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ.

الزكاة فيما تنبت الارض

(وَيسْتَحَبُّ) الزَّكاةُ (فِيمَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مَنْ الْمَكيلِ وَ الْمَوْزُونِ)

، وَ اسْتَثْنَي الْمُصَنِّفُ فِي غَيرِهِ الْخُضَرَ، و هو حَسَنٌ، وَ رُوِي اسْتِثْنَاءُ الثِّمَارِ أَيضًا، (وَفِي مَالِ التِّجَارَةِ) عَلَي الْأَشْهَرِ رِوَايةً وَ فَتْوَي (وَأَوْجَبَهَا ابْنُ بَابَوَيهِ فِيهِ) اسْتِنَادًا إلَي رِوَايةٍ، حَمْلُهَا عَلَي الِاسْتِحْبَابِ طَرِيقُ الْجَمْعِ بَينَهَا، و بين مَا دَلَّ عَلَي السُّقُوطِ.

(وَفِي إنَاثِ الْخَيلِ السَّائِمَةِ) غَيرِ الْمَعْلُوفَةِ مِنْ مَالِ الْمَالِك عُرْفًا، وَ مِقْدَارُ زَكاتِهَا (دِينَارَانِ) كلُّ وَاحِدٍ مِثْقَالٌ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ، أَوْ قِيمَتُهُ، و أن زَادَتْ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ (عَنْ الْعَتِيقِ) و هو الْكرِيمُ مِنْ الطَّرَفَينِ (وَدِينَارٌ عَنْ غَيرِهِ) سَوَاءٌ كانَ رَدِيءَ الطَّرَفَينِ و هو الْبِرْذَوْنُ، بِكسْرِ الْبَاءِ أَمْ طَرَفُ الْأُمِّ و هو الْهَجِينُ، أَمْ طَرَفُ الْأَبِ و هو الْمُقْرِف، و قد يطْلَقُ عَلَي الثَّلَاثَةِ اسْمُ الْبِرْذَوْنِ.

وَ يشْتَرَطُ مَعَ السَّوْمِ أَنْ لَا تَكونَ عَوَامِلَ، و أن يخْلُصَ لِلْوَاحِدِ رَأْسٌ كامِلٌ و لو بِالشَّرِكةِ كنِصْفِ اثْنَينِ، وَ فِيهِمَا خِلَافٌ، وَ الْمُصَنِّفُ عَلَي الِاشْتِرَاطِ فِي غَيرِهِ، فَتَرْكهُ هُنَا يجُوزُ كوْنُهُ اخْتِصَارًا، أَوْ اخْتِيارًا (وَلَا يسْتَحَبُّ فِي الرَّقِيقِ وَ الْبِغَالِ وَ الْحَمِيرِ) إجْمَاعًا.

وَ يشْتَرَطُ بُلُوغُ النِّصَابِ، و هو الْمِقْدَارُ الَّذِي يشْتَرَطُ بُلُوغُهُ فِي وُجُوبِهَا، أَوْ وُجُوبِ قَدْرٍ مَخْصُوصٍ مِنْهَا.

(فَنُصُبُ الْإِبِلِ اثْنَا عَشَرَ) نِصَابًا

(خَمْسَةٌ) مِنْهَا (كلُّ وَاحِدٍ خَمْسٌ) مِنْ الْإِبِلِ (فِي كلِّ وَاحِدٍ) مِنْ النُّصُبِ الْخَمْسَةِ (شَاةٌ) بِمَعْنَي أَنَّهُ لَا يجِبُ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا فَفِيهَا شَاةٌ، ثُمَّ لَا تَجِبُ فِي الزَّائِدِ إلَي أَنْ تَبْلُغَ عَشْرًا فَفِيهَا شَاتَانِ، ثُمَّ لَا يجِبُ شَيءٌ فِي الزَّائِدِ إلَي أَنْ يبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِياهٍ، ثُمَّ فِي عِشْرِينَ أَرْبَعٌ، ثُمَّ فِي خَمْسٍ وَ عِشْرِينَ خَمْسٌ وَ لَا فَرْقَ فِيهَا

بَينَ الذَّكرِ وَ الْأُنْثَي، وَ تَأْنِيثُهَا هُنَا تَبَعًا لِلنَّصِّ بِتَأْوِيلِ الدَّابَّةِ، وَ مِثْلُهَا الْغَنَمُ بِتَأْوِيلِ الشَّاةِ.

(ثُمَّ سِتٌّ وَ عِشْرُونَ) بِزِيادَةِ وَاحِدَةٍ (فَ) فِيهَا (بِنْتُ مَخَاضٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ، أَي بِنْتُ مَا مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَكونَ مَاخِضًا أَي حَامِلًا.

وَ هِي مَا دَخَلَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيةِ (ثُمَّ سِتٌّ وَ ثَلَاثُونَ) وَ فِيهَا (بِنْتُ لَبُونٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ، أَي بِنْتٌ ذَاتِ لَبَنٍ و لو بِالصَّلَاحِيةِ وَ سِنُّهَا سَنَتَانِ إلَي ثَلَاثٍ، (ثُمَّ سِتٌّ وَ أَرْبَعُونَ) وَ فِيهَا (حِقَّةٌ) بِكسْرِ الْحَاءِ، سِنُّهَا ثَلَاثُ سِنِينَ إلَي أَرْبَعٍ فَاسْتَحَقَّتْ الْحَمْلَ، أَوْ الْفَحْلَ، (ثُمَّ إحْدَي وَ سِتُّونَ فَجَذَعَةٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَ الذَّالِ، سِنُّهَا أَرْبَعُ سِنِينَ إلَي خَمْسٍ، قِيلَ: سُمِّيتْ بِذَلِك؛ لِأَنَّهَا تَجْذَعُ مُقَدَّمَ أَسْنَانِهَا أَي تُسْقِطُهُ، (ثُمَّ سِتٌّ وَ سَبْعُونَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، ثُمَّ إحْدَي وَ تِسْعُونَ) وَ فِيهَا (حِقَّتَانِ، ثُمَّ) إذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَ إِحْدَي وَ عِشْرِينَ فَ (فِي كلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، و كلّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ) وَ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْحُكمَ بِذَلِك بَعْدَ الْإِحْدَي وَ تِسْعِينَ نَظَرٌ لِشُمُولِهِ مَا دُونَ ذَلِك، و لم يقُلْ أَحَدٌ بِالتَّخْييرِ قَبْلَ مَا ذَكرْنَاهُ مِنْ النِّصَابِ، فَإِنَّ مِنْ جُمْلَتِهِ مَا لَوْ

كانَتْ مِائَةً وَ عِشْرِينَ فَعَلَي إطْلَاقِ الْعِبَارَةِ فِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ و أن لَمْ تَزِدْ الْوَاحِدَةُ، و لم يقُلْ بِذَلِك أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَ الْمُصَنِّفُ قَدْ نَقَلَ فِي الدُّرُوسِ و في البَيانِ أَقْوَالًا نَادِرَةً و ليس مِنْ جُمْلَتِهَا ذَلِك، بَلْ اتَّفَقَ الْكلُّ عَلَي أَنَّ النِّصَابَ بَعْدَ الْإِحْدَي وَ تِسْعِينَ لَا يكونُ أَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ وَ إِحْدَي وَ عِشْرِينَ، و إنّما الْخِلَافُ فِيمَا زَادَ.

وَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَي الْإِطْلَاقِ أَنَّ الزَّائِدَ عَنْ النِّصَابِ الْحَادِي عَشَرَ لَا يحْسَبُ إلَّا بِخَمْسِينَ كالْمِائَةِ و ما زَادَ عَلَيهَا، وَ مَعَ ذَلِك فِيهِ حِقَّتَانِ و

هو صَحِيحٌ.

وَ إِنَّمَا يتَخَلَّفُ فِي الْمِائَةِ وَ عِشْرِينَ، وَ الْمُصَنِّفُ تَوَقَّفَ فِي الْبَيانِ فِي كوْنِ الْوَاحِدَةِ الزَّائِدَةِ جُزْءًا مِنْ الْوَاجِبِ، أَوْ شَرْطًا، مِنْ حَيثُ اعْتِبَارُهَا فِي الْعَدَدِ نَصًّا وَ فَتْوَي، و من أَنَّ إيجَابَ بِنْتِ اللَّبُونِ فِي كلِّ أَرْبَعِينَ يخْرِجُهَا فَيكونُ شَرْطًا لَا جُزْءًا، و هو الْأَقْوَي، فَتَجُوزُ هُنَا وَ أَطْلَقَ عَدَّهُ بِأَحَدِهِمَا.

وَ اعْلَمْ أَنَّ التَّخْييرَ فِي عَدِّهِ بِأَحَدِ الْعَدَدَينِ إنَّمَا يتِمُّ مَعَ مُطَابَقَتِهِ بِهِمَا، كالْمِائَتَينِ، وَ الا تَعَينَ الْمُطَابَقُ كالْمِائَةِ وَ إِحْدَي وَ عِشْرِينَ بِالْأَرْبَعِينَ، وَ الْمِائَةِ وَ الْخَمْسِينَ بِالْخَمْسِينَ، وَ الْمِائَةِ وَ ثَلَاثِينَ بِهِمَا.

وَ لَوْ لَمْ يطَابِقْ أَحَدَهُمَا تَحَرَّي أَقَلَّهُمَا عَفْوًا مَعَ احْتِمَالِ التَّخْييرِ مُطْلَقًا

(وَفِي الْبَقَرِ نِصَابَانِ

ثَلَاثُونَ فَتَبِيعٌ) و هو ابْنُ سَنَةٍ إلَي سَنَتَينِ، (أَوْ تَبِيعَةٌ) مُخَيرٌ فِي ذَلِك، سُمِّي بِذَلِك؛ لِأَنَّهُ تَبِعَ قَرْنُهُ أُذُنَهُ، أَوْ تَبِعَ أُمَّهُ فِي الْمَرْعَي (وَأَرْبَعُونَ فَمُسِنَّةٌ) أُنْثَي سِنُّهَا مَا بَينَ سَنَتَينِ إلَي ثَلَاثٍ.

وَ لَا يجْزِئُ الْمُسِنُّ و هكذا أَبَدًا يعْتَبَرُ بِالْمُطَابِقِ مِنْ الْعَدَدَينِ، وَ بِهِمَا مَعَ مُطَابَقَتِهِمَا كالسِّتِّينَ بِالثَّلَاثِينَ، وَ السَّبْعِينَ بِهِمَا، وَ الثَّمَانِينَ بِالْأَرْبَعِينَ.

وَ يتَخَيرُ فِي الْمِائَةِ وَ عِشْرِينَ.

(وَلِلْغَنَمِ خَمْسَةُ) نُصُبٍ

(أَرْبَعُونَ فَشَاةٌ، ثُمَّ مِائَةٌ وَ إِحْدَي وَ عِشْرُونَ فَشَاتَانِ، ثُمَّ مِائَتَانِ وَ وَاحِدَةٌ فَثَلَاثٌ، ثُمَّ ثَلَاثُمِائَةٍ وَ وَاحِدَةٌ فَأَرْبَعٌ عَلَي الْأَقْوَي)، وَ قِيلَ: ثَلَاثٌ، نَظَرًا إلَي أَنَّهُ آخِرُ النُّصُبِ، و أنّ فِي كلِّ مِائَةٍ حِينَئِذٍ شَاةً بَالِغًا مَا بَلَغَتْ.

وَ مَنْشَأُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الرِّوَاياتِ ظَاهِرًا، وَ أَصَحُّهَا سَنَدًا مَا دَلَّ عَلَي الثَّانِي، وَ أَشْهُرُهَا بَينَ الْأَصْحَابِ مَا دَلَّ عَلَي الْأَوَّلِ.

(ثُمَّ) إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ فَصَاعِدًا (فِي كلِّ مِائَةٍ شَاةٌ) و فيه إجْمَالٌ كمَا سَبَقَ فِي آخِرِ نُصُبِ الْإِبِلِ؛ لِشُمُولِهِ مَا زَادَ عَنْ الثَّلَاثِمِائَةِ وَ وَاحِدَةٍ و لم تَبْلُغْ الْأَرْبَعُمِائَةِ، فَإِنَّهُ يسْتَلْزِمُ وُجُوبَ ثَلَاثِ شِياهٍ خَاصَّةً، وَلَكنَّهُ اكتَفَي بِالنِّصَابِ

الْمَشْهُورِ، إذْ لَا قَائِلَ بِالْوَاسِطَةِ.

(وَكلَّمَا نَقَصَ عَنْ النِّصَابِ) فِي الثَّلَاثَةِ، و هو مَا بَينَ النِّصَابَينِ، و ما دُونَ الْأَوَّلِ، (فَعَفْوٌ) كالْأَرْبَعِ مِنْ الْإِبِلِ بَينَ النُّصُبِ الْخَمْسَةِ وَ قَبْلَهَا، وَ التِّسْعِ بَينَ نِصَابَي الْبَقَرِ، وَ التِّسْعَ عَشَرَ بَعْدَهُمَا، وَ الثَّمَانِينَ بَينَ نِصَابَي الْغَنَمِ، وَ مَعْنَي كوْنِهَا عَفْوًا، عَدَمُ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِهَا، فَلَا يسْقُطُ بِتَلَفِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ شَيءٌ، بِخِلَافِ تَلَفِ بَعْضِ النِّصَابِ به غير تَفْرِيطٍ، فَإِنَّهُ يسْقُطُ مِنْ الْوَاجِبِ بِحِسَابِهِ، و منه تَظْهَرُ فَائِدَةُ النِّصَابَينِ الْأَخِيرَينِ مِنْ الْغَنَمِ عَلَي الْقَوْلَينِ، فَإِنَّ وُجُوبَ الْأَرْبَعِ فِي الْأَزْيدِ وَ الْأَنْقَصِ يخْتَلِفُ حُكمُهُ مَعَ تَلَفِ بَعْضِ النِّصَابِ كذَلِك، فَيسْقُطُ مِنْ الْوَاجِبِ بِنِسْبَةِ مَا اُعْتُبِرَ مِنْ النِّصَابِ، فَبِالْوَاحِدَةِ مِنْ الثَّلَاثِمِائَةِ وَ وَاحِدَةٍ، جُزْءٌ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ جُزْءٍ وَ جُزْءٍ مِنْ أَرْبَعِ شِياهٍ، و من الْأَرْبَعِمِائَةِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ جُزْءٍ مِنْهَا.

(وَيشْتَرَطُ فِيهَا) أَي فِي الْأَنْعَامِ مُطْلَقًا (السَّوْمُ)

وَ أَصْلُهُ الرَّعْي وَ الْمُرَادُ هُنَا الرَّعْي مِنْ غَيرِ الْمَمْلُوك وَ الْمَرْجِعُ فِيهِ إلَي الْعُرْفِ، فَلَا عِبْرَةَ بِعَلَفِهَا يوْمًا فِي السَّنَةِ، وَ لَا فِي الشَّهْرِ، وَ يتَحَقَّقُ الْعَلَفُ بِإِطْعَامِهَا الْمَمْلُوك و لو بِالرَّعْي كمَا لَوْ زَرَعَ لَهَا قَصِيلًا، لَا مَا اسْتَأْجَرَهُ مِنْ الْأَرْضِ لِتَرْعَي فِيهَا، أَوْ دَفَعَهُ إلَي الظَّالِمِ عَنْ الْكلَأِ وِفَاقًا لِلدُّرُوسِ، وَ لَا فَرْقَ بَينَ وُقُوعِهِ لِعُذْرٍ، و غيرهِ.

وَ فِي تَحَقُّقِهِ بِعَلَفِ غَيرِ الْمَالِك لَهَا عَلَي وَجْهٍ لَا يسْتَلْزِمُ غَرَامَةَ الْمَالِك وَجْهَانِ.

مِنْ انْتِفَاءِ السَّوْمِ، وَ الْحِكمَةِ وَ أَجْوَدُهُمَا التَّحَقُّقُ لِتَعْلِيقِ الْحُكمِ عَلَي الِاسْمِ لَا عَلَي الْحِكمَةِ، و أن كانَتْ مُنَاسِبَةً.

وَ كذَا يشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ لَا تَكونَ عَوَامِلَ عُرْفًا، و لو فِي بَعْضِ الْحَوْلِ، و أن كانَتْ سَائِمَةً، و كان عَلَيهِ أَنْ يذْكرَهُ (وَالْحَوْلُ) وَ يحْصُلُ هُنَا (بِمُضِي أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا هِلَالِيةً) فَيجِبُ بِدُخُولِ الثَّانِي عَشَرَ، و

أن لَمْ يكمُلْ.

وَ هَلْ يسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ بِذَلِك، أَمْ يتَوَقَّفُ عَلَي تَمَامِهِ قَوْلَانِ؟ أَجْوَدُهُمَا الثَّانِي، فَيكونُ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ الْأَوَّلِ، فَلَهُ اسْتِرْجَاعُ الْعَينِ لَوْ اخْتَلَّتْ الشَّرَائِطُ فِيهِ مَعَ بَقَائِهَا، أَوْ عَلِمَ الْقَابِضُ بِالْحَالِ كمَا فِي كلِّ دَفْعٍ مُتَزَلْزِلٍ، أَوْ مُعَجَّلٍ، أَوْ غَيرِ مُصَاحِبٍ لِلنِّيةِ.

(وَلِلسِّخَالِ)

وَ هِي الْأَوْلَادُ (حَوْلٌ بِانْفِرَادِهَا) إنْ كانَتْ نِصَابًا مُسْتَقِلًّا بَعْدَ نِصَابِ الْأُمَّهَاتِ كمَا لَوْ وَلَدَتْ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسًا، أَوْ أَرْبَعُونَ مِنْ الْبَقَرِ أَرْبَعِينَ، أَوْ ثَلَاثِينَ، أَوْ لَوْ كانَ غَيرَ مُسْتَقِلٍّ فَفِي ابْتِدَاءِ حَوْلِهِ مُطْلَقًا، أَوْ مَعَ إكمَالِهِ النِّصَابَ الَّذِي بَعْدَهُ، أَوْ عَدَمِ ابْتِدَائِهِ حَتَّي يكمُلَ الْأَوَّلُ فَيجْزِي الثَّانِي لَهُمَا، أَوْجُهٌ.

أَجْوَدُهَا الْأَخِيرُ فَلَوْ كانَ عِنْدَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فَوَلَدَتْ أَرْبَعِينَ لَمْ يجِبْ فِيهَا شَيءٌ، و علي الْأَوَّلِ فَشَاةٌ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا، أَوْ ثَمَانُونَ فَوَلَدَتْ اثْنَينِ وَ أَرْبَعِينَ فَشَاةٌ لِلْأُولَي خَاصَّةً، ثُمَّ يسْتَأْنِفُ حَوْلَ الْجَمِيعِ بَعْدَ تَمَامِ الْأَوَّلِ، و علي الْأَوَّلَينِ تَجِبُ أُخْرَي عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ الثَّانِيةِ.

وَ ابْتِدَاءُ حَوْلِ السِّخَالِ (بَعْدَ غِنَائِهَا بِالرَّعْي) لِأَنَّهَا زَمَنَ الرَّضَاعِ مَعْلُوفَةٌ مِنْ مَالِ الْمَالِك و أن رَعَتْ مَعَهُ، وَ قَيدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيانِ بِكوْنِ اللَّبَنِ عَنْ مَعْلُوفَةٍ، وَ الا فَمِنْ حِينِ النِّتَاجَ، نَظَرًا إلَي الْحِكمَةِ فِي الْعَلَفِ و هو الْكلْفَةُ عَلَي الْمَالِك.

وَ قَدْ عَرَفْتَ ضَعْفَهُ، وَ اللَّبَنُ مَمْلُوك عَلَي التَّقْدِيرَينِ، وَ فِي قَوْلٍ ثَالِثٍ أَنَّ مَبْدَأَهُ النَّتَاجُ مُطْلَقًا، و هو الْمَرْوِي صَحِيحًا فَالْعَمَلُ بِهِ مُتَعَينٌ، (وَلَوْ ثُلِمَ النِّصَابُ قَبْلَ) تَمَامِ (الْحَوْلِ) و لو بِلَحْظَةٍ (فَلَا شَيءَ) لِفَقْدِ الشَّرْطِ، (وَلَوْ فَرَّ بِهِ) مِنْ الزَّكاةِ عَلَي الْأَقْوَي، و ما فَاتَهُ بِهِ مِنْ الْخَيرِ أَعْظَمُ مِمَّا أَحْرَزَهُ مِنْ الْمَالِ، كمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ.

(وَيجْزِئُ) فِي الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْإِبِلِ وَ الْغَنَمِ (الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ)

وَ هُوَ مَا كمُلَ سِنُّهُ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ، (وَالثَّنِي مِنْ الْمَعْزِ)

و هو مَا كمُلَ سِنُّهُ سَنَةً، وَ الْفَرْقُ أَنَّ وَلَدَ الضَّأْنِ ينْزُو حِينَئِذٍ، وَ الْمَعْزُ لَا ينْزُو إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ، وَ قِيلَ: إنَّمَا يجْذِعُ كذَلِك إذَا كانَ أَبَوَاهُ شَابِّينَ، وَ الا لَمْ يجْذِعْ إلَي ثَمَانِيةِ أَشْهُرٍ.

(وَلَا تُؤْخَذُ الرُّبَّي) بِضَمِّ الرَّاءِ وَ تَشْدِيدِ الْبَاءِ، و هي الْوَالِدَةُ مِنْ الْأَنْعَامِ عَنْ قُرْبٍ إلَي خَمْسَةَ عَشَرَ يوْمًا؛ لِأَنَّهَا نُفَسَاءُ، فَلَا تَجْزِي و أن رَضِي الْمَالِك، نَعَمْ لَوْ كانَتْ جُمَعٌ رُبًي لَمْ يكلَّفْ غَيرَهَا، (وَلَا ذَاتُ الْعَوَارِ) بِفَتْحِ الْعَينِ وَ ضَمِّهَا مُطْلَقُ الْعَيبِ، (وَلَا الْمَرِيضَةُ) كيفَ كانَ (وَلَا الْهَرِمَةُ) الْمُسِنَّةُ عُرْفًا، (وَلَا تُعَدُّ الْأَكولَةُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ و هي الْمُعَدَّةُ لِلْأَكلِ، وَ تُؤْخَذُ مَعَ بَذْلِ الْمَالِك لَهَا لَا بِدُونِهِ،) وَلَا) فَحْلُ (الضِّرَابِ) و هو الْمُحْتَاجُ إلَيهِ لِضَرْبِ الْمَاشِيةِ عَادَةً، فَلَوْ زَادَ كانَ كغَيرِهِ فِي الْعَدِّ أَمَّا الْإِخْرَاجُ فَلَا مُطْلَقًا، و في البَيانِ أَوْجَبَ عَدَّهَا مَعَ تَسَاوِي الذُّكورِ وَ الْإِنَاثِ، أَوْ زِيادَةِ الذُّكورِ دُونَ مَا نَقَصَ وَ أَطْلَقَ.

(وَتُجْزِئُ الْقِيمَةُ) عَنْ الْعَينِ مُطْلَقًا

، (وَ) الْإِخْرَاجُ مِنْ (الْعَينِ أَفْضَلُ) و أن كانَتْ الْقِيمَةُ أَنْفَعَ، (وَلَوْ كانَتْ الْغَنَمُ)، أَوْ غَيرُهَا مِنْ الْغَنَمِ (مَرْضَي) جُمَعٌ (فَمِنْهَا) مَعَ اتِّحَادِ نَوْعِ الْمَرَضِ، وَ الا لَمْ يجُزْ الْأَدْوَنُ، و لو مَاكسَ الْمَالِك قُسِّطَ، وَ أُخْرِجَ وَسَطٌ يقْتَضِيهِ، أَوْ الْقِيمَةُ كذَلِك وَ كذَا لَوْ كانَتْ كلُّهَا مِنْ جِنْسٍ لَا يخْرُجُ، كالرُّبَّي.

وَ الْهَرِمِ وَ الْمَعِيبِ.

(وَلَا يجْمَعُ بَينَ مُتَفَرِّقٍ فِي الْمِلْك)

وَ إِنْ كانَ مُشْتَرِكا، أَوْ مُخْتَلِطًا، مُتَّحِدَ الْمَسْرَحِ وَ الْمُرَاحِ وَ الْمُشْرَعِ، وَ الْفَحْلِ وَ الْحَالِبِ وَ الْمَحْلَبِ، بَلْ يعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي كلِّ مِلْك عَلَي حِدَتِهِ، (وَلَا يفَرَّقُ بَينَ مُجْتَمَعٍ فِيهِ) أَي فِي الْمِلْك الْوَاحِدِ و أن تَبَاعَدَ بِأَنْ كانَ لَهُ بِكلِّ بَلَدٍ شَاةٌ.

(وَأَمَّا النَّقْدَانِ - فَيشْتَرَطُ فِيهِمَا النِّصَابُ وَ السِّكةُ)

وَ

هِي النَّقْشُ الْمَوْضُوعُ لِلدَّلَالَةِ عَلَي الْمُعَامَلَةِ الْخَاصَّةِ، بِكتَابَةٍ و غيرهَا و أن هُجِرَتْ فَلَا زَكاةَ فِي السَّبَائِك وَ الْمَمْسُوحِ و أن تُعُومِلَ بِهِ، وَ الْحُلِي، وَ زَكاتُهُ إعَارَتُهُ اسْتِحْبَابًا و لو اُتُّخِذَ الْمَضْرُوبُ بِالسِّكةِ آلَةً لِلزِّينَةِ و غيرهَا لَمْ يتَغَيرْ الْحُكمُ، و أن زَادَهُ، أَوْ نَقَصَهُ مَا دَامَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهِ عَلَي وَجْهِهِ مُمْكنَةً، (وَالْحَوْلُ) و قد تَقَدَّمَ (فَنِصَابُ الذَّهَبِ) الْأَوَّلِ (عِشْرُونَ دِينَارًا) كلُّ وَاحِدٍ مِثْقَالٌ، و هو دِرْهَمٌ وَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ (ثُمَّ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ) فَلَا شَيءَ فِيمَا دُونَ الْعِشْرِينَ، وَ لَا فِيمَا دُونَ أَرْبَعَةٍ بَعْدَهَا.

بَلْ يعْتَبَرُ الزَّائِدُ أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً أَبَدًا، (وَنِصَابُ الْفِضَّةِ) الْأَوَّلِ (مِائَتَا دِرْهَمٍ)، وَ الدِّرْهَمُ نِصْفُ الْمِثْقَالِ وَ خُمُسُهُ، أَوْ ثَمَانِيةٌ وَ أَرْبَعُونَ حَبَّةَ شَعِيرٍ مُتَوَسِّطَةً، و هي سِتَّةُ دَوَانِيقَ، (ثُمَّ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) بَالِغًا مَا بَلَغَ، فَلَا زَكاةَ فِيمَا نَقَصَ عَنْهُمَا.

(وَالْمُخْرَجُ) فِي النَّقْدَينِ (رُبُعُ الْعُشْرِ) فَمِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا نِصْفُ مِثْقَالٍ، و من الْأَرْبَعَةِ قِيرَاطَانِ و من الْمِائَتَينِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، و من الْأَرْبَعِينَ دِرْهَمٌ، و لو أَخْرَجَ رُبُعَ الْعُشْرِ مِنْ جُمْلَةِ مَا عِنْدَهُ مِنْ غَيرِ أَنْ يعْتَبِرَ مِقْدَارَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِاشْتِمَالِهِ عَلَي النِّصَابِ الْأَوَّلِ أَجْزَأَ، وَ رُبَّمَا زَادَ خَيرًا وَ الْوَاجِبُ الْإِخْرَاجُ (مِنْ الْعَينِ، وَ تُجْزِئُ الْقِيمَةُ) كغَيرِهِمَا.

(وَأَمَّا الْغَلَّاتُ) - الْأَرْبَعُ

(فَيشْتَرَطُ فِيهَا التَّمَلُّك بِالزِّرَاعَةِ) إنْ كانَ مِمَّا يزْرَعُ، (أَوْ الِانْتِقَالِ) أَي انْتِقَالِ الزَّرْعِ، أَوْ الثَّمَرَةِ مَعَ الشَّجَرَةِ، أَوْ مُنْفَرِدَةً إلَي مِلْكهِ (قَبْلَ انْعِقَادِ الثَّمَرَةِ) فِي الْكرْمِ، وَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، و هو الِاحْمِرَارُ، أَوْ الِاصْفِرَارُ فِي النَّخْلِ، (وَانْعِقَادِ الْحَبِّ) فِي الزَّرْعِ فَتَجِبُ الزَّكاةُ حِينَئِذٍ عَلَي الْمُنْتَقَلِ إلَيهِ، و أن لَمْ يكنْ زَارِعًا، وَ رُبَّمَا أُطْلِقَتْ الزِّرَاعَةُ عَلَي مِلْك الْحَبِّ وَ الثَّمَرَةِ عَلَي هَذَا الْوَجْهِ.

وَ كانَ عَلَيهِ أَنْ يذْكرَ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي النَّخْلِ لِئَلَّا يدْخُلَ

فِي الِانْعِقَادِ مَعَ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ فِيهِ بِهِ، و أن كانَ الْحُكمُ بِكوْنِ الِانْتِقَالِ قَبْلَ الِانْعِقَادِ مُطْلَقًا يوجِبُ الزَّكاةَ عَلَي الْمُنْتَقَلِ إلَيهِ صَحِيحًا إلَّا أَنَّهُ فِي النَّخْلِ خَالٍ عَنْ الْفَائِدَةِ؛ إذْ هُوَ كغَيرِهِ مِنْ الْحَالَاتِ السَّابِقَةِ و قد اُسْتُفِيدَ مِنْ فَحَوَي الشَّرْطِ أَنَّ تَعَلُّقَ الْوُجُوبِ بِالْغَلَّاتِ، عِنْدَ انْعِقَادِ الْحَبِّ وَ الثَّمَرَةِ وَ بُدُوِّ صَلَاحِ النَّخْلِ، و هذا هُوَ الْمَشْهُورُ بَينَ الْأَصْحَابِ، وَ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَي أَنَّ الْوُجُوبَ لَا يتَعَلَّقُ بِهَا إلَي أَنْ يصِيرَ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ حَقِيقَةً و هو بُلُوغُهَا حَدَّ الْيبْسِ الْمُوجِبِ لِلِاسْمِ، وَ ظَاهِرُ النُّصُوصِ دَالٌ عَلَيهِ.

(وَنِصَابُهَا) الَّذِي لَا تَجِبُ فِيهَا بِدُونِ بُلُوغِهِ، وَ اكتَفَي عَنْ اعْتِبَارِهِ شَرْطًا بِذِكرِ مِقْدَارِهِ تَجَوُّزًا (أَلْفَانِ وَ سَبْعُمِائَةِ رِطْلٍ) بِالْعِرَاقِي، أَصْلُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَ مِقْدَارُ الْوَسْقِ سِتُّونَ صَاعًا، وَ الصَّاعُ تِسْعَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِي، وَ مَضْرُوبُ سِتِّينَ فِي خَمْسَةٍ، ثُمَّ فِي تِسْعَةٍ تَبْلُغُ ذَلِك، (وَتَجِبُ) الزَّكاةُ (فِي الزَّائِدِ) عَنْ النِّصَابِ (مُطْلَقًا) و أن قَلَّ بِمَعْنَي أَنْ لَيسَ لَهُ إلَّا نِصَابٌ وَاحِدٌ، وَ لَا عَفْوَ فِيهِ.

(وَالْمُخْرَجُ) مِنْ النِّصَابِ، و ما زَادَ (الْعُشْرُ إنْ سُقِي سَيحًا) بِالْمَاءِ الْجَارِي عَلَي وَجْهِ الْأَرْضِ سَوَاءٌ كانَ قَبْلَ الزَّرْعِ كالنِّيلِ، أَوْ بَعْدَهُ، (أَوْ بَعْلًا) و هو شُرْبُهُ بِعُرُوقِهِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْمَاءِ، (أَوْ عِذْيا) بِكسْرِ الْعَينِ، و هو أَنْ يسْقَي بِالْمَطَرِ، (وَنِصْفُ الْعُشْرِ بِغَيرِهِ) بِأَنْ سُقِي بِالدَّلْوِ وَ النَّاضِحِ وَ الدَّالِيةِ وَ نَحْوِهَا، (وَلَوْ سُقِي بِهِمَا فَالْأَغْلَبُ) عَدَدًا مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي النَّفْعِ، أَوْ نَفْعًا وَ نُمُوًّا، لَوْ اخْتَلَفَا وِفَاقًا لِلْمُصَنِّفِ، وَ يحْتَمَلُ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ وَ الزَّمَانِ مُطْلَقًا، (وَمَعَ التَّسَاوِي) فِيمَا اُعْتُبِرَ التَّفَاضُلُ فِيهِ.

فَالْوَاجِبُ (ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ حِينَئِذٍ فِي نِصْفِهِ الْعُشْرُ، وَ فِي نِصْفِهِ نِصْفُهُ، و ذلك ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ مِنْ الْجَمِيعِ.

وَ لَوْ أَشْكلَ

الْأَغْلَبُ اُحْتُمِلَ وُجُوبُ الْأَقَلِّ، لِلْأَصْلِ، وَ الْعُشْرُ لِلِاحْتِياطِ، وَ الْحَاقِهِ بِتَسَاوِيهِمَا لِتَحَقُّقِ تَأْثِيرِهِمَا، وَ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّفَاضُلِ و هو الْأَقْوَي.

وَ اعْلَمْ أَنَّ إطْلَاقَهُ الْحُكمَ بِوُجُوبِ الْمُقَدَّرِ فِيمَا ذُكرَ يؤْذِنُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ اسْتِثْنَاءِ الْمُؤْنَةِ، و هو قَوْلُ الشَّيخِ رَحِمَهُ اللَّهُ مُحْتَجًّا بِالْإِجْمَاعِ عَلَيهِ مِنَّا، و من الْعَامَّةِ، و لكن الْمَشْهُورَ بَعْدَ الشَّيخِ اسْتِثْنَاؤُهَا، وَ عَلَيهِ الْمُصَنِّفُ فِي سَائِرِ كتُبِهِ وَ فَتَاوَاهُ، وَ النُّصُوصُ خَالِيةٌ مِنْ اسْتِثْنَائِهَا مُطْلَقًا، نَعَمْ وَرَدَ اسْتِثْنَاءُ حِصَّةِ السُّلْطَانِ و هو أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الْمُؤْنَةِ، و أن ذُكرَتْ مِنْهَا فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ تَجَوُّزًا، وَ الْمُرَادُ بِالْمُؤْنَةِ مَا يغْرَمُهُ الْمَالِك عَلَي الْغَلَّةِ مِنْ ابْتِدَاءِ الْعَمَلِ لِأَجْلِهَا و أن تَقَدَّمَ عَلَي عَامِهَا إلَي تَمَامِ التَّصْفِيةِ وَ يبْسِ الثَّمَرَةِ وَ مِنْهَا الْبَذْرُ، و لو اشْتَرَاهُ اُعْتُبِرَ الْمِثْلُ، أَوْ الْقِيمَةُ، وَ يعْتَبَرُ النِّصَابُ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا عَلَي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ، و ما تَأَخَّرَ عَنْهُ يسْتَثْنَي و لو مِنْنَفْسِهِ وَ يزَكي الْبَاقِي و أن قَلَّ، وَ حِصَّةُ السُّلْطَانِ كالثَّانِي، و لو اشْتَرَي الزَّرْعَ أَوْ الثَّمَرَةَ فَالثَّمَنُ مِنْ الْمُؤْنَةِ، و لو اشْتَرَاهَا مَعَ الْأَصْلِ وَزَّعَ الثَّمَنَ عَلَيهِمَا، كمَا يوَزِّعُ الْمُؤْنَةَ عَلَي الزَّكوِي و غيرهِ لَوْ جَمَعَهُمَا، وَ يعْتَبَرُ مَا غَرِمَهُ بَعْدَهُ، وَ يسْقُطُ مَا قَبْلَهُ، كمَا يسْقُطُ اعْتِبَارُ الْمُتَبَرِّعِ، و أن كانَ غُلَامَهُ أَوْ وَلَدَهُ.

فصل الثاني: زكاة التجارة

فصل الثاني: زكاة التجارة

(الْفَصْلُ الثَّانِي - إنَّمَا تُسْتَحَبُّ زَكاةُ التِّجَارَةِ مَعَ) مُضِي (الْحَوْلِ) السَّابِقِ، (وَقِيامِ رَأْسِ الْمَالِ فَصَاعِدًا) طُولَ الْحَوْلِ و لو طُلِبَ الْمَتَاعُ بِأَنْقَصَ مِنْهُ و أن قَلَّ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ فَلَا زَكاةَ، (وَنِصَابُ الْمَالِيةِ) و هي النَّقْدَانِ بِأَيهِمَا بَلَغَ إنْ كانَ أَصْلُهُ عُرُوضًا وَ الا فَنِصَابُ أَصْلِهِ و أن نَقَصَ بِالْآخَرِ وَ فُهِمَ مِنْ الْحَصْرِ أَنَّ قَصْدَ الِاكتِسَابِ عِنْدَ التَّمَلُّك لَيسَ بِشَرْطٍ

و هو قَوِي، وَ بِهِ صَرَّحَ فِي الدُّرُوسِ و أن كانَ الْمَشْهُورُ خِلَافَهُ، و هو خِيرَةُ الْبَيانِ، و لو كانَتْ التِّجَارَةُ بِيدِ عَامِلٍ فَنَصِيبُ الْمَالِك مِنْ الرِّبْحِ يضَمُّ إلَي الْمَالِ، وَ يعْتَبَرُ بُلُوغُ حِصَّةِ الْعَامِلِ نِصَابًا فِي ثُبُوتِهَا عَلَيهِ وَ حَيثُ تَجْتَمِعُ الشَّرَائِطُ (فَيخْرِجُ رُبُعَ عُشْرِ الْقِيمَةِ) كالنَّقْدَينِ.

(وَحُكمُ بَاقِي أَجْنَاسِ الزَّرْعِ) الَّذِي يسْتَحَبُّ فِيهِ الزَّكاةُ (حُكمُ الْوَاجِبِ) فِي اعْتِبَارِ النِّصَابِ وَ الزِّرَاعَةِ، و ما فِي حُكمِهَا، وَ قَدْرِ الْوَاجِبِ و غيرهَا.

(وَلَا يجُوزُ تَأْخِيرُ الدَّفْعِ) لِلزَّكاةِ

(عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ) إنْ جَعَلْنَا وَقْتَهُ وَ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ وَاحِدًا، و هو التَّسْمِيةُ بِأَحَدِ الْأَرْبَعَةِ، و علي الْمَشْهُورِ فَوَقْتُ الْوُجُوبِ مُغَايرٌ لِوَقْتِ الْإِخْرَاجِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّصْفِيةِ، وَ يبْسِ الثَّمَرَةِ، وَ يمْكنُ أَنْ يرِيدَ بِوَقْتِ الْوُجُوبِ وُجُوبَ الْإِخْرَاجِ، لَا وُجُوبَ الزَّكاةِ، لِينَاسِبَ مَذْهَبَهُ؛ إذْ يجُوزُ عَلَي التَّفْصِيلِ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْوُجُوبِ إجْمَاعًا، إلَي وَقْتِ الْإِخْرَاجِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا (مَعَ الْإِمْكانِ)، فَلَوْ تَعَذَّرَ لِعَدَمِ التَّمَكنِ مِنْ الْمَالِ، أَوْ الْخَوْفِ مِنْ التَّغَلُّبِ أَوْ عَدَمِ الْمُسْتَحِقِّ جَازَ التَّأْخِيرُ إلَي زَوَالِ الْعُذْرِ، (فَيضْمَنُ بِالتَّأْخِيرِ) لَا لِعُذْرٍ، و أن تَلِفَ الْمَالُ به غير تَفْرِيطٍ، (وَيأْثَمُ) لِلْإِخْلَالِ بِالْفَوْرِيةِ الْوَاجِبَةِ، وَ كذَا الْوَكيلُ وَ الْوَصِي بِالتَّفْرِقَةِ لَهَا وَ لِغَيرِهَا.

وَ جَوَّزَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ تَأْخِيرَهَا لِانْتِظَارِ الْأَفْضَلِ، أَوْ التَّعْمِيمِ و في البَيانِ كذَلِك، وَ زَادَ تَأْخِيرُهَا لِمُعْتَادِ الطَّلَبِ مِنْهُ بِمَا لَا يؤَدِّي إلَي الْإِهْمَالِ وَ آخَرُونَ شَهْرًا، وَ شَهْرَينِ مُطْلَقًا خُصُوصًا مَعَ الْمَزِيةِ و هو قَوِي (وَلَا يقَدَّمُ عَلَي وَقْتِ الْوُجُوبِ) عَلَي أَشْهَرِ الْقَوْلَينِ (وَإِلَّا قَرْضًا، فَتُحْتَسَبُ) بِالنِّيةِ (عِنْدَ الْوُجُوبِ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْقَابِضِ عَلَي الصِّفَةِ) الْمُوجِبَةِ لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَوْ خَرَجَ عَنْهَا و لو بِاسْتِغْنَائِهِ بِنَمَائِهَا لَا بِأَصْلِهَا، وَ لَا بِهِمَا أُخْرِجَتْ عَلَي غَيرِهِ.

(وَلَا يجُوزُ نَقْلُهَا عَنْ بَلَدِ الْمَالِ إلَّا مَعَ

إعْوَازِ الْمُسْتَحِقِّ)

فِيهِ فَيجُوزُ إخْرَاجُهَا إلَي غَيرِهِ مُقَدِّمًا لِلْأَقْرَبِ إلَيهِ فَالْأَقْرَبُ، إلَّا أَنْ يخْتَصَّ الْأَبْعَدُ بِالْأَمْنِ، وَ أُجْرَةُ النَّقْلِ حِينَئِذٍ عَلَي الْمَالِك (فَيضْمَنُ) لَوْ نَقَلَهَا إلَي غَيرِ الْبَلَدِ (لَا مَعَهُ) أَي لَا مَعَ الْإِعْوَازِ، (وَفِي الْإِثْمِ قَوْلَانِ) أَجْوَدُهُمَا و هو خِيرَةُ الدُّرُوسِ الْعَدَمُ، لِصَحِيحَةِ هِشَامٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ، (وَيجْزِئُ) لَوْ نَقَلَهَا، أَوْ أَخْرَجَهَا فِي غَيرِهِ عَلَي الْقَوْلَينِ، مَعَ احْتِمَالِ الْعَدَمِ؛ لِلنَّهْي عَلَي الْقَوْلِ بِهِ.

وَ إِنَّمَا يتَحَقَّقُ نَقْلُ الْوَاجِبِ مَعَ عَزْلِهِ قَبْلَهُ بِالنِّيةِ، وَ الا فَالذَّاهِبُ مِنْ مَالِهِ لِعَدَمِ تَعْيينِهِ، و أن عَدِمَ الْمُسْتَحِقُّ، ثُمَّ إنْ كانَ الْمُسْتَحِقُّ مَعْدُومًا فِي الْبَلَدِ جَازَ الْعَزْلُ قَطْعًا، وَ الا فَفِيهِ نَظَرٌ، مِنْ أَنَّ الدَّينَ لَا يتَعَينُ بِدُونِ قَبْضِ مَالِكهِ، أَوْ مَا فِي حُكمِهِ مَعَ الْإِمْكانِ، وَ اسْتَقْرَبَ فِي الدُّرُوسِ صِحَّةَ الْعَزْلِ بِالنِّيةِ مُطْلَقًا، وَ عَلَيهِ تُبْتَنَي الْمَسْأَلَةُ هُنَا، و أمّا نَقْلُ قَدْرِ الْحَقِّ بِدُونِ النِّيةِ فَهُوَ كنَقْلِ شَيءٍ مِنْ مَالِهِ، فَلَا شُبْهَةَ فِي جَوَازِهِ مُطْلَقًا.

فَإِذَا صَارَ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَفِي جَوَازِ احْتِسَابِهِ عَلَي مُسْتَحِقِّيهِ مَعَ وُجُودِهِمْ فِي بَلَدِهِ عَلَي الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ نَظَرٌ، مِنْ عَدَمِ صِدْقِ النَّقْلِ الْمُوجِبِ لِلتَّغْرِيرِ بِالْمَالِ، وَ جَوَازِ كوْنِ الْحِكمَةِ نَفْعَ الْمُسْتَحِقِّينَ بِالْبَلَدِ وَ عَلَيهِ يتَفَرَّعُ مَا لَوْ احْتَسَبَ الْقِيمَةَ فِي غَيرِ بَلَدِهِ، أَوْ الْمِثْلَ مِنْ غَيرِهِ

فَصْلُ الثَّالِثُ - فِي الْمُسْتَحِقِّ

فَصْلُ الثَّالِثُ - فِي الْمُسْتَحِقِّ

(الْفَصْلُ الثَّالِثُ - فِي الْمُسْتَحِقِّ) اللَّامُ لِلْجِنْسِ أَوْ الِاسْتِغْرَاقِ، فَإِنَّ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا ثَمَانِيةُ أَصْنَافٍ (وَهُمْ الْفُقَرَاءُ وَ الْمَسَاكينُ، وَ يشْمَلُهُمَا مَنْ لَا يمْلِك مُؤْنَةَ سَنَةٍ) فِعْلًا أَوْ قُوَّةً لَهُ وَ لِعِيالِهِ الْوَاجِبِي النَّفَقَةِ بِحَسَبِ حَالِهِ فِي الشَّرَفِ و ما دُونَهُ.

وَ اخْتُلِفَ فِي أَنَّ أَيهُمَا أَسْوَأُ حَالًا مَعَ اشْتِرَاكهِمَا فِيمَا ذُكرَ، وَ لَا ثَمَرَةَ مُهِمَّةٌ فِي تَحْقِيقِ ذَلِك لِلْإِجْمَاعِ عَلَي إرَادَةِ كلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ حَيثُ

يفْرَدُ، و علي اسْتِحْقَاقِهِمَا مِنْ الزَّكاةِ، و لم يقَعَا مُجْتَمِعَينِ إلَّا فِيهَا، و إنّما تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي أُمُورٍ نَادِرَةٍ.

(وَالْمَرْوِي) فِي صَحِيحَةِ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ (أَنَّ الْمِسْكينَ أَسْوَأُ حَالًا) لِأَنَّهُ قَالَ: " الْفَقِيرُ الَّذِي لَا يسْأَلُ النَّاسَ، وَ الْمِسْكينُ أَجْهَدُ مِنْهُ " و هو مُوَافِقٌ لِنَصِّ أَهْلِ اللُّغَةِ أَيضًا، (وَالدَّارُ وَ الْخَادِمُ) اللَّائِقَانِ بِحَالِ مَالِكهِمَا كمْيةً وَ كيفِيةً (مِنْ الْمُؤْنَةِ)، وَ مِثْلُهُمَا ثِيابُ التَّجَمُّلِ وَ فَرَسُ الرُّكوبِ، وَ كتُبُ الْعِلْمِ، وَ ثَمَنُهَا لِفَاقِدِهَا، وَ يتَحَقَّقُ مُنَاسَبَةُ الْحَالِ فِي الْخَادِمِ بِالْعَادَةِ، أَوْ الْحَاجَةِ و لو إلَي أَزْيدَ مِنْ وَاحِدٍ، و لو زَادَ أَحَدُهَا فِي إحْدَاهُمَا تَعَينَ الِاقْتِصَارُ عَلَي اللَّائِقِ.

(وَيمْنَعُ ذُو الصَّنْعَةِ) اللَّائِقَةِ بِحَالِهِ، (وَالضَّيعَةِ) وَ نَحْوِهَا مِنْ الْعَقَارِ (إذَا نَهَضَتْ بِحَاجَتِهِ)، وَ الْمُعْتَبَرُ فِي الضَّيعَةِ نَمَاؤُهَا لَا أَصْلُهَا فِي الْمَشْهُورِ، وَ قِيلَ: يعْتَبَرُ الْأَصْلُ، وَ مُسْتَنَدُ الْمَشْهُورِ ضَعِيفٌ، وَ كذَا الصَّنْعَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَي الْآلَاتِ، و لو اشْتَغَلَ عَنْ الْكسْبِ بِطَلَبِ عِلْمٍ دِينِي جَازَ لَهُ تَنَاوُلُهَا و أن قَدَرَ عَلَيهِ لَوْ تَرَك نَعَمْ لَوْ أَمْكنَ الْجَمْعُ بِمَا لَا ينَافِيهِ تَعَينَ، (وَإِلَّا) تَنْهَضَا بِحَاجَتِهِ (تَنَاوَلَ التَّتِمَّةَ) لِمُؤْنَةِ السَّنَةِ (لَا غَيرُ) إنْ أَخَذَهَا دَفْعَةً، أَوْ دَفَعَاتٍ، أَمَّا لَوْ أُعْطِي مَا يزِيدُ دَفْعَةً صَحَّ كغَيرِ الْمُكتَسِبِ، وَ قِيلَ: بِالْفَرْقِ وَ اسْتَحْسَنَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيانِ، و هو ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ هُنَا وَ تَرَدَّدَ فِي الدُّرُوسِ.

وَ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَي غَيرِهِ غَنِي مَعَ بَذْلِ الْمُنْفِقِ، لَا بِدُونِهِ مَعَ عَجْزِهِ.

(وَالْعَامِلُونَ) عَلَيهَا (وَهُمْ السُّعَاةُ فِي تَحْصِيلِهَا) وَ تَحْصِينِهَا بِجِبَايةٍ، وَ وِلَايةٍ، وَ كتَابَةٍ، وَ حِفْظٍ، وَ حِسَابٍ، وَ قِسْمَةٍ، و غيرهَا، وَ لَا يشْتَرَطُ فَقْرُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَسِيمُهُمْ، ثُمَّ إنْ عُينَ لَهُمْ قَدْرٌ بِجَعَالَةٍ، أَوْ إجَارَةٍ تَعَينَ، و أن قَصُرَ مَا حَصَّلُوهُ عَنْهُ فَيكمَلُ

لَهُمْ مِنْ بَيتِ الْمَالِ، وَ الا أُعْطُوا بِحَسَبِ مَا يرَاهُ الْإِمَامُ.

(وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ - وَ هُمْ كفَّارٌ يسْتَمَالُونَ إلَي الْجِهَادِ) بِالْإِسْهَامِ لَهُمْ مِنْهَا، (قِيلَ) وَ الْقَائِلُ الْمُفِيدُ وَ الْفَاضِلَانِ: (وَمُسْلِمُونَ أَيضًا) وَ هُمْ أَرْبَعُ فِرَقٍ، قَوْمٌ لَهُمْ نُظَرَاءُ مِنْ الْمُشْرِكينَ إذَا أُعْطِي الْمُسْلِمُونَ رَغِبَ نُظَرَاؤُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَ قَوْمٌ نِياتُهُمْ ضَعِيفَةٌ فِي الدِّينِ يرْجَي بِإِعْطَائِهِمْ قُوَّةُ نِيتِهِمْ، وَ قَوْمٌ بِأَطْرَافِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ إذَا أُعْطُوا مَنَعُوا الْكفَّارَ مِنْ الدُّخُولِ، أَوْ رَغَّبُوهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَ قَوْمٌ جَاوَرُوا قَوْمًا تَجِبُ عَلَيهِمْ الزَّكاةُ إذَا أُعْطُوا مِنْهَا جَبَوْهَا مِنْهُمْ وَ أَغْنَوْا عَنْ عَامِلٍ.

وَ نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ إلَي الْقِيلِ، لِعَدَمِ اقْتِضَاءِ ذَلِك الِاسْمِ؛ إذْ يمْكنُ رَدُّ مَا عَدَا الْأَخِيرَ إلَي سَبِيلِ اللَّهِ، وَ الْأَخِيرُ إلَي الْعِمَالَةِ.

وَ حَيثُ لَا يوجَبُ الْبَسْطُ، وَ تُجْعَلُ الْآيةُ، لِبَيانِ الْمَصْرِفِ كمَا هُوَ الْمُتَصَوَّرُ تَقِلُّ فَائِدَةُ الْخِلَافِ؛ لِجَوَازِ إعْطَاءِ الْجَمِيعِ مِنْ الزَّكاةِ فِي الْجُمْلَةِ.

(وَفِي الرِّقَابِ) - جَعَلَ الرِّقَابَ ظَرْفًا لِلِاسْتِحْقَاقِ تَبَعًا لِلْآيةِ، وَ تَنْبِيهًا عَلَي أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُمْ لَيسَ عَلَي وَجْهِ الْمِلْك، أَوْ الِاخْتِصَاصِ كغَيرِهِمْ، إذْ يتَعَينُ عَلَيهِمْ صَرْفُهَا فِي الْوَجْهِ الْخَاصِّ، بِخِلَافِ غَيرِهِمْ، وَ مَثَلُهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَ الْمُنَاسِبُ لِبَيانِ الْمُسْتَحِقِّ التَّعْبِيرُ بِالرِّقَابِ وَ سَبِيلِ اللَّهِ، به غير حَرْفِ الْجَرِّ (وَهُمْ الْمُكاتَبُونَ) مَعَ قُصُورِ كسْبِهِمْ عَنْ أَدَاءِ مَالِ الْكتَابَةِ، (وَالْعَبِيدُ تَحْتَ الشِّدَّةِ) عِنْدَ مَوْلَاهُمْ، أَوْ مَنْ سُلِّطَ عَلَيهِمْ، وَ الْمَرْجِعُ فِيهَا إلَي الْعُرْفِ، فَيشْتَرَوْنَ مِنْهَا وَ يعْتَقُونَ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَنِيةُ الزَّكاةِ مُقَارِنَةٌ لِدَفْعِ الثَّمَنِ إلَي الْبَائِعِ، أَوْ لِلْعِتْقِ، وَ يجُوزُ شِرَاءُ الْعَبْدِ و أن لَمْ يكنْ فِي شِدَّةٍ مَعَ تَعَذُّرِ الْمُسْتَحِقِّ مُطْلَقًا عَلَي الْأَقْوَي، وَ مَعَهُ مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ إنْ جَعَلْنَاهُ كلَّ.

قُرْبَةٍ.

(وَالْغَارِمُونَ - وَ هُمْ الْمَدِينُونَ فِي غَيرِ مَعْصِيةٍ) وَ لَا يتَمَكنُونَ مِنْ الْقَضَاءِ فَلَوْ اسْتَدَانُوا وَ

أَنْفَقُوهُ فِي مَعْصِيةٍ مُنِعُوا مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ، وَ جَازَ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ إنْ كانُوا مِنْهُمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ، إنْ اشْتَرَطْنَاهَا، أَوْ مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ (وَالْمَرْوِي) عَنْ الرِّضَا عَلَيهِ السَّلَامُ مُرْسَلًا (أَنَّهُ لَا يعْطَي مَجْهُولُ الْحَالِ) فِيمَا أَنْفَقَ هَلْ هُوَ فِي طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيةٍ، وَ لِلشَّك فِي الشَّرْطِ، وَ أَجَازَهُ جَمَاعَةٌ حَمْلًا لِتَصَرُّفِ الْمُسْلِمِ عَلَي الْجَائِزِ، و هو قَوِي، (وَيقَاصُّ الْفَقِيرُ بِهَا) بِأَنْ يحْتَسِبَهَا صَاحِبُ الدَّينِ عَلَيهِ إنْ كانَتْ عَلَيهِ وَ يأْخُذَهَا مُقَاصَّةً مِنْ دَينِهِ و أن لَمْ يقْبِضَهَا الْمَدْيونُ و لم يوَكلْ فِي قَبْضِهَا، وَ كذَا يجُوزُ لِمَنْ هِي عَلَيهِ دَفْعُهَا إلَي رَبِّ الدَّينِ كذَلِك، (وَإِنْ مَاتَ) الْمَدْيونُ مَعَ قُصُورِ تَرِكتِهِ عَنْ الْوَفَاءِ، أَوْ جَهْلِ الْوَارِثِ بِالدَّينِ، أَوْ جُحُودِهِ وَ عَدَمِ إمْكانِ إثْبَاتِهِ شَرْعًا، وَ الْأَخْذِ مِنْهُ مُقَاصَّةً.

وَ قِيلَ: يجُوزُ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَي انْتِقَالِ التَّرِكةِ إلَي الْوَارِثِ، فَيصِيرُ فَقِيرًا و هو ضَعِيفٌ لِتَوَقُّفِ تَمَكنِهِ مِنْهَا عَلَي قَضَاءِ الدَّينِ لَوْ قِيلَ بِهِ، (أَوْ كانَ وَاجِبَ النَّفَقَةِ) أَي كانَ الدَّينُ عَلَي مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَي رَبِّ الدَّينِ، فَإِنَّهُ يجُوزُ مُقَاصَّتُهُ بِهِ مِنْهَا، وَ لَا يمْنَعُ مِنْهَا وُجُوبُ نَفَقَتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمُؤْنَةُ، لَا وَفَاءُ الدَّينِ، وَ كذَا يجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ إلَيهِ مِنْهَا لِيقْضِيهُ إذَا كانَ لِغَيرِهِ، كمَا يجُوزُ إعْطَاؤُهُ غَيرَهُ مِمَّا لَا يجِبُ بَذْلُهُ كنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ.

(وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ - و هو الْقُرَبُ كلُّهَا) عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ؛ لِأَنَّ سَبِيلَ اللَّهِ لُغَةً: الطَّرِيقُ إلَيهِ، وَ الْمُرَادُ هُنَا الطَّرِيقُ إلَي رِضْوَانِهِ وَ ثَوَابِهِ؛ لِاسْتِحَالَةِ التَّحَيزِ عَلَيهِ فَيدْخُلُ فِيهِ مَا كانَ وُصْلَةً إلَي ذَلِك، كعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَ مَعُونَةِ الْمُحْتَاجِينَ، وَ إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَينِ وَ إِقَامَةِ نِظَامِ الْعِلْمِ وَ الدِّينِ، وَ ينْبَغِي تَقْييدُهُ بِمَا لَا يكونُ فِيهِ مَعُونَةٌ لِغَنِي لَا يدْخُلُ فِي

الْأَصْنَافِ، وَ قِيلَ: يخْتَصُّ بِالْجِهَادِ السَّائِغِ، وَ الْمَرْوِي الْأَوَّلُ.

(وَابْنُ السَّبِيلِ - و هو الْمُنْقَطِعُ بِهِ) فِي غَيرِ بَلَدِهِ، (وَلَا يمْنَعُ غِنَاهُ فِي بَلَدِهِ مَعَ عَدَمِ تَمَكنِهِ مِنْ الِاعْتِياضِ عَنْهُ) بِبَيعٍ، أَوْ اقْتِرَاضٍ، أَوْ غَيرِهِمَا، وَ حِينَئِذٍ فَيعْطَي مَا يلِيقُ بِحَالِهِ مِنْ الْمَأْكولِ، وَ الْمَلْبُوسِ، وَ الْمَرْكوبِ، إلَي أَنْ يصِلَ إلَي بَلَدِهِ بَعْدَ قَضَاءِ الْوَطَرِ، أَوْ إلَي مَحَلٍّ يمْكنُهُ الِاعْتِياضُ فِيهِ، فَيمْنَعُ حِينَئِذٍ، وَ يجِبُ رَدُّ الْمَوْجُودِ مِنْهُ، و أن كانَ مَأْكولًا عَلَي مَالِكهِ، أَوْ وَكيلِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَإِلَي الْحَاكمِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ صَرَفَهُ بِنَفْسِهِ إلَي مُسْتَحِقِّ الزَّكاةِ.

وَ مُنْشِئُ السَّفَرِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَيهِ، وَ لَا يقْدِرُ عَلَي مَالٍ يبَلِّغُهُ ابْنُ سَبِيلٍ عَلَي الْأَقْوَي.

(وَمِنْهُ) أَي مِنْ ابْنِ السَّبِيلِ (الضَّيفُ)، بَلْ قِيلَ: بِانْحِصَارِهِ فِيهِ إذَا كانَ نَائِيا عَنْ بَلَدِهِ، و أن كانَ غَنِيا فِيهَا، مَعَ حَاجَتِهِ إلَي الضِّيافَةِ، وَ النِّيةُ عِنْدَ شُرُوعِهِ فِي الْأَكلِ، وَ لَا يحْتَسَبُ عَلَيهِ إلَّا مَا أَكلَ و أن كانَ مَجْهُولًا.

(وَيشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِيمَنْ عَدَا الْمُؤَلَّفَةِ) قُلُوبُهُمْ

مِنْ أَصْنَافِ الْمُسْتَحِقِّينَ، أَمَّا الْمُؤَلَّفَةُ فَلَا؛ لِأَنَّ كفْرَهُمْ مَانِعٌ مِنْ الْعَدَالَةِ، وَ الْغَرَضُ مِنْهُمْ يحْصُلُ بِدُونِهَا أَمَّا اعْتِبَارُ عَدَالَةِ الْعَامِلِ فَمَوْضِعُ وِفَاقٍ، أَمَّا غَيرُهُ فَاشْتِرَاطُ عَدَالَتِهِ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ، بَلْ ادَّعَي الْمُرْتَضَي فِيهِ الْإِجْمَاعَ، (وَلَوْ كانَ السَّفَرُ) مِنْ ابْنِ السَّبِيلِ (مَعْصِيةً مُنِعَ) كمَا يمْنَعُ الْفَاسِقُ فِي غَيرِهِ، (وَ) لَا تُعْتَبَرُ الْعَدَالَةُ (فِي الطِّفْلِ)؛ لِعَدَمِ إمْكانِهَا فِيهِ، بَلْ (يعْطَي الطِّفْلُ، و لو كانَ أَبَوَاهُ فَاسْقِينَ) اتِّفَاقًا، (وَ قِيلَ: الْمُعْتَبَرُ) فِي الْمُسْتَحِقِّ غَيرِ مَنْ اُسْتُثْنِي بِاشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ، أَوْ بِعَدَمِهَا (تَجَنُّبُ الْكبَائِرِ) دُونَ غَيرِهَا مِنْ الذُّنُوبِ و أن أَوْجَبَتْ فِسْقًا، لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ عَلَي مَنْعِ شَارِبِ الْخَمْرِ و هو مِنْ الْكبَائِرِ، و لم يدُلَّ عَلَي مَنْعِ الْفَاسِقِ مُطْلَقًا، وَ الْحِقَ بِهِ غَيرُهُ

مِنْ الْكبَائِرِ لِلْمُسَاوَاةِ.

وَ فِيهِ نَظَرٌ لِمَنْعِ الْمُسَاوَاةِ، وَ بُطْلَانِ الْقِياسِ، وَ الصَّغَائِرُ إنْ أَصَرَّ عَلَيهَا أُلْحِقَتْ بِالْكبَائِرِ، وَ الا لَمْ تُوجِبْ الْفِسْقَ، وَ الْمُرُوءَةُ غَيرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْعَدَالَةِ هُنَا عَلَي مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَلَزِمَ مِنْ اشْتِرَاطِ تَجَنُّبِ الْكبَائِرِ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ، وَ مَعَ ذَلِك لَا دَلِيلَ عَلَي اعْتِبَارِهَا، وَ الْإِجْمَاعُ مَمْنُوعٌ، وَ الْمُصَنِّفُ لَمْ يرَجِّحْ اعْتِبَارَهَا، إلَّا فِي هَذَا الْكتَابِ، و لو اُعْتُبِرَتْ لَزِمَ مَنْعُ الطِّفْلِ، لِتَعَذُّرِهَا مِنْهُ، وَ تَعَذُّرُ الشَّرْطِ غَيرُ كافٍ فِي سُقُوطِهِ، وَ خُرُوجُهُ بِالْإِجْمَاعِ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ. (وَيعِيدُ الْمُخَالِفُ الزَّكاةَ لَوْ أَعْطَاهَا مِثْلَهُ)، بَلْ غَيرَ الْمُسْتَحِقِّ مُطْلَقًا (وَلَا يعِيدُ بَاقِي الْعِبَادَاتِ) الَّتِي أَوْقَعَهَا عَلَي وَجْهِهَا بِحَسَبِ مُعْتَقَدِهِ، وَ الْفَرْقُ أَنَّ الزَّكاةَ دَينٌ، و قد دَفَعَهُ إلَي غَيرِ مُسْتَحِقِّهِ، وَ الْعِبَادَاتُ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَي، و قد أَسْقَطَهَا عَنْهُ رَحْمَةً كمَا أَسْقَطَهَا عَنْ الْكافِرِ إذَا أَسْلَمَ، و لو كانَ الْمُخَالِفُ قَدْ تَرَكهَا أَوْ فَعَلَهَا عَلَي غَيرِ الْوَجْهِ قَضَاهَا، وَ الْفَرْقُ بَينَهُ و بين الْكافِرِ قُدُومُهُ عَلَي الْمَعْصِيةِ بِذَلِك، وَ الْمُخَالَفَةُ لِلَّهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ فَعَلَهَا عَلَي الْوَجْهِ، كالْكافِرِ إذَا تَرَكهَا.

(وَيشْتَرَطُ) فِي الْمُسْتَحِقِّ

(أَنْ لَا يكونَ وَاجِبَ النَّفَقَةِ عَلَي الْمُعْطِي) مِنْ حَيثُ الْفَقْرُ أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْغُرْمِ وَ الْعَمُولَةِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ وَ نَحْوِهِ إذَا اتَّصَفَ بِمُوجِبِهِ فَلَا فَيدْفَعُ إلَيهِ مَا يوَفِّي دَينَهُ، وَ الزَّائِدَ عَنْ نَفَقَةِ الْحَضَرِ.

وَ الضَّابِطُ أَنَّ وَاجِبَ النَّفَقَةِ إنَّمَا يمْنَعُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ لِقُوتِ نَفْسِهِ مُسْتَقِرًّا فِي وَطَنِهِ، (وَلَا هَاشِمِيا إلَّا مِنْ قَبِيلِهِ) و هو هَاشِمِي مِثْلُهُ، و أن خَالَفَهُ فِي النَّسَبِ، (أَوْ تَعَذَّرَ كفَايتُهُ مِنْ الْخُمُسِ) فَيجُوزُ تَنَاوُلُ قَدْرِ الْكفَايةِ مِنْهَا حِينَئِذٍ، وَ يتَخَيرُ بَينَ زَكاةِ مِثْلِهِ، وَ الْخُمُسِ مَعَ وَجُودِهِمَا، وَ الْأَفْضَلُ الْخُمُسُ؛ لِأَنَّ الزَّكاةَ أَوْسَاخٌ

فِي الْجُمْلَةِ، وَ قِيلَ: لَا يتَجَاوَزُ مِنْ زَكاةِ غَيرِ قَبِيلِهِ قُوتَ يوْمٍ وَ لَيلَةٍ، إلَّا مَعَ عَدَمِ انْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِهِ، كأَنْ لَا يجِدَ فِي الْيوْمِ الثَّانِي مَا يدْفَعُهَا بِهِ، هَذَا كلُّهُ فِي الْوَاجِبَةِ، أَمَّا الْمَنْدُوبَةُ فَلَا يمْنَعُ مِنْهَا، وَ كذَا غَيرُهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ عَلَي الْأَقْوَي.

(وَيجِبُ دَفْعُهَا إلَي الْإِمَامِ

مَعَ الطَّلَبِ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِسَاعِيهِ) لِوُجُوبِ طَاعَتِهِ مُطْلَقًا (قِيلَ: وَ كذَا) يجِبُ دَفْعُهَا (إلَي الْفَقِيهِ) الشَّرْعِي (فِي) حَالِ (الْغَيبَةِ) لَوْ طَلَبَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ وَكيلِهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ لِلْإِمَامِ كالسَّاعِي بَلْ أَقْوَي، و لو خَالَفَ الْمَالِك وَ فَرَّقَهَا بِنَفْسِهِ لَمْ يجُزْ، لِلنَّهْي الْمُفْسِدِ لِلْعِبَادَةِ وَ لِلْمَالِك اسْتِعَادَةُ الْعَينِ مَعَ بَقَائِهَا، أَوْ عِلْمُ الْقَابِضِ، (وَدَفْعُهَا إلَيهِمْ ابْتِدَاءً) مِنْ غَيرِ طَلَبٍ (أَفْضَلُ) مِنْ تَفْرِيقِهَا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَبْصَرُ بِمَوَاقِعِهَا، وَ أَخْبَرُ بِمَوَاضِعِهَا، (وَ قِيلَ) وَ الْقَائِلُ الْمُفِيدُ وَ التَّقِي: (يجِبُ) دَفْعُهَا ابْتِدَاءً إلَي الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَ مَعَ الْغَيبَةِ إلَي الْفَقِيهِ الْمَأْمُونِ، وَ اَلحَقَ التَّقِي الْخُمُسَ مُحْتَجِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَي: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً }، وَ الْإِيجَابُ عَلَيهِ يسْتَلْزِمُ الْإِيجَابَ عَلَيهِمْ، وَ النَّائِبُ كالْمَنُوبِ وَ الْأَشْهَرُ الِاسْتِحْبَابُ.

(وَيصَدَّقُ الْمَالِك فِي الْإِخْرَاجِ به غير يمِينٍ) لِأَنَّ ذَلِك حَقٌّ لَهُ كمَا هُوَ عَلَيهِ، وَ لَا يعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ، وَ جَازَ احْتِسَابُهَا مِنْ دَينٍ و غيرهِ مِمَّا يتَعَذَّرُ الْإِشْهَادُ عَلَيهِ، وَ كذَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ عَدَمَ الْحَوْلِ، وَ تَلَفَ الْمَالِ و ما ينْقُصُ النِّصَابُ، مَا لَمْ يعْلَمْ كذِبُهُ، وَ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيهِ فِي ذَلِك إلَّا مَعَ الْحَصْرِ، لِأَنَّهُ نَفْي.

(وَيسْتَحَبُّ قِسْمَتُهَا عَلَي الْأَصْنَافِ) الثَّمَانِيةِ

لِمَا فِيهِ مِنْ فَضِيلَةِ التَّسْوِيةِ بَينَ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَ عَمَلًا بِظَاهِرِ الِاشْتِرَاك (وَإِعْطَاءُ جَمَاعَةٍ مِنْ كلِّ صِنْفٍ) اعْتِبَارًا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَ لَا يجِبُ التَّسْوِيةُ بَينَهُمْ بَلْ الْأَفْضَلُ التَّفْضِيلُ بِالْمُرَجَّحِ.

(وَيجُوزُ) الدَّفْعُ إلَي الصِّنْفِ (الْوَاحِدِ) وَ الْفَرْدِ

الْوَاحِدِ مِنْهُ؛ لِمَا ذَكرْنَاهُ مِنْ كوْنِهِ لِبَيانِ الْمَصْرِفِ، فَلَا يجِبُ التَّشْرِيك، (وَ) وَ يجُوزُ (الْإِغْنَاءُ) و هو إعْطَاءٌ فَوْقَ الْكفَايةِ (إذَا كانَ دَفْعَةً) وَاحِدَةً، لِاسْتِحْقَاقِهِ حَالَ الدَّفْعِ، وَ الْغِنَاءُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمِلْك فَلَا ينَافِيهِ، و لو أَعْطَاهُ دَفَعَاتٍ امْتَنَعَتْ الْمُتَأَخِّرَةُ عَنْ الْكفَايةِ.

(وَأَقَلُّ مَا يعْطَي) الْمُسْتَحِقُّ (اسْتِحْبَابًا مَا يجِبُ فِي أَوَّلِ نُصُبِ النَّقْدَينِ) إنْ كانَ الْمَدْفُوعُ مِنْهُمَا، وَ أَمْكنَ بُلُوغُ الْقَدْرِ، فَلَوْ تَعَذَّرَ كمَا لَوْ أُعْطِي مَا فِي الْأَوَّلِ لِوَاحِدٍ سَقَطَ الِاسْتِحْبَابُ فِي الثَّانِي، إذَا لَمْ يجْتَمِعْ مِنْهُ نُصُبٌ كثِيرَةٌ تَبْلُغُ الْأَوَّلَ.

وَ لَوْ كانَ الْمَدْفُوعُ مِنْ غَيرِ النَّقْدَينِ، فَفِي تَقْدِيرِهِ بِأَحَدِهِمَا مَعَ الْإِمْكانِ وَجْهَانِ، وَ مَعَ تَعَذُّرِهِ كمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيهِ شَاةٌ وَاحِدَةٌ لَا تُبَلِّغُهُ يسْقُطُ قَطْعًا، وَ قِيلَ: إنَّ ذَلِك عَلَي سَبِيلِ الْوُجُوبِ مَعَ إمْكانِهِ، و هو ضَعِيفٌ. (وَيسْتَحَبُّ دُعَاءُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لِلْمَالِك) عِنْدَ قَبْضِهَا مِنْهُ؛ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي { قَوْله تَعَالَي: وَ صَلِّ عَلَيهِمْ }، بَعْدَ أَمْرِهِ بِأَخْذِهَا مِنْهُمْ، وَ النَّائِبُ كالْمَنُوبِ وَ قِيلَ: يجِبُ لِدَلَالَةِ الْأَمْرِ عَلَيهِ، و هو قَوِي وَ بِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ وَ يجُوزُ بِصِيغَةِ الصَّلَاةِ لِلِاتِّبَاعِ وَ دَلَالَةِ الْأَمْرِ، وَ بِغَيرِهَا لِأَنَّهُ مَعْنَاهَا لُغَةً.

وَ الْأَصْلُ هُنَا عَدَمُ النَّقْلِ، وَ قِيلَ: يتَعَينُ لَفْظُ الصَّلَاةِ لِذَلِك، وَ الْمُرَادُ بِالنَّائِبِ هُنَا مَا يشْمَلُ السَّاعِي وَ الْفَقِيهَ، فَيجِبُ عَلَيهِمَا أَوْ يسْتَحَبُّ، أَمَّا الْمُسْتَحِقُّ فَيسْتَحَبُّ لَهُ به غير خِلَافٍ. (وَمَعَ الْغَيبَةِ لَا سَاعِي وَ لَا مُؤَلَّفَةَ إلَّا لِمَنْ يحْتَاجُ إلَيهِ) و هو الْفَقِيهُ إذَا تَمَكنَ مِنْ نَصْبِ السَّاعِي وَ جِبَايتِهَا، وَ إِذَا وَ جَبَ الْجِهَادُ فِي حَالِ الْغَيبَةِ وَ احْتِيجَ إلَي التَّأْلِيفِ فَيجُوزُ بِالْفَقِيهِ و غيرهِ، وَ كذَا سَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ لَوْ قَصَرْنَاهُ عَلَي الْجِهَادِ، وَ أَسْقَطَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللَّهُ سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ

بَعْدَ مَوْتِ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِبُطْلَانِ التَّأْلِيفِ بَعْدَهُ، و هو ضَعِيفٌ. (وَلْيخُصَّ زَكاةَ النَّعَمِ الْمُتَجَمِّلَ)، وَ زَكاةَ النَّقْدَينِ وَ الْغَلَّاتِ غَيرَهُمْ، رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سِنَانٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ، مُعَلِّلًا بِأَنَّ أَهْلَ التَّجَمُّلِ يسْتَحْيونَ مِنْ النَّاسِ، فَيدْفَعُ إلَيهِمْ أَجَلُّ الْأَمْرَينِ عِنْدَ النَّاسِ، (وَإِيصَالُهَا إلَي الْمُسْتَحِي مِنْ قَبُولِهَا هَدِيةً)، وَ احْتِسَابُهَا عَلَيهِ بَعْدَ و ُصُولِهَا إلَي يدِهِ، أَوْ يدِ وَكيلِهِ، مَعَ بَقَاءِ عَينِهَا.

فَصْلُ الرَّابِعُ فِي زَكاةِ الْفِطْرَةِ

فَصْلُ الرَّابِعُ فِي زَكاةِ الْفِطْرَةِ

(الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي زَكاةِ الْفِطْرَةِ) وَ تُطْلَقُ عَلَي الْخِلْقَةِ، و علي الْإِسْلَامِ، وَ الْمُرَادُ بِهَا عَلَي الْأَوَّلِ زَكاةُ الْأَبَدَانِ مُقَابِلُ الْمَالِ، و علي الثَّانِي زَكاةُ الدِّينِ وَ الْإِسْلَامِ، و من ثَمَّ وَجَبَتْ عَلَي مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْهِلَالِ، (وَيجِبُ عَلَي الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْحُرِّ) لَا عَلَي الصَّبِي وَ الْمَجْنُونِ وَ الْعَبْدِ، بَلْ عَلَي مَنْ يعُولُهُمْ إنْ كانَ مِنْ أَهْلِهَا، وَ لَا فَرْقَ فِي الْعَبْدِ بَينَ الْقِنِّ وَ الْمُدَبَّرِ وَ الْمُكاتَبِ، إلَّا إذَا تَحَرَّرَ بَعْضُ الْمُطْلَقِ فَيجِبُ عَلَيهِ بِحِسَابِهِ، وَ فِي جُزْئِهِ الرِّقُّ وَ الْمَشْرُوطِ قَوْلَانِ أَشْهُرُهُمَا وُجُوبُهُمَا عَلَي الْمَوْلَي مَا لَمْ يعُلْهُ غَيرُهُ (الْمَالِك قُوتَ سَنَتِهِ) فِعْلًا، أَوْ قُوَّةً، فَلَا تَجِبُ عَلَي الْفَقِيرِ و هو مَنْ اسْتَحَقَّ الزَّكاةَ لِفَقْرِهِ وَ لَا يشْتَرَطُ فِي مَالِك قُوتِ السَّنَةِ أَنْ يفْضُلَ عَنْهُ أَصْوَاعٌ بِعَدَدِ مَنْ يخْرِجُ عَنْهُ، (فَيخْرِجُهَا عَنْهُ وَ عَنْ عِيالِهِ) مِنْ وَلَدٍ، وَ زَوْجَةٍ، وَ ضَيفٍ.

(وَلَوْ تَبَرُّعًا).

وَ الْمُعْتَبَرُ فِي الضَّيفِ وَ شَبَهِهِ صِدْقُ اسْمِهِ قَبْلَ الْهِلَالِ و لو بِلَحْظَةٍ، وَ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيهِ تَسْقُطُ عَنْهُمْ و أن لَمْ يخْرِجْهَا، حَتَّي لَوْ أَخْرَجُوهَا تَبَرُّعًا به غير إذْنِهِ لَمْ يبْرَأْ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيهِ، وَ تَسْقُطُ عَنْهُ لَوْ كانَ بِإِذْنِهِ، وَ لَا يشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ فُطْرَةِ الزَّوْجَةِ وَ الْعَبْدِ الْعُيولَةُ، بَلْ

تَجِبُ مُطْلَقًا، مَا لَمْ يعُلْهُمَا غَيرُهُ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيهِ، نَعَمْ يشْتَرَطُ كوْنُ الزَّوْجَةِ وَاجِبَةَ النَّفَقَةِ، فَلَا فُطْرَةَ لِلنَّاشِزِ وَ الصَّغِيرَةِ.

(وَتَجِبُ) الْفِطْرَةُ (عَلَي الْكافِرِ) كمَا يجِبُ عَلَيهِ زَكاةُ الْمَالِ (وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ حَالَ كفْرِهِ)، مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْهِلَالِ سَقَطَتْ عَنْهُ و أن اُسْتُحِبَّتْ قَبْلَ الزَّوَالِ، كمَا تَسْقُطُ الْمَالِيةُ لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ وُجُوبِهَا، و إنّما تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي عِقَابِهِ عَلَي تَرْكهَا لَوْ مَاتَ كافِرًا كغَيرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ.

(وَالِاعْتِبَارُ بِالشُّرُوطِ عِنْدَ الْهِلَالِ) فَلَوْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ بَعْدَهُ، أَوْ اسْتَغْنَي الْفَقِيرُ، أَوْ أَسْلَمَ الْكافِرُ، أَوْ أَطَاعَتْ الزَّوْجَةُ لَمْ تَجِبْ، (وَتُسْتَحَبُّ) الزَّكاةُ (لَوْ تَجَدَّدَ السَّبَبُ) الْمُوجِبُ (مَا بَينَ الْهِلَالِ) و هو الْغُرُوبُ لَيلَةَ الْعِيدِ (إلَي الزَّوَالِ) مِنْ يوْمِهِ.

(وَقَدْرُهَا صَاعٌ) عَنْ كلِّ إنْسَانٍ

(مِنْ الْحِنْطَةِ، أَوْ الشَّعِيرِ، أَوْ التَّمْرِ، أَوْ الزَّبِيبِ، أَوْ الْأَرُزِّ) مَنْزُوعِ الْقِشْرِ الْأَعْلَي، (أَوْ الْأَقِطِ) و هو لَبَنٌ جَافٌّ، (أَوْ اللَّبَنِ) و هذه الْأُصُولُ مُجْزِيةٌ و أن لَمْ تَكنْ قُوتًا غَالِبًا أَمَّا غَيرُهَا فَإِنَّمَا يجْزِي مَعَ غَلَبَتِهِ فِي قُوتِ الْمُخْرِجِ، (وَأَفْضَلُهَا التَّمْرُ) لِأَنَّهُ أَسْرَعُ مَنْفَعَةً وَ أَقَلُّ كلْفَةً، وَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَي الْقُوتِ وَ الْإِدَامِ، (ثُمَّ الزَّبِيبُ) لِقُرْبِهِ مِنْ التَّمْرِ فِي أَوْصَافِهِ، (ثُمَّ مَا يغْلِبُ عَلَي قُوتِهِ) مِنْ الْأَجْنَاسِ و غيرهَا.

(وَالصَّاعُ تِسْعَةُ أَرْطَالٍ و لو مِنْ اللَّبَنِ فِي الْأَقْوَي) هَذَا غَايةٌ لِوُجُوبِ الصَّاعِ، لَا لِتَقْدِيرِهِ، فَإِنَّ مُقَابِلَ الْأَقْوَي إجْزَاءُ سِتَّةِ أَرْطَالٍ مِنْهُ، أَوْ أَرْبَعَةٍ، لِأَنَّ الصَّاعَ مِنْهُ قَدْرٌ آخَرُ، (وَيجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ بِسِعْرِ الْوَقْتِ) مِنْ غَيرِ انْحِصَارٍ فِي دِرْهَمٍ عَنْ الصَّاعِ، أَوْ ثُلُثِي دِرْهَمٍ، و ما وَرَدَ مِنْهَا مُقَدَّرًا مُنَزَّلٌ عَلَي سِعْرِ ذَلِك الْوَقْتِ.

(وَتَجِبُ النِّيةُ فِيهَا و في المَالِيةِ) مِنْ الْمَالِك

، أَوْ وَكيلِهِ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَي الْمُسْتَحِقِّ، أَوْ وَكيلِهِ عُمُومًا كالْإِمَامِ وَ نَائِبِهِ عَامًّا، أَوْ خَاصًّا، أَوْ خُصُوصًا كوَكيلِهِ، و

لو لَمْ ينْوِ الْمَالِك عِنْدَ دَفْعِهَا إلَي غَيرِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ وَكيلِهِ الْخَاصِّ فَنَوَي الْقَابِضُ عِنْدَ دَفْعِهَا إلَيهِ أَجْزَأَ، (وَمَنْ عَزَلَ إحْدَاهُمَا) بِأَنْ عَينَهَا فِي مَالِ خَاصٍّ بِقَدْرِهَا بِالنِّيةِ، (لِعُذْرٍ) مَانِعٍ مِنْ تَعْجِيلِ إخْرَاجِهَا، (ثُمَّ تَلِفَتْ) بَعْدَ الْعَزْلِ به غير تَفْرِيطٍ (لَمْ يضْمَنْ)، لِأَنَّهُ يعَدُّ ذَلِك بِمَنْزِلَةِ الْوَكيلِ فِي حِفْظِهَا، و لو كانَ لَا لِعُذْرٍ ضَمِنَ مُطْلَقًا إنْ جَوَّزْنَا الْعَزْلَ مَعَهُ، وَ تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْعَزْلِ فِي انْحِصَارِهَا فِي الْمَعْزُولِ فَلَا يجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَ نَمَاؤُهُ تَابِعٌ، وَ ضَمَانُهُ كمَا ذُكرَ، (وَمَصْرِفُهَا مَصْرِفُ الْمَالِيةِ) و هو الْأَصْنَافُ الثَّمَانِيةُ. (وَيسْتَحَبُّ أَنْ لَا يقْصِرَ الْعَطَاءَ) لِلْوَاحِدِ (عَنْ صَاعٍ) عَلَي الْأَقْوَي، وَ الْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِك عَلَي وَجْهِ الْوُجُوبِ، وَ مَالَ إلَيهِ فِي الْبَيانِ، وَ لَا فَرْقَ بَينَ صَاعِ نَفْسِهِ و من يعُولُهُ، (إلَّا مَعَ الِاجْتِمَاعِ) أَي اجْتِمَاعِ الْمُسْتَحِقِّينَ، (وَضِيقِ الْمَالِ) فَيسْقُطُ الْوُجُوبُ، أَوْ الِاسْتِحْبَابُ، بَلْ يبْسُطُ الْمَوْجُودَ عَلَيهِمْ بِحَسَبِهِ، وَ لَا تَجِبُ التَّسْوِيةُ و أن اُسْتُحِبَّتْ مَعَ عَدَمِ الْمُرَجِّحِ، (وَيسْتَحَبُّ أَنْ يخُصَّ بِهَا الْمُسْتَحِقَّ مَنْ الْقَرَابَةِ، وَ الْجَارِ) بَعْدَهُ وَ تَخْصِيصُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِالْعِلْمِ وَ الزُّهْدِ و غيرهِمَا، وَ تَرْجِيحُهُمْ فِي سَائِرِ الْمَرَاتِبِ.

(وَلَوْ بَانَ الْآخِذُ غَيرَ مُسْتَحِقٍّ ارْتَجَعَتْ) عَينًا أَوْ بَدَلًا مَعَ الْإِمْكانِ، (وَمِنْ التَّعَذُّرِ تُجْزِي إنْ اجْتَهَدَ) الدَّافِعُ بِالْبَحْثِ عَنْ حَالِهِ عَلَي وَجْهٍ لَوْ كانَ بِخِلَافِهِ لَظَهَرَ عَادَةً، لَا بِدُونِهِ بِأَنْ اعْتَمَدَ عَلَي دَعْوَاهُ الِاسْتِحْقَاقَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَي الْبَحْثِ، (إلَّا أَنْ يكونَ) الْمَدْفُوعُ إلَيهِ (عَبْدَهُ) فَلَا يجْزِي مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ لَمْ يخْرُجْ عَنْ مِلْك الْمَالِك.

وَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُشْتَرَكةٌ، فَإِنَّ الْقَابِضَ مَعَ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ لَا يمْلِك مُطْلَقًا، و أن بَرِئَ الدَّافِعُ، بَلْ يبْقَي الْمَالُ مَضْمُونًا عَلَيهِ، وَ تَعَذُّرُ الِارْتِجَاعِ مُشْتَرَك، وَ النَّصُّ مُطْلَقٌ.

4 - كتاب الخمس

[الخمس]

و الْأَوَّلُ - الْغَنِيمَةُ

الْأَوَّلُ -

الْغَنِيمَةُ

كتَابُ الْخُمُسِ (وَيجِبُ فِي سَبْعَةِ) أَشْياءَ: (الْأَوَّلُ - الْغَنِيمَةُ) و هي مَا يحُوزُهُ الْمُسْلِمُونَ بِإِذْنِ النَّبِي، أَوْ الْإِمَامِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ به غير سَرِقَةٍ، وَ لَا غِيلَةٍ مِنْ مَنْقُولٍ و غيرهِ، و من مَالِ الْبُغَاةِ إذَا حَوَاهَا الْعَسْكرُ عِنْدَ الْأَكثَرِ، وَ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي خُمُسِ الدُّرُوسِ، وَ خَالَفَهُ فِي الْجِهَادِ وَ فِي هَذَا الْكتَابِ.

وَ مِنْ الْغَنِيمَةِ فِدَاءُ الْمُشْرِكينَ و ما صُولِحُوا عَلَيهِ.

وَ مَا أَخْرَجْنَاهُ مَنْ الْغَنِيمَةِ به غير إذْنِ الْإِمَامِ وَ السَّرِقَةُ وَ الْغِيلَةُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِيهِ الْخُمُسُ أَيضًا لَكنَّهُ لَا يدْخُلُ فِي اسْمِ الْغَنِيمَةِ بِالْمَعْنَي الْمَشْهُورِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ لِلْإِمَامِ خَاصَّةً، وَ الثَّانِي لِآخِذِهِ، نَعَمْ هُوَ غَنِيمَةٌ بِقَوْلٍ مُطْلَقٍ فَيصِحُّ إخْرَاجُهُ مِنْهَا، و إنّما يجِبُ الْخُمُسُ فِي الْغَنِيمَةِ (بَعْدَ إخْرَاجِ الْمُؤَنِ) و هي مَا أُنْفِقَ عَلَيهَا بَعْدَ تَحْصِيلِهَا بِحِفْظٍ، وَ حَمْلٍ، وَ رَعْي، وَ نَحْوِهَا، وَ كذَا يقَدِّمُ عَلَيهِ الْجَعَائِلَ عَلَي الْأَقْوَي.

وَ الثَّانِي - الْمَعْدِنُ

(وَالثَّانِي - الْمَعْدِنُ)

بِكسْرِ الدَّالِ، و هو مَا اُسْتُخْرِجَ مِنْ الْأَرْضِ مِمَّا كانَتْ أَصْلُهُ، ثُمَّ اشْتَمَلَ عَلَي خُصُوصِيةٍ يعْظُمُ الِانْتِفَاعُ بِهَا كالْمِلْحِ، وَ الْجِصِّ وَ طِينِ الْغَسْلِ، وَ حِجَارَةِ الرَّحَي، وَ الْجَوَاهِرِ مِنْ الزَّبَرْجَدِ، وَ الْعَقِيقِ، وَ الْفَيرُوزَجِ، و غيرهَا.

وَ الثَّالِثُ - الْغَوْصُ

(وَالثَّالِثُ - الْغَوْصُ)

: أَي: مَا أُخْرِجَ بِهِ مِنْ اللُّؤْلُؤِ، وَ الْمَرْجَانِ، وَ الذَّهَبِ، وَ الْفِضَّةِ الَّتِي لَيسَ عَلَيهَا سِكةُ الْإِسْلَامِ، وَ الْعَنْبَرِ، وَ الْمَفْهُومُ مِنْهُ الْإِخْرَاجُ مِنْ دَاخِلِ الْمَاءِ فَلَوْ أُخِذَ شَيءٌ مِنْ ذَلِك مِنْ السَّاحِلِ، أَوْ مِنْ وَجْهِ الْمَاءِ لَمْ يكنْ غَوْصًا، وِفَاقًا لِلْمُصَنِّفِ فِي الدُّرُوسِ، وَ خِلَافًا لِلْبَيانِ وَ حَيثُ لَا يلْحَقُ بِهِ يكونُ مِنْ الْمَكاسِبِ.

وَ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي الشَّرَائِطِ، و في الحَاقِ صَيدِ الْبَحْرِ بِالْغَوْصِ، أَوْ الْمَكاسِبِ وَجْهَانِ، وَ التَّفْصِيلُ حَسَنٌ، إلْحَاقًا لِكلٍّ بِحَقِيقَتِهِ.

وَ الرَّابِعُ - أَرْبَاحُ الْمَكاسِبِ

(وَالرَّابِعُ - أَرْبَاحُ الْمَكاسِبِ)

مِنْ تِجَارَةٍ، وَ زِرَاعَةٍ، وَ غَرْسٍ، و غيرهَا مِمَّا يكتَسَبُ مِنْ غَيرِ الْأَنْوَاعِ الْمَذْكورَةِ قَسِيمَهَا، و لو بِنَمَاءٍ، وَ تَوَلُّدٍ، وَ ارْتِفَاعِ قِيمَةٍ، و غيرهَا، خِلَافًا لِلتَّحْرِيرِ حَيثُ نَفَاهُ فِي الِارْتِفَاعِ.

وَ الْخَامِسُ - الْحَلَالُ الْمُخْتَلِطُ بِالْحَرَامِ

(وَالْخَامِسُ - الْحَلَالُ الْمُخْتَلِطُ بِالْحَرَامِ)

(وَلَا يتَمَيزُ، وَ لَا يعْلَمُ صَاحِبُهُ) وَ لَا قَدْرُهُ بِوَجْهٍ، فَإِنَّ إخْرَاجَ خُمُسِهِ حِينَئِذٍ يطَهِّرُ الْمَالَ مِنْ الْحَرَامِ فَلَوْ تَمَيزَ كانَ لِلْحَرَامِ حُكمُ الْمَجْهُولِ الْمَالِك حَيثُ لَا يعْلَمُ.

وَ لَوْ عُلِمَ صَاحِبُهُ، و لو فِي جُمْلَةِ قَوْمٍ مُنْحَصِرِينَ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّخَلُّصِ مِنْهُ، و لو بِصُلْحٍ، وَ لَا خُمُسَ، فَإِنْ أَبَي قَالَ فِي التَّذْكرَةِ: دُفِعَ إلَيهِ خُمُسُهُ إنْ لَمْ يعْلَمْ زِيادَتَهُ، أَوْ مَا يغْلِبُ عَلَي ظَنِّهِ إنْ عَلِمَ زِيادَتَهُ، أَوْ نُقْصَانَهُ، و لو عَلِمَ قَدْرَهُ كالرُّبُعِ وَ الثُّلُثِ وَجَبَ إخْرَاجُهُ أَجْمَعَ صَدَقَةً، لَا خُمُسًا، و لو عَلِمَ قَدْرَهُ جُمْلَةً، لَا تَفْصِيلًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يزِيدُ عَلَي الْخُمُسِ وَ تَصَدَّقَ بِالزَّائِدِ و لو ظَنًّا.

وَ يحْتَمَلُ قَوِيا كوْنُ الْجَمِيعِ صَدَقَةً.

وَ لَوْ عَلِمَ نُقْصَانَهُ عَنْهُ اقْتَصَرَ عَلَي مَا يتَيقَّنُ بِهِ الْبَرَاءَةَ صَدَقَةً عَلَي الظَّاهِرِ، وَ خُمُسًا فِي وَجْهٍ، و هو أَحْوَطُ، و لو كانَ الْحَلَالُ الْخَلِيطُ مِمَّا يجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ خَمَّسَهُ بَعْدَ ذَلِك بِحَسَبِهِ، و لو تَبَينَ الْمَالِك بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ فَفِي الضَّمَانِ لَهُ وَجْهَانِ، أَجْوَدُهُمَا ذَلِك.

و السَّادِسُ - الْكنْزُ

(السَّادِسُ - الْكنْزُ)

وَ هُوَ الْمَالُ الْمَذْخُورُ تَحْتَ الْأَرْضِ قَصْدًا فِي دَارِ الْحَرْبِ مُطْلَقًا، أَوْ دَارِ الْإِسْلَامِ وَ لَا أَثَرَ لَهُ عَلَيهِ، و لو كانَ عَلَيهِ أَثَرُهُ فَلُقَطَةٌ عَلَي الْأَقْوَي هَذَا إذَا لَمْ يكنْ فِي مِلْك لِغَيرِهِ، و لو فِي وَقْتٍ سَابِقٍ، فَلَوْ كانَ كذَلِك عَرَّفَهُ الْمَالِك، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ فَهُوَ لَهُ بِقَوْلِهِ مُجَرَّدًا، وَ الا عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ، مِنْ بَائِعٍ و غيرهِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ، وَ الا فَمَنْ قَبْلَهُ مِمَّنْ يمْكنُ، فَإِنْ تَعَدَّدَتْ الطَّبَقَةُ وَ ادَّعَوْهُ أَجْمَعَ قُسِّمَ عَلَيهِمْ بِحَسَبِ السَّبَبِ، و لو ادَّعَاهُ بَعْضُهُمْ خَاصَّةً فَإِنْ ذَكرَ سَبَبًا يقْتَضِي التَّشْرِيك سُلِّمَتْ إلَيهِ حِصَّتُهُ خَاصَّةً، وَ الا الْجَمِيعَ،

وَ حِصَّةُ الْبَاقِي كمَا لَوْ نَفَوْهُ أَجْمَعَ فَيكونُ لِلْوَاجِدِ إنْ لَمْ يكنْ عَلَيهِ أَثَرُ الْإِسْلَامِ، وَ الا فَلُقَطَةٌ، و مثله الْمَوْجُودُ فِي جَوْفِ دَابَّةٍ و لو سَمَكةً مَمْلُوكةً به غير الْحِيازَةِ، أَمَّا بِهَا فَلِوَاجِدِهِ، لِعَدَمِ قَصْدِ الْمُحِيزِ إلَي تَمَلُّك مَا فِي بَطْنِهَا، وَ لَا يعْلَمُهُ، و هو شَرْطُ الْمِلْك عَلَي الْأَقْوَي.

وَ إِنَّمَا يجِبُ فِي الْكنْزِ (إنْ بَلَغَ عِشْرِينَ دِينَارًا) عَينًا، أَوْ قِيمَةً.

وَ الْمُرَادُ بِالدِّينَارِ الْمِثْقَالُ كغَيرِهِ، و في الاكتِفَاءِ بِمِائَتِي دِرْهَمٍ وَجْهٌ احْتَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيانِ، مَعَ قَطْعِهِ بِالِاكتِفَاءِ بِهَا فِي الْمَعْدِنِ، وَ ينْبَغِي الْقَطْعُ بِالِاكتِفَاءِ بِهَا هُنَا، لِأَنَّ صَحِيحَ الْبِزَنْطِي عَنْ الرِّضَا عَلَيهِ السَّلَامُ تَضَمَّنَ أَنَّ مَا يجِبُ الزَّكاةُ مِنْهُ فِي مِثْلِهِ فَفِيهِ الْخُمُسُ، (قِيلَ: وَ الْمَعْدِنُ كذَلِك) يشْتَرَطُ بُلُوغُهُ عِشْرِينَ دِينَارًا، وَ نِسْبَتُهُ إلَي الْقِيلِ تَدُلُّ عَلَي تَوَقُّفِهِ فِيهِ، مَعَ جَزْمِهِ بِهِ فِي غَيرِهِ، وَ صَحِيحُ الْبِزَنْطِي دَالٌّ عَلَيهِ، فَالْعَمَلُ بِهِ مُتَعَينٌ، وَ فِي حُكمِهَا بُلُوغُهُ مِائَتِي دِرْهَمٍ كمَا مَرَّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، مَعَ أَنَّ الرِّوَايةَ هُنَا تَدُلُّ عَلَيهِ.

(وَقَالَ الشَّيخُ فِي الْخِلَافِ: لَا نِصَابَ لَهُ)، بَلْ يجِبُ فِي مُسَمَّاهُ و هو ظَاهِرُ الْأَكثَرِ، نَظَرًا إلَي الِاسْمِ، وَ الرِّوَايةُ حُجَّةٌ عَلَيهِمْ، (وَاعْتَبَرَ أَبُو الصَّلَاحِ التَّقِي الْحَلَبِي) (فِيهِ دِينَارًا كالْغَوْصِ)، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايةٍ قَاصِرَةٍ، نَعَمْ يعْتَبَرُ الدِّينَارُ، أَوْ قِيمَتُهُ فِي الْغَوْصِ قَطْعًا، وَ اكتَفَي الْمُصَنِّفُ عَنْ اشْتِرَاطِهِ فِيهِ بِالتَّشْبِيهِ هُنَا.

وَ يعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي الثَّلَاثَةِ بَعْدَ الْمُؤْنَةِ الَّتِي يغْرَمُهَا عَلَي تَحْصِيلِهِ، مَنْ حَفْرٍ وَ سَبْك فِي الْمَعْدِنِ، وَ الةِ الْغَوْصِ، أَوْ أَرْشِهَا، وَ أُجْرَةِ الْغَوَّاصِ فِي الْغَوْصِ، وَ أُجْرَةِ الْحَفْرِ وَ نَحْوِهِ فِي الْكنْزِ، وَ يعْتَبَرُ النِّصَابُ بَعْدَهَا مُطْلَقًا فِي ظَاهِرِ الْأَصْحَابِ، وَ لَا يعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْإِخْرَاجِ فِي الثَّلَاثَةِ بَلْ يضَمُّ بَعْضُ الْحَاصِلِ إلَي بَعْضٍ، و أن

طَالَ الزَّمَانُ، أَوْ نَوَي الْإِعْرَاضَ وِفَاقًا لِلْمُصَنِّفِ، وَ اعْتَبَرَ الْعَلَّامَةُ عَدَمَ نِيةِ الْإِعْرَاضِ، وَ فِي اعْتِبَارِ اتِّحَادِ النَّوْعِ وَجْهَانِ، أَجْوَدُهُمَا اعْتِبَارُهُ فِي الْكنْزِ وَ الْمَعْدِنِ، دُونَ الْغَوْصِ، وِفَاقًا لِلْعَلَّامَةِ، و لو اشْتَرَك جَمَاعَةٌ اُعْتُبِرَ بُلُوغُ نَصِيبِ كلٍّ نِصَابًا بَعْدَ مُؤْنَتِهِ.

وَ السَّابِعُ - أَرْضُ الذِّمِّي الْمُنْتَقِلَةِ إلَيهِ مِنْ مُسْلِمٍ

(وَالسَّابِعُ - أَرْضُ الذِّمِّي الْمُنْتَقِلَةِ إلَيهِ مِنْ مُسْلِمٍ)

سَوَاءٌ انْتَقَلَتْ إلَيهِ بِشِرَاءٍ، أَمْ غَيرِهِ، و أن تَضَمَّنَ بَعْضَ الْأَخْبَارِ لَفْظُ الشِّرَاءِ، وَ سَوَاءٌ كانَتْ مِمَّا فِيهِ الْخُمُسُ كالْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةٍ حَيثُ يصِحُّ بَيعُهَا، أَمْ لَا، وَ سَوَاءٌ أُعِدَّتْ لِلزِّرَاعَةِ، أَمْ بِغَيرِهَا، حَتَّي لَوْ اشْتَرَي بُسْتَانًا، أَوْ دَارًا أَخَذَ مِنْهُ خُمُسَ الْأَرْضِ، عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ، وَ خَصَّهَا فِي الْمُعْتَبَرِ بِالْأُولَي.

وَ عَلَي مَا اخْتَرْنَاهُ فَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْخُمُسِ أَنْ تُقَوَّمَ مَشْغُولَةً بِمَا فِيهَا بِأُجْرَةٍ لِلْمَالِك، وَ يتَخَيرُ الْحَاكمُ بَينَ أَخْذِ خُمُسِ الْعَينِ، وَ الارْتِفَاعِ وَ لَا حَوْلَ هُنَا، وَ لَا نِصَابَ، وَ لَا نِيةَ.

وَ يحْتَمَلُ وُجُوبُهَا عَنْ الْآخِذِ، لَا عَنْهُ، وَ عَلَيهِ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ، وَ الْأَوَّلُ فِي الْبَيانِ، وَ لَا يسْقُطُ بِبَيعِ الذِّمِّي لَهَا قَبْلَ الْإِخْرَاجِ و أن كانَ لِمُسْلِمٍ، وَ لَا بِإِقَالَةِ الْمُسْلِمِ لَهُ فِي الْبَيعِ الْأَوَّلِ، مَعَ احْتِمَالِهِ هُنَا بِنَاءً عَلَي أَنَّهَا فَسْخٌ، لَكنْ لَمَّا كانَ مِنْ حِينِهِ ضَعُفَ.

(وَهَذِهِ) الْأَرْضُ (لَمْ يذْكرْهَا كثِيرٌ) مِنْ الْأَصْحَابِ كابْنِ أَبِي عَقِيلٍ، وَ ابْنِ الْجُنَيدِ، وَ الْمُفِيدِ وَ سَلَامٍ، وَ التَّقِي.

وَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَجْمَعُ وَ الشَّيخُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَي وُجُوبِهِ فِيهَا، وَ رَوَاهُ أَبُو عُبَيدَةَ الْحَذَّاءُ فِي الْمُوَثَّقِ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيهِ السَّلَامُ.

(وَأَوْجَبَهُ أَبُو الصَّلَاحِ فِي الْمِيرَاثِ، وَ الصَّدَقَةِ، وَ الْهِبَةِ)، مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ نَوْعُ اكتِسَابٍ وَ فَائِدَةٍ، فَيدْخُلُ تَحْتَ الْعُمُومِ، (وَأَنْكرَهُ ابْنُ إدْرِيسَ وَ الْعَلَّامَةُ)، لِلْأَصْلِ، وَ الشَّك فِي السَّبَبِ، (وَالْأَوَّلُ حَسَنٌ)، لِظُهُورِ كوْنِهَا غَنِيمَةً بِالْمَعْنَي الْأَعَمِّ فَتُلْحَقُ بِالْمَكاسِبِ، إذْ لَا يشْتَرَطُ فِيهَا حُصُولُهُ

اخْتِيارًا، فَيكونُ الْمِيرَاثُ مِنْهُ.

وَ أَمَّا الْعُقُودُ الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَي الْقَبُولِ فَأَظْهَرُ، لِأَنَّ قَبُولَهَا نَوْعٌ مِنْ الِاكتِسَابِ و من ثَمَّ يجِبُ الْقَبُولُ حَيثُ يجِبُ، كالِاكتِسَابِ لِلنَّفَقَةِ، وَ ينْتَفِي حَيثُ ينْتَفِي كالِاكتِسَابِ لِلْحَجِّ، وَ كثِيرًا مَا يذْكرُ الْأَصْحَابُ أَنَّ قَبُولَ الْهِبَةِ وَ نَحْوَهَا اكتِسَابٌ، وَ فِي صَحِيحَةِ عَلِي بْنِ مِهْزِيارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي، مَا يرْشِدُ إلَي الْوُجُوبِ فِيهَا، وَ الْمُصَنِّفُ لَمْ يرَجِّحْ هَذَا الْقَوْلَ إلَّا هُنَا، بَلْ اقْتَصَرَ فِي الْكتَابَينِ عَلَي مُجَرَّدِ نَقْلِ الْخِلَافِ، و هو يشْعِرُ بِالتَّوَقُّفِ.

(وَاعْتَبَرَ الْمُفِيدُ فِي الْغَنِيمَةِ وَ الْغَوْصِ وَ الْعَنْبَرِ) ذِكرُهُ بَعْدَ الْغَوْصِ تَخْصِيصٌ بَعْدَ التَّعْمِيمِ، أَوْ لِكوْنِهِ أَعَمَّ مِنْهُ مِنْ وَجْهٍ لِإِمْكانِ تَحْصِيلِهِ مِنْ السَّاحِلِ، أَوْ عَنْ وَجْهِ الْمَاءِ، فَلَا يكونُ غَوْصًا كمَا سَلَفَ (عِشْرِينَ دِينَارًا عَينًا، أَوْ قِيمَةً.

وَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا نِصَابَ لِلْغَنِيمَةِ)؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، و لم نَقِفْ عَلَي مَا أَوْجَبَ إخْرَاجَهُ لَهَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ ذَكرَهَا مُجَرَّدَةً عَنْ حُجَّةٍ، و أمّا الْغَوْصَ فَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ نِصَابَهُ دِينَارٌ لِلرِّوَايةِ عَنْ الْكاظِمِ عَلَيهِ السَّلَامُ و أمّا الْعَنْبَرُ فَإِنْ دَخَلَ فِيهِ فَبِحُكمِهِ وَ الا فَبِحُكمِ الْمَكاسِب وَ كذَا كلُّ مَا انْتَفَي فِيهِ الْخُمُسُ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكورَاتِ لِفَقْدِ شَرْطٍ و لو بِالنُّقْصَانِ عَنْ النِّصَابِ.

(وَيعْتَبَرُ) فِي وُجُوبِ الْخُمُسِ فِي (الْأَرْبَاحِ)

إخْرَاجُ (مُؤْنَتِهِ وَ مُؤْنَةِ عِيالِهِ) الْوَاجِبِي النَّفَقَةِ و غيرهِمْ حَتَّي الضَّيفِ (مُقْتَصِدًا) فِيهَا أَي: مُتَوَسِّطًا بِحَسَبِ اللَّائِقِ بِحَالِهِ عَادَةً، فَإِنْ أَسْرَفَ حُسِبَ عَلَيهِ مَا زَادَ، و أن قَتَّرَ حُسِبَ لَهُ مَا نَقَصَ، و من الْمُؤْنَةِ هُنَا الْهَدِيةُ وَ الصِّلَةُ اللَّائِقَانِ بِحَالِهِ، و ما يؤْخَذُ مِنْهُ فِي السَّنَة قَهْرًا، أَوْ يصَانِعُ بِهِ الظَّالِمَ اخْتِيارًا، وَ الْحُقُوقُ اللَّازِمَةُ لَهُ بِنَذْرٍ، وَ كفَّارَةٍ، وَ مُؤْنَةِ تَزْوِيجٍ، وَ دَابَّةٍ، وَ أَمَةٍ، وَ حَجٍّ وَاجِبٍ إنْ اسْتَطَاعَ عَامَ الِاكتِسَابِ، وَ الا

وَجَبَ فِي الْفَضَلَاتِ السَّابِقَةِ عَلَي عَامِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحَجَّ الْمَنْدُوبَ، وَ الزِّيارَةَ، وَ سَفَرَ الطَّاعَةِ كذَلِك، وَ الدَّينُ الْمُتَقَدِّمُ وَ الْمُقَارَنُ لِحَوْلِ الِاكتِسَابِ مِنْ الْمُؤْنَةِ، وَ لَا يجْبَرُ التَّالِفُ مِنْ الْمَالِ بِالرِّبْحِ و أن كانَ فِي عَامِهِ.

وَ فِي جَبْرِ خُسْرَانِ التِّجَارَةِ بِرِبْحِهَا فِي الْحَوْلِ وَجْهٌ قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ، و لو كانَ لَهُ مَالٌ آخَرُ لَا خُمُسَ فِيهِ فَفِي أَخْذِ الْمُؤْنَةِ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْكسْبِ، أَوْ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ أَوْجُهٌ، و في الأَوَّلِ احْتِياطٌ، و في الأَخِيرِ عَدْلٌ، و في الأَوْسَطِ قُوَّةٌ.

وَ لَوْ زَادَ بَعْدَ تَخْمِيسِهِ زِيادَةً مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً وَجَبَ خُمُسُ الزَّائِدِ، كمَا يجِبُ خُمُسُهُ مِمَّا لَا خُمُسَ فِي أَصْلِهِ، سَوَاءٌ أَخْرَجَ الْخُمُسَ أَوَّلًا مِنْ الْعَينِ، أَمْ مِنْ الْقِيمَةِ، وَ الْمُرَادُ بِالْمُؤْنَةِ هُنَا مُؤْنَةُ السَّنَةِ، وَ مَبْدَؤُهَا ظُهُورُ الرِّبْحِ، وَ يتَخَيرُ بَينَ تَعْجِيلِ إخْرَاجِ مَا يعْلَمُ زِيادَتَهُ عَلَيهَا، وَ الصَّبْرِ بِهِ إلَي تَمَامِ الْحَوْلِ، لَا لِأَنَّ الْحَوْلَ مُعْتَبَرٌ فِيهِ، بَلْ لِاحْتِمَالِ زِيادَةِ الْمُؤْنَةِ، وَ نُقْصَانِهَا، فَإِنَّهَا مَعَ تَعْجِيلِهِ تَخْمِينِيةٌ، و لو حَصَلَ الرِّبْحُ فِي الْحَوْلِ تَدْرِيجًا اُعْتُبِرَ لِكلِّ خَارِجٍ حَوْلٌ بِانْفِرَادِهِ. نَعَمْ تُوَزَّعُ الْمُؤْنَةُ فِي الْمُدَّةِ الْمُشْتَرَكةِ بَينَهُ، و بين مَا سَبَقَ عَلَيهِمَا، وَ يخْتَصُّ بِالْبَاقِي، وَ هَكذَا.

وَ كمَا لَا يعْتَبَرُ الْحَوْلُ هُنَا لَا يعْتَبَرُ النِّصَابُ، بَلْ يخَمَّسُ الْفَاضِلُ و أن قَلَّ، وَ كذَا غَيرُ مَا ذُكرَ لَهُ نِصَابٌ، أَمَّا الْحَوْلُ فَمَنْفِي عَنْ الْجَمِيعِ.

وَ الْوُجُوبُ فِي غَيرِ الْأَرْبَاحِ مُضَيقٌ.

أَقْسَام الْخُمُسُ

(وَيقَسَّمُ) الْخُمُسُ (سِتَّةَ أَقْسَامٍ)

عَلَي الْمَشْهُورِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْآيةِ، وَ صَرِيحِ الرِّوَايةِ، (ثَلَاثَةٌ) مِنْهَا (لِلْإِمَامِ عَلَيهِ السَّلَامُ) و هي سَهْمُ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ ذِي الْقُرْبَي، و هذا السَّهْمُ و هو نِصْفُ الْخُمُسِ (يصْرَفُ إلَيهِ إنْ كانَ حَاضِرًا، أَوْ إلَي نُوَّابِهِ) وَ هُمْ الْفُقَهَاءُ

الْعُدُولُ الْإِمَامِيونَ الْجَامِعُونَ لِشَرَائِطِ الْفَتْوَي، لِأَنَّهُمْ و ُكلَاؤُهُ، ثُمَّ يجِبُ عَلَيهِمْ فِيهِ مَا يقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُمْ، فَمَنْ يذْهَبُ مِنْهُمْ إلَي جَوَازِ صَرْفِهِ إلَي الْأَصْنَافِ عَلَي سَبِيلِ التَّتِمَّةِ كمَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَينَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ يصْرِفُهُ عَلَي حَسَبِ مَا يرَاهُ، مِنْ بَسْطٍ، و غيرهِ، و من لَا يرَي ذَلِك يجِبُ عَلَيهِ أَنْ يسْتَوْدِعَهُ لَهُ إلَي ظُهُورِهِ، فَإِذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْدَعَهُ مِنْ ثِقَةٍ، و هكذا مَا دَامَ (غَائِبًا، أَوْ يحْفَظُ) أَي يحْفَظُهُ مَنْ يجِبُ عَلَيهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِيدَاعِ كمَا ذَكرْنَاهُ فِي النَّائِبِ، و ليس لَهُ أَنْ يتَوَلَّي إخْرَاجَهُ بِنَفْسِهِ إلَي الْأَصْنَافِ مُطْلَقًا، وَ لَا لِغَيرِ الْحَاكمِ الشَّرْعِي، فَإِنْ تَوَلَّاهُ غَيرُهُ ضَمِنَ، وَ يظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِهِ صَرْفَ حَقِّهِ عَلَيهِ السَّلَامُ إلَي نُوَّابِهِ أَنَّهُ لَا يحِلُّ مِنْهُ حَالَ الْغَيبَةِ شَيءٌ لِغَيرِ فَرِيقِهِ.

وَ الْمَشْهُورُ بَينَ الْأَصْحَابِ وَ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي بَاقِي كتُبِهِ وَ فَتَاوَاهُ اسْتِثْنَاءُ الْمَنَاكحِ وَ الْمَسَاكنِ وَ الْمَتَاجِرِ مِنْ ذَلِك، فَتُبَاحُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مُطْلَقًا وَ الْمُرَادُ مِنْ الْأَوَّلِ الْأَمَةُ الْمَسْبِيةُ حَالَ الْغَيبَةِ وَ ثَمَنُهَا، وَ مَهْرُ الزَّوْجَةِ مِنْ الْأَرْبَاحِ، و من الثَّانِي ثَمَنُ الْمَسْكنِ مِنْهَا أَيضًا، و من الثَّالِثِ الشِّرَاءُ مِمَّنْ لَا يعْتَقِدُ الْخُمُسَ، أَوْ مِمَّنْ لَا يخَمِّسُ، وَ نَحْوُ ذَلِك.

وَ تَرْكهُ هُنَا إمَّا اخْتِصَارًا، أَوْ اخْتِيارًا، لِأَنَّهُ قَوْلٌ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ ادَّعَي فِي الْبَيانِ إطْبَاقَ الْإِمَامِيةِ عَلَيهِ، نَظَرًا إلَي شُذُوذِ الْمُخَالِفِ.

(وَثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ) و هي بَقِيةُ السِّتَّةِ (لِلْيتَامَي) وَ هُمْ الْأَطْفَالُ الَّذِينَ لَا أَبَ لَهُمْ، (وَالْمَسَاكينُ)، وَ الْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا مَا يشْمَلُ الْفُقَرَاءَ كمَا فِي كلِّ مَوْضِعٍ يذْكرُونَ مُنْفَرِدِينَ، (وَأَبْنَاءُ السَّبِيلِ) عَلَي الْوَجْهِ الْمَذْكورِ فِي الزَّكاةِ (مِنْ الْهَاشِمِيينَ الْمُنْتَسِبِينَ) إلَي هَاشِمٍ (بِالْأَبِ)، دُونَ الْأُمِّ، وَ دُونَ الْمُنْتَسِبِينَ إلَي الْمُطَّلِبِ أَخِي هَاشِمٍ عَلَي أَشْهَرِ الْقَوْلَينِ.

وَ يدُلُّ عَلَي الْأَوَّلِ

اسْتِعْمَالُ أَهْلِ اللُّغَةِ، و ما خَالَفَهُ يحْمَلُ عَلَي الْمَجَازِ لِأَنَّهُ خَيرٌ مِنْ الِاشْتِرَاك، و في الرِّوَايةِ عَنْ الْكاظِمِ عَلَيهِ السَّلَامُ مَا يدُلُّ عَلَيهِ، و علي الثَّانِي أَصَالَةُ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ، مُضَافًا إلَي مَا دَلَّ عَلَي عَدَمِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَ اسْتِضْعَافًا لِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُ مِنْهَا، وَ قُصُورُهُ عَنْ الدَّلَالَةِ.

(وَقَالَ الْمُرْتَضَي) رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: يسْتَحِقُّ الْمُنْتَسِبُ إلَي هَاشِمٍ (وَ) لَوْ (بِالْأُمِّ)، اسْتِنَادًا إلَي { قَوْلِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَنْ الْحَسَنَينِ عَلَيهِمَا السَّلَامُ هَذَانِ ابْنَاي إمَامَانِ }، وَ الْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ، و هو مَمْنُوعٌ، بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْهَا و من الْمَجَازِ، خُصُوصًا مَعَ وُجُودِ الْمُعَارِضِ.

وَ قَالَ الْمُفِيدُ وَ ابْنُ الْجُنَيدِ: يسْتَحِقُّ الْمُطَّلِبِي أَيضًا و قد بَينَاهُ.

(وَيشْتَرَطُ فَقْرُ شُرَكاءِ الْإِمَامِ عَلَيهِ السَّلَامُ) أَمَّا الْمَسَاكينُ فَظَاهِرٌ، و أمّا الْيتَامَي فَالْمَشْهُورُ اعْتِبَارُ فَقْرِهِمْ لِأَنَّ الْخُمُسَ عِوَضُ الزَّكاةِ، وَ مَصْرِفُهَا الْفُقَرَاءُ فِي غَيرِ مَنْ نَصَّ عَلَي عَدَمِ اعْتِبَارِ فَقْرِهِ فَكذَا الْعِوَضُ، وَ لِأَنَّ الْإِمَامَ عَلَيهِ السَّلَامُ يقَسِّمُهُ بَينَهُمْ عَلَي قَدْرِ حَاجَتِهِمْ، وَ الْفَاضِلُ لَهُ وَ الْمِعْوَزُ عَلَيهِ، فَإِذَا انْتَفَتْ الْحَاجَةُ انْتَفَي النَّصِيبُ.

وَ فِيهِ نَظَرٌ بَينٌ، و من ثَمَّ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَي عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِيهِمْ، لِأَنَّ الْيتِيمَ قَسِيمٌ لِلْمِسْكينِ فِي الْآيةِ، و هو يقْتَضِي الْمُغَايرَةَ و لو سُلِّمَ عَدَمُهُ نَظَرًا إلَي أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي الْمُبَاينَةَ فَعِنْدَ عَدَمِ الْمُخَصَّصِ يبْقَي فِي الْعُمُومِ وَ تَوَقَّفَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوس.

(وَيكفِي فِي ابْنِ السَّبِيلِ الْفَقْرُ فِي بَلَدِ التَّسْلِيمِ) و أن كانَ غَنِيا فِي بَلَدِهِ بِشَرْطِ أَنْ يتَعَذَّرَ وُصُولُهُ إلَي الْمَالِ عَلَي الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ فِي الزَّكاةِ وَ ظَاهِرُهُمْ هُنَا عَدَمُ الْخِلَافِ فِيهِ، وَ الا كانَ دَلِيلُ الْيتِيمِ آتِيا فِيهِ.

(وَلَا تُعْتَبَرُ الْعَدَالَةُ) لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ، (وَيعْتَبَرُ الْإِيمَانُ) لِاعْتِبَارِهِ فِي الْمُعَوَّضِ به غير خِلَافٍ، مَعَ وُجُودِهِ، وَ لِأَنَّهُ

صِلَةٌ وَ مَوَدَّةٌ، وَ الْمُخَالِفُ بَعِيدٌ عَنْهُمَا، وَ فِيهِمَا نَظَرٌ، وَ لَا رَيبَ أَنَّ اعْتِبَارَهُ أَوْلَي.

@وَأَمَّا الْأَنْفَالُ

وَ أَمَّا الْأَنْفَالُ:

فَهِي الْمَالُ الزَّائِدُ لِلنَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ الْإِمَامِ عَلَيهِ السَّلَامُ بَعْدَهُ عَلَي قَبِيلِهِمَا و قد كانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي حَياتِهِ بِالْآيةِ الشَّرِيفَةِ، و هي بَعْدَهُ لِلْإِمَامِ الْقَائِمِ مَقَامَهُ.

وَ قَدْ أَشَارَ إلَيهَا بِقَوْلِهِ: (وَنَفْلُ الْإِمَامِ عَلَيهِ السَّلَامُ) الَّذِي يزِيدُ بِهِ عَنْ قَبِيلِهِ، و منه سُمِّي نَفْلًا (أَرْضٌ انْجَلَي، عَنْهَا أَهْلُهَا) وَ تَرَكوهَا، (أَوْ سُلِّمَتْ) لِلْمُسْلِمِينَ (طَوْعًا) مِنْ غَيرِ قِتَالٍ كبِلَادِ الْبَحْرَينِ، (أَوْ بَادَ أَهْلُهَا) أَي هَلَكوا مُسْلِمِينَ كانُوا أَمْ كفَّارًا، وَ كذَا مُطْلَقُ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ الَّتِي لَا يعْرَفُ لَهَا مَالِك.

(وَالْإِجَامُ) بِكسْرِ الْهَمْزَةِ وَ فَتْحِهَا مَعَ الْمَدِّ جَمْعُ أَجَمَةٍ بِالتَّحْرِيك الْمَفْتُوحِ، و هي الْأَرْضُ الْمَمْلُوءَةُ مِنْ الْقَصَبِ وَ نَحْوِهِ، فِي غَيرِ الْأَرْضِ الْمَمْلُوكةِ، (وَرُءُوسُ الْجِبَالِ، وَ بُطُونُ الْأَوْدِيةِ)، وَ الْمَرْجِعُ فِيهِمَا إلَي الْعُرْفِ، (وَمَا يكونُ بِهِمَا) مِنْ شَجَرٍ، وَ مَعْدِنٍ، و غيرهِمَا، و ذلك فِي غَيرِ أَرْضِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ.

(وَصَوَافِّي مُلُوك) أَهْلِ (الْحَرْبِ)، وَ قَطَائِعُهُمْ وَ ضَابِطُهُ كلُّ مَا اصْطَفَاهُ مَلِك الْكفَّارِ لِنَفْسِهِ وَ اخْتُصَّ بِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ الْمَنْقُولَةِ و غيرهَا، غَيرِ الْمَغْصُوبَةِ، مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ مُسَالِمٍ، (وَمِيرَاثُ فَاقِدِ الْوَارِثِ) الْخَاصِّ، و هو مَنْ عَدَا الْإِمَامَ، وَ الا فَهُوَ عَلَيهِ السَّلَامُ وَارِثٌ مَنْ يكونُ كذَلِك، (وَالْغَنِيمَةُ به غير إذْنِهِ) غَائِبًا كانَ، أَمْ حَاضِرًا عَلَي الْمَشْهُورِ وَ بِهِ رِوَايةٌ مُرْسَلَةٌ إلَّا أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِخِلَافِهَا ظَاهِرًا.

وَ الْمَشْهُورُ أَنَّ هَذِهِ الْأَنْفَالَ مُبَاحَةٌ حَالَ الْغَيبَةِ فَيصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي الْأَرْضِ الْمَذْكورَةِ بِالْإِحْياءِ، وَ أَخْذِ مَا فِيهَا مِنْ شَجَرٍ، و غيرهِ.

نَعَمْ يخْتَصُّ مِيرَاثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ بِفُقَرَاءِ بَلَدِ الْمَيتِوَجِيرَانِهِ لِلرِّوَايةِ، وَ قِيلَ: بِالْفُقَرَاءِ مُطْلَقًا، لِضَعْفِ الْمُخَصِّصِ،

و هو قَوِي.

وَ قِيلَ: مُطْلَقًا كغَيرِهِ.

(وَأَمَّا الْمَعَادِنُ) الظَّاهِرَةُ وَ الْبَاطِنَةُ فِي غَيرِ أَرْضِهِ عَلَيهِ السَّلَامُ (فَالنَّاسُ فِيهَا شَرْعٌ) عَلَي الْأَصَحِّ؛ لِأَصَالَةِ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ، وَ قِيلَ: هِي مِنْ الْأَنْفَالِ أَيضًا، أَمَّا الْأَرْضُ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ فَمَا فِيهَا مِنْ مَعْدِنٍ تَابِعٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ كوْنَ الْمَعَادِنِ لِلنَّاسِ مِنْ غَيرِ تَفْصِيلٍ، وَ التَّفْصِيلُ حَسَنٌ، هَذَا كلُّهُ فِي غَيرِ الْمَعَادِنِ الْمَمْلُوكةِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، أَوْ بِالْإِحْياءِ، فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِمَالِكهَا.

5 - كتاب الصوم (و اعتكاف)

التمهيد

شرح

كتَابُ الصَّوْمِ

(وَ هُوَ الْكفُّ) نَهَارًا كمَا سَيأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيهِ (عَنْ الْأَكلِ وَ الشُّرْبِ مُطْلَقًا) الْمُعْتَادُ مِنْهُمَا، و غيرهُ، (وَالْجِمَاعِ كلِّهِ) قُبُلًا وَ دُبُرًا لِآدَمِي، و غيرهِ عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ (وَالِاسْتِمْنَاءِ) وَ هُوَ: طَلَبُ الْإِمْنَاءِ به غير الْجِمَاعِ مَعَ حُصُولِهِ، لَا مُطْلَقُ طَلَبِهِ، و أن كانَ مُحَرَّمًا أَيضًا، إلَّا أَنَّ الْأَحْكامَ الْآتِيةَ لَا تَجْرِي فِيهِ، وَ فِي حُكمِهِ النَّظَرُ وَ الاسْتِمْتَاعُ به غير الْجِمَاعِ، وَ التَّخَيلُ لِمُعْتَادِهِ مَعَهُ كمَا سَيأْتِي (وَإِيصَالِ الْغُبَارِ الْمُتَعَدِّي) إلَي الْحَلْقِ غَلِيظًا كانَ أَمْ لَا، بِمُحَلَّلٍ كدَقِيقٍ، و غيرهِ كتُرَابٍ.

وَ تَقْييدُهُ بِالْغَلِيظِ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ وَ مِنْهَا الدُّرُوسُ لَا وَجْهَ لَهُ، وَحَدُّ الْحَلْقِ مَخْرَجُ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، (وَالْبَقَاءِ عَلَي الْجَنَابَةِ) مَعَ عِلْمِهِ بِهَا لَيلًا، سَوَاءٌ نَوَي الْغُسْلَ أَمْ لَا.

(وَمُعَاوَدَةِ النَّوْمِ جُنُبًا بَعْدَ انْتِبَاهَتَينِ) مُتَأَخِّرَتَينِ عَنْ الْعِلْمِ بِالْجَنَابَةِ، و أن نَوَي الْغُسْلَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَيهِ جُنُبًا، لَا بِمُجَرَّدِ النَّوْمِ كذَلِك، (فَيكفِّرُ مَنْ لَمْ يكفَّ) عَنْ أَحَدِ هَذِهِ السَّبْعَةِ اخْتِيارًا فِي صَوْمٍ وَاجِبٍ مُتَعَينٍ، أَوْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مَعَ وُجُوبِهِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ.

(وَيقْضِي) الصَّوْمَ مَعَ الْكفَّارَةِ (لَوْ تَعَمَّدَ الْإِخْلَالَ) بِالْكفِّ الْمُؤَدِّي إلَي فِعْلِ أَحَدِهَا.

وَ الْحُكمُ فِي السِّتَّةِ السَّابِقَةِ قَطْعِي، و في السَّابِعِ مَشْهُورِي، وَ مُسْتَنَدُهُ غَيرُ صَالِحٍ، وَ دَخَلَ فِي الْمُتَعَمِّدِ الْجَاهِلُ بِتَحْرِيمِهَا وَ إِفْسَادِهَا، وَ فِي وُجُوبِ

الْكفَّارَةِ عَلَيهِ خِلَافٌ.

وَ اَلَّذِي قَوَّاهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ عَدَمَهُ، و هو الْمَرْوِي، وَ خَرَجَ النَّاسِي فَلَا قَضَاءَ عَلَيهِ، وَ لَا كفَّارَةَ، وَ الْمُكرَهُ عَلَيهِ، و لو بِالتَّخْوِيفِ فَبَاشَرَ بِنَفْسِهِ عَلَي الْأَقْوَي.

وَ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ كوْنُ مَا ذُكرَ تَعْرِيفًا لِلصَّوْمِ كمَا هُوَ عَادَتُهُمْ، وَلَكنَّهُ غَيرُ تَامٍّ، إذْ لَيسَ مُطْلَقُ الْكفِّ عَنْ هَذِهِ الْأَشْياءِ صَوْمًا كمَا لَا يخْفَي، وَ يمْكنُ أَنْ يكونَ تَجَوَّزَ فِيهِ بِبَيانِ أَحْكامِهِ، وَ يؤَيدُهُ أَنَّهُ لَمْ يعَرِّفْ غَيرَهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَ لَا غَيرَهَا فِي الْكتَابِ غَالِبًا.

وَ أَمَّا دَخَلُهُ مِنْ حَيثُ جَعْلُهُ كفًّا، و هو أَمْرٌ عَدَمِي فَقَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ بِإِرَادَةِ الْعَزْمِ عَلَي الضِّدِّ أَوْ تَوْطِينِ النَّفْسِ عَلَيهِ، وَ بِهِ يتَحَقَّقُ مَعْنَي الْإِخْلَالِ بِهِ إذْ لَا يقَعُ الْإِخْلَالُ إلَّا بِفِعْلٍ فَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّهِ إلَي فِعْلِ الْقَلْبِ، و إنّما اقْتَصَرَ عَلَي الْكفِّ مُرَاعَاةً لِمَعْنَاهُ اللُّغَوِي. (وَيقْضِي) خَاصَّةً مِنْ غَيرِ كفَّارَةٍ (لَوْ عَادَ) الْجُنُبُ إلَي النَّوْمِ نَاوِيا لِلْغُسْلِ لَيلًا (بَعْدَ انْتِبَاهَةٍ) وَاحِدَةً فَأَصْبَحَ جُنُبًا، وَ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِك مِنْ احْتِمَالِهِ لِلِانْتِبَاهِ عَادَةً، فَلَوْ لَمْ يكنْ مِنْ عَادَتِهِ ذَلِك، وَ لَا احْتِمَالِهِ كانَ مِنْ أَوَّلِ نَوْمِهِ كمُتَعَمِّدِ الْبَقَاءِ عَلَيهَا، و أمّا النَّوْمَةُ الْأُولَي فَلَا شَيءَ فِيهَا، و أن طَلَعَ الْفَجْرُ بِشَرْطَيهِ، (أَوْ احْتَقَنَ بِالْمَائِعِ) فِي قَوْلٍ، وَ الْأَقْوَي عَدَمُ الْقَضَاءِ بِهَا، و أن حَرُمَتْ، أَمَّا بِالْجَامِدِ كالْفَتَائِلِ فَلَا عَلَي الْأَقْوَي، (أَوْ ارْتَمَسَ) بِأَنْ غَمَسَ رَأْسَهُ أَجْمَعَ فِي الْمَاءِ دُفْعَةً وَاحِدَةً عُرْفِيةً، و أن بَقِي الْبَدَنُ (مُتَعَمِّدًا)، وَ الْأَقْوَي تَحْرِيمُهُ مِنْ دُونِ إفْسَادٍ أَيضًا، و في الدُّرُوسِ أَوْجَبَ بِهِ الْقَضَاءَ وَ الْكفَّارَةَ.

وَ حَيثُ يكونُ الِارْتِمَاسُ فِي غُسْلٍ مَشْرُوعٍ يقَعُ فَاسِدًا مَعَ التَّعَمُّدِ لِلنَّهْي، و لو نَسِي صَحَّ، (أَوْ تَنَاوَلَ) الْمُفْطِرَ (مِنْ دُونِ مُرَاعَاةٍ مُمْكنَةٍ) لِلْفَجْرِ، أَوْ

اللَّيلِ، ظَانًّا حُصُولَهُ (فَأَخْطَأَ) بِأَنْ ظَهَرَ تَنَاوُلُهُ نَهَارًا.

(سَوَاءٌ كانَ مُسْتَصْحِبَ اللَّيلِ) بِأَنْ تَنَاوَلَ آخِرَ اللَّيلِ مِنْ غَيرِ مُرَاعَاةٍ بِنَاءً عَلَي أَصَالَةِ عَدَمِ طُلُوعِ الْفَجْرِ، (أَوْ النَّهَارِ) بِأَنْ أَكلَ آخِرَ النَّهَارِ ظَنًّا أَنَّ اللَّيلَ دَخَلَ فَظَهَرَ عَدَمُهُ، وَ اكتَفَي عَنْ قَيدِ ظَنِّ اللَّيلَ بِظُهُورِ الْخَطَأِ، فَإِنَّهُ يقْتَضِي اعْتِقَادَ خِلَافِهِ، وَ احْتَرَزَ بِالْمُرَاعَاةِ الْمُمْكنَةِ عَمَّنْ تَنَاوَلَ كذَلِك مَعَ عَدَمِ إمْكانِ الْمُرَاعَاةِ كغَيمٍ، أَوْ حَبْسٍ أَوْ عَمًي، حَيثُ لَا يجِدُ مَنْ يقَلِّدُهُ فَإِنَّهُ لَا يقْضِي؛ لِأَنَّهُ مُتَعَبِّدٌ بِظَنِّهِ، وَ يفْهَمُ مِنْ ذَلِك أَنَّهُ لَوْ رَاعَي فَظَنَّ فَلَا قَضَاءَ فِيهِمَا، و أن أَخْطَأَ ظَنُّهُ، و في الدُّرُوسِ اسْتَقْرَبَ الْقَضَاءَ فِي الثَّانِي، دُونَ الْأَوَّلِ، فَارِقًا بَينَهُمَا بِاعْتِضَادِ ظَنِّهِ بِالْأَصْلِ فِي الْأَوَّلِ وَ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِي.

(وَ قِيلَ): وَ الْقَائِلُ الشَّيخُ وَ الْفَاضِلَانِ: (لَوْ أَفْطَرَ لِظُلْمَةٍ مُوهِمَةٍ) أَي مُوجِبَةٍ لِظَنِّ دُخُولِ اللَّيلِ (ظَانًّا) دُخُولَهُ مِنْ غَيرِ مُرَاعَاةٍ، بَلْ اسْتِنَادًا إلَي مُجَرَّدِ الظُّلْمَةِ الْمُثِيرَةِ لِلظَّنِّ (فَلَا قَضَاءَ)، اسْتِنَادًا إلَي أَخْبَارٍ تَقْصُرُ عَنْ الدَّلَالَةِ، مَعَ تَقْصِيرِهِ فِي الْمُرَاعَاةِ، فَلِذَلِك نَسَبَهُ إلَي الْقِيلِ، وَ اقْتَضَي حُكمُهُ السَّابِقُ، وُجُوبَ الْقَضَاءِ مَعَ عَدَمِ الْمُرَعَّاةِ، و أن ظَنَّ، وَ بِهِ صَرَّحَ فِي الدُّرُوسِ، وَ ظَاهِرُ الْقَائِلِينَ أَنَّهُ لَا كفَّارَةَ مُطْلَقًا، وَ يشْكلُ عَدَمُ الْكفَّارَةِ مَعَ إمْكانِ الْمُرَاعَاةِ، وَ الْقُدْرَةِ عَلَي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي؛ لِتَحْرِيمِ التَّنَاوُلِ عَلَي هَذَا الْوَجْهِ، وَ وُقُوعِهِ فِي نَهَارٍ يجِبُ صَوْمُهُ عَمْدًا، و ذلك يقْتَضِي بِحَسَبِ الْأُصُولِ الشَّرْعِيةِ وُجُوبَ الْكفَّارَةِ، بَلْ ينْبَغِي و ُجُوبُهَا، و أن لَمْ يظْهَرْ الْخَطَأُ، بَلْ اسْتَمَرَّ الِاشْتِبَاهُ؛ لِأَصَالَةِ عَدَمِ الدُّخُولِ، مَعَ النَّهْي عَنْ الْإِفْطَارِ، و أمّا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ خَاصَّةً مَعَ ظُهُورِ الْخَطَأِ مُتَوَجِّهٌ؛ لِتَبَينِ إفْطَارِهِ فِي النَّهَارِ؛ وَ لِلْأَخْبَارِ.

لَكنْ لَا كفَّارَةَ عَلَيهِ، لِجَوَازِ تَنَاوُلِهِ حِينَئِذٍ

بِنَاءً عَلَي أَصَالَةِ عَدَمِ الدُّخُولِ، و لو لا النَّصُّ عَلَي الْقَضَاءِ لَأَمْكنَ الْقَوْلُ بِعَدَمِهِ، لِلْإِذْنِ الْمَذْكورِ، و أمّا وُجُوبُ الْكفَّارَةِ عَلَي الْقَوْلِ الْمَحْكي فَأَوْضَحُ، و قد اتَّفَقَ لِكثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِبَارَاتٌ قَاصِرَةٌ عَنْ تَحْقِيقِ الْحَالِ جِدًّا فَتَأَمَّلْهَا، وَ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَا جَيدَةٌ لَوْلَا إطْلَاقُ عَدَمِ الْكفَّارَةِ.

وَ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ نَقَلَ الْقَوْلَ الْمَذْكورَ جَامِعًا بَينَ تَوَهُّمِ الدُّخُولِ بِالظُّلْمَةِ وَ ظَنِّهِ، مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ لُغَةً وَ اصْطِلَاحًا أَنَّ الْوَهْمَ اعْتِقَادٌ مَرْجُوحٌ، وَ رَاجِحُهُ الظَّنُّ، وَ عِبَارَاتُهُمْ وَقَعَتْ أَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ لِلظُّلْمَةِ الْمُوهِمَةِ وَجَبَ الْقَضَاءُ و لو ظَنَّ لَمْ يفْطِرْ أَي: لَمْ يفْسُدْ صَوْمُهُ، فَجَعَلُوا الظَّنَّ قَسِيمًا لِلْوَهْمِ.

فَجَمْعُهُ هُنَا بَينَ الْوَهْمِ وَ الظَّنِّ، فِي نَقْلِ كلَامِهِمْ، إشَارَةٌ إلَي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْوَهْمِ فِي كلَامِهِمْ أَيضًا الظَّنُّ، إذْ لَا يجُوزُ الْإِفْطَارُ مَعَ ظَنِّ عَدَمِ الدُّخُولِ قَطْعًا، وَ اللَّازِمُ مِنْهُ وُجُوبُ الْكفَّارَةِ، و إنّما يقْتَصِرُ عَلَي الْقَضَاءِ لَوْ حَصَلَ الظَّنُّ ثُمَّ ظَهَرَتْ الْمُخَالَفَةُ، وَ إِطْلَاقُ الْوَهْمِ عَلَي الظَّنِّ صَحِيحٌ أَيضًا، لِأَنَّهُ أَحَدُ مَعَانِيهِ لُغَةً، لَكنْ يبْقَي فِي كلَامِهِمْ سُؤَالُ الْفَرْقِ بَينَ الْمَسْأَلَتَينِ حَيثُ حَكمُوا مَعَ الظَّنِّ بِأَنَّهُ لَا إفْسَادَ، إلَّا أَنْ يفَرِّقَ بَينَ مَرَاتِبِ الظَّنِّ فَيرَادُ مِنْ الْوَهْمِ أَوَّلُ مَرَاتِبِهِ، و من الظَّنِّ قُوَّةُ الرُّجْحَانِ، و بهذا الْمَعْنَي صَرَّحَ بَعْضُهُمْ.

وَ فِي بَعْضِ تَحْقِيقَاتِ الْمُصَنِّفِ عَلَي كلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْوَهْمِ تَرْجِيحُ أَحَدِ الطَّرَفَينِ؛ لِأَمَارَةٍ غَيرِ شَرْعِيةٍ، و من الظَّنِّ التَّرْجِيحُ لِأَمَارَةٍ شَرْعِيةٍ، فَشَرَك بَينَهُمَا فِي الرُّجْحَانِ، وَ فَرَّقَ بِمَا ذَكرَهُ، و هو مَعَ غَرَابَتِهِ لَا يتِمُّ، لِأَنَّ الظَّنَّ الْمُجَوِّزَ لِلْإِفْطَارِ لَا يفَرَّقُ فِيهِ بَينَ الْأَسْبَابِ الْمُثِيرَةِ لَهُ، و إنّما ذَكرْنَا ذَلِك لِلتَّنْبِيهِ عَلَي فَائِدَةِ جَمْعِهِ هُنَا بَينَ الْوَهْمِ وَ الظَّنِّ، تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِمْ.

وَ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ سَوَاءٌ كانَ

مُسْتَصْحِبَ اللَّيلِ أَوْ النَّهَارِ جَرَي فِيهِ عَلَي قَوْلِ الْجَوْهَرِي: سَوَاءٌ عَلَي قُمْت أَوْ قَعَدْت، و قد عَدَّهُ جَمَاعَةٌ مِنْ النُّحَاةِ مِنْهُمْ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي مِنْ الْأَغَالِيطِ، و أنّ الصَّوَابَ الْعَطْفُ بَعْدَ سَوَاءٍ بِأَمْ بَعْدَ هَمْزَةِ التَّسْوِيةِ فَيقَالُ: سَوَاءٌ كانَ كذَا أَمْ كذَا كمَا قَالَ تَعَالَي: { سَوَاءٌ عَلَيهِمْ ْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ } { سَوَاءٌ عَلَينَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا } { سَوَاءٌ عَلَيكمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ }، وَ قِسْ عَلَيهِ مَا يأْتِي مِنْ نَظَائِرِهِ فِي الْكتَابِ و غيرهِ و هو كثِيرٌ.

(أَوْ تَعَمَّدَ الْقَيءَ) مَعَ عَدَمِ رُجُوعِ شَيءٍ مِنْهُ إلَي حَلْقِهِ اخْتِيارًا، وَ الا وَجَبَتْ الْكفَّارَةُ أَيضًا، وَ احْتَرَزَ بِالتَّعَمُّدِ عَمَّا لَوْ سَبَقَهُ به غير اخْتِيارِهِ، فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ مَعَ تَحَفُّظِهِ كذَلِك.

(أَوْ أُخْبِرَ بِدُخُولِ اللَّيلِ فَأَفْطَرَ)، تَعْوِيلًا عَلَي قَوْلِهِ: وَ يشْكلُ بِأَنَّهُ إنْ كانَ قَادِرًا عَلَي الْمُرَاعَاةِ ينْبَغِي وُجُوبُ الْكفَّارَةِ كمَا سَبَقَ؛ لِتَقْصِيرِهِ وَ إِفْطَارِهِ، حَيثُ ينْهَي عَنْهُ، و أن كانَ مَعَ عَدَمِهِ فَينْبَغِي عَدَمُ الْقَضَاءِ أَيضًا، إنْ كانَ مِمَّنْ يسُوغُ تَقْلِيدُهُ لَهُ كالْعَدْلِ، وَ الا فَكالْأَوَّلِ، وَ اَلذِي صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْأَوَّلُ.

(أَوْ أُخْبِرَ بِبَقَائِهِ) أَي: بِبَقَاءِ اللَّيلِ (فَتَنَاوَلَ) تَعْوِيلًا عَلَي الْخَبَرِ (وَيظْهَرُ الْخِلَافُ) حَالٌ مِنْ الْأَمْرَينِ، و وجوب الْقَضَاءِ خَاصَّةً هُنَا مُتَّجِهٌ مُطْلَقًا؛ لِاسْتِنَادِهِ إلَي الْأَصْلِ، بِخِلَافِ السَّابِقِ، وَ رُبَّمَا فَرَّقَ فِي الثَّانِي بَينَ كوْنِ الْمُخْبِرِ بِعَدَمِ الطُّلُوعِ حُجَّةً شَرْعِيةً كعَدْلَينِ و غيرهِ فَلَا يجِبُ الْقَضَاءُ مَعَهُمَا؛ لِحُجِّيةِ قَوْلِهِمَا شَرْعًا، وَ يفْهَمُ مِنْ الْقَيدِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يظْهَرْ الْخِلَافُ فِيهِمَا لَا قَضَاءَ، و هو يتِمُّ فِي الثَّانِي، دُونَ الْأَوَّلِ، لِلنَّهْي.

وَ اَلَّذِي ينَاسِبُ الْأَصْلَ فِيهِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ وَ الْكفَّارَةِ، مَا لَمْ تَظْهَرْ الْمُوَافَقَةُ، وَ الا فَالْإِثْمُ خَاصَّةً، نَعَمْ لَوْ

كانَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ جَاهِلًا بِجَوَازِ التَّعْوِيلِ عَلَي ذَلِك، جَاءَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي تَكفِيرِ الْجَاهِلِ، و هو حُكمٌ آخَرُ.

(أَوْ نَظَرَ إلَي امْرَأَةٍ) مُحَرَّمَةٍ بِقَرِينَةٍ.

قَوْلُهُ (أَوْ غُلَامٍ فَأَمْنَي) مَعَ عَدَمِ قَصْدِهِ الْإِمْنَاءَ، وَ لَا اعْتِيادِهِ، (وَلَوْ قَصَدَ فَالْأَقْرَبُ الْكفَّارَةُ، وَ خُصُوصًا مَعَ الِاعْتِيادِ، إذْ لَا ينْقُصُ عَنْ الِاسْتِمْنَاءِ بِيدِهِ، أَوْ مُلَاعَبَتِهِ)، و ما قَرَّبَهُ حَسَنٌ، لَكنْ يفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الِاعْتِيادَ به غير قَصْدِ الْإِمْنَاءِ غَيرُ كافٍ، وَ الْأَقْوَي الِاكتِفَاءُ بِهِ، و هو ظَاهِرُهُ فِي الدُّرُوسِ.

وَ إِنَّمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ مَعَ النَّظَرِ إلَي الْمُحَرَّمِ مَعَ عَدَمِ الْوَصْفَينِ، لِلنَّهْي عَنْهُ، فَأَقَلُّ مَرَاتِبِهِ الْفَسَادُ، كغَيرِهِ مِنْ الْمَنْهِياتِ فِي الصَّوْمِ، مِنْ الِارْتِمَاسِ وَ الْحُقْنَةِ، و غيرهِمَا، وَ الْأَقْوَي عَدَمُ الْقَضَاءِ بِدُونِهِمَا كغَيرِهِ مِنْ الْمَنْهِياتِ و أن أَثِمَ، إذْ لَا دَلَالَةَ لِلتَّحْرِيمِ عَلَي الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ أَعَمُّ، فَلَا يفْسُدُ إلَّا مَعَ النَّصِّ عَلَيهِ، كالتَّنَاوُلِ وَ الْجِمَاعِ، وَ نَظَائِرِهِمَا، وَ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَينَ الْمُحَلَّلَةِ، وَ الْمُحَرَّمَةِ إلَّا فِي الْإِثْمِ، وَ عَدَمِهِ.

(وَتَتَكرَّرُ الْكفَّارَةُ) مَعَ فِعْلِ مُوجِب

(وَتَتَكرَّرُ الْكفَّارَةُ) مَعَ فِعْلِ مُوجِبِهَا (بِتَكرُّرِ الْوَطْءِ مُطْلَقًا)

، و لو فِي الْيوْمِ الْوَاحِدِ، وَ يتَحَقَّقُ تَكرُّرُهُ بِالْعَوْدِ بَعْدَ النَّزْعِ (أَوْ تَغَايرِ الْجِنْسِ) بِأَنْ وَطِئَ وَ أَكلَ، وَ الْأَكلُ وَ الشُّرْبُ غَيرَانِ، (أَوْ تَخَلَّلَ التَّكفِيرَ) بَينَ الْفِعْلَينِ، و أن اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَ الْوَقْتُ، (أَوْ اخْتِلَافِ الْأَيامِ)، و أن اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَيضًا، (وَإِلَّا يكنْ) كذَلِك، بِأَنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ فِي غَيرِ الْجِمَاعِ وَ الْوَقْتِ، و لم يتَخَلَّلْ التَّكفِيرُ (فَوَاحِدَةٌ) عَلَي الْمَشْهُورِ.

وَ فِي الدُّرُوسِ قَطْعًا، و في المُهَذَّبِ إجْمَاعًا، وَ قِيلَ: تَتَكرَّرُ مُطْلَقًا، و هو مُتَّجِهٌ، إنْ لَمْ يثْبُتْ الْإِجْمَاعُ عَلَي خِلَافِهِ؛ لِتَعَدُّدِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِتَعَدُّدِ الْمُسَبِّبِ، إلَّا مَا نَصَّ فِيهِ عَلَي التَّدَاخُلِ، و هو مَنْفِي هُنَا، و لو لُوحِظَ زَوَالُ الصَّوْمِ بِفَسَادِهِ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ، لَزِمَ

عَدَمُ تَكرُّرِهَا فِي الْيوْمِ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا، و له وَجْهٌ، وَ الْوَاسِطَةُ ضَعِيفَةٌ.

وَ يتَحَقَّقُ تَعَدُّدُ الْأَكلِ وَ الشُّرْبِ بِالِازْدِرَاءِ، و أن قَلَّ،، وَيتَّجِهُ فِي الشُّرْبِ اتِّحَادُهُ مَعَ اتِّصَالِهِ، و أن طَالَ لِلْعُرْفِ. (وَيتَحَمَّلُ عَنْ الزَّوْجَةِ الْمُكرَهَةِ) عَلَي الْجِمَاعِ (الْكفَّارَةَ وَ التَّعْزِيرَ) الْمُقَدَّرَ عَلَي الْوَاطِئِ (بِخَمْسَةٍ وَ عِشْرِينَ) سَوْطًا (فَيعَزَّرُ خَمْسِينَ)، وَ لَا تَحَمُّلَ فِي غَيرِ ذَلِك، كإِكرَاهِ الْأَمَةِ، وَ الْأَجْنَبِيةِ، وَ الْأَجْنَبِي لَهُمَا، وَ الزَّوْجَةِ لَهُ، وَ الْإِكرَاهُ عَلَي غَيرِ الْجِمَاعِ و لو الزَّوْجَةَ وُقُوفًا مَعَ النَّصِّ، وَ كوْنُ الْحُكمِ فِي الْأَجْنَبِيةِ أَفْحَشَ لَا يفِيدُ أَوْلَوِيةَ التَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّ الْكفَّارَةَ مُخَفِّفَةٌ لِلذَّنْبِ، فَقَدْ لَا يثْبُتُ فِي الْأَقْوَي كتَكرَارِ الصَّيدِ عَمْدًا نَعَمْ لَا فَرْقَ فِي الزَّوْجَةِ بَينَ الدَّائِمِ وَ الْمُسْتَمْتِعِ بِهَا، و قد يجْتَمِعُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ الْإِكرَاهُ وَ الْمُطَاوَعَةُ، ابْتِدَاءً وَ اسْتِدَامَةً، فَيلْزَمُهُ حُكمُهُ، وَ يلْزَمُهَا حُكمُهَا وَ لَا فَرْقَ فِي الْإِكرَاهِ بَينَ الْمَجْبُورَةِ، وَ الْمَضْرُوبَةِ ضَرْبًا مُضِرًّا حَتَّي مَكنَتْ عَلَي الْأَقْوَي وَ كمَا ينْتَفِي عَنْهَا الْكفَّارَةُ ينْتَفِي الْقَضَاءُ مُطْلَقًا، (وَلَوْ طَاوَعَتْهُ فَعَلَيهَا) الْكفَّارَةُ وَ التَّعْزِيرُ مِثْلُهُ.

(الْقَوْلُ فِي شُرُوطِهِ)

(الْقَوْلُ فِي شُرُوطِهِ)

أَي: شُرُوطِ وُجُوبِ الصَّوْمِ، وَ شُرُوطِ صِحَّتِهِ، (وَيعْتَبَرُ فِي الْوُجُوبِ الْبُلُوغُ وَ الْعَقْلُ) فَلَا يجِبُ عَلَي الصَّبِي وَ الْمَجْنُونِ وَ الْمُغْمَي عَلَيهِ، و أمّا السَّكرَانُ فَبِحُكمِ الْعَاقِلِ فِي الْوُجُوبِ، لَا الصِّحَّةِ، (وَالْخُلُوُّ مِنْ الْحَيضِ وَ النِّفَاسِ وَ السَّفَرُ) الْمُوجِبِ لِلْقَصْرِ، فَيجِبُ عَلَي كثِيرِهِ، وَ الْعَاصِي بِهِ، وَ نَحْوِهِمَا، و أمّا نَاوِي الْإِقَامَةَ عَشْرًا، و من مَضَي عَلَيهِ ثَلَاثُونَ يوْمًا مُتَرَدِّدًا، فَفِي مَعْنَي الْمُقِيمِ، (وَ) يعْتَبَرُ (فِي الصِّحَّةِ التَّمْييزُ)، و أن لَمْ يكنْ مُكلَّفًا، وَ يعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ صَوْمَ الْمُمَيزِ صَحِيحٌ فَيكونُ شَرْعِيا، وَ بِهِ صَرَّحَ فِي الدُّرُوسِ، وَ يمْكنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ أَحْكامِ الْوَضْعِ فَلَا يقْتَضِي الشَّرْعِيةَ،

وَ الْأَوْلَي كوْنُهُ تَمْرِينِيا، لَا شَرْعِيا، وَ يمْكنُ مَعَهُ الْوَصْفُ بِالصِّحَّةِ كمَا ذَكرْنَاهُ، خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، حَيثُ نَفَي الْأَمْرَينِ، أَمَّا الْمَجْنُونُ فَينْتَفِيانِ فِي حَقِّهِ؛ لِانْتِفَاءِ التَّمْييزِ، وَ التَّمْرِينُ فَرْعُهُ، وَ يشْكلُ ذَلِك فِي بَعْضِ الْمَجَانِينِ؛ لِوُجُودِ التَّمْييزِ فِيهِمْ.

(وَالْخُلُوُّ مِنْهُمَا) مِنْ الْحَيضِ وَ النِّفَاسِ، وَ كذَا يعْتَبَرُ فِيهِمَا الْغُسْلُ بَعْدَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، فَكانَ عَلَيهِ أَنْ يذْكرَهُ، إذْ الْخُلُوُّ مِنْهُمَا لَا يقْتَضِيهِ، كمَا لَمْ يقْتَضِهِ فِي شَرْطِ الْوُجُوبِ إذْ الْمُرَادُ بِهِمَا فِيهِ نَفَسُ الدَّمِ؛ لِوُجُوبِهِ عَلَي الْمُنْقَطِعَةِ، و أن لَمْ تَغْتَسِلْ، (وَمِنْ الْكفْرِ)، فَإِنَّ الْكافِرَ يجِبُ عَلَيهِ الصَّوْمُ كغَيرِهِ، و لكن لَا يصِحُّ مِنْهُ مَعَهُ.

(وَيصِحُّ مِنْ الْمُسْتَحَاضَةِ، إذَا فَعَلَتْ الْوَاجِبَ مِنْ الْغُسْلِ) النَّهَارِي، و أن كانَ وَاحِدًا بِالنِّسْبَةِ إلَي الصَّوْمِ الْحَاضِرِ، أَوْ مُطْلَقَ الْغُسْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَي الْمُقْبِلِ، وَ يمْكنُ أَنْ يرِيدَ كوْنَهُ مُطْلَقًا شَرْطًا فِيهِ مُطْلَقًا، نَظَرًا إلَي إطْلَاقِ النَّصِّ وَ الْأَوَّلُ أَجْوَدُ؛ لِأَنَّ غُسْلَ الْعِشَاءَينِ لَا يجِبُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْيوْمِ فَلَا يكونُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ، نَعَمْ هُوَ شَرْطٌ فِي الْيوْمِ الْآتِي، وَ يدْخُلُ فِي غُسْلِ الصُّبْحِ لَوْ اجْتَمَعَا.

(وَمِنْ الْمُسَافِرِ فِي دَمِ الْمُتْعَةِ) بِالنِّسْبَةِ إلَي الثَّلَاثَةِ، لَا السَّبْعَةِ، (وَبَدَلِ الْبَدَنَةِ) و هو ثَمَانِيةَ عَشَرَ يوْمًا لِلْمُفِيضِ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ عَامِدًا، (وَالنَّذْرُ الْمُقَيدُ بِهِ) أَي: بِالسَّفَرِ إمَّا بِأَنْ نَذَرَهُ سَفَرًا، أَوْ سَفَرًا وَ حَضَرًا، و أن كانَ النَّذْرُ فِي حَالِ السَّفَرِ، لَا إذَا أَطْلَقَ، و أن كانَ الْإِطْلَاقُ يتَنَاوَلُ السَّفَرَ، إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِالْقَصْدِ مُنْفَرِدًا، أَوْ مُنْضَمًّا، خِلَافًا لِلْمُرْتَضَي رَحِمَهُ اللَّهُ حَيثُ اكتَفَي بِالْإِطْلَاقِ لِذَلِك، وَ لِلْمُفِيدِ حَيثُ جَوَّزَ صَوْمَ الْوَاجِبِ مُطْلَقًا عَدَا شَهْرِ رَمَضَانَ، (قِيلَ) وَ الْقَائِلُ ابْنَا بَابَوَيهِ: (وَجَزَاءُ الصَّيدِ) و هو ضَعِيفٌ، لِعُمُومِ النَّهْي؛ وَ عَدَمِ مَا يصْلُحُ لِلتَّخْصِيصِ.

(وَيمَرَّنُ الصَّبِي)، وَ

كذَا الصَّبِيةُ عَلَي الصَّوْمِ (لِسَبْعٍ) لِيعْتَادَهُ فَلَا يثْقُلُ عَلَيهِ عِنْدَ الْبُلُوغِ، وَ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ تَمْرِينَهُ قَبْلَ السَّبْعِ، وَ جَعَلُوهُ بَعْدَ السَّبْعِ مُشَدَّدًا (وَقَالَ ابْنَا بَابَوَيهِ وَ الشَّيخُ) فِي النِّهَايةِ يمَرَّنُ (لِتِسْعٍ)، وَ الْأَوَّلُ أَجْوَدُ، و لكن يشَدَّدُ لِلتِّسْعِ، و لو أَطَاقَ بَعْضَ النَّهَارِ خَاصَّةً فَعَلَ، وَ يتَخَيرُ بَينَ نِيةِ الْوُجُوبِ وَ النَّدْبِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ التَّمْرِينُ عَلَي فِعْلِ الْوَاجِبِ، ذَكرَهُ الْمُصَنِّفُ و غيرهُ، و أن كانَ النَّدْبُ أَوْلَي.

(وَالْمَرِيضُ يتْبَعُ ظَنَّهُ) فَإِنْ ظَنَّ الضَّرَرَ بِهِ أَفْطَرَ، وَ الا صَامَ، و إنّما يتْبَعُ ظَنَّهُ فِي الْإِفْطَارِ، أَمَّا الصَّوْمُ فَيكفِي فِيهِ اشْتِبَاهُ الْحَالِ، وَ الْمَرْجِعُ فِي الظَّنِّ إلَي مَا يجِدُهُ و لو بِالتَّجْرِبَةِ فِي مِثْلِهِ سَابِقًا، أَوْ بِقَوْلِ مَنْ يفِيدُ قَوْلُهُ الظَّنَّ و لو كانَ كافِرًا، وَ لَا فَرْقَ فِي الضَّرَرِ بَينَ كوْنِهِ لِزِيادَةِ الْمَرَضِ، وَ شِدَّةِ الْأَلَمِ بِحَيثُ لَا يتَحَمَّلُ عَادَةً، وَ بُطْءِ بُرْئِهِ، وَ حَيثُ يحْصُلُ الضَّرَرُ و لو بِالظَّنِّ لَا يصِحُّ الصَّوْمُ، لِلنَّهْي عَنْهُ (فَلَوْ تَكلَّفَهُ مَعَ ظَنِّ الضَّرَرِ قَضَي).

(وَتَجِبُ فِيهِ النِّيةُ) وَ هِي: الْقَصْدُ إلَي فِعْلِهِ (الْمُشْتَمِلَةُ عَلَي الْوَجْهِ) مِنْ وُجُوبٍ، أَوْ نَدْبٍ، (وَالْقُرْبَةِ) أَمَّا الْقُرْبَةُ فَلَا شُبْهَةَ فِي وُجُوبِهَا، و أمّا الْوَجْهُ فَفِيهِ مَا مَرَّ، خُصُوصًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ عَلَي وَجْهَينِ، (وَتُعْتَبَرُ) النِّيةُ (لِكلِّ لَيلَةٍ) أَي: فِيهَا، (وَالْمُقَارَنَةُ بِهَا) لِطُلُوعِ الْفَجْرِ (مُجْزِئَةٌ) عَلَي الْأَقْوَي إنْ اتَّفَقَتْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّيةِ مُفَارَقَتُهَا لِلْعِبَادَةِ الْمَنْوِيةِ، و إنّما اُغْتُفِرَتْ هُنَا لِلْعُسْرِ، وَ ظَاهِرُ جَمَاعَةٍ تَحَتُّمُ إيقَاعَهَا لَيلًا.

وَ لَعَلَّهُ لِتَعَذُّرِ الْمُقَارَنَةِ، فَإِنَّ الطُّلُوعَ لَا يعْلَمُ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ، فَتَقَعُ النِّيةُ بَعْدَهُ، و ذلك غَيرُ الْمُقَارَنَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهَا، وَ ظَاهِرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ النِّيةَ لِلْفِعْلِ الْمُسْتَغْرِقِ لِلزَّمَانِ الْمُعَينِ يكونُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ، لَا قَبْلَهُ؛ لِتَعَذُّرِهِ كمَا ذَكرْنَاهُ، وَ مِمَّنْ

صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ فِي نِياتِ أَعْمَالِ الْحَجِّ، كالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّهُ جَعَلَهَا مُقَارِنَةً لِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَيكونُ هُنَا كذَلِك، و أن كانَ الْأَحْوَطُ جَعْلَهَا لَيلًا؛ لِلِاتِّفَاقِ عَلَي جَوَازِهَا فِيهِ.

(وَالنَّاسِي لَهَا) لَيلًا (يجَدِّدُهَا إلَي الزَّوَالِ) بِمَعْنَي أَنَّ وَقْتَهَا يمْتَدُّ إلَيهِ، و لكن يجِبُ الْفَوْرُ بِهَا عِنْدَ ذِكرِهَا، فَلَوْ أَخَّرَهَا عَنْهُ عَامِدًا بَطَلَ الصَّوْمُ، هَذَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَ الصَّوْمِ الْمُعَينِ.

أَمَّا غَيرُهُ كالْقَضَاءِ وَ الْكفَّارَةِ وَ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ فَيجُوزُ تَجْدِيدُهَا قَبْلَ الزَّوَال، و أن تَرَكهَا قَبْلَهُ عَامِدًا، بَلْ و لو نَوَي الْإِفْطَارَ، و أمّا صَوْمُ النَّافِلَةِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كذَلِك، وَ قِيلَ: بِامْتِدَادِهَا فِيهِ إلَي الْغُرُوبِ، و هو حَسَنٌ، وَ خِيرَةُ الْمُصَنِّفِ [فِي الدُّرُوسِ].

(وَالْمَشْهُورُ بَينَ الْقُدَمَاءِ الِاكتِفَاءُ بِنِيةٍ وَاحِدَةٍ لِلشَّهْرِ) شَهْرِ رَمَضَانَ، (وَادَّعَي الْمُرْتَضَي) فِي الْمَسَائِلِ (الرَّسِّية فِيهِ الْإِجْمَاعَ)، وَ كذَا ادَّعَاهُ الشَّيخُ [رَحِمَهُ اللَّهُ]، وَ وَافَقَهُمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُحَقِّقُ فِي الْمُعْتَبَرِ، وَ الْعَلَّامَةُ فِي الْمُخْتَلِفِ، اسْتِنَادًا إلَي أَنَّهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ، (وَالْأَوَّلُ) و هو إيقَاعُهَا لِكلِّ لَيلَةٍ (أَوْلَي)، و هذا يدُلُّ عَلَي اخْتِيارِهِ الِاجْتِزَاءَ بِالْوَاحِدَةِ، وَ بِهِ صَرَّحَ أَيضًا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، و في الكتَابَينِ اخْتَارَ التَّعَدُّدَ.

وَ فِي أَوْلَوِيةِ تَعَدُّدِهَا عِنْدَ الْمُجْتَزِئِ بِالْوَاحِدَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ جَعْلَهُ عِبَادَةً وَاحِدَةً يقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ تَفْرِيقِ النِّيةِ عَلَي أَجْزَائِهَا، خُصُوصًا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ قَطَعَ بِعَدَمِ جَوَازِ تَفْرِيقِهَا عَلَي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، و أن نَوَي الِاسْتِبَاحَةَ الْمُطْلَقَةَ، فَضْلًا عَنْ نِيتِهَا لِذَلِك الْعُضْوِ.

نَعَمْ مَنْ فَرَّقَ بَينَ الْعِبَادَاتِ، وَ جَعَلَ بَعْضَهَا مِمَّا يقْبَلُ الِاتِّحَادَ وَ التَّعَدُّدَ كمُجَوِّزِ تَفْرِيقِهَا فِي الْوُضُوءِ يأْتِي عِنْدَهُ هُنَا الْجَوَازُ، مِنْ غَيرِ أَوْلَوِيةٍ؛ لِأَنَّهَا تُنَاسِبُ الِاحْتِياطَ، و هو مَنْفِي، و إنّما الِاحْتِياطُ هُنَا الْجَمْعُ، بَينَ نِيةِ الْمَجْمُوعِ، وَ النِّيةِ لِكلِّ يوْمٍ، و مثله يأْتِي عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي غُسْلِ الْأَمْوَاتِ، حَيثُ اجْتَزَأَ

فِي الثَّلَاثَةِ بِنِيةٍ وَاحِدَةٍ لَوْ أَرَادَ الِاحْتِياطَ بِتَعَدُّدِهَا لِكلِّ غُسْلٍ، فَإِنَّهُ لَا يتِمُّ إلَّا بِجَمْعِهَا ابْتِدَاءً.

ثُمَّ النِّيةُ لِلْآخَرَينِ.

(وَيشْتَرَطُ فِي مَا عَدَا شَهْرَ رَمَضَانَ التَّعْيينُ)؛ لِصَلَاحِيةِ الزَّمَانِ، و لو بِحَسَبِ الْأَصْلِ لَهُ، وَ لِغَيرِهِ، بِخِلَافِ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِتَعَينِهِ شَرْعًا لِلصَّوْمِ فَلَا اشْتِرَاك فِيهِ حَتَّي يتَمَيزَ بِتَعَينِهِ، وَ شَمِلَ مَا عَدَاهُ النَّذْرَ الْمُعَينَ.

وَ وَجْهُ دُخُولِ مَا أَشَرْنَا إلَيهِ مِنْ عَدَمِ تَعَينِهِ بِحَسَبِ الْأَصْلِ، وَ الْأَقْوَي إلْحَاقُهُ بِشَهْرِ رَمَضَانَ، إلْحَاقًا لِلتَّعْيينِ الْعَرَضِي بِالْأَصْلِي؛ لِاشْتِرَاكهَا فِي حُكمِ الشَّارِعِ بِهِ، وَ رَجَّحَهُ فِي الْبَيانِ، وَ اَلحَقَ بِهِ النَّدْبَ الْمُعَينَ كأَيامِ الْبِيضِ، وَ فِي بَعْضِ تَحْقِيقَاتِهِ مُطْلَقُ الْمَنْدُوبِ؛ لِتَعَينِهِ شَرْعًا فِي جَمِيعِ الْأَيامِ، إلَّا مَا اسْتَثْنَي، فَيكفِي نِيةُ الْقُرْبَةِ، و هو حَسَنٌ.

وَ إِنَّمَا يكتَفَي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَدَمِ تَعْيينِهِ بِشَرْطِ أَلَّا يعَينَ غَيرُهُ، وَ الا بَطَلَ فِيهِمَا عَلَي الْأَقْوَي؛ لِعَدَمِ نِيةِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا؛ وَ عَدَمِ وُقُوعِ غَيرِهِ فِيهِ، هَذَا مَعَ الْعِلْمِ، أَمَّا مَعَ الْجَهْلِ بِهِ كصَوْمِ آخِرِ شَعْبَانَ بِنِيةِ النَّدْبِ، أَوْ النِّسْيانِ فَيقَعُ عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.

(وَ يعْلَمُ) شَهْرُ رَمَضَانَ (بِرُؤْيةِ الْهِلَالِ)

(وَيعْلَمُ) شَهْرُ رَمَضَانَ (بِرُؤْيةِ الْهِلَالِ)

فَيجِبُ عَلَي مَنْ رَآهُ، و أن لَمْ يثْبُتْ فِي حَقِّ غَيرِهِ، (أَوْ شَهَادَةِ عَدْلَينِ) بِرُؤْيتِهِ مُطْلَقًا، (أَوْ شِياعٍ) بِرُؤْيتِهِ و هو إخْبَارُ جَمَاعَةٍ بِهَا تَأْمَنُ النَّفْسُ مِنْ تَوَاطُئِهِمْ عَلَي الْكذِبِ، وَ يحْصُلُ بِخَبَرِهِمْ الظَّنُّ الْمُتَاخِمُ لِلْعِلْمِ، وَ لَا ينْحَصِرُ فِي عَدَدٍ.

نَعَمْ يشْتَرَطُ زِيادَتُهُمْ عَنْ اثْنَينِ؛ لِيفَرَّقَ بَينَ الْعَدْلِ و غيرهِ، وَ لَا فَرْقَ بَينَ الْكبِيرِ وَ الصَّغِيرِ وَ الذَّكرِ وَ الْأُنْثَي، وَ الْمُسْلِمِ وَ الْكافِرِ، وَ لَا بَينَ هِلَالِ رَمَضَانَ و غيرهِ، وَ لَا يشْتَرَطُ حُكمُ الْحَاكمِ فِي حَقّ مَنْ عَلِمَ بِهِ، أَوْ سَمِعَ الشَّاهِدَينِ، (أَوْ مُضِي ثَلَاثِينَ) يوْمًا (مِنْ شَعْبَانَ لَا) بِالشَّاهِدِ (الْوَاحِدِ فِي أَوَّلِهِ)، خِلَافًا لِسَلَّارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيثُ

اكتَفَي بِهِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَي الصَّوْمِ خَاصَّةً، فَلَا يثْبُتُ لَوْ كانَ مُنْتَهَي أَجَلِ دَينٍ أَوْ عِدَّةٍ، أَوْ مُدَّةِ ظِهَارٍ وَ نَحْوِهِ، نَعَمْ يثْبُتُ هِلَالُ شَوَّالٍ بِمُضِي ثَلَاثِينَ يوْمًا مِنْهُ تَبَعًا، و أن لَمْ يثْبُتْ أَصَالَةً بِشَهَادَتِهِ.

(وَلَا يشْتَرَطُ الْخَمْسُونَ مَعَ الصَّحْوِ) كمَا ذَهَبَ إلَيهِ بَعْضُهُمْ، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايةٍ حُمِلَتْ عَلَي عَدَمِ الْعِلْمِ بِعَدَالَتِهِمْ، وَ تَوَقُّفُ الشِّياعِ عَلَيهِمْ؛ لِلتُّهْمَةِ كمَا يظْهَرُ مِنْ الرِّوَايةِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ مَعَ الصَّحْوِ إذَا رَآهُ رَآهُ جَمَاعَةٌ غَالِبًا.

(وَلَا عِبْرَةَ بِالْجَدْوَلِ)، و هو حِسَابٌ مَخْصُوصٌ مَأْخُوذٌ مِنْ تَسْييرِ الْقَمَرِ، وَ مَرْجِعُهُ إلَي عَدِّ شَهْرٍ تَامًّا وَ شَهْرٍ نَاقِصًا، فِي جَمِيعِ أَيامِ السَّنَةِ مُبْتَدِئًا بِالتَّامِّ مِنْ الْمُحَرَّمِ؛ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ شَرْعًا، بَلْ ثُبُوتُ مَا ينَافِيهِ؛ وَ مُخَالَفَتِهِ مَعَ الشَّرْعِ لِلْحِسَابِ أَيضًا؛ لِاحْتِياجِ تَقْييدِهِ به غير السَّنَةِ الْكبِيسَةِ، أَمَّا فِيهَا فَيكونُ ذُو الْحِجَّةِ تَامًّا.

(وَالْعَدَدُ) و هو عَدُّ شَعْبَانَ نَاقِصًا أَبَدًا، وَ رَمَضَانَ تَامًّا أَبَدًا وَ بِهِ فَسَّرَهُ فِي الدُّرُوسِ، وَ يطْلَقُ عَلَي عَدِّ خَمْسَةٍ مِنْ هِلَالِ الْمَاضِي، وَ جَعْلِ الْخَامِسِ أَوَّلَ الْحَاضِرِ، و علي عَدِّ شَهْرٍ تَامًّا، وَ آخَرَ نَاقِصًا مُطْلَقًا، و علي عَدِّ تِسْعَةٍ وَ خَمْسِينَ مِنْ هِلَالِ رَجَبٍ، و علي عَدِّ كلِّ شَهْرٍ ثَلَاثِينَ، وَ الْكلُّ لَا عِبْرَةَ بِهِ.

نَعَمْ اعْتَبَرَهُ بِالْمَعْنَي الثَّانِي جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ مَعَ غُمَّةِ الشُّهُورِ كلِّهَا مُقَيدًا بِعَدِّ سَنَةٍ فِي الْكبِيسَةِ، و هو مُوَافِقٌ لِلْعَادَةِ وَ بِهِ رِوَاياتٌ، وَ لَا بَأْسَ بِهِ.

أَمَّا لَوْ غُمَّ شَهْرٌ وَ شَهْرَانِ خَاصَّةً، فَعَدُّهُمَا ثَلَاثِينَ أَقْوَي، وَ فِيمَا زَادَ نَظَرٌ.

مِنْ تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَ الظَّاهِرِ، وَ ظَاهِرُ الْأُصُولِ تَرْجِيحُ الْأَصْلِ.

(وَالْعُلُوُّ)، و أن تَأَخَّرَتْ غَيبُوبَتِهِ إلَي بَعْدَ الْعِشَاءِ، (وَالِانْتِفَاخُ) و هو عِظَمُ جِرْمِهِ الْمُسْتَنِيرِ حَتَّي رُئِي بِسَبَبِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ، أَوْ رُئِي رَأْسُ الظِّلِّ فِيهِ، لَيلَةَ رُؤْيتِهِ.

(وَالتَّطَوُّقُ) بِظُهُورِ

النُّورِ فِي جِرْمِهِ مُسْتَدِيرًا، خِلَافًا لِبَعْضٍ، حَيثُ حَكمَ فِي ذَلِك بِكوْنِهِ اللَّيلَةَ الْمَاضِيةَ (وَالْخَفَاءُ لَيلَتَينِ) فِي الْحُكمِ بِهِ بَعْدَهُمَا، خِلَافًا؛ لِمَا رُوِي فِي شَوَاذِّ الْأَخْبَارِ مِنْ اعْتِبَارِ ذَلِك كلِّهِ. (وَالْمَحْبُوسُ) بِحَيثُ غُمَّتْ عَلَيهِ الشُّهُورُ (يتَوَخَّي) أَي: يتَحَرَّي شَهْرًا يغْلِبُ (عَلَي ظَنِّهِ) أَنَّهُ هُوَ، فَيجِبُ عَلَيهِ صَوْمُهُ (فَإِنْ وَافَقَ)، أَوْ ظَهَرَ مُتَأَخِّرًا، أَوْ اسْتَمَرَّ الِاشْتِبَاهُ (أَجْزَأَ، و أن ظَهَرَ التَّقَدُّمُ أَعَادَ)، وَ يلْحَقُ مَا ظَنَّهُ حُكمَ الشَّهْرِ فِي وُجُوبِ الْكفَّارَةِ فِي إفْسَادِ يوْمٍ مِنْهُ، و وجوب مُتَابَعَتِهِ وَ إِكمَالِهِ ثَلَاثِينَ، لَوْ لَمْ يرَ الْهِلَالَ، وَ أَحْكامِ الْعِيدِ بَعْدَهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَ الْفِطْرَةِ، و لو لَمْ يظُنَّ شَهْرًا تَخَيرَ فِي كلِّ سَنَةٍ شَهْرًا مُرَاعِيا لِلْمُطَابَقَةِ بَينَ الشَّهْرَينِ (وَالْكفُّ) عَنْ الْأُمُورِ السَّابِقَةِ، (وَقْتَهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَي ذَهَابِ الْحُمْرَةِ الْمَشْرِقِيةِ) فِي الْأَشْهَرِ. (وَلَوْ قَدِمَ الْمُسَافِرُ) بَلَدَهُ، أَوْ مَا نَوَي فِيهِ الْإِقَامَةَ عَشْرًا، سَابِقَةً عَلَي الدُّخُولِ، أَوْ مُقَارِنَةً، أَوْ لَاحِقَةً قَبْلَ الزَّوَالِ، وَ يتَحَقَّقُ قُدُومُهُ بِرُؤْيةِ الْجِدَارِ، أَوْ سَمَاعِ الْأَذَانِ فِي بَلَدِهِ، و ما نَوَي فِيهِ الْإِقَامَةَ قَبْلَهُ، أَمَّا لَوْ نَوَي بَعْدَهُ فَمِنْ حِينِ النِّيةِ، (أَوْ بَرِئَ الْمَرِيضُ قَبْلَ الزَّوَالِ) ظَرْفٌ لِلْقُدُومِ وَ الْبُرْءِ، (وَلَمْ يتَنَاوَلَا شَيئًا) مِنْ مُفْسِدِ الصَّوْمِ (أَجْزَأَهُمَا الصَّوْمُ)، بَلْ وَجَبَ عَلَيهِمَا، (بِخِلَافِ الصَّبِي) إذَا بَلَغَ بَعْدَ الْفَجْرِ، (وَالْكافِرِ) إذَا أَسْلَمَ بَعْدَهُ (وَالْحَائِضِ، وَ النُّفَسَاءِ) إذَا طَهُرَتَا.

(وَالْمَجْنُونِ وَ الْمُغْمَي عَلَيهِ، فَإِنَّهُ يعْتَبَرُ زَوَالُ الْعُذْرِ) فِي الْجَمِيعِ (قَبْلَ الْفَجْرِ) فِي صِحَّتِهِ و وجوبهِ، و أن اُسْتُحِبَّ لَهُمْ الْإِمْسَاك بَعْدَهُ، إلَّا أَنَّهُ لَا يسَمَّي صَوْمًا

(وَيقْضِيهِ) أَي: صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ

(وَيقْضِيهِ) أَي: صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ

(كلُّ تَارِك لَهُ عَمْدًا، أَوْ سَهْوًا، أَوْ لِعُذْرٍ) مِنْ سَفَرٍ، أَوْ مَرَضٍ، و غيرهِمَا، (إلَّا الصَّبِي وَ الْمَجْنُونَ) إجْمَاعًا، (وَالْمُغْمَي عَلَيهِ) فِي الْأَصَحِّ، (وَالْكافِرَ الْأَصْلِي)، أَمَّا الْعَارِضِي كالْمُرْتَدِّ

فَيدْخُلُ فِي الْكلِّيةِ، وَ لَا بُدَّ مِنْ تَقْييدِهَا بِعَدَمِ قِيامِ غَيرِ الْقَضَاءِ مَقَامَهُ؛ لِيخْرُجَ الشَّيخُ وَ الشَّيخَةُ، وَ ذُو الْعِطَاشِ، و من اسْتَمَرَّ بِهِ الْمَرَضُ إلَي رَمَضَانَ آخَرَ فَإِنَّ الْفِدْيةَ تَقُومُ مَقَامَ الْقَضَاءِ.

(وَيسْتَحَبُّ الْمُتَابَعَةُ فِي الْقَضَاءِ)؛ لِصَحِيحَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ؛ (وَرِوَايةِ عَمَّارٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ تَتَضَمَّنُ اسْتِحْبَابَ التَّفْرِيقِ)، وَ عَمِلَ بِهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ، لَكنَّهَا تَقْصُرُ عَنْ مُقَاوَمَةِ تِلْك، فَكانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْوَي، وَ كمَا لَا تَجِبُ الْمُتَابَعَةُ لَا يجِبُ التَّرْتِيبُ، فَلَوْ قَدَّمَ آخِرَهُ أَجْزَأَهُ، و أن كانَ أَفْضَلَ، وَ كذَا لَا تَرْتِيبَ بَينَ الْقَضَاءِ وَ الْكفَّارَةِ، و أن كانَتْ صَوْمًا. مَسَائِلُ

الْأُولَي: (مَنْ نَسِي غُسْلَ الْجَنَابَةِ

الْأُولَي -: (مَنْ نَسِي غُسْلَ الْجَنَابَةِ

قَضَي الصَّلَاةَ وَ الصَّوْمَ فِي الْأَشْهَرِ) أَمَّا الصَّلَاةُ فَمَوْضِعُ وِفَاقٍ، و إنّما الْخِلَافُ فِي الصَّوْمِ، مِنْ حَيثُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ بِالطَّهَارَةِ مِنْ الْأَكبَرِ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ، و من ثَمَّ لَوْ نَامَ جُنُبًا أَوَّلًا فَأَصْبَحَ يصِحُّ صَوْمُهُ، و أن تَعَمَّدَ تَرْكهُ طُولَ النَّهَارِ فَهُنَا أَوْلَي، وَ وَجْهُ الْقَضَاءِ فِيهِ صَحِيحَةُ الْحَلَبِي عَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ و غيرهَا، وَ مُقْتَضَي الْإِطْلَاقِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَينَ الْيوْمِ وَ الْأَيامِ، وَ جَمِيعِ الشَّهْرِ، وَ فِي حُكمِ الْجَنَابَةِ الْحَيضُ وَ النِّفَاسُ لَوْ نَسِيتْ غُسْلَهُمَا بَعْدَ الِانْقِطَاعِ، وَ فِي حُكمِ رَمَضَانَ الْمَنْذُورُ الْمُعَينُ.

وَ يشْكلُ الْفَرْقُ عَلَي هَذَا بَينَهُ، و بين مَا ذُكرَ مِنْ عَدَمِ قَضَاءِ مَا نَامَ فِيهِ وَ أَصْبَحَ، وَ رُبَّمَا جَمَعَ بَينَهُمَا بِحَمْلِ هَذَا عَلَي النَّاسِي، وَ تَخْصِيصِ ذَاك بِالنَّائِمِ عَالِمًا عَازِمًا، فَضَعُفَ حُكمُهُ بِالْعَزْمِ، أَوْ بِحَمْلِهِ عَلَي مَا عَدَا النَّوْعَ الْأَوَّلَ، و لكن لَا يدْفَعُ إطْلَاقُهُمْ، و إنّما هُوَ جَمْعٌ بِحُكمٍ آخَرَ، وَ الْأَوَّلُ أَوْفَقُ بَلْ لَا تَخْصِيصَ فِيهِ لِأَحَدِ النَّصَّينِ؛ لِتَصْرِيحِ ذَاك بِالنَّوْمِ عَامِدًا عَازِمًا، و هذا بِالنَّاسِي.

وَ يمْكنُ الْجَمْعُ أَيضًا

بِأَنَّ مَضْمُونَ هَذِهِ الرِّوَايةِ نِسْيانُهُ الْغُسْلَ حَتَّي خَرَجَ الشَّهْرُ، فَيفَرَّقُ بَينَ الْيوْمِ وَ الْجَمِيعِ عَمَلًا بِمَنْطُوقِهِمَا، إلَّا أَنَّهُ يشْكلُ بِأَنَّ قَضَاءَ الْجَمِيعِ يسْتَلْزِمُ قَضَاءَ الْأَبْعَاضِ؛ لِاشْتِرَاكهِمَا فِي الْمَعْنَي، إنْ لَمْ يكنْ أَوْلَي وَ نَسَبَ الْمُصَنِّفُ الْقَوْلَ إلَي الشُّهْرَةِ دُونَ الْقُوَّةِ، و ما فِي مَعْنَاهَا، إيذَانًا بِذَلِك، فَقَدْ رَدَّهُ ابْنُ إدْرِيسَ وَ الْمُحَقِّقُ؛ لِهَذَا، أَوْ لِغَيرِهِ.

(وَيتَخَيرُ قَاضِي) شَهْرَ (رَمَضَانَ) بَينَ الْبَقَاءِ عَلَيهِ، وَ الْإِفْطَارِ (مَا بَينَهُ) الضَّمِيرُ يعُودُ إلَي الزَّمَانِ الَّذِي هُوَ ظَرْفُ الْمُكلَّفِ الْمُخَيرِ، وَ مَا: ظَرْفِيةٌ زَمَانِيةٌ أَي: يتَخَيرُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي بَينَهُ حَالَ حَكمْنَا عَلَيهِ بِالتَّخْييرِ (وَبَينَ الزَّوَالِ) حَتَّي لَوْ لَمْ يكنْ هُنَاك بَينَةٌ.

بِأَنْ كانَ فِيهِ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا تَخْييرَ، إذْ لَا مُدَّةَ وَ يمْكنُ عَوْدُهُ إلَي الْفَجْرِ بِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ بِمَعْنَي تَخْييرِهِ مَا بَينَ الْفَجْرِ وَ الزَّوَالِ هَذَا مَعَ سَعَةِ وَقْتِ الْقَضَاءِ، أَمَّا لَوْ تَضَيقَ بِدُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُقْبِلِ لَمْ يجُزْ الْإِفْطَارُ، وَ كذَا لَوْ ظَنَّ الْوَفَاةَ قَبْلَ فِعْلِهِ، كمَا فِي كلِّ وَاجِبٍ مُوَسَّعٍ، لَكنْ لَا كفَّارَةَ هُنَا بِسَبَبِ الْإِفْطَارِ.

وَ إِنْ وَجَبَتْ الْفِدْيةُ مَعَ تَأْخِيرِهِ عَنْ رَمَضَانَ الْمُقْبِلِ وَ احْتَرَزَ بِقَضَاءِ رَمَضَانَ عَنْ غَيرِهِ، كقَضَاءِ النَّذْرِ الْمُعَينِ، حَيثُ أَخَلَّ بِهِ فِي وَقْتِهِ، فَلَا تَحْرِيمَ فِيهِ، وَ كذَا كلُّ وَاجِبٍ غَيرِ مُعَينٍ كالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَ الْكفَّارَةِ، إلَّا قَضَاءَ رَمَضَانَ، و لو تَعَينَ لَمْ يجُزْ الْخُرُوجُ مِنْهُ مُطْلَقًا، وَ قِيلَ: يحْرُمُ قَطْعُ كلِّ وَاجِبٍ، عَمَلًا بِعُمُومِ النَّهْي عَنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ، وَ مَتَي زَالَتْ الشَّمْسُ حَرُمَ قَطْعُ قَضَائِهِ، (فَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَهُ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكينَ) كلَّ مِسْكينٍ مُدًّا، أَوْ إشْبَاعَهُ، (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْإِطْعَامِ (صَامَ ثَلَاثَةَ أَيامٍ)، وَ يجِبُ الْمُضِي فِيهِ مَعَ إفْسَادِهِ، وَ الظَّاهِرُ تَكرُّرُهَا بِتَكرُّرِ السَّبَبِ كأَصْلِهِ.

الثَّانِيةُ: (الْكفَّارَةُ فِي شَهْرِ رَمَضَ

الثَّانِيةُ -: (الْكفَّارَةُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ

، وَ النَّذْرُ

الْمُعَينُ وَ الْعَهْدُ) فِي أَصَحِّ الْأَقْوَالِ فِيهِمَا (عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ صِيامُ شَهْرَينِ مُتَتَابِعَينِ، أَوْ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكينًا)، وَ قِيلَ: هِي مُرَتَّبَةٌ بَينَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ، وَ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ.

(وَلَوْ أَفْطَرَ عَلَي مُحَرَّمٍ) أَي: أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِهِ (مُطْلَقًا) أَصْلِيا كانَ تَحْرِيمُهُ كالزِّنَا وَ الاسْتِمْنَاءِ، وَ تَنَاوُلِ مَالِ الْغَيرِ به غير إذْنِهِ، وَ غُبَارِ مَا لَا يجُوزُ تَنَاوُلُهُ، وَ نُخَامَةِ الرَّأْسِ إذَا صَارَتْ فِي الْفَمِ، أَمْ عَارِضِيا كوَطْءِ الزَّوْجَةِ فِي الْحَيضِ، وَ مَالِهِ النَّجِسِ (فَثَلَاثُ كفَّارَاتٍ) و هي أَفْرَادُ الْمُخَيرَةِ سَابِقًا مُجْتَمِعَةً عَلَي أَجْوَدِ الْقَوْلَينِ،؛ لِلرِّوَايةِ الصَّحِيحَةِ عَنْ الرِّضَا عَلَيهِ السَّلَامُ.

وَ قِيلَ: وَاحِدَةٌ كغَيرِهِ، اسْتِنَادًا إلَي إطْلَاقِ كثِيرٍ مِنْ النُّصُوصِ وَ تَقْييدُهَا بِغَيرِهِ طَرِيقُ الْجَمْعِ.

الثَّالِثَةُ: (لَوْ اسْتَمَرَّ الْمَرَضُ)

الثَّالِثَةُ -: (لَوْ اسْتَمَرَّ الْمَرَضُ)

الَّذِي أَفْطَرَ مَعَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ (إلَي رَمَضَانَ آخَرَ فَلَا قَضَاءَ)؛ لِمَا أَفْطَرَهُ، (وَيفْدِي عَنْ كلِّ يوْمٍ بِمُدٍّ) مِنْ طَعَامٍ فِي الْمَشْهُورِ، وَ الْمَرْوِي، وَ قِيلَ: الْقَضَاءُ لَا غَيرُ، وَ قِيلَ: بِالْجَمْعِ، وَ هُمَا نَادِرَانِ، و علي الْمَشْهُورِ لَا تَتَكرَّرُ الْفِدْيةُ بِتَكرُّرِ السِّنِينَ، وَ لَا فَرْقَ بَينَ رَمَضَانَ وَاحِدٍ وَ أَكثَرَ، وَ مَحِلُّ الْفِدْيةِ مُسْتَحِقُّ الزَّكاةِ؛ لِحَاجَتِهِ، و أن اتَّحَدَ، وَ كذَا كلُّ فِدْيةٍ، وَ فِي تَعَدِّي الْحُكمِ إلَي غَيرِ الْمَرَضِ، كالسَّفَرِ الْمُسْتَمِرِّ وَجْهَانِ: ، أَجْوَدُهُمَا: وُجُوبُ الْكفَّارَةِ مَعَ التَّأْخِيرِ لَا لِعُذْرٍ، و وجوب الْقَضَاءِ مَعَ دَوَامِهِ.

(وَلَوْ بَرِئَ) بَينَهُمَا، (وَتَهَاوَنَ) فِي الْقَضَاءِ بِأَنْ لَمْ يعْزِمْ عَلَيهِ فِي ذَلِك الْوَقْتِ، أَوْ عَزَمَ فِي السَّعَةِ فَلَمَّا ضَاقَ الْوَقْتُ عَزَمَ عَلَي عَدَمِهِ (فَدَي وَ قَضَي، و لو لَمْ يتَهَاوَنْ) بِأَنْ عَزَمَ عَلَي الْقَضَاءِ فِي السَّعَةِ، وَ أَخَّرَ اعْتِمَادًا عَلَيهَا فَلَمَّا ضَاقَ الْوَقْتُ عَرَضَ لَهُ مَانِعٌ عَنْهُ (قَضَي لَا غَيرُ) فِي الْمَشْهُورِ.

وَ الْأَقْوَي مَا دَلَّتْ عَلَيهِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ، مِنْ وُجُوبِ الْفِدْيةِ مَعَ الْقَضَاءِ عَلَي

مَنْ قَدَرَ عَلَيهِ، و لم يفْعَلْ حَتَّي دَخَلَ الثَّانِي سَوَاءٌ عَزَمَ عَلَيهِ أَمْ لَا، وَ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ، وَ اكتَفَي ابْنُ إدْرِيسَ بِالْقَضَاءِ مُطْلَقًا، عَمَلًا بِالْآيةِ، وَ طَرْحًا لِلرِّوَايةِ عَلَي أَصْلِهِ، و هو ضَعِيفٌ.

الرَّابِعَةُ: (إذَا تَمَكنَ مَنْ الْقَضَاءِ

الرَّابِعَةُ: - (إذَا تَمَكنَ مَنْ الْقَضَاءِ

ثُمَّ مَاتَ، قَضَي عَنْهُ أَكبَرُ وَلَدِهِ الذُّكورِ) و هو مَنْ لَيسَ لَهُ أَكبَرُ مِنْهُ، و أن لَمْ يكنْ لَهُ وَلَدٌ مُتَعَدِّدُونَ مَعَ بُلُوغِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَلَوْ كانَ صَغِيرًا فَفِي الْوُجُوبِ عَلَيهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ قَوْلَانِ، و لو تَعَدَّدُوا وَ تَسَاوَوْا فِي السِّنِّ اشْتَرَكوا فِيهِ عَلَي الْأَقْوَي فَيقَسَّطُ عَلَيهِمْ بِالسَّوِيةِ، فَإِنْ انْكسَرَ مِنْهُ شَيءٌ فَكفَرْضِ الْكفَايةِ، و لو اخْتَصَّ أَحَدُهُمْ بِالْبُلُوغِ، وَ الْآخَرُ بِكبَرِ السِّنِّ فَالْأَقْرَبُ تَقْدِيمُ الْبَالِغِ، و لو لَمْ يكنْ لَهُ وَلَدٌ بِالْوَصْفِ لَمْ يجِبْ الْقَضَاءُ عَلَي بَاقِي الْأَوْلِياءِ، و أن كانُوا أَوْلَادًا اقْتِصَارًا فِيمَا خَالَفَ الْأَصْلَ عَلَي مَحِلِّ الْوِفَاقِ، وَ لِلتَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ فِي مُقَابِلِ الْحَبْوَةِ.

(وَ قِيلَ: يجِبُ) الْقَضَاءُ (عَلَي الْوَلِي مُطْلَقًا) مِنْ مَرَاتِبِ الْإِرْثِ حَتَّي الزَّوْجَينِ، وَ الْمُعْتَقِ، وَ ضَامِنِ الْجَرِيرَةِ، وَ يقَدَّمُ الْأَكبَرُ مِنْ ذُكورِهِمْ فَالْأَكبَرُ، ثُمَّ الْإِنَاثُ، وَ اخْتَارَهُ فِي الدُّرُوسِ، وَ لَا رَيبَ أَنَّهُ أَحْوَطُ، و لو مَاتَ الْمَرِيضُ قَبْلَ التَّمَكنِ مِنْ الْقَضَاءِ سَقَطَ.

(وَفِي الْقَضَاءِ عَنْ الْمُسَافِرِ)؛ لِمَا فَاتَهُ مِنْهُ بِسَبَبِ السَّفَرِ (خِلَافٌ أَقْرَبُهُ مُرَاعَاةُ تَمَكنِهِ مِنْ الْمُقَامِ وَ الْقَضَاءِ) و لو بِالْإِقَامَةِ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ كالْمَرِيضِ، وَ قِيلَ: يقْضَي عَنْهُ مُطْلَقًا؛ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ؛ وَ تَمَكنِهِ مِنْ الْأَدَاءِ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ، و هو مَمْنُوعٌ؛ لِجَوَازِ كوْنِهِ ضَرُورِيا كالسَّفَرِ الْوَاجِبِ، فَالتَّفْصِيلُ أَجْوَدُ.

(وَيقْضِي عَنْ الْمَرْأَةِ وَ الْعَبْدِ) مَا فَاتَهُمَا عَلَي الْوَجْهِ السَّابِقِ كالْحُرِّ؛ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ؛ وَ مُسَاوَاتِهِمَا لِلرَّجُلِ الْحُرِّ فِي كثِيرٍ مِنْ الْأَحْكامِ، وَ قِيلَ: لَا؛ لِأَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ وَ انْتِفَاءِ النَّصِّ الصَّرِيحِ، وَ الْأَوَّلُ

فِي الْمَرْأَةِ أَوْلَي، و في العَبْدِ أَقْوَي، وَ الْوَلِي فِيهِمَا كمَا تَقَدَّمَ، (وَالْأُنْثَي) مِنْ الْأَوْلَادِ عَلَي مَا اخْتَارَهُ (لَا تَقْضِي)،؛ لِأَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ.

وَ عَلَي الْقَوْلِ الْآخَرِ تَقْضِي مَعَ فَقْدِهِ، (وَ) حَيثُ لَا يكونُ هُنَاك وَلِي، أَوْ لَمْ يجِبْ عَلَيهِ الْقَضَاءُ (يتَصَدَّقُ مِنْ التَّرِكةِ عَنْ كلِّ يوْمٍ بِمُدٍّ) فِي الْمَشْهُورِ، و هذا إذَا لَمْ يوصِ الْمَيتُ بِقَضَائِهِ، وَ الا سَقَطَتْ الصَّدَقَةُ حَيثُ يقْضَي عَنْهُ.

وَ يجُوزُ فِي الشَّهْرَينِ (الْمُتَتَابِعَينِ صَوْمُ شَهْرٍ، وَ الصَّدَقَةُ عَنْ آخَرَ) مِنْ مَالِ الْمَيتِ عَلَي الْمَشْهُورِ، و هذا الْحُكمُ تَخْفِيفٌ عَنْ الْوَلِي بِالِاقْتِصَارِ عَلَي قَضَاءِ الشَّهْرِ، وَ مُسْتَنَدُ التَّخَيرِ رِوَايةٌ فِي سَنَدِهَا ضَعْفٌ، فَوُجُوبُ قَضَاءِ الشَّهْرَينِ أَقْوَي.

وَ عَلَي الْقَوْلِ بِهِ، فَالصَّدَقَةُ عَنْ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، وَ الْقَضَاءُ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَدْلُولُ الرِّوَايةِ، وَ لَا فَرْقَ فِي الشَّهْرَينِ بَينَ كوْنِهِمَا وَاجِبَينِ تَعْيينًا كالْمَنْذُورَينِ، وَ تَخْييرًا ككفَّارَةِ رَمَضَانَ، وَ لَا يتَعَدَّي إلَي غَيرِ الشَّهْرَينِ، وُقُوفًا مَعَ النَّصِّ لَوْ عَمِلَ بِهِ.

الْخَامِسَةُ: (لَوْ صَامَ الْمُسَافِرُ)

الْخَامِسَةُ: - (لَوْ صَامَ الْمُسَافِرُ)

حَيثُ يجِبُ عَلَيهِ الْقَصْرُ (عَالِمًا أَعَادَ) قَضَاءً؛ لِلنَّهْي الْمُفْسِدِ؛ لِلْعِبَادَةِ، (وَلَوْ كانَ جَاهِلًا) بِوُجُوبِ الْقَصْرِ (فَلَا إعَادَةَ)، و هذا أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يعْذَرُ فِيهَا جَاهِلُ الْحُكمِ، (وَالنَّاسِي) لِلْحُكمِ، أَوْ لِلْقَصْرِ (يلْحَقُ بِالْعَامِدِ)؛ لِتَقْصِيرِهِ فِي التَّحَفُّظِ.

وَ لَمْ يتَعَرَّضْ لَهُ الْأَكثَرُ مَعَ ذِكرِهِمْ لَهُ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ خَاصَّةً؛ لِلنَّصِّ وَ اَلذِي ينَاسِبُ حُكمَهَا فِيهِ عَدَمُ الْإِعَادَةِ؛ لِفَوَاتِ وَقْتِهِ؛ وَ مَنْعِ تَقْصِيرِ النَّاسِي؛ وَ لِرَفْعِ الْحُكمِ عَنْهُ، و أن كانَ مَا ذِكرُهُ أَوْلَي، و لو عَلِمَ الْجَاهِلُ وَ النَّاسِي فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ أَفْطَرَا وَ قَضَيا قَطْعًا.

(وَكلَّمَا قُصِرَتْ الصَّلَاةُ، قُصِرَ الصَّوْمُ)؛ لِلرِّوَايةِ، وَ فَرْقُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ بَينَهُمَا فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ ضَعِيفٌ، (إلَّا أَنَّهُ يشْتَرَطُ فِي) قَصْرِ (الصَّوْمِ الْخُرُوجُ قَبْلَ الزَّوَالِ) بِحَيثُ يتَجَاوَزُ الْحَدَّينِ قَبْلَهُ، وَ

الا أَتَمَّ و أن قَصَرَ الصَّلَاةَ عَلَي أَصَحِّ الْأَقْوَالِ؛ لِدَلَالَةِ النَّصِّ الصَّحِيحِ عَلَيهِ، وَ لَا اعْتِبَارَ بِتَبْييتِ نِيةِ السَّفَرِ لَيلًا.

السَّادِسَةُ: (الشَّيخَانِ) ذَكرًا وَ أُنْثَي

السَّادِسَةُ -: (الشَّيخَانِ) ذَكرًا وَ أُنْثَي

(إذَا عَجَزَا) عَنْ الصَّوْمِ أَصْلًا، أَوْ مَعَ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ (فَدَيا) عَنْ كلِّ يوْمٍ (بِمُدٍّ، وَ لَا قَضَاءَ عَلَيهِمَا)؛ لِتَعَذُّرِهِ، و هذا مَبْنِي عَلَي الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ عَجْزَهُمَا عَنْهُ لَا يرْجَي زَوَالُهُ؛ لِأَنَّهُمَا فِي نُقْصَانٍ، وَ الا فَلَوْ فُرِضَ قُدْرَتُهُمَا عَلَي الْقَضَاءِ وَجَبَ.

وَ هَلْ يجِبُ حِينَئِذٍ الْفِدْيةُ مَعَهُ؟ قَطَعَ بِهِ فِي الدُّرُوسِ.

وَ الْأَقْوَي أَنَّهُمَا إنْ عَجَزَا عَنْ الصَّوْمِ أَصْلًا فَلَا فِدْيةَ، وَ لَا قَضَاءَ، و أن أَطَاقَاهُ بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لَا يتَحَمَّلُ مِثْلُهَا عَادَةً فَعَلَيهِمَا الْفِدْيةُ، ثُمَّ إنْ قَدَرَا عَلَي الْقَضَاءِ وَجَبَ، وَ الْأَجْوَدُ حِينَئِذٍ مَا اخْتَارَهُ فِي الدُّرُوسِ مِنْ وُجُوبِهَا مَعَهُ،؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالْإِفْطَارِ أَوَّلًا بِالنَّصِّ الصَّحِيحِ، وَ الْقَضَاءُ وَجَبَ بِتَجَدُّدِ الْقُدْرَةِ، وَ الْأَصْلُ بَقَاءُ الْفِدْيةِ؛ لِإِمْكانِ الْجَمْعِ؛ وَ لِجَوَازِ أَنْ تَكونَ عِوَضًا عَنْ الْإِفْطَارِ لَا بَدَلًا عَنْ الْقَضَاءِ.

(وَذُو الْعُطَاشِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ، و هو دَاءٌ لَا يرْوَي صَاحِبُهُ، وَ لَا يتَمَكنُ مِنْ تَرْك شُرْبِ الْمَاءِ طُولَ النَّهَارِ (الْمَأْيوسُ مِنْ بُرْئِهِ كذَلِك) يسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ، وَ يجِبُ عَلَيهِ الْفِدْيةُ عَنْ كلِّ يوْمٍ بِمُدٍّ، (وَلَوْ بَرِئَ قَضَي)، و إنّما ذَكرَهُ هُنَا؛ لِإِمْكانِهِ حَيثُ إنَّ الْمَرَضَ مِمَّا يمْكنُ زَوَالُهُ عَادَةً، بِخِلَافِ الْهَرَمِ.

وَ هَلْ يجِبُ مَعَ الْقَضَاءِ الْفِدْيةُ الْمَاضِيةُ؟ الْأَقْوَي ذَلِك، بِتَقْرِيبِ مَا تَقَدَّمَ وَ بِهِ قَطَعَ فِي الدُّرُوسِ، وَ يحْتَمَلُ أَنْ يرِيدَ هُنَا الْقَضَاءَ مِنْ غَيرِ فِدْيةٍ، كمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُرْتَضَي وَ احْتَرَزَ بِالْمَأْيوسِ مِنْ بُرْئِهِ عَمَّنْ يمْكنُ بُرْؤُهُ عَادَةً، فَإِنَّهُ يفْطُرُ وَ يجِبُ الْقَضَاءُ حَيثُ يمْكنُ كالْمَرِيضِ مِنْ غَيرِ فِدْيةٍ.

وَ الْأَقْوَي أَنَّ حُكمَهُ كالشَّيخَينِ يسْقُطَانِ عَنْهُ مَعَ الْعَجْزِ رَأْسًا، وَ تَجِبُ الْفِدْيةُ مَعَ

الْمَشَقَّةِ.

السَّابِعَةُ: (الْحَامِلُ الْمُقْرِبُ

السَّابِعَةُ: - (الْحَامِلُ الْمُقْرِبُ

، وَ الْمُرْضِعَةُ الْقَلِيلَةُ اللَّبَنِ) إذَا خَافَتَا عَلَي الْوَلَدِ (تَفْطُرَانِ وَ تَفْدِيانِ) بِمَا تَقَدَّمَ، وَ تَقْضِيانِ مَعَ زَوَالِ الْعُذْرِ، و إنّما لَمْ يذْكرْ الْقَضَاءَ مَعَ الْقَطْعِ بِوُجُوبِهِ؛ لِظُهُورِهِ حَيثُ إنَّ عُذْرَهُمَا آيلٌ إلَي الزَّوَالِ فَلَا تَزِيدَانِ عَنْ الْمَرِيضِ، وَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَ تُعِيدَانِ بَدَلَ وَ تَفْدِيانِ، و فيه تَصْرِيحٌ بِالْقَضَاءِ، وَ إِخْلَالٌ بِالْفِدْيةِ، وَ عَكسُهُ أَوْضَحُ؛ لِأَنَّ الْفِدْيةَ لَا تُسْتَفَادُ مِنْ اسْتِنْبَاطِ اللَّفْظِ، بِخِلَافِ الْقَضَاءِ، و لو كانَ خَوْفُهُمَا عَلَي أَنْفُسِهِمَا فَكالْمَرِيضِ تَفْطُرَانِ وَ تَقْضِيانِ مِنْ غَيرِ فَدِيةٍ، وَ كذَا كلُّ مَنْ خَافَ عَلَي نَفْسِهِ.

وَ لَا فَرْقَ فِي ذَلِك بَينَ الْخَوْفِ؛ لِجُوعٍ وَ عَطَشٍ، وَ لَا فِي الْمُرْتَضِعِ بَينَ كوْنِهِ وَلَدًا مِنْ النَّسَبِ وَ الرَّضَاعِ، وَ لَا بَينَ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَ الْمُتَبَرِّعَةِ.

نَعَمْ لَوْ قَامَ غَيرُهَا مَقَامَهَا مُتَبَرِّعًا، أَوْ آخِذًا مِثْلَهَا، أَوْ أَنْقَصَ امْتَنَعَ الْإِفْطَارُ وَ الْفِدْيةُ مِنْ مَالِهِمَا، و أن كانَ لَهُمَا زَوْجٌ وَ الْوَلَدُ لَهُ، وَ الْحُكمُ بِإِفْطَارِهِمَا خَبَرٌ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ؛ لِدَفْعِهِ الضَّرَرَ. (وَلَا يجِبُ صَوْمُ النَّافِلَةِ بِشُرُوعِهِ) فِيهِ؛ لِأَصَالَةِ عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَ النَّهْي عَنْ قَطْعِ الْعَمَلِ مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ الْوَاجِبِ.

(نَعَمْ يكرَهُ نَقْضُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ)؛ لِلرِّوَايةِ الْمُصَرِّحَةِ بِوُجُوبِهِ حِينَئِذٍ الْمَحْمُولَةِ عَلَي تَأَكدِ الِاسْتِحْبَابِ؛ لِقُصُورِهَا عَنْ الْإِيجَابِ سَنَدًا، و أن صَرَّحَتْ بِهِ مَتْنًا، (إلَّا لِمَنْ يدْعَي إلَي طَعَامٍ) فَلَا يكرَهُ لَهُ قَطْعُهُ مُطْلَقًا، بَلْ يكرَهُ الْمُضِي عَلَيهِ، وَ رُوِي أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الصِّيامِ بِسَبْعِينَ ضِعْفًا، وَ لَا فَرْقَ بَينَ مَنْ هَيأَ لَهُ طَعَامًا، و غيرهُ، وَ لَا بَينَ مَنْ يشُقُّ عَلَيهِ الْمُخَالَفَةُ، و غيرهُ نَعَمْ يشْتَرَطُ كوْنُهُ مُؤْمِنًا، وَ الْحِكمَةُ لَيسَتْ مِنْ حَيثُ الْأَكلُ، بَلْ إجَابَةُ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِ، وَ عَدَمُ رَدِّ قَوْلِهِ، و إنّما يتَحَقَّقُ الثَّوَابُ عَلَي الْإِفْطَارِ مَعَ قَصْدِ الطَّاعَةِ بِهِ؛

لِذَلِك وَ نَحْوِهِ، لَا بِمُجَرَّدِهِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يتَوَقَّفُ ثَوَابُهَا عَلَي النِّيةِ.

الثَّامِنَةُ: (يجِبُ تَتَابُعُ الصَّوْمِ) الْوَاجِبِ

الثَّامِنَةُ: - (يجِبُ تَتَابُعُ الصَّوْمِ) الْوَاجِبِ

(إلَّا أَرْبَعَةً: النَّذْرُ الْمُطْلَقُ) حَيثُ لَا يضِيقُ وَقْتُهُ بِظَنِّ الْوَفَاةِ، أَوْ طُرُوءِ الْعُذْرِ الْمَانِعِ مِنْ الصَّوْمِ، (وَمَا فِي مَعْنَاهُ) مِنْ الْعَهْدِ وَ الْيمِينِ.

(وَقَضَاءُ) الصَّوْمِ (الْوَاجِبِ مُطْلَقًا) كرَمَضَانَ وَ النَّذْرِ الْمُعَينِ، و أن كانَ الْأَصْلُ مُتَتَابِعًا كمَا يقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الْعِبَارَةِ، و هو قَوْلٌ قَوِي، وَ اسْتَقْرَبَ فِي الدُّرُوسِ وُجُوبَ مُتَابَعَتِهِ كالْأَصْلِ، (وَجَزَاءُ الصَّيدِ)، و أن كانَ بَدَلَ النَّعَامَةِ عَلَي الْأَشْهَرِ، (وَالسَّبْعَةُ فِي بَدَلِ الْهَدْي) عَلَي الْأَقْوَي، وَ قِيلَ: يشْتَرَطُ فِيهَا الْمُتَابَعَةُ كالثَّلَاثَةِ، وَ بِهِ رِوَايةٌ حَسَنَةٌ.

(وَكلُّ مَنْ أَخَلَّ بِالْمُتَابَعَةِ) حَيثُ تَجِبُ (لِعُذْرٍ) كحَيضٍ، وَ مَرَضٍ، وَ سَفَرٍ ضَرُورِي (بَنَي عِنْدَ زَوَالِهِ)، إلَّا أَنْ يكونَ الصَّوْمُ ثَلَاثَةَ أَيامٍ فَيجِبُ اسْتِئْنَافُهَا مُطْلَقًا، كصَوْمِ كفَّارَةِ الْيمِينِ، وَ كفَّارَةِ قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَ ثَلَاثَةِ الِاعْتِكافِ، وَ ثَلَاثَةِ الْمُتْعَةِ، حَيثُ لَا يكونُ الْفَاصِلُ الْعِيدَ بَعْدَ الْيوْمَينِ، (وَلَا لَهُ) أَي: لَا لِعُذْرٍ (يسْتَأْنِفُ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ) مَوَاضِعَ (الشَّهْرَينِ الْمُتَتَابِعَينِ) كفَّارَةً وَ نَذْرًا، و ما فِي مَعْنَاهُ (بَعْدَ) صَوْمِ (شَهْرٍ وَ يوْمٍ مِنْ الثَّانِي، و في الشَّهْرِ) الْوَاجِبِ مُتَتَابِعًا بِنَذْرٍ، أَوْ كفَّارَةٍ عَلَي عَبْدٍ بِظِهَارٍ أَوْ قَتْلِ خَطَأٍ (بَعْدَ) صَوْمِ (خَمْسَةَ عَشَرَ يوْمًا، وَ فِي ثَلَاثَةِ الْمُتْعَةِ) الْوَاجِبَةِ فِي الْحَجِّ بَدَلًا عَنْ الدَّمِ (بَعْدَ) صَوْمِ (يوْمَينِ ثَالِثُهُمَا الْعِيدُ) سَوَاءٌ عَلِمَ ابْتِدَاءً بِوُقُوعِهِ بَعْدَهُمَا، أَمْ لَا فَإِنَّ التَّتَابُعَ يسْقُطُ فِي بَاقِي الْأَوَّلَينِ مُطْلَقًا، و في الثَّالِثِ إلَي انْقِضَاءِ أَيامِ التَّشْرِيقِ.

التَّاسِعَةُ: (لَا يفْسُدُ الصِّيامُ بِمَصِّ الْخَاتَمِ)

التَّاسِعَةُ: - (لَا يفْسُدُ الصِّيامُ بِمَصِّ الْخَاتَمِ)

وَ شَبَهِهِ، و أمّا مَصُّ النَّوَاةِ فَمَكرُوهٌ، (وَزَقِّ الطَّائِرِ، وَ مَضْغِ الطَّعَامِ)، وَ ذَوْقِ الْمَرَقِ، و كلّ مَا لَا يتَعَدَّي إلَي الْحَلْقِ، (وَيكرَهُ مُبَاشَرَةُ النِّسَاءِ) به غير الْجِمَاعِ، إلَّا لِمَنْ لَا يحَرِّك ذَلِك شَهْوَتَهُ، (وَالِاكتِحَالُ بِمَا فِيهِ مِسْك)، أَوْ صَبْرٌ، (وَإِخْرَاجُ الدَّمِ الْمُضْعِفِ، وَ

دُخُولُ الْحَمَّامِ) الْمُضْعِفِ، (وَشَمُّ الرَّياحِينِ وَ خُصُوصًا النَّرْجِسَ) بِفَتْحِ النُّونِ فَسُكونُ الرَّاءِ فَكسْرِ الْجِيمِ، وَ لَا يكرَهُ الطِّيبُ، بَلْ رُوِي اسْتِحْبَابُهُ لِلصَّائِمِ، و أنّه تُحْفَتُهُ، (وَالِاحْتِقَانُ بِالْجَامِدِ) فِي الْمَشْهُورِ وَ قِيلَ: يحْرُمُ، وَ يجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ، (وَجُلُوسُ الْمَرْأَةِ وَ الْخُنْثَي فِي الْمَاءِ)، وَ قِيلَ: يجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيهِمَا بِهِ، و هو نَادِرٌ.

(وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخَصِي الْمَمْسُوحَ كذَلِك)؛ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُمَا فِي قُرْبِ الْمَنْفَذِ إلَي الْجَوْفِ، (وَبَلُّ الثَّوْبِ عَلَي الْجَسَدِ)، دُونَ بَلِّ الْجَسَدِ بِالْمَاءِ، وَ جُلُوسُ الرَّجُلِ فِيهِ، و أن كانَ أَقْوَي تَبْرِيدًا، (وَالْهَذْرُ) و هو الْكلَامُ به غير فَائِدَةٍ دِينِيةٍ، وَ كذَا اسْتِمَاعُهُ، بَلْ ينْبَغِي أَنْ يصُمَّ سَمْعَهُ وَ بَصَرَهُ وَ جَوَارِحَهُ بِصَوْمِهِ، إلَّا بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَي مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ ذِكرٍ، أَوْ دُعَاءٍ.

الْعَاشِرَةُ: (يسْتَحَبُّ مِنْ الصَّوْمِ)

الْعَاشِرَةُ: - (يسْتَحَبُّ مِنْ الصَّوْمِ)

عَلَي الْخُصُوصِ (أَوَّلُ خَمِيسٍ مِنْ الشَّهْرِ، وَ آخِرُ خَمِيسٍ مِنْهُ، وَ أَوَّلُ أَرْبِعَاءَ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ) فَالْمُوَاظَبَةُ عَلَيهَا تَعْدِلُ صَوْمَ الدَّهْرِ، وَ تَذْهَبُ بِوَحَرِ الصَّدْرِ و هو وَسْوَسَتُهُ، وَ يخْتَصُّ بِاسْتِحْبَابِ قَضَائِهَا لِمَنْ فَاتَتْهُ، فَإِنْ قَضَاهَا فِي مِثْلِهَا أَحْرَزَ فَضِيلَتَهُمَا.

(وَأَيامُ الْبِيضِ) بِحَذْفِ الْمَوْصُوفِ أَي: أَيامُ اللَّيالِي الْبِيضِ، و هي الثَّالِثَ عَشَرَ، وَ الرَّابِعَ عَشَرَ، وَ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ كلِّ شَهْرٍ، سُمِّيتْ بِذَلِك؛ لِبَياضِ لَيالِيهَا أَجْمَعَ بِضَوْءِ الْقَمَرِ، هَذَا بِحَسَبِ اللُّغَةِ، وَ رُوِي عَنْ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم { أَنَّ آدَمَ عَلَيهِ السَّلَامُ لَمَّا أَصَابَتْهُ الْخَطِيئَةُ اسْوَدَّ لَوْنُهُ فَأُلْهِمَ صَوْمَ هَذِهِ الْأَيامِ فَابْيضَّ بِكلِّ يوْمٍ ثُلُثُهُ فَسُمِّيتْ بِيضًا؛ لِذَلِك }، و علي هَذَا فَالْكلَامُ جَارٍ عَلَي ظَاهِرِهِ مِنْ غَيرِ حَذْفٍ، (وَمَوْلِدُ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ الهِ)، و هو عِنْدَنَا سَابِعَ عَشَرَ شَهْرَ رَبِيعِ الْأَوَّلِ عَلَي الْمَشْهُورِ، (وَمَبْعَثُهُ وَ يوْمُ الْغَدِيرِ وَ الدَّحْوِ)؛ لِلْأَرْضِ أَي: بَسْطُهَا مِنْ

تَحْتِ الْكعْبَةِ و هو الْخَامِسُ وَ الْعِشْرُونَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ.

(وَعَرَفَةُ لِمَنْ لَا يضْعِفُهُ عَنْ الدُّعَاءِ) الَّذِي هُوَ عَازِمٌ عَلَيهِ فِي ذَلِك الْيوْمِ كمِّيةً وَ كيفِيةً.

وَ يسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الدُّعَاءَ فِي ذَلِك الْيوْمِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّوْمِ (مَعَ تَحَقُّقِ الْهِلَالِ) فَلَوْ حَصَلَ فِي أَوَّلِهِ الْتِبَاسٌ؛ لِغَيمٍ، أَوْ غَيرِهِ كرِهَ صَوْمُهُ؛ لِئَلَّا يقَعَ فِي صَوْمِ الْعِيدِ.

(وَالْمُبَاهَلَةُ وَ الْخَمِيسُ وَ الْجُمُعَةُ) فِي كلِّ أُسْبُوعٍ، (وَسِتَّةُ أَيامٍ بَعْدَ عِيدِ الْفِطْرِ) به غير فَصْلٍ مُتَوَالِيةٍ، فَمَنْ صَامَهَا مَعَ شَهْرِ رَمَضَانَ عَدَلَتْ صِيامَ السَّنَةِ، و في الخَبَرِ: أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيهَا تَعْدِلُ صَوْمَ الدَّهْرِ، وَ عُلِّلَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ بِأَنَّ {الصَّدَقَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا }، فَيكونُ رَمَضَانُ بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ، وَ السِّتَّةُ بِشَهْرَينِ، و ذلك تَمَامُ السَّنَةِ فَدَوَامُ فِعْلِهَا كذَلِك يعْدِلُ دَهْرَ الصَّائِمِ.

وَ التَّعْلِيلُ، و أن اقْتَضَي عَدَمَ الْفَرْقِ بَينَ فِعْلِهَا مُتَوَالِيةً، وَ مُتَفَرِّقَةً بَعْدَهُ به غير فَصْلٍ، وَ مُتَأَخِّرَةً، إلَّا أَنَّ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ اعْتِبَارَ الْقَيدِ، فَيكونُ فَضِيلَةً زَائِدَةً عَلَي الْقَدْرِ، و هو إمَّا تَخْفِيفٌ؛ لِلتَّمْرِينِ السَّابِقِ، أَوْ عَوْدٌ إلَي الْعِبَادَةِ؛ لِلرَّغْبَةِ؛ وَ دَفْعِ احْتِمَالِ السَّأَمِ، (وَأَوَّلُ ذِي الْحِجَّةِ) و هو مَوْلِدُ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيهِ السَّلَامُ وَ بَاقِي الْعَشْرِ غَيرُ الْمُسْتَثْنَي، (وَرَجَبٌ كلُّهُ، وَ شَعْبَانُ كلُّهُ).

الْحَادِيةَ عَشْرَةَ: (يسْتَحَبُّ الْإِمْسَاك بِالنِّيةِ)

الْحَادِيةَ عَشْرَةَ: - (يسْتَحَبُّ الْإِمْسَاك بِالنِّيةِ)

؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ (فِي الْمُسَافِرِ وَ الْمَرِيضِ بِزَوَالِ عُذْرِهِمَا بَعْدَ التَّنَاوُلِ)، و أن كانَ قَبْلَ الزَّوَالِ، (أَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ)، و أن كانَ قَبْلَ التَّنَاوُلِ، وَ يجُوزُ لِلْمُسَافِرِ التَّنَاوُلُ قَبْلَ بُلُوغِ مَحَلِّ التَّرَخُّصِ، و أن عَلِمَ بِوُصُولِهِ قَبْلَهُ فَيكونُ إيجَابُ الصَّوْمِ مَنُوطًا بِاخْتِيارِهِ كمَا يتَخَيرُ بَينَ نِيةِ الْمُقَامِ الْمُسَوِّغَةِ لِلصَّوْمِ، وَ عَدَمِهَا، وَ كذَا يسْتَحَبُّ الْإِمْسَاك (لِكلِّ مَنْ سَلَفَ مِنْ ذَوِي الْأَعْذَارِ الَّتِي تَزُولُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ) مُطْلَقًا كذَاتِ الدَّمِ وَ الصَّبِي، وَ الْمَجْنُونِ

وَ الْمُغْمَي عَلَيهِ، وَ الْكافِرِ يسْلِمُ.

الثَّانِيةَ عَشْرَةَ: (لَا يصُومُ الضَّيفُ بِدُونِ إذْنِ مُضِيفِهِ)

الثَّانِيةَ عَشْرَةَ: - (لَا يصُومُ الضَّيفُ بِدُونِ إذْنِ مُضِيفِهِ)

، و أن جَاءَ نَهَارًا مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ، مَعَ احْتِمَالِهِ مُطْلَقًا، عَمَلًا بِإِطْلَاقِ النَّصِّ، (وَ قِيلَ: بِالْعَكسِ أَيضًا) و هو مَرْوِي لَكنْ قَلَّ مَنْ ذَكرَهُ، (وَلَا الْمَرْأَةُ وَ الْعَبْدُ)، بَلْ مُطْلَقُ الْمَمْلُوك، (بِدُونِ إذْنِ الزَّوْجِ وَ الْمَالِك، وَ لَا الْوَلَدُ) و أن نَزَلَ، (بِدُونِ إذْنِ الْوَالِدِ)، و أن عَلَا، وَ يحْتَمَلُ اخْتِصَاصُهُ بِالْأَدْنَي فَإِنْ صَامَ أَحَدُهُمْ بِدُونِ إذْنٍ كرِهَ.

(وَالْأَوْلَي عَدَمُ انْعِقَادِهِ مَعَ النَّهْي)؛ لِمَا رُوِي مِنْ أَنَّ الضَّيفَ يكونُ جَاهِلًا، وَ الْوَلَدَ عَاقًّا، وَ الزَّوْجَةَ عَاصِيةً، وَ الْعَبْدَ آبِقًا وَ جَعْلُهُ أَوْلَي يؤْذِنُ بِانْعِقَادِهِ، و في الدُّرُوسِ اسْتَقْرَبَ اشْتِرَاطَ إذْنِ الْوَالِدِ، وَ الزَّوْجِ وَ الْمَوْلَي فِي صِحَّتِهِ، وَ الْأَقْوَي الْكرَاهَةُ بِدُونِ الْإِذْنِ مُطْلَقًا، فِي غَيرِ الزَّوْجَةِ وَ الْمَمْلُوك اسْتِضْعَافًا؛ لِمُسْتَنَدِ الشَّرْطِيةِ، وَ مَأْخَذِ التَّحْرِيمِ، أَمَّا فِيهِمَا فَيشْتَرَطُ الْإِذْنُ، فَلَا ينْعَقِدُ بِدُونِهِ، وَ لَا فَرْقَ بَينَ كوْنِ الزَّوْجِ وَ الْمَوْلَي حَاضِرَينِ، أَوْ غَائِبَينِ، وَ لَا بَينَ أَنْ يضْعِفَهُ عَنْ حَقِّ مَوْلَاهُ، وَ عَدَمِهِ.

الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: (يحْرُمُ صَوْمُ الْعِيدَينِ مُطْلَقًا

الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: - (يحْرُمُ صَوْمُ الْعِيدَينِ مُطْلَقًا

، وَ أَيامِ التَّشْرِيقِ) و هي الثَّلَاثَةُ بَعْدَ الْعِيدِ (لِمَنْ كانَ بِمِنًي) نَاسِكا، أَوْ غَيرَ نَاسِك، (وَقَيدَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ) و هو الْعَلَّامَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ (بِالنَّاسِك) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَ النَّصُّ مُطْلَقٌ، فَتَقْييدُهُ يحْتَاجُ إلَي دَلِيلٍ، وَ لَا يحْرُمُ صَوْمُهَا عَلَي مَنْ لَيسَ بِمِنًي إجْمَاعًا، و أن أَطْلَقَ تَحْرِيمُهَا فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ، كالْمُصَنِّفِ [فِي الدُّرُوسِ] فَهُوَ مُرَادٌ مِنْ قَيدٍ، وَ رُبَّمَا لَحِظَ الْمُطْلِقُ أَنَّ جَمْعَهَا كافٍ عَنْ تَقْييدِ كوْنِهَا بِمِنًي؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، وَ أَيامُ التَّشْرِيقِ لَا تَكونُ ثَلَاثَةً إلَّا بِمِنًي فَإِنَّهَا فِي غَيرِهَا يوْمَانِ لَا غَيرُ، و هو لَطِيفٌ.

(وَصَوْمُ) يوْمِ (الشَّك) و هو يوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ

إذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيةِ الْهِلَالِ، أَوْ شَهِدَ بِهِ مَنْ لَا يثْبُتُ بِقَوْلِهِ (بِنِيةِ الْفَرْضِ) الْمَعْهُودِ، و هو رَمَضَانُ، و أن ظَهَرَ كوْنُهُ مِنْهُ؛ لِلنَّهْي، أَمَّا لَوْ نَوَاهُ وَاجِبًا مِنْ غَيرِهِ كالْقَضَاءِ وَ النَّذْرِ لَمْ يحْرُمْ وَ أَجْزَأَ عَنْ رَمَضَانَ، و أمّا بِنِيةِ النَّفْلِ فَمُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا، و أن لَمْ يصُمْ قَبْلَهُ، (وَلَوْ صَامَهُ بِنِيةِ النَّفْلِ أَجْزَأَ إنْ ظَهَرَ كوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ)، وَ كذَا كلُّ وَاجِبٍ مُعَينٍ فُعِلَ بِنِيةِ النَّدْبِ، مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ؛ وِفَاقًا لِلْمُصَنِّفِ فِي الدُّرُوسِ.

(وَلَوْ رَدَّدَ) نِيتَهُ يوْمَ الشَّك، بَلْ يوْمَ الثَّلَاثِينَ مُطْلَقًا، بَينَ الْوُجُوبِ إنْ كانَ مِنْ رَمَضَانَ، وَ النَّدْبِ إنْ لَمْ يكنْ (فَقَوْلَانِ: أَقْرَبُهُمَا: الْإِجْزَاءُ)؛ لِحُصُولِ النِّيةِ الْمُطَابِقَةِ لِلْوَاقِعِ، وَ ضَمِيمَةُ الْآخَرِ غَيرُ قَادِحَةٍ؛ لِأَنَّهَا غَيرُ مُنَافِيةٍ؛ وَ لِأَنَّهُ لَوْ جَزَمَ بِالنَّدْبِ أَجْزَأَ عَنْ رَمَضَانَ إجْمَاعًا، فَالضَّمِيمَةُ الْمُتَرَدِّدُ فِيهَا أَدْخَلُ فِي الْمَطْلُوبِ، وَ وَجْهُ الْعَدَمِ اشْتِرَاطُ الْجَزْمِ فِي النِّيةِ حَيثُ يمْكنُ، و هو هُنَا كذَلِك بِنِيةِ النَّدْبِ، وَ مَنْعُ كوْنِ نِيةِ الْوُجُوبِ أَدْخَلَ عَلَي تَقْدِيرِ الْجَهْلِ، و من ثَمَّ لَمْ يجُزْ لَوْ جَزَمَ بِالْوُجُوبِ فَظَهَرَ مُطَابِقًا.

وَ يشْكلُ بِأَنَّ التَّرَدُّدَ لَيسَ فِي النِّيةِ؛ لِلْجَزْمِ بِهَا عَلَي التَّقْدِيرَينِ، و إنّما هُوَ فِي الْوَجْهِ، و هو عَلَي تَقْدِيرِ اعْتِبَارِهِ أَمْرٌ آخَرُ؛ وَ لِأَنَّهُ مَجْزُومٌ بِهِ عَلَي كلِّ وَاحِدٍ مِنْ التَّقْدِيرَينِ اللَّازِمَينِ عَلَي وَجْهِ مَنْعِ الْخُلُوِّ، وَ الْفَرْقُ بَينَ الْجَزْمِ بِالْوُجُوبِ، وَ التَّرْدِيدِ فِيهِ النَّهْي عَنْ الْأَوَّلِ شَرْعًا الْمُقْتَضِي لِلْفَسَادِ بِخِلَافِ الثَّانِي.

(وَيحْرُمُ نَذْرُ الْمَعْصِيةِ) بِجَعْلِ الْجَزَاءِ شُكرًا عَلَي تَرْك الْوَاجِبِ، أَوْ فِعْلِ الْمُحَرَّمِ، وَ زَجْرًا عَلَي الْعَكسِ، (وَصَوْمُهُ) الَّذِي هُوَ الْجَزَاءُ؛ لِفَسَادِ الْغَايةِ؛ وَ عَدَمِ التَّقَرُّبِ بِهِ، (وَ) صَوْمُ (الصَّمْتِ) بِأَنْ ينْوِي الصَّوْمَ سَاكتًا فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي شَرْعِنَا، لَا الصَّوْمُ سَاكتًا بِدُونِ جَعْلِهِ وَصْفًا لِلصَّوْمِ بِالنِّيةِ (وَالْوِصَالُ)

بِأَنْ ينْوِي صَوْمَ يوْمَينِ فَصَاعِدًا، لَا يفْصِلُ بَينَهُمَا بِفِطْرٍ أَوْ صَوْمَ يوْمٍ إلَي وَقْتٍ مُتَرَاخٍ عَنْ الْغُرُوبِ، و منه أَنْ يجْعَلَ عَشَاءَهُ سَحُورَهُ بِالنِّيةِ، لَا إذَا أَخَّرَ الْإِفْطَارَ بِغَيرِهَا، أَوْ تَرَكهُ لَيلًا.

(وَصَوْمُ الْوَاجِبِ سَفَرًا) عَلَي وَجْهٍ مُوجِبٍ لِلْقَصْرِ، (سِوَي مَا مَرَّ) مِنْ الْمَنْذُورِ الْمُقَيدِ بِهِ، وَ ثَلَاثَةُ الْهَدْي، وَ بَدَلُ الْبَدَنَةِ، وَ جَزَاءُ الصَّيدِ عَلَي الْقَوْلِ، وَ فُهِمَ مِنْ تَقْييدِهِ بِالْوَاجِبِ جَوَازُ الْمَنْدُوبِ، و هو الَّذِي اخْتَارَهُ فِي غَيرِهِ عَلَي كرَاهِيةٍ، وَ بِهِ رِوَايتَانِ يمْكنُ إثْبَاتُ السُّنَّةِ بِهِمَا.

وَ قِيلَ: يحْرُمُ؛ لِإِطْلَاقِ النَّهْي فِي غَيرِهِمَا، وَ مَعَ ذَلِك يسْتَثْنَي ثَلَاثَةُ أَيامٍ؛ لِلْحَاجَةِ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ، قِيلَ: وَ الْمَشَاهِدُ كذَلِك.

الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: (يعَزَّرُ مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ

الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: - (يعَزَّرُ مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ

عَامِدًا عَالِمًا) بِالتَّحْرِيمِ، (لَا إنْ أَفْطَرَ؛ لِعُذْرٍ) كسَلَامَةٍ مِنْ غَرَقٍ، وَ إِنْقَاذِ غَرِيقٍ، وَ لِلتُّقْيةِ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَ آخِرِ رَمَضَانَ وَ أَوَّلِهِ، مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَي مَا يتَأَدَّي بِهِ الضَّرُورَةُ، و لو زَادَ فَكمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ، (فَإِنْ عَادَ) إلَي الْإِفْطَارِ ثَانِيا بِالْقَيدَينِ (عُزِّرَ) أَيضًا، (فَإِنْ عَادَ) إلَيهِ ثَالِثًا (بِهِمَا قُتِلَ)، وَ نَسَبَ فِي الدُّرُوسِ قَتْلَهُ فِي الثَّالِثَةِ إلَي مَقْطُوعَةِ سِمَاعَةَ، وَ قِيلَ: يقْتَلُ فِي الرَّابِعَةِ، و هو أَحْوَطُ، و إنّما يقْتَلُ فِيهِمَا مَعَ تَخَلُّلِ التَّعْزِيرِ مَرَّتَينِ، أَوْ ثَلَاثًا، لَا بِدُونِهِ.

(وَلَوْ كانَ مُسْتَحِلًّا)؛ لِلْإِفْطَارِ أَي: مُعْتَقِدًا كوْنَهُ حَلَالًا، وَ يتَحَقَّقُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ (قُتِلَ) بِأَوَّلِ مَرَّةٍ (إنْ كانَ وُلِدَ عَلَي الْفِطْرَةِ) الْإِسْلَامِيةِ بِأَنْ انْعَقَدَ حَالَ إسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيهِ، (وَاسْتُتِيبَ إنْ كانَ عَنْ غَيرِهَا) فَإِنْ تَابَ وَ الا قُتِلَ.

هَذَا إذَا كانَ ذَكرًا، أَمَّا الْأُنْثَي فَلَا تُقْتَلُ مُطْلَقًا بَلْ تُحْبَسُ وَ تُضْرَبُ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ إلَي أَنْ تَتُوبَ أَوْ تَمُوتَ، و إنّما يكفُرُ مُسْتَحِلُّ الْإِفْطَارِ بِمُجْمَعٍ عَلَي إفْسَادِهِ الصَّوْمَ بَينَ الْمُسْلِمِينَ بِحَيثُ صَارَ ضَرُورِيا كالْجِمَاعِ

وَ الْأَكلِ، وَ الشُّرْبِ الْمُعْتَادَينِ، أَمَّا غَيرُهُ فَلَا عَلَي الْأَشْهَرِ.

وَ فِيهِ لَوْ ادَّعَي الشُّبْهَةَ الْمُمْكنَةَ فِي حَقِّهِ قُبِلَ مِنْهُ، و من هُنَا يعْلَمُ أَنَّ إطْلَاقَهُ الْحُكمَ لَيسَ بِجَيدٍ.

الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: (الْبُلُوغُ الَّذِي يجِبُ مَعَهُ الْعِبَادَةُ الِاحْتِلَامُ)

الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: - (الْبُلُوغُ الَّذِي يجِبُ مَعَهُ الْعِبَادَةُ الِاحْتِلَامُ)

وَ هُوَ خُرُوجُ الْمَنِي مِنْ قُبُلِهِ مُطْلَقًا فِي الذَّكرِ وَ الْأُنْثَي، و من فَرْجَيهِ فِي الْخُنْثَي، (أَوْ الْإِنْبَاتُ)؛ لِلشَّعْرِ الْخَشِنِ عَلَي الْعَانَةِ مُطْلَقًا، (أَوْ بُلُوغُ) أَي: إكمَالُ (خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) هِلَالِيةً (فِي الذَّكرِ) وَ الْخُنْثَي، (وَ) إكمَالُ (تِسْعٍ فِي الْأُنْثَي) عَلَي الْمَشْهُورِ، (وَقَالَ) الشَّيخُ (فِي الْمَبْسُوطِ وَ تَبِعَهُ ابْنُ حَمْزَةَ: بُلُوغُهَا) أَي: الْمَرْأَةِ (بِعَشْرٍ، و قال ابْنُ إدْرِيسَ: الْإِجْمَاعُ) وَاقِعٌ (عَلَي التِّسْعِ)، وَ لَا يعْتَدُّ بِخِلَافِهَا؛ لِشُذُوذِهِ وَ الْعِلْمِ بِنَسَبِهِمَا؛ وَ تَقَدُّمِهِ عَلَيهِمَا وَ تَأَخُّرِهِ عَنْهُمَا، و أمّا الْحَيضُ وَ الْحَمْلُ؛ لِلْمَرْأَةِ فَدَلِيلَانِ عَلَي سَبْقِهِ، و في الحَاقِ اخْضِرَارِ الشَّارِبِ، وَ إِنْبَاتِ اللِّحْيةِ بِالْعَانَةِ قَوْلٌ قَوِي، وَ يعْلَمُ السِّنُّ بِالْبَينَةِ وَ الشِّياعِ، لَا بِدَعْوَاهُ، وَ الْإِنْبَاتُ بِهِمَا، وَ بِالِاخْتِبَارِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ مَعَ الِاضْطِرَارِ إنْ جَعَلْنَا مَحَلَّهُ مِنْ الْعَوْرَةِ، أَوْ بِدُونِهِ عَلَي الْمَشْهُورِ وَ احْتِلَامٌ بِهِمَا، وَ بِقَوْلِهِ، وَ فِي قَبُولِ قَوْلِ الْأَبَوَينِ، أَوْ الْأَبِ فِي السِّنِّ وَجْهٌ.

كتاب الاعتكاف

الاشاره

كتاب الاعتكاف

الِاعْتِكافُ

(وَيلْحَقُ بِذَلِك الِاعْتِكافُ)، و إنّما جَعَلَهُ مِنْ لَوَاحِقِهِ لِاشْتِرَاطِهِ بِهِ وَ اسْتِحْبَابِهِ مُؤَكدًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَ قِلَّةِ مَبَاحِثِهِ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ عَمَّا يلِيقُ بِالْكتَابِ الْمُفْرَدِ، (وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ) اسْتِحْبَابًا مُؤَكدًا (خُصُوصًا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ)، تَأَسِّيا بِالنَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ الهِ، فَقَدْ كانَ يوَاظِبُ عَلَيهِ فِيهَا، تُضْرَبُ لَهُ قُبَّةٌ بِالْمَسْجِدِ مِنْ شَعْرٍ، وَ يطْوِي فِرَاشَهُ، وَفَاتَهُ عَامٌ بِسَبَبِهَا فَقَضَاهَا فِي الْقَابِلِ، فَكانَ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يقُولُ: إنَّ اعْتِكافَهَا يعْدِلُ حَجَّتَينِ وَ عُمْرَتَينِ (وَيشْتَرَطُ) فِي صِحَّتِهِ (الصَّوْمُ) و أن لَمْ يكنْ لِأَجْلِهِ (فَلَا يصِحُّ إلَّا مِنْ مُكلَّفٍ يصِحُّ مِنْهُ الصَّوْمُ، فِي زَمَانٍ يصِحُّ صَوْمُهُ)، وَ اشْتِرَاطُ التَّكلِيفِ فِيهِ مَبْنِي عَلَي أَنَّ عِبَادَةَ الصَّبِي تَمْرِينًا لَيسَتْ

صَحِيحَةً، وَ لَا شَرْعِيةً و قد تَقَدَّمَ مَا يدُلُّ عَلَي صِحَّةِ صَوْمِهِ، و في الدُّرُوسِ صَرَّحَ بِشَرْعِيتِهِ، فَلْيكنْ الِاعْتِكافُ كذَلِك، أَمَّا فِعْلُهُ مَنْ الْمُمَيزِ تَمْرِينًا فَلَا شُبْهَةَ فِي صِحَّتِهِ كغَيرِهِ (وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيامٍ) بَينَهَا لَيلَتَانِ، فَمَحَلُّ نِيتِهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ.

وَ قِيلَ: يعْتَبِرُ اللَّيالِي فَيكونُ قَبْلَ الْغُرُوبِ، أَوْ بَعْدَهُ عَلَي مَا تَقَدَّمَ، (وَالْمَسْجِدُ الْجَامِعُ) و هو مَا يجْتَمِعُ فِيهِ أَهْلُ الْبَلَدِ و أن لَمْ يكنْ أَعْظَمَ، لَا نَحْوَ مَسْجِدِ الْقَبِيلَةِ.

(وَالْحَصْرُ فِي الْأَرْبَعَةِ) الْحَرَمَينِ وَ جَامِعِ الْكوفَةِ وَ الْبَصْرَةِ، أَوْ الْمَدَائِنِ بَدَلَهُ، (أَوْ الْخَمْسَةِ) الْمَذْكورَةِ، بِنَاءً عَلَي اشْتِرَاطِ صَلَاةِ نَبِي، أَوْ إمَامٍ فِيهِ (ضَعِيفٌ)؛ لِعَدَمِ مَا يدُلُّ عَلَي الْحَصْرِ، و أن ذَهَبَ إلَيهِ الْأَكثَرُ، (وَالْإِقَامَةُ بِمُعْتَكفِهِ، فَيبْطُلُ) الِاعْتِكافُ (بِخُرُوجِهِ) مِنْهُ و أن قَصَرَ الْوَقْتُ (إلَّا لِضَرُورَةٍ) كتَحْصِيلِ مَأْكولٍ، وَ مَشْرُوبٍ، وَ فِعْلِ الْأَوَّلِ فِي غَيرِهِ لِمَنْ عَلَيهِ فِيهِ غَضَاضَةٌ، وَ قَضَاءِ حَاجَةٍ، وَ اغْتِسَالٍ وَاجِبٍ لَا يمْكنُ فِعْلُهُ فِيهِ، وَ نَحْوِ ذَلِك مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَ لَا يمْكنُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَ لَا يتَقَدَّرُ مَعَهَا بِقَدَرٍ إلَّا بِزَوَالِهَا نَعَمْ لَوْ خَرَجَ عَنْ كوْنِهِ مُعْتَكفًا بَطَلَ مُطْلَقًا، وَ كذَا لَوْ خَرَجَ نَاسِيا فَطَالَ، وَ الا رَجَعَ حَيثُ ذَكرَ، فَإِنْ أَخَّرَ بَطَلَ.

(أَوْ طَاعَةٍ كعِيادَةِ مَرِيضٍ) مُطْلَقًا، وَ يلْبَثُ عِنْدَهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ لَا أَزْيدَ، (أَوْ شَهَادَةٍ) تَحَمُّلًا وَ إِقَامَةً، إنْ لَمْ يمْكنْ بِدُونِ الْخُرُوجِ، سَوَاءٌ تَعَينَتْ عَلَيهِ، أَمْ لَا، (أَوْ تَشْييعِ مُؤْمِنٍ) و هو تَوْدِيعُهُ، إذَا أَرَادَ سَفَرًا إلَي مَا يعْتَادُ عُرْفًا، وَ قَيدَهُ بِالْمُؤْمِنِ تَبَعًا لِلنَّصِّ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ لِإِطْلَاقِهِ، (ثُمَّ لَا يجْلِسُ لَوْ خَرَجَ، وَ لَا يمْشِي تَحْتَ الظِّلِّ اخْتِيارًا) قَيدَ فِيهِمَا، أَوْ فِي الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّ الِاضْطِرَارَ فِيهِ أَظْهَرُ، بِأَنْ لَا يجِدَ طَرِيقًا إلَي مَطْلَبِهِ إلَّا تَحْتَ ظِلٍّ.

وَ

لَوْ وَجَدَ طَرِيقَينِ إحْدَاهُمَا لَا ظِلَّ فِيهَا سَلَكهَا و أن بَعُدَتْ، و لو وَجَدَ فِيهِمَا قَدَّمَ أَقَلَّهُمَا ظِلًّا، و لو اتَّفَقَا قَدْرًا فَالْأَقْرَبُ.

وَ الْمَوْجُودُ فِي النُّصُوصِ هُوَ الْجُلُوسُ تَحْتَ الظِّلَالِ، أَمَّا الْمَشْي فَلَا، و هو الْأَقْوَي و أن كانَ مَا ذَكرَهُ أَحْوَطَ، فَعَلَي مَا اخْتَرْنَاهُ، لَوْ تَعَارَضَ الْمَشْي فِي الظِّلِّ بِطَرِيقٍ قَصِيرٍ، وَ فِي غَيرِهِ بِطَوِيلٍ قَدَّمَ الْقَصِيرَ، وَ أَوْلَي مِنْهُ لَوْ كانَ الْقَصِيرُ أَطْوَلَهُمَا ظِلًّا، (وَلَا يصَلِّي إلَّا بِمُعْتَكفِهِ) فَيرْجِعُ الْخَارِجُ لِضَرُورَةٍ إلَيهِ، و أن كانَ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ أَفْضَلَ مِنْهُ، إلَّا مَعَ الضَّرُورَةِ كضِيقِ الْوَقْتِ، فَيصَلِّيهَا حَيثُ أَمْكنَ، مُقَدِّمًا لِلْمَسْجِدِ مَعَ الْإِمْكانِ، و من الضَّرُورَةِ إلَي الصَّلَاةِ فِي غَيرِهِ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ دُونَهُ فَيخْرُجُ إلَيهَا، وَ بِدُونِ الضَّرُورَةِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ أَيضًا؛ لِلنَّهْي (إلَّا فِي مَكةَ) فَيصَلِّي إذَا خَرَجَ لِضَرُورَةٍ بِهَا حَيثُ شَاءَ، وَ لَا يخْتَصُّ بِالْمَسْجِدِ.

(وَيجِبُ الِاعْتِكافُ بِالنَّذْرِ وَ شِبْهِهِ)

(وَيجِبُ الِاعْتِكافُ بِالنَّذْرِ وَ شِبْهِهِ)

مِنْ عَهْدٍ وَ يمِينٍ، وَ نِيابَةٍ عَنْ الْأَبِ إنْ وَجَبَتْ، وَ اسْتِئْجَارٍ عَلَيهِ، وَ يشْتَرَطُ فِي النَّذْرِ، وَ أَخَوَيهِ إطْلَاقُهُ فَيحْمَلُ عَلَي ثَلَاثَةٍ، أَوْ تَقْييدُهُ بِثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا، أَوْ بِمَا لَا ينَافِي الثَّلَاثَةَ، كنَذْرِ يوْمٍ لَا أَزْيدَ.

وَ أَمَّا الْأَخِيرَانِ فَبِحَسَبِ الْمُلْتَزِمِ فَإِنْ قَصَرَ عَنْهَا اشْتَرَطَ إكمَالَهَا فِي صِحَّتِهِ، و لو عَنْ نَفْسِهِ، (وَبِمُضِي يوْمَينِ) و لو مَنْدُوبَينِ فَيجِبُ الثَّالِثُ (عَلَي الْأَشْهَرِ)؛ لِدَلَالَةِ الْأَخْبَارِ عَلَيهِ، (وَفِي الْمَبْسُوطِ) يجِبُ (بِالشُّرُوعِ) مُطْلَقًا، و علي الْأَشْهَرِ يتَعَدَّي إلَي كلِّ ثَالِثٍ عَلَي الْأَقْوَي كالسَّادِسِ وَ التَّاسِعِ لَوْ اعْتَكفَ خَمْسَةً وَ ثَمَانِيةً، وَ قِيلَ: يخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ خَاصَّةً وَ قِيلَ فِي الْمَنْدُوبِ، دُونَ مَا لَوْ نَذَرَ خَمْسَةً فَلَا يجِبُ السَّادِسُ، وَ مَالَ إلَيهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ تَحْقِيقَاتِهِ.

وَ الْفَرْقُ أَنَّ الْيوْمَينِ فِي الْمَنْدُوبِ مُنْفَصِلَانِ عَنْ الثَّالِثِ شَرْعًا، وَ لَمَّا كانَ أَقَلُّهُ

ثَلَاثَةً كانَ الثَّالِثُ هُوَ الْمُتَمِّمَ لِلْمَشْرُوعِ، بِخِلَافِ الْوَاجِبِ، فَإِنَّ الْخَمْسَةَ فِعْلٌ وَاحِدٌ وَاجِبٌ مُتَّصِلٌ شَرْعًا.

وَ إِنَّمَا نَسَبَ الْحُكمَ إلَي الشُّهْرَةِ؛ لِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ مِنْ الْأَخْبَارِ غَيرُ نَقِي السَّنَدِ، و من ثَمَّ ذَهَبَ جَمْعٌ إلَي عَدَمِ وُجُوبِ النَّفْلِ مُطْلَقًا. (وَيسْتَحَبُّ) لِلْمُعْتَكفِ (الِاشْتِرَاطُ) فِي ابْتِدَائِهِ؛ لِلرُّجُوعِ فِيهِ عِنْدَ الْعَارِضِ (كالْمُحْرِمِ) فَيرْجِعُ عِنْدَهُ، و أن مَضَي يوْمَانِ، (وَ قِيلَ): يجُوزُ اشْتِرَاطُ الرُّجُوعِ فِيهِ (مُطْلَقًا) فَيرْجِعُ مَتَي شَاءَ، و أن لَمْ يكنْ لِعَارِضٍ، وَ اخْتَارَهُ فِي الدُّرُوسِ، وَ الْأَجْوَدُ الْأَوَّلُ.

وَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يرْشِدُ إلَيهِ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ يخْتَصُّ شَرْطُهُ بِالْعَارِضِ، إلَّا أَنْ يجْعَلَ التَّشْبِيهَ فِي أَصْلِ الِاشْتِرَاطِ وَ لَا فَرْقَ فِي جَوَازِ الِاشْتِرَاطِ بَينَ الْوَاجِبِ و غيرهِ، لَكنَّ مَحَلَّهُ فِي الْوَاجِبِ وَقْتُ النَّذْرِ وَ أَخَوَيهِ، لَا وَقْتُ الشُّرُوعِ، وَ فَائِدَةُ الشَّرْطِ فِي الْمَنْدُوبِ سُقُوطُ الثَّالِثِ لَوْ عَرَضَ بَعْدَ وُجُوبِهِ مَا يجَوِّزُ الرُّجُوعَ، وَ إِبْطَالَ الْوَاجِبِ مُطْلَقًا.

(فَإِنْ شَرَطَ وَ خَرَجَ فَلَا قَضَاءَ) فِي الْمَنْدُوبِ مُطْلَقًا، وَ كذَا الْوَاجِبُ الْمُعَينُ، أَمَّا الْمُطْلَقُ فَقِيلَ: هُوَ كذَلِك، و هو ظَاهِرُ الْكتَابِ وَ تَوَقَّفَ فِي الدُّرُوسِ، وَ قَطَعَ الْمُحَقِّقُ بِالْقَضَاءِ، و هو أَجْوَدُ، (وَلَوْ لَمْ يشْتَرِطْ وَ مَضَي يوْمَانِ) فِي الْمَنْدُوبِ (أَتَمَّ) الثَّالِثَ وُجُوبًا، وَ كذَا إذَا أَتَمَّ الْخَامِسَ وَجَبَ السَّادِسُ، و هكذا كمَا مَرَّ.

(وَيحْرُمُ عَلَيهِ نَهَارًا مَا يحْرُمُ عَلَي

(وَيحْرُمُ عَلَيهِ نَهَارًا مَا يحْرُمُ عَلَي الصَّائِمِ)

حَيثُ يكونُ الِاعْتِكافُ وَاجِبًا، وَ الا فَلَا و أن فَسَدَ فِي بَعْضِهَا، (وَلَيلًا وَ نَهَارًا الْجِمَاعُ) قُبُلًا وَ دُبُرًا، (وَشَمُّ الطِّيبِ)، وَ الرَّياحِينِ عَلَي الْأَقْوَي، لِوُرُودِهَا مَعَهُ فِي الْأَخْبَارِ و هو مُخْتَارُهُ فِي الدُّرُوسِ، (وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالنِّسَاءِ) لَمْسًا وَ تَقْبِيلًا و غيرهُمَا، و لكن لَا يفْسُدُ بِهِ الِاعْتِكافُ عَلَي الْأَقْوَي، بِخِلَافِ الْجِمَاعِ.

(وَيفْسِدُهُ مَا يفْسِدُ الصَّوْمَ) مِنْ حَيثُ فَوَاتُ الصَّوْمِ، الَّذِي هُوَ شَرْطُ الِاعْتِكافِ، (وَيكفِّرُ) لِلِاعْتِكافِ زِيادَةً

عَلَي مَا يجِبُ لِلصَّوْمِ (إنْ أَفْسَدَ الثَّالِثَ) مُطْلَقًا، (أَوْ كانَ وَاجِبًا) و أن لَمْ يكنْ ثَالِثًا، (وَيجِبُ بِالْجِمَاعِ فِي الْوَاجِبِ نَهَارًا كفَّارَتَانِ، إنْ كانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ) إحْدَاهُمَا عَنْ الصَّوْمِ، وَ الْأُخْرَي عَنْ الِاعْتِكافِ، (وَ قِيلَ): تَجِبُ الْكفَّارَتَانِ بِالْجِمَاعِ فِي الْوَاجِبِ (مُطْلَقًا)، و هو ضَعِيفٌ.

نَعَمْ لَوْ كانَ وُجُوبُهُ مُتَعَينًا بِنَذْرٍ وَ شِبْهِهِ، وَجَبَ بِإِفْسَادِهِ كفَّارَةٌ بِسَبَبِهِ، و هو أَمْرٌ آخَرُ و في الدُّرُوسِ أَلْحَقَ الْمُعَينَ بِرَمَضَانَ مُطْلَقًا.

(وَ) فِي الْجِمَاعِ (لَيلًا) كفَّارَةٌ (وَاحِدَةٌ) فِي رَمَضَانَ و غيرهِ، إلَّا أَنْ يتَعَينَ بِنَذْرٍ وَ شِبْهِهِ فَيجِبُ كفَّارَةٌ بِسَبَبِهِ أَيضًا لِإِفْسَادِهِ، و لو كانَ إفْسَادُهُ بِبَاقِي مُفْسِدَاتِ الصَّوْمِ غَيرِ الْجِمَاعِ وَجَبَ نَهَارًا كفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَ لَا شَيءَ لَيلًا إلَّا أَنْ يكونَ مُتَعَينًا بِنَذْرٍ وَ شِبْهِهِ فَيجِبُ كفَّارَتُهُ أَيضًا، و لو فَعَلَ غَيرَ ذَلِك مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَي الْمُعْتَكفِ كالتَّطَيبِ وَ الْبَيعِ وَ الْمُمَارَاةِ أَثِمَ، وَ لَا كفَّارَةَ، و لو كانَ بِالْخُرُوجِ فِي وَاجِبٍ مُتَعَينٍ بِالنَّذْرِ وَ شِبْهِهِ وَجَبَتْ كفَّارَتُهُ، وَ فِي ثَالِثِ الْمَنْدُوبِ الْإِثْمُ وَ الْقَضَاءُ لَا غَيرُ، وَ كذَا لَوْ أَفْسَدَهُ به غير الْجِمَاعِ، وَ كفَّارَةُ الِاعْتِكافِ ككفَّارَةِ رَمَضَانَ فِي قَوْلٍ، وَ كفَّارَةِ ظِهَارٍ فِي آخَرَ، وَ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَ الثَّانِي أَصَحُّ رِوَايةً (فَإِنْ أَكرَهَ الْمُعْتَكفَةَ) عَلَيهِ نَهَارًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مَعَ وُجُوبِ الِاعْتِكافِ (فَأَرْبَعٌ)، اثْنَتَانِ عَنْهُ، وَ اثْنَتَانِ يتَحَمَّلُهُمَا عَنْهَا (عَلَي الْأَقْوَي) بَلْ قَالَ فِي الدُّرُوسِ: إنَّهُ لَا يعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، سِوَي صَاحِبِ الْمُعْتَبَرِ، و في المُخْتَلِفِ أَنَّ الْقَوْلَ بِذَلِك لَمْ يظْهَرْ لَهُ مُخَالِفٌ، وَ مِثْلُ هَذَا هُوَ الْحُجَّةُ وَ الا فَالْأَصْلُ يقْتَضِي عَدَمَ التَّحَمُّلِ فِيمَا لَا نَصَّ عَلَيهِ، وَ حِينَئِذٍ فَيجِبُ عَلَيهِ ثَلَاثُ كفَّارَاتٍ اثْنَتَانِ عَنْهُ لِلِاعْتِكافِ وَ الصَّوْمِ، وَ وَاحِدَةٌ عَنْهَا لِلصَّوْمِ وَ لِأَنَّهُ مَنْصُوصُ التَّحَمُّلِ،

و لو كانَ الْجِمَاعُ لَيلًا فَكفَّارَتَانِ عَلَيهِ عَلَي الْقَوْلِ بِالتَّحَمُّلِ.

6 - كتاب الحج

[البحث] الْأَوَّلُ - فِي شَرَائِطِهِ وَ أَسْبَابِهِ

التمهيد
[الفصل] الْأَوَّلُ - فِي شَرَائِطِهِ وَ أَسْبَابِهِ (يجِبُ الْحَجُّ عَلَي الْمُسْتَطِيعِ) بِمَا سَيأْتِي (مِنْ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ وَ الْخَنَاثَي عَلَي الْفَوْرِ) بِإِجْمَاعِ الْفِرْقَةِ الْمُحِقَّةِ وَ تَأْخِيرُهُ كبِيرَةٌ مُوبِقَةٌ، وَ الْمُرَادُ بِالْفَوْرِيةِ وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ إلَيهِ فِي أَوَّلِ عَامِ الِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْإِمْكانِ، وَ الا فَفِيمَا يلِيهِ، وَ هَكذَا، و لو تَوَقَّفَ عَلَي مُقَدِّمَاتٍ مِنْ سَفَرٍ و غيرهِ وَجَبَ الْفَوْرُ بِهَا عَلَي وَجْهٍ يدْرِكهُ كذَلِك.
اشاره

وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الرُّفْقَةُ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ وَجَبَ السَّيرُ مَعَ أُولَاهَا فَإِنْ أَخَّرَ عَنْهَا وَ أَدْرَكهُ مَعَ التَّالِيةِ، وَ الا كانَ كمُؤَخِّرِهِ عَمْدًا فِي اسْتِقْرَارِهِ مَرَّةً) وَاحِدَةً (بِأَصْلِ الشَّرْعِ، و قد يجِبُ بِالنَّذْرِ وَ شِبْهِهِ) مِنْ الْعَهْدِ وَ الْيمِينِ، (وَالِاسْتِئْجَارِ، وَ الْإِفْسَادِ) فَيتَعَدَّدُ بِحَسَبِ وُجُودِ السَّبَبِ.

(وَيسْتَحَبُّ تَكرَارُهُ) لِمَنْ أَدَّاهُ وَاجِبًا (وَلِفَاقِدِ الشَّرَائِطِ) مُتَكلِّفًا، (وَلَا يجْزِئُ) مَا فَعَلَ مَعَ فَقْدِ الشَّرَائِطِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ حُصُولِهَا (كالْفَقِيرِ) يحُجُّ ثُمَّ يسْتَطِيعُ، (وَالْعَبْدِ) يحُجُّ (بِإِذْنِ مَوْلَاهُ) ثُمَّ يعْتَقُ وَ يسْتَطِيعُ فَيجِبُ الْحَجُّ ثَانِيا.

(وَشَرْطُ وُجُوبِهِ الْبُلُوغُ، وَ الْعَقْلُ، وَ الْحُرِّيةُ، وَ الزَّادُ، وَ الرَّاحِلَةُ) بِمَا ينَاسِبُهُ قُوَّةً، وَ ضَعْفًا، لَا شَرَفًا، وَ ضِعَةً فِيمَا يفْتَقِرُ إلَي قَطْعِ الْمَسَافَةِ، و أن سَهُلَ الْمَشْي و كان مُعْتَادًا لَهُ أَوْ لِلسُّؤَالِ، وَ يسْتَثْنَي لَهُ مِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ دَارُهُ، وَ ثِيابُهُ، وَ خَادِمُهُ، وَ دَابَّتُهُ، وَ كتُبُ عِلْمِهِ اللَّائِقَةُ بِحَالِهِ، كمًّا وَ كيفًا عَينًا وَ قِيمَةً، (وَالتَّمَكنُ مِنْ الْمَسِيرِ) بِالصِّحَّةِ، وَ تَخْلِيةُ الطَّرِيقِ، وَ سِعَةُ الْوَقْتِ.

(وَشَرْطُ صِحَّتِهِ الْإِسْلَامُ)

فَلَا يصِحُّ مِنْ الْكافِرِ، و أن وَجَبَ عَلَيهِ، (وَشَرْطُ مُبَاشَرَتِهِ مَعَ الْإِسْلَامِ) و ما فِي حُكمِهِ (التَّمْييزُ) فَيبَاشِرُ أَفْعَالَهُ الْمُمَيزُ بِإِذْنِ الْوَلِي، (وَيحْرِمُ الْوَلِي عَنْ غَيرِ الْمُمَيزِ) إنْ أَرَادَ الْحَجَّ بِهِ (نَدْبًا) طِفْلًا كانَ، أَوْ مَجْنُونًا، مُحْرِمًا كانَ الْوَلِي، أَمْ مُحِلًّا؛ لِأَنَّهُ يجْعَلُهُمَا مُحْرِمَينِ بِفِعْلٍ، لَا نَائِبًا عَنْهُمَا فَيقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَحْرَمْتُ بِهَذَا إلَي آخِرِ النِّيةِ، و يكون الْمَوْلَي عَلَيهِ حَاضِرًا مُوَاجِهًا لَهُ، وَ يأْمُرُهُ بِالتَّلْبِيةِ إنْ أَحْسَنَهَا، وَ الا لَبَّي عَنْهُ، وَ يلْبِسُهُ ثَوْبَي الْإِحْرَامِ، وَ يجَنِّبُهُ تُرُوكهُ، وَ إِذَا طَافَ بِهِ أَوْقَعَ بِهِ صُورَةَ الْوُضُوءِ، وَ حَمَلَهُ و لو عَلَي الْمَشْي، أَوْ سَاقَ بِهِ، أَوْ

قَادَ بِهِ، أَوْ اسْتَنَابَ فِيهِ، وَ يصَلِّي عَنْهُ رَكعَتَيهِ إنْ نَقَصَ سِنُّهُ عَنْ سِتٍّ، و لو أَمَرَهُ بِصُورَةِ الصَّلَاةِ فَحَسَنٌ، وَ كذَا الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْأَفْعَالِ، فَإِذَا فَعَلَ بِهِ ذَلِك فَلَهُ أَجْرُ حَجَّةٍ.

(وَشَرْطُ صِحَّتِهِ مِنْ الْعَبْدِ إذْنُ الْمَوْلَي) و أن تَشَبَّثَ بِالْحُرِّيةِ كالْمُدَبَّرِ وَ الْمُبَعَّضِ فَلَوْ فَعَلَهُ بِدُونِ إذْنِهِ لَغَا، و لو أَذِنَ لَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ التَّلَبُّسِ، لَا بَعْدَهُ.

(وَشَرْطُهُ صِحَّةُ النَّدْب مِنْ الْمَرْأَةِ إذْنُ الزَّوْجِ)، أَمَّا الْوَاجِبُ فَلَا، وَ يظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِهِ، أَنَّ الْوَلَدَ لَا يتَوَقَّفُ حَجُّهُ مَنْدُوبًا عَلَي إذْنِ الْأَبِ أَوْ الْأَبَوَينِ و هو قَوْلُ الشَّيخِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ مَالَ إلَيهِ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ و هو حَسَنٌ إنْ لَمْ يسْتَلْزِمْ السَّفَرَ الْمُشْتَمِلَ عَلَي الْخَطَرِ وَ الا فَاشْتِرَاطُ إذْنِهِمَا أَحْسَنُ (وَلَوْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ) الْمُتَلَبِّسُ بِالْحَجِّ بِإِذْنِ الْوَلِي، (أَوْ بَلَغَ الصَّبِي، أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ) بَعْدَ تَلَبُّسِهِمَا بِهِ صَحِيحًا (قَبْلَ أَحَدِ الْمَوْقِفَينِ صَحَّ وَ أَجْزَأَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) عَلَي

الْمَشْهُورِ وَ يجَدِّدَانِ نِيةَ الْوُجُوبِ بَعْدَ ذَلِك أَمَّا الْعَبْدُ الْمُكلَّفُ فَبِتَلَبُّسِهِ بِهِ ينْوِي الْوُجُوبَ بِبَاقِي أَفْعَالِهِ، فَالْإِجْزَاءُ فِيهِ أَوْضَحُ.

وَ يشْتَرَطُ اسْتِطَاعَتُهُمْ لَهُ سَابِقًا وَ لَاحِقًا؛ لِأَنَّ الْكمَالَ الْحَاصِلَ أَحَدُ الشَّرَائِطِ فَالْإِجْزَاءُ مِنْ جِهَتِهِ.

وَ يشْكلُ ذَلِك فِي الْعَبْدِ إنْ أَحَلْنَا مِلْكهُ وَ رُبَّمَا قِيلَ: بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا فِيهِ لِلسَّابِقِ، أَمَّا اللَّاحِقُ فَيعْتَبَرُ قَطْعًا. (وَيكفِي الْبَذْلُ) لِلزَّادِ وَ الرَّاحِلَةِ (فِي تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ) عَلَي الْمَبْذُولِ لَهُ.

(وَلَا يشْتَرَطُ صِيغَةٌ خَاصَّةٌ) لِلْبَذْلِ مِنْ هِبَةٍ، و غيرهَا مِنْ الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ، بَلْ يكفِي مُجَرَّدُهُ بِأَي صِيغَةٍ اتَّفَقَتْ، سَوَاءٌ وُثِقَ بِالْبَاذِلِ أَمْ لَا؛ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَ لُزُومُ تَعْلِيقِ الْوَاجِبِ بِالْجَائِزِ ينْدَفِعُ، بِأَنَّ الْمُمْتَنَعَ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ، لَا الْمَشْرُوطُ كمَا لَوْ ذَهَبَ الْمَالُ قَبْلَ الْإِكمَالِ، أَوْ مُنِعَ مِنْ السَّيرِ وَ نَحْوِهِ مِنْ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْوُجُوبِ

الثَّابِتِ إجْمَاعًا، وَ اشْتَرَطَ فِي الدُّرُوسِ التَّمْلِيك، أَوْ الْوُثُوقَ بِهِ، وَ آخَرُونَ التَّمْلِيك، أَوْ وُجُوبَ بَذْلِهِ بِنَذْرٍ وَ شِبْهِهِ، وَ الْإِطْلَاقُ يدْفَعُهُ.

نَعَمْ يشْتَرَطُ بَذْلُ عَينِ الزَّادِ وَ الرَّاحِلَةِ.

فَلَوْ بَذَلَ لَهُ أَثْمَانَهُمَا لَمْ يجِبْ الْقَبُولُ وُقُوفًا فِيمَا خَالَفَ الْأَصْلَ عَلَي مَوْضِعِ الْيقِينِ، وَ لَا يمْنَعُ الدَّينُ وَ عَدَمُ الْمُسْتَثْنَياتِ الْوُجُوبَ بِالْبَذْلِ.

نَعَمْ لَوْ بَذَلَ لَهُ مَا يكمِلُ الِاسْتِطَاعَةَ اشْتَرَطَ زِيادَةَ الْجَمِيعِ عَنْ ذَلِك، وَ كذَا لَوْ وَهَبَ مَالًا مُطْلَقًا، أَمَّا لَوْ شَرَطَ الْحَجَّ بِهِ فَكالْمَبْذُولِ فَيجِبُ عَلَيهِ الْقَبُولُ، إنْ كانَ عَينَ الزَّادَ وَ الرَّاحِلَةَ، خِلَافًا لِلدُّرُوسِ، وَ لَا يجِبُ لَوْ كانَ مَالًا غَيرُهُمَا؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْهِبَةِ اكتِسَابٌ، و هو غَيرُ وَاجِبٍ لَهُ، وَ بِذَلِك يظْهَرُ الْفَرْقُ بَينَ الْبَذْلِ وَ الْهِبَةِ، فَإِنَّهُ إبَاحَةٌ يكفِي فِيهَا الْإِيقَاعُ.

وَ لَا فَرْقَ بَينَ بَذْلِ الْوَاجِبِ لِيحُجَّ بِنَفْسِهِ، أَوْ لِيصْحَبَهُ فِيهِ فَينْفِقَ عَلَيهِ، (فَلَوْ حَجَّ بِهِ بَعْضُ إخْوَانِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْفَرْضِ)؛ لِتَحَقُّقِ شَرْطِ الْوُجُوبِ.

(وَيشْتَرَطُ) مَعَ ذَلِك كلِّهِ (وُجُودُ مَا يمَوِّنُ بِهِ عِيالَهُ الْوَاجِبِي النَّفَقَةِ، إلَي حِينِ رُجُوعِهِ) وَ الْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا يعُمُّ الْكسْوَةَ وَ نَحْوَهَا، حَيثُ يحْتَاجُونَ إلَيهَا، وَ يعْتَبَرُ فِيهَا الْقَصْدُ بِحَسَبِ حَالِهِمْ.

الانابة في الحج

الانابة في الحج

(وَفِي) وُجُوبِ (اسْتِنَابَةِ الْمَمْنُوعِ) مِنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ (بِكبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ عَدُوٍّ قَوْلَانِ وَ الْمَرْوِي) صَحِيحًا (عَنْ عَلِي عَلَيهِ السَّلَامُ ذَلِك)، حَيثُ أَمَرَ شَيخًا لَمْ يحُجَّ، و لم يطِقْهُ مِنْ كبَرِهِ أَنْ يجَهِّزَ رَجُلًا فَيحُجَّ عَنْهُ، و غيرهُ مِنْ الْأَخْبَارِ وَ الْقَوْلُ الْآخَرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِفَقْدِ شَرْطِهِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِطَاعَةُ، و هو مَمْنُوعٌ، وَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ مَا إذَا عَرَضَ الْمَانِعُ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْوُجُوبِ، وَ الا وَجَبَتْ قَوْلًا وَاحِدًا.

وَ هَلْ يشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الِاسْتِنَابَةِ الْيأْسُ مِنْ الْبُرْءِ أَمْ يجِبُ مُطْلَقًا و أن لَمْ يكنْ مَعَ عَدَمِ الْيأْسِ

فَوْرِيا؟، ظَاهِرُ الدُّرُوسِ الثَّانِي، و في الأَوَّلِ قُوَّةٌ.

فَيجِبُ الْفَوْرِيةُ كالْأَصْلِ حَيثُ يجِبُ، ثُمَّ إنْ اسْتَمَرَّ الْعُذْرُ أَجْزَأَ.

(وَلَوْ زَالَ الْعُذْرُ)، وَ أَمْكنَهُ الْحَجَّ بِنَفْسِهِ (حَجَّ ثَانِيا) و أن كانَ قَدْ يئِسَ مِنْهُ؛ لِتَحَقُّقِ الِاسْتِطَاعَةِ حِينَئِذٍ، و ما وَقَعَ نِيابَةً إنَّمَا وَجَبَ لِلنَّصِّ وَ الا لَمْ يجِبْ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ شَرْطِ الْوُجُوبِ، (وَلَا يشْتَرَطُ) فِي الْوُجُوبِ بِالِاسْتِطَاعَةِ زِيادَةً عَلَي مَا تَقَدَّمَ (الرُّجُوعُ إلَي كفَايةٍ) مِنْ صِنَاعَةٍ، أَوْ حِرْفَةٍ أَوْ بِضَاعَةٍ، أَوْ ضَيعَةٍ، وَ نَحْوِهَا (عَلَي الْأَقْوَي)، عَمَلًا بِعُمُومِ النَّصِّ وَ قِيلَ: يشْتَرَطُ و هو الْمَشْهُورُ بَينَ الْمُتَقَدِّمِينَ لِرِوَايةِ أَبِي الرَّبِيعِ الشَّامِي، و هي لَا تَدُلُّ عَلَي مَطْلُوبِهِمْ، و إنّما تَدُلُّ عَلَي اعْتِبَارِ الْمُؤْنَةِ ذَاهِبًا، وَ عَائِدًا، وَ مُؤْنَةُ عِيالِهِ كذَلِك، وَ لَا شُبْهَةَ فِيهِ.

(وَكذَا) لَا يشْتَرَطُ (فِي الْمَرْأَةِ) مُصَاحَبَةُ (الْمَحْرَمِ) و هو هُنَا الزَّوْجُ، أَوْ مَنْ يحْرُمُ نِكاحُهُ عَلَيهَا مُؤَبَّدًا بِنَسَبٍ، أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ مُصَاهَرَةٍ، و أن لَمْ يكنْ مُسْلِمًا إنْ لَمْ يسْتَحِلَّ الْمَحَارِمَ كالْمَجُوسِي.

(وَيكفِي ظَنُّ السَّلَامَةِ)، بَلْ عَدَمُ الْخَوْفِ عَلَي الْبُضْعِ، أَوْ الْعِرْضِ بِتَرْكهِ، و أن لَمْ يحْصُلْ الظَّنُّ بِهَا، عَمَلًا بِظَاهِرِ النَّصِّ، وِفَاقًا لِلْمُصَنِّفِ فِي الدُّرُوسِ، وَ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيهِ يشْتَرَطُ فِي الْوُجُوبِ عَلَيهَا سَفَرُهُ مَعَهَا، وَ لَا يجِبُ عَلَيهِ إجَابَتُهَا إلَيهِ تَبَرُّعًا، وَ لَا بِأُجْرَةٍ، و له طَلَبُهَا فَتَكونُ جُزْءًا مِنْ اسْتِطَاعَتِهَا، و لو ادَّعَي الزَّوْجُ الْخَوْفَ عَلَيهَا، أَوْ عَدَمَ أَمَانَتِهَا وَ أَنْكرَتْهُ عُمِلَ بِشَاهِدِ الْحَالِ مَعَ انْتِفَاءِ الْبَينَةِ، وَ مَعَ فَقْدِهِمَا يقَدَّمُ قَوْلُهَا، و في اليمِينِ نَظَرٌ، مِنْ أَنَّهَا لَوْ اعْتَرَفَتْ نَفَعَهُ، وَ قَرَّبَ فِي الدُّرُوسِ عَدَمَهُ، و له حِينَئِذٍ مَنْعُهَا بَاطِنًا؛ لِأَنَّهُ مُحِقٌّ عِنْدَ نَفْسِهِ، وَ الْحُكمُ مَبْنِي عَلَي الظَّاهِرِ. (وَالْمُسْتَطِيعُ يجْزِيهِ الْحَجُّ مُتَسَكعًا) أَي مُتَكلِّفًا لَهُ به غير زَادٍ، وَ لَا رَاحِلَةٍ

لِوُجُودِ شَرْطِ الْوُجُوبِ و هو الِاسْتِطَاعَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَكلَّفَهُ غَيرُ الْمُسْتَطِيعِ (وَالْحَجُّ مَشْيا أَفْضَلُ) مِنْهُ رُكوبًا، (إلَّا مَعَ الضَّعْفِ عَنْ الْعِبَادَةِ، فَالرُّكوبُ أَفْضَلُ، فَقَدْ حَجَّ الْحَسَنُ عَلَيهِ السَّلَامُ مَاشِيا مِرَارًا، قِيلَ: إنَّهَا خَمْسٌ وَ عِشْرُونَ حَجَّةً)، وَ قِيلَ: عِشْرُونَ رَوَاهُ الشَّيخُ فِي التَّهْذِيبِ، و لم يذْكرْ فِي الدُّرُوسِ غَيرَهُ، (وَالْمَحَامِلُ تُسَاقُ بَينَ يدَيهِ) و هو أَعْلَمُ بِسُنَّةِ جَدِّهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ مِنْ غَيرِهِ، وَ لِأَنَّهُ أَكثَرُ مَشَقَّةً، وَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَحَمْزُهَا وَ قِيلَ: الرُّكوبُ أَفْضَلُ مُطْلَقًا، تَأَسِّيا بِالنَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَدْ حَجَّ رَاكبًا، قُلْنَا: فَقَدْ طَافَ رَاكبًا، وَ لَا يقُولُونَ بِأَفْضَلِيتِهِ كذَلِك فَبَقِي أَنَّ فِعْلَهُ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَقَعَ لِبَيانِ الْجَوَازِ، لَا الْأَفْضَلِيةِ.

وَ الْأَقْوَي التَّفْصِيلُ الْجَامِعُ بَينَ الْأَدِلَّةِ بِالضَّعْفِ عَنْ الْعِبَادَةِ، مِنْ الدُّعَاءِ، وَ الْقِرَاءَةِ، وَ وَصْفِهَا مِنْ الْخُشُوعِ، وَ عَدَمِهِ وَ اَلحَقَ بَعْضُهُمْ بِالضَّعْفِ كوْنَ الْحَامِلِ لَهُ عَلَي الْمَشْي تَوْفِيرَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ رَذِيلَةِ الشُّحِّ عَنْ النَّفْسِ مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ، و هو حَسَنٌ، وَ لَا فَرْقَ بَينَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ و غيرهَا.

(وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَ دُخُولِ الْحَرَمِ أَجْزَأَ)، عَنْ الْحَجِّ

(وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَ دُخُولِ الْحَرَمِ أَجْزَأَ)، عَنْ الْحَجِّ

، سَوَاءٌ مَاتَ فِي الْحِلِّ، أَمْ الْحَرَمِ، مُحْرِمًا، أَمْ مُحِلًّا كمَا لَوْ مَاتَ بَينَ الْإِحْرَامَينِ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ، أَمْ الْعُمْرَةِ، وَ لَا يكفِي مُجَرَّدُ الْإِحْرَامِ عَلَي الْأَقْوَي وَ حَيثُ أَجْزَأَ لَا يجِبُ الِاسْتِنَابَةُ فِي إكمَالِهِ، وَ قَبْلِهِ، تَجِبُ مِنْ الْمِيقَاتِ إنْ كانَ مُسْتَقِرًّا، وَ الا سَقَطَ، سَوَاءٌ تَلَبَّسَ، أَمْ لَا.

(وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِك وَ كانَ) الْحَجُّ (قَدْ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ) بِأَنْ اجْتَمَعَتْ لَهُ شَرَائِطُ الْوُجُوبِ وَ مَضَي عَلَيهِ بَعْدَهُ مُدَّةٌ يمْكنُهُ فِيهَا اسْتِيفَاءُ جَمِيعِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَلَمْ يفْعَلْ (قُضِي عَنْهُ) الْحَجُّ (مِنْ بَلَدِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايةِ).

الْأُولَي أَنْ

يرَادَ بِهَا الْجِنْسُ؛ لِأَنَّ ذَلِك ظَاهِرُ أَرْبَعِ رِوَاياتٍ فِي الْكافِي أَظْهَرُهَا دَلَالَةً رِوَايةُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيهِ السَّلَامُ عَنْ الرَّجُلِ يمُوتُ فَيوصِي بِالْحَجِّ مِنْ أَينَ يحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ عَلَيهِ السَّلَامُ: عَلَي قَدْرِ مَالِهِ، إنْ وَسِعَهُ مَالُهُ فَمِنْ مَنْزِلِهِ، و أن لَمْ يسَعْهُ مَالٌ مِنْ مَنْزِلِهِ فَمِنْ الْكوفَةِ، فَإِنْ لَمْ يسَعْهُ مِنْ الْكوفَةِ فَمِنْ الْمَدِينَةِ و إنّما جَعَلَهُ ظَاهِرَ الرِّوَايةِ لِإِمْكانِ أَنْ يرَادَ بِمَالِهِ مَا عَينَهُ أُجْرَةً لِلْحَجِّ بِالْوَصِيةِ، فَإِنَّهُ يتَعَينُ الْوَفَاءُ بِهِ مَعَ خُرُوجِ مَا زَادَ عَنْ أُجْرَتِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ، مِنْ الثُّلُثِ إجْمَاعًا، و إنّما الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ أَطْلَقَ الْوَصِيةَ، أَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ و لم يوصِ بِهَا.

وَ الْأَقْوَي الْقَضَاءُ عَنْهُ مِنْ الْمِيقَاتِ خَاصَّةً، لِأَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الزَّائِدِ، وَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْحَجُّ عَنْهُ، وَ الطَّرِيقُ لَا دَخْلَ لَهَا فِي حَقِيقَتِهِ، و وجوب سُلُوكهَا مِنْ بَابِ الْمُقَدِّمَةِ، وَ تَوَقُّفِهِ عَلَي مُؤْنَةٍ فَيجِبُ قَضَاؤُهَا عَنْهُ، ينْدَفِعُ بِأَنَّ مُقَدِّمَةَ الْوَاجِبِ إذَا لَمْ تَكنْ مَقْصُودَةً بِالذَّاتِ لَا تَجِبُ و هو هُنَا كذَلِك، و من ثَمَّ لَوْ سَافَرَ إلَي الْحَجِّ لَا بِنِيتِهِ، أَوْ بِنِيةِ غَيرِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ الْوُصُولِ إلَي الْمِيقَاتِ الْحَجُّ أَجْزَأَ، وَ كذَا لَوْ سَافَرَ ذَاهِلًا، أَوْ مَجْنُونًا ثُمَّ كمَّلَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، أَوْ آجَرَ نَفْسَهُ فِي الطَّرِيقِ لِغَيرِهِ، أَوْ حَجَّ مُتَسَكعًا بِدُونِ الْغَرَامَةِ، أَوْ فِي نَفَقَةِ غَيرِهِ، أَوْ غَيرِ ذَلِك مِنْ الصَّوَارِفَ عَنْ جَعْلِ الطَّرِيقِ مُقَدِّمَةً لِلْوَاجِبِ، وَ كثِيرٌ مِنْ الْأَخْبَارِ وَرَدَ مُطْلَقًا فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَنْهُ، و هو لَا يقْتَضِي زِيادَةً عَلَي أَفْعَالِهِ الْمَخْصُوصَةِ.

وَ الْأَوْلَي حَمْلُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَلَي مَا لَوْ عَينَ قَدْرًا، وَ يمْكنُ حَمْلُ غَيرِ هَذَا الْخَبَرِ مِنْهَا عَلَي أَمْرٍ آخَرَ،

مَعَ ضَعْفِ سَنَدِهَا، وَ اشْتِرَاك مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي سَنَدِ هَذَا الْخَبَرِ بَينَ الثِّقَةَ، وَ الضَّعِيفَ، وَ الْمَجْهُولَ و من أَعْجَبْ الْعَجَبِ هُنَا أَنَّ ابْنَ إدْرِيسَ ادَّعَي تَوَاتُرَ الْأَخْبَارِ بِوُجُوبِهِ مِنْ عَينِ الْبَلَدِ، وَ رَدَّهُ فِي الْمُخْتَلَفِ بِأَنَّا لَمْ نَقِفْ عَلَي خَبَرٍ وَاحِدٍ فَضْلًا عَنْ التَّوَاتُرِ، وَ هُنَا جَعَلَهُ ظَاهِرَ الرِّوَايةِ، وَ الْمَوْجُودُ مِنْهَا أَرْبَعٌ فَتَأَمَّلْ، و لو صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَكانَ حَمْلُهُ عَلَي إطْلَاقِهِ أَوْلَي؛ لِأَنَّ مَالَهُ الْمُضَافَ إلَيهِ يشْمَلُ جَمِيعَ مَا يمْلِكهُ، و إنّما حَمَلْنَاهُ، لِمُعَارَضَتِهِ لِلْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَي خِلَافِهِ، مَعَ عَدَمِ صِحَّةِ سَنَدِهِ.

وَ نِسْبَةُ الْحُكمِ هُنَا إلَي ظَاهِرِ الرِّوَايةِ فِيهِ نَوْعُ تَرْجِيحٍ مَعَ تَوَقُّفٍ، وَلَكنَّهُ قَطَعَ بِهِ فِي الدُّرُوسِ و علي الْقَوْلِ بِهِ (فَلَوْ ضَاقَتْ التَّرِكةُ) عَنْ الْأُجْرَةِ مِنْ بَلَدِهِ (فَمِنْ حَيثُ بَلَغَتْ) إنْ أَمْكنَ الِاسْتِئْجَارُ مِنْ الطَّرِيقِ، (وَلَوْ مِنْ الْمِيقَاتِ) إنْ لَمْ تَحْتَمِلْ سِوَاهُ، وَ كذَا لَوْ لَمْ يمْكنْ بَعْدَ فَوَاتِ الْبَلَدِ، أَوْ مَا يسَعُ مِنْهُ إلَّا مِنْ الْمِيقَاتِ، و لو عَينَ كوْنَهَا مِنْ الْبَلَدِ فَأَوْلَي بِالتَّعْيينِ مِنْ تَعْيينِ مَالٍ يسَعُهُ مِنْهُ، و مثله مَا لَوْ دَلَّتْ الْقَرَائِنُ عَلَي إرَادَتِهِ، وَ يعْتَبَرُ الزَّائِدُ مِنْ الثُّلُثِ مَعَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَارِثِ إنْ لَمْ نُوجِبْهُ مِنْ الْبَلَدِ ابْتِدَاءً، وَ الا فَمِنْ الْأَصْلِ وَ حَيثُ يتَعَذَّرُ مِنْ الْمِيقَاتِ يجِبُ مِنْ الْأَزْيدِ و لو مِنْ الْبَلَدِ حَيثُ يتَعَذَّرُ مِنْ أَقْرَبَ مِنْهُ مِنْ بَابِ مُقَدِّمَةِ الْوَاجِبِ حِينَئِذٍ، لَا الْوَاجِبِ فِي الْأَصْلِ.

(وَلَوْ حَجَّ) مُسْلِمًا،

(ثُمَّ ارْتَدَّ، ثُمَّ عَادَ) إلَي الْإِسْلَامِ (لَمْ يعِدْ) حَجَّهُ السَّابِقَ (عَلَي الْأَقْرَبِ)، - لِلْأَصْلِ، وَ الْآيةِ، وَ الْخَبَرِ، وَ قِيلَ: يعِيدُ لِآيةِ الْإِحْبَاطِ، أَوْ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يكفُرُ، وَ ينْدَفِعُ بِاشْتِرَاطِهِ بِالْمُوَافَاةِ عَلَيهِ كمَا اشْتَرَطَ فِي ثَوَابِ الْإِيمَانِ ذَلِك، وَ مَنَعَ عَدَمَ كفْرِهِ، لِلْآيةِ

الْمُثْبِتَةِ لِلْكفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَ عَكسِهِ وَ كمَا لَا يبْطُلُ مَجْمُوعُ الْحَجِّ كذَا بَعْضُهُ مِمَّا لَا يعْتَبَرُ اسْتِدَامَتُهُ حُكمًا كالْإِحْرَامِ فَيبْنَي عَلَيهِ لَوْ ارْتَدَّ بَعْدَهُ.

(وَلَوْ حَجَّ مُخَالِفًا، ثُمَّ اسْتَبْصَرَ لَمْ يعِدْ إلَّا أَنْ يخِلَّ بِرُكنٍ) عِنْدَنَا، لَا عِنْدَهُ عَلَي مَا قَيدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ، مَعَ أَنَّهُ عَكسَ فِي الصَّلَاةِ فَجَعَلَ الِاعْتِبَارَ بِفِعْلِهَا صَحِيحَةً عِنْدَهُ، لَا عِنْدَنَا، وَ النُّصُوصُ خَالِيةٌ مِنْ الْقَيدِ، وَ لَا فَرْقَ بَينَ مَنْ حَكمَ بِكفْرِهِ مِنْ فِرَقِ الْمُخَالِفِينَ، و غيرهِ فِي ظَاهِرِ النَّصِّ.

وَ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالرُّكنِ حَجُّهُ قِرَانًا بِمَعْنَاهُ عِنْدَهُ، لَا الْمُخَالَفَةُ فِي نَوْعِ الْوَاجِبِ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَنَا، و هل الْحُكمُ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ لِصِحَّةِ الْعِبَادَةِ فِي نَفْسِهَا بِنَاءً عَلَي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِيمَانِ فِيهَا، أَمْ إسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ كإِسْلَامِ الْكافِرِ؟ قَوْلَانِ، و في النُّصُوصِ مَا يدُلُّ عَلَي الثَّانِي.

نَعَمْ يسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ؛ لِلنَّصِّ)، وَ قِيلَ: يجِبُ، بِنَاءً عَلَي اشْتِرَاطِ الْإِيمَانِ الْمُقْتَضِي لِفَسَادِ الْمَشْرُوطِ بِدُونِهِ، وَ بِأَخْبَارٍ حَمَلَهَا عَلَي الِاسْتِحْبَابِ طَرِيقُ الْجَمْعِ.

(الْقَوْلُ فِي حَجِّ الْأَسْبَابِ)

بِالنَّذْرِ وَ شِبْهِهِ وَ النِّيابَةِ، (لَوْ نَذَرَ الْحَجَّ وَ أَطْلَقَ كفَتْ الْمَرَّةُ) مُخَيرًا فِي النَّوْعِ وَ الْوَصْفِ، إلَّا أَنْ يعَينَ أَحَدَهُمَا، فَيتَعَينُ الْأَوَّلُ مُطْلَقًا، وَ الثَّانِي إنْ كانَ مَشْرُوعًا كالْمَشْي، وَ الرُّكوبِ، لَا الْحَفَاءِ وَ نَحْوِهِ، (وَلَا يجْزِئُ) الْمَنْذُورُ (عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) سَوَاءٌ وَقَعَ حَالَ وُجُوبِهَا، أَمْ لَا، وَ سَوَاءٌ نَوَي بِهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَمْ النَّذْرَ أَمْ هُمَا؛ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِتَعَدُّدِ الْمُسَبَّبِ.

(وَ قِيلَ) وَ الْقَائِلُ الشَّيخُ و من تَبِعَهُ: (إنْ نَوَي حَجَّةَ النَّذْرِ أَجْزَأَتْ) عَنْ النَّذْرِ، وَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَي تَقْدِيرِ وُجُوبِهَا حِينَئِذٍ، (وَإِلَّا فَلَا)، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايةٍ حُمِلَتْ عَلَي نَذْرِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، (وَلَوْ قَيدَ نَذْرَهُ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَهِي وَاحِدَةٌ) و هي حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَ تَتَأَكدُ بِالنَّذْرِ بِنَاءً عَلَي جَوَازِ نَذْرِ

الْوَاجِبِ، وَ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي وُجُوبِ الْكفَّارَةِ مَعَ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْعَامِ الْمُعَينِ أَوْ مَوْتِهِ قَبْلَ فِعْلِهَا مَعَ الْإِطْلَاقِ مُتَهَاوِنًا.

هَذَا إذَا كانَ عَلَيهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ حَالَ النَّذْرِ، وَ الا كانَ مُرَاعًي بِالِاسْتِطَاعَةِ، فَإِنْ حَصَلَتْ وَجَبَ بِالنَّذْرِ أَيضًا وَ لَا يجِبُ تَحْصِيلُهَا هُنَا عَلَي الْأَقْوَي، و لو قَيدَهُ بِمُدَّةٍ مُعَينَةٍ فَتَخَلَّفَتْ الِاسْتِطَاعَةُ عَنْهَا بَطَلَ النَّذْرُ.

(وَلَوْ قَيدَ غَيرَهَا) أَي غَيرَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ (فَهُمَا اثْنَتَانِ) قَطْعًا، ثُمَّ إنْ كانَ مُسْتَطِيعًا حَالَ النَّذْرِ، وَ كانَتْ حَجَّةُ النَّذْرِ مُطْلَقَةً، أَوْ مُقَيدَةً بِزَمَانٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ السَّنَةِ الْأُولَي قَدَّمَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، و أن قَيدَهُ بِسَنَةِ الِاسْتِطَاعَةِ كانَ انْعِقَادُهُ مُرَاعًي بِزَوَالِهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ، فَإِنْ بَقِيتْ بَطَلَ؛ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَي الْمَنْذُورِ شَرْعًا، و أن زَالَتْ انْعَقَدَ، و لو تَقَدَّمَ النَّذْرُ عَلَي الِاسْتِطَاعَةِ ثُمَّ حَصَلَتْ قَبْلَ فِعْلِهِ قُدِّمَتْ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، إنْ كانَ النَّذْرُ مُطْلَقًا، أَوْ مُقَيدًا بِمَا يزِيدُ عَنْ تِلْك السَّنَةِ، أَوْ بِمُغَايرِهَا، وَ الا قَدَّمَ النَّذْرَ، وَ رُوعِي فِي وُجُوبِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بَقَاءُ الِاسْتِطَاعَةِ إلَي الثَّانِيةِ.

وَ اعْتَبَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ فِي حَجِّ النَّذْرِ الِاسْتِطَاعَةَ الشَّرْعِيةَ، وَ حِينَئِذٍ فَتُقَدَّمُ حَجَّةُ النَّذْرِ مَعَ حُصُولِ الِاسْتِطَاعَةِ بَعْدَهُ و أن كانَ مُطْلَقًا وَ يرَاعَي فِي وُجُوبِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ الِاسْتِطَاعَةُ بَعْدَهَا، وَ ظَاهِرُ النَّصِّ وَ الْفَتْوَي كوْنُ اسْتِطَاعَةِ النَّذْرِ عَقْلِيةً فَيتَفَرَّعُ عَلَيهِ مَا سَبَقَ.

وَ لَوْ أَهْمَلَ حَجَّةَ النَّذْرِ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا تَفْرِيعًا عَلَي مَذْهَبِهِ: وَجَبَتْ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ أَيضًا.

وَ يشْكلُ بِصَيرُورَتِهِ حِينَئِذٍ كالدَّينِ، فَيكونُ مِنْ الْمُؤْنَةِ، (وَكذَا) حُكمُ (الْعَهْدِ وَ الْيمِينِ، و لو نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيا وَجَبَ) مَعَ إمْكانِهِ، سَوَاءٌ جَعَلْنَاهُ أَرْجَحَ مِنْ الرُّكوبِ، أَمْ لَا عَلَي الْأَقْوَي، وَ كذَا لَوْ نَذَرَهُ رَاكبًا.

وَ قِيلَ: لَا ينْعَقِدُ غَيرُ الرَّاجِحِ مِنْهُمَا، وَ مَبْدَؤُهُ بَلَدُ النَّاذِرِ عَلَي الْأَقْوَي، عَمَلًا بِالْعُرْفِ،

إلَّا أَنْ يدَلَّ عَلَي غَيرِهِ فَيتْبَعَ.

وَ يحْتَمِلُ أَوَّلَ الْأَفْعَالِ؛ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيهِ، وَ آخِرُهُ مُنْتَهَي أَفْعَالِهِ الْوَاجِبَةِ، و هي رَمْي الْجِمَارِ؛ لِأَنَّ الْمَشْي وَصْفٌ فِي الْحَجِّ الْمُرَكبِ مِنْ الْأَفْعَالِ الْوَاجِبَةِ، فَلَا يتِمُّ إلَّا بِآخِرِهَا وَ الْمَشْهُورُ و هو الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ أَنَّ آخِرَهُ طَوَافُ النِّسَاءِ.

(وَيقُومُ فِي الْمَعْبَرِ) لَوْ اُضْطُرَّ إلَي عُبُورِهِ، وُجُوبًا عَلَي مَا يظْهَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ، وَ بِهِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايةٍ تَقْصُرُ؛ لِضَعْفِ سَنَدِهَا عَنْهُ.

وَ فِي الدُّرُوسِ جَعَلَهُ أَوْلَي، و هو أَوْلَي خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَ تَسَاهُلًا فِي أَدِلَّةِ الِاسْتِحْبَابِ، وَ تَوْجِيهِهِ بِأَنَّ الْمَاشِي يجِبُ عَلَيهِ الْقِيامُ وَ حَرَكةُ الرِّجْلَينِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ بَقِي الْآخَرُ مُشْتَرَكا، لِانْتِفَاءِ الْفَائِدَةِ فِيهِمَا، وَ إِمْكانِ فِعْلِهِمَا به غير الْفَائِدَةِ.

(فَلَوْ رَكبَ طَرِيقَهُ) أَجْمَعَ، (أَوْ بَعْضَهُ قَضَي مَاشِيا) لِلْإِخْلَالِ بِالصِّفَةِ فَلَمْ يجُزْ، ثُمَّ إنْ كانَتْ السَّنَةُ مُعَينَةً فَالْقَضَاءُ بِمَعْنَاهُ الْمُتَعَارَفِ، وَ يلْزَمُهُ مَعَ ذَلِك كفَّارَةٌ بِسَبَبِهِ، و أن كانَتْ مُطْلَقَةً فَالْقَضَاءُ بِمَعْنَي الْفِعْلِ ثَانِيا وَ لَا كفَّارَةَ، و في الدُّرُوسِ لَوْ رَكبَ بَعْضَهُ قَضَي مُلَفِّقًا، فَيمْشِي مَا رَكبَ وَ يتَخَيرُ فِيمَا مَشَي مِنْهُ، و لو اشْتَبَهَتْ الْأَمَاكنُ احْتَاطَ بِالْمَشْي فِي كلِّ مَا يجُوزُ فِيهِ أَنْ يكونَ قَدْ رَكبَ.

وَ مَا اخْتَارَهُ هُنَا أَجْوَدُ، (وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْي رَكبَ) مَعَ تَعْيينِ السَّنَةِ، أَوْ الْإِطْلَاقِ وَ الْيأْسِ مِنْ الْقُدْرَةِ و لو بِضِيقِ وَقْتِهِ لِظَنِّ الْوَفَاةِ، وَ الا تَوَقَّعَ الْمُكنَةَ.

(وَ) حَيثُ جَازَ الرُّكوبُ (سَاقَ بَدَنَةً) جَبْرًا لِلْوَصْفِ الْفَائِتِ وُجُوبًا عَلَي ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ، وَ مَذْهَبِ جَمَاعَةٍ، وَ اسْتِحْبَابًا عَلَي الْأَقْوَي، جَمْعًا بَينَ الْأَدِلَّةِ، وَ تَرَدَّدَ فِي الدُّرُوسِ.

هَذَا كلُّهُ مَعَ إطْلَاقِ نَذْرِ الْحَجِّ مَاشِيا، أَوْ نَذْرِهِمَا لَا عَلَي مَعْنَي جَعْلِ الْمَشْي قَيدًا لَازِمًا فِي الْحَجِّ بِحَيثُ لَا

يرِيدُ إلَّا جَمْعَهُمَا، وَ الا سَقَطَ الْحَجُّ أَيضًا مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَشْي.

(وَيشْتَرَطُ فِي النَّائِبِ) فِي الْحَجِّ

(وَيشْتَرَطُ فِي النَّائِبِ) فِي الْحَجِّ

(الْبُلُوغُ وَ الْعَقْلُ وَ الْخُلُوُّ) أَي خُلُوُّ ذِمَّتِهِ (مِنْ حَجٍّ وَاجِبٍ) فِي ذَلِك الْعَامِ، (مَعَ التَّمَكنِ مِنْهُ، و لو مَشْيا) حَيثُ لَا يشْتَرَطُ فِيهِ الِاسْتِطَاعَةُ كالْمُسْتَقِرِّ مِنْ حَجِّ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يذْهَبُ الْمَالُ، فَلَا تَصِحُّ نِيابَةُ الصَّبِي، وَ لَا الْمَجْنُونِ مُطْلَقًا، وَ لَا مَشْغُولِ الذِّمَّةِ بِهِ فِي عَامِ النِّيابَةِ؛ لِلتَّنَافِي، و لو كانَ فِي عَامٍ بَعْدَهُ كمَنْ نَذَرَهُ كذَلِك أَوْ اُسْتُؤْجِرَ لَهُ صَحَّتْ نِيابَتُهُ قَبْلَهُ، وَ كذَا الْمُعَينُ حَيثُ يعْجَزُ عَنْهُ و لو مَشْيا لِسُقُوطِ الْوُجُوبِ فِي ذَلِك الْعَامِ؛ لِلْعَجْزِ، و أن كانَ بَاقِيا فِي الذِّمَّةِ، لَكنْ يرَاعَي فِي جَوَازِ اسْتِنَابَتِهِ ضِيقُ الْوَقْتِ، بِحَيثُ لَا يحْتَمِلُ تَجَدُّدَ الِاسْتِطَاعَةِ عَادَةً.

فَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ كذَلِك، ثُمَّ اتَّفَقَتْ الِاسْتِطَاعَةُ عَلَي خِلَافِ الْعَادَةِ لَمْ ينْفَسِخْ، كمَا لَوْ تَجَدَّدَتْ الِاسْتِطَاعَةُ لِحَجِّ الْإِسْلَامِ بَعْدَهَا، فَيقَدِّمُ حَجَّ النِّيابَةِ، وَ يرَاعَي فِي وُجُوبِ حَجِّ الْإِسْلَامِ بَقَاؤُهَا إلَي الْقَابِلِ.

(وَالْإِسْلَامُ) إنْ صَحَّحْنَا عِبَادَةَ الْمُخَالِفِ، وَ الا اُعْتُبِرَ الْإِيمَانُ أَيضًا، و هو الْأَقْوَي.

وَ فِي الدُّرُوسِ حَكي صِحَّةَ نِيابَةِ غَيرِ الْمُؤْمِنِ عَنْهُ قَوْلًا مُشْعِرًا بِتَمْرِيضِهِ، و لم يرَجِّحْ شَيئًا، (وَإِسْلَامُ الْمَنُوبِ عَنْهُ، وَ اعْتِقَادُهُ الْحَقَّ) فَلَا يصِحُّ الْحَجُّ عَنْ الْمُخَالِفِ مُطْلَقًا، (إلَّا أَنْ يكونَ أَبًا لِلنَّائِبِ) و أن عَلَا لِلْأَبِ، لَا لِلْأُمِّ، فَيصِحُّ و أن كانَ نَاصِبِيا.

وَ اسْتَقْرَبَ فِي الدُّرُوسِ اخْتِصَاصَ الْمَنْعِ بِالنَّاصِبِ، وَ يسْتَثْنَي مِنْهُ الْأَبُ.

وَ الْأَجْوَدُ الْأَوَّلُ؛ لِلرِّوَايةِ، وَ الشُّهْرَةِ، وَ مَنَعَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا.

وَ فِي إلْحَاقِ بَاقِي الْعِبَادَاتِ بِهِ وَجْهٌ، خُصُوصًا إذَا لَمْ يكنْ نَاصِبِيا.

(وَيشْتَرَطُ نِيةُ النِّيابَةِ) بِأَنْ يقْصِدَ كوْنَهُ نَائِبًا، وَ لَمَّا كانَ ذَلِك أَعَمَّ مِنْ تَعْيينِ مَنْ ينُوبُ عَنْهُ نَبَّهَ عَلَي اعْتِبَارِهِ أَيضًا بِقَوْلِهِ، (وَتَعْيينُ الْمَنُوبِ عَنْهُ قَصْدًا) فِي

نِيةِ كلِّ فِعْلٍ يفْتَقِرُ إلَيهَا.

وَ لَوْ اقْتَصَرَ فِي النِّيةِ عَلَي تَعْيينِ الْمَنُوبِ عَنْهُ، بِأَنْ ينْوِي أَنَّهُ عَنْ فُلَانٍ أَجْزَأَ؛ لِأَنَّ ذَلِك يسْتَلْزِمُ النِّيابَةَ عَنْهُ، وَ لَا يسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِمَدْلُولِ هَذَا الْقَصْدِ، (وَ) إنَّمَا (يسْتَحَبُّ) تَعْيينُهُ (لَفْظًا عِنْدَ بَاقِي الْأَفْعَالِ)، و في المَوَاطِنِ كلِّهَا بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ مَا أَصَابَنِي مِنْ تَعَبٍ، أَوْ لُغُوبٍ، أَوْ نَصَبٍ فَأَجِرْ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، وَ أَجِرْنِي فِي نِيابَتِي عَنْهُ.

وَ هَذَا أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ النِّيةِ مُتَقَدِّمٌ عَلَيهَا، أَوْ بَعْدَهَا، (وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ) أَي: ذِمَّةِ النَّائِبِ مِنْ الْحَجِّ، وَ كذَلِك ذِمَّةُ الْمَنُوبِ عَنْهُ.

إنْ كانَتْ مَشْغُولَةً (لَوْ مَاتَ) النَّائِبُ (مُحْرِمًا بَعْدَ دُخُولِ الْحَرَمِ) ظَرْفٌ لِلْمَوْتِ لَا لِلْإِحْرَامِ، (وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ) مِنْ الْحَرَمِ (بَعْدَهُ) أَي، بَعْدَ دُخُولِهِ و مثله مَا لَوْ خَرَجَ مِنْ الْإِحْرَامِ أَيضًا كمَا لَوْ مَاتَ بَينَ الْإِحْرَامَينِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يدْخُلُ فِي الْعِبَارَةِ؛ لِفَرْضِهِ الْمَوْتَ فِي حَالِ كوْنِهِ مُحْرِمًا، و لو قَالَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَ دُخُولِ الْحَرَمِ شَمِلَهُمَا؛ لِصِدْقِ الْبَعْدِيةِ بَعْدَهُمَا، وَ أَوْلَوِيةُ الْمَوْتِ بَعْدَهُ مِنْهُ حَالَتَهُ مَمْنُوعَةٌ.

(وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِك) سَوَاءٌ كانَ قَدْ أَحْرَمَ، أَمْ لَا لَمْ يصِحَّ الْحَجُّ عَنْهُمَا، و أن كانَ النَّائِبُ أَجِيرًا، و قد قَبَضَ الْأُجْرَةَ (اُسْتُعِيدَ مِنْ الْأُجْرَةِ بِالنِّسْبَةِ) أَي بِنِسْبَةِ مَا بَقِي مِنْ الْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيهِ، فَإِنْ كانَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَي فِعْلِ الْحَجِّ خَاصَّةً، أَوْ مُطْلَقًا، و كان مَوْتُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ اسْتَحَقَّ بِنِسْبَتِهِ إلَي بَقِيةِ أَفْعَالِ الْحَجِّ، و أن كانَ عَلَيهِ، و علي الذَّهَابِ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الذَّهَابِ وَ الْإِحْرَامِ، وَ اسْتُعِيدَ الْبَاقِي، و أن كانَ عَلَيهِمَا و علي الْعَوْدِ فَبِنِسْبَتِهِ إلَي الْجَمِيعِ، و أن كانَ مَوْتُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، فَفِي الْأَوَّلَينِ لَا يسْتَحِقُّ شَيئًا، و في الأَخِيرَينِ بِنِسْبَةِ مَا قَطَعَ مِنْ الْمَسَافَةِ إلَي مَا بَقِي مِنْ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيهِ.

وَ أَمَّا الْقَوْلُ

بِأَنَّهُ يسْتَحِقُّ مَعَ الْإِطْلَاقِ بِنِسْبَةِ مَا فَعَلَ مِنْ الذَّهَابِ إلَي الْمَجْمُوعِ مِنْهُ و من أَفْعَالِ الْحَجِّ وَ الْعَوْدِ كمَا ذَهَبَ إلَيهِ جَمَاعَةٌ، فَفِي غَايةِ الضَّعْفِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الْحَجِّ لَا يتَنَاوَلُ غَيرَ الْمَجْمُوعِ الْمُرَكبِ مِنْ أَفْعَالِهِ الْخَاصَّةِ، دُونَ الذَّهَابِ إلَيهِ، و أن جَعَلْنَاهُ مُقَدِّمَةً لِلْوَاجِبِ، وَ الْعَوْدِ الَّذِي لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَ لَا مَا يتَوَقَّفُ عَلَيهَا بِوَجْهٍ.

(وَيجِبُ عَلَي الْأَجِيرِ الْإِتْيانُ بِمَا شَرَطَ عَلَيهِ) مِنْ نَوْعِ الْحَجِّ وَ وَصْفِهِ (حَتَّي الطَّرِيقِ مَعَ الْغَرَضِ) قَيدٌ فِي تَعَينِ الطَّرِيقِ بِالتَّعْيينِ.

بِمَعْنَي أَنَّهُ لَا يتَعَينُ بِهِ إلَّا مَعَ الْغَرَضُ الْمُقْتَضِي لِتَخْصِيصِهِ، كمَشَقَّتِهِ وَ بُعْدِهِ، حَيثُ يكونُ دَاخِلًا فِي الْإِجَارَةِ، لِاسْتِلْزَامِهَا زِيادَةَ الثَّوَابِ، أَوْ بُعْدَ مَسَافَةِ الْإِحْرَامِ، وَ يمْكنُ كوْنُهُ قَيدًا فِي وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِمَا شَرَطَ مُطْلَقًا، فَلَا يتَعَينُ النَّوْعُ كذَلِك إلَّا مَعَ الْغَرَضِ كتَعْيينِ الْأَفْضَلِ، أَوْ تَعَينِهِ عَلَي الْمَنُوبِ عَنْهُ، فَمَعَ انْتِفَائِهِ كالْمَنْدُوبِ وَ الْوَاجِبِ الْمُخَيرِ كنَذْرٍ مُطْلَقٍ، أَوْ تَسَاوِي مَنْزِلَي الْمَنُوبِ عَنْهُ فِي الْإِقَامَةُ يجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ الْمُعَينِ إلَي الْأَفْضَلِ، كالْعُدُولِ مِنْ الْإِفْرَادِ إلَي الْقِرَانِ، وَ مِنْهُمَا إلَي التَّمَتُّعِ، لَا مِنْهُ إلَيهِمَا، وَ لَا مِنْ الْقِرَانِ إلَي الْإِفْرَادِ.

وَ لَكنْ يشْكلُ ذَلِك فِي الْمِيقَاتِ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ و غيرهُ أَطْلَقُوا تَعَينَهُ بِالتَّعْيينِ، مِنْ غَيرِ تَفْصِيلٍ بِالْعُدُولِ إلَي الْأَفْضَلِ و غيرهِ، و إنّما جَوَّزُوا ذَلِك فِي الطَّرِيقِ وَ النَّوْعِ بِالنَّصِّ، وَ لَمَّا انْتَفَي فِي الْمِيقَاتِ أَطْلَقُوا تَعَينَهُ بِهِ، و أن كانَ التَّفْصِيلُ فِيهِ مُتَوَجِّهًا أَيضًا، إلَّا أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِهِ.

وَ حَيثُ يعْدِلُ إلَي غَيرِ الْمُعَينِ مَعَ جَوَازِهِ يسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ، وَ لَا مَعَهُ لَا يسْتَحِقُّ فِي النَّوْعِ شَيئًا، و في الطَّرِيقِ يسْتَحِقُّ بِنِسْبَةِ الْحَجِّ إلَي الْمُسَمَّي لِلْجَمِيعِ، وَ تَسْقُطُ أُجْرَةُ مَا تَرَكهُ مِنْ الطَّرِيقِ، وَ لَا يوَزِّعُ لِلطَّرِيقِ الْمَسْلُوكةِ؛ لِأَنَّهُ غَيرُ

مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيهِ وَ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَ جَمَاعَةٌ الرُّجُوعَ عَلَيهِ بِالتَّفَاوُتِ بَينَهُمَا، وَ كذَا الْقَوْلُ فِي الْمِيقَاتِ وَ يقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْمَنُوبِ عَنْهُ فِي الْجَمِيعِ، و أن لَمْ يسْتَحِقَّ فِي الْأَوَّلِ أُجْرَةً.

(وَلَيسَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ إلَّا مَعَ الْإِذْنِ) لَهُ فِيهَا (صَرِيحًا) مِمَّنْ يجُوزُ لَهُ الْإِذْنُ فِيهَا كالْمُسْتَأْجِرِ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ الْوَصِي، لَا الْوَكيلِ، إلَّا مَعَ إذْنِ الْمُوَكلِ لَهُ فِي ذَلِك، (أَوْ إيقَاعِ الْعَقْدِ مُقَيدًا بِالْإِطْلَاقِ)، لَا إيقَاعِهِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ يقْتَضِي الْمُبَاشَرَةَ بِنَفْسِهِ، وَ الْمُرَادُ بِتَقْييدِهِ بِالْإِطْلَاقِ أَنْ يسْتَأْجِرَهُ لِيحُجَّ مُطْلَقًا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِغَيرِهِ، أَوْ بِمَا يدُلُّ عَلَيهِ كأَنْ يسْتَأْجِرَهُ لِتَحْصِيلِ الْحَجِّ عَنْ الْمَنُوبِ.

وَ بِإِيقَاعِهِ مُطْلَقًا أَنْ يسْتَأْجِرَهُ لِيحُجَّ عَنْهُ، فَإِنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ يقْتَضِي مُبَاشَرَتَهُ، لَا اسْتِنَابَتَهُ فِيهِ.

وَ حَيثُ يجُوزُ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ يشْتَرَطُ فِي نَائِبِهِ الْعَدَالَةُ، و أن لَمْ يكنْ هُوَ عَدْلًا.

(وَلَا يحُجُّ عَنْ اثْنَينِ فِي عَامٍ) وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ و أن تَعَدَّدَتْ أَفْعَالُهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يقَعُ عَنْ اثْنَينِ.

هَذَا إذَا كانَ الْحَجُّ وَاجِبًا عَلَي كلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ أُرِيدَ إيقَاعُهُ عَنْ كلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

أَمَّا لَوْ كانَ مَنْدُوبًا وَ أُرِيدَ إيقَاعُهُ عَنْهُمَا، لِيشْتَرِكا فِي ثَوَابِهِ، أَوْ وَاجِبًا عَلَيهِمَا كذَلِك، بِأَنْ ينْذِرَا الِاشْتِرَاك فِي حَجٍّ يسْتَنِيبَانِ فِيهِ كذَلِك فَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ فَيقَعُ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ عَنْهُمَا، وِفَاقًا لِلْمُصَنِّفِ فِي الدُّرُوسِ، و علي تَقْدِيرِ الْمَنْعِ لَوْ فَعَلَهُ عَنْهُمَا لَمْ يقَعْ عَنْهُمَا، وَ لَا عَنْهُ، أَمَّا اسْتِئْجَارُهُ لِعُمْرَتَينِ، أَوْ حَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ، وَ عُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ فَجَائِزٌ؛ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ.

(وَلَوْ اسْتَأْجَرَاهُ لِعَامٍ) وَاحِدٍ (فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا) بِالْإِجَارَةِ (صَحَّ السَّابِقُ) وَ بَطَلَ اللَّاحِقُ، (وَإِنْ اقْتَرَنَا) بِأَنْ أَوْجَبَاهُ مَعًا فَقَبِلَهُمَا، أَوْ وَكلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، أَوْ وَكلَا ثَالِثًا فَأَوْقَعَ صِيغَةً وَاحِدَةً عَنْهُمَا (بَطَلَا) لِاسْتِحَالَةِ التَّرْجِيحِ مِنْ غَيرِ مُرَجِّحٍ، و مثله مَا لَوْ اسْتَأْجَرَاهُ مُطْلَقًا لِاقْتِضَائِهِ التَّعْجِيلَ، أَمَّا

لَوْ اخْتَلَفَ زَمَانُ الْإِيقَاعِ صَحَّ، و أن اتَّفَقَ الْعَقْدَانِ، إلَّا مَعَ فَوْرِيةِ الْمُتَأَخِّرِ، وَ إِمْكانِ اسْتِنَابَةِ مَنْ يعَجِّلُهُ فَيبْطُلُ.

وَ تَجُوزُ النِّيابَةُ فِي أَبْعَاضِ الْحَجِّ) الَّتِي تَقْبَلُ النِّيابَةَ (كالطَّوَافِ) وَ رَكعَتَيهِ، (وَالسَّعْي وَ الرَّمْي)، لَا الْإِحْرَامِ، وَ الْوُقُوفِ، وَ الْحَلْقِ، وَ الْمَبِيتِ بِمِنًي (مَعَ الْعَجْزِ) عَنْ مُبَاشَرَتِهَا بِنَفْسِهِ، لِغَيبَةٍ، أَوْ مَرَضٍ يعْجَزُ مَعَهُ و لو عَنْ أَنْ يطَافَ أَوْ يسْعَي بِهِ.

وَ فِي إلْحَاقِ الْحَيضِ بِهِ فِيمَا يفْتَقِرُ إلَي الطَّهَارَةِ وَجْهٌ، و حكم الْأَكثَرُ بِعُدُولِهَا إلَي غَيرِ النَّوْعِ لَوْ تَعَذَّرَ إكمَالُهُ لِذَلِك، (وَلَوْ أَمْكنَ حَمْلُهُ فِي الطَّوَافِ وَ السَّعْي وَجَبَ) مُقَدَّمًا عَلَي الِاسْتِنَابَةِ، (وَيحْتَسِبُ لَهُمَا) لَوْ نَوَياهُ، إلَّا أَنْ يسْتَأْجِرَهُ لِلْحَمْلِ لَا فِي طَوَافِهِ، أَوْ مُطْلَقًا، فَلَا يحْتَسِبُ لِلْحَامِلِ؛ لِأَنَّ الْحَرَكةَ، مَعَ الْإِطْلَاقِ قَدْ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً عَلَيهِ لِغَيرِهِ، فَلَا يجُوزُ صَرْفُهَا إلَي نَفْسِهِ.

وَ اقْتَصَرَ فِي الدُّرُوسِ عَلَي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ (وَكفَّارَةُ الْإِحْرَامِ) اللَّازِمَةُ بِسَبَبِ فِعْلِ الْأَجِيرِ مُوجِبُهَا (فِي مَالِ الْأَجِيرِ)، لَا الْمُسْتَنِيبِ، لِأَنَّهُ فَاعِلُ السَّبَبِ، و هي كفَّارَةٌ لِلذَّنْبِ اللَّاحِقِ بِهِ (وَلَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ قَضَي فِي) الْعَامِ (الْقَابِلِ)؛ لِوُجُوبِهِ بِسَبَبِ الْإِفْسَادِ، و أن كانَتْ مُعَينَةً بِذَلِك الْعَامِ، (وَالْأَقْرَبُ الْإِجْزَاءُ) عَنْ فَرْضِهِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَيهِ، بِنَاءً عَلَي أَنَّ الْأَوْلَي فَرْضُهُ، وَ الْقَضَاءُ عُقُوبَةٌ، (وَيمْلِك الْأُجْرَةَ) حِينَئِذٍ؛ لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِالْمُعَينِ، وَ التَّأْخِيرِ فِي الْمُطْلَقِ.

وَ وَجْهُ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي الْمُعَينَةِ، بِنَاءً عَلَي أَنَّ الثَّانِيةَ فَرْضُهُ ظَاهِرٌ لِلْإِخْلَالِ بِالْمَشْرُوطِ وَ كذَا فِي الْمُطْلَقِ عَلَي مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ، مِنْ أَنَّ تَأْخِيرَهَا عَنْ السَّنَةِ الْأُولَي لَا لِعُذْرٍ يوجِبُ عَدَمَ الْأُجْرَةِ، بِنَاءً عَلَي أَنَّ الْإِطْلَاقَ يقْتَضِي التَّعْجِيلَ فَيكونُ كالْمُعَينَةِ.

فَإِذَا جَعَلْنَا الثَّانِيةَ فَرْضَهُ كانَ كتَأْخِيرِ الْمُطْلَقِ، فَلَا يجْزِئُ وَ لَا يسْتَحِقُّ أُجْرَةً، وَ الْمَرْوِي فِي حُسْنِهِ زُرَارَةُ أَنَّ الْأُولَي فَرْضُهُ، وَ الثَّانِيةَ عُقُوبَةٌ، وَ تَسْمِيتُهَا

حِينَئِذٍ فَاسِدَةً مَجَازٌ، و هو الَّذِي مَالَ إلَيهِ الْمُصَنِّفُ، لَكنَّ الرِّوَايةَ مَقْطُوعَةٌ، و لو لَمْ نَعْتَبِرْهَا لَكانَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الثَّانِيةَ فَرْضُهُ أَوْضَحُ، كمَا ذَهَبَ إلَيهِ ابْنُ إدْرِيسَ.

وَ فَصَّلَ الْعَلَّامَةُ فِي الْقَوَاعِدِ غَرِيبًا، فَأَوْجَبَ فِي الْمُطْلَقَةِ قَضَاءَ الْفَاسِدَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيةِ، وَ الْحَجَّ عَنْ النِّيابَةِ بَعْدَ ذَلِك، و هو خَارِجٌ عَنْ الِاعْتِبَارَينِ؛ لِأَنَّ غَايتَهُ أَنْ تَكونَ الْعُقُوبَةُ هِي الْأُولَي، فَتَكونَ الثَّانِيةُ فَرْضَهُ، فَلَا وَجْهَ لِلثَّالِثَةِ، وَلَكنَّهُ بَنَي عَلَي أَنَّ الْإِفْسَادَ يوجِبُ الْحَجَّ ثَانِيا، فَهُوَ سَبَبٌ فِيهِ كالِاسْتِئْجَارِ، فَإِذَا جَعَلْنَا الْأُولَي هِي الْفَاسِدَةَ لَمْ تَقَعْ عَنْ الْمَنُوبِ، وَ الثَّانِيةُ وَجَبَتْ بِسَبَبِ الْإِفْسَادِ، و هو خَارِجٌ عَنْ الْإِجَارَةِ فَتَجِبُ الثَّالِثَةُ.

فَعَلَي هَذَا ينْوِي الثَّانِيةَ عَنْ نَفْسِهِ، و علي جَعْلِهَا الْفَرْضَ ينْوِيهَا عَنْ الْمَنُوبِ، و علي الرِّوَايةِ ينْبَغِي أَنْ يكونَ عَنْهُ، مَعَ احْتِمَالِ كوْنِهَا عَنْ الْمَنُوبِ أَيضًا.

(وَيسْتَحَبُّ) لِلْأَجِيرِ (إعَادَةُ فَاضِلِ الْأُجْرَةِ) عَمَّا أَنْفَقَهُ فِي الْحَجِّ ذَهَابًا وَ عَوْدًا، (وَالْإِتْمَامُ لَهُ) مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ مِنْ الْوَصِي مَعَ النَّصِّ، لَا بِدُونِهِ (لَوْ أَعْوَزَ)، و هل يسْتَحَبُّ لِكلٍّ مِنْهُمَا إجَابَةُ الْآخَرِ إلَي ذَلِك تَنَظَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ، مِنْ أَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ و من أَنَّهُ مُعَاوَنَةٌ عَلَي الْبِرِّ وَ التَّقْوَي (وَتَرْك نِيابَةِ الْمَرْأَةِ الصَّرُورَةِ) و هي الَّتِي لَمْ تَحُجَّ؛ لِلنَّهْي عَنْهُ فِي أَخْبَارٍ، حَتَّي ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَي الْمَنْعِ لِذَلِك، وَ حَمْلُهَا عَلَي الْكرَاهَةِ، طَرِيقُ الْجَمْعِ بَينَهَا و بين مَا دَلَّ عَلَي الْجَوَازِ، (وَكذَا الْخُنْثَي الصَّرُورَةِ)، إلْحَاقًا لَهَا بِالْأُنْثَي؛ لِلشَّك فِي الذُّكورِيةِ، وَ يحْتَمَلُ عَدَمُ الْكرَاهَةِ؛ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْمَرْأَةِ الَّتِي هِي مَوْرِدُ النَّهْي لَهَا.

(وَيشْتَرَطُ عِلْمُ الْأَجِيرِ بِالْمَنَاسِك) و لو إجْمَالًا، لِيتَمَكنَ مِنْ تَعَلُّمِهَا تَفْصِيلًا و لو حَجَّ مَعَ مُرْشِدٍ عَدْلٍ أَجْزَأَ، (وَقُدْرَتُهُ عَلَيهَا)، عَلَي الْوَجْهِ الَّذِي عَينَ، فَلَوْ كانَ عَاجِزًا عَنْ الطَّوَافِ بِنَفْسِهِ، وَ

اسْتُؤْجِرَ عَلَي الْمُبَاشَرَةِ لَمْ يصِحَّ وَ كذَا لَوْ كانَ لَا يسْتَطِيعُ الْقِيامَ فِي صَلَاةِ الطَّوَافِ.

نَعَمْ لَوْ رَضِي الْمُسْتَأْجِرُ بِذَلِك حَيثُ يصِحُّ مِنْهُ الرِّضَا جَازَ، (وَعَدَالَتُهُ) حَيثُ تَكونُ الْإِجَارَةُ عَنْ مَيتٍ، أَوْ مَنْ يجِبُ عَلَيهِ الْحَجُّ، (فَلَا يسْتَأْجَرُ فَاسِقٌ)، أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيحُجَّ عَنْهُ تَبَرُّعًا لَمْ تُعْتَبَرْ الْعَدَالَةُ؛ لِصِحَّةِ حَجِّ الْفَاسِقِ، و إنّما الْمَانِعُ عَدَمُ قَبُولِ خَبَرِهِ، (وَلَوْ حَجَّ) الْفَاسِقُ عَنْ غَيرِهِ (أَجْزَأَ) عَنْ الْمَنُوبِ عَنْهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، و أن وَجَبَ عَلَيهِ اسْتِنَابَةُ غَيرِهِ لَوْ كانَ وَاجِبًا، وَ كذَا الْقَوْلُ فِي غَيرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ كالصَّلَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الزِّيارَةِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَي النِّيةِ.

(وَالْوَصِيةُ بِالْحَجِّ) مُطْلَقًا مِنْ غَيرِ تَعْيينِ مَالِ (ينْصَرِفُ إلَي أُجْرَةِ الْمِثْلِ) و هو مَا يبْذَلُ غَالِبًا لِلْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ، لِمَنْ اسْتَجْمَعَ شَرَائِطَ النِّيابَةِ فِي أَقَلِّ مَرَاتِبِهَا وَ يحْتَمَلُ اعْتِبَارُ الْأَوْسَطِ هَذَا إذَا لَمْ يوجَدْ مَنْ يأْخُذُ أَقَلَّ مِنْهَا، وَ الا اقْتَصَرَ عَلَيهِ، وَ لَا يجِبُ تَكلُّفُ تَحْصِيلٍ، وَ يعْتَبَرُ ذَلِك مِنْ الْبَلَدِ، أَوْ الْمِيقَاتِ عَلَي الْخِلَافِ، (وَيكفِي) مَعَ الْإِطْلَاقِ (الْمَرَّةُ إلَّا مَعَ إرَادَةِ التَّكرَارِ) فَيكرِّرُ حَسَبَ مَا دَلَّ عَلَيهِ اللَّفْظُ، فَإِنْ زَادَ عَنْ الثُّلُثِ اقْتَصَرَ عَلَيهِ، إنْ لَمْ يجِزْ الْوَارِثُ، و لو كانَ بَعْضُهُ، أَوْ جَمِيعُهُ وَاجِبًا فَمِنْ الْأَصْلِ.

(وَلَوْ عَينَ الْقَدْرَ وَ النَّائِبَ تَعَينَا) إنْ لَمْ يزِدْ الْقَدْرُ عَنْ الثُّلُثِ فِي الْمَنْدُوبِ وَ عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْوَاجِبِ، وَ الا اُعْتُبِرَتْ الزِّيادَةُ مِنْ الثُّلُثِ مَعَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَارِثِ، وَ لَا يجِبُ عَلَي النَّائِبِ الْقَبُولُ، فَإِنْ امْتَنَعَ طَلَبًا لِلزِّيادَةِ لَمْ يجِبْ إجَابَتُهُ، ثُمَّ يسْتَأْجِرُ غَيرَهُ بِالْقَدْرِ إنْ لَمْ يعْلَمْ إرَادَةَ تَخْصِيصِهِ بِهِ، وَ الا فَبِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يزِدْ عَنْهُ أَوْ يعْلَمْ إرَادَتَهُ خَاصَّةً فَيسْقُطْ بِامْتِنَاعِهِ بِالْقَدْرِ، أَوْ مُطْلَقًا، و لو عَينَ النَّائِبَ خَاصَّةً أُعْطِي أُجْرَةَ

مِثْلِ مَنْ يحُجَّ مُجْزِيا، وَ يحْتَمِلُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْهُ، أَوْ مُطْلَقًا اُسْتُؤْجِرَ غَيرُهُ، إنْ لَمْ يعْلَمْ إرَادَةَ التَّخْصِيصِ، وَ الا سَقَطَ. (وَلَوْ عَينَ لِكلِّ سَنَةٍ قَدْرًا) مُفَصَّلًا كأَلْفٍ، أَوْ مُجْمَلًا كغَلَّةِ بُسْتَانٍ، (وَقَصْرٍ كمَّلَ مِنْ الثَّانِيةِ فَإِنْ لَمْ تَسَعْ) الثَّانِيةُ، (فَالثَّالِثَةُ)، فَصَاعِدًا مَا يتَمِّمُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، و لو بِجُزْءٍ، وَ صَرْفُ الْبَاقِي مَعَ مَا بَعْدَهُ كذَلِك.

وَ لَوْ كانَتْ السُّنُونَ مُعَينَةً فَفَضَلَ مِنْهَا فَضْلَةٌ لَا تَفِي بِالْحَجِّ أَصْلًا فَفِي عَوْدِهَا إلَي الْوَرَثَةِ، أَوْ صَرْفِهَا فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَجْهَانِ، أَجْوَدُهُمَا الْأَوَّلُ إنْ كانَ الْقُصُورُ ابْتِدَاءً، وَ الثَّانِي إنْ كانَ طَارِئًا، وَ الْوَجْهَانِ آتِيانِ فِيمَا لَوْ قَصُرَ الْمُعَينُ لِحَجَّةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ قَصُرَ مَالُهُ أَجْمَعُ عَنْ الْحَجَّةِ الْوَاجِبَةِ، و لو أَمْكنَ اسْتِنْمَائُهُ، أَوْ رُجِي إخْرَاجُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَجَبَ مُقَدَّمًا عَلَي الْأَمْرَينِ.

(وَلَوْ زَادَ) الْمُعَينَ لِلسَّنَةِ عَنْ أُجْرَةِ حَجَّةٍ و لم يكنْ مُقَيدًا بِوَاحِدَةٍ (حُجَّ) عَنْهُ بِهِ (مَرَّتَينِ) فَصَاعِدًا إنْ وَسِعَ (فِي عَامٍ) وَاحِدٍ (مِنْ اثْنَينِ) فَصَاعِدًا، وَ لَا يضُرُّ اجْتِمَاعُهُمَا مَعًا فِي الْفِعْلِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؛ لِعَدَمِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ هُنَا كالصَّوْمِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ.

وَ لَوْ فَضَلَ عَنْ وَاحِدَةٍ جُزْءٌ أُضِيفَ إلَي مَا بَعْدَهُ إنْ كانَ، وَ الا فَفِيهِ مَا مَرَّ (وَالْوَدَعِي) لِمَالِ إنْسَانٍ (الْعَالِمُ بِامْتِنَاعِ الْوَارِثِ) مِنْ إخْرَاجِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ عَلَيهِ عَنْهُ (يسْتَأْجِرُ عَنْهُ مَنْ يحُجُّ أَوْ يحُجُّ) عَنْهُ (هُوَ بِنَفْسِهِ) و غير الْوَدِيعَةِ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيةِ حَتَّي الْغَصْبِ بِحُكمِهَا.

وَ حُكمِ غَيرِهِ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ، كالزَّكاةِ وَ الْخُمُسِ وَ الْكفَّارَةِ وَ النَّذْرِ حُكمُهُ.

وَ الْخَبَرُ هُنَا مَعْنَاهُ الْأَمْرُ، فَإِنَّ ذَلِك وَاجِبٌ عَلَيهِ حَتَّي لَوْ دَفَعَهُ إلَي الْوَارِثِ اخْتِيارًا ضَمِنَ و لو عَلِمَ أَنَّ الْبَعْضَ يؤَدِّي فَإِنْ كانَ نَصِيبُهُ يفِي بِهِ بِحَيثُ يحْصُلُ الْغَرَضُ مِنْهُ وَجَبَ

الدَّفْعُ إلَيهِمْ، وَ الا اسْتَأْذَنَ مَنْيؤَدِّي مَعَ الْإِمْكانِ، وَ الا سَقَطَ.

وَ الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا مَا يشْمَلُ الظَّنَّ الْغَالِبَ الْمُسْتَنِدَ إلَي الْقَرَائِنِ.

وَ فِي اعْتِبَارِ الْحَجِّ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ الْمِيقَاتِ مَا مَرَّ (وَلَوْ كانَ عَلَيهِ حَجَّتَانِ إحْدَاهُمَا نَذْرٌ فَكذَلِك) يجِبُ إخْرَاجُهُمَا فَمَا زَادَ (إذْ الْأَصَحُّ أَنَّهُمَا مِنْ الْأَصْلِ) لِاشْتِرَاكهِمَا فِي كوْنِهِمَا حَقًّا وَاجِبًا مَالِيا، وَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ إخْرَاجُ الْمَنْذُورَةِ مِنْ الثُّلُثِ، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايةٍ مَحْمُولَةٍ عَلَي نَذْرٍ غَيرِ لَازِمٍ كالْوَاقِعِ فِي الْمَرَضِ و لو قَصُرَ الْمَالُ عَنْهُمَا تَحَاصَّتَا فِيهِ، فَإِنْ قَصُرَتْ الْحِصَّةُ عَنْ إخْرَاجِ الْحَجَّةِ بِأَقَلَّ مَا يمْكنُ وَ وَسِعَ الْحَجَّ خَاصَّةً أَوْ الْعُمْرَةَ صُرِفَ فِيهِ، فَإِنْ قَصُرَ عَنْهُمَا، وَ وَسِعَ أَحَدَهُمَا، فَفِي تَرْكهِمَا وَ الرُّجُوعِ إلَي الْوَارِثِ، أَوْ الْبِرِّ عَلَي مَا تَقَدَّمَ، أَوْ تَقْدِيمِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، أَوْ الْقُرْعَةِ أَوْجُهٌ و لو وَسِعَ الْحَجَّ خَاصَّةً، أَوْ الْعُمْرَةَ فَكذَلِك.

وَ لَوْ لَمْ يسَعْ أَحَدَهُمَا فَالْقَوْلَانِ، وَ التَّفْصِيلُ آتٍ فِيمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْحَجَّتَينِ، أَوْ عَلِمَ الْوَارِثُ أَوْ الْوَصِي كوْنَهُمَا عَلَيهِ (وَلَوْ تَعَدَّدُوا) مَنْ عِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ أَوْ الْحَقُّ، وَ عَلِمُوا بِالْحَقِّ وَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ (وُزِّعَتْ) أُجْرَةُ الْحَجَّةِ، و ما فِي حُكمِهَا عَلَيهِمْ بِنِسْبَةِ مَا بِأَيدِيهِمْ مِنْ الْمَالِ، و لو أَخْرَجَهَا بَعْضُهُمْ بِإِذْنِ الْبَاقِينَ، فَالظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ؛ لِاشْتِرَاكهِمْ فِي كوْنِهِ مَالَ الْمَيتِ الَّذِي يقَدَّمُ إخْرَاجُ ذَلِك مِنْهُ عَلَي الْإِرْثِ و لو لَمْ يعْلَمْ بَعْضُهُمْ بِالْحَقِّ تَعَينَ عَلَي الْعَالِمِ بِالتَّفْصِيلِ، و لو عَلِمُوا بِهِ و لم يعْلَمْ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَأَخْرَجُوا جَمِيعًا.

أَوْ حَجُّوا فَلَا ضَمَانَ مَعَ الِاجْتِهَادِ عَلَي الْأَقْوَي وَ لَا مَعَهُ ضَمِنُوا مَا زَادَ عَلَي الْوَاحِدَةِ.

وَ لَوْ عَلِمُوا فِي الْأَثْنَاءِ سَقَطَ مِنْ وَدِيعَةِ كلٍّ مِنْهُمْ مَا يخُصُّهُ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَ تَحَلَّلُوا مَا عَدَا وَاحِدًا بِالْقُرْعَةِ، إنْ كانَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، و لو حَجُّوا عَالِمِينَ بَعْضَهُمْ

بِبَعْضٍ صَحَّ السَّابِقُ خَاصَّةً، وَ ضَمِنَ اللَّاحِقُ فَإِنْ أَحْرَمُوا دَفْعَةً وَقَعَ الْجَمِيعُ عَنْ الْمَنُوبِ وَ سَقَطَ مِنْ وَدِيعَةِ كلِّ وَاحِدٍ مَا يخُصُّهُ مِنْ الْأُجْرَةِ الْمُوَزَّعَةِ، وَ غَرِمَ الْبَاقِي و هل يتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُمْ عَلَي إذْنِ الْحَاكمِ؟ الْأَقْوَي ذَلِك مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَي إثْبَاتِ الْحَقِّ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ وِلَايةَ إخْرَاجِ ذَلِك قَهْرًا عَلَي الْوَارِثِ إلَيهِ، و لو لَمْ يمْكنْ فَالْعَدَمُ أَقْوَي، حَذَرًا مِنْ تَعْطِيلِ الْحَقِّ الَّذِي يعْلَمُ مَنْ بِيدِهِ الْمَالُ ثُبُوتَهُ، وَ إِطْلَاقُ النَّصِّ إذْنٌ لَهُ (وَ قِيلَ: يفْتَقَرُ إلَي إذْنِ الْحَاكمِ) مُطْلَقًا، بِنَاءً عَلَي مَا سَبَقَ (وَهُوَ بَعِيدٌ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَ إِفْضَائِهِ إلَي مُخَالَفَتِهِ حَيثُ يتَعَذَّرُ.

(الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي أَنْوَاع الْحَجِّ
التمهيد

(الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي أَنْوَاع الْحَجِّ

- و هي ثَلَاثَةٌ: تَمَتُّعٌ) وَ أَصْلُهُ التَّلَذُّذُ سُمِّي هَذَا النَّوْعُ بِهِ، لِمَا يخَلِّلُ بَينَ عُمْرَتِهِ وَ حَجِّهِ مِنْ التَّحَلُّلِ الْمُوجِبِ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ وَ التَّلَذُّذِ بِمَا كانَ قَدْ حَرَّمَهُ الْإِحْرَامُ، مَعَ ارْتِبَاطِ عُمْرَتِهِ بِحَجِّهِ حَتَّي أَنَّهُمَا كالشَّيءِ الْوَاحِدِ شَرْعًا، فَإِذَا حَصَلَ بَينَهُمَا ذَلِك فَكأَنَّهُ حَصَلَ فِي الْحَجِّ (وَهُوَ فَرْضُ مَنْ نَأَي) أَي بَعُدَ (عَنْ مَكةَ بِثَمَانِيةٍ وَ أَرْبَعِينَ مِيلًا مِنْ كلِّ جَانِبٍ عَلَي الْأَصَحِّ) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَيهِ.

وَ الْقَوْلُ الْمُقَابِلُ لِلْأَصَحِّ اعْتِبَارُ بُعْدِهِ بِاثْنَي عَشَرَ مِيلًا حَمْلًا لِلثَّمَانِيةِ وَ الْأَرْبَعِينَ عَلَي كوْنِهَا مُوَزَّعَةً عَلَي الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ، فَيخُصُّ كلَّ وَاحِدَةٍ اثْنَا عَشَرَ، وَ مَبْدَأُ التَّقْدِيرِ مُنْتَهَي عِمَارَةِ مَكةَ إلَي مَنْزِلِهِ، وَ يحْتَمِلُ إلَي بَلَدِهِ مَعَ عَدَمِ سِعَتِهَا جِدًّا، وَ الا فَمَحَلَّتُهُ.

وَ يمْتَازُ هَذَا النَّوْعُ عَنْ قَسِيمَيهِ (أَنَّهُ يقَدِّمُ عُمْرَتَهُ عَلَي حَجِّهِ نَاوِيا بِهَا التَّمَتُّعَ)، بِخِلَافِ عُمْرَتَيهِمَا فَإِنَّهَا مُفْرَدَةٌ بِنِيةٍ.

(وَقِرَانٌ وَ إِفْرَادٌ) وَ يشْتَرِكانِ فِي تَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ عَنْ الْحَجِّ وَ جُمْلَةِ الْأَفْعَالِ.

وَ ينْفَرِدُ الْقِرَانُ بِالتَّخْييرِ فِي عَقْدِ إحْرَامِهِ بَينَ الْهَدْي وَ التَّلْبِيةِ، وَ الْإِفْرَادِ بِهَا وَ قِيلَ الْقِرَانُ: أَنْ يقْرِنَ

بَينَ الْحَجِّ وَ الْعُمْرَةِ بِنِيةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يحِلُّ إلَّا بِتَمَامِ أَفْعَالِهَا مَعَ سَوْقِ الْهَدْي.

وَ الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ (وَهُوَ) أَي كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (فَرْضُ مَنْ نَقَصَ عَنْ ذَلِك الْمِقْدَارِ) مِنْ الْمَسَافَةِ مُخَيرًا بَينَ النَّوْعَينِ، وَ الْقِرَانُ أَفْضَلُ (وَلَوْ أَطْلَقَ النَّاذِرُ) وَ شِبْهُهُ لِلْحَجِّ (تَخَيرَ فِي الثَّلَاثَةِ) مَكيا كانَ أَمْ أُفُقِيا (وَكذَا يتَخَيرُ مَنْ حَجَّ نَدْبًا) وَ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مُطْلَقًا و أن حَجَّ أَلْفًا وَ اَلفًا (وَلَيسَ لِمَنْ تَعَينَ عَلَيهِ نَوْعٌ) بِالْأَصَالَةِ أَوْ الْعَارِضِ (الْعُدُولُ إلَي غَيرِهِ، عَلَي الْأَصَحِّ) عَمَلًا بِظَاهِرِ الْآيةِ، وَ صَرِيحِ الرِّوَايةِ، وَ عَلَيهِ الْأَكثَرُ.

وَ الْقَوْلُ الْآخَرُ جَوَازُ التَّمَتُّعِ لِلْمَكي، وَ بِهِ رِوَاياتٌ حَمَلَهَا عَلَي الضَّرُورَةِ طَرِيقُ الْجَمْعِ.

أَمَّا الثَّانِي فَلَا يجْزِئُهُ غَيرُ التَّمَتُّعِ اتِّفَاقًا (إلَّا لِضَرُورَةٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْعُدُولِ مُطْلَقًا وَ يتَحَقَّقُ ضَرُورَةُ الْمُتَمَتِّعِ بِخَوْفِ الْحَيضِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَي طَوَافِ الْعُمْرَةِ، بِحَيثُ يفُوتُ اخْتِيارَي عَرَفَةَ قَبْلَ إتْمَامِهَا، أَوْ التَّخَلُّفُ عَنْ الرُّفْقَةِ إلَي عَرَفَةَ حَيثُ يحْتَاجُ إلَيهَا، وَ خَوْفُهُ مِنْ دُخُولِ مَكةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ لَا بَعْدَهُ وَ نَحْوُهُ، وَ ضَرُورَةُ الْمَكي بِخَوْفِ الْحَيضِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ النَّفَرِ مَعَ عَدَمِ إمْكانِ تَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ إلَي أَنْ تَطْهُرَ وَ خَوْفُ عَدُوٍّ بَعْدَهُ، وَ فَوْتُ الصُّحْبَةِ كذَلِك (وَلَا يقَعُ) وَ فِي نُسْخَةٍ لَا يصِحُّ (الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ) بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ (أَوْ عُمْرَةِ التَّمَتُّعِ إلَّا فِي) أَشْهُرِ الْحَجِّ (شَوَّالٍ وَ ذِي الْقِعْدَةِ وَ ذِي الْحِجَّةِ) عَلَي وَجْهٍ يدْرِك بَاقِي الْمَنَاسِك فِي وَقْتِهَا، و من ثَمَّ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَي أَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ الشَّهْرَانِ وَ تِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لِفَوَاتِ اخْتِيارَي عَرَفَةَ اخْتِيارًا بَعْدَهَا.

وَ قِيلَ: عَشْرٌ لِإِمْكانِ إدْرَاك الْحَجِّ فِي الْعَاشِرِ بِإِدْرَاك الْمَشْعَرِ وَحْدَهُ، حَيثُ لَا يكونُ فَوَاتُ عَرَفَةَ اخْتِيارِيا، و من جَعَلَهَا الثَّلَاثَةَ نَظَرَ إلَي كوْنِهَا ظَرْفًا زَمَانِيا لِوُقُوعِ أَفْعَالِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَ فِي

جَعْلِ الْحَجِّ أَشْهُرًا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ فِي الْآيةِ إرْشَادٌ إلَي تَرْجِيحِهِ، وَ بِذَلِك يظْهَرُ أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِي.

وَ بَقِي الْعُمْرَةُ الْمُفْرَدَةُ وَ وَقْتُهَا مَجْمُوعُ أَيامِ السَّنَةِ (وَيشْتَرَطُ فِي التَّمَتُّعِ جَمْعُ الْحَجِّ وَ الْعُمْرَةِ لِعَامٍ وَاحِدٍ) فَلَوْ أَخَّرَ الْحَجَّ عَنْ سَنَتِهَا صَارَتْ مُفْرَدَةً، فَيتْبَعُهَا بِطَوَافِ النِّسَاءِ.

أَمَّا قَسِيمَاهُ فَلَا يشْتَرَطُ إيقَاعُهُمَا فِي سَنَةٍ فِي الْمَشْهُورِ، خِلَافًا لِلشَّيخِ حَيثُ اعْتَبَرَهَا فِي الْقِرَانِ كالتَّمَتُّعِ (وَالْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ لَهُ) أَي لِلتَّمَتُّعِ (مِنْ مَكةَ) مِنْ أَي مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْهَا (وَأَفْضَلُهَا الْمَسْجِدُ) الْحَرَامُ (ثُمَّ) الْأَفْضَلُ مِنْهُ (الْمَقَامُ، أَوْ تَحْتَ الْمِيزَابِ) مُخَيرًا بَينَهُمَا وَ ظَاهِرُهُ تَسَاوِيهِمَا فِي الْفَضْلِ.

وَ فِي الدُّرُوسِ الْأَقْرَبُ أَنَّ فِعْلَهُ فِي الْمَقَامِ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجْرِ تَحْتَ الْمِيزَابِ، وَ كلَاهُمَا مَرْوِي (وَلَوْ أَحْرَمَ) الْمُتَمَتِّعُ بِحَجِّهِ (بِغَيرِهَا) أَي غَيرِ مَكةَ (لَمْ يجُزْ إلَّا مَعَ التَّعَذُّرِ الْمُتَحَقَّقِ) بِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيهَا ابْتِدَاءً، أَوْ تَعَذُّرِ الْعَوْدِ إلَيهَا مَعَ تَرْكهِ بِهَا نِسْيانًا أَوْ جَهْلًا لَا عَمْدًا وَ لَا فَرْقَ بَينَ مُرُورِهِ عَلَي أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ وَ عَدَمِهِ (وَلَوْ تَلَبَّسَ) بِعُمْرَةِ التَّمَتُّعِ (وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ إتْمَامِ الْعُمْرَةِ) قَبْلَ الْإِكمَالِ وَ إِدْرَاك الْحَجِّ (بِحَيضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ عُذْرٍ) مَانِعٍ عَنْ الْإِكمَالِ بِنَحْوِ مَا مَرَّ.

(عَدَلَ) بِالنِّيةِ مِنْ الْعُمْرَةِ الْمُتَمَتَّعِ بِهَا (إلَي) حَجِّ (الْإِفْرَادِ) وَ أَكمَلَ الْحَجَّ بَانِيا عَلَي ذَلِك الْإِحْرَامِ (وَأَتَي بِالْعُمْرَةِ) الْمُفْرَدَةِ (مِنْ بَعْدِ) إكمَالِ الْحَجِّ، وَ أَجْزَأَهُ عَنْ فَرْضِهِ كمَا يجْزِئُ لَوْ انْتَقَلَ ابْتِدَاءً لِلْعُذْرِ.

وَ كذَا يعْدِلُ عَنْ الْإِفْرَادِ وَ قَسِيمِهِ إلَي التَّمَتُّعِ لِلضَّرُورَةِ.

أَمَّا اخْتِيارًا فَسَيأْتِي الْكلَامُ فِيهِ.

وَ نِيةُ الْعُدُولِ عِنْدَ إرَادَتِهِ قَصْدُ الِانْتِقَالِ إلَي النُّسُك الْمَخْصُوصِ مُتَقَرِّبًا.

(وَيشْتَرَطُ فِي) حَجِّ (الْإِفْرَادِ النِّيةُ) وَ الْمُرَادُ بِهَا نِيةُ الْإِحْرَامِ بِالنُّسُك الْمَخْصُوصِ.

وَ عَلَي هَذَا يمْكنُ الْغِنَي عَنْهَا بِذِكرِ الْإِحْرَامِ، كمَا يسْتَغْنَي عَنْ بَاقِي النِّياتِ بِأَفْعَالِهَا.

وَ وَجْهُ تَخْصِيصِهِ أَنَّهُ الرُّكنُ الْأَعْظَمُ بِاسْتِمْرَارِهِ وَ مُصَاحَبَتِهِ لِأَكثَرِ

الْأَفْعَالِ وَ كثْرَةِ أَحْكامِهِ.

بَلْ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عِبَارَةٌ عَنْ النِّيةِ لِأَنَّ تَوْطِينَ النَّفْسِ عَلَي تَرْك الْمُحَرَّمَاتِ الْمَذْكورَةِ لَا يخْرُجُ عَنْهَا، إذْ لَا يعْتَبَرُ اسْتِدَامَتُهُ، وَ يمْكنُ أَنْ يرِيدَ بِهِ نِيةَ الْحَجِّ جُمْلَةً، وَ نِيةَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ كمَا ذَكرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَ فِي وُجُوبِهَا نَظَرٌ أَقْرَبُهُ الْعَدَمُ.

وَ اَلَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ الْأَوَّلُ (وَإِحْرَامُهُ) بِهِ (مِنْ الْمِيقَاتِ) و هو أَحَدُ السِّتَّةِ الْآتِيةِ و ما فِي حُكمِهَا (أَوْ مِنْ دُوَيرَةِ أَهْلِهِ، إنْ كانَتْ أَقْرَبَ) مِنْ الْمِيقَاتِ (إلَي عَرَفَاتٍ) اُعْتُبِرَ الْقُرْبُ إلَي عَرَفَاتٍ لِأَنَّ الْحَجَّ بَعْدَ الْإِهْلَالِ بِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ لَا يتَعَلَّقُ الْغَرَضُ فِيهِ به غير عَرَفَاتٍ بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ فَإِنَّ مَقْصِدَهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ مَكةُ.

فَينْبَغِي اعْتِبَارُ الْقُرْبِ فِيهَا إلَي مَكةَ، و لكن لَمْ يذْكرْهُ هُنَا، و في الدُّرُوسِ أَطْلَقَ الْقُرْبَ، وَ كذَا أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ.

وَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْأَخْبَارِ الْكثِيرَةِ هُوَ الْقُرْبُ إلَي مَكةَ مُطْلَقًا فَالْعَمَلُ بِهِ مُتَعَينٌ، و أن كانَ مَا ذَكرَهُ هُنَا مُتَوَجِّهًا.

وَ عَلَي مَا اعْتَبَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ مُرَاعَاةِ الْقُرْبِ إلَي عَرَفَاتٍ فَأَهْلُ مَكةَ يحْرِمُونَ مِنْ مَنْزِلِهِمْ، لِأَنَّ دُوَيرَتَهُمْ أَقْرَبُ مِنْ الْمِيقَاتِ إلَيهَا، و علي اعْتِبَارِ مَكةَ فَالْحُكمُ كذَلِك، إلَّا أَنَّ الْأَقْرَبِيةَ لَا تَتِمُّ لِاقْتِضَائِهَا الْمُغَايرَةَ بَينَهُمَا، و لو كانَ الْمَنْزِلُ مُسَاوِيا لِلْمِيقَاتِ أَحْرَمَ مِنْهُ، و لو كانَ مُجَاوِرًا بِمَكةَ قَبْلَ مُضِي سَنَتَينِ خَرَجَ إلَي أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ، وَ بَعْدَهُمَا يسَاوِي أَهْلَهَا (وَ) يشْتَرَطُ (فِي الْقِرَانِ ذَلِك) الْمَذْكورُ فِي حَجِّ الْإِفْرَادِ (وَ) يزِيدُ (عَقْدُهُ) لِإِحْرَامِهِ (بِسِياقِ الْهَدْي، وَ إِشْعَارِهِ) بِشَقِّ سَنَامِهِ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيمَنِ، وَ لَطْخِهِ بِدَمِهِ (إنْ كانَ بَدَنَةً، وَ تَقْلِيدِهِ إنْ كانَ) الْهَدْي (غَيرَهَا) غَيرَ الْبَدَنَةِ (بِأَنْ يعَلِّقَ فِي رَقَبَتِهِ نَعْلًا قَدْ صَلَّي) السَّائِقُ (فِيهِ و لو نَافِلَةً، و لو قَلَّدَ الْإِبِلَ) بَدَلَ إشْعَارِهَا (جَازَ).

مَسَائِلُ

الْأُولَي

- (يجُوزُ لِمَنْ حَجَّ نَدْبًا مُفْرِدًا الْعُدُولُ إلَي) عُمْرَةِ (التَّمَتُّعِ)

اخْتِيارًا و هذه هِي الْمُتْعَةُ الَّتِي أَنْكرَهَا الثَّانِي (لَكنْ لَا يلَبِّي بَعْدَ طَوَافِهِ وَ سَعْيهِ) لِأَنَّهُمَا مُحِلَّانِ مِنْ الْعُمْرَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَ التَّلْبِيةُ عَاقِدَةٌ لِلْإِحْرَامِ فَيتَنَافَيانِ وَ لِأَنَّ عُمْرَةَ التَّمَتُّعِ لَا تَلْبِيةَ فِيهَا بَعْدَ دُخُولِ مَكةَ (فَلَوْ لَبَّي) بَعْدَهُمَا (بَطَلَتْ مُتْعَتُهُ) الَّتِي نَقَلَ إلَيهَا (وَبَقِي عَلَي حَجِّهِ) السَّابِقِ لِرِوَايةِ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ وَ لِأَنَّ الْعُدُولَ كانَ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ التَّلْبِيةِ وَ لَا ينَافِي ذَلِك الطَّوَافَ وَ السَّعْي، لِجَوَازِ تَقْدِيمِهِمَا لِمُفْرِدٍ عَلَي الْوُقُوفِ، وَ الْحُكمُ بِذَلِك هُوَ الْمَشْهُورُ، و أن كانَ مُسْتَنَدُهُ لَا يخْلُو مِنْ شَيءٍ.

(وَ قِيلَ) وَ الْقَائِلُ ابْنُ إدْرِيسَ (لَا اعْتِبَارَ إلَّا بِالنِّيةِ) إطْرَاحًا لِلرِّوَايةِ وَ عَمَلًا بِالْحُكمِ الثَّابِتِ مِنْ جَوَازِ النَّقْلِ بِالنِّيةِ، وَ التَّلْبِيةُ ذِكرٌ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَنْعِ (وَلَا يجُوزُ الْعُدُولُ لِلْقَارِنِ) تَأَسِّيا بِالنَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حَيثُ بَقِي عَلَي حَجِّهِ لِكوْنِهِ قَارِنًا، وَ أَمَرَ مَنْ لَمْ يسُقْ الْهَدْي بِالْعُدُولِ (وَ قِيلَ) لَا يخْتَصُّ جَوَازُ الْعُدُولِ بِالْإِفْرَادِ الْمَنْدُوبِ (بَلْ يجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ الْحَجِّ الْوَاجِبِ أَيضًا) سَوَاءٌ كانَ مُتَعَينًا أَمْ مُخَيرًا بَينَهُ و بين غَيرِهِ كالنَّاذِرِ مُطْلَقًا، وَ ذِي الْمَنْزِلَينِ الْمُتَسَاوِيينِ، لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَي الْجَوَازِ (كمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَنْ لَمْ يسُقْ مِنْ الصَّحَابَةِ) مِنْ غَيرِ تَقْييدٍ بِكوْنِ الْمَعْدُولِ عَنْهُ مَنْدُوبًا أَوْ غَيرَ مَنْدُوبٍ (وَهُوَ قَوِي) لَكنْ فِيهِ سُؤَالٌ، الْفَرْقُ بَينَ جَوَازِ الْعُدُولِ عَنْ الْمُعَينِ اخْتِيارًا وَ عَدَمِ جَوَازِهِ ابْتِدَاءً، بَلْ رُبَّمَا كانَ الِابْتِدَاءُ أَوْلَي لِلْأَمْرِ بِإِتْمَامِ الْحَجِّ وَ الْعُمْرَةِ لِلَّهِ، و من ثَمَّ خَصَّهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِمَا إذَا لَمْ يتَعَينْ عَلَيهِ الْإِفْرَادُ وَ قَسِيمُهُ كالْمَنْدُوبِ وَ الْوَاجِبِ الْمُخَيرِ جَمْعًا بَينَ مَا

دَلَّ عَلَي الْجَوَازِ مُطْلَقًا، و ما دَلَّ عَلَي اخْتِصَاصِ كلِّ قَوْمٍ بِنَوْعٍ، و هو أَوْلَي إنْ لَمْ نَقُلْ بِجَوَازِ الْعُدُولِ عَنْ الْإِفْرَادِ إلَي التَّمَتُّعِ ابْتِدَاءً.

(الثَّانِيةُ - يجُوزُ لِلْقَارِنِ وَ الْمُفْرِدِ إذَا دَخَلَا مَكةَ الطَّوَافُ وَ السَّعْي)

، لِلنَّصِّ عَلَي جَوَازِهِ مُطْلَقًا، (إمَّا الْوَاجِبُ أَوْ النَّدْبُ) يمْكنُ كوْنُ ذَلِك عَلَي وَجْهِ التَّخْييرِ، لِلْإِطْلَاقِ، وَ التَّرْدِيدِ، لِمَنْعِ بَعْضِهِمْ مِنْ تَقْدِيمِ الْوَاجِبِ، وَ الْأَوَّلُ مُخْتَارُهُ فِي الدُّرُوسِ، وَ عَلَيهِ فَالْحُكمُ مُخْتَصٌّ بِطَوَافِ الْحَجِّ، دُونَ طَوَافِ النِّسَاءِ، فَلَا يجُوزُ تَقْدِيمُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ كخَوْفِ الْحَيضِ الْمُتَأَخِّرِ.

وَ كذَا يجُوزُ لَهُمَا تَقْدِيمُ صَلَاةٍ لِطَوَافٍ يجُوزُ تَقْدِيمُهُ كمَا يدُلُّ عَلَيهِ قَوْلُهُ (لَكنْ يجَدِّدَانِ التَّلْبِيةَ عَقِيبَ صَلَاةِ الطَّوَافِ) يعْقِدَانِ بِهَا الْإِحْرَامَ لِئَلَّا يحِلَّا.

(فَلَوْ تَرَكهَا أَحَلَّا عَلَي الْأَشْهَرِ)، لِلنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَيهِ.

وَ قِيلَ لَا يحِلَّانِ إلَّا بِالنِّيةِ، و في الدُّرُوسِ جَعَلَهَا أَوْلَي، و علي الْمَشْهُورِ ينْبَغِي الْفَوْرِيةُ بِهَا عَقِيبَهَا، وَ لَا يفْتَقَرُ إلَي إعَادَةِ نِيةِ الْإِحْرَامِ، بِنَاءً عَلَي مَا ذَكرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ التَّلْبِيةَ كتَكبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لَا تُعْتَبَرُ بِدُونِهَا، لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَي ذَلِك، بَلْ إطْلَاقُ هَذَا دَلِيلٌ عَلَي ضَعْفِ ذَاك.

وَ لَوْ أَخَلَّا بِالتَّلْبِيةِ صَارَ حَجُّهُمَا عُمْرَةً وَ انْقَلَبَ تَمَتُّعًا وَ لَا يجْزِئُ عَنْ فَرْضِهِمَا، لِأَنَّهُ عُدُولٌ اخْتِيارِي وَ احْتَرَزَ بِهِمَا عَنْ الْمُتَمَتِّعِ فَلَا يجُوزُ لَهُ تَقْدِيمُهُمَا عَلَي الْوُقُوفِ اخْتِيارًا، وَ يجُوزُ لَهُ تَقْدِيمُ الطَّوَافِ وَ رَكعَتَيهِ خَاصَّةً مَعَ الِاضْطِرَارِ كخَوْفِ الْحَيضِ الْمُتَأَخِّرِ وَ حِينَئِذٍ فَيجِبُ عَلَيهِ التَّلْبِيةُ، لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَ فِي جَوَازِ طَوَافِهِ نَدْبًا وَجْهَانِ فَإِنْ فَعَلَ جَدَّدَ التَّلْبِيةَ كغَيرِهِ.

(الثَّالِثَةُ - لَوْ بَعُدَ الْمَكي) عَنْ الْمِيقَاتِ

(ثُمَّ حَجَّ عَلَي مِيقَاتٍ أَحْرَمَ مِنْهُ وُجُوبًا)، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مِيقَاتَهُ بِسَبَبِ مُرُورِهِ كغَيرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَوَاقِيتِ إذَا مَرَّ به غير مِيقَاتِهِ، و أن كانَ مِيقَاتُهُ دُوَيرَةَ أَهْلِهِ، (وَلَوْ كانَ لَهُ مَنْزِلَانِ

بِمَكةَ)، أَوْ مَا فِي حُكمِهَا، (وَبِالْآفَاقِ) الْمُوجِبَةِ لِلتَّمَتُّعِ (وَغَلَبَتْ إقَامَتُهُ فِي الْآفَاقِ تَمَتَّعَ)، و أن غَلَبَتْ بِمَكةَ، أَوْ مَا فِي حُكمِهَا قَرَنَ، أَوْ أَفْرَدَ، (وَلَوْ تَسَاوَيا) فِي الْإِقَامَةِ (تَخَيرَ) فِي الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثِ.

هَذَا إذَا لَمْ يحْصُلْ مِنْ إقَامَتِهِ بِمَكةَ مَا يوجِبُ انْتِقَالَ حُكمِهِ كمَا لَوْ أَقَامَ بِمَنْزِلِهِ الْآفَاقِي ثَلَاثَ سِنِينَ، وَ بِمَكةَ سَنَتَينِ مُتَوَالِيتَينِ، وَ حَصَلَتْ الِاسْتِطَاعَةُ فِيهَا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يلْزَمُهُ حُكمُ مَكةَ، و أن كانَتْ إقَامَتُهُ فِي الْآفَاقِ أَكثَرَ لِمَا سَيأْتِي، وَ لَا فَرْقَ فِي الْإِقَامَةِ بَينَ مَا وَقَعَ مِنْهَا حَالَ التَّكلِيفِ و غيرهِ وَ لَا بَينَ مَا أَتَمَّ الصَّلَاةَ فِيهَا، و غيرهِ، وَ لَا بَينَ الِاخْتِيارِيةِ وَ الاضْطِرَارِية وَ لَا الْمَنْزِلِ الْمَمْلُوك وَ الاضْطِرَارِية وَ لَا الْمَنْزِلِ الْمَمْلُوك عَينًا وَ مَنْفَعَةً، وَ الْمَغْصُوبِ، وَ لَا بَينَ أَنْ يكونَ بَينَ الْمَنْزِلَينِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، وَ عَدَمِهِ، لِإِطْلَاقِ النَّصِّ فِي ذَلِك كلِّهِ، وَ مَسَافَةُ السَّفَرِ إلَي كلٍّ مِنْهُمَا لَا يحْتَسَبُ عَلَيهِمَا.

وَ مَتَي حُكمَ بِاللُّحُوقِ بِأَحَدِ الْمَنْزِلَينِ اُعْتُبِرَتْ الِاسْتِطَاعَةُ مِنْهُ، و لو اشْتَبَهَ الْأَغْلَبُ مِنْهُ تَمَتَّعَ.

(وَالْمُجَاوِرُ بِمَكةَ) بِنِيةِ الْإِقَامَةِ عَلَي الدَّوَامِ، أَوْ لَا مَعَهَا مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ (سَنَتَينِ ينْتَقِلُ) فَرْضُهُ (فِي الثَّالِثَةِ إلَي الْإِفْرَادِ وَ الْقِرَانِ، وَ قَبْلَهَا) أَي قَبْلَ الثَّالِثَةِ (يتَمَتَّعُ) هَذَا إذَا تَجَدَّدَتْ الِاسْتِطَاعَةُ فِي زَمَنِ الْإِقَامَةِ، وَ الا لَمْ ينْتَقِلْ مَا وَجَبَ مِنْ الْفَرْضِ، وَ الاسْتِطَاعَةُ تَابِعَةُ الْفَرْضِ فِيهِمَا إنْ كانَتْ الْإِقَامَةُ بِنِيةِ الدَّوَامِ، وَ الا اُعْتُبِرَتْ مِنْ بَلَدِهِ، و لو انْعَكسَ الْفَرْضُ بِأَنْ أَقَامَ الْمَكي فِي الْآفَاقِ اُعْتُبِرَتْ نِيةُ الدَّوَامِ وَ عَدَمِهِ فِي الْفَرْضِ وَ الاسْتِطَاعَةِ، إنْ لَمْ تَسْبِقْ الِاسْتِطَاعَةُ بِمَكةَ كمَا مَرَّ، كمَا يعْتَبَرُ ذَلِك فِي الْآفَاقِ لَوْ انْتَقَلَ مِنْ بَلَدٍ إلَي آخَرَ يشَارِكهُ فِي الْفَرْضِ، وَ لَا فَرْقَ أَيضًا بَينَ الْإِقَامَةِ زَمَنَ

التَّكلِيفِ و غيرهِ، وَ لَا بَينَ الِاخْتِيارِيةِ وَ الاضْطِرَارِية لِلْإِطْلَاقِ.

(وَلَا يجِبُ الْهَدْي عَلَي غَيرِ الْمُتَمَتِّعِ) و أن كانَ قَارِنًا، لِأَنَّ هَدْي الْقِرَانِ غَيرُ وَاجِبٍ ابْتِدَاءً و أن تَعَينَ حَدُّ الْإِشْعَارِ أَوْ التَّقْلِيدِ لِلذَّبْحِ، (وَهُوَ) أَي هَدْي التَّمَتُّعِ (نُسْك) كغَيرِهِ مِنْ مَنَاسِك الْحَجِّ، و هي أَجْزَاؤُهُ مِنْ الطَّوَافِ، وَ السَّعْي، و غيرهِمَا، (لَا جُبْرَانَ) لِمَا فَاتَ مِنْ الْإِحْرَامِ لَهُ مِنْ الْمِيقَاتِ عَلَي الْمَشْهُورِ بَينَ أَصْحَابِنَا و (لِلشَّيخِ رَحِمَهُ اللَّهُ) قَوْلٌ: بِأَنَّهُ جُبْرَانٌ، وَ جَعْلُهُ تَعَالَي مِنْ الشَّعَائِرِ، وَ أَمْرُهُ بِالْأَكلِ مِنْهُ يدُلُّ عَلَي الْأَوَّلِ.

وَ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ، أَوْ مَرَّ بِهِ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكةَ، فَيسْقُطُ الْهَدْي عَلَي الْجُبْرَانِ، لِحُصُولِ الْغَرَضِ، وَ يبْقَي عَلَي النُّسْك، أَمَّا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ مَكةَ وَ خَرَجَ إلَي عَرَفَاتٍ مِنْ غَيرِ أَنْ يمُرَّ بِالْمِيقَاتِ وَجَبَ الْهَدْي عَلَي الْقَوْلَينِ و هو مَوْضِعُ وِفَاقٍ.

(الرَّابِعَةُ - لَا يجُوزُ الْجَمْعُ بَينَ النُّسُكينِ) الْحَجِّ وَ الْعُمْرَةِ

(بِنِيةٍ وَاحِدَةٍ) سَوَاءٌ فِي ذَلِك الْقِرَانُ، و غيرهُ عَلَي الْمَشْهُورِ (فَيبْطُلُ كلٌّ مِنْهُمَا) لِلنَّهْي الْمُفْسِدِ لِلْعِبَادَةِ كمَا لَوْ نَوَي صَلَاتَينِ، خِلَافًا لِلْخِلَافِ حَيثُ قَالَ: ينْعَقِدُ الْحَجُّ خَاصَّةً، وَ لِلْحَسَنِ حَيثُ جَوَّزَ ذَلِك وَ جَعَلَهُ تَفْسِيرًا لِلْقِرَانِ مَعَ سِياقِ الْهَدْي.

(وَلَا إدْخَالُ أَحَدِهِمَا عَلَي الْآخَرِ) بِأَنْ ينْوِي الثَّانِي (قَبْلَ) إكمَالِ (تَحَلُّلِهِ مِنْ الْأَوَّلِ) و هو الْفَرَاغُ مِنْهُ، لَا مُطْلَقُ التَّحَلُّلِ، (فَيبْطُلُ الثَّانِي إنْ كانَ عُمْرَةً) مُطْلَقًا حَتَّي لَوْ أَوْقَعَهَا قَبْلَ الْمَبِيتِ بِمِنًي لَيالِي التَّشْرِيقِ، (أَوْ كانَ) الدَّاخِلُ (حَجًّا) عَلَي الْعُمْرَةِ (قَبْلَ السَّعْي) لَهَا، (وَلَوْ كانَ) بَعْدَهُ وَ (قَبْلَ التَّقْصِيرِ وَ تَعَمَّدَ ذَلِك فَالْمَرْوِي) صَحِيحًا عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيهِ السَّلَامُ (أَنَّهُ يبْقَي عَلَي حَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ) بِمَعْنَي بُطْلَانِ عُمْرَةِ التَّمَتُّعِ، وَ صَيرُورَتِهَا بِالْإِحْرَامِ قَبْلَ إكمَالِهَا حَجَّةً

مُفْرَدَةً فَيكمِلُهَا ثُمَّ يعْتَمِرُ بَعْدَهَا عُمْرَةً مُفْرَدَةً.

وَ نِسْبَتُهُ إلَي الْمَرْوِي يشْعِرُ بِتَوَقُّفِهِ فِي حُكمِهِ مِنْ حَيثُ النَّهْي، عَنْ الْإِحْرَامِ الثَّانِي، وَ بِوُقُوعِ خِلَافِ مَا نَوَاهُ إنْ أَدْخَلَ حَجَّ التَّمَتُّعِ، وَ عَدَمِ صَلَاحِيةِ الزَّمَانِ إنْ أَدْخَلَ غَيرَهُ، فَبُطْلَانُ الْإِحْرَامِ أَنْسَبُ، مَعَ أَنَّ الرِّوَايةَ لَيسَتْ صَرِيحَةً فِي ذَلِك، لِأَنَّهُ قَالَ " الْمُتَمَتِّعُ إذَا طَافَ وَ سَعَي ثُمَّ لَبَّي قَبْلَ أَنْ يقَصِّرَ فَلَيسَ لَهُ أَنْ يقَصِّرَ و ليس لَهُ مُتْعَةٌ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ يمْكنُ حَمْلُهَا عَلَي مُتَمَتِّعٍ عَدْلٍ عَنْ الْإِفْرَادِ ثُمَّ لَبَّي بَعْدَ السَّعْي، لِأَنَّهُ رَوَي التَّصْرِيحَ بِذَلِك فِي رِوَايةٍ أُخْرَي.

وَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللَّهُ حَمَلَهَا عَلَي الْمُتَعَمِّدِ، جَمْعًا بَينَهُمَا، و بين حَسَنَةِ عَمَّارٍ الْمُتَضَمِّنَةِ " أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي الْحَجِّ قَبْلَ التَّقْصِيرِ نَاسِيا لَا شَيءَ عَلَيهِ ".

وَ حَيثُ حَكمْنَا بِصِحَّةِ الثَّانِي وَ انْقِلَابِهِ مُفْرِدًا لَا يجْزِئُ عَنْ فَرْضِهِ، لِأَنَّهُ عُدُولٌ اخْتِيارِي و لم يأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَي وَجْهِهِ وَ الْجَاهِلُ عَامِدٌ.

(وَلَوْ كانَ نَاسِيا صَحَّ إحْرَامُهُ الثَّانِي) وَ حَجُّهُ، وَ لَا يلْزَمُهُ قَضَاءُ التَّقْصِيرِ لِأَنَّهُ لَيسَ جُزْءًا، بَلْ مُحَلِّلًا، (وَيسْتَحَبُّ جَبْرُهُ بِشَاةٍ)، لِلرِّوَايةِ الْمَحْمُولَةِ عَلَي الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا، و لو كانَ الْإِحْرَامُ قَبْلَ إكمَالِ السَّعْي بَطَلَ وَ وَجَبَ إكمَالُ الْعُمْرَةِ.

وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يحْتَاجُ إلَي اسْتِثْنَاءِ مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيهِ إتْمَامُ نُسُكهِ فَإِنَّهُ يجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَي الْآخَرِ قَبْلَ إكمَالِهِ، لِأَنَّ ذَلِك لَا يسَمَّي إدْخَالًا، بَلْ انْتِقَالًا و أن كانَ الْمُصَنِّفُ قَدْ اسْتَثْنَاهُ فِي الدُّرُوسِ.

الْفَصْلُ الثَّالِثُ - فِي الْمَوَاقِيتِ

(الْفَصْلُ الثَّالِثُ - فِي الْمَوَاقِيتِ)

وَاحِدُهَا مِيقَاتٌ و هو لُغَةً الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ لِلْفِعْلِ، وَ الْمَوْضِعُ الْمُعَينُ لَهُ، وَ الْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي، (لَا يصِحُّ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ إلَّا بِالنَّذْرِ وَ شِبْهِهِ) مِنْ الْعَهْدِ وَ الْيمِينِ (إذَا وَقَعَ الْإِحْرَامُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) هَذَا شَرْطٌ لَا يشْتَرَطُ وُقُوعُهُ فِيهَا، و

هو الْحَجُّ مُطْلَقًا وَ عُمْرَةُ التَّمَتُّعِ، (وَلَوْ كانَ عُمْرَةً مُفْرَدَةً لَمْ يشْتَرَطْ) وُقُوعُ إحْرَامِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، لِجَوَازِهَا فِي مُطْلَقِ السَّنَةِ فَيصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَي الْمِيقَاتِ بِالنَّذْرِ مُطْلَقًا وَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ تَقْدِيمِهِ بِالنَّذْرِ وَ شِبْهِهِ أَصَحُّ الْقَوْلَينِ وَ أَشْهُرُهُمَا، وَ بِهِ أَخْبَارٌ بَعْضُهَا صَحِيحٌ فَلَا يسْمَعُ إنْكارُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ لَهُ اسْتِضْعَافًا لِمُسْتَنَدِهِ.

(وَلَوْ خَافَ مَرِيدُ الِاعْتِمَارِ فِي رَجَبٍ تَقَضِّيهِ جَازَ لَهُ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ) أَيضًا، لَيدْرِك فَضِيلَةَ الِاعْتِمَارِ فِي رَجَبٍ الَّذِي يلِي الْحَجَّ فِي الْفَضْلِ وَ تَحْصُلُ بِالْإِهْلَالِ فِيهِ و أن وَقَعَتْ الْأَفْعَالُ فِي غَيرِهِ، وَلْيكنْ الْإِحْرَامُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ رَجَبٍ تَقْرِيبًا لَا تَحْقِيقًا (وَلَا يجِبُ إعَادَتُهُ فِيهِ) لِلْوَضْعَينِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ، لِلِامْتِثَالِ الْمُقْتَضِي لِلْإِجْزَاءِ نَعَمْ يسْتَحَبُّ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا

(وَلَا) يجُوزُ لِمُكلَّفٍ (أَنْ يتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ به غير إحْرَامٍ)

عَدَا مَا اُسْتُثْنِي مِنْ الْمُتَكرِّرِ، و من دَخَلَهَا لِقِتَالٍ، و من لَيسَ بِقَاصِدٍ مَكةَ عِنْدَ مُرُورِهِ عَلَي الْمِيقَاتِ، وَ مَتَي تَجَاوَزَهُ غَيرُ هَؤُلَاءِ به غير إحْرَامٍ (فَيجِبُ الرُّجُوعُ إلَيهِ) مَعَ الْإِمْكانِ، (فَلَوْ تَعَذَّرَ بَطَلَ) نُسُكهُ (إنْ تَعَمَّدَهُ) أَي تَجَاوَزَهُ به غير إحْرَامٍ عَالِمًا بِوُجُوبِهِ وَ وَجَبَ عَلَيهِ قَضَاؤُهُ و أن لَمْ يكنْ مُسْتَطِيعًا، بَلْ كانَ سَبَبُهُ إرَادَةَ الدُّخُولِ، فَإِنَّ ذَلِك مُوجِبٌ لَهُ كالْمَنْذُورِ، نَعَمْ لَوْ رَجَعَ قَبْلَ دُخُولِ الْحَرَمِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيهِ، و أن أَثِمَ بِتَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ، (وَإِلَّا يكنْ) مُتَعَمِّدًا بَلْ نَسِي، أَوْ جَهِلَ، أَوْ لَمْ يكنْ قَاصِدًا مَكةَ ثُمَّ بَدَا لَهُ قَصْدُهَا (أَحْرَمَ مِنْ حَيثُ أَمْكنَ.

وَ لَوْ دَخَلَ مَكةَ) مَعْذُورًا ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ بِذِكرِهِ وَ عِلْمِهِ وَ نَحْوِهِمَا (خَرَجَ إلَي أَدْنَي الْحِلِّ) و هو مَا خَرَجَ عَنْ مُنْتَهَي الْحَرَمِ إنْ لَمْ يمْكنْهُ الْوُصُولُ إلَي أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْخُرُوجُ إلَي أَدْنَي الْحِلِّ (فَمِنْ مَوْضِعِهِ) بِمَكةَ، (وَلَوْ

أَمْكنَ الرُّجُوعُ إلَي الْمِيقَاتِ وَجَبَ)، لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ بِالْأَصَالَةِ، و إنّما قَامَ غَيرُهُ مَقَامَهُ لِلضَّرُورَةِ، وَ مَعَ إمْكانِ الرُّجُوعِ إلَيهِ لَا ضَرُورَةَ، و لو كمُلَ غَيرُ الْمُكلَّفِ بِالْبُلُوغِ وَ الْعِتْقِ بَعْدَ تُجَاوِزْ الْمِيقَاتِ فَكمَنْ لَا يرِيدُ النُّسُك.

(وَالْمَوَاقِيتُ)

الَّتِي وَقَّتَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِأَهْلِ الْآفَاقِ ثُمَّ قَالَ: هُنَّ لَهُنَّ، وَ لِمَنْ أَتَي عَلَيهِنَّ مِنْ غَيرِ أَهْلِهِنَّ (سِتَّةٌ ذُو الْحُلَيفَةُ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَ فَتْحِ اللَّامِ وَ الْفَاءِ بَعْدَ الْياءِ به غير فَصْلٍ تَصْغِيرُ الْحَلَفَةِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَ اللَّامِ وَاحِدُ الْحَلْفَاءِ.

وَ هُوَ النَّبَاتُ الْمَعْرُوفُ قَالَهُ الْجَوْهَرِي أَوْ تَصْغِيرُ الْحَلْفَةِ و هي الْيمِينُ لِتَحَالُفِ قَوْمٍ مِنْ الْعَرَبِ بِهِ.

وَ هُوَ مَاءٌ عَلَي سِتَّةِ أَمْيالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ.

وَ الْمُرَادُ الْمَوْضِعُ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ، وَ بِهِ مَسْجِدُ الشَّجَرَةِ وَ الْإِحْرَامُ مِنْهُ أَفْضَلُ وَ أَحْوَطُ لِلتَّأَسِّي، وَ قِيلَ: بَلْ يتَعَينُ مِنْهُ لِتَفْسِيرِ ذِي الْحُلَيفَةِ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ، و هو جَامِعٌ بَينَهَا (لِلْمَدِينَةِ.

وَ الْجُحْفَةُ) و هي فِي الْأَصْلِ مَدِينَةٌ أَجْحَفَ بِهَا السَّيلُ، عَلَي ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكةَ (لِلشَّامِ) و هي الْآنَ لِأَهْلِ مِصْرَ، (وَيلَمْلَمُ) وَ يقَالُ: أَلَمْلَمُ و هو جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ (لِلْيمَنِ.

وَ قَرْنُ الْمَنَازِلِ) بِفَتْحِ الْقَافِ فَسُكونِ الرَّاءِ، و في الصِّحَاحِ بِفَتْحِهِمَا، و أنّ أُوَيسًا مِنْهُمَا، وَ خَطَّئُوهُ فِيهِمَا، فَإِنَّ أُوَيسًا يمَنِي مَنْسُوبٌ إلَي قَرَنٍ بِالتَّحْرِيك: بَطْنٌ مِنْ مُرَادٍ، وَ قَرَنٌ: جَبَلٌ صَغِيرٌ مِيقَاتٌ (لِلطَّائِفِ.

وَ الْعَقِيقُ) و هو وَادٍ طَوِيلٌ يزِيدُ عَلَي بَرِيدَينِ (لِلْعِرَاقِ وَ أَفْضَلُهُ الْمَسْلَخُ) و هو أَوَّلُهُ مِنْ جِهَةِ الْعِرَاقِ.

وَ رُوِي أَنَّ أَوَّلَهُ دُونَهُ بِسِتَّةِ أَمْيالٍ، و ليس فِي ضَبْطِ الْمَسْلَخِ شَيءٌ يعْتَمَدُ عَلَيهِ.

وَ قَدْ قِيلَ: إنَّهُ بِالسِّينِ وَ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَينِ وَاحِدُ الْمَسَالِحِ و هو الْمَوَاضِعُ الْعَالِيةُ وَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لِنَزْعِ الثِّيابِ بِهِ، (ثُمَّ) يلِيهِ فِي الْفَضْلِ

(غَمْرَةٌ) و هي فِي وَسَطِ الْوَادِي، (ثُمَّ ذَاتُ عِرْقٍ) و هي آخِرُهُ إلَي جِهَةِ الْمَغْرِبِ، وَ بُعْدُهَا عَنْ مَكةَ مَرْحَلَتَانِ قَاصِدَتَانِ كبُعْدِ يلَمْلَمَ وَ قَرْنٍ عَنْهَا.

(وَمِيقَاتُ حَجِّ التَّمَتُّعِ مَكةُ) كمَا مَرَّ، (وَحَجِّ الْإِفْرَادِ مَنْزِلُهُ)، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَي عَرَفَاتٍ مِنْ الْمِيقَاتِ مُطْلَقًا، لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّ أَقْرَبَ الْمَوَاقِيتِ إلَي مَكةَ مَرْحَلَتَانِ هِي ثَمَانِيةٌ وَ أَرْبَعُونَ مِيلًا و هي مُنْتَهَي مَسَافَةِ حَاضِرِي مَكةَ (كمَا سَبَقَ) مِنْ أَنَّ مَنْ كانَ مَنْزِلُهُ أَقْرَبَ إلَي عَرَفَاتٍ فَمِيقَاتُهُ مَنْزِلُهُ.

وَ يشْكلُ بِإِمْكانِ زِيادَةِ مَنْزِلٍ بِالنِّسْبَةِ إلَي عَرَفَةَ وَ الْمُسَاوَاةُ فَيتَعَينُ الْمِيقَاتُ فِيهِمَا و أن لَمْ يتَّفِقْ ذَلِك بِمَكةَ.

(وَكلُّ مَنْ حَجَّ عَلَي مِيقَاتٍ) كالشَّامِي يمُرُّ بِذِي الْحُلَيفَةِ (فَهُوَ لَهُ) و أن لَمْ يكنْ مِنْ أَهْلِهِ، و لو تَعَدَّدَتْ الْمَوَاقِيتُ فِي الطَّرِيقِ الْوَاحِدِ كذِي الْحُلَيفَةِ وَ الْجُحْفَةِ وَ الْعَقِيقِ بِطَرِيقِ الْمَدَنِي أَحْرَمَ مِنْ أَوَّلِهَا مَعَ الِاخْتِيارِ، و من ثَانِيهَا مَعَ الِاضْطِرَارِ، كمَرَضٍ يشُقُّ مَعَهُ التَّجْرِيدُ وَ كشْفُ الرَّأْسِ، أَوْ ضَعْفٍ، أَوْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ بِحَيثُ لَا يتَحَمَّلُ ذَلِك عَادَةً، و لو عَدَلَ عَنْهُ جَازَ التَّأْخِيرُ إلَي الْآخَرِ اخْتِيارًا.

وَ لَوْ أَخَّرَ إلَي الْآخَرِ عَمْدًا أَثِمَ وَ أَجْزَأَ عَلَي الْأَقْوَي.

(وَلَوْ حَجَّ عَلَي غَيرِ مِيقَاتٍ كفَتْهُ الْمُحَاذَاةُ) لِلْمِيقَاتِ.

وَ هِي مُسَامَتَتُهُ بِالْإِضَافَةِ إلَي قَاصِدِ مَكةَ عَرَفْت إنْ اتَّفَقَتْ، (وَلَوْ لَمْ يحَاذِ مِيقَاتًا أَحْرَمَ مِنْ قَدْرٍ تَشْتَرِك فِيهِ الْمَوَاقِيتُ) و هو قَدْرٌ بَعْدَ أَقْرَبِ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكةَ و هو مَرْحَلَتَانِ كمَا سَبَقَ عِلْمًا، أَوْ ظَنًّا.

فِي بَرٍّ، أَوْ بَحْرٍ.

وَ الْعِبَارَةُ أَعَمُّ مِمَّا اعْتَبَرْنَاهُ، لِأَنَّ الْمُشْتَرَك بَينَهُمَا يصْدُقُ بِالْيسِيرِ، و كأنّهُ أَرَادَ تَمَامَ الْمُشْتَرَك، ثُمَّ إنْ تَبَينَتْ الْمُوَافَقَةُ، أَوْ اسْتَمَرَّ الِاشْتِبَاهُ أَجْزَأَ، و لو تَبَينَ تَقَدُّمُهُ قَبْلَ تَجَاوُزِهِ أَعَادَهُ وَ بَعْدَهُ، أَوْ تَبَينَ تَأَخُّرُهُ وَجْهَانِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ وَ تَعَبُّدُهُ بِظَنِّهِ الْمُقْتَضِي

لِلْإِجْزَاءِ.

الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ
التمهيد

(الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ) الْمُطْلَقَةِ

(وَهِي الْإِحْرَامُ وَ الطَّوَافُ وَ السَّعْي وَ التَّقْصِيرُ) و هذه الْأَرْبَعَةُ تَشْتَرِك فِيهَا عُمْرَةُ الْإِفْرَادِ وَ التَّمَتُّعِ، (وَيزِيدُ فِي عُمْرَةِ الْإِفْرَادِ بَعْدَ التَّقْصِيرِ طَوَافَ النِّسَاءِ) وَ رَكعَتَيهِ.

وَ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ مِنْهَا أَرْكانٌ دُونَ الْبَاقِي، و لم يذْكرْ التَّلْبِيةَ مِنْ الْأَفْعَالِ كمَا ذَكرَهَا فِي الدُّرُوسِ، إلْحَاقًا لَهَا بِوَاجِبَاتِ الْإِحْرَامِ كلُبْسِ ثَوْبَيهِ، (وَيجُوزُ فِيهَا) أَي فِي الْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ (الْحَلْقُ) مُخَيرًا بَينَهُ، و بين التَّقْصِيرِ، (لَا فِي عُمْرَةِ التَّمَتُّعِ)، بَلْ يتَعَينُ التَّقْصِيرُ، لِيتَوَفَّرَ الشَّعْرُ فِي إحْرَامِ حَجَّتِهِ الْمُرْتَبِطِ بِهَا.

(الْقَوْلُ فِي الْإِحْرَامِ)

(يسْتَحَبُّ تَوْفِيرُ شَعْرِ الرَّأْسِ لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ) تَمَتُّعًا و غيرهُ (مِنْ أَوَّلِ ذِي الْقِعْدَةِ وَ آكدُ مِنْهُ) تَوْفِيرُهُ (عِنْدَ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ) وَ قِيلَ: يجِبُ التَّوْفِيرُ وَ بِالْإِخْلَالِ بِهِ دَمُ شَاةٍ، وَ لِمَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ تَوْفِيرُهُ شَهْرًا، (وَاسْتِكمَالُ التَّنْظِيفِ) عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ (بِقَصِّ الْأَظْفَارِ، وَ أَخْذِ الشَّارِبِ، وَ الْإِطْلَاءِ) لِمَا تَحْتَ رَقَبَتِهِ مِنْ بَدَنِهِ و أن قَرُبَ الْعَهْدُ بِهِ، (وَلَوْ سَبَقَ) الْإِطْلَاءُ عَلَي يوْمِ الْإِحْرَامِ (أَجْزَأَ) فِي أَصْلِ السُّنَّةِ و أن كانَتْ الْإِعَادَةُ أَفْضَلَ (مَا لَمْ يمْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يوْمًا) فَيعَادُ.

(وَالْغُسْلُ)، بَلْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ وَ مَكانُهُ الْمِيقَاتُ إنْ أَمْكنَ فِيهِ، و لو كانَ مَسْجِدًا فَقُرْبُهُ عُرْفًا، وَ وَقْتُهُ يوْمُ الْإِحْرَامِ بِحَيثُ لَا يتَخَلَّلُ بَينَهُمَا حَدَثٌ، أَوْ أَكلٌ، أَوْ طِيبٌ، أَوْ لِبْسُ مَا لَا يحِلُّ لِلْمُحْرِمِ و لو خَافَ عَوْزَ الْمَاءِ فِيهِ قَدَّمَهُ فِي أَقْرَبِ أَوْقَاتِ إمْكانِهِ إلَيهِ فَيلْبَسُ ثَوْبَيهِ بَعْدَهُ، و في التَّيمُّمِ لِفَاقِدِ الْمَاءِ بَدَلَهُ قَوْلٌ لِلشَّيخِ لَا بَأْسَ بِهِ و أن جَهِلَ مَأْخَذَهُ (وَصَلَاةُ سُنَّةِ الْإِحْرَامِ) و هي سِتُّ رَكعَاتٍ، ثُمَّ أَرْبَعٌ، ثُمَّ رَكعَتَانِ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ إنْ جَمَعَهُمَا، (وَالْإِحْرَامُ عَقِيبُ) فَرِيضَةِ (الظُّهْرِ، أَوْ فَرِيضَةٍ) إنْ لَمْ يتَّفِقْ الظُّهْرُ و لو مَقْضِيةً

إنْ لَمْ يتَّفِقْ وَقْتُ فَرِيضَةٍ مُؤَدَّاةٍ (وَيكفِي النَّافِلَةُ) الْمَذْكورَةُ (عِنْدَ عَدَمِ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ)، وَلِيكنْ ذَلِك كلُّهُ بَعْدَ الْغُسْلِ، وَ لُبْسِ الثَّوْبَينِ لِيحْرِمَ عَقِيبَ الصَّلَاةِ به غير فَصْلٍ.

(وَيجِبُ فِيهِ النِّيةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَي مُشَخِّصَاتِهِ) مَنْ كوْنِهِ إحْرَامَ حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةِ تَمَتُّعٍ، أَوْ غَيرِهِ، إسْلَامِي أَوْ مَنْذُورٍ، أَوْ غَيرِهِمَا كلُّ ذَلِك (مَعَ الْقُرْبَةِ) الَّتِي هِي غَايةُ الْفِعْلِ الْمُتَعَبَّدِ بِهِ (وَيقَارَنُ بِهَا) قَوْلُهُ (لَبَّيك اللَّهُمَّ لَبَّيك لَبَّيك، إنَّ الْحَمْدَ وَ النِّعْمَةَ وَ الْمُلْك لَك، لَا شَرِيك لَك لَبَّيك) و قد أَوْجَبَ الْمُصَنِّفُ و غيرهُ النِّيةَ لِلتَّلْبِيةِ أَيضًا وَ جَعَلُوهَا مُقَدَّمَةً عَلَي التَّقَرُّبِ بِنِيةِ الْإِحْرَامِ بِحَيثُ يجْمَعُ النِّيتَينِ جُمْلَةً، لِتَحَقُّقِ الْمُقَارَنَةِ بَينَهُمَا كتَكبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِنِيةِ الصَّلَاةِ، و إنّما وَجَبَتْ النِّيةُ لِلتَّلْبِيةِ دُونَ التَّحْرِيمَةِ لِأَنَّ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ مُتَّصِلَةٌ حِسًّا وَ شَرْعًا فَيكفِي نِيةٌ وَاحِدَةٌ لِلْجُمْلَةِ كغَيرِ التَّحْرِيمَةِ مِنْ الْأَجْزَاءِ، بِخِلَافِ التَّلْبِيةِ فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ أَفْعَالِ الْحَجِّ و هي مُنْفَصِلَةٌ شَرْعًا وَ حِسًّا، فَلَا بُدَّ لِكلِّ وَاحِدٍ مِنْ نِيةٍ.

وَ عَلَي هَذَا فَكانَ إفْرَادُ التَّلْبِيةِ عَنْ الْإِحْرَامِ وَ جَعْلُهَا مِنْ جُمْلَةِ أَفْعَالِ الْحَجِّ أَوْلَي كمَا صَنَعَ فِي غَيرِهِ، وَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ جَعَلَ نِيةَ التَّلْبِيةِ بَعْدَ نِيةِ الْإِحْرَامِ و أن حَصَلَ بِهَا فَصْلٌ وَ كثِيرٌ مِنْهُمْ لَمْ يعْتَبِرُوا الْمُقَارَنَةَ بَينَهُمَا مُطْلَقًا، وَ النُّصُوصُ خَالِيةٌ عَنْ اعْتِبَارِ الْمُقَارَنَةِ، بَلْ بَعْضُهَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِهَا.

وَ لَبَّيك نُصِبَ عَلَي الْمَصْدَرِ، وَ أَصْلُهُ لُبًّا لَك أَي إقَامَةً، أَوْ إخْلَاصًا مِنْ لَبَّ بِالْمَكانِ إذَا أَقَامَ بِهِ، أَوْ مِنْ لُبِّ الشَّيءِ و هو خَالِصُهُ.

وَ ثُنِّي تَأْكيدًا أَي إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ وَ إِخْلَاصًا بَعْدَ إخْلَاصٍ، هَذَا بِحَسَبِ الْأَصْلِ.

وَ قَدْ صَارَ مَوْضُوعًا لِلْإِجَابَةِ و هي هُنَا جَوَابٌ عَنْ النِّدَاءِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَي بِهِ إبْرَاهِيمَ بِأَنْ يؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ فَفَعَلَ، وَ يجُوزُ

كسْرُ إنَّ عَلَي الِاسْتِئْنَافِ، وَ فَتْحُهَا بِنَزْعِ الْخَافِضِ و هو لَامُ التَّعْلِيلِ، و في الأَوَّلِ تَعْمِيمٌ فَكانَ أَوْلَي. (وَلِبْسُ ثَوْبَي الْإِحْرَامِ) الْكائِنَينِ (مَنْ جِنْسِ مَا يصَلِّي فِيهِ) الْمُحْرِمُ فَلَا يجُوزُ أَنْ يكونَ مِنْ جِلْدِ، وَ صُوفِ، وَ شَعْرِ، وَ وَبَرِ مَا لَا يؤْكلُ لَحْمُهُ وَ لَا مِنْ جِلْدِ الْمَأْكولِ مَعَ عَدَمِ التَّذْكيةِ، وَ لَا فِي الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ، وَ لَا فِي الشَّافِّ مُطْلَقًا، وَ لَا فِي النَّجِسِ غَيرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا فِي الصَّلَاةِ، وَ يعْتَبَرُ كوْنُهُمَا غَيرُ مَخِيطَينِ، وَ لَا مَا أَشْبَهَ الْمَخِيطَ كالْمَخِيطِ مِنْ اللِّبَدِ، وَ الدِّرْعِ الْمَنْسُوجِ كذَلِك، وَ الْمَعْقُودِ، وَ اكتَفَي الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ بِمَفْهُومِ جَوَازِهِ لِلنِّسَاءِ.

(يأْتَزِرُ بِأَحَدِهِمَا، وَ يرْتَدِي بِالْآخَرِ) بِأَنْ يغَطِّي بِهِ مَنْكبَيهِ، أَوْ يتَوَشَّحُ بِهِ بِأَنْ يغَطِّي بِهِ أَحَدَهُمَا، وَ تَجُوزُ الزِّيادَةُ عَلَيهِمَا، لَا النُّقْصَانُ، وَ الْأَقْوَي أَنَّ لِبْسَهُمَا وَاجِبٌ، لَا شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ، فَلَوْ أَخَلَّ بِهِ اخْتِيارًا أَثِمَ وَصَحَّ الْإِحْرَامُ. (وَالْقَارِنُ يعْقِدُ إحْرَامَهُ بِالتَّلْبِيةِ) بَعْدَ نِيةِ الْإِحْرَامِ، (أَوْ بِالْإِشْعَارِ، أَوْ التَّقْلِيدِ) الْمُتَقَدِّمَينِ، وَ بِأَيهِمَا بَدَأَ اُسْتُحِبَّ الْآخَرُ وَ مَعْنَي عَقْدِهِ بِهِمَا عَلَي تَقْدِيرِ الْمُقَارَنَةِ وَاضِحٌ فَبِدُونِهِمَا لَا يصِحُّ أَصْلًا، و علي الْمَشْهُورِ يقَعُ و لكن لَا يحْرِمُ مُحْرَمَاتِ الْإِحْرَامِ بِدُونِ أَحَدِهِمَا. (وَيجُوزُ) الْإِحْرَامُ (فِي الْحَرِيرِ وَ الْمَخِيطِ لِلنِّسَاءٍ) فِي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ عَلَي كرَاهَةٍ، دُونَ الرِّجَالِ وَ الْخَنَاثَي، (وَيجْزِئُ) لُبْسُ (الْقَبَاءِ)، أَوْ الْقَمِيصِ (مَقْلُوبًا) بِجَعْلِ ذَيلِهِ عَلَي الْكتِفَينِ، أَوْ بَاطِنِهِ ظَاهِرَهُ مِنْ غَيرِ أَنْ يخْرِجَ يدَيهِ مِنْ كمَّيهِ، وَ الْأَوَّلُ أَوْلَي وِفَاقًا لِلدُّرُوسِ وَ الْجَمْعُ أَكمَلُ.

وَ إِنَّمَا يجُوزُ لُبْسُ الْقَبَاءِ كذَلِك (لَوْ فُقِدَ الرِّدَاءُ) لِيكونَ بَدَلًا مِنْهُ، و لو أَخَلَّ بِالْقَلْبِ، أَوْ أَدْخَلَ يدَهُ فِي كمِّهِ فَكلُبْسِ الْمَخِيطِ، (وَكذَا) يجْزِئُ (السَّرَاوِيلُ لَوْ فَقَدَ الْإِزَارَ) مِنْ غَيرِ اعْتِبَارِ قَلْبِهِ وَ لَا

فِدْيةَ فِي الْمَوْضِعَينِ. (وَيسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ)، بَلْ لِمُطْلَقِ الذَّكرِ (رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيةِ) حَيثُ يحْرِمُ إنْ كانَ رَاجِلًا بِطَرِيقِ الْمَدِينَةِ، أَوْ مُطْلَقًا بِغَيرِهَا، وَ إِذَا عَلَتْ رَاحِلَتُهُ الْبَيدَاءَ رَاكبًا بِطَرِيقِ الْمَدِينَةِ، وَ إِذَا أَشْرَفَ عَلَي الْأَبْطَحِ مُتَمَتِّعًا، وَ تُسِرُّ الْمَرْأَةُ وَ الْخُنْثَي، وَ يجُوزُ الْجَهْرُ حَيثُ لَا يسْمَعُ الْأَجْنَبِي و هذه التَّلْبِيةُ غَيرُ مَا يعْقَدُ بِهِ الْإِحْرَامُ إنْ اعْتَبَرْنَا الْمُقَارَنَةَ، وَ الا جَازَ الْعَقْدُ بِهَا، و هو ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ.

(وَلِيجَدِّدْ عِنْدَ مُخْتَلَفِ الْأَحْوَالِ) بِرُكوبٍ وَ نُزُولٍ، وَ عُلُوٍّ وَ هُبُوطٍ، وَ مُلَاقَاةِ أَحَدٍ وَ يقَظَةٍ، وَ خُصُوصًا بِالْأَسْحَارِ، وَ أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ، (وَيضَافُ إلَيهَا التَّلْبِياتُ الْمُسْتَحَبَّةُ) و هي لَبَّيك ذَا الْمَعَارِجِ إلَخْ.

(وَيقْطَعُهَا الْمُتَمَتِّعُ إذَا شَاهَدَ بُيوتَ مَكةَ) وَحَدُّهَا عَقَبَةُ الْمَدَنِيينَ إنْ دَخَلَهَا مِنْ أَعْلَاهَا، وَ عَقَبَةُ ذِي طَوَي إنْ دَخَلَهَا مِنْ أَسْفَلِهَا (وَالْحَاجُّ إلَي زَوَالِ عَرَفَةَ، وَ الْمُعْتَمِرُ مُفْرَدَةً إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ) إنْ كانَ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ، و أن كانَ قَدْ خَرَجَ لَهَا مِنْ مَكةَ إلَي خَارِجِ الْحَرَمِ، فَإِذَا شَاهَدَ بُيوتَ مَكةَ إذْ لَا يكونُ حِينَئِذٍ بَينَ أَوَّلِ الْحَرَمِ وَ مَوْضِعِ الْإِحْرَامِ مَسَافَةٌ. (وَالِاشْتِرَاطُ قَبْلَ نِيةِ الْإِحْرَامِ) مُتَّصِلًا بِهَا بِأَنْ يحِلَّهُ حَيثُ حَبَسَهُ.

وَ لَفْظُهُ الْمَرْوِي: " اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَي الْحَجِّ عَلَي كتَابِك وَ سُنَّةِ نَبِيك صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ الهِ، فَإِنْ عَرَضَ لِي شَيءٌ يحْبِسُنِي فَحُلَّنِي حَيثُ حَبَسَتْنِي لَقَدَرِك الَّذِي قَدَّرْتَ عَلَي اللَّهُمَّ إنْ لَمْ تَكنْ حَجَّةٌ فَعُمْرَةٌ، أَحْرَمَ لَك شَعْرِي وَ بَشَرِي وَ لَحْمِي وَ دَمِي وَ عِظَامِي وَ مُخِّي وَ عَصَبِي مِنْ النِّسَاءِ وَ الثِّيابِ وَ الطِّيبِ أَبْتَغِي بِذَلِك وَجْهَك وَ الدَّارَ الْآخِرَةَ ". (وَيكرَهُ الْإِحْرَامُ فِي) الثِّيابِ (السُّودِ)، بَلْ مُطْلَقِ الْمُلَوَّنَةِ به غير الْبَياضِ كالْحَمْرَاءِ (وَالْمُعَصْفَرَةِ وَ شِبْهِهَا)، وَ قَيدَهَا فِي

الدُّرُوسِ بِالْمُشَبَّعَةِ، فَلَا يكرَهُ بِغَيرِهِ، وَ الْفَضْلُ فِي الْبِيضِ مِنْ الْقُطْنِ، (وَالنَّوْمُ عَلَيهَا) أَي نَوْمُ الْمُحْرِمِ عَلَي الْفُرُشِ الْمَصْبُوغَةِ بِالسَّوَادِ، وَ الْعُصْفُرِ وَ شِبْهِهَا مِنْ الْأَلْوَانِ، (وَالْوَسِخَةُ) إذَا كانَ الْوَسَخُ ابْتِدَاءً، أَمَّا لَوْ عَرَضَ فِي أَثْنَاءِ الْإِحْرَامِ كرِهَ غَسْلُهَا، إلَّا لِنَجَاسَةٍ، (وَالْمُعَلَّمَةُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، و هي الْمُشْتَمِلَةُ عَلَي لَوْنٍ آخَرَ يخَالِفُ لَوْنَهَا حَالَ عَمَلِهَا كالثَّوْبِ الْمَحُوك مِنْ لَوْنَينِ، أَوْ بَعْدَهُ بِالطُّرُزِ وَ الصَّبْغِ.

(وَدُخُولُ الْحَمَّامِ) حَالَةَ الْإِحْرَامِ، (وَتَلْبِيةُ الْمُنَادِي) بِأَنْ يقُولَ لَهُ: " لَبَّيك "، لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ التَّلْبِيةِ لِلَّهِ، فَلَا يشْرِك غَيرَهُ، فِيهَا بَلْ يجِيبُهُ بِغَيرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ كقَوْلِهِ يا سَعْدُ، أَوْ يا سَعْدَيك.

(وَأَمَّا التُّرُوك الْمُحَرَّمَةُ فَثَلَاثُونَ)

(صَيدُ الْبَرِّ)، وَ ضَابِطُهُ الْحَيوَانُ الْمُحَلَّلُ الْمُمْتَنِعُ بِالْأَصَالَةِ.

وَ مِنْ الْمُحَرَّمِ: الثَّعْلَبُ وَ الْأَرْنَبُ وَ الضَّبُّ وَ الْيرْبُوعُ وَ الْقُنْفُذُ وَ الْقُمَّلُ وَ الزُّنْبُورُ وَ الْعَظَاءَةُ، فَلَا يحْرُمُ قَتْلُ الْأَنْعَامِ و أن تَوَحَّشَتْ، وَ لَا صَيدُ الضَّبُعِ وَ النَّمِرِ وَ الصَّقْرِ وَ شِبْهِهَا مِنْ حَيوَانِ الْبَرِّ، وَ لَا الْفَأْرَةِ وَ الْحَيةِ وَ نَحْوِهِمَا وَ لَا يخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِمُبَاشَرَةِ قَتْلِهَا، بَلْ يحْرُمُ الْإِعَانَةُ عَلَيهِ، (وَلَوْ دَلَالَةً) عَلَيهَا، (وَإِشَارَةً) إلَيهَا بِأَحَدِ الْأَعْضَاءِ و هي أَخَصُّ مِنْ الدَّلَالَةِ.

وَ لَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَي الْمُحْرِمِ بَينَ كوْنِ الْمَدْلُولِ مُحْرِمًا وَ مُحِلًّا، وَ لَا بَينَ الْخَفِيةِ وَ الْوَاضِحَةِ، نَعَمْ لَوْ كانَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِهِ بِحَيثُ لَمْ يفِدْهُ زِيادَةَ انْبِعَاثٍ عَلَيهَا فَلَا حُكمَ لَهَا، و إنّما أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ صَيدَ الْبَرِّ مَعَ كوْنِهِ مَخْصُوصًا بِمَا ذُكرَ تَبَعًا لِلْآيةِ، وَ اعْتِمَادًا عَلَي مَا اُشْتُهِرَ مِنْ التَّخْصِيصِ.

(وَلَا يحْرُمُ صَيدُ الْبَحْرِ)، و هو مَا يبِيضُ وَ يفَرِّخُ مَعًا (فِيهِ)، لَا إذَا تَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا و أن لَازَمَ الْمَاءَ كالْبَطِّ، وَ الْمُتَوَلِّدُ بَينَ الصَّيدِ و غيرهِ يتْبَعُ الِاسْمَ، فَإِنْ انْتَفَيا عَنْهُ و

كان مُمْتَنِعًا فَهُوَ صَيدٌ إنْ لَحِقَ بِأَحَدِ أَفْرَادِهِ، (وَالنِّسَاءُ بِكلِّ اسْتِمْتَاعٍ) مِنْ الْجِمَاعِ وَ مُقَدِّمَاتِهِ (حَتَّي الْعَقْدُ)، (وَ) لَا (الشَّهَادَةُ عَلَيهِ) وَ إِقَامَتُهَا و أن تَحَمَّلَهَا مُحِلًّا، أَوْ كانَ الْعَقْدُ بَينَ مُحِلَّينِ (وَالِاسْتِمْنَاءُ) و هو اسْتِدْعَاءُ الْمَنِي به غير الْجِمَاعِ، (وَلُبْسُ الْمَخِيطِ) و أن قَلَّتْ الْخِياطَةُ، (وَشِبْهِهِ) مِمَّا أَحَاطَ كالدِّرْعِ الْمَنْسُوجِ وَ اللِّبَدِ الْمَعْمُولِ كذَلِك، (وَعَقْدُ الرِّدَاءِ) وَ تَخْلِيلُهُ وَزَرُّهُ وَ نَحْوُ ذَلِك، دُونَ عَقْدِ الْإِزَارِ وَ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَ يسْتَثْنَي مِنْهُ الْهِمْيانُ فَعُفِي عَنْ خِياطَتِهِ، (وَمُطْلَقُ الطِّيبِ) و هو الْجِسْمُ ذُو الرِّيحِ الطَّيبَةِ الْمُتَّخَذُ لِلشَّمِّ غَالِبًا غَيرَ الرَّياحِينِ كالْمِسْك وَ الْعَنْبَرِ وَ الزَّعْفَرَانِ وَ مَاءِ الْوَرْدِ وَ خَرَجَ بِقَيدِ الِاتِّخَاذِ لِلشَّمِّ مَا يطْلَبُ مِنْهُ لِلْأَكلِ، أَوْ التَّدَاوِي غَالِبًا كالْقُرُنْفُلِ، وَ الدَّارَصِينِي وَ سَائِرِ الْأَبَازِيرِ الطَّيبَةِ فَلَا يحْرُمُ شَمُّهُ، وَ كذَا مَا لَا ينْبُتُ لِلطِّيبِ كالْفُوتَنْجِ وَ الْحِنَّاءِ وَ الْعُصْفُرِ و أمّا مَا يقْصَدُ شَمُّهُ مِنْ النَّبَاتِ الرَّطْبِ كالْوَرْدِ وَ الْياسَمِينِ فَهُوَ رَيحَانُ.

وَ الْأَقْوَي تَحْرِيمُ شَمِّهِ أَيضًا.

وَ عَلَيهِ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ وَ ظَاهِرُهُ هُنَا عَدَمُ التَّحْرِيمِ، وَ اسْتَثْنَي مِنْهُ الشِّيحَ وَ الْخُزَامَي وَ الْإِذْخِرَ وَ الْقَيصُومَ إنْ سُمِّيتْ رَيحَانًا، وَ نَبَّهَ بِالْإِطْلَاقِ عَلَي خِلَافِ الشِّيحِ حَيثُ خَصَّهُ بِأَرْبَعَةٍ: الْمِسْك وَ الْعَنْبَرِ وَ الزَّعْفَرَانِ وَ الْوَرْسِ وَ فِي قَوْلٍ آخَرَ لَهُ بِسِتَّةٍ بِإِضَافَةِ الْعُودِ وَ الْكافُورِ إلَيهَا.

وَ يسْتَثْنَي مِنْ الطِّيبِ خَلُوقُ الْكعْبَةِ وَ الْعِطْرُ فِي الْمَسْعَي، (وَالْقَبْضُ مِنْ كرِيهِ الرَّائِحَةِ)، لَكنْ لَوْ فَعَلَ فَلَا شَيءَ عَلَيهِ غَيرَ الْإِثْمِ، بِخِلَافِ الطِّيبِ.

(وَالِاكتِحَالُ بِالسَّوَادِ وَ الْمُطَيبِ)، لَكنْ لَا فِدْيةَ فِي الْأَوَّلِ، وَ الثَّانِي مِنْ أَفْرَادِ الطِّيبِ (وَالِادِّهَانُ) بِمُطَيبٍ و غيرهِ اخْتِيارًا وَ لَا كفَّارَةَ فِي غَيرِ الْمُطَيبِ مِنْهُ، بَلْ الْإِثْمُ، (وَيجُوزُ أَكلُ الدُّهْنِ غَيرِ الْمُطَيبِ) إجْمَاعًا (وَالْجِدَالُ، و

هو قَوْلُ: لَا وَ اَللَّهِ وَ بَلَي وَ اَللَّهِ)، وَ قِيلَ: مُطْلَقُ الْيمِينِ، و هو خِيرَةُ الدُّرُوسِ.

وَ إِنَّمَا يحْرُمُ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيهِ فَلَوْ اضْطَرَّ إلَيهِ لِإِثْبَاتِ حَقٍّ، أَوْ نَفْي بَاطِلٍ فَالْأَقْوَي جَوَازُهُ، وَ لَا كفَّارَةَ.

(وَالْفُسُوقُ و هو الْكذِبُ) مُطْلَقًا (وَالسِّبَابُ) لِلْمُسْلِمِ، وَ تَحْرِيمُهُمَا ثَابِتٌ فِي الْإِحْرَامِ و غيرهِ، وَلَكنَّهُ فِيهِ آكدُ كالصَّوْمِ وَ الاعْتِكافِ وَ لَا كفَّارَةَ فِيهِ سِوَي الِاسْتِغْفَارِ.

(وَالنَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ) بِكسْرِ الْمِيمِ وَ بَعْدَ الْهَمْزَةِ أَلْفٌ وَ لَا فِدْيةَ لَهُ، (وَإِخْرَاجُ الدَّمِ اخْتِيارًا) و لو بِحَك الْجَسَدِ وَ السِّوَاك.

وَ الْأَقْوَي أَنَّهُ لَا فِدْيةَ لَهُ، وَ احْتَرَزَ بِالِاخْتِيارِ عَنْ إخْرَاجِهِ لِضَرُورَةٍ كبَطِّ جُرْحٍ، وَ شَقِّ دُمَّلٍ، وَ حِجَامَةٍ، وَ فَصْدٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيهَا فَيجُوزُ إجْمَاعًا.

(وَقَلْعِ الضِّرْسِ) وَ الرِّوَايةُ مَجْهُولَةٌ مَقْطُوعَةٌ، و من ثَمَّ أَبَاحَهُ جَمَاعَةٌ خُصُوصًا مَعَ الْحَاجَةِ نَعَمْ يحْرُمُ مِنْ جِهَةِ إخْرَاجِ الدَّمِ، و لكن لَا فَدِيةَ لَهُ وَ فِي رِوَايتِهِ أَنَّ فِيهِ شَاةً، (وَقَصُّ الظُّفْرِ)، بَلْ مُطْلَقُ إزَالَتِهِ، أَوْ بَعْضِهِ اخْتِيارًا، فَلَوْ انْكسَرَ فَلَهُ إزَالَتُهُ وَ الْأَقْوَي أَنَّ فِيهِ الْفِدْيةَ كغَيرِهِ لِلرِّوَايةِ.

(وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ) بِحَلْقٍ وَ نَتْفٍ و غيرهِمَا مَعَ الِاخْتِيارِ، فَلَوْ اضْطَرَّ كمَا لَوْ نَبَتَ فِي عَينِهِ جَازَ إزَالَتُهُ وَ لَا شَيءَ عَلَيهِ، و لو كانَ التَّأَذِّي بِكثْرَتِهِ، لِحَرٍّ، أَوْ قَمْلٍ جَازَ أَيضًا لَكنْ يجِبُ الْفِدَاءُ، لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْمُؤْذِي، لَا نَفْسُهُ وَ الْمُعْتَبَرُ إزَالَتُهُ بِنَفْسِهِ، فَلَوْ كشَطَ جِلْدَةً عَلَيهَا شَعْرٌ فَلَا شَيءَ فِي الشَّعْرِ، لِأَنَّهُ غَيرُ مَقْصُودٍ بِالْإِبَانَةِ.

(وَتَغْطِيةُ الرَّأْسِ لِلرَّجُلِ) بِثَوْبٍ و غيرهِ حَتَّي بِالطِّينِ وَ الْحِنَّاءِ وَ الارْتِمَاسِ وَ حَمْلِ مَتَاعٍ يسْتُرُهُ، أَوْ بَعْضَهُ.

نَعَمْ يسْتَثْنَي عِصَامُ الْقِرْبَةِ، وَ عِصَابَةُ الصُّدَاعِ و ما يسْتَرُ مِنْهُ بِالْوِسَادَةِ، وَ فِي صَدْقِهِ بِالْيدِ وَجْهَانِ، وَ قَطَعَ فِي التَّذْكرَةِ بِجَوَازِهِ، و في الدُّرُوسِ جَعَلَ تَرْكهُ

أَوْلَي.

وَ الْأَقْوَي الْجَوَازُ لِصَحِيحَةِ مُعَاوِيةَ بْنِ عَمَّارٍ، وَ الْمُرَادُ بِالرَّأْسِ هُنَا مَنَابِتُ الشَّعْرِ حَقِيقَةً، أَوْ حُكمًا، فَالْأُذُنَانِ لَيسَتَا مِنْهُ، خِلَافًا لِلتَّحْرِيرِ.

(وَ) تَغْطِيةُ (الْوَجْهِ)، أَوْ بَعْضِهِ (لِلْمَرْأَةِ)، وَ لَا تَصْدُقُ بِالْيدِ كالرَّأْسِ، وَ لَا بِالنَّوْمِ عَلَيهِ، وَ يسْتَثْنَي مِنْ الْوَجْهِ مَا يتِمُّ بِهِ سَتْرُ الرَّأْسِ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ السَّتْرِ أَقْوَي، وَ حَقَّ الصَّلَاةِ أَسْبَقُ، (وَيجُوزُ لَهَا سَدْلُ الْقِنَاعِ إلَي طَرَفِ أَنْفِهَا به غير إصَابَةِ وَجْهِهَا) عَلَي الْمَشْهُورِ، وَ النَّصُّ خَالٍ مِنْ اعْتِبَارِ عَدَمِ الْإِصَابَةِ، وَ مَعَهُ لَا يخْتَصَّ بِالْأَنْفِ، بَلْ يجُوزُ الزِّيادَةُ، وَ يتَخَيرُ الْخُنْثَي بَينَ وَظِيفَةِ الرَّجُلِ وَ الْمَرْأَةِ فَتُغَطِّي الرَّأْسَ، أَوْ الْوَجْهَ، و لو جَمَعَتْ بَينَهُمَا كفَّرَتْ، (وَالنِّقَابُ) لِلْمَرْأَةِ، وَ خَصَّهُ مَعَ دُخُولِهِ فِي تَحْرِيمِ تَغْطِيةِ الْوَجْهِ تَبَعًا لِلرِّوَايةِ، وَ الا فَهُوَ كالْمُسْتَغْنَي عَنْهُ (وَالْحِنَّاءُ لِلزِّينَةِ)، لَا لِلسُّنَّةِ سَوَاءٌ الرَّجُلُ وَ الْمَرْأَةُ، وَ الْمَرْجِعُ فِيهِمَا إلَي الْقَصْدِ، وَ كذَا يحْرُمُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ إذَا بَقِي أَثَرُهُ إلَيهِ.

وَ الْمَشْهُورُ فِيهِ الْكرَاهَةُ، و أن كانَ التَّحْرِيمُ أَوْلَي.

(وَالتَّخَتُّمُ لِلزِّينَةِ) لَا لِلسُّنَّةِ وَ الْمَرْجِعُ فِيهِمَا إلَي الْقَصْدِ أَيضًا (وَلُبْسُ الْمَرْأَةِ مَا لَمْ تَعْتَدْهُ مِنْ الْحُلِي، وَ إِظْهَارُ الْمُعْتَادِ) مِنْهُ (لِلزَّوْجِ) و غيرهِ مِنْ الْمَحَارِمِ، وَ كذَا يحْرُمُ عَلَيهَا لُبْسُهُ لِلزِّينَةِ مُطْلَقًا وَ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ كذَلِك هُوَ الْمَشْهُورُ وَ لَا فِدْيةَ لَهُ سِوَي الِاسْتِغْفَارِ.

(وَلُبْسُ الْخُفَّينِ لِلرَّجُلِ و ما يسْتُرُ ظَهْرَ قَدَمَيهِ) مَعَ تَسْمِيتِهِ لُبْسًا.

وَ الظَّاهِرُ أَنَّ بَعْضَ الظَّهْرِ كالْجَمِيعِ إلَّا مَا يتَوَقَّفُ عَلَيهِ لُبْسُ النَّعْلَينِ (وَالتَّظْلِيلُ لِلرَّجُلِ الصَّحِيحِ سَائِرًا) فَلَا يحْرُمُ نَازِلًا إجْمَاعًا، وَ لَا مَاشِيا إذَا مَرَّ تَحْتَ الْمَحْمَلِ وَ نَحْوِهِ، وَ الْمُعْتَبَرُ مِنْهُ مَا كانَ فَوْقَ رَأْسِهِ، فَلَا يحْرُمُ الْكوْنُ فِي ظِلِّ الْمَحْمَلِ عِنْدَ مَيلِ الشَّمْسِ إلَي أَحَدِ جَانِبَيهِ.

وَ احْتُرِزَ بِالرَّجُلِ عَنْ الْمَرْأَةِ وَ الصَّبِي فَيجُوزُ لَهُمَا الظِّلُّ اتِّفَاقًا،

وَ بِالصَّحِيحِ عَنْ الْعَلِيلِ، و من لَا يتَحَمَّلُ الْحَرَّ وَ الْبَرْدَ بِحَيثُ يشُقُّ عَلَيهِ بِمَا لَا يتَحَمَّلُ عَادَةً، فَيجُوزُ لَهُ الظِّلُّ لَكنْ تَجِبُ الْفِدْيةُ، (وَلُبْسُ السِّلَاحِ اخْتِيارًا) فِي الْمَشْهُورِ و أن ضَعُفَ دَلِيلُهُ، وَ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيهِ يبَاحُ قَطْعًا، وَ لَا فِدْيةَ فِيهِ مُطْلَقًا.

(وَقَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ وَ حَشِيشِهِ) الْأَخْضَرَينِ، (إلَّا الْإِذْخِرَ و ما ينْبُتُ فِي مِلْكهِ، وَ عُودَي الْمَحَالَةِ) بِالْفَتْحِ و هي الْبَكرَةُ الْكبِيرَةُ الَّتِي يسْتَقَي بِهَا عَلَي الْإِبِلِ قَالَهُ الْجَوْهَرِي.

وَ فِي تَعَدِّي الْحُكمِ إلَي مُطْلَقِ الْبَكرَةِ نَظَرٌ، مِنْ وُرُودِهَا لُغَةً مَخْصُوصَةً، وَ كوْنِ الْحُكمِ عَلَي خِلَافِ الْأَصْلِ (وَشَجَرُ الْفَوَاكهِ)، وَ يحْرُمُ ذَلِك عَلَي الْمُحِلِّ أَيضًا، وَ لِذَا لَمْ يذْكرْهُ فِي الدُّرُوسِ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ، (وَقَتْلُ هَوَامِّ الْجَسَدِ) بِالتَّشْدِيدِ جَمْعُ هَامَّةٍ، و هي دَوَابُّهُ كالْقَمْلِ وَ الْقُرَادِ، و في الحَاقِ الْبُرْغُوثِ بِهَا قَوْلَانِ أَجْوَدُهُمَا الْعَدَمُ.

وَ لَا فَرْقَ بَينَ قَتْلِهِ مُبَاشَرَةً وَ تَسْبِيبًا كوَضْعِ دَوَاءٍ يقْتُلُهُ، (وَيجُوزُ نَقْلُهُ) مِنْ مَكان إلَي آخَرَ مِنْ جَسَدِهِ، وَ ظَاهِرُ النَّصِّ وَ الْفَتْوَي عَدَمُ اخْتِصَاصِ الْمَنْقُولِ إلَيهِ بِكوْنِهِ مُسَاوِيا لِلْأَوَّلِ، أَوْ أَحْرَزَ، نَعَمْ لَا يكفِي مَا يكونُ مُعَرَّضًا لِسُقُوطِهِ قَطْعًا، أَوْ غَالِبًا.

الْقَوْلُ فِي الطَّوَافِ

(الْقَوْلُ فِي الطَّوَافِ

- وَ يشْتَرَطُ فِيهِ رَفْعُ الْحَدَثِ) مُقْتَضَاهُ عَدَمُ صِحَّتِهِ مِنْ الْمُسْتَحَاضَةِ وَ الْمُتَيمِّمِ، لِعَدَمِ إمْكانِ رَفْعِهِ فِي حَقِّهِمَا و أن اسْتَبَاحَا الْعِبَادَةَ بِالطَّهَارَةِ.

وَ فِي الدُّرُوسِ أَنَّ الْأَصَحَّ الِاجْتِزَاءُ بِطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَ الْمُتَيمِّمِ مَعَ تَعَذُّرِ الْمَائِيةِ، و هو الْمُعْتَمَدُ، وَ الْحُكمُ مُخْتَصٌّ بِالْوَاجِبِ، أَمَّا الْمَنْدُوبُ فَالْأَقْوَي عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ بِالطَّهَارَةِ و أن كانَ أَكمَلَ، وَ بِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي غَيرِ الْكتَابِ.

(وَ) رَفْعُ (الْخَبَثِ)، وَ إِطْلَاقُهُ أَيضًا يقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَينَ مَا يعْفَي عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ و غيرهِ.

وَ هُوَ يتِمُّ عَلَي قَوْلِ مَنْ مَنَعَ مِنْ إدْخَالِ مُطْلَقِ النَّجَاسَةِ الْمَسْجِدَ

لِيكونَ مَنْهِيا عَنْ الْعِبَادَةِ بِهِ، وَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ تَحْرِيمُ الْمُلَوَّثَةِ خَاصَّةً فَلِيكنْ هُنَا كذَلِك، وَ ظَاهِرُ الدُّرُوسِ الْقَطْعُ بِهِ.

وَ هُوَ حَسَنٌ، بَلْ قِيلَ: بِالْعَفْوِ عَنْ النَّجَاسَةِ هُنَا مُطْلَقًا، (وَالْخِتَانُ فِي الرَّجُلِ) مَعَ إمْكانِهِ فَلَوْ تَعَذَّرَ وَ ضَاقَ وَقْتُهُ سَقَطَ، وَ لَا يعْتَبَرُ فِي الْمَرْأَةِ، و أمّا الْخُنْثَي فَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ فِي حَقِّهِ، وَ اعْتِبَارُهُ قَوِي، لِعُمُومِ النَّصِّ إلَّا مَا أَجْمَعَ عَلَي خُرُوجِهِ، وَ كذَا الْقَوْلُ فِي الصَّبِي و أن لَمْ يكنْ مُكلَّفًا كالطَّهَارَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَي صَلَاتِهِ، (وَسِتْرُ الْعَوْرَةِ) الَّتِي يجِبُ سَتْرُهَا فِي الصَّلَاةِ وَ يخْتَلِفُ بِحَسَبِ حَالِ الطَّائِفِ فِي الذُّكورَةِ وَ الْأُنُوثَةِ.

(وَوَاجِبُهُ النِّيةُ) الْمُشْتَمِلَةُ عَلَي قَصْدِهِ فِي النُّسُك الْمُعِينِ مَنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ إسْلَامِي، أَوْ غَيرِهِ، تَمَتُّعٍ، أَوْ أَحَدِ قَسِيمَيهِ، وَ الْوَجْهُ عَلَي مَا مَرَّ وَ الْقُرْبَةُ وَ الْمُقَارَنَةُ لِلْحَرَكةِ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّوْطِ، (وَالْبُدَاءَةُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) بِأَنْ يكونَ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْ بَدَنِهِ بِإِزَاءِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ حَتَّي يمُرَّ عَلَيهِ كلُّهُ و لو ظَنًّا.

وَ الْأَفْضَلُ اسْتِقْبَالُهُ حَالَ النِّيةِ بِوَجْهِهِ لِلتَّأَسِّي.

ثُمَّ يأْخُذُ فِي الْحَرَكةِ عَلَي الْيسَارِ عَقِيبَ النِّيةِ.

وَ لَوْ جَعَلَهُ عَلَي يسَارِهِ ابْتِدَاءً جَازَ مَعَ عَدَمِ التَّقِيةِ، وَ الا فَلَا، وَ النُّصُوصُ مُصَرِّحَةٌ بِاسْتِحْبَابِ الِاسْتِقْبَالِ، وَ كذَا جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، (وَالْخَتْمُ بِهِ) بِأَنْ يحَاذِيهُ فِي آخِرِ شَوْطِهِ، كمَا ابْتَدَأَ أَوَّلًا لِيكمُلَ الشَّوْطُ مِنْ غَيرِ زِيادَةٍ وَ لَا نُقْصَانٍ.

(وَجَعْلُ الْبَيتِ عَلَي يسَارِهِ) حَالَ الطَّوَافِ، فَلَوْ اسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهِهِ، أَوْ ظَهْرِهِ، أَوْ جَعَلَهُ عَلَي يمِينِهِ و لو فِي خُطْوَةٍ مِنْهُ بَطَلَ، (وَالطَّوَافُ بَينَهُ و بين الْمَقَامِ) حَيثُ هُوَ الْآنَ، مُرَاعِيا لَتِلْك النِّسْبَةِ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ، فَلَوْ خَرَجَ عَنْهَا و لو قَلِيلًا بَطَلَ، وَ تُحْتَسَبُ الْمَسَافَةُ مِنْ جِهَةِ الْحَجَرِ مِنْ خَارِجِهِ و أن جَعَلْنَاهُ خَارِجًا مِنْ الْبَيتِ.

وَ الظَّاهِرُ

أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَقَامِ نَفْسُ الصَّخْرَةِ، لَا مَا عَلَيهِ مِنْ الْبِنَاءِ، تَرْجِيحًا لِلِاسْتِعْمَالِ الشَّرْعِي عَلَي الْعُرْفِي لَوْ ثَبَتَ.

(وَإِدْخَالُ الْحَجَرِ) فِي الطَّوَافِ لِلتَّأَسِّي، وَ الْأَمْرُ بِهِ، لَا لِكوْنِهِ مِنْ الْبَيتِ، بَلْ قَدْ رُوِي أَنَّهُ لَيسَ مِنْهُ، أَوْ أَنَّ بَعْضَهُ مِنْهُ و أمّا الْخُرُوجُ عَنْ شَيءٍ آخَرَ خَارِجَ الْحَجَرِ فَلَا يعْتَبَرُ إجْمَاعًا، (وَخُرُوجُهُ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَنْ الْبَيتِ) فَلَوْ أَدْخَلَ يدَهُ فِي بَابِهِ حَالَتَهُ، أَوْ مَشَي عَلَي شَاذَرْوَانِهِ و لو خُطْوَةً، أَوْ مَسَّ حَائِطَهُ مِنْ جِهَتِهِ مَاشِيا بَطَل فَلَوْ أَرَادَ مَسَّهُ وَقَفَ حَالَتَهُ، لِئَلَّا يقْطَعَ جُزْءٌ مِنْ الطَّوَافِ غَيرُ خَارِجٍ عَنْهُ.

(وَإِكمَالُ السَّبْعِ) مِنْ الْحَجَرِ إلَيهِ شَوْطٌ، (وَعَدَمِ الزِّيادَةِ عَلَيهَا فَيبْطُلُ إنْ تَعَمَّدَهُ) و لو خُطْوَةً، و لو زَادَ سَهْوًا فَإِنْ لَمْ يكمِلْ الشَّوْطَ الثَّامِنَ تَعَينَ الْقَطْعُ، فَإِنْ زَادَ فَكالْمُتَعَمِّدِ و أن بَلَغَهُ تَخَيرَ بَينَ الْقَطْعِ وَ إِكمَالِ أُسْبُوعَينِ، فَيكونُ الثَّانِي مُسْتَحَبًّا، وَ يقَدِّمُ صَلَاةَ الْفَرِيضَةِ عَلَي السَّعْي وَ يؤَخِّرُ صَلَاةَ النَّافِلَةِ.

(وَالرَّكعَتَانِ خَلْفَ الْمَقَامِ) حَيثُ هُوَ الْآنَ، أَوْ إلَي أَحَدِ جَانِبَيهِ، و إنّما أَطْلَقَ فِعْلَهُمَا خَلْفَهُ تَبَعًا لِبَعْضِ الْأَخْبَارِ.

وَ قَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَتُهُ فِي ذَلِك فَاعْتُبِرَ هُنَا خَلْفَهُ، وَ أَضَافَ إلَيهِ أَحَدَ جَانِبَيهِ فِي الْأَلْفِيةِ، و في الدُّرُوسِ فَعَلَهُمَا فِي الْمَقَامِ، و لو مَنَعَهُ زِحَامٌ، أَوْ غَيرُهُ صَلَّي خَلْفَهُ، أَوْ إلَي أَحَدِ جَانِبَيهِ، وَ الْأَوْسَطُ أَوْسَطُ، وَ يعْتَبَرُ فِي نِيتِهِمَا قَصْدُ الصَّلَاةِ لِلطَّوَافِ الْمُعَينِ مُتَقَرِّبًا، وَ الْأَوْلَي إضَافَةُ الْأَدَاءِ، وَ يجُوزُ فِعْلُ صَلَاةِ الطَّوَافِ الْمَنْدُوبِ حَيثُ شَاءَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَ الْمَقَامُ أَفْضَلُ.

(وَيوَاصِلُ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَلَوْ قَطَعَ) الطَّوَافَ (لِدُونِهَا بَطَلَ) مُطْلَقًا (وَإِنْ كانَ لِضَرُورَةٍ، أَوْ دُخُولِ الْبَيتِ، أَوْ صَلَاةِ فَرِيضَةٍ ضَاقَ وَقْتُهَا) وَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ يبَاحُ الْقَطْعُ لِضَرُورَةٍ، وَ صَلَاةِ فَرِيضَةٍ وَ نَافِلَةٍ يخَافُ فَوْتَهَا، وَ قَضَاءِ حَاجَةِ مُؤْمِنٍ، لَا مُطْلَقًا.

وَ حَيثُ

يقْطَعُهُ يجِبُ أَنْ يحْفَظَ مَوْضِعَهُ لِيكمِلَ مِنْهُ بَعْدَ الْعَوْدِ، حَذَرًا مِنْ الزِّيادَةِ أَوْ النُّقْصَانِ، و لو شَك أَخَذَ بِالِاحْتِياطِ.

هَذَا فِي طَوَافِ الْفَرِيضَةِ.

أَمَّا النَّافِلَةُ فَيبْنِي فِيهَا لِعُذْرٍ مُطْلَقًا، وَ يسْتَأْنِفُ قَبْلَ بُلُوغِ الْأَرْبَعَةِ، لَا لَهُ مُطْلَقًا، و في الدُّرُوسِ أَطْلَقَ الْبِنَاءَ فِيهَا مُطْلَقًا.

(وَلَوْ ذَكرَ) نُقْصَانَ الطَّوَافِ

(فِي أَثْنَاءِ السَّعْي تَرَتَّبَتْ صِحَّتُهُ وَ بُطْلَانُهُ عَلَي الطَّوَافِ)، فَإِنْ كانَ نُقْصَانُ الطَّوَافِ قَبْلَ إكمَالِ أَرْبَعٍ اسْتَأْنَفَهُمَا، و أن كانَ بَعْدَهُ بَنَي عَلَيهِمَا و أن لَمْ يتَجَاوَزْ نِصْفَ السَّعْي، فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِلطَّوَافِ فِي الْبِنَاءِ وَ الاسْتِئْنَافِ، (وَلَوْ شَك فِي الْعَدَدِ) أَي عَدَدِ الْأَشْوَاطِ (بَعْدَهُ) أَي بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ (لَمْ يلْتَفِتْ) مُطْلَقًا، (وَفِي الْأَثْنَاءِ يبْطُلُ إنْ شَك فِي النَّقِيصَةِ) كأَنْ شَك بَينَ كوْنِهِ تَامًّا، أَوْ نَاقِصًا، أَوْ فِي عَدَدِ الْأَشْوَاطِ مَعَ تَحَقُّقِهِ عَدَمَ الْإِكمَالِ، (وَيبْنِي عَلَي الْأَقَلِّ إنْ شَك فِي الزِّيادَةِ عَلَي السَّبْعِ) إذَا تَحَقَّقَ إكمَالَهَا، إنْ كانَ عَلَي الرُّكنِ و لو كانَ قَبْلَهُ بَطَلَ أَيضًا مُطْلَقًا كالنُّقْصَانِ، لِتَرَدُّدِهِ بَينَ مَحْذُورِينَ: الْإِكمَالِ الْمُحْتَمِلِ لِلزِّيادَةِ عَمْدًا.

وَ الْقَطْعِ الْمُحْتَمِلِ لِلنَّقِيصَةِ، و إنّما اقْتَصَرَ عَلَيهِ بِدُونِ الْقَيدِ لِرُجُوعِهِ إلَي الشَّك فِي النُّقْصَانِ، (وَأَمَّا نَفْلُ الطَّوَافِ فَيبْنِي) فِيهِ (عَلَي الْأَقَلِّ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ شَك فِي الزِّيادَةِ، أَمْ النُّقْصَانِ، وَ سَوَاءٌ بَلَغَ الرُّكنَ، أَمْ لَا.

هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ، و لو بَنَي عَلَي الْأَكثَرِ حَيثُ لَا يسْتَلْزِمُ الزِّيادَةَ جَازَ أَيضًا كالصَّلَاةِ.

سنن الطواف

(وَسُنَنُهُ - الْغُسْلُ) قَبْلَ دُخُولِ مَكةَ (مِنْ بِئْرِ مَيمُونٍ) بِالْأَبْطَحِ، (أَوْ) بِئْرِ (فَخٍّ) عَلَي فَرْسَخٍ مِنْ مَكةَ بِطَرِيقِ الْمَدِينَةِ، (أَوْ غَيرِهِمَا وَ مَضْغُ الْإِذْخِرِ) بِكسْرِ الْهَمْزَةِ وَ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، (وَدُخُولُ مَكةَ مَنْ أَعْلَاهَا) مِنْ عَقَبَةِ الْمَدَنِيينَ لِلتَّأَسِّي، سَوَاءٌ فِي ذَلِك الْمَدَنِي و غيرهُ (حَافِيا) وَ نَعْلُهُ بِيدِهِ (بِسَكينَةٍ) و هو الِاعْتِدَالُ فِي الْحَرَكةِ (وَوَقَارٍ) و هو الطُّمَأْنِينَةُ فِي النَّفْسِ،

وَ إِحْضَارُ الْبَالِ وَ الْخُشُوعِ.

(وَالدُّخُولُ مَنْ بَابِ بَنِي شَيبَةَ) لِيطَأَ هُبَلَ و هو الْآنَ فِي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ بِسَبَبِ تَوْسِعَتِهِ، بِإِزَاءِ بَابِ السَّلَامِ عِنْدَ الْأَسَاطِينِ (بَعْدَ الدُّعَاءِ بِالْمَأْثُورِ) عِنْدَ الْبَابِ، (وَالْوُقُوفُ عِنْدَ الْحَجَرِ) الْأَسْوَدِ، (وَالدُّعَاءُ فِيهِ) أَي فِي حَالَةِ الْوُقُوفِ مُسْتَقْبِلًا، رَافِعًا يدَيهِ، (وَفِي حَالَاتِ الطَّوَافِ) بِالْمَنْقُولِ، (وَقِرَاءَةُ الْقَدْرِ، وَ ذِكرُ اللَّهِ تَعَالَي، وَ السَّكينَةُ فِي الْمَشْي) بِمَعْنَي الِاقْتِصَادِ فِيهِ مُطْلَقًا فِي الْمَشْهُورِ، (وَالرَّمَلُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ و هو الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْي مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَي، دُونَ الْوُثُوبِ وَ الْعَدْوِ (ثَلَاثًا) و هي الْأَوْلَي، (وَالْمَشْي أَرْبَعًا) بَقِيةَ الطَّوَافِ (عَلَي قَوْلِ الشَّيخِ) فِي الْمَبْسُوطِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ خَاصَّةً، و إنّما أَطْلَقَهُ لِأَنَّ كلَامَهُ الْآنَ فِيهِ، و إنّما يسْتَحَبُّ عَلَي الْقَوْلِ بِهِ لِلرَّجُلِ الصَّحِيحِ، دُونَ الْمَرْأَةِ، وَ الْخُنْثَي، وَ الْعَلِيلِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يؤْذِي غَيرَهُ، وَ لَا يتَأَذَّي بِهِ، و لو كانَ رَاكبًا حَرَّك دَابَّتَهُ وَ لَا فَرْقَ بَينَ الرُّكنَينِ الْيمَانِيينِ و غيرهِمَا، و لو تَرَكهُ فِي الْأَشْوَاطِ أَوْ بَعْضِهَا لَمْ يقْضِهِ (وَاسْتِلَامُ الْحَجَرِ) بِمَا أَمْكنَ مَنْ بَدَنِهِ، وَ الاسْتِلَامُ به غير هَمْزٍ: الْمَسُّ مِنْ السِّلَامِ بِالْكسْرِ و هي الْحِجَارَةُ بِمَعْنَي مَسِّ السِّلَامِ، أَوْ مِنْ السَّلَامِ و هو التَّحِيةُ، وَ قِيلَ: بِالْهَمْزِ مِنْ اللَّأْمَةِ و هي الدِّرْعُ، كأَنَّهُ اتَّخَذَهُ جُنَّةً وَ سِلَاحًا، (وَتَقْبِيلُهُ) مَعَ الْإِمْكانِ، وَ الا اسْتَلَمَهُ بِيدِهِ، ثُمَّ قَبَّلَهَا (أَوْ الْإِشَارَةُ إلَيهِ) إنْ تَعَذَّرَ، وَلِيكنْ ذَلِك فِي كلِّ شَوْطٍ، وَ أَقَلُّهُ لِلْفَتْحِ وَ الْخَتْمِ.

(وَاسْتِلَامُ الْأَرْكانِ) كلِّهَا كلَّمَا مَرَّ بِهَا خُصُوصًا الْيمَانِي وَ الْعِرَاقِي، وَ تَقْبِيلُهُمَا لِلتَّأَسِّي، وَ اسْتِلَامُ (الْمُسْتَجَارِ فِي) الشَّوْطِ (السَّابِعِ) و هو بِحِذَاءِ الْبَابِ، دُونَ الرُّكنِ الْيمَانِي بِقَلِيلٍ، (وَإِلْصَاقُ الْبَطْنِ) بِبَشَرَتِهِ بِهِ فِي هَذَا الطَّوَافِ، لِإِمْكانِهِ، وَ تَتَأَدَّي السُّنَّةُ فِي غَيرِهِ مِنْ طَوَافٍ مُجَامِعٍ لِلُبْسِ الْمَخِيطِ

و لو مِنْ دَاخِلِ الثِّيابِ، (وَ) إلْصَاقُ بَشَرَةِ (الْخَدِّ بِهِ) أَيضًا.

(وَالدُّعَاءُ وَعَدُّ ذُنُوبِهِ عِنْدَهُ) مُفَصَّلَةً، فَلَيسَ مِنْ مُؤْمِنٍ يقِرُّ لِرَبِّهِ بِذُنُوبِهِ فِيهِ إلَّا غَفَرَهَا لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، رَوَاهُ مُعَاوِيةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ، وَ مَتَي اسْتَلَمَ حَفِظَ مَوْضِعَهُ بِأَنْ يثَبِّتَ رِجْلَيهِ فِيهِ، وَ لَا يتَقَدَّمُ بِهِمَا حَالَتَهُ، حَذَرًا مِنْ الزِّيادَةِ فِي الطَّوَافِ، أَوْ النُّقْصَانِ.

(وَالتَّدَانِي مِنْ الْبَيتِ) و أن قَلَّتْ الْخُطَي، فَجَازَ اشْتِمَالُ الْقَلِيلَةِ عَلَي مَزِيةٍ وَ ثَوَابٍ زَائِدٍ عَنْ الْكثِيرَةِ.

وَ إِنْ كانَ قَدْ وَرَدَ فِي كلِّ خُطْوَةٍ مِنْ الطَّوَافِ سَبْعُونَ أَلْفَ حَسَنَةٍ، وَ يمْكنُ الْجَمْعُ بَينَ تَكثِيرِهَا وَ التَّدَانِي، بِتَكثِيرِ الطَّوَافِ (وَيكرَهُ الْكلَامُ فِي أَثْنَائِهِ به غير الذِّكرِ وَ الْقُرْآنِ)، وَ الدُّعَاءِ وَ الصَّلَاةِ عَلَي النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ و ما ذَكرْنَاهُ يمْكنُ دُخُولُهُ فِي الذِّكرِ.

مَسَائِلُ

الْأُولَي - (كلُّ طَوَافٍ) وَاجِبٍ (رُكنٌ) يبْطُلُ النُّسُك بِتَرْكهِ عَمْدًا كغَيرِهِ مِنْ الْأَرْكانِ (إلَّا طَوَافَ النِّسَاءِ)، وَ الْجَاهِلُ عَامِدٌ، وَ لَا يبْطُلُ بِتَرْكهِ نِسْيانًا لَكنْ يجِبُ تَدَارُكهُ (فَيعُودُ إلَيهِ وُجُوبًا مَعَ الْمُكنَةِ) و لو مِنْ بَلَدِهِ (وَمَعَ التَّعَذُّرِ).

وَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَشَقَّةُ الْكثِيرَةُ وِفَاقًا لِلدُّرُوسِ، وَ يحْتَمِلُ إرَادَةَ الْعَجْزِ عَنْهُ مُطْلَقًا (يسْتَنِيبُ) فِيهِ، وَ يتَحَقَّقُ الْبُطْلَانُ بِتَرْكهِ عَمْدًا، وَ جَهْلًا بِخُرُوجِ ذِي الْحِجَّةِ قَبْلَ فِعْلِهِ إنْ كانَ طَوَافُ الْحَجِّ مُطْلَقًا، وَ فِي عُمْرَةِ التَّمَتُّعِ يضِيقُ وَقْتُ الْوُقُوفِ إلَّا عَنْ التَّلَبُّسِ بِالْحَجِّ قَبْلَهُ، و في المُفْرَدَةِ الْمُجَامَعَةِ لِلْحَجِّ وَ الْمُفْرَدَةُ عَنْهُ إشْكالٌ.

وَ يمْكنُ اعْتِبَارُ نِيةِ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ.

(وَلَوْ نَسِي طَوَافَ النِّسَاءِ) حَتَّي خَرَجَ مِنْ مَكةَ (جَازَتْ الِاسْتِنَابَةُ) فِيهِ (اخْتِيارًا) و أن أَمْكنَ الْعَوْدُ لَكنْ لَوْ اتَّفَقَ عَوْدُهُ لَمْ يجُزْ الِاسْتِنَابَةُ أَمَّا لَوْ تَرَكهُ عَمْدًا وَجَبَ الْعَوْدُ إلَيهِ مَعَ الْإِمْكانِ، وَ لَا تَحِلُّ النِّسَاءُ بِدُونِهِ مُطْلَقًا

حَتَّي الْعَقْدِ، و لو كانَ امْرَأَةٌ حَرُمَ عَلَيهَا تَمْكينُ الزَّوْجِ عَلَي الْأَصَحِّ وَ الْجَاهِلُ عَامِدٌ كمَا مَرَّ، و لو كانَ الْمَنْسِي بَعْضًا مِنْ غَيرِ طَوَافِ النِّسَاءِ بَعْدَ إكمَالِ الْأَرْبَعِ جَازَتْ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ كطَوَافِ النِّسَاءِ.

(الثَّانِيةُ -

يجُوزُ تَقْدِيمُ طَوَافِ الْحَجِّ وَ سَعْيهِ لِلْمُفْرِدِ)، وَ كذَا الْقَارِنُ (عَلَي الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ اخْتِيارًا، لَكنْ يجَدِّدَانِ التَّلْبِيةَ عَقِيبَ صَلَاةِ كلِّ طَوَافٍ كمَا مَرَّ، (وَ) كذَا يجُوزُ تَقْدِيمُهُمَا (لِلْمُتَمَتِّعِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ) كخَوْفِ الْحَيضِ، وَ النِّفَاسِ الْمُتَأَخِّرَينِ، وَ عَلَيهِ تَجْدِيدُ التَّلْبِيةِ أَيضًا، (وَطَوَافُ النِّسَاءِ لَا يقَدَّمُ لَهُمَا)، وَ لَا لِلْقَارِنِ (إلَّا لِضَرُورَةٍ.

وَ هُوَ) أَي طَوَافُ النِّسَاءِ (وَاجِبٌ فِي كلِّ نُسُك) حَجًّا كانَ، أَمْ عُمْرَةً (عَلَي كلِّ فَاعِلٍ) لِلنُّسُك (إلَّا عُمْرَةَ التَّمَتُّعِ) فَلَا يجِبُ فِيهَا، (وَأَوْجَبَهُ فِيهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ) و هو ضَعِيفٌ، فَيشْمَلُ قَوْلُهُ كلُّ فَاعِلٍ، الذَّكرَ وَ الْأُنْثَي، الصَّغِيرَ وَ الْكبِيرَ، و من يقْدِرُ عَلَي الْجِمَاعِ و غيرهُ.

وَ هُوَ كذَلِك، إلَّا أَنَّ إطْلَاقَ الْوُجُوبِ عَلَي غَيرِ الْمُكلَّفِ مَجَازٌ، وَ الْمُرَادُ أَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَيهِمْ حَتَّي لَوْ تَرَكهُ الصَّبِي حَرُمَ عَلَيهِ النِّسَاءُ بَعْدَ الْبُلُوغِ حَتَّي يفْعَلَهُ، أَوْ يفْعَلَ عَنْهُ، (وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ السَّعْي)، فَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَيهِ عَامِدًا أَعَادَهُ بَعْدَهُ، وَ نَاسِيا يجْزِئُ، وَ الْجَاهِلُ عَامِدٌ.

(الثَّالِثَةُ -

يحْرُمُ) (لُبْسُ الْبُرْطُلَةٍ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَ الطَّاءِ وَ إِسْكانِ الرَّاءِ وَ تَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ، و هي قَلَنْسُوَةٌ طَوِيلَةٌ كانَتْ تُلْبَسُ قَدِيمًا (فِي الطَّوَافِ) لِمَا رُوِي مِنْ النَّهْي عَنْهَا مُعَلَّلًا بِأَنَّهَا مِنْ زِي الْيهُودِ، (وَ قِيلَ) وَ الْقَائِلُ ابْنُ إدْرِيسَ وَ اسْتَقْرَبَهُ فِي الدُّرُوسِ: (يخْتَصُّ) التَّحْرِيمُ (بِمَوْضِعِ تَحْرِيمِ سِتْرِ الرَّأْسِ) كطَوَافِ الْعُمْرَةِ، لِضَعْفِ مُسْتَنَدِ التَّحْرِيمِ.

وَ هُوَ الْأَقْوَي، وَ يمْكنُ حَمْلُ النَّهْي عَلَي الْكرَاهَةِ بِشَاهِدِ التَّعْلِيلِ، و علي تَقْدِيرِ التَّحْرِيمِ لَا يقْدَحُ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ، لِأَنَّ النَّهْي عَنْ وَصْفٍ خَارِجٍ عَنْهُ وَ

كذَا لَوْ طَافَ لَابِسًا لِلْمَخِيطِ.

(الرَّابِعَةُ -

رُوِي عَنْ عَلِي عَلَيهِ السَّلَامُ) بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ (فِي امْرَأَةٍ نَذَرَتْ الطَّوَافَ عَلَي أَرْبَعٍ) يدَيهَا وَ رِجْلَيهَا (أَنَّ عَلَيهَا طَوَافَينِ) بِالْمَعْهُودِ وَ عَمِلَ بِمَضْمُونِهِ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللَّهُ، (وَ قِيلَ) وَ الْقَائِلُ الْمُحَقِّقُ: (يقْتَصِرُ) بِالْحُكمِ (عَلَي الْمَرْأَةِ)، وُقُوفًا فِيمَا خَالَفَ الْأَصْلَ عَلَي مَوْضِعِ النَّصِّ، (وَيبْطُلُ فِي الرَّجْلِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْهَيئَةَ غَيرُ مُعْتَدٍّ بِهَا شَرْعًا، فَلَا ينْعَقِدُ فِي غَيرِ مَوْضِعِ النَّصِّ، (وَ قِيلَ) وَ الْقَائِلُ ابْنُ إدْرِيسَ: (يبْطُلُ فِيهِمَا) لِمَا ذُكرَ وَ اسْتِضْعَافًا لِلرِّوَايةِ.

(وَالْأَقْرَبُ الصِّحَّةُ فِيهِمَا) لِلنَّصِّ، وَ ضَعْفُ السَّنَدِ مُنْجَبِرٌ بِالشُّهْرَةِ وَ إِذَا ثَبَتَ فِي الْمَرْأَةِ فَفِي الرَّجُلِ بِطَرِيقٍ أَوْلَي.

وَ الْأَقْوَي مَا اخْتَارَهُ ابْنُ إدْرِيسَ مِنْ الْبُطْلَانِ مُطْلَقًا، وَ رُبَّمَا قِيلَ: ينْعَقِدُ النَّذْرُ، دُونَ الْوَصْفِ وَ يضْعُفُ بِعَدَمِ قَصْدِ الْمُطْلَقِ.

(الْخَامِسَةُ

- يسْتَحَبُّ إكثَارُ الطَّوَافِ) لِكلِّ حَاضِرٍ بِمَكةَ (مَا اسْتَطَاعَ و هو أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ تَطَوُّعًا لِلْوَارِدِ) مُطْلَقًا، وَ لِلْمُجَاوِرِ فِي السَّنَةِ الْأُولَي، و في الثَّانِيةِ يتَسَاوَيانِ، فَيشْرِك بَينَهُمَا، و في الثَّالِثَةِ تَصِيرُ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ كالْمُقِيمِ، (وَلْيكنْ) الطَّوَافُ (ثَلَثَمِائَةٍ وَ سِتِّينَ طَوَافًا فَإِنْ عَجَزَ) عَنْهَا (جَعَلَهَا أَشْوَاطًا) فَتَكونُ أَحَدًا وَ خَمْسِينَ طَوَافًا، وَ يبْقَي ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ تَلْحَقُ بِالطَّوَافِ الْأَخِيرِ، و هو مُسْتَثْنًي مِنْ كرَاهَةِ الْقِرَانِ فِي النَّافِلَةِ بِالنَّصِّ، وَ اسْتَحَبَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ إلْحَاقَهُ بِأَرْبَعَةٍ أُخْرَي لِتَصِيرَ مَعَ الزِّيادَة طَوَافًا كامِلًا، حَذَرًا مِنْ الْقِرَانِ.

وَ اسْتِحْبَابُ ذَلِك لَا ينَافِي الزِّيادَةَ، وَ أَصْلُ الْقِرَانِ فِي الْعِبَادَةِ مَعَ صِحَّتِهَا لَا ينَافِي الِاسْتِحْبَابَ و هو حَسَنٌ و أن اُسْتُحِبَّ الْأَمْرَانِ.

(السَّادِسَةُ -

الْقِرَانُ) بَينَ أُسْبُوعَينِ بِحَيثُ لَا يجْعَلُ بَينَهُمَا تَرَاخِيا، و قد يطْلَقُ عَلَي الزِّيادَةِ عَنْ الْعَدَدِ مُطْلَقًا (مُبْطِلٌ فِي طَوَافِ الْفَرِيضَةِ، وَ لَا بَأْسَ بِهِ فِي النَّافِلَةِ، و أن كانَ تَرْكهُ أَفْضَلَ)، وَ نَبَّهَ بِأَفْضَلِيةِ تَرْكهِ عَلَي بَقَاءِ فَضْلٍ مَعَهُ،

كمَا هُوَ شَأْنُ كلِّ عِبَادَةٍ مَكرُوهَةٍ.

وَ هَلْ تَتَعَلَّقُ الْكرَاهَةُ بِمَجْمُوعِ الطَّوَافِ، أَمْ بِالزِّيادَةِ؟ الْأَجْوَدُ الثَّانِي إنْ عَرَضَ قَصْدُهَا بَعْدَ الْإِكمَالِ، وَ الا فَالْأَوَّلُ، و علي التَّقْدِيرَينِ فَالزِّيادَةُ يسْتَحَقُّ عَلَيهَا ثَوَابٌ فِي الْجُمْلَةِ و أن قَلَّ.

(الْقَوْلُ فِي السَّعْي وَ التَّقْصِيرِ - وَ مُقَدِّمَاتُهُ)

كلُّهَا مَسْنُونَةٌ (اسْتِلَامُ الْحَجَرِ) عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ إلَيهِ، (وَالشُّرْبُ مِنْ زَمْزَمَ، وَ صَبُّ الْمَاءِ مِنْهُ عَلَيهِ) مِنْ الدَّلْوِ الْمُقَابِلِ لِلْحَجَرِ، وَ الا فَمِنْ غَيرِهِ، وَ الْأَفْضَلُ اسْتِقَاؤُهُ بِنَفْسِهِ، وَ يقُولُ عِنْدَ الشُّرْبِ، وَ الصَّبِّ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ عِلْمًا نَافِعًا، وَ رِزْقًا وَاسِعًا، وَ شِفَاءً مِنْ كلِّ دَاءٍ وَ سَقَمٍ.

(وَالطَّهَارَةُ) مِنْ الْحَدَثِ عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ.

وَ قِيلَ: يشْتَرَطُ و من الْخَبَثِ أَيضًا، (وَالْخُرُوجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا) و هو الْآنَ دَاخِلٌ فِي الْمَسْجِدِ كبَابِ بَنِي شَيبَةَ إلَّا أَنَّهُ مُعَلَّمٌ بِأُسْطُوَانَتَينِ فَلِيخْرُجْ مِنْ بَينِهِمَا.

وَ فِي الدُّرُوسِ الظَّاهِرُ اسْتِحْبَابُ الْخُرُوجِ مِنْ الْبَابِ الْمُوَازِي لَهُمَا أَيضًا.

(وَالْوُقُوفُ عَلَي الصَّفَا) بَعْدَ الصُّعُودِ إلَيهِ حَتَّي يرَي الْبَيتَ مِنْ بَابِهِ (مُسْتَقْبِلَ الْكعْبَةِ، وَ الدُّعَاءُ وَ الذِّكرُ) قَبْلَ الشُّرُوعِ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْبَقَرَةِ مُتَرَسِّلًا، لِلتَّأَسِّي، وَلِيكنْ الذِّكرُ مِائَةَ تَكبِيرَةٍ، وَ تَسْبِيحَةٍ، وَ تَحْمِيدَةٍ، وَ تَهْلِيلَةٍ ثُمَّ، الصَّلَاةُ عَلَي النَّبِي وَ آلِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِائَةٌ. (وَوَاجِبُهُ النِّيةُ) الْمُشْتَمِلَةُ عَلَي قَصْدِ الْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ مُتَقَرِّبًا، مُقَارِنَةً لِلْحَرَكةِ وَ لِلصَّفَا بِأَنْ يصْعَدَ عَلَيهِ فَيجْزِئُ مِنْ أَي جُزْءٍ كانَ مِنْهُ، أَوْ يلْصِقُ عَقِبَهُ بِهِ إنْ لَمْ يصْعَدْ، فَإِذَا وَصَلَ إلَي الْمَرْوَةِ أَلْصَقَ أَصَابِعَ رِجْلَيهِ بِهَا إنْ لَمْ يدْخُلْهَا لِيسْتَوْعِبَ سُلُوك الْمَسَافَةِ الَّتِي بَينَهُمَا فِي كلِّ شَوْطٍ.

(وَالْبَدْأَةُ بِالصَّفَا، وَ الْخَتْمُ بِالْمَرْوَةِ، فَهَذَا شَوْطُ، وَ عَوْدُهُ) مِنْ الْمَرْوَةِ إلَي الصَّفَا (آخَرُ فَالسَّابِعُ) يتِمُّ (عَلَي الْمَرْوَةِ، وَ تَرْك الزِّيادَةِ عَلَي السَّبْعَةِ فَيبْطُلُ) لَوْ زَادَ (عَمْدًا)، و لو خُطْوَةً (وَالنَّقِيصَةِ فَيأْتِي بِهَا) و

أن طَالَ الزَّمَانُ، إذْ لَا تَجِبُ الْمُوَالَاةُ فِيهِ، أَوْ كانَ دُونَ الْأَرْبَعِ، بَلْ يبْنِي و لو عَلَي شَوْطٍ، (وَإِنْ زَادَ سَهْوًا تَخَيرَ بَينَ الْإِهْدَارِ) لِلزَّائِدِ، (وَتَكمِيلِ أُسْبُوعَينِ) إنْ لَمْ يذْكرْ حَتَّي أَكمَلَ الثَّامِنَ، وَ الا تَعَينَ إهْدَارُهُ، (كالطَّوَافِ).

وَ هَذَا الْقَيدُ يمْكنُ اسْتِفَادَتُهُ مِنْ التَّشْبِيهِ، وَ أَطْلَقَ فِي الدُّرُوسِ الْحُكمَ وَ جَمَاعَةٌ.

وَ الْأَقْوَي تَقْييدُهُ بِمَا ذَكرَ، وَ حِينَئِذٍ فَمَعَ الْإِكمَالِ يكونُ الثَّانِي مُسْتَحَبًّا.

(وَلَمْ يشْرَعْ اسْتِحْبَابُ السَّعْي إلَّا هُنَا)، وَ لَا يشْرَعُ ابْتِدَاءً مُطْلَقًا. (وَهُوَ) أَي السَّعْي (رُكنٌ يبْطُلُ) النُّسُك (بِتَعَمُّدِ تَرْكهِ) و أن جَهِلَ الْحُكمَ، لَا بِنِسْيانِهِ بَلْ يأْتِي بِهِ مَعَ الْإِمْكانِ، وَ مَعَ التَّعَذُّرِ يسْتَنِيبُ كالطَّوَافِ وَ لَا يحِلُّ لَهُ مَا يتَوَقَّفُ عَلَيهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ حَتَّي يأْتِي بِهِ كمْلًا أَوْ نَائِبُهُ، (وَلَوْ ظَنَّ فِعْلَهُ فَوَاقِعٌ) بَعْدَ أَنْ أَحَلَّ بِالتَّقْصِيرِ، (أَوْ قَلَّمَ) ظُفْرَهُ (فَتَبَينَ الْخَطَأَ) و أنّه لَمْ يتِمَّ السَّعْي (أَتَمَّهُ، وَ كفَّرَ بِبَقَرَةٍ) فِي الْمَشْهُورِ، اسْتِنَادًا إلَي رِوَاياتٍ دَلَّتْ عَلَي الْحُكمِ.

وَ مَوْرِدُهَا ظَنُّ إكمَالِ السَّعْي بَعْدَ أَنْ سَعَي سِتَّةَ أَشْوَاطٍ.

وَ الْحُكمُ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ الشَّرْعِيةِ مِنْ وُجُوهٍ كثِيرَةٍ: وُجُوبُ الْكفَّارَةِ عَلَي النَّاسِي فِي غَيرِ الصَّيدِ، وَ الْبَقَرَةِ فِي تَقْلِيمِ الظُّفْرِ أَوْ الْأَظْفَارِ، و وجوبهَا بِالْجِمَاعِ مُطْلَقًا، وَ مُسَاوَاتُهُ لِلْقَلْمِ، و من ثَمَّ أَسْقَطَ وُجُوبَهَا بَعْضُهُمْ وَ حَمَلَهَا عَلَي الِاسْتِحْبَابِ، وَ بَعْضُهُمْ أَوْجَبَهَا لِلظَّنِّ و أن لَمْ تَجِبْ عَلَي النَّاسِي، وَ آخَرُونَ تَلَقَّوْهَا بِالْقَبُولِ مُطْلَقًا.

وَ يمْكنُ تَوْجِيهُهُ بِتَقْصِيرِهِ هُنَا فِي ظَنِّ الْإِكمَالِ، فَإِنَّ مَنْ سَعَي سِتَّةً يكونُ عَلَي الصَّفَا فَظَنُّ الْإِكمَالِ مَعَ اعْتِبَارِ كوْنِهِ عَلَي الْمَرْوَةِ تَقْصِيرٌ، بَلْ تَفْرِيطٌ وَاضِحٌ، لَكنَّ الْمُصَنِّفَ وَ جَمَاعَةً فَرَضُوهَا قَبْلَ إتْمَامِ السَّعْي مُطْلَقًا فَيشْمَلُ مَا يتَحَقَّقُ فِيهِ الْعُذْرُ كالْخَمْسَةِ.

وَ كيف كانَ فَالْإِشْكالُ وَاقِعٌ.

(وَيجُوزُ قَطْعُهُ لِحَاجَةٍ، و غيرهَا) قَبْلَ بُلُوغِ الْأَرْبَعَةِ، وَ

بَعْدَهَا عَلَي الْمَشْهُورِ وَ قِيلَ: كالطَّوَافِ، (وَالِاسْتِرَاحَةُ فِي أَثْنَائِهِ) و أن لَمْ يكنْ عَلَي رَأْسِ الشَّوْطِ مَعَ حِفْظِ مَوْضِعِهِ، حَذَرًا مِنْ الزِّيادَةِ وَ النُّقْصَانِ. (وَيجِبُ التَّقْصِيرُ) و هو إبَانَةُ الشَّعْرِ، أَوْ الظُّفْرِ بِحَدِيدٍ، وَ نَتْفٍ، وَ قَرْضٍ، و غيرهَا (بَعْدَهُ) أَي بَعْدَ السَّعْي (بِمُسَمَّاهُ) و هو مَا يصْدُقُ عَلَيهِ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ شَعْرٍ، أَوْ ظُفْرٍ و إنّما يجِبُ التَّقْصِيرُ مُتَعَينًا (إذَا كانَ سَعْي الْعُمْرَةِ) أَمَّا فِي غَيرِهَا فَيتَخَيرُ بَينَهُ و بين الْحَلْقِ (مِنْ الشَّعْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّقْصِيرِ، وَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَينَ شَعْرِ الرَّأْسِ، وَ اللِّحْيةِ، و غيرهِمَا، (أَوْ الظُّفْرِ) مِنْ الْيدِ، أَوْ الرِّجْلِ، و لو حَلَقَ بَعْضَ الشَّعْرِ أَجْزَأَ و إنّما يحْرُمُ حَلْقُ جَمِيعِ الرَّأْسِ، أَوْ مَا يصْدُقُ عَلَيهِ عُرْفًا، (وَبِهِ يتَحَلَّلُ مِنْ إحْرَامِهَا) فَيحِلُّ لَهُ جَمِيعُ مَا حَرُمَ بِالْإِحْرَامِ حَتَّي الْوِقَاعُ. (وَلَوْ حَلَقَ) جَمِيعَ رَأْسِهِ عَامِدًا عَالِمًا (فَشَاةٌ) وَ لَا يجْزِئُ عَنْ التَّقْصِيرِ لِلنَّهْي، وَ قِيلَ: يجْزِئُ، لِحُصُولِهِ بِالشُّرُوعِ، وَ الْمُحْرِمِ مُتَأَخِّرٌ.

وَ هُوَ مُتَّجِهٌ مَعَ تَجَدُّدِ الْقَصْدِ، وَ نَاسِيا، أَوْ جَاهِلًا لَا شَيءَ عَلَيهِ، وَ يحْرُمُ الْحَلْقُ و لو بَعْدَ التَّقْصِيرِ (وَلَوْ جَامَعَ قَبْلَ التَّقْصِيرِ عَمْدًا فَبَدَنَةٌ لِلْمُوسِرِ، وَ بَقَرَةٌ لِلْمُتَوَسِّطِ، وَشَاةٌ لِلْمُعْسِرِ)، وَ الْمَرْجِعُ فِي الثَّلَاثَةِ إلَي الْعُرْفُ بِحَسَبِ حَالِهِمْ وَ مَحَلِّهِمْ، و لو كانَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيا فَلَا شَيءَ عَلَيهِ.

(وَيسْتَحَبُّ التَّشَبُّهُ بِالْمُحْرِمِينَ بَعْدَهُ) أَي بَعْدَ التَّقْصِيرِ بِتَرْك لُبْسِ الْمَخِيطِ و غيرهِ كمَا يقْتَضِيه إطْلَاقُ النَّصِّ وَ الْعِبَارَةِ، و في الدُّرُوسِ اقْتَصَرَ عَلَي التَّشَبُّهِ بِتَرْك الْمَخِيطِ، (وَكذَا) يسْتَحَبُّ ذَلِك (لِأَهْلِ مَكةَ فِي الْمَوْسِمِ) أَجْمَعَ أَي مَوْسِمِ الْحَجِّ، أَوَّلُهُ و ُصُولُ الْوُفُودِ إلَيهِمْ مُحْرِمِينَ وَ آخِرُهُ الْعِيدُ عِنْدَ إحْلَالِهِمْ.

الْفَصْلُ الْخَامِسُ - فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ
التمهيد

الْفَصْلُ الْخَامِسُ - فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ

وَ هِي الْإِحْرَامُ، وَ الْوُقُوفَانِ وَ مَنَاسِك مِنًي، وَ طَوَافُ

الْحَجِّ، وَ سَعْيهُ، وَ طَوَافُ النِّسَاءِ، وَ رَمْي الْجَمَرَاتِ، وَ الْمَبِيتُ بِمِنًي)، وَ الْأَرْكانُ مِنْهَا خَمْسَةٌ، الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ، وَ الطَّوَافُ الْأَوَّلُ وَ السَّعْي.

(الْقَوْلُ فِي الْإِحْرَامِ وَ الْوُقُوفَينِ

- يجِبُ بَعْدَ التَّقْصِيرِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ عَلَي الْمُتَمَتِّعِ) وُجُوبًا مُوَسَّعًا، إلَي أَنْ يبْقَي لِلْوُقُوفِ مِقْدَارُ مَا يمْكنُ إدْرَاكهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ مِنْ مَحَلِّهِ، (وَيسْتَحَبُّ) إيقَاعُهُ (يوْمَ التَّرْوِيةِ) و هو الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، سُمِّي بِذَلِك لِأَنَّ الْحَاجَّ كانَ يتَرَوَّي الْمَاءَ لِعَرَفَةَ مِنْ مَكةَ إذْ لَمْ يكنْ بِهَا مَاءٌ كالْيوْمِ، فَكانَ بَعْضُهُمْ يقُولُ لِبَعْضٍ: تَرَوَّيتُمْ لِتَخْرُجُوا (بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ)، و في الدُّرُوسِ بَعْدَ الظُّهْرَينِ الْمُتَعَقِّبَينِ لِسُنَّةِ الْإِحْرَامِ الْمَاضِية.

وَ الْحُكمُ مُخْتَصٌّ به غير الْإِمَامِ، وَ الْمُضْطَرِّ وَ سَيأْتِي اسْتِثْنَاؤُهُمَا (وَصِفَتُهُ كمَا مَرَّ) فِي الْوَاجِبَاتِ وَ الْمَنْدُوبَاتِ وَ الْمَكرُوهَاتِ.

(ثُمَّ الْوُقُوفُ) بِمَعْنَي الْكوْنِ (بِعَرَفَةَ مِنْ زَوَالِ التَّاسِعِ إلَي غُرُوبِ الشَّمْسِ مَقْرُونًا بِالنِّيةِ) الْمُشْتَمِلَةِ عَلَي قَصْدِ الْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ، مُتَقَرِّبًا بَعْدَ تَحَقُّقِ الزَّوَالِ به غير فَصْلٍ، وَ الرُّكنُ مِنْ ذَلِك أَمْرٌ كلِّي و هو جُزْءٌ مِنْ مَجْمُوعِ الْوَقْتِ بَعْدَ النِّيةِ و لو سَائِرًا، وَ الْوَاجِبُ الْكلُّ، (وَحَدُّ عَرَفَةَ مِنْ بَطْنِ عُرَنَةَ) بِضَمِّ الْعَينِ الْمُهْمَلَةِ، وَ فَتْحِ الرَّاءِ وَ النُّونِ (وَثَوِيةَ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ، وَ كسْرِ الْوَاوِ، وَ تَشْدِيدِ الْياءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ الْمَفْتُوحَةِ، (وَنَمِرَةَ) بِفَتْحِ النُّونِ، وَ كسْرِ الْمِيمِ، وَ فَتْحِ الرَّاءِ، و هي بَطْنُ عُرَنَةَ فَكانَ يسْتَغْنَي عَنْ التَّحْدِيدِ بِهَا (إلَي الْأَرَاك) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (إلَي ذِي الْمَجَازِ).

وَ هَذِهِ الْمَذْكورَاتُ حُدُودٌ لَا مَحْدُودٌ فَلَا يصِحُّ الْوُقُوفُ بِهَا. (وَلَوْ أَفَاضَ) مِنْ عَرَفَةَ (قَبْلَ الْغُرُوبِ عَامِدًا و لم يعُدْ فَبَدَنَةٌ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ ثَمَانِيةَ عَشَرَ يوْمًا) سَفَرًا، أَوْ حَضَرًا، مُتَتَابِعَةً، و غير مُتَتَابِعَةٍ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ، و في الدُّرُوسِ أَوْجَبَ فِيهَا الْمُتَابَعَةَ هُنَا، وَ جَعَلَهَا فِي الصَّوْمِ أَحْوَطَ، و

هو أَوْلَي.

وَ لَوْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَالْأَقْوَي سُقُوطُهَا و أن أَثِمَ، و لو كانَ نَاسِيا، أَوْ جَاهِلًا فَلَا شَيءَ عَلَيهِ إنْ لَمْ يعْلَمْ بِالْحُكمِ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَ الا وَجَبَ الْعَوْدُ مَعَ الْإِمْكانِ، فَإِنْ أَخَلَّ بِهِ فَهُوَ عَامِدٌ و أمّا الْعَوْدُ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلَا أَثَرَ لَهُ. (وَيكرَهُ الْوُقُوفُ عَلَي الْجَبَلِ)، بَلْ فِي أَسْفَلِهِ بِالسَّفْحِ، (وَقَاعِدًا) أَي الْكوْنُ بِهَا قَاعِدًا، (وَرَاكبًا)، بَلْ وَاقِفًا، و هو الْأَصْلُ فِي إطْلَاقِ الْوُقُوفِ عَلَي الْكوْنِ، إطْلَاقًا لِأَفْضَلِ أَفْرَادِهِ عَلَيهِ. (وَالْمُسْتَحَبُّ الْمَبِيتُ بِمِنًي لَيلَةَ التَّاسِعِ إلَي الْفَجْرِ) اُحْتُرِزَ بِالْغَايةِ عَنْ تَوَهُّمِ سُقُوطِ الْوَظِيفَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيلِ كمَبِيتِهَا لَيالِي التَّشْرِيقِ (وَلَا يقْطَعُ مُحَسِّرًا) بِكسْرِ السِّينِ و هو حَدُّ مِنًي إلَي جِهَةِ عَرَفَةَ (حَتَّي تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَ الْإِمَامُ يخْرُجُ) مِنْ مَكةَ (إلَي مِنًي قَبْلَ الصَّلَاتَينِ) الظُّهْرَينِ يوْمَ التَّرْوِيةِ لِيصَلِّيهُمَا بِمِنًي، و هذا كالتَّقْييدِ لِمَا أَطْلَقَهُ سَابِقًا مِنْ اسْتِحْبَابِ إيقَاعِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَأَخُّرِ الْخُرُوجِ عَنْهَا، (وَكذَا ذُو الْعُذْرِ) كالْهِمِّ وَ الْعَلِيلِ، وَ الْمَرْأَةِ، وَ خَائِفِ الزِّحَامِ، وَ لَا يتَقَيدُ خُرُوجُهُ بِمِقْدَارِ الْإِمَامِ كمَا سَلَفَ، بَلْ لَهُ التَّقَدُّمُ بِيوْمَينِ وَ ثَلَاثَةٍ.

(وَالدُّعَاءُ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَيهَا) أَي إلَي مِنًي فِي ابْتِدَائِهِ، (وَ) عِنْدَ الْخُرُوجِ (مِنْهَا) إلَي عَرَفَةَ، (وَفِيهَا) بِالْمَأْثُورِ، (وَالدُّعَاءُ بِعَرَفَةَ) بِالْأَدْعِيةِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ أَهْلِ الْبَيتِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ، خُصُوصًا دُعَاءَ الْحُسَينِ، وَ وَلَدِهِ زَينِ الْعَابِدِينَ عَلَيهِمَا السَّلَامُ، (وَإِكثَارُ الذِّكرِ لِلَّهِ تَعَالَي) بِهَا، (وَلْيذْكرْ إخْوَانَهُ بِالدُّعَاءِ، وَ أَقَلُّهُمْ أَرْبَعُونَ).

رَوَي الْكلِينِي عَنْ عَلِي بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُنْدُبٍ بِالْمَوْقِفِ فَلَمْ أَرَ مَوْقِفًا كانَ أَحْسَنَ مِنْ مَوْقِفِهِ.

مَا زَالَ مَادًّا يدَهُ إلَي السَّمَاءِ وَ دُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَي خَدَّيهِ حَتَّي تَبْلُغَ الْأَرْضَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّاسُ قُلْت: يا أَبَا مُحَمَّدٍ مَا رَأَيت مَوْقِفًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ مَوْقِفِك

قَالَ: وَ اَللَّهِ مَا دَعَوْت فِيهِ إلَّا لِإِخْوَانِي.

وَ ذَلِك لِأَنَّ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَي عَلَيهِ السَّلَامُ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيبِ نُودِي مِنْ الْعَرْشِ وَ لَك مِائَةُ أَلْفِ ضِعْفٍ مِثْلَهُ، وَ كرِهْتُ أَنْ أَدَعَ مِائَةَ أَلْفِ ضِعْفٍ لِوَاحِدَةٍ لَا أَدْرِي تُسْتَجَابُ، أَمْ لَا.

وَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: كنْت فِي الْمَوْقِفِ فَلَمَّا أَفَضْت أَتَيت إبْرَاهِيمَ بْنَ شُعَيبَ فَسَلَّمْت عَلَيهِ و كان مُصَابًا بِإِحْدَي عَينَيهِ وَ إِذَا عَينُهُ الصَّحِيحَةُ حَمْرَاءُ كأَنَّهَا عَلَقَةُ دَمٍ.

فَقُلْت لَهُ: قَدْ أُصِبْت بِإِحْدَي عَينَيك وَ أَنَا وَ اَللَّهِ مُشْفِقٌ عَلَي الْأُخْرَي، فَلَوْ قَصَّرَتْ مِنْ الْبُكاءِ قَلِيلًا قَالَ: لَا وَ اَللَّهِ يا أَبَا مُحَمَّدٍ مَا دَعَوْت لِنَفْسِي الْيوْمَ دَعْوَةً، قُلْت: فَلِمَنْ دَعَوْت قَالَ: دَعَوْت لِإِخْوَانِي لِأَنِّي سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيهِ السَّلَامُ يقُولُ: مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيبِ وَكلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكا يقُولُ: وَ لَك مِثْلَاهُ، فَأَرَدْت أَنْ أَكونَ أَنَا أَدْعُو لِإِخْوَانِي، وَ الْمَلَك يدْعُو لِي، لِأَنِّي فِي شَك مِنْ دُعَائِي لِنَفْسِي، وَ لَسْت فِي شَك مِنْ دُعَاءِ الْمَلَك لِي.

(ثُمَّ يفِيضُ) أَي ينْصَرِفُ.

وَ أَصْلُهُ الِانْدِفَاعُ بِكثْرَةٍ، أُطْلِقَ عَلَي الْخُرُوجِ مِنْ عَرَفَةَ لِمَا يتَّفِقُ فِيهِ مِنْ انْدِفَاعِ الْجَمْعِ الْكثِيرِ مِنْهُ كإِفَاضَةِ الْمَاءِ، و هو مُتَعَدٍّ، لَا لَازِمٌ، أَي يفِيضُ نَفْسَهُ، (بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) الْمَعْلُومِ بِذَهَابِ الْحُمْرَةِ الْمَشْرِقِيةِ بِحَيثُ لَا يقْطَعُ حُدُودَ عَرَفَةَ حَتَّي تَغْرُبَ (إلَي الْمَشْعَرِ) الْحَرَامِ، (مُقْتَصِدًا) مُتَوَسِّطًا (فِي سَيرِهِ دَاعِيا إذَا بَلَغَ الْكثِيبَ الْأَحْمَرَ) عَنْ يمِينِ الطَّرِيقِ بِقَوْلِهِ: (اللَّهُمَّ ارْحَمْ مَوْقِفِي، وَ زِدْ فِي عَمَلِي، وَ سَلِّمْ لِي دِينِي، وَ تَقَبَّلْ مَنَاسِكي، اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلُهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ، وَ ارْزُقْنِيهِ أَبَدًا مَا أَبْقَيتنِي، ثُمَّ يقِفُ بِهِ)، أَي يكونُ بِالْمَشْعَرِ (لَيلًا إلَي طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَ الْوَاجِبُ الْكوْنُ) وَاقِفًا كانَ،

أَمْ نَائِمًا، أَمْ غَيرَهُمَا مِنْ الْأَحْوَالِ (بِالنِّيةِ) عِنْدَ وُصُولِهِ.

وَ الْأَوْلَي تَجْدِيدُهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِتَغَايرِ الْوَاجِبَينِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ الرُّكنِي مِنْهُ اخْتِيارَا الْمُسَمَّي فِيمَابَينَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَي طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ الْبَاقِي وَاجِبٌ لَا غَيرُ كالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.

(وَيسْتَحَبُّ إحْياءُ تِلْك اللَّيلَةِ) بِالْعِبَادَةِ، (وَالدُّعَاءِ، وَ الذِّكرِ وَ الْقِرَاءَةِ) فَمَنْ أَحْياهَا لَمْ يمُتْ قَلْبُهُ يوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ، (وَوَطْءُ الصَّرُورَةِ الْمَشْعَرَ بِرَجْلِهِ)، و لو فِي نَعْلٍ، أَوْ بِبَعِيرِهِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ: وَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمَسْجِدُ الْمَوْجُودُ الْآنَ، (وَالصُّعُودُ عَلَي قُزَحٍ) بِضَمِّ الْقَافِ وَ فَتْحِ الزَّاي الْمُعْجَمَةِ.

قَالَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ، و هو جَبَلٌ هُنَاك يسْتَحَبُّ الصُّعُودُ عَلَيهِ، (وَذِكرُ اللَّهِ عَلَيهِ)، وَ جَمْعٌ أَعَمُّ مِنْهُ.

مَسَائِلُ:

(كلٌّ مَنْ الْمَوْقِفَينِ رُكنٌ) و هو مُسَمَّي الْوُقُوفِ فِي كلٍّ مِنْهُمَا (يبْطُلُ الْحَجُّ بِتَرْكهِ عَمْدًا، وَ لَا يبْطُلُ) بِتَرْكهِ (سَهْوًا) كمَا هُوَ حُكمُ أَرْكانِ الْحَجِّ أَجْمَعَ.

(نَعَمْ لَوْ سَهَا عَنْهُمَا) مَعًا (بَطَلَ)، و هذا الْحُكمُ مُخْتَصٌّ بِالْوُقُوفَينِ وَ فَوَاتُهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا لِعُذْرٍ كالْفَوَاتِ سَهْوًا.

(وَلِكلٍّ) مِنْ الْمَوْقِفَينِ (اخْتِيارِي، وَ اضْطِرَارِي، فَاخْتِيارِي عَرَفَةَ مَا بَينَ الزَّوَالِ وَ الْغُرُوبِ، وَ اخْتِيارِي الْمَشْعَرِ مَا بَينَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَ اضْطِرَارِي عَرَفَةَ لَيلَةُ النَّحْرِ) مِنْ الْغُرُوبِ إلَي الْفَجْرِ (وَاضْطِرَارِي الْمَشْعَرِ) مِنْ طُلُوعِ شَمْسِهِ (إلَي زَوَالِهِ).

وَ لَهُ اضْطِرَارِي آخَرُ أَقْوَي مِنْهُ، لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِالِاخْتِيارِي، و هو اضْطِرَارِي عَرَفَةَ لَيلَةَ النَّحْرِ.

وَ وَجْهُ شَوْبِهِ اجْتِزَاءُ الْمَرْأَةِ بِهِ اخْتِيارًا وَ الْمُضْطَرُّ وَ الْمُتَعَمِّدُ مُطْلَقًا مَعَ جَبْرِهِ بِشَاةٍ وَ الاضْطِرَارِي الْمَحْضُ لَيسَ كذَلِك وَ الْوَاجِبُ مِنْ الْوُقُوفِ الِاخْتِيارِي الْكلُّ، و من الِاضْطِرَارِي الْكلِّي كالرُّكنِ مِنْ الِاخْتِيارِي. وَ أَقْسَامُ الْوُقُوفَينِ بِالنِّسْبَةِ إلَي الِاخْتِيارِي وَ الاضْطِرَارِي ثَمَانِيةٌ، أَرْبَعَةٌ مُفْرَدَةٌ، و هي كلُّ وَاحِدٍ مِنْ الِاخْتِيارَينِ وَ الاضْطِرَارَينِ، وَ أَرْبَعَةٌ مُرَكبَةٌ و هي الِاخْتِيارِيانِ وَ الاضْطِرَارِيانِ، وَ اخْتِيارِي

عَرَفَةَ مَعَ اضْطِرَارِي الْمَشْعَرِ وَ عَكسُهُ.

(وَكلُّ أَقْسَامِهِ يجْزِي) فِي الْجُمْلَةِ لَا مُطْلَقًا، فَإِنَّ الْعَامِدَ يبْطُلُ حَجُّهُ بِفَوَاتِ كلِّ وَاحِدٍ مِنْ الِاخْتِيارِيينِ (إلَّا الِاضْطِرَارِي الْوَاحِدَ) فَإِنَّهُ لَا يجْزِئُ مُطْلَقًا عَلَي الْمَشْهُورِ، وَ الْأَقْوَي إجْزَاءُ اضْطِرَارِي الْمَشْعَرِ وَحْدَهُ لِصَحِيحَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكانَ عَنْ الْكاظِمِ عَلَيهِ السَّلَامُ.

أَمَّا اضْطِرَارِيةُ السَّابِقِ فَمُجْزِئٌ مُطْلَقًا كمَا عَرَفْتَ، و لم يسْتَثْنِهِ هُنَا، لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ قِسْمِ الِاخْتِيارِي، حَيثُ خَصَّ الِاضْطِرَارِي بِمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَ نَبَّهَ عَلَي حُكمِهِ أَيضًا بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ أَفَاضَ قَبْلَ الْفَجْرِ عَامِدًا فَشَاةٌ)، وَ نَاسِيا لَا شَيءَ عَلَيهِ.

وَ فِي إلْحَاقِ الْجَاهِلِ بِالْعَامِدِ كمَا فِي نَظَائِرِهِ، أَوْ النَّاسِي قَوْلَانِ، وَ كذَا فِي تَرْك أَحَدِ الْوُقُوفَينِ. (وَيجُوزُ) الْإِفَاضَةُ قَبْلَ الْفَجْرِ (لِلْمَرْأَةِ وَ الْخَائِفِ)، بَلْ كلُّ مُضْطَرٍّ كالرَّاعِي وَ الْمَرِيضِ، (وَالصَّبِي مُطْلَقًا)، وَ رَفِيقِ الْمَرْأَةِ (مِنْ غَيرِ جَبْرٍ)، وَ لَا يخْفَي أَنَّ ذَلِك مَعَ نِيةِ الْوُقُوفِ لَيلًا كمَا نَبَّهَ عَلَيهِ بِإِيجَابِهِ النِّيةَ لَهُ عِنْدَ وُصُولِهِ (وَحَدُّ الْمَشْعَرِ مَا بَينَ الْحِياضِ وَ الْمَأْزِمَينِ) بِالْهَمْزِ السَّاكنِ، ثُمَّ كسْرِ الزَّاي الْمُعْجَمَةِ و هو الطَّرِيقُ الضَّيقُ بَينَ الْجَبَلَينِ، (وَوَادِي مُحَسِّرٍ) و هو طَرَفُ مِنًي كمَا سَبَقَ، فَلَا وَاسِطَةَ بَينَ الْمَشْعَرِ وَ مِنًي. (وَيسْتَحَبُّ الْتِقَاطُ حَصَي الْجِمَارِ مِنْهُ)، لِأَنَّ الرَّمْي تَحِيةٌ لِمَوْضِعِهِ كمَا مَرَّ فَينْبَغِي الْتِقَاطُهُ مِنْ الْمَشْعَرِ، لِئَلَّا يشْتَغِلَ عِنْدَ قُدُومِهِ بِغَيرِهِ، (وَهُوَ سَبْعُونَ) حَصَاةً.

ذَكرَ الضَّمِيرَ لِعَوْدِهِ عَلَي الْمَلْقُوطِ الْمَدْلُولِ عَلَيهِ بِالِالْتِقَاطِ، و لو الْتَقَطَ أَزْيدَ مِنْهَا احْتِياطًا، حَذَرًا مِنْ سُقُوطِ بَعْضِهَا، أَوْ عَدَمِ إصَابَتِهِ فَلَا بَأْسَ.

(وَالْهَرْوَلَةُ) و هي الْإِسْرَاعُ فَوْقَ الْمَشْي وَ دُونَ الْعَدْوِ، كالرَّمَلِ (فِي وَادِي مُحَسِّرٍ) لِلْمَاشِي وَ الرَّاكبِ فَيحَرِّك دَابَّتَهُ، وَ قَدْرُهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ، أَوْ مِائَةُ خُطْوَةٍ، وَ اسْتِحْبَابُهَا مُؤَكدٌ حَتَّي لَوْ نَسِيهَا رَجَعَ إلَيهَا و أن وَصَلَ إلَي مَكةَ، (دَاعِيا) حَالَةَ

الْهَرْوَلَةِ (بِالْمَرْسُومِ) وَ هُوَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ عَهْدِي، وَ اقْبَلْ تَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَ اخْلُفْنِي فِيمَنْ تَرَكت بَعْدِي.

(الْقَوْلُ فِي مَنَاسِك مِنًي)

(الْقَوْلُ فِي مَنَاسِك مِنًي)

جَمْعُ مَنْسَك، وَ أَصْلُهُ مَوْضِعُ النُّسُك و هو الْعِبَادَةُ، ثُمَّ أُطْلِقَ اسْمُ الْمَحَلِّ عَلَي الْحَالِ.

وَ لَوْ عَبَّرَ بِالنُّسُك كانَ هُوَ الْحَقِيقَةَ، وَ مِنًي بِكسْرِ الْمِيمِ وَ الْقَصْرِ اسْمٌ مُذَكرٌ مُنْصَرِفٌ قَالَهُ الْجَوْهَرِي، وَ جَوَّزَ غَيرُهُ تَأْنِيثَهُ.

سُمِّي بِهِ الْمَكانُ الْمَخْصُوصُ لِقَوْلِ جَبْرَائِيلَ عَلَيهِ السَّلَامُ فِيهِ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلَامُ: تَمَنَّ عَلَي رَبِّك مَا شِئْت.

وَ مَنَاسِكهَا (يوْمَ النَّحْرِ) ثَلَاثَةٌ (وَهِي رَمْي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) الَّتِي هِي أَقْرَبُ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ إلَي مَكةَ، و هي حَدُّهَا مِنْ تِلْك الْجِهَةِ، (ثُمَّ الذَّبْحُ، ثُمَّ الْحَلْقُ) مُرَتِّبًا كمَا ذُكرَ، (فَلَوْ عَكسَ عَمْدًا أَثِمَ وَ أَجْزَأَ وَ تَجِبُ النِّيةُ فِي الرَّمْي) الْمُشْتَمِلَةُ عَلَي تَعْيينِهِ، وَ كوْنِهِ فِي حَجِّ الْإِسْلَامِ، أَوْ غَيرِهِ، وَ الْقُرْبَةِ وَ الْمُقَارَنَةِ لِأَوَّلِهِ.

وَ الْأَوْلَي التَّعَرُّضُ لِلْأَدَاءِ وَ الْعَدَدِ، و لو تَدَارَكهُ بَعْدَ وَقْتِهِ نَوَي الْقَضَاءَ.

(وَإِكمَالِ السَّبْعِ) فَلَا يجْزِي مَا دُونَهَا و لو اقْتَصَرَ عَلَيهِ اسْتَأْنَفَ إنْ أَخَلَّ بِالْمُوَالَاةِ عُرْفًا و لم تَبْلُغْ الْأَرْبَعَ، و لو كانَ قَدْ بَلَغَهَا قَبْلَ الْقَطْعِ كفَاهُ الْإِتْمَامُ، (مُصِيبَةً لِلْجَمْرَةِ) و هي الْبِنَاءُ الْمَخْصُوصُ، أَوْ مَوْضِعُهُ و ما حَوْلَهُ مِمَّا يجْتَمِعُ مِنْ الْحَصَا، كذَا عَرَّفَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ.

وَ قِيلَ: هِي مَجْمَعُ الْحَصَا دُونَ السَّائِلِ.

وَ قِيلَ: هِي الْأَرْضُ، و لو لَمْ يصِبْ لَمْ يحْتَسَبْ.

وَ لَوْ شَك فِي الْإِصَابَةِ أَعَادَ، لِأَصَالَةِ الْعَدَمِ، وَ يعْتَبَرُ كوْنُ الْإِصَابَةِ (بِفِعْلِهِ) فَلَا يجْزِي الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ اخْتِيارًا، وَ كذَا لَوْ حَصَلَتْ الْإِصَابَةُ بِمَعُونَةِ غَيرِهِ، و لو حَصَاةً أُخْرَي، و لو وَ ثَبَتْ حَصَاةً بِهَا فَأَصَابَتْ لَمْ يحْتَسِبْ الْوَاثِبَةَ، بَلْ الْمَرْمِيةُ إنْ أَصَابَتْ، و لو وَقَعَتْ عَلَي مَا هُوَ أَعْلَي مِنْ الْجَمْرَةِ ثُمَّ وَقَعَتْ فَأَصَابَتْ كفَي،

وَ كذَا لَوْ وَقَعَتْ عَلَي غَيرِ أَرْضِ الْجَمْرَةِ، ثُمَّ وَ ثَبَتَ إلَيهَا بِوَاسِطَةِ صَدْمِ الْأَرْضِ، وَ شَبَهِهَا.

وَ اشْتِرَاطُ كوْنِ الرَّمْي بِفِعْلِهِ أَعَمُّ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ بِيدِهِ.

وَ قَدْ اقْتَصَرَ هُنَا و في الدُّرُوسِ عَلَيهِ، وَ فِي رِسَالَةِ الْحَجِّ اعْتَبَرَ كوْنَهُ مَعَ ذَلِك بِالْيدِ و هو أَجْوَدُ (بِمَا يسَمَّي رَمْيا) فَلَوْ وَضَعَهَا، أَوْ طَرَحَهَا مِنْ غَيرِ رَمْي لَمْ يجُزْ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ صِدْقُ اسْمِهِ و في الدُّرُوسِ نَسَبَ ذَلِك إلَي قَوْلٍ.

وَ هُوَ يدُلُّ عَلَي تَمْرِيضِهِ (بِمَا يسَمَّي حَجَرًا)، فَلَا يجْزِي الرَّمْي بِغَيرِهِ و لو بِخُرُوجِهِ عَنْهُ بِالِاسْتِحَالَةِ، وَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَينَ الصَّغِيرِ وَ الْكبِيرِ وَ لَا بَينَ الطَّاهِرِ وَ النَّجِسِ، وَ لَا بَينَ الْمُتَّصِلِ بِغَيرِهِ كفَصِّ الْخَاتَمِ لَوْ كانَ حَجَرًا حَرَمِيا، و غيرهُ.

(حَرَمِيا)، فَلَا يجْزِي مِنْ غَيرِهِ، وَ يعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ لَا يكونَ مَسْجِدًا، لِتَحْرِيمِ إخْرَاجِ الْحَصَا مِنْهُ الْمُقْتَضِي لِلْفَسَادِ فِي الْعِبَادَةِ (بِكرًا) غَيرَ مَرْمِي بِهَا رَمْيا صَحِيحًا، فَلَوْ رُمِي بِهَا به غير نِيةٍ، أَوْ لَمْ يصِبْ لَمْ يخْرُجْ عَنْ كوْنِهَا بِكرًا، وَ يعْتَبِرُ مَعَ ذَلِك كلِّهِ تَلَاحُقُ الرَّمْي فَلَا يجْزِي الدَّفْعَةُ و أن تَلَاحَقَتْ الْإِصَابَةُ، بَلْ يحْتَسِبُ مِنْهَا وَاحِدَةً، وَ لَا يعْتَبَرُ تَلَاحُقُ الْإِصَابَةِ.

(وَيسْتَحَبُّ الْبُرْشُ) الْمُشْتَمِلَةُ عَلَي أَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ بَينَهَا وَ فِي كلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، و من ثَمَّ اجْتَزَأَ بِهَا عَنْ الْمُنَقَّطَةِ، لَا كمَا فَعَلَ فِي غَيرِهِ، و غيرهِ، و من جَمَعَ بَينَ الْوَصْفَينِ أَرَادَ بِالْبُرْشِ الْمَعْنَي الْأَوَّلَ، وَ بِالْمُنَقَّطَةِ الثَّانِي، (الْمُلْتَقَطَةُ) بِأَنْ يكونَ كلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَأْخُوذَةً مِنْ الْأَرْضِ مُنْفَصِلَةً، وَ احْتُرِزَ بِهَا عَنْ الْمُكسَّرَةِ مِنْ حَجَرٍ، و في الخَبَرِ { الْتَقِطْ الْحَصَي وَ لَا تَكسِرَنِّ مِنْهُ شَيئًا } (بِقَدْرِ الْأُنْمُلَةِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَ ضَمِّ الْمِيمِ رَأْسُ الْأُصْبُعِ.

(وَالطَّهَارَةُ) مِنْ الْحَدَثِ حَالَةَ الرَّمْي فِي الْمَشْهُورِ، جَمْعًا بَينَ

صَحِيحَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الدَّالَّةِ عَلَي النَّهْي عَنْهُ بِدُونِهَا، وَ رِوَايةُ أَبِي غَسَّانَ بِجَوَازِهِ عَلَي غَيرِ طُهْرٍ، كذَا عَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ و غيرهُ، و فيه نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُجَوَّزَةَ مَجْهُولَةُ الرَّاوِي فَكيفَ يؤَوَّلُ الصَّحِيحُ لِأَجْلِهَا، و من ثَمَّ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمُفِيدُ وَ الْمُرْتَضَي إلَي اشْتِرَاطِهَا، وَ الدَّلِيلُ مَعَهُمْ.

وَ يمْكنُ أَنْ يرِيدَ طَهَارَةَ الْحَصَي فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ أَيضًا عَلَي الْمَشْهُورِ، وَ قِيلَ: بِوُجُوبِهِ.

وَ إِنَّمَا كانَ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ، لِأَنَّ سِياقَ أَوْصَافِ الْحَصَي أَنْ يقُولَ: الطَّاهِرَةُ، لِينْتَظِمَ مَعَ مَا سَبَقَ مِنْهَا، و لو أُرِيدَ الْأَعَمُّ مِنْهَا كانَ أَوْلَي. (وَالدُّعَاءُ) حَالَةَ الرَّمْي وَ قَبْلَهُ، و هي بِيدِهِ بِالْمَأْثُورِ (وَالتَّكبِيرُ مَعَ كلِّ حَصَاةٍ)، وَ يمْكنُ كوْنُ الظَّرْفِ لِلتَّكبِيرِ وَ الدُّعَاءِ مَعًا (وَتَبَاعُدُ) الرَّامِي عَنْ الْجَمْرَةِ (نَحْوَ خَمْسَ عَشَرَةَ ذِرَاعًا) إلَي عَشْرٍ، (وَرَمْيهَا خَذْفًا) وَ الْمَشْهُورُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنْ يضَعَ الْحَصَاةَ عَلَي بَطْنِ إبْهَامِ الْيدِ الْيمْنَي وَ يدْفَعَهَا بِظُفْرِ السَّبَّابَةِ، وَ أَوْجَبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ إدْرِيسَ بِهَذَا الْمَعْنَي، وَ الْمُرْتَضَي، لَكنَّهُ جَعَلَ الدَّفْعَ بِظُفْرِ الْوُسْطَي.

وَ فِي الصِّحَاحِ الْخَذْفُ بِالْحَصَا الرَّمْي بِهَا بِالْأَصَابِعِ، و هو غَيرُ مُنَافٍ لِلْمَرْوِي الَّذِي فَسَرُّوهُ بِهِ بِالْمَعْنَي الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايةِ الْبِزَنْطِي عَنْ الْكاظِمِ عَلَيهِ السَّلَامُ: تَخْذِفُهُنَّ خَذْفًا، وَ تَضَعُهَا عَلَي الْإِبْهَامِ وَ تَدْفَعُهَا بِظُفْرِ السَّبَّابَةِ وَ ظَاهِرُ الْعَطْفِ أَنَّ ذَلِك أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَي الْخَذْفِ فَيكونُ فِيهِ سُنَّتَانِ: إحْدَاهُمَا رَمْيهَا خَذْفًا بِالْأَصَابِعِ لَا بِغَيرِهَا و أن كانَ بِالْيدِ: وَ الْأُخْرَي جَعْلُهُ بِالْهَيئَةِ الْمَذْكورَةِ، وَ حِينَئِذٍ فَتَتَأَدَّي سُنَّةُ الْخَذْفِ بِرَمْيهَا بِالْأَصَابِعِ كيفَ اتَّفَقَ، و فيه مُنَاسَبَةٌ أُخْرَي لِلتَّبَاعُدِ بِالْقَدْرِ الْمَذْكورِ، فَإِنَّ الْجَمْعَ بَينَهُ و بين الْخَذْفِ بِالْمَعْنَيينِ السَّابِقَينِ بَعِيدٌ وَ ينْبَغِي مَعَ التَّعَارُضِ تَرْجِيحُ الْخَذْفِ، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مُوجِبِهِ. (وَاسْتِقْبَالُ الْجَمْرَةِ هُنَا) أَي فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَ

الْمُرَادُ بِاسْتِقْبَالِهَا كوْنُهُ مُقَابِلًا لَهَا، لَا عَالِيا عَلَيهَا كمَا يظْهَرُ مِنْ الرِّوَايةِ { ارْمِهَا مِنْ قِبَلِ وَ جْهِهَا، وَ لَا تَرْمِهَا مِنْ أَعْلَاهَا }، وَ الا فَلَيسَ لَهَا وَجْهٌ خَاصٌّ يتَحَقَّقُ بِهِ الِاسْتِقْبَالُ.

وَ لِيكنْ مَعَ ذَلِك مُسْتَدْبِرًا الْقِبْلَةَ.

(وَفِي الْجَمْرَتَينِ الْأُخْرَيينِ يسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَ الرَّمْي مَاشِيا) إلَيهِ مِنْ مَنْزِلِهِ، لَا رَاكبًا.

وَ قِيلَ: الْأَفْضَلُ الرَّمْي رَاكبًا، تَأَسِّيا بِالنَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ يضَعَّفُ { بِأَنَّهُ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم رَمَي مَاشِيا أَيضًا } رَوَاهُ عَلِي بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ عَلَيهِ السَّلَامُ. (وَيجِبُ فِي الذَّبْحِ) لِهَدْي التَّمَتُّعِ (جَزَعٌ مَنْ الضَّأْنِ) قَدْ كمُلَ سِنُّهُ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ.

وَ قِيلَ: سِتَّةً (أَوْ ثَنِي مِنْ غَيرِهِ) و هو مِنْ الْبَقَرِ وَ الْمَعْزِ مَا دَخَلَ فِي الثَّانِيةِ، و من الْإِبِلِ فِي السَّادِسَةِ، (تَامُّ الْخِلْقَةِ)، فَلَا يجْزِي الْأَعْوَرُ و لو بِبَياضٍ عَلَي عَينِهِ، وَ الْأَعْرَجُ وَ الْأَجْرَبُ وَ مَكسُورُ الْقَرْنِ الدَّاخِلِ وَ مَقْطُوعُ شَيءٍ مِنْ الْأُذُنِ، وَ الْخَصِي، وَ الْأَبْتَرُ، وَ سَاقِطُ الْأَسْنَانِ لِكبَرٍ و غيرهِ، وَ الْمَرِيضُ، أَمَّا شَقُّ الْأُذُنِ مِنْ غَيرِ أَنْ يذْهَبَ مِنْهَا شَيءٌ وَ ثَقْبُهَا وَ وَسْمُهَا، وَ كسْرُ الْقَرْنِ الظَّاهِرِ، وَ فِقْدَانُ الْقَرْنِ وَ الْأُذُنِ خِلْقَةً وَ رَضُّ الْخُصْيتَينِ فَلَيسَ بِنَقْصٍ، و أن كرِهَ الْأَخِيرُ، (غَيرُ مَهْزُولٍ) بِأَنْ يكونَ ذَا شَحْمٍ عَلَي الْكلْيتَينِ و أن قَلَّ.

(وَيكفِي فِيهِ الظَّنُّ) الْمُسْتَنِدُ إلَي نَظَرِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِهِ غَالِبًا، فَمَتَي ظَنَّهُ كذَلِك أَجْزَأَ، و أن ظَهَرَ مَهْزُولًا، لِتَعَبُّدِهِ بِظَنِّهِ، (بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَهَرَ نَاقِصًا، فَإِنَّهُ لَا يجْزِئُ)، لِأَنَّ تَمَامَ الْخِلْقَةِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ فَتَبَينُ خِلَافِهِ مُسْتَنِدٌ إلَي تَقْصِيرِهِ.

وَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمُرَادَ ظُهُورُ الْمُخَالَفَةِ فِيهِمَا بَعْدَ الذَّبْحِ، إذْ لَوْ ظَهَرَ التَّمَامُ قَبْلَهُ أَجْزَأَ قَطْعًا، و لو ظَهَرَ الْهُزَالُ

قَبْلَهُ مَعَ ظَنِّ سِمَنِهِ عِنْدَ الشِّرَاءِ فَفِي إجْزَائِهِ قَوْلَانِ أَجْوَدُهُمَا الْإِجْزَاءُ، لِلنَّصِّ، و أن كانَ عَدَمُهُ أَحْوَطَ، و لو اشْتَرَاهُ مِنْ غَيرِ اعْتِبَارٍ، أَوْ مَعَ ظَنِّ نَقْصِهِ، أَوْ هُزَالِهِ لَمْ يجْزِ، إلَّا أَنْ تَظْهَرَ الْمُوَافَقَةُ قَبْلَ الذَّبْحِ.

وَ يحْتَمَلُ قَوِيا الْإِجْزَاءُ لَوْ ظَهَرَ سَمِينًا بَعْدَهُ، لِصَحِيحَةِ الْعِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ.

(وَيسْتَحَبُّ أَنْ يكونَ مِمَّا عُرِّفَ بِهِ) أَي حَضَرَ عَرَفَاتٍ وَقْتَ الْوُقُوفِ وَ يكفِي قَوْلُ بَائِعِهِ فِيهِ (سَمِينًا) زِيادَةً عَلَي مَا يعْتَبَرُ فِيهِ (ينْظُرُ وَ يمْشِي وَ يبْرُك فِي سَوَادٍ) الْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِالثَّلَاثَةِ عَلَي وَجْهِ التَّنَازُعِ، وَ فِي رِوَايةٍ وَ يبْعَرُ فِي سَوَادِ، إمَّا بِكوْنِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ و هي الْعَينُ وَ الْقَوَائِمُ وَ الْبَطْنُ وَ الْمَبْعَرُ سُودًا، أَوْ بِكوْنِهِ ذَا ظِلٍّ عَظِيمٍ لِسِمَنِهِ، وَ عِظَمِ جُثَّتِهِ بِحَيثُ ينْظُرُ فِيهِ وَ يبْرُك وَ يمْشِي مَجَازًا فِي السِّمَنِ، أَوْ بِكوْنِهِ رَعَي وَ مَشَي وَ نَظَرَ وَ بَرَك وَ بَعَرَ فِي السَّوَادِ، و هو الْخُضْرَةُ وَ الْمَرْعَي زَمَانًا طَوِيلًا فَسَمِنَ لِذَلِك قِيلَ: وَ التَّفْسِيرَاتُ الثَّلَاثَةُ مَرْوِيةٌ عَنْ أَهْلِ الْبَيتِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ (إنَاثًا مِنْ الْإِبِلِ وَ الْبَقَرِ ذُكرَانًا مِنْ الْغَنَمِ) وَ أَفْضَلُهُ الْكبْشُ وَ التَّيسُ مِنْ الضَّأْنِ وَ الْمَعْزِ. (وَتَجِبُ النِّيةُ) قَبْلَ الذَّبْحِ مُقَارِنَةً لَهُ.

وَ لَوْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَينَهَا، و بين الذِّكرِ فِي أَوَّلِهِ قَدَّمَهَا عَلَيهِ، مُقْتَصِرًا مِنْهُ عَلَي أَقَلِّهِ جَمْعًا بَينَ الْحَقَّينِ (وَيتَوَلَّاهَا الذَّابِحُ) سَوَاءٌ كانَ هُوَ الْحَاجَّ أَمْ غَيرُهُ، إذْ يجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِمَا اخْتِيارًا، وَ يسْتَحَبُّ نِيتُهُمَا، وَ لَا يكفِي نِيةُ الْمَالِك وَحْدَهُ.

(وَيسْتَحَبُّ جَعْلُ يدِهِ) أَي النَّاسِك (مَعَهُ) مَعَ الذَّابِحِ لَوْ تَغَايرَا (وَ) يجِبُ (قِسْمَتُهُ بَينَ الْإِهْدَاءِ) إلَي مُؤْمِنٍ، (وَالصَّدَقَةِ) عَلَيهِ مَعَ فَقْرِهِ (وَالْأَكلِ) وَ لَا تَرْتِيبَ بَينَهَا، وَ لَا يجِبُ التَّسْوِيةُ، بَلْ يكفِي مِنْ الْأَكلِ مُسَمَّاهُ،

وَ يعْتَبَرُ فِيهِمَا أَنْ لَا ينْقُصَ كلٌّ مِنْهُمَا عَنْ ثُلُثِهِ.

وَ تَجِبُ النِّيةُ لِكلٍّ مِنْهَا مُقَارِنَةً لِلتَّنَاوُلِ، أَوْ التَّسْلِيمِ إلَي الْمُسْتَحِقِّ، أَوْ وَكيلِهِ و لو أَخَلَّ بِالصَّدَقَةِ ضَمِنَ الثُّلُثَ، وَ كذَا الْإِهْدَاءُ إلَّا أَنْ يجْعَلَهُ صَدَقَةً، وَ بِالْأَكلِ يأْثَمُ خَاصَّةً. (وَيسْتَحَبُّ نَحْرُ الْإِبِلِ قَائِمَةً قَدْ رُبِطَتْ يدَاهَا) مُجْتَمِعَتَينِ (بَينَ الْخُفِّ وَ الرُّكبَةِ) لِيمْنَعَ مِنْ الِاضْطِرَابِ، أَوْ تُعْقَلُ يدُهَا الْيسْرَي مِنْ الْخُفِّ إلَي الرُّكبَةِ وَ يوقِفُهَا عَلَي الْيمْنَي، وَ كلَاهُمَا مَرْوِي، (وَطَعْنُهَا مِنْ) الْجَانِبِ (الْأَيمَنِ) بِأَنْ يقِفَ الذَّابِحُ عَلَي ذَلِك الْجَانِبِ، وَ يطْعَنُهَا فِي مَوْضِعِ النَّحْرِ، فَإِنَّهُ مُتَّحِدٌ.

(وَالدُّعَاءُ عِنْدَهُ) بِالْمَأْثُورِ.

(وَلَوْ عَجَزَ عَنْ السَّمِينِ فَالْأَقْرَبُ إجْزَاءً الْمَهْزُولُ، وَ كذَا النَّاقِصُ) لَوْ عَجَزَ عَنْ التَّامِّ، لِلْأَمْرِ بِالْإِتْيانِ بِالْمُسْتَطَاعِ الْمُقْتَضِي امْتِثَالَهُ لِلْإِجْزَاءِ، وَ لِحَسَنَةِ مُعَاوِيةَ بْنِ عَمَّارٍ، " إنْ لَمْ تَجِدْ فَمَا تَيسَّرَ لَك، وَ قِيلَ: ينْتَقِلُ إلَي الصَّوْمِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ الْكامِلُ فَإِذَا تَعَذَّرَ انْتَقَلَ إلَي بَدَلِهِ و هو الصَّوْمُ.

(وَلَوْ وَجَدَ الثَّمَنَ دُونَهُ) مُطْلَقًا (خَلَّفَهُ عِنْدَ مَنْ يشْتَرِيه وَ يهْدِيه) عَنْهُ مِنْ الثِّقَاتِ إنْ لَمْ يقُمْ بِمَكةَ (طُولَ ذِي الْحِجَّةِ) فَإِنْ تَعَذَّرَ فِيهِ فَمِنْ الْقَابِلِ فِيهِ، وَ يسْقُطُ هُنَا الْأَكلُ فَيصْرِفُ الثُّلُثَينِ فِي وَجْهِهِمَا، وَ يتَخَيرُ فِي الثُّلُثِ الْآخَرِ بَينَ الْأَمْرَينِ، مَعَ احْتِمَالِ قِيامِ النَّائِبِ مَقَامَهُ فِيهِ و لم يتَعَرَّضُوا لِهَذَا الْحُكمِ.

(وَلَوْ عَجَزَ) عَنْ تَحْصِيلِ الثِّقَةِ، أَوْ (عَنْ الثَّمَنِ) فِي مَحَلِّهِ و لو بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَي مَا فِي بَلَدِهِ، وَ الاكتِسَابِ اللَّائِقِ بِحَالِهِ وَ بَيعِ مَا عَدَا الْمُسْتَثْنَياتِ فِي الدَّينِ (صَامَ) بَدَلَهُ عَشَرَةَ أَيامٍ (ثَلَاثَةَ أَيامٍ فِي الْحَجِّ مُتَوَالِيةً) إلَّا مَا اُسْتُثْنِي (بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِالْحَجِّ) و لو مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ، وَ يسْتَحَبُّ السَّابِعُ وَ تَالِياهُ وَ آخِرُ وَقْتِهَا آخِرُ ذِي الْحِجَّةِ (وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَي أَهْلِهِ) حَقِيقَةً، أَوْ

حُكمًا كمَنْ لَمْ يرْجِعْ، فَينْتَظِرُ مُدَّةً لَوْ ذَهَبَ لَوَصَلَ إلَي أَهْلِهِ عَادَةً، أَوْ مُضِي شَهْرٍ. وَ يفْهَمُ مِنْ تَقْييدِ الثَّلَاثَةِ بِالْمُوَالَاةِ دُونَ السَّبْعَةِ عَدَمُ اعْتِبَارِهَا فِيهَا، و هو أَجْوَدُ الْقَوْلَينِ، و قد تَقَدَّمَ.

(وَيتَخَيرُ مَوْلَي) الْمَمْلُوك (الْمَأْذُونِ لَهُ) فِي الْحَجِّ (بَينَ الْإِهْدَاءِ عَنْهُ، و بين أَمْرِهِ بِالصَّوْمِ)، لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ فَفَرْضُهُ الصَّوْمُ لَكنْ لَوْ تَبَرَّعَ الْمَوْلَي بِالْإِخْرَاجِ أَجْزَأَ، كمَا يجْزِي عَنْ غَيرِهِ لَوْ تَبَرَّعَ عَلَيهِ مُتَبَرِّعٌ، وَ النَّصُّ وَرَدَ بِهَذَا التَّخْييرِ.

وَ هُوَ دَلِيلٌ عَلَي أَنَّهُ لَا يمْلِك شَيئًا، وَ الا اتَّجَهَ وُجُوبُ الْهَدْي مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيهِ، وَ الْحَجْرُ عَلَيهِ غَيرُ مَانِعٍ مِنْهُ كالسَّفِيهِ. (وَلَا يجْزِئُ) الْهَدْي (الْوَاحِدُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ، و لو عِنْدَ الضَّرُورَةِ) عَلَي أَصَحِّ الْأَقْوَالِ.

وَ قِيلَ: يجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ وَ عَنْ سَبْعِينَ أُولِي خُوَانٍ وَاحِدٍ.

وَ قِيلَ: مُطْلَقًا وَ بِهِ رِوَاياتٌ مَحْمُولَةٌ عَلَي الْمَنْدُوبِ جَمْعًا كهَدْي الْقِرَانِ قَبْلَ تَعَينِهِ، وَ الْأُضْحِيةِ فَإِنَّهُ يطْلَقُ عَلَيهَا الْهَدْي أَمَّا الْوَاجِبُ و لو بِالشُّرُوعِ فِي الْحَجِّ الْمَنْدُوبِ فَلَا يجْزِئُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ فَينْتَقِلُ مَعَ الْعَجْزِ و لو بِتَعَذُّرِهِ إلَي الصَّوْمِ. (وَلَوْ مَاتَ) مَنْ وَجَبَ عَلَيهِ الْهَدْي قَبْلَ إخْرَاجِهِ (أُخْرِجَ) عَنْهُ (مِنْ صُلْبِ الْمَالِ) أَي مِنْ أَصْلِهِ و أن لَمْ يوصِ بِهِ، كغَيرِهِ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيةِ الْوَاجِبَةِ، (وَلَوْ مَاتَ) فَاقِدُهُ (قَبْلَ الصَّوْمِ صَامَ الْوَلِي)، و قد تَقَدَّمَ بَيانُهُ فِي الصَّوْمِ (عَنْهُ الْعَشَرَةَ عَلَي قَوْلٍ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ بِوُجُوبِ قَضَائِهِ مَا فَاتَهُ مِنْ الصَّوْمِ.

(وَيقْوَي مُرَاعَاةُ تَمَكنِهِ مِنْهَا) فِي الْوُجُوبِ.

فَلَوْ لَمْ يتَمَكنْ لَمْ يجِبْ كغَيرِهِ مِنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ.

وَ يتَحَقَّقُ التَّمَكنُ فِي الثَّلَاثَةِ بِإِمْكانِ فِعْلِهَا فِي الْحَجِّ، و في السَّبْعَةِ بِوُصُولِهِ إلَي أَهْلِهِ، أَوْ مُضِي الْمُدَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ إنْ أَقَامَ بِغَيرِهِ وَ مُضِي مُدَّةٍ يمْكنُهُ فِيهَا الصَّوْمُ، و لو تَمَكنَ مِنْ الْبَعْضِ قَضَاهُ خَاصَّةً.

وَ الْقَوْلُ

الْآخَرُ وُجُوبُ قَضَاءِ الثَّلَاثَةِ خَاصَّةً، و هو ضَعِيفٌ. (وَمَحَلُّ الذَّبْحِ) لِهَدْي التَّمَتُّعِ (وَالْحَلْقِ: مِنًي.

وَحْدَهَا مِنْ الْعَقَبَةِ) و هي خَارِجَةٌ عَنْهَا (إلَي وَادِي مُحَسِّرٍ)، وَ يظْهَرُ مِنْ جَعْلِهِ حَدًّا خُرُوجُهُ عَنْهَا أَيضًا.

وَ الظَّاهِرُ مِنْ كثِيرٍ أَنَّهُ مِنْهَا.

(وَيجِبُ ذَبْحُ هَدْي الْقِرَانِ مَتَي سَاقَهُ وَ عَقَدَ بِهِ إحْرَامَهُ) بِأَنْ أَشْعَرَهُ، أَوْ قَلَّدَهُ، و هذا هُوَ سِياقُهُ شَرْعًا، فَالْعَطْفُ تَفْسِيرِي و أن كانَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ تَغَايرَهُمَا، وَ لَا يخْرُجُ عَنْ مِلْك سَائِقِهِ بِذَلِك، و أن تَعَينَ ذَبْحُهُ فَلَهُ رُكوبُهُ، وَ شُرْبُ لَبَنِهِ مَا لَمْ يضُرَّ بِهِ، أَوْ بِوَلَدِهِ، و ليس لَهُ إبْدَالُهُ بَعْدَ سِياقِهِ الْمُتَحَقَّقِ بِأَحَدِ الْأَمْرَينِ. (وَلَوْ هَلَك) قَبْلَ ذَبْحِهِ، أَوْ نَحْرِهِ به غير تَفْرِيطٍ (لَمْ يجِبْ) إقَامَةُ (بَدَلِهِ)، و لو فَرَّطَ فِيهِ ضَمِنَهُ، (وَلَوْ عَجَزَ) عَنْ الْوُصُولِ إلَي مَحِلِّهِ الَّذِي يجِبُ ذَبْحُهُ فِيهِ (ذَبَحَهُ)، أَوْ نَحَرَهُ وَ صَرَفَهُ فِي وُجُوهِهِ فِي مَوْضِعِ عَجْزِهِ، (وَلَوْ لَمْ يوجَدْ) فِيهِ مُسْتَحِقٌّ (أَعْلَمَهُ عَلَامَةَ الصَّدَقَةِ) بِأَنْ يغْمِسَ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، وَ يضْرِبَ بِهَا صَفْحَةَ سَنَامِهِ أَوْ يكتُبَ رُقْعَةً وَ يضَعَهَا عِنْدَهُ يؤْذِنُ بِأَنَّهُ هَدْي، وَ يجُوزُ التَّعْوِيلُ عَلَيهَا هُنَا فِي الْحُكمِ بِالتَّذْكيةِ، وَ إِبَاحَةِ الْأَكلِ، لِلنَّصِّ.

وَ تَسْقُطُ النِّيةُ الْمُقَارِنَةُ لِتَنَاوُلِ الْمُسْتَحَقِّ وَ لَا تَجِبُ الْإِقَامَةُ عِنْدَهُ إلَي أَنْ يوجَدَ و أن أُمْكنَتْ. (وَيجُوزُ بَيعُهُ لَوْ انْكسَرَ) كسْرًا يمْنَعُ وُصُولَهُ، (وَالصَّدَقَةُ بِثَمَنِهِ) و وجوب ذَبْحِهِ فِي مَحِلِّهِ مَشْرُوطٌ بِإِمْكانِهِ، و قد تَعَذَّرَ فَيسْقُطُ وَ الْفَارِقُ بَينَ عَجْزِهِ وَ كسْرِهِ فِي وُجُوبِ ذَبْحِهِ، وَ بَيعِهِ النَّصُّ.

(وَلَوْ ضَلَّ فَذَبَحَهُ الْوَاجِدُ) عَنْ صَاحِبِهِ فِي مَحِلِّهِ (أَجْزَأَ) عَنْهُ لِلنَّصِّ.

أَمَّا لَوْ ذَبَحَهُ فِي غَيرِهِ، أَوْ عَنْ غَيرِهِ، أَوْ لَا بِنِيتِهِ لَمْ يجْزِ. (وَلَا يجْزِي ذَبْحُ هَدْي التَّمَتُّعِ) مِنْ غَيرِ صَاحِبِهِ لَوْ ضَلَّ، (لِعَدَمِ التَّعْيينِ) لِلذَّبْحِ، إذْ يجُوزُ

لِصَاحِبِهِ إبْدَالُهُ قَبْلَ الذَّبْحِ، بِخِلَافِ هَدْي الْقِرَانِ فَإِنَّهُ يتَعَينُ ذَبْحُهُ بِالْإِشْعَارِ، أَوْ التَّقْلِيدِ، و هذا هُوَ الْمَشْهُورُ.

وَ الْأَقْوَي و هو الَّذِي اخْتَارَهُ فِي الدُّرُوسِ الْإِجْزَاءُ، لِدَلَالَةِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ عَلَيهِ.

وَ حِينَئِذٍ فَيسْقُطُ الْأَكلُ مِنْهُ، وَ يصْرَفُ فِي الْجِهَتَينِ الْأُخْرَيينِ، وَ يسْتَحَبُّ لِوَاجِدِهِ تَعْرِيفُهُ قَبْلَ الذَّبْحِ وَ بَعْدَهُ مَا دَامَ وَقْتُ الذَّبْحِ بَاقِيا، لِيدْفَعَ عَنْ صَاحِبِهِ غَرَامَةَ الْإِبْدَالِ. (وَمَحِلُّهُ) أَي مَحَلُّ ذَبْحِ هَدْي الْقِرَانِ (مَكةُ إنْ قَرَنَهُ) بِإِحْرَامِ (الْعُمْرَةِ، وَ مِنًي إنْ قَرَنَهُ بِالْحَجِّ) وَ يجِبُ فِيهِ مَا يجِبُ فِي هَدْي التَّمَتُّعِ عَلَي الْأَقْوَي.

وَ قِيلَ: الْوَاجِبُ ذَبْحُهُ خَاصَّةً إنْ لَمْ يكنْ مَنْذُورَ الصَّدَقَةِ، وَ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ، ثُمَّ جَعَلَ الْأَوَّلَ قَرِيبًا وَ عِبَارَتُهُ هُنَا تُشْعِرُ بِالثَّانِي، لِأَنَّهُ جَعَلَ الْوَاجِبَ الذَّبْحَ وَ أَطْلَقَ. (وَيجْزِي الْهَدْي الْوَاجِبُ عَنْ الْأُضْحِيةِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَ كسْرِهَا وَ تَشْدِيدِ الْياءِ الْمَفْتُوحَةِ فِيهِمَا.

وَ هِي مَا يذْبَحُ يوْمَ عِيدِ الْأَضْحَي تَبَرُّعًا و هي مُسْتَحَبَّةٌ اسْتِحْبَابًا مُؤَكدًا، بَلْ قِيلَ: بِوُجُوبِهَا عَلَي الْقَادِرِ، وَ رُوِي اسْتِحْبَابُ الِاقْتِرَاضِ لَهَا و أنّه دَينٌ مَقْضِي، فَإِنْ وَجَبَ عَلَي الْمُكلَّفِ هَدْي أَجْزَأَ عَنْهَا (وَالْجَمْعُ) بَينَهُمَا (أَفْضَلُ) وَ شَرَائِطُهَا وَ سُنَنُهَا كالْهَدْي. (وَيسْتَحَبُّ التَّضْحِيةُ بِمَا يشْتَرِيه) و ما فِي حُكمِهِ، (وَيكرَهُ بِمَا يرَبِّيهِ) لِلنَّهْي عَنْهُ، وَ لِأَنَّهُ يورِثُ الْقَسْوَةَ. (وَأَيامُهَا) أَي أَيامُ الْأُضْحِيةِ (بِمِنًي أَرْبَعَةٌ أَوَّلُهَا النَّحْرُ، وَ بِالْأَمْصَارِ) و أن كانَ بِمَكةَ (ثَلَاثَةٌ) أَوَّلُهَا النَّحْرُ كذَلِك. وَ أَوَّلُ وَقْتِهَا مِنْ يوْمِ النَّحْرِ طُلُوعُ الشَّمْسِ وَ مُضِي قَدْرِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَ الْخُطْبَتَينِ بَعْدَهُ، و لو فَاتَتْ لَمْ تُقْضَ، إلَّا أَنْ تَكونَ وَاجِبَةً بِنَذْرٍ وَ شَبَهِهِ (وَلَوْ تَعَذَّرَتْ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا) إنْ اتَّفَقَ فِي الْأَثْمَانِ مَا يجْزِي مِنْهَا، أَوْ مَا يرِيدُ إخْرَاجَهُ (فَإِنْ اخْتَلَفَتْ، فَثَمَنٌ مُوَزَّعٌ عَلَيهَا) بِمَعْنَي إخْرَاجِ قِيمَةٍ مَنْسُوبَةٍ إلَي

الْقِيمِ الْمُخْتَلِفَةِ بِالسَّوِيةِ فَمِنْ الِاثْنَينِ النِّصْفُ، و من الثَّلَاثِ الثُّلُثُ، وَ هَكذَا.

فَلَوْ كانَ قِيمَةُ بَعْضِهَا مِائَةً، وَ بَعْضِهَا مِائَةً وَ خَمْسِينَ، تَصَدَّقَ بِمِائَةٍ وَ خَمْسَةٍ وَ عِشْرِينَ، و لو كانَتْ ثَالِثَةً بِخَمْسِينَ تَصَدَّقَ بِمِائَةٍ.

وَ لَا يبْعُدُ قِيامُ مَجْمُوعِ الْقِيمَةِ مَقَامَ بَعْضِهَا لَوْ كانَتْ مَوْجُودَةً، وَ رُوِي اسْتِحْبَابُ الصَّدَقَةِ بِأَكثَرِهَا وَ قِيلَ: الصَّدَقَةُ بِالْجَمِيعِ أَفْضَلُ، فَلَا إشْكالَ حِينَئِذٍ فِي الْقِيمَةِ (وَيكرَهُ أَخْذُ شَيءٍ مِنْ جُلُودِهَا وَ إِعْطَاؤُهَا الْجَزَّارَ) أُجْرَةً.

أَمَّا صَدَقَةً إذَا اتَّصَفَ بِهَا فَلَا بَأْسَ، وَ كذَا حُكمُ جِلَالِهَا وَ قَلَائِدِهَا تَأَسِّيا بِالنَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ الهِ، وَ كذَا يكرَهُ بَيعُهَا وَ شَبَهُهُ (بَلْ يتَصَدَّقُ بِهَا) وَ رُوِي جَعْلُهُ مُصَلًّي ينْتَفِعُ بِهِ فِي الْبَيتِ. (وَأَمَّا الْحَلْقُ فَيتَخَيرُ بَينَهُ و بين التَّقْصِيرِ، وَ الْحَلْقُ أَفْضَلُ) الْفَرْدَينِ الْوَاجِبَينِ تَخْييرًا (خُصُوصًا لِلْمُلَبِّدِ) شَعْرُهُ وَ تَلْبِيدُهُ هُوَ أَنْ يأْخُذَ عَسَلًا وَ صَمْغًا وَ يجْعَلَهُ فِي رَأْسِهِ، لِئَلَّا يقْمُلَ أَوْ يتَّسِخَ (وَالصَّرُورَةِ) وَ قِيلَ: لَا يجْزِئُهُمَا إلَّا الْحَلْقُ، لِلْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَيهِ، وَ حُمِلَتْ عَلَي النَّدْبِ جَمْعًا (وَيتَعَينُ عَلَي الْمَرْأَةِ التَّقْصِيرُ) فَلَا يجْزِئُهَا الْحَلْقُ، حَتَّي لَوْ نَذَرَتْهُ لَغَا، كمَا لَا يجْزِي الرَّجُلَ فِي عُمْرَةِ التَّمَتُّعِ و أن نَذَرَهُ، وَ يجِبُ فِيهِ النِّيةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَي قَصْدِ التَّحَلُّلِ مِنْ النُّسُك الْمَخْصُوصِ مُتَقَرِّبًا، وَ يجْزِي مُسَمَّاهُ كمَا مَرَّ، (وَلَوْ تَعَذَّرَ) فِعْلُهُ (فِي مِنًي) فِي وَقْتِهِ (فَعَلَ بِغَيرِهَا) وُجُوبًا، (وَبَعَثَ بِالشَّعْرِ إلَيهَا لِيدْفَنَ) فِيهَا (مُسْتَحَبًّا) فِيهِمَا مِنْ غَيرِ تَلَازُمٍ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَي أَحَدِهِمَا تَأَدَّتْ سُنَّتُهُ خَاصَّةً.

(وَيمِرُّ فَاقِدُ الشَّعْرِ الْمُوسَي عَلَي رَأْسِهِ) مُسْتَحَبًّا إنْ وَجَدَ مَا يقَصِّرُ مِنْهُ غَيرَهُ، وَ الا وُجُوبًا، وَ لَا يجْزِي الْإِمْرَارُ مَعَ إمْكانِ التَّقْصِيرِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْحَلْقِ اضْطِرَارِي، وَ التَّقْصِيرُ قَسِيمٌ اخْتِيارِي، وَ لَا يعْقَلُ إجْزَاءُ الِاضْطِرَارِي مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَي

الِاخْتِيارِي.

وَ رُبَّمَا قِيلَ: بِوُجُوبِ الْإِمْرَارِ عَلَي مَنْ حَلَقَ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ و أن وَجَبَ عَلَيهِ التَّقْصِيرُ مِنْ غَيرِهِ لِتَقْصِيرِهِ بِفِعْلِ الْمُحْرِمِ. (وَيجِبُ تَقْدِيمُ مَنَاسِك مِنًي) الثَّلَاثَةِ (عَلَي طَوَافِ الْحَجِّ فَلَوْ أَخَّرَهَا) عَنْهُ (عَامِدًا فَشَاةٌ، وَ لَا شَيءَ عَلَي النَّاسِي، وَ يعِيدُ الطَّوَافَ) كلٌّ مِنْهُمَا الْعَامِدُ اتِّفَاقًا، وَ النَّاسِي عَلَي الْأَقْوَي.

وَ فِي إلْحَاقِ الْجَاهِلِ بِالْعَامِدِ وَ النَّاسِي قَوْلَانِ، أَجْوَدُهُمَا الثَّانِي فِي نَفْي الْكفَّارَةِ، و وجوب الْإِعَادَةِ، و أن فَارَقَهُ فِي التَّقْصِيرِ، و لو قَدَّمَ السَّعْي أَعَادَهُ أَيضًا عَلَي الْأَقْوَي و لو قَدَّمَ الطَّوَافَ أَوْ هُمَا عَلَي التَّقْصِيرِ فَكذَلِك، و لو قَدَّمَهُ عَلَي الذَّبْحِ، أَوْ الرَّمْي فَفِي إلْحَاقِهِ بِتَقْدِيمِهِ عَلَي التَّقْصِيرِ خَاصَّةً وَجْهَانِ.

أَجْوَدُهُمَا ذَلِك هَذَا كلُّهُ فِي غَيرِ مَا اُسْتُثْنِي سَابِقًا مِنْ تَقْدِيمِ الْمُتَمَتِّعِ لَهُمَا اضْطِرَارًا وَ قَسِيمَيهِ مُطْلَقًا.

(وَبِالْحَلْقِ) بَعْدَ الرَّمْي وَ الذَّبْحِ (يتَحَلَّلُ) مِنْ كلِّ مَا حَرَّمَهُ الْإِحْرَامُ، (إلَّا مِنْ النِّسَاءِ وَ الطِّيبِ وَ الصَّيدِ) و لو قَدَّمَهُ عَلَيهِمَا، أَوْ وَسَّطَهُ بَينَهُمَا، فَفِي تَحَلُّلِهِ بِهِ أَوْ تَوَقُّفِهِ عَلَي الثَّلَاثَةِ قَوْلَانِ، أَجْوَدُهُمَا الثَّانِي، (فَإِذَا طَافَ) طَوَافَ الْحَجِّ، (وَسَعَي) سَعْيهُ (حَلَّ الطِّيبُ)، وَ قِيلَ: يحِلُّ بِالطَّوَافِ خَاصَّةً، وَ الْأَوَّلُ أَقْوَي لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ هَذَا إذَا أَخَّرَ الطَّوَافَ وَ السَّعْي عَنْ الْوُقُوفَينِ.

أَمَّا لَوْ قَدَّمَهُمَا عَلَي أَحَدِ الْوَجْهَينِ فَفِي حِلِّهِ مِنْ حِينِ فَعَلَهُمَا، أَوْ تَوَقُّفِهِ عَلَي أَفْعَالِ مِنًي وَجْهَانِ.

وَ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ بِالثَّانِي، وَ بَقِي مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ النِّسَاءُ وَ الصَّيدُ (فَإِذَا طَافَ لِلنِّسَاءِ حَلَلْنَ لَهُ) إنْ كانَ رَجُلًا، و لو كانَ صَبِيا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كذَلِك مِنْ حَيثُ الْخِطَابُ الْوَضْعِي و أن لَمْ يحْرُمْنَ عَلَيهِ حِينَئِذٍ فَيحْرُمْنَ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِدُونِهِ إلَي أَنْ يأْتِي بِهِ.

وَ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا إشْكالَ فِي تَحْرِيمِ الرِّجَالِ عَلَيهَا بِالْإِحْرَامِ، و إنّما الشَّك فِي الْمُحَلَّلِ. وَ الْأَقْوَي أَنَّهَا

كالرَّجُلِ، و لو قَدَّمَ طَوَافَ النِّسَاءِ عَلَي الْوُقُوفَينِ فَفِي حِلِّهِنَّ بِهِ، أَوْ تَوَقُّفِهِ عَلَي بَقِيةِ الْمَنَاسِك الْوَجْهَانِ، وَ لَا يتَوَقَّفُ الْمُحَلَّلُ عَلَي صَلَاةِ الطَّوَافِ عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ، وَ بَقِي حُكمُ الصَّيدِ غَيرَ مَعْلُومٍ مِنْ الْعِبَارَةِ وَ كثِيرٍ مِنْ غَيرِهَا وَ الْأَقْوَي حِلُّ الْإِحْرَامِي مِنْهُ بِطَوَافِ النِّسَاءِ. (وَيكرَهُ لَهُ لُبْسُ الْمَخِيطِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيارَةِ) و هو طَوَافُ الْحَجِّ، وَ قَبْلَ السَّعْي أَيضًا، وَ كذَا يكرَهُ تَغْطِيةُ الرَّأْسِ، وَ الطِّيبُ حَتَّي يطُوفَ لِلنِّسَاءِ.

(الْقَوْلُ فِي الْعَوْدِ إلَي مَكةَ لِلطَّوَافَينِ وَ السَّعْي

يسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْعَوْدِ مِنْ يوْمِ النَّحْرِ) مَتَي فَرَغَ مِنْ مَنَاسِك مِنًي (إلَي مَكةَ) لِيوْمِهِ، (وَيجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَي الْغَدِ، ثُمَّ يأْثَمُ الْمُتَمَتِّعُ) إنْ أَخَّرَهُ (بَعْدَهُ) فِي الْمَشْهُورِ.

أَمَّا الْقَارِنُ وَ الْمُفْرِدُ فَيجُوزُ لَهُمَا تَأْخِيرُهُمَا طُولَ ذِي الْحِجَّةِ لَا عَنْهُ، (وَ قِيلَ: لَا إثْمَ) عَلَي الْمُتَمَتِّعِ فِي تَأْخِيرِهِ عَنْ الْغَدِ، (وَيجْزِئُ طُولُ ذِي الْحِجَّةِ) كقَسِيمَيهِ.

وَ هُوَ الْأَقْوَي لِدَلَالَةِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ عَلَيهِ، وَ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ و علي الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ لَا يقْدَحُ التَّأْخِيرُ فِي الصِّحَّةِ و أن أَثِمَ.

(وَكيفِيةُ الْجَمِيعِ كمَا مَرَّ) فِي الْوَاجِبَاتِ وَ الْمَنْدُوبَاتِ، حَتَّي فِي سُنَنِ دُخُولِ مَكةَ مِنْ الْغُسْلِ، وَ الدُّعَاءِ، و غير ذَلِك وَ يجْزِي الْغُسْلُ بِمِنًي، بَلْ غُسْلُ النَّهَارِ لِيوْمِهِ، وَ اللَّيلِ لِلَيلَتِهِ مَا لَمْ يحْدِثْ فَيعِيدُهُ (غَيرَ أَنَّهُ هُنَا ينْوِي بِهَا) أَي بِهَذِهِ الْمَنَاسِك (الْحَجَّ) أَي كوْنَهَا مَنَاسِكهُ، فَينْوِي طَوَافَ حَجِّ الْإِسْلَامِ حَجَّ التَّمَتُّعِ، أَوْ غَيرِهِمَا مِنْ الْإِفْرَادِ، مُرَاعِيا لِلتَّرْتِيبِ، فَيبْدَأُ بِطَوَافِ الْحَجِّ، ثُمَّ بِرَكعَتَيهِ، ثُمَّ السَّعْي، ثُمَّ طَوَافِ النِّسَاءِ، ثُمَّ رَكعَتَيهِ.

(الْقَوْلُ فِي الْعَوْدِ إلَي مِنًي

وَ يجِبُ بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكهِ بِمِنًي الْعَوْدُ إلَيهَا) هَكذَا الْمَوْجُودُ فِي النُّسَخِ.

وَ الظَّاهِرُ أَنْ يقَالَ: بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكهِ بِمَكةَ الْعَوْدُ إلَي مِنًي، لِأَنَّ مَنَاسِك مَكةَ مُتَخَلِّلَةٌ بَينَ مَنَاسِك مِنًي أَوَّلًا وَ

آخِرًا. وَ لَا يحْسُنُ تَخْصِيصُ مَنَاسِك مِنًي مَعَ أَنَّ بَعْدَهَا مَا هُوَ أَقْوَي، و ما ذَكرْنَاهُ عِبَارَةُ الدُّرُوسِ و غيرهَا، وَ الْأَمْرُ سَهْلٌ.

وَ كيفَ كانَ فَيجِبُ الْعَوْدُ إلَي مِنًي إنْ كانَ خَرَجَ مِنْهَا (لِلْمَبِيتِ بِهَا لَيلًا) لَيلَتَينِ، أَوْ ثَلَاثًا كمَا سَيأْتِي تَفْصِيلُهُ، مَقْرُونًا بِالنِّيةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَي قَصْدِهِ فِي النُّسُك الْمُعَينِ بِالْقُرْبَةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ، و لو تَرَكهَا فَفِي كوْنِهِ كمَنْ لَمْ يبِتْ، أَوْ يأْثَمْ خَاصَّةً مَعَ التَّعَمُّدِ وَجْهَانِ: مِنْ تَعْلِيقِ وُجُوبِ الشَّاةِ عَلَي مَنْ لَمْ يبِتْ، و هو حَاصِلٌ بِدُونِ النِّيةِ، و من عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ شَرْعًا بِدُونِهَا، (وَرَمْي الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ نَهَارًا) فِي كلِّ يوْمٍ يجِبُ مَبِيتُ لَيلَتِهِ.

(وَلَوْ بَاتَ بِغَيرِهَا فَعَنْ كلِّ لَيلَةٍ شَاةٌ،) وَ مُقْتَضَي الْإِطْلَاقِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَينَ الْمُخْتَارِ، وَ الْمُضْطَرِّ فِي وُجُوبِ الْفِدْيةِ، و هو ظَاهِرُ الْفَتْوَي وَ النَّصِّ، و أنّ جَازَ خُرُوجُ الْمُضْطَرِّ مِنْهَا لِمَانِعٍ خَاصٍّ، أَوْ عَامٍّ، أَوْ حَاجَةٍ، أَوْ حِفْظِ مَالٍ، أَوْ تَمْرِيضِ مَرِيضٍ، وَ يحْتَمَلُ سُقُوطُ الْفِدْيةِ عَنْهُ، وَ رُبَّمَا بُنِي الْوَجْهَانِ عَلَي أَنَّ الشَّاةَ هَلْ هِي كفَّارَةٌ، أَوْ فِدْيةٌ وَجُبْرَانٌ فَتَسْقُطُ عَلَي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، أَمَّا الرُّعَاةُ وَأَهْلُ سِقَايةِ الْعَبَّاسِ فَقَدْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي تَرْك الْمَبِيتِ مِنْ غَيرِ فِدْيةٍ.

وَ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِهَا بَينَ مَبِيتِهِ بِغَيرِهَا لِعِبَادَةٍ و غيرهَا (إلَّا أَنْ يبِيتَ بِمَكةَ مُشْتَغِلًا بِالْعِبَادَةِ) الْوَاجِبَةِ، أَوْ الْمَنْدُوبَةِ مَعَ اسْتِيعَابِهِ اللَّيلَةَ بِهَا إلَّا مَا يضْطَرُّ إلَيهِ مِنْ أَكلٍ، وَ شُرْبٍ، وَ قَضَاءِ حَاجَةٍ، وَ نَوْعٍ يغْلِبُ عَلَيهِ و من أَهَمِّ الْعِبَادَةِ الِاشْتِغَالُ بِالطَّوَافِ وَ السَّعْي، لَكنْ لَوْ فَرَغَ مِنْهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَجَبَ عَلَيهِ إكمَالُهَا بِمَا شَاءَ مِنْ الْعِبَادَةِ.

وَ فِي جَوَازِ رُجُوعِهِ بَعْدَهُ إلَي مِنًي لَيلًا نَظَرٌ: مِنْ اسْتِلْزَامِهِ فَوَاتَ جُزْءٍ مِنْ اللَّيلِ به غير أَحَدِ الْوَصْفَينِ، أَعْنِي

الْمَبِيتَ بِمِنًي وَ بِمَكةَ مُتَعَبِّدًا، و من أَنَّهُ تَشَاغَلَ بِالْوَاجِبِ وَ يظْهَرُ مِنْ الدُّرُوسِ جَوَازُهُ و أن عَلِمَ أَنَّهُ لَا يدْرِك مِنًي إلَّا بَعْدَ انْتِصَافِ اللَّيلِ.

وَ يشْكلُ بِأَنَّ مُطْلَقَ التَّشَاغُلِ بِالْوَاجِبِ غَيرُ مَجُوزٍ. (وَيكفِي) فِي وُجُوبِ الْمَبِيتِ بِمِنًي (أَنْ يتَجَاوَزَ) الْكوْنُ بِهَا (نِصْفَ اللَّيلِ) فَلَهُ الْخُرُوجُ بَعْدَهُ مِنْهَا و لو إلَي مَكةَ. (وَيجِبُ فِي الرَّمْي التَّرْتِيبُ) بَينَ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ (يبْدَأُ بِالْأُولَي) و هي أَقْرَبُهَا إلَي الْمَشْعَرِ تَلِي مَسْجِدَ الْخَيفِ (ثُمَّ الْوُسْطَي، ثُمَّ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ، و لو نَكسَ) فَقَدَّمَ مُؤَخَّرًا (عَامِدًا) كانَ، (أَوْ نَاسِيا) بَطَلَ رَمْيهُ أَي مَجْمُوعُهُ مِنْ حَيثُ هُوَ مَجْمُوعٌ و أمّا رَمْي الْأُولَي فَإِنَّهُ صَحِيحٌ.

وَ إِنْ تَأَخَّرَتْ، لِصَيرُورَتِهَا أَوَّلًا، فَيعِيدُ عَلَي مَا يحْصُلُ مَعَهُ التَّرْتِيبُ.

فَإِنْ كانَ النَّكسُ مَحْضًا كمَا هُوَ الظَّاهِرُ أَعَادَ عَلَي الْوُسْطَي وَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَ هَكذَا.

(وَيحْصُلُ التَّرْتِيبُ بِأَرْبَعِ حَصَياتٍ) بِمَعْنَي أَنَّهُ إذَا رَمَي الْجَمْرَةَ بِأَرْبَعٍ وَ انْتَقَلَ إلَي مَا بَعْدَهَا صَحَّ، وَ أَكمَلَ النَّاقِصَةَ بَعْدَ ذَلِك، و أن كانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعٍ اسْتَأْنَفَ التَّالِيةَ و في النَّاقِصَةِ وَجْهَانِ أَجْوَدُهُمَا الِاسْتِئْنَافُ أَيضًا، وَ كذَا لَوْ رَمَي الْأَخِيرَةَ دُونَ أَرْبَعٍ، ثُمَّ قَطَعَهُ، لِوُجُوبِ الْوَلَاءِ.

هَذَا كلُّهُ مَعَ الْجَهْلِ، أَوْ النِّسْيانِ، أَمَّا مَعَ الْعَمْدِ فَيجِبُ إعَادَةُ مَا بَعْدَ الَّتِي لَمْ تَكمُلْ مُطْلَقًا، لِلنَّهْي عَنْ الِاشْتِغَالِ بِغَيرِهَا قَبْلَ إكمَالِهَا وَ إِعَادَتِهَا إنْ لَمْ تَبْلُغْ الْأَرْبَعَ، وَ الا بَنَي عَلَيهَا وَ اسْتَأْنَفَ الْبَاقِي وَ يظْهَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَينَ الْعَامِدِ و غيرهِ، وَ بِالتَّفْصِيلِ قَطَعَ فِي الدُّرُوسِ. (وَلَوْ نَسِي) رَمْي (جَمْرَةٍ أَعَادَ عَلَي الْجَمِيعِ، إنْ لَمْ تَتَعَينْ)، لِجَوَازِ كوْنِهَا الْأُولَي فَتَبْطُلُ الْأَخِيرَتَانِ، (وَلَوْ نَسِي حَصَاةً) وَاحِدَةً وَ اشْتَبَهَ النَّاقِصُ مِنْ الْجَمَرَاتِ (رَمَاهَا عَلَي الْجَمِيعِ)، لِحُصُولِ التَّرْتِيبِ بِإِكمَالِ الْأَرْبَعِ، وَ كذَا لَوْ نَسِي اثْنَينِ وَ ثَلَاثًا،

وَ لَا يجِبُ التَّرْتِيبُ هُنَا، لِأَنَّ الْفَائِتَ مِنْ وَاحِدَةٍ، و وجوب الْبَاقِي مِنْ بَابِ الْمُقَدَّمَةِ، كوُجُوبِ ثَلَاثِ فَرَائِضَ عَنْ وَاحِدَةٍ مُشْتَبِهَةٍ مِنْ الْخَمْسِ. نَعَمْ لَوْ فَاتَهُ مِنْ كلِّ جَمْرَةٍ وَاحِدَةٌ، أَوْ اثْنَتَانِ، أَوْ ثَلَاثٌ وَجَبَ التَّرْتِيبُ لِتَعَدُّدِ الرَّمْي بِالْأَصَالَةِ، و لو فَاتَهُ مَا دُونَ أَرْبَعٍ وَ شَك فِي كوْنِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ، أَوْ اثْنَتَينِ، أَوْ ثَلَاثٍ وَجَبَ رَمْي مَا يحْصُلُ مَعَهُ يقِينُ الْبَرَاءَةِ مُرَتِّبًا لِجَوَازِ التَّعَدُّدِ، و لو شَك فِي أَرْبَعٍ كذَلِك اسْتَأْنَفَ الْجَمِيعَ (وَيسْتَحَبُّ رَمْي) الْجَمْرَةِ (الْأُولَي عَنْ يمِينِهِ) أَي يمِينِ الرَّامِي وَ يسَارِهَا بِالْإِضَافَةِ إلَي الْمُسْتَقْبِلِ، (وَالدُّعَاءُ) حَالَةَ الرَّمْي وَ قَبْلَهُ بِالْمَأْثُورِ، (وَالْوُقُوفُ عِنْدَهَا) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الرَّمْي، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَامِدًا مُصَلِّيا دَاعِيا سَائِلًا الْقَبُولَ، (وَكذَا الثَّانِيةُ) يسْتَحَبُّ رَمْيهَا عَنْ يمِينِهِ وَ يسَارِهَا، وَاقِفًا بَعْدَهُ كذَلِك، (وَلَا يقِفُ عِنْدَ الثَّالِثَةِ) و هي جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ مُسْتَحَبًّا، و لو وَقَفَ لِغَرَضٍ فَلَا بَأْسَ. (وَإِذَا بَاتَ بِمِنًي لَيلَتَينِ جَازَ لَهُ النَّفْرُ فِي الثَّانِي عَشَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ)، لَا قَبْلَهُ (إنْ كانَ قَدْ اتَّقَي الصَّيدَ وَ النِّسَاءَ) فِي إحْرَامِ الْحَجِّ قَطْعًا، وَ إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ أَيضًا إنْ كانَ الْحَجُّ تَمَتُّعًا عَلَي الْأَقْوَي وَ الْمُرَادُ بِاتِّقَاءِ الصَّيدِ عَدَمُ قَتْلِهِ، وَ بِاتِّقَاءِ النِّسَاءِ عَدَمُ جِمَاعِهِنَّ، و في الحَاقِ مُقَدَّمَاتِهِ وَ بَاقِي الْمُحَرَّمَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِنَّ كالْعَقْدِ وَجْهٌ.

وَ هَلْ يفَرَّقُ فِيهِ بَينَ الْعَامِدِ و غيرهِ أَوْجُهٌ ثَالِثُهَا الْفَرْقُ بَينَ الصَّيدِ وَ النِّسَاءِ، لِثُبُوتِ الْكفَّارَةِ فِيهِ مُطْلَقًا، دُونَ غَيرِهِ، (وَلَمْ تَغْرُبْ عَلَيهِ الشَّمْسُ لَيلَةَ الثَّالِثَ عَشَرَ بِمِنًي).

(وَإِلَّا) يجْتَمِعُ الْأَمْرَانِ الِاتِّقَاءُ، وَ عَدَمُ الْغُرُوبِ، سَوَاءٌ انْتَفَيا، أَمْ أَحَدُهُمَا (وَجَبَ الْمَبِيتُ لَيلَةَ الثَّالِثَ عَشَرَ بِمِنًي)، وَ لَا فَرْقَ مَعَ غُرُوبِهَا عَلَيهِ بَينَ مَنْ تَأَهَّبَ لِلْخُرُوجِ قَبْلَهُ فَغَرُبَتْ عَلَيهِ قَبْلَ أَنْ يخْرُجَ، و غيرهِ، وَ لَا بَينَ مَنْ

خَرَجَ و لم يتَجَاوَزْ حُدُودَهَا حَتَّي غَرُبَتْ، و غيرهُ.

نَعَمْ لَوْ خَرَجَ مِنْهَا قَبْلَهُ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَهُ لِغَرَضٍ كأَخْذِ شَيءٍ نَسِيهُ لَمْ يجِبْ الْمَبِيتُ، وَ كذَا لَوْ عَادَ لِتَدَارُك وَاجِبٍ بِهَا، و لو رَجَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ لِذَلِك فَغَرُبَتْ عَلَيهِ بِهَا فَفِي وُجُوبِ الْمَبِيتِ قَوْلَانِ أَجْوَدُهُمَا ذَلِك.

(وَ) حَيثُ وَجَبَ مَبِيتُ لَيلَةِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَجَبَ (رَمْي الْجَمَرَاتِ) الثَّلَاثِ (فِيهِ، ثُمَّ ينْفِرُ فِي الثَّالِثَ عَشَرَ، وَ يجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ الرَّمْي). (وَوَقْتُهُ) أَي وَقْتُ الرَّمْي (مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَي غُرُوبِهَا) فِي الْمَشْهُورِ وَ قِيلَ: أَوَّلُهُ الْفَجْرُ، وَ أَفْضَلُهُ عِنْدَ الزَّوَالِ (وَيرْمِي الْمَعْذُورُ) كالْخَائِفِ وَ الْمَرِيضِ وَ الْمَرْأَةِ وَ الرَّاعِي (لَيلًا، وَ يقْضِي الرَّمْي لَوْ فَاتَ) فِي بَعْضِ الْأَيامِ (مُقَدَّمًا عَلَي الْأَدَاءِ) فِي تَالِيهِ، حَتَّي لَوْ فَاتَهُ رَمْي يوْمَينِ قَدَّمَ الْأَوَّلَ عَلَي الثَّانِي، وَ خَتَمَ بِالْأَدَاءِ، وَ فِي اعْتِبَارِ وَقْتِ الرَّمْي فِي الْقَضَاءِ قَوْلَانِ أَجْوَدُهُمَا ذَلِك، وَ تَجِبُ نِيةُ الْقَضَاءِ فِيهِ.

وَ الْأَوْلَي الْأَدَاءُ فِيهِ فِي وَقْتِهِ وَ الْفَرْقُ وُقُوعُ مَا فِي ذِمَّتِهِ أَوَّلًا عَلَي وَجْهَينِ، دُونَ الثَّانِي. (وَلَوْ رَحَلَ) مِنْ مِنًي (قَبْلَهُ) أَي قَبْلَ الرَّمْي أَدَاءً وَ قَضَاءً (رَجَعَ لَهُ) فِي أَيامِهِ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَيهِ الْعَوْدُ (اسْتَنَابَ فِيهِ) فِي وَقْتِهِ فَإِنْ فَاتَ اسْتَنَابَ (فِي الْقَابِلِ) وُجُوبًا إنْ لَمْ يحْضُرْ، وَ الا وَجَبَتْ الْمُبَاشَرَةُ.

(وَيسْتَحَبُّ النَّفْرُ فِي الْأَخِيرِ) لِمَنْ لَمْ يجِبْ عَلَيهِ وَ الْعَوْدُ إلَي مَكةَ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ اسْتِحْبَابًا مُؤَكدًا، و ليس وَاجِبًا عِنْدَنَا وَ وَقْتُهُ عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ بِحَيثُ لَا يمْكثُ بَعْدَهُ إلَّا مَشْغُولًا بِأَسْبَابِهِ.

فَلَوْ زَادَ عَنْهُ أَعَادَهُ، و لو نَسِيهُ حَتَّي خَرَجَ اُسْتُحِبَّ الْعَوْدُ لَهُ، و أن بَلَغَ الْمَسَافَةَ مِنْ غَيرِ إحْرَامٍ، إلَّا أَنْ يمْضِي لَهُ شَهْرٌ، وَ لَا وَدَاعَ لِلْمُجَاوِرِ. وَ يسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِدُخُولِهَا، (وَالدُّخُولُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيبَةَ)،

وَ الدُّعَاءُ كمَا مَرَّ (وَدُخُولُ الْكعْبَةِ) فَقَدْ رُوِي أَنَّ دُخُولَهَا دُخُولٌ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ وَ الْخُرُوجُ مِنْهَا خُرُوجٌ مِنْ الذُّنُوبِ وَ عِصْمَةٌ فِيمَا بَقِي مِنْ الْعُمُرِ، وَ غُفْرَانٌ لِمَا سَلَفَ مِنْ الذُّنُوبِ، (خُصُوصًا لِلصَّرُورَةِ)، وَ لْيدْخُلْهَا بِالسَّكينَةِ وَ الْوَقَارِ، آخِذًا بِحَلْقَتَي الْبَابِ عِنْدَ الدُّخُولِ.

(وَالصَّلَاةُ بَينَ الْأُسْطُوَانَتَينِ) اللَّتَينِ تَلِيانِ الْبَابَ (عَلَي الرُّخَامَةِ الْحَمْرَاءِ).

وَ يسْتَحَبُّ أَنْ يقْرَأَ فِي أُولَي الرَّكعَتَينِ الْحَمْدَ وَ حُمَّ السَّجْدَةَ، و في الثَّانِيةِ بِعَدَدِ آيهَا و هي ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ وَ خَمْسُونَ.

(وَ) الصَّلَاةُ (فِي زَوَاياهَا) الْأَرْبَعِ، فِي كلِّ زَاوِيةٍ رَكعَتَينِ، تَأَسِّيا بِالنَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ الهِ، (وَاسْتِلَامُهَا) أَي الزَّوَايا، (وَالدُّعَاءُ)، وَ الْقِيامُ بَينَ رُكنَي الْغَرْبِي وَ الْيمَانِي، رَافِعًا يدَيهِ، مُلْصَقًا بِهِ، ثُمَّ كذَلِك فِي الرُّكنِ الْيمَانِي، ثُمَّ الْغَرْبِي، ثُمَّ الرُّكنَينِ الْآخَرَينِ، ثُمَّ يعُودُ إلَي الرُّخَامَةِ الْحَمْرَاءِ فَيقِفُ عَلَيهَا، وَ يرْفَعُ رَأْسَهُ إلَي السَّمَاءِ، وَ يطِيلُ الدُّعَاءَ، وَ يبَالِغُ فِي الْخُشُوعِ، وَ حُضُورِ الْقَلْبِ.

(وَالدُّعَاءُ عِنْدَ الْحَطِيمِ) سُمِّي بِهِ، لِازْدِحَامِ النَّاسِ عِنْدَهُ لِلدُّعَاءِ وَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ، فَيحْطِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، أَوْ لِانْحِطَامِ الذُّنُوبِ عِنْدَهُ، فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَي فَاعِلٍ، أَوْ لِتَوْبَةِ اللَّهِ فِيهِ عَلَي آدَمَ، فَانْحَطَمَتْ ذُنُوبُهُ، (وَهُوَ أَشْرَفُ الْبِقَاعِ) عَلَي وَجْهِ الْأَرْضِ عَلَي مَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ عَنْ زَينِ الْعَابِدِينَ وَ وَلَدِهِ الْبَاقِرِ عَلَيهِمَا السَّلَامُ، (وَهُوَ مَا بَينَ الْبَابِ وَ الْحَجَرِ) الْأَسْوَدُ، وَيلِي الْحَطِيمَ فِي الْفَضْلِ عِنْدَ الْمَقَامِ، ثُمَّ الْحَجَرَ، ثُمَّ مَا دَنَا مِنْ الْبَيتِ.

(وَاسْتِلَامُ الْأَرْكانِ) كلِّهَا، (وَالْمُسْتَجَارِ، وَ إِتْيانُ زَمْزَمَ وَ الشُّرْبُ مِنْهَا)، وَ الامْتِلَاءُ.

فَقَدْ قَالَ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ الهِ: { مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ }، فَينْبَغِي شُرْبُهُ لِلْمُهِمَّاتِ الدِّينِيةِ، وَ الدُّنْيوِيةِ.

فَقَدْ فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَعَاظِمِ لِمَطَالِبَ مُهِمَّةٍ فَنَالُوهَا، وَ أَهَمُّهَا طَلَبُ رِضَي اللَّهِ وَ الْقُرْبِ مِنْهُ، وَ الزُّلْفَي لَدَيهِ.

وَ يسْتَحَبُّ

مَعَ ذَلِك حَمْلُهُ، وَ إِهْدَاؤُهٌ.

(وَالْخُرُوجُ مِنْ بَابِ الْحَنَّاطِينَ) سُمِّي بِذَلِك لِبَيعِ الْحِنْطَةِ عِنْدَهُ، أَوْ الْحَنُوطِ.

وَ هُوَ بَابٌ بَنِي جُمَعَ بِإِزَاءِ الرُّكنِ الشَّامِي، دَاخِلٌ فِي الْمَسْجِدِ كغَيرِهِ، وَ يخْرُجُ مِنْ الْبَابِ الْمُسَامِتِ لَهُ مَارًّا مِنْ عِنْدِ الْأَسَاطِينِ إلَيهِ عَلَي الِاسْتِقَامَةِ لِيظْفَرَ بِهِ.

(وَالصَّدَقَةُ بِتَمْرٍ يشْتَرِيه بِدِرْهَمٍ) شَرْعِي، وَ يجْعَلُهَا قَبْضَةً قَبْضَةً بِالْمُعْجَمَةِ وَ عُلِّلَ فِي الْأَخْبَارِ بِكوْنِهِ كفَّارَةً لِمَا لَعَلَّهُ دَخَلَ عَلَيهِ فِي حَجِّهِ مِنْ حَك أَوْ قَمْلَةٍ سَقَطَتْ، أَوْ نَحْوِ ذَلِك.

ثُمَّ إنْ اسْتَمَرَّ الِاشْتِبَاهُ فَهِي صَدَقَةٌ مُطْلَقَةٌ و أن ظَهَرَ لَهُ مُوجِبٌ يتَأَدَّي بِالصَّدَقَةِ فَالْأَقْوَي إجْزَاؤُهَا، لِظَاهِرِ التَّعْلِيلِ كمَا فِي نَظَائِرِهِ وَ لَا يقْدَحُ اخْتِلَافُ الْوَجْهِ لِابْتِنَائِهِ عَلَي الظَّاهِرِ، مَعَ أَنَّا لَا نَعْتَبِرُهُ.

(وَالْعَزْمُ عَلَي الْعَوْدِ) إلَي الْحَجِّ، فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الطَّاعَاتِ، وَ رُوِي أَنَّهُ مِنْ الْمُنْشِئَاتِ فِي الْعُمُرِ، كمَا أَنَّ الْعَزْمَ عَلَي تَرْكهِ مُقَرِّبٌ لِلْأَجَلِ وَ الْعَذَابِ، وَ يسْتَحَبُّ أَنْ يضَمَّ إلَي الْعَزْمِ سُؤَالَ اللَّهِ تَعَالَي ذَلِك عِنْدَ الِانْصِرَافِ. (وَيسْتَحَبُّ الْإِكثَارُ مِنْ الصَّلَاةِ بِمَسْجِدِ الْخَيفِ) لِمَنْ كانَ بِمِنًي فَقَدْ رُوِي أَنَّهُ مَنْ صَلَّي بِهِ مِائَةَ رَكعَةٍ عَدَلَتْ عِبَادَةَ سَبْعِينَ عَامًا، و من سَبَّحَ اللَّهَ فِيهِ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ كتِبَ لَهُ أَجْرُ عِتْقِ رَقَبَةٍ، و من هَلَّلَ اللَّهَ فِيهِ مِائَةً عَدَلَتْ إحْياءَ نَسَمَةٍ، و من حَمِدَ اللَّهَ فِيهِ مِائَةً عَدَلَتْ خَرَاجَ الْعِرَاقَينِ ينْفَقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، و إنّما سُمِّي خَيفًا، لِأَنَّهُ مُرْتَفِعٌ عَنْ الْوَادِي، و كلّ مَا ارْتَفَعَ عَنْهُ سُمِّي خَيفًا.

(وَخُصُوصًا عِنْدَ الْمَنَارَةِ) الَّتِي فِي وَسْطِهِ، (وَفَوْقَهَا إلَي الْقِبْلَةِ بِنَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا)، وَ كذَا عَنْ يمِينِهَا وَ يسَارِهَا وَ خَلْفِهَا، رَوَي تَحْدِيدَهُ بِذَلِك مُعَاوِيةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ، و أنّ ذَلِك مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ الهِ، و أنّه صَلَّي فِيهِ أَلْفُ نَبِي.

وَ

الْمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ عَلَي الْجِهَةِ الْوَاحِدَةِ، و في الدُّرُوسِ أَضَافَ يمِينَهَا وَ يسَارَهَا كذَلِك، وَ لَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ وَ مِمَّا يخْتَصُّ بِهِ مِنْ الصَّلَوَات صَلَاةُ سِتِّ رَكعَاتٍ فِي أَصْلِ الصَّوْمَعَةِ. (وَيحْرُمُ إخْرَاجُ مَنْ الْتَجَأَ إلَي الْحَرَمِ بَعْدَ الْجِنَايةِ) بِمَا يوجِبُ حَدًّا، أَوْ تَعْزِيرًا، أَوْ قِصَاصًا، وَ كذَا لَا يقَامُ عَلَيهِ فِيهِ (نَعَمْ يضَيقُ عَلَيهِ فِي الْمَطْعَمِ وَ الْمَشْرَبِ) بِأَنْ لَا يزَادَ مِنْهُمَا عَلَي مَا يسُدُّ الرَّمَقَ بِبَيعٍ، وَ لَا غَيرِهِ، وَ لَا يمَكنُ مِنْ مَالِهِ زِيادَةً عَلَي ذَلِك، (حَتَّي يخْرُجَ) فَيسْتَوْفَي مِنْهُ.

(فَلَوْ جَنَي فِي الْحَرَمِ قُوبِلَ) بِمُقْتَضَي جِنَايتِهِ (فِيهِ)، لِانْتِهَاكهِ حُرْمَةَ الْحَرَمِ، فَلَا حُرْمَةَ لَهُ، وَ اَلحَقَ بَعْضُهُمْ بِهِ مَسْجِدَ النَّبِي وَ مَشَاهِدَ الْأَئِمَّةِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ، و هو ضَعِيفُ الْمُسْتَنَدِ.

(الْفَصْلُ السَّادِسُ: فِي كفَّارَاتِ الْإِحْرَا
التمهيد

(الْفَصْلُ السَّادِسُ: فِي كفَّارَاتِ الْإِحْرَامِ)

اللَّاحِقَةِ بِفِعْلِ شَيءٍ مِنْ مُحَرَّمَاتِهِ (وَفِيهِ بَحْثَانِ): (الْأَوَّلُ - فِي كفَّارَةِ الصَّيدِ فَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ) و هي مِنْ الْإِبِلِ الْأُنْثَي الَّتِي كمُلَ سِنُّهَا خَمْسَ سِنِينَ، سَوَاءٌ فِي ذَلِك كبِيرُ النَّعَامَةِ وَ صَغِيرُهَا، ذَكرُهَا وَ أُنْثَاهَا، وَ الْأَوْلَي الْمُمَاثَلَةُ بَينَهُمَا فِي ذَلِك (ثُمَّ الْفَضُّ) أَي فَضُّ ثَمَنِ الْبَدَنَةِ لَوْ تَعَذَّرَتْ (عَلَي الْبُرِّ وَ إِطْعَامُ سِتِّينَ) مِسْكينًا، (وَالْفَاضِلُ) مِنْ قِيمَتِهَا عَنْ ذَلِك (لَهُ، وَ لَا يلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لَوْ أَعْوَزَ)، و لو فَضَلَ مِنْهُ مَا لَا يبْلُغُ مُدًّا، أَوْ مُدَّينِ دَفَعَهُ إلَي مِسْكينٍ آخَرَ و أن قَلَّ.

(ثُمَّ صِيامُ سِتِّينَ يوْمًا) إنْ لَمْ يقْدِرْ عَلَي الْفَضِّ، لِعَدَمِهِ، أَوْ فَقْرِهِ.

وَ ظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَينَ بُلُوغِ الْقِيمَةِ عَلَي تَقْدِيرِ إمْكانِ الْفَضِّ السِّتِّينَ وَ عَدَمِهِ و في الدُّرُوسِ نَسَبَ ذَلِك إلَي قَوْلٍ مُشْعِرٍ بِتَمْرِيضِهِ.

وَ الْأَقْوَي جَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَي صِيامِ قَدْرِ مَا وَسَعَتْ مِنْ الْإِطْعَامِ، و لو زَادَ مَا لَا يبْلُغُ الْقَدْرَ صَامَ عَنْهُ يوْمًا كامِلًا.

(ثُمَّ صِيامُ ثَمَانِيةَ عَشَرَ يوْمًا)

لَوْ عَجَزَ عَنْ صَوْمِ السِّتِّينَ و ما فِي مَعْنَاهَا و أن قَدَرَ عَلَي صَوْمٍ أَزِيدَ مِنْ الثَّمَانِيةَ عَشَرَ، نَعَمْ لَوْ عَجَزَ عَنْ صَوْمِهَا وَجَبَ الْمَقْدُورُ.

وَ الْفَرْقُ و ُرُودُ النَّصِّ بِوُجُوبِ الثَّمَانِيةَ عَشَرَ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ السِّتِّينَ الشَّامِلُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَي الْأَزْيدِ فَلَا يجِبُ.

وَ أَمَّا الْمَقْدُورُ مِنْ الثَّمَانِيةَ عَشَرَ فَيدْخُلُ فِي عُمُومِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ، و لو شَرَعَ فِي صَوْمِ السِّتِّينَ قَادِرًا عَلَيهَا فَتَجَدَّدَ عَجْزُهُ بَعْدَ تَجَاوُزِ الثَّمَانِيةَ عَشَرَ اقْتَصَرَ عَلَي مَا فَعَلَ و أن كانَ شَهْرًا، مَعَ احْتِمَالِ وُجُوبِ تِسْعَةٍ حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الشَّهْرِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ.

(وَالْمَدْفُوعُ إلَي الْمِسْكينِ) عَلَي تَقْدِيرِالْفَضِّ (نِصْفُ صَاعٍ) مُدَّانِ فِي الْمَشْهُورِ، وَ قِيلَ: مُدٌّ، و فيه قُوَّةٌ. (وَفِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ وَ حِمَارِهِ بَقَرَةٌ أَهْلِيةٌ) مُسِنَّةٌ فَصَاعِدًا، إلَّا أَنْ ينْقُصَ سِنُّ الْمَقْتُولِ عَنْ سِنِّهَا فَيكفِي مُمَاثِلُهُ فِيهِ، (ثُمَّ الْفَضُّ) لِلْقِيمَةِ عَلَي الْبُرِّ لَوْ تَعَذَّرَ، (وَنِصْفُ مَا مَضَي) فِي الْإِطْعَامِ وَ الصِّيامِ مَعَ بَاقِي الْأَحْكامِ فَيطْعِمُ ثَلَاثِينَ، ثُمَّ يصُومُ ثَلَاثِينَ، وَ مَعَ الْعَجْزِ تِسْعَةً. (وَفِي الظَّبْي وَ الثَّعْلَبِ وَ الْأَرْنَبِ شَاةٌ، ثُمَّ الْفَضُّ) الْمَذْكورُ لَوْ تَعَذَّرَتْ الشَّاةُ، (وَسُدُسُ مَا مَضَي) فَيطْعِمُ عَشَرَةً، ثُمَّ يصُومُ عَشَرَةً، ثُمَّ ثَلَاثَةً وَ مُقْتَضَي تَسَاوِيهَا فِي الْفَضِّ وَ الصَّوْمِ أَنَّ قِيمَتَهَا لَوْ نَقَصَتْ عَنْ عَشَرَةٍ لَمْ يجِبْ الْإِكمَالُ، وَ يتْبَعُهَا الصَّوْمُ.

وَ هَذَا يتِمُّ فِي الظَّبْي خَاصَّةً، لِلنَّصِّ.

أَمَّا الْآخَرَانِ فَأَلْحَقَهُمَا بِهِ جَمَاعَةٌ تَبَعًا لِلشَّيخِ، وَ لَا سَنَدَ لَهُ ظَاهِرًا.

نَعَمْ وَرَدَ فِيهِمَا شَاةٌ، فَمَعَ الْعَجْزِ عَنْهَا يرْجِعُ إلَي الرِّوَايةِ الْعَامَّةِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكينَ لِمَنْ عَجَزَ عَنْهَا، ثُمَّ صِيامُ ثَلَاثَةٍ.

وَ هَذَا هُوَ الْأَقْوَي، و في الدُّرُوسِ نَسَبَ مُشَارَكتَهُمَا لَهُ إلَي الثَّلَاثَةِ.

وَ هُوَ مُشْعِرٌ بِالضَّعْفِ.

وَ تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْقَوْلَينِ فِي وُجُوبِ إكمَالِ إطْعَامِ الْعَشَرَةِ و أن لَمْ تَبْلُغْهَا الْقِيمَةُ

عَلَي الثَّانِي، وَ الاقْتِصَارُ فِي الْإِطْعَامِ عَلَي مُدٍّ. (وَفِي كسْرِ بَيضِ النَّعَامِ لِكلِّ بَيضَةٍ بَكرَةٌ مِنْ الْإِبِلِ) و هي الْفَتِيةُ مِنْهَا بِنْتُ الْمَخَاضِ فَصَاعِدًا مَعَ صِدْقِ اسْمِ الْفَتِي.

وَ الْأَقْوَي إجْزَاءُ الْبَكرِ، لِأَنَّ مَوْرِدَ النَّصِّ الْبَكارَةُ و هي جَمْعٌ لِبَكرٍ وَ بَكرَةٍ (إنْ تَحَرَّك الْفَرْخُ) فِي الْبَيضَةِ، (وَإِلَّا) يتَحَرَّك (أَرْسَلَ فُحُولَةَ الْإِبِلِ فِي إنَاثٍ) مِنْهَا (بِعَدَدِ الْبَيضِ، فَالنَّاتِجُ هَدْي) بَالِغُ الْكعْبَةَ، لَا كغَيرِهِ مِنْ الْكفَّارَاتِ.

وَ يعْتَبَرُ فِي الْأُنْثَي صَلَاحِيةُ الْحَمْلِ، وَ مُشَاهَدَةُ الطَّرْقِ، وَ كفَايةُ الْفَحْلِ لِلْإِنَاثِ عَادَةً، وَ لَا فَرْقَ بَينَ كسْرِ الْبَيضَةِ بِنَفْسِهِ وَ دَابَّتِهِ، و لو ظَهَرَتْ فَاسِدَةً، أَوْ الْفَرْخُ مَيتًا فَلَا شَيءَ، وَ لَا يجِبُ تَرْبِيةُ النَّاتِجِ، بَلْ يجُوزُ صَرْفُهُ مِنْ حِينِهِ، وَ يتَخَيرُ بَينَ صَرْفِهِ فِي مَصَالِحِ الْكعْبَةِ وَ مَعُونَةِ الْحَاجِّ كغَيرِهِ مِنْ مَالِ الْكعْبَةِ.

(فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْإِرْسَالِ (فَشَاةٌ عَنْ الْبَيضَةِ) الصَّحِيحَةِ، (ثُمَّ) مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الشَّاةِ (إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكينَ) لِكلِّ مِسْكينٍ مُدٌّ.

وَ إِنَّمَا أُطْلِقَ لِأَنَّ ذَلِك ضَابِطُهُ حَيثُ لَا نَصَّ عَلَي الزَّائِدِ، وَ مَصْرِفُ الشَّاةِ وَ الصَّدَقَةُ كغَيرِهِمَا، لَا كالْمُبْدَلِ، (ثُمَّ صِيامُ ثَلَاثَةِ) أَيامٍ لَوْ عَجَزَ عَنْ الْإِطْعَامِ.

(وَفِي كسْرِ كلِّ بَيضَةٍ مِنْ الْقَطَا وَ الْقَبْجِ) بِسُكونِ الْبَاءِ و هو الْحَجَلُ (وَالدُّرَّاجِ مِنْ صِغَارِ الْغَنَمِ إنْ تَحَرَّك الْفَرْخُ) فِي الْبَيضَةِ.

كذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَ جَمَاعَةٌ، و في الدُّرُوسِ جَعَلَ فِي الْأَوَّلَينِ مَخَاضًا مِنْ الْغَنَمِ، أَي مِنْ شَأْنِهَا الْحَمَلُ، و لم يذْكرْ الثَّالِثَ.

وَ النُّصُوصُ خَالِيةٌ عَنْ ذِكرِ الصَّغِيرِ، وَ الْمَوْجُودُ فِي الصَّحِيحِ مِنْهَا أَنَّ فِي بَيضِ الْقَطَاةِ بَكارَةٌ مِنْ الْغَنَمِ، و أمّا الْمَخَاضُ فَمَذْكورٌ فِي مَقْطُوعَةٍ، وَ الْعَمَلُ عَلَي الصَّحِيحِ.

وَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِكرِ الْفَتِي، وَ سَيأْتِي أَنَّ فِي قَتْلِ الْقَطَا وَ الْقَبْجِ وَ الدُّرَّاجِ حَمَلٌ مَفْطُومٌ، وَ الْفَتِي أَعْظَمُ مِنْهُ،

فَيلْزَمُ وُجُوبُ الْفِدَاءِ لِلْبَيضِ أَزِيدَ مِمَّا يجِبُ فِي الْأَصْلِ، إلَّا أَنْ يحْمَلَ الْفَتِي عَلَي الْحَمَلِ فَصَاعِدًا، وَ غَايتُهُ حِينَئِذٍ تَسَاوِيهِمَا فِي الْفِدَاءِ، و هو سَهْلٌ و أمّا بَيضُ الْقَبَجِ وَ الدُّرَّاجِ فَخَالٍ عَنْ النَّصِّ، و من ثَمَّ اخْتَلَفَتْ الْعِبَارَاتُ فِيهَا، فَفِي بَعْضِهَا اخْتِصَاصُ مَوْضِعِ النَّصِّ و هو بَيضُ الْقَطَا، وَ فِي بَعْضٍ و منه الدُّرُوسُ إلْحَاقُ الْقَبَجِ، وَ فِي ثَالِثٍ إلْحَاقُ الدُّرَّاجِ بِهِمَا، وَ يمْكنُ إلْحَاقُ الْقَبَجِ بِالْحَمَامِ فِي الْبَيضِ، لِأَنَّهُ صِنْفٌ مِنْهُ (وَإِلَّا) يتَحَرَّك الْفَرْخُ (أَرْسَلَ فِي الْغَنَمِ بِالْعَدَدِ) كمَا تَقَدَّمَ فِي النَّعَامِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْإِرْسَالِ (فَكبَيضِ النَّعَامِ).

كذَا أَطْلَقَ الشَّيخُ تَبَعًا لِظَاهِرِ الرِّوَايةِ، وَ تَبِعَهُ الْجَمَاعَةُ، وَ ظَاهِرُهُ أَنَّ فِي كلِّ بَيضَةٍ شَاةً، فَإِنْ عَجَزَ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكينَ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيامٍ، وَ يشْكلُ بِأَنَّ الشَّاةَ لَا تَجِبُ فِي الْبَيضَةِ ابْتِدَاءً، بَلْ إنَّمَا يجِبُ نِتَاجُهَا حِينَ تُولَدُ عَلَي تَقْدِيرِ حُصُولِهِ، و هو أَقَلُّ مِنْ الشَّاةِ بِكثِيرٍ، فَكيفَ يجِبُ مَعَ الْعَجْزِ، وَ فَسَّرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْمُرَادَ وُجُوبُ الْأَمْرَينِ الْأَخِيرَينِ دُونَ الشَّاةِ.

وَ هَذَا الْحُكمُ هُوَ الْأَجْوَدُ، لَا لِمَا ذَكرُوهُ، لِمَنْعِ كوْنِ الشَّاةِ أَشَقَّ مِنْ الْإِرْسَالِ، بَلْ هِي أَسْهَلُ عَلَي أَكثَرِ النَّاسِ، لِتَوَقُّفِهِ عَلَي تَحْصِيلِ الْإِنَاثِ وَ الذُّكورِ، وَ تَحَرِّي زَمَنِ الْحَمْلِ وَ مُرَاجَعَتِهَا إلَي حِينِ النِّتَاجِ، وَ صَرْفِهِ هَدْيا لِلْكعْبَةِ و هذه أُمُورٌ تُعَسِّرُ عَلَي الْحَاجِّ غَالِبًا أَضْعَافَ الشَّاةِ، بَلْ لِأَنَّ الشَّاةَ يجِبُ أَنْ تَكونَ مُجْزِئَةً هُنَا بِطَرِيقٍ أَوْلَي، لِأَنَّهَا أَعْلَي قِيمَةً وَ أَكثَرُ مَنْفَعَةً مِنْ النِّتَاجِ، فَيكونُ كبَعْضِ أَفْرَادِ الْوَاجِبِ، وَ الْإِرْسَالُ أَقَلُّهُ.

وَ مَتَي تَعَذَّرَ الْوَاجِبُ انْتَقَلَ إلَي بَدَلِهِ، و هو هُنَا الْأَمْرَانِ الْآخَرَانِ مِنْ حَيثُ الْبَدَلُ الْعَامُّ، لَا الْخَاصِّ، لِقُصُورِهِ عَنْ الدَّلَالَةِ، لِأَنَّ بَدَلِيتَهُمَا عَنْ الشَّاةِ يقْتَضِي بَدَلِيتَهُمَا

عَمَّا هُوَ دُونَهَا قِيمَةً بِطَرِيقٍ أَوْلَي. (وَفِي الْحَمَامَةِ و هي الْمُطَوَّقَةُ أَوْ مَا تَعُبُّ الْمَاءَ) بِالْمُهْمَلَةِ أَي تَشْرَبُهُ مِنْ غَيرِ مَصٍّ كمَا تَعُبُّ، الدَّوَابُّ، وَ لَا يأْخُذُهُ بِمِنْقَارِهِ قَطْرَةً قَطْرَةً كالدَّجَاجِ وَ الْعَصَافِيرِ.

وَ أَوْ هُنَا يمْكنُ كوْنُهُ لِلتَّقْسِيمِ بِمَعْنَي كوْنِ كلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَينِ حَمَامًا وَ كوْنِهِ لِلتَّرْدِيدِ، لِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ، وَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي اخْتِيارِ كلٍّ مِنْهُمَا، وَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ اخْتَارَ الْأَوَّلَ خَاصَّةً، وَ اخْتَارَ الْمُحَقِّقُ وَ الْعَلَّامَةُ الثَّانِي خَاصَّةً، وَ الظَّاهِرُ أَنَّ التَّفَاوُتَ بَينَهُمَا قَلِيلٌ، أَوْ مُنْتَفٍ، و هو يصْلُحُ لِجَعْلِ الْمُصَنِّفِ كلًّا مِنْهُمَا مُعَرَّفًا، و علي كلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِ الْقَطَا وَ الْحَجَلِ مِنْ التَّعْرِيفِ، لِأَنَّ لَهُمَا كفَّارَةً مُعَينَةً غَيرَ كفَّارَةِ الْحَمَامِ، مَعَ مُشَارَكتِهِمَا لَهُ فِي التَّعْرِيفِ كمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ.

وَ كفَّارَةُ الْحَمَامِ بِأَي مَعْنًي اُعْتُبِرَ (شَاةً عَلَي الْمُحْرِمِ فِي الْحِلِّ، وَ دِرْهَمٌ عَلَي الْمُحِلِّ فِي الْحَرَمِ) عَلَي الْمَشْهُورِ، وَ رُوِي أَنَّ عَلَيهِ فِيهِ الْقِيمَةَ، وَ رُبَّمَا قِيلَ: بِوُجُوبِ أَكثَرِ الْأَمْرَينِ مِنْ الدِّرْهَمِ، وَ الْقِيمَةِ، أَمَّا الدِّرْهَمُ فَلِلنَّصِّ و أمّا الْقِيمَةُ فَلَهُ، أَوْ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِلْمَمْلُوك فِي غَيرِ الْحَرَمِ فَفِيهِ أَوْلَي.

وَ الْأَقْوَي وُجُوبُ الدِّرْهَمِ مُطْلَقًا فِي غَيرِ الْحَمَامِ الْمَمْلُوك، و فيه الْأَمْرَانِ مَعًا الدِّرْهَمُ لِلَّهِ، وَ الْقِيمَةُ لِلْمَالِك، وَ كذَا الْقَوْلُ فِي كلِّ مَمْلُوك بِالنِّسْبَةِ إلَي فِدَائِهِ وَ قِيمَتِهِ.

(وَيجْتَمِعَانِ) الشَّاةُ وَ الدِّرْهَمُ (عَلَي الْمُحْرِمِ فِي الْحَرَمِ)، الْأَوَّلُ لِكوْنِهِ مُحْرِمًا، وَ الثَّانِي لِكوْنِهِ فِي الْحَرَمِ، وَ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّدَاخُلِ، خُصُوصًا مَعَ اخْتِلَافِ حَقِيقَةِ الْوَاجِبِ (وَفِي فَرْخِهَا حَمَلٌ) بِالتَّحْرِيك مِنْ أَوْلَادِ الضَّأْنِ مَا سِنُّهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا، (وَنِصْفُ دِرْهَمٍ عَلَيهِ) أَي عَلَي الْمُحْرِمِ فِي الْحَرَمِ، (وَيتَوَزَّعَانِ عَلَي أَحَدِهِمَا) فَيجِبُ الْأَوَّلُ عَلَي الْمُحْرِمِ فِي الْحِلِّ، وَ الثَّانِي عَلَي الْمُحِلِّ فِي الْحَرَمِ.

بِقَرِينَةِ مَا تَقَدَّمَ،

تَرْتِيبًا وَ وَاجِبًا، (وَفِي بَيضِهَا دِرْهَمٌ وَ رُبْعٌ) عَلَي الْمُحْرِمِ فِي الْحَرَمِ.

(وَيتَوَزَّعَانِ عَلَي أَحَدِهِمَا)، وَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ إحْدَاهُمَا فِيهِمَا أَي الْفَاعِلَينِ، أَوْ الْحَالَتَينِ فَيجِبُ دِرْهَمٌ عَلَي الْمُحْرِمِ فِي الْحِلِّ، وَ رُبْعٌ عَلَي الْمُحِلِّ فِي الْحَرَمِ.

وَ لَمْ يفَرِّقْ فِي الْبَيضِ بَينَ كوْنِهِ قَبْلَ تَحَرُّك الْفَرْخِ وَ بَعْدَهُ.

وَ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ الْأَوَّلُ، أَمَّا الثَّانِي فَحُكمُهُ حُكمُ الْفَرْخِ كمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الدُّرُوسِ، و أن كانَ إلْحَاقُهُ بِهِ مَعَ الْإِطْلَاقِ، لَا يخْلُو مِنْ بُعْدٍ، وَ كذَلِك لَمْ يفَرِّقْ بَينَ الْحَمَامِ الْمَمْلُوك و غيرهِ، وَ لَا بَينَ الْحَرَمِي و غيرهِ.

وَ الْحَقُّ ثُبُوتُ الْفَرْقِ كمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الدُّرُوسِ و غيرهِ، فَغَيرُ الْمَمْلُوك حُكمُهُ ذَلِك، وَ الْحَرَمِي مِنْهُ، يشْتَرَي بِقِيمَتِهِ الشَّامِلَةِ لِلْفِدَاءِ عَلَفًا لِحَمَامِهِ، وَلْيكنْ قَمْحًا لِلرِّوَايةِ، وَ الْمَمْلُوك كذَلِك، مَعَ إذْنِ الْمَالِك، أَوْ كوْنِهِ الْمُتْلِفَ، وَ الا وَجَبَ مَا ذَكرَ لِلَّهِ وَ قِيمَتُهُ السُّوقِيةُ لِلْمَالِك. (وَفِي كلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَطَا وَ الْحَجَلِ وَ الدُّرَّاجِ حَمَلٌ مَفْطُومٌ رَعَي) قَدْ كمُلَ سِنُّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، و هو قَرِيبٌ، مِنْ صَغِيرِ الْغَنَمِ فِي فَرْخِهَا، وَ لَا بُعْدَ فِي تَسَاوِي فِدَاءِ الصَّغِيرِ وَ الْكبِيرِ كمَا ذَكرْنَاهُ.

وَ هُوَ أَوْلَي مِنْ حَمْلِ الْمُصَنِّفِ الْمَخَاضَ الَّذِي اخْتَارَهُ، ثُمَّ عَلَي بِنْتِ الْمَخَاضِ، أَوْ عَلَي أَنَّ فِيهَا هُنَا مَخَاضًا بِطَرِيقٍ أَوْلَي، لِلْإِجْمَاعِ، عَلَي انْتِفَاءِ الْأَمْرَينِ.

وَ كذَا مِمَّا قِيلَ: مِنْ أَنَّ مَبْنَي شَرْعِنَا عَلَي اخْتِلَافِ الْمُتَّفِقَاتِ، وَ اتِّفَاقِ الْمُخْتَلِفَاتِ، فَجَازَ أَنْ يثْبُتَ فِي الصَّغِيرِ زِيادَةٌ عَلَي الْكبِيرِ.

وَ الْوَجْهُ مَا ذَكرْنَاهُ، لِعَدَمِ التَّنَافِي بِوَجْهٍ.

هَذَا عَلَي تَقْدِيرِ اخْتِيارِ صَغِيرِ الْغَنَمِ فِي الصَّغِيرِ كمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، أَوْ عَلَي وُجُوبِ الْفَتِي كمَا اخْتَرْنَاهُ، وَ حَمْلِهِ عَلَي الْحَمَلِ، وَ الا بَقِي الْإِشْكالُ. (وَفِي كلٍّ مِنْ الْقُنْفُذِ وَ الضَّبِّ وَ الْيرْبُوعِ جَدْي)، عَلَي الْمَشْهُورِ.

وَ قِيلَ:

حَمَلٌ فَطِيمٌ، وَ الْمَرْوِي، الْأَوَّلُ، و أن كانَ الثَّانِي مُجْزِئًا بِطَرِيقٍ أَوْلَي و لعلّ الْقَائِلَ فَسَّرَ بِهِ الْجَدْي (وَفِي كلٍّ مِنْ الْقُبَّرَةِ) بِالْقَافِ الْمَضْمُومَةِ ثُمَّ الْبَاءِ الْمُشَدَّدَةِ به غير نُونٍ بَينَهُمَا، (وَالصَّعْوَةُ) و هي عُصْفُورٌ صَغِيرٌ لَهُ ذَنَبٌ طَوِيلٌ يرْمَحُ بِهِ (وَالْعُصْفُورُ) بِضَمِّ الْعَينِ و هو مَا دُونَ الْحَمَامَةِ، فَيشْمَلُ الْأَخِيرَينِ، و إنّما جَمَعَهَا تَبَعًا لِلنَّصِّ وَ يمْكنُ أَنْ يرِيدَ بِهِ الْعُصْفُورَ الْأَهْلِي كمَا سَيأْتِي تَفْسِيرُهُ بِهِ فِي الْأَطْعِمَةِ، فَيغَايرُهُمَا (مُدٌّ) مِنْ (طَعَامٍ) و هو هُنَا مَا يؤْكلُ مِنْ الْحُبُوبِ وَ فُرُوعِهَا، وَ التَّمْرِ وَ الزَّبِيبِ وَ شَبَهِهَا (وَفِي الْجَرَادَةِ تَمْرَةٌ)، وَ تَمْرَةٌ خَيرٌ مِنْ جَرَادَةٍ.

(وَ قِيلَ: كفٌّ مِنْ طَعَامٍ) و هو مَرْوِي أَيضًا، فَيتَخَيرُ بَينَهُمَا جَمْعًا وَ اخْتَارَهُ فِي الدُّرُوسِ، (وَفِي كثِيرِ الْجَرَادِ شَاةٌ)، وَ الْمَرْجِعُ فِي الْكثْرَةِ إلَي الْعُرْفِ، وَ يحْتَمَلُ اللُّغَةُ، فَيكونُ الثَّلَاثَةُ كثِيرًا، وَ يجِبُ لِمَا دُونَهُ فِي كلِّ وَاحِدَةٍ تَمْرَةٌ، أَوْ كفٌّ.

(وَلَوْ لَمْ يمْكنْ التَّحَرُّزُ) مِنْ قَتْلِهِ، بِأَنْ كانَ عَلَي طَرِيقِهِ بِحَيثُ لَا يمْكنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ كثِيرَةٍ لَا تُتَحَمَّلُ عَادَةً، لَا الْإِمْكانَ الْحَقِيقِي (فَلَا شَيءَ و في القَمْلَةِ) يلْقِيهَا عَنْ ثَوْبِهِ، أَوْ بَدَنِهِ و ما أَشْبَهَهُمَا، أَوْ يقْتُلُهَا (كفٌّ) مِنْ (طَعَامٍ)، وَ لَا شَيءَ فِي الْبُرْغُوثِ و أن مَنَعْنَا قَتْلَهُ.

وَ جَمِيعُ مَا ذُكرَ حُكمُ الْمُحْرِمِ فِي الْحِلِّ، أَمَّا الْمُحِلُّ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيهِ الْقِيمَةُ فِيمَا لَمْ ينُصَّ عَلَي غَيرِهَا، وَ يجْتَمِعَانِ عَلَي الْمُحْرِمِ فِي الْحَرَمِ، و لو لَمْ يكنْ لَهُ قِيمَةٌ فَكفَّارَتُهُ الِاسْتِغْفَارُ (وَلَوْ نَفَّرَ حَمَامَ الْحَرَمِ وَ عَادَ) إلَي مَحِلِّهِ (فَشَاةٌ) عَنْ الْجَمِيعِ، (وَإِلَّا) يعُدْ (فَعَنْ كلِّ وَاحِدَةٍ شَاةٌ) عَلَي الْمَشْهُورِ، وَ مُسْتَنَدُهُ غَيرُ مَعْلُومٍ، وَ إِطْلَاقُ الْحُكمِ يشْتَمِلُ مُطْلَقَ التَّنْفِيرِ و أن لَمْ يخْرُجْ مِنْ الْحَرَمِ، وَ

قَيدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ تَحْقِيقَاتِهِ بِمَا لَوْ تَجَاوَزَ الْحَرَمَ، وَ ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا حُكمُ الْمُحْرِمِ فِي الْحَرَمِ، فَلَوْ كانَ مُحِلًّا فَمُقْتَضَي الْقَوَاعِدِ وُجُوبُ الْقِيمَةِ إنْ لَمْ يعُدْ، تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْإِتْلَافِ.

وَ يشْكلُ حُكمُهُ مَعَ الْعَوْدِ، وَ كذَا حُكمُ الْمُحْرِمِ لَوْ فَعَلَ ذَلِك فِي الْحِلِّ، و لو كانَ الْمُنَفَّرُ وَاحِدَةً فَفِي وُجُوبِ الشَّاةِ مَعَ عَوْدِهَا وَ عَدَمِهِ تَسَاوِي الْحَالَتَينِ و هو بَعِيدٌ.

وَ يمْكنُ عَدَمُ وُجُوبِ شَيءٍ مَعَ الْعَوْدِ وُقُوفًا فِيمَا خَالَفَ الْأَصْلَ عَلَي مَوْضِعِ الْيقِينِ و هو الْحَمَامُ، و أن لَمْ نَجْعَلْهُ اسْمَ جِنْسٍ يقَعُ عَلَي الْوَاحِدَةِ.

وَ كذَا الْإِشْكالُ لَوْ عَادَ الْبَعْضُ خَاصَّةً و كان كلٌّ مِنْ الذَّاهِبِ وَ الْعَائِدِ وَاحِدَةً.

بَلْ الْإِشْكالُ فِي الْعَائِدِ و أن كثُرَ، لِعَدَمِ صِدْقِ عَوْدِ الْجَمِيعِ الْمُوجِبِ لِلشَّاةِ، و لو كانَ الْمُنَفِّرُ، جَمَاعَةً فَفِي تَعَدُّدِ الْفِدَاءِ عَلَيهِمْ، أَوْ اشْتِرَاكهمْ فِيهِ خُصُوصًا مَعَ كوْنِ فِعْلِ كلِّ وَاحِدٍ لَا يوجِبُ النُّفُورَ: وَجْهَانِ، وَ كذَا فِي إلْحَاقِ غَيرِ الْحَمَامِ بِهِ، وَ حَيثُ لَا نَصَّ ظَاهِرًا ينْبَغِي الْقَطْعُ بِعَدَمِ اللُّحُوقِ، فَلَوْ عَادَ فَلَا شَيءَ، و لو لَمْ يعُدْ فَفِي إلْحَاقِهِ بِالْإِتْلَافِ نَظَرٌ، لِاخْتِلَافِ الْحَقِيقَتَينِ، و لو شَك فِي الْعَدَدِ بَنَي عَلَي الْأَقَلِّ، و في العَوْدِ عَلَي عَدَمِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا (وَلَوْ أَغْلَقَ عَلَي حَمَامٍ وَ فِرَاخٍ وَ بَيضٍ فَكالْإِتْلَافِ، مَعَ جَهْلِ الْحَالِ، أَوْ عِلْمِ التَّلَفِ) فَيضْمَنُ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ كلَّ حَمَامَةٍ بِشَاةٍ، وَ الْفَرْخَ بِحَمَلٍ، وَ الْبَيضَةَ بِدِرْهَمٍ، وَ الْمُحِلُّ فِي الْحَرَمِ الْحَمَامَةَ بِدِرْهَمٍ، وَ الْفَرْخَ بِنِصْفِهِ، وَ الْبَيضَةَ بِرُبْعِهِ، وَ يجْتَمِعَانِ عَلَي مَنْ جَمَعَ الْوَصْفَينِ، وَ لَا فَرْقَ بَينَ حَمَامِ الْحَرَمِ و غيرهِ إلَّا عَلَي الْوَجْهِ السَّابِقِ.

(وَلَوْ بَاشَرَ الْإِتْلَافَ جَمَاعَةٌ أَوْ تَسَبَّبُوا)، أَوْ بَاشَرَ بَعْضٌ وَ تَسَبَّبَ الْبَاقُونَ (فَعَلَي كلٍّ فِدَاءٌ)، لِأَنَّ كلَّ وَاحِدٍ

مِنْ الْفِعْلَينِ مُوجِبٌ لَهُ، وَ كذَا لَوْ بَاشَرَ وَاحِدٌ أُمُورًا مُتَعَدِّدَةً يجِبُ لِكلٍّ مِنْهَا الْفِدَاءُ كمَا لَوْ اصْطَادَ وَ ذَبَحَ وَ أَكلَ، أَوْ كسَرَ الْبَيضَ وَ أَكلَ أَوْ دَلَّ عَلَي الصَّيدِ وَ أَكلَ.

وَ لَا فَرْقَ بَينَ كوْنِهِمْ مُحْرِمِينَ وَ مُحِلِّينَ فِي الْحَرَمِ وَ التَّفْرِيقُ فَيلْزَمُ كلًّا حُكمُهُ، فَيجْتَمِعُ عَلَي الْمُحْرِمِ مِنْهُمْ فِي الْحَرَمِ الْأَمْرَانِ (وَفِي كسْرِ قَرْنَي الْغَزَالِ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَ فِي عَينَيهِ، أَوْ يدَيهِ، أَوْ رِجْلَيهِ الْقِيمَةُ، وَ الْوَاحِدُ بِالْحِسَابِ) فَفِيهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ، و لو جَمَعَ بَينَهُ و بين آخَرَ مِنْ اثْنَينِ فَتَمَامُ الْقِيمَةِ، وَ هَكذَا.

هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَ مُسْتَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَ زَعَمُوا أَنَّ ضَعْفَهُ مُنْجَبِرٌ بِالشُّهْرَةِ، و في الدُّرُوسِ جَزَمَ بِالْحُكمِ فِي الْعَينَينِ، وَ نَسَبُهُ فِي الْيدَينِ وَ الرِّجْلَينِ إلَي الْقِيلِ.

وَ الْأَقْوَي وُجُوبُ الْأَرْشِ فِي الْجَمِيعِ، لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَدَثَ عَلَي الصَّيدِ فَيجِبُ أَرْشُهُ حَيثُ لَا مُعَينَ يعْتَمَدُ عَلَيهِ.

(وَلَا يدْخُلُ الصَّيدُ فِي مِلْك الْمُحْرِمِ بِحِيازَةٍ، وَ لَا عَقْدٍ، وَ لَا إرْثٍ)، وَ لَا غَيرِهَا مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُمَلِّكةِ كنَذْرِهِ لَهُ.

هَذَا إذَا كانَ عِنْدَهُ.

أَمَّا النَّائِي فَالْأَقْوَي دُخُولُهُ فِي مِلْكهِ ابْتِدَاءً اخْتِيارًا كالشِّرَاءِ و غيرهِ كالْإِرْثِ، وَ عَدَمِ خُرُوجِهِ بِالْإِحْرَامِ، وَ الْمَرْجِعُ فِيهِ إلَي الْعُرْفِ. (وَمَنْ نَتَفَ رِيشَةً مِنْ حَمَامِ الْحَرَمِ فَعَلَيهِ صَدَقَةٌ بِتِلْك الْيدِ الْجَانِيةِ)، و ليس فِي الْعِبَارَةِ أَنَّهُ نَتَفَهَا بِالْيدِ حَتَّي يشِيرَ إلَيهَا بَلْ هِي أَعَمُّ، لِجَوَازِ نَتْفِهَا بِغَيرِهَا، وَ الرِّوَايةُ وَرَدَتْ بِأَنَّهُ يتَصَدَّقُ بِالْيدِ الْجَانِيةِ و هي سَالِمَةٌ مِنْ الْإِيرَادِ، و لو اتَّفَقَ النَّتْفُ به غير الْيدِ جَازَتْ الصَّدَقَةُ كيفَ شَاءَ وَ يجْزِئُ مُسَمَّاهَا، وَ لَا تَسْقُطُ بِنَبَاتِ الرِّيشِ، وَ لَا تُجْزِئُ به غير الْيدِ الْجَانِيةِ.

وَ لَوْ نَتَفَ أَكثَرَ مِنْ رِيشَةٍ فَفِي الرُّجُوعِ إلَي الْأَرْشِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ، أَوْ تَعَدُّدِ الصَّدَقَةِ بِتَعَدُّدِهِ وَجْهَانِ اخْتَارَ

ثَانِيهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ، و هو حَسَنٌ إنْ وَقَعَ النَّتْفُ عَلَي التَّعَاقُبِ، وَ الا فَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ إنْ أَوْجَبَ أَرْشًا، وَ الا تَصَدَّقَ بِشَيءٍ، لِثُبُوتِهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَي، و لو نَتَفَ غَيرَ الْحَمَامَةِ، أَوْ غَيرَ الرِّيشِ فَالْأَرْشُ، و لو أَحْدَثَ مَا لَا يوجِبُ الْأَرْشَ نَقْصًا ضَمِنَ أَرْشَهُ، وَ لَا يجِبُ تَسْلِيمَهُ بِالْيدِ الْجَانِيةِ لِلْأَصْلِ (وَجَزَاؤُهُ) أَي جَزَاءُ الصَّيدِ مُطْلَقًا يجِبُ إخْرَاجُهُ (بِمِنًي) إنْ وَقَعَ (فِي إحْرَامِ الْحَجِّ، وَ بِمَكةَ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ)، و لو افْتَقَرَ إلَي الذَّبْحِ وَجَبَ فِيهِمَا أَيضًا كالصَّدَقَةِ، وَ لَا تُجْزِئُ الصَّدَقَةُ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَ مُسْتَحِقُّهُ الْفُقَرَاءُ وَ الْمَسَاكينُ بِالْحَرَمِ فِعْلًا، أَوْ قُوَّةً كوَكيلِهِمْ فِيهِ، وَ لَا يجُوزُ الْأَكلُ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ انْتِقَالِهِ إلَي الْمُسْتَحِقِّ بِإِذْنِهِ، وَ يجُوزُ فِي الْإِطْعَامِ التَّمْلِيك وَ الْأَكلُ

الْبَحْثُ الثَّانِي: فِي كفَّارَةِ بَاقِي الْمُح

اشاره

الْبَحْثُ الثَّانِي: فِي كفَّارَةِ بَاقِي الْمُحَرَّمَاتِ

فِي الْوَطْءِ) عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، (قُبُلًا، أَوْ دُبُرًا قَبْلَ الْمَشْعَرِ و أن وَقَفَ بِعَرَفَةَ) عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ (بَدَنَةٌ، وَ يتِمُّ حَجَّهُ وَ يأْتِي بِهِ مِنْ قَابِلٍ) فَوْرِيا إنْ كانَ الْأَصْلُ كذَلِك (وَإِنْ كانَ الْحَجُّ نَفْلًا)، وَ لَا فَرْقَ فِي ذَلِك بَينَ الزَّوْجَةِ وَ الْأَجْنَبِيةِ، وَ لَا بَينَ الْحُرَّةِ وَ الْأَمَةِ، وَوَطْءُ الْغُلَامِ كذَلِك فِي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ دُونَ الدَّابَّةِ فِي الْأَشْهَرِ.

وَ هَلْ الْأَوْلَي فَرْضُهُ وَ الثَّانِيةُ عُقُوبَةٌ، أَوْ بِالْعَكسِ قَوْلَانِ، وَ الْمَرْوِي الْأَوَّلُ، إلَّا أَنَّ الرِّوَايةَ مَقْطُوعَةٌ و قد تَقَدَّمَ.

وَ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي الْأَجِيرِ لِتِلْك السَّنَةِ، أَوْ مُطْلَقًا، وَ فِي كفَّارَةِ خُلْفِ النَّذْرِ وَ شَبَهِهِ لَوْ عَينَهُ بِتِلْك السَّنَةِ، و في المُفْسِدِ الْمَصْدُودُ إذَا تَحَلَّلَ ثُمَّ قَدَرَ عَلَي الْحَجِّ لِسَنَتِهِ، أَوْ غَيرِهَا.

(وَعَلَيهَا مُطَاوِعَةً مِثْلُهُ) كفَّارَةٌ وَ قَضَاءٌ.

وَ احْتَرَزْنَا بِالْعَالِمِ الْعَامِدِ عَنْ النَّاسِي و لو لِلْحُكمِ، وَ الْجَاهِلِ فَلَا شَيءَ عَلَيهِمَا.

وَ كانَ عَلَيهِ تَقْييدُهُ و أن أَمْكنَ إخْرَاجُ

النَّاسِي مِنْ حَيثُ عَدَمُ كوْنِهِ مُحْرِمًا فِي حَقِّهِ، أَمَّا الْجَاهِلُ فَآثِمٌ.

(وَيفْتَرِقَانِ إذَا بَلَغَا مَوْضِعَ الْخَطِيئَةِ بِمُصَاحَبَةِ ثَالِثٍ) مُحْتَرَمٍ (فِي) حَجِّ (الْقَضَاءِ) إلَي آخِرِ الْمَنَاسِك.

(وَ قِيلَ): يفْتَرِقَانِ (فِي الْفَاسِدِ أَيضًا) مِنْ مَوْضِعِ الْخَطِيئَةِ إلَي تَمَامِ مَنَاسِكهِ و هو قَوِي مَرْوِي وَ بِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ، و لو حَجَّا فِي الْقَابِلِ عَلَي غَيرِ تِلْك الطَّرِيقِ فَلَا تَفْرِيقَ، و أن وَصَلَ إلَي مَوْضِعٍ يتَّفِقُ فِيهِ الطَّرِيقَانِ كعَرَفَةَ، مَعَ احْتِمَالِ وُجُوبِ التَّفْرِيقِ فِي الْمُتَّفَقِ مِنْهُ، و لو تَوَقَّفَتْ مُصَاحَبَةُ الثَّالِثِ عَلَي أُجْرَةٍ، أَوْ نَفَقَةٍ وَجَبَتْ عَلَيهِمَا.

(وَلَوْ كانَ مُكرِهًا) لَهَا (تَحَمَّلَ عَنْهَا الْبَدَنَةَ لَا غَيرَ) أَي لَا يجِبُ عَلَيهِ الْقَضَاءُ عَنْهَا، لِعَدَمِ فَسَادِ حَجِّهَا بِالْإِكرَاهِ، كمَا لَا يفْسُدُ حَجُّهُ لَوْ أَكرَهَتْهُ وَ فِي تَحَمُّلِهَا عَنْهُ الْبَدَنَةَ، وَ تَحَمُّلِ الْأَجْنَبِي لَوْ أَكرَهَهُمَا وَجْهَانِ أَقْرَبُهُمَا الْعَدَمُ، لِلْأَصْلِ، و لو تَكرَّرَ الْجِمَاعُ بَعْدَ الْإِفْسَادِ تَكرَّرَتْ الْبَدَنَةُ لَا غَيرَ، سَوَاءٌ كفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ أَمْ لَا.

نَعَمْ لَوْ جَامَعَ فِي الْقَضَاءِ لَزِمَهُ مَا لَزِمَهُ أَوَّلًا، سَوَاءٌ جَعَلْنَاهَا فَرْضَهُ أَمْ عُقُوبَةً، وَ كذَا الْقَوْلُ فِي قَضَاءِ الْقَضَاءِ (وَيجِبُ الْبَدَنَةُ) مِنْ دُونِ الْإِفْسَادِ بِالْجِمَاعِ (بَعْدَ الْمَشْعَرِ إلَي أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ النِّسَاءِ.

وَ الْأَوْلَي) بَلْ الْأَقْوَي (بَعْدَ خَمْسَةٍ) أَي إلَي تَمَامِ الْخَمْسَةِ، أَمَّا بَعْدَهَا فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْبَدَنَةِ وَ جَعْلُهُ الْحُكمَ أَوْلَي يدُلُّ عَلَي اكتِفَائِهِ بِالْأَرْبَعَةِ فِي سُقُوطِهَا، و في الدُّرُوسِ قَطَعَ بِاعْتِبَارِ الْخَمْسَةِ، وَ نَسَبَ اعْتِبَارَ الْأَرْبَعَةِ إلَي الشَّيخِ، وَ الرِّوَايةِ، و هي ضَعِيفَةٌ.

نَعَمْ يكفِي الْأَرْبَعَةُ فِي الْبِنَاءِ عَلَيهِ و أن وَجَبَتْ الْكفَّارَةُ، و لو كانَ قَبْلَ إكمَالِ الْأَرْبَعَةِ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهَا.

(وَلَكنْ لَوْ كانَ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيارَةِ) أَي قَبْلَ إكمَالِهِ و أن بَقِي مِنْهُ خُطْوَةٌ، (وَعَجَزَ عَنْ الْبَدَنَةِ تَخَيرَ بَينَهَا و بين بَقَرَةٍ، أَوْ

شَاةٍ).

لَا وَجْهَ لِلتَّخْييرِ بَينَ الْبَدَنَةِ و غيرهَا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا، فَكانَ الْأَوْلَي أَنَّهُ مَعَ الْعَجْزِ عَنْهَا يجِبُ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ، و في الدُّرُوسِ أَوْجَبَ فِيهِ بَدَنَةً، فَإِنْ عَجَزَ فَشَاةٌ و غيرهُ خَيرَ بَينَ الْبَقَرَةِ وَ الشَّاةِ، وَ النُّصُوصُ خَالِيةٌ عَنْ هَذَا التَّفْصِيلِ لَكنَّهُ مَشْهُورٌ فِي الْجُمْلَةِ عَلَي اخْتِلَافِ تَرْتِيبِهِ.

وَ إِنَّمَا أَطْلَقَ فِي بَعْضِهَا الْجَزُورَ، وَ فِي بَعْضِهَا الشَّاةَ (وَلَوْ جَامَعَ أَمَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ بِإِذْنِهِ مُحِلًّا فَعَلَيهِ بَدَنَةٌ، أَوْ بَقَرَةٌ، أَوْ شَاةٌ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْبَدَنَةِ وَ الْبَقَرَةِ فَشَاةٌ، أَوْ صِيامُ ثَلَاثَةِ أَيامٍ) هَكذَا وَرَدَتْ الرِّوَايةُ وَ أَفْتَي بِهَا الْأَصْحَابُ، و هي شَامِلَةٌ بِإِطْلَاقِهَا مَا لَوْ أَكرَهَهَا، أَوْ طَاوَعَتْهُ، لَكنْ مَعَ مُطَاوَعَتِهَا يجِبُ عَلَيهَا الْكفَّارَةُ أَيضًا بَدَنَةٌ، وَ صَامَتْ عِوَضَهَا ثَمَانِيةَ عَشَرَ يوْمًا مَعَ عِلْمِهَا بِالتَّحْرِيمِ، وَ الا فَلَا شَيءَ عَلَيهَا.

وَ الْمُرَادُ بِإِعْسَارِهِ الْمُوجِبِ لِلشَّاةِ، أَوْ الصِّيامِ إعْسَارُهُ عَنْ الْبَدَنَةِ وَ الْبَقَرَةِ، و لم يقَيدْ فِي الرِّوَايةِ وَ الْفَتْوَي الْجِمَاعَ بِوَقْتٍ، فَيشْمَلُ سَائِرَ أَوْقَاتِ إحْرَامِهَا الَّتِي يحْرُمُ الْجِمَاعُ بِالنِّسْبَةِ إلَيهِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيهَا فَيخْتَلِفُ - الْحُكمُ كالسَّابِقِ، فَلَوْ كانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ فَسَدَ حَجُّهَا مَعَ الْمُطَاوَعَةِ وَ الْعِلْمِ، وَ احْتُرِزَ بِالْمُحْرِمَةِ بِإِذْنِهِ عَمَّا لَوْ فَعَلَتْهُ بِغَيرِهِ، فَإِنَّهُ يلْغُو فَلَا شَيءَ عَلَيهِمَا وَ لَا يلْحَقُ بِهَا الْغُلَامُ الْمُحْرِمُ بِإِذْنِهِ و أن كانَ أَفْحَشَ، لِعَدَمِ النَّصِّ، وَ جَوَازِ اخْتِصَاصِ الْفَاحِشِ بِعَدَمِ الْكفَّارَةِ عُقُوبَةً كسُقُوطِهَا عَنْ مُعَاوِدِ الصَّيدِ عَمْدًا لِلِانْتِقَامِ. (وَلَوْ نَظَرَ إلَي أَجْنَبِيةٍ فَأَمْنَي) مِنْ غَيرِ قَصْدٍ لَهُ وَ لَا عَادَةٍ (فَبَدَنَةٌ لِلْمُوسِرِ) أَي عَلَيهِ، (وَبَقَرَةٌ لِلْمُتَوَسِّطِ، وَ شَاةٌ لِلْمُعْسِرِ)، وَ الْمَرْجِعُ فِي الْمَفْهُومَاتِ الثَّلَاثَةِ إلَي الْعُرْفِ.

وَ قِيلَ: ينْزِلُ ذَلِك عَلَي التَّرْتِيبِ فَتَجِبُ الْبَدَنَةُ عَلَي الْقَادِرِ عَلَيهَا فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا فَالْبَقَرَةُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا فَالشَّاةُ، وَ بِهِ قَطَعَ فِي

الدُّرُوسِ، وَ الرِّوَايةُ تَدُلُّ عَلَي الْأَوَّلِ، وَ فِيهَا أَنَّ الْكفَّارَةَ لِلنَّظَرِ، لَا لِلْإِمْنَاءِ، و لو قَصَدَهُ، أَوْ كانَ مِنْ عَادَتِهِ فَكالْمُسْتَمْنِي وَ سَيأْتِي (وَلَوْ نَظَرَ إلَي زَوْجَتِهِ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَي فَبَدَنَةٌ)، و في الدُّرُوسِ جَزُورٌ.

وَ الظَّاهِرُ إجْزَاؤُهُمَا، (وَبِغَيرِ شَهْوَةٍ لَا شَيءَ) و أن أَمْنَي، مَا لَمْ يقْصِدْهُ أَوْ يعْتَدْهُ، (وَلَوْ مَسَّهَا فَشَاةٌ إنْ كانَ بِشَهْوَةٍ و أن لَمْ يمْنِ، وَ بِغَيرِ شَهْوَةٍ لَا شَيءَ) و أن أَمْنَي، مَا لَمْ يحْصُلْ أَحَدُ الْوَصْفَينِ، (وَفِي تَقْبِيلِهَا بِشَهْوَةٍ جَزُورٌ) أَنْزَلَ، أَمْ لَا، و لو طَاوَعَتْهُ فَعَلَيهَا مِثْلُهُ، (وَبِغَيرِهَا) أَي به غير شَهْوَةٍ (شَاةٌ) أَنْزَلَ، أَمْ لَا، مَعَ عَدَمِ الْوَصْفَينِ. (وَلَوْ أَمْنَي بِالِاسْتِمْنَاءِ، أَوْ بِغَيرِهِ مَنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَصْدُرُ عَنْهُ فَبَدَنَةٌ).

وَ هَلْ يفْسُدُ بِهِ الْحَجُّ مَعَ تَعَمُّدِهِ وَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِهِ؟ قِيلَ: نَعَمْ، و هو الْمَرْوِي مِنْ غَيرِ مُعَارِضٍ وَ ينْبَغِي تَقْييدُهُ بِمَوْضِعٍ يفْسِدُهُ الْجِمَاعُ وَ يسْتَثْنَي مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي عَمَّمَهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تُوجِبُ الْبَدَنَةَ بِالْإِمْنَاءِ و هي كثِيرَةٌ. (وَلَوْ عَقَدَ الْمُحْرِمُ، أَوْ الْمُحِلُّ لِمُحْرِمٍ عَلَي امْرَأَةٍ فَدَخَلَ فَعَلَي كلٍّ مِنْهُمَا) أَي مِنْ الْعَاقِدِ وَ الْمُحْرِمِ الْمَعْقُودِ لَهُ (بَدَنَةٌ)، وَ الْحُكمُ بِذَلِك مَشْهُورٌ، بَلْ كثِيرٌ مِنْهُمْ لَا ينْقُلُ فِيهِ خِلَافًا، وَ مُسْتَنَدُهُ رِوَايةُ سِمَاعَةَ، وَ مَوْضِعُ الشَّك وُجُوبُهَا عَلَي الْعَاقِدِ الْمُحِلِّ، وَ تَضَمَّنَتْ أَيضًا وُجُوبَ الْكفَّارَةِ عَلَي الْمَرْأَةِ الْمُحِلَّةِ مَعَ عِلْمِهَا بِإِحْرَامِ الزَّوْجِ.

وَ فِيهِ إشْكالٌ، لَكنْ هُنَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيهَا.

وَ فِي الْفَرْقِ نَظَرٌ، وَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَي عَدَمِ وُ جُوبِ شَيءٍ عَلَي الْمُحِلِّ فِيهِمَا سِوَي الْإِثْمِ، اسْتِنَادًا إلَي الْأَصْلِ، وَ ضَعْفِ مُسْتَنَدِ الْوُجُوبِ أَوْ بِحَمْلِهِ عَلَي الِاسْتِحْبَابِ، وَ الْعَمَلُ بِالْمَشْهُورِ أَحْوَطُ.

نَعَمْ لَوْ كانَ الثَّلَاثَةُ مُحْرِمِينَ وَجَبَتْ عَلَي الْجَمِيعِ، و لو كانَ الْعَاقِدُ وَ

الْمَرْأَةُ مُحْرِمَينِ خَاصَّةً وَجَبَتْ الْكفَّارَةُ عَلَي الْمَرْأَةِ مَعَ الدُّخُولِ، وَ الْعِلْمِ بِسَبَبِهِ، لَا بِسَبَبِ الْعَقْدِ وَ فِي وُجُوبِهَا عَلَي الْعَاقِدِ الْإِشْكالُ، وَ كذَا الزَّوْجُ (وَالْعُمْرَةُ الْمُفْرَدَةُ إذَا أَفْسَدَهَا) بِالْجِمَاعِ قَبْلَ إكمَالِ سَعْيهَا، أَوْ غَيرِهِ.

(قَضَاهَا فِي الشَّهْرِ الدَّاخِلِ، بِنَاءً عَلَي أَنَّهُ الزَّمَانُ بَينَ الْعُمْرَتَينِ)، و لو جَعَلْنَاهُ عَشَرَةَ أَيامٍ اُعْتُبِرَ بَعْدَهَا.

وَ عَلَي الْأَقْوَي مِنْ عَدَمِ تَحْدِيدِ وَقْتٍ بَينَهُمَا يجُوزُ قَضَاؤُهَا مُعَجِّلًا بَعْدَ إتْمَامِهَا، و أن كانَ الْأَفْضَلُ التَّأْخِيرَ وَ سَيأْتِي تَرْجِيحُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ التَّحْدِيدِ. (وَفِي لُبْسِ الْمَخِيطِ و ما فِي حُكمِهِ شَاةٌ) و أن اُضْطُرَّ، (وَكذَا) تَجِبُ الشَّاةُ (فِي لُبْسِ الْخُفَّينِ)، أَوْ أَحَدِهِمَا، (أَوْ الشُّمِشك) بِضَمِّ الشِّينِ وَ كسْرِ الْمِيمِ، (أَوْ الطِّيبِ، أَوْ حَلْقِ الشَّعْرِ) و أن قَلَّ مَعَ صِدْقِ اسْمِهِ، وَ كذَا إزَالَتُهُ بِنَتْفٍ وَ نُورَةٍ و غيرهِمَا.

(أَوْ قَصَّ الْأَظْفَارَ) أَي أَظْفَارَ يدَيهِ وَ رِجْلَيهِ جَمِيعًا (فِي مَجْلِسٍ، أَوْ يدَيهِ) خَاصَّةً فِي مَجْلِسٍ، (أَوْ رِجْلَيهِ) كذَلِك، (وَإِلَّا فَعَنْ كلِّ ظُفْرٍ مُدٌّ)، و لو كفَّرَ لِمَا لَا يبْلُغُ الشَّاةَ ثُمَّ أَكمَلَ الْيدَينِ، أَوْ الرِّجْلَينِ لَمْ يجِبْ الشَّاةُ، كمَا أَنَّهُ لَوْ كفَّرَ بِشَاةٍ لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ أَكمَلَ الْبَاقِي فِي الْمَجْلِسِ تَعَدَّدَتْ وَ الظَّاهِرُ أَنَّ بَعْضَ الظُّفْرِ كالْكلِّ، إلَّا أَنْ يقُصَّهُ فِي دَفَعَاتٍ مَعَ اتِّحَادِ الْوَقْتِ عُرْفًا فَلَا يتَعَدَّدُ فِدْيتُهُ.

(أَوْ قَلَعَ شَجَرَةً مِنْ الْحَرَمِ صَغِيرَةً) غَيرَ مَا اُسْتُثْنِي، وَ لَا فَرْقَ هُنَا بَينَ الْمُحْرِمِ وَ الْمُحِلِّ، وَ فِي مَعْنَي قَلْعِهَا قَطْعُهَا مِنْ أَصْلِهَا، وَ الْمَرْجِعُ فِي الصَّغِيرَةِ وَ الْكبِيرَةِ إلَي الْعُرْفِ وَ الْحُكمُ بِوُجُوبِ شَيءٍ لِلشَّجَرَةِ مُطْلَقًا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَ مُسْتَنَدُهُ رِوَايةٌ مُرْسَلَةٌ (أَوْ ادَّهَنَ بِمُطَيبٍ) و لو لِضَرُورَةٍ، أَمَّا غَيرُ الْمُطَيبِ فَلَا شَيءَ فِيهِ، و أن أَثِمَ (أَوْ قَلَعَ ضِرْسَهُ) مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيهِ فِي الْمَشْهُورِ وَ الرِّوَايةُ

بِهِ مَقْطُوعَةٌ، و في الحَاقِ السِّنِّ بِهِ وَجْهٌ بَعِيدٌ، و علي الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ لَوْ قَلَعَ مُتَعَدِّدًا فَعَنْ كلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ و أن اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، (أَوْ نَتَفَ إبْطَيهِ) أَوْ حَلَقَهُمَا.

(وَفِي أَحَدِهِمَا إطْعَامُ ثَلَاثَةِ مَسَاكينَ)، أَمَّا لَوْ نَتَفَ بَعْضَ كلٍّ مِنْهُمَا فَأَصَالَةُ الْبَرَاءَةِ تَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ شَيءٍ، و هو مُسْتَثْنًي مِنْ عُمُومِ إزَالَةِ الشَّعْرِ الْمُوجِبِ لِلشَّاةِ، لِعَدَمِ وُجُوبِهَا لِمَجْمُوعِهِ، فَالْبَعْضُ أَوْلَي.

(أَوْ أَفْتَي بِتَقْلِيمِ الظُّفْرِ فَأَدْمَي الْمُسْتَفْتِي).

وَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يشْتَرَطُ كوْنُ الْمُفْتِي مُحْرِمًا، لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَ لَا كوْنُهُ مُجْتَهِدًا نَعَمْ يشْتَرَطُ صَلَاحِيتُهُ لِلْإِفْتَاءِ بِزَعْمِ الْمُسْتَفْتِي، لِيتَحَقَّقَ الْوَصْفُ ظَاهِرًا، و لو تَعَمَّدَ الْمُسْتَفْتِي الْإِدْمَاءَ فَلَا شَيءَ عَلَي الْمُفْتِي.

وَ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ فِي حَقِّهِ نَظَرٌ، وَ قَرَّبَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ الْقَبُولَ، وَ لَا شَيءَ عَلَي الْمُفْتِي فِي غَيرِ ذَلِك، لِلْأَصْلِ مَعَ احْتِمَالِهِ (أَوْ جَادَلَ) بِأَنْ حَلَفَ بِإِحْدَي الصِّيغَتَينِ، أَوْ مُطْلَقًا (ثَلَاثًا صَادِقًا) مِنْ غَيرِ ضَرُورَةٍ إلَيهِ كإِثْبَاتِ حَقٍّ، أَوْ دَفْعِ بَاطِلٍ يتَوَقَّفُ عَلَيهِ و لو زَادَ الصَّادِقُ عَنْ ثَلَاثٍ و لم يتَخَلَّلْ التَّكفِيرُ فَوَاحِدَةٌ عَنْ الْجَمِيعِ.

وَ مَعَ تَخَلُّلِهِ فَلِكلِّ ثَلَاثٍ شَاةٌ.

(أَوْ وَاحِدَةٌ كاذِبًا، وَ فِي اثْنَتَينِ كاذِبًا بَقَرَةٌ، و في الثَّلَاثِ) فَصَاعِدًا (بَدَنَةٌ) إنْ لَمْ يكفِّرْ عَنْ السَّابِقِ، فَلَوْ كفَّرَ عَنْ كلِّ وَاحِدَةٍ فَالشَّاةُ، أَوْ اثْنَتَينِ فَالْبَقَرَةُ وَ الضَّابِطُ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ السَّابِقِ ابْتِدَاءً، أَوْ بَعْدَ التَّكفِيرِ فَلِلْوَاحِدَةِ شَاةٌ، وَ لِلِاثْنَتَينِ بَقَرَةٌ، وَ لِلثَّلَاثِ بَدَنَةٌ. (وَفِي الشَّجَرَةِ الْكبِيرَةِ عُرْفًا بَقَرَةٌ) فِي الْمَشْهُورِ، وَ يكفِي فِيهَا و في الصَّغِيرَةِ كوْنُ شَيءٍ مِنْهَا فِي الْحَرَمِ سَوَاءٌ كانَ أَصْلَهَا أَمْ فَرْعَهَا، وَ لَا كفَّارَةَ فِي قَلْعِ الْحَشِيشِ و أن أَثِمَ فِي غَيرِ الْإِذْخِرِ و ما أَنْبَتَهُ الْآدَمِي، وَ مَحَلُّ التَّحْرِيمِ فِيهِمَا الِاخْضِرَارُ، أَمَّا الْيابِسُ فَيجُوزُ قَطْعُهُ مُطْلَقًا، لَا قَلْعُهُ إنْ كانَ أَصْلُهُ ثَابِتًا.

(وَلَوْ

عَجَزَ عَنْ الشَّاةِ فِي كفَّارَةِ الصَّيدِ)

الَّتِي لَا نَصَّ عَلَي بَدَلِهَا (فَعَلَيهِ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكينَ) لِكلِّ مِسْكينٍ مُدٌّ، (فَإِنْ عَجَزَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيامٍ)، و ليس فِي الرِّوَايةِ الَّتِي هِي مُسْتَنَدُ الْحُكمِ تَقْييدٌ بِالصَّيدِ فَتَدْخُلُ الشَّاةُ الْوَاجِبَةُ بِغَيرِهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ (وَيتَخَيرُ بَينَ شَاةِ الْحَلْقِ لِأَذًي، أَوْ غَيرِهِ، و بين إطْعَامِ عَشَرَةِ) مَسَاكينَ (لِكلِّ وَاحِدٍ مُدٌّ، أَوْ صِيامِ ثَلَاثَةِ) أَيامٍ.

أَمَّا غَيرُهَا فَلَا ينْتَقِلُ إلَيهِمَا إلَّا مَعَ الْعَجْزِ عَنْهَا، إلَّا فِي شَاةِ وَطْءِ الْأَمَةِ فَيتَخَيرُ بَينَهَا و بين الصِّيامِ كمَا مَرَّ. (وَفِي شَعْرٍ سَقَطَ مَنْ لِحْيتِهِ، أَوْ رَأْسِهِ) قَلَّ أَمْ كثُرَ (بِمَسِّهِ كفٌّ مِنْ طَعَامٍ.

وَ لَوْ كانَ فِي الْوُضُوءِ) وَاجِبًا أَمْ مَنْدُوبًا (فَلَا شَيءَ) وَ اَلحَقَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ الْغُسْلَ و هو خَارِجٌ عَنْ مَوْرِدِ النَّصِّ، وَ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ فِعْلٌ وَاجِبٌ فَلَا يتَعَقَّبُهُ فِدْيةٌ يوجِبُ إلْحَاقَ التَّيمُّمِ وَ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ بِهِمَا وَ لَا يقُولُ بِهِ

(وَتَتَكرَّرُ الْكفَّارَاتُ بِتَكرُّرِ الصَّيدِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا)

، أَمَّا السَّهْوُ فَمَوْضِعُ وِفَاقٍ، و أمّا تَكرُّرُهُ عَمْدًا فَوَجْهُهُ صِدْقُ اسْمِهِ الْمُوجِبُ لَهُ، وَ الانْتِقَامُ مِنْهُ غَيرُ مُنَافٍ لَهَا، لِإِمْكانِ الْجَمْعِ بَينَهُمَا.

وَ الْأَقْوَي عَدَمُهُ وَ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الشَّرْحِ، لِلنَّصِّ عَلَيهِ صَرِيحًا فِي صَحِيحَةِ ابْنِ أَبِي عُمَيرٍ مُفَسِّرًا بِهِ الْآيةَ، و أن كانَ الْقَوْلُ بِالتَّكرَارِ أَحْوَطَ.

وَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ الْعَمْدُ بَعْدَ الْعَمْدِ، أَمَّا بَعْدَ الْخَطَأِ، أَوْ بِالْعَكسِ فَيتَكرَّرُ قَطْعًا، وَ يعْتَبَرُ كوْنُهُ فِي إحْرَامٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي التَّمَتُّعِ مُطْلَقًا.

أَمَّا لَوْ تَعَدَّدَ فِي غَيرِهِ تَكرَّرَتْ.

(وَبِتَكرُّرِ اللُّبْسِ) لِلْمِخْيطِ (فِي مَجَالِسَ)، فَلَوْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ لَمْ يتَكرَّرْ اتَّحَدَ جِنْسُ الْمَلْبُوسِ، أَمْ اخْتَلَفَ، لَبِسَهَا دَفْعَةً، أَمْ عَلَي التَّعَاقُبِ طَالَ الْمَجْلِسُ، أَمْ قَصُرَ، (وَ) بِتَكرُّرِ (الْحَلْقِ فِي أَوْقَاتٍ) مُتَكثِّرَةٍ عُرْفًا و أن اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، (وَإِلَّا فَلَا) يتَكرَّرُ.

وَ فِي الدُّرُوسِ جَعَلَ ضَابِطَ تَكرُّرِهَا فِي الْحَلْقِ،

وَ اللُّبْسِ، وَ الطِّيبِ، وَ الْقُبْلَةِ تَعَدُّدُ الْوَقْتِ، وَ نَقَلَ مَا هُنَا عَنْ الْمُحَقِّقِ و لم يتَعَرَّضْ لِتَكرُّرِ سَتْرِ ظَهْرِ الْقَدَمِ وَ الرَّأْسِ.

وَ الْأَقْوَي فِي ذَلِك كلِّهِ تَكرُّرُهَا بِتَكرُّرِهِ مُطْلَقًا، مَعَ تَعَاقُبِ الِاسْتِعْمَالِ لُبْسًا وَ طِيبًا، وَ سِتْرًا، وَ حَلْقًا، وَ تَغْطِيةً لِلرَّأْسِ و أن اتَّحَدَ الْوَقْتُ وَ الْمَجْلِسُ، وَ عَدَمُهُ مَعَ إيقَاعِهَا دَفْعَةً بِأَنْ جَمَعَ مِنْ الثِّيابِ جُمْلَةً وَ وَضَعَهَا عَلَي بَدَنِهِ و أن اخْتَلَفَتْ أَصْنَافُهَا.

(وَلَا كفَّارَةَ عَلَي الْجَاهِلِ وَ النَّاسِي فِي غَيرِ الصَّيدِ)

، أَمَّا فِيهِ فَتَجِبُ مُطْلَقًا، حَتَّي عَلَي غَيرِ الْمُكلَّفِ بِمَعْنَي اللُّزُومِ فِي مَالِهِ، أَوْ عَلَي الْوَلِي.

(وَيجُوزُ تَخْلِيةُ الْإِبِلِ) و غيرهَا مِنْ الدَّوَابِّ (لِلرَّعْي فِي الْحَرَمِ)، و إنّما يحْرُمُ مُبَاشَرَةُ قَطْعِهِ عَلَي الْمُكلَّفِ مُحْرِمًا و غيرهُ

الْفَصْلُ السَّابِعُ: (فِي الْإِحْصَارِ وَ الصَّدِّ

الْفَصْلُ السَّابِعُ: (فِي الْإِحْصَارِ وَ الصَّدِّ)

أَصْلُ الْحَصْرِ: الْمَنْعُ وَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَنْعُ النَّاسِك بِالْمَرَضِ عَنْ نُسُك يفُوتُ الْحَجُّ، أَوْ الْعُمْرَةُ بِفَوَاتِهِ مُطْلَقًا كالْمَوْقِفَينِ، أَوْ عَنْ النُّسُك الْمُحَلَّلِ عَلَي تَفْصِيلٍ يأْتِي، وَ الصَّدُّ بِالْعَدُوِّ و ما فِي مَعْنَاهُ، مَعَ قُدْرَةِ النَّاسِك بِحَسَبِ ذَاتِهِ عَلَي الْإِكمَالِ، وَ هُمَا يشْتَرِكانِ فِي ثُبُوتِ أَصْلِ التَّحَلُّلِ بِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ، وَ يفْتَرِقَانِ فِي عُمُومِ التَّحَلُّلِ فَإِنَّ الْمَصْدُودَ يحِلُّ لَهُ بِالْمُحَلَّلِ كلَّمَا حَرَّمَهُ الْإِحْرَامُ، وَ الْمُحْصِرُ مَا عَدَا النِّسَاءِ، وَ فِي مَكانِ ذَبْحِ هَدْي التَّحَلُّلِ فَالْمَصْدُودُ يذْبَحُهُ، أَوْ ينْحَرُهُ حَيثُ وُجِدَ الْمَانِعُ، وَ الْمُحْصِرُ يبْعَثُهُ إلَي مَحِلِّهِ بِمَكةَ وَ مِنًي.

وَ فِي إفَادَةِ الِاشْتِرَاطِ تَعْجِيلُ التَّحَلُّلِ لِلْمُحْصِرِ، دُونَ الْمَصْدُودِ، لِجَوَازِهِ بِدُونِ الشَّرْطِ.

وَ قَدْ يجْتَمِعَانِ عَلَي الْمُكلَّفِ بِأَنْ يمْرَضَ وَ يصُدَّهُ الْعَدُوُّ فَيتَخَيرُ فِي أَخْذِ حُكمِ مَا شَاءَ مِنْهُمَا، وَ أَخْذِ الْأَخَفِّ مِنْ أَحْكامِهِمَا، لِصِدْقِ الْوَصْفَينِ الْمُوجِبِ لِلْأَخْذِ بِالْحُكمِ، سَوَاءٌ عَرَضَا دَفْعَةً، أَمْ مُتَعَاقِبَينِ (وَمَتَي أُحْصِرَ الْحَاجُّ بِالْمَرَضِ عَنْ الْمَوْقِفَينِ) مَعًا، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا

مَعَ فَوَاتِ الْآخَرِ أَوْ عَنْ الْمَشْعَرِ مَعَ إدْرَاك اضْطِرَارَي عَرَفَةَ خَاصَّةً، دُونَ الْعَكسِ.

وَ بِالْجُمْلَةِ مَتَي أُحْصِرَ عَمَّا يفُوتُ بِفَوَاتِهِ الْحَجُّ، (أَوْ) أُحْصِرَ (الْمُعْتَمِرُ عَنْ مَكةَ)، أَوْ عَنْ الْأَفْعَالِ بِهَا و أن دَخَلَهَا (بَعَثَ) كلٌّ مِنْهُمَا (مَا سَاقَهُ) إنْ كانَ قَدْ سَاقَ هَدْيا، (أَوْ) بَعَثَ (هَدْيا، أَوْ ثَمَنَهُ) إنْ لَمْ يكنْ سَاقَ.

وَ الِاجْتِزَاءُ بِالْمَسُوقِ مُطْلَقًا هُوَ الْمَشْهُورُ، لِأَنَّهُ هَدْي مُسْتَيسَرٌ.

الْأَقْوَي عَدَمُ التَّدَاخُلِ إنْ كانَ السِّياقُ وَاجِبًا و لو بِالْإِشْعَارِ، أَوْ التَّقْلِيدِ لِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيةِ لِتَعَدُّدِ الْمُسَبَّبِ، نَعَمْ لَوْ لَمْ يتَعَينْ ذَبْحُهُ كفَي، إلَّا أَنَّ إطْلَاقَ هَدْي السِّياقِ حِينَئِذٍ عَلَيهِ مَجَازٌ.

وَ إِذَا بَعَثَ وَ اعَدَ نَائِبَهُ وَقْتًا مُعَينًا (لِذَبْحِهِ)، أَوْ نَحْرِهِ.

(فَإِذَا بَلَغَ الْهَدْي مَحِلَّهُ، و هي مِنًي إنْ كانَ حَاجًّا، وَ مَكةُ إنْ كانَ مُعْتَمِرًا)، وَ وَقْتُ الْمُوَاعَدَةِ (حَلَقَ، أَوْ قَصَّرَ وَ تَحَلَّلَ بِنِيتِهِ إلَّا مِنْ النِّسَاءِ حَتَّي يحُجَّ) فِي الْقَابِلِ، أَوْ يعْتَمِرَ مُطْلَقًا (إنْ كانَ) النُّسُك الَّذِي دَخَلَ فِيهِ (وَاجِبًا) مُسْتَقِرًّا، (أَوْ يطَافُ عَنْهُ لِلنِّسَاءِ) مَعَ وُجُوبِ طَوَافِهِنَّ فِي ذَلِك النُّسُك (إنْ كانَ نَدْبًا)، أَوْ وَاجِبًا غَيرَ مُسْتَقِرٍّ بِأَنْ اسْتَطَاعَ لَهُ فِي عَامِهِ (وَلَا يسْقُطُ الْهَدْي) الَّذِي يتَحَلَّلُ بِهِ (بِالِاشْتِرَاطِ) وَقْتَ الْإِحْرَامِ أَنْ يحِلَّهُ حَيثُ حَبَسَهُ كمَا سَلَفَ، (نَعَمْ لَهُ تَعْجِيلُ التَّحَلُّلِ) مَعَ الِاشْتِرَاطِ مِنْ غَيرِ انْتِظَارِ بُلُوغِ الْهَدْي مَحِلَّهُ.

وَ هَذِهِ فَائِدَةُ الِاشْتِرَاطِ فِيهِ.

وَ أَمَّا فَائِدَتُهُ فِي الْمَصْدُودِ فَمُنْتَفِيةٌ لِجَوَازِ تَعْجِيلِهِ التَّحَلُّلَ بِدُونِ الشَّرْطِ.

وَ قِيلَ: إنَّهَا سُقُوطُ الْهَدْي، وَ قِيلَ: سُقُوطُ الْقَضَاءِ عَلَي تَقْدِيرِ وُجُوبِهِ بِدُونِهِ وَ الْأَقْوَي أَنَّهُ تَعَبُّدٌ شَرْعِي، وَدُعَاءٌ مَنْدُوبٌ، إذْ لَا دَلِيلَ عَلَي مَا ذَكرُوهُ مِنْ الْفَوَائِدِ. (وَلَا يبْطُلُ تَحَلُّلُهُ) الَّذِي أَوْقَعَهُ بِالْمُوَاعَدَةِ (لَوْ ظَهَرَ عَدَمُ ذَبْحِ الْهَدْي) وَقْتَ الْمُوَاعَدَةِ وَ لَا بَعْدَهُ، لِامْتِثَالِهِ الْمَأْمُورَ الْمُقْتَضِي لِوُقُوعِهِ مُجْزِيا يتَرَتَّبُ عَلَيهِ أَثَرُهُ، (وَيبْعَثُهُ

فِي الْقَابِلِ) لِفَوَاتِ وَقْتِهِ فِي عَامِ الْحَصْرِ، (وَلَا يجِبُ الْإِمْسَاك عِنْدَ بَعْثِهِ) عَمَّا يمْسِكهُ الْمُحْرِمُ إلَي أَنْ يبْلُغَ مَحِلَّهُ.

(عَلَي الْأَقْوَي)، لِزَوَالِ الْإِحْرَامِ بِالتَّحَلُّلِ السَّابِقِ، وَ الْإِمْسَاك تَابِعٌ لَهُ.

وَ الْمَشْهُورُ وُجُوبُهُ لِصَحِيحَةِ مُعَاوِيةَ بْنِ عَمَّارٍ، " يبْعَثُ مِنْ قَابِلٍ وَ يمْسِك أَيضًا "، و في الدُّرُوسِ اقْتَصَرَ عَلَي الْمَشْهُورِ.

وَ يمْكنُ حَمْلُ الرِّوَايةِ عَلَي الِاسْتِحْبَابِ كإِمْسَاك بَاعِثٍ هَدْيهُ مِنْ الْآفَاقِ تَبَرُّعًا.

(وَلَوْ زَالَ عُذْرُهُ اُلْتُحِقَ) وُجُوبًا و أن بَعَثَ هَدْيهُ (فَإِنْ أَدْرَك، وَ الا تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ) و أن ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ هَدْيهُ عَلَي الْأَقْوَي، لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْهَدْي مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ التَّمَكنِ مِنْ الْعُمْرَةِ، فَإِذَا حَصَلَ انْحَصَرَ فِيهِ.

وَ وَجْهُ الْعَدَمِ الْحُكمُ بِكوْنِهِ مُحَلَّلًا قَبْلَ التَّمَكنِ وَ امْتِثَالِ الْأَمْرِ الْمُقْتَضِي لَهُ (وَمَنْ صُدَّ بِالْعَدْوِ عَمَّا ذَكرْنَاهُ) عَنْ الْمَوْقِفَينِ وَ مَكةَ (وَلَا طَرِيقَ غَيرُهُ) أَي غَيرُ الْمَصْدُودِ عَنْهُ، (أَوْ) لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ و لكن (لَا نَفَقَةَ لَهُ) تَبْلُغُهُ و لم يرْجُ زَوَالَ الْمَانِعِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ (ذَبَحَ هَدْيهُ) الْمَسُوقَ، أَوْ غَيرَهُ كمَا تَقَرَّرَ، (وَقَصَّرَ، أَوْ حَلَقَ وَ تَحَلَّلَ حَيثُ صُدَّ حَتَّي مِنْ النِّسَاءِ مِنْ غَيرِ تَرَبُّصٍ)، وَ لَا انْتِظَارِ طَوَافِهِنَّ. (وَلَوْ أُحْصِرَ عَنْ عُمْرَةِ التَّمَتُّعِ فَتَحَلَّلَ فَالظَّاهِرُ حِلُّ النِّسَاءِ أَيضًا)، إذْ لَا طَوَافَ لَهُنَّ بِهَا حَتَّي يتَوَقَّفَ حِلُّهُنَّ عَلَيهِ.

وَ وَجْهُ التَّوَقُّفِ عَلَيهِ إطْلَاقُ الْأَخْبَارِ بِتَوَقُّفِ حِلِّهِنَّ عَلَيهِ مِنْ غَيرِ تَفْصِيلٍ.

وَ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ و غيرهُ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِتَحَقُّقِ الصَّدِّ وَ الْحَصْرِ بِفَوَاتِ الْمَوْقِفَينِ وَ مَكةَ فِي الْحَجِّ وَ الْعُمْرَةِ، وَ أَطْبَقُوا عَلَي عَدَمِ تَحَقُّقِهِ بِالْمَنْعِ عَنْ الْمَبِيتِ بِمِنًي وَ رَمْي الْجِمَارِ، بَلْ يسْتَنِيبُ فِي الرَّمْي فِي وَقْتِهِ إنْ أَمْكنَ وَ الا قَضَاهُ فِي الْقَابِلِ.

وَ بَقِي أُمُورٌ مِنْهَا مَنْعُ الْحَاجِّ عَنْ مَنَاسِك مِنًي يوْمَ النَّحْرِ إذَا لَمْ يمْكنْهُ الِاسْتِنَابَةُ فِي الرَّمْي وَ الذَّبْحِ،

وَ فِي تَحَقُّقِهِمَا بِهِ نَظَرٌ.

مِنْ إطْلَاقِ النَّصِّ وَ أَصَالَةِ الْبَقَاءِ أَمَّا لَوْ أَمْكنَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِمَا فَعَلَ وَ حَلَقَ، أَوْ قَصَّرَ مَكانَهُ وَ تَحَلَّلَ وَ أَتَمَّ بَاقِي الْأَفْعَالِ.

وَ مِنْهَا الْمَنْعُ عَنْ مَكةَ وَ أَفْعَالِ مِنًي مَعًا، وَ أَوْلَي بِالْجَوَازِ هُنَا لَوْ قِيلَ بِهِ ثَمَّ وَ الْأَقْوَي تَحَقُّقُهُ هُنَا لِلْعُمُومِ.

وَ مِنْهَا الْمَنْعُ عَنْ مَكةَ خَاصَّةً بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِمِنًي.

وَ الْأَقْوَي عَدَمُ تَحَقُّقِهِ فَيبْقَي عَلَي إحْرَامِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَي الصَّيدِ وَ الطِّيبِ وَ النِّسَاءِ إلَي أَنْ يأْتِي بِبَقِيةِ الْأَفْعَالِ، أَوْ يسْتَنِيبَ فِيهَا حَيثُ يجُوزُ، وَ يحْتَمَلُ مَعَ خُرُوجِ ذِي الْحِجَّةِ التَّحَلُّلُ بِالْهَدْي، لِمَا فِي التَّأْخِيرِ إلَي الْقَابِلِ مِنْ الْحَرَجِ.

وَ مِنْهَا مَنْعُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَفْعَالِ مَكةَ بَعْدَ دُخُولِهَا و قد أَسْلَفْنَا أَنَّ حُكمَهُ حُكمُ الْمَنْعِ عَنْ مَكةَ، لِانْتِفَاءِ الْغَايةِ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ وَ مِنْهَا الصَّدُّ عَنْ الطَّوَافِ خَاصَّةً فِيهَا و في الحَجِّ وَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يسْتَنِيبُ فِيهِ كالْمَرِيضِ مَعَ الْإِمْكانِ، وَ الا بَقِي عَلَي إحْرَامِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَي مَا يحَلِّلُهُ إلَي أَنْ يقْدِرَ عَلَيهِ، أَوْ عَلَي الِاسْتِنَابَةِ.

وَ مِنْهَا الصَّدُّ عَنْ السَّعْي خَاصَّةً، فَإِنَّهُ مُحَلِّلٌ فِي الْعُمْرَةِ مُطْلَقًا، و في الحَجِّ عَلَي بَعْضِ الْوُجُوهِ و قد تَقَدَّمَ، و حكمهُ كالطَّوَافِ، وَ احْتَمَلَ فِي الدُّرُوسِ التَّحَلُّلَ مِنْهُ فِي الْعُمْرَةِ، لِعَدَمِ إفَادَةِ الطَّوَافِ شَيئًا وَ كذَا الْقَوْلُ فِي عُمْرَةِ الْإِفْرَادِ لَوْ صُدَّ عَنْ طَوَافِ النِّسَاءِ.

وَ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ أَقْوَي مِنْ التَّحَلُّلِ، و هذه الْفُرُوضُ يمْكنُ فِي الْحَصْرِ مُطْلَقًا، و في الصَّدِّ، إذَا كانَ خَاصًّا، إذْ لَا فَرْقَ فِيهِ بَينَ الْعَامِّ وَ الْخَاصِّ بِالنِّسْبَةِ إلَي الْمَصْدُودِ، كمَا لَوْ حَبَسَ بَعْضُ الْحَاجِّ و لو بِحَقٍّ يعْجَزُ عَنْهُ، أَوْ اتَّفَقَ لَهُ فِي تِلْك الْمَشَاعِرِ مَنْ يخَافُهُ.

وَ لَوْ قِيلَ بِجَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ فِي كلِّ فِعْلٍ يقْبَلُ النِّيابَةَ حِينَئِذٍ كالطَّوَافِ وَ السَّعْي وَ

الرَّمْي وَ الذَّبْحِ وَ الصَّلَاةِ كانَ حَسَنًا، لَكنْ يسْتَثْنَي مِنْهُ مَا اتَّفَقُوا عَلَي تَحَقُّقِ الصَّدِّ وَ الْحَصْرِ بِهِ كهَذِهِ الْأَفْعَالِ لِلْمُعْتَمِرِ.

خَاتِمَةٌ: (تَجِبُ الْعُمْرَةُ عَلَي الْمُسْتَطِيعِ

خَاتِمَةٌ: (تَجِبُ الْعُمْرَةُ عَلَي الْمُسْتَطِيعِ) إلَيهَا سَبِيلًا

(بِشُرُوطِ الْحَجِّ) و أن اسْتَطَاعَ إلَيهَا خَاصَّةً، إلَّا أَنْ تَكونَ عُمْرَةَ تَمَتُّعٍ فَيشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الِاسْتِطَاعَةُ لَهُمَا مَعًا، لِارْتِبَاطِ كلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، وَ تَجِبُ أَيضًا بِأَسْبَابِهِ الْمُوجِبَةِ لَهُ لَوْ اتَّفَقَتْ لَهَا كالنَّذْرِ وَ شَبَهِهِ وَ الاسْتِئْجَارِ وَ الْإِفْسَادِ، وَ تَزِيدُ عَنْهُ بِفَوَاتِ الْحَجِّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَ يشْتَرِكانِ أَيضًا فِي وُجُوبِ أَحَدِهِمَا تَخْييرًا لِدُخُولِ مَكةَ لِغَيرِ الْمُتَكرِّرِ، وَ الدَّاخِلِ لِقِتَالٍ، وَ الدَّاخِلِ عَقِيبَ إحْلَالٍ مِنْ إحْرَامٍ، وَ لَمَّا يمْضِ شَهْرٌ مُنْذُ الْإِحْلَالِ، لَا الْإِهْلَالِ. (وَيؤَخِّرُهَا الْقَارِنُ وَ الْمُفْرِدُ) عَنْ الْحَجِّ مُبَادِرًا بِهَا عَلَي الْفَوْرِ وُجُوبًا كالْحَجِّ.

وَ فِي الدُّرُوسِ جَوَّزَ تَأْخِيرَهَا إلَي اسْتِقْبَالِ الْمُحْرِمِ، و ليس مُنَافِيا لِلْفَوْرِ، (وَلَا تَتَعَينُ) الْعُمْرَةُ بِالْأَصَالَةِ (بِزَمَانٍ مَخْصُوصٍ) وَاجِبَةً وَ مَنْدُوبَةً، و أن وَجَبَ الْفَوْرُ بِالْوَاجِبَةِ عَلَي بَعْضِ الْوُجُوهِ، إلَّا أَنَّ ذَلِك لَيسَ تَعْيينًا لِلزَّمَانِ.

وَ قَدْ يتَعَينُ زَمَانُهَا بِنَذْرٍ وَ شَبَهِهِ، (وَهِي مُسْتَحَبَّةٌ مَعَ قَضَاءِ الْفَرِيضَةِ فِي كلِّ شَهْرٍ) عَلَي أَصَحِّ الرِّوَاياتِ.

(وَ قِيلَ: لَا حَدَّ) لِلْمُدَّةِ بَينَ الْعُمْرَتَينِ (وَهُوَ حَسَنٌ)، لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَينَ الْأَخْبَارِ الدَّالِّ بَعْضُهَا عَلَي الشَّهْرِ، وَ بَعْضُهَا عَلَي السَّنَةِ، وَ بَعْضُهَا عَلَي عَشَرَةِ أَيامٍ بِتَنْزِيلِ ذَلِك عَلَي مَرَاتِبِ الِاسْتِحْبَابِ.

فَالْأَفْضَلُ الْفَصْلُ بَينَهُمَا بِعَشَرَةِ أَيامٍ، وَ أَكمَلُ مِنْهُ بِشَهْرٍ.

وَ أَكثَرُ مَا ينْبَغِي أَنْ يكونَ بَينَهُمَا السَّنَةُ، و في التَّقْييدِ بِقَضَاءِ الْفَرِيضَةِ إشَارَةٌ إلَي عَدَمِ جَوَازِهَا نَدْبًا مَعَ تَعَلُّقِهَا بِذِمَّتِهِ وُجُوبًا، لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لِلْمُفْرَدَةِ نَدْبًا يقْتَضِي الِاسْتِطَاعَةَ وُجُوبًا غَالِبًا، وَ مَعَ ذَلِك يمْكنُ تَخَلُّفُهُ لِمُتَكلِّفِهَا حَيثُ يفْتَقِرُ إلَي مُؤْنَةٍ لِقَطْعِ الْمَسَافَةِ و هي مَفْقُودَةٌ، وَ كذَا لَوْ اسْتَطَاعَ إلَيهَا وَ الي حَجَّتِهَا و

لم تَدْخُلْ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا يخَاطَبُ حِينَئِذٍ بِالْوَاجِبِ فَكيفَ يمْنَعُ مِنْ الْمَنْدُوبِ، إذْ لَا يمْكنُ فِعْلُهَا وَاجِبًا، إلَّا بَعْدَ فِعْلِ الْحَجِّ.

وَ هَذَا الْبَحْثُ كلُّهُ فِي الْمُفْرَدَةِ.

7 - كتاب الجهاد

التمهيد

كتَابُ الْجِهَادِ (وَهُوَ أَقْسَامٌ)

جِهَادُ الْمُشْرِكينَ ابْتِدَاءً لِدُعَائِهِمْ إلَي الْإِسْلَامِ.

وَ جِهَادُ مَنْ يدْهَمُ عَلَي الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْكفَّارِ بِحَيثُ يخَافُونَ اسْتِيلَاءَهُمْ عَلَي بِلَادِهِمْ، أَوْ أَخْذَ مَالِهِمْ و ما أَشْبَهَهُ و أن قَلَّ، وَ جِهَادُ مَنْ يرِيدُ قَتْلَ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ، أَوْ أَخْذَ مَالَ، أَوْ سَبْي حَرِيمٍ مُطْلَقًا، و منه جِهَادُ الْأَسِيرِ بَينَ الْمُشْرِكينَ لِلْمُسْلِمِينَ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ.

وَ رُبَّمَا أُطْلِقَ عَلَي هَذَا الْقِسْمِ الدِّفَاعُ، لَا الْجِهَادُ، و هو أَوْلَي، وَ جِهَادُ الْبُغَاةِ عَلَي الْإِمَامِ وَ الْبَحْثُ هُنَا عَنْ الْأَوَّلِ، وَ اسْتَطْرَدَ ذِكرَ الثَّانِي مِنْ غَيرِ اسْتِيفَاءٍ، وَ ذَكرَ الرَّابِعَ فِي آخِرِ الْكتَابِ، وَ الثَّالِثَ فِي كتَابِ الْحُدُودِ. (وَيجِبُ عَلَي الْكفَايةِ) بِمَعْنَي وُجُوبِهِ عَلَي الْجَمِيعِ إلَي أَنْ يقُومَ بِهِ مِنْهُمْ مَنْ فِيهِ الْكفَايةُ، فَيسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ.

سُقُوطًا مُرَاعًي بِاسْتِمْرَارِ الْقَائِمِ بِهِ إلَي أَنْ يحْصُلَ الْغَرَضُ الْمَطْلُوبُ بِهِ شَرْعًا، و قد يتَعَينُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ عَلَيهِ السَّلَامُ لِأَحَدٍ عَلَي الْخُصُوصِ و أن قَامَ بِهِ مَنْ كانَ فِيهِ كفَايةٌ وَ تَخْتَلِفُ الْكفَايةُ (بِحَسَبِ الْحَاجَةِ) بِسَبَبِ كثْرَةِ الْمُشْرِكينَ، وَ قِلَّتِهِمْ، وَ قُوَّتِهِمْ وَ ضَعْفِهِمْ.

(وَأَقَلُّهُ مَرَّةٌ فِي كلِّ عَامٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَي: { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكينَ }، أَوْجَبَ بَعْدَ انْسِلَاخِهَا الْجِهَادَ وَ جَعَلَهُ شَرْطًا فَيجِبُ كلَّمَا وُجِدَ الشَّرْطُ، وَ لَا يتَكرَّرُ بَعْدَ ذَلِك بَقِيةَ الْعَامِ، لِعَدَمِ إفَادَةِ مُطْلَقِ الْأَمْرِ التَّكرَارَ.

وَ فِيهِ نَظَرٌ يظْهَرُ مِنْ التَّعْلِيلِ هَذَا مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَي الزِّيادَةِ عَلَيهَا فِي السَّنَةِ، وَ الا وَجَبَ بِحَسَبِهَا، وَ عَدَمِ الْعَجْزِ عَنْهَا فِيهَا، أَوْ رُؤْيةِ الْإِمَامِ عَدَمَهُ صَلَاحًا.

وَ إِلَّا جَازَ التَّأْخِيرُ بِحَسَبِهِ و إنّما يجِبُ الْجِهَادُ (بِشَرْطِ

الْإِمَامِ الْعَادِلِ، أَوْ نَائِبِهِ) الْخَاصِّ و هو الْمَنْصُوبُ لِلْجِهَادِ، أَوْ لِمَا هُوَ أَعَمُّ، أَمَّا الْعَامُّ كالْفَقِيهِ فَلَا يجُوزُ لَهُ تَوَلِّيهِ حَالَ الْغَيبَةِ بِالْمَعْنَي الْأَوَّلِ، وَ لَا يشْتَرَطُ فِي جَوَازِهِ بِغَيرِهِ مِنْ الْمَعَانِي (أَوْ هُجُومِ عَدُوٍّ) عَلَي الْمُسْلِمِينَ (يخْشَي مِنْهُ عَلَي بَيضَةِ الْإِسْلَامِ) و هي أَصْلُهُ وَ مُجْتَمَعُهُ فَيجِبُ حِينَئِذٍ به غير إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ.

وَ يفْهَمُ مِنْ الْقَيدِ كوْنُهُ كافِرًا، إذْ لَا يخْشَي مِنْ الْمُسْلِمِ عَلَي الْإِسْلَامِ نَفْسِهِ و أن كانَ مُبْدِعًا، نَعَمْ لَوْ خَافُوا عَلَي أَنْفُسِهِمْ وَجَبَ عَلَيهِمْ الدِّفَاعُ و لو خِيفَ عَلَي بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَيهِ، فَإِنْ عَجَزَ وَجَبَ عَلَي مَنْ يلِيهِ مُسَاعَدَتُهُ، فَإِنْ عَجَزَ الْجَمِيعُ وَجَبَ عَلَي مَنْ بَعُدَ، وَ يتَأَكدُ عَلَي الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كفَايةً (وَيشْتَرَطُ) فِي مَنْ يجِبُ عَلَيهِ الْجِهَادُ بِالْمَعْنَي الْأَوَّلِ (الْبُلُوغُ وَ الْعَقْلُ وَ الْحُرِّيةُ وَ الْبَصَرُ وَ السَّلَامَةُ مِنْ الْمَرَضِ) الْمَانِعِ مِنْ الرُّكوبِ وَ الْعَدْوِ، (وَالْعَرَجِ) الْبَالِغِ حَدَّ الْإِقْعَادِ، أَوْ الْمُوجِبِ لِمَشَقَّةٍ فِي السَّعْي لَا تُتَحَمَّلُ عَادَةً، وَ فِي حُكمِهِ الشَّيخُوخَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ الْقِيامِ بِهِ، (وَالْفَقْرِ) الْمُوجِبِ لِلْعَجْزِ عَنْ نَفَقَتِهِ وَ نَفَقَةِ عِيالِهِ، وَ طَرِيقِهِ، وَ ثَمَنِ سِلَاحِهِ، فَلَا يجِبُ عَلَي الصَّبِي وَ الْمَجْنُونِ مُطْلَقًا، وَ لَا عَلَي الْعَبْدِ و أن كانَ مُبَعَّضًا، وَ لَا عَلَي الْأَعْمَي و أن وَجَدَ قَائِدًا وَ مَطِيةً، وَ كذَا الْأَعْرَجُ.

وَ كانَ عَلَيهِ أَنْ يذْكرَ الذُّكورِيةَ فَإِنَّهَا شَرْطٌ فَلَا يجِبُ عَلَي الْمَرْأَةِ.

هَذَا فِي الْجِهَادِ بِالْمَعْنَي الْأَوَّلِ، أَمَّا الثَّانِي فَيجِبُ الدَّفْعُ عَلَي الْقَادِرِ، سَوَاءٌ الذَّكرُ وَ الْأُنْثَي، وَ السَّلِيمُ وَ الْأَعْمَي، وَ الْمَرِيضُ وَ الْعَبْدُ، و غيرهُمْ. (وَيحْرُمُ الْمُقَامُ فِي بَلَدِ الْمُشْرِك لِمَنْ لَا يتَمَكنُ مِنْ إظْهَارِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ) مِنْ الْأَذَانِ، وَ الصَّلَاةِ، وَ الصَّوْمِ، و غيرهَا، وَ سُمِّي ذَلِك شِعَارًا، لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَيهِ،

أَوْ مِنْ الشِّعَارِ الَّذِي هُوَ الثَّوْبُ الْمُلَاصِقُ لِلْبَدَنِ فَاسْتُعِيرَ لِلْأَحْكامِ اللَّاصِقَةِ اللَّازِمَةِ لِلدِّينِ.

وَ احْتَرَزَ به غير الْمُتَمَكنِ مِمَّنْ يمْكنُهُ إقَامَتُهَا لِقُوَّةٍ، أَوْ عَشِيرَةٍ تَمْنَعُهُ فَلَا تَجِبُ عَلَيهِ الْهِجْرَةُ.

نَعَمْ تُسْتَحَبُّ لِئَلَّا يكثُرَ سَوَادُهُمْ، و إنّما يحْرُمُ الْمُقَامُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيهَا، فَلَوْ تَعَذَّرَتْ لِمَرَضٍ، أَوْ فَقْرٍ، وَ نَحْوِهِ فَلَا حَرَجَ، وَ اَلحَقَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ بِبِلَادِ الشِّرْك بِلَادَ الْخِلَافِ الَّتِي لَا يتَمَكنُ فِيهَا الْمُؤْمِنُ مِنْ إقَامَةِ شَعَائِرِ الْإِيمَانِ، مَعَ إمْكانِ انْتِقَالِهِ إلَي بَلَدٍ يتَمَكنُ فِيهِ مِنْهَا (وَلِلْأَبَوَينِ مَنْعُ الْوَلَدِ مِنْ الْجِهَادِ) بِالْمَعْنَي الْأَوَّلِ (مَعَ عَدَمِ التَّعَينِ) عَلَيهِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ لَهُ، أَوْ بِضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الْمُقَاوَمَةِ بِدُونِهِ إذْ يجِبُ عَلَيهِ حِينَئِذٍ.

عَينًا فَلَا يتَوَقَّفُ عَلَي إذْنِهِمَا كغَيرِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الْعَينِيةِ.

وَ فِي إلْحَاقِ الْأَجْدَادِ بِهِمَا قَوْلٌ قَوِي فَلَوْ اجْتَمَعُوا تَوَقَّفَ عَلَي إذْنِ الْجَمِيعِ، وَ لَا يشْتَرَطُ حُرِّيتُهُمَا عَلَي الْأَقْوَي، وَ فِي اشْتِرَاطِ إسْلَامِهِمَا قَوْلَانِ وَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ عَدَمُهُ، وَ كمَا يعْتَبَرُ إذْنُهُمَا فِيهِ يعْتَبَرُ فِي سَائِرِ الْأَسْفَارِ الْمُبَاحَةِ وَ الْمَنْدُوبَةِ وَ الْوَاجِبَةِ كفَايةً مَعَ عَدَمِ تَعَينِهِ عَلَيهِ، لِعَدَمِ مَنْ فِيهِ الْكفَايةُ، و منه السَّفَرُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ، فَإِنْ كانَ وَاجِبًا عَينًا أَوْ كفَايةً كتَحْصِيلِ الْفِقْهِ وَ مُقَدِّمَاتِهِ مَعَ عَدَمِ قِيامِ مَنْ فِيهِ الْكفَايةُ، وَ عَدَمِ إمْكانِ تَحْصِيلِهِ فِي بَلَدِهِمَا، و ما قَارَبَهُ مِمَّا لَا يعَدُّ سَفَرًا عَلَي الْوَجْهِ الَّذِي يحْصُلُ مُسَافِرًا لَمْ يتَوَقَّفْ عَلَي إذْنِهِمَا، وَ الا تَوَقَّفَ (وَالْمُدِينُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ و هو مُسْتَحِقُّ الدَّينِ (يمْنَعُ) الْمَدْيونَ (الْمُوسِرَ) الْقَادِرَ عَلَي الْوَفَاءِ (مَعَ الْحُلُولِ) حَالَ الْخُرُوجِ إلَي الْجِهَادِ، فَلَوْ كانَ مُعْسِرًا أَوْ كانَ الدَّينُ مُؤَجَّلًا و أن حَلَّ قَبْلَ رُجُوعِهِ عَادَةً لَمْ يكنْ لَهُ الْمَنْعُ، مَعَ احْتِمَالِهِ فِي الْأَخِيرِ (وَالرِّبَاطُ) و هو الْإِرْصَادُ فِي أَطْرَافِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ لِلْإِعْلَامِ بِأَحْوَالِ الْمُشْرِكينَ عَلَي

تَقْدِيرِ هُجُومِهِمْ (مُسْتَحَبٌّ) اسْتِحْبَابًا مُؤَكدًا (دَائِمًا) مَعَ حُضُورِ الْإِمَامِ وَ غَيبَتِهِ، و لو وَطَّنَ سَاكنُ الثَّغْرِ نَفْسَهُ عَلَي الْإِعْلَامِ وَ الْمُحَافَظَةِ فَهُوَ مُرَابِطٌ، (وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيامٍ) فَلَا يسْتَحِقُّ ثَوَابَهُ وَ لَا يدْخُلُ فِي النَّذْرِ، وَ الْوَقْفِ وَ الْوَصِيةِ لِلْمُرَابِطِينَ بِإِقَامَةٍ دُونَ ثَلَاثَةٍ، و لو نَذَرَهُ وَ أَطْلَقَ وَجَبَ ثَلَاثَةٌ بِلَيلَتَينِ بَينَهُمَا، كالِاعْتِكافِ.

(وَأَكثَرُهُ أَرْبَعُونَ يوْمًا) فَإِنْ زَادَ أُلْحِقَ بِالْجِهَادِ فِي الثَّوَابِ، لَا أَنَّهُ يخْرُجُ عَنْ وَصْفِ الرِّبَاطِ، (وَلَوْ أَعَانَ بِفَرَسِهِ، أَوْ غُلَامِهِ) لِينْتَفِعَ بِهِمَا مَنْ يرَابِطُ (أُثِيبَ)، لِإِعَانَتِهِ عَلَي الْبِرِّ، و هو فِي مَعْنَي الْإِبَاحَةِ لَهُمَا عَلَي هَذَا الْوَجْهِ، (وَلَوْ نَذَرَهَا) أَي نَذَرَ الْمُرَابَطَةَ الَّتِي هِي الرِّبَاطُ الْمَذْكورُ فِي الْعِبَارَةِ، (أَوْ نَذَرَ صَرْفَ مَالِ إلَي أَهْلِهَا وَجَبَ الْوَفَاءُ) بِالنَّذْرِ (وَإِنْ كانَ الْإِمَامُ غَائِبًا)، لِأَنَّهَا لَا تَتَضَمَّنُ جِهَادًا فَلَا يشْتَرَطُ فِيهَا حُضُورُهُ وَ قِيلَ: يجُوزُ صَرْفُ الْمَنْذُورِ لِلْمُرَابِطِينَ فِي الْبِرِّ حَالَ الْغَيبَةِ، إنْ لَمْ يخَفْ الشُّنْعَةَ بِتَرْكهِ، لِعِلْمِ الْمُخَالِفِ بِالنَّذْرِ، وَ نَحْوِهِ و هو ضَعِيفٌ.

الفصل الاول: قتال الحربي

اشاره

وَ هُنَا فُصُولٌ - الْأَوَّلُ فِيمَنْ يجِبُ قِتَالُهُ وَ كيفِيةِ الْقِتَالِ وَ أَحْكامِ الذِّمَّةِ (يجِبُ قِتَالُ الْحَرْبِي) و هو غَيرُ الْكتَابِي مِنْ أَصْنَافِ الْكفَّارِ الَّذِينَ لَا ينْتَسِبُونَ إلَي الْإِسْلَامِ فَالْكتَابِي لَا يطْلَقُ عَلَيهِ اسْمُ الْحَرْبِي، و أن كانَ بِحُكمِهِ عَلَي بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَ كذَا فَرْقُ الْمُسْلِمِينَ و أن حُكمَ بِكفْرِهِمْ كالْخَوَارِجِ، إلَّا أَنْ يبْغُوا عَلَي الْإِمَامِ فَيقَاتَلُونَ مِنْ حَيثُ الْبَغْي وَ سَيأْتِي حُكمُهُمْ، أَوْ عَلَي غَيرِهِ فَيدَافَعُونَ كغَيرِهِمْ، و إنّما يجِبُ قِتَالُ الْحَرْبِي (بَعْدَ الدُّعَاءِ إلَي الْإِسْلَامِ) بِإِظْهَارِ الشَّهَادَتَينِ، وَ الْتِزَامِ جَمِيعِ أَحْكامِ الْإِسْلَامِ، وَ الدَّاعِي هُوَ الْإِمَامُ، أَوْ نَائِبُهُ وَ يسْقُطُ اعْتِبَارُهُ فِي حَقِّ مَنْ عَرَفَهُ بِسَبْقِ دُعَائِهِ فِي قِتَالٍ آخَرَ، أَوْ بِغَيرِهِ، و من ثَمَّ { غَزَا النَّبِي صَلَّي اللَّهُ

عَلَيهِ و آله و سلَّم بَنِي الْمُصْطَلِقِ، مِنْ غَيرِ إعْلَامٍ وَ اسْتَأْصَلَهُمْ } نَعَمْ يسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ حِينَئِذٍ كمَا فَعَلَ عَلِي عَلَيهِ السَّلَامُ بِعَمْرٍو، و غيرهِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِالْحَالِ، (وَامْتِنَاعِهِ) مِنْ قَبُولِهِ.

فَلَوْ أَظْهَرَ قَبُولَهُ و لو بِاللِّسَانِ كفَّ عَنْهُ.

وَ يجِبُ قِتَالُ هَذَا الْقِسْمِ (حَتَّي يسْلِمَ أَوْ يقْتَلَ)، وَ لَا يقْبَلُ مِنْهُ غَيرُهُ

(وَالْكتَابِي)

وَ هُوَ الْيهُودِي وَ النَّصْرَانِي وَ الْمَجُوسِي (كذَلِك) يقَاتَلُ حَتَّي يسْلِمَ أَوْ يقْتَلَ، (إلَّا أَنْ يلْتَزِمَ بِشَرَائِطِ الذِّمَّةِ) فَيقْبَلُ مِنْهُ (وَهِي بَذْلُ الْجِزْيةِ، وَ الْتِزَامُ أَحْكامِنَا، وَ تَرْك التَّعَرُّضِ لِلْمُسْلِمَاتِ بِالنِّكاحِ) وَ فِي حُكمِهِنَّ الصِّبْيانُ، (وَلِلْمُسْلِمِينَ مُطْلَقًا) ذُكورًا وَ إِنَاثًا (بِالْفِتْنَةِ عَنْ دِينِهِمْ وَ قَطْعِ الطَّرِيقِ) عَلَيهِمْ، وَ سَرِقَةِ أَمْوَالِهِمْ، (وَإِيوَاءِ عَينِ الْمُشْرِكينَ)، وَ جَاسُوسِهِمْ، (وَالدَّلَالَةِ عَلَي عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ) و هو مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيهِمْ كطَرِيقِ أَخْذِهِمْ وَ غِيلَتِهِمْ و لو بِالْمُكاتَبَةِ (وَإِظْهَارِ الْمُنْكرَاتِ فِي) شَرِيعَةِ (الْإِسْلَامِ) كأَكلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَ أَكلِ الرِّبَا وَ نِكاحِ الْمَحَارِمِ (فِي دَارِ الْإِسْلَامِ).

وَ الْأَوَّلَانِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ، وَ يخْرَجُونَ بِمُخَالِفَتِهِمَا عَنْهَا مُطْلَقًا.

وَ أَمَّا بَاقِي الشُّرُوطِ فَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّهَا كذَلِك وَ بِهِ صَرَّحَ فِي الدُّرُوسِ وَ قِيلَ: لَا يخْرَجُونَ بِمُخَالَفَتِهَا إلَّا مَعَ اشْتِرَاطِهَا عَلَيهِمْ.

وَ هُوَ الْأَظْهَرُ.

(وَتَقْدِيرُ الْجِزْيةِ إلَي الْإِمَامِ)

(وَتَقْدِيرُ الْجِزْيةِ إلَي الْإِمَامِ)

، وَ يتَخَيرُ بَينَ وَضْعِهَا عَلَي رُءُوسِهِمْ، وَ أَرَاضِيهِمْ، وَ عَلَيهِمَا عَلَي الْأَقْوَي، وَ لَا تُتَقَدَّرُ بِمَا قَدَّرَهُ عَلِي عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ، فَإِنَّهُ مُنَزَّلٌ عَلَي اقْتِضَاءِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِك الْوَقْتِ.

(وَلْيكنْ) التَّقْدِيرُ (يوْمَ الْجِبَايةِ) لَا قَبْلَهُ، لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِالصَّغَارِ، (وَيؤْخَذُ مِنْهُ صَاغِرًا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَي أَنَّ الصَّغَارَ أَمْرٌ آخَرُ غَيرُ إبْهَامِ قَدْرِهَا عَلَيهِ فَقِيلَ: هُوَ عَدَمُ تَقْدِيرِهَا حَالَ الْقَبْضِ أَيضًا، بَلْ يؤْخَذُ مِنْهُ إلَي أَنْ ينْتَهِي إلَي مَا يرَاهُ صَلَاحًا.

وَ قِيلَ: الْتِزَامُ أَحْكامِنَا عَلَيهِمْ مَعَ

ذَلِك أَوْ بِدُونِهِ.

وَ قِيلَ: أَخْذُهَا مِنْهُ قَائِمًا وَ الْمُسْلِمُ جَالِسٌ، وَ زَادَ فِي التَّذْكرَةِ أَنْ يخْرِجَ الذِّمِّي يدَهُ مِنْ جَيبِهِ وَ يحْنِي ظَهْرَهُ، وَ يطَأْطِئَ رَأْسَهُ، وَ يصُبَّ مَا مَعَهُ فِي كفَّةِ الْمِيزَانِ، وَ يأْخُذَ الْمُسْتَوْفِي بِلِحْيتِهِ وَ يضْرِبَهُ فِي لِهْزِمَتَيهِ وَ هُمَا مُجْتَمَعُ اللَّحْمِ بَينَ الْمَاضِغِ وَ الْأُذُنِ.

(وَيبْدَأُ بِقِتَالِ الْأَقْرَبِ) إلَي الْأَمَامِ، أَوْ مَنْ نَصَّبَهُ، (إلَّا مَعَ الْخَطَرِ فِي الْبَعِيدِ) فَيبْدَأُ بِهِ كمَا { فَعَلَ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم بِالْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّهُ يجْمَعُ لَهُ و كان بَينَهُ وَ بَينَهُ عَدُوٌّ أَقْرَبُ }، وَ كذَا فَعَلَ بِخَالِدِ بْنِ سُفْيانَ الْهُذَلِي.

وَ مِثْلُهُ مَا لَوْ كانَ الْقَرِيبُ مُهَادِنًا. (وَلَا يجُوزُ الْفِرَارُ) مِنْ الْحَرْبِ (إذَا كانَ الْعَدُوُّ ضِعْفًا) لِلْمُسْلِمِ الْمَأْمُورِ بِالثَّبَاتِ أَي قَدْرَهُ مَرَّتَينِ، (أَوْ أَقَلَّ إلَّا لِمُتَحَرِّفٍ لِقِتَالٍ) أَي مُنْتَقِلٍ إلَي حَالَةٍ أَمْكنَ مِنْ حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيهَا كاسْتِدْبَارِ الشَّمْسِ وَ تَسْوِيةِ اللَّأْمَةِ، وَ طَلَبِ السَّعَةِ، وَ مَوْرِدِ الْمَاءِ، (أَوْ مُتَحَيزٍ) أَي مُنْضَمٍّ (إلَي فِئَةٍ) يسْتَنْجِدُ بِهَا فِي الْمَعُونَةِ عَلَي الْقِتَالِ، قَلِيلَةً كانَتْ أَمْ كثِيرَةً مَعَ صَلَاحِيتِهَا لَهُ، وَ كوْنِهَا غَيرَ بَعِيدَةٍ عَلَي وَجْهٍ يخْرُجُ عَنْ كوْنِهِ مُقَاتِلًا عَادَةً.

هَذَا كلُّهُ لِلْمُخْتَارِ أَمَّا الْمُضْطَرُّ كمَنْ عَرَضَ لَهُ مَرَضٌ، أَوْ فَقَدَ سِلَاحَهُ فَإِنَّهُ يجُوزُ لَهُ الِانْصِرَافُ. (وَيجُوزُ الْمُحَارَبَةُ بِطَرِيقِ الْفَتْحِ كهَدْمِ الْحُصُونِ وَ الْمَنْجَنِيقِ وَ قَطْعِ الشَّجَرِ) حَيثُ يتَوَقَّفُ عَلَيهِ (وَإِنْ كرِهَ) قَطْعُ الشَّجَرِ و قد { قَطَعَ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَشْجَارَ الطَّائِفِ، وَ حَرَّقَ عَلَي بَنِي النَّضِيرِ، وَ خَرَّبَ دِيارَهُمْ }. (وَكذَا يكرَهُ إرْسَالُ الْمَاءِ) عَلَيهِمْ، وَ مَنْعُهُ عَنْهُمْ، (وَ) إرْسَالُ (النَّارِ، وَ الْقَاءُ السُّمِّ) عَلَي الْأَقْوَي إلَّا أَنْ يؤَدِّي إلَي قَتْلِ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ فَيحْرُمَ، إنْ أَمْكنَ

بِدُونِهِ، أَوْ يتَوَقَّفَ عَلَيهِ الْفَتْحُ فَيجِبَ وَ رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ تَحْرِيمَ إلْقَائِهِ مُطْلَقًا، لِنَهْي النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم عَنْهُ، وَ الرِّوَايةُ ضَعِيفَةٌ السَّنَدُ بِالسُّكونِي. (وَلَا يجُوزُ قَتْلُ الصِّبْيانِ وَ الْمَجَانِينِ وَ النِّسَاءِ، و أن عَاوَنُوا إلَّا مَعَ الضَّرُورَةِ) بِأَنْ تَتَرَّسُوا بِهِمْ، وَ تَوَقَّفَ الْفَتْحُ عَلَي قَتْلِهِمْ. (وَ) كذَا (لَا يجُوزُ) قَتْلُ (الشَّيخِ الْفَانِي) إلَّا أَنْ يعَاوِنَ بِرَأْي، أَوْ قِتَالٍ، (وَلَا الْخُنْثَي الْمُشْكلِ) لِأَنَّهُ بِحُكمِ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِك. (وَيقْتَلُ الرَّاهِبُ وَ الْكبِيرُ) و هو دُونَ الشَّيخِ الْفَانِي، أَوْ هُوَ، وَ اسْتَدْرَك الْجَوَازَ بِالْقَيدِ و هو قَوْلُهُ: (إذَا كانَ ذَا رَأْي، أَوْ قِتَالٍ) و كان يغْنِي أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ. (وَ) كذَا (يجُوزُ قَتْلُ التُّرْسِ مِمَّنْ لَا يقْتَلُ) كالنِّسَاءِ وَ الصِّبْيانِ (وَلَوْ تَتَرَّسُوا بِالْمُسْلِمِينَ كفَّ) عَنْهُمْ (مَا أَمْكنَ، وَ مَعَ التَّعَذُّرِ) بِأَنْ لَا يمْكنَ التَّوَصُّلُ إلَي الْمُشْرِكينَ إلَّا بِقَتْلِ الْمُسْلِمِينَ (فَلَا قَوَدَ، وَ لَا دِيةَ)، لِلْإِذْنِ فِي قَتْلِهِمْ حِينَئِذٍ شَرْعًا: (نَعَمْ تَجِبُ الْكفَّارَةُ) و هل هِي كفَّارَةُ الْخَطَأِ، أَوْ الْعَمْدِ وَجْهَانِ: مَأْخَذُهُمَا كوْنُهُ فِي الْأَصْلِ غَيرَ قَاصِدٍ لِلْمُسْلِمِ، و إنّما مَطْلُوبُهُ قَتْلُ الْكافِرِ، وَ النَّظَرُ إلَي صُورَةِ الْوَاقِعِ، فَإِنَّهُ مُتَعَمِّدٌ لِقَتْلِهِ.

وَ هُوَ أَوْجَهُ وَ ينْبَغِي أَنْ تَكونَ مِنْ بَيتِ الْمَالِ، لِأَنَّهُ لِلْمَصَالِحِ و هذه مِنْ أَهَمِّهَا، وَ لِأَنَّ فِي إيجَابِهَا عَلَي الْمُسْلِمِ إضْرَارًا يوجِبُ التَّخَاذُلَ عَنْ الْحَرْبِ لِكثِيرٍ (وَيكرَهُ التَّبْييتُ) و هو النُّزُولُ عَلَيهِمْ لَيلًا، (وَالْقِتَالُ قَبْلَ الزَّوَالِ)، بَلْ بَعْدَهُ، لِأَنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ عِنْدَهُ، وَ ينَزَّلُ النَّصْرُ، وَ تُقْبَلُ الرَّحْمَةُ وَ ينْبَغِي أَنْ يكونَ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرَينِ، (وَلَوْ اُضْطُرَّ) إلَي الْأَمْرَينِ (زَالَتْ: و أن يعَرْقِبَ) الْمُسْلِمُ (الدَّابَّةَ)، و لو وَقَفَتْ بِهِ، أَوْ أَشْرَفَ عَلَي الْقَتْلِ، و لو رَأَي ذَلِك صَلَاحًا زَالَتْ كمَا

فَعَلَ جَعْفَرٌ بِمُؤْتَةِ.

وَ ذَبْحُهَا أَجْوَدُ و أمّا دَابَّةُ الْكافِرِ فَلَا كرَاهَةَ فِي قَتْلِهَا، كمَا فِي كلِّ فِعْلٍ يؤَدِّي إلَي ضَعْفِهِ، وَ الظَّفَرِ بِهِ (وَالْمُبَارَزَةُ) بَينَ الصَّفَّينِ (مِنْ دُونِ إذْنِ الْإِمَامِ) عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ وَ قِيلَ: تَحْرُمُ، (وَتَحْرُمُ إنْ مَنَعَ) الْإِمَامُ مِنْهَا، (وَتَجِبُ) عَينًا (إنْ أَلْزَمَ) بِهَا شَخْصًا مُعَينًا، وَ كفَايةً إنْ أَمَرَ بِهَا جَمَاعَةً لِيقُومَ بِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَ تُسْتَحَبُّ إذَا نَدَبَ إلَيهَا مِنْ غَيرِ أَمْرٍ جَازِمٍ

(وَتَجِبُ مُوَارَاةُ الْمُسْلِمِ الْمَقْتُولِ) فِي الْمَعْرَكةِ

، دُونَ الْكافِرِ (فَإِنْ اشْتَبَهَ) بِالْكافِرِ (فَلْيوَارَ كمِيشُ الذَّكرِ) أَي صَغِيرُهُ، لِمَا رُوِي مِنْ { فِعْلِ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم فِي قَتْلَي بَدْرٍ، و قال: لَا يكونُ ذَلِك إلَّا فِي كرَامِ النَّاسِ }، وَ قِيلَ: يجِبُ دَفْنُ الْجَمِيعِ احْتِياطًا و هو حَسَنٌ، وَ لِلْقُرْعَةِ وَجْهٌ أَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيهِ فَقِيلَ: تَابِعَةٌ لِلدَّفْنِ وَ قِيلَ: يصَلَّي عَلَي الْجَمِيعِ وَ يفْرَدُ الْمُسْلِمُ بِالنِّيةِ.

وَ هُوَ حَسَنٌ

الْفَصْلُ الثَّانِي - فِي تَرْك الْقِتَالِ

(الْفَصْلُ الثَّانِي - فِي تَرْك الْقِتَالِ

، وَ يتْرَك) الْقِتَالُ وُجُوبًا (لِأُمُورٍ أَحَدُهَا الْأَمَانُ) و هو الْكلَامُ و ما فِي حُكمِهِ الدَّالُّ عَلَي سَلَامَةِ الْكافِرِ نَفْسًا، وَ مَالًا إجَابَةً لِسُؤَالِهِ ذَلِك، وَ مَحَلُّهُ مَنْ يجِبُ جِهَادُهُ، وَ فَاعِلُهُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْمُخْتَارُ، وَ عَقْدُهُ مَا دَلَّ عَلَيهِ مِنْ لَفْظٍ، وَ كتَابَةٍ، وَ إِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ، وَ لَا يشْتَرَطُ كوْنُهُ مِنْ الْإِمَامِ بَلْ يجُوزُ: (وَلَوْ مِنْ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ لِآحَادِ الْكفَّارِ).

وَ الْمُرَادُ بِالْآحَادِ الْعَدَدُ الْيسِيرُ.

وَ هُوَ هُنَا الْعَشَرَةُ فَمَا دُونَ، (أَوْ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ) عَامًّا أَوْ فِي الْجِهَةِ الَّتِي أَذَمَّ فِيهَا (لِلْبَلَدِ) و ما هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ، وَ لِلْآحَادِ بِطَرِيقٍ أَوْلَي.

(وَشَرْطُهُ) أَي شَرْطُ جَوَازِهِ (أَنْ يكونَ قَبْلَ الْأَسْرِ) إذَا وَقَعَ مِنْ الْآحَادِ، أَمَّا مِنْ الْإِمَامِ فَيجُوزُ بَعْدَهُ، كمَا يجُوزُ لَهُ الْمَنُّ عَلَيهِ،

(وَعَدَمُ الْمَفْسَدَةِ) وَ قِيلَ: وُجُودُ الْمَصْلَحَةِ كاسْتِمَالَةِ الْكافِرِ لِيرْغَبَ فِي الْإِسْلَامِ، وَ تَرْفِيهِ الْجُنْدِ، وَ تَرْتِيبِ أُمُورِهِمْ، وَ قِلَّتِهِمْ، وَ لِينْتَقِلَ الْأَمْرُ مِنْهُ إلَي دُخُولِنَا دَارَهُمْ فَنَطَّلِعُ عَلَي عَوْرَاتِهِمْ، وَ لَا يجُوزُ مَعَ الْمَفْسَدَةِ (كمَا لَوْ أَمَّنَ الْجَاسُوسَ فَإِنَّهُ لَا ينْفُذُ)، وَ كذَا مَنٌّ فِيهِ مَضَرَّةٌ وَ حَيثُ يخْتَلُّ شَرْطُ الصِّحَّةِ يرَدُّ الْكافِرُ إلَي مَأْمَنِهِ، كمَا لَوْ دَخَلَ بِشُبْهَةِ الْأَمَانِ مِثْلُ أَنْ يسْمَعَ لَفْظًا فَيعْتَقِدُهُ أَمَانًا، أَوْ يصْحَبَ رِفْقَةً فَيظُنَّهَا كافِيةً، أَوْ يقَالُ لَهُ: لَا نُذِمُّك فَيتَوَهَّمُ الْإِثْبَاتَ، و مثله الدَّاخِلُ بِسِفَارَةٍ، أَوْ لِيسْمَعَ كلَامَ اللَّهِ.

(وَثَانِيهِمَا - النُّزُولُ عَلَي حُكمِ الْإِمَامِ، أَوْ مَنْ يخْتَارُهُ) الْإِمَامُ و لم يذْكرْ شَرَائِطَ الْمُخْتَارِ اتِّكالًا عَلَي عِصْمَتِهِ الْمُقْتَضِيةِ لِاخْتِيارِ جَامِعِ الشَّرَائِطِ و إنّما يفْتَقِرُ إلَيهَا مَنْ لَا يشْتَرِطُ فِي الْإِمَامِ ذَلِك (فَينْفُذُ حُكمُهُ) كمَا { أَقَرَّ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم بَنِي قُرَيظَةَ حِينَ طَلَبُوا النُّزُولَ عَلَي حُكمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَحَكمَ فِيهِمْ بِقَتْلِ الرِّجَالِ، وَ سَبْي الذَّرَارِي، وَ غَنِيمَةِ الْمَالِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم لَقَدْ حَكمْت بِمَا حَكمَ اللَّهُ تَعَالَي بِهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ } و إنّما ينْفُذُ حُكمُهُ (مَا لَمْ يخَالِفْ الشَّرْعَ) بِأَنْ يحْكمَ بِمَا لَا حَظَّ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ مَا ينَافِي حُكمَ الذِّمَّةِ لِأَهْلِهَا.

(الثَّالِثُ، وَ الرَّابِعُ - الْإِسْلَامُ وَ بَذْلُ الْجِزْيةِ) فَمَتَي أَسْلَمَ الْكافِرُ حَرُمَ قِتَالُهُ مُطْلَقًا حَتَّي لَوْ كانَ بَعْدَ الْأَسْرِ الْمُوجِبِ لِلتَّخْييرِ بَينَ قَتْلِهِ و غيرهِ، أَوْ بَعْدَ تَحْكيمِ الْحَاكمِ عَلَيهِ فَحَكمَ بَعْدَهُ بِالْقَتْلِ، و لو كانَ بَعْدَ حُكمِ الْحَاكمِ بِقَتْلِهِ وَ أَخْذِ مَالِهِ وَ سَبْي ذَرَارِيهِ سَقَطَ الْقَتْلُ وَ بَقِي الْبَاقِي، وَ كذَا إذَا بَذَلَ الْكتَابِي و من فِي حُكمِهِ الْجِزْيةَ و ما

يعْتَبَرُ مَعَهَا مِنْ شَرَائِطِ الذِّمَّةِ.

وَ يمْكنُ دُخُولُهُ فِي الْجِزْيةِ، لِأَنَّ عَقْدَهَا لَا يتِمُّ إلَّا بِهِ فَلَا يتَحَقَّقُ بِدُونِهِ.

(الْخَامِسُ - الْمُهَادَنَةُ) و هي الْمُعَاقَدَةُ مِنْ الْإِمَامِ عَلَيهِ السَّلَامُ أَوْ مَنْ نَصَّبَهُ لِذَلِك مَعَ مَنْ يجُوزُ قِتَالُهُ (عَلَي تَرْك الْحَرْبِ مُدَّةً مُعَينَةً) بِعِوَضٍ و غيرهِ بِحَسَبِ مَا يرَاهُ الْإِمَامُ قِلَّةً، (وَأَكثَرُهَا عَشْرُ سِنِينَ) فَلَا تَجُوزُ الزِّيادَةُ عَنْهَا مُطْلَقًا، كمَا يجُوزُ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إجْمَاعًا، وَ الْمُخْتَارُ جَوَازُ مَا بَينَهُمَا عَلَي حَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، (وَهِي جَائِزَةٌ مَعَ الْمَصْلَحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ) لِقِلَّتِهِمْ، أَوْ رَجَاءِ إسْلَامِهِمْ مَعَ الصَّبْرِ، أَوْ مَا يحْصُلُ بِهِ الِاسْتِظْهَارُ.

ثُمَّ مَعَ الْجَوَازِ قَدْ تَجِبُ مَعَ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ إلَيهَا و قد تُبَاحُ لِمُجَرَّدِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي لَا تَبْلُغُ حَدَّ الْحَاجَةِ، و لو انْتَفَتْ انْتَفَتْ الصِّحَّةُ.

الْفَصْلُ الثَّالِثُ - فِي الْغَنِيمَةِ

(الْفَصْلُ الثَّالِثُ - فِي الْغَنِيمَةِ)

وَ أَصْلُهَا الْمَالُ الْمُكتَسَبُ وَ الْمُرَادُ هُنَا مَا أَخَذَتْهُ الْفِئَةُ الْمُجَاهِدَةُ عَلَي سَبِيلِ الْغَلَبَةِ لَا بِاخْتِلَاسٍ وَ سَرِقَةٍ، فَإِنَّهُ لِآخِذِهِ، وَ لَا بِانْجِلَاءِ أَهْلِهِ عَنْهُ به غير قِتَالٍ، فَإِنَّهُ لِلْإِمَامِ، (وَتُمْلَك النِّسَاءُ وَ الْأَطْفَالُ بِالسَّبْي) و أن كانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً (وَالذُّكورُ الْبَالِغُونَ يقْتَلُونَ حَتْمًا، إنْ أُخِذُوا وَ الْحَرْبُ قَائِمَةٌ إلَّا أَنْ يسْلِمُوا) فَيسْقُطُ قَتْلُهُمْ، وَ يتَخَيرُ الْإِمَامُ حِينَئِذٍ بَينَ اسْتِرْقَاقِهِمْ وَ الْمَنِّ عَلَيهِمْ، وَ الْفِدَاءِ.

وَ قِيلَ: يتَعَينُ الْمَنُّ عَلَيهِمْ هُنَا، لِعَدَمِ جَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِمْ حَالَ الْكفْرِ فَمَعَ الْإِسْلَامِ أَوْلَي.

وَ فِيهِ أَنَّ عَدَمَ اسْتِرْقَاقِهِمْ حَالَ الْكفْرِ إهَانَةٌ وَ مَصِيرٌ إلَي مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، لَا إكرَامٌ فَلَا يلْزَمُ مِثْلُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا ينَافِي الِاسْتِرْقَاقَ، وَ حَيثُ يجُوزُ قَتْلُهُمْ يتَخَيرُ الْإِمَامُ تَخَيرَ شَهْوَةٍ بَين ضَرْبِ رِقَابِهِمْ، وَ قَطْعِ أَيدِيهِمْ، وَ أَرْجُلِهِمْ، وَ تَرْكهِمْ حَتَّي يمُوتُوا إنْ اتَّفَقَ وَ الا أَجْهَزَ عَلَيهِمْ.

(وَإِنْ أُخِذُوا بَعْدَ أَنْ وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) أَي أَثْقَالَهَا مِنْ السِّلَاحِ

و غيرهِ و هو كنَايةٌ عَنْ تَقَضِّيهَا (لَمْ يقْتَلُوا وَ يتَخَيرُ الْإِمَامُ) فِيهِمْ تَخَيرَ نَظَرٍ وَ مَصْلَحَةٍ (بَينَ الْمَنِّ) عَلَيهِمْ (وَالْفِدَاءِ) لِأَنْفُسِهِمْ بِمَالٍ حَسَبَ مَا يرَاهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، (وَالِاسْتِرْقَاقِ) حَرْبًا كانُوا أَمْ كتَابِيينَ.

وَ حَيثُ تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ لَا يتَحَقَّقُ التَّخْييرُ إلَّا مَعَ اشْتِرَاك الثَّلَاثَةِ فِيهَا عَلَي السَّوَاءِ، وَ الا تَعَينَ الرَّاجِحُ وَاحِدًا كانَ أَمْ أَكثَرَ.

وَ حَيثُ يخْتَارُ الْفِدَاءَ، أَوْ الِاسْتِرْقَاقَ (فَيدْخُلُ ذَلِك فِي الْغَنِيمَةِ) كمَا دَخَلَ مَنْ اُسْتُرِقَّ ابْتِدَاءً فِيهَا مِنْ النِّسَاءِ وَ الْأَطْفَالِ

(وَلَوْ عَجَزَ الْأَسِيرُ)

الَّذِي يجُوزُ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ (عَنْ الْمَشْي لَمْ يجُزْ قَتْلُهُ) لِأَنَّهُ لَا يدْرَي مَا حُكمُ الْإِمَامِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَي نَوْعِ الْقَتْلِ، وَ لِأَنَّ قَتْلَهُ إلَي الْإِمَامِ و أن كانَ مُبَاحَ الدَّمِ فِي الْجُمْلَةِ كالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَ حِينَئِذٍ فَإِنْ أَمْكنَ حَمْلُهُ، وَ الا تُرِك لِلْخَبَرِ و لو بَدَرَ مُسْلِمٌ فَقَتَلَهُ فَلَا قِصَاصَ، وَ لَا دِيةَ، وَ لَا كفَّارَةَ و أن أَثِمَ، وَ كذَا لَوْ قَتَلَهُ مِنْ غَيرِ عَجْزٍ. (وَيعْتَبَرُ الْبُلُوغُ بِالْإِنْبَاتِ) لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِغَيرِهِ مِنْ الْعَلَامَاتِ غَالِبًا وَ الا فَلَوْ اتَّفَقَ الْعِلْمُ بِهِ بِهَا كفَي، وَ كذَا يقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالِاحْتِلَامِ كغَيرِهِ و لو ادَّعَي الْأَسِيرُ اسْتِعْجَالَ إنْبَاتِهِ بِالدَّوَاءِ فَالْأَقْرَبُ الْقَبُولُ، لِلشُّبْهَةِ الدَّارِئَةِ لِلْقَتْلِ. (وَمَا لَا ينْقَلُ وَ لَا يحَوَّلُ) مَنْ أَمْوَالِ الْمُشْرِكينَ كالْأَرْضِ وَ الْمَسَاكنِ وَ الشَّجَرِ (لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ) سَوَاءٌ فِي ذَلِك الْمُجَاهِدُونَ و غيرهُمْ، (وَالْمَنْقُولُ) مِنْهَا (بَعْدَ الْجَعَائِلِ) الَّتِي يجْعَلُهَا الْإِمَامُ لِلْمَصَالِحِ كالدَّلِيلِ عَلَي طَرِيقٍ، أَوْ عَوْرَةٍ و ما يلْحَقُ الْغَنِيمَةَ مِنْ مُؤْنَةِ حِفْظٍ وَ نَقْلٍ و غيرهِمَا، (وَالرَّضْخِ) وَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْعَطَاءُ الَّذِي لَا يبْلُغُ سَهْمَ مَنْ يعْطَاهُ لَوْ كانَ مُسْتَحِقًّا لِلسَّهْمِ كالْمَرْأَةِ وَ الْخُنْثَي وَ الْعَبْدِ وَ الْكافِرِ إذَا عَاوَنُوا، فَإِنَّ الْإِمَامَ عَلَيهِ السَّلَامُ يعْطِيهِمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ بِحَسَبِ مَا

يرَاهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ بِحَسَبِ حَالِهِمْ (وَالْخُمُسِ) وَ مُقْتَضَي التَّرْتِيبِ الذَّكرِي أَنَّ الرَّضْخَ مُقَدَّمٌ عَلَيهِ، و هو أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ.

وَ الْأَقْوَي أَنَّ الْخُمُسَ بَعْدَ الْجَعَائِلِ وَ قَبْلَ الرَّضْخِ، و هو اخْتِيارُهُ فِي الدُّرُوسِ، وَ عَطْفُهُ هُنَا بِالْوَاوِ لَا ينَافِيهِ، بِنَاءً عَلَي أَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَي التَّرْتِيبِ (وَالنَّفَلِ) بِالتَّحْرِيك وَ أَصْلُهُ الزِّيادَةُ وَ الْمُرَادُ هُنَا زِيادَةُ الْإِمَامِ لِبَعْضِ الْغَانِمِينَ عَلَي نَصِيبِهِ شَيئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ لِمَصْلَحَةٍ، كدَلَالَةٍ، وَ إِمَارَةٍ، وَ سَرِيةٍ، وَ تَهَجُّمٍ عَلَي قَرْنٍ، أَوْ حِصْنٍ، وَ تَجَسُّسِ حَالٍ، و غيرهَا مِمَّا فِيهِ نِكايةُ الْكفَّارِ.

(وَمَا يصْطَفِيهِ الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ) مِنْ فَرَسٍ فَارِهٍ، وَ جَارِيةٍ، وَ سَيفٍ، وَ نَحْوِهَا بِحَسَبِ مَا يخْتَارُهُ، وَ التَّقْييدُ بِعَدَمِ الْإِجْحَافِ سَاقِطٌ عِنْدَنَا و قد تَقَدَّمَ تَقْدِيمُ الْخُمُسِ وَ بَقِي عَلَيهِ تَقْدِيمُ السَّلَبِ الْمَشْرُوطِ لِلْقَاتِلِ و هو ثِيابُ الْقَتِيلِ، وَ الْخُفُّ، وَ الاتُ الْحَرْبِ، كدِرْعٍ، وَ سِلَاحٍ، وَ مَرْكوبٍ، وَ سَرْجٍ، وَ لِجَامٍ، وَ سِوَارٍ، وَ مِنْطَقَةٍ، وَ خَاتَمٍ، وَ نَفَقَةٍ مَعَهُ، وَ جَنِيبَةٍ تُقَادُ مَعَهُ، لَا حَقِيبَةٍ مَشْدُودَةٍ عَلَي الْفَرَسِ بِمَا فِيهَا مِنْ الْأَمْتِعَةِ، وَ الدَّرَاهِمِ، فَإِذَا أَخْرَجَ جَمِيعَ ذَلِك (يقَسَّمُ) الْفَاضِلُ (بَينَ الْمُقَاتِلَةِ و من حَضَرَ) الْقِتَالَ لِيقَاتِلَ و أن لَمْ يقَاتِلْ (حَتَّي الطِّفْلِ) الذَّكرِ مِنْ أَوْلَادِ الْمُقَاتِلِينَ، دُونَ غَيرِهِمْ مِمَّنْ حَضَرَ لِصَنْعَةٍ، أَوْ حِرْفَةٍ كالْبَيطَارِ، وَ الْبَقَّالِ، وَ السَّائِسِ، وَ الْحَافِظِ إذَا لَمْ يقَاتِلُوا (الْمَوْلُودِ بَعْدَ الْحِيازَةِ وَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) (وَكذَا الْمَدَدُ الْوَاصِلُ إلَيهِمْ) لِيقَاتِلَ مَعَهُمْ فَلَمْ يدْرِك الْقِتَالَ (حِينَئِذٍ) أَي حِينَ إذْ يكونُ وُصُولُهُ بَعْدَ الْحِيازَةِ وَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ

(لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ)

فِي الْمَشْهُورِ وَ قِيلَ: ثَلَاثَةٌ، (وَلِلرَّاجِلِ) و هو مَنْ لَيسَ لَهُ فَرَسٌ سَوَاءٌ كانَ رَاجِلًا، أَمْ رَاكبًا غَيرَ الْفَرَسِ (سَهْمٌ، وَ لِذِي الْأَفْرَاسِ) و أن كثُرَتْ (ثَلَاثَةُ) أَسْهُمٍ، (وَلَوْ قَاتَلُوا

فِي السُّفُنِ) و لم يحْتَاجُوا إلَي أَفْرَاسِهِمْ لَصِدْقِ الْأَسْهُمُ، وَ حُصُولِ الْكلْفَةِ عَلَيهِمْ بِهَا (وَلَا يسْهَمُ لِلْمُخَذِّلِ) و هو الَّذِي يجْبُنُ عَنْ الْقِتَالِ، وَ يخَوِّفُ عَنْ لِقَاءِ الْأَبْطَالِ، و لو بِالشُّبُهَاتِ الْوَاضِحَةِ، وَ الْقَرَائِنِ اللَّائِحَةِ، فَإِنَّ مِثْلَ ذَلِك ينْبَغِي إلْقَاؤُهُ إلَي الْإِمَامِ، أَوْ الْأَمِيرِ إنْ كانَ فِيهِ صَلَاحٌ، لَا إظْهَارُهُ عَلَي النَّاسِ، (وَلَا الْمُرْجِفِ) و هو الَّذِي يذْكرُ قُوَّةَ الْمُشْرِكينَ وَ كثْرَتَهُمْ بِحَيثُ يؤَدِّي إلَي الْخِذْلَانِ وَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَصُّ مِنْ الْمُخَذِّلِ، وَ إِذَا لَمْ يسْهَمْ لَهُ فَأَوْلَي أَنْ لَا يسْهَمَ لِفَرَسِهِ، (وَلَا لِلْقَحْمِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَ سُكونِ الْحَاءِ و هو الْكبِيرُ الْهَرِمُ (وَالضَّرَعِ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَ الرَّاءِ و هو الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يصْلُحُ لِلرُّكوبِ، أَوْ الضَّعِيفِ.

(وَالْحَطِمِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَ كسْرِ الطَّاءِ و هو الَّذِي ينْكثُ مِنْ الْهُزَالِ (وَالرَّازِحِ) بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الزَّاي بَعْدَ الْأَلْفِ ثُمَّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْجَوْهَرِي هُوَ الْهَالِك هُزَالًا، وَ فِي مُجْمَلِ ابْنِ فَارِسٍ رَزَحَ أَعْيا وَ الْمُرَادُ هُنَا الَّذِي لَا يقْوَي بِصَاحِبِهِ عَلَي الْقِتَالِ، لِهُزَالٍ عَلَي الْأَوَّلِ، وَ إِعْياءٍ عَلَي الثَّانِي الْكائِنِ فِي الْأَرْبَعَةِ (مِنْ الْخَيلِ) وَ قِيلَ: يسْهَمُ لِلْجَمِيعِ، لِصِدْقِ الِاسْمِ.

وَ لَيسَ بِبَعِيدٍ.

الْفَصْلُ الرَّابِعُ - فِي أَحْكامِ الْبُغَاةِ

(الْفَصْلُ الرَّابِعُ - فِي أَحْكامِ الْبُغَاةِ)

مَنْ خَرَجَ عَلَي الْمَعْصُومِ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ (فَهُوَ بَاغٍ وَاحِدًا كانَ) كابْنِ مُلْجِمٍ - لَعَنَهُ اللَّهُ -، (أَوْ أَكثَرَ) كأَهْلِ الْجَمَلِ، وَ صِفِّينَ (يجِبُ قِتَالُهُ) إذَا نَدَبَ إلَيهِ الْإِمَامُ (حَتَّي يفِيءَ) أَي يرْجِعَ إلَي طَاعَةِ الْإِمَامِ، (أَوْ يقْتَلَ)، وَ قِتَالُهُ (كقِتَالِ الْكفَّارِ) فِي وُجُوبِهِ عَلَي الْكفَايةِ، و وجوب الثَّبَاتِ لَهُ، وَ بَاقِي الْأَحْكامِ السَّالِفَةِ، (فَذُو الْفِئَةِ) كأَصْحَابِ الْجَمَلِ وَ مُعَاوِيةَ (يجْهَزُ عَلَي جَرِيحِهِمْ، وَ يتْبَعُ مُدْبِرُهُمْ، وَ يقْتَلُ أَسِيرُهُمْ، و غيرهُمْ) كالْخَوَارِجِ (يفَرَّقُونَ) مِنْ غَيرِ أَنْ يتْبَعَ لَهُمْ مُدْبِرٌ،

أَوْ يقْتَلَ لَهُمْ أَسِيرٌ، أَوْ يجْهَزَ عَلَي جَرِيحٍ.

وَ لَا تُسْبَي نِسَاءُ الْفَرِيقَينِ، وَ لَا ذَرَارِيهُمْ فِي الْمَشْهُورِ وَ لَا تُمْلَك أَمْوَالُهُمْ الَّتِي لَمْ يحْوِهَا الْعَسْكرُ إجْمَاعًا و أن كانَتْ مِمَّا ينْقَلُ وَ يحَوَّلُ، وَ لَا مَا حَوَاهُ الْعَسْكرُ إذَا رَجَعُوا إلَي طَاعَةِ الْإِمَامِ.

وَ إِنَّمَا الْخِلَافُ فِي قِسْمَةِ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي حَوَاهَا الْعَسْكرُ مَعَ إصْرَارِهِمْ.

(وَالْأَصَحُّ عَدَمُ قِسْمَةِ أَمْوَالِهِمْ مُطْلَقًا) عَمَلًا بِسِيرَةِ عَلِي عَلَيهِ السَّلَامُ فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَإِنَّهُ أَمَرَ بِرَدِّ أَمْوَالِهِمْ فَأُخِذَتْ حَتَّي الْقِدْرُ كفَأَهَا صَاحِبُهَا لَمَّا عَرَفَهَا و لم يصْبِرْ عَلَي أَرْبَابِهَا وَ الْأَكثَرُ وَ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي خُمُسِ الدُّرُوسِ عَلَي قِسْمَتِهِ، كقِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ عَمَلًا بِسِيرَةِ عَلِي عَلَيهِ السَّلَامُ الْمَذْكورَةِ، فَإِنَّهُ قَسَّمَهَا أَوَّلًا بَينَ الْمُقَاتِلِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِرَدِّهَا، و لو لا جَوَازُهُ لَمَا فَعَلَهُ أَوَّلًا.

وَ ظَاهِرُ الْحَالِ وَ فَحْوَي الْأَخْبَارِ أَنَّ رَدَّهَا عَلَي طَرِيقِ الْمَنِّ، لَا الِاسْتِحْقَاقِ كمَا { مَنَّ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم عَلَي كثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكينَ بَلْ ذَهَبَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ إلَي جَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِمْ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: مَنَنْت عَلَي أَهْلِ الْبَصْرَةِ كمَا } مَنَّ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلَي أَهْلِ مَكةَ، و قد كانَ لَهُ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم أَنْ يسْبِي فَكذَا الْإِمَامُ و هو شَاذٌّ

الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ

(الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ)

وَ هُوَ الْحَمْلُ عَلَي الطَّاعَةِ قَوْلًا، أَوْ فِعْلًا (وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكرِ) و هو الْمَنْعُ مِنْ فِعْلِ الْمَعَاصِي قَوْلًا، أَوْ فِعْلًا (وَهُمَا وَاجِبَانِ عَقْلًا) فِي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ، (وَنَقْلًا) إجْمَاعًا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُمَا لُطْفٌ و هو وَاجِبٌ عَلَي مُقْتَضَي قَوَاعِدِ الْعَدْلِ، وَ لَا يلْزَمُ مِنْ ذَلِك وُجُوبُهُمَا عَلَي اللَّهِ تَعَالَي اللَّازِمُ مِنْهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ إنْ قَامَ بِهِ، أَوْ الْإِخْلَالُ بِحُكمِهِ تَعَالَي إنْ لَمْ يقُمْ لِاسْتِلْزَامِ الْقِيامِ بِهِ عَلَي هَذَا

الْوَجْهِ الْإِلْجَاءَ الْمُمْتَنَعَ فِي التَّكلِيفِ، وَ يجُوزُ اخْتِلَافُ الْوَاجِبِ بِاخْتِلَافِ مَحَالِّهِ خُصُوصًا مَعَ ظُهُورِ الْمَانِعِ فَيكونُ الْوَاجِبُ فِي حَقِّهِ تَعَالَي الْإِنْذَارَ وَ التَّخْوِيفَ بِالْمُخَالَفَةِ، لِئَلَّا يبْطُلَ التَّكلِيفُ و قد فَعَلَ.

وَ أَمَّا الثَّانِي فَكثِيرٌ فِي الْكتَابِ وَ السُّنَّةِ كقَوْلِهِ تَعَالَي: { وَلْتَكنْ مِنْكمْ أُمَّةٌ يدْعُونَ إلَي الْخَيرِ وَ يأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ ينْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكرِ } و قولهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم: { لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكرِ، أَوْ لَيسَلِّطَنَّ اللَّهُ شِرَارَكمْ عَلَي خِيارِكمْ فَيدْعُوا خِيارُكمْ فَلَا يسْتَجَابُ لَهُمْ }، و من طُرُقِ أَهْلِ الْبَيتِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ فِيهِ مَا يقْصِمُ الظُّهُورَ فَلْيقِفْ عَلَيهِ مَنْ أَرَادَهُ فِي الْكافِي، و غيرهِ.

وَ وُجُوبُهُمَا (عَلَي الْكفَايةِ) فِي أَجْوَدِ الْقَوْلَينِ، لِلْآيةِ السَّابِقَةِ وَ لِأَنَّ الْغَرَضَ شَرْعًا وُقُوعُ الْمَعْرُوفِ، وَ ارْتِفَاعُ الْمُنْكرِ مِنْ غَيرِ اعْتِبَارِ مُبَاشِرٍ مُعَينٍ فَإِذَا حَصَلَا ارْتَفَعَ و هو مَعْنَي الْكفَائِي، وَ الاسْتِدْلَالُ عَلَي كوْنِهِ عَينِيا بِالْعُمُومَاتِ غَيرُ كافٍ لِلتَّوْفِيقِ، وَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْكفَائِي يخَاطَبُ بِهِ جَمِيعُ الْمُكلَّفِينَ كالْعَينِي، و إنّما يسْقُطُ عَنْ الْبَعْضِ بِقِيامِ الْبَعْضِ فَجَازَ خِطَابُ الْجَمِيعِ بِهِ، وَ لَا شُبْهَةَ عَلَي الْقَوْلَينِ فِي سُقُوطِ الْوُجُوبِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَطْلُوبِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ الَّذِي مِنْهُ إصْرَارُ الْعَاصِي و إنّما تَخْتَلِفُ فَائِدَةُ الْقَوْلَينِ فِي وُجُوبِ قِيامِ الْكلِّ بِهِ قَبْلَ حُصُولِ الْغَرَضِ و أن قَامَ بِهِ مَنْ فِيهِ الْكفَايةُ وَ عَدِمَهُ.

(وَيسْتَحَبُّ الْأَمْرُ بِالْمَنْدُوبِ وَ النَّهْي عَنْ الْمَكرُوهِ) وَ لَا يدْخُلَانِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْي عَنْ الْمُنْكرِ.

لِأَنَّهُمَا وَاجِبَانِ فِي الْجُمْلَةِ إجْمَاعًا، وَ هَذَانِ غَيرُ وَاجِبَينِ فَلِذَا أَفْرَدَهُمَا عَنْهُمَا و أن أَمْكنَ تَكلُّفُ دُخُولِ الْمَنْدُوبِ فِي الْمَعْرُوفِ، لِكوْنِهِ الْفِعْلَ الْحَسَنَ الْمُشْتَمِلَ عَلَي وَصْفٍ زَائِدٍ عَلَي حُسْنِهِ مِنْ غَيرِ اعْتِبَارِ الْمَنْعِ مِنْ النَّقِيضِ.

أَمَّا النَّهْي عَنْ الْمَكرُوهِ فَلَا يدْخُلُ فِي أَحَدِهِمَا،

أَمَّا الْمَعْرُوفُ فَظَاهِرٌ، و أمّا الْمُنْكرُ فَلِأَنَّهُ الْفِعْلُ الْقَبِيحُ الَّذِي عَرَفَ فَاعِلُهُ قُبْحَهُ أَوْ دُلَّ عَلَيهِ وَ الْمَكرُوهُ لَيسَ بِقَبِيحٍ.

(وَإِنَّمَا يجِبَانِ مَعَ عِلْمِ) الْآمِرِ وَ النَّاهِي (الْمَعْرُوفَ وَ الْمُنْكرَ شَرْعًا) لِئَلَّا يأْمُرَ بِمُنْكرٍ أَوْ ينْهَي عَنْ مَعْرُوفٍ، وَ الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا الْمَعْنَي الْأَعَمُّ لِيشْمَلَ الدَّلِيلَ الظَّنِّي الْمَنْصُوبَ عَلَيهِ شَرْعًا، (وَإِصْرَارِ الْفَاعِلِ، أَوْ التَّارِك) فَلَوْ عَلِمَ مِنْهُ الْإِقْلَاعَ وَ النَّدَمَ سَقَطَ الْوُجُوبُ، بَلْ حَرُمَ وَ اكتَفَي الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ وَ جَمَاعَةٌ فِي السُّقُوطِ بِظُهُورِ أَمَارَةِ النَّدَمِ، (وَالْأَمْنِ مِنْ الضَّرَرِ) عَلَي الْمُبَاشِرِ، أَوْ عَلَي بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ نَفْسًا، أَوْ مَالًا، أَوْ عَرَضًا فَبِدُونِهِ يحْرُمُ أَيضًا عَلَي الْأَقْوَي، (وَتَجْوِيزِ التَّأْثِيرِ) بِأَنْ لَا يكونَ التَّأْثِيرُ مُمْتَنِعًا، بَلْ مُمْكنًا بِحَسَبِ مَا يظْهَرُ لَهُ مِنْ حَالِهِ.

وَ هَذَا يقْتَضِي الْوُجُوبَ مَا لَمْ يعْلَمْ عَدَمَ التَّأْثِيرِ و أن ظَنَّ عَدَمَهُ، لِأَنَّ التَّجْوِيزَ قَائِمٌ مَعَ الظَّنِّ و هو حَسَنٌ، إذْ لَا يتَرَتَّبُ عَلَي فِعْلِهِ ضَرَرٌ فَإِنْ نَجَعَ، وَ الا فَقَدْ أَدَّي فَرْضَهُ، إذْ الْفَرْضُ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ وَ اكتَفَي بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي سُقُوطِهِ بِظَنِّ الْعَدَمِ، و ليس بِجَيدٍ، و هذا بِخِلَافِ الشَّرْطِ السَّابِقِ فَإِنَّهُ يكفِي فِي سُقُوطِهِ ظَنُّهُ، لِأَنَّ الضَّرَرَ الْمُسَوِّغَ لِلتَّحَرُّزِ مِنْهُ يكفِي فِيهِ ظَنُّهُ.

وَ مَعَ ذَلِك فَالْمُرْتَفِعُ مَعَ فَقْدِ هَذَا الشَّرْطِ الْوُجُوبُ، دُونَ الْجَوَازِ، بِخِلَافِ السَّابِقِ.

(ثُمَّ يتَدَرَّجُ) الْمُبَاشِرُ (فِي الْإِنْكارِ) فَيبْتَدِئُ (بِإِظْهَارِ الْكرَاهَةِ)، وَ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُرْتَكبِ مُتَدَرِّجًا فِيهِ أَيضًا، فَإِنَّ مَرَاتِبَهُ كثِيرَةٌ، (ثُمَّ الْقَوْلِ اللَّينِ) إنْ لَمْ ينْجَعْ الْإِعْرَاضُ، (ثُمَّ الْغَلِيظِ) إنْ لَمْ يؤَثِّرْ اللَّينُ مُتَدَرِّجًا فِي الْغَلِيظِ أَيضًا، (ثُمَّ الضَّرْبِ) إنْ لَمْ يؤَثِّرْ الْكلَامُ الْغَلِيظُ مُطْلَقًا، وَ يتَدَرَّجُ فِي الضَّرْبِ أَيضًا عَلَي حَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ وَ ينَاسِبُ مَقَامَ الْفِعْلِ، بِحَيثُ يكونُ الْغَرَضُ تَحْصِيلَ الْغَرَضِ.

(وَفِي التَّدَرُّجِ إلَي الْجُرْحِ وَ الْقَتْلِ) حَيثُ لَا

يؤَثِّرُ الضَّرْبُ وَ لَا غَيرُهُ مِنْ الْمَرَاتِبِ (قَوْلَانِ): أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ، ذَهَبَ إلَيهِ الْمُرْتَضَي وَ تَبِعَهُ الْعَلَّامَةُ فِي كثِيرٍ مِنْ كتُبِهِ، لِعُمُومِ الْأَوَامِرِ، وَ إِطْلَاقِهَا و هو يتِمُّ فِي الْجُرْحِ دُونَ الْقَتْلِ، لِفَوَاتِ مَعْنَي الْأَمْرِ وَ النَّهْي مَعَهُ، إذْ الْغَرَضُ ارْتِكابُ الْمَأْمُورِ، وَ تَرْك الْمَنْهِي.

وَ شَرْطُهُ تَجْوِيزُ التَّأْثِيرِ وَ هُمَا مُنْتَفِيانِ مَعَهُ، وَ اسْتَقْرَبَ فِي الدُّرُوسِ تَفْوِيضَهُمَا إلَي الْإِمَامِ و هو حَسَنٌ فِي الْقَتْلِ خَاصَّةً.

(وَيجِبُ الْإِنْكارُ بِالْقَلْبِ) و هو أَنْ يوجَدَ فِيهِ إرَادَةُ الْمَعْرُوفِ وَ كرَاهَةُ الْمُنْكرِ (عَلَي كلِّ حَالٍ) سَوَاءٌ اجْتَمَعَتْ الشَّرَائِطُ أَمْ لَا، وَ سَوَاءٌ أَمَرَ أَوْ نَهَي بِغَيرِهِ مِنْ الْمَرَاتِبِ أَمْ لَا، لِأَنَّ الْإِنْكارَ الْقَلْبِي بِهَذَا الْمَعْنَي مِنْ مُقْتَضَي الْإِيمَانِ وَ لَا تَلْحَقُهُ مَفْسَدَةٌ، وَ مَعَ ذَلِك لَا يدْخُلُ فِي قِسْمَي الْأَمْرِ وَ النَّهْي و إنّما هُوَ حُكمٌ يخْتَصُّ بِمَنْ اطَّلَعَ عَلَي مَا يخَالِفُ الشَّرْعَ بِإِيجَادِ الْوَاجِبِ عَلَيهِ مِنْ الِاعْتِقَادِ فِي ذَلِك و قد تَجَوَّزَ كثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي جَعْلِهِمْ هَذَا الْقِسْمَ مِنْ مَرَاتِبِ الْأَمْرِ وَ النَّهْي

(وَيجُوزُ لِلْفُقَهَاءِ حَالَ الْغَيبَةِ إقَامَةُ الْحُدُودِ

مَعَ الْأَمْنَ مَنْ الضَّرَرِ) عَلَي أَنْفُسِهِمْ و غيرهِمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، (وَ) كذَا يجُوزُ لَهُمْ (الْحُكمُ بَينَ النَّاسِ) وَ إِثْبَاتُ الْحُقُوقِ بِالْبَينَةِ وَ الْيمِينِ و غيرهِمَا (مَعَ اتِّصَافِهِمْ بِصِفَاتِ الْمُفْتِي و هي الْإِيمَانُ وَ الْعَدَالَةُ وَ مَعْرِفَةُ الْأَحْكامِ) الشَّرْعِيةِ الْفَرْعِيةِ (بِالدَّلِيلِ) التَّفْصِيلِي (وَالْقُدْرَةُ عَلَي رَدِّ الْفُرُوعِ) مِنْ الْأَحْكامِ (إلَي الْأُصُولِ)، وَ الْقَوَاعِدِ الْكلِّيةِ الَّتِي هِي أَدِلَّةُ الْأَحْكامِ.

وَ مَعْرِفَةُ الْحُكمِ بِالدَّلِيلِ يغْنِي عَنْ هَذَا، لِاسْتِلْزَامِهِ لَهُ.

وَ ذِكرُهُ تَأْكيدٌ، وَ الْمُرَادُ بِالْأَحْكامِ الْعُمُومُ بِمَعْنَي التَّهَيؤِ لِمَعْرِفَتِهَا بِالدَّلِيلِ إنْ لَمْ نُجَوِّزْ تَجَزِّي الِاجْتِهَادِ، أَوْ الْأَحْكامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَا يحْتَاجُ إلَيهِ مِنْ الْفَتْوَي وَ الْحُكمِ إنْ جَوَّزْنَاهُ.

وَ مَذْهَبُ الْمُصَنِّفِ جَوَازُهُ و هو قَوِي (وَيجِبُ) عَلَي النَّاسِ (التَّرَافُعُ إلَيهِمْ)

فِي مَا يحْتَاجُونَ إلَيهِ مِنْ الْأَحْكامِ فَيعْصِي مُؤْثِرُ الْمُخَالِفِ، وَ يفْسُقُ، وَ يجِبُ عَلَيهِمْ أَيضًا ذَلِك مَعَ الْأَمْنِ (وَيأْثَمُ الرَّادُّ عَلَيهِمْ) لِأَنَّهُ كالرَّادِّ عَلَي نَبِيهِمْ صَلَّي اللَّهُ تَعَالَي عَلَيهِ و آله و سلَّم وَ أَئِمَّتِهِمْ عَلَيهِمْ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ و علي اللَّهِ تَعَالَي و هو عَلَي حَدِّ الْكفْرِ بِاَللَّهِ عَلَي مَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ، و قد فُهِمَ مِنْ تَجْوِيزِ ذَلِك لِلْفُقَهَاءِ الْمُسْتَدِلِّينَ عَدَمُ جَوَازِهِ لِغَيرِهِمْ مِنْ الْمُقَلِّدِينَ، و بهذا الْمَفْهُومِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ و غيرهُ قَاطِعِينَ بِهِ مِنْ غَيرِ نَقْلِ خِلَافٍ فِي ذَلِك سَوَاءٌ قَلَّدَ حَيا أَوْ مَيتًا نَعَمْ يجُوزُ لِمُقَلِّدِ الْفَقِيهِ الْحَي نَقْلُ الْأَحْكامِ إلَي غَيرِهِ، و ذلك لَا يعَدُّ، إفْتَاءً.

أَمَّا الْحُكمُ فَيمْتَنِعُ مُطْلَقًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَي اشْتِرَاطِ أَهْلِيةِ الْفَتْوَي فِي الْحَاكمِ حَالَ حُضُورِ الْإِمَامِ وَ غَيبَتِهِ (وَيجُوزُ لِلزَّوْجِ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَي زَوْجَتِهِ) دَوَامًا، وَ مُتْعَةً، مَدْخُولًا بِهَا، و غيرهُ، حُرَّينِ، أَوْ عَبْدَينِ، أَوْ بِالتَّفْرِيقِ، (وَالْوَالِدِ عَلَي وَلَدِهِ) و أن نَزَلَ (وَالسَّيدِ عَلَي عَبْدِهِ) بَلْ رَقِيقِهِ مُطْلَقًا، فَيجْتَمِعُ عَلَي الْأَمَةِ ذَاتِ الْأَبِ الْمُزَوَّجَةِ وِلَايةُ الثَّلَاثَةِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِك الْجَلْدُ وَ الرَّجْمُ وَ الْقَطْعُ، كلُّ ذَلِك مَعَ الْعِلْمِ بِمُوجِبِهِ مُشَاهَدَةً، أَوْ إقْرَارًا مِنْ أَهْلِهِ لَا بِالْبَينَةِ فَإِنَّهَا مِنْ وَظَائِفِ الْحَاكمِ.

وَ قِيلَ يكفِي كوْنُهَا مِمَّا يثْبُتُ بِهَا ذَلِك عِنْدَ الْحَاكمِ، و هذا الْحُكمُ فِي الْمَوْلَي مَشْهُورٌ بَينَ الْأَصْحَابِ لَمْ يخَالِفْ فِيهِ إلَّا الشَّاذُّ، و أمّا الْآخَرَانِ فَذَكرَهُمَا الشَّيخُ وَ تَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ وَ دَلِيلُهُ غَيرُ وَاضِحٍ، وَ أَصَالَةُ الْمَنْعِ تَقْتَضِي الْعَدَمَ.

نَعَمْ لَوْ كانَ الْمُتَوَلِّي فَقِيهًا فَلَا شُبْهَةَ فِي الْجَوَازِ وَ يظْهَرُ مِنْ الْمُخْتَلِفِ أَنَّ مَوْضِعَ النِّزَاعِ مَعَهُ لَا بِدُونِهِ. (وَلَوْ اضْطَرَّهُ السُّلْطَانُ إلَي إقَامَةِ حَدٍّ، أَوْ قِصَاصٍ ظُلْمًا، أَوْ) اضْطَرَّهُ (لِحُكمٍ مُخَالِفٍ) لِلْمَشْرُوعِ (جَازَ) لِمَكانِ الضَّرُورَةِ، (إلَّا

الْقَتْلَ فَلَا تَقِيةَ فِيهِ) وَ يدْخُلُ فِي الْجَوَازِ الْجُرْحُ، لِأَنَّ الْمَرْوِي أَنَّهُ لَا تَقِيةَ فِي قَتْلِ النُّفُوسِ فَهُوَ خَارِجٌ وَ اَلحَقَهُ الشَّيخُ بِالْقَتْلِ مُدَّعِيا أَنَّهُ لَا تَقِيةَ فِي الدِّمَاءِ.

وَ فِيهِ نَظَرٌ.

8 - كتاب الكفارات

التمهيد

كتاب الكفارات

(الْكفَّارَاتُ) و هي تَنْقَسِمُ إلَي مُعَينَةٍ كبَعْضِ كفَّارَاتِ الْحَجِّ و لم يذْكرْهَا هُنَا اكتِفَاءً بِمَا سَبَقَ، وَ الي مُرَتَّبَةٍ وَ مُخَيرَةٍ، و ما جَمَعَتْ الْوَصْفَينِ، وَ كفَّارَةِ جَمْعٍ (فَالْمُرَتَّبَةُ) ثَلَاثٌ (كفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَ قَتْلُ الْخَطَإِ، وَ خِصَالُهُمَا) الْمُرَتَّبَةُ (خِصَالُ كفَّارَةِ الْإِفْطَارِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ: الْعِتْقُ) أَوَّلًا، (فَالشَّهْرَانِ) مَعَ تَعَذُّرِ الْعِتْقِ، (فَالسِّتُّونَ) أَي إطْعَامُ السِّتِّينَ لَوْ تَعَذَّرَ الصِّيامُ، (وَ).

الثَّالِثَةُ (كفَّارَةُ مَنْ أَفْطَرَ فِي قَضَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ، و هي إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكينَ، ثُمَّ صِيامُ ثَلَاثَةِ أَيامٍ) مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْإِطْعَامِ

(وَالْمُخَيرَةُ كفَّارَةُ شَهْرِ رَمَضَانَ)

فِي أَجْوَدِ الْقَوْلَينِ، (وَ) كفَّارَةُ (خَلْفِ النَّذْرِ وَ الْعَهْدِ) إنْ جَعَلْنَاهُمَا ككفَّارَةِ رَمَضَانَ، كمَا هُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ رِوَايةً.

(وَفِي كفَّارَةِ جَزَاءِ الصَّيدِ) و هو الثَّلَاثُ الْأُوَلُ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأُولَي مِمَّا ذُكرَ فِي الْكفَّارَاتِ، لَا مُطْلَقِ جَزَائِهِ (خِلَافٌ) فِي أَنَّهُ مُرَتَّبٌ، أَوْ مُخَيرٌ.

وَ الْمُصَنِّفُ اخْتَارَ فِيمَا سَبَقَ التَّرْتِيبَ و هو أَقْوَي وَ مَبْنَي الْخِلَافِ عَلَي دَلَالَةِ ظَاهِرِ الْآيةِ الْعَاطِفَةِ لِلْخِصَالِ بِأَوْ الدَّالَّةِ عَلَي التَّخْييرِ، وَ دَلَالَةُ الْخَبَرِ عَلَي أَنَّ مَا فِي الْقُرْآنِ بِأَوْ فَهُوَ عَلَي التَّخْييرِ، و علي مَا رُوِي نَصًّا مِنْ أَنَّهَا عَلَي التَّرْتِيبِ و هو مُقَدَّمٌ.

كفارة اليمين

(وَاَلَّتِي جَمَعَتْ) الْوَصْفَينِ (كفَّارَةُ الْيمِينِ، و هي إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكينَ، أَوْ كسْوَتُهُمْ، أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) مُخَيرٌ بَينَ الثَّلَاثِ، (فَإِنْ عَجَزَ فَصِيامُ ثَلَاثَةِ أَيامٍ، وَ كفَّارَةُ الْجَمْعِ لِقَتْلِ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا ظُلْمًا، و هي عِتْقُ رَقَبَةٍ وَ صِيامُ شَهْرَينِ) مُتَتَابِعَينِ، (وَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكينًا).

وَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِفْطَارَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَي مُحَرَّمٍ مُطْلَقًا يوجِبُهَا أَيضًا فَهَذِهِ جُمْلَةُ

الْأَقْسَامِ. وَ بَقِي هُنَا أَنْوَاعٌ اُخْتُلِفَ فِي كفَّارَاتِهَا أَتْبَعَهَا بِهَا فَقَالَ

وَ الْحَالِفُ بِالْبَرَاءَةِ مَنْ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ الْأَئِمَّةِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ)

وَ الْحَالِفُ بِالْبَرَاءَةِ مَنْ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ الْأَئِمَّةِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ)

عَلَي الِاجْتِمَاعِ وَ الانْفِرَادِ (يأْثَمُ) صَادِقًا كانَ أَمْ كاذِبًا، و في الخَبَرِ أَنَّهُ يبْرَأُ بِذَلِك مِنْهُمْ صَادِقًا وَ كاذِبًا وَ اخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْكفَّارَةِ بِهِ مُطْلَقًا أَوْ مَعَ الْحِنْثِ فَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ هُنَا قَوْلَينِ مِنْ غَيرِ تَرْجِيحٍ، وَ كذَا فِي الدُّرُوسِ (وَ) هُوَ أَنَّهُ (يكفِّرُ كفَّارَةَ ظِهَارٍ، فَإِنْ عَجَزَ فَكفَّارَةُ يمِينٍ عَلَي قَوْلِ) الشَّيخِ فِي النِّهَايةِ وَ جَمَاعَةٍ، و لم نَقِفْ عَلَي مُسْتَنَدِهِ، وَ ظَاهِرُهُمْ وُجُوبُ ذَلِك مَعَ الْحِنْثِ وَ عَدَمِهِ وَ مَعَ الصِّدْقِ وَ الْكذِبِ.

(وَفِي تَوْقِيعِ الْعَسْكرِي عَلَيهِ السَّلَامُ) إلَي مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يحْيي فِي الصَّحِيحِ (أَنَّهُ) مَعَ الْحِنْثِ (يطْعِمُ عَشَرَةَ مَسَاكينَ) لِكلِّ مِسْكينٍ مُدٌّ (وَيسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَي).

وَ الْعَمَلُ بِمَضْمُونِهَا حَسَنٌ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ مَعَ صِحَّةِ الرِّوَايةِ.

وَ كوْنُهَا مُكاتَبَةً وَ نَادِرَةً لَا يقْدَحُ مَعَ مَا ذَكرْنَاهُ، و هو اخْتِيارُ الْعَلَّامَةِ فِي الْمُخْتَلِفِ، وَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَي عَدَمِ وُجُوبِ كفَّارَةٍ مُطْلَقًا لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيمِينِ، إذْ لَا حَلِفَ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَي، وَ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَي تَحْرِيمِهِ مُطْلَقًا. (وَفِي جَزِّ الْمَرْأَةِ شَعْرَهَا فِي الْمُصَابِ كفَّارَةُ ظِهَارٍ) عَلَي مَا اخْتَارَهُ هُنَا وَ قَبِلَهُ الْعَلَّامَةُ فِي بَعْضِ كتُبِهِ وَ ابْنُ إدْرِيسَ، و لم نَقِفْ عَلَي الْمَأْخَذِ، (وَ قِيلَ): كبِيرَةٌ (مُخَيرَةٌ) ذَهَبَ إلَيهِ الشَّيخُ فِي النِّهَايةِ، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايةٍ ضَعِيفَةٍ، و في الدُّرُوسِ نَسَبَ الْقَوْلَ الثَّانِي إلَي الشَّيخِ و لم يذْكرْ الْأَوَّلَ.

وَ الْأَقْوَي عَدَمُ الْكفَّارَةِ مُطْلَقًا، لِأَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ: نَعَمْ يسْتَحَبُّ لِصَلَاحِيةِ الرِّوَايةِ لِأَدِلَّةِ السُّنَنِ، وَ لَا فَرْقَ فِي الْمُصَابِ بَينَ الْقَرِيبِ و غيرهِ لِلْإِطْلَاقِ.

وَ هَلْ يفَرَّقُ بَينَ الْكلِّ وَ الْبَعْضِ: ظَاهِرُ

الرِّوَايةِ اعْتِبَارُ الْكلِّ، لِإِفَادَةِ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ، أَوْ الْمُضَافِ الْعُمُومَ.

وَ اسْتَقْرَبَ فِي الدُّرُوسِ عَدَمَ الْفَرْقِ، لِصِدْقِ جَزِّ الشَّعْرِ وَ شَعْرُهَا عُرْفًا بِالْبَعْضِ، وَ كذَا الْإِشْكالُ فِي إلْحَاقِ الْحَلْقِ وَ الْإِحْرَاقِ بِالْجَزِّ، مِنْ مُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي الْمَعْنَي وَ اخْتَارَهُ فِي الدُّرُوسِ.

وَ مِنْ عَدَمِ النَّصِّ وَ أَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ وَ بُطْلَانِ الْقِياسِ وَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحِكمَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْإِلْحَاقِ، وَ كذَا إلْحَاقُ جَزِّهِ فِي غَيرِ الْمُصَابِ بِهِ مِنْ عَدَمِ النَّصِّ، وَ احْتِمَالِ الْأَوْلَوِيةِ، و هي مَمْنُوعَةٌ. (وَفِي نَتْفِهِ) أَي نَتْفِ شَعْرِهَا، (أَوْ خَدْشِ وَجْهِهَا، أَوْ شَقِّ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ فِي مَوْتِ وَلَدِهِ، أَوْ زَوْجَتِهِ كفَّارَةُ يمِينٍ عَلَي قَوْلِ الْأَكثَرِ) وَ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ جَازِمًا بِهِ مِنْ غَيرِ نَقْلِ خِلَافٍ، وَ كذَلِك الْعَلَّامَةُ فِي كثِيرٍ مِنْ كتُبِهِ.

وَ نِسْبَتُهُ هُنَا إلَي الْقَوْلِ يشْعِرُ بِتَوَقُّفِهِ فِيهِ و هو الْمُنَاسِبُ لِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ الرِّوَايةُ الَّتِي دَلَّتْ عَلَي الْحُكمِ السَّابِقِ، وَ الْمُصَنِّفُ اعْتَرَفَ بِضَعْفِهَا فِي الدُّرُوسِ، و ليس بَينَ الْمَسْأَلَتَينِ فَرْقٌ إلَّا تَحَقُّقُ الْخِلَافِ فِي الْأُولَي دُونَ هَذِهِ.

وَ الْكلَامُ فِي نَتْفِ بَعْضِ الشَّعْرِ كمَا سَبَقَ.

وَ لَا فَرْقَ بَينَ الْوَلَدِ لِلصُّلْبِ وَ وَلَدِ الْوَلَدِ و أن نَزَلَ ذَكرًا، أَوْ أُنْثَي لِذَكرٍ.

وَ فِي وَلَدِ الْأُنْثَي قَوْلَانِ أَجْوَدُهُمَا عَدَمُ اللُّحُوقِ، وَ لَا فِي الزَّوْجَةِ بَينَ الدَّائِمِ وَ الْمُتَمَتِّعِ بِهَا - وَ الْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيا زَوْجَةٌ، وَ لَا يلْحَقُ بِهَا الْأَمَةُ و أن كانَتْ سُرِّيةً، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ.

وَ يعْتَبَرُ فِي الْخَدْشِ الْإِدْمَاءُ كمَا صَرَّحَتْ بِهِ الرِّوَايةُ وَ أَطْلَقَ الْأَكثَرُ، وَ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْعَلَّامَةُ فِي التَّحْرِيرِ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، وَ الْمُعْتَبَرُ مِنْهُ مُسَمَّاهُ فَلَا يشْتَرَطُ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ، وَ لَا شَقُّ جَمِيعِ الْجِلْدِ.

وَ لَا يلْحَقُ بِهِ خَدْشُ غَيرِ الْوَجْهِ و أن أَدْمَي، وَ لَا لَطْمُهُ مُجَرَّدًا، وَ يعْتَبَرُ فِي الثَّوْبِ مُسَمَّاهُ عُرْفًا، وَ

لَا فَرْقَ فِيهِ بَينَ الْمَلْبُوسِ و غيرهِ، وَ لَا بَينَ شَقِّهِ مَلْبُوسًا وَ مَنْزُوعًا، وَ لَا بَينَ اسْتِيعَابِهِ بِالشَّقِّ وَ عَدَمِهِ، وَ لَا كفَّارَةَ بِشَقِّهِ عَلَي غَيرِ الْوَلَدِ وَ الزَّوْجَةِ، وَ أَجَازَهُ جَمَاعَةٌ عَلَي الْأَبِ وَ الْأَخِ لِمَا نُقِلَ مِنْ شَقِّ بَعْضِ الْأَنْبِياءِ وَ الْأَئِمَّةِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ فِيهِمَا، وَ لَا فِي شَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَي الْمَيتِ مُطْلَقًا و أن حَرُمَ.

(وَ قِيلَ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا

فَارَقَهَا وَ كفَّرَ بِخَمْسَةِ أَصْوُعٍ دَقِيقًا) نَسَبَ ذَلِك إلَي الْقَوْلِ مُتَوَقِّفًا فِيهِ، وَ جَزَمَ بِهِ فِي الدُّرُوسِ وَ مُسْتَنَدُهُ رِوَايةُ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيهِ السَّلَامُ، و هي مَعَ تَسْلِيمِ سَنَدِهَا لَا تَصْرِيحَ فِيهَا بِالْوُجُوبِ فَالْقَوْلُ بِالِاسْتِحْبَابِ أَوْجَهُ، و في الرِّوَايةِ تَصْرِيحٌ بِالْعَالِمِ، وَ أَطْلَقَ الْأَكثَرُ وَ لَا حُجَّةَ فِي لَفْظِ الْكفَّارَةِ عَلَي اخْتِصَاصِهَا بِالْعَالِمِ، وَ لَا فَرْقَ فِي الْعِدَّةِ بَينَ الرَّجْعِيةِ وَ الْبَائِنِ، وَ عِدَّةِ الْوَفَاةِ و غيرهَا وَ فِي حُكمِهَا ذَاتُ الْبَعْلِ و هو مُصَرَّحٌ فِي الرِّوَايةِ، وَ لَا بَينَ الْمَدْخُولِ بِهَا و غيرهَا، وَ الدَّقِيقُ فِي الرِّوَايةِ وَ الْفَتْوَي مُطْلَقٌ.

وَ رُبَّمَا قِيلَ بِاخْتِصَاصِهِ بِنَوْعٍ يجُوزُ إخْرَاجُهُ كفَّارَةً و هو دَقِيقُ الْحِنْطَةِ وَ الشَّعِيرِ. (وَمَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ حَتَّي تَجَاوَزَ نِصْفُ اللَّيلِ أَصْبَحَ صَائِمًا) ظَاهِرُهُ كوْنُ ذَلِك عَلَي وَجْهِ الْوُجُوبِ، لِأَنَّهُ مُقْتَضَي الْأَمْرِ.

وَ فِي الدُّرُوسِ نُسِبَ الْقَوْلُ بِهِ إلَي الشَّيخِ، وَ جَعَلَ الرِّوَايةَ بِهِ مَقْطُوعَةً، وَ حِينَئِذٍ فَالِاسْتِحْبَابُ أَقْوَي، وَ لَا فَرْقَ بَينَ النَّائِمِ كذَلِك عَمْدًا وَ سَهْوًا، و في الحَاقِ السَّكرَانِ بِهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَ كذَا مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكهَا أَوْ نَسِيهُ مِنْ غَيرِ نَوْمٍ، وَ لَا يلْحَقُ بِهِ نَاسِي غَيرِهَا قَطْعًا، فَلَوْ أَفْطَرَ ذَلِك الْيوْمَ فَفِي وُجُوبِ الْكفَّارَةِ مِنْ حَيثُ تَعَينُهُ عَلَي الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ، أَوَّلًا

بِنَاءً عَلَي أَنَّهُ كفَّارَةٌ فَلَا كفَّارَةَ فِي تَرْكهَا وَجْهَانِ أَجْوَدُهُمَا الثَّانِي و لو سَافَرَ فِيهِ مُطْلَقًا أَفْطَرَهُ وَ قَضَاهُ، وَ كذَا لَوْ مَرِضَ، أَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ، أَوْ وَافَقَ الْعِيدَ، أَوْ أَيامَ التَّشْرِيقِ مَعَ احْتِمَالِ سُقُوطِهِ حِينَئِذٍ و لو صَادَفَ صَوْمًا مُتَعَينًا تَدَاخَلَا مَعَ احْتِمَالِ قَضَائِهِ.

وَ كفَّارَةُ ضَرْبِ الْعَبْدِ فَوْقَ الْحَدِّ)

وَ كفَّارَةُ ضَرْبِ الْعَبْدِ فَوْقَ الْحَدِّ)

الَّذِي وَجَبَ عَلَيهِ بِسَبَبِ مَا فَعَلَهُ مَنْ الذَّنْبِ، أَوْ مُطْلَقًا (عِتْقُهُ مُسْتَحَبًّا) عِنْدَ الْأَكثَرِ.

وَ قِيلَ: وُجُوبًا وَ تَرَدَّدَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ مُقْتَصِرًا عَلَي نَقْلِ الْخِلَافِ، وَ قِيلَ: الْمُعْتَبَرُ تَجَاوُزُ حَدِّ الْحُرِّ، لِأَنَّهُ الْمُتَيقَّنُ وَ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، و لو قَتَلَهُ فَكفَّارَتُهُ كغَيرِهِ.

(وَكفَّارَةُ الْإِيلَاءِ كفَّارَةُ الْيمِينِ)، لِأَنَّهُ يمِينٌ خَاصٌّ. (وَيتَعَينُ الْعِتْقُ فِي الْمُرَتَّبَةِ بِوِجْدَانِ الرَّقَبَةِ مِلْكا، أَوْ تَسْبِيبًا) كمَا لَوْ مَلَك الثَّمَنَ وَ وَجَدَ الْبَاذِلُ لَهَا زِيادَةً عَلَي دَارِهِ وَ ثِيابِهِ اللَّائِقَينِ بِحَالِهِ، وَ خَادِمِهِ اللَّائِقِ بِهِ، أَوْ الْمُحْتَاجِ إلَيهِ، وَ قُوتِ يوْمٍ وَ لَيلَةٍ لَهُ وَ لِعِيالِهِ الْوَاجِبَي النَّفَقَةِ، وَ وَفَاءِ دَينِهِ و أن لَمْ يطَالِبْ بِهِ، نَعَمْ لَوْ تَكلَّفَ الْعَادِمُ الْعِتْقَ أَجْزَأَهُ، إلَّا مَعَ مُطَالَبَةِ الدَّيانِ، لِلنَّهْي عَنْ الْعِتْقِ حِينَئِذٍ و هو عِبَادَةٌ، وَ الْعِبْرَةُ بِالْقُدْرَةِ عِنْدَ الْعِتْقِ لَا الْوُجُوبِ. (وَيشْتَرَطُ فِيهَا الْإِسْلَامُ) و هو الْإِقْرَارُ بِالشَّهَادَتَينِ مُطْلَقًا عَلَي الْأَقْوَي و هو الْمُرَادُ مِنْ الْإِيمَانِ الْمَطْلُوبِ فِي الْآيةِ، وَ لَا يشْتَرَطُ الْإِيمَانُ الْخَاصُّ و هو الْوَلَاءُ عَلَي الْأَظْهَرِ وَ طِفْلُ أَحَدِ الْمُسْلِمِينَ بِحُكمِهِ، وَ إِسْلَامُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ، وَ إِسْلَامُ الْمَسْبِي بَالِغًا بِالشَّهَادَتَينِ، وَ قَبْلَهُ بِانْفِرَادِ الْمُسْلِمِ بِهِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَ جَمَاعَةٍ وَ وَلَدُ الزِّنَا بِهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَ بِتَبَعِيةِ السَّابِي عَلَي الْقَوْلِ.

وَ فِي تَحَقُّقِهِ بِالْوِلَادَةِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَجْهَانِ، مِنْ انْتِفَائِهِ شَرْعًا.

وَ تَوَلُّدِهِ مِنْهُ حَقِيقَةً فَلَا يقْصُرُ عَنْ السَّابِي، وَ الْأَوَّلُ أَقْوَي.

(وَالسَّلَامَةُ مِنْ) الْعُيوبِ الْمُوجِبَةِ

لِلْعِتْقِ وَ هِي: (الْعَمَي وَ الْإِقْعَادُ.

وَ الْجُذَامُ وَ التَّنْكيلُ) الصَّادِرُ عَنْ مَوْلَاهُ، و هو أَنْ يفْعَلَ بِهِ فِعْلًا فَظِيعًا بِأَنْ يجْدَعَ أَنْفَهُ، أَوْ يقْلَعَ أُذُنَيهِ وَ نَحْوَهُ لِانْعِتَاقِهِ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ عَلَي الْمَشْهُورِ، فَلَا يتَصَوَّرُ إيقَاعُ الْعِتْقِ عَلَيهِ ثَانِيا.

وَ لَا يشْتَرَطُ سَلَامَتُهُ مِنْ غَيرِهَا مِنْ الْعُيوبِ فَيجْزِي الْأَعْوَرُ، وَ الْأَعْرَجُ، وَ الْأَقْرَعُ، وَ الْخَصِي، وَ الْأَصَمُّ.

وَ مَقْطُوعُ أَحَدِ الْأُذُنَينِ وَ الْيدَينِ و لو مَعَ إحْدَي الرِّجْلَينِ، وَ الْمَرِيضُ و أن مَاتَ فِي مَرَضِهِ، وَ الْهَرِمُ، وَ الْعَاجِزُ عَنْ تَحْصِيلِ كفَايتِهِ، وَ كذَا مَنْ تَشَبَّثَ بِالْحُرِّيةِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَي الْمِلْك كالْمُدَبَّرِ وَ أُمِّ الْوَلَدِ و أن لَمْ يجُزْ بَيعُهَا، لِجَوَازِ تَعْجِيلِ عِتْقِهَا، وَ فِي إجْزَاءِ الْمُكاتَبِ الَّذِي لَمْ يتَحَرَّرْ مِنْهُ شَيءٌ قَوْلَانِ.

وَ إِجْزَاؤُهُ لَا يخْلُو مِنْ قُوَّةٍ، دُونَ الْمَرْهُونِ إلَّا مَعَ إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَ الْمَنْذُورُ عِتْقُهُ وَ الصَّدَقَةُ بِهِ و أن كانَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ لَمْ يحْصُلْ بَعْدُ عَلَي قَوْلٍ رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ.

(وَالْخُلُوُّ عَنْ الْعِوَضِ) فَلَوْ أَعْتَقَهُ وَ شَرَطَ عَلَيهِ عِوَضًا لَمْ يقَعْ عَنْ الْكفَّارَةِ، لِعَدَمِ تَمَحُّضِ الْقُرْبَةِ.

وَ فِي انْعِتَاقِهِ بِذَلِك نَظَرٌ وَ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ بِوُقُوعِهِ، وَ كذَا لَوْ قَالَ لَهُ غَيرُهُ: اعْتِقْهُ عَنْ كفَّارَتِك وَ لَك عَلَي كذَا، وَ اعْتَرَفَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِعَدَمِ وُقُوعِ الْعِتْقِ مُطْلَقًا، نَعَمْ لَوْ أَمَرَهُ بِعِتْقِهِ عَنْ الْآمِرِ بِعِوَضٍ، أَوْ غَيرِهِ أَجْزَأَ، وَ النِّيةُ هُنَا مِنْ الْوَكيلِ، وَ لَا بُدَّ مِنْ الْحُكمِ بِانْتِقَالِهِ إلَي مِلْك الْآمِرِ و لو لَحْظَةً، لِقَوْلِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ { لَا عِتْقَ إلَّا فِي مِلْك } وَ فِي كوْنِهِ هُنَا قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، أَوْ بَعْدَ وُقُوعِ الصِّيغَةِ ثُمَّ يعْتَقُ، أَوْ بِكوْنِ الْعِتْقِ كاشِفًا عَنْ مِلْكهِ بِالْأَمْرِ أَوْجُهٌ وَ الْوَجْهُ

انْتِقَالُهُ بِالْأَمْرِ الْمُقْتَرِنِ بِالْعِتْقِ.

(وَالنِّيةُ) الْمُشْتَمِلَةُ عَلَي قَصْدِ الْفِعْلِ عَلَي وَجْهِهِ مُتَقَرِّبًا، وَ الْمُقَارَنَةُ لِلصِّيغَةِ، (وَالتَّعْيينُ لِلسَّبَبِ) الَّذِي يكفِّرُ عَنْهُ، سَوَاءٌ تَعَدَّدَتْ الْكفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ أَمْ لَا، وَ سَوَاءٌ تَغَايرَ الْجِنْسُ أَمْ لَا كمَا يقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ وَ صَرَّحَ بِهِ فِي الدُّرُوسِ، وَ وَجْهُهُ أَنَّ الْكفَّارَةَ اسْمٌ مُشْتَرَك بَينَ أَفْرَادٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَ الْمَأْمُورُ بِهِ إنَّمَا يتَخَصَّصُ بِمُمَيزَاتِهِ عَنْ غَيرِهِ مِمَّا يشَارِكهُ.

وَ يشْكلُ بِأَنَّهُ مَعَ اتِّحَادِهَا فِي ذِمَّتِهِ لَا اشْتِرَاك، فَتُجْزِي نِيتُهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْكفَّارَةِ، لِأَنَّ غَيرَهُ لَيسَ مَأْمُورًا بِهِ، بَلْ وَ لَا يتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ مِنْهُ فِي تِلْك الْحَالَةِ شَرْعًا، فَلَا وَجْهَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُ كالْقَصْرِ وَ التَّمَامِ فِي غَيرِ مَوْضِعِ التَّخْييرِ.

وَ الْأَقْوَي أَنَّ الْمُتَعَدِّدَ فِي ذِمَّتِهِ مَعَ اتِّحَادِ نَوْعِ سَبَبِهِ كإِفْطَارِ يوْمَينِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَ خَلْفُ نَذْرَينِ كذَلِك نَعَمْ لَوْ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهُ تَوَجَّهَ ذَلِك لِيحْصُلَ التَّمْييزُ و أن اتَّفَقَ مِقْدَارُ الْكفَّارَةِ، وَ قِيلَ: لَا يفْتَقَرُ إلَيهِ مُطْلَقًا.

وَ عَلَي مَا اخْتَرْنَاهُ لَوْ أَطْلَقَ بَرَأَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ وَاحِدَةٍ لَا بِعَينِهَا فَيتَعَينُ فِي الْبَاقِي الْإِطْلَاقُ سَوَاءٌ كانَ بِعِتْقٍ أَمْ غَيرِهِ مِنْ الْخِصَالِ الْمُخَيرَةِ، أَوْ الْمُرَتَّبَةِ عَلَي تَقْدِيرِ الْعَجْزِ، و لو شَك فِي نَوْعِ مَا فِي ذِمَّتِهِ أَجْزَأَهُ الْإِطْلَاقُ عَنْ الْكفَّارَةِ عَلَي الْقَوْلَينِ، كمَا يجْزِيهِ الْعِتْقُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ لَوْ شَك بَينَ كفَّارَةٍ وَ نَذْرٍ، وَ لَا يجْزِي ذَلِك فِي الْأَوَّلِ كمَا لَا يجْزِي الْعِتْقُ مُطْلَقًا وَ لَا بِنِيةِ الْوُجُوبِ (وَمَعَ الْعَجْزِ) عَنْ الْعِتْقِ فِي الْمَرْتَبَةِ (يصُومُ شَهْرَينِ مُتَتَابِعَينِ) هِلَالِيينِ و أن نَقَصَا إنْ ابْتَدَأَ مِنْ أَوَّلِهِ، و لو ابْتَدَأَ مِنْ أَثْنَائِهِ أَكمَلَ مَا بَقِي مِنْهُ ثَلَاثِينَ بَعْدَ الثَّانِي، وَ أَجْزَأَهُ الْهِلَالِي فِي الثَّانِي، وَ لَا اقْتَصَرَ هُنَا عَلَي شَهْرٍ وَ يوْمٍ تَعَينَ الْعَدَدِي فِيهِمَا، وَ الْمُرَادُ بِالتَّتَابُعِ أَنْ

لَا يقْطَعَهُمَا و لو فِي شَهْرٍ وَ يوْمٍ بِالْإِفْطَارِ اخْتِيارًا و لو بِمُسَوِّغِهِ كالسَّفَرِ، وَ لَا يقْطَعُهُ غَيرُهُ كالْحَيضِ وَ الْمَرَضِ وَ السَّفَرِ الضَّرُورِي وَ الْوَاجِبِ، بَلْ يبْنِي عَلَي مَا مَضَي عِنْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ عَلَي الْفَوْرِ هَذَا إذَا فَاجَأَهُ السَّفَرُ.

أَمَّا لَوْ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ الشُّرُوعِ لَمْ يعْذَرْ لِلْقُدْرَةِ عَلَي التَّتَابُعِ فِي غَيرِهِ، كمَا لَوْ عَلِمَ بِدُخُولِ الْعِيدِ، بِخِلَافِ الْحَيضِ، لِلُزُومِهِ فِي الطَّبِيعَةِ عَادَةً، وَ الصَّبْرُ إلَي سِنِّ الْيأْسِ تَغْرِيرٌ بِالْوَاجِبِ، وَ إِضْرَارٌ بِالْمُكلَّفِ، وَ تَجِبُ فِيهِ النِّيةُ، وَ التَّعْيينُ كالْعِتْقِ، و ما يعْتَبَرُ فِي نِيتِهِ، و لو نَسِيهَا لَيلًا جَدَّدَهَا إلَي الزَّوَالِ فَإِنْ اسْتَمَرَّ إلَيهِ لَمْ يجُزْ و لم يقْطَعْ التَّتَابُعَ عَلَي الْأَقْوَي (وَمَعَ الْعَجْزِ) عَنْ الصِّيامِ (يطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكينًا) فِيمَا يجِبُ فِيهِ ذَلِك ككفَّارَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَ قَتْلِ الْخَطَأِ، وَ الظِّهَارِ، وَ النَّذْرِ لَا مُطْلَقَ الْمُرَتَّبَةِ فَإِنَّهُ فِي كفَّارَةِ إفْطَارِ قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَ كفَّارَةُ الْيمِينِ إطْعَامُ عَشَرَةٍ وَ أَطْلَقَ الْحُكمَ اتِّكالًا عَلَي مَا عَلِمَ (إمَّا إشْبَاعًا) فِي أَكلَةٍ وَاحِدَةٍ، (أَوْ تَسْلِيمِ مُدٍّ إلَي كلِّ وَاحِدٍ عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ) فَتْوَي وَ سَنَدًا وَ قِيلَ مُدَّانِ مُطْلَقًا، وَ قِيلَ: مَعَ الْقُدْرَةِ، وَ يتَسَاوَي فِي التَّسْلِيمِ الصَّغِيرُ وَ الْكبِيرُ مِنْ حَيثُ الْقَدْرُ و أن كانَ الْوَاجِبُ فِي الصَّغِيرِ تَسْلِيمُ الْوَلِي، وَ كذَا فِي الْإِشْبَاعِ إنْ اجْتَمَعُوا و لو انْفَرَدَ الصِّغَارُ اُحْتُسِبَ الِاثْنَانِ بِوَاحِدٍ وَ لَا يتَوَقَّفُ عَلَي إذْنِ الْوَلِي.

وَ لَا فَرْقَ بَينَ أَكلِ الصَّغِيرِ كالْكبِيرِ، وَ دُونِهِ، لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَ نُدُورِهِ، وَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّغِيرِ غَيرُ الْبَالِغِ مَعَ احْتِمَالِ الرُّجُوعِ إلَي الْعُرْفِ، و لو تَعَذَّرَ الْعَدَدُ فِي الْبَلَدِ وَجَبَ النَّقْلُ إلَي غَيرِهِ مَعَ الْإِمْكانِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ كرَّرَ عَلَي الْمَوْجُودِينَ فِي الْأَيامِ بِحَسَبِ الْمُتَخَلِّفِ.

وَ الْمُرَادُ بِالْمِسْكينِ هُنَا

مَنْ لَا يقْدِرُ عَلَي تَحْصِيلِ قُوتِ سَنَتِهِ فِعْلًا وَ قُوَّةً فَيشْمَلُ الْفَقِيرَ، وَ لَا يدْخُلُ الْغَارِمُ و أن اسْتَوْعَبَ دَينُهُ مَالَهُ، وَ يعْتَبَرُ فِيهِ الْإِيمَانُ، وَ عَدَمُ وُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَي الْمُعْطِي، أَمَّا عَلَي غَيرِهِ فَهُوَ غَنِي مَعَ بَذْلِ الْمُنْفِقِ، وَ الا فَلَا.

وَ بِالطَّعَامِ مُسَمَّاهُ كالْحِنْطَةِ وَ الشَّعِيرِ وَ دَقِيقِهِمَا وَ خُبْزِهِمَا و ما يغْلِبُ عَلَي قُوتِ الْبَلَدِ، وَ يجْزِي التَّمْرُ وَ الزَّبِيبُ مُطْلَقًا، وَ يعْتَبَرُ كوْنُهُ سَلِيمًا مِنْ الْعَيبِ وَ الْمَزْجِ بِغَيرِهِ، فَلَا يجْزِي الْمَسُوسُ، وَ الْمُمْتَزِجُ بِزَوَانٍ وَ تُرَابٍ غَيرِ مُعْتَادَينِ، وَ النِّيةُ مُقَارِنَةٌ لِلتَّسْلِيمِ إلَي الْمُسْتَحِقِّ، أَوْ وَكيلِهِ، أَوْ وَلِيهِ، أَوْ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَيهِ قَبْلَ إتْلَافِهِ، أَوْ نَقْلِهِ عَنْ مِلْكهِ، أَوْ لِلشُّرُوعِ فِي الْأَكلِ، و لو اجْتَمَعُوا فِيهِ فَفِي الِاكتِفَاءِ بِشُرُوعِ وَاحِدٍ، أَوْ وُجُوبِ تَعَدُّدِهَا مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ وَجْهَانِ.

(وَإِذَا كسَي الْفَقِيرَ فَثَوْبٌ) فِي الْأَصَحِّ، وَ الْمُعْتَبَرُ مُسَمَّاهُ مِنْ إزَارٍ وَرِدَاءٍ، وَ سَرَاوِيلَ، وَ قَمِيصٍ (وَلَوْ غَسِيلًا إذَا لَمْ ينْخَرِقْ) أَوْ ينْسَحِقْ جِدًّا بِحَيثُ لَا ينْتَفَعُ بِهِ إلَّا قَلِيلًا وِفَاقًا لِلدُّرُوسِ، وَ جِنْسُهُ الْقُطْنُ وَ الْكتَّانُ وَ الصُّوفُ وَ الْحَرِيرُ الْمُمْتَزِجُ، وَ الْخَالِصُ لِلنِّسَاءِ و غير الْبَالِغِينَ، دُونَ الرِّجَالِ وَ الْخَنَاثَي، وَ الْفَرْوُ وَ الْجِلْدُ الْمُعْتَادُ لُبْسُهُ وَ الْقَنْبُ وَ الشَّعْرُ كذَلِك، وَ يكفِي مَا يسَمَّي ثَوْبًا لِلصَّغِيرِ و أن كانُوا مُنْفَرِدِينَ، وَ لَا يتَكرَّرُ عَلَي الْمَوْجُودِينَ لَوْ تَعَذَّرَ الْعَدَدُ مُطْلَقًا، لِعَدَمِ النَّصِّ مَعَ احْتِمَالِهِ.

(وَكلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيهِ صَوْمُ شَهْرَينِ مُتَتَابِعَينِ فَعَجَزَ عَنْ صَوْمِهِمَا) أَجْمَعَ (صَامَ ثَمَانِيةَ عَشَرَ يوْمًا) و أن قَدَرَ عَلَي صَوْمِ أَزِيدَ مِنْهَا، (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ صَوْمِ الثَّمَانِيةَ عَشَرَ أَجْمَعَ (تَصَدَّقَ عَنْ كلِّ يوْمٍ) مِنْ الثَّمَانِيةَ عَشَرَ (بِمُدٍّ) مِنْ طَعَامٍ، وَ قِيلَ: عَنْ السِّتِّينَ، وَ يضْعُفُ بِسُقُوطِ حُكمِهَا قَبْلَ ذَلِك وَ

كوْنُهُ خِلَافَ الْمُتَبَادَرِ، وَ عَدَمِ صِحَّتِهِ فِي الْكفَّارَةِ الْمُخَيرَةِ، لِأَنَّ الْقَادِرَ عَلَي إطْعَامِ السِّتِّينَ يجْعَلُهُ أَصْلًا لَا بَدَلًا، بَلْ لَا يجْزِيهِ الثَّمَانِيةَ عَشَرَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَي إطْعَامِ السِّتِّينَ، لِأَنَّهَا بَدَلٌ اضْطِرَارِي، و هو بَدَلٌ اخْتِيارِي، (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ إطْعَامِ الْقَدْرِ الْمَذْكورِ و أن قَدَرَ عَلَي بَعْضِهِ (اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَي) و لو مَرَّةً بِنِيةِ الْكفَّارَةِ.

9 - كتاب النذر

الاشاره

9 - كتاب النذر

وَ تَوَابِعِهِ مِنْ الْعَهْدِ وَ الْيمِينِ (وَشَرْطُ النَّاذِرِ الْكمَالُ) بِالْبُلُوغِ وَ الْعَقْلِ، (وَالِاخْتِيارُ وَ الْقَصْدُ) إلَي مَدْلُولِ الصِّيغَةِ، (وَالْإِسْلَامُ، وَ الْحُرِّيةُ) فَلَا ينْعَقِدُ نَذْرُ الصَّبِي وَ الْمَجْنُونِ مُطْلَقًا، وَ لَا الْمُكرَهِ، وَ لَا غَيرِ الْقَاصِدِ كمُوقِعِ صِيغَتِهِ عَابِثًا، أَوْ لَاعِبًا، أَوْ سَكرَانَ، أَوْ غَاضِبًا غَضَبًا يرْفَعُ قَصْدَهُ إلَيهِ وَ لَا الْكافِرُ مُطْلَقًا، لِتَعَذُّرِ الْقُرْبَةِ عَلَي وَ جْهِهَا مِنْهُ و أن اُسْتُحِبَّ لَهُ الْوَفَاءُ بِهِ لَوْ أَسْلَمَ، وَ لَا نَذْرَ الْمَمْلُوك، (إلَّا أَنْ يجِيزَ الْمَالِك) قَبْلَ إيقَاعِ صِيغَتِهِ، أَوْ بَعْدَهُ عَلَي الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، (أَوْ تَزُولَ الرَّقَبَةُ) قَبْلَ الْحِلِّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ.

وَ الْأَقْوَي وُقُوعُهُ بِدُونِ الْإِذْنِ بَاطِلًا، لِنَفْي مَاهِيتِه فِي الْخَبَرِ الْمَحْمُولِ عَلَي نَفْي الصِّحَّةِ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْمَجَازَاتِ إلَي الْحَقِيقَةِ حَيثُ لَا يرَادُ نَفْيهَا، وَ عُمُومُ الْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ مَخْصُوصٌ بِنَذْرِ الْمَذْكورِ، كمَا دَلَّ عَلَيهِ الْخَبَرُ لَا بِنَذْرِهِ مَعَ النَّهْي (وَإِذْنُ الزَّوْجِ كإِذْنِ السَّيدِ) فِي اعْتِبَارِ تَوَقُّفِهِ عَلَيهَا سَابِقًا، أَوْ لُحُوقِهَا لَهُ قَبْلَ الْحِلِّ، أَوْ ارْتِفَاعِ الزَّوْجِيةِ قَبْلَهُ و لم يذْكرْ تَوَقُّفَ نَذْرِ الْوَلَدِ عَلَي إذْنِ الْوَالِدِ، لِعَدَمِ النَّصِّ الدَّالِّ عَلَيهِ هُنَا، و إنّما وَرَدَ فِي الْيمِينِ فَيبْقَي عَلَي أَصَالَةِ الصِّحَّةِ.

وَ فِي الدُّرُوسِ أَلْحَقَهُ بِهِمَا لِإِطْلَاقِ الْيمِينِ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ عَلَي النَّذْرِ كقَوْلِ الْكاظِمِ عَلَيهِ السَّلَامُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ جَارِيةٍ حَلَفَ مِنْهَا بِيمِينٍ فَقَالَ: لِلَّهِ عَلَي أَنْ لَا أَبِيعَهَا فَقَالَ:

فِ لِلَّهِ بِنَذْرِك، وَ الْإِطْلَاقُ و أن كانَ مِنْ كلَامِ السَّائِلِ إلَّا أَنَّ تَقْرِيرَ الْإِمَامِ لَهُ عَلَيهِ كتَلَفُّظِهِ بِهِ، وَ لِتُسَاوِيهِمَا فِي الْمَعْنَي، و علي هَذَا لَا وَجْهَ لِاخْتِصَاصِ الْحُكمِ بِالْوَلَدِ، بَلْ يجِبُ فِي الزَّوْجَةِ مِثْلُهُ، لِاشْتِرَاكهِمَا فِي الدَّلِيلِ نَفْيا وَ إِثْبَاتًا.

أَمَّا الْمَمْلُوك فَيمْكنُ اخْتِصَاصُهُ بِسَبَبِ الْحَجْرِ عَلَيهِ، وَ الْعَلَّامَةُ اقْتَصَرَ عَلَيهِ هُنَا و هو أَنْسَبُ، وَ الْمُحَقِّقُ شَرَّك بَينَهُ و بين الزَّوْجَةِ فِي الْحُكمِ كمَا هُنَا، وَ تَرَك الْوَلَدَ و ليس بِوَجْهٍ.

(وَالصِّيغَةُ:

إنْ كانَ كذَا فَلِلَّهِ عَلَي كذَا) هَذِهِ صِيغَةُ النَّذْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيهِ بِوَاسِطَةِ الشَّرْطِ، وَ يسْتَفَادُ مِنْ الصِّيغَةِ أَنَّ الْقُرْبَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي النَّذْرِ إجْمَاعًا لَا يشْتَرَطُ كوْنُهَا غَايةً لِلْفِعْلِ كغَيرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، بَلْ يكفِي تَضَمُّنُ الصِّيغَةِ لَهَا، و هو هُنَا مَوْجُودٌ بِقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَي و أن لَمْ يتْبِعْهَا بَعْدَ ذَلِك بِقَوْلِهِ: قُرْبَةٌ إلَي اللَّهِ أَوْ لِلَّهِ وَ نَحْوِهِ، و بهذا صَرَّحَ فِي الدُّرُوسِ وَ جَعَلَهُ أَقْرَبَ.

وَ هُوَ الْأَقْرَبُ.

وَ مَنْ لَا يكتَفِي بِذَلِك ينْظُرُ إلَي أَنَّ الْقُرْبَةَ غَايةٌ لِلْفِعْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَيهَا، وَ كوْنِهَا شَرْطًا لِلصِّيغَةِ وَ الشَّرْطُ مُغَايرٌ لِلْمَشْرُوطِ.

وَ يضْعُفُ بِأَنَّ الْقُرْبَةَ كافِيةٌ بِقَصْدِ الْفِعْلِ لِلَّهِ فِي غَيرِهِ كمَا أَشَرْنَا و هو هُنَا حَاصِلٌ، وَ التَّعْلِيلُ لَازِمٌ، وَ الْمُغَايرَةُ مُتَحَقِّقَةٌ، لِأَنَّ الصِّيغَةَ بِدُونِهَا إنْ كانَ كذَا فَعَلَي كذَا، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي النَّذْرِ الْوَعْدُ بِشَرْطٍ فَتَكونُ إضَافَةً لِلَّهِ خَارِجَةً.

وَ ضَابِطُهُ أَي ضَابِطُ النَّذْرِ

(وَضَابِطُهُ) أَي ضَابِطُ النَّذْرِ

وَ الْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الْمَنْذُورُ و هو الْمُلْتَزِمُ بِصِيغَةِ النَّذْرِ (أَنْ يكونَ طَاعَةً) وَاجِبًا كانَ، أَوْ مَنْدُوبًا، (أَوْ مُبَاحًا رَاجِحًا) فِي الدِّينِ، أَوْ الدُّنْيا، فَلَوْ كانَ مُتَسَاوِي الطَّرَفَينِ، أَوْ مَكرُوهًا أَوْ حَرَامًا الْتَزَمَ فِعْلَهُمَا لَمْ ينْعَقِدْ و هو فِي الْأَخِيرَينِ وِفَاقِي، و في المُتَسَاوِي قَوْلَانِ، فَظَاهِرُهُ هُنَا بُطْلَانُهُ، و في الدُّرُوسِ

رَجَّحَ صِحَّتَهُ، و هو أَجْوَدُ.

هَذَا إذَا لَمْ يشْتَمِلْ عَلَي شَرْطٍ، وَ الا فَسَيأْتِي اشْتِرَاطُ كوْنِهِ طَاعَةً لَا غَيرُ و في الدُّرُوسِ سَاوَي بَينَهُمَا فِي صِحَّةِ الْمُبَاحِ الرَّاجِحِ وَ الْمُتَسَاوِي.

وَ الْمَشْهُورُ مَا هُنَا.

(مَقْدُورًا لِلنَّاذِرِ) بِمَعْنَي صَلَاحِيةِ تَعَلُّقِ قُدْرَتِهِ بِهِ عَادَةً فِي الْوَقْتِ الْمَضْرُوبِ لَهُ فِعْلًا، أَوْ قُوَّةً، فَإِنْ كانَ وَقْتُهُ مُعَينًا اُعْتُبِرَتْ فِيهِ، و أن كانَ مُطْلَقًا فَالْعُمُرُ.

وَ اعْتَبَرْنَا ذَلِك مَعَ كوْنِ الْمُتَبَادَرِ الْقُدْرَةُ الْفِعْلِيةُ لِأَنَّهَا غَيرُ مُرَادَةٍ لَهُمْ، كمَا صَرَّحُوا بِهِ كثِيرًا، لِحُكمِهِمْ بِأَنَّ مَنْ نَذْرِ الْحَجَّ و هو عَاجِزٌ عَنْهُ بِالْفِعْلِ، لَكنَّهُ يرْجُو الْقُدْرَةَ ينْعَقِدُ نَذْرُهُ وَ يتَوَقَّعُهَا فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ خَرَجَ و هو عَاجِزٌ بَطَلَ، وَ كذَا لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالٍ و هو فَقِيرٌ، أَوْ نَذَرَتْ الْحَائِضُ الصَّوْمَ مُطْلَقًا، أَوْ فِي وَقْتٍ يمْكنُ فِعْلُهُ فِيهِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ و غير ذَلِك، و إنّما أَخْرَجُوا بِالْقَيدِ الْمُمْتَنِعَ عَادَةً كنَذْرِ الصُّعُودِ إلَي السَّمَاءِ، أَوْ عَقْلًا كالْكوْنِ فِي غَيرِ حَيزٍ، وَ الْجَمْعُ بَينَ الضِّدَّينِ، أَوْ شَرْعًا كالِاعْتِكافِ جُنُبًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَي الْغُسْلِ، و هذا الْقِسْمُ يمْكنُ دُخُولُهُ فِي كوْنِهِ طَاعَةً، أَوْ مُبَاحًا، فَيخْرُجُ بِهِ، أَوْ بِهِمَا.

(وَالْأَقْرَبُ احْتِياجُهُ إلَي اللَّفْظِ) فَلَا يكفِي النِّيةُ فِي انْعِقَادِهِ، و أن اُسْتُحِبَّ الْوَفَاءُ بِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْأَسْبَابِ، وَ الْأَصْلُ فِيهَا اللَّفْظُ الْكاشِفُ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ، وَ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ وَعْدٌ بِشَرْطٍ، أَوْ بِدُونِهِ، وَ الْوَعْدُ لَفْظِي، وَ الْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْلِ، وَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيخَانِ إلَي عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ لِلْأَصْلِ، وَ عُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَ لِقَوْلِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ الهِ: { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّياتِ، و إنّما لِكلِّ امْرِئٍ مَا نَوَي } و إنّما لِلْحَصْرِ، وَ الْبَاءُ سَبَبِيةٌ فَدَلَّ عَلَي حَصْرِ السَّبَبِيةِ فِيهَا، وَ اللَّفْظُ إنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي الْعُقُودِ لِيكونَ دَالًّا عَلَي الْإِعْلَامِ

بِمَا فِي الضَّمِيرِ، وَ الْعَقْدُ هُنَا مَعَ اللَّهِ الْعَالِمِ بِالسَّرَائِرِ وَ تَرَدَّدَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ، وَ الْعَلَّامَةُ فِي الْمُخْتَلِفِ، وَ رَجَّحَ فِي غَيرِهِ الْأَوَّلَ.

(وَ) كذَلِك الْأَقْرَبُ (انْعِقَادُ التَّبَرُّعِ) بِهِ مِنْ غَيرِ شَرْطٍ، لِمَا مَرَّ مِنْ الْأَصْلِ وَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَنَاوِلَةِ لَهُ.

وَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّهُ وَعْدٌ بِشَرْطٍ وَ الْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْلِ مُعَارَضٌ بِنَقْلِهِ أَنَّهُ به غير شَرْطٍ أَيضًا، وَ تَوَقُّفُ الْمُصَنِّفِ فِي الدُّرُوسِ وَ الصِّحَّةِ أَقْوَي.

(وَلَا بُدَّ مِنْ كوْنِ الْجَزَاءِ طَاعَةً) إنْ كانَ نَذْرَ مُجَازَاةٍ بِأَنْ يجْعَلَهُ أَحَدَ الْعِبَادَاتِ الْمَعْلُومَةِ، فَلَوْ كانَ مَرْجُوحًا، أَوْ مُبَاحًا لَمْ ينْعَقِدْ لِقَوْلِ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ فِي خَبَرِ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكنَانِي: لَيسَ النَّذْرُ بِشَيءٍ حَتَّي يسَمِّي شَيئًا لِلَّهِ صِيامًا، أَوْ صَدَقَةً، أَوْ هَدْيا، أَوْ حَجًّا، إلَّا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ يشْمَلُ الْمُتَبَرَّعَ بِهِ مِنْ غَيرِ شَرْطٍ وَ الْمُصَنِّفُ لَا يقُولُ بِهِ، وَ أَطْلَقَ الْأَكثَرُ اشْتِرَاطَ كوْنِهِ طَاعَةً، و في الدُّرُوسِ اسْتَقْرَبَ فِي الشَّرْطِ وَ الْجَزَاءِ جَوَازَ تَعَلُّقِهِمَا بِالْمُبَاحِ، مُحْتَجًّا بِالْخَبَرِ السَّابِقِ فِي بَيعِ الْجَارِيةِ وَ الْبَيعُ مُبَاحٌ إلَّا أَنْ يقْتَرِنَ بِعَوَارِضَ مُرَجِّحَةٍ.

(وَ) كوْنُ (الشَّرْطِ) و هو مَا عُلِّقَ الْمُلْتَزَمُ بِهِ عَلَيهِ (سَائِغًا) سَوَاءٌ كانَ رَاجِحًا، أَمْ مُبَاحًا (إنْ قَصَدَ) بِالْجَزَاءِ (الشُّكرَ) كقَوْلِهِ: إنْ حَجَجْت أَوْ رُزِقْت وَلَدًا، أَوْ مَلَكت كذَا فَلِلَّهِ عَلَي كذَا، مِنْ أَبْوَابِ الطَّاعَةِ.

(وَإِنْ قَصَدَ الزَّجْرَ) عَنْ فِعْلِهِ (اُشْتُرِطَ كوْنُهُ مَعْصِيةً، أَوْ مُبَاحًا رَاجِحًا فِيهِ الْمَنْعُ) كقَوْلِهِ: إنْ زَنَيت أَوْ بِعْت دَارِي مَعَ مَرْجُوحِيتِهِ فَلِلَّهِ عَلَي كذَا، و لو قَصَدَ فِي الْأَوَّلِ الزَّجْرَ، و في الثَّانِي الشُّكرَ لَمْ ينْعَقِدْ، وَ الْمِثَالُ وَاحِدٌ، و إنّما الْفَارِقُ الْقَصْدُ، وَ الْمَكرُوهُ كالْمُبَاحِ الْمَرْجُوحِ و أن لَمْ يكنْهُ فَكانَ عَلَيهِ أَنْ يذْكرَهُ، و لو انْتَفَي الْقَصْدُ فِي الْقِسْمَينِ لَمْ ينْعَقِدْ لِفَقْدِ الشَّرْطِ.

ثُمَّ الشَّرْطُ

إنْ كانَ مِنْ فِعْلِ النَّاذِرِ فَاعْتِبَارُ كوْنِهِ سَائِغًا وَاضِحٌ، و أن كانَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ كالْوَلَدِ وَ الْعَافِيةِ فَفِي إطْلَاقِ الْوَصْفِ عَلَيهِ تَجَوُّزٌ، و في الدُّرُوسِ اُعْتُبِرَ صَلَاحِيتُهُ، لِتَعَلُّقِ الشُّكرِ بِهِ و هو حَسَنٌ.

(وَالْعَهْدُ - كالنَّذْرِ) فِي جَمِيعِ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَ الْأَحْكامِ (وَصُورَتُهُ عَاهَدْت اللَّهَ، أَوْ عَلَي عَهْدُ اللَّهِ) أَنْ أَفْعَلَ كذَا، أَوْ أَتْرُكهُ، أَوْ إنْ فَعَلْت كذَا، أَوْ تَرَكته، أَوْ رُزِقْت كذَا فَعَلَي كذَا عَلَي الْوَجْهِ الْمُفَصَّلِ فِي الْأَقْسَامِ وَ الْخِلَافُ فِي انْعِقَادِهِ بِالضَّمِيرِ وَ مُجَرَّدًا عَنْ الشَّرْطِ مِثْلُهُ

وَ الْيمِينُ - هِي الْحَلِفُ بِاَللَّهِ

(وَالْيمِينُ - هِي الْحَلِفُ بِاَللَّهِ)

أَي بِذَاتِهِ تَعَالَي مِنْ غَيرِ اعْتِبَارِ اسْمِ مَنْ أَسْمَائِهِ (كقَوْلِهِ: وَ مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ وَ الْأَبْصَارِ وَ اَلذِي نَفْسِي بِيدِهِ، وَ اَلذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ)، لِأَنَّ الْمُقْسَمَ بِهِ فِيهَا مَدْلُولُ الْمَعْبُودِ بِالْحَقِّ إلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَ الْأَرْضِ مِنْ غَيرِ أَنْ يجْعَلَ اسْمًا لِلَّهِ تَعَالَي (أَوْ) الْحَلِفُ (بِاسْمِهِ) تَعَالَي الْمُخْتَصُّ بِهِ (كقَوْلِهِ: وَ اَللَّهِ وَ تَاللَّهِ وَ بِاَللَّهِ وَ أَيمَنُ اللَّهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَ كسْرِهَا مَعَ ضَمِّ النُّونِ وَ فَتْحِهَا، وَ كذَا مَا اقْتَطَعَ مِنْهَا لِلْقَسَمِ، و هو سَبْعَ عَشْرَةَ صِيغَةً، (أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ، أَوْ بِالْقَدِيمِ) بِالْمَعْنَي الْمُتَعَارَفِ اصْطِلَاحًا و هو الَّذِي لَا أَوَّلَ لِوُجُودِهِ، (أَوْ الْأَزَلِي أَوْ الَّذِي لَا أَوَّلَ لِوُجُودِهِ).

وَ مَا ذَكرَهُ هُنَا تَبَعًا لِلْعَلَّامَةِ وَ الْمُحَقِّقُ قَدْ اسْتَضْعَفَهُ فِي الدُّرُوسِ بِأَنَّ مَرْجِعَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ إلَي أَسْمَاءٍ تَدُلُّ عَلَي صِفَاتِ الْأَفْعَالِ كالْخَالِقِ وَ الرَّازِقِ الَّتِي هِي أَبْعَدُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَي صِفَاتِ الذَّاتِ كالرَّحْمَنِ وَ الرَّحِيمِ الَّتِي هِي دُونَ اسْمِ الذَّاتِ و هو اللَّهُ جَلَّ اسْمُهُ، بَلْ هُوَ الِاسْمُ الْجَامِعُ، وَ جَعَلَ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ هُوَ قَوْلُهُ: وَ اَللَّهِ وَ بِاَللَّهِ وَ تَاللَّهِ بِالْجَرِّ وَ أَيمَنُ اللَّهِ، و ما

اقْتَضَبَ مِنْهَا.

وَ فِيهِ أَنَّ هَذِهِ السِّمَاتِ.

الْمَذْكورَةَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَسْمَاءِ الْمُخْتَصَّةِ، وَ لَا الْمُشْتَرَكةِ؛ لِأَنَّهَا لَيسَتْ مَوْضُوعَةً لِلْعَلَمِيةِ، و إنّما هِي دَالَّةٌ عَلَي ذَاتِهِ بِوَاسِطَةِ الْأَوْصَافِ الْخَاصَّةِ بِهِ، بِخِلَافِ غَيرِهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلِاسْمِيةِ ابْتِدَاءً، فَكانَ مَا ذَكرُوهُ أَوْلَي مِمَّا تَعَقَّبَ بِهِ نَعَمْ لَوْ قِيلَ: بِأَنَّ الْجَمِيعَ حَلِفٌ بِاَللَّهِ مِنْ غَيرِ اعْتِبَارِ اسْمٍ جَمْعًا بَينَ مَا ذَكرْنَاهُ وَ حَقَّقَهُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ اسْمُهُ هُوَ الِاسْمُ الْجَامِعُ، و من ثَمَّ رَجَعَتْ الْأَسْمَاءُ إلَيهِ و لم يرْجِعْ إلَي شَيءٌ مِنْهَا، فَكانَ كالذَّاتِ كانَ حَسَنًا، وَ يرَادُ بِأَسْمَائِهِ مَا ينْصَرِفُ إطْلَاقُهَا إلَيهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لِلِاسْمِيةِ و أن أَمْكنَ فِيهَا الْمُشَارَكةُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا كالْقَدِيمِ وَ الْأَزَلِي وَ الرَّحْمَنِ وَ الرَّبِّ وَ الْخَالِقِ وَ الْبَارِي وَ الرَّازِقِ.

(وَلَا ينْعَقِدُ بِالْمَوْجُودِ وَ الْقَادِرِ وَ الْعَالِمِ) وَ الْحَي وَ السَّمِيعِ وَ الْبَصِيرِ و غيرهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكةِ بَينَهُ و بين غَيرِهِ مِنْ غَيرِ أَنْ تَغْلِبَ عَلَيهِ و أن نَوَي بِهَا الْحَلِفَ، لِسُقُوطِ حُرْمَتِهَا بِالْمُشَارَكةِ.

(وَلَا بِأَسْمَاءِ الْمَخْلُوقَاتِ الشَّرِيفَةِ) كالنَّبِي وَ الْأَئِمَّةِ وَ الْكعْبَةِ وَ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم: { مَنْ كانَ حَالِفًا فَلْيحْلِفْ بِاَللَّهِ، أَوْ لِيذَرْ }.

(وَإِتْبَاعُ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَي) لِلْيمِينِ

(يمْنَعُ الِانْعِقَادَ) و أن عُلِمَتْ مَشِيئَتُهُ لِمُتَعَلِّقِهِ كالْوَاجِبِ وَ الْمَنْدُوبِ عَلَي الْأَشْهَرِ، مَعَ اتِّصَالِهَا بِهِ عَادَةً، وَ نُطْقِهِ بِهَا، وَ لَا يقْدَحُ التَّنَفُّسُ وَ السُّعَالُ، وَ قَصْدُهُ إلَيهَا عِنْدَ النُّطْقِ بِهَا و أن انْتَفَتْ عِنْدَ الْيمِينِ، دُونَ الْعَكسِ وَ لَا فَرْقَ بَينَ قَصْدِ التَّبَرُّك، وَ التَّعْلِيقِ هُنَا، لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَ قَصَرَهُ الْعَلَّامَةُ عَلَي مَا لَا تُعْلَمُ مَشِيئَةُ اللَّهِ فِيهِ كالْمُبَاحِ، دُونَ الْوَاجِبِ، وَ النَّدْبِ، وَ تَرْك الْحَرَامِ، وَ الْمَكرُوهِ.

وَ النَّصُّ مُطْلَقٌ، وَ الْحُكمُ

نَادِرٌ.

وَ تَوْجِيهُهُ حَسَنٌ، لَكنَّهُ غَيرُ مَسْمُوعٍ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ.

(وَبِالتَّعْلِيقِ عَلَي مَشِيئَةِ الْغَيرِ يحْبِسُهَا)، وَ يوقِفُهَا عَلَي مَشِيئَتِهِ إنْ عَلَّقَ عَقْدَهَا عَلَيهِ كقَوْلِهِ: لَأَفْعَلَنَّ كذَا إنْ شَاءَ زَيدٌ، فَلَوْ جَهِلَ الشَّرْطَ لَمْ ينْعَقِدْ، و لو أَوْقَفَ حِلَّهَا عَلَيهِ كقَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يشَاءَ زَيدٌ انْعَقَدَتْ مَا لَمْ يشَأْ حِلَّهَا، فَلَا تَبْطُلُ إلَّا أَنْ يعْلَمَ الشَّرْطَ، وَ كذَا فِي جَانِبِ النَّفْي كقَوْلِهِ: لَا أَفْعَلُ إنْ شَاءَ زَيدٌ، أَوْ إلَّا أَنْ يشَاءَ فَيتَوَقَّفُ انْتِفَاؤُهُ عَلَي مَشِيئَتِهِ فِي الْأَوَّلِ، وَ ينْتَفِي بِدُونِهَا فِي الثَّانِي فَلَا يحْرُمُ الْفِعْلُ قَبْلَ مَشِيئَتِهِ، وَ لَا يحِلُّ قَبْلَهَا.

وَ مُتَعَلَّقُ الْيمِينِ كمُتَعَلَّقِ النَّذْرِ

(وَمُتَعَلَّقُ الْيمِينِ كمُتَعَلَّقِ النَّذْرِ)

فِي اعْتِبَارِ كوْنِهِ طَاعَةً، أَوْ مُبَاحًا رَاجِحًا دِينًا، أَوْ دُنْيا، أَوْ مُتَسَاوِيا، إلَّا أَنَّهُ لَا إشْكالَ هُنَا فِي تَعَلُّقِهَا بِالْمُبَاحِ، وَ مُرَاعَاةِ الْأَوْلَي فِيهَا، وَ تَرْجِيحِ مُقْتَضَي الْيمِينِ عِنْدَ التَّسَاوِي.

وَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ هُنَا عَدَمُ انْعِقَادِ الْمُتَسَاوِي، لِإِخْرَاجِهِ مِنْ ضَابِطِ النَّذْرِ، مَعَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ هُنَا كمَا اعْتَرَفَ بِهِ فِي الدُّرُوسِ، وَ الْأَوْلَوِيةُ مَتْبُوعَةٌ و لو طَرَأَتْ بَعْدَ الْيمِينِ، فَلَوْ كانَ الْبِرُّ أَوْلَي فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ صَارَتْ الْمُخَالَفَةُ أَوْلَي اتَّبَعَ وَ لَا كفَّارَةَ، وَ فِي عَوْدِ الْيمِينِ بِعَوْدِهَا بَعْدَ انْحِلَالِهَا وَجْهَانِ، أَمَّا لَوْ لَمْ ينْعَقِدْ ابْتِدَاءً لِلْمَرْجُوحِيةِ لَمْ تَعُدْ و أن تَجَدَّدَتْ بَعْدَ ذَلِك مَعَ احْتِمَالِهِ. وَ اعْلَمْ أَنَّ الْكفَّارَةَ تَجِبُ بِمُخَالَفَةِ مُقْتَضَي الثَّلَاثَةِ عَمْدًا لَا اخْتِيارًا، فَلَوْ خَالَفَ نَاسِيا، أَوْ مُكرَهًا، أَوْ جَاهِلًا فَلَا حِنْثَ، لِرَفْعِ الْخَطَإِ وَ النِّسْيانِ و ما اُسْتُكرِهُوا عَلَيهِ، وَ حَيثُ تَجِبُ الْكفَّارَةُ تَنْحَلُّ و هل تَنْحَلُّ فِي الْبَاقِي وَجْهَانِ، وَ اسْتَقْرَبَ الْمُصَنِّفُ فِي قَوَاعِدِهِ الِانْحِلَالَ، لِحُصُولِ الْمُخَالَفَةِ و هي لَا تَتَكرَّرُ كمَا لَوْ تَعَمَّدَ و أن افْتَرَقَا بِوُجُوبِ الْكفَّارَةِ وَ عَدَمِهَا.

10 - كتاب القضاء

الاشاره

10 - كتاب القضاء

(وَهُوَ) وَاجِبٌ كفَايةً فِي حَقِّ الصَّالِحِينَ لَهُ، إلَّا أَنَّهُ مَعَ حُضُورِ الْإِمَامِ (وَظِيفَةُ الْإِمَامِ عَلَيهِ السَّلَامُ، أَوْ نَائِبِهِ) فَيلْزَمُهُ نَصْبُ قَاضٍ فِي النَّاحِيةِ لِيقُومَ بِهِ، وَ يجِبُ عَلَي مَنْ عَينَهُ الْإِجَابَةُ، و لو لَمْ يعَينْ وَجَبَتْ كفَايةً، فَإِنْ لَمْ يكنْ أَهْلًا إلَّا وَاحِدٌ تَعَينَتْ عَلَيهِ، و لو لَمْ يعْلَمْ بِهِ الْإِمَامُ لَزِمَهُ الطَّلَبُ، وَ فِي اسْتِحْبَابِهِ مَعَ التَّعَدُّدِ عَينًا قَوْلَانِ أَجْوَدُهُمَا ذَلِك مَعَ الْوُثُوقِ مِنْ نَفْسِهِ بِالْقِيامِ بِهِ. (وَفِي الْغَيبَةِ ينْفُذُ قَضَاءُ الْفَقِيهِ الْجَامِعِ لِشَرَائِطِ الْإِفْتَاءِ) و هي الْبُلُوغُ وَ الْعَقْلُ وَ الذُّكورَةُ وَ الْإِيمَانُ وَ الْعَدَالَةُ وَ طَهَارَةُ الْمَوْلِدِ إجْمَاعًا، وَ

الْكتَابَةُ وَ الْحُرِّيةُ وَ الْبَصَرُ عَلَي الْأَشْهَرِ، وَ النُّطْقُ وَ غَلَبَةُ الذِّكرِ، وَ الاجْتِهَادُ فِي الْأَحْكامِ الشَّرْعِيةِ وَ أُصُولِهَا، وَ يتَحَقَّقُ بِمَعْرِفَةِ الْمُقَدَّمَاتِ السِّتِّ و هي الْكلَامُ، وَ الْأُصُولُ، وَ النَّحْوُ، وَ التَّصْرِيفُ، وَ لُغَةُ الْعَرَبِ، وَ شَرَائِطُ الْأَدِلَّةِ، وَ الْأُصُولُ الْأَرْبَعَةُ و هي الْكتَابُ، وَ السُّنَّةُ، وَ الْإِجْمَاعُ، وَ دَلِيلُ الْعَقْلِ.

وَ الْمُعْتَبَرُ مِنْ الْكلَامِ مَا يعْرِفُ بِهِ اللَّهَ تَعَالَي، و ما يلْزَمُهُ مِنْ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَ الْإِكرَامِ وَ عَدْلِهِ و حكمتِهِ، وَ نُبُوَّةِ نَبِينَا صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ عِصْمَتِهِ وَ إِمَامَةِ الْأَئِمَّةِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ كذَلِك، لِيحْصُلَ الْوُثُوقُ بِخَبَرِهِمْ، وَ يتَحَقَّقَ الْحُجَّةَ بِهِ، وَ التَّصْدِيقُ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِنْ أَحْوَالِ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ، كلُّ ذَلِك بِالدَّلِيلِ التَّفْصِيلِي.

وَ لَا يشْتَرَطُ الزِّيادَةُ عَلَي ذَلِك بِالِاطِّلَاعِ عَلَي مَا حَقَّقَهُ الْمُتَكلِّمُونَ مِنْ أَحْكامِ الْجَوَاهِرِ وَ الْأَعْرَاضِ، و ما اشْتَمَلَتْ عَلَيهِ كتُبُهُ مِنْ الْحِكمَةِ وَ الْمُقَدِّمَاتِ، وَ الاعْتِرَاضَاتِ، وَ أَجْوِبَةِ الشُّبُهَاتِ و أن وَجَبَ مَعْرِفَتُهُ كفَايةً مِنْ جِهَةٍ أُخْرَي، و من ثَمَّ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ بِأَنَّ الْكلَامَ لَيسَ شَرْطًا فِي التَّفَقُّهِ، فَإِنَّ مَا يتَوَقَّفُ عَلَيهِ مِنْهُ مُشْتَرَك بَينَ سَائِرِ الْمُكلَّفِينَ.

وَ مِنْ الْأُصُولِ مَا يعْرِفُ بِهِ أَدِلَّةَ الْأَحْكامِ مِنْ الْأَمْرِ وَ النَّهْي، وَ الْعُمُومِ وَ الْخُصُوصِ، وَ الْإِطْلَاقِ وَ التَّقْييدِ، وَ الْإِجْمَالِ وَ الْبَيانِ و غيرهَا مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيهِ مَقَاصِدُهُ، و من النَّحْوِ وَ التَّصْرِيفِ مَا يخْتَلِفُ الْمَعْنَي بِاخْتِلَافِهِ لِيحْصُلَ بِسَبَبِهِ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ مِنْ الْخِطَابِ، وَ لَا يعْتَبَرُ الِاسْتِقْصَاءُ فِيهِ عَلَي الْوَجْهِ التَّامِّ، بَلْ يكفِي الْوَسَطُ مِنْهُ فَمَا دُونَ، و من اللُّغَةِ مَا يحْصُلُ بِهِ فَهْمُ كلَامِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ نُوَّابِهِ عَلَيهِمْ السَّلَامُ بِالْحِفْظِ، أَوْ الرُّجُوعِ إلَي أَصْلٍ مُصَحَّحٍ يشْتَمِلُ عَلَي

مَعَانِي الْأَلْفَاظِ الْمُتَدَاوَلَةِ فِي ذَلِك.

وَ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدِلَّةِ مَعْرِفَةُ الْأَشْكالِ الِاقْتِرَانِيةِ، وَ الاسْتِثْنَائِية، و ما يتَوَقَّفُ عَلَيهِ مِنْ الْمَعَانِي الْمُفْرَدَةِ و غيرهَا، وَ لَا يشْتَرَطُ الِاسْتِقْصَاءُ فِي ذَلِك بَلْ يقْتَصَرُ عَلَي الْمُجْزِئِ مِنْهُ، و ما زَادَ عَلَيهِ فَهُوَ مُجَرَّدُ تَضْييعٍ لِلْعُمُرِ، وَ تَرْجِئَةٌ لِلْوَقْتِ وَ الْمُعْتَبَرُ مِنْ الْكتَابِ الْكرِيمِ مَعْرِفَةُ مَا يتَعَلَّقُ بِالْأَحْكامِ و هو نَحْوُ مِنْ خَمْسِمِائَةِ آيةٍ، إمَّا بِحِفْظِهَا، أَوْ فَهْمِ مُقْتَضَاهَا لِيرْجِعَ إلَيهَا مَتَي شَاءَ، وَ يتَوَقَّفَ عَلَي مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ مِنْهَا مِنْ الْمَنْسُوخِ، و لو بِالرُّجُوعِ إلَي أَصْلٍ يشْتَمِلُ عَلَيهِ.

وَ مِنْ السُّنَّةِ جَمِيعُ مَا اشْتَمَلَ مِنْهَا عَلَي الْأَحْكامِ، و لو فِي أَصْلٍ مُصَحَّحٍ رَوَاهُ عَنْ عَدْلٍ بِسَنَدٍ مُتَّصِلٍ إلَي النَّبِي وَ الْأَئِمَّةِ، وَ يعْرِفُ الصَّحِيحَ مِنْهَا وَ الْحَسَنَ، وَ الْمُوَثَّقَ وَ الضَّعِيفَ، وَ الْمَوْقُوفَ وَ الْمُرْسَلَ، وَ الْمُتَوَاتِرَ وَ الْآحَادَ، و غيرهَا مِنْ الِاصْطِلَاحَاتِ الَّتِي دُوِّنَتْ فِي رِوَايةِ الْحَدِيثِ، الْمُفْتَقِرِ إلَيهَا فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكامِ، و هي أُمُورٌ اصْطِلَاحِيةٌ تَوْقِيفِيةٌ، لَا مَبَاحِثَ عِلْمِيةٌ، وَ يدْخُلُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مَعْرِفَةُ أَحْوَالِهَا عِنْدَ التَّعَارُضِ وَ كثِيرٌ مِنْ أَحْكامِهَا، و من الْإِجْمَاعِ وَ الْخِلَافِ أَنْ يعْرِفَ أَنَّ مَا يفْتِي بِهِ لَا يخَالِفُ الْإِجْمَاعَ، إمَّا به وجود مُوَافِقٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، أَوْ بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ عَلَي أَنَّهُ وَاقِعَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ لَمْ يبْحَثْ عَنْهَا السَّابِقُونَ بِحَيثُ حَصَلَ فِيهَا أَحَدُ الْأَمْرَينِ، لَا مَعْرِفَةُ كلِّ مَسْأَلَةٍ أَجْمَعُوا عَلَيهَا، أَوْ اخْتَلَفُوا، وَ دَلَالَةُ الْعَقْلِ مِنْ الِاسْتِصْحَابِ وَ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيةِ و غيرهِمَا دَاخِلَةٌ فِي الْأُصُولِ، وَ كذَا مَعْرِفَةُ مَا يحْتَجُّ بِهِ مِنْ الْقِياسِ، بَلْ يشْتَمِلُ كثِيرٌ مِنْ مُخْتَصَرَاتِ أُصُولِ الْفِقْهِ كالتَّهْذِيبِ وَ مُخْتَصَرِ الْأُصُولِ لِابْنِ الْحَاجِبِ عَلَي مَا يحْتَاجُ إلَيهِ مِنْ شَرَائِطِ الدَّلِيلِ الْمُدَوَّنِ فِي عِلْمِ الْمِيزَانِ، وَ كثِيرٍ مِنْ كتُبِ النَّحْوِ عَلَي مَا يحْتَاجُ

إلَيهِ مِنْ التَّصْرِيفِ.

نَعَمْ يشْتَرَطُ مَعَ ذَلِك كلِّهِ أَنْ يكونَ لَهُ قُوَّةٌ يتَمَكنُ بِهَا مِنْ رَدِّ الْفُرُوعِ إلَي أُصُولِهَا وَ اسْتِنْبَاطِهَا مِنْهَا.

وَ هَذِهِ هِي الْعُمْدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَ الا فَتَحْصِيلُ تِلْك الْمُقَدِّمَاتِ قَدْ صَارَتْ فِي زَمَانِنَا سَهْلَةً لِكثْرَةِ مَا حَقَّقَهُ الْعُلَمَاءُ وَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا، وَ فِي بَيانِ اسْتِعْمَالِهَا، و إنّما تِلْك الْقُوَّةُ بِيدِ اللَّهِ تَعَالَي يؤْتِيهَا مَنْ يشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ عَلَي وَفْقِ حِكمَتِهِ وَ مُرَادِهِ، وَ لِكثْرَةِ الْمُجَاهَدَةِ وَ الْمُمَارَسَةِ لِأَهْلِهَا مَدْخَلٌ عَظِيمٌ فِي تَحْصِيلِهَا، { وَ اَلذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِينَّهُمْ سُبُلَنَا و أنّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }: وَ إِذَا تَحَقَّقَ الْمُفْتِي بِهَذَا الْوَصْفِ وَجَبَ عَلَي النَّاسِ التَّرَافُعُ إلَيهِ، وَ قَبُولُ قَوْلِهِ، وَ الْتِزَامُ حُكمِهِ، لِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ مِنْ الْإِمَامِ عَلَيهِ السَّلَامُ عَلَي الْعُمُومِ بِقَوْلِهِ: " اُنْظُرُوا إلَي رَجُلٍ مِنْكمْ قَدْ رَوَي حَدِيثَنَا، وَ عَرَفَ أَحْكامَنَا فَاجْعَلُوهُ قَاضِيا فَإِنِّي قَدْ جَعَلْته قَاضِيا فَتَحَاكمُوا إلَيهِ ".

وَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: " فَارْضَوْا بِهِ حَكمًا، فَإِنِّي قَدْ جَعَلْته عَلَيكمْ حَاكمًا فَإِذَا حَكمَ بِحُكمِنَا فَلَمْ يقْبَلْ مِنْهُ، فَإِنَّمَا بِحُكمِ اللَّهِ اُسْتُخِفَّ، وَ عَلَينَا رَدَّ، وَ الرَّادُّ عَلَينَا رَادٌّ عَلَي اللَّهِ، و هو عَلَي حَدِّ الشِّرْك بِاَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ". (فَمَنْ عَدَلَ عَنْهُ إلَي قُضَاةِ الْجَوْرِ كانَ عَاصِيا) فَاسِقًا؛ لِأَنَّ ذَلِك كبِيرَةٌ عِنْدَنَا، فَفِي مَقْبُولِ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ السَّابِقِ: " مَنْ تَحَاكمَ إلَي طَاغُوتٍ فَحَكمَ لَهُ فَإِنَّمَا يأْخُذُ سُحْتًا و أن كانَ حَقُّهُ ثَابِتًا، لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِحُكمِ الطَّاغُوتِ، و قد أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يكفَرَ بِهَا "، و مثله كثِيرٌ.

(وَتَثْبُتُ وِلَايةُ الْقَاضِي) الْمَنْصُوبِ مِنْ الْإِمَامِ (بِالشِّياعِ) و هو إخْبَارُ جَمَاعَةٍ بِهِ يغْلِبُ عَلَي الظَّنِّ صِدْقُهُمْ، (أَوْ بِشَهَادَةِ عَدْلَينِ) و أن لَمْ تَكنْ بَينَ يدَي حَاكمٍ، بَلْ يثْبُتُ بِهِمَا أَمْرُهُ عِنْدَ كلِّ

مَنْ سَمِعَهُمَا، وَ لَا يثْبُتُ بِالْوَاحِدِ، وَ لَا بِقَوْلِهِ و أن شَهِدَتْ لَهُ الْقَرَائِنُ، وَ لَا بِالْخَطِّ مَعَ أَمْنِ التَّزْوِيرِ مَعَ احْتِمَالِهِ.

(وَلَا بُدَّ) فِي الْقَاضِي الْمَنْصُوبِ

(وَلَا بُدَّ) فِي الْقَاضِي الْمَنْصُوبِ

مَنْ الْإِمَامِ (مِنْ الْكمَالِ) بِالْبُلُوغِ وَ الْعَقْلِ، وَ طَهَارَةِ الْمَوْلِدِ، (وَالْعَدَالَةِ)، وَ يدْخُلُ فِيهَا الْإِيمَانُ، (وَأَهْلِيةِ الْإِفْتَاءِ) بِالْعِلْمِ بِالْأُمُورِ الْمَذْكورَةِ، (وَالذُّكورَةِ، وَ الْكتَابَةِ) لِعُسْرِ الضَّبْطِ بِدُونِهَا لِغَيرِ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ الهِ، (وَالْبَصَرِ)، لِافْتِقَارِهِ إلَي التَّمْييزِ بَينَ الْخُصُومِ، وَ تَعَذُّرِ ذَلِك مَعَ الْعَمَي فِي حَقِّ غَيرِ النَّبِي، وَ قِيلَ: إنَّهَا لَيسَا بِشَرْطٍ، لِانْتِفَاءِ الْأَوَّلِ فِي النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ الهِ، وَ الثَّانِي فِي شُعَيبَ عَلَيهِ السَّلَامُ، وَ لِإِمْكانِ الضَّبْطِ بِدُونِهِمَا بِالْحِفْظِ وَ الشُّهُودِ.

وَ بَقِي مِنْ الشَّرَائِطِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الْمُصَنِّفُ و غيرهُ غَلَبَةُ الْحِفْظِ، وَ انْتِفَاءُ الْخَرَسِ وَ الْحُرِّيةُ عَلَي خِلَافٍ فِي الْأَخِيرِ وَ يمْكنُ دُخُولُ الْأَوَّلِ فِي شَرْطِ الْكمَالِ، وَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْأَخِيرِ هُنَا مَعَ أَنَّهُ قَطَعَ بِهِ فِي الدُّرُوسِ، و ليس دُخُولُ الثَّانِي فِي الْكمَالِ أَوْلَي مِنْ دُخُولِ الْبَصَرِ وَ الْكتَابَةِ فَكانَ اللَّازِمُ ذِكرُهُ، أَوْ إدْخَالُ الْجَمِيعِ فِي الْكمَالِ. و هذه الشَّرَائِطُ كلُّهَا مُعْتَبَرَةٌ فِي الْقَاضِي مُطْلَقًا (إلَّا فِي قَاضِي التَّحْكيمِ) و هو الَّذِي تَرَاضَي بِهِ الْخَصْمَانِ لِيحْكمَ بَينَهُمَا مَعَ وُجُودِ قَاضٍ مَنْصُوبٍ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ عَلَيهِ السَّلَامُ و ذلك فِي حَالِ حُضُورِهِ فَإِنَّ حُكمَهُ مَاضٍ عَلَيهِمَا، و أن لَمْ يسْتَجْمِعْ جَمِيعَ هَذِهِ الشَّرَائِطِ.

هَذَا مُقْتَضَي الْعِبَارَةِ، و لكن لَيسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يجُوزُ خُلُوُّهُ مِنْهَا أَجْمَعَ، فَإِنَّ اسْتِجْمَاعَهُ لِشَرَائِطِ الْفَتْوَي شَرْطٌ إجْمَاعًا، وَ كذَا بُلُوغُهُ، وَ عَقْلُهُ، وَ طَهَارَةُ مَوْلِدِهِ، وَ غَلَبَةُ حِفْظِهِ، وَعَدَالَتُهُ، و إنّما يقَعُ الِاشْتِبَاهُ فِي الْبَاقِي، وَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ قَطَعَ بِأَنَّ شُرُوطَ قَاضِي التَّحْكيمِ هِي شُرُوطُ الْقَاضِي الْمَنْصُوبِ أَجْمَعَ مِنْ غَيرِ اسْتِثْنَاءٍ،

وَ كذَلِك قَطَعَ بِهِ الْمُحَقِّقُ فِي الشَّرَائِعِ، وَ الْعَلَّامَةُ فِي كتُبِهِ وَ وَلَدُهُ فَخْرُ الْمُحَقِّقِينَ فِي الشَّرْحِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: التَّحْكيمُ الشَّرْعِي هُوَ أَنْ يحَكمَ الْخَصْمَانِ وَاحِدًا جَامِعًا لِشَرَائِطِ الْحُكمِ سِوَي نَصِّ مَنْ لَهُ تَوْلِيتُهُ شَرْعًا عَلَيهِ بِوِلَايةِ الْقَضَاءِ.

وَ يمْكنُ حَمْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ عَلَي ذَلِك بِجَعْلِهِ اسْتِثْنَاءً مِنْ اعْتِبَارِ جَمِيعِ الشَّرَائِطِ كلِّهَا الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا تَوْلِيتُهُ الْمَدْلُولَ عَلَيهِ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا أَوْ نَائِبَهُ، ثُمَّ قَوْلُهُ: وَ تَثْبُتُ وِلَايةُ الْقَاضِي إلَخْ، ثُمَّ ذَكرَ بَاقِي الشَّرَائِطِ فَيصِيرُ التَّقْدِيرُ أَنَّهُ يشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي اجْتِمَاعُ مَا ذَكرَ إلَّا قَاضِي التَّحْكيمِ فَلَا يشْتَرَطُ فِيهِ اجْتِمَاعُهُ، لِصِحَّتِهِ بِدُونِ التَّوْلِيةِ، و هذا هُوَ الْأَنْسَبُ بِفَتْوَي الْمُصَنِّفِ وَ الْأَصْحَابِ.

وَ يمْكنُ عَلَي بُعْدٍ أَنْ يسْتَثْنَي مِنْ الشَّرْطِ الْمَذْكورِ أَمْرٌ آخَرُ بِأَنْ لَا يعْتَبِرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا فِيهِ الْبَصَرَ وَ الْكتَابَةَ، لِأَنَّ حُكمَهُ فِي وَاقِعَةٍ، أَوْ وَقَائِعَ خَاصَّةٍ يمْكنُ ضَبْطُهَا بِدُونِهِمَا، أَوْ لَا يجِبُ عَلَيهِ ضَبْطُهَا، لِأَنَّهُ قَاضِي تَرَاضٍ مِنْ الْخَصْمَينِ فَقَدْ قَدِمَا عَلَي ذَلِك، و من أَرَادَ مِنْهُمَا ضَبْطَ مَا يحْتَاجُ إلَيهِ أَشْهَدَ عَلَيهِ، مَعَ أَنَّ فِي الشَّرْطَينِ خِلَافًا فِي مُطْلَقِ الْقَاضِي، فَفِيهِ أَوْلَي بِالْجَوَازِ، لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ الْوَارِدِ فِي الْعَامِّ بِكثْرَةِ الْوَقَائِعِ، وَ عُسْرِ الضَّبْطِ بِدُونِهِمَا، و أمّا الذُّكورِيةُ فَلَمْ ينْقُلْ أَحَدٌ فِيهَا خِلَافًا وَ يبْعُدُ اخْتِصَاصُ قَاضِي التَّحْكيمِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا و أن كانَ مُحْتَمَلًا، وَ لَا ضَرُورَةَ هُنَا إلَي اسْتِثْنَائِهَا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هُوَ الْمَجْمُوعُ لَا الْأَفْرَادُ.

وَ اعْلَمْ أَنَّ قَاضِي التَّحْكيمِ لَا يتَصَوَّرُ فِي حَالِ الْغَيبَةِ مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ إنْ كانَ مُجْتَهِدًا نَفَذَ حُكمُهُ به غير تَحْكيمٍ، وَ الا لَمْ ينْفُذْ حُكمُهُ مُطْلَقًا إجْمَاعًا، و إنّما يتَحَقَّقُ مَعَ جَمْعِهِ لِلشَّرَائِطِ حَالَ حُضُورِهِ عَلَيهِ السَّلَامُ وَ عَدَمِ نَصْبِهِ كمَا بَينَّاهُ.

وَ قَدْ تَحَرَّرَ مِنْ ذَلِك: أَنَّ الِاجْتِهَادَ شَرْطٌ فِي

الْقَاضِي فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ وَ الْأَحْوَالِ، و هو مَوْضِعُ وِفَاقٍ.

وَ هَلْ يشْتَرَطُ فِي نُفُوذِ حُكمِ قَاضِي التَّحْكيمِ تَرَاضِي الْخَصْمَينِ بِهِ بَعْدَهُ قَوْلَانِ: أَجْوَدُهُمَا الْعَدَمُ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ.

(وَيجُوزُ ارْتِزَاقُ الْقَاضِي مَنْ بَيتِ الْمَالِ مَعَ الْحَاجَةِ)

إلَي الِارْتِزَاقِ لِعَدَمِ الْمَالِ، أَوْ الْوَصْلَةِ إلَيهِ، سَوَاءٌ تَعَينَ الْقَضَاءُ عَلَيهِ أَمْ لَا، لِأَنَّ بَيتَ الْمَالِ مُعَدٌّ لِلْمَصَالِحِ و هو مِنْ أَعْظَمِهَا.

وَ قِيلَ: لَا يجُوزُ مَعَ تَعَينِهِ عَلَيهِ لِوُجُوبِهِ، وَ يضَعَّفُ بِأَنَّ الْمَنْعَ حِينَئِذٍ مِنْ الْأُجْرَةِ لَا مِنْ الرِّزْقِ، (وَلَا يجُوزُ الْجُعَلُ)، وَ لَا الْأُجْرَةُ (مِنْ الْخُصُومِ)، وَ لَا مِنْ غَيرِهِمْ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَي الرِّشَا.

(وَالْمُرْتَزِقَةِ) مِنْ بَيتِ الْمَالِ (وَالْمُؤَذِّنِ، وَ الْقَاسِمِ، وَ الْكاتِبِ) لِلْإِمَامِ، أَوْ لِضَبْطِ بَيتِ الْمَالِ، أَوْ الْحُجَجِ، وَ نَحْوِهَا مِنْ الْمَصَالِحِ، (وَمُعَلِّمِ الْقُرْآنِ وَ الْآدَابِ) كالْعَرَبِيةِ، وَ عِلْمِ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، وَ نَحْوِهَا، (وَصَاحِبِ الدِّيوَانِ) الَّذِي بِيدِهِ ضَبْطُ الْقُضَاةِ وَ الْجُنْدِ وَ أَرْزَاقِهِمْ وَ نَحْوِهَا مِنْ الْمَصَالِحِ، (وَوَالِي بَيتِ الْمَالِ) الَّذِي يحْفَظُهُ وَ يضْبِطُهُ وَ يعْطِي مِنْهُ مَا يؤْمَرُ بِهِ وَ نَحْوُهُ، و ليس الِارْتِزَاقُ مُنْحَصِرًا فِيمَنْ ذُكرَ، بَلْ مَصْرِفُهُ كلُّ مَصْلَحَةٍ مِنْ مَصَالِحِ الْإِسْلَامِ لَيسَ لَهَا جِهَةٌ غَيرُهُ، أَوْ قَصُرَتْ جِهَتُهَا عَنْهَا.

(وَيجِبُ عَلَي الْقَاضِي التَّسْوِيةُ بَينَ الْخَصْمَينِ

(وَيجِبُ عَلَي الْقَاضِي التَّسْوِيةُ بَينَ الْخَصْمَينِ

فِي الْكلَامِ) مَعَهُمَا، (وَالسَّلَامُ) عَلَيهِمَا، وَ رَدُّهُ إذَا سَلَّمَا، (وَالنَّظَرُ) إلَيهِمَا، (وَ) غَيرُهَا مِنْ (أَنْوَاعِ الْإِكرَامِ) كالْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ، وَ الْقِيامِ، وَ الْمَجْلِسِ وَ طَلَاقَةِ الْوَجْهِ، (وَالْإِنْصَاتُ) لِكلَامِهِمَا، (وَالْإِنْصَافُ) لِكلٍّ مِنْهُمَا إذَا وَقَعَ مِنْهُ مَا يقْتَضِيه، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَينَ الْأَصْحَابِ.

وَ ذَهَبَ سَلَّارُ وَ الْعَلَّامَةُ فِي الْمُخْتَلِفِ إلَي أَنَّ التَّسْوِيةَ بَينَهُمَا مُسْتَحَبَّةٌ عَمَلًا بِأَصَالَةِ الْبَرَاءَةِ، وَ اسْتِضْعَافًا لِمُسْتَنَدِ الْوُجُوبِ، هَذَا إذَا كانَا مُسْلِمَينِ، أَوْ كافِرَينِ، (وَ) لَوْ كانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَ الْآخَرُ كافِرًا كانَ (لَهُ أَنْ يرْفَعَ الْمُسْلِمَ عَلَي الْكافِرِ فِي الْمَجْلِسِ)

رَفْعًا صُورِيا، أَوْ مَعْنَوِيا كقُرْبِهِ إلَي الْقَاضِي أَوْ عَلَي يمِينِهِ كمَا جَلَسَ عَلِي عَلَيهِ السَّلَامُ بِجَنْبِ شُرَيحٍ فِي خُصُومَةٍ لَهُ مَعَ يهُودِي، (وَأَنْ يجْلِسَ الْمُسْلِمُ مَعَ قِيامِ الْكافِرِ).

وَ هَلْ تَجِبُ التَّسْوِيةُ بَينَهُمَا فِيمَا عَدَا ذَلِك ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ و غيرهَا ذَلِك، وَ يحْتَمَلُ تَعَدِّيهِ إلَي غَيرِهِ مِنْ وُجُوهِ الْإِكرَامِ. (وَلَا تَجِبُ) (التَّسْوِيةُ) بَينَ الْخَصْمَينِ مُطْلَقًا (فِي الْمَيلِ الْقَلْبِي)، إذْ لَا غَضَاضَةَ فِيهِ عَلَي النَّاقِصِ، وَ لَا إدْلَالَ لِلْمُتَّصِفِ، لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمَا، وَ لَا غَيرِهِمَا عَلَيهِ.

نَعَمْ تُسْتَحَبُّ التَّسْوِيةُ فِيهِ مَا أَمْكنَ. (وَإِذَا بَدَرَ أَحَدُ الْخَصْمَينِ بِدَعْوَي سَمِعَ مِنْهُ) وُجُوبًا تِلْك الدَّعْوَي لَا جَمِيعَ مَا يرِيدُهُ مِنْهَا، و لو قَالَ الْآخَرُ كنْت أَنَا الْمُدَّعِي لَمْ يلْتَفِتْ إلَيهِ حَتَّي تَنْتَهِي تِلْك الْحُكومَةُ، (وَلَوْ ابْتَدَرَا) مَعًا (سَمِعَ مِنْ الَّذِي عَلَي يمِينِ صَاحِبِهِ) دَعْوَي وَاحِدَةً، ثُمَّ سَمِعَ دَعْوَي الْآخَرِ لِرِوَايةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيهِ السَّلَامُ، وَ قِيلَ: يقْرِعُ بَينَهُمَا لِوُرُودِهَا لِكلِّ مُشْكلٍ و هذا مِنْهُ، و مثله مَا لَوْ تَزَاحَمَ الطَّلَبَةُ عِنْدَ مُدَرِّسٍ وَ الْمُسْتَفْتُونَ عِنْدَ الْمُفْتِي مَعَ وُجُوبِ التَّعْلِيمِ وَ الْإِفْتَاءِ، لَكنْ هُنَا يقَدَّمُ الْأَسْبَقُ، فَإِنْ جَهِلَ، أَوْ جَاءُوا مَعًا أَقْرَعَ بَينَهُمْ، و لو جَمَعَهُمْ عَلَي دَرْسٍ وَاحِدٍ مَعَ تَقَارُبِ أَفْهَامِهِمْ جَازَ، وَ الا فَلَا، (وَإِذَا سَكتَا) فَلَهُ أَنْ يسْكتَ حَتَّي يتَكلَّمَا، و أن شَاءَ (فَلْيقُلْ: لِيتَكلَّمْ الْمُدَّعِي مِنْكمَا، أَوْ تَكلَّمَا)، أَوْ يأْمُرُ مَنْ يقُولُ: ذَلِك، (وَيكرَهُ تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِالْخِطَابِ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرْجِيحِ الَّذِي أَقَلُّ مَرَاتِبِهِ الْكرَاهَةُ.

(وَتَحْرُمُ الرُّشْوَةُ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَ كسْرِهَا، و هو أَخْذُهُ مَالًا مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ غَيرِهِمَا عَلَي الْحُكمِ، أَوْ الْهِدَايةِ إلَي شَيءٍ مِنْ وُجُوهِهِ سَوَاءٌ حَكمَ لِبَاذِلِهَا بِحَقٍّ أَمْ بَاطِلٍ.

وَ عَلَي تَحْرِيمِهَا إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَ عَنْ الْبَاقِرِ عَلَيهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ الْكفْرُ

بِاَللَّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ كمَا تَحْرُمُ عَلَي الْمُرْتَشِي تَحْرُمُ عَلَي الْمُعْطِي، لِإِعَانَتِهِ عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوَانِ، إلَّا أَنْ يتَوَقَّفَ عَلَيهَا تَحْصِيلُ حَقِّهِ فَتَحْرُمُ عَلَي الْمُرْتَشِي خَاصَّةً (فَتَجِبُ إعَادَتُهَا) مَعَ وُجُودِهَا، وَ مَعَ تَلَفِهَا الْمِثْلُ، أَوْ الْقِيمَةُ، (وَتَلْقِينُ أَحَدِ الْخَصْمَينِ حُجَّتَهُ) أَوْ مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَي خَصْمِهِ، وَ إِذَا ادَّعَي الْمُدَّعِي (فَإِنْ وَضَحَ الْحُكمُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، إذَا الْتَمَسَهُ الْمَقْضِي لَهُ) فَيقُولُ: حَكمْت، أَوْ قَضَيت، أَوْ أَنَفَذَتْ، أَوْ مَضَيت، أَوْ أَلْزَمْت، وَ لَا يكفِي ثَبَتَ عِنْدِي، أَوْ أَنَّ دَعْوَاك ثَابِتَةٌ.

وَ فِي أَخْرِجْ إلَيهِ مِنْ حَقِّهِ، أَوْ أَمَرَهُ بِأَخْذِهِ الْعَينَ، أَوْ التَّصَرُّفِ فِيهَا قَوْلٌ جَزَمَ بِهِ الْعَلَّامَةُ، وَ تَوَقَّفَ الْمُصَنِّفُ.

(وَيسْتَحَبُّ) لَهُ قَبْلَ الْحُكمِ (تَرْغِيبُهُمَا فِي الصُّلْحِ) فَإِنْ تَعَذَّرَ حَكمَ بِمُقْتَضَي الشَّرْعِ، فَإِنْ اشْتَبَهَ أَرْجَأَ حَتَّي يتَبَينَ، وَ عَلَيهِ الِاجْتِهَادُ فِي تَحْصِيلِهِ، وَ يكرَهُ (أَنْ يشْفَعَ) إلَي الْمُسْتَحِقِّ (فِي إسْقَاطِ حَقٍّ)، أَوْ إلَي الْمُدَّعِي (فِي إبْطَالِ) دَعْوَي، (أَوْ يتَّخِذَ حَاجِبًا وَقْتَ الْقَضَاءِ) لِنَهْي النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم عَنْهُ (أَوْ يقْضِي مَعَ اشْتِغَالِ الْقَلْبِ بِنُعَاسٍ، أَوْ هَمٍّ، أَوْ غَمٍّ، أَوْ غَضَبٍ، أَوْ جُوعٍ)، أَوْ شِبَعٍ مُفْرِطَينِ أَوْ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَينِ، أَوْ وَجَعٍ و لو قَضَي مَعَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا نَفَذَ.

الْقَوْلُ فِي كيفِيةِ الْحُكمِ

الْقَوْلُ فِي كيفِيةِ الْحُكمِ

(الْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي يتْرَك لَوْ تَرَك) الْخُصُومَةَ و هو الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ الَّذِي يخَلَّي وَ سُكوتَهُ، وَ قِيلَ هُوَ مَنْ يخَالِفُ قَوْلُهُ الْأَصْلَ، أَوْ الظَّاهِرَ، (وَالْمُنْكرُ مُقَابِلُهُ) فِي الْجَمِيعِ، وَ لَا يخْتَلِفُ مُوجِبُهَا غَالِبًا، كمَا إذَا طَالَبَ زَيدٌ عَمْرًا بِدَينٍ فِي ذِمَّتِهِ، أَوْ عَينٍ فِي يدِهِ فَأَنْكرَ فَزَيدٌ لَوْ سَكتَ تُرِك، وَ يخَالِفُ قَوْلُهُ الْأَصْلَ، لِأَصَالَةِ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ عَمْرٍو مِنْ الدَّينِ، وَ عَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّ زَيدٍ بِالْعَينِ، وَ يخَالِفُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ مِنْ بَرَاءَةِ عَمْرٍو، وَ

عَمْرٌو لَا يتْرَك، وَ يوَافِقُ قَوْلُهُ الْأَصْلَ وَ الظَّاهِرَ.

فَهُوَ مُدَّعًي عَلَيهِ وَ زَيدٌ مُدَّعٍ عَلَي الْجَمِيعِ.

وَ قَدْ يخْتَلِفُ كمَا إذَا أَسْلَمَ زَوْجَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَالَ الزَّوْجُ: أَسْلَمْنَا مَعًا فَالنِّكاحُ بَاقٍ، و قالتْ: مُرَتَّبًا فَلَا نِكاحَ.

فَهِي عَلَي الْأَوَّلَينِ مُدَّعِيةٌ، لِأَنَّهَا لَوْ تَرَكتْ الْخُصُومَةَ لَتُرِكتْ وَ اسْتَمَرَّ النِّكاحُ الْمَعْلُومُ وُقُوعُهُ وَ الزَّوْجُ لَا يتْرَك لَوْ سَكتَ عَنْهَا لِزَعْمِهَا انْفِسَاخَ النِّكاحِ، وَ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَاقُبِ، لِاسْتِدْعَائِهِ تَقَدُّمَ أَحَدِ الْحَادِثَينِ عَلَي الْآخَرِ وَ الْأَصْلُ عَدَمُهُ، و علي الظَّاهِرِ الزَّوْجُ مُدَّعٍ، لِبُعْدِ التَّسَاوُقِ فَعَلَي الْأَوَّلَينِ يحْلِفُ الزَّوْجُ وَ يسْتَمِرُّ النِّكاحُ و علي الثَّالِثِ تَحْلِفُ الْمَرْأَةُ وَ يبْطُلُ، وَ كذَا لَوْ ادَّعَي الزَّوْجُ الْإِنْفَاقَ مَعَ اجْتِمَاعِهِمَا وَ يسَارِهِ وَ أَنْكرَتْهُ، فَمَعَهُ الظَّاهِرُ، وَ مَعَهَا الْأَصْلُ.

وَ حَيثُ عُرِفَ الْمُدَّعِي فَادَّعَي دَعْوَي مُلْزِمَةً مَعْلُومَةً جَازِمَةً قُبِلَتْ اتِّفَاقًا.

وَ إِنْ تَخَلَّفَ الْأَوَّلُ كدَعْوَي هِبَةٍ غَيرِ مَقْبُوضَةٍ، أَوْ وَقَفَ كذَلِك، أَوْ رَهَنَ عِنْدَ مُشْتَرِطِهِ لَمْ تُسْمَعْ و أن تَخَلَّفَ الثَّانِي كدَعْوَي شَيءٍ وَ ثَوْبٍ وَ فَرَسٍ فَفِي سَمَاعِهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا و هو الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ الْعَدَمُ، لِعَدَمِ فَائِدَتِهَا و هو حُكمُ الْحَاكمِ بِهَا لَوْ أَجَابَ الْمُدَّعَي عَلَيهِ بِنَعَمْ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ضَبْطِ الْمِثْلِي بِصِفَاتِهِ، وَ الْقِيمِي بِقِيمَتِهِ، وَ الْأَثْمَانِ بِجِنْسِهَا وَ نَوْعِهَا وَ قَدْرِهَا و أن كانَ الْبَيعُ وَ شَبَهُهُ ينْصَرِفُ إطْلَاقُهُ إلَي نَقْدِ الْبَلَدِ، لِأَنَّهُ إيجَابٌ فِي الْحَالِ و هو غَيرُ مُخْتَلِفٍ، وَ الدَّعْوَي إخْبَارٌ عَنْ الْمَاضِي و هو مُخْتَلِفٌ.

وَ الثَّانِي: و هو الْأَقْوَي السَّمَاعُ، لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَي وُجُوبِ الْحُكمِ، و ما ذُكرَ لَا يصْلُحُ لِلتَّقْييدِ، لِإِمْكانِ الْحُكمِ بِالْمَجْهُولِ، فَيحْبَسُ حَتَّي يبَينَهُ كالْإِقْرَارِ، وَ لِأَنَّ الْمُدَّعِي رُبَّمَا يعْلَمُ حَقَّهُ بِوَجْهٍ مَا خَاصَّةً بِأَنْ يعْلَمَ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ ثَوْبًا، أَوْ فَرَسًا،

وَ لَا يعْلَمَ شَخْصَهُمَا، وَ لَا صِفَتَهُمَا، فَلَوْ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ بَطَلَ حَقُّهُ، فَالْمُقْتَضِي لَهُ مَوْجُودٌ، وَ الْمَانِعُ مَفْقُودٌ.

وَ الْفَرْقُ بَينَ الْإِقْرَارِ وَ الدَّعْوَي بِأَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ طُولِبَ بِالتَّفْصِيلِ رُبَّمَا رَجَعَ، وَ الْمُدَّعِي لَا يرْجِعُ لِوُجُودِ دَاعِي الْحَاجَةِ فِيهِ دُونَهُ غَيرَ كافٍ فِي ذَلِك، لِمَا ذَكرْنَاهُ و أن تَخَلَّفَ الثَّالِثُ و هو الْجَزْمُ بِأَنْ صَرَّحَ بِالظَّنِّ، أَوْ الْوَهْمِ فَفِي سَمَاعِهَا أَوْجُهٌ أَوْجَهُهَا السَّمَاعُ فِيمَا يعْسُرُ الِاطِّلَاعُ عَلَيهِ كالْقَتْلِ، وَ السَّرِقَةِ، دُونَ الْمُعَامَلَاتِ، و أن لَمْ يتَوَجَّهْ عَلَي الْمُدَّعِي هُنَا الْحَلِفُ بِرَدٍّ، وَ لَا نُكولٍ، وَ لَا مَعَ شَاهِدٍ، بَلْ إنْ حَلَفَ الْمُنْكرُ، أَوْ أَقَرَّ، أَوْ نَكلَ وَ قَضَينَا بِهِ، وَ الا وَقَفَتْ الدَّعْوَي.

إذَا تَقَرَّرَ ذَلِك فَإِذَا ادَّعَي دَعْوَي مَسْمُوعَةٍ طُولِبَ الْمُدَّعَي عَلَيهِ بِالْجَوَابِ.

(وَجَوَابُ الْمُدَّعَي عَلَيهِ إمَّا إقْرَارٌ) بِالْحَقِّ الْمُدَّعَي بِهِ أَجْمَعَ، (أَوْ إنْكارٌ) لَهُ أَجْمَعَ، أَوْ مُرَكبٌ مِنْهُمَا فَيلْزَمُهُ حُكمُهُمَا، (أَوْ سُكوتٌ) وَ جَعْلُ السُّكوتِ جَوَابًا مَجَازٌ شَائِعٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَكثِيرًا مَا يقَالُ: تَرْك الْجَوَابِ جَوَابُ الْمَقَالِ، (فَالْإِقْرَارُ يمْضِي) عَلَي الْمُقِرِّ (مَعَ الْكمَالِ) أَي كمَالِ الْمُقِرِّ عَلَي وَجْهٍ يسْمَعُ إقْرَارُهُ بِالْبُلُوغِ، وَ الْعَقْلِ مُطْلَقًا، وَ رُفِعَ الْحَجْرُ فِيمَا يمْتَنِعُ نُفُوذُهُ بِهِ، وَ سَيأْتِي تَفْصِيلُهُ، فَإِنْ الْتَمَسَ الْمُدَّعِي حِينَئِذٍ الْحُكمَ حُكمَ عَلَيهِ فَيقُولُ: أَلْزَمْتُك ذَلِك، أَوْ قَضَيت عَلَيك بِهِ.

(وَلَوْ الْتَمَسَ) الْمُدَّعِي مِنْ الْحَاكمِ (كتَابَةَ إقْرَارِهِ كتَبَ وَ أَشْهَدَ مَعَ مَعْرِفَتِهِ، أَوْ شَهَادَةِ عَدْلَينِ بِمَعْرِفَتِهِ، أَوْ اقْتِنَاعِهِ بِحِلِّيتِهِ) لَا بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ و أن صَادَقَهُ الْمُدَّعِي، حَذَرًا مِنْ تَوَاطُئِهِمَا عَلَي نَسَبٍ لِغَيرِهِمَا، لِيلْزِمَا ذَا النَّسَبِ بِمَا لَا يسْتَحِقُّ عَلَيهِ، (فَإِنْ ادَّعَي الْإِعْسَارَ) و هو عَجْزُهُ عَنْ أَدَاءِ الْحَقِّ لِعَدَمِ مِلْكهِ لِمَا زَادَ عَنْ دَارِهِ وَ ثِيابِهِ اللَّائِقَةِ بِحَالِهِ وَ دَابَّتِهِ وَ خَادِمِهِ كذَلِك، وَ قُوتِ يوْمٍ وَ لَيلَةٍ

لَهُ وَ لِعِيالِهِ الْوَاجِبَي النَّفَقَةِ.

(وَثَبَتَ صِدْقُهُ) فِيهِ (بِبَينَةٍ مُطَّلِعَةٍ عَلَي بَاطِنِ أَمْرِهِ) مُرَاقِبَةٍ لَهُ فِي خَلَوَاتِهِ، وَاجِدَةٍ صَبْرَهُ عَلَي مَا لَا يصْبِرُ عَلَيهِ وَاجِدُ الْمَالِ عَادَةً حَتَّي ظَهَرَ لَهَا قَرَائِنُ الْفَقْرِ، وَ مُخَايلُ الْإِضَاقَةِ، مَعَ شَهَادَتِهَا عَلَي نَحْوِ ذَلِك بِمَا يتَضَمَّنُ الْإِثْبَاتَ، لَا عَلَي النَّفْي الصِّرْفِ، (أَوْ بِتَصْدِيقِ خَصْمِهِ) لَهُ عَلَي الْإِعْسَارِ، (أَوْ كانَ أَصْلُ الدَّعْوَي به غير مَالٍ)، بَلْ جِنَايةٌ أَوْجَبَتْ مَالًا، أَوْ إتْلَافًا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ، لِأَصَالَةِ عَدَمِ الْمَالِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كانَ أَصْلُ الدَّعْوَي مَالًا فَإِنَّ أَصَالَةَ بَقَائِهِ تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِ، و إنّما يثْبُتُ إعْسَارُهُ بِأَحَدِ الْأَمْرَينِ: الْبَينَةِ أَوْ تَصْدِيقِ الْغَرِيمِ وَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يتَوَقَّفُ مَعَ الْبَينَةِ عَلَي الْيمِينِ و هو أَجْوَدُ الْقَوْلَينِ، و لو شَهِدَتْ الْبَينَةُ بِالْإِعْسَارِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فَأَوْلَي بِعَدَمِ الْيمِينِ، و علي تَقْدِيرِ كوْنِ الدَّعْوَي لَيسَتْ مَالًا (وَحَلَفَ) عَلَي الْإِعْسَارِ (تُرِك) إلَي أَنْ يقْدِرَ، وَ لَا يكلَّفُ التَّكسُّبَ فِي الْمَشْهُورِ، و أن وَجَبَ عَلَيهِ السَّعْي عَلَي وَفَاءِ الدَّينِ، (وَإِلَّا) يتَّفِقْ ذَلِك بِأَنْ لَمْ يقِمْ بَينَةً، وَ لَا صَادَقَهُ الْغَرِيمُ مُطْلَقًا، وَ لَا حَلَفَ حَيثُ لَا يكونُ أَصْلُ الدَّعْوَي مَالًا (حُبِسَ) وَ بُحِثَ عَنْ بَاطِنِ أَمْرِهِ (حَتَّي يعْلَمَ حَالُهُ) فَإِنْ عُلِمَ لَهُ مَالٌ أُمِرَ بِالْوَفَاءِ، فَإِنْ امْتَنَعَ بَاشَرَهُ الْقَاضِي و لو بِبَيعِ مَالِهِ إنْ كانَ مُخَالِفًا لِلْحَقِّ، و أن عُلِمَ عَدَمُ الْمَالِ، أَوْ لَمْ يفِ الْمَوْجُودُ بِوَفَاءِ الْجَمِيعِ أَطْلَقَ بَعْدَ صَرْفِ الْمَوْجُودِ.

(وَأَمَّا الْإِنْكارُ فَإِنْ كانَ الْحَاكمُ عَالِمًا) بِالْحَقِّ (قَضَي بِعِلْمِهِ) مُطْلَقًا عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ، وَ لَا فَرْقَ بَينَ عِلْمِهِ بِهِ فِي حَالِ وِلَايتِهِ وَ مَكانِهَا و غيرهِمَا، و ليس لَهُ حِينَئِذٍ طَلَبُ الْبَينَةِ مِنْ الْمُدَّعِي مَعَ فَقْدِهَا قَطْعًا، وَ لَا مَعَ وُجُودِهَا عَلَي الْأَقْوَي و

أن قَصَدَ دَفْعَ التُّهْمَةِ، إلَّا مَعَ رِضَاءِ الْمُدَّعِي.

وَ الْمُرَادُ بِعِلْمِهِ هُنَا الْعِلْمُ الْخَاصُّ و هو الِاطِّلَاعُ الْجَازِمُ، لَا بِمِثْلِ وُجُودِ خَطِّهِ بِهِ إذَا لَمْ يذْكرْ الْوَاقِعَةَ و أن أَمِنَ التَّزْوِيرَ.

نَعَمْ لَوْ شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ بِحُكمِهِ بِهِ و لم يتَذَكرْ فَالْأَقْوَي جَوَازُ الْقَضَاءِ كمَا لَوْ شَهِدَا بِذَلِك عِنْدَ غَيرِهِ.

وَ وَجْهُ الْمَنْعِ إمْكانُ رُجُوعِهِ إلَي الْعِلْمِ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ، بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا عِنْدَ الْحَاكمِ عَلَي حُكمِ غَيرِهِ فَإِنَّهُ يكفِي الظَّنُّ، تَنْزِيلًا لِكلِّ بَابٍ عَلَي الْمُمْكنِ فِيهِ، و لو شَهِدَا عَلَيهِ بِشَهَادَتِهِ بِهِ، لَا بِحُكمِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كذَلِك (وَإِلَّا) يعْلَمُ الْحَاكمُ بِالْحَقِّ (طَلَبَ الْبَينَةَ) مِنْ الْمُدَّعِي إنْ لَمْ يكنْ عَالِمًا بِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْمُطَالَبَةِ بِهَا، وَ الا جَازَ لِلْحَاكمِ السُّكوتُ، (فَإِنْ قَالَ: لَا بَينَةَ لِي عَرَّفَهُ أَنَّ لَهُ إحْلَافَهُ، فَإِنْ طَلَبَهُ) أَي طَلَبَ إحْلَافَهُ (حَلَّفَهُ [الْحَاكمُ]، وَ لَا يتَبَرَّعُ) الْحَاكمُ (بِإِحْلَافِهِ)، لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمُدَّعِي فَلَا يسْتَوْفَي بِدُونِ مُطَالَبَتِهِ و أن كانَ إيقَاعُهُ إلَي الْحَاكمِ، فَلَوْ تَبَرَّعَ الْمُنْكرُ بِهِ، أَوْ اسْتَحْلَفَهُ الْحَاكمُ مِنْ دُونِ الْتِمَاسِ الْمُدَّعِي لَغَا، (وَ) كذَا (لَا يسْتَقِلُّ بِهِ الْغَرِيمُ مِنْ دُونِ إذْنِ الْحَاكمِ) لِمَا قُلْنَاهُ: مِنْ أَنَّ إيقَاعَهُ مَوْقُوفٌ عَلَي إذْنِهِ و أن كانَ حَقًّا لِغَيرِهِ، لِأَنَّهُ وَظِيفَتُهُ، (فَإِنْ حَلَفَ) الْمُنْكرُ عَلَي الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ (سَقَطَتْ الدَّعْوَي عَنْهُ) و أن بَقِي الْحَقُّ فِي ذِمَّتِهِ (وَحَرُمَ مُقَاصَّتُهُ بِهِ) لَوْ ظَفِرَ لَهُ الْمُدَّعِي بِمَالٍ و أن كانَ مُمَاثِلًا لِحَقِّهِ، إلَّا أَنْ يكذِّبَ الْمُنْكرُ نَفْسَهُ بَعْدَ ذَلِك.

(وَ) كذَا (لَا تُسْمَعُ الْبَينَةُ) مِنْ الْمُدَّعِي (بَعْدَهُ) أَي بَعْدَ حَلِفِ الْمُنْكرِ عَلَي أَصَحِّ الْأَقْوَالِ، لِصَحِيحَةِ ابْنِ أَبِي يعْفُورٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ إذَا رَضِي صَاحِبُ الْحَقِّ بِيمِينِ الْمُنْكرِ بِحَقِّهِ فَاسْتَحْلَفَهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا حَقَّ لَهُ قِبَلَهُ و أن أَقَامَ بَعْدَ مَا اسْتَحْلَفَهُ خَمْسِينَ قَسَامَةً، فَإِنَّ

الْيمِينَ قَدْ أَبْطَلَتْ كلَّ مَا ادَّعَاهُ، و غيرهَا مِنْ الْأَخْبَارِ.

وَ قِيلَ: تُسْمَعُ بَينَتُهُ مُطْلَقًا، وَ قِيلَ: مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِالْبَينَةِ وَقْتَ تَحْلِيفِهِ و لو بِنِسْيانِهَا.

وَ الْأَخْبَارُ حُجَّةٌ عَلَيهِمَا.

(وَإِنْ لَمْ يحْلِفْ) الْمُدَّعَي عَلَيهِ (وَرَدَّ الْيمِينَ) عَلَي الْمُدَّعِي (حَلَفَ الْمُدَّعِي) إنْ كانَتْ دَعْوَاهُ قَطْعِيةً، وَ الا لَمْ يتَوَجَّهْ الرَّدُّ عَلَيهِ كمَا مَرَّ وَ كذَا لَوْ كانَ الْمُدَّعِي وَلِيا، أَوْ وَصِيا فَإِنَّهُ لَا يمِينَ عَلَيهِ و أن عَلِمَ بِالْحَالِ بَلْ يلْزَمُ الْمُنْكرُ بِالْحَلِفِ فَإِنْ أَبَي حُبِسَ إلَي أَنْ يحْلِفَ، أَوْ يقْضَي بِنُكولِهِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) الْمُدَّعِي مِنْ الْحَلِفِ حَيثُ يتَوَجَّهُ عَلَيهِ (سَقَطَتْ دَعْوَاهُ) فِي هَذَا الْمَجْلِسِ قَطْعًا، وَ فِي غَيرِهِ عَلَي قَوْلٍ مَشْهُورٍ، إلَّا أَنْ يأْتِي بِبَينَةٍ، و لو اسْتَمْهَلَ أُمْهِلَ، بِخِلَافِ الْمُنْكرِ.

وَ لَوْ طَلَبَ الْمُدَّعِي إحْضَارَ الْمَالِ قَبْلَ حَلِفِهِ فَفِي إجَابَتِهِ قَوْلَانِ: أَجْوَدُهُمَا الْعَدَمُ، وَ مَتَي حَلَفَ الْمُدَّعِي ثَبَتَ حَقُّهُ لَكنْ هَلْ يكونُ حَلِفُهُ كإِقْرَارِ الْغَرِيمِ، أَوْ كالْبَينَةِ قَوْلَانِ: أَجْوَدُهُمَا الْأَوَّلُ.

وَ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي مَوَاضِعَ كثِيرَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ، (وَإِنْ نَكلَ) الْمُنْكرُ عَنْ الْيمِينِ وَ عَنْ رَدِّهَا عَلَي الْمُدَّعِي بِأَنْ قَالَ: أَنَا نَاكلٌ، أَوْ قَالَ: لَا أَحْلِفُ عَقِيبَ قَوْلِ الْحَاكمِ لَهُ: احْلِفْ، أَوْ لَا أَرُدُّ (رُدَّتْ الْيمِينُ أَيضًا) عَلَي الْمُدَّعِي بَعْدَ أَنْ يقُولَ الْحَاكمُ لِلْمُنْكرِ: إنْ حَلَفْت، وَ الا جَعَلْتُك نَاكلًا وَ رَدَدْت الْيمِينَ، مَرَّةً وَ يسْتَحَبُّ ثَلَاثًا فَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعِي ثَبَتَ حَقُّهُ، و أن نَكلَ فَكمَا مَرَّ.

(وَ قِيلَ) وَ الْقَائِلُ بِهِ الشَّيخَانِ وَ الصَّدُوقَانِ وَ جَمَاعَةٌ: (يقْضَي) عَلَي الْمُنْكرِ بِالْحَقِّ (بِنُكولِهِ)، لِصَحِيحَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ أَنَّهُ حَكي عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ أَنَّهُ أَلْزَمَ أَخْرَسَ بِدَينٍ اُدُّعِي عَلَيهِ فَأَنْكرَ وَ نَكلَ عَنْ الْيمِينِ فَأَلْزَمَهُ بِالدَّينِ بِامْتِنَاعِهِ عَنْ الْيمِينِ.

(وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ)، لِأَنَّ

النُّكولَ أَعَمُّ مِنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ، لِجَوَازِ تَرْكهِ إجْلَالًا، وَ لَا دَلَالَةَ لِلْعَامِّ عَلَي الْخَاصِّ، وَ لِمَا رُوِي عَنْ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ { أَنَّهُ رَدَّ - الْيمِينَ عَلَي صَاحِبِ الْحَقِّ }، وَ لِلْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَي رَدِّ الْيمِينِ عَلَي الْمُدَّعِي مِنْ غَيرِ تَفْصِيلٍ، وَ لِأَنَّ الْحُكمَ مَبْنِي عَلَي الِاحْتِياطِ التَّامِّ، وَ لَا يحْصُلُ إلَّا بِالْيمِينِ، وَ فِي هَذِهِ الْأَدِلَّةِ نَظَرٌ بَينٌ.

(وَإِنْ قَالَ) الْمُدَّعِي مَعَ إنْكارِ غَرِيمِهِ (لِي بَينَةٌ عَرَّفَهُ) الْحَاكمُ (أَنَّ لَهُ إحْضَارَهَا، وَ لْيقُلْ: أَحْضِرْهَا إنْ شِئْت) إنْ لَمْ يعْلَمْ ذَلِك (فَإِنْ ذَكرَ غَيبَتَهَا خَيرَهُ بَينَ إحْلَافِ الْغَرِيمِ وَ الصَّبْرِ)، وَ كذَا يتَخَيرُ بَينَ إحْلَافِهِ وَ إِقَامَةِ الْبَينَةِ و أن كانَتْ حَاضِرَةً، و ليس لَهُ طَلَبُ إحْلَافِهِ، ثُمَّ إقَامَةُ الْبَينَةِ، فَإِنْ طَلَبَ إحْلَافَهُ فَفِيهِ مَا مَرَّ، و أن طَلَبَ إحْضَارَهَا أَمْهَلَهُ إلَي أَنْ يحْضِرَ، (وَلَيسَ لَهُ إلْزَامُهُ بِكفِيلٍ) لِلْغَرِيمِ، (وَلَا مُلَازَمَتُهُ) لِأَنَّهُ تَعْجِيلُ عُقُوبَةٍ لَمْ يثْبُتْ مُوجِبُهَا.

وَ قِيلَ: لَهُ ذَلِك، (وَإِنْ أَحْضَرَهَا وَ عَرَفَ الْحَاكمُ الْعَدَالَةَ) فِيهَا (حَكمَ) بِشَهَادَتِهَا بَعْدَ الْتِمَاسِ الْمُدَّعِي سُؤَالَهَا وَ الْحُكمَ، ثُمَّ لَا يقُولُ لَهُمَا: اشْهَدَا بَلْ مَنْ كانَ عِنْدَهُ كلَامٌ أَوْ شَهَادَةٌ ذَكرَ مَا عِنْدَهُ إنْ شَاءَ، فَإِنْ أَجَابَا بِمَا لَا يثْبُتُ بِهِ حَقٌّ طَرَحَ قَوْلَهُمَا، و أن قَطَعَا بِالْحَقِّ، وَ طَابَقَ الدَّعْوَي، وَ عَرَفَ الْعَدَالَةَ حَكمَ كمَا ذَكرْنَا.

(وَإِنْ عَرَفَ الْفِسْقَ تَرَك)، وَ لَا يطْلُبُ التَّزْكيةَ لِأَنَّ الْجَارِحَ مُقَدَّمٌ (وَإِنْ جَهِلَ) حَالَهَا (اسْتَزْكي) أَي طَلَبَ مِنْ الْمُدَّعِي تَزْكيتَهَا فَإِنْ زَكاهَا بِشَاهِدَينِ عَلَي كلٍّ مِنْ الشَّاهِدَينِ يعْرِفَانِ الْعَدَالَةَ وَ مُزِيلَهَا أَثْبَتَهَا، (ثُمَّ سَأَلَ الْخَصْمَ عَنْ الْجَرْحِ) فَإِنْ اعْتَرَفَ بِعَدَمِهِ حَكمَ كمَا مَرَّ، و أن (اسْتَنْظَرَ أَمْهَلَهُ ثَلَاثَةَ أَيامٍ)، فَإِنْ أَحْضَرَ الْجَارِحَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ عَلَي حَسَبِ مَا يرَاهُ مِنْ

تَفْصِيلٍ، وَ إِجْمَالٍ، و غيرهِمَا، فَإِنْ قَبِلَهُ قَدَّمَهُ عَلَي التَّزْكيةِ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ، (فَإِنْ لَمْ يأْتِ بِالْجَارِحِ) مُطْلَقًا، أَوْ بَعْدَ الْمُدَّةِ (حَكمَ عَلَيهِ بَعْدَ الِالْتِمَاسِ) أَي الْتِمَاسِ الْمُدَّعِي الْحُكمَ.

(وَإِنْ ارْتَابَ الْحَاكمُ بِالشُّهُودِ) مُطْلَقًا (فَرَّقَهُمْ) اسْتِحْبَابًا، (وَسَأَلَهُمْ عَنْ مُشَخِّصَاتِ الْقَضِيةِ) زَمَانًا وَ مَكانًا و غيرهِمَا مِنْ الْمُمَيزَاتِ، (فَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُمْ سَقَطَتْ) شَهَادَتُهُمْ.

وَ يسْتَحَبُّ لَهُ عِنْدَ الرِّيبَةِ وَ عْظُهُمْ وَ أَمْرُهُمْ بِالتَّثَبُّتِ وَ الْأَخْذِ بِالْجَزْمِ، (وَيكرَهُ لَهُ أَنْ يعَنِّتَ الشُّهُودَ) أَي يدْخِلَ عَلَيهِمْ الْعَنَتَ و هو الْمَشَقَّةُ (إذَا كانُوا مِنْ أَهْلِ الْبَصِيرَةِ بِالتَّفْرِيقِ) و غيرهِ مِنْ التَّحْزِيزِ.

(وَيحْرُمُ) عَلَيهِ (أَنْ يتَعْتِعَ الشَّاهِدَ) أَصْلُ التَّعْتَعَةِ فِي الْكلَامِ التَّرَدُّدُ فِيهِ (وَهُوَ) هُنَا (أَنْ يدَاخِلَهُ فِي الشَّهَادَةِ) فَيدْخِلَ مَعَهُ كلِمَاتٍ تُوقِعُهُ فِي التَّرَدُّدِ، أَوْ الْغَلَطِ بِأَنْ يقُولَ الشَّاهِدُ: إنَّهُ اشْتَرَي كذَا فَيقُولُ الْحَاكمُ: بِمِائَةٍ، أَوْ فِي الْمَكانِ الْفُلَانِي، أَوْ يرِيدُ أَنْ يتَلَفَّظَ بِشَيءٍ ينْفَعُهُ فَيدَاخِلُهُ بِغَيرِهِ لِيمْنَعَهُ مِنْ إتْمَامِهِ وَ نَحْوُ ذَلِك، (أَوْ يتَعَقَّبَهُ) بِكلَامٍ لِيجْعَلَهُ تَمَامَ مَا يشْهَدُ بِهِ بِحَيثُ لَوْلَاهُ لَتَرَدَّدَ، أَوْ أَتَي بِغَيرِهِ، بَلْ يكفُّ عَنْهُ حَتَّي ينْتَهِي مَا عِنْدَهُ و أن لَمْ يفِدْ، أَوْ تَرَدَّدَ، ثُمَّ يرَتِّبُ عَلَيهِ مَا يلْزِمُهُ، (أَوْ يرَغِّبُهُ فِي الْإِقَامَةِ) إذَا وَجَدَهُ مُتَرَدِّدًا (أَوْ يزَهِّدُهُ لَوْ تَوَقَّفَ، وَ لَا يقِفُ عَزْمُ الْغَرِيمِ عَنْ الْإِقْرَارِ إلَّا فِي حَقِّهِ تَعَالَي) فَيسْتَحَبُّ أَنْ يعَرِّضَ الْمُقِرُّ بِحَدِّ اللَّهِ تَعَالَي بِالْكفِّ عَنْهُ وَ التَّأْوِيلِ.

({ لِقَضِيةِ مَاعِزِ بْنِ مَالِك عِنْدَ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ الهِ) حِينَ أَقَرَّ عِنْدَهُ بِالزِّنَا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ، وَ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يرْدُدْهُ وَ يوقِفُ عَزْمَهُ تَعْرِيضًا لِرُجُوعِهِ، وَ يقُولُ لَهُ: لَعَلَّك قَبَّلْت، أَوْ غَمَزْت، أَوْ نَظَرْت قَالَ: لَا قَالَ: أَفَنِكتَهَا لَا تَكنِي قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: حَتَّي غَابَ ذَلِك مِنْك فِي ذَلِك

مِنْهَا قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كمَا يغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكحُلَةِ وَ الرِّشَا فِي الْبِئْرِ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا، قَالَ: نَعَمْ أَتَيت مِنْهَا حَرَامًا مَا يأْتِي الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ حَلَالًا، فَعِنْدَ ذَلِك أَمَرَ بِرَجْمِهِ } وَ كمَا يسْتَحَبُّ تَعْرِيضُهُ لِلْإِنْكارِ يكرَهُ لِمَنْ عَلِمَهُ مِنْهُ غَيرُ الْحَاكمِ حَثُّهُ عَلَي الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ { هَزَّالًا قَالَ لِمَاعِزٍ: بَادِرْ إلَي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَبْلَ أَنْ ينْزِلَ فِيك قُرْآنٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَمَّا عَلِمَ بِهِ: أَلَا سَتَرْته بِثَوْبِك كانَ خَيرًا لَك }.

وَ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكرَ أَوَّلًا أَنَّ جَوَابَ الْمُدَّعَي عَلَيهِ إمَّا إقْرَارٌ، أَوْ إنْكارٌ، أَوْ سُكوتٌ، و لم يذْكرْ الْقِسْمَ الثَّالِثَ، وَ لَعَلَّهُ أَدْرَجَهُ فِي قِسْمِ الْإِنْكارِ عَلَي تَقْدِيرِ النُّكولِ، لِأَنَّ مَرْجِعَ حُكمِ السُّكوتِ عَلَي الْمُخْتَارِ إلَي تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي بَعْدَ إعْلَامِ السَّاكتِ بِالْحَالِ.

وَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكتَابِ نُقِلَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَلْحَقَ بِخَطِّهِ قَوْلَهُ: (وَأَمَّا السُّكوتُ فَإِنْ كانَ لِآفَةٍ) مِنْ طَرَشٍ، أَوْ خَرَسٍ (تَوَصَّلَ) الْحَاكمُ (إلَي) مَعْرِفَةِ (الْجَوَابِ) بِالْإِشَارَةِ الْمُفِيدَةِ لِلْيقِينِ، و لو بِمُتَرْجِمَينِ عَدْلَينِ، (وَإِنْ كانَ) السُّكوتُ (عِنَادًا حُبِسَ حَتَّي يجِيبَ) عَلَي قَوْلِ الشَّيخِ فِي النِّهَايةِ، لِأَنَّ الْجَوَابَ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ حُبِسَ حَتَّي يؤَدِّيهُ، (أَوْ يحْكمَ عَلَيهِ بِالنُّكولِ بَعْدَ عَرْضِ الْجَوَابِ عَلَيهِ) بِأَنْ يقُولَ لَهُ: إنْ أَجَبْت، وَ الا جَعَلْتُك نَاكلًا، فَإِنْ أَصَرَّ حُكمَ بِنُكولِهِ عَلَي قَوْلِ مَنْ يقْضِي بِمُجَرَّدِ النُّكولِ و لو اشْتَرَطْنَا مَعَهُ إحْلَافَ الْمُدَّعِي أُحْلِفَ بَعْدَهُ.

وَ يظْهَرُ مِنْ الْمُصَنِّفِ التَّخْييرُ بَينَ الْأَمْرَينِ، وَ الْأَوْلَي جَعْلُهُمَا إشَارَةً إلَي الْقَوْلَينِ، و في الدُّرُوسِ اقْتَصَرَ عَلَي حِكايتِهِمَا قَوْلَينِ و لم يرَجِّحْ شَيئًا.

وَ الْأَوَّلُ أَقْوَي.

الْقَوْلُ فِي الْيمِينِ

الْقَوْلُ فِي الْيمِينِ

(لَا تَنْعَقِدُ الْيمِينُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَقِّ) مَنْ الْمُدَّعِي، (أَوْ

الْمُسْقِطَةُ لِلدَّعْوَي) مِنْ الْمُنْكرِ (إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَي) وَ أَسْمَائِهِ الْخَاصَّةِ (مُسْلِمًا كانَ الْحَالِفُ أَوْ كافِرًا)، وَ لَا يجُوزُ به غير ذَلِك كالْكتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَ الْأَنْبِياءِ وَ الْأَئِمَّةِ لِقَوْلِ الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ: لَا يحْلَفُ به غير اللَّهِ، و قال: الْيهُودِي وَ النَّصْرَانِي وَ الْمَجُوسِي لَا تُحَلِّفُوهُمْ إلَّا بِاَللَّهِ وَ فِي تَحْرِيمِهِ به غير اللَّهِ فِي غَيرِ الدَّعْوَي نَظَرٌ، مِنْ ظَاهِرِ النَّهْي فِي الْخَبَرِ، وَ إِمْكانِ حَمْلِهِ عَلَي الْكرَاهَةِ أَمَّا بِالطَّلَاقِ وَ الْعَتَاقِ وَ الْكفْرِ وَ الْبَرَاءَةِ فَحَرَامٌ قَطْعًا.

(وَلَوْ أَضَافَ مَعَ الْجَلَالَةِ خَالِقَ كلِّ شَيءٍ فِي الْمَجُوسِي كانَ حَسَنًا) إمَاطَةً لِتَأْوِيلِهِ وَ يظْهَرُ مِنْ الدُّرُوسِ تَعَينُ إضَافَةِ نَحْوِ ذَلِك فِيهِ لِذَلِك، و مثله خَالِقُ النُّورِ وَ الظُّلْمَةِ.

(وَلَوْ رَأَي الْحَاكمُ رَدْعَ الذِّمِّي بِيمِينِهِمْ فَعَلَ، إلَّا أَنْ يشْتَمِلَ عَلَي مُحَرَّمٍ) كمَا لَوْ اشْتَمَلَ عَلَي الْحَلِفِ بِالْأَبِ وَ الابْنِ وَ نَحْوِ ذَلِك، وَ عَلَيهِ حُمِلَ مَا رُوِي أَنَّ عَلِيا عَلَيهِ السَّلَامُ اسْتَحْلَفَ يهُودِيا بِالتَّوْرَاةِ.

وَ رُبَّمَا أُشْكلَ تَحْلِيفُ بَعْضِ الْكفَّارِ بِاَللَّهِ تَعَالَي، لِإِنْكارِهِمْ لَهُ فَلَا يرَوْنَ لَهُ حُرْمَةً، كالْمَجُوسِ فَإِنَّهُمْ لَا يعْتَقِدُونَ وُجُودَ إلَهٍ خَلَقَ النُّورَ وَ الظُّلْمَةَ فَلَيسَ فِي حَلِفِهِمْ بِهِ عَلَيهِمْ كلْفَةٌ، إلَّا أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِذَلِك. (وَينْبَغِي التَّغْلِيظُ بِالْقَوْلِ) مِثْلُ وَ اَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الطَّالِبُ الْغَالِبُ، الضَّارُّ النَّافِعُ، الْمُدْرِك الْمُهْلِك، الَّذِي يعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يعْلَمُهُ مِنْ الْعَلَانِيةِ، (وَالزَّمَانِ) كالْجُمُعَةِ وَ الْعِيدِ، وَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَ الْعَصْرِ، (وَالْمَكانِ) كالْكعْبَةِ وَ الْحَطِيمِ وَ الْمَقَامِ، وَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَ الْحَرَمِ وَ الْأَقْصَي تَحْتَ الصَّخْرَةِ، وَ الْمَسَاجِدِ فِي الْمِحْرَابِ.

وَ اسْتِحْبَابُ التَّغْلِيظِ ثَابِتٌ (فِي الْحُقُوقِ كلِّهَا، إلَّا أَنْ ينْقُصَ الْمَالُ عَنْ نِصَابِ الْقَطْعِ) و هو رُبُعُ دِينَارٍ، وَ لَا يجِبُ عَلَي الْحَالِفِ الْإِجَابَةُ إلَي التَّغْلِيظِ، وَ يكفِيه

قَوْلُهُ: وَ اَللَّهِ مَا لَهُ عِنْدِي حَقٌّ. (وَيسْتَحَبُّ لِلْحَاكمِ وَعْظُ الْحَالِفِ قَبْلَهُ) وَ تَرْغِيبُهُ فِي تَرْك الْيمِينِ: إجْلَالًا لِلَّهِ تَعَالَي، أَوْ خَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ عَلَي تَقْدِيرِ الْكذِبِ، وَ يتْلُو عَلَيهِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِك مِنْ الْأَخْبَارِ وَ الْآثَارِ، مِثْلُ مَا رُوِي عَنْ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ الهِ، { مَنْ أَجَلَّ اللَّهَ أَنْ يحْلِفَ بِهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ خَيرًا مِمَّا ذَهَبَ مِنْهُ } و قول الصَّادِقِ عَلَيهِ السَّلَامُ: مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ كاذِبًا كفَرَ، و من حَلَفَ بِاَللَّهِ صَادِقًا أَثِمَ، إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يقُولُ: { وَ لَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيمَانِكمْ }،،، وَ عَنْهُ عَلَيهِ السَّلَامُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ أَبَاهُ كانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ فَقُضِي لِأَبِي أَنَّهُ طَلَّقَهَا، فَادَّعَتْ عَلَيهِ صَدَاقَهَا فَجَاءَتْ بِهِ إلَي أَمِيرِ الْمَدِينَةِ تَسْتَعْدِيهِ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ: يا عَلِي إمَّا أَنْ تَحْلِفَ، أَوْ تُعْطِيهَا فَقَالَ لِي يا بُنَي: قُمْ فَأَعْطِهَا أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، فَقُلْت يا أَبَهْ جُعِلْت فِدَاك: أَلَسْت مُحِقًّا قَالَ: بَلَي وَلَكنِّي أَجْلَلْت اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ أَحْلِفَ بِهِ يمِينَ صَبْرٍ. (وَيكفِي الْحَلِفُ عَلَي نَفْي الِاسْتِحْقَاقِ و أن أَجَابَ) فِي إنْكارِهِ (بِالْأَخَصِّ) كمَا إذَا اُدُّعِي عَلَيهِ قَرْضًا فَأَجَابَ بِأَنِّي مَا اقْتَرَضْت، لِأَنَّ نَفْي الِاسْتِحْقَاقِ يشْمَلُ الْمُتَنَازَعَ وَ زِيادَةً، وَ لِأَنَّ الْمُدَّعِي قَدْ يكونُ صَادِقًا فَعَرَضَ مَا يسْقُطُ الدَّعْوَي، و لو اعْتَرَفَ بِهِ وَ ادَّعَي الْمُسْقِطَ طُولِبَ بِالْبَينَةِ، و قد يعْجِزُ عَنْهَا فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَي قَبُولِ الْجَوَابِ الْمُطْلَقِ، وَ قِيلَ: يلْزَمُهُ الْحَلِفُ عَلَي وَفْقِ مَا أَجَابَ بِهِ، لِأَنَّ بِزَعْمِهِ قَادِرٌ عَلَي الْحَلِفِ عَلَيهِ حَيثُ نَفَاهُ بِخُصُوصِهِ إنْ طَلَبَهُ مِنْهُ الْمُدَّعِي وَ يضَعَّفُ بِمَا ذَكرْنَاهُ، وَ بِإِمْكانِ التَّسَامُحِ فِي الْجَوَابِ بِمَا لَا يتَسَامَحُ فِي الْيمِينِ. (وَ) الْحَالِفُ (يحْلِفُ) أَبَدًا (عَلَي

الْقَطْعِ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ وَ تَرْكهِ وَ فِعْلِ غَيرِهِ)، لِأَنَّ ذَلِك يتَضَمَّنُ الِاطِّلَاعَ عَلَي الْحَالِ الْمُمْكنِ مَعَهُ الْقَطْعُ، (وَعَلَي نَفْي الْعِلْمِ فِي نَفْي فِعْلِ غَيرِهِ) كمَا لَوْ اُدُّعِي عَلَي مُوَرِّثِهِ مَالًا فَكفَاهُ الْحَلِفُ عَلَي أَنَّهُ لَا يعْلَمُ بِهِ، لِأَنَّهُ يعْسُرُ الْوُقُوفُ عَلَيهِ، بِخِلَافِ إثْبَاتِهِ فَإِنَّ الْوُقُوفَ عَلَيهِ لَا يعْسُرُ

الْقَوْلُ فِي الشَّاهِدِ وَ الْيمِينِ

الْقَوْلُ فِي الشَّاهِدِ وَ الْيمِينِ

(كلُّ مَا يثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَ امْرَأَتَينِ يثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَ يمِينٍ، و هو كلُّ مَا كانَ مَالًا، أَوْ كانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالَ كالدَّينِ وَ الْقَرْضِ) تَخْصِيصٌ بَعْدَ التَّعْمِيمِ، (وَالْغَصْبُ، وَ عُقُودُ الْمُعَاوَضَاتِ كالْبَيعِ وَ الصُّلْحِ)، وَ الْإِجَارَةِ، وَ الْهِبَةِ الْمَشْرُوطَةِ بِالْعِوَضِ، (وَالْجِنَايةُ الْمُوجِبَةُ لِلدِّيةِ كالْخَطَإِ، وَ عَمْدِ الْخَطَإِ، وَ قَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ، وَ قَتْلِ الْحُرِّ الْعَبْدَ، وَ الْمُسْلِمِ الْكافِرَ، وَ كسْرِ الْعِظَامِ) و أن كانَ عَمْدًا، (وَ) كذَا (الْجَائِفَةُ وَ الْمَأْمُومَةُ) وَ الْمُنَقِّلَةُ لِمَا فِي إيجَابِهَا الْقِصَاصَ عَلَي تَقْدِيرِ الْعَمْدِ مِنْ التَّغْرِيرِ.

(وَلَا يثْبُتُ) بِالشَّاهِدِ وَ الْيمِينِ (عُيوبُ النِّسَاءِ) وَ كذَا عُيوبُ الرِّجَالِ، لِاشْتِرَاكهِمَا فِي عَدَمِ تَضَمُّنِهِمَا الْمَالَ، (وَلَا الْخُلْعُ) لِأَنَّهُ إزَالَةُ قَيدِ النِّكاحِ بِفِدْيةٍ و هي شَرْطٌ فِيهِ، لَا دَاخِلَةٌ فِي حَقِيقَتِهِ، و من ثَمَّ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَ الْأَكثَرُ و هذا يتِمُّ مَعَ كوْنِ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَرْأَةُ، أَمَّا لَوْ كانَ الرَّجُلُ فَدَعْوَاهُ تَتَضَمَّنُ الْمَالَ و أن انْضَمَّ إلَيهِ أَمْرٌ آخَرُ، فَينْبَغِي الْقَطْعُ بِثُبُوتِ الْمَالِ كمَا لَوْ اشْتَمَلَتْ الدَّعْوَي عَلَي الْأَمْرَينِ فِي غَيرِهِ كالسَّرِقَةِ، فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا بِثُبُوتِ الْمَالِ.

وَ هَذَا قَوِي وَ بِهِ جَزَمَ فِي الدُّرُوسِ (وَالطَّلَاقُ) الْمُجَرَّدُ عَنْ الْمَالِ و هو وَاضِحٌ، (وَالرَّجْعَةُ) لِأَنَّ مَضْمُونَ الدَّعْوَي إثْبَاتُ الزَّوْجِيةِ وَ لَيسَتْ مَالًا و أن لَزِمَهَا النَّفَقَةُ، لِخُرُوجِهَا عَنْ حَقِيقَتِهَا، (وَالْعِتْقُ عَلَي قَوْلٍ) مَشْهُورٍ لِتَضَمُّنِهِ إثْبَاتَ الْحُرِّيةِ و هي لَيسَتْ مَالًا، وَ قِيلَ: يثْبُتُ بِهِمَا لِتَضَمُّنِهِ

الْمَالَ مِنْ حَيثُ إنَّ الْعَبْدَ مَالٌ لِلْمَوْلَي فَهُوَ يدَّعِي زَوَالَ الْمَالِيةِ، (وَالْكتَابَةُ وَ التَّدْبِيرُ وَ الاسْتِيلَادُ).

وَ ظَاهِرُهُ عَدَمُ الْخِلَافِ فِيهَا، مَعَ أَنَّ الْبَحْثَ آتٍ فِيهَا.

وَ فِي الدُّرُوسِ مَا يدُلُّ عَلَي أَنَّهَا بِحُكمِهِ، لَكنْ لَمْ يصَرِّحُوا بِالْخِلَافِ فَلِذَا أَفْرَدَهَا.

(وَالنَّسَبُ) و أن تَرَتَّبَ عَلَي وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ، إلَّا أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ كمَا مَرَّ، (وَالْوَكالَةُ) لِأَنَّهَا وِلَايةٌ عَلَي التَّصَرُّفِ و أن كانَ فِي مَالٍ، (وَالْوَصِيةُ إلَيهِ) كالْوَكالَةِ (بِالشَّاهِدِ وَ الْيمِينُ) مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ السَّابِقِ، أَي لَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْمَذْكورَاتُ بِهِمَا.

(وَفِي النِّكاحِ قَوْلَانِ): أَحَدُهُمَا و هو الْمَشْهُورُ عَدَمُ الثُّبُوتِ مُطْلَقًا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الذَّاتِي مِنْهُ الْإِحْصَانُ، وَ إِقَامَةُ السُّنَّةِ، وَ كفُّ النَّفْسِ عَنْ الْحَرَامِ وَ النَّسْلُ و أمّا الْمَهْرُ وَ النَّفَقَةُ فَإِنَّهُمَا تَابِعَانِ: وَ الثَّانِي الْقَبُولُ مُطْلَقًا نَظَرًا إلَي تَضَمُّنِهِ الْمَالَ وَ لَا نَعْلَمُ قَائِلَهُ، وَ فِي ثَالِثٍ قَبُولُهُ مِنْ الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ النَّفَقَةُ وَ الْمَهْرُ، وَ ذَهَبَ إلَيهِ الْعَلَّامَةُ.

وَ الْأَقْوَي الْمَشْهُورُ. (وَلَوْ كانَ الْمُدَّعُونَ جَمَاعَةً) وَ أَقَامُوا شَاهِدًا وَاحِدًا (فَعَلَي كلِّ وَاحِدٍ يمِينٌ)، لِأَنَّ كلَّ وَاحِدٍ يثْبِتُ حَقًّا لِنَفْسِهِ وَ لَا يثْبُتُ مَالٌ لِأَحَدٍ بِيمِينِ غَيرِهِ. (وَيشْتَرَطُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ أَوَّلًا، وَ تَعْدِيلُهُ) وَ الْحَلِفُ بَعْدَهُمَا، (ثُمَّ الْحُكمُ يتِمُّ بِهِمَا لَا بِأَحَدِهِمَا فَلَوْ رَجَعَ الشَّاهِدُ غَرِمَ النِّصْفَ)، لِأَنَّهُ أَحَدُ جُزْأَي سَبَبِ فَوَاتِ الْمَالِ عَلَي الْمُدَّعَي عَلَيهِ، (وَالْمُدَّعِي لَوْ رَجَعَ غَرِمَ الْجَمِيعَ)، لِاعْتِرَافِهِ بِلُزُومِ الْمَالِ لَهُ مَعَ كوْنِهِ قَدْ قَبَضَهُ، و لو فُرِضَ تَسَلُّمُ الشَّاهِدِ الْمَالَ ثُمَّ رَجَعَ أَمْكنَ ضَمَانُهُ الْجَمِيعَ إنْ شَاءَ الْمَالِك، لِاعْتِرَافِهِ بِتَرَتُّبِ يدِهِ عَلَي الْمَغْصُوبِ، فَيتَخَيرُ الْمَالِك فِي التَّضْمِينِ (وَيقْضِي عَلَي الْغَائِبِ عَنْ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ) سَوَاءٌ بَعُدَ أَمْ قَرُبَ و أن كانَ فِي الْبَلَدِ و لم يتَعَذَّرْ عَلَيهِ حُضُورُ مَجْلِسِ الْحُكمِ عَلَي الْأَقْوَي، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، و

لو كانَ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يقْضَ عَلَيهِ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ، ثُمَّ الْغَائِبُ عَلَي حُجَّتِهِ لَوْ حَضَرَ، فَإِنْ ادَّعَي بَعْدَهُ قَضَاءً أَوْ إبْرَاءً أَقَامَ بِهِ الْبَينَةَ، وَ الا أَحَلَفَ الْمُدَّعِي، وَ مَحَلُّهُ حُقُوقُ النَّاسِ، لَا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَي، لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَي الْغَائِبِ احْتِياطٌ، وَ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَي مَبْنِيةٌ عَلَي التَّخْفِيفِ لِغِنَائِهِ، و لو اشْتَمَلَ عَلَي الْحَقَّينِ كالسَّرِقَةِ قُضِي بِالْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ. (وَتَجِبُ الْيمِينُ مَعَ الْبَينَةِ عَلَي بَقَاءِ الْحَقِّ) إنْ كانَتْ الدَّعْوَي لِنَفْسِهِ، و لو كانَتْ لِمُوَكلِهِ، أَوْ لِلْمُوَلَّي عَلَيهِ فَلَا يمِينَ عَلَيهِ، وَ يسَلَّمُ الْمَالُ بِكفِيلٍ إلَي أَنْ يحْضُرَ الْمَالِك أَوْ يكمُلَ وَ يحْلِفَ مَا دَامَ الْمُدَّعَي عَلَيهِ غَائِبًا.

(وَكذَا تَجِبُ) الْيمِينُ مَعَ الْبَينَةِ (فِي الشَّهَادَةِ عَلَي الْمَيتِ وَ الطِّفْلِ أَوْ الْمَجْنُونِ) أَمَّا عَلَي الْمَيتِ فَمَوْضِعُ وِفَاقٍ، و أمّا عَلَي الْغَائِبِ وَ الطِّفْلِ وَ الْمَجْنُونِ فَلِمُشَارَكتِهِمْ لَهُ فِي الْعِلَّةِ الْمُومَي إلَيهَا فِي النَّصِّ، و هو أَنَّهُ لَا لِسَانَ لَهُ لِلْجَوَابِ فَيسْتَظْهِرُ الْحَاكمُ بِهَا إذْ يحْتَمَلُ لَوْ حَضَرَ كامِلًا أَنْ يجِيبَ بِالْإِيفَاءِ، أَوْ الْإِبْرَاءِ فَيتَوَجَّهُ الْيمِينُ، و هو مِنْ بَابِ اتِّحَادِ طَرِيقِ الْمَسْأَلَتَينِ، لَا مِنْ بَابِ الْقِياسِ.

وَ فِيهِ نَظَرٌ لِلْفَرْقِ مَعَ فَقْدِ النَّصِّ، و هو أَنَّ الْمَيتَ لَا لِسَانَ لَهُ مُطْلَقًا فِي الدُّنْيا بِخِلَافِ الْمُتَنَازِعِ فَيمْكنُ مُرَاجَعَتُهُ إذَا حَضَرَ، أَوْ كمُلَ، وَ تَرْتِيبُ حُكمٍ عَلَي جَوَابِهِ، بِخِلَافِ الْمَيتِ فَكانَ أَقْوَي فِي إيجَابِ الْيمِينِ فَلَا يتَّحِدُ الطَّرِيقُ.

وَ إِطْلَاقُهُ يقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَينَ دَعْوَي الْعَينِ وَ الدَّينِ وَ قِيلَ بِالْفَرْقِ، وَ ثُبُوتِ الْيمِينِ فِي الدَّينِ خَاصَّةً، لِاحْتِمَالِ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ و غيرهِ مِنْ غَيرِ [عِلْمِ] الشُّهُودِ، بِخِلَافِ الْعَينِ فَإِنَّ مِلْكهَا إذَا ثَبَتَ اُسْتُصْحِبَ، وَ يضَعَّفُ بِأَنَّ احْتِمَالَ تَجَدُّدِ نَقْلِ الْمِلْك مُمْكنٌ فِي الْحَالَينِ وَ الاسْتِظْهَارُ وَ عَدَمُ اللِّسَانِ آتٍ فِيهِمَا.

(الْقَوْلُ فِي التَّعَارُضِ)

(الْقَوْلُ

فِي التَّعَارُضِ)

- أَي تَعَارُضِ الدَّعْوَي فِي الْأَمْوَالِ (لَوْ تَدَاعَيا مَا فِي أَيدِيهِمَا) فَادَّعَي كلُّ [وَاحِدٍ] مِنْهَا الْمَجْمُوعَ وَ لَا بَينَةَ (حَلَفَا) كلٌّ مِنْهُمَا عَلَي نَفْي اسْتِحْقَاقِ الْآخَرِ (وَاقْتَسَمَاهُ) بِالسَّوِيةِ، وَ كذَا لَوْ نَكلَا عَنْ الْيمِينِ، و لو حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَ نَكلَ الْآخَرُ فَهُوَ لِلْحَالِفِ، فَإِنْ كانَتْ يمِينُهُ بَعْدَ نُكولِ صَاحِبِهِ حَلَفَ يمِينًا وَاحِدَةً تَجْمَعُ النَّفْي وَ الْإِثْبَاتَ، وَ الا افْتَقَرَ إلَي يمِينٍ أُخْرَي لِلْإِثْبَاتِ، (وَكذَا) يقْتَسِمَانِهِ (إنْ أَقَامَا بَينَةً وَ يقْضَي لِكلٍّ مِنْهُمَا بِمَا فِي يدِ صَاحِبِهِ) بِنَاءً عَلَي تَرْجِيحِ بَينَةِ الْخَارِجِ.

وَ لَا فَرْقَ هُنَا بَينَ تَسَاوِي الْبَينَتَينِ عَدَدًا وَعَدَالَةً وَ اخْتِلَافِهِمَا.

(وَلَوْ خَرَجَا) فَذُو الْيدِ مَنْ صَدَّقَهُ مَنْ هِي بِيدِهِ مَعَ الْيمِينِ، و علي الْمُصَدِّقِ الْيمِينُ لِلْآخَرِ، فَإِنْ امْتَنَعَ حَلَفَ الْآخَرُ وَ أَغْرَمَ لَهُ لِحَيلُولَتِهِ بَينَهُ وَ بَينَهَا بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ و لو صَدَّقَهُمَا فَهِي لَهُمَا بَعْدَ حَلِفِهِمَا، أَوْ نُكولِهِمَا وَ لَهُمَا إحْلَافُهُ إنْ ادَّعَيا عِلْمَهُ، و لو أَنْكرَهُمَا قُدِّمَ قَوْلُهُ بِيمِينِهِ، و لو كانَ لِأَحَدِهِمَا بَينَةٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ (فَهِي لِذِي الْبَينَةِ) مَعَ يمِينِهِ، (وَلَوْ أَقَامَاهَا رَجَحَ الْأَعْدَلُ) شُهُودًا، فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْعَدَالَةِ (فَالْأَكثَرُ) شُهُودًا، فَإِنْ تَسَاوَوْا فِيهِمَا (فَالْقُرْعَةُ) فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ حَلَفَ وَ أُعْطِي الْجَمِيعَ فَإِنْ نَكلَ أَحْلَفَ الْآخَرَ وَ أَخَذَ، فَإِنْ امْتَنَعَا قُسِمَتْ نِصْفَينِ، وَ كذَا يجِبُ الْيمِينُ عَلَي مَنْ رَجَحَتْ بَينَتُهُ وَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ عَدَمُ الْيمِينِ فِيهِمَا، وَ الْأَوَّلُ مُخْتَارُهُ فِي الدُّرُوسِ فِي الثَّانِي قَطْعًا، و في الأَوَّلِ مَيلًا.

(وَلَوْ تَشَبَّثَ أَحَدُهُمَا) أَي تَعَلَّقَ بِهَا بِأَنْ كانَ ذَا يدٍ عَلَيهَا (فَالْيمِينُ عَلَيهِ) إنْ لَمْ يكنْ لِلْآخَرِ بَينَةٌ، سَوَاءٌ كانَ لِلْمُتَشَبِّثِ بَينَةٌ أَمْ لَا، (وَلَا يكفِي بَينَتُهُ عَنْهَا) أَي عَنْ الْيمِينِ، لِأَنَّهُ مُنْكرٌ فَيدْخُلُ فِي عُمُومِ الْيمِينِ عَلَي مَنْ أَنْكرَ و أن كانَ

لَهُ بَينَةٌ، فَلَوْ نَكلَ عَنْهَا حَلَفَ الْآخَرُ وَ أَخَذَ فَإِنْ نَكلَ أُقِرَّتْ فِي يدِ الْمُتَشَبِّثِ، (وَلَوْ أَقَامَا) أَي الْمُتَشَبِّثُ وَ الْخَارِجُ (بَينَةً فَفِي الْحُكمِ لِأَيهِمَا خِلَافٌ).

فَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَينَةُ الدَّاخِلِ مُطْلَقًا لِمَا رُوِي أَنَّ عَلِيا عَلَيهِ السَّلَامُ قَضَي بِذَلِك، وَ لِتَعَارُضِ الْبَينَتَينِ فَيرْجَعُ إلَي تَقْدِيمِ ذِي الْيدِ، وَ قِيلَ: الْخَارِجُ مُطْلَقًا عَمَلًا بِظَاهِرِ الْخَبَرِ الْمُسْتَفِيضِ، مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ ذِي الْيدِ، وَ الْبَينَةَ بَينَةُ الْمُدَّعِي؟ الشَّامِلِ لِمَوْضِعِ النِّزَاعِ، وَ قِيلَ: تُقَدَّمُ بَينَةُ الْخَارِجِ إنْ شَهِدَتَا بِالْمِلْك الْمُطْلَقِ، أَوْ الْمُسَبَّبِ، أَوْ بَينَتُهُ خَاصَّةً بِالسَّبَبِ، و لو انْفَرَدَتْ بِهِ بَينَةُ الدَّاخِلِ قُدِّمَ وَ قِيلَ مَعَ تَسَبُّبِهِمَا، تُقَدَّمُ بَينَةُ الدَّاخِلِ أَيضًا، وَ تَوَقَّفَ الْمُصَنِّفُ هُنَا و في الدُّرُوسِ مُقْتَصِرًا عَلَي نَقْلِ الْخِلَافِ و هو فِي مَوْضِعِهِ لِعَدَمِ دَلِيلٍ مَتِينٍ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ، وَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ رَجَحَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ، و هو مَذْهَبُ الْفَاضِلِينَ.

وَ لَا يخْلُو مِنْ رُجْحَانٍ.

(وَلَوْ تَشَبَّثَا وَ ادَّعَي أَحَدُهُمَا الْجَمِيعَ وَ الْآخَرُ النِّصْفَ) مَشَاعًا (وَلَا بَينَةَ اقْتَسَمَاهَا) نِصْفَينِ (بَعْدَ يمِينِ مُدَّعِي النِّصْفِ) لِلْآخَرِ، مِنْ دُونِ الْعَكسِ، لِمُصَادَقَتِهِ إياهُ عَلَي اسْتِحْقَاقِ النِّصْفِ الْآخَرِ، و لو كانَ النِّصْفُ الْمُتَنَازَعُ مُعَينًا اقْتَسَمَاهُ بِالسَّوِيةِ بَعْدَ التَّحَالُفِ فَيثْبُتُ لِمُدَّعِيهِ الرُّبُعُ.

وَ الْفَرْقُ أَنَّ كلَّ جُزْءٍ مِنْ الْعَينِ عَلَي تَقْدِيرِ الْإِشَاعَةِ يدَّعِي كلٌّ مِنْهُمَا تَعَلُّقَ حَقِّهِ بِهِ وَ لَا تَرْجِيحَ، بِخِلَافِ الْمُعَينِ إذْ لَا نِزَاعَ فِي غَيرِهِ، و لم يذْكرُوا فِي هَذَا الْحُكمَ خِلَافًا، وَ الا فَلَا يخْلُو مِنْ نَظَرٍ.

(وَلَوْ أَقَامَا بَينَةً فَهِي لِلْخَارِجِ عَلَي الْقَوْلِ بِتَرْجِيحِ بَينَتِهِ، و هو مُدَّعِي الْكلِّ) لِأَنَّ فِي يدِ مُدَّعِي النِّصْفِ النِّصْفُ فَمُدَّعِي الْكلِّ خَارِجٌ عَنْهُ (وَعَلَي) الْقَوْلِ (الْآخَرِ) يقْسَمُ (بَينَهُمَا) نِصْفَينِ كمَا لَوْ لَمْ يكنْ بَينَةٌ، لِمَا ذَكرْنَاهُ مِنْ اسْتِقْلَالِ يدِ مُدَّعِي النِّصْفِ عَلَيهِ فَإِذَا رَجَحَتْ بَينَتُهُ

بِهِ أَخَذَهُ، و لو أَقَامَ أَحَدُهُمَا خَاصَّةً بَينَةً حُكمَ بِهَا.

(وَلَوْ كانَتْ فِي يدِ ثَالِثٍ وَ صَدَّقَ أَحَدُهُمَا صَارَ صَاحِبَ الْيدِ) فَيتَرَتَّبُ عَلَيهِ مَا فُصِّلَ، (وَلِلْآخَرِ إحْلَافُهُمَا) و لو أَقَامَا بَينَةً فَلِلْمُسْتَوْعِبُ النِّصْفُ، وَ تَعَارَضَتْ الْبَينَتَانِ فِي الْآخَرِ، فَيحْكمُ لِلْأَعْدَلِ فَالْأَكثَرِ فَالْقُرْعَةِ وَ يقْضَي لِمَنْ خَرَجَ بِيمِينِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ حَلَفَ الْآخَرُ فَإِنْ نَكلَا قُسِمَ بَينَهُمَا، فَلِلْمُسْتَوْعِبِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ وَ لِلْآخَرِ الرُّبُعُ، وَ قِيلَ: يقْسَمُ عَلَي ثَلَاثَةٍ، فَلِمُدَّعِي الْكلِّ اثْنَانِ، وَ لِمُدَّعِي النِّصْفِ وَاحِدٌ، لِأَنَّ الْمُنَازَعَةَ وَقَعَتْ فِي أَجْزَاءَ غَيرِ مُعَينَةٍ فَيقْسَمُ عَلَي طَرِيقِ الْعَوْلِ عَلَي حَسَبِ سِهَامِهَا و هي ثَلَاثَةٌ كضَرْبِ الدَّيانِ مَعَ قُصُورِ مَالِ الْمُفْلِسِ، و كلّ مَوْضِعٍ حَكمْنَا بِتَكافُؤِ الْبَينَاتِ، أَوْ تَرْجِيحِهَا بِأَحَدِ الْأَسْبَابِ إنَّمَا هُوَ مَعَ إطْلَاقِهَا أَوْ اتِّحَادِ التَّارِيخِ.

(وَلَوْ كانَ تَارِيخُ إحْدَي الْبَينَتَينِ أَقْدَمَ قُدِّمَتْ) لِثُبُوتِ الْمِلْك بِهَا سَابِقًا فَيسْتَصْحَبُ هَذَا إذَا شَهِدَتَا بِالْمِلْك الْمُطْلَقِ، أَوْ الْمُسَبَّبِ، أَوْ بِالتَّفْرِيقِ.

أَمَّا لَوْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِالْيدِ وَ الْأُخْرَي بِالْمِلْك، فَإِنْ كانَ الْمُتَقَدِّمُ هُوَ الْيدُ رَجَحَ الْمِلْك لِفَوْتِهِ وَ تَحَقُّقِهِ الْآنَ، و أن انْعَكسَ فَفِي تَرْجِيحِ أَيهِمَا قَوْلَانِ لِلشَّيخِ، وَ تَوَقَّفَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ مُقْتَصِرًا عَلَي نَقْلِهِمَا.

(الْقَوْلُ فِي الْقِسْمَةِ و هي تَمْييزُ أَحَدِ النَّصِيبَينِ) فَصَاعِدًا (عَنْ الْآخَرِ، وَ لَيسَتْ بَيعًا) عِنْدَنَا (وَإِنْ كانَ فِيهَا رَدٌّ)، لِأَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَي صِيغَةٍ، وَ يدْخُلُهَا الْإِجْبَارُ وَ يلْزَمُهَا وَ يتَقَدَّرُ أَحَدُ النَّصِيبَينِ بِقَدْرِ الْآخَرِ، وَ الْبَيعُ لَيسَ فِيهِ شَيءٌ مِنْ ذَلِك، وَ اخْتِلَافُ اللَّوَازِمِ يدُلُّ عَلَي اخْتِلَافِ الْمَلْزُومَاتِ، وَ اشْتَرَاك كلِّ جُزْءٍ يفْرَضُ قَبْلَهَا بَينَهُمَا، وَ اخْتِصَاصُ كلِّ وَاحِدٍ بِجُزْءٍ مُعَينٍ، وَ إِزَالَةُ مِلْك الْآخَرِ عَنْهُ بَعْدَهَا بِعِوَضٍ مُقَدَّرٍ بِالتَّرَاضِي لَيسَ حَدًّا لِبَيعٍ حَتَّي يدُلَّ عَلَيهِ.

وَ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيك بِهَا وَ عَدَمِ بُطْلَانِهَا بِالتَّفَرُّقِ قَبْلَ

الْقَبْضِ فِيمَا يعْتَبَرُ فِيهِ التَّقَابُضُ فِي الْبَيعِ، وَ عَدَمُ خِيارِ الْمَجْلِسِ و غير ذَلِك. (وَيجْبَرُ الشَّرِيك) عَلَي الْقِسْمَةِ (لَوْ الْتَمَسَ شَرِيكهُ) الْقِسْمَةَ، (وَلَا ضَرَرَ وَ لَا رَدَّ).

وَ الْمُرَادُ بِالضَّرَرِ نَقْصُ قِيمَةِ الشِّقْصِ بِهَا عَنْهُ مُنْضَمًّا نَقْصًا فَاحِشًا عَلَي مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ، وَ قِيلَ: مُطْلَقُ نَقْصِ الْقِيمَةِ، وَ قِيلَ: عَدَمُ الِانْتِفَاعِ بِهِ مُنْفَرِدًا، وَ قِيلَ: عَدَمُهُ عَلَي الْوَجْهِ الَّذِي كانَ ينْتَفَعُ بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَ الْأَجْوَدُ الْأَوَّلُ.

(وَلَوْ تَضَمَّنَتْ رَدًّا) أَي دَفْعَ عِوَضٍ خَارِجٍ عَنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَك مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَينِ (لَمْ يجْبَرْ) الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا، لِاسْتِلْزَامِهِ الْمُعَاوَضَةَ عَلَي جُزْءٍ مِنْ مُقَابِلِهِ صُورِي، أَوْ مَعْنَوِي و هو غَيرُ لَازِمٍ، (وَكذَا) لَا يجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ (لَوْ كانَ فِيهَا ضَرَرٌ، كالْجَوَاهِرِ وَ الْعَضَائِدِ الضَّيقَةِ وَ السَّيفِ).

وَ الضَّرَرُ فِي هَذِهِ الْمَذْكورَاتِ يمْكنُ اعْتِبَارُهُ بِجَمِيعِ الْمَعَانِي عَدَا الثَّالِثِ فِي السَّيفِ فَإِنَّهُ ينْتَفَعُ بِقِسْمَتِهِ غَالِبًا فِي غَيرِهِ مَعَ نَقْصٍ فَاحِشٍ (فَلَوْ طَلَبَ) أَحَدُهُمَا (الْمُهَايأَةَ) و هي قِسْمَةُ الْمَنْفَعَةِ بِالْأَجْزَاءِ، أَوْ بِالزَّمَانِ (جَازَ و لم يجِبْ) إجَابَتُهُ، سَوَاءٌ كانَ مِمَّا يصِحُّ قِسْمَتُهُ إجْبَارًا أَمْ لَا، و علي تَقْدِيرِ الْإِجَابَةِ لَا يلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا، بَلْ يجُوزُ لِكلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهَا، فَلَوْ اسْتَوْفَي أَحَدُهُمَا فَفَسَخَ الْآخَرُ، أَوْ هُوَ كانَ عَلَيهِ أُجْرَةُ حِصَّةِ الشَّرِيك.

(وَإِذَا عُدِّلَتْ السِّهَامُ) بِالْأَجْزَاءِ إنْ كانَتْ فِي مُتَسَاوِيهَا كيلًا، أَوْ وَزْنًا، أَوْ ذَرْعًا، أَوْ عَدًّا بِعَدَدِ الْأَنْصِبَاءِ، أَوْ بِالْقِيمَةِ إنْ اخْتَلَفَتْ، كالْأَرْضِ وَ الْحَيوَانِ وَ (اتَّفَقَا عَلَي اخْتِصَاصِ كلِّ وَاحِدٍ بِسَهْمٍ لَزِمَ) مِنْ غَيرِ قُرْعَةٍ لِصِدْقِ الْقِسْمَةِ مَعَ التَّرَاضِي الْمُوجِبَةِ لِتَمَيزِ الْحَقِّ، وَ لَا فَرْقَ بَينَ قِسْمَةِ الرَّدِّ و غيرهَا، (وَإِلَّا) يتَّفِقَا عَلَي الِاخْتِصَاصِ (أَقْرَعَ) بِأَنْ يكتُبَ أَسْمَاءَ الشُّرَكاءِ، أَوْ السِّهَامِ كلٌّ فِي رُقْعَةٍ وَ تُصَانُ وَ يؤْمَرُ مَنْ لَمْ يطَّلِعْ عَلَي الصُّورَةِ بِإِخْرَاجِ إحْدَاهُمَا

عَلَي اسْمِ أَحَدِ الْمُتَقَاسِمَينِ، أَوْ أَحَدِ السِّهَامِ هَذَا إذَا اتَّفَقَتْ السِّهَامُ قَدْرًا، و لو اخْتَلَفَتْ قُسِّمَ عَلَي أَقَلِّ السِّهَامِ وَ جُعِلَ لَهَا أَوَّلٌ يعَينُهُ الْمُتَقَاسِمُونَ وَ الا الْحَاكمُ، وَ تُكتَبُ أَسْمَاؤُهُمْ لَا أَسْمَاءُ السِّهَامِ حَذَرًا مِنْ التَّفْرِيقِ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا أَخَذَ مِنْ الْأَوَّلِ وَ أَكمَلَ نَصِيبَهُ مِنْهَا عَلَي التَّرْتِيبِ، ثُمَّ يخْرُجُ الثَّانِي إنْ كانُوا أَكثَرَ مِنْ اثْنَينِ وَ هَكذَا، ثُمَّ إنْ اشْتَمَلَتْ الْقِسْمَةُ عَلَي رَدٍّ اُعْتُبِرَ رِضَاهُمَا بَعْدَهَا وَ الا فَلَا. (وَلَوْ ظَهَرَ غَلَطٌ) فِي الْقِسْمَةِ بِبَينَةٍ، أَوْ بِاطِّلَاعِ الْمُتَقَاسِمِينَ (بَطَلَتْ، و لو ادَّعَاهُ) أَي: الْغَلَطَ (أَحَدُهُمَا وَ لَا بَينَةَ حَلَفَ الْآخَرُ) لِأَصَالَةِ الصِّحَّةِ، فَإِنْ حَلَفَ (تَمَّتْ) الْقِسْمَةُ، (وَإِنْ نَكلَ) عَنْ الْيمِينِ (حَلَفَ الْمُدَّعِي) إنْ لَمْ يقْضَ بِالنُّكولِ (وَنُقِضَتْ.

وَ لَوْ ظَهَرَ) فِي الْمَقْسُومِ (اسْتِحْقَاقُ بَعْضٍ مُعَينٍ بِالسَّوِيةِ) لَا يخِلُّ إخْرَاجُهُ بِالتَّعْدِيلِ (فَلَا نَقْضَ)، لِأَنَّ فَائِدَةَ الْقِسْمَةِ بَاقِيةٌ، و هو إفْرَادُ كلِّ حَقٍّ عَلَي حِدَةٍ، (وَإِلَّا) يكنْ مُتَسَاوِيا فِي السِّهَامِ بِالنِّسْبَةِ (نُقِضَتْ) الْقِسْمَةُ لِأَنَّ مَا يبْقَي لِكلِّ وَاحِدٍ لَا يكونُ بِقَدْرِ حَقِّهِ، بَلْ يحْتَاجُ أَحَدُهُمَا إلَي الرُّجُوعِ عَلَي الْآخَرِ، وَ تَعُودُ الْإِشَاعَةُ، (وَكذَا أَوْ كانَ) الْمُسْتَحَقُّ (مَشَاعًا)، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حِينَئِذٍ لَمْ تَقَعْ بِرِضَاءِ جَمِيعِ الشُّرَكاءِ.

11 - كتاب الشهادات

الاشاره

11 - كتاب الشهادات

الفصل الاول: الشاهد و شرطه

(كتَابُ الشَّهَادَاتِ) (وَفُصُولُهُ أَرْبَعَةٌ): (الْأَوَّلُ الشَّاهِدُ وَ شَرْطُهُ الْبُلُوغُ إلَّا فِي) الشَّهَادَةِ عَلَي (الْجِرَاحِ) مَا لَمْ يبْلُغْ النَّفْسَ، وَ قِيلَ: مُطْلَقًا (بِشَرْطِ بُلُوغِ الْعَشْرِ) سِنِينَ (وَأَنْ يجْتَمِعُوا عَلَي مُبَاحٍ، و أن لَا يتَفَرَّقُوا) بَعْدَ الْفِعْلِ الْمَشْهُودِ بِهِ إلَي أَنْ يؤَدُّوا الشَّهَادَةَ.

وَ الْمُرَادُ حِينَئِذٍ أَنَّ شَرْطَ الْبُلُوغِ ينْتَفِي وَ يبْقَي مَا عَدَاهُ مِنْ الشَّرَائِطِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْعَدَدُ، و هو اثْنَانِ فِي ذَلِك وَ الذُّكورِيةُ، وَ مُطَابَقَةُ الشَّهَادَةِ لِلدَّعْوَي، وَ بَعْضِ الشُّهُودِ لِبَعْضٍ، و

غيرهِمَا.

وَلَكنْ رُوِي هُنَا الْأَخْذُ بِأَوَّلِ قَوْلِهِمْ لَوْ اخْتَلَفَ، وَ التَّهَجُّمُ عَلَي الدِّمَاءِ فِي غَيرِ مَحَلِّ الْوِفَاقِ لَيسَ بِجَيدٍ.

وَ أَمَّا الْعَدَالَةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا غَيرُ مُتَحَقِّقَةٍ لِعَدَمِ التَّكلِيفِ الْمُوجِبِ لِلْقِيامِ بِوَظِيفَتِهَا مِنْ جِهَةِ التَّقْوَي، وَ الْمُرُوءَةُ غَيرُ كافِيةٍ، وَ اعْتِبَارُ صُورَةِ الْأَفْعَالِ وَ التُّرُوك لَا دَلِيلَ عَلَيهِ، وَ فِي اشْتِرَاطِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَي الْمُبَاحِ تَنْبِيهٌ عَلَيهِ.

(وَالْعَقْلُ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَجْنُونِ حَالَةَ جُنُونِهِ، فَلَوْ دَارَ جُنُونُهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ مُفِيقًا بَعْدَ الْعِلْمِ بِاسْتِكمَالِ فِطْنَتِهِ فِي التَّحَمُّلِ وَ الْأَدَاءِ وَ فِي حُكمِهِ الْأَبْلَهُ وَ الْمُغَفَّلُ الَّذِي لَا يتَفَطَّنُ لِمَزَايا الْأُمُورِ، (وَالْإِسْلَامُ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكافِرِ و أن كانَ ذِمِّيا، (وَلَوْ كانَ الْمَشْهُودُ عَلَيهِ كافِرًا عَلَي الْأَصَحِّ) لِاتِّصَافِهِ بِالْفِسْقِ وَ الظُّلْمِ الْمَانِعَينِ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، خِلَافًا لِلشَّيخِ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيثُ قَبِلَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِمِلَّتِهِمْ وَ عَلَيهِمْ اسْتِنَادًا إلَي رِوَايةٍ ضَعِيفَةٍ، لِلصَّدُوقِ حَيثُ قَبِلَ شَهَادَتَهُمْ عَلَي مِثْلِهِمْ و أن خَالَفَهُمْ فِي الْمِلَّةِ كالْيهُودِ عَلَي النَّصَارَي.

وَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ غَيرِ الذِّمِّي إجْمَاعًا، وَ لَا شَهَادَتُهُ عَلَي الْمُسْلِمِ إجْمَاعًا.

(إلَّا فِي الْوَصِيةِ عِنْدَ عَدَمِ) عُدُولِ (الْمُسْلِمِينَ) فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّي بِهَا، وَ يمْكنُ أَنْ يرِيدَ اشْتِرَاطُ فَقْدِ الْمُسْلِمِينَ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَي تَقْدِيمِ الْمَسْتُورِينَ وَ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ لَا يسْتَنِدُ فِسْقُهُمَا إلَي الْكذِبِ و هو قَوْلُ الْعَلَّامَةِ فِي التَّذْكرَةِ، وَ يضَعَّفُ بِاسْتِلْزَامِهِ التَّعْمِيمَ فِي غَيرِ مَحَلِّ الْوِفَاقِ وَ فِي اشْتِرَاطِ السَّفَرِ قَوْلَانِ: أَظْهَرُهُمَا الْعَدَمُ، وَ كذَا الْخِلَافُ فِي إحْلَافِهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ فَأَوْجَبَهُ الْعَلَّامَةُ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْآيةِ وَ الْأَشْهَرُ الْعَدَمُ فَإِنْ قُلْنَا بِهِ فَلْيكنْ بِصُورَةِ الْآيةِ بِأَنْ يقُولَا بَعْدَ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ: { لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا و لو كانَ ذَا قُرْبَي وَ لَا نَكتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إنَّا إذًا لَمِنْ الْآثِمِينَ }.

(وَالْإِيمَانُ) و هو هُنَا الْوَلَاءُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ غَيرِ

الْإِمَامِي مُطْلَقًا مُقَلِّدًا كانَ أَمْ مُسْتَدِلًّا.

(وَالْعَدَالَةُ) و هي هَيئَةٌ نَفْسَانِيةٌ رَاسِخَةٌ تَبْعَثُ عَلَي مُلَازَمَةِ التَّقْوَي وَ الْمُرُوءَةِ (وَتَزُولُ بِالْكبِيرَةِ) مُطْلَقًا، و هي مَا تُوُعِّدَ عَلَيهَا بِخُصُوصِهَا فِي كتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، و هي إلَي سَبْعِمِائَةٍ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَي سَبْعِينَ وَ سَبْعَةٍ.

وَ مِنْهَا الْقَتْلُ وَ الرِّبَا وَ الزِّنَا وَ اللِّوَاطُ وَ الْقِيادَةُ وَ الدِّياثَةُ، وَ شُرْبُ الْمُسْكرِ، وَ السَّرِقَةُ، وَ الْقَذْفُ، وَ الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ، وَ شَهَادَةُ الزُّورِ، وَ عُقُوقُ الْوَالِدَينِ، وَ الْأَمْنُ مِنْ مَكرِ اللَّهِ، وَ الْيأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَ الْغَصْبُ وَ الْغِيبَةُ، وَ النَّمِيمَةُ، وَ الْيمِينُ الْفَاجِرَةُ، وَ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَ أَكلُ مَالِ الْيتِيمِ، وَ خِيانَةُ الْكيلِ وَ الْوَزْنِ، وَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا، وَ الْكذِبُ خُصُوصًا عَلَي اللَّهِ وَ رَسُولِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ الهِ، وَ ضَرْبُ الْمُسْلِمِ به غير حَقٍّ، وَ كتْمَانُ الشَّهَادَةِ وَ الرِّشْوَةُ، وَ السِّعَايةُ إلَي الظَّالِمِ وَ مَنْعُ الزَّكاةِ، وَ تَأْخِيرُ الْحَجِّ عَنْ عَامِ الْوُجُوبِ اخْتِيارًا، وَ الظِّهَارُ، وَ أَكلُ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَ الْمَيتَةِ، وَ الْمُحَارَبَةُ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَ السِّحْرُ.

لِلتَّوَعُّدِ عَلَي ذَلِك كلِّهِ، و غيرهِ.

وَ قِيلَ: الذُّنُوبُ كلُّهَا كبَائِرُ وَ نَسَبَهُ الطَّبَرْسِي فِي التَّفْسِيرِ إلَي أَصْحَابِنَا مُطْلَقًا، نَظَرًا إلَي اشْتِرَاكهَا فِي مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَي وَ نَهْيهِ، وَ تَسْمِيةِ بَعْضِهَا صَغِيرًا بِالْإِضَافَةِ إلَي مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، كالْقُبْلَةِ بِالْإِضَافَةِ إلَي الزِّنَا و أن كانَتْ كبِيرَةً بِالْإِضَافَةِ إلَي النَّظْرَةِ، وَ هَكذَا.

(وَالْإِصْرَارُ عَلَي الصَّغِيرَةِ) و هي مَا دُونَ الْكبِيرَةِ مِنْ الذَّنْبِ.

وَ الْإِصْرَارُ إمَّا فِعْلِي كالْمُوَاظَبَةِ عَلَي نَوْعٍ، أَوْ أَنْوَاعٍ مِنْ الصَّغَائِرِ، أَوْ حُكمِي و هو الْعَزْمُ عَلَي فِعْلِهَا ثَانِيا بَعْدَ وُقُوعِهِ و أن لَمْ يفْعَلْ، وَ لَا يقْدَحُ تَرْك السُّنَنِ إلَّا أَنْ يؤَدِّي إلَي التَّهَاوُنِ، فِيهَا، و هل هَذَا هُوَ مَعَ

ذَلِك مِنْ الذُّنُوبِ، أَمْ مُخَالَفَةُ الْمُرُوءَةِ كلٌّ مُحْتَمَلٌ، و أن كانَ الثَّانِي أَوْجَهُ، (وَبِتَرْك الْمُرُوءَةِ) و هي التَّخَلُّقُ بِخُلُقِ أَمْثَالِهِ فِي زَمَانِهِ وَ مَكانِهِ، فَالْأَكلُ فِي السُّوقِ وَ الشُّرْبُ فِيهَا لِغَيرِ سُوقِي، إلَّا إذَا غَلَبَهُ الْعَطَشُ، وَ الْمَشْي مَكشُوفَ الرَّأْسِ بَينَ النَّاسِ، وَ كثْرَةُ السُّخْرِيةِ وَ الْحِكاياتِ الْمُضْحِكةِ، وَ لُبْسُ الْفَقِيهِ لِبَاسَ الْجُنْدِي و غيرهِ مِمَّا لَا يعْتَادُ لِمِثْلِهِ بِحَيثُ يسْخَرُ مِنْهُ، وَ بِالْعَكسِ، وَ نَحْوُ ذَلِك يسْقِطُهَا، وَ يخْتَلِفُ الْأَمْرُ فِيهَا بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَ الْأَشْخَاصِ وَ الْأَمَاكنِ، وَ لَا يقْدَحُ فِعْلُ السُّنَنِ و أن اسْتَهْجَنَهَا الْعَامَّةُ، وَ هَجَرَهَا النَّاسُ كالْكحْلِ، وَ الْحِنَّاءِ، وَ الْحَنَك فِي بَعْضِ الْبِلَادِ، و إنّما الْعِبْرَةُ به غير الرَّاجِحِ شَرْعًا.

(وَطَهَارَةُ الْمَوْلِدِ) فَتُرَدُّ شَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَا و لو فِي الْيسِيرِ عَلَي الْأَشْهَرِ و إنّما تُرَدُّ شَهَادَتُهُ مَعَ تَحَقُّقِ حَالِهِ شَرْعًا، فَلَا اعْتِبَارَ بِمَنْ تَنَالُهُ الْأَلْسُنُ و أن كثُرَتْ مَا لَمْ يحْصُلْ الْعِلْمُ، (وَعَدَمُ التُّهَمَةِ) بِضَمِّ التَّاءِ وَ فَتْحِ الْهَاءِ، و هي أَنْ يجُرَّ إلَيهِ بِشَهَادَتِهِ نَفْعًا، أَوْ يدْفَعَ عَنْهُ بِهَا ضَرَرًا.

(فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّرِيك لِشَرِيكهِ فِي الْمُشْتَرَك بَينَهُمَا) بِحَيثُ يقْتَضِي الشَّهَادَةُ الْمُشَارَكةَ، (وَلَا) شَهَادَةُ الْوَصِي فِي مُتَعَلَّقِ وَصِيتِهِ، وَ لَا يقْدَحُ فِي ذَلِك مُجَرَّدُ دَعْوَاهُ الْوِصَايةَ، وَ لَا مَعَ شَهَادَةِ مَنْ لَا تَثْبُتُ بِهَا، لِأَنَّ الْمَانِعَ ثُبُوتُ الْوِلَايةِ الْمُوجِبَةِ لِلتُّهَمَةِ بِإِدْخَالِ الْمَالِ تَحْتَهَا، (وَلَا) شَهَادَةُ (الْغُرَمَاءِ لِلْمُفْلِسِ) وَ الْمَيتِ، (وَالسَّيدِ لِعَبْدِهِ) عَلَي الْقَوْلِ بِمِلْكهِ، لِلِانْتِفَاعِ بِالْوِلَايةِ عَلَيهِ.

وَ الشَّهَادَةُ فِي هَذِهِ الْفُرُوضِ جَالِبَةٌ لِلنَّفْعِ.

(وَ) أَمَّا مَا يدْفَعُ الضَّرَرَ فَشَهَادَةُ (الْعَاقِلَةِ يجْرَحُ شُهُودَ الْجِنَايةِ) خَطَأً، وَ غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ بِفِسْقِ شُهُودِ دَينٍ آخَرَ، لِأَنَّهُمْ يدْفَعُونَ بِهَا ضَرَرَ الْمُزَاحِمَةِ وَ يمْكنُ اعْتِبَارُهُ فِي النَّفْعِ، وَ شَهَادَةُ الْوَصِي وَ الْوَكيلِ بِجَرْحِ الشُّهُودِ عَلَي الْمُوصِي، وَ الْمُوَكلِ،

وَ شَهَادَةُ الزَّوْجِ بِزِنَا زَوْجَتِهِ الَّتِي قَذَفَهَا لِدَفْعِ ضَرَرِ الْحَدِّ.

وَ لَا يقْدَحُ مُطْلَقُ التُّهَمَةِ، فَإِنَّ شَهَادَةَ الصَّدِيقِ لِصَدِيقِهِ مَقْبُولَةٌ، وَ الْوَارِثُ لِمُوَرِّثِهِ بِدَينٍ و أن كانَ مُشْرِفًا عَلَي التَّلَفِ مَا لَمْ يرِثْهُ قَبْلَ الْحُكمِ بِهَا، وَ كذَا شَهَادَةُ رُفَقَاءِ الْقَافِلَةِ عَلَي اللُّصُوصِ إذَا لَمْ يكونُوا مَأْخُوذِينَ وَ يتَعَرَّضُوا لِذِكرِ مَا أُخِذَ لَهُمْ.

الْمُعْتَبَرَةِ فِي الشَّهَادَةِ

الْمُعْتَبَرَةِ فِي الشَّهَادَةِ

(وَالْمُعْتَبَرُ فِي الشُّرُوطِ) الْمُعْتَبَرَةِ فِي الشَّهَادَةِ (وَقْتُ الْأَدَاءِ لَا وَقْتُ التَّحَمُّلِ)، فَلَوْ تَحَمَّلَهَا نَاقِصًا ثُمَّ كمُلَ حِينَ الْأَدَاءِ سُمِعَتْ، وَ فِي اشْتِرَاطِ اسْتِمْرَارِهَا إلَي حِينِ الْحُكمِ قَوْلَانِ: اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ ذَلِك، وَ يظْهَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ عَدَمُهُ. (وَتَمْنَعُ الْعَدَاوَةُ الدُّنْيوِيةُ) و أن لَمْ تَتَضَمَّنْ فِسْقًا، وَ تَتَحَقَّقُ (بِأَنْ يعْلَمَ مِنْهُ السُّرُورُ بِالْمُسَاءَةِ، وَ بِالْعَكسِ)، أَوْ بِالتَّقَاذُفِ، و لو كانَتْ الْعَدَاوَةُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَينِ اخْتَصَّ بِالْقَبُولِ الْخَالِي مِنْهَا، وَ الا لَمَلَك كلُّ غَرِيمٍ رَدَّ شَهَادَةِ الْعَدْلِ عَلَيهِ بِأَنْ يقْذِفَهُ وَ يخَاصِمَهُ، (وَلَوْ شَهِدَ) الْعَدُوُّ (لِعَدُوِّهِ قُبِلَ إذَا كانَتْ الْعَدَاوَةُ لَا تَتَضَمَّنُ فِسْقًا)، لِانْتِفَاءِ التُّهَمَةِ بِالشَّهَادَةِ لَهُ.

وَ احْتَرَزَ بِالدُّنْيوِيةِ عَنْ الدِّينِيةِ فَإِنَّهَا غَيرُ مَانِعَةٍ، لِقَبُولِ شَهَادَةِ الْمُؤْمِنِ عَلَي أَهْلِ الْأَدْيانِ، دُونَ الْعَكسِ مُطْلَقًا.

(وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ كثِيرِ السَّهْوِ

(وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ كثِيرِ السَّهْوِ

، بِحَيثُ لَا يضْبِطُ الْمَشْهُودَ بِهِ) و أن كانَ عَدْلًا، بَلْ رُبَّمَا كانَ وَلِيا و من هُنَا قِيلَ: نَرْجُو شَفَاعَةَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، (وَلَا) شَهَادَةُ (الْمُتَبَرِّعِ بِإِقَامَتِهَا) قَبْلَ اسْتِنْطَاقِ الْحَاكمِ، سَوَاءٌ كانَ قَبْلَ الدَّعْوَي أَمْ بَعْدَهَا، لِلتُّهَمَةِ بِالْحِرْصِ عَلَي الْأَدَاءِ وَ لَا يصِيرُ بِالرَّدِّ مَجْرُوحًا، فَلَوْ شَهِدَ بَعْدَ ذَلِك غَيرَهَا قُبِلَتْ وَ فِي إعَادَتِهَا فِي غَيرِ ذَلِك الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ، وَ التَّبَرُّعُ مَانِعٌ.

(إلَّا أَنْ يكونَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَي) كالصَّلَاةِ وَ الزَّكاةِ وَ الصَّوْمِ بِأَنْ يشْهَدَ بِتَرْكهَا، وَ يعَبَّرُ عَنْهَا بِبَينَةِ الْحِسْبَةِ فَلَا يمْنَعُ، لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِإِقَامَتِهَا، فَكانَ فِي حُكمِ اسْتِنْطَاقِ الْحَاكمِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ، و لو اشْتَرَك الْحَقُّ كالْعِتْقِ وَ السَّرِقَةِ وَ الطَّلَاقِ وَ الْخُلْعِ وَ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ فَفِي تَرْجِيحِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَي أَوْ الْآدَمِي وَجْهَانِ، أَمَّا الْوَقْفُ الْعَامُّ فَقَبُولُهَا فِيهِ أَقْوَي بِخِلَافِ الْخَاصِّ عَلَي الْأَقْوَي، (وَلَوْ ظَهَرَ لِلْحَاكمِ سَبْقُ الْقَادِحِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَي حُكمِهِ) بِأَنْ

ثَبَتَ كوْنُهُمَا صَبِيينِ، أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ فَاسِقَينِ أَوْ غَيرَ ذَلِك (نَقَضَ) لِتَبَينِ الْخَطَإِ فِيهِ. (وَمُسْتَنَدُ الشَّهَادَةِ الْعِلْمُ الْقَطْعِي) بِالْمَشْهُودِ بِهِ، أَوْ رُؤْيتُهُ فِيمَا يكفِي فِيهِ الرُّؤْيةُ، كالْأَفْعَالِ مِنْ الْغَصْبِ وَ السَّرِقَةِ وَ الْقَتْلِ وَ الرَّضَاعِ وَ الْوِلَادَةِ وَ الزِّنَا وَ اللِّوَاطِ، وَ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْأَصَمِّ، لِانْتِفَاءِ الْحَاجَةِ إلَي السَّمْعِ فِي الْفِعْلِ، (أَوْ سَمَاعًا) فِي الْأَقْوَالِ (نَحْوَ الْعُقُودِ) وَ الْإِيقَاعَاتِ وَ الْقَذْفِ (مَعَ الرُّؤْيةِ) أَيضًا لِيحْصُلَ الْعِلْمُ بِالْمُتَلَفَّظِ، إلَّا أَنْ يعْرِفَ الصَّوْتَ قَطْعًا فَيكفِي عَلَي الْأَقْوَي.

(وَلَا يشْهَدُ إلَّا عَلَي مَنْ يعْرِفُهُ) بِنَسَبِهِ أَوْ عَينِهِ، فَلَا يكفِي انْتِسَابُهُ لَهُ، لِجَوَازِ التَّزْوِيرِ، (وَيكفِي مُعَرِّفَانِ عَدْلَانِ) بِالنَّسَبِ (وَ) يجُوزُ أَنْ (تُسْفِرَ الْمَرْأَةُ عَنْ وَجْهِهَا) لِيعْرِفَهَا الشَّاهِدُ عِنْدَ التَّحَمُّلِ وَ الْأَدَاءِ، إلَّا أَنْ يعْرِفَ صَوْتَهَا قَطْعًا.

(وَيثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ) و هي اسْتِفْعَالٌ مِنْ الْفَيضِ، و هو الظُّهُورُ وَ الْكثْرَةُ.

وَ الْمُرَادُ بِهَا هُنَا شِياعُ الْخَبَرِ إلَي حَدٍّ يفِيدُ السَّامِعَ الظَّنَّ [الْغَالِبَ] الْمُقَارِبَ لِلْعِلْمِ، وَ لَا تَنْحَصِرُ فِي عَدَدٍ بَلْ يخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُخْبِرِينَ، نَعَمْ يعْتَبَرُ أَنْ يزِيدُوا عَنْ عَدَدِ الشُّهُودِ الْمُعَدِّلِينَ لِيحْصُلَ الْفَرْقُ بَينَ خَبَرِ الْعَدْلِ و غيرهِ، وَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يثْبُتُ بِهَا (سَبْعَةٌ النَّسَبُ وَ الْمَوْتُ وَ الْمِلْك الْمُطْلَقُ وَ الْوَقْفُ وَ النِّكاحُ وَ الْعِتْقُ وَ وِلَايةُ الْقَاضِي)، لِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَينَةِ فِي هَذِهِ الْأَسْبَابِ مُطْلَقًا.

(وَيكفِي) فِي الْخَبَرِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ (مُتَاخَمَةُ الْعِلْمِ) أَي مُقَارَبَتُهُ (عَلَي قَوْلٍ قَوِي)، وَ بِهِ جَزَمَ فِي الدُّرُوسِ، وَ قِيلَ: يشْتَرَطُ أَنْ يحْصُلَ الْعِلْمُ، وَ قِيلَ: يكفِي مُطْلَقُ الظَّنِّ حَتَّي لَوْ سَمِعَ مِنْ شَاهِدَينِ عَدْلَينِ صَارَ مُتَحَمِّلًا، لِإِفَادَةِ قَوْلِهِمَا الظَّنَّ.

وَ عَلَي الْمُخْتَارِ لَا يشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ، وَ لَا الْحُرِّيةُ وَ الذُّكورَةُ، لِإِمْكانِ اسْتِفَادَتِهِ مِنْ نَقَائِضِهَا.

وَ احْتَرَزَ بِالْمِلْك الْمُطْلَقِ عَنْ الْمُسْتَنِدِ إلَي سَبَبٍ كالْبَيعِ فَلَا يثْبُتُ السَّبَبُ بِهِ، بَلْ الْمِلْك الْمَوْجُودُ

فِي ضِمْنِهِ، فَلَوْ شَهِدَ بِالْمِلْك وَ أَسْنَدَهُ إلَي سَبَبٍ يثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ كالْإِرْثِ قُبِلَ، و لو لَمْ يثْبُتْ بِهَا كالْبَيعِ قُبِلَ فِي أَصْلِ الْمِلْك، لَا فِي السَّبَبِ.

وَ مَتَي اجْتَمَعَ فِي مِلْك اسْتِفَاضَةٌ، وَ يدٌ، وَ تَصَرُّفٌ بِلَا مُنَازِعٍ فَهُوَ مُنْتَهَي الْإِمْكانِ، فَلِلشَّاهِدِ الْقَطْعُ بِالْمِلْك.

وَ فِي الِاكتِفَاءِ بِكلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمِلْك قَوْلٌ قَوِي.

(وَيجِبُ التَّحَمُّلُ) لِلشَّهَادَةِ

(وَيجِبُ التَّحَمُّلُ) لِلشَّهَادَةِ

(عَلَي مَنْ لَهُ أَهْلِيةُ الشَّهَادَةِ) إذَا دُعِي إلَيهَا خُصُوصًا أَوْ عُمُومًا (عَلَي الْكفَايةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَي: { لِقَوْلِهِ تَعَالَي وَ لَا يأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا } فَسَّرَهُ الصَّادِقُ عَلَيهِ السَّلَامُ: بِالتَّحَمُّلِ، وَ يمْكنُ جَعْلُهُ دَلِيلًا عَلَيهِ و علي الْإِقَامَةِ، فَيأْثَمُ الْجَمِيعُ لَوْ أَخَلُّوا بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ، (فَلَوْ فُقِدَ سِوَاهُ) فِيمَا يثْبِتُ بِهِ وَحْدَهُ و لو مَعَ الْيمِينِ، أَوْ كانَ تَمَامَ الْعَدَدِ (تَعَينَ) الْوُجُوبُ كغَيرِهِ مِنْ فُرُوضِ الْكفَايةِ إذَا لَمْ يقُمْ بِهِ غَيرُهُ، (وَيصِحُّ تَحَمُّلُ الْأَخْرَسِ) لِلشَّهَادَةِ، (وَأَدَاؤُهُ بَعْدَ الْقَطْعِ بِمُرَادِهِ) و لو بِمُتَرْجِمَينِ عَدْلَينِ.

وَ لَيسَا فَرَعَينَ عَلَيهِ، وَ لَا يكفِي الْإِشَارَةُ فِي شَهَادَةِ النَّاطِقِ. (وَكذَا يجِبُ الْأَدَاءُ) مَعَ الْقُدْرَةِ (عَلَي الْكفَايةِ) إجْمَاعًا، سَوَاءٌ اسْتَدْعَاهُ ابْتِدَاءً أَمْ لَا عَلَي الْأَشْهَرِ، (إلَّا مَعَ خَوْفِ ضَرَرٍ غَيرِ مُسْتَحَقٍّ) عَلَي الشَّاهِدِ، أَوْ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَ احْتَرَزَ به غير الْمُسْتَحَقِّ عَنْ مِثْلِ مَا لَوْ كانَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيهِ حَقٌّ عَلَي الشَّاهِدِ لَا يطَالِبُهُ بِهِ، وَ ينْشَأُ مِنْ شَهَادَتِهِ الْمُطَالَبَةُ، فَلَا يكفِي ذَلِك فِي سُقُوطِ الْوُجُوبِ، لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مُسْتَحَقٌّ.

وَ إِنَّمَا يجِبُ الْأَدَاءُ مَعَ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِشَهَادَتِهِ لِانْضِمَامِ مَنْ يتِمُّ بِهِ الْعَدَدُ، أَوْ حَلَفَ الْمُدَّعِي إنْ كانَ مِمَّا يثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَ يمِينٍ.

فَلَوْ طَلَبَ مِنْ اثْنَينِ [فِيمَا] يثْبُتُ بِهِمَا لَزِمَهُمَا، و ليس لِأَحَدِهِمَا الِامْتِنَاعُ بِنَاءً عَلَي الِاكتِفَاءِ بِحَلِفِ الْمُدَّعِي مَعَ الْآخَرِ، لِأَنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الْإِشْهَادِ التَّوَرُّعُ عَنْ الْيمِينِ، و

لو كانَ الشُّهُودُ أَزْيدَ مِنْ اثْنَينِ فِيمَا يثْبُتُ بِهِمَا وَجَبَ عَلَي اثْنَينِ مِنْهُمَا كفَايةً، و لو لَمْ يكنْ إلَّا وَاحِدٌ لَزِمَهُ الْأَدَاءُ إنْ كانَ مِمَّا يثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَ يمِينٍ وَ الا فَلَا.

وَ لَوْ لَمْ يعْلَمْ صَاحِبُ الْحَقِّ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَجَبَ عَلَيهِ تَعْرِيفُهُ إنْ خَافَ بُطْلَانَ الْحَقِّ بِدُونِ شَهَادَتِهِ. (وَلَا يقِيمُهَا) الشَّاهِدُ (إلَّا مَعَ الْعِلْمِ) الْقَطْعِي.

(وَلَا يكفِي الْخَطُّ) بِهَا (وَإِنْ حَفِظَهُ) بِنَفْسِهِ، وَ أَمِنَ التَّزْوِيرَ (وَلَوْ شَهِدَ مَعَهُ ثِقَةٌ) عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ، لِقَوْلِ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِمَنْ أَرَاهُ الشَّمْسَ: { عَلَي مِثْلِهَا فَاشْهَدْ، أَوْ دَعْ }، وَ قِيلَ: إذَا شَهِدَ مَعَهُ ثِقَةٌ، و كان الْمُدَّعِي ثِقَةً، أَقَامَهَا بِمَا عَرَفَهُ مِنْ خَطِّهِ وَ خَاتِمِهِ، اسْتِنَادًا إلَي رِوَايةٍ شَاذَّةٍ. (وَمَنْ نَقَلَ عَنْ الشِّيعَةِ جَوَازَ الشَّهَادَةِ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي إذَا كانَ أَخًا فِي اللَّهِ مَعْهُودَ الصِّدْقِ، فَقَدْ أَخْطَأَ فِي نَقْلِهِ)، لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَي عَدَمِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ بِذَلِك، (نَعَمْ هُوَ مَذْهَبُ) مُحَمَّدِ بْنِ عَلِي الشَّلَمْغَانِي (الْعُزَاقِرِي) نِسْبَةً إلَي أَبِي الْعُزَاقِرِ بِالْعَينِ الْمُهْمَلَةِ وَ الزَّاي وَ الْقَافِ وَ الرَّاءِ أَخِيرًا (مِنْ الْغُلَاةِ).

لَعَنَهُ اللَّهُ وَ وَجْهُ الشُّبْهَةِ عَلَي مَنْ نَسَبَ ذَلِك إلَي الشِّيعَةِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الْمَلْعُونَ كانَ مِنْهُمْ أَوَّلًا، وَ صَنَّفَ كتَابًا سَمَّاهُ كتَابُ التَّكلِيفِ وَ ذَكرَ فِيهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ثُمَّ غَلَا، وَ ظَهَرَ مِنْهُ مَقَالَاتٌ مُنْكرَةٌ فَتَبَرَّأَتْ الشِّيعَةُ مِنْهُ، وَ خَرَجَ فِيهِ تَوْقِيعَاتٌ كثِيرَةٌ مِنْ النَّاحِيةِ الْمُقَدَّسَةِ عَلَي يدِ أَبِي الْقَاسِمِ ابْنِ رَوْحٍ وَكيلِ النَّاحِيةِ، فَأَخَذَهُ السُّلْطَانُ وَ قَتَلَهُ، فَمَنْ رَأَي هَذَا الْكتَابَ و هو عَلَي أَسَالِيبِ الشِّيعَةِ وَ أُصُولِهِمْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَ هُمْ بَرِيئُونَ مِنْهُ، وَ ذَكرَ الشَّيخُ الْمُفِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَيسَ فِي الْكتَابِ مَا يخَالِفُ سِوَي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

(الْفَصْلُ الثَّانِي فِي تَفْصِيلِ الْحُقُوقِ)

(الْفَصْلُ الثَّانِي فِي تَفْصِيلِ الْحُقُوقِ)

بِالنِّسْبَةِ إلَي الشُّهُودِ.

وَ

هِي عَلَي مَا ذَكرَهُ فِي الْكتَابِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ.

(فَمِنْهَا.

مَا يثْبُتُ بِأَرْبَعَةِ رِجَالٍ، و هو الزِّنَا وَ اللِّوَاطُ وَ السِّحَاقُ، وَ يكفِي فِي) الزِّنَا (الْمُوجِبِ لِلرَّجْمِ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ وَ امْرَأَتَانِ، وَ لِلْجَلْدِ رَجُلَانِ وَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ) و لو أَفْرَدَ هَذَينِ عَنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَ جَعَلَ الزِّنَا قِسْمًا بِرَأْسِهِ كمَا فَعَلَ فِي الدُّرُوسِ كانَ أَنْسَبَ، لِاخْتِلَافِ حَالِهِ.

بِالنَّظَرِ إلَي الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْأَوَّلَينِ لَا يثْبُتَانِ إلَّا بِأَرْبَعَةِ رِجَالٍ وَ الزِّنَا يثْبُتُ بِهِمْ وَ بِمَنْ ذُكرَ. (وَمِنْهَا) مَا يثْبُتُ (بِرَجُلَينِ) خَاصَّةً (وَهِي الرِّدَّةُ وَ الْقَذْفُ وَ الشُّرْبُ) شُرْبُ الْخَمْرِ و ما فِي مَعْنَاهُ، (وَحَدُّ السَّرِقَةِ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ نَفْسِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِهِمَا، وَ بِشَاهِدٍ وَ امْرَأَتَينِ، وَ بِشَاهِدٍ وَ يمِينٍ بِالنِّسْبَةِ إلَي ثُبُوتِ الْمَالِ خَاصَّةً، (وَالزَّكاةُ وَ الْخُمُسُ وَ النَّذْرُ وَ الْكفَّارَةُ) و هذه الْأَرْبَعَةُ أَلْحَقَهَا الْمُصَنِّفُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَي و أن كانَ لِلْآدَمِي فِيهَا حَظٌّ بَلْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا، لِعَدَمِ تَعَينِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَي الْخُصُوصِ.

وَ ضَابِطُ هَذَا الْقِسْمِ عَلَي مَا ذَكرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مَا كانَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِي لَيسَ مَالًا، وَ لَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالُ، و هذا الضَّابِطُ لَا يدْخِلُ تِلْك الْحُقُوقَ الْأَرْبَعَةَ فِيهِ.

(وَ) مِنْهُ (الْإِسْلَامُ وَ الْبُلُوغُ وَ الْوَلَاءُ وَ التَّعْدِيلُ وَ الْجَرْحُ وَ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَ الطَّلَاقِ وَ الْخُلْعِ) و أن تَضَمَّنَ الْمَالَ، لَكنَّهُ لَيسَ نَفْسَ حَقِيقَتِهِ (وَالْوَكالَةُ وَ الْوَصِيةُ إلَيهِ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْوَصِيةِ لَهُ بِمَالٍ فَإِنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ (وَالنَّسَبُ وَ الْهِلَالُ)، و بهذا يظْهَرُ أَنَّ الْهِلَالَ مِنْ حَقِّ الْآدَمِي، فَيثْبُتُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَي الشَّهَادَةِ كمَا سَيأْتِي. (وَمِنْهَا مَا يثْبُتُ بِرَجُلَينِ، وَ رَجُلٍ وَ امْرَأَتَينِ، وَ شَاهِدٍ وَ يمِينٍ، وَ هُوَ) كلُّ مَا كانَ مَالًا، أَوْ الْغَرَضُ مِنْهُ الْمَالُ، مِثْلُ (الدُّيونِ وَ الْأَمْوَالِ) الثَّابِتَةِ مِنْ

غَيرِ أَنْ تَدْخُلَ فِي اسْمِ الدَّينِ (وَالْجِنَايةِ الْمُوجِبَةِ لِلدِّيةِ) كقَتْلِ الْخَطَإِ وَ الْعَمْدِ الْمُشْتَمِلِ عَلَي التَّغْرِيرِ بِالنَّفْسِ كالْهَاشِمَةِ وَ الْمُنَقِّلَةِ، و ما لَا قَوَدَ فِيهِ كقَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ، وَ الْمُسْلِمِ الْكافِرَ، وَ الْحُرِّ الْعَبْدَ، و قد تَقَدَّمَ فِي بَابِ الشَّاهِدِ وَ الْيمِينِ، و لم يذْكرْ ثُبُوتَ ذَلِك بِامْرَأَتَينِ، مَعَ الْيمِينِ مَعَ أَنَّهُ قَوَّي فِي الدُّرُوسِ ثُبُوتَهُ بِهِمَا، لِلرِّوَايةِ، وَ مُسَاوَاتِهِمَا لِلرَّجُلِ حَالَةَ انْضِمَامِهِمَا إلَيهِ فِي ثُبُوتِهِ بِهِمَا مِنْ غَيرِ يمِينٍ.

وَ بَقِي مِنْ الْأَحْكامِ أُمُورٌ تَجْمَعُ حَقَّ الْآدَمِي الْمَالِي و غيرهُ، كالنِّكاحِ وَ الْخُلْعِ وَ السَّرِقَةِ، فَيثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَ الْيمِينِ الْمَالُ دُونَ غَيرِهِ، وَ اسْتَبْعَدَ الْمُصَنِّفُ ثُبُوتَ الْمَهْرِ دُونَ النِّكاحِ لِلتَّنَافِي (وَمِنْهَا) مَا يثْبُتُ (بِالرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ و لو مُنْفَرِدَاتٍ).

وَ ضَابِطُهُ مَا يعْسُرُ اطِّلَاعُ الرِّجَالِ عَلَيهِ غَالِبًا (كالْوِلَادَةِ وَ الاسْتِهْلَالِ) و هو وِلَادَةُ الْوَلَدِ حَيا لِيرِثَ، سُمِّي ذَلِك اسْتِهْلَالًا، لِلصَّوْتِ الْحَاصِلِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ مِمَّنْ حَضَرَ عَادَةً، كتَصْوِيتِ مَنْ رَأَي الْهِلَالَ، فَاشْتُقَّ مِنْهُ، (وَعُيوبِ النِّسَاءِ الْبَاطِنَةِ) كالْقَرَنِ وَ الرَّتَقِ، دُونَ الظَّاهِرَةِ كالْجُذَامِ وَ الْبَرَصِ وَ الْعَمَي، فَإِنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، (وَالرَّضَاعِ) عَلَي الْأَقْوَي، (وَالْوَصِيةِ لَهُ) أَي بِالْمَالِ، احْتِرَازٌ عَنْ الْوَصِيةِ إلَيهِ، و هذا الْفَرْدُ خَارِجٌ مِنْ الضَّابِطِ، و لو أَفْرَدَهُ قِسْمًا كمَا صَنَعَ فِي الدُّرُوسِ كانَ حَسَنًا، لِيرَتِّبَ عَلَيهِ بَاقِي أَحْكامِهِ فَإِنَّهُ يخْتَصُّ بِثُبُوتِ جَمِيعِ الْوَصِيةِ بِرَجُلَينِ، وَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَ ثُبُوتِ رُبُعِهَا بِكلِّ وَاحِدَةٍ، فَبِالْوَاحِدَةِ الرُّبُعُ، وَ بِالِاثْنَتَينِ النِّصْفُ، وَ بِالثَّلَاثِ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ، مِنْ غَيرِ يمِينٍ، وَ بِالْيمِينِ مَعَ الْمَرْأَتَينِ وَ مَعَ الرَّجُلِ، وَ فِي ثُبُوتِ النِّصْفِ بِالرَّجُلِ، أَوْ الرُّبُعِ مِنْ غَيرِ يمِينٍ، أَوْ سُقُوطِ شَهَادَتِهِ أَصْلًا أَوْجُهٌ مِنْ مُسَاوَاتِهِ لِلِاثْنَتَينِ وَ عَدَمِ النَّصِّ و أنّه لَا يقْصُرُ عَنْ الْمَرْأَةِ، وَ الْأَوْسَطُ أَوْسَطُ، وَ أَشْكلُ مِنْهُ

الْخُنْثَي، وَ الْحَاقُهُ بِالْمَرْأَةِ قَوِي، و ليس لِلْمَرْأَةِ تَضْعِيفُ الْمَالِ لِيصِيرَ مَا أَوْصَي بِهِ رُبْعَ مَا شَهِدَتْ بِهِ لِلْكذِبِ، لَكنْ لَوْ فَعَلَتْ اسْتَبَاحَ الْمُوصَي لَهُ الْجَمِيعَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْوَصِيةِ لَا بِدُونِهِ، وَ كذَا الْقَوْلُ فِيمَا [لَا] يثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ الْجَمِيعُ. (وَمِنْهَا) مَا يثْبُتُ (بِالنِّسَاءٍ مُنْضَمَّاتٍ) إلَي الرِّجَالِ (خَاصَّةً) أَوْ إلَي الْيمِينِ عَلَي مَا تَقَدَّمَ (وَهُوَ الدُّيونُ وَ الْأَمْوَالُ) و هذا الْقِسْمُ دَاخِلٌ فِي الثَّالِثِ، قِيلَ و إنّما أُفْرِدَ لِيعْلَمَ احْتِياجُ النِّسَاءِ إلَي الرِّجَالِ فِيهِ صَرِيحًا، و ليس بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ الِانْضِمَامَ يصْدُقُ مَعَ الْيمِينِ، و في الأَوَّلِ تَصْرِيحٌ بِانْضِمَامِهِنَّ إلَي الرَّجُلِ صَرِيحًا، فَلَوْ عُكسَ الْمُعْتَذَرُ كانَ أَوْلَي، وَ لَقَدْ كانَ إبْدَالُهُ بِبَعْضِ مَا أَشَرْنَا إلَيهِ مِنْ الْأَقْسَامِ سَابِقًا الَّتِي أَدْرَجَهَا، وَ إِدْرَاجُهُ هُوَ أَوْلَي كمَا فَعَلَ فِي الدُّرُوسِ.

(الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَي الشَّهَادَةِ

(الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَي الشَّهَادَةِ

وَ مَحَلُّهَا حُقُوقُ النَّاسِ كافَّةً) بَلْ ضَابِطُهُ كلُّ مَا لَمْ يكنْ عُقُوبَةً لِلَّهِ تَعَالَي مُخْتَصَّةً بِهِ إجْمَاعًا، أَوْ مُشْتَرَكةً عَلَي الْخِلَافِ (سَوَاءٌ كانَتْ) الْحُقُوقُ (عُقُوبَةً كالْقِصَاصِ، أَوْ غَيرَ عُقُوبَةٍ) مَعَ كوْنِهِ حَقًّا غَيرَ مَالِي (كالطَّلَاقِ وَ النَّسَبِ وَ الْعِتْقِ، أَوْ مَالًا كالْقَرْضِ، وَ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَ عُيوبِ النِّسَاءِ) هَذَا و ما بَعْدَهُ مِنْ أَفْرَادِ الْحُقُوقِ الَّتِي لَيسَتْ مَالًا رَتَّبَهَا مُشَوَّشَةً (وَالْوِلَادَةِ، وَ الاسْتِهْلَالِ، وَ الْوَكالَةِ وَ الْوَصِيةِ بِقِسْمَيهَا) وَ هُمَا الْوَصِيةُ إلَيهِ وَ لَهُ.

(وَلَا يثْبُتُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَي مَحْضًا كالزِّنَا وَ اللِّوَاطِ وَ السِّحَاقِ، أَوْ مُشْتَرَكا كالسَّرِقَةِ وَ الْقَذْفِ، عَلَي خِلَافٍ)، مَنْشَؤُهُ مُرَاعَاةُ الْحَقَّينِ و لم يرَجِّحْ هُنَا شَيئًا، وَ كذَا فِي الدُّرُوسِ، وَ الْوُقُوفُ عَلَي مَوْضِعِ الْيقِينِ أَوْلَي، و هو اخْتِيارُ الْأَكثَرِ.

فَيبْقَي ضَابِطُ مَحَلِّ الشَّهَادَةِ عَلَي الشَّهَادَةِ مَا لَيسَ بِحَدٍّ.

(وَلَوْ اشْتَمَلَ الْحَقُّ عَلَي الْأَمْرَينِ) كالزِّنَا (يثْبُتُ) بِالشَّهَادَةِ عَلَي الشَّهَادَةِ (حَقُّ النَّاسِ خَاصَّةً،

فَيثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ) عَلَي الشَّهَادَةِ (عَلَي إقْرَارِهِ بِالزِّنَا نَشْرُ الْحُرْمَةِ) لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيينَ (لَا الْحَدُّ) لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَي، و إنّما افْتَقَرَ إلَي إضَافَةِ الشَّهَادَةِ عَلَي الشَّهَادَةِ لِيصِيرَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمَبْحَثِ.

أَمَّا لَوْ شَهِدَ عَلَي إقْرَارِهِ بِالزِّنَا شَاهِدَانِ فَالْحُكمُ كذَلِك عَلَي خِلَافٍ، لَكنَّهُ مِنْ أَحْكامِ الْقِسْمِ السَّابِقِ و مثله مَا لَوْ شَهِدَ عَلَي إقْرَارِهِ بِإِتْيانِ الْبَهِيمَةِ شَاهِدَانِ يثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَيهِمَا تَحْرِيمُ الْبَهِيمَةِ وَ بَيعُهَا، دُونَ الْحَدِّ، (وَيجِبُ أَنْ يشْهَدَ عَلَي كلِّ وَاحِدٍ عَدْلَانِ) لِتَثْبُتَ شَهَادَتُهُ بِهِمَا.

(وَلَوْ شَهِدَا عَلَي الشَّاهِدَينِ فَمَا زَادَ) كالْأَرْبَعَةِ فِي الزِّنَا وَ النِّسْوَةِ (جَازَ)، لِحُصُولِ الْغَرَضِ و هو ثُبُوتُ شَهَادَةِ كلِّ وَاحِدٍ بِعَدْلَينِ، بَلْ يجُوزُ أَنْ يكونَ الْأَصْلُ فَرْعًا لِآخَرَ فَيثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ مَعَ آخَرَ وَ فِيمَا يقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ يجُوزُ عَلَي كلِّ امْرَأَةٍ أَرْبَعٌ كالرِّجَالِ وَ قِيلَ لَا يكونُ النِّسَاءُ فَرْعًا، لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْعِ تُثْبِتُ شَهَادَةَ الْأَصْلِ لَا مَا شَهِدَ بِهِ، (وَيشْتَرَطُ) فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ (تَعَذُّرُ) حُضُورِ (شَاهِدِ الْأَصْلِ بِمَوْتٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ سَفَرٍ)، وَ شَبَهِهِ، (وَضَابِطُهُ الْمَشَقَّةُ فِي حُضُورِهِ) و أن لَمْ يبْلُغْ حَدَّ التَّعَذُّرِ.

وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يشْتَرَطُ تَعْدِيلُ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ، و إنّما ذَلِك فَرْضُ الْحَاكمِ، نَعَمْ يعْتَبَرُ تَعْيينُهُ، فَلَا تَكفِي أَشْهَدَنَا عَدْلَانِ، ثُمَّ إنْ أَشْهَدَاهُمَا قَالَا: أَشْهَدَنَا فُلَانٌ أَنَّهُ يشْهَدُ بِكذَا، و أن سَمِعَاهُمَا يشْهَدَانِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، عَلَيهِمَا، و أن لَمْ تَكنْ شَهَادَةُ الْأَصْلِ عِنْدَ حَاكمٍ عَلَي الْأَقْوَي، لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يتَسَامَحُ بِذَلِك بِشَرْطِ ذِكرِ الْأَصْلِ لِلسَّبَبِ، وَ الا فَلَا، لِاعْتِيادِ التَّسَامُحِ عِنْدَ غَيرِ الْحَاكمِ بِهِ، و إنّما تَجُوزُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ مَرَّةً وَاحِدَةً (وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ الثَّالِثَةُ) عَلَي شَاهِدِ الْفَرْعِ (فَصَاعِدًا).

الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ

(الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الرُّجُوعِ) عَنْ الشَّهَادَةِ

(إذَا رَجَعَا) أَي الشَّاهِدَانِ فِيمَا يعْتَبَرُ فِيهِ الشَّاهِدَانِ، أَوْ الْأَكثَرُ حَيثُ يعْتَبَرُ

(قَبْلَ الْحُكمِ امْتَنَعَ الْحُكمُ)، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلشَّهَادَةِ و قد ارْتَفَعَتْ، وَ لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أَصَدَقُوا فِي الْأَوَّلِ، أَوْ فِي الثَّانِي فَلَا يبْقَي ظَنُّ الصِّدْقِ فِيهَا، (وَإِنْ كانَ الرُّجُوعُ بَعْدَهُ لَمْ ينْقَضْ الْحُكمُ) إنْ كانَ مَالًا و (ضَمِنَ الشَّاهِدَانِ) مَا شَهِدَا بِهِ مِنْ الْمَالِ (سَوَاءٌ كانَتْ الْعَينُ بَاقِيةً، أَوْ تَالِفَةً) عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ.

وَ قِيلَ: تُسْتَعَادُ الْعَينُ الْقَائِمَةُ.

(وَلَوْ كانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَي قَتْلٍ، أَوْ رَجْمٍ، أَوْ قَطْعٍ، أَوْ جَرْحٍ) أَوْ حَدٍّ، و كان قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ لَمْ يسْتَوْفَ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، وَ الرُّجُوعُ شُبْهَةٌ، وَ الْمَالُ لَا يسْقُطُ بِهَا، و هو فِي الْحَدِّ فِي مَعْنَي النَّقْضِ، و في القِصَاصِ قِيلَ: ينْتَقَلُ إلَي الدِّيةِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ مُمْكنٌ عِنْدَ فَوَاتِ مَحَلِّهِ.

وَ عَلَيهِ لَا ينْقَضُ، وَ قِيلَ: تَسْقُطُ لِأَنَّهَا فَرْعُهُ، فَلَا يثْبُتُ الْفَرْعُ مِنْ دُونِ الْأَصْلِ، فَيكونُ ذَلِك فِي مَعْنَي النَّقْضِ أَيضًا وَ الْعِبَارَةُ تَدُلُّ بِإِطْلَاقِهَا عَلَي عَدَمِ النَّقْضِ مُطْلَقًا وَ اسْتِيفَاءِ مُتَعَلِّقِ الشَّهَادَةِ و أن كانَ حَدًّا، وَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيسَ بِمُرَادٍ.

وَ فِي الدُّرُوسِ لَا رَيبَ أَنَّ الرُّجُوعَ فِيمَا يوجِبُ الْحَدَّ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ يبْطِلُ الْحَدَّ، سَوَاءٌ كانَ لِلَّهِ، أَوْ لِلْإِنْسَانِ لِقِيامِ الشُّبْهَةِ الدَّارِئَةِ، و لم يتَعَرَّضْ لِلْقِصَاصِ.

وَ عَلَي هَذَا فَإِطْلَاقُ الْعِبَارَةِ إمَّا لَيسَ بِجَيدٍ أَوْ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، و لو كانَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَذْكورَاتِ وَ اتَّفَقَ مَوْتُهُ بِالْحَدِّ، (ثُمَّ رَجَعُوا وَ اعْتَرَفُوا بِالتَّعَمُّدِ اُقْتُصَّ مِنْهُمْ أَجْمَعُ) إنْ شَاءَ وَلِيهُ، وَرَدَّ عَلَي كلِّ وَاحِدٍ مَا زَادَ عَنْ جِنَايتِهِ كمَا لَوْ بَاشَرُوا، (أَوْ) اُقْتُصَّ (مِنْ بَعْضِهِمْ) وَرُدَّ عَلَيهِ مَا زَادَ عَنْ جِنَايتِهِ (وَيرُدُّ الْبَاقُونَ نَصِيبَهُمْ) مِنْ الْجِنَايةِ، (وَإِنْ قَالُوا أَخْطَأْنَا فَالدِّيةُ عَلَيهِمْ) أَجْمَعُ مُوَزَّعَةً، و لو تَفَرَّقُوا فِي الْعَمْدِ وَ الْخَطَأِ فَعَلَي كلِّ وَاحِدٍ لَازِمٍ قَوْلُهُ، فَعَلَي الْمُعْتَرِفِ بِالْعَمْدِ الْقِصَاصُ بَعْدَ رَدِّ مَا يفْضُلُ

مِنْ دِيتِهِ عَنْ جِنَايتِهِ، و علي الْمُخْطِئِ نَصِيبُهُ مِنْ الدِّيةِ. (وَلَوْ شَهِدَا بِطَلَاقٍ ثُمَّ رَجَعَا، قَالَ الشَّيخُ فِي النِّهَايةِ: تُرَدُّ إلَي الْأَوَّلِ، وَ يغْرَمَانِ الْمَهْرَ لِلثَّانِي، وَ تَبِعَهُ أَبُو الصَّلَاحِ) اسْتِنَادًا إلَي رِوَايةٍ حَسَنَةٍ حُمِلَتْ عَلَي تَزْوِيجِهَا بِمُجَرَّدِ سَمَاعِ الْبَينَةِ، لَا بِحُكمِ الْحَاكمِ (وَقَالَ فِي الْخِلَافِ: إنْ كانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا غُرْمَ) لِلْأَوَّلِ، لِاسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ فِي ذِمَّتِهِ بِهِ فَلَا تَفْوِيتَ، وَ الْبُضْعُ لَا يضْمَنُ بِالتَّفْوِيتِ، وَ الا لَحُجِرَ عَلَي الْمَرِيضِ بِالطَّلَاقِ، إلَّا أَنْ يخْرُجَ الْبُضْعُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَ لِأَنَّهُ لَا يضْمَنُ لَهُ لَوْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ، أَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا، أَوْ حَرَّمْت نِكاحَهَا بِرَضَاعٍ، (وَهِي زَوْجَةُ الثَّانِي)؛ لِأَنَّ الْحُكمَ لَا ينْقَضُ بَعْدَ وُقُوعِهِ.

(وَإِنْ كانَ قَبْلَ الدُّخُولِ غَرِمَا لِلْأَوَّلِ نِصْفَ الْمَهْرِ) الَّذِي غَرِمَهُ؛ لِأَنَّهُ و أن كانَ ثَابِتًا بِالْعَقْدِ، كثُبُوتِ الْجَمِيعِ بِالدُّخُولِ، إلَّا أَنَّهُ كانَ مُعَرَّضًا لِلسُّقُوطِ بِرِدَّتِهَا، أَوْ الْفَسْخِ لِعَيبٍ، بِخِلَافِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ لِاسْتِقْرَارِهِ مُطْلَقًا و هذا هُوَ الْأَقْوَي وَ بِهِ قَطَعَ فِي الدُّرُوسِ، وَ نَقَلَهُ هُنَا قَوْلًا كالْآخَرِ يدُلُّ عَلَي تَرَدُّدِهِ فِيهِ، وَ لَعَلَّهُ لِمُعَارَضَةِ الرِّوَايةِ الْمُعْتَبَرَةِ.

وَ اعْلَمْ أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْحُكمَ فِي الطَّلَاقِ مِنْ غَيرِ فَرْقٍ بَينَ الْبَائِنِ، وَ الرَّجْعِي وَ وَجْهُهُ حُصُولُ السَّبَبِ الْمُزِيلِ لِلنِّكاحِ فِي الْجُمْلَةِ، خُصُوصًا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الرَّجْعِي، فَالتَّفْوِيتُ حَاصِلٌ عَلَي التَّقْدِيرَينِ، و لو قِيلَ: بِالْفَرْقِ، وَ اخْتِصَاصِ الْحُكمِ بِالْبَائِنِ كانَ حَسَنًا، فَلَوْ شَهِدَا بِالرَّجْعِي لَمْ يضْمَنَا إذْ لَمْ يفَوِّتَا شَيئًا، لِقُدْرَتِهِ عَلَي إزَالَةِ السَّبَبِ بِالرَّجْعَةِ و لو لَمْ يرَاجِعْ حَتَّي انْقَضَتْ الْعِدَّةُ احْتَمَلَ إلْحَاقُهُ بِالْبَائِنِ وَ الْغُرْمُ وَ عَدَمُهُ، لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْك الرَّجْعَةِ، وَ يجِبُ تَقْييدُ الْحُكمِ فِي الطَّلَاقِ مُطْلَقًا بِعَدَمِ عُرُوضِ وَجْهٍ مُزِيلٍ لِلنِّكاحِ، فَلَوْ شَهِدَا بِهِ فَفُرِّقَ وَ رَجَعَا فَقَامَتْ بَينَةٌ أَنَّهُ كانَ بَينَهُمَا رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ فَلَا غُرْمَ

إذْ لَا تَفْوِيتَ. (وَلَوْ ثَبَتَ تَزْوِيرُ الشُّهُودِ) بِقَاطِعٍ كعِلْمِ الْحَاكمِ بِهِ، لَا بِإِقْرَارِهِمَا؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ، وَ لَا بِشَهَادَةِ غَيرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ تَعَارُضٌ (نُقِضَ الْحُكمُ) لِتَبَينِ فَسَادِهِ، (وَاسْتُعِيدَ الْمَالُ) إنْ كانَ الْمَحْكومُ بِهِ مَالًا (فَإِنْ تَعَذَّرَ أُغْرِمُوا)، وَ كذَا يلْزَمُهُمْ كلُّ مَا فَاتَ بِشَهَادَتِهِمْ، (وَعُزِّرُوا عَلَي كلِّ حَالٍ) سَوَاءٌ كانَ ثُبُوتُهُ قَبْلَ الْحُكمِ، أَمْ بَعْدَهُ، فَاتَ شَيءٌ أَمْ لَا، (وَشُهِرُوا) فِي بَلَدِهِمْ و ما حَوْلَهَا، لِتُجْتَنَبَ شَهَادَتُهُمْ، وَ يرْتَدِعَ غَيرُهُمْ، وَ لَا كذَلِك مَنْ تَبَينَ غَلَطُهُ، أَوْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، لِمُعَارَضَةِ بَينَةٍ أُخْرَي، أَوْ ظُهُورِ فِسْقٍ، أَوْ تُهْمَةٍ، لِإِمْكانِ كوْنِهِ صَادِقًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَمْ يحْصُلْ مِنْهُ بِالشَّهَادَةِ أَمْرٌ زَائِدٌ.

12 - كتاب الوقف

الاشاره

12 - كتاب الوقف

(وَهُوَ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ) أَي جَعْلُهُ عَلَي حَالَةٍ لَا يجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ شَرْعًا عَلَي وَجْهٍ نَاقِلٍ لَهُ عَنْ الْمِلْك إلَّا مَا اُسْتُثْنِي، (وَإِطْلَاقُ الْمَنْفَعَةِ) و هذا لَيسَ تَعْرِيفًا، بَلْ ذِكرُ شَيءٍ مِنْ خَصَائِصِهِ، أَوْ تَعْرِيفٌ لَفْظِي، مُوَافَقَةً لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ عَنْهُ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم: حَبِّسْ الْأَصْلَ، وَ سَبِّلْ الثَّمَرَةَ، وَ الا لَانْتَقَضَ بِالسُّكنَي وَ أُخْتَيهَا وَ الْحَبْسِ، و هي خَارِجَةٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ كمَا سَيشِيرُ إلَيهِ.

وَ فِي الدُّرُوسِ عَرَّفَهُ بِأَنَّهُ الصَّدَقَةُ الْجَارِيةُ تَبَعًا لِمَا وَرَدَ عَنْهُ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ و آله و سلَّم {: إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ، صَدَقَةٍ جَارِيةٍ } الْحَدِيثَ (وَلَفْظُهُ الصَّرِيحُ) الَّذِي لَا يفْتَقِرُ فِي دَلَالَتِهِ عَلَيهِ إلَي شَيءٍ آخَرَ (وَقَفْت) خَاصَّةً عَلَي أَصَحِّ الْقَوْلَينِ (وَأَمَّا حَبَسْت وَ سَبَّلْت وَ حَرَّمْت وَ تَصَدَّقْت فَمُفْتَقِرٌ إلَي الْقَرِينَةِ) كالتَّأْبِيدِ، وَ نَفْي الْبَيعِ وَ الْهِبَةِ وَ الْإِرْثِ، فَيصِيرُ بِذَلِك صَرِيحًا.

وَ قِيلَ: الْأَوَّلَانِ صَرِيحَانِ أَيضًا بِدُونِ الضَّمِيمَةِ، وَ يضَعَّفُ بِاشْتِرَاكهِمَا بَينَهُ و بين غَيرِهِ فَلَا يدُلُّ عَلَي الْخَاصِّ بِذَاتِهِ فَلَا

بُدَّ مِنْ انْضِمَامِ قَرِينَةٍ تُعَينُهُ.

وَ لَوْ قَالَ جَعَلْتُهُ وَقْفًا، أَوْ صَدَقَةً مُؤَبَّدَةً مُحَرَّمَةً كفَي، وِفَاقًا لِلدُّرُوسِ، لِأَنَّهُ كالصَّرِيحِ.

وَ لَوْ نَوَي الْوَقْفَ فِيمَا يفْتَقِرُ إلَي الْقَرِينَةِ وَقَعَ بَاطِنًا وَ دُينَ بِنِيتِهِ لَوْ ادَّعَاهُ، أَوْ ادَّعَي غَيرَهُ، وَ يظْهَرُ مِنْهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ مُطْلَقًا، وَ لَا الْقُرْبَةِ.

أَمَّا الثَّانِي فَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَينِ، لِعَدَمِ دَلِيلٍ صَالِحٍ عَلَي اشْتِرَاطِهَا و أن تَوَقَّفَ عَلَيهَا الثَّوَابُ.

وَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَينِ، وَ ظَاهِرُ الْأَكثَرِ، لِأَصَالَةِ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، وَ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْك فَيكفِي فِيهِ الْإِيجَابُ كالْعِتْقِ.

وَ قِيلَ: يشْتَرَطُ إنْ كانَ الْوَقْفُ عَلَي مَنْ يمْكنُ فِي حَقِّهِ الْقَبُولُ، و هو أَجْوَدُ، وَ بِذَلِك دَخَلَ فِي بَابِ الْعُقُودِ، لِأَنَّ إدْخَالَ شَيءٍ فِي مِلْك الْغَيرِ يتَوَقَّفُ عَلَي رِضَاهُ، وَ لِلشَّك فِي تَمَامِ السَّبَبِ بِدُونِهِ فَيسْتَصْحَبُ، فَعَلَي هَذَا يعْتَبَرُ فِيهِ مَا يعْتَبَرُ فِي الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، مِنْ اتِّصَالِهِ بِالْإِيجَابِ عَادَةً وَ وُقُوعِهِ بِالْعَرَبِيةِ و غيرهَا.

نَعَمْ لَوْ كانَ عَلَي جِهَةٍ عَامَّةٍ، أَوْ قَبِيلَةٍ كالْفُقَرَاءِ لَمْ يشْتَرَطْ، و أن أَمْكنَ قَبُولُ الْحَاكمِ لَهُ، و هذا هُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ فِي الدُّرُوسِ وَ رُبَّمَا قِيلَ: بِاشْتِرَاطِ قَبُولِ الْحَاكمِ فِيمَا لَهُ وِلَايتُهُ.

وَ عَلَي الْقَوْلَينِ لَا يعْتَبَرُ قَبُولُ الْبَطْنِ الثَّانِي، وَ لَا رِضَاهُ، لِتَمَامِيةِ الْوَقْفِ قَبْلَهُ فَلَا ينْقَطِعُ وَ لِأَنَّ قَبُولَهُ لَا يتَّصِلُ بِالْإِيجَابِ، فَلَوْ اُعْتُبِرَ لَمْ يقَعْ لَهُ. (وَلَا يلْزَمُ) الْوَقْفُ بَعْدَ تَمَامِ صِيغَتِهِ (بِدُونِ الْقَبْضِ) و أن كانَ فِي جِهَةٍ عَامَّةٍ قَبَضَهَا النَّاظِرُ فِيهَا، أَوْ الْحَاكمُ، أَوْ الْقَيمُ الْمَنْصُوبُ مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ لِقَبْضِهِ، وَ يعْتَبَرُ وُقُوعُهُ (بِإِذْنِ الْوَاقِفِ) كغَيرِهِ لِامْتِنَاعِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَيرِ به غير إذْنِهِ، وَ الْحَالُ أَنَّهُ لَمْ ينْتَقِلْ إلَي الْمَوْقُوفِ عَلَيهِ بِدُونِهِ، (فَلَوْ مَاتَ) الْوَاقِفُ (قَبْلَهُ) أَي قَبْلَ قَبْضِهِ الْمُسْتَنِدِ إلَي إذْنِهِ (بَطَلَ) وَ رِوَايةُ عُبَيدِ بْنِ

زُرَارَةَ صَرِيحَةٌ فِيهِ، و منه يظْهَرُ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ فَوْرِيتُهُ.

وَ الظَّاهِرُ أَنَّ مَوْتَ الْمَوْقُوفِ عَلَيهِ كذَلِك، مَعَ احْتِمَالِ قِيامِ وَارِثِهِ مَقَامَهُ، وَ يفْهَمُ مِنْ نَفْيهِ اللُّزُومَ بِدُونِهِ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ قَبْلَهُ فَينْتَقِلُ الْمِلْك انْتِقَالًا مُتَزَلْزِلًا يتِمُّ بِالْقَبْضِ وَ صَرَّحَ غَيرُهُ و هو ظَاهِرُهُ فِي الدُّرُوسِ أَنَّهُ شَرْطُ الصِّحَّةِ، وَ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي النَّمَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَينَهُ و بين الْعَقْدِ، وَ يمْكنُ أَنْ يرِيدَ هُنَا بِاللُّزُومِ الصِّحَّةَ بِقَرِينَةِ حُكمِهِ بِالْبُطْلَانِ لَوْ مَاتَ قَبْلَهُ، فَإِنَّ ذَلِك مِنْ مُقْتَضَي عَدَمِ الصِّحَّةِ، لَا اللُّزُومِ كمَا صَرَّحَ بِهِ فِي هِبَةِ الدُّرُوسِ، وَ احْتَمَلَ إرَادَتَهُ مِنْ كلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِيهَا.

(وَيدْخُلُ فِي وَقْفِ الْحَيوَانِ لَبَنُهُ وَصُوفُهُ) و ما شَاكلَهُ (الْمَوْجُودَانِ حَالَ الْعَقْدِ مَا لَمْ يسْتَثْنِهِمَا)، كمَا يدْخُلُ ذَلِك فِي الْبَيعِ، لِأَنَّهُمَا كالْجُزْءِ مِنْ الْمَوْقُوفِ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ، و هو الْفَارِقُ بَينَهُمَا و بين الثَّمَرَةِ فَإِنَّهَا لَا تَدْخُلُ و أن كانَتْ طَلْعًا لَمْ يؤَبَّرْ.

(وَإِذَا تَمَّ) الْوَقْفُ (لَمْ يجُزْ الرُّجُوعُ فِيهِ)

(وَإِذَا تَمَّ) الْوَقْفُ (لَمْ يجُزْ الرُّجُوعُ فِيهِ)

، لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، (وَشَرْطُهُ) مُضَافًا إلَي مَا سَلَف (التَّنْجِيزُ) فَلَوْ عَلَّقَهُ عَلَي شَرْطٍ، أَوْ صِفَةٍ بَطَلَ إلَّا أَنْ يكونَ وَاقِعًا وَ الْوَاقِفُ عَالِمٌ بِوُقُوعِهِ كقَوْلِهِ: وَقَفْت إنْ كانَ الْيوْمُ الْجُمُعَةَ، وَ كذَا فِي غَيرِهِ مِنْ الْعُقُودِ، (وَالدَّوَامُ) فَلَوْ قَرَنَهُ بِمُدَّةٍ، أَوْ جَعَلَهُ عَلَي مَنْ ينْقَرِضُ غَالِبًا لَمْ يكنْ وَقْفًا، وَ الْأَقْوَي صِحَّتُهُ حَبْسًا يبْطُلُ بِانْقِضَائِهَا، وَ انْقِرَاضُهُ، فَيرْجِعُ إلَي الْوَاقِفِ، أَوْ وَارِثِهِ حِينَ انْقِرَاضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيهِ كالْوَلَاءِ.

وَ يحْتَمِلُ إلَي وَارِثِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَ يسْتَرْسِلُ فِيهِ إلَي أَنْ يصَادِفَ الِانْقِرَاضَ، وَ يسَمَّي هَذَا مُنْقَطِعَ الْآخِرِ، و لو انْقَطَعَ أَوَّلُهُ، أَوْ وَسَطُهُ، أَوْ طَرَفَاهُ فَالْأَقْوَي بُطْلَانُ مَا بَعْدَ الْقَطْعِ، فَيبْطُلُ الْأَوَّلُ وَ الْأَخِيرُ وَ يصِحُّ أَوَّلُ الْآخَرِ.

(وَالْإِقْبَاضُ) و هو تَسْلِيطُ الْوَاقِفِ لِلْقَابِضِ عَلَيهِ، وَ رَفْعُ

يدِهِ عَنْهُ لَهُ، و قد يغَايرُ الْإِذْنَ فِي الْقَبْضِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ سَابِقًا بِأَنْ يأْذَنَ فِيهِ وَ لَا يرْفَعُ يدَهُ عَنْهُ، (وَإِخْرَاجُهُ عَنْ نَفْسِهِ) فَلَوْ وَقَفَ عَلَي نَفْسِهِ بَطَلَ و أن عَقَّبَهُ بِمَا يصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيهِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ، وَ كذَا لَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ الْخِيارَ فِي نَقْضِهِ مَتَي شَاءَ، أَوْ فِي مُدَّةٍ مُعَينَةٍ - نَعَمْ لَوْ وَقَفَهُ عَلَي قَبِيلَةٍ هُوَ مِنْهُمْ ابْتِدَاءً، أَوْ صَارَ مِنْهُمْ شَارَك، أَوْ شَرَطَ عَوْدَهُ إلَيهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَالْمَرْوِي وَ الْمَشْهُورُ اتِّبَاعُ شَرْطِهِ، وَ يعْتَبَرُ حِينَئِذٍ قُصُورُ مَالِهِ عَنْ مُؤْنَةِ سَنَةٍ فَيعُودُ عِنْدَهَا وَ يورَثُ عَنْهُ لَوْ مَاتَ و أن كانَ قَبْلَهَا، و لو شَرَطَ أَكلَ أَهْلِهِ مِنْهُ صَحَّ الشَّرْطُ كمَا فَعَلَ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِوَقْفِهِ، وَ كذَلِك فَاطِمَةُ عَلَيهَا السَّلَامُ، وَ لَا يقْدَحُ كوْنُهُمْ وَاجِبَي النَّفَقَةِ، فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهُمْ إنْ اكتَفَوْا بِهِ.

وَ لَوْ وَقَفَ عَلَي نَفْسِهِ و غيرهِ صَحَّ فِي نِصْفِهِ عَلَي الْأَقْوَي إنْ اتَّحَدَ، و أن تَعَدَّدَ فَبِحَسَبِهِ، فَلَوْ كانَ جَمْعًا كالْفُقَرَاءِ بَطَلَ فِي رُبُعِهِ، وَ يحْتَمِلُ النِّصْفَ، وَ الْبُطْلَانَ رَأْسًا.

(وَشَرْطُ الْمَوْقُوفِ أَنْ يكونَ عَينًا)

(وَشَرْطُ الْمَوْقُوفِ أَنْ يكونَ عَينًا)

فَلَا يصِحُّ وَقْفُ الْمَنْفَعَةِ، وَ لَا الدَّينِ، وَ لَا الْمُبْهَمِ، لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ، وَ عَدَمِ وُجُودِهِ خَارِجًا، وَ الْمَقْبُوضُ وَ الْمُعَينُ بَعْدَهُ غَيرُهُ، (مَمْلُوكةً) إنْ أُرِيدَ بِالْمَمْلُوكيةِ صَلَاحِيتُهَا لَهُ بِالنَّظَرِ إلَي الْوَاقِفِ لِيحْتَرَزَ عَنْ وَقْفِ نَحْوِ الْخَمْرِ وَ الْخِنْزِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِ فَهُوَ شَرْطُ الصِّحَّةِ، و أن أُرِيدَ بِهِ الْمِلْك الْفِعْلِي لِيحْتَرَزَ بِهِ عَنْ وَقْفِ مَا لَا يمْلِك و أن صَلُحَ لَهُ فَهُوَ شَرْطُ اللُّزُومِ.

وَ الْأَوْلَي أَنْ يرَادَ بِهِ الْأَعَمُّ و أن ذَكرَ بَعْضَ تَفْصِيلِهِ بَعْدُ، (ينْتَفَعُ بِهَا مَعَ بَقَائِهَا)، فَلَا يصِحُّ وَقْفُ مَا لَا ينْتَفَعُ بِهِ إلَّا مَعَ ذَهَابِ عَينِهِ

كالْخُبْزِ وَ الطَّعَامِ وَ الْفَاكهَةِ، وَ لَا يعْتَبَرُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ كوْنُهُ فِي الْحَالِ، بَلْ يكفِي الْمُتَوَقَّعُ كالْعَبْدِ وَ الْجَحْشِ الصَّغِيرَينِ، وَ الزَّمِنِ الَّذِي يرْجَي زَوَالُ زَمَانَتِهِ و هل يعْتَبَرُ طُولُ زَمَانِ الْمَنْفَعَةِ، إطْلَاقُ الْعِبَارَةِ وَ الْأَكثَرِ يقْتَضِي عَدَمَهُ، فَيصِحُّ وَقْفُ رَيحَانٍ يسْرُعُ فَسَادُهُ، وَ يحْتَمَلُ اعْتِبَارُهُ لِقِلَّةِ الْمَنْفَعَةِ وَ مُنَافَاتِهَا لِلتَّأْبِيدِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الْوَقْفِ، وَ تَوَقَّفَ فِي الدُّرُوسِ، و لو كانَ مَزْرُوعًا صَحَّ، وَ كذَا مَا يطُولُ نَفْعُهُ كمِسْك وَ عَنْبَرٍ.

(وَيمْكنُ إقْبَاضُهَا) فَلَا يصِحُّ وَقْفُ الطَّيرِ فِي الْهَوَاءِ، وَ لَا السَّمَك فِي مَاءٍ لَا يمْكنُ قَبْضُهُ عَادَةً، وَ لَا الْآبِقِ، وَ الْمَغْصُوبِ، وَ نَحْوِهَا.

وَ لَوْ وَقَفَهُ عَلَي مَنْ يمْكنُهُ قَبْضُهُ فَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ الْإِقْبَاضَ الْمُعْتَبَرَ مِنْ الْمَالِك هُوَ الْإِذْنُ فِي قَبْضِهِ، وَ تَسْلِيطُهُ عَلَيهِ، وَ الْمُعْتَبَرُ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيهِ تَسَلُّمُهُ و هو مُمْكنٌ، (وَلَوْ وَقَفَ مَا لَا يمْلِكهُ وَقْفٌ عَلَي إجَازَةِ الْمَالِك) كغَيرِهِ مِنْ الْعُقُودِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَدَرَ مِنْ صَحِيحِ الْعِبَارَةِ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ و قد أَجَازَ الْمَالِك فَيصِحُّ.

وَ يحْتَمَلُ عَدَمُهَا هُنَا و أن قِيلَ بِهِ فِي غَيرِهِ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْفُضُولِي لَا أَثَرَ لَهَا، وَ تَأْثِيرُ الْإِجَازَةِ غَيرُ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ فَك مِلْك فِي كثِيرٍ مِنْ مَوَارِدِهِ، وَ لَا أَثَرَ لِعِبَارَةِ الْغَيرِ فِيهِ، وَ تَوَقَّفَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ، لِأَنَّهُ نَسَبَ عَدَمَ الصِّحَّةِ إلَي قَوْلٍ و لم يفْتِ بِشَيءٍ، وَ كذَا فِي التَّذْكرَةِ.

وَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَي الْمَنْعِ هُنَا، و لو اعْتَبَرْنَا فِيهِ التَّقَرُّبَ قَوِي الْمَنْعُ، لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّقَرُّبِ بِمِلْك الْغَيرِ.

(وَوَقْفُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ كالْمَقْسُومِ)

(وَوَقْفُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ كالْمَقْسُومِ)

، لِحُصُولِ الْغَايةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ الْوَقْفِ و هو تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَ إِطْلَاقُ الثَّمَرَةِ بِهِ، وَ قَبْضُهُ كقَبْضِ الْمَبِيعِ فِي تَوَقُّفِهِ عَلَي إذْنِ الْمَالِك وَ الشَّرِيك عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مُطْلَقًا، وَ الْأَقْوَي أَنَّ ذَلِك فِي

الْمَنْقُولِ، و غيرهِ لَا يتَوَقَّفُ عَلَي إذْنِ الشَّرِيك، لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِ التَّخْلِيةِ التَّصَرُّفَ فِي مِلْك الْغَيرِ.

(وَشَرْطُ الْوَاقِفِ الْكمَالُ)

(وَشَرْطُ الْوَاقِفِ الْكمَالُ)

بِالْبُلُوغِ وَ الْعَقْلِ وَ الاخْتِيارِ وَ رَفْعِ الْحَجْرِ، (وَيجُوزُ أَنْ يجْعَلَ النَّظَرُ) عَلَي الْمَوْقُوفِ (لِنَفْسِهِ، وَ لِغَيرِهِ) فِي مَتْنِ الصِّيغَةِ (فَإِنْ أَطْلَقَ) و لم يشْتَرِطْهُ لِأَحَدٍ (فَالنَّظَرُ فِي الْوَقْفِ الْعَامِّ إلَي الْحَاكمِ) الشَّرْعِي، (وَفِي غَيرِهِ) و هو الْوَقْفُ عَلَي مُعَينٍ (إلَي الْمَوْقُوفِ عَلَيهِمْ)، وَ الْوَاقِفُ مَعَ الْإِطْلَاقِ كالْأَجْنَبِي.

وَ يشْتَرَطُ فِي الْمَشْرُوطِ لَهُ النَّظَرُ الْعَدَالَةُ

، وَ الاهْتِدَاءُ إلَي التَّصَرُّفِ و لو عَرَضَ لَهُ الْفِسْقُ انْعَزَلَ، فَإِنْ عَادَ عَادَتْ إنْ كانَ مَشْرُوطًا مِنْ الْوَاقِفِ، وَ لَا يجِبُ عَلَي الْمَشْرُوطِ لَهُ الْقَبُولُ، و لو قَبِلَ لَمْ يجِبْ عَلَيهِ الِاسْتِمْرَارُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَي التَّوْكيلِ، وَ حَيثُ يبْطُلُ النَّظَرُ يصِيرُ كمَا لَوْ لَمْ يشْتَرَطْ.

وَ وَظِيفَةُ النَّاظِرِ مَعَ الْإِطْلَاقِ الْعِمَارَةُ وَ الْإِجَارَةُ، وَ تَحْصِيلُ الْغَلَّةِ، وَ قِسْمَتُهَا عَلَي مُسْتَحِقِّهَا و لو فَوَّضَ إلَيهِ بَعْضَهَا لَمْ يتَعَدَّهُ، و لو جَعَلَهُ لِاثْنَينِ وَ أَطْلَقَ لَمْ يسْتَقِلَّ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ، و ليس لِلْوَاقِفِ عَزْلُ الْمَشْرُوطِ فِي الْعَقْدِ، و له عَزْلُ الْمَنْصُوبِ مِنْ قِبَلِهِ لَوْ شَرَطَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ فَوَلَّاهُ؛ لِأَنَّهُ وَكيلٌ، و لو آجَرَ النَّاظِرُ مُدَّةً فَزَادَتْ الْأُجْرَةُ فِي الْمُدَّةِ، أَوْ ظَهَرَ طَالِبٌ بِالزِّيادَةِ لَمْ ينْفَسِخْ الْعَقْدُ، لِأَنَّهُ جَرَي بِالْغِبْطَةِ فِي وَقْتِهِ إلَّا أَنْ يكونَ فِي زَمَنِ خِيارِهِ فَيتَعَينُ عَلَيهِ الْفَسْخُ.

ثُمَّ إنْ شُرِطَ لَهُ شَيءٌ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ لَزِمَ، و ليس لَهُ غَيرُهُ، وَ الا فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَنْ عَمَلِهِ مَعَ قَصْدِ الْأُجْرَةِ بِهِ.

(وَشَرْطُ الْمَوْقُوفِ عَلَيهِ وُجُودُهُ

(وَشَرْطُ الْمَوْقُوفِ عَلَيهِ وُجُودُهُ

، وَ صِحَّةُ تَمَلُّكهِ، وَ إِبَاحَةُ الْوَقْفِ عَلَيهِ فَلَا يصِحُّ)، الْوَقْفُ (عَلَي الْمَعْدُومِ ابْتِدَاءً) بِأَنْ يبْدَأَ بِهِ، وَ يجْعَلَهُ مِنْ الطَّبَقَةِ الْأُولَي، فَيوقَفُ عَلَي مَنْ يتَجَدَّدُ مِنْ وَلَدِ شَخْصٍ ثُمَّ عَلَيهِ مَثَلًا، (وَيصِحُّ تَبَعًا) بِأَنْ يوقَفَ عَلَيهِ و علي مَنْ يتَجَدَّدُ مِنْ وَلَدِهِ، و إنّما يصِحُّ تَبَعِيةُ

الْمَعْدُومِ الْمُمْكنِ وُجُودُهُ عَادَةً كالْوَلَدِ أَمَّا مَا لَا يمْكنُ وُجُودُهُ كذَلِك كالْمَيتِ لَمْ يصِحَّ مُطْلَقًا، فَإِنْ ابْتَدَأَ بِهِ بَطَلَ الْوَقْفُ، و أن أَخَّرَهُ كانَ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ أَوْ الْوَسَطِ، و أن ضَمَّهُ إلَي مَوْجُودٍ بَطَلَ فِيمَا يخُصُّهُ خَاصَّةً عَلَي الْأَقْوَي، (وَلَا عَلَي) مَنْ لَا يصِحُّ تَمَلُّكهُ شَرْعًا مِثْلُ (الْعَبْدِ) و أن تَشَبَّثَ بِالْحُرِّيةِ كأُمِّ الْوَلَدِ، (وَجِبْرِيلَ) و غيرهِ مِنْ الْمَلَائِكةِ وَ الْجِنِّ وَ الْبَهَائِمِ، وَ لَا يكونُ وَقْفًا عَلَي سَيدِ الْعَبْدِ وَ مَالِك الدَّابَّةِ عِنْدَنَا، وَ ينْبَغِي أَنْ يسْتَثْنَي مِنْ ذَلِك الْعَبْدُ الْمُعَدُّ لِخِدْمَةِ الْكعْبَةِ وَ الْمَشْهَدِ وَ الْمَسْجِدِ وَ نَحْوِهَا مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَ الدَّابَّةُ الْمُعَدَّةُ لِنَحْوِ ذَلِك أَيضًا لِأَنَّهُ كالْوَقْفِ عَلَي تِلْك الْمَصْلَحَةِ.

وَ لَمَّا كانَ اشْتِرَاطُ أَهْلِيةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيهِ لِلْمِلْك يوهِمُ عَدَمَ صِحَّتِهِ عَلَي مَا لَا يصِحُّ تَمَلُّكهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ كالْمَسْجِدِ وَ الْمَشْهَدِ وَ الْقَنْطَرَةِ، نَبَّهَ عَلَي صِحَّتِهِ وَ بَيانِ وَجْهِهِ بِقَوْلِهِ (وَالْوَقْفُ عَلَي الْمَسَاجِدِ وَ الْقَنَاطِرِ فِي الْحَقِيقَةِ) وَقْفٌ (عَلَي الْمُسْلِمِينَ) و أن جَعَلَ مُتَعَلِّقَهُ بِحَسَبِ اللَّفْظِ غَيرُهُمْ، (إذْ هُوَ مَصْرُوفٌ إلَي مَصَالِحِهِمْ)، و إنّما أَفَادَ تَخْصِيصُهُ بِذَلِك تَخْصِيصَهُ بِبَعْضِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ و ذلك لَا ينَافِي الصِّحَّةَ، وَ لَا يرَدُّ أَنَّ ذَلِك يسْتَلْزِمُ جَوَازَ الْوَقْفِ عَلَي الْبِيعِ وَ الْكنَائِسِ، كمَا يجُوزُ الْوَقْفُ عَلَي أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَي كنَائِسِهِمْ وَ شَبَهِهَا وَقْفٌ عَلَي مَصَالِحِهِمْ، لِلْفَرْقِ.

فَإِنَّ الْوَقْفَ عَلَي الْمَسَاجِدِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، و هي مَعَ ذَلِك طَاعَةٌ وَ قُرْبَةٌ، فَهِي جِهَةٌ مِنْ جِهَاتِ الْمَصَالِحِ الْمَأْذُونِ فِيهَا، بِخِلَافِ الْكنَائِسِ فَإِنَّ الْوَقْفَ عَلَيهَا وَقْفٌ عَلَي جِهَةٍ خَاصَّةٍ مِنْ مَصَالِحِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَكنَّهَا مَعْصِيةٌ؛ لِأَنَّهَا إعَانَةٌ لَهُمْ عَلَي الِاجْتِمَاعِ إلَيهَا لِلْعِبَادَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، وَ الْكفْرِ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَيهِمْ أَنْفُسِهِمْ.

لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِهِ الْمَعْصِيةَ بِذَاتِهِ، إذْ نَفْعُهُمْ مِنْ حَيثُ الْحَاجَةُ، وَ

أَنَّهُمْ عِبَادُ اللَّهِ، و من جُمْلَةِ بَنِي آدَمَ الْمُكرَّمِينَ، و من تَجْوِيزِ أَنْ يتَوَلَّدَ مِنْهُمْ الْمُسْلِمُونَ لَا مَعْصِيةَ فِيهِ.

وَ مَا يتَرَتَّبُ عَلَيهِ مِنْ إعَانَتِهِمْ بِهِ عَلَي الْمُحَرَّمِ كشُرْبِ الْخَمْرِ، وَ أَكلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَ الذَّهَابِ إلَي تِلْك الْجِهَاتِ الْمُحَرَّمَةِ لَيسَ مَقْصُودًا لِلْوَاقِفِ، حَتَّي لَوْ فُرِضَ قَصْدُهُ لَهُ حَكمْنَا بِبُطْلَانِهِ، و مثله الْوَقْفُ عَلَيهِمْ لِكوْنِهِمْ كفَّارًا، كمَا لَا يصِحُّ الْوَقْفُ عَلَي فَسَقَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ حَيثُ هُمْ فَسَقَةٌ (وَلَا عَلَي الزُّنَاةِ وَ الْعُصَاةِ) مِنْ حَيثُ هُمْ كذَلِك، لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوَانِ فَيكونُ مَعْصِيةً.

أَمَّا لَوْ وَقَفَ عَلَي شَخْصٍ مُتَّصِفٍ بِذَلِك لَا مِنْ حَيثُ كوْنُ الْوَصْفِ مَنَاطَ الْوَقْفِ صَحَّ، سَوَاءٌ أَطْلَقَ أَمْ قَصَدَ جِهَةً مُحَلَّلَةً.

(وَالْمُسْلِمُونَ مَنْ صَلَّي إلَي الْقِبْلَةِ) أَي اعْتَقَدَ الصَّلَاةَ إلَيهَا و أن لَمْ يصَلِّ، لَا مُسْتَحِلًّا، وَ قِيلَ: يشْتَرَطُ الصَّلَاةُ بِالْفِعْلِ، وَ قِيلَ: يخْتَصُّ بِالْمُؤْمِنِ وَ هُمَا ضَعِيفَانِ، (إلَّا الْخَوَارِجَ وَ الْغُلَاةَ) فَلَا يدْخُلُونَ فِي مَفْهُومِ الْمُسْلِمِينَ و أن صَلَّوْا إلَيهَا لِلْحُكمِ بِكفْرِهِمْ، وَ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ بِهِمَا، بَلْ كلُّ مَنْ أَنْكرَ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً كذَلِك عِنْدَهُ، وَ النَّوَاصِبُ كالْخَوَارِجِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِثْنَائِهِمْ أَيضًا.

وَ أَمَّا الْمُجَسِّمَةُ فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِكفْرِهِمْ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الدُّرُوسِ و غيرهَا، وَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْهَا نَسَبَ خُرُوجَ الْمُشَبِّهَةِ مِنْهُمْ إلَي الْقِيلِ، مُشْعِرًا بِتَوَقُّفِهِ فِيهِ، وَ الْأَقْوَي خُرُوجُهُ، إلَّا أَنْ يكونَ الْوَاقِفُ مِنْ إحْدَي الْفِرَقِ فَيدْخُلُ فِيهِ مُطْلَقًا، نَظَرًا إلَي قَصْدِهِ، وَ يدْخُلُ الْإِنَاثُ تَبَعًا، وَ كذَا مَنْ بِحُكمِهِمْ كالْأَطْفَالِ وَ الْمَجَانِينِ، وَ لِدَلَالَةِ الْعُرْفِ عَلَيهِ.

(وَالشِّيعَةُ مَنْ شَايعَ عَلِيا عَلَيهِ السَّلَامُ) أَي: اتَّبَعَهُ (وَقَدَّمَهُ) عَلَي غَيرِهِ فِي الْإِمَامَةِ و أن لَمْ يوَافِقْ عَلَي إمَامَةِ بَاقِي الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ، فَيدْخُلُ فِيهِمْ الْإِمَامِيةُ، وَ الْجَارُودِيةُ مِنْ الزَّيدِيةِ، وَ الْإِسْمَاعِيلِية

غَيرُ الْمَلَاحِدَةِ مِنْهُمْ، وَ الْوَاقِفِيةُ، وَ الْفَطْحِيةُ، و غيرهُمْ، وَ رُبَّمَا قِيلَ بِأَنَّ ذَلِك مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا كانَ الْوَاقِفُ مِنْ غَيرِهِمْ، أَمَّا لَوْ كانَ مِنْهُمْ صُرِفَ إلَي أَهْلِ نِحْلَتِهِ خَاصَّةً، نَظَرًا إلَي شَاهِدِ حَالِهِ، وَ فَحْوَي قَوْلِهِ، و هو حَسَنٌ مَعَ وُجُودِ الْقَرِينَةِ، وَ الا فَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَي عُمُومِهِ أَجْوَدُ.

(وَالْإِمَامِيةُ الِاثْنَا عَشْرِيةُ) أَي الْقَائِلُونَ بِإِمَامَةِ الِاثْنَي عَشَرَ الْمُعْتَقِدُونَ لَهَا، وَ زَادَ فِي الدُّرُوسِ اعْتِقَادَ عِصْمَتِهِمْ عَلَيهِمْ السَّلَامُ أَيضًا، لِأَنَّهُ لَازِمُ الْمَذْهَبِ، وَ لَا يشْتَرَطُ هُنَا اجْتِنَابُ الْكبَائِرِ اتِّفَاقًا و أن قِيلَ بِهِ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَ رُبَّمَا أَوْهَمَ كلَامُهُ فِي الدُّرُوسِ وُرُودَ الْخِلَافِ هُنَا أَيضًا، و ليس كذَلِك.

وَ دَلِيلُ الْقَائِلِ يرْشِدُ إلَي اخْتِصَاصِ الْخِلَافِ بِالْمُؤْمِنِينَ، (وَالْهَاشِمِيةُ مَنْ وَلَدَهُ هَاشِمُ بِأَبِيهِ) أَي اتَّصَلَ إلَيهِ بِالْأَبِ و أن عَلَا، دُونَ الْأُمِّ عَلَي الْأَقْرَبِ، (وَكذَا كلُّ قَبِيلَةٍ) كالْعَلَوِيةِ، وَ الْحُسَينِيةِ، يدْخُلُ فِيهَا مَنْ اتَّصَلَ بِالْمَنْسُوبِ إلَيهِ بِالْأَبِ دُونَ الْأُمِّ، وَ يسْتَوِي فِيهِ الذُّكورُ وَ الْإِنَاثُ، (وَإِطْلَاقُ الْوَقْفِ) عَلَي مُتَعَدِّدٍ (يقْتَضِي التَّسْوِيةَ) بَينَ أَفْرَادِهِ و أن اخْتَلَفُوا بِالذُّكورِيةِ وَ الْأُنُوثِيةِ، لِاسْتِوَاءِ الْإِطْلَاقِ وَ الاسْتِحْقَاقِ بِالنِّسْبَةِ إلَي الْجَمِيعِ، (وَلَوْ فَضَّلَ) بَعْضَهُمْ عَلَي بَعْضٍ (لَزِمَ) بِحَسَبِ مَا عَينَ، عَمَلًا بِمُقْتَضَي الشَّرْطِ.

(وَهُنَا مَسَائِلُ)

(وَهُنَا مَسَائِلُ):

الْأُولَي - (نَفَقَةُ الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ)

(وَالْحَيوَانِ) الْمَوْقُوفِ (عَلَي الْمَوْقُوفِ عَلَيهِمْ) إنْ كانُوا مُعَينِينَ، لِانْتِقَالِ الْمِلْك إلَيهِمْ و هي تَابِعَةٌ لَهُ، و لو كانَ عَلَي غَيرِ مُعَينِينَ فَفِي كسْبِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَي الْمَوْقُوفِ عَلَيهِ، فَإِنْ قَصُرَ الْكسْبُ فَفِي بَيتِ الْمَالِ إنْ كانَ، وَ الا وَجَبَ كفَايةً عَلَي الْمُكلَّفِينَ كغَيرِهِ مِنْ الْمُحْتَاجِينَ إلَيهَا، و لو مَاتَ الْعَبْدُ فَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ كنَفَقَتِهِ.

وَ لَوْ كانَ الْمَوْقُوفُ عَقَارًا فَنَفَقَتُهُ حَيثُ شَرَطَ الْوَاقِفُ، فَإِنْ انْتَفَي الشَّرْطُ فَفِي غَلَّتِهِ فَإِنْ قَصُرَتْ لَمْ يجِبْ الْإِكمَالُ، و لو عُدِمَتْ لَمْ تَجِبْ عِمَارَتُهُ

بِخِلَافِ الْحَيوَانِ لِوُجُوبِ صِيانَةِ رُوحِهِ، (وَلَوْ عَمِي الْعَبْدُ، أَوْ جُذِمَ) أَوْ أُقْعِدَ (انْعَتَقَ) كمَا لَوْ لَمْ يكنْ مَوْقُوفًا، (بَطَلَ الْوَقْفُ) بِالْعِتْقِ، (وَسَقَطَتْ النَّفَقَةُ) مِنْ حَيثُ الْمِلْك؛ لِأَنَّهَا كانَتْ تَابِعَةً لَهُ فَإِذَا زَالَ زَالَتْ.

الثَّانِيةُ - (لَوْ وَقَفَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ انْصَرَفَ إلَي كلِّ قُرْبَةٍ)

، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ السَّبِيلِ الطَّرِيقُ إلَي اللَّهِ أَي: إلَي ثَوَابِهِ وَ رِضْوَانِهِ، فَيدْخُلُ فِيهِ كلُّ مَا يوجِبُ الثَّوَابَ مِنْ نَفْعِ الْمَحَاوِيجِ، وَ عِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ، وَ إِصْلَاحِ الطُّرُقَاتِ، وَ تَكفِينِ الْمَوْتَي.

وَ قِيلَ: يخْتَصُّ بِالْجِهَادِ، وَ قِيلَ: بِإِضَافَةِ الْحَجِّ وَ الْعُمْرَةِ إلَيهِ، وَ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ، (وَكذَا) لَوْ وَقَفَ (فِي سَبِيلِ الْخَيرِ، وَ سَبِيلِ الثَّوَابِ)، لِاشْتِرَاك الثَّلَاثَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَي، وَ قِيلَ: سَبِيلُ الثَّوَابِ الْفُقَرَاءُ وَ الْمَسَاكينُ، وَ يبْدَأُ بِأَقَارِبِهِ، وَ سَبِيلُ الْخَيرِ الْفُقَرَاءُ وَ الْمَسَاكينُ وَ ابْنُ السَّبِيلِ وَ الْغَارِمُونَ، الَّذِينَ اسْتَدَانُوا لِمَصْلَحَتِهِمْ، وَ الْمُكاتَبُونَ.

وَ الْأَوَّلُ أَقْوَي إلَّا أَنْ يقْصِدَ الْوَاقِفُ غَيرَهُ.

الثَّالِثَةُ - (إذَا وَقَفَ عَلَي أَوْلَادِهِ اشْتَرَك أَوْلَادُ الْبَنِينَ وَ الْبَنَاتِ)

، لِاسْتِعْمَالِ الْأَوْلَادِ فِيمَا يشْمَلُ أَوْلَادَهُمْ اسْتِعْمَالًا شَائِعًا لُغَةً وَ شَرْعًا كقَوْلِهِ تَعَالَي { يا بَنِي آدَمَ } { يا بَنِي إسْرَائِيلَ } و { يوصِيكمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكمْ }، وَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَي تَحْرِيمِ حَلِيلَةِ وَلَدِ الْوَلَدِ ذَكرًا وَ أُنْثَي مِنْ قَوْله تَعَالَي: { وَ حَلَائِلُ أَبْنَائِكمْ } وَ لِقَوْلِهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ الهِ: { لَا تُزْرِمُوا ابْنِي } يعْنِي الْحَسَنَ، أَي: لَا تَقْطَعُوا عَلَيهِ بَوْلَهُ لَمَّا بَالَ فِي حِجْرِهِ.

وَ الْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ، و هذا الِاسْتِعْمَالُ كمَا دَلَّ عَلَي دُخُولِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فِي الْأَوْلَادِ، دَلَّ عَلَي دُخُولِ أَوْلَادِ الْإِنَاثِ أَيضًا، و هذا أَحَدُ الْقَوْلَينِ فِي الْمَسْأَلَةِ.

وَ قِيلَ: لَا يدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ مُطْلَقًا فِي اسْمِ الْأَوْلَادِ، لِعَدَمِ فَهْمِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَ لِصِحَّةِ

السَّلَبِ فَيقَالُ فِي وَلَدِ الْوَلَدِ: لَيسَ وَلَدِي بَلْ وَلَدُ وَلَدِي، وَ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ فِي الشَّرْحِ عَنْ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَي الدُّخُولِ بِأَنَّهُ ثَمَّ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجٍ، وَ بِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ لَوْ كانَ شَامِلًا لِلْجَمِيعِ لَزِمَ الِاشْتِرَاك و أن عُورِضَ بِلُزُومِ الْمَجَازِ فَهُوَ أَوْلَي، و هذا أَظْهَرُ.

نَعَمْ لَوْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَي دُخُولِهِمْ كقَوْلِهِ: الْأَعْلَي فَالْأَعْلَي اتَّجَهَ دُخُولُ مَنْ دَلَّتْ عَلَيهِ، و من خَالَفَ فِي دُخُولِهِمْ كالْفَاضِلِينَ فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَي أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنِينَ وَ الْبَنَاتِ به غير إشْكالٍ، و علي تَقْدِيرِ دُخُولِهِمْ بِوَجْهٍ فَاشْتِرَاكهُمْ (بِالسَّوِيةِ)؛ لِأَنَّ ذَلِك مُقْتَضَي الْإِطْلَاقِ، وَ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّفَاضُلِ، (إلَّا أَنْ يفَضِّلَ) بِالتَّصْرِيحِ، أَوْ بِقَوْلِهِ: عَلَي كتَابِ اللَّهِ وَ نَحْوِهِ، (وَلَوْ قَالَ: عَلَي مَنْ انْتَسَبَ إلَي لَمْ يدْخُلْ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ) عَلَي أَشْهَرِ الْقَوْلَينِ، عَمَلًا بِدَلَالَةِ اللُّغَةِ وَ الْعُرْفِ وَ الاسْتِعْمَالِ.

الرَّابِعَةُ - (إذَا وَقَفَ مَسْجِدًا لَمْ ينْفَك وَقْفُهُ بِخَرَابِ الْقَرْيةِ)

، لِلُزُومِ الْوَقْفِ، وَ عَدَمِ صَلَاحِيةِ الْخَرَابِ لِزَوَالِهِ، لِجَوَازِ عَوْدِهَا، أَوْ انْتِفَاعِ الْمَارَّةِ بِهِ، وَ كذَا لَوْ خَرِبَ الْمَسْجِدُ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْعَامَّةِ، قِياسًا عَلَي عَوْدِ الْكفَنِ إلَي الْوَرَثَةِ عِنْدَ الْيأْسِ مِنْ الْمَيتِ، بِجَامِعِ اسْتِغْنَاءِ الْمَسْجِدِ عَنْ الْمُصَلِّينَ كاسْتِغْنَاءِ الْمَيتِ عَنْ الْكفَنِ، وَ الْفَرْقُ وَاضِحٌ، لِأَنَّ الْكفَنَ مِلْك لِلْوَارِثِ و أن وَجَبَ بَذْلُهُ فِي التَّكفِينِ، بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ لِخُرُوجِهِ بِالْوَقْفِ عَلَي وَجْهِ فَك الْمِلْك كالتَّحْرِيرِ، وَ لِإِمْكانِ الْحَاجَةِ إلَيهِ بِعِمَارَةِ الْقَرْيةِ، وَ صَلَاةِ الْمَارَّةِ، بِخِلَافِ الْكفَنِ.

(وَإِذَا وَقَفَ عَلَي الْفُقَرَاءِ، أَوْ الْعَلَوِيةِ انْصَرَفَ إلَي مَنْ فِي بَلَدِ الْوَاقِفِ مِنْهُمْ و من حَضَرَهُ) بِمَعْنَي جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَيهِمْ مِنْ غَيرِ أَنْ يتَتَبَّعَ غَيرَهُمْ مِمَّنْ يشْمَلُهُ الْوَصْفُ، فَلَوْ تَتَبَّعَ جَازَ.

وَ كذَا لَا يجِبُ انْتِظَارُ مَنْ غَابَ مِنْهُمْ عِنْدَ الْقِسْمَةِ.

وَ هَلْ يجِبُ اسْتِيعَابُ مَنْ حَضَرَ ظَاهِرُ

الْعِبَارَةِ ذَلِك بِنَاءً عَلَي أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيهِ يسْتَحَقُّ عَلَي جِهَةِ الِاشْتِرَاك، لَا عَلَي وَجْهِ بَيانِ الْمَصْرِفِ، بِخِلَافِ الزَّكاةِ، و في الرِّوَايةِ دَلِيلٌ عَلَيهِ، وَ يحْتَمَلُ جَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَي بَعْضِهِمْ، نَظَرًا إلَي كوْنِ الْجِهَةِ الْمُعَينَةِ مَصْرِفًا، و علي الْقَوْلَينِ لَا يجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، مُرَاعَاةً لِصِيغَةِ الْجَمْعِ.

نَعَمْ لَا تَجِبُ التَّسْوِيةُ بَينَهُمْ، خُصُوصًا مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمَزِيةِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَي الْمُنْحَصِرِينَ فَيجِبُ التَّسْوِيةُ بَينَهُمْ بِالِاسْتِيعَابِ.

وَ اعْلَمْ أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي نُسَخِ الْكتَابِ بَلَدُ الْوَاقِفِ، وَ اَلذِي دَلَّتْ عَلَيهِ الرِّوَايةُ وَ ذَكرَهُ الْأَصْحَابُ وَ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّرُوسِ اعْتِبَارُ بَلَدِ الْوَقْفِ، لَا الْوَاقِفِ و هو أَجْوَدُ.

الْخَامِسَةُ - (إذَا آجَرَ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ الْوَقْفَ)

(ثُمَّ انْقَرَضُوا تَبَينَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ فِي الْمُدَّةِ الْبَاقِيةِ)، لِانْتِقَالِ الْحَقِّ إلَي غَيرِهِمْ، وَ حَقُّهُمْ و أن كانَ ثَابِتًا عِنْدَ الْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّهُ مُقَيدٌ بِحَياتِهِمْ، لَا مُطْلَقًا، فَكانَتْ الصِّحَّةُ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ مُرَاعَاةً بِاسْتِحْقَاقِهِمْ لَهَا، حَتَّي لَوْ آجَرُوهَا مُدَّةً يقْطَعُ فِيهَا بِعَدَمِ بَقَائِهِمْ إلَيهَا عَادَةً فَالزَّائِدُ بَاطِلٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَ لَا يبَاحُ لَهُمْ أَخْذُ قِسْطِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ، و إنّما أُبِيحَ فِي الْمُمْكنِ، اسْتِصْحَابًا لِلِاسْتِحْقَاقِ بِحَسَبِ الْإِمْكانِ، وَ لِأَصَالَةِ الْبَقَاءِ.

وَ حَيثُ تَبْطُلُ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ (فَيرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَي وَرَثَةِ الْآجِرِ) بِقِسْطِ الْمُدَّةِ الْبَاقِيةِ (إنْ كانَ قَدْ قَبَضَ الْأُجْرَةَ، وَ خَلَّفَ تَرِكةً) فَلَوْ لَمْ يخَلِّفْ مَالًا لَمْ يجِبْ عَلَي الْوَارِثِ الْوَفَاءُ مِنْ مَالِهِ كغَيرِهَا مِنْ الدُّيونِ هَذَا إذَا كانَ قَدْ آجَرَهَا لِمَصْلَحَتِهِ، أَوْ لَمْ يكنْ نَاظِرًا، فَلَوْ كانَ نَاظِرًا وَ آجَرَهَا لِمَصْلَحَةِ الْبُطُونِ لَمْ تَبْطُلْ الْإِجَارَةُ، وَ كذَا لَوْ كانَ الْمُؤَجِّرُ هُوَ النَّاظِرُ فِي الْوَقْفِ مَعَ كوْنِهِ غَيرَ مُسْتَحِقٍّ.

13 - كتاب العطية

(الْأَوَّلُ - الصَّدَقَةُ:)

(الْأَوَّلُ - الصَّدَقَةُ:)

(وَهِي عَقْدٌ يفْتَقِرُ إلَي إيجَابٍ وَ قَبُولٍ) إطْلَاقُ الْعَقْدِ عَلَي نَفْسِ الْعَطِيةِ لَا يخْلُو مِنْ تَسَاهُلٍ، بَلْ فِي

إطْلَاقِهِ عَلَي جَمِيعِ الْمَفْهُومَاتِ الْمَشْهُورَةِ مِنْ الْبَيعِ وَ الْإِجَارَةِ و غيرهِمَا.

وَ إِنَّمَا هُوَ دَالٌّ عَلَيهَا، وَ يعْتَبَرُ فِي إيجَابِ الصَّدَقَةِ وَ قَبُولِهَا مَا يعْتَبَرُ فِي غَيرِهَا مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، (وَقَبْضٍ بِإِذْنِ الْمُوجِبِ)، بَلْ بِإِذْنِ الْمَالِك، فَإِنَّهُ لَوْ وَكلَ فِي الْإِيجَابِ لَمْ يكنْ لِلْوَكيلِ الْإِقْبَاضُ.

(وَمِنْ شَرْطِهَا الْقُرْبَةُ) فَلَا تَصِحُّ بِدُونِهَا و أن حَصَلَ الْإِيجَابُ وَ الْقَبُولُ وَ الْقَبْضُ، لِلرِّوَاياتِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَيهِ، (فَلَا يجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا بَعْدَ الْقَبْضِ)، لِتَمَامِ الْمِلْك، وَ حُصُولِ الْعِوَضِ و هو الْقُرْبَةُ، كمَا لَا يصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ مَعَ التَّعْوِيضِ.

وَ فِي تَفْرِيعِهِ بِالْفَاءِ إشَارَةٌ إلَي أَنَّ الْقُرْبَةَ عِوَضٌ، بَلْ الْعِوَضُ الْأُخْرَوِي أَقْوَي مِنْ الْعِوَضِ الدُّنْيوِي.

(وَمَفْرُوضُهَا مُحَرَّمٌ عَلَي بَنِي هَاشِمٍ مِنْ غَيرِهِمْ إلَّا مَعَ قُصُورِ خُمُسِهِمْ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَي جَعَلَ لَهُمْ الْخُمُسَ عِوَضًا عَنْهَا، وَ حَرَّمَهَا عَلَيهِمْ، مُعَلِّلًا بِأَنَّهَا أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَ الْأَقْوَي اخْتِصَاصُ التَّحْرِيمِ بِالزَّكاةِ الْمَفْرُوضَةِ، دُونَ الْمَنْذُورَةِ وَ الْكفَّارَةِ و غيرهِمَا.

وَ التَّعْلِيلُ بِالْأَوْسَاخِ يرْشِدُ إلَيهِ. (وَتَجُوزُ الصَّدَقَةُ عَلَي الذِّمِّي) رَحِمًا كانَ أَمْ غَيرَهُ، و علي الْمُخَالِفِ لِلْحَقِّ، (لَا الْحَرْبِي) وَ النَّاصِبِ، وَ قِيلَ: بِالْمَنْعِ مِنْ غَيرِ الْمُؤْمِنِ و أن كانَتْ نَدْبًا.

وَ هُوَ بَعِيدٌ. (وَصَدَقَةُ السِّرِّ أَفْضَلُ) إذَا كانَتْ مَنْدُوبَةً، لِلنَّصِّ عَلَيهِ فِي الْكتَابِ وَ السُّنَّةِ، (إلَّا أَنْ يتَّهَمَ بِالتَّرْك) فَالْإِظْهَارُ أَفْضَلُ، دَفْعًا لِجَعْلِ عِرْضِهِ عُرْضَةً لِلتُّهَمِ، فَإِنَّ ذَلِك أَمْرٌ مَطْلُوبٌ شَرْعًا، حَتَّي لِلْمَعْصُومِ، كمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ، وَ كذَا الْأَفْضَلُ إظْهَارُهَا لَوْ قَصَدَ بِهِ مُتَابَعَةَ النَّاسِ لَهُ فِيهَا، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيضِ عَلَي نَفْعِ الْفُقَرَاءِ

(الثَّانِي - الْهِبَةُ:)

(الثَّانِي - الْهِبَةُ:)

(وَتُسَمَّي نِحْلَةً وَ عَطِيةً، وَ تَفْتَقِرُ إلَي الْإِيجَابِ) و هو كلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَي تَمْلِيك الْعَينِ مِنْ غَيرِ عِوَضٍ، كوَهَبْتُك وَ مَلَّكتُك وَ أَعْطَيتُك وَ نَحَلْتُك وَ أَهْدَيت إلَيك و هذا لَك مَعَ نِيتِهَا،

وَ نَحْوِ ذَلِك، (وَالْقَبُولُ) و هو اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَي الرِّضَا، (وَالْقَبْضُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ) إنْ لَمْ يكنْ مَقْبُوضًا بِيدِهِ مِنْ قَبْلُ، (وَلَوْ وَهَبَهُ مَا بِيدِهِ لَمْ يفْتَقِرْ إلَي قَبْضٍ جَدِيدٍ، وَ لَا إذْنَ فِيهِ وَ لَا مُضِي زَمَانٍ) يمْكنُ فِيهِ قَبْضُهُ، لِحُصُولِ الْقَبْضِ الْمَشْرُوطِ، فَأَغْنَي عَنْ قَبْضٍ آخَرَ، وَ عَنْ مُضِي زَمَانٍ يسَعُهُ، إذْ لَا مَدْخَلَ لِلزَّمَانِ فِي ذَلِك، مَعَ كوْنِهِ مَقْبُوضًا، و إنّما كانَ مُعْتَبَرًا مَعَ عَدَمِ الْقَبْضِ، لِضَرُورَةِ امْتِنَاعِ حُصُولِهِ بِدُونِهِ.

وَ إِطْلَاقُ الْعِبَارَةِ يقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَينَ كوْنِهِ بِيدِهِ بِإِيدَاعٍ، أَوْ عَارِيةٍ، أَوْ غَصْبٍ، أَوْ غَيرِ ذَلِك، وَ الْوَجْهُ وَاحِدٌ.

وَ قِيلَ: بِالْفَرْقِ بَينَ الْقَبْضِ بِإِذْنِهِ و غيرهِ و هو حَسَنٌ، إذْ لَا يدَ لِلْغَاصِبِ شَرْعًا، (وَكذَا إذَا وَهَبَ الْوَلِي الصَّبِي)، أَوْ الصَّبِيةَ (مَا فِي يدِ الْوَلِي كفَي الْإِيجَابُ وَ الْقَبُولُ) مِنْ غَيرِ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ، لِحُصُولِهِ بِيدِهِ، و هي بِمَنْزِلَةِ يدِهِ، وَ لَا مُضِي زَمَانٍ.

وَ قِيلَ: يعْتَبَرُ قَصْدُ الْقَبْضِ عَنْ الطِّفْلِ لِأَنَّ الْمَالَ الْمَقْبُوضَ بِيدِ الْوَلِي لَهُ فَلَا ينْصَرِفُ إلَي الطِّفْلِ إلَّا بِصَارِفٍ و هو الْقَصْدُ وَ كلَامُ الْأَصْحَابِ مُطْلَقٌ. (وَلَا يشْتَرَطُ فِي الْإِبْرَاءِ) و هو إسْقَاطُ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَيرِ مِنْ الْحَقِّ (الْقَبُولُ)، لِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ، لَا نَقْلُ مِلْك، وَ قِيلَ: يشْتَرَطُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَي الْمِنَّةِ، وَ لَا يجْبَرُ عَلَي قَبُولِهَا كهِبَةِ الْعَينِ وَ الْفَرْقُ وَاضِحٌ، (وَ) كذَا (لَا) يشْتَرَطُ (فِي الْهِبَةِ الْقُرْبَةُ) لِلْأَصْلِ، لَكنْ لَا يثَابُ عَلَيهَا بِدُونِهَا، وَ مَعَهَا تَصِيرُ عِوَضًا كالصَّدَقَةِ. (وَيكرَهُ تَفْضِيلُ بَعْضِ الْوَلَدِ عَلَي بَعْضٍ) و أن اخْتَلَفُوا فِي الذُّكورَةِ وَ الْأُنُوثَةِ، لِمَا فِيهِ مِنْ كسْرِ قَلْبِ الْمُفَضَّلِ عَلَيهِ، وَ تَعْرِيضِهِمْ لِلْعَدَاوَةِ، وَ رُوِي { أَنَّ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ لِمَنْ أَعْطَي بَعْضَ أَوْلَادِهِ شَيئًا، أَكلَّ وَلَدِك

أَعْطَيت مِثْلَهُ، قَالَ لَا قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْدِلُوا بَينَ أَوْلَادِكمْ } فَرَجَعَ فِي تِلْك الْعَطِيةِ، وَ فِي رِوَايةٍ أُخْرَي: { لَا تُشْهِدْنِي عَلَي جَوْرٍ }، وَ حَيثُ يفْعَلُ يسْتَحَبُّ الْفَسْخُ مَعَ إمْكانِهِ لِلْخَبَرِ، وَ ذَهَبَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ إلَي التَّحْرِيمِ، و في المُخْتَلِفِ خَصَّ الْكرَاهَةَ بِالْمَرَضِ وَ الْإِعْسَارِ، لِدَلَالَةِ بَعْضِ الْأَخْبَارِ عَلَيهِ وَ الْأَقْوَي الْكرَاهَةُ مُطْلَقًا، وَ اسْتَثْنَي مِنْ ذَلِك مَا لَوْ اشْتَمَلَ الْمُفَضَّلُ عَلَي مَعْنًي يقْتَضِيهِ، كحَاجَةٍ زَائِدَةٍ، وَ زَمَانَةٍ، وَ اشْتِغَالٍ بِعِلْمٍ، أَوْ نَقْصِ الْمُفَضَّلِ عَلَيهِ بِسَفَهٍ، أَوْ فِسْقٍ، أَوْ بِدْعَةٍ، وَ نَحْوِ ذَلِك.

(وَيصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ)

(بَعْدَ الْإِقْبَاضِ مَا لَمْ يتَصَرَّفْ الْمَوْهُوبُ) تَصَرُّفًا مُتْلِفًا لِلْعَينِ، أَوْ نَاقِلًا لِلْمِلْك، أَوْ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ كالِاسْتِيلَادِ، أَوْ مُغَيرًا لِلْعَينِ كقِصَارَةِ الثَّوْبِ، وَ نِجَارَةِ الْخَشَبِ، وَ طَحْنِ الْحِنْطَةِ عَلَي الْأَقْوَي فِي الْأَخِيرِ.

وَ قِيلَ: مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ و هو ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ، وَ فِي تَنْزِيلِ مَوْتِ الْمُتَّهِبِ مَنْزِلَةَ التَّصَرُّفِ قَوْلَانِ، مِنْ عَدَمِ وُقُوعِهِ مِنْهُ فَتَتَنَاوَلَهُ الْأَدِلَّةُ الْمُجَوِّزَةُ لِلرُّجُوعِ.

وَ مِنْ انْتِقَالِ الْمِلْك عَنْهُ بِالْمَوْتِ بِفِعْلِهِ تَعَالَي و هو أَقْوَي مِنْ نَقْلِهِ بِفِعْلِهِ، و هو أَقْوَي.

وَ خِبْرَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الدُّرُوسِ وَ الشَّرْحِ، (أَوْ يعَوِّضُ) عَنْهَا بِمَا يتَّفِقَانِ عَلَيهِ، أَوْ بِمِثْلِهَا، أَوْ قِيمَتِهَا مَعَ الْإِطْلَاقِ، (أَوْ يكنْ رَحِمًا) قَرِيبًا و أن لَمْ يحْرُمْ نِكاحُهُ، أَوْ يكنْ زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً عَلَي الْأَقْوَي، لِصَحِيحَةِ زُرَارَةَ.

(وَلَوْ عَابَتْ لَمْ يرْجِعْ بِالْأَرْشِ عَلَي الْمَوْهُوبِ) و أن كانَ بِفِعْلِهِ، لِأَنَّهَا غَيرُ مَضْمُونَةٍ عَلَيهِ و قد سَلَّطَهُ عَلَي إتْلَافِهَا مَجَّانًا فَأَبْعَاضُهَا أَوْلَي، (وَلَوْ زَادَتْ زِيادَةً مُتَّصِلَةً) كالسِّمَنِ، و أن كانَ بِعَلَفِ الْمُتَّهِبِ (فَلِلْوَاهِبِ) إنْ جَوَّزْنَا الرُّجُوعَ حِينَئِذٍ، (وَالْمُنْفَصِلَةُ) كالْوَلَدِ وَ اللَّبَنِ (لِلْمَوْهُوبِ لَهُ)، لِأَنَّهُ نَمَاءٌ حَدَثَ فِي مِلْكهِ فَيخْتَصُّ بِهِ، سَوَاءٌ كانَ الرُّجُوعُ قَبْلَ انْفِصَالِهَا بِالْوِلَادَةِ وَ الْحَلْبِ، أَمْ بَعْدُ،

لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ حُكمًا.

هَذَا إذَا تَجَدَّدَتْ الزِّيادَةُ بَعْدَ مِلْك الْمُتَّهِبِ بِالْقَبْضِ، فَلَوْ كانَ قَبْلَهُ فَهِي لِلْوَاهِبِ. (وَلَوْ وَهَبَ أَوْ وَقَفَ أَوْ تَصَدَّقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَهِي مِنْ الثُّلُثِ) عَلَي أَجْوَدِ الْقَوْلَينِ (إلَّا أَنْ يجِيزَ الْوَارِثُ) و مثله مَا لَوْ فَعَلَ ذَلِك فِي حَالِ الصِّحَّةِ، وَ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ إلَي الْمَرَضِ، و لو شَرَطَ فِي الْهِبَةِ عِوَضًا يسَاوِي الْمَوْهُوبَ نَفَذَتْ مِنْ الْأَصْلِ، لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ بِالْمِثْلِ، كالْبَيعِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ

(الثَّالِثُ - السُّكنَي) وَ تَوَابِعُهَا.

(الثَّالِثُ - السُّكنَي) وَ تَوَابِعُهَا.

وَ كانَ الْأَوْلَي عَقْدُ الْبَابِ لِلْعُمْرَي لِأَنَّهَا أَعَمُّ مَوْضُوعًا كمَا فَعَلَ فِي الدُّرُوسِ، (وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ إيجَابٍ وَ قَبُولٍ) كغَيرِهَا مِنْ الْعُقُودِ، (وَقَبْضٍ) عَلَي تَقْدِيرِ لُزُومِهَا.

أَمَّا لَوْ كانَتْ جَائِزَةً كالْمُطْلَقَةِ كانَ الْإِقْبَاضُ شَرْطًا فِي جَوَازِ التَّسَلُّطِ عَلَي الِانْتِفَاعِ.

وَ لَمَّا كانَتْ الْفَائِدَةُ بِدُونِهِ مُنْتَفِيةً أَطْلَقَ اشْتِرَاطَهُ فِيهَا، وَ يفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِهِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّقَرُّبِ، وَ بِهِ صَرَّحَ فِي الدُّرُوسِ وَ قِيلَ: يشْتَرَطُ، وَ الْأَوَّلُ أَقْوَي، نَعَمْ حُصُولُ الثَّوَابِ مُتَوَقِّفٌ عَلَي نِيتِهِ (فَإِنْ أُقِّتَتْ بِأَمَدٍ) مَضْبُوطٍ، (أَوْ عَمِرَ أَحَدُهُمَا) الْمُسْكنَ أَوْ السَّاكنَ (لَزِمَتْ) تِلْك الْمُدَّةُ و ما دَامَ الْعُمُرُ بَاقِيا، (وَإِلَّا) تُوَقَّتْ بِأَمَدٍ، وَ لَا عَمِرَ أَحَدُهُمَا (جَازَ الرُّجُوعُ فِيهَا) مَتَي شَاءَ، (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) مَعَ الْإِطْلَاقِ (بَطَلَتْ) و أن لَمْ يرْجِعْ.

كمَا هُوَ شَأْنُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلَينِ، (وَيعَبَّرُ عَنْهَا) أَي عَنْ السُّكنَي (بِالْعُمْرَي) إنْ قُرِنَتْ بِعُمُرِ أَحَدِهِمَا، (وَالرُّقْبَي) إنْ قُرِنَتْ بِالْمُدَّةِ، وَ يفْتَرِقَانِ عَنْهَا بِوُقُوعِهِمَا عَلَي مَا لَا يصْلُحُ لِلسُّكنَي، فَيكونَانِ أَعَمَّ مِنْهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، و أن كانَتْ أَعَمَّ مِنْهُمَا مِنْ حَيثُ جَوَازُ إطْلَاقِهَا فِي الْمَسْكونِ، مَعَ اقْتِرَانِهَا بِالْعُمُرِ وَ الْمُدَّةِ وَ الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِهِمَا (وَكلُّ مَا صَحَّ وَقْفُهُ) مِنْ أَعْيانِ الْأَمْوَالِ (صَحَّ إعْمَارُهُ) وَ إِرْقَابُهُ و أن لَمْ يكنْ مَسْكنًا، و بهذا ظَهَرَ عُمُومُ مَوْضُوعِهِمَا،

(وَإِطْلَاقُ السُّكنَي) الشَّامِلُ لِلثَّلَاثَةِ حَيثُ يتَعَلَّقُ بِالْمَسْكنِ (يقْتَضِي سُكنَاهُ بِنَفْسِهِ و من جَرَتْ عَادَتُهُ) أَي عَادَةُ السَّاكنِ (بِهِ) أَي بِإِسْكانِهِ مَعَهُ كالزَّوْجَةِ وَ الْوَلَدِ، وَ الْخَادِمِ، وَ الضَّيفِ وَ الدَّابَّةِ إنْ كانَ فِي الْمَسْكنِ مَوْضِعٌ مُعَدٌّ لِمِثْلِهَا، وَ كذَا وَضْعُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِوَضْعِهِ فِيهَا مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَ الْغَلَّةِ بِحَسَبِ حَالِهَا، (وَلَيسَ لَهُ أَنْ يؤَجِّرَهَا)، وَ لَا يغَيرَهَا، (وَلَا أَنْ يسْكنَ غَيرَهُ) و غير مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِ (إلَّا بِإِذْنِ الْمُسْكنِ)، وَ قِيلَ: يجُوزَانِ مُطْلَقًا.

وَ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَ حَيثُ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ فَالْأُجْرَةُ لِلسَّاكنِ.

(الرَّابِعُ - التَّحْبِيسُ)

(الرَّابِعُ - التَّحْبِيسُ)

(وَحُكمُهُ حُكمُ السُّكنَي فِي اعْتِبَارِ الْعَقْدِ وَ الْقَبْضِ، وَ التَّقْييدِ بِمُدَّةٍ وَ الْإِطْلَاقِ) وَ مَحِلُّهُ كالْوَقْفِ. (وَإِذَا حَبَسَ عَبْدَهُ أَوْ فَرَسَهُ) أَوْ غَيرَهُمَا مِمَّا يصْلُحُ لِذَلِك فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ عَلَي زَيدٍ لَزِمَ ذَلِك، مَا دَامَتْ الْعَينُ بَاقِيةً، وَ كذَا لَوْ حَبَسَ عَبْدَهُ، أَوْ أَمَتَهُ فِي خِدْمَةِ الْكعْبَةِ، أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ مَشْهَدٍ.

وَ إِطْلَاقُ الْعِبَارَةِ يقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَينَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ وَ تَقْييدِهِ بِالدَّوَامِ، و لكن مَعَ الْإِطْلَاقِ فِي حَبْسِهِ عَلَي زَيدٍ سَيأْتِي مَا يخَالِفُهُ، و في الدُّرُوسِ أَنَّ الْحَبْسَ عَلَي هَذِهِ الْقُرَبِ غَيرُ زَيدٍ يخْرُجُ عَنْ الْمِلْك بِالْعَقْدِ، و لم يذْكرْ هُوَ وَ لَا غَيرُهُ حُكمَ ذَلِك لَوْ قَرَنَهُ بِمُدَّةٍ، وَ لَا حُكمَ غَيرِ الْمَذْكورَاتِ، وَ بِالْجُمْلَةِ فَكلَامُهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ غَيرُ مُنَقَّحٍ. (وَلَوْ حَبَسَ عَلَي رَجُلٍ و لم يعَينْ وَقْتًا وَ مَاتَ الْحَابِسُ كانَ مِيرَاثًا) بِمَعْنَي أَنَّهُ غَيرُ لَازِمٍ كالسُّكنَي فَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَ يجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ مَتَي شَاءَ، و لو قَرَنَ فِيهِ بِمُدَّةٍ لَزِمَ فِيهَا، وَ رَجَعَ إلَي مِلْكهِ بَعْدَهَا.

وَ اعْلَمْ أَنَّ جُمْلَةَ أَقْسَامِ الْمَسْأَلَةِ كالسُّكنَي، إمَّا أَنْ يكونَ عَلَي قُرْبَةٍ كالْمَسْجِدِ، أَوْ عَلَي آدَمِي، ثُمَّ إمَّا أَنْ يطْلِقَ،

أَوْ يقْرِنَهُ بِمُدَّةٍ، أَوْ يصَرِّحَ بِالدَّوَامِ.

وَ الْمُحْبَسُ إمَّا أَنْ يكونَ عَبْدًا، أَوْ فَرَسًا، أَوْ غَيرَهُمَا مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي يمْكنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي ذَلِك الْوَجْهِ.

فَفِي الْآدَمِي يمْكنُ فَرْضُ سَائِرِ الْأَمْوَالِ لِيسْتَوْفِي مَنَافِعَهَا، وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يمْكنُ فَرْضُ الْعَبْدِ وَ الْفَرَسِ وَ الْبَعِيرِ وَ الْبَغْلِ وَ الْحِمَارِ و غيرهَا، وَ فِي خِدْمَةِ الْمَسْجِدِ وَ نَحْوِهِ يمْكنُ فَرْضُ الْعَبْدِ وَ الْأَمَةِ وَ الدَّابَّةِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيهَا فِي نَقْلِ الْمَاءِ وَ نَحْوِهِ، و غيرهِ مِنْ الْأَمْلَاك لِيسْتَوْفِي مَنْفَعَتَهَا بِالْإِجَارَةِ، وَ يصْرِفَ عَلَي مَصَالِحِهِ، وَ كلَامُهُمْ فِي تَحْقِيقِ أَحْكامِ هَذِهِ الصُّوَرِ قَاصِرٌ جِدًّا فَينْبَغِي تَأَمُّلُهُ.

بداية المعارف الالهية

تمهيد

1 - عقيدتنا في النظر و المعرفة

1 - عقيدتنا في النظر و المعرفة

نعتقد ان الله تعالي لما منحنا قوة التفكير و وهب لنا العقل أمرنا أن نتفكر في خلقه و ننظر بالتأمل في آثار صنعه، و نتدبر في حكمته و اتقان تدبيره في آياته في الآفاق و وفي انفسنا، قال تعالي: «سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق» فصلت: 53.

وقد ذم المقلدين لآبائهم بقوله تعالي: «قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً» البقرة 170. كما ذم من يتبع ظنونه و رجمه بالغيب فقال: «إن يتّبعون الاّ الظن» الأنعام: 116 و 148 و يونس: 66 و النجم: 23.

وفي الحقيقة أن الذي نعتقده أن عقولنا هي التي فرضت علينا النظر في الخلق و معرفة خالق الكون، كما فرضت علينا النظر في دعوي من يدعي النبوة و في معجزته (1)

- - - - - - -

(1) و لا يخفي عليك أن الدليل العقلي علي وجوب المعرفة إما هو وجوب دفع الضرر المحتمل، بتقريب أنه مع عدم طلب المعرفة يحتمل الضرر الاُخروي

و حيث أن دفع الضرر المحتمل واجب يكون طلب المعرفة واجباً.

2 لا يقال: إن العقلاء كثيراً ما يتحملون الضرر لدواعٍ مختلفة فكبري القياس ممنوعة، لأنا نقول: إن ما يتحمله العقلاء في اُمورهم هو الحقير من الضرر إو الضرر المنجبر بفائدة مهمّة لا الخطير و الكثير منه، سيما ما فيه ضرر النفس و هلاكها و الضرر الاُخروي علي تقدير ثبوته ضرر خطير، فاحتماله يوجب لزوم دفعه و إن كان الإحتمال ضعيفاً؛ لأن المحتمل قوي و خطير.

و الشاهد عليه هو استحقاق المذمة علي عدم دفعه.

ثمّ لا يخفي عليك أنه لا منافاة بين كون لزوم دفع الضرر عقلياً و بين كون الدفع المذكوره جبلياً ايضاً لكل ذي شعور؛ لإمكان اجتماعهما.

و إما هو وجوب شكر المنعم، بتقريب أن مع ترك طلب المعرفة يحتمل ترك شكر المنعم و تضييع حقه علي تقدير وجوده و حيث إن تضييع حق المنعم قبيح و شكره واجب، فطلب المعرفة واجب حتي لا يلزم تضييع حقه علي تقدير وجوده.

لا يقال: إن كبري وجوب شكر المنعم لا تدل علي وجوب شكر المنعم ما لم تحرز المنعمي و المفروض أن المقام قبل الفحص عن الدليل كذلك، إذ لم تثبت الخالقية و المنعمية.

لأنا نقول: لا مجال للبراءة العقلية قبل الفحص و النظر في الواجبات العقلية، بل اللازم هو الفحص و النظر عن موضوعها و إلاّ لزم ترك الواجبات العقلية من دون عذر و من الوضح أنه قبيح.

ثم لا يخفي عليك، أن الوجه الثاني لا يرجع إلي الوجه الاول، بل هو وجه آخر لأن ملاك الحكم في الثاني هو ملاحظة حق المولي فيمنع العقل عن تضييع حقه بترك شكره و يحكم بوجوب شكره، بخلاف الوجه الأول، فإن ملاك الحكم

فيه هو ملاحظة جانب العبد لئلا يقع في الضرر و التهلكة بسبب ترك المعرفة، فافهم.

3 ثم إنه قد استدل لوجوب طلب المعرفة بأن المعرفة ممّا اقتضتها الفطرة إذ من الفطريات فطرة طلب الحقايق و كشفها.

و يمكن أن يقال: إنّ مجرد كون الشيء فطرياً لا يستلزم الايجاب و الالزام بخلاف الحكم العقلي، فإنه و إن كان إدراكا لضرورة المعرفة بأحد الوجوه المذكورة إلاّ أن الضرورة المدركة بالدرك العقلي تدعو الإنسان نحو تحصيل المعرفة بحيث لو تخلف عنه لاستحق المذمة. نعم، يصلح هذا الوجه لتأييد ما ذكر و لنفي ما توهمه الملحدون من انبعاث الفكر الديني عن العوامل الوهمية.

ثم إن وجوب دفع الضرر المحتمل أو وجوب شكر المنعم كما يدلان علي وجوب طلب المعرفة و تحصيلها، كذالك يدلان علي وجوب التصديق بعد المعرفة و التدين به، اذ بدون التدين و التصديق لا يحصل الايمان و مع عدم حصوله يبقي احتمال الضرر الاُخروي و تضييع حق المولي المنعم إن لم نقل بأنه مستلزم العلم بالضرر الاُخروي و تضييع حقه.

و لذا ذمّ سبحانه و تعالي من أيقن و لم مؤمن بما أيقن به «و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلماً و علواً» النمل: 14، كما صرّح به المحقق الخراساني في تعليقته علي فرائد الاُصول (1)

ثم بعد ما عرفت من وجوب المعرفة و التصديق و التدين فاعلم أن النظر و الفحص و التحقيق واجب من باب المقدمة، إذ الواجبات المذكورة لا تحصل بدون ذلك، فليس لأحد أن لاينظر إلي نفسه أو إلي الآفاق لتحصيل معرفة الخالق أو أن لايسمع دعوي من يدعي النبوة و الإمامة و لا يتفحص عن معجزته.

ثم لا يخفي عليك، أن للتحقيق و النظر مراتب مختلفة من

الإجمال و التفصيل،

- - - - - - -

(1) ص: 104.

4 أدناها ما يرتفع به إحتمال الضرر أو تضييع حق المولي المنعم و هو واجب علي العموم و مازاد عنه مستحب، ما لم يدل دليل علي وجبه كما إذا توقف إزالة شبهات المبطلين و حفظ الدين عليه، فيجب علي الخواص أن يزيدوا في المراتب حتي يتمكن لهم ذلك.

و يتحقق الواجب من المعرفة بتحصيل العلم مطلقاً سواء كان من الدليل الفلسفي أو الكلامي أو العقلائي أو غير ذلك من الطرق إلاّ إذا ورد النهي عن سلوك طريق خاص، فلا مدفع للضرر المحتمل.

فالأولي هو الاقتصار علي المحكمات من البراهين و الأدلة حتي يدفع إحتمال الضرر و يحصل شكر المولي المنعم.

و أما المعرفة الحسية و التجربية التي تسمي عند الغربيين بالعلم التجربي، فلا يجوز الاكتفاء بها في المسائل الاعتقادية، فانّ العلم التجربي لا يكشف إلاّ عما يمكن تجربته و إحساسه، فما لا يكون كذلك كوجود الله تعالي و صفاته و المعاد و غيرهما من الاُمور الغيبية التي لا يمكن إحساسها و تجربتها خارج عن حيطة التجربة و الإحساس فلا يكشف وجوده أو عدمه بالعلم التجربي.

فإنكار الملحدين للمبدأ و المعاد بدليل أنها لا يكونان قابلين للتجربة، إنكاربلا دليل و مكابرة و اقتصارهم علي العلم التجربي يستلزم ترك الواجبات العقلية التي منها وجوب دفع الضرر المحتمل.

و أما المعرفة التعبدية كإثبات الصانع بقول الصانع أو بقول النبي المدعي أنه مرسل من ناحية الصانع فلا يجوز الاكتفاء بها؛ للزوم الدور.

نعم يمكن الاكتفاء بها في جملة من العقائد بعد إثبات المبدأ و النبوة بالدليل العقلي، كالامعاد و غيره.

و أما الاكتفاء بطريقة لاكشف و الشهود و العرفان، في غير ما اقتضته الفطرة فحيث إن

هذه الطريقة لا تخلو عن الخطأ و الاشتتباه فلا يجوز بدون ضميمة النظر

5 و الاستدلال كما لا يخفي (1). نعم من نظر و استدل و هتدي إلي الطريق المستقيم امكن له الكشف و الشهود بالاجتهاد في العبادة و مراحل الإخلاص فلا تغفل.

ثمّ إنه هل يتحقق الواجب المذكور بتحصيل العلم و لو من التقليد أم لا يكفي إلاّ ما يكون مستنداً إلي الدليل؟ ذهب العلاّمة (2) و الحكيم المتأله المولي محمّد مهدي النراقي و غيرهما إلي لزوم كون المعرفة عن دليل فلا يكفي العلم الحاصل من التقليد (3).

و أورد عليه المحقق الخوانساري بأن من حصل له العلم من التقليد محكوم بالإسلام و إن عصي في ترك تحصيل المعرفة من الدليل (4) و ظاهره لزوم كون التحصيل من الدليل، لكن لو عصي كفي في كونه محكوماً بالإسلام.

و أنكر الشيخ الأعظم الأنصاري قدّس سرّه لزوم كونه من الدليل، بل قال ما حاصله: إن مقصود المجمعين هو وجوب معرفة الله لا اعتبار أن تكون المعرفة حاصلة عن النظر و الاستدلال كما هو المصرّح به عن بعض و المحكي عن آخرين باعتبار العلم و لو حصل من التقليد راجع فرائد الاُصول: ص 169 و 175..

فالأقوي كما ذهب إليه الشيخ قدّس سرّه هو كفاية الجزم و لو حصل من التقليد فلا دليل علي لزوم الزائد عليه.

ثمّ لا يخفي أن المخاطب بوجوب تحصيل المعرفة هو الذي لم يعلم بالمبدأ و المعاد و أما الذين عرفوهما و لو بأدني مرتبة المعرفة كالموحدين و المؤمنين فلا يكونون من المخاطبين بهذا الوجوب؛ لأن طلب المعرفة منهم تحصيل الحاصل،

- - - - - - -

1) راجع قواعد المرام: ص 30 و غيره من الكتب.

2) راجع الباب

الحادي عشر.

3) أنيس الموحدين: ص 39.

4) راجع مبدأ و معاد: ص 11.

6 ولا يصح عندنا تقليد الغير في ذلك مهما كان ذلك الغير منزلة و خطراً (2)

و ما جاء في القرآن الكريم م الحَث علي التفكير و اتباع العلم و المعرفة فإنما جاء مقرراً لهذه الحرية الفطرية في العقول التي تطابقت عليها آراء العقلاء و جاء منبهاً للنفوس علي ما جُبلَت عليها من الاستعداد

و المعرفة الزائدة ليست بواجبة علي كل أحد و إن إمكن القول بوجوبها علي بعض كالطلاب دفعاً للشبهات الواردة من ناحية المنكرين و الملحدين، فلا تغفل..

2) فإنه مع التقليد ما لم يوجب العلم يبقي احتمال الخطأ و معه لا يكون معذوراً فيما إذا لم يصادف ما أخذه بالتقليد مع الواقع فما يكون علة لوجوب المعرفة من وجوب دفع الضرر المحتمل أو وجوب شكر المنعم باق بحاله و يدعوه نحو تحصيل المعرفة؛ لعدم حصول المعرفة المطلوبة بالتقليد المذكور.

و لذا صرّح أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف بأن اتباع الجل مع اختلافهم في الأقوال و الآراء محال؛ للتنافي ما بينهم، و اطراح الجل يقتضي كونه علي ما كان عليه من الخوف، و اتباع البعض عن تقليد لا يرفع خوفه مما أطرحه من المذاهب لتجويز كونه حقاً و لا يقتضي سكونه إلي ما ذهب إليه لتجويز كونه باطلاً، فلم يبق لتحرزه من الضرر المخوف إلاّ النظر المميز للحق من الباطل فوجب فعله؛ لكونه تحرزاً من ضرر

ولا ينافي ذلك ما مر من كفاية حصول العلم بالتقليد فإن التقليد المبحوث عنه في المقام هو الذي لا يوجب العلم.

- - - - - - -

(1) تقريب المعارف: ص 34.

7 للمعرفة و التفكير و مفتحاً للأذهان و موجّهاً لها

علي ما تقتضيه طبيعة العقول.

فلا يصحّ و الحال هذه أن يهمل الإنسان نفسه في الاُمور الإعتقادية أو يتّكل علي تقليد المرين أو أي أشخاص آخرين، بل يجب عليه بحسب الفطرة العقلية المؤيدة بالنصوص القرآنية أن يفحص و يتأمل و ينظر و يتدبر في اُصول إعتقاداته (3) المسماة باُصول الدين التي أهمها التوحيد. (3) و لا يخفي أن المصنف أضاف في هامش الكتاب ما هو بلفظه «إنه ليس كل ما ذكر في هذه الرسالة هو من اُصول الاعتقادات فإن كثيراً من الاعتقادات المذكورة كالقضاء و القدر و الرجعة و غيرها لايجب فيها الاعتقاد و لا النظر و يجوز الرجوع فيها إلي الغير المعلوم صحة قوله كالأنبياء و الأئمة و كثير من الاعتقادات من هذا القبيل، كان اعتقادنا فيها مستنداً إلي ما هو المأثور عن أئمتنا من صحيح الأثر القطعي».

حاصله: هو التفصيل بين اُصول الاعتقادات بمعني أساسها و بين غيرها بكفاية الأدلة السمعية في الطائفة الثانية دون الاُولي من التوحيد و العدل و النبوة و الإمامة و المعاد.

- - - - - - -

و فيه أولاً: أن في غير إثبات التوحيد و العدل و النبوة كالإمامة و المعاد يمكن الاكتفاء بالأدلة السمعية القطعية و إن كان لهما أدلة عقلية أيضاً فإنه بعد إثبات المبدأ و النبوة يكون قول النبي في الإمامة و المعاد كافياً و مفيداً للعلم و الجزم و يمكن الاعتقاد به و لا حاجة إلي إقامة الأدلة العقلية، نعم الاستدلال بالأدلة العقلية في مثلها يوجب قوة و اشتداداً.

8 و النبوة و الإمامة و المعاد (4) و من قلّد آباءه أو نحوهم في إعتقاد هذه الاصول فقد ارتكب شططاً و زاغ عن الصراط المستقيم و لا

يكون معذوراً أبداً.

و ثانياً: إن نفي وجوب الاعتقاد في الطائفة الثانية بمجرد جواز الرجوع فيها إلي الأدلة السمعية محل إشكال، بل منع، لأن جواز تحصيل المعرفة من الأدلة الشرعية لا ينافي وجوب الاعتقاد بما يستفاد منها بعد فرض حصول القطع به.

و لذلك صرّح بعض الفحول بوجوب التدين بكلّ ما علم ثبوته من الدين و لو لم يكن من ضرورياته معللاً ببداهة مساوقة ذلك للإيمان بانبي صلّي الله عليه و آله (1).

ثم لو لم يستقل العقل بوجوب معرفة شيء، و لم يدل علي وجوبها شرعاً أيضاً، فمقتضي البراءة العقلية هو عدم وجوب المعرفة و لذا ذهب بعض الفحول إلي عدم وجوب المعرفة ببعض تفاصيل الحشر و النشر و بقية الكلام في محله.

4) و فيه أن اختصاص الاصول الاعتقادية بالأربعة دون الخمسة خلاف ما ذهب إليه المشهور من الإمامية و الأحسن إتباع المشور، و أن كان العدل من الصفات الفعلية و يشمله لفظ التوحيد في إصطلاح علم العقائد كما يشمل سائر الصفات، و لذا لم يذكروا البحث عن الصفات علي حدة.

و ذلك لأنّ مسألة العدل من المسائل المهمة التي انفردت الأشاعرة فيها عن العدلية القائلة بعدل الله تعالي فالمناسب هو افراده عن الصفات من جهة أهميته كما فعله المشهور.

- - - - - - -

1) راجع تعليقة المحقق الخراساني علي فرائد الاُصول: ص 104.

9 و بالإختصار عندنا هنا ادعاءان:

الأول:

وجوب النظر و المعرفة في اصول العقائد و لا يجوز تقليد الغير فيها.

الثاني:

أن هذا وجوب عقلي قبل أن يكون وجوباً شرعياً، أي لا يستقي علمه من النصوص الدينية و إن كان يصح أن يكون مؤيداً بها بعد دلالة العقل (5).

و ليس معني الوجوب العقلي، إلاّ ادراك العقل لضرورة المعرفة

و لزوم التفكير و الإجتهاد في اصول الاعتقادات (6)

5) و الأولي هو الإشارة إلي وجوه دلالة العقل و قد عرفت الإشارة إليها في التعاليق السابقة.

6) و ذلك لأن شأن العقل ليس إلاّ إدراك الكيات فالأمر و النهي هو من النفس في مقام النيل الي ما أدركه العقل بالادراك الكلي و قد صرّح المصنف قدّس سرّه به في الاصول حيث قال: «و معني حكم العقل علي هذا ليس إلاّ إدراك أن الشيء مما ينبغي أن يفعل أو يترك و ليس للعقل إنشاء بعث و زجر و لا أمر و نهي إلاّ بمعني أن هذا الادراك يدعو العقل إلي العمل أي يكون سبباً لحدوث الإرادة في نفسه للعمل و فعل ما ينبغي» (1)

- - - - - - -

(1) راجع اصول الفقه: ج 1 ص 222 و تعليقة المحقق الإصفهاني قدس سره علي الكفاية: ج 2 ص 124 و مبحث حجية الظن و فلسفة الأخلاق: ص 40 و گوهر مراد: ص 246.

2 - عقيدتنا في التقليد بالفروع

2 - عقيدتنا في التقليد بالفروع

أما فروع الدين و هي أحكام الشريعة المتعلقة بالأعمال، فلا يجب فيها النظر و الإجتهاد، بل يجب فيها إذا لم تكن من الضروريات في الدين الثابتة بالقطع كوجوب الصلاة و الصوم و الزكاة أحد اُمور ثلاثة: إما أن يجتهد المكلف و ينظر في أدلة الأحكام إذا كان أهلاً لذلك و إما أن يحتاط في أعماله إذا كان يسمعه الإحتياط و إما أن يقلد المجتهد الجامع للشرائط بأن يكون من يقلده عاقلاً عادلاً «صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه».

فمن لم يكن مجتهداً و لا محتاطاً ثم لم يقلد المجتهد الجامع للشرائط فجميع عباداته باطلة لا تقبل منه و

إن صلّي و صام و تعبد طول عمره، إلاّ إذا وافق عمله رأي من يقلده بعد ذلك و قد اتقن له أن عمله جاء بقصد القربة إلي الله تعالي (1).

- - - - - - -

1) بل لو صادف عمله للواقع و لو لم يوافق رأي من يقلده فهو صحيح إذا لا موضوعية لرأي المجتهد؛ لأنه طريق إلي الواقع. نعم حيث لا يعلم بالمصادفة فلابد أن يراعي موافقة عمله للحجة الفعلية.

3 عقيدتنا في الاجتهاد

3 عقيدتنا في الاجتهاد

نعتقد أن الاجتهاد في الأحكام الفرعية واجب بالوجوب الكفائي علي جميع المسلمين في عصور غيبة الإمام (1) بمعني أنه يجب علي كل مسلم في كل عصر. و لكن إذا نهض به من به الغني و الكفاية سقط عن باقي المسلمين و يكتفون بمن تصدّي لتحصيله و حصل علي رتبة الاجتهاد و هو جامع للشرائط فيقلدونه و يرجعون إليه في فروع دينهم.

ففي كل عصر يجب أن ينظر المسلمون إلي أنفسهم فإن وجدوا من بينهم من تبرع بنفسه و حصل علي رتبة الاجتهاد التي لا ينالها إلاّ ذو حظ عظيم و كان جامعاً للشرائط التي تؤهله للتقليد، إكتفوا به و قلّدوه و رجعوا إليه في معرفة أحكام دينهم و إن لم يجدوا من له هذه المنزلة، وجب عليهم أن يحصل كل واحد رتبة الاجتهاد أو يهيئوا من بينهم من يتفرّغ لنيل هذه المرتبة حيث يتعذر عليهم جميعاً السعي لهذا الأمر أو يتعسر و لا يجوز لهم أن يقلّدوا من مات من المجتهدين.

- - - - - - -

1) و يدل عليه قوله تعالي: «فلولا نفر من كلّ فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون» التوبة: 122.

12

و الاجتهاد

هو النظر في الأدلة الشرعية لتحصيل معرفة الأحكام الفرعية التي جاء بها سيد المرسلين و هي لا تتبدل و لا تتغير بتغير الزمان و الأحوال «حلال محمد حلال إلي يوم القيامة و حرامه حرام إلي يوم القيامة» و الأدلة الشرعية هي الكتاب الكريم و السنة و الإجماع و العقل علي التفصيل المذكور في كتب اُصول الفقه.

و تحصيل رتبة الاجتهاد تحتاج إلي كثير من المعارف و العلوم التي لا تتهيأ إلاّ لمن جدّ و اجتهد و فرّغ نفسه و بذل و سعه لتحصيلها.

هذا مضافاً إلي أن الفقه مما لا يتم الواجب إلاّ به كإقامة الحدود و القضاء و نحو ذلك فالاجتهاد واجب شرعاً و عقلاً.

4 عقيدتنا في المجتهد

4 عقيدتنا في المجتهد

و عقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط أنه نائب للإمام عليه السلام في حال غيبته و هو الحاكم و الرئيس المطلق، له ما للإمام في الفصل في القضايا و الحكومة بين الناس، و الراد عليه راد علي الإمام و الراد علي الإمام راد علي الله تعالي و هو علي حد الشرك بالله كما جاء في الحديث عن صادق آل البيت عليهم السلام (1)

فليس المجتهد الجامع للشرائط مرجعاً في الفتيا فقط، بل له الولاية العامة فيرجع إليه في الحكم و الفصل و القضاء و ذلك من مختصاته

1) رواه في الوسائل عن الكافي بسند مقبول عند جلّ الفقهاء و هو هكذا: عن محمَّد بن يعقوب، عن محمَّد بن يحيي، عن محمَّد الحسين، عن محمَّد بن عيسي، عن صفوان بن يحيي، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحا كما إلي السلطان و إلي القضاة

أيحلّ ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلي الطاغوت و ما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً و إن كان حقاً ثابتاً له؛ لأنه أخذه بحكم الطاغوت و ما أمر الله أن يكفر به قال الله تعالي: «يريدون أن يتحاكموا إلي الطاغوت و قد اُمروا أن يكفروا به» (1)

- - - - - - -

(1) النساء: 60.

14

لا يجوز لأحد أن يتولاها دونه، إلاّ بإذنه، كما لا تجوز إقامة الحدود و التعزيرات إلاّ بأمره و حكمه.

و يرجع إليه أيضاً في الأموال التي هي من حقوق الإمام و مختصاته.

و هذه المنزلة أو الرئاسة العامة أعطاها الإمام عليه السلام للمجتهد الجامع للشرائط ليكون نائباً عنه في حال الغيبة، لذلك يسمي «نائب الإمام». قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله و علينا رد و الراد علينا الراد علي الله و هو علي حد الشرك بالله الحديث (2)

ثم إن أدلة النيابة العامة لا تنحصر في هذا الحديث، بل هي متعددة مذكورة في محله.

- - - - - - -

2) الوسائل: ج 18 ص 98.

الفصل الأَوّل الاِلهيات

1 - عقيدتنا في الله تعالي

الاشاره

عقيدتنا في الله تعالي

نعتقد أن الله تعالي واحد أحد ليس كمثله شيء، قديم لم يزل و لايزال، هو الأول و الآخر، عليم حكيم عادل حي قادر غني سميع بصير و لا يوصف بما توصف به المخلوقات، فليس هو بجسم و لا صورة و ليس جوهراً و لا عرضاً و ليس له ثقل أو خفة و لا حركة أو سكون و

لا مكان و لا زمان و لا يشار إليه، كما لا ندّ له و لا شبه و لا ضد و لا صاحبة له و لا ولد و لا شريك و لا شريك و لم يكن له كفوا أحد، لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار (1) و لا يخفي عليك أن المصنف قدّس سرّه إكتفي بذكر صفات المبدأ المتعالي و نفي الشريك له و لم يذكر أدلة المذكورات، كما لم يذكر إثبات المبدأ المتعالي فالأولي أن نفصّل المطالب في ضمن اُمور

الأمر الأول: في إثبات المبدأ المتعالي

الأمر الأول: في إثبات المبدأ المتعالي

الأمر الأول: في إثبات المبدأ المتعالي

و الأدلة علي إثبات الواجب تعالي متعددة مختلفة في جوهرها أو اُسلوبها.

الأول:

و هي بحسب اللغة من الفطر و هو بمعني الخلق و منه قوله

17

تعالي: «إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض» (1) و الفطرة كفعلة لبيان كيفية في الخلقة كالجلسة فالمراد من فطرة الإنسان هي كيفية في خلقة الإنسان و هي ترجع إلي كسفية في هويته (2) التي منها: إدراكه بالعقل البديهي و سيأتي الإشارة إليه في الأدلة العقلية و هذا هو الذي عبر عنه في المنطق بالفطريات أي القضايا التي قياساتها معها كقولهم: الإثنين خمس العشرة و هذا النوع من الإدراك الذي من خصائص خلقة الإنسان يتوقف علي تشكيل القياس و أخذ النتيجة و لذا يكون من اقسام العلم الحصولي لا العلم الحضوري و سمي هذا الإدراك بفطرة العقل البديهي.

و منها: إدراكه بقلبه كعلم النفس بالنفس فلا يحتاج إلي وساطة شكل قياسي كما لا يخفي و لذا يعدّ من أقسام العلم الحضوري فالإنسان بفطرته يعلم بنفسه و يجب الكمال و الجمال و سمي هذا الإدراك بفطرة القلب.

ثم بعد وضوح معني الفطرة، فليعلم

أن المستدل بالفطرة علي إثبات المبدأ المتعالي و صفاته و توحيده أراد الفطرة القلبية و قال: إن القلب يعلم بالعلم الحضوري ربّه و يعرفه و الدليل عليه هو رجاؤه بالقادر المطلق عند تقطع الأسباب الظاهرية المحدودة وحبه له و أن غفل عنه كثير من الناس بسبب الاشتغال بالدنيا في الإحوال العادية. إذ الرجاء و الحب فرع معرفته به و إلاّ لم يرجه و لم يحبّه مع أن الرجاء به أمر واضح عند تقطع الأسباب الظاهرية كما يشهد له رجاء من كسرت سفينته في موضع من البحر لا يكون أحد و لا إمداد، بقدرة وراء الاُمور العادية (3)؛ و مع أن حب الكمال المطلق لاخفاء فيه حيث إنا

- - - - - - -

1) الأنعام: 79.

2) لأن الخلق و المخلوق كالإيجاد و الوجود حقيقة واحدة و انما الاختلاف بينهما بالاعتبار من جهة الاضافة الي الفاعل و القابل فالكيفية في الخلق تؤول إلي كيفية في المخلوق.

3) روي في توحيد لاصدوق عن الصادق عليه السلام ما يدل علي ذلك، راجع: ص 221.

18

نري أنفسنا عند عدم إشباع كمال من الكمالات غيرآيسين من النيل إلي كمال فوقه إلي أن ينتهي إلي كمال لا نهاية له و هو الذي يوجب السكون و الاطمئنان و لا نشبع من حبه و لا نشمئز من الخضوع و العبادة له، «ألا بذكر الله تطمئن القلوب» (1).

ففطرة الرجاء و فطرة حب الكمال المطلق و فطرة عبادته و الخضوع له كلّها مظاهر مختلفة للمعرفة الفطرية و هي العلم الحضوري بالرب المتعالي لأنها آثار تلك المعرفة و لا يمكن وجودها بدونها بعد كون غير الرب محدوداً بمرتبة و مفقوداً في بعض الاحيان.

ثم مع ثبوت هذه المعرفة الفطرية حصلت

المعرفة بالواجب المتعال؛ لأن العلم عين الكشف و لا حاجة إلي مقدمات اُخري كما ذهب إليها شيخ مشايخنا الشاه آبادي قدس سرّه - حيث قال: بأن العشق من الصفات الإضافية يقتضي معشوقاً كما كنت عاشقاً بالفعل فلتحكم به وجود معشوق الفطرة في دار التحقق كما قال مولانا: «عميت عين لا تراك … الخ» (2).

و ذلك لأن نفس المعرفة الفطرية عين المعرفة به تعالي و لا حاجة إلي ضميمة أنه لا يعقل وجود أحد المتضايفين بدون الآخر فلا تغفل.

ثم إن هذا الإدراك حيث كان من خصائص الخلقة في الإنسان ليس فيه خطأ، كما أن السمع و البصر لا يفعلان إلاّ ما قرر في خلقتها له بالسمع لا يريد الرؤية كما أن البصر لا يريد السماع فكل شيء في خلقتنا لا يقصد لايقصد إلاّ ما هو له (3) و عليه فتوجيه قلوبنا نحو وجوده تعالي أمر فطري لا خطأ فيه و ليس هذه المعرفة من باب القضايا المعقولة التي يحتمل فيها الصدق و الكذب، بل هو من

- - - - - - -

1) الرعد: 28.

2) رشحات البحار: كتاب الإنسان و الفطرة ص 37.

3) راجع أصول فلسفه: ج 5 ص 46.

19

باب الشهود و العلم الحضوري الذي لا يحتاج إلي وساطة شيء آخر.

و هذا الادراك يؤكد بالعبادات المأثورة الشرعية إذ كلّما إزدادت النفس تزكية وصفاء كان هذا الإدراك فيها آكد و أتم.

و كلّما ازدادت النفس فسقاً و فجوراً كان الإدراك المذكور فيها ضعيفاً و يؤول ضعفه إلي حدٍ ربما يتخيل عدمه.

و للرسل سهم وافر في إزدياد هذا الإدراك و تقويته كما أشارإليه أمير المؤمينين عليه السلام بقوله: «فبعث فيهم رُسُلَه و واتر إليهم أنبياءه لِيسْتَأدُوهم ميثاقَ فطرته و يذكروهم

مَنسِي نعمَته وَ يحتَجُّوا عليهم بالتبليغ و يثيروا لهم دفائنَ العقول» (1).

و كيف كان فهذا الإدراك لا يختص بزمان دون زمان و بقوم، بل هو موجود في الإنسان من بدء حياته إلي زماننا هذا و بعده، كما اعترف به جمع كثير من علماء الغرب أيضاً علي ما حكاه الاُستاذ الشهيد المطهري قدّس سرّه و هو من شواهد كون هذا الإدراك فطرياً (2).

و إلي ما ذكر يشير الإمام الباقر عليه السلام في قوله: «فطرهم علي المعرفة به» (3).

ثم إن الفطرة لا تبديل لها و إن أمكن خفاؤها، بسبب توجه النفس إلي الدنيا و الاُمور المادية و الاشتغال بها و لعل قوله تعالي: «فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم» (4) يشير إلي ذلك.

- - - - - - -

1) نهج البلاغة: خطبة 1.

2) راجع اصول فلسفه: ج 5 ص 72.

3) اصول الكافي: ج 2 ص 13.

4) الروم: 30.

20

ثم إن الفطرة تشبه الغريزة في كونها من خصائص الخلقة و لكنها تفترق عنها ماُمور:

(أحدها):

أن الفطرة بعد الإشارة و التنبيه لو خليت و طبعها يعني لم تقترن بالموانع تسوق الانسان نحو الكمال المطلق بخلاف غرائز الانسانية فإنها لا جهة لها بدون أن يكون للعقل عليها تحديد و اشراف.

(و ثانيها):

أن حب الكمال المطلق أو الرجاء به عند تقطع الأسباب العادية أو ملائمة عبادة المعبود المطلق أو غير ذلك من الاُمور الفطرية ترجع كما عرفت إلي المعرفة الفطرية التي غفل عنها كثير من الناس، بخلاف الغرائز فإنها لا ترجع إلي المعرفة أصلاً كما لا يخفي.

ثم إنه يظهر مما ذكر ما في دعوي إن كلّ ما استدل به لإثبات المبدأ المتعالي متوقف

علي أصل العلية؛ لما عرفت من أن المعرفة الفطرية من خصائص الخلقة كالغريزة و إن كان أساس هذه المعرفة و الشهود هو معلولية الانسان. نعم تتوقف فطرة العقل علي المقدمات البديهية بخلاف فطرة القلب؛ لما عرفت.

ثم ينقدح مما ذكر جواز الاكتفاء بالمعرفة الفطرية مع شواهد وجودها من الرجاء أو الحب لكمال المطلق؛ لإثبات المبدأ المتعالي و لولا وساط الناس الذين غفلوا عن وجودها في أنفسهم فلا حاجة إلي الأدلّة العقلية، كما لا يخفي.

الثاني:

الإمكان و المراد به إما هو الامكان الماهوي أو الامكان الوجودي، و لأول وصف الماهية و اُريد به استواء الذات بالنسبة إلي الوجود و العدم بحيث يحتاج ترجح الوجود علي العدم إلي السبب الخارجي، أو اُريد به سلب ضرورة الوجود و العدم عن الماهية. و الثاني وصف الوجود و اُريد به افتقار الوجود بحيث يكون عين التعلق و الربط و الحاجة إلي العلة بحيث لا استقلال له في أصل وجوده و بقائه.

و الوجود بعد كونه أصيلاً لا يتصف بالإمكان حقيقة إلاّ بهذا الاعتبار.

21

و أما إتصافه بالإمكان الماهوي فهو باعتبار ماهيته؛ لأن الوجود ليس له الاقتضاء بالنسبة إلي الوجود و العدم، بل نسبته إلي نفسه ضروري بالوجوب؛ لأن ثبوت الشيء لنفسه ضروري و إلي العدم بالامتناع حيث أن امتناع اتصاف الشيء بنقيضه أيضاً من الضروري فلا يكون متساوي النسبة بالقياس إليهما (1).

ثم إنه اُستدل بكلا المعينين لإثبات المبدأ المتعال.

أما الأول: فقد نسب إلي ابن سينا و غيره رحمهم الله و لقد أجاد في تقريره المحقق الطوسي و العلاّمة الحلي قدّس سرّهم و هو:

إن كلّ معقول إما أن يكون واجب الوجود في الخارج لذاته (2) و إما ممكن الوجود لذاته و إما ممتنع الوجود لذاته.

و

لا شك في أن هنا موجوداً بالضرورية فإن كان واجباً لذاته فهو المطلوب و إن كان ممكناً افتقر إلي موجود يوجده بالضرورة، فإن كان الموجد واجباً لذاته فهو المطلوب و إن كان ممكناً افتقر إلي موجد آخر فإن كان الأول دار و هو باطل بالضرورة و إن كان ممكناً آخر تسلسل و هو باطل أيضاً؛ لأن جميع أحاد تلك السلسلة الجامعة لجميع الممكنات، تكون ممكنة بالضرورة فتشترك في إمكان الوجود لذاتها، فلا بدّ لها من موجد خارج عنها بالضرورة فيكون واجباً بالضرورة و هو المطلوب (3).

و الحد الوسط في هذا البرهان هو الإمكان الماهوي و يمكن تقريره بوجه آخر و هو أن يقال: العالم ممكن لذاته و كلّ ممكن لذاته يحتاج في الوجود إلي الغير

- - - - - - -

1) راجع نهاية الحكمة: ص 45 و 63، و درر الفوائد: ج 1 ص 427.

2) أي من حيث ذاته من غير التفات إلي غيره كما في الاشارات: ج 3 ص 18.

3) راجع الباب الحادي عشر/7 الطبعة الحديثة و شرح الاشارات: ج 3 ص 18 و شرح التجريد: ص 172.

22

فالعالم يحتاج في الوجود إلي الغير و هذا الغير إن كان واجباً فهو المطلوب و إلاّ لزم أن ينتهي إليه؛ لبطلان الدور و التسلسل.

أما بطلان الدور فلأنه تقدم الشيء علي نفسه و معناه وجود الشيء قبل وجوده و هو محال لأنه اجتماع النقيضين و أما بطلان التسلسل؛ فلأن جميع آحاد تلك السلسه ممكنة لذاتها و محتاحة في الوجود إلي الغير و تكثر الآحاد الممكنة لا يقلب الممكنات عن ذاتياتها كما أن تكثر آحاد الصفر لا يوجب انقلابها إلي الأرقام فالسلسلة المفروضة محتاجة في الوجود إلي موجد ليس

بممكن، بل هو واجب الوجود.

و يمكن أيضاً تقريب هذا البرهان بنحوٍ أخصر و هو أن يقال:

علة الممكن منحصرة في أربعة العدم و نفس الممكن و مثله و واجب الوجود و حيث أن الثلاثة الاُول باطلة بقي الأخير.

أما بطلان الأول: فلأن العدم لا يكون واجد اً لشيء حتي يعطيه. و أما بطلان الثاني: فلأن الشيء قبل وجوده ليس إلاّ عدماً و العدم لا يصلح للعلية كما عرفت و أما بطلان الثالث: فلأنه مثل نفس الممكن في الحاجة إلي الغير في الوجود فكيف يمكن له أن يوجد بدون انتهائه إلي الواجب و يعطي الوجود؟ ثم لا فرق في كون المثل شيئاً واحداً أوأشياء متعددة، منتهية؛ لأن حكم الأمثال فيما يجوز و فيما لايجوز واحد، فانحصر أن يكون العلة هو واجب الوجود و لعل قوله عزَّوجلّ: «إم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون» (1) يشير ألي ذلك.

و قد عرفت أن خلقة الممكن بدون استناده إلي الواجب المتعال ترجع إلي خلقته من العدم و من غير شيء، و هو محال فانحصر الأمر إلي استناد الخلقة إليه

- - - - - - -

1) الطور: 35.

23

تعالي حتي تكون الخلقة مستندة إلي شيء و هو حقيقة الوجود.

ثم لا يخفي عليك أن المستدل بهذا البرهان أراد إثبات أصل الواجب في مقابل من ينفيه رأساًً، و أما أن الواجب واحد أمتعدد مجرد أو مادي متحد مع صفاته أو غير متحد، فهذه مباحث محتاجة إلي الإثبات بالتدريج كما صرح الاُستاذ الشهيد المطهري قدّس سرّه في ذيل هذا البرهان (1).

نعم هذا البرهان كما يدل علي حاجة الممكن في حدوثه إلي المبدأ المتعالي، كذلك يدلّ علي حاجته إليه في بقائه؛ لاستمرار العلة و هي الإمكان الماهوي.

و أما

الشاني أي الإمكان الوجودي فقد ذهب إليه جملة من المحققين منهم المحقق السبزواري في منظومتة و شرحه (2) و تقريبه بأن يقال: إنا إذا نظرنا إلي الوجود العيني فهو لا يخلو عن أحد أمرين: إما هو واجب بمعني أنه في نهاية شدة الوجود الملازمة لقيامه بذاته و استقلاله بنفسه بحيث لا يشوبه عدم و لا نقص و يكون صرف الوجود الذي لا أتم منه. و إما هو ممكن بمعني أنه فقير و متعلق بالغير بحيث لا يستقل في شيء من وجوده عن الغير، بل هو مشروط و متقيد في أصل وجوده و كماله بالغير.

و ذلك أي انحصار الوجود في الوجوب و الممكن المذكورين لأن الوجوب أو الإمكان بالمعني المذكور شأن من الشؤون القائمة بالوجود و ليس الوجود خارجاً عنهما.

فحيننئذٍ نقول: فإن كان الموجود الخارجي هو الأول فهو المطلوب، و أن كان الثاني فهو لا ينفك عن وجود الواجب المتعال؛ لأن وجود المتعلق و الفقير

- - - - - - -

1) راجع شرح المنظومه: ج 2 ص 128.

2) راجع شرح المنظومه: ص 141 حيث قال في شرح قوله في الشعر «إذ الوجود ان كان واجباً فهو و مع الامكان قد استلزمه»: أو علي سبيل الاستقامة بأن يكون المراد بالوجود مرتبة من تلك الحقيقة فاذا كان هذه المرتبة مفتقرة الي الغير استلزم الغني بالذات دفعاً للدور و التسلسل.

24

بدون المتعلق عليه و المفتقر إليه خلف في تعلقه و فقره إليه و ربطه به و لا فرق فيما ذكر بين كون المتعلق و الفقير واحداً أو متعدداً، مترتباً أو متكافئاً، لأن الكلّ متعلق و فقير و ربط و لا ينفك عن المتعلق عليه و المفتقر إليه و عليه، ففرض

الدور أو التسلسل لرفع الحاجة إلي الواجب المتعالي لا يفيد؛ لأن مرجع الدور أو التسلسل إلي وجود المتعلق و الفقير و الربط بدون المتعلق عليه و المفتقر إليه المستقل بنفسه و هو خلف في التعلق و الفقير و عدم الاستقلال. فوجود الممكن بمعني الفقير و المتعلق لا ينفك عن الغني بالذات و المستقل بنفسه.

و إليه يشير شيخ مشايخنا الشاه آبادي قدس سره حيث قال: «إن نفس هذه الموجودات المحدودة روابط صرفة و ذواتها متعلقة كتعلق الأضواء و الشروق بذيها فإنك تشاهد انعدامها عند إنسداد الروازن يعني أن إنسدادها عدمها كما لا يخفي.

و يدل علي ذكرنا أن هذه الموجودات لا تكون نفسها قيومها و لالعالم ملكها حتي يبقي في الملك دائماً، كما قال تعالي: «إنك ميت و إنهم ميتون» (1) «أفئن مِتَّ فهم الخالدون» (2) و هكذا لايكون حافظاَ لخصوصيات وجوده من صفاته و أحواله كالحسن و الجمال و الصحه و الكمال و العزة و المال و كذلك الأمر في غير الإنسان، بل هو فيه أوضح من أن يخفي و إذا كان الأمر كذلك في الكل فاحكم بكون الكلّ فقراء، فذواتهم تدل علي حاجتهم و فقرهم و بفطرة الفقير بالذات تثبت الغني بالذات» (3).

و كيف كان، فالحد الوسط في هذا البرهان هو الإمكان الوجودي و يمكن تقريبه بوجهين آخرين مضياً في الإمكان الماهوي فراجع.

- - - - - - -

1) الزمر: 30.

2) الأنبياء: 34.

3) رشحات البحار: ص 204.

25

و لعلّ قوله تعالي: «يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله و الله هو الغني الحميد» (1) يشير إلي ذلك.

الثالث:

المعلولية: و تقريب هذا البرهان بأن يقال: لا شك في وجود الموجودات في الخارج فحينئذٍ نقول: إن هذه الوجودات كلّها

معاليل و كلّ معلول يحتاج إلي العلة فهذه الوجودات تحتاج إلي علة ليست بمعلولة و هو الحق المتعال.

أما أنها معاليل؛ فلجواز العدم عليها إذ لا يلزم من فرض عدمها محال و كلّ ما لايلزم من فرض عدمه محال فالوجود ليس بذاتي له، فإذا لم يكن الوجود ذاتياً له فترجح الوجود له من ناحية الغير و ليس المعلولية إلاّ ذلك.

هذا مضافاً إلي خلو الموجودات عن صفات الواجب، لأن من صفات الواجب هو أنه لا يشوبه النقص و العدم و لا يكون مركباً و لا يحتاج إلي شيء و لا يكون محدوداً بحدود و لا متقيداً و لا شرط و لا سبب، بل هو عين الكمال و عين الوجود و بسيط و مطلق من جميع الجهات، و لا حاجة له إلي شيء من الأشياء.

و هذه الاُمور ليست في الموجودات الخارجية فإنها مشوبة بالنقص و العدم لأنّ كلّ واحد منها محدود بحد و مرتبة و لا يكون واجداً لساير المراتب و مركبة بالتركيب الخارجي أو التركيب الذهني من الجنس و الفصل و متقيدة بأسبابها و شرائطها و محتاجة في وجودها و بقائها إلي الغير فليست الموجودات إلاّ المعلولات. هذا كلّ الكلام في ناحية الصغري.

و أما الكلام في ناحية الكبري فهو واضح إذ لو لم يحتج المعلول إلي العلة لزم الخلف في المعلولية أو الترجح من غير مرجح و كلاهما محال.

- - - - - - -

1) فاطر: 15.

26

و ينتج من المقدمتين أن الموجودات محتاجة إلي العلة؛ لكونها معلولات و العلة هي الواجب المتعالي و إلاّ بقيت المعلولات بدون العلة؛ لأن المفروض أن جميعها معلولات و تفكيك المعلولات عن العلة محال، و لا فرق فيما ذكر بين أن تكون

الموجودات مترتبات أو غير مترتبات، ففرض الدور أو التسلسل لا يفيد في هذا المجال أيضاً كما لا يخفي.

الرابع:

الضرورة و الوجوب و المراد من ذلك أن الشيء ما لم يجب لم يوجد و وجوب الشيء لا يحصل إلا بسد أنحاء عدمه و لا يسد أنحاء عدمه إلاّ به وجود علته التامة؛ لأنه ممكن بالذات و الممكن بالذات لا يقتضي الوجود كما لا يقتضي العدم. فاذا فرض أن وجود شيء مشروط بألف شرط، فلا يمكن وجوده إلاّ باجتماع شروطه و تحقق علته، فإذا فقد شرط من بين هذه الشروط، لا يجب وجوده و لا يوجد، فإذا تحققت الشروط و وجب وجوده به وجد، فوجود الممكن مسبوق بضرورة الوجود رتبة و ضرورة وجود الممكن قبل وجوده حاكية عن وجود علته، إذ بدونها لا وجود و لا ضرورة له.

و هذا الحكم لا يختص به وجود دون وجود، بل يشمل جميع الموجودات سواء كانت مترتبة أم غير مترتبة؛ لأن السلسلة المترتبة الممكنة بالذات ما لم يجب وجودها لم توجد، و لا يجب وجودها إلاّ به وجود علة مستقلة ليست بمعلولة و بدونها لايجب وجود السلسلة؛ لأنها ممكنة بالذات و مادام لم يجب وجودها لم توجد و حيث كانت الموجودات موجودة بالعيان فعلم أنها وجبت قبل وجودها رتبة، فوجوبها و ضرورتها ليس إلاّ به وجود علة مستقلة ليست بمعلولة و هو الواجب تعالي.

و يمكن تقرير هذا البرهان بصورة اُخري و هي أن يقال: إن وجود النظام الإمكاني مسبوق بضرورة الوجود له و وجوبه و إلاّ لم يوجد، و الممكن ليس له ضرورة الوجود و وجوبه إلاّ بالواجب الوجود بواسطة أو بدونها. فوجوب النظام

27

الإمكاني و ضرورته قبل وجوده لا يكون إلاّ به

وجود الواجب المتعال و هو المطلوب. ففي هذا البرهان يكون الحد الوسط هو الضرورة و وجوب الممكن بالغير التي هي من أحكام المعلولية.

و هذا البرهان من عوالي الادلة و البراهين و كذلك قال الاُستاذ الشهيد المطهري: إن هذا البرهان من البراهين التي في عين كونها دليلاً علي وجود الواجب، تكون برهاناً علي امتناع التسلسل أيضاً و لذا ذكره الخواجة نصير الدين الطوسي قدّس سره في متن التجريد دليلاً علي امتناع التسلسل و استدل به صدر المتألهين قدّس سرّه لوجود الواجب من دون حاجة إلي ابطال التسلسل قبله (1).

و لعل إليه يؤول ما حكي عن الفارابي من أن الممكن سواء كان واحداً أو متعدداً، مترتباً أو متكافئاً لا يقتضي وجوب الوجود فلابد في وجود الممكن المترتب علي وجوبه من موجود واجب بالذات (2).

و إليه يشير أيضاً ما حكي عن المحقق الطوسي قدّس سرّه حيث قال: إنه لو لم يكن الواجب موجوداً لم يكن لشيء من الممكنات وجود أصلاً، و اللازم كالملزوم في البطلان و بيان الملازمة أن الموجود يكون حينئذٍ منحصراً في الممكن و ليس له وجود من ذاته كما تقدم، بل من غيره، فإذا لم يعتبر ذلك الغير لم يكن للممكن وجود و إذا لم يكن له وجود لم يكن لغيره عنه وجود؛ لأن إيجاده للغير فرع وجوده لاستحالة كون المعدوم موجداً (3).

الخامس:

الحدوث و التغير و تقريب ذلك أن العالم متغير و كل متغير حادث فالعالم حادث، مفتقر إلي محدث، ليس بجسم و لا جسماني و هو الواجب تعالي،

- - - - - - -

1) اصول فلسفه: ج 5 ص 100.

2) تعليقة علي نهاية الحكمة: ص 415.

3) اللوامع الالهية: ص 70.

28

دفعاً للدور و التسلسل.

أما الصغري

فهي واضحة بعد ظهور التغيرات في الأشياء المادية، فإنها لا تزال في تبدل من صورة إلي صورة و من كيفية إلي كيفية و من حال إلي حال، و لا شيء في العالم المادي إلاّ و هو متبدل و متغير، بل المادة تتغير و تتبدل إلي الطاقة و هي إلي المادة كما لا يخفي.

قال الاُستاذ الشهيد المطهري قدّس سرّه: كل موجود من الموجودات المحسوسة المادية متغير و متبدل، و لا يبقي في حال واحد؛ لأنه إما في حال التكامل و الرشد و إما في حال الانكسار و الضعف، كما يكون أيضاً في حال المبادلة المستمرة؛ لأنه إما يأخذ و إما يعطي و يأخذ و يعطي و ليس موجود باقياً علي حالة واحدة (1).

أما الكبري فهي أيضاً واضحة، فإن كل صورة و كيفية و حال متبدلة، مسبوقة بالعدم و حادثة فالمقدمتان تنتج أن العالم حادث مفتقر إلي محدث ليس كذلك، لما قرر في محله من بطلان الدور و التسلسل في ناحية العلل.

و هذا الاستدلال و إن كان صحيحاً و لكن إثبات الواجب به يتوقف علي ضميمة البراهين السابقة، فإن غاية التقريب المذكور هو أن محدث التغيير ليس بجسم و لا بجسماني و أما الواجب فلا يثبت به إلاّ إذا انتهت بالبراهين السابقة إلي الواجب تعالي.

السادس:

النظم و التناسب و تقريب ذلك و من الواضح ان النظم هو عمل منظوم لغرض صحيح كخلقة آلة السميع للاستماع و آلة اللسان للتكلم و هكذا و التناسب هو مناسبة الاعمال المنظومة بعضها مع بعض في ترتب الغاية المترتبة عليها لتباسب الايدي و الارجل أو تناسب الاسنان بالنسبة إلي الغاية المترتبة

- - - - - - -

1) جهان بيني: ج 2 ص 34.

29

عليها

و من الواضح ان النظم و التناسب بالمعني المذكورأمر يراه كل ذي لب في اجزاء العالم أو الأشياء بعضها مع بعض، يكفيك ما تراه في بدنك من القلب و السمع و البصر و جهاز الهاضمه و جهاز التناسل و التوالد و العروق و العظام و ما تحسه من القوي المودعة في نفسك من الإحساس و التحفظ و التعقل و غير ذلك من الاُمور العظيمة الفخيمة التي لا تنقضي عجائبها و لا ينال الإنسان بعظمتها و أهميتها، إلاّ أذا فقدها.

ثم إن النظم و التناسب لاسيما إذا كان متعدداً و مستمراً لا يصدر إلاّ من ذي شعور عالم حكيم و لذا يطمئن الإنسان به وجود البناء إذا رأي داراً مجهزة بالأجهزة اللازمة و هكذا به وجود الصانع إذا رأي سيارة مجهزة بالاجهزة اللازمة، و لا يصغي بإحتمال الصدفه؛ لضعقه إلي حد يعجز عن حسابه الإنسان بحساب الاحتمالات، بل الفعل لامتقن المنظم المتناسب المكرر المستمر لا يسانخ الصدفة الفائدة للشعور، كما لا يخفي.

سأل زنديق من الإمام الصادق عليه السلام مالدليل علي صانع العالم؟ فقال أبوعبدالله

عليه السلام: وجود الأفاعيل التي دلت علي أن صانعها صنعها ألاتري أنك إذا نظرت إلي بناء مشيد مبني علمت أن له بانياً و أن كنت لم تر الباني و لم تشاهده (1).

فإذاعرفت ذلك ظهر لك أن للنظم و التناسب المشاهد في أجزاء العالم ناظماًشاعراًوعالماًو حكيماصمطلقاً و هو الله تعالي؛لأن الحكمة في الخلق كثيرةعظيمةلا تسانخ إلاّ للواجب «إنّفي خلق السموات و الارض و اختلاف الليل و النهار و الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس و ما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها و بثّ فيها من كل دابة و

تصريف الرياح

- - - - - - -

1) بحار: ج 3 ص 29.

30

و السحاب المسخر بين السماء و الارض لايات لقوم يعقلون» (1).

السابع:

المحدودية، تقريب ذلك أن كلّ موجود من ممكنات العالم محدود بحدود و كلّ محدود له حاد، فالعالم الإمكاني له حاد غير محدود و هو صرف الوجود، دفعاّ للدور و التسلسل.

أما الصغري؛ فلإن كلّ شيء من أشياء العالم الإمكاني صغيرها أو كبيرها حمادها أو نباتها أو حيوانها محدودة بالحد المكاني و الزماني و غيرهما من الكيفيات و الخصائص و لذا لا وجود له في خارج الحد لامكاني أو في خارج الحد الزماني أو نحوهما. نعم بعضها بالنسبة إلي بعض آخر أعظم أو أطول أو أدوم، و لكن كلّها محدودة بالحدود المذكورة، بل المجردات أيضاً محدودة بحد مراتب الوجود و أسبابها و عدمها.

و أما الكبري؛ فلإن كلّ محدودية من أي نوع كانت آتية من ناحية غير المحدود، لا من ناحية نفسه و إلاّ لكان الاُمر بيده، مع أن المعلوم خلافه. هذا مضافاً إلي أنه يلزم منه مساواة كلّ محدود مع غيره في الحدود؛ لاشتراكهم في حقيقة الوجود فالحدود في المحدودات آية المقهورية و المعلولية و لزم أن تنتهي الي من ليس له حد من الحدود، بل هو صرف الكمال و الوجود و ليس هو إلاّ الله تعالي اللذي عبر عنه في الكتاب العزيز بالصمد و القيوم و الغني.

و يمكن تقريب البرهان المذكور بوجه آخر و هو أنه لا إشكال في وجود الموجودات في الخارج فإن كان مطلقاً و صرفاً و محض الوجود فهو المطلوب و إلاّ استلزمه؛ لأن لكل محدود حاداً للدور و تسلسل.

و قال صدر المتألهين في شرحه علي اصول الكافي: كلّ محدود له

حد معين، إذ المطلق بما هو مطلق (في عالم الخلق) لا وجود له في الخارج، فيحتاج إلي علة

- - - - - - -

1) البقرة: 164.

31

محدودة قاهرة إذ طبيعة الوجود لا يمكن أن تكون مقتضية للحد الخاص و إلاّ لكان كلّ موجود يلزمه ذلك الحد و ليس كذلك فثبت أن الحد للوجود من جهة العلة المباينة، فكل محدود معلول لا محالة، فخالق الاشياء كلّها يجب أن لا يكون محدوداً في شدة الوجود و إلاّ لكان له خالق محدد فوقه و هو محال (1).

و قال العلامّة الطباطبائي قدس سره: كل حقيقة من حقايق العالم فرضت فهي حقيقة محدودة؛ لأنها علي تقدير و فرض وجود سببها كانت موجودة و علي تقدير و فرض عدم سببها كانت معدومة ففي الحقيقة لوجودها حد و شرط معين ليس لها وجود في خارج ذلك الحد و الشرط المعين و هذا الأمر جارٍ في كل شيء عدا الله سبحانه و تعالي حيث أنه ليس له حد و نهاية، بل هو حقيقة مطلقة و موجود علي كلّ التقادير و ليس متقيداً بشرط و لا سبب و لا يكون محتاجاً إلي شيء (2) و لذا قال أمير المؤمنين عليه السلام في توصيفه تعالي: «فلا إليه حد منسوب» (3) و خاطب الإمام علي بن الحسين عليهما السَّلام ربه في دعائه بقوله: «أنت الذي لا تحد فتكون محدوداً» (4) و في توقيع محمد بن عثمان ابن سعيد عن مولانا الحجة بن الحسن المهدي عليهما السَّلام جاء في ضمن الدعاء: «يا موصوفاً به غير كنه و معروفاً به غير شبه حادَّ كل محدود» (5). فحد الوسط في هذا البرهان هو المحدودية و هي من خصوصيات المعلول اللازمة

له إذ لا يمكن ان يوجد معلول بدونها.

الثامن:

التدبير و الهداية و تقريبه هو أن من تأمل في النظام العالمي يري

- - - - - - -

1) شرح الاُصول من الكافي: ص 332.

2) شيعه در إسلام: ص 71.

3) بحار الأنوار: ج 4 ص 222.

4) الصحيفة: الدعاء 47

5) مفاتيح الجنان: أدعية أيام شهر رجب ص 135.

32

مضافاً إلي النظم و التناسب الموجود فيه أنه تحت تدبير شاعر حكيم بحيث يهدي كلّ موجود إلي وظائفه بالهداية التكويبية و الغريزية، فالنحل و النمل و غيرهما من الحيوانات البرية و البحرية تعرف وظائفها من بناء محلها و مسكنها و ذهابها إلي موطن ارتزاقها و إيابها إلي مأواها و غير ذلك مما يطول الكلام و هذه الوظائف دقيقة جداً بحيث إذا تأملناها نجدها عجيبة جداً، يكفيك كيفية ارتزاق النحل عن الزَهْر و عودها إلي محلها و تبنية المسدسات، حتي تملأها بالعسل و كيفية تنظيم اجتماعاتها بالمقررات اللازمة و غيرها، فهذه الامور كلها تحت تدبير و هداية و من وراء ذلك هو تدبير اُ مورها علي نحوٍ يحصل للإنسان ما يلزمه في تعيشه و حياته و هذا المدد غير المرئي علي الدوام لا يختص بالحيوانات، بل يهدي كلّ شيء إلي وظائفه، كما أشار إليه في القرآن الكريم قال: «ربنا الذي أعطي كلّ شيءٍ خلقه ثم هدي» (1) «والذي قدّر فهدي» (2) «ثم استوي علي العرش يدبر الأمر» (3).

و هكذا الفعل و الانفعال الحاصل في بدن الإنسان يهتدي بهذه الهداية و عليك بالتأمل حول دفاع البدن نحو الجراثيم و الميكروبات الخارجية المهاجمة التي أرادت تخريب البدن و غير ذلك من الامور العجيبة جداً.

هذا مضافاً إلي ما رأيناه في اُمورنا من مبدأ الولادة إلي آخر عمرنا

من التدبيرات الخفية التي يجدها كل أحد في تعيشه الشخصية لو تأمل حولها حق التأمل من تقدير الرزق و تهيئة أسبابه و تقدير الأزواج و تهيئة مقدماته و بعض المنامات و غير ذلك من الاُمور كامداد الحق و ابطال الباطل طيلة التاريخ.

ثم إن التدبير و الهداية سيما إذا كان مستمراً و شايعاً ليس إلاّ أثر الشاعر العالم فالعالم تحت تدبير عالم شاعر و حيث ان ذلك أثر عظيم فلا يسانخ إلاّ

- - - - - - -

1) طه: 50.

2) الاعلي: 3.

3) يونس: 3.

33

للواجب المتعالي و ان أبيت عن ذلك فهو لا محالة ينتهي إلي الواجب بالبراهين السابقة أو يكون من منبهات الفطرة التوحيدية، فالعالم تحت تدبير الله تعالي الحكيم المتعال.

هذه جملة من محكمات الأدلة الدالة علي إثبات المبدأ المتعال و كلّها عدا دليل الفطرة أدلة عقلية بعضها بديهي و البعض الآخر نظري و كيف كان فكلّها منبهات بالنسبة إلي ما تسوق إليه الفطرة من المعرفة القلبية نوّر الله قلوبنا بنور الإيمان و ثبتنا عليه إلي يوم لقائه.

الأمر الثاني: في بيان أنواع صفاته تعالي

الأمر الثاني: في بيان أنواع صفاته تعالي

الأمر الثاني: في بيان أنواع صفاته تعالي

و لا يخفي عليك أن مقتضي الأدلة السابقة الدالة علي إثبات المبدأ المتعال هو أنه تعالي واجب الوجود و مطلق و صرف، فإذا كان كذلك فخصائص الممكنات مسلوبة عنه؛ لمنافاتها مع وجوب وجوده و إطلاق كماله، فإذا كانت الخصائص المذكورة منفية عنه، فواضح أنه ليس بجسم و لا مركب و لا مرئي و لا صورة و لا جوهر و لا عرض، كما أنه لا ثقل و لا خفة و لا جهة و لا قيد و لا شرط و لا حركة و لا سكون و لا نقصان

و لا مكان و لا زمان له؛ لأن كلّ هذه الاُمور من لوازم الإمكان و المحدودية و خصائصها، و بالآخرة هذه السوالب تستلزم اتصاف ذاته بالصفات الكمالية، فإن سلب أحد النقيضين في حكم إثبات النقيض الآخر و إلاّ لزم ارتفاع النقيضين و هو محال.

فاذا كمان المبدأ المتعالي مسلوباً عنه النقائص و العيوب، فهو لامحالة يكون صرف الوجود و صرف الكمال و غنياً و مستقلاً في ذاته و ثابتاً و مطلقاً و واجداً لجميع الأوصاف الكمالية و إلاّ لزم المحدودية و هي من خصائص الممكنات.

فالأدلة الدالة علي إثبات المبدأ تدل بالإجمال علي الصفات السلبية و الثبوتية أيضاً. هذا كلّه بيان إجمالي للصفات و أما تفصيلها فهو بأن يقال:

34

إن الصفات علي قسمين: ثبوتية و سلبية.

أما الثبوتية:

فهي أيضاً علي قسمين: صفات الذات: و هي التي يكفي في انتزاعها ملاحظة الذات فحسب و صفات الفعل: و هي التي يتوقف انتزاعها علي ملاحظة الغير و إذا لا موجود غيره تعالي إلاّ فعله فالصفات الفعلية، هي المنتزعة من مقام الفعل: فمن الأول حياته تعالي و علمه بنفسه و من الثاني الخلق و الرزق و الغفران و الإحياء و نحوها.

و ربما قيل في الفرق بين الصفات الذاتية و الصفات الفعلية: إن كلّ صفة لا يجوز اجتماعها مع نقيضها و لو بالاعتبارين فيه تعالي فهي ذاتية و كلّ صفة يجوز اجتماعها مع نقيضها فهي فعلية كالغافر فإنه تعالي غافر بالنسبة إلي المؤمنين و لا يكون كذلك بالنسبة إلي المشركين. ثم إن الصفات الثبوتية الذاتية تكون من الصفات الكمالية؛ لأنها كمال للذات، دون الصفات الفعلية فإنها متأخرة عن رتبة الذات، فلا تصلح لأن تكون كمالاً له نعم هي ناشئة عن كمال ذاته تعالي كما

لا يخفي.

و كيف كان فقد ذكر المتكلمون أنه تعالي عالم، قادر، مختار، حي، مريد، مدرك، سميع، بصير، قديم، أزلي، باق، أبدي، متكلم و صادق. و لكن من المعلوم أن الصفات الثبوتية لا تنحصر في ذلك، بل تزيد عن ألف و ألف … كما يدل عليها الكتاب و السنة و الأدعية المأثورة كالخالق و الرب.

و الدليل الإجمالي علي إتصافه باالصفات الكمالية أنه كمال مطلق و صرف الوجود و كل الوجود و الكمال المطلق و صرف لا يمكن أن يسلب عنه كمال وجودي قط و إلاّ لزم الخلف في اطلاق الكمال و صرفيته.

و أما الصفات السلبية:

فهي كل صفة لا تليق بجنابه تعالي و لا تنحصر فيما ذكر في علم الكلام و الفلسفة من أنه تعالي ليس بمحدود و لا بمركب و ليس بجسم و لا بمرئي و لا جوهر و لا عرض و لا يكون في جهة و لا يكون متقيداً بحد

35

و شرط و لا يصح عليه اللذة و الألم و لا ينفعل عن شيء و لا يكون له كفؤ و لا شريك و ليس بمحتاج إلي غيره لا في ذاته و لا في صفاته و لا يفعل القبيح و لا يظلم و غير ذلك من الاُمور التي لا تليق بجنابه تعالي.

و الدليل الإجمالي علي تنزيه تعالي عنها، هو ما عرفت من أن المبدأ المتعال واجب الوجود و لا حد و لا نقص و لا حاجة له، بل هو عين الغني و الكمال و كل هذه الصفات من التركيب و غيره نقص وحد و حاجة و عجز لا سبيل لها إليه تعالي و تكون مسلوبة عنه و نفيها عنه تجليل له تعالي و لذا سميت هذه السوالب بالصفات

الجلالية، كما أن الصفات الثبوتية الذاتية الدالة علي كمال الذات تسمي بالصفات الكمالية.

ثم إن هذه الصفات ترجع بعضها إلي بعض، أو يكون بعضها من لوازم البعض كالعلم و القدرة بالنسبة إلي الحياة، إذ وجودهما بدونها غير ممكن؛ لأنهما من آثارها و لذا تعرف الحياة بهما و يقال: إن الحي هو الدراك الفعال، فإذا ثبت العلم و القدرة ثبتت الحياة قهراً و لا حاجة في إثباتها إلي دليل آخر و كالمدرك و السميع و البصير، فإنها ترجع إلي العلم بعد استحالة حاجته إلي الآلات و الحواس، فإدراكه تعالي بالنسبة إلي المدركات المحسوسة هو علمه بها و لا مجال لتأثر الحاسة فيه تعالي و عليه فمعني كونه سميعاً أو بصيراً أنه عالم بالمسموعات أو عالم بالمبصرات و لعل ذكر ذلك بالخصوص لإثبات علمه تعالي بالجزئيات و أيضاً يرجع كونه قديماً، أزلياً، باقياً و ابدياً، إلي أنه واجب الوجود فإنها من اللوازم البديهية لوجوب وجوده تعالي، إذ يستحيل العدم السابق و اللاحق عليه بعد فرض كون وجوده واجباً و أيضاً ترجع الإرادة و الكراهة الذاتيتين إلي علمه تعالي بما في الفعل من المصالح و المفاسد علي المشور.

و أما علي غير المشهور فهما بمعناهما بعد تجريدهما عما لايناسب ذاته تعالي من التروي و التأمل و طرو نقصه و غير ذلك من الحلقات. كما أن الإرادة قد تطلق

36

بمعني الإحداث من دون حاجة الي التروي و التأمل و نحوهما فالإرادة حينئذٍ من صفات الأفعال لا الذات.

و هكذا الصفات السلبية ترجع بعضها إلي بعض، إذ نفي الرؤية يرجع إلي نفي الجسمية عنه، إذ من لا يكون جسماً لا يكون مرئياً و هكذا نفي الجسمية و الجوهرية و العرضية يرجع إلي نفي التركيب،

سواء كان تحليلياً أو خارجياً و هكذا نفي التركيب و نفي الانفعال و الحركة و الإشتداد و نفي الجهة و نفي المكان و نحوها من لوازم نفي الحد و الحاجة و الافتقار، عنه.

و أما بقية الصفات السلبية كنفي الظلم و القبيح و نفي الشريك و الكفؤ و المثل فهي و إن أمكن إرجاعها إلي نفي الحد و الافتقار، و لكن فيها مباحث نافعة تليق بذكرها منفردة.

و علي ما ذكر فالأولي هو البحث في الصفات الثبوتية عن علمه و قدرته و نحوهما مما يتضح بوصوحهما غيرهما و اما التكلم فهو من صفات الأفعال و بمعني إحداث الكلام و توهم الكلام النفسي القديم لذاته تعالي وراء العلم و القدرة و غيرهما من الصفات الذاتية فاسد جداً؛ لعدم تعقل شيء قديم وراء علمه تعالي، فلا ينبغي إطالة الكلام فيه كما أن الأولي هو البحث في الصفات السلبية عن وحدته و عدم كفوء و مثلٍ و شريك و ضدٍ له تعالي و عن كونه لا يفعل الظلم و القبيح و أما البواقي فتكفيها الإشارة المذكورة.

الأمر الثالث: في علمه تعالي

الأمر الثالث: في علمه تعالي

و لا يخفي عليك أن مقتضي صرفيته تعالي أنه لا يعزب عن علمه شيء من الاُمور؛ لأن الجهل بشيء فقدان و نقص و هو ينافي اللاحدية الثابتة لذاته تعالي. هذا مضافاً إلي أن النظم و التناسب و غيرهما من الاُمور التي تحكي عن علم و حكمة يدل علي علم الناظم و حكمته و إن كان لا يخلو الاستدلال به عن شيء

37

و هو أنه يثبت العلم و الحكمة بقدر ما يكون أثرهما موجوداً في الموجودات و هو بالآخرة محدود بمحدودية الموجودات و المطلوب هو إثبات غير المحدود من العلم له تعالي.

اللهم إلا إن يقال: إن النظر إلي الدقائق و الحكم المودعة في النظام يوجب الحدس القطعي علي أن هذه آثار من لا نهاية لعلمه و حكمته. ثم إن مقتضي الدليل الأول أزلية علمه بتبع أزلية صرفيته و أما الدليل الثاني فلا يدل عليه إلا ببيان زائد و هو كما قال آية الله الميرزا أحمد الآشتياني قدس سرّه: إن ملاحظة الحكم و الدقائق المودعة في النظام تثبت علمه تعالي بالأشياء الموجودة قبل وجودها و حيث أن التغيير في ذاته و صفاته غير معقول؛ لأنه في قوة النقص و العجز فعلمه بها قبل وجودها كان من الأزل (1).

و يدل عليه أيضاً إنا نجد أنفسنا عالمين بذاتنا علماً حضورياً و هذا العلم ينتهي إلي الله تعالي؛ لأنه عطاء من ناحيته كأصل وجودنا و معطي الشيء لا يكون فاقداً له، فهو تعالي عالم بذاته و حيث كان الله تعالي علة لكل شيء فالعلم بذاته بما هو عليه علم بكونه مبدأ و لكونه علة لجميع معلولاته، و من المعلوم أن العلم بحيثية المبدئية للعلية المتحدة مع ذاته لا ينفك عن العلم بمعلولاته (2).

و هنا وجه آخر مذكور في محله (3).

هذا كله بالنسبة الي علمه في مرتبة الذات.

و له علم آخر في مرحلة الفعل و هو عين الفعل، إذ حقيقة العلم هو كشف

- - - - - - -

1) چهارده رسالهء فارسي ميرزا احمد آشتياني: 85 - 86.

2) راجع شرح الاصول من الكافي لصدر المتألهين: ص 160 و گوهر مراد للمحقق اللاهيجي: ص 186 - 188 و شرح التجريد الطبعة الحديثة: ص 285 و دررالفوائد: ج 2 ص 31.

3) راجع نهاية الحكمة: ص 254، و درر الفوائد: ج 1 ص 485

- 487 و چهارده رسالهء فارسي ميرزا احمد آشتياني.

38

الشيء للشيء و ليس سببه إلاّ حضور الشيء للشيء، فكل فعل و معلول لكونه حاضراً عند علته فهو مكشوف و معلوم له و هذا العلم الفعلي يتجدد بتجدد الفعل، بخلاف علمه في مرتبة الذات، فإنه عين ذاته و لا تجدد فيه أصلاً.

و مما ذكر ينقدح فساد ما يتوهم من استحالة علمه بالجزئيات الزمانية بدعوي أن العلم يجب تغيره عند تغير المعلوم و إلاّ لانتفت المطابقة، لكن الجزئيات الزمانية متغيرة فلو كانت معلومة الله تعالي لزم تغير علمه تعالي و التغير في علم الله تعالي محال (1).

و ذلك؛ لما عرفت من أن الله تعالي علمين، أحدهما: الذاتي و هو لا يتغير بتغير المتغيرات فإنه في الأزل كمان عالماً بكل متغير أنه حدث في زمان خاص بكيفية خاصة و لا يتخلف شيء عن هذا العلم و يقع كما هو معلوم عند ربه و لا يحصل تغير في علمه أصلاً و علمه في الأزل به وجود المعلول في زمان خاص لايوجب كونه موجوداً في الأزل بوجوده الخاص به و إلاّ لزم الخلف في علمه، فكل شيء واقع كما علم فلا تغير في العلم، بل التغير و الحدوث في المتغير و الحادث و العلم بالمتغير ليس بمتغير، إذ حكم ذات المعلوم لا يسري إلي العلم، كما أن العلم بالحركة ليس بحركة، و العلم بالعدم أو الإمكان ليس عدماً و لا إمكاناً و العلم بالمتكثر.

و ثانيهما: هو العلم في مرحلة الفعل و هو عين الفعل؛ لأن المراد من العلم الفعلي هو حضور الفعل بنفسه عندالله تعالي، كما أن الصور المعقولة و الذهنية حاضرة عندنا بنفسها و علمنا به عينها، فالتغير في هذا

العلم لابأس به؛ لأنه يرجع إلي تغير في ناحية الفعل لا في ناحية الذات و المحال هو الثاني كما لا يخفي.

- - - - - - -

1) شرح التجريد الطبعة الحديثة: ص 287 نقل ذلك عن المتوهم.

39

و لذا صرح المحقق الطوسي قدّس سرّه في تجريد الاعتقاد بأن تغيير الإضافات ممكن (1).

و يظهر مما ذكرنا أنه لا إشكال في حدوث العلم في مرتبة الفعل، فإن المراد منه عين الفعل الحادث و بالجملة الفعل باعتبار صدوره منه معلوله و باعتبار حضوره عنده معلومه، و لا إشكال في حدوثه و بذلك انقدح أنه لا مانع من إثبات العلم الزماني لله تعالي، كما أشار إليه بعض الآيات الكريمة، منها قوله تعالي: «ولنبلونكم حتي نعلم المجاهدين منكم و الصابرين» (2) فإن ظاهره أن العلم يحصل بعد لاإمتحان و التمحيص، و منها قوله تعالي: «الآن خفف الله عنكم و علم أن فيكم ضعفاً» (3) فإن ظاهره هو الإنباء عن حصول العلم في الآن المذكور و غير ذلك من الآيات.

و الحاصل أن العلم الحادث في الآن أو الزمان الآتي حيث يكون عبارة عن عين الفعل، لا يستلزم حدوثه و تغيره شيئاً في ناحية العلم الذاتي كما لا يخفي (4) ثم لا يخفي عليك انه صرحت الآيات و الروايات وفقاً للادلة العقلية بتعميم علمه تعالي بجميع الاُمور حيث قال عزُّوجلّ: «و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها الاّ هو و يعلم ما في البر و البحر و ما تسقط من ورقة الاّ يعلمها و لا حبة في ظلمات الارض و لا رطب و لا يابس الاّ في كتاب مبين» (5).

و قال مولانا امير المؤمنين عليه السَّلام: «يعلم عجيج الوحوش في الفلوات

- - - -

- - -

1) راجع نهاية الحكمة: ص 254 و راجع تعليقة النهاية: ص 444 سيما ما نقله عن المحقق السبزواري في تعليقته علي الاسفار و كشف المراد: ص 287.

2) محمّد: 31.

3) الانفال: 66.

4) راجع مجموعه معارف قرآن: 1 - خداشناسي ص 287 - 293.

5) الانعام: 59.

40

و معاصي العباد في الخلوات و اختلاف النينان في البحار الغامرات و تلاطم الماء بالرياح العاصفات» (1).

الأمر الرابع: في قدرته و اختياره

الأمر الرابع: في قدرته و اختياره

القدرة هي تمكن الفاعل العالم بما في الفعل أو الترك من المصلحة أو المفسدة من الفعل و تركه و القادر هو الذي إذا شاء أن يفعل فعل، و إذا شاء أن يترك ترك، مع الشعور و العلم بما فيه من الخير الذي يدعوه نحوه، فالقدرة قد تكون في مقابل العجز فإن من لم يصدر عنه فعل لفقده إياه، عاجز عنه، بخلاف من يمكن صدوره منه فإنه قادر بالنسبة إليه و قد تكون القدرة في مقابل الإيجاب فمن أمكن له الفعل و الترك فهو قادر، بخلاف من لم يمكن له الترك، فإنه موجب كالنار بالنسبة إلي الإحراق. ثم إن صدور الفعل أو تركه عن الانسان أو ذي شعور آخر يحتاج إلي مرجح و هو لا يكون بدون العلم و الشعور و عليه فالعلم و الشعور من مباديء الفعل أو الترك و إن كان في مرتبة من الضعف فالقدرة لا تطلق إلاّ إذا كان للعلم و الشعور مبدئية في ظهور الفعل أو تركه، فلذا لا تطلق القدرة علي القوي الطبيعية.

ثم إن هذه القدرة من الكمالات الوجودية و يدل علي إتصاف ذاته تعالي بها اُمور:

منها: صرفية وجوده بحيث لا يشذ عنه كمال من الكمالات الوجودية و إلاّ لزم الخلف في صرفيته.

و

منها: إنا نجد في أنفسنا القدرة و هي كسائر المعاليل منتهية إليه تعالي، فهو واجد لأعلاها، فإنه في رتبة العلة بالنسبة إلي غيره من الموجودات و معطي

- - - - - - -

1) بحار الأنوار: ج 4 ص 92.

41

الشيء يستحيل أن يكون فاقداً له كما لا يخفي.

هذا مضافاً إلي أن مشاهدة آثاره و تدبيره في النظام و الاختلاف المشاهد في هبة الولد أو المال و نحوهما لفرد دون فرد مع أنهما متعاكسان في القابلية و الاستعداد و هكذا في طول العمر و الامكانيات و غير ذلك من الاُمور يحكي عن كون أزمة الاُمور طراً بيده قدرته و أنه يفعل ما يشاء.

ثم إن تقريب أزلية القدرة كالتقريب الماضي في أزلية العلم فلا نعيد.

ثم إن مقتضي اشتمال القدرة علي العلم و الشعور بما في الفعل أو الترك و مبدئيتهما هو عدم انفكاك القدرة عن الاختيار، إذ ترجيح أحد الطرفين من الفعل أو الترك لا يمكن بدون الاختيار و الإرادة و لذلك نبحث عن الاختيار و الإرادة فيما يلي:

و أما الاختيار فهو بمعني الترجيح في أحد الطرفين من الفعل أو الترك و إرادته مع العلم بما فيها و هو في أفعالنا موقوف علي التأمل حول الفعل أو الترك، حتي يحصل العلم به وجود المصلحة و إرتفاع المفسدة فيه و ربما يحتاج إلي مضي زمان و مدة، كما إذا كان التأمل نظرياً، فالاختيار ربما يتأخر في مثلنا عن القدرة، و لكن فيه تعالي حيث كان العلم به وجود المصلحة و إرتفاع المفسدة حاصلاً و مقارناً مع قدرته من دون حاجة إلي روية أو تأمل، فلا يتأخر عن القدرة بحسب الزمان. نعم لو كان الراجح أمراً زمانياً مختصاً بزمان خاص،

لا يتحقق الراجح إلاّ في ظرف زمانه؛ لأنه راجح فيه دون غيره، و لكن اختياره و إرادته تعالي إياه من الأزل و ليس بحادث.

و كيف كان فالدليل عليه واضح مما مر، حيث إن فقدان الاختيار بالمعني المذكور يرجع إلي صدور الفعل أو الترك عنه بلا دخل له تعالي فيه، كالقوي الطبيعية، بل ينتهي إلي سلب صدق القدرة عليه؛ لأن القوي الطبيعية العاملة العادمة للشعور و العلم الموثر، لا تسمي قادرة. ففقدان الاختيار نقص و هو

42

يتنافي مع كونه صرف الكمال كما مر مرات عديدة، هذا مضافاً إلي أن ملاحظة النظام و تناسب كل واحد منه مع آخر و ترتب الغايات الراجحة علي وجودها، توجب العلم القطعي بأن الله تعالي لم يخلقها إلاّ لترجيح وجودها علي عدمها، لترتيب الغايات الراجحة عليها، بحيث لولاها لما أوجدها (1) فهو تعالي قادر لا عاجز و مختار في فعله و ليس بموجب.

ثم إن أرادة و الإختيار بالمعني المذكور لا تنافي مادل من الاخبار علي أن إرادته تعالي إيجاده و إحداثه؛ لأن النفي في تلك الأخبار إضافي لا حقيقي و إنما النظر فيها إلي العامة الذين يقولون بامكان الإرادة فيه تعالي مع مافيها من التأمل و التروي و حدوث الجزم و القصد و من المعلوم أن الإرادة مع هذه المقرونات محال بالنسبة إليه تعالي؛ لأنه عالم بجميع الاُمور و لا يحتاج الي التأمل و التروي و لا يكون معرضاً للعوارض و الطوارئ؛ و لذا نفت الأخبار المذكورة هذه الإرادة المقرونة و لا نظر لها إلي نفي الإرادة الخالية عن هذه الامور، فلا مانع من إثبات الإرادة المجردة عن الشوائب المذكورة للذات المتعال و من المعلوم أن الإرادة و الاختيار الخالية عن المقرونات

المذكورة من المعاني المدرجة في حقيقة قدرتة تعالي فافهم و اغتنم.

ثم إنه قد يستعمل الاختيار في مقابل الإكراه و الإضطرار، و لا إشكال و لا كلام في صدق المختار بهذا المعني علي الله تعالي؛ لإستحالة إنفعاله من غيره، فإن الإنفعال عين العجز و هو ينافي كونه صرف الكمال و غنياً مطلقاً كما لا يخفي.

ثم إن قدرته تعالي عامة و لا إختصاص لها بشيء، فإن الاختصاص أثر المحدودية و هو تعالي محيط علي كل شيء، و لا موجب بعد إحاطته و كماله

- - - - - - -

1) گوهر مراد: ص 180.

43

للإختصاص، فهو قادر علي كل شيء يمكن وجوده.

و أما المحالات فالنقص من ناحيتها لا من ناحيته سبحانه و تعالي و من المحالات هو: إن يخلق الله تعالي مثله لأن معناه أن يكون الممكن المخلوق واجباً و هو خلف. أما في الواجب: فإن اللازم بعد ذلك هو أن يكون المخلوق المماثل في عرضه لا في طوله و معه يصير الواجب محدوداً و هو خلف.

و أما في الممكن: فلأن لازم ذلك هو جعل الممكن واجباً و هو خلف في كون الإمكان ذاتياً له و منها أيضاً: أن يخلق حجراً يعجز عن رقعه نعوذ بالله فإنه خلف في صرفيته و إطلاق إحاطته.

هذا مضافاً إلي أن المعلول يترشح وجوده منه تعالي و العلة واجدة لمراتب المعلول بنحو الأشد و الأعلي، فكيف يعجز عن ناحية معلوله مع أنه لا إستقلال لمعلوله، بل هو عين ربط به تعالي و منها أيضاً: هو أن يدخل العالم مع كبره في بيضة مع صغرها و إلاّ لزم الخلف في صغرها أو كبره قال مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام في الجواب عن إمكان إدخال العالم في

البيضة مع ما عليها من الحجم: إن الله تبارك و تعالي لا ينسب إلي العجز و الذي سألتني لا يكون (1).

و بالجملة أن المحال لا يكون قابلاً للوجود و النقض من ناحية و أما غيره من الأشياء فهو بالنسبة إلي قدرته تعالي سواء، من دون فرق بين عظيمه و حقيره و كبيره و صغيره و قليله و كثيره، إن الله علي كل شيء قدير.

ثم إن قدرته تعالي غير متناهية و لتلك القدرة خصائص. منها: أن قدرته تعالي لا تنحصر علي المجاري العادية، بل له تعالي أن يجري الامور من طرق اُخري كالإعجاز و منها: أن إعمال القدرة من ناحيته تعالي لا يتوقف علي وجود شرط أو عدم مانع؛ لكونه تام الفاعلية و لعدم استقلال شيء في وجوده حتي

- - - - - - -

1) بحار الأنوار: ج 4 ص 143.

44

يمكن له أن يمنعه تعالي.

نعم قد يكون مصلحة شيء مترتبة علي شيء آخر أو مقرونة بالمفسدة المانعة و لعل إليه يؤول قوله تعالي «إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون» (1).

ثم في ختام

البحث عن العلم و القدرة نقول: إن عرفناهما حق المعرفة و اطمأننا بهما لم نذهب إلي معصية؛ لأنه عليم بفعلنا و لم نتوكل إلاّ عليه؛ لأنه يقدر علي كل شيء و هكذا تترتب عليها الاصول الاخلافية القيمة الكثيرة التي لا مجال للإشارة إليها.

الأمر الخامس: في توحيده تعالي

الأمر الخامس: في توحيده تعالي

الأمر الخامس: في توحيده تعالي

و قبل أن نستدل عليه، فليعلم أولاً أن التوحيد ينقسم إلي سبعة أقسام:

1 التوحيد الذاتي:

و المراد به هو المعرفة بأنه تعالي واحد لا ثاني له كما نص عليه الكتاب العزيز بقوله: «ولم يكن له كفواً أحد».

1 التوحيد الذاتي:

و المراد به

هو المعرفة بأنه تعالي واحد لا ثاني له كما نص عليه الكتاب العزيز بقوله: «ولم يكن له كفواً أحد».

2 التوحيد الصفاتي:

و المراد به هو المعرفة بأن ذاته تعالي عين صفاته، بل كل صفة عين الصفة الاخري من الصفات الثبوتية الذاتية الكمالية و سيجيء من المصنف قدس سره بأن الاعتقاد بالتوحيد الصفاتي يقتضي أيضاً الاعتقاد بأنه لا شبه له في صفاته الذاتية فهو في العلم و القدرة لا نظير له.

و أما نفي التركيب المطلق

و إثبات بساطته فقد مضي بيانه في الصفات السلبية و لا حاجة إلي إعادته في المقام.

3 التوحيد الأفعالي:

و المراد به هو المعرفة بأن كل ما يقع في العالم من العلل و المعلومات و الأسباب و المسببات و النظامات العادية و ما فوقها، يقع

- - - - - - -

1) النحل: 40.

45

بإرادته في حدوثه و بقائه و تأثيره، فكل شيء قائم به و هو القيوم المطلق، و لا حول و لا قوة و لا تأثير إلاّ به و بإذنه.

و هذا القسم يشمل التوحيد في الخالقية و الربوبية و الرازقية و نحوها من مظاهر الأفعال، و لا حاجة إلي ذكرها علي حدة كما لا يخفي.

ثم إن التوحيد في هذه الأقسام يكون من نوع المعرفة و يطلق عليه التوحيد النظري.

4 التوحيد التشريعي:

و المراد به هو المعرفة بأن التقنين حق الخالق و الرب؛ لأنه يعرف مخلوقاته و صلاحهم، فلا يجوز لغيره تعالي أن يقدم علي ذلك، فالأنبياء و الرسل نقلوا ما شرعه الله تعالي و لم يقدموا علي التشريع إلاّ فيما أذن لهم الله تعالي و هو أيضاً مستند إليه تعالي كما لا يخفي. ثم إن هذا القسم باعتبار يكون من أقسام التوحيد الأفعالي و لكن حيث

كان مورداً للإهتمام ذكرناه علي حدة.

5 التوحيد العبادي و الإطاعي:

و المراد به أنه تعالي مستحق للعبادة و الإطاعة لا غير و سبب ذلك هو التوحيد الذاتي و الأفعالي فهو تعالي لكونه واحداً كاملاً و خالقاً و رباً و لأن كل الاُمور بيده، دون غيره استحق إنحصار العبادة و الإطاعة المطلقة.

6 التوحيد الاستعاني:

و المراد به هو أن لا يستعين العبد في اُموره إلاّ منه تعالي و هو أثر الاعتقاد الكامل بالتوحيد الأفعالي و لعل إليه الإشارة بقوله تعالي: «إياك نعبد و إياك نستعين».

7 التوحيد الحبي:

و المراد منه أن إعتقد بأن كل كمال و جمال منه تعالي أصالة فلا يليق المحبة منه أصالة إلا له تعالي.

و هذه الأقسام من أقسام التوحيد العملي و إن أمكن إدراجها في التوحيد النظري أيضاً باعتبار أنه تعالي مستحق لهذه الانواع من التوحيد فلا تغفل.

46

ثم لا يخفي عليك أن بعض الأدلة الدالة علي إثبات المبدأ المتعالي تكفي أيضاً للدلالة علي توحيده الذاتي، فإن دليل الفطرة مثلاً يدل علي أن القلب لا يتوجه إلاّ إلي حقيقة واحدة، كما يشهد له تعلق الرجاء عند تقطع الأسباب بقادر مطلق واحد لا بمتعدد. هذا مضافاً إلي أن مقتضي برهان المحدودية هو اللاحدية اللازمة لصرفية المبدأ المتعال و هي لا تساعد مع التعدد؛ لأن كل واحد علي فرض التعدد محدود بحدود في قبال الآخر و خال عن وجود الآخر؛ لأنه في عرضه لا في طوله حتي يكون واجداً لمراتب وجوده بنحو الأعلي و إلاّ تم و هو خلف في صرفية المبدأ المتعال و لأحديته، بل يحتاج كل واحد منهما في تحديد وجوده إلي حاد آخر و لذا اشتهر في ألسنة الإشراقين و الفلاسفة أن صرف الشيء لا

يتثني و لا يتكرر.

قال الاستاذ الشهيد المطهري قدس سره: إن الحد الوسط في هذا البرهان قد يكون هو الصرفية و قد يكون هو عدم التناهي و اللاحدية، فيمكن تقرير البرهان علي الوجهين. أحدهما: أن الواجب تعالي هو لا يتناهي اذ لا ينتهي إلي زمان أو مكان أو شرط أو علة أو حيثية أو مرتبة و لا غير ذلك، وكل ما لا يتناهي من جميع الجهات لا يقبل التعدد و ثانيهما: أن وجود الواجب صرف الوجود، إذ لا فقد له حتي يشوبه العدم، بل هو كل الوجود و تمامه و الصرف لا يقبل التعدد فالواجب واحد (1).

قال المحقق الإصفهاني قدس سره:

و ليس صرف الشيء إلاّواحداً فهو لقدس ذاته و و منه يستبين دفع مااشتهر و لعل إلي برهان الصرف يشير ما رواه في الكافي عن أبي عبدالله

إذ لم يكن لهبوجه فاقداً عزته صرف وجوده دليلوحدته عن ابن كمونة و الحق ظهر رواه في الكافي عن أبي عبدالله رواه في الكافي عن أبي عبدالله

- - - - - - -

1) اُصول فلسفه: ج 5 ص 152.

47

عليه السلام من أنه قال في الجواب عن زنديق: لا يخلو قولك أنهما إثنان من أن يكونا قديمين قويين أو يكونا ضعيفين أو يكون أحدهما قوياً و الآخر ضعيفاً فإن كانا قويين (مطلقين غير متناهين) فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه و ينفرد بالتدبير و إن زعمت أن أحدهما قوي و الآخر ضعيف يثبت أنه واحد كما نقول للعجز الظاهر في الثاني (1). بناء علي أن المراد من قوله: «فان كانا قويين الخ» ؛ كما في شرح الملا صالح المازندراني أن كونهما قويين علي الإطلاق يقتضي جواز دفع كل واحد منهما

صاحبه؛ لأن من شأن القوي المطلق أن يكون قاهراً علي جميع ماسواه و جواز ذلك يوجب بالضرورة ضعف كل واحد منهما و عدم استقلاله و عدم كماله في القدرة و القوة.

هذا نقيض المفروض و كل ما يلزم من فرضه فقيضه فهو باطل (2) و يمكن أيضاً الاستدلال له بنفي التركيب بدعوي أنه لو كان في الوجود واجب آخر، لزم تركيبهما، لاشتراكهما في كونهما واجبي الوجود، سواء كان وجوب الوجود تمام ذاتهما كما إذا كانامن نوع واحد، أو جزء ذاتهما كما إذا كانا من جنس واحد، فلابد من مائز، سواء كان ذاتياً كالفصل، أو غير ذاتي كالعوارض المشخصة، فيصيران مركبين من الجنس و الفصل، أو من الحقيقة النوعية و المشخصات الخارجية و كل مركب محتاج إلي أجزائه و هو يرجع إلي كونه ممكناً و هو خلف.

و لكن الاستدلال بالصرفية أولي منه لشموله ما فرضه ابن كمونة دونه كما أشارإليه المحقق الإصفهاني في أشعاره. هذا كله بالنسبة إلي التوحيد الذاتي و سيأتي الكلام إن شاء الله في التوحيد الصفاتي و أما التوحيد الأفعالي فنقول:

إذا عرفت أن ذات الواجب واحد و لا مجال للتكثر و التعدد فيه ظهر أن

- - - - - - -

1) الكافي: ج 1 ص 80.

2) شرح الاصول من الكافي: ج 3 ص 51.

48

غيره ليس إلاّ من الممكنات و حيث إن الممكنات موجودة به تعالي فكلها في طول الله لا في عرضه و عليه فلا يمكن للمعلول الذي يكون في الطول أن يعارض علته و بضادها، فليس له تعالي مضاد يضاده، اذ وجود كل معلول حدوثاً و بقاءً منه تعالي؛ لأنه في حال الحدوث و البقاء ممكن، محتاج و فقير في جميع اُموره و

يتلقي الوجود منه تعالي فكيف يمكن أن يصير مستقلاً في وجوده و مضاداً له تعالي و قد انقدح بذلك أن الخالقية و الربوبية أيضاً واحدة؛ لأن غيره تعالي معلول في حدوثه و بقائه له تعالي، فكيف يمكن أن يخلق شيئاً أو يربِّب نفسه أو غيره من دون أن ينتهي إلي علته؟ فكل أثر منه تعالي لا غير، كما اشتهر أنه ال مؤثر في الوجود إلاّ الله تعالي، فتوحيد الذات يستلزم بالتقرير المذكور التوحيد الأفعالي و لعل عليه يدل قوله تعالي: «ذلكم الله ربكم خالق كل شيء» (1). كما أن التوحيد الأفعالي و منها التوحيد في الخالقية و الربوبية يستلزم التوحيد في العبودية، إذ العبادة لا تليق إلاّ لمن خلق و ربَّب و المفروض أنه ليس إلاّ هو تعالي و أما التوحيد التشريعي فهو أنه لما عرفنا من أن الخالق و الرب ليس إلاّ هو فالجدير أن التشريع حقه و ينبغي أن لا نطيع إلاّ إياه، إذ الأمر و الحكم شأن الخالق العالم بمصالح العباد و هو التوحيد التشريعي «ان الحكم إلاّ لله» (2) و ينبغي أن لا نستعين و لا نطيع إلاّ منه، اذ الامور كلها بيده تعالي و هو التوحيد الاستعاني، فالإطاعة لغيره من دون انتساب إليه تعالي باطلة كما أن الاستعانة من غيره من دون أن ينتهي إليه أوهن مما نسجته العنكبوت و حيث علمنا بأن كل حسن و جمال يرجع إلي أصله فليكن الحب الأصيل مخصوصاً به و هو التوحيد الحبي و لعل إليه يؤول قول إبراهيم علية السلام كما جاء في القرآن الكريم: «فلما أفل قال لا أحب الآفلين» (3).

- - - - - - -

1) الانعام: 101.

2) يوسف: 40.

3) الانعام:

76.

49

ومن قال بالتشبيه في خلقه بأن صوّر له وجهاً و يداً و عيناً، أو أنه ينزل إلي السماء الدنيا، أو أنه يظهر إلي أهل الجنة كالقمر، أو نحو ذلك فإنه بمنزلة الكافر به جاهل بحقيقة الخالق المنزه عن النقص (2)، بل كل ما ميزناه بأوهامنا في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلنا مردود إلينا علي حد تعبير الإمام الباقر عليه السلام (3)

فأقسام التوحيد يستلزم بعضها يعضاً كما لا يخفي. فهذه مراحل يسلكها من وحده في ذاته و أفعاله و ربوبيته و القرآن الكريم يرشدنا في توحيده إلي هذه المراتب السامية كما لا يخفي.

2) لما عرفت من أن الجسمية و الأجزاء عين الحاجة إلي الأجزاء و المحل و هو تعالي عين الغني و منزه عن خصائص الممكنات، فمن اعتقد بإله متجسد فهو كافر بحقيقة الإله المنزه من النقص و الحاجة، و ما اعتقده بعنوان الإله ليس إلاّ ممكناً من الممكنات فالمجسمة و المشبهة و إن كانوا من طوائف المسلمين ولكنهم في الحقيقة من الكافرون. ثم إن من لا جسم له و لا حد له و لا مكان له و كان محيطاً بكل شيء كيف يمكن أن ينزل من مكان إلي مكان آخر.

3) كما هو المروي المحجة البيضاء (1) و نحوه روايات كثيرة منها: ما عن الرضا عليه السلام في قول الله عزَّوجلّ: «لا تدركه أبصار العيون» (2) و منها: ما روي عن الرضا عليه السلام انه قال في توصيفه تعالي: «هو اجل من ان

- - - - - - -

(1) المحجة البيضاء: ج 1 ص 219.

2) بحار الانوار: ج 4 ص 29.

50

تدركه الابصار أو يحيط به وهم أو يضبطه عقل» (1).

و بالجملة أن الإبصار لا يمكن

إلاّ إذا كان المبصر محدوداً وفي جهة و هو لا يناسب الربّ تعالي لأنه غير محدود و لا يتناهي و هكذا ما يتخيله الإنسان و إن كان مجرداً عن المادة ولكنه متقدر بالأبعاد و الأشكال و مع التقدير المذكور يكون محدوداً بحدود الأبعاد و الأشكال، فكيف يمكن للإنسان أن يتخيل المبدأ المتعالي الذي لا يكون محدوداً بحد أو بعد، فلذلك لا تناله يد البصر و الوهم، بل العقل عاجز عن درك حقيقته و كنهه إذ لا ماهية و لا جنس و لا فصل له حتي يتعلقها و يعرفه بها ذاته و كنهه، بل يعرفه العقل بعون المفاهيم المنتزعة عن ذاته مع سلب مماثلة شيء به تعالي و يقال عند توصيفه: أنه موجود وحي و عالم و قادر و ليس كمثله شيء، أو أنه ليس بمحدود، أو ليس بمتناه، فالعقل عاجز عن درك كنهه، و لكن له أن يعرفه بالمفاهيم المذكورة مع سلب خصائص الممكنات عنه (2).

قال ابن ميثم البحراني: «إن ذات الله تعالي لما كان بربة عن أنحاء التركيب، لم يكن معرفته ممكنة إلاّ بحسب رسوم ناقصة تتركب من سلوب و إضافات تلزم ذاته المقدسة لزوماً عقلياً» (3) فافهم و مما ذكر يظهر المراد من قول مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: «لم يطلع العقول علي تحديد صفته و لم يحجُبها عن واجب معرفته» (4).

ثم هنا سؤال و هو: أن الرؤية إذا كانت غير ممكنة فكيف روي عن علي عليه السلام أنه قال في جواب من قال له: هل رأيت ربك؟: «لم أكن

- - - - - - -

1) بحارالانوار: ج 3 ص 15.

2) راجع اصول فلسفه: ج 5 ص 144 145.

3) شرح نهج

البلاغة لابن ميثم البحراني: ج 1 ص 121.

4) الخطبه: 49.

51

و كذلك يلحق بالكافر من قال: إنه يتراءي لخلقه يوم القيامة و إن نفي عنه التشبيه بالجسم لقلقة في اللسان (4).، فإن أمثال هؤلاء المدعين حَمدوا علي ظواهر الالفاظ في القرآن الكريم (5)

بالذي أعبد رباً لم أره» ، و لكن الجواب عن ذلك منقول أيضاً عنه عليه السلام حيث قال في جواب السائل: فكيف رأيته صفه لنا؟: «ويلك لم تَرَه العيون بمشاهدة الأبصار و لكن رأته القلوب بحقايق الإيمان و يلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف بالبعد و لا بالحركة و لا بالسكون و لا بالقيام قيام انتصاب و لا بجيئة و لا بذهاب الحديث» (1) و لعل المراد من الرؤية القلبية هو الشهود و العرفان القلبي و العلم الحضوري.

4) لأن نفي الجسمية مع تصوير الرؤية بالعين و البصر لا يجتمعان إذ المرئي لا يكون مرئياً إلاّ إذا كان جسماً و في جهة، وذا أبعاد، ثم إن المراد ممن ذهب إلي جواز الرؤية مع نفي الجسمية هم الأشاعرة (2) ثم ان الرؤية بالروح و النفس كالرؤية في المنام أيضاً مستحيلة لعدم كونه تعالي متقدراً بمقدار و متحدداً بحدود و اشكال فلا مجال لرؤيته مطلقاً

5) كقوله تعالي: «الذين يظنون انهم ملاقو ربهم و انّهم إليه راجعون» (3) البقرة: 46. بدعوي أن الملاقاة لا تتحقق بدون الرؤية، مع أن المراد منها هو الكناية عن مسبب اللقاء و هو ظهور قدرة الرب عليه، فإن الرجل إذا حضر عند ملك ولقيه دخل هناك تحت حكمه و قهره دخولاً لا حيلة له في رفعه (4)، فهو لقاء القدرة و الحكومة.

- - - - - - -

1) بحار الأنوار: ج 4

ص 27.

(2) راجع اللوامع الالهية: ص 82.

(3) البقرة: 46.

4) راجع اللوامع الالهية: ص 98.

52

أو الحديث (6) و انكروا عقولهم و تركوها وراء أو المراد منها هو جزاء ربهم، إذ من لقي الملك جزاه بما يستحقه، أو غير ذلك و بالجملة فهو من باب ذكر السبب و إرادة المسبب.

و كقوله: «وجوه يومئذٍ ناضرة إلي ربها ناظرة» (1) و قد استدل به الاشاعرة علي جواز رؤيته. و اُجيب عنه:

بأن المراد هو الشهود القلبي و العلم الحضوري كما روي عن النبي صلّي الله عليه و آله ينظرون إلي ربهم بلا كيفية و لا حد محدود و لا صفة محدودة (2).

أو المراد هو الرجاء كما يقال: إن زيداً كان نظره إلي عمرو و معناه أنه رجا به.

أو المراد هو النظر إلي ثواب ربها بتقدير المضاف، أو غير ذلك.

هذا كله مضافاً إلي أن مقتضي الجمع بين تلك الآيات و الآيات المحكمة الاُخري و كقوله: «لا تدركه الأبصار» و قوله: «ليس كمثله شيء» و قوله: «لا يحيطون به علماً» هو حمل تلك الآيات علي وجوه لا تنافيها حملاً للمجمل علي المبين.

6) كما روي عن النبي صلي الله عليه و آله: من «أن الله خلق آدم علي صورته» (3) بدعوي رجوع الضمير في قوله: (علي صورته) إلي الله تعالي الله عنه، مع احتمال كون الاضافة تشريفية كإضافة الكعبة إليه أو الروح إليه، كما هو المروي. هذا مضافاً إلي ماورد من أن الناس حذفوا أول الحديث أن رسول الله صلي الله عليه و آله مر برجلين يتسابان، فسمع أحدهما يقول لصاحبه: قبّح

- - - - - - -

1) القيامة: 22.

2) الميزان: ج 20 ص 204.

3) راجع اللوامع الالهية: ص 101.

53

ظهورهم (7) فلم يستطيوا

أن يتصرفوا بااظواهر حسبما يقتضيه النظر و الدليل و قواعد الاستعارة و المجاز الله وجهك و وجه من يشبهُك، فقال صلي الله عليه و آله: «يا عبدالله لا تقل هذا لاخيك، فإن الله عزَّوجل خلق آدم علي صورته» (1) و مضافاً إلي أن من المحتمل أن المراد منه أن الله تعالي خلق آدم علي الصورة الإنسانية من أول الأمر، لا صورة حيوان آخر بالمسخ، أو أن المراد من الصورة الصفة، فيكون المعني أن آدم عليه السلام امتاز عن سائر الأشخاص و الأجسام بكونه عالماً بالمعقولات و قادراً علي استنباط الحرف و الصناعات، و هذه صفات شريفة للشخص نفسه مناسبة لصفات الله تعالي من بعض الوجوه (2) و هكذا هنا روايات اُخري عن طرق العامة يستدل بها علي جواز الرؤية في الآخرة، ولكنها مخدوشة من جهات مختلفة مذكورة في كتب أصحابنا الإمامية و إليك ما ألّفه العلاّمة السيد عبدالحسين شرف الدين قدس سره تحت عنوان «كلمة حول الرؤية» و احقاق الحق (3). علي أن هذه الروايات مضافاً إلي ضعفها معارضة مع روايات كثيرة اُخري فلا تغفل.

7) مع أن الظواهر لا حجية لها عند قيام القرائن القطعية علي خلافها، وأي قرينة أحسن من الأدلة العقلية القطعية التي لا مجال للتشكيك و الترديد فيها. هذا مضافاً إلي أن الظن لا يغني في الاُصول الاعتقادية كما لا يخفي.

- - - - - - -

1) مصابيح الأنوار: ج 1 ص 206.

2) راجع اللوامع الالهية: ص 104.

3) احقاق الحق: ج 4 ص 133.

2 - عقيدتنا في التوحيد

2 - عقيدتنا في التوحيد

و نعتقد بانه يجب توحيد الله تعالي من جميع الجهات، فكما يجب توحيده في الذات و نعتقد بأنه واحد في ذاته و وجوب وجوده،

كذلك يجب ثانياً توحيده في الصفات، و ذلك بالاعتقاد بأن صفاته عين ذاته كما سيأتي بيان ذلك و بالاعتقاد بأنه لا شبه له في صفاته الذاتية، فهو في العلم القدرة لا نظير له و في الخلق و الرزق لا شريك له و في كل كمال لاندّ له (1) الند هو النظير و الشبيه، ثم إن ما ذكره المصنف من نفي الشبيه و النظير في الصفات واضح بعد ما عرفت من رجوع كل شيء إليه من الوجود و الحياة و القدرة و العلم و غيرها، بخلافه تعالي، فإن ليس من غيره لا في وجوده و لا في كمالاته فهو قيوم دون غيره و أيضاً كل شيء غيره محدود بحد و ليس هو محدوداً بحد من الحدود، و لا مقيداً بقيد من القيود، بل هو صرف الكمال و هو الذي لا يتناهي من جميع الجهات و هكذا و لا ضعف فيه و لا في أوصافه و لذا لا يتخلف الأشياء بالنسبة إلي علمه و قدرته، بل كلها مقدورات و معلومات له تعالي من دون تفاوتٍ بينها، و لا يعرضه الضعف و الفتور و لا يشوبه العدم

55

و يكون مستقلاً في أفعاله و ذاته بخلاف غيره تعالي.

و من ذلك يعرف يعرف أن غيره المحدود بالحدود و القيود و المحتاج في وجوده و كماله لا يكون شبيهاً به تعالي، فإن غيره المتصف بهذه الصفات محدود و محتاج، فكيف يكون شبيهاً بمن لاحد و لا حاجة له، بل هو صرف الكمال و عين الغني فلا ند له و لا كفؤ، كما نص القرآن الكريم بقوله: «ولم يكن له كفواً أحد» ، «ليس كمثله شيء» (1)، بل لا غير إلاّ به، فكيف

يمكن أن يكون الغير شبيهاً و نظيراً له في الصفات.

و مما ذكر يظهر أن نفي النظير و الشبيه لا يختص بذاته و صفاته الذاتية، بل لا نظير له في صفاته الفعلية كالخلق و الرزق، فإن كل ما في الوجود منه تعالي و ليس لغيره شيء إلاّ بإذنه، فلا خالق و لا رازق بالاستقلال إلاّ هو كما نص عليه بقوله عزَّوجل: «إن الله فالق الحب و النوي» (2)، «الله يبسط الرزق لمن يشاء» (3)، «ألا له الخلق و الأمر تبارك الله رب العالمين» (4)، «والله خلقكم و ما تعلمون» (5)، «ذلكم الله ربكم لا إله إلاّ هو خالق كل شيء» (6)، «بل لله الأمر جميعاً» (7).

ولا ينافيه إسناد تدبير الأمر إلي غيره في قوله تعالي: «فالمدبرات أمراً» (8) و نحوه؛ لأن تدبيرها بأذنه و إرادته و ينتهي إليه، فالنظام في عين كونه مبنياً علي الأسباب و المسببات يقوم به تعالي في وجوده و فاعليته، فالملائكة مثلاً لا يفعلون إلاّ بأمره و إرادته و يكونون رسلاً منه، كما أشارإليه في قوله: «جاعل الملائكة

- - - - - - -

1) الشوري: 11.

2) الأنعام: 95.

3) الرعد: 26.

4) الأعراف: 54.

5) الصافات: 96.

6) الأنعام: 101.

7) الرعد: 31.

8) النازعات: 5.

56

رسلاً» (1). و هكذا كل سبب آخر فالأمر أمره و الفعل فعله و ليس له معادل يعادله، بل كل منه و به في وجوده و فاعليته، ما شاء الله و لا حول و لا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.

ثم إذا عرفت أن الفاعلية بتقدير منه و منتهية إليه تعالي فلا مجال لتقسيم الأشياء إلي الشرور و الخيرات و إسناد الاُولي إلي غيره تعالي، بل كل شيء منالمجودات داخل في النظام الأحسن الذي يقوم

به تعالي، و النظام الأحسن بجملته نظام يكون صد وره أرجع من تركه، فلذا يصدر من الحكيم المتعالي.

ثم إن للشرك في الفاعلية مراتب بعضها يوجب خروج المعتقد به عن حوزة الإسلام و زمرة أهل التوحيد، كمن إعتقد بأن للعالم مؤثرين، النور و هو أزلي فاعل الخير و يسمي «يزدان» و الظلمة و هي حادثه فاعله للشر و تسمي «أهريمن» كما نسب إلي المجوس (2). و هذا من أنواع الشرك الجلي فإن المعتقد المذكور يعتقد استقلال الظلمة في الفاعلية، و الستقلال في التأثير و الفاعلية شرك.

و بعضها الآخر لا يوجب خروج المعتقد به عن زمرة أهل التوحيد كمن إعتقد بتأثير بعض الاُمور كالمال و الولد و غيرهما من دون توجه إلي أن مقتضي الإيمان بتوحيده تعالي في الأفعال هو أنه لا تأثير لشيء إلاّ بإذنه تعالي و هذا من أنواع الشرك الخفي و المعتقد به لا يعلم أنه ينافي التوحيد الأفعالي و هو أمر يبتلي به أكثر المؤمنين كما أشار إليه في كتابه الكريم بقوله: «وما يؤمن أكثر هم بالله إلاّ وهم مشركون» (3) أعاذنا الله تعالي من ذلك كله (4).

- - - - - - -

1) فاطر: 1

2) راجع اللوامع الهية: ص 241.

3) يوسف: 106.

4) راجع جهان بيني: ج 2 ص 92، للاستاذ الشهيد المطهري قدس سره.

57

و كذلك يجب ثالثا توحيده في العبادة، فلا تجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه (2) و كذا اشراكه في العبادة في أي نوع من أنواع العبادة

2) فأن العبادة لا تليق إلاّ لمن له الخالقية و الربوبية، إذ مرجع العبادة إلي اظهار الخضوع و التذلل في قبال المالك الأصلي و من له الأمر و الحكم بما أنه رب و قائم

بالأمر و الخالقية و الربوبية مختصة به تعالي، فإن كل ماسواه محتاج إليه في أصل وجوده و فاعليته و بقائه و اموره، و المحتاج المذكور لا يمكن أن يؤثر من دون أن ينتهي إليه تعالي فالرب و الخالق ليس إلاّ هو و العبادة لا تليق إلاّ له تعالي. فإذا كانت المؤثرات كذلك فالأمر في غير المؤثرات أوضح و العجب من عبدة الأحجار و الأشجار و بعض الحيوانات و غير ذلك من الأشياء، التي لا تملك لهم شيئاً من النفع أو الضرر و القبض و البسط و الإماتة و الإحياء.

و إليه يرشد الكتاب العزيز قال: «أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً و لا يضركم» (1) الأنبياء: 66. و بالجملة من عبد غير الله تعالي أشرك غيره معه من دون دليل «أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا برهانكم إن كنتم صادقين» (2).

فلا وجه لعبادة غيره تعالي بوجه الخالقية و الربوبية؛ لما عرفت من أنها منحصرة فيه تعالي، كما لا وجه لعبادة غيره تعالي بوجه الالوهية و الواجوب؛ لما مر من وحدة الإله الواجب فاعتقاد النصاري بالتثليث و تعدد الآلهة من الأب و الابن و روح القدس فاسد و تخالفه الأدلة القطعية الدالة علي وحدة الواجب و بساطته، إذ تصوير التثليث ينافي الوحدة و البساطة و عدم محدودية الذات و لذا نصّ في الكتاب العزيز بكفرهم «لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة و ما من إله إلاّ إله واحد» (3).

- - - - - - -

(1) الأنبياء: 66.

2) النمل: 64.

3) المائدة: 73.

58

و كذا اشراكه في العبادة في أي نوع من أنواع العبادة، واجبة أو غير واجبة، في الصلاة و غيرها من العبادات و من

أشرك في العبادة غيره فهو مشرك كمن يرائي في عبادته و يتقرب إلي غير الله تعالي و حكمه حكم من يعبد الأصنام و الأوثان، لا فرق بينهما (3)

و هكذا لا وجه لعبادة غيره بدعوي حلول الإله فيه أو الإتحاد به؛ لما عرفت من أن الله تعالي غير محدود و لا يحل غير المحدود في المحدود و لا يتحد به و أيضاً لا وجه لعبادة غيره بتوهم أن الأمر مفوض. إليه و هو يقدر علي إلزامه تعالي بالعفو و الصفح أو الفضل و لعل يرشد إليه ما حكي عن المشركين في القرآن الكريم «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلي الله زلفي» (1)، «و يعبدون من دون الله ما لا يضرهم و لا ينفعهم يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل اتنبؤن الله بما لا يعلم في السماوات و لا في الأرض سبحانه و تعالي عما يشركون» (2)؛ لأن الغير محتاج إليه في جميع اُموره و شؤونه و معه كيف يقدر علي إلزامه تعالي بالعفو و الصفح أو الفضل و مما ذكر يظهر وجه قول الماتن حيث قال: «فلا تجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه».

ثم لا اشكال في كون عبادة الغير بأي وجه كانت، شركاً، و يصير المعتقد به خارجاً عن حوزة الإسلام و زمرة المسلمين. فإن من إعتقد باستحقاق غيره للعبادة يرجع عقيدته إلي أحد الاُمور المذكورة التي تكون إما شركاً في ذاته تعالي، أو في ملكه و سلطانه.

و فيه تأمل، بل منع؛ لأن الرياء من صنوف الشرك الخفي و هو في عين كونه عملاً حراماً في العبادة و موجباً لبطلانها و بعد الإنسان عن ساحة مقام الربوبية، لا يخرج المرائي عن زمرة المسلمين بالضرورة من الدين، إذ المرائي

يعتقد بالتوحيد في الذات و الصفات و الفاعلية و الربوبية، ولكنه لضعف إيمانه

- - - - - - -

1) الزمر: 3.

2) يونس: 18.

59

يعمل عمل المشرك المعتقد بالتعدد في الفاعلية و الربوبية و تسميته كافراً أو مشركاً في بعض الآثار (1) ليس إلاّ للتنزيل و التشبيه بالمشرك أو الكافر في العمل، نعم عليه أن يجتنب عنه إجتناباً كاملاً حتي لا يصير محروماً عن رحمته تعالي «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لا يشرك بعبادة ربه احداً» (2).

كمايجب عليه الاجتناب عن سائر صنوف الشرك الخفي كإطاعة النفس و الطاغوت و الشيطان مما يشير إليه قوله تعالي: «أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً» (3)، «ولقد بعثنا في كل اُمة رسولاً أن اعبدوا الله و اجتنبوا الطاغوت» (4)، «ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين و أن اعبدوني هذا صراط مستقيم» (5).

فالموحد الحقيقي هو الذي خص الله تعالي بالعبادة و لا يشرك غيره فيها و لا يرائي فيها و خصه تعالي أيضاً بالإطاعة فلا يطيع إلاّ إياه، و من أمر الله بإطاعتهم و يترك إتباع هوي نفسه و غيره و يجتنب من عبادة الطاغوت، فليراقب المؤمن كمال المراقبة في الشرك الخفي فإن الابتلاء به كثير و تمييزه دقيق، و قد نص عليه الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله في حديث: «الشرك أخفي من دبيب الذر علي الصفا في الليلة الظلماء و أدناه أن يحب علي شيء من الجور و يبغض علي شيء من العدل و هل الدين إلاّ الحب و البغض في الله، قال الله تعالي: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله» (6).

فالشرك في

محبة الله من صنوف الشرك الخفي و الموحد الحقيقي الكامل هو الذي لا يجب إلاّ إياه و هكذا الشرك في الاستعانة من صنوف الشرك الخفي

- - - - - - -

1) الوسائل: ج 1 ص 49 51.

2) الكهف: 110.

3) الفرقان: 43.

4) النحل: 36.

5) يس: 60 61.

6) آل عمران: 31 - راجع الميزان ج 3 ص 175.

60

أما زيارة القبور و إقامة المآتم فليست هي من نوع التقرب إلي غيرالله تعالي في العبادة، كما توهمه بعض من يريد الطعن في طريقة الإمامية، غفلة عن حقيقة الحال فيها، بل هي من نوع التقرب إلي الله تعالي بالأعمال الصالحة كالتقرب إليه بعيادة المريض و تشييع الجنائز و زيارة الإخوان في الدين و مواساة الفقير، فإن عيادة المريض مثلاً في نفسها عمل صالح يتقرب به العبد إلي الله تعالي و ليس هوتقرباً إلي المريض يوجب أن يجعل عمله عبادة لغير الله تعالي أو الشرك في عبادته و كذلك باقي أمثال هذه الأعمال الصالحة التي منها زيارة القبور و إقامة المآتم و تشييع الجنائز و زيارة الإخوان.

أما كون زيارة القبور و إقامة المآتم من الأعمال الصالحة الشرعية فذلك يثبت في علم الفقه و ليس هنا موضع إثباته و الغرض أن إقامة هذه الأعمال ليست من نوع الشرك في العبادة كما يتوهمه البعض و ليس المقصود منها عبادة الأئمة و إنما المقصود منها إحياء أمرهم و تجديد

و بالجملة كل هذه الموارد من الرياء و الإطاعة لغيره و محبة الغير و الاستعانة من الغير، لا يوجب خروج المتصف بهما عن زمرة المسلمين؛ لاعتقاده بالتوحيد في الذات و الصفات و الفاعلية و الربوبية و إنما غفل عن اعتقاده لضعف إيمانه و يعمل عمل المشركين

و يسلك مسلكهم، وفقنا الله تعالي للاجتناب عن جميع صنوف الشرك مطلقاً، جلياً أو خفياً..

(4) و المتوهم تخيل أن الزائر أو مقيم المأتم مشرك بالشرك الأصغر أو

61

الشرك الأكبر، مستدلاً بأن العبادة تتحقق بالتعظيم و الخضوع و المحبة (1) فحضور الزائر عند القبور أو إقامة المأتم أو التوسل أو الاستشفاع بهم تعظيم لغيره تعالي و هو شرك في العبادة و فيه منع واضح؛ لأن العبادة المصطلحة التي عبر عنها في اللغة العربية بالتأله و في اللغة الفارسية ب «پرستش» لا تتحقق بمطلق التعظيم و الخضوع و المحبة و لذا لا يكون التعظيم و الخضوع للنبي الأكرم صلي الله عليه و آله أو أوصيائه المكرمين عليهم الصلاة و السلام في زمان حياتهم عبادة، بل لا تكون تلك الاُمور بالنسبة إلي غيرهم كالأب و الاُم و المعلم ممن يلزم تعظيمهم عبادة، إذ العبادة هي التعظيم و الخضوع في مقابل الغير بعنوان أنه رب يستحق العبادة، و الزائر و مقيم المأتم و هكذا المتوسل بالنبي أو الأئمة و المستشفع بهم لا ينوي ذلك أبداً، بل يعتقد أن مثل النبي و الأئمة عليهم الصلاة و السلام مخلوقون مربوبون و الأمر بيد الله تعالي و إنما زارهم لمجرد التعظيم و التبرك و التوسل اقتفاء بأئمة الدين و الأصحاب و التابعين.

قال في كشف الارتياب: «ليس المراد من العبادة التي لا تصلح لغير الله و توجب الشرك و الكفر أذا وقعت لغيره مطلق التعظيم و الخضوع … بل عبادة خاصة لم يصدرشيء منها من أحد من المسلمين» (2) و هذا هو الفارق بين التوسل و الاستشفاع بالرسول و الأئمة عليهم السلام و بين عبادة المشركين لأصنامهم، فإنهم يعبدونها عبادة لا تليق إلاّ للرب

تعالي، بخلاف من توسل إليهم و استشفع بهم فإنه تبرك بهم و جعلهم وسيلة للتقرب لما عرف من أنهم من المقربين عنده تعالي و أين هذا من عبادة المشركين و التفصيل يطلب من محله (3).

- - - - - - -

1) كما حكاه في كتاب فتح المجيد عن القرطي و ابن القيم راجع: ص 17 وص 32.

2) كشف الارتياب: ص 167، للسيد محسن الامين

3) كشف الارتياب: ص 168.

62

و ليس المقصود منها عبادة الأئمة و إنما المقصود منها إحياء أمرهم و تجديد ذكرهم و تعظيم شعائر الله فيهم «ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب» الحج: 32.

فكل هذه أعمال صالحة ثبت من الشرع استحبابها، فإذا جاء الإنسان متقرباً بها إلي الله تعالي طالباً مرضاته، استحق الثواب منه و نال جزاءه

ولا فرق في ما ذكر بين كون الزائر يحضر المزور و يتوسل و يطلب من الله به و بين كونه يحضر و يطلب من المزور أن يدعو للزائر و يطلب من الله و يستشفع له في إنجاز حوائجه، بل لا مانع عقلاً و نقلاً من أن يطلب من المزور شفاء دائه أو مريضه أو إنجاز حوائجه بإذن الله تعالي و إنما الممنوع هو أن يطلب منه استقلالاً من دون أن ينتهي إلي إذنه تعالي و قدرته؛ لأنه شرك في الفاعلية، فالمتوهم المذكور لم يطلع علي حقيقة الحال في الزيارات و التوسلات و إقامة المآتم و نحوها و إلاّ فلم ينسب إلينا الشرك و علي اخواننا المسلمين أن يجتنبوا عن هذه الاتهامات؛ لحرمتها و لكونها موجبة للافتراق مع أن الوحدة الاسلامية من أوجب الواجبات لاسيما في زماننا هذا، الذي اتحد الكفار فيه علي إطفاءنور الإسلام و إذلال

المسلمين.

(5) و يشهد له ما روي عن رسول الله صلي الله عليه و آله «من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة» و غير ذلك من الروايات المتكاثرة الداعية نحو الزيارات للنبي صلي الله عليه و آله و الأئمة المعصومين عليهم السلام. و قد صرح في كشف الارتياب بأن أجلاء ائمة الحديث كابن حنبل و أبي داود و الترمذي و النسائي و الطبراني و البيهقي و غيرهم رووا الأحاديث الدالة علي مشروعية زيارة قبر النبي صلي الله عليه و آله هذا مضافاً

63

إلي أحاديث كثيرة تكاد تبلغ حد التواترعن أئمة أهل البيت الطاهرين رواها عنهم أصحابهم و ثقاتهم بالأسانيد المتصلة الصحيحة الموجودة في مظانها (1).

هذا مضافاً إلي عمل أهل البيت عليهم السلام من زيارة قبر النبي صلي الله عليه و آله و التبرك به و الالتزاق به و الدعاء عنده و الوصية بحمل جسدهم إلي قبر النبي لتجديد العهد به و غير ذلك، بل هو سيرة الأئمة اللاحقين بالنسبة إلي الأئمة الماضين المطهرين عليهم الصلوات و السلام كزيارة قبر مولانا أمير المؤمنين عليه السلام و زيارة قبر سيد الشهداء عليه السلام.

و لقد رويت أخبار ذلك في المزار من الأحاديث ككتاب كامل الزيارات و غير ذلك، بل سيرة السلف عليه و لقد أفاد و أجاد بعد نقل جملة من الأخبار في كتاب التبرك حيث قال: «هذه أحاديث متواترة إجمالاً أو معني تدل علي أن الصحابة رضي الله عنهم و التابعين لهم بإحسان، كانوا يتبركون برسول الله صلي الله عليه و آله و آثاره، يتبركون بقبره و يحترمونه و يعظمونه و أن التبرك و الإحترام و التعظيم لم يكن شركاً عندهم، بل لم يكن يخطر

ذلك في بالهم، بل يرون أن ذلك من شؤون الإيمان و مظاهره و أن تعظيمه تعظيم و إجلال الله سبحانه» (2).

و هكذا إقامة المآتم سيما لسيد الشهداء الإمام الحسين بن علي عليهما السلام من المسنونات المسلمة التي يدل علي مشروعيتها الأخبار و عمل النبي صلي الله عليه و آله و أهل البيت عليهم السَّلام و سيرة السلف الصالح رضي الله عنهم كما ورد عن النبي صلي الله عليه و آله الحَث علي البكاء علي حمزة و علي جعفر عليهما السلام. هذا مضافاً إلي بكائه في موت عمه

- - - - - - -

1) راجع الوسائل و المستدرك و كامل الزيارات و كتاب التبرك و غير ذلك.

2) كتاب التبرك: ص 173.

64

أبي طالب و عمه الحمزة و ابن عمه جعفر و الحسين بن علي عليهما السلام بعد إخبار جبرئيل بقتله و شهادته و هكذا سيرة الأئمة عليهم السلام علي ذلك و لقد أفاد و أجاد العلاّمة السيد عبدالحسين شرف الدين في المجالس الفاخرة حيث قال: «و قد استمرت سيرة الأئمة علي الندب و العويل و أمروا أولياءهم بإقامة مآتم الحزن علي الحسين عليه السلام جيلاً بعد جيل» (1).

- - - - - - -

1) راجع المجالس الفاخرة في مأتم العترة الطاهرة: ص 19.

3 - عقيدتنا في صفاته تعالي

الاشاره

3 - عقيدتنا في صفاته تعالي

و نعتقد أن من صفاته تعالي الثبوتية الحقيقية الكمالية التي تسمي بصفات «الجمال و الكمال» ، كالعلم و القدرة و الغني و الإرادة و الحياة، هي كلها عين ذاته ليست هي صفات زائدة عليها و ليس وجودها إلاّ وجود الذات، فقدرته من حيث الوجود حياته و حياته قدرته، بل هو قادر من حيث هو حي و حي من حيث

هو قادر، لا إثنينية في صفاته و وجودها و هكذا الحال في سائر صفاته الكمالية.

نعم هي مختلفة في معانيها و مفاهيمها، لا في حقائقها و وجوداتها؛ لأنه لو كانت مختلفة في الوجود و هي بحسب الفرض قديمة و واجبة كالذات للزم تعدد واجب الوجود و لا نثلمت الوحدة الحقيقية و هذا ما ينافي عقيدة التوحيد (1)

- - - - - - -

(1) و لا يخفي عليك أن عدة من المتكلمين و المحدثين ذهبوا إلي أن ذات الواجب لا يتصف بشيء من النعوث و الصفات؛ لكونه بسيطاً محضاً وأحدي الذات و الإتصاف بالصفات المختلفة يوجب التكثر في الذات و هو خلف في بساطته و حمل هؤلاء جميع الاستعمالات القرآنية الدالة علي صفاته تعالي علي

66

نوع من المجاز بدعوي أن إتصاف ذاته في الكتاب بالعلم و الحياة و نحوهما من باب أن نوع فعله تعالي يشبه فعل ذات له علم و حياة.

و في مقابل هؤلاء عدة اُخري من المتكلمين ذهبوا إلي أن ذاته تعالي متصف ببعض الصفات و النعوت و صفاته زائدة علي ذاته، بحكم مغايرة كل صفة مع الموصوف بها و حيث أن الموصوف بها قديم و كان هذا الاتصاف من القديم فهذه الصفات كالموصوف واجبات و قدماء، و لذا اعتقدوا بالقدماء الثمانية في ناحية الذات و صفاته (1).

و كلا الفريقين في خطأ واضح، فإن لازم القول الأول هو خلو الذات في مرتبة عن الأوصاف الكمالية و هو عين الحد و النقص عليه، و لا يناسب مع إطلاقه و كونه غير محدود بحدٍ و نهايةٍ، هذا مضافاً إلي ما في حمل الاستعمالات الحقيقية القرآنية علي المجاز و مضافاً إلي التصريح بخلافه في قوله تعالي: «قل ادعوا الله

أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسني» (2)، «و لله الأسماء الحسني فادعوه بها» (3). اذ تعليل شيء بشيء اخر ظاهر بل صريح في كون العلة امراً واقعياً علي أن نفي الاضداد يرجع إلي اثبات الاوصاف فيما اذا كانت الاضداد مما لا ثالث لها فان نفي كل ضد يلازم وجود الاخر لعدم امكان ارتفاع الضدين اللذين لا ثالث لها فان نفي كل ضد يلازم وجود الاخر لعدم امكان ارتفاع الضدين اللذين لا ثالث لهما كما لايمكن اجتماعهما فإذا نفينا عنه الجهل مثلا لزم ان نثبت له تعالي العلم بل الامر كذلك ان قلنا بان التقابل بين العلم و الجهل أو القدرة و العجز تقابل السلب و الايجاب اذ لا يمكن ارتفاع النقيضين فاذا نفينا الجهل لزم ان نثبت العلم له تعالي لا محالة.

- - - - - - -

1) احدهما الذات و باقيها هي الحياة و القدرة و العلم و السمع و البصر و الارادة و الكلام النفسي راجع شرح التجريد و شرح الباب الحادي عشر و البداية و النهاية و غيرها.

2) الأسراء: 110.

3) الاعراف: 180.

67

كما أن لازم القول الثاني هو تعدد الواجب و إنثلام الوحدة الذاتية كما أشار إليه المصنف في المتن و تبطله أدلة وحدانية الواجب و بساطته، هذا مضافاً إلي أن لازمه إفتقار الذات إلي الصفات الزائدة و هو خلف في كونه غنياً مطلقاً و مضافاً إلي لزوم النقص و محدودية الذات؛ لأنه حينئذٍ خالٍ عن الصفات في مرتبة الذات و هو أيضاً خلف في كونه كمالاً مطلقاً و غير محدودٍ بحدٍ و نهايةٍ.

فالحق هو ما صرح به في المتن من كون صفاته عين ذاته تعالي و هو الذي نسب

إلي الحكماء و جملة من المتكلمين و هو الذي يقتضيه الجمع بين الآيات و الروايات. ففي عين كون صدق العالم و الحي و القادر و نحوها عليه تعالي حقيقياً لا مجازياً و بالعناية لا يكون مصداق الصفات إلاّ ذاتاً واحداً بسيطاً (1). هذا كله من باب إثبات المقصود من ناحية ذكر التوالي الفاسد للقولين المذكورين، و لكن يمكن الاستدلال علي وجود الصفات و عينيتها مع الذات من طريق آخر و هو أن ذلك مقتضي كون الواجب مطلق الكمال و صرفه، إذ كمال المطلق لا يشذ عنه كمال من الكمالات، و لا حاجة له إلي غيره و إلاّ فهو خلف في كونه مطلق و كل الكمال و صرفه و لذا صرّح العلاّمة الطباطبائي قدّس سره بأن الحاجة و القيد لما كانا منفيين عن الله تعالي فلا بد من أن يكون كل كمال له، عين ذاته لا خارجاً عنه، إذ الكمال الخارجي لا يمكن تصويره إلاّ بحاجة الذات إليه و بكونه مقيداً لا مطلقاً (2).

و لعل إليه يشير ما ذكره العلاّمة الحلي قدس سره في شرح التجريد حيث قال في تعليل إستحالة إتصاف الذات تعالي بالصفات الزائدة: «لأن وجوب

- - - - - - -

1) گوهر مراد: ص 172.

2) اصول فلسفه: ج 5 ص 180 و عبارته باللعة الفارسية هكذا: چون احتياج و قيد از خدا منفي است ناچا رهر صفت كمالي كه دارد عين ذاتش خواهد بود نه خارج از او زيرا كمال خارج از ذات بي احتياج و قيد صورت نمي گيرد.

68

الوجود يقتضي الاستغناء عن كل شيء فلا يفتقر في كونه قادراً إلي صفة القدرة و لا في كونه عالماً إلي صفة العلم و لا غير

ذلك من المعاني و الأحوال» (1).

ثم إنه لا إستيحاش في صدق المفاهيم المختلفة علي مصداق واحد بسيط من جميع الجهات فإن هذا الصدق لا يختص بهذا المورد، بل عندنا اُمور لا تكثر فيها، بل هي بسيطة و مع ذلك يطلق عليها المفاهيم المختلفة كإطلاق المعلوم و المقدور و الموجود علي المتصورات الذهنية، مع أنه لا تكثر فيها، بل هي بذاتها معلومة و مقدورة و موجودة لنا، فيمكن أن يكون البسيط مصداقاً للمفاهيم المختلفة فذاته تعالي من حيث أنه وجود، موجود، و من حيث أنه مبدأ للانكشاف عليه، علم و لمّا كان مبدأ الانكشاف عين ذاته، فهو عالم بذاته و كذلك الحال في القدرة و غيرها من الصفات الذاتية الثبوتية.

روي هاشم بن الحكم أن الزنديق سأل أبا عبدالله عليه السلام أتقول: إنه سميع بصير فقال أبو عبدالله عليه السلام: هو سميع بصير، سميع به غير جارحة و بصير به غير آلة، بل يسمع بنفسه و يبصر بنفسه و ليس قولي: إنه يسمع بنفسه أنه شيء و النفس شيء آخر، ولكنني أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً و إفهاماً لك إذ كنت سائلاً فأقول: يسمع بكلّه لا أن كلّه له بعض ولكني أردت إفهامك و التعبير عن نفسي و ليس مرجعي في ذلك إلاّ إلي أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات و لا اختلاف معني (2) و عن الإمام الكاظم عليه السلام علم الله لا يوصف منه بأين، و لا يوصف العلم من الله بكيف، و لا يفرد العلم من الله و لا يبان الله منه و ليس بين الله و بين عمله حد (3).

- - - - - - -

1) شرح التجريد: ص

182.

2) بحار الانوار: ج 4 ص 69.

3) توحيد الصدوق: 138.

69

ثم إن من اعتقد بزيادة الصفات علي الذات هل يكون خارجاً عن زمرة المسلمين و حوزة الإسلام أم لا؟ صرّح الاستاذ الشهيد المطهري بأن التوحيد الصفاتي أمر يحتاج إلي تعمق زائد، فلذا وقع علماء الأشاعرة في الشرك الصفاتي، ولكنه حيث كان من الشرك الخفي، لا يوجب خروجهم عن حوزة الإسلام و المسلمين (1).

و لعل وجهه أنهم كانوا أيضاً من المجتنبين عن الشرك و حيث لم يعلموا بلازم مختارهم في التوحيد الصفاتي فهو شرك معذور؛ لأنهم إعتقدوا بالتوحيد و لكن أخطأوا في التطبيق. نعم من التفت إلي لوازم قوله و مع ذلك إعتقد به فلا إشكال في كونه موجباً للخروج عن حوزة الإسلام و المسلمين، فافهم.

هذا كله بالنسبة إلي الصفات الذاتية التي لا حاجة في انتزاعها إلي أمر خارج عن الذات و هذه الصفات تسمي بالصفات الثبوتية الحقيقة..

و أما الصفات الثبوتية الإضافية كالخالقية و الرازقية و التقدم و العلية فهي ترجع في حقيقتها الي صفة واحدة حقيقية و هي القيومية لمخلوقاته و هي صفة واحدة تنتزع منها عدة صفات باعتبار اختلاف الآثار و ملاحظات (2) و لا يخفي عليك أن للصفات تقسيمات مختلفة:

منها أنها منقسمة إلي الثبوتية و السلبية و الثبوتية منقسمة إلي الحقيقية المحضة كالحياة أو العلم بذاته، و الإضافية المحضة كالخالقية و الرازقية و الحقيقية المحضة لا يعتبر في مفهومها الإضافة المتأخرة عن وجود الطرفين و يكفي الذات لإنتزاعها فهو حي سواء كان شيء آخر أم لا و هو عالم بنفسه و بغيره سواء

- - - - - - -

1) جهان بيني: ص 92 93.

70

كان شيء آخر أم لا و هو قادر في نفسه سواء كان

شيء آخر أم لا و هكذا و هذه الصفات هي الصفات الحقيقية الثبوتية التي عرفت عينيتها مع الذات و الإضافية المحضة هي التي يكون مفهومها مفهوماً اضافياً و يتوقف إنتزاعها علي وجود شيء آخر مضايف، وراء الذات كالرازقية و الخالقية و التقدم و العلية و الجواد، لتقومها بالطرفين من الخالق و المخلوق و الرازق و المرزوق و هكذا البواقي. فهذه الصفات معان إعتبارية إنتزاعية لا حقايق عينية، إذ ليس في الخارج إلاّ وجود الواجب و تعلق وجود المخلوق المحتاج في وجوده و بقائه و استكماله إليه و هو الذي عبر عنه المصنف بالقيومية لمخلوقاته، كما عبر عنه صدر المتأهلين بالإضافة الواحدة المتأخرة عن الذات و عبر عنه المحقق اللاهيجي بالمبدئية حيث قال: «فكما أن ذاته تعالي علم باعتبار و قدرة باعتبار و إرادة باعتبار، كذلك تكون مبدئية للأشياء خالقية باعتبار و رازقية باعتبار و رحيمية باعتبار و رحمانية باعتبار، إلي غير ذلك من سائر الإضافات و لا اختلاف إلاّ بحسب الاعتبار، فجميع الإضافات و الاعتبارات ينتهي إلي المبدئية المذكورة (1).

ثم إن المراد من القيومية هو التقويم الوجودي، لا مبالغة القيام الوجودي فإن الثاني من صفات الذات و مرادف مع وجوب وجوده و التقويم الوجودي كما أوضحه العلاّمة الطباطبائي قدس سره في تعليقته علي الأسفار هو كونه بحيث يقوم به غيره من وجود أو حيثية وجودية، فإن الخلق و الرزق و الحياة و البدء و العود و العزة و الهداية إلي غير ذلك حيثيات وجودية في موضوعاتها من الوجودات الإمكانية و هي جميعاً قائمة به تعالي مفاضة من عنده (2).

ثم إن الظاهر من كلام المصنف «فهي ترجع في حقيقتها إلي صفة واحدة حقيقية و هي القيومية

لمخلوقاته و هي صفة واحدة تنتزع منها عدة صفات …

- - - - - - -

1) راجع گوهر مراد: ص 177 و غير ذلك من الكتب.

2) الاسفار: ج 6 ص 120.

71

و أما الصفات السلبية التي تسمي بصفات «الجلال» فهي ترجع جميعها إلي سلب واحد و هو سلب الإمكان عنه، فإن سلب الإمكان لازمه، بل معناه سلب الجسمية و الصورة و الحركة و السكون و الثقل و الخفة و ما إلي ذلك، بل سلب كل نقص (3). ثم إن مرجع سلب الإمكان في الحقيقة إلي وجوب الوجود و وجوب الوجود من الصفات

الخ» أن القيومية صفة حقيقية لا أمر إعتباري إضافي.

و لعل مراده منها هي الإضافة الإشراقية و هي القيومية الحقيقية الظلية التي هي فعله تعالي، لا أمراً منتزعاً إضافياً عن ايجاده تعالي للمخلوقات و إن صح ذلك أيضاً بعد وجود الأشياء بالإضافة الاشراقية و من المعلوم أنها ناشئة عن كمال الذات و من صفات الفعل و لا تصلح لأن تكون وصفاً للذات لأنها متأخرة عن الذات تأخر الفعل عن فاعله و بقية الكلام في محله.

و بالجملة فالصفات الثبوتية الإضافية كالخالقية و الرازقية و غيرهما اُمور اعتبارية انتزاعية عن مقام الفعل بعد فرض تحقق الذات قبله، لا حقايق عينية فهي خارجةعن الصفات التي يبحث عن عينيتها مع الذات أو زيادتها عليها، و لا كمال في نفس الإضافة حتي يكون فقدانها في الذات موجباً لنقص الذات، إذ الكمالات حقايق عينية لا اُمور اعتبارية انتزاعية، بل الإضافات المذكورة تنتزع بعد قيومية المبدأ المتعال لكل الاشياء و هي ليس إلا بعد تمامية الذات و كماله، فهذه الإضافات متفرعة علي كمال الذات لا أنها موجبة للكمال (1)..

لما عرفت من أنه تعالي

صرف الوجود و كماله المعبر عنه بواجب الوجود، إذ مع فرض كونه واجب الوجود يستحيل أن يكون ممكن الوجود و إلاّ

- - - - - - -

1) راجع گوهر مراد للمحقق اللاهيجي: ص 177 و غيره.

72

لزم الخلف في وجوب وجوده، فالواجب مقتضٍ لسلب الإمكان عنه و هذا السلب الوحيد مساوق لجميع سلوب النقائص عنه، لأن كل نقص من ناحية الإمكان لا الوجوب، فاذا لم يكن للإمكان فيه تعالي سبيل في أي جهة من الجهات فكل نقص مسلوب عنه تعالي بسلب الإمكان عنه، فكماله الوجودي الذي لا يكون له نهاية وحد يصحح سلب جميع النقائص عنه تعالي (1).

ثم إن سلب الجسمية و الصورة و الحركة و السكون و الثقل و الخفة و نحوها بسلب الإمكان عنه واضح. لأن هذه المذكورات من خواص التركيب و عوارضه، إذ المادة و الصورة و الجنس و الفصل لا تكون بدون التركيب، كما أن الحركة و السكون و الثقل و الخفة من أحوال المحدود و الجسم و عوارضه و حيث عرفت أن الواجب تعالي غير محدود بقيدٍ و حدٍ و شيء من الأشياء و غيره محتاج إلي شيء، بل هوصرف الوجود و الكمال و الغني، فلا يكون مركباً من الأجزاء الخارجية المعبر عنها بالمادة و الصورة، و لا من الأجزاء الذهنية المعبر عنها بالجنس و الفصل و إلاّ لزم الخلف في صرفيته و وجوبه و لزم الحاجة إلي الأجزاء و لزم توقف الواجب في وجوده علي أجزائه ضرورة تقدم الجزاء علي الكل في الوجود و هو مع وجوب وجوده و ضرورته له محال.

فهذه الصفات امور لا تمكن إلاّ في المهيات الممكنة فإذا سلب الإمكان عنه تعالي سلبت هذه الصفات عنه تعالي

بالضرورة، إما لأن هذه الامور من لوازم بعض أصناف المهيات الممكنة بداهة إنتفاء الأخص بانتفاء الأعم، أو لأن كل نقص من النقائص المذكورة عين المهيات الإمكانية، فطبيعي الممكن متحد مع هذه النقائص فإذا تعلق السلب به كان معناه سلب جميع أفراده و منها هذه النواقص لا أنها منتفية بالملازمة كما أشار إليه المصنف بالإضراب حيث

- - - - - - -

1) راجع الاسفار: ج 6 ص 122.

73

الثبوتية الكمالية (4)، فترجع الصفات الجلالية «السلبية آخر الأمر إلي الصفات الكمالية «الثبوتية». و الله تعالي واحد من جميع الجهات لا تكثر في ذاته المقدسة و لا تركيب في حقيقته الواحد الصمد (5) قال: «بل معناه سلب الجسمية و الصورة … الخ».

إذ سلب الإمكان عنه بأي معني كان سواء اُريد به الإمكان الماهوي أو الإمكان الفقري و الوجودي، يرجع إلي أن الوجود ضروري الثبوت له بحيث لا يحتاج إلي شيء من الاشياء، بل مستقل بنفسه و ذاته، كما أن سلب النقص و الحاجة عنه بقولنا: إنه ليس بجاهل أو ليس بعاجز أو ليس بمركب و نحوها يرجع إلي إيجاب الكمال و إثباته؛ لأن النقص و الحاجة في قوه سلب الكمال، فسلب النقص راجع إلي سلب سلب الكمال و هو ايجاب الكمال، فمعني أنه ليس بجاهل سلب سلب العلم و معناه ايجاب العلم (1)

و بالجملة فهو تعالي حقيقة مطلقة مستقلة غير متناهية واجبة الذات من جميع الجهات، بحيث لا يشذ عنه كمال من الكمالات، بل هو واجدها بالفعل من دون حاجه إلي الغير و لا سبيل للإمكان و القوة و لوازمهما إليه فهو واجب بالذات لذاته.

5) إشارة إلي ما في سورة التوحيد و العجب كل العجب من إفادة السورة المباركة

التوحيد بمراتبه المختلفه من التوحيد الذاتي و الصفاتي، بل الأفعالي بموجز كلامه مع حسن بيانه و إعجاز إسلوبه.

و لقد أفاد و أجاد العلاّمة الطباطبائي قدس سره حيث قال: «والآيتان تصفانه تعالي بصفة الذات و صفة الفعل جميعاً فقوله: «الله أحد» يصفه بالأحدية

- - - - - - -

(1) بداية الحكمه: ص 137 138.

74

التي هي عين الذات و قوله: «الله الصمد» يصفه بانتهاء كل شيء إليه و هو من صفات الفعل، إذ الصمد هو السيد المصمود إليه، أي المقصود في الحوائج علي الإطلاق و الآيتان الكريمتان الاُخريان أعني: «لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفواً احد» تنفيان عنه تعالي أن يلد شيئاً بتجزيه في نفسه، فينفصل عنه شيء من سنخه بأي معني أريد من الانفصال و الاشتقاق، كما يقول به النصاري في المسيح -: إنه ابن الله و كما يقول الوثنية في بعض آلهتهم: إنهم أبناء الله سبحانه و تنفيان عنه أن يكون متولداً من شيء آخر و مشتقاً منه بأي معني اُريد من الاشتقاق كما يقول الوثنية. ففي آلهتهم من هو إله أبو إله، و من هو آلهة أُم إله، و من هو إله ابن إله، و تنفيان، أن يكون له كفوء يعدله في ذاته أو في فعله و هو الايجاد و التدبير (1).

و لقد زاد أيضاً بأن الذي بينه القرآن الكريم من معني التوحيد أول خطوة خطيت في تعليم هذه الحقيقة من المعرفة، غير أن أهل التفسير و المتعاطين لعلوم القرآن من الصحابة و التابعين ثم الذين يلونهم، أهملوا هذا البحث الشريف. فهذه جوامع الحديث و كتب التفسير المأثوره منهم لا تري فيها أثراً من هذه الحقيقة لا ببيان شارح و

لا بسلوك استدلالي، و لم نجد ما يكشف عنها غطاءها إلاّ ما ورد في كلام الإمام علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة و السلام خاصة، فإن كلامه هو الفاتح لبابها و الرافع لسترها و حجابها علي أهدي سبيل و أوضح طريق من البرهان، ثم ما وقع في كلام الفلاسفة الإسلاميين بعد الألف الهجري، و قد صرحوا بأنهم استفادوه من كلامه (2)

و يشهد لما ذكره ما رواه في «نورالثقلين» عن الكافي عن محمّد بن يحيي، عن احمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن

- - - - - - -

1) الميزان: 20 ص 545.

(2) الميزان: ج 6 ص 109.

75

ولا ينقضي العجب من قول من يذهب إلي رجوع الصفات الثبوتية إلي الصفات السلبية لما عزّ عليه أن يفهم كيف أن صفاته عين ذاته فتخيل أن الصفات الثبوتية ترجع إلي السلب ليطمئن إلي القول بوحدة الذات و عدم يكثرها، فوقع بما هوأسوأ اذ جعل الذات التي هي عين الوجود و محض الوجود و الفاقدة لكل نقص، وجهة إمكان جعلها عين العدم و محض السلب أعاذنا الله من شطحات الأوهام و زلات الاقلام (6)

حميد قال: سئل علي بن الحسين صلوات الله عليه عن التوحيد فقال: إن الله عزَّوجل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون، فأنزل الله تعالي «قل هو الله احد» و الآيات من أول سورة الحديد إلي قوله: «عليم بذات الصدور» فمن رام وراء ذلك فقد هلك (1).

6) و جعل الذات عين العدم و محضه فاسد و واضح البطلان، إذ العدم ليس بشيء و لا شيء له حتي يعطي شيئاً إلي غيره و حيث أن كل كمال أمر وجودي

و ينتهي إليه تعالي، علم أنه محض الوجود و عينه، إذ معطي الشيء لا يكون فاقداً له، بل لا يخلطه العدم و لا يشوبه العدم؛ لأنه كما عرفت في أدلة اثبات المبدأ صرف الوجود و كمال الوجود من دون أن يكون له حد و قيد و شرط و هذا من خصيصة واجب الوجود، إذ غيره أياً ما كان، محدود بحد و قيد و بعبارة اُخري مركب من أيس و ليس و ايجاب و سلب كالإنسان، فإنه إنسان و ليس بملك و جن مثلاً في حاق وجوده، فإنه محدود في وجوده و ليس بمطلق فيه و هكذا غيره من سائر الممكنات و لذا قلنا مراراً: إن واجب الوجود

- - - - - - -

1) نور الثقلين: ج 5 ص 706 ح 46.

76

كما لا ينقضي العجب من قول من يذهب إلي أن صفاته الثبوتية زائدة علي فقال بتعدد القدماء و وجود الشركاء لواجب الوجود، أو قال بتركيبه تعالي عن ذلك، قال مولانا أمير المؤمينن و سيد الموحدين عليه السلام: «وكما الاخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف و شهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، و من قرنه فقد ثنَّاه و من ثنّاه فقد جزأه و من جزأه فقد جهله …» نهج البلاغة، الخطبة الاُولي (7)

لا يشذ عنه كمال من الكمالات، فهو محض الكمال و عينه و صرف الكمال و لا سبيل للعدم إلي ذاته.

ولا ينافي ما ذكر، حمل الصفات السلبية عليه تعالي ككونه ليس بجسم؛ لما مر من أنها ترجع إلي سلب السلب و هو ايجاب الكمال، إذ لا سبيل للسلب المحض و مفهوم العدم المطلق إلي

ساحة قدسه، فالسلب لابد أن يكون إضافياً و مرجع السلب الإضافي إلي نفي النقائص و النقائص هي اُمور وجودية مشوبة بحدود عدمية و سلب الحدود العدمية يرجع إلي إثبات الاطلاق الوجودي و هو عين الكمال و محضه و بقية الكلام في محله (1).

لقد أجاد في توضيح فقرات الخطبة ابن ميثم البحراني حيث قال: أما قوله: «لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف» و بالعكس فهو توطئة الاستدلال ببيان المغايرة بين الصفة و الموصوف، و المراد بالشهادة هاهنا شهادة الحال، فإن حال الصفة تشهد بحاجتها إلي الموصوف و عدم قيامها بدونه و حال الموصوف تشهد بالاستغناء عن الصفة و القيام بالذات بدونها، فلا تكون الصفة

- - - - - - -

1) راجع النهاية: ص 243 244 و تعليقتها: ص 438.

77

نفس الموصوف و أما قوله: «فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه» فهو ظاهر؛ لأنه لما قرر كون الصفة مغايرة للموصوف لزم أن تكون زائدة علي الذات، غير منفكة عنها، فلزم من وصفه بها أن تكون مقارنة لها و إن كانت تلك المقارنة علي وجه لا يستدعي زماناً و لا مكاناً. و أما قوله: «ومن قرنه فقد ثنّاه» فلأن من قرنه بشيء من الصفات فقد اعتبر في مفهومه أمرين: أحدهما الذات و الآخر الصفة. فكان واجب الوجود عبارة عن شيئين أو أشياء فكانت فيه كثرة و حينئذٍ ينتج هذا التركيب: إن من وصف الله سبحانه فقد ثنّاه و أما قوله: «ومن ثنّاه فقد جزأه» فظاهر. أنه إذا كانت الذات عبارة عن مجموع اُمور كانت تلك الاُمور أجزاء لتلك الكثرة من حيث أنها تلك الكثرة و هي مبادئ لها، وضم هذه المقدمة إلي نتيجة التركيب الأول ينتج أن من وصف

الله سبحانه فقد جزأه و أما قوله: «ومن جزأه فقد جهله» فلأن كل ذي جزء فهو يفتقر إلي جزء و جزئه غيره، فكل ذي جزء فهو مفتقر إلي غيره و المفتقر إلي الغير ممكن فالتصور في الحقيقة لأمر هو ممكن الوجود لا واجب الوجود بذاته، فيكون إذن جاهلاً به و ضم هذه المقدمة إلي نتيجة ما قبلها ينتج أن من وصف الله سبحانه فقد جهله و حينئذٍ يتبين المطلوب و هو أن كمال الاخلاص له نفي الصفات عنه، إذ الاخلاص له و الجهل به مما لا يجتمعان، و إذا كان الاخلاص منافياً للجهل به الذي هو لازم لإثبات الصفة له، كان إذن منافياً لإثبات الصفة له؛ لأن معاندة اللازم تستلزم معاندة الملزوم و إذ بطل أن يكون الاخلاص في إثبات الصفة له، تثبت أنه في نفي الصفة عنه، إلي أن قال: و ذلك هو التوحيد المطلق و الاخلاص المحقق الذي هو نهاية العرفان و غاية سعي العارف من كل حركة حسية و عقلية (1).

- - - - - - -

1) شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني: ج 1 ص 123.

78

ثم إن هاهنا سؤالاً و هو أن مقتضي كلام الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام هو أنه تعالي لا يوصف بشيء من الصفات فكيف يجتمع هذا مع توصيفه بالأوصاف المشهورة كالعلم و القدرة و الحياة و السمع و البصر و غيرها؟

يمكن الجواب عنه بأن مقتضي الجمع بين قوله المذكور و بين قوله عليه السلام في صدر هذه الخطبة في توصيفه تعالي: «الذي ليس لصفته حد محدود و لا نعت موجود و لا وقت معدود و لا اجل محدود» هو أن له صفة غير محدود و

حيث أن غير المحدود لا يتكرر و لا يتثني، فصفته متحدة مع ذاته التي تكون غير محدود و عليه يرجع إثبات الصفة إلي الصفة المتحدة مع الذات، كما أن النفي يرجع إلي الصفات المحدودة الزائدة علي الذات فلا منافاة (1). كما ارتفعت المنافاة بين ذيل تلك الخطبة و توصيفه تعالي في الكتب الإهية و السنن القطعية بالأوصاف المشهورة و لابن ميثم هنا جواب آخر أغمضنا عنه و أحلناه إلي مقام آخر فراجع.

دفع شبهات

دفع شبهات

إن الماديين ذهبوا إلي مقالة سخيفة و هي إنكار المبدأ المتعال مع أن هذه المقالة لا يساعدها دليل عقلي و لا دليل عقلائي، بل يدلان علي خلافها و لا بأس بالاشارة إليها و الجواب عنها هنا (2).

ولا يخفي عليك أنهم ذهبوا إلي ما ذهبوا، إما فراراً من التكليف فإن الاعتقاد بالمبدأ و المعاد يحدد الحرية الحمقاء، مع أن التحديد الإلهي يوجب

- - - - - - -

1) راجع جهان بين: ص 56.

2) راجع كتاب «فلسفتنا» ، و كتاب «آموزش عقائد» و غيره من الكتب.

79

الحرية الحقيقية ولكنهم يطلبون الراحة و عدم المسؤولية و إشباع الأهواء و الميول النفسانية، و يزعمون أن الحرية في إطلاق النفس في هذه الاُمور و إما اشمئزازاً من عمل بعض الداعين إلي الدين كأرباب الكنيسة في عهد رنسانس، مع أن العمل سيما عن بعض الداعين لا يلزم بطلان الدعوي و أما من جهة أوهام و شبهات، مع أنهم لو رجعوا فيها إلي علماء الدين لما بقي لهم فيها شبهة، ولكنهم لم يرجعوا عناداً أو غروراً، أو رجعوا إلي من لم يكن أهلاً لذلك «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» (1).

و كيف مكان فمن جملة شبهاتهم: أنهم يقولون كيف

يمكن أن نعتقد بما لا يكون قابلاً للادراك الحسي، مع أنه لا دليل علي حصر الوجود في المحسوس بالادراكات الحسية كالسمع و البصر و الشامة و الذائقة و اللامسة؛ لوجود أشياء من الماديات فضلاً عن المجردات لا تدرك بتلك الادراكات، كبعض الأصوات التي لا تدرك إلاً بآثارها، مثل الأمواج فوق الصوتية أو دونها التي لا نقدر علي سماعها و الأنوار التي لا تُحسُّ إلاّ بآثارها كالأشعة غير المرئية مما يكون قبل اللون الاحمر و دونه، أو بعد البنفسجي و فوقه، هذا مضافاً إلي النفس و أفعالها من الادراك و التصور و صفاتها و أحوالها من الخوف و الرجاء و المحبة و العداوة و الإرادة و الترديد و اليقين و الظن و الحزن و الفرح و الاقبال و الادبار و غير ذلك مما نجدها في أنفسنا، و لا يمكن ادراكها بالادراكات الحسية و لا نعلم بها في غير أنفسنا إلاّ بآثارها.

و مما يشهد علي وجود النفس وراء البدن هو إحضار الأرواح و إرسالها و تجريدها و المنافات الصادقة و غيرها و بالجملة فالله تعالي حقيقة غير محسوسة بالحواس، سئل مولانا علي بن موسي الرضا عليهما السلام «كيف هو و أين

- - - - - - -

1) النحل: 43.

80

هو؟ قال: ويلك، إن الذي ذهبت إليه غلط هو أين الأين و كيف الكيف بلا كيف، فلا يعرف بالكيفوفية و لا بأينونية و لا يدرك بحاسة و لا يقاس بشيء فقال السائل الملحد: فإذا أنه لا شيء إذا لم يدرك بحاسة من الحواس. فقال أبوالحسن عليه السلام: ويلك لمّا عجزت حواسك عن ادراكه أنكرت ربوبيته و نحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنّا أنه ربنا بخلاف شيء من الاشياء»

(1)

ومن جملة شبهاتهم: أنهم يقولون: أن الاعتقاد بالمبدأ ناشٍ عن الوهم لا البرهان، فإن الموحدين لما رأوا بعض الحوادث و لم يعرفوا عللها الطبيعية اعتقدوا بأنها من ناحية الله، و لذا كلما كشفت العلل الطبيعية صار هذا الاعتقاد ضعيفاً.

مع أنه فاسد؛ لأن كثيراً من المعتقدين عَبر التاريخ لاسيما في عصرنا هذا، من العالمين بأسرار الطبيعية في الجملة و مع ذلك اعتقدوا بالمبدأ المتعال، و ازدادوا في الايمان و الاعتقاد بإزدياد كشف العلل المذكورة. فالاعتقاد بالمبدأ ليس ناشياً عن الجهل بالأسباب و العوامل، بل ناشٍ عن النظم المشاهد في العالم أو الإمكان الذي لا يشذ عنه شيء مما سوي الله، سواء عرفت الأسباب أو لم تعرف، بل كلما ازدادت المعرفة بها زادتهم ايماناً، و لا وجه لنسبة استناد الايمان إلي الوهم في جميع المعتقدين و الموحدين، و لو سلم ذلك في شرذمة من المعتقدين فلا يضر بصحة الاعتقاد بالمبدأ بعد كونه مبتنياً علي اصول أصلية عقلية، أو عقلائية في جلهم.

ومن جملة شبهاتهم: أنهم يقولون: إن مقتضي كلية أصل العلية هو أن يكون للمبدأ أيضاً علة اُخري، مع أن المعتقدين بالمبدأ يجعلونه العلة الاولي و ينقضون بقولهم ذلك كلية الاصل المذكور؛ لتوقف العلية عندهم علي المبدأ و مع عدم

- - - - - - -

(1) الاصول من الكافي: ج 1 ص 78.

81

كلية الأصل المذكور لا مجال للالتزام بانتهاء العلل و المعلولات إلي الواجب، لجواز توقف العلية علي غيره أيضاً بعد عدم كلية الأصل المذكور.

ولكنهم لم يتأملوا فيما ذكره الموحدين و إلاّ لم يقعوا في هذه الشبهه، فإن الموحدين لا يقولون: بأن كل شيء يحتاج إلي علة حتي يلزم ذلك، بل يقولون: إن كل معلول يحتاج إلي علة

و من المعلوم ان المبدأ الواجب الوجود ليس بمعلول فهو غير مشمول للأصل المذكور، فلا يلزم من القول بكون المبدأ المتعال هو العلة الاُول للأشياء، بقض، للأصل المذكور كما لا يخفي.

ومن جملة شبهاتهم: أنهم يقولون: إن ما تنهي إليه الكشفيات الجديدة في العلم الكيمياوي أن مقدار المادة و وزنها ثابتة و لا يزاد عليه في التبدلات و التحولات و لا ينقص، فلا يوجد شيء من العدم و لا يعدم شيء رأساً بعد وجوده و عليه فلا حاجة إلي سبب خارجي مع أن الموحدين إعتقدوا بأن الأشياء مخلوقة من العدم.

و اُجيب عنه: بأن قانون بقاء المادة علي فرض صحة (1) أصل علمي و تجربي، فلا يعم بالنسبة إلي غير مورد التجربة من السابق و اللاحق، فلا يمكن به حل مسألة فلسفية و هي أن المادة هل تكون أزلية و أبدية أم لا؟ بل يحتاج فيه إلي العلوم العقلية، هذا مضافاً إلي أن ثبات مقدار المادة و الطاقة في التحولات و التغييرات لا يستلزم غناءها عن العلة بعد وجود ملاك الحاجة فيها و هو الإمكان و افتقارها الوجودي و هو أمر يدوم بدوامها، فالمادة مخلوقة و باقية بإذنه تعالي فهي محتاجة إليه تعالي في حدوثها و بقائها.

هذا مضافاً إلي تجدد الحياة و الشعور و نحوهما في كل لحظة مع أنها ليست من قبيل المادة و الطاقة حتي ينافي ازديادها أو نقصانها مع أصل بقاء المادة و الطاقة.

- - - - - - -

1) راجع دروس في اصول الدين: ص 33 37.

82

ثم إن الخلق بإعتقاد الموحدين ليس ناشئاً عن العدم، إذ العدم فقد، و الفاقد لا يعطي شيئاً، بل هو ناشٍ من إيجاده تعالي و هو عين الوجود.

و

من جملة شبهاتهم: أنهم يقولون علي قاعدة تطور الأنواع و خروج بعضها من بعض: إن كل نوع متولد من نوع آخر، فالإنسان متولد من الحيوان كما تشهد الآثار الحفرية علي أنه متولد من القردة، مع أن الإلهيين اعتقدوا بأن الله خلق كل واحد من الأنواع علي حدة.

و اُجيب عنه: بأن فرضية التطور علي فرض صحتها في مورد، لا دليل علي عمومها و شمولها؛ لأن التجرية لا تقدر علي إثبات القاعدة و القانون من دون ضميمة البراهين و العلوم العقلية، فدعوي تطور كل نوع من نوع آخر بمجرد تجربة تولد نوع من نوع، لا دليل عليها.

هذا مضافاً إلي أن المكشوف بالآثار الحفرية هو التكامل و التطور في ناحية من النواحي كالأعضاء أو الصفات في نوع، لا تولد نوع من نوع؛ و لذلك قال العلاّمة الطباطبائي قدس سره: «ولم يعثر هذا الفحص و البحث علي غزارته و طول زمانه عل فرد نوع كامل متولد من فرد نوع آخر علي أن يقف علي نفس التولد دون الفرد و الفرد و ما وجد منها شاهداً علي التغيير التدريجي فإنما هو تغيير في نوع واحد بالانتقال من صفة لها إلي صفة اُخري لا يخرج بذلك عن نوعيته و المدعي خلاف ذلك» (1).

و قال في موضع آخر: «إن التجارب لم يتناول فرداً من أفراد هذه الأنواع تحول إلي فرد من نوع آخر كقردة إلي إنسان و إنما يتناول بعض هذه الأنواع من حيث خواصها و لوازمها و إعرضها إلي أن قال: فالحقيقة التي يشيرإليها القرآن الكريم من كون الإنسان نوعاً مفصولاً عن سائر الأنواع غير معارضة

- - - - - - -

1) الميزان: ج 16 ص 272.

83

بشيء علمي» (1).

و الأضعف منه

هو دعوي منافاة قاعدة تطور الأنواع للاعتقاد بالمبدأ المتعال، فإن التطور و التكامل علي فرض صحته في الأنواع يكون بنفسه آية لوجود المبدأ المتعال؛ لانه يحتوي نظماً و انسجاماً خاصاً لا يمكن أن يتحقق بدون وجود ناظم حكيم ذي شعور.

هذا مضافاً إلي أن النظام المتطور أيضاً من الممكنات التي يستحيل أن تكون موجودة بدون الانتهاء إلي الواجب المتعال و يشهد له أن كثيراً من المعتقدين بفرضية تطور الأنواع كانوا من المعتقدين بالله تعالي.

و من جملة شبهاتهم: أنهم يقولون: بأن المادة أزلية و أبدية و بإصطلاح الموحدين هي واجب الوجود. فلا حاجةْ إلي سبب و علة خارجية.

و اُجيب عن ذلك:

أولاً: بأن الدليل التجربي الذي لا يحكي إلاّ عن موارد التجربة لا يقدر علي حل المسألة الفلسفية و هي أن المادة هل تكون أزلية و أبدية أم لا؛ لأن السابق و اللاحق خارجان عن دائرة التجربة و حيطتها.

و ثانياً: أن الثابت في العلوم الطبيعية هو إمكان تبديل العناصر الأولية البسيطة بإصطلاح القوم بعضها إلي بعض كتحويل اليورانيوم إلي عنصر الراديوم و منه إلي الرصاص، أو تبديل المادة إلي الطاقة و الطاقة إلي المادة و ثبت أيضاً أن من الممكن أن يتحول بعض أجزاء الذرة إلي جزء آخر كتحويل بروتون أثناء عملية الذرة إلي نيوترون و بالعكس (2) و هو أحسن شاهد علي أن العناصر، بل المادة و الطاقة بما هي عناصر و مادة و طاقة لا تكون ذاتية و إلاّ فلم تتخلف. فهذه بالنسبة إلي المادة عوارض و حيث أن لكل صفة عارضة، علة

- - - - - - -

1) الميزان: ج 4 ص 154.

2) راجع فلسفتنا: ص 320.

84

خارجية، فلهذه العناصر و المادة و الطاقة علة خارجية،

فبان أن ذات المادة في كونها عناصر أو مادة أو طاقة تحتاج إلي سبب خارجي، فحديث غني المادة عن العلة كذب محض (1).

و ثالثاً: أن خوا ص واجب الوجود من كونه عين الفعلية، فلا سبيل للقوة و الاستعداد و الإمكان إليه و من كونه بسيطاً مطلقاً فلا مجال لتوهم الاجزاء الخارجية و الذهنية كالجنس و الفصل له، و من كونه غير مشوب بالعدم فلذا لا يمكن فرض عدمه لا في السابق و لا في اللاحق و غير ذلك من خواصه لا توجد في المادة حتي تكون بإصطلاح الموحدين واجب الوجود، فإن المادة إمكانات له فعليات و من شواهده هو التبدل و التوحل الدائم فيها فهي قبل التحول إلي شيء تكون بالنسبة إليه إمكاناً استعدادياً، و لا تكون هي بالفعل و إنما صارت هي بعد اجتماع الشرائط و الأسباب و حيث إن القوة هي فقدان الفعلية فلا تجتمع قوة الشيء مع فعليته في آن واحد، فالمادة التي تكون قابلة للتحول لا تخلو عن القوة و الاستعداد في حال من الاحوال.

و هكذا أن المادة مركبة، سواء كانت العناصر الأولية أربعة كما عن الأقدمين من اليونانيين: الماء و الهواء و التراب و النار، أو سبعة بإضافة: الكبريت و الزئبق و الملح كما عن بعض آخر غيرهم، أو أزيد إلي أن بلغت إلي إثنين و تسعين ذرة أتم كما انتهت إليه الفيزياء الحديثة في اليورانيوم و هو أثقل العناصر المستكشفة إلي الآن، فرقمه الذري (92) بمعني أن نواته المركزية تشتمل علي (92) وحدة، من وحدات الشحنة الموجبة و يحيط بها ما يماثل هذا العدد من الأكترونات، أي من وحدات الشحنة السالبة (2).

هذا مضافاً إلي أن نفس الذرة أتم أيضاً

مركب؛ لأنها لا تخلو عن الجهات

- - - - - - -

1) راجع فلسفتنا: ص 100.

2) راجع فلسفتنا: ص 317 319.

85

الست و ما لا يخلو عن الجهات الست، ذو أبعاد و مركب و إن لم يكن تجزئتها بالآلات و الأدوات المتعارفة و تسميتها بالجزء البسيط الذي لا يتجزأ، أو الجوهر الفرد، مسامحة في الحقيقة و لعلها باعتبار الأدوات الميسورة. فالمادة أيما صغرت لا تخلو عن التركيب مطلقاً، و من المعلوم أن كل مركب محتاج إلي أجزائه و إلي مؤلف تلك الأجزاء، و الواجب غني عن كل حاجة.

علي أن كل جزء من أجزاء المركب مقدم عليه في الوجود، إذ المركب يتوقف علي أجزائه في الوجود توقف الكل عليها، فالمركب يوجد بعد وجود أجزائه و ليس له قبل وجود تلك الأجزاء وجود، مع أن الواجب تعالي ليس بمركب و لا مسبوق بالعدم، كما أنه ليس بمحدود. و بالجملة أوصاف المادة تتغاير مع أوصاف الواجب فلا تليق بأن واجب الوجود.

و رابعاً: بأن المادة بأن المادة إذا كانت استعداد اً لقبول التطورات و ليست بفعليات، فسبب صيرورة القوة إلي الفعلية: إما عدم و هو كما تري إذ العدم الذي هو لا شيء لا يصلح للتأثير و إما هو نفسها و هو أيضاً فاسد؛ لأنها في حال كونها قوة فاقدة الفعليات، إذ يستحيل أن تجتمع قوة الأشياء مع فعليتها في حال واحد، فانحصر الأمر إلي أن السبب هو غير المادة و هو الله تعالي.

و خامساً: أن ملاك الحاجة إلي العلة موجود في المادة أيضاً، فإنها ممكنة الزوال، إذ لا يلزم من فرض عدمها محال و كل ما لايلزم من فرض عدمه محال فهو ممكن الزوال و من المعلوم أن الشيء

الذي يمكن زواله ليس بواجب، بل هو ممكن من الممكنات التي تحتاج في وجودها إلي الواجب تعالي.

«ذالكم الله ربكم لا إله إلاّ هو خالق كل شيء فاعبدوه و هو علي كل شيء وكيل» (1).

- - - - - - -

1) الانعام: 102.

86

و مما ذكر يظهر أيضاً سخافة ما ذهبت إليه الماركسية، فإن فرضياتهم مبتنية علي اُصول مخدوشة مرّ ضعف بعضها، كأزلية المادة و لقد أفاد و أجاد في بيان وهن تلك الاُصول، الشهيد الصدر قدس سره في فلسفتنا (1)، فلا دليل للماديين إلاّ الوهم و الخرص، كما نص عليه في قوله عزَّوجل: «وقالوا ما هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت و نحيا و ما يهلكنا إلاّ الدهر و ما لهم بذلك من علم إن هم إلاّ يظنون» (2).

- - - - - - -

1) راجع أيضاً إلي كتاب: نقدي فشرده بر اُصول ماركسيسم و كتاب: پاسداري از سنگرهاي ايدئولوژيك و غيرذلك.

2) الجاثية: 24.

4 - عقيدتنا بالعدل

الاشاره

و نعتقد أن من صفاته تعالي الثبوتية الكمالية أنه عادل غير ظالم، فلا يجوز في قضائه، و لا يحيف في حكمه، يثيب المطيعين، و له أن يجازي العاصين و لا يكلف عبادة ما لا يطيقون، و لا يعاقبهم زيادة علي ما يستحقون و نعتقد انه سبحانه لا يترك الحسن عند عدم المزاحمة، و لا يفعل القبيح؛ لأنه تعالي قادر علي فعل الحسن و ترك القبيح، مع فرض علمه بحسن الحسن و قبيح القبيح و غناه عن ترك الحسن و عن فعل القبيح، فلا الحسن يتضرر بفعله حتي يحتاج إلي تركه، و لا القبيح يفتقر إليه حتي يفعله.

و هو مع كل ذلك حكيم، لابد أن يكون فعله مطابقاً للحكمة و علي حسب النظام الأكمل،

فلو كان يفعل الظلم و القبيح تعالي عن ذلك فإن الأمر في ذلك لا يخلو عن أربع صور:

1 أن يكون جاهلاً بالإمر فلا يدري أنه قبيح.

2 أن يكون عالماً به، ولكنه مجبور علي فعله و عاجز عن تركه.

3 أن يكون عالماً به و غير مجبور عليه، ولكنه محتاج إلي فعله.

88

4 أن يكون عالماً به و غير مجبور عليه، و لا يحتاج إليه، فينحصر في أن يكون فعله له تشهياً و عبثاً و لهواً و كل هذه الصور محال علي الله تعالي و تستلزم النقص فيه و هو محض الكمال فيجب أن نحكم أنه منزه عن الظلم و فعل ما هو قبيح (1)

(1) يقع الكلام في مقامات:

الأول:

في أن العدل صفة فعل أو صفة ذات، و الظاهر من عبارة المصنف أنه صفة ذاته تعالي؛ لعدّة من الصفات الثبوتية في صدر الفصل الأول من الإهيات و لتصريحه هنا أيضاً بأنه من الصفات الثبوتية الكمالية.

ومن المعلوم أن الصفات الفعلية منتزعة عن مقام الفعل و خارجة عن الذات و متأخرة عنه، فلا يمكن أن تكون من الصفات الثبوتية الكمالية، فلزم أن يكون العدل عنده وصفاً للذات، حتي يمكن أن يكون من الصفات الثبوتية الكمالية.

ولكنه ممنوع؛ لأن العدل الذي هو ضد الظلم محل الكلام و هو صفة الفعل لا صفة الذات، فإنه بمعني «إعطاء كل ذي حق حقه» و أما العدل بمعني تناسب الأجزاء و استوائها و اعتدالها، فهو مضافاً إلي أنه خارج عن محل الكلام، لا يليق بجنابه تعالي، فإنه من أوصاف المركبات و عليه فاللازم جعل العدل من صفات الفعل كما ذهب إليه الأكابر، منهم العلاّمة قدس الله روحه حيث قال: و المراد بالعدل هو تنزيه الباري تعالي عن فعل

القبيح و الاخلال بالواجب.

نعم يكون منشأُه كماله الذاتي، كسائر صفاته الفعلية و إليه يؤول ما حكي عن المحقق اللاهيجي من أن المراد من العدل هو اتصاف ذات الواجب

- - - - - - -

(1) شرح الباب الحادي عشر: مبحث العدل. ص 28.

89

تعالي بفعل حسن و جميل و تنزيهه عن الظلم و القبيح، و بالجملة فكما أن التوحيد كمال الواجب في ذاته و صفاته، كذلك العدل كمال الواجب في أفعاله (1).

و مما ذكر في العدل من أنه صفة فعله لا صفة ذاته تعالي، يظهر أن الحكمة بناءً علي أنها بمعني إتقان الفعل و استحكامه، أيضاً من صفات الفعل، باعتبار اشتماله علي المصلحة، فهو تعالي حكيم في أفعاله. نعم أنها من صفات الذات بناءً عل أن المراد منها هو العلم و المعرفة بالأشياء و موضعها اللائقة بها (2).

الثاني:

في استحقاق المثوبة و العقاب: و لا يخفي أن الظاهر من المصنف هو أن الإثابة علي الطاعات مقتضي العدل و الإخلال بها ظلم، بخلاف مجازاة العاصين فإنه غبر قيه بقوله: و له أن يجازي العاصين و ذلك لما هو المسلم عندهم من أن ترك عقاب العاصي جائز؛ لأنه من حق المعاقب و المجازي.

و فيه أولاً: أن الإثابة علي الطاعات من باب التفضل دون الإستحقاق، إذ العبد و عمله كان لمولاه، فلا يملك شيئاً حتي يستحق به الثواب عليه تعالي، هذا مضافاً إلي أن حق المولي علي عبده أن ينقاد له في أوامره و نواهيه، فلا معني لاستحقاق العبد عليه عوضاً. اللهم إلاّ أن يقال: بأن الله سبحانه تعالي، اعتبر من باب الفضل عمل العباد ملكاً لهم، ثم بعد فرض مالكيتهم لعملهم، جعل ما يثيبهم في مقابل عملهم، أجراً له، و

القرآن مليء من تعبير الأجر علي ما أعطاه الله تعالي في مقابل الأعمال الصالحة و قد قال الله تعالي: «إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة» (3)، فبعد التفضل المذكور و اعتبار مالكيتهم يستحقون الثواب بالاطاعة و بقية الكلام في محله (4).

- - - - - - -

1) سرمايه ايمان: ص 57 59.

2) راجع أنوار الهدي: ص 112 شرح التجريد: ص 185.

3) التوبة: 111.

4) راجع تعليقة المحقق الاصفهاني علي الكفاية: ج 1 ص 331.

90

و ثانياً: أن ترك عقاب العاصين في الجملة لا كلام فيه؛ لأنه من باب الفضل و العفو و أمّا بالجملة فلا، لاستلزامه لغوية التشريع و التقنين و ترتيب الجزاء علي العمل (1)، و لتضييع حقوق الناس بعضهم علي بعض، فتأمل.

الثالث:

في معني العدل: و لا يخفي عليك أن العدل في الامور كما في المصباح المنير هو القصد فيها و هو خلاف الجور و يقرب منه معناه المعروف من أن العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه، و ظاهره هو اختصاصه بما إذا كان في البين حق، و الاّ فلا مورد له، فإعطاء الفضل و النعم، مع تفضيل بعض علي بعض، لا ينافي العدالة و لا يكون ظلماً، إذ الذين أنعم عليهم لا حق لهم في التسوية حتي يكون التبعيض بينهم نافياً للعدالة، نعم لابد أن يكون التفضيل و التبعيض لحكمة و مصلحة و هو أمر آخر، فإذا كان ذلك لمصلحة فلا ينافي الحكمة أيضاً، فالتسوية بين الناس من دون استحقاق التسوية ليست بعدل، كما أن التسوية في خلقة الموجودات، من دون اشتمالها علي المصلحة ليست بحكمة و بالجملة فالعدل هو إعطاء كل ذي حق حقه و الحكمة هو وضع

الشيء في محله و النسبة بينهما هو العموم و الخصوص مطلقاً، فإن الحكمة بالمعني المذكور صادقة علي كل مورد من موارد صدق العدل بخلاف العكس. إذ الموارد التي ليس فيها حق في البين و مع ذلك تشتمل علي المصلحة، تكون من موارد صدق الحكمة دون صدق العدل.

نعم قد يستعمل العدل بمعني الحكمة فيكون مرادفاً لها و لعل منه قول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: «و لعدله في كل ماجرت عليه صروف قضائه» (2).

- - - - - - -

1) راجع تفسير الميزان: ج 15 ص 356.

2) نهج البلاغة لفيض الاسلام، خطبه / 207.

الرابع:

في مرجع العدل و الحكمة و لا يذهب عليك أن مرجع العدل و الحكمة إلي أنه تعالي لا يفعل القبيح و لا يترك الحسن. إذ تقبيح الحق و عدم إعطاء كل ذي حق حقه ظلم و قبيح، كما أن وضع الشيء في غير محله عبث و قبيح، فمن لا يفعل القبيح و يترك الحسن، يعدل في حقوق الناس و يكون حكيماً في جميع أفعاله.

ثم الدليل علي أنه لا يفعل القبيح و لا يترك الحسن، هو ما أشار إليه المصنف قدس سره من أنه تعالي محض الكمال و تمامه و حاصله أن القبيح لا يناسبه و لا يليق به و قاعدة السيخية بين العلة و المعلول، تقتضي أن لايصدر منه تعالي إلاّ ما يناسب ذاته الكامل و الجميل و إلاّ لزم الخلف في كونه محض الكمال و هو محال و أيضاً تحقق القبيح و الظلم من دون داع و علة محال؛ لأن الداعي إلي فعل القبيح، إما الحاجة أو الإجبار عليه و العجز عن تركه أو الجهل، بالقبيح، أو العبث و كلها منفية في

ذاته تعالي، بعد وضوح كونه كمالاً مطلقاً و غنياً عن كل شيء و قادراً علي كل شيء و غير مريد إلاّ المصلحة، فتحقق القبيح بعد عدم وجود الداعي و العلة يرجع إلي وجود المعلول بدون العلة و هو واضح الاستحالة.

و عليه فلا حاجة في إثبات العدل و الحكمة إلي قاعدة التحسين و التقبيح و إن كانت تلك القاعدة صحيحة محكمة و يترتب عليها المسائل المهمة الكلامية: كوجوب معرفة المنعم و شكره و لزوم البعثة و حسن الهداية و قبح الإضلال و المسائل الاصولية: كقبح العقاب بلا بيان و قبح عقاب القاصرين و قبح تكليف ما لايطاق و غيره ذلك.

ولكن ذهب أكثر علماء الإمامية و المعتزلة إلي الاستدلال بتلك القاعدة لإثبات العدل و سيأتي إنشاء الله تقريبها و ما قيل أو يقال حولها.

و كيف كان فالاستدلال بما أشارإليه المصنف أولي من الاستدلال بتلك القاعدة؛ للاختصار و لكونه أبعد عن الإشكال و النقض و الإبرام، هذا مضافاً

92

غير أن بعض المسلمين (2) جوز عليه تعالي فعل القبيح تقدست أسماوه فجوز أن يعاقب المطيعين و يدخل الجنة العاصين بل الكافرين إلي ما أشار إليه الاستاذ الشهيد المطهري قدس سره من أن الحكماء يعتقدون بأنه تعالي عادل في أفعاله، و لكن لا يستندون فيه إلي قاعدة الحسن و القبيح التي يكون فيها نوع من تعيين التكليف الوظيفة لله تعالي (1) و إن أمكن أن يقال: إن معني الوجوب العقلي في أمثال القاعدة ليس إلاّ ادراك العقل للضرورة، كضرورة ثبوت الحسن لعنوان العدل، أو ثبوت القبح لعنوان الظلم؛ لكون العنوانين علة تامة لهما و كشف المناسبات، كما مرت الإشارة إليه سابقاً، فالقاعدة لا يشتمل علي التكليف و الوظيفة حتي لا يليق

تعيين التكليف بالنسبة إليه تعالي و لعل إليه يشير ما في شرح الأسماء الحسني، حيث قال: فإذا اعترفتم بعقلية حسن الإحسان و ممدوحية فاعله عند العقل بمعني صفة الكمال أو موافقة الغرض، لزمكم الاعتراف بعقليته بمعني ممدوحية فاعله عندالله، إذ كل ما هو ممدوح أو مذموم عند العقل الصحيح بالضرورة أو بالبرهان الصحيح فهو ممدوح، أو مذموم في نفس الأمر و إلاّ لتعطل العقل و لتطرق الطريقة السوفسطائية و كل ما هو ممدوح أو مذموم في نفس الأمر فهو ممدوح أو مذموم عندالله و إلاّ لزم جهله بما في نفس الأمر، تعالي عن ذلك علواً كبيراً (2).

فما أدركه العقل من حسن العدل و قبح الظلم و ممدوحية فاعل الأول و مذمومية فاعل الثاني معلوم للحق المتعال و من المعلوم أنه تعالي لا يفعل إلاّ علي ما اقضاه علمه، فلا يفعل القبيح و لا يترك الحسن..

هم الأشاعرة الذين خالفوا مع المعتزلة في مسائل، منها: مسألة

- - - - - - -

1) كتاب عدل إلهي: ص 10.

2) شرح الأسماء الحسني: ص 107.

93

التحسين و التقبيح العقليين فإنّ الطائفة الاُولي ذهبوا إلي نفي التحسين و التقبيح العقليين، و تبعوا في تلك المسألة و غيرها عن شيخهم علي بن اسماعيل الأشعري و من ثم سموا بالأشاعرة و ينتهي نسب علي بن اسماعيل إلي أبي موسي الاشعري، و كان علي بن اسماعيل من تلامذة أبي علي الجبائي المعتزلي و توفي ببغداد حوالي سنة 324 و قيل غيرها

ولكن الإمامية و المعتزلة ذهبوا إلي إثبات تلك القاعدة و كيف كان حيث إن هذه المسألة تكون من أهم المسائل الكلامية و يبتني المسائل الكلامية و غيرها فالأولي هو ملاحظة المسألة في كلمات الأعاظم و

الأكابر من القدماء و المتأخرين، حتي يتضح مراد المثبت و النافي و أدلتهم.

كلمات الأكابر حول مسألة التحسين و التقبيح

كلمات الأكابر حول مسألة التحسين و التقبيح

ألف:

قال الشيخ المفيد قدّس سرّه: اقوال: إن الله عزَّوجل عدل كريم، خلق الخلق لعبادته و أمرهم بطاعته و نهاهم عن معيصيته و عمهم بهدايته، بدأهم بالنعم و تفضل عليهم بالإحسان، لم يكلف أحداً إلاّ دون الطاقة و لم يأمره إلاّ بما جعل له عليه الاستطاعة، لا عبث في صنعه، و لا تفاوت في خلقه، و لا قبيح في فعله، جل عن مشاركة عبادة في الأفعال و تعالي عن اضطرارهم إلي الأعمال، لا يعذب أحداً إلاّ علي ذنب فعله، و لا يلوم عبداً إلاّ علي قبيح صنعه، لا يظلم مثقال ذرة، فإن تك حسنة يضاعفها و يؤت من لدنه أجراً عظيماً و علي هذا القول جمهور أهل الإمامة و به تواترت الآثار عن آل محمّد صلّي الله عليه و آله.

- - - - - - -

(1) إحقاق الحق: ج 1 ص 118..

94

و إليه يذهب المعتزلة بأسرها إلاّ ضراراً منها و أتباعه و هو قول كثير من المرجئة (1) الذين يعتقدون بأن مع الايمان لا تضر المعصية و سمّوا بالمرجئة لاعتقادهم بأن الله أرجي تعذبهم إي اخّره عنهم و بعّده أو لاعتقادهم بأن أهل القبلة كلهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر بالايمان، مع رجاء المغفرة لجميعهم (راجع كتاب مولي علي الرازي ص 45 المطبوع في أواخر كتاب منتهي المقال و كتاب فرق الشيعة، ص 27 طبع النجف). و جماعة من الزيدية و المحكمة (2) و نفر من أصحاب الحديث و خالف فيه جمهور العامة و بقايا ممن عددناه و زعموا أن الله تعالي خلق أكثر خلقه لمعصيته وخص بعض عباده

بعبادته و لم يعمهم بنعمه و كلف أكثرهم ما لايطيقون من طاعته و خلق أفعال جميع بريته و عذب العصاة علي ما فعله فيهم من معصيته و أمر بما لم يرد و نهي عما أراد و قضي بظلم العباد و أحب الفساد و كره من أكثر عباده الرشاد، تعالي عما يقول الظالمون علواً كبيراً (3).

ب:

قال المحقق نصير الدين الطوسي قدّس سرّه في قواعد العقائد، في مقام تبيين ما ذهب إليه العدلية من الحسن و القبح العقليين: «فصل الأفعال تنقسم إلي حسن و قبيح و للحسن و القبح معان مختلفة: فمنها أن يوصف الفعل الملايم أو الشيء الملايم بالحسن و غير الملايم بالقبح و منها أن يوصف الفعل أو الشيء الكامل بالحسن و الناقص بالقبيح و ليس المراد هنا هذين المعنيين.

بل المراد بالحسن في الأفعال ما لا يستحق فاعله بسببه ذماً أو عقاباً و بالقبح ما يستحقهما بسببه.

و عند أهل السنة ليس شيء من الأفعال عند العقل بحسن و لا بقبيح و إنما يكون حسناً أو قبيحاً بحكم الشرع فقط و عند المعتزلة أن بديهة العقل تحكم

- - - - - - -

1) الذين يعتقدون بأن مع الايمان لا تضر المعصية و سمّوا بالمرجئة لاعتقادهم بأن الله أرجي تعذبهم إي اخّره عنهم و بعّده أو لاعتقادهم بأن أهل القبلة كلهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر بالايمان، مع رجاء المغفرة لجميعهم (راجع كتاب مولي علي الرازي ص 45 المطبوع في أواخر كتاب منتهي المقال و كتاب فرق الشيعة، ص 27 طبع النجف).

2) و في الملل و النحل للشهرستاني: هم الذين خرجوا علي أميرالمؤمين علي عليه السلام … ج 1 ص 115.

3) أوائل المقالات: ص 24 25.

95

بحسن بعض الأفعال، كالصدق

النافع و العدل و قبح بعضها كالظلم و الكذب الضار، و الشرع أيضاً يحكم بهما في بعض الأفعال و الحسن العقلي ما لا يستحق فاعل الفعل الموصوف به الذم، و القبيح العقلي ما يستحق به الذم، و لاحسن الشرعي ما لا يستحق به العقاب و القبيح ما يستحق به و بازاء القبح، الوجوب، و هو ما يستحق تارك الفعل الموصوف به الذم و العقاب و يقولون: إن الله تعالي لا يخل بالواجب العقلي، و لا يفعل القبيح العقلي البته و إنما يخل بالواجب و يرتكب القبيح جاهل أو محتاج، و احتج عليهم أهل السنة بأن الفعل القبيح كالكذب مثلاً، قد يزول عند اشتماله علي مصلحة كلية عامة و الأحكام البديهية ككون الكل أعظم من الجزء لا يمكن أن يزول بسبب أصلاً» (1).

ج:

قال العلامة الحلي قدّس سرّه في شرحه عليها، المسمّي بكشف الفوائد: «فعند الاشاعرة أنّه لا حسن و لا قبح عند العقل، بل الحسن ما أسقط الشارع العقاب عليه و القبيح ما علق الشارع العقاب بفعله و ليس للفعل صفة باعتsبارها يكون حسناً أو قبيحاً و إنما الحسن و القبيح يجعل الشارع، فكل ما أمر به فهو حسن، وكل ما نهي عنه فهو قبيح.

و قالت المعتزلة: إن من الاشياء ما هو حسن في نفسه، لا باعتبار حكم الشارع و منه ما هو قبيح في نفسه لا بحكم الشارع و الفعل الحسن يشتمل علي صفة تقتضي حسنه و كذا القبيح و بعضهم عللهما بذوات الأفعال لا بصفاتها و جعلوا الشرع كاشفاً عما خفي منها، لا سبباً فيهما، فمن الأشياء ما يعلم بضرورة العقل حسنه أو قبحه، كحسن الصدق النافع و قبح الكذب الضار و حسن الاحسان

و قبح الظلم و منها ما يعلم حسنه و قبحه عقلاً بالنظر و الاستدلال،

- - - - - - -

1) كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد: ص 64.

96

كقبيح الصدق الضار و حسن الكذب النافع و منها ما لا يستقل العقل به فيحتاج إلي الشرع ليكشف عنه كحسن الشرايع و قبح تركها و الأولان حسنهما و قبحهما عقلي و الأخير شرعي، بمعني أنه كاشف.

و الحسن العقلي ما لا يستحق فاعل الفعل الموصوف به ذماً و يدخل تحته الواجب العقلي و المندوب، و المباح، و المكروه، و القبيح العقلي ما يستحق فاعله به الذم و هو الحرام لاغير و الحسن الشرعي ما لا يستحق به العقاب و القبيح ما يستحق به و بإزاء القبح الوجوب و هو ما يستحق تارك الفعل الموصوف به الذم و العقاب، فالأول عقلي و الأخير شرعي، و احتجوا بأن الضرورة قاضية بقبح الظلم و حسن العدل، و لأنهما لو كانا شرعيين، لجاز إظهار المعجزة علي يد الكذاب، فينتفي الفرق بين النبي و التنبي و لأنهما لو كانا شرعيين لما قبح من الله شيء فجاز الخلف في وعده و وعيده، و انتفت فائدة التكليف، و لأنهما لو كانا شرعيين لم تجب المعرفة و لا النظر عقلاً، فيلزم إفحام الأنبياء، قالوا: و يمتنع من الله تعالي أن يفعل قبيحاً أو يخل بواجب؛ لأنّ حكمته تنافي ذلك فإن فاعل القبيح و المخل بالواجب، إما أن يفعل ذلك مع علمه أو لا و الثاني جهل، و الله تعالي منزه عنه و الأول يلزم منه إما الحاجة أو السفه و هما منتفيان عنه تعالي.

اعترضت الأشاعرة بأن القبيح لو كان عقلياً، لما اختلف حكمه و لما جاز زواله

و التالي باطل فالمقدم مثله، بيان الشرطية: إن الأحكام الضرورية لا يمكن تغيرها و أن كون الكل أعظم من الجزء، لا يمكن زوال الحكم به بسبب أصلاً و بيان إنتفاء التالي، أن الكذب قد يستحسن إذا اشتمل علي مصلحة عامة، و لو كان قبحه بديهياً لما زال.

و الجواب المنع من زواله فإن هذا الكذب حسن، لا باعتبار كونه كذباً، بل باعتبار اشتماله علي المصلحة و قبحه من حيث هو كذب لا يزول و يتعين ارتكاب الحسن الكثير و إن اشتمل علي قبح يسير، كما أن من توسط أرضاً

97

مغصوبة يجب عليه الخروج عنها و إن كان عصباً؛ لاشتماله علي أقل الضررين إلي أن حكي جواب الحكماء عن ذلك، و قال: قال الحكماء: للنفس الناطقة قوة نظرية، و هي تعقل ما لا يكون من أفعالنا و اختيارنا و قوة عملية و هي تعقل ما يكون من أفعالنا و اختيارنا و العقل النظري الذي يحكم بالبديهيات من كون الكل أعظم من الجزء، لا يحكم بحسن شيء من الأفعال و لا بقبحه و إنما يحكم بذلك العقل العملي الذي يدبر مصالح نوع الإنسان و اشخاصه و لذلك ربما يحكم بحسن فعل و قبحه بحسب مصلحتين، كما يقولون في الكذب المشتمل علي المصلحة العامة. لا إذا خلا عنها و يسمون ما يقضيه العقل العملي من الأحكام المذكورة، إذا لم يكن مذكوراً في شريعة من الشرايع بأحكام الشرايع غير المكتوبة و هي الأحكام الثابتة في كل الشرايع، كالحكم بأن الانصاف و الاحسان حسن و يسمون ما ينطق به شريعة من الشرايع و هي الأحكام المختصة بشريعة دون اُخري بأحكام الشرايع المكتوبة» (1).

د:

قال في التجريد: «و هما عقليان، للعلم بحسن الإحسان و

قبح الظلم، من غير شرع، و لا نتفائهما مطلقاً شرعاً و لجاز التعاكس، قال الشارح العلاّمة قدّس سرّه في توضيحه: و تقرير الأول بأنهما لو ثبتا شرعاً لم يثبتا لا شرعاً و لا عقلاً، و التالي باطل إجماعاً، فالمقدم مثله.

بيان الشرطية: إنه لو لم نعلم حسنالأشياء و قبحها عقلاً، لم نحكم بقبح الكذب، فجازوقوعهمن الله تعالي عن ذ لك علواً كبيراً، فإذا أخبرنا في شيءذنه قبيح لم نجزم بقبحه، و إذا أخبرنا في شيء أنه حسن لم نجزم بحسنه؛ لتجو يز الكذب، و تقرير الثاني بأنه يجوز أن يكون اُمم عظيمة يعتقدون حسن مدح من أساء إليهم، وذم من أحسن إليهم، كما حصل لنا اعتقاد عكس ذلك» (2).

- - - - - - -

1) كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد: ص 64 65.

2) شرح التجريد: ص 186.

و يستفاد من كلماتهم اُمور:

1 إن محل النزاع في الحسن

و القبح العقلين بين العدلية و الأشاعره و غيرهم من اهل الخلاف هو حكم العقل باستحقاق فاعل العدل للمدح و باستحقاق فاعل الظلم للذم، كما صرح به الخواجة نصيرالدين الطوسي و العلاّمة الحلي قدّس سرّهما -، فالعدلية و المعتزلة أثبتوه، بخلاف الأشاعرة و أما حسن الملائم و قبح المنافر، أو حسن الكامل و قبح الناقص، من معاني الحسن و القبح، فلا خوف فيه، بل كلهم اتفقوا علي حكم العقل بهما و مما ذكر يظهر ما في دلائل الصق، من أن هذا التفصيل مما أحدثه المتأخرون من الأشاعرة تقليلا للشناعة (1)؛ لأن عبارة المحقق الطوسي و العلاّمه كافية لإثبات التفصيل المذكور.

2 ذهب الإمامية و المتزلة

علي ما في كشف افوائد، إلي أن حكم العقل في ذلك بديهي في بعض الأفعال كحسن الصدق

النافع، و الإحسان و العدل، و قبح الكذب الضار و الإساءة و الظلم و نظري في بعض آخر كقبح الصدق الضار، أو حسن الكذب النافع، كما أنه لا حكم له في قسم ثالث من الأفعال كالعباديات و المخترعات الشرعية، بل يحتاج في تشخيص حسنها أو قبحها إلي الشرع الكاشف عنهما، فدعوي الحسن و القبح العقليين بلا واسطة الشرع في بعض الأفعال لاجميعها.

3 استدل الإمامية و المعتزلة

باُمور: منها بداهة حكم العقل بهما، و منها أنه لو لم يكونا عقليين لزم التوالي الفاسدة، من انتفاء الفرق بين النبي و المتنبي، و من عدم قبح صدور شيء منه تعالي، و من افحام الانبياء، و من عدمهما رأساً مع أن

- - - - - - -

1) دلائل الصدق: ج 1 ص 181.

99

الخصم لايلتزم بهذه اللوازم الفاسدة.

4 استدل الأشاعرة علي نفي

الحكم العقلي في التحسين و التقبيح بأنّ الأحكام الضرورية لا تتغير و لا تتبدل، كحكم العقل بأن الكل أعظم من الجزء و ليس الحكم بحسن الصدق و قبح الكذب كذلك،؛ لأن الكذب قد يستحسن، كما إذا اشتمل علي مصلحة عامة و الصدق قد يستقبح، كما إذا اشتمل علي مفسدة عامة. هذا مضافاً إلي استدلالهم بالدليل السمعي كما سيأتي.

اُجيب عن استدلال الأشاعرة علي نفي الحكم العقلي بأجوبة:

(أحدها):

ما عن المتكلمين و حاصله هو منع التبدل و التغير، حيث إن للكذب النافع حيثيتين يكون الكذب باعتبار أحدهما حسناً و هو اشتماله علي المصلحة و بالاعتبار الآخر قبيحاً و هو كونه خلاف الواقع و كذباً و حيث كان جانب الحسن غالباً علي جانب القبح، فاللازم هو ارتكاب الكذب النافع و إن اشتمل علي قبح يسير فقبحه لا يزول و لا يتغير، بل يزاحمه مصلحة غالبة.

وفي

هذا الجواب نظر؛ لأن قبح الكذب بعد اشتماله علي المصلحة الغالبة، لا يبقي علي الفعلية و كفي ذلك في التبدل و التغيير، هذا مضافاً إلي أن الحسن و القبيح ليسا ذاتيين لعنوان الصدق و الكذب؛ لأنهما من الامور التي تختلف بالوجوه و الاعتبارات، فلا يحمل الحسن و القبح عليها إلاّ بتوسيط عنوان ذاتي، و العنوان الذاتي كالعدل في القول، لا يصدق بافعل علي الصدق، إلاّ إذا كان خالياً عن جهة المفسدة الفعلية، أو كالظلم في القول لا يصدق بالفعل علي الكذب إلاّ إذا كان خالياً عن جهة المصلحة الفعلية، فإذا اشتمل الصدق علي جهة المفسدة الفعلية لا يصدق عليه بالفعل إلاّ عنوان الظلم فلا يكون إلاّ قبيحاً

100

و مذموماً، كما أنه إذا اشتمل الكذب علي جهة المصلحة الفعلية لا يصدق عليه بافعل إلاّ عنوان العدل فلا يكون إلاّ حسناً و ممدوحاً؛ لأن الصدق و الكذب من الامور التي تختلف بالوجوه و الاعتبارات و ليس الحسن و القبح ذاتيين لهما و المفروض أن العنوان الذاتي واحد و ليس بمتعدد إذ الصدق مثلاً اما عدل أو ظلم، فأين اجتماع الحسن و القبح، حتي يلتزم ببقائهما و عدم زوالهما.

(وثانيها):

ما ذهب إليه بعض الأعاظم، كالمحقق اللهيجي (1) و المحقق السبزواري من منع التغير في ناحية الحكم العقلي و من انحصار الاختلاف و الزوال في ناحية الموضوع و تقريبه أن عناوين الأفعال بالنسبة إلي الحسن و القبح علي ثلاثة أقسام:

الأول:

ما هو علة للحسن و القبح، كالعدل و الظلم، فإنما في حد نفسهما محكومان بهما من دون حاجة إلي اندراجهما تحت عنوان آخر، فالحسن و القبح ذاتيان لهما، لا يقال: لامصداق لهما؛ لأن جميع الأفعال الخارجية تتغير بالوجوه و الاعتبارات؛ لانا نقول

ليس كذلك؛ لأن مثل إطاعة الله تعالي أو شكر المنعم أو دفع الضرر المحتمل أو تصديق النبي و الولي لا تنفك عن الحسن، كما أن مثل مخالفة الله تعالي في أوامر و نواهيه أو كفران نعمته لا تنفك عن القبح و ليس ذلك إلاّ لعدم اختلافها بالوجوه و الاعتبارات، فهذه الامور من مصاديق العدل أو الظلم في جميع الأحوال و لذا لا تنفك عن الحسن أو القبح فتدبر جيداً.

الثاني:

ما هو مقتض لهما كالصدق و الكذب، فإنهما لو خُلّيا و طبعهما مندرجان تحت عنوان العدل و الظلم و باعتبارهما بالحسن و القبح، و حيث إن توصيفهما بهما من جهة اندراجهما تحت العناوين الحسنة و القبيحة يسمي الحسن و القبيح فيهما بالعرضيين.

- - - - - - -

1) سرمايه ايمان: ص 59.

101

الثالث:

ما لا علية اقتضاء له بالنسبة إلي الحسن و القبيح كالضرب فهو لا يتصف بهما ما لم يترتب عليه مصلحة أو مفسدة، فإذا ترتب عليه مصلحة التأديب كان حسناً باعتبار اندراجه تحت عنوان العدل و إذا ترتب عليه مفسدة، كاتشفي و التجاوز كان قبيحاً باعتبار اندراجه تحت عنوان الظلم و إذا لم يترتب عليه شيء كضرب الساهي أو النائم فلا يتصف بهما.

فإذا عرفت ذلك، فاعلم أن حسن الأشياء و قبحها علي أنحاء، فما كان ذاتياً لا يقع فيه اختلاف فإن العدل بما هو عدل لا يكون قبيحاً أبداً و كذلك الظلم بما هو ظلم لا يكون حسناً أبداً، أي أنه مادام عنوان العدل صادقاً فهو ممدوح، و مادام عنوان الظلم صادقاً، فهو مذموم و أما ما كان فرضياً، سواء كان مقتضياً لهما أم لا فإنه يختلف بالوجوه و الاعتبارات، فمثلاً الصدق أو الضرب، إن دخل تحت

عنوان العدل كان ممدوحاً و إن دخل تحت عنوان الظلم كان قبيحاً، و لكن الاختلاف في ناحية الموضوع لا في ناحية الحكم، بعد ما عرفت من أن اتصاف الأفعال بهما، فيما إذا لم تكن علة لهما باعتبار اندراجهما في العناوين الحسنة أو القبيحة الذاتية، و أما الحكم بحسن العدل و قبح الظلم فهو ثابت، و لا تغير فيه، فالمتغير في الموضوعات فإنما قد تكون مصداق العدل فيتصف بالحسن و قد تكون مصداق الظلم فتتصف بالقبح فلا تغفل.

(و ثالثها):

ما أفاده بعض المحققين من أن الموضوع في قولنا الصدق حسن، ليس مطلق الصدق، بل الصدق المقيد بقيد المفيد و حمل الحسن علي مطلق الصدق من المشهورات التي لا تكون برهاناً، بل لا يفيد إلاّ ظناً؛ لأن الحسن ليس محمولاً علي الصدق ذاتاً بما هو صدق، بل يحتاج إلي حد وسط و هو كونه مفيداً بحال المجتمع، فهذا التعليل يعمم و يختصص، فكل شيء يفيد بحال المجتمع و لو كان هو الكذب حسن و كل شيء يضر بحال المجتمع و لو كان هو الصدق قبيح، فالموضوع الأصلي للحسن أن القبح هو المفيد أو المضر للمجتمع

102

و الحكم في مثلهما ثابت و لا تبديل و لا تغير فيه و به يظهر أن الاصول الأخلاقية أو المحسنات و المقبحات العقلية اصول ثابتة، لا تتغير و لا تتبدل و توهم نسبية هذه الاصول كما ذهبت إليه المار كسية سخيف جداً و بالجملة لا تغيير في ناحية التحسين و التقبيح الذاتيين.

ولكن الجواب الثاني أولي من هذا الجواب فإن ظاهره هو اختصاص الحكم العقلي بالتحسين و التقبيح الذاتيين دون العرضيين، مع أن قضية الصدق حسن، ما لم تنضم إليها جهة القبح صحيحة بحكم العقل؛

لكونه عدلاً في القول، حيث إن حق السامع و المخاطب، هو إلقاء الكلام المطابق للواقع له، فإلقاء الكلام الصدق عدل في القول، و لو لم يكن مفيداً للمجتمع، نعم يعتبر في صدق العدل عليه عدم انضمام جهة القبح إليه فالصدق ما لم ينضم إليه جهة القبح مقتضٍ للحسن؛ لصدق العدل عليه و العدل يكفي للتوسيط، و لا حاجة إلي قيد الإفادة، كما أنه إذا انضم إليه جهة القبح صار ظلماً، الكذب بالعكس، فالتحسين و التقبيح في مثل الصدق و الكذب يكونان عرضيين و يختلفان باختلاف الوجوه و الاعتبارات، فلا وجه لانحصار الحكم العقلي في التحسين و التقبيح الذاتيين؛ لأن الصدق و لو لم يكن مفيداً حسن عقلاً؛ لكونه مصداقاً للعدل و الكذب و لو لم يكن مضراً قبيح عقلاً؛ لكونه خلاف الواقع فلا حاجة في تحسين الصدق و تقبيح الكذب إلي قيد الإفادة أو الاضرار، نعم يحتاج إليهما في التحسين و التقبيح الذاتيين بناءً علي مدخليتها في الموضوع الأصلي و العنوان الذاتي.

ثم إن الموضوع الأصلي للحسن و القبح كما عرفت هو عنوان العدل و الظلم اللذين هما من العناوين الذاتية الحسنة و القبيحة و لذا لا يتغير حكمهما و أما الصدق المفيد و الكذب المضر فهما باعتبار كونهما مصداقين للعدل و الظلم مشمولان للحسن و القبح و ليسا من العناوين الذاتية و لذا يمكن أن يكون

103

صدق مفيداً بحال مجتمع و مع ذلك لا يكون عدلاً؛ لكونهم محاربين مع الإسلام و المسلمين مثلاً.

ثم إن ثبات الاصول الأخلاقية و عدم نسبيتها يكفيه التحسين و التقبيح الذاتيين في العناوين الذاتية الحسنة و القبيحة، كقولنا: العدل حسن و الظلم قبيح.

(ورابعها): ما عن أكثر الحكماء من أن قضية الحسن و

القبح من أحكام العقل العملي التي تتغير بحسب تغير المصالح و المفاسد و الوجوه و الاعتبارات، و لا ضير فيه و إنما الثابت هو حكم العقل النظري فالتغير في مثل الصدق حسن و الكذب قبيح لا ينافي عقلية الأحكام؛ لعدم اختصاص الأحكام العقلية بالضروريات التي يدركها العقل النظري، و لا تغيير و لا تبديل فيها. فقد أشار إليه العلامة قدس سره تبعاً للخواجة نصيرالدين الطوسي قدس سره و أوضح المصنف قدس سره في كتاب منطقه حيث قال في المنطق عند عدّ أقسام المشورات: «2 - التأديبات الصلاحية و تسمي المحمودات و الآراء المحمودة و هي ما تطابقت عليها الآراء من أجل قضاء المصلحة العامة للحكم بها، باعتبار أن بها حفظ النظام و بقاء النوع، كقضية حسن العدل و قبح الظلم و معني حسن العدل أن فاعله ممدوح لدي العقلاء و معني قبح الظلم أن فاعله مذموم لديهم، و هذا يحتاج إلي التوضيح و البيان فنقول:

إن الانسان إذا أحسن إليه أحد بفعل يلائم مصلحته الشخصية، فإنه يثير في نفسه الرضا عنه، فيدعوه ذلك إلي جزائه و أقل مراتبه المدح علي فعله، و إذا أساء إليه أحد بفعل لا يلائم مصلحته الشخصية، فإنه يثير في نفسه السخط عليه فيدعوه ذلك إلي التشفي منه و الانتقام و أقل مراتبه ذمه علي فعله، و كذلك الإنسان يصنع إذا أحسن أحد بعفل يلائم المصلحة العامة من حفظ النظام الاجتماعي و بقاء النوع الانساني، فإنه يدعوه ذلك إلي جزائه و علي الأقل

104

يمدحه و يثني عليه و إن لم يكن ذلك الفعل يعود بالنفع لشخص المادح و إنما ذلك الجزاء لغاية حصول تلك المصلحة العامة التي تناله بوجه (وهكذا في طرف الاساءة)

إلي أن قال: و كل عاقل يحصل له هذا الداعي للمدح و الذم، لغرض تحصيل تلك الغاية العامة و هذه القضايا التي تطابقت عليها آراء العقلاء من المدح و الذم. لأجل تحصيل المصلحة العامة، تسمي الآراء المحمودة و التأديبات الصلاحية و هي لا واقع لها وراء تطابق آراء العقلاء و سبب تطابق آرائهم شعورهم جميعاً بما في ذلك من مصلحة عامة.

و هذا هو معني التحسين و التقبيح العقليين اللذين وقع الخلاف في أثباتهما بين الأشاعرة و العدلية فنفتهماالفرقة الاولي و أثبتتهما الثانية، فإذ يقول العدلية بالحسن و القبح العقليين، يريدون أن الحسن و القبح من الآراء المحمودة و القضايا المشهورة، التي تطابقت عليها الآراء، لما فيها من التأديبات الصلاحية و ليس لها واقع وراء تطابق الآراء.

و المراد من العقل إذ يقولون أن العقل يحكم بحسن الشيء أو قبحه، هو «العقل العملي» و يقابله «العقل النظري» و التفاوت بينهما إنما هو بتفاوت المدركات، فإن كان المدرك مما ينبغي أن يعلم مثل قولهم: «الكل أعظم من الجزء» الذي لا علاقة له بالعمل يسمي ادراكه «عقلاً نظرياً» و إن كان المدرك مما ينبغي أن يفعل و يؤتي به، أو لا يفعل، مثل حسن العدل و قبح الظلم، يسمي ادراكه «عقلاً عملياً».

و من هذا التقرير يظهر كيف اشتبه الأمر علي من نفي الحسن و القبح، في استدلالهم علي ذلك بأنه لو كان الحسن و القبح عقليين لما وقع التفاوت بين هذا الحكم و حكم العقل بأن الكل أعظم من الجزء؛ لأن العلوم الضرورية لا تتفاوت، و لكن لاشك بوقوع التفاوت بين الحكمين عند العقل.

و قد غفلوا في استدلالهم، إذ قاسوا قضية الحسن و القبح، علي مثل قضية

105

الكل أعظم من

الجزء و كأنهم ظنوا أن كل ما حكم به العقل فهو من الضروريات مع أن قضية الحسن و القبح من المشهورات بالمعني الأخص و من قسم المحمودات خاصه، و الحاكم بها هو العقل العملي و قضية الكل أعظم من الجزء من الضروريات الأولية و الحاكم بها هو العقل النظري و قد تقدم الفرق بين العقلين، كما تقدم الفرق بين الشهورات و الضروريات، فكان قياسهم قياساً مع الفارق العظيم و التفاوت واقع بينهما لا محالة، و لا يضر هذا في كون الحسن و القبح عقليين، فإنه اختلط عليهم معني العقل الحاكم في مثل هذه القضايا، فظنوه شيئاً واحداً كما لم يفرقوا بين المشهورات و اليقينيات، فحسبوهما شيئاً واحداً مع أنهما قسمان متقابلان (1).

و زاد في الاصول بأن الفارق بين المشهورات و الأوليات من وجوه ثلاثة:

الأول أن الحاكم في قضايا التأديبات، العقل العملي و الحاكم في الأوليات العقل النظري.

الثاني أن القضية التأديبية لا واقع لها إلاّ تطابق آراء العقلاء، و الأوليات لها واقع خارجي.

الثالث أن القضية التأديبية لا يجب أن يحكم بها كل عاقل لو خلّي و نفسه، و لم يتأدب بقبولها و الاعتراف بها، كما قال الشيخ الرئيس علي ما نقلناه من عبارته فيما سبق في الأمر الثاني و ليس كذلك القضية الأولية التي يكفي تصور طرفيها في الحكم، فإنه لابد أن لا يشذ عاقل في الحكم بها لأول وهلة (2) و حاصل مختارهم أنهم التزموا بالتغير و التبدل، في ناحية الحكم ولكن

- - - - - - -

1) كتاب المنطق: ص 329 331.

2) كتاب اصول الفقه: ج 1 و 2 ص 231 232 و راجع تعليقة المحقق الاصفهاني قدّس سرّه علي الكفاية في مبحث حجية

الظن: ج 2 ص 124.

106

قالوا: إن ذلك لايخرج الحكم عن الأحكام العقلية كما توهمه الأشاعرة، فإن العقل العملي يدبر مصالح نوع الإنسان، فإذا كان شيء كالصدق ذا مصلحة أدرك حسنه و جعل فاعله مستحقاً للمدح و إذا اقترن بالمفسدة الملزمة الاجتماعية أدرك قبحه و جعل فاعله مستحقاً للذم، فحكم العقل العملي يتغير بحسب تغير المصالح و المفاسد، و لا يقاس بالعقل النظري الذي لا تغير فيه، فالعقلاء يحكمون بالعقل العملي، بحسن العدل و قبح الظلم باعتبار المصالح و المفاسد النوعية، لا بما هو عدل أو ظلم، فالتغير لا يخرج الحكم عن الحكم العقلي.

و فيه أن الأظهر أن الإنسان لو خلّي و عقله المجرد، يقضي بالبداهة بحسن العدل و قبح الظلم؛ لكون العدل كمالاً لفاعله و ملائماً، للغرض من خلقته و الظلم نقصاً و منافراً، و لا يتوقف حكمه المذكور علي تحقق الاجتماع البشري و تطابق آرائهم فإن لقضية الحسن و القبح واقعاً في نفس الأمر و هو كمال العدل و ملائمته و نقصان الظلم و منافرته، سواء كان اجتماع أم لا و سواء أطبقوا علي حسنه أم لا و هذا الكمال أو النقص هو الذي يدعو الانسان إلي المدح أو الذم، كما قاله المحقق اللاهيجي (1) و لذا نقول: إن التحسين و التقبيح الذاتيين جاريان في حق الإنسان الأولي و لو كان واحداً، فإنه يجب عليه بحكم قاعدة الحسن و القبح معرفة الباري تعالي؛ لقبح تضييع حقّ المولي و حسن شكر المنعم، و يحكم بعقله علي وجوب إرسال النبي، لاهتدائه إلي وظائفه و علي قبح العقاب بلا بيان و غير ذلك من الأحكام العقلية البديهية و هذه الاحكام لا تتوقف علي وجود الاجتماع، فضلاً عن

تطابق آرائهم عليه و لها واقع وراء الاجتماع البشري، و آرائهم و ليس ذاك إلاّ كمال العدل و ملائمته

- - - - - - -

1) گوهر مراد: ص 246.

107

و نقص الظلم و منافرته.

نعم إذا تكثر أفراد الإنسان و حصل الاجتماع و تطابق آرائهم علي الحسن و القبح لحفظ المجتمع و مراعاتهم، يصلح هذا التطابق لتأييد ما حكم به العقل.

نعم لا مانع من ادراج الأحكام البديهية العقلية في المشهورات بالمعني الأعم، كما عرفت و أما ادراجها في خصوص المشهورات بالمعني الأخص، التي لا واقع لها إلاّ تطابق الآراء، ففيه منع؛ لما مرّ من وجود التحسين و التقبيح العقليين و لو لم يكن اجتماع و تطابق و بالجملة قضية العدل حسن و الظلم قبيح، من القضايا الضرورية التي أدركها العقل النظري بالبداهة لو خلّي و طبعه، من دون حاجة إلي الاجتماع و آرائهم و لها واقع خارجي.

و صرح بذلك جماعة من المحققين كالمحقق اللاهيجي (1) و المحقق السبزواري قدس الله أرواحهم و لقد أفاد و أجاد المحقق السبزواري في شرح الأسماء الحسني، حيث قال: و قد يستشكل دعوي الضرورة في القضية القائلة بأن العدل حسن و الظلم قبيح، بأن الحكماء جعلوهما من المقبولات العامة، التي هي مادة الجدل و جعلهما من الضروريات، التي هي مادة البرهان، غير مسموع.

و الجواب: إن ضرورة هذه الأحكام بمرتبة لايقبل الانكار، بل الحكم ببداهتا أيضاً بديهي، غاية الأمر أن هذه الأحكام من العقل النظري بإعانة العقل العملي، بناءً علي أن فيها مصالح العامة و مفاسدها و جعل الحكماء إياها من المقبولات العامة ليس الغرض منه إلاّ التمثيل للمصلحة أو المفسدة العامتين المعتبر فيه قبول عموم الناس لا طائفة مخصوصين و هذا غير

مناف لبداهتها، إذ القضية الواحدة يمكن أن تدخل في اليقينيات و المقبولات من جهتين، فيمكن

- - - - - - -

1) سرمايه ايمان: ص 60 62 و راجع ايضاً آموزش فلسفه: ج 1 ص 231 235.

108

اعتبارها في البرهان و الجدل باعتبارين (1)

و هذا في غاية القوة و إن استغربه المحقق الإصفهاني و ذهب إلي أن حسن العدل و قبح الظلم من المشهورات بالمعني الخاص (2) و عليه فالجواب عن شبهة الأشاعرة هو ما عرفت في الجواب الثاني، من أن التحسين و التقبيح قد يكونان ذاتيين كحسن العدل و قبح الظلم، فهما ليسا إلاّ من العقل البديهي و لا يختلفان و لا يتغيران، كسائر الأحكام البديهية العقلية، فالظلم باعتبار اشتماله علي النقص و المنافرة و تضييع حقوق الآخرين، محكوم بالقبح و هكذا العدل باعتبار اشتماله علي الكمال و الملايمة و مراعاة حقوقهم محكوم بالحسن، و لا تبدل و لا تغير في هذا الحكم؛ لأن العدل و الظلم من العناوين التي تكون محسنة أو مقبحة ذاتاً و إليه يؤول قول الشيخ الأعظم الأنصاري قدّس سرّه من أن الظلم علة تامة للقبح (3).

نعم ربما لايكون بعض العناوين من العناوين المحسنة، أو المقبحة ذاتاً، فحينئذٍ يكون الحكم بالحسن أو القبح في مثله عرضياً كاتصاف الصدق بالحسن و الكذب بالقبح؛ لأن الاتصاف المذكور ليس ذاتياً له، بل باعتبار إنطباق عنوان آخر عليه، و هذا الحكم العرضي يختلف بالوجوه و الاعتبارات العارضة، و لكن التغير في ناحية المنطبق عليه العنوان لا نفس الحكم العقلي الكلي إذ المتغير في الحقيقة هو المنطبق عليه العدل لا حكم العدل، فالتغير من باب تبدل الموضوع كالمسافر و الحاضر فإن الصدق ما لم تنضم إليه جهة

القبح يقتضي الحسن؛ لكونه مصداقاً للعدل في القول، فإذا انضم إليه جهة القبح

- - - - - - -

1) شرح الأسماء الحسني: ص 107.

2) نهاية الدراية في شرح الكفاية: ج 2 مبحث الظن ص 125 126.

3) فرائد الاصول: ص 6.

109

يصير مصداقاً للظلم و أما حسن العدل و قبح الظلم فلا تغير و لا تبدل فيها أصلاً.

ثم لا يخفي عليك أن المصنف أجاب عن هذه الشبهة في الاُصول بما يشبه الجواب الثاني و قال في آخر العبارة و الخلاصة: إن العدلية لا يقولون بأن جميع الآشياء لابد أن تتصف بالحسن أبداً أو بالقبح أبداً حتي يلزم ما ذكر من الإشكال. و لكن امعان النظر في كلامه يقضي بأن مراده من هذا الكلام ليس هو الجواب الثاني، بل مراده هو الجواب الرابع الذي أوضحه في كتاب منطقه فحكم العقل بحسن العدل و الاحسان أو قبح الظلم و الاساءة عنده من باب الآراء المحمودة و كونه ملائماً لمصلحة النوع الإنساني لا من باب العقل النظري فتأمل.

و كيف كان فإلي التحسين و التقبيح العقليين اُشير في بعض الآيات الكريمة كقوله تعالي: «هل جزاء الاحسان الاّ الاحسان» (1).

و قوله تعالي: «أم نجعل الذين امنُوا و عملوا الصالحات كالمفسدين في الأَرض أم نجعل التقين كالفجار» (2).

ثم إن المراد من الحسن هو استحقاق المدح و من القبح هو استحقاق الذم و ملاك الحسن في حسن العدل هو ادراك كمال العدل أو موافقته و ملائمته للغرض كما أن ملاك القبح في قبح الظلم هو ادراك نقض الظلم و عدم موافقته و ملائمته للغرض، كما صرح به المحقق اللاهيجي و غيره (3).

هذا تمام الكلام في الحسن و القبح العقليين و قد عرفت أن الإمامية

أثبتوا العدل لله تعالي و الاجتناب عن القبائح من طرق مختلفة و من جملتها قاعدة

- - - - - - -

1) الرحمن: 60.

2) ص: 28.

3) گوهر مراد ص 246 و راجع كتاب احقاق الحق: ج 1 ص 339 421 و غير ذلك.

110

جوز عليه تعالي فعل القبيح تقدست أسماؤه فجوز أن يعاقب المطيعين و يدخل الجنة العاصين بل الكافرين و جوز أن يكلف العباد فوق طاقتهم و ما ال يقدرون عليه و مع ذلك يعاقبهم علي تركه و جوز أن يصدر منه الظلم و الجور و الكذب و الخداع و أن يفعل الفعل بلا حكمة و غرض و لا مصلحة و فائدة، بحجة أنه لا يسأل عما يفعل و هم يسألون

التحسين و التقبيح العقليين، فالله تعالي لا يفعل القبيح و لا يخل بالواجب و يترتب علي هذه القاعدة مسائل كلامية و لذا استشكل الإمامية علي الأشاعرة و من تبعهم، بأنهم لم يتمكنوا من إثبات العدل لله تعالي و اجتنابه عن القبائح أصلاً بعد انكارهم هذه القاعدة و إن ذهبوا إلي الاستدلال بالآيات القرآنية، الدالة علي أنه تعالي لا يظلم و لا يفعل القبيح؛ لأن احتمال الكذب في الآيات لا ينسد إلاّ بالقاعدة المذكورة و المفروض انكارهم اياها فمن أنكرالقاعدة فلا سبيل له إلي سد هذا الاحتمال و مع احتمال الكذب، كيف يمكن الاعتماد بقوله تعالي في كونه عادلاً و أنه لا يفعل القبيح و يكون حكيماً في أفعاله.

و أيضاً أورادوا عليهم بأنهم لم يتمكنوا من إثبات النبوة، لجواز إظهار المعجزة علي يد الكاذب؛ لعدم قبحه عندهم، فينتفي الفرق بين النبي و المتنبي و بأنه يلزم إفحام الأنبياء، إذ لا دليل علي وجوب النظر و المعرفة و

به غير ذلك من التوالي الفاسدة.

(3) لعل الأشاعرة استدلوا بالآية الكريمة بدعوي ظهورها في أن إرادته تعالي هي القانون و الضابطة و لذا لا مجال للسؤال عن إردته و فعله ما يشاء ولو

111

كان ظلماً أو خلاف الحكمة بنظرنا فالضابطة هو ما يريد و يفعل و لعله لذلك قال القرطبي: إن هذه الآية قاصمة للقدرية و غيرهم و مراده من القدرية هم المعتزلة الذين يقولون بالتحسين و التقبيح العقليين، و مراده من غيرهم الإمامية.

و كيف كان فهذا الاستدلال ضعيف في غاية الضعف؛ لأن في الآية احتمالات اُخر فلو لم تكن الآية ظاهرة في غير ما توهمه الأشاعرة فلا أقل من أنه لا دلالة لها فيما ذهب إليه الاشاعرة.

و من الاحتمالات ما ذهب إليه جماعة من المفسرين، من أن المراد أن الله سبحانه لما كان حكيماً علي الاطلاق كما وصف به نفسه في مواضع من كلامه و الحكيم هو الذي لا يفعل فعلاً إلاّ لمصلحة مرجحة، فلا جرم لم يكن معني للسؤال عن فعله، بخلاف غيره، فإن من الممكن في حقهم أن يفعلوا الحق و الباطل و أن يقارن فعلهم المصلحة و المفسدة، فجاز في حقهم السؤال، حتي يؤاخذوا بالذم العقلي، أو العقاب المولوي، إن لم يقارن الفعل المصلحة (1) و هو المروي عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام حيث قال جابر: قلت له: يابن رسول الله و كيف لا يسأل عما يفعل؟ قال: لإنه لا يفعل إلاّ ما كان حكمة و صواباً و هو المتكبر الجبار و الواحد القهار. فمن وجد في نفسه حرجاً في شيء مما قضي كفر و من أنكر شيئاً من أفعاله جحد (2) و يؤيده أيضاً ما روي في

الأدعية المأثورة: اللهم إن وضعتني فمن ذا الذي يرفعني و إن رفعتني فمن ذا الذي يضعني و إن أهلكتني فمن ذا الذي يعرض لك في عبدك أو يسألك عن أمره و قد علمت أنه ليس في حكمك ظلم و لا في نقمتك عَجَلة و انما يعجلُ من يخاف الفوت و إنما يحتاج إلي الظلم الضعيف و قد تعاليت يا إلهي عن ذلك

- - - - - - -

1) راجع الميزان: ج 14 ص 292.

2) تفسير نورالثقلين: ج 3 ص 419 و هناك رواية اُخري التي سيأتي ذكرها في ص 138 من هذه الرسالة.

112

علواً كبيراً (1).

و منها ما ذهب إليه العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه من أن الله سبحانه ملك و مالك للكل، و الكل مملوكون له محضاً، فله أن يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد و ليس لغيره ذلك و له أن يسألهم عما يفعلون و ليس لغيره أن يسألوه عما يفعل.

إلي أن قال: و من ألطف الآيات دلالة علي هذا الذي ذكرنا قوله حكاية عن عيسي بن مريم: «إن تعذبهم فإنهم عبادك و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم» (2) حيث يوجه عذابهم بأنهم مملوكون له و يوجه مغفرتهم بكونه حكيماً إلي أن قال: و أنت خبير أن توجيه الآية، بالملك دون الحكمة، كما قدمناه يكشف عن اتصل الآية بالملك دون الحكمة، كما قدمناه يكشف عن اتصال الآية بما قبلها، من قوله: «فسبحان الله رب العرش عما يصفون» (3).

فالعرش كناية عن الملك، فتتصل الآيتان و يكون قوله: «لا يسأل عما يفعل و هم يسألون» بالحقيقة برهاناً علي ملكه تعالي، كما أن ملكه و عدم مسؤوليته برهان علي ربوبيته و برهان علي مملوكيتهم، كما

أن مملوكيتهم و مسؤوليتهم، برهان علي ربوبيته و برهان علي مملوكيتهم، كما أن مملوكيتهم و مسؤوليتهم، برهان علي عدم ربوبيتهم، فإن الفاعل الذي ليس بمسؤول عن فعله بوجه، هو الذي يملك الفعل مطلقاً (4) لا محالة و الفاعل الذي هو مسؤول

- - - - - - -

1) مفاتيح الجنان في اعمال ليلة الجمعة.

2) المائدة: 118.

3) الانبياء: 22.

4) و لعل وجه ملكيته للفعل علي وجه الاطلاق هو أن أفعاله تعالي ليس لها غاية دون ذاته، هذا بخلاف غيره تعالي فإن غاية فعلهم هو المصالح و عليه فالباعث نحوالفعل في الله تعالي هو كمال ذاته لا الغير فالفعل الناشيء عن ذاته لا يكون إلاّ صواباً فلا مورد للسؤال عنه بخلاف غيره تعالي، فللسؤال عنهم مجال لتقيد فعلهم بالمصالح.

113

عن فعله هو الذي لا يملك الفعل، إلاّ إذا كان ذا مصلحة و المصلحة هي التي تملكه و ترفع المؤاخذة عنه و رب العالم أو جزء من أجزائه هو الذي يملك تدبيره باستقلال من ذاته أي لذاته، لا بإعطاء من غيره، فالله سبحانه هو رب العرش و غيره مربوبون له. انتهي و حاصله أنه غير مسؤول عن فعله و ذلك شاهد كونه مالك للفعل علي الاطلاق و هو ليس الاّ الرب الذي لا يفعل إلاّ لكمال ذاته و عليه فالفعل الصادر عن كمال ذاته لا يكون الاّ صوابا فلا مورد للسؤال عنه.

و قال أيضاً في ضمن عبائره: و لا دلالة في لفظ الآية علي التقييد بالحكمة، فكان عليهم أن يقيموا عليه دليلاً (1).

و فيه أن الاية مناسبة مع الحكمة أيضاً و هي تكفي، لجواز حملها عليها و يؤيد المروي كما عرفت.

و منها ما ذهب إليه بعض المحقيقن، من أن المراد

من الآية الكريمة، أنه ليس لأحد حق لمؤاخذته، بل له أن يؤاخذ غيره و ذلك واضح؛ لأن كل موجود ليس له من الوجود إلاّ منه تعالي، فإذا كان كذلك فلا يكون لهم حقاً عليه تعالي و أيضاً أن الله تعالي غني عن خلقه فلا يصل إليه من مخلوقه نفع، حتي ثبت لغيره حق عليه و يسأل عنه (2) و حاصله أن السؤال فرع الحق عليه.

و حيث إنه لا حق لغيره عليه فلا مورد للسؤال عنه تعالي، هذا و يمكن أن يقال: إن السؤال لا يقطع بذلك إذ لو لم ياخذ الله تعالي حق كل ذي حق عمن ظلمه في الآخرة لكان للسؤال مجال و أيضاً لو أدخل المطيعين في النار و المسيئين في الجنة أو قدّم المفضول علي الفاضل لكان للسؤال مجال، مع أنه لا حق لهم عليه تعالي، فلعل المقصود ممّا ذكر أن الله تعالي كامل من جميع الجهات و ليس

- - - - - - -

1) تفسير الميزان: ج 14 ص 294 295.

2) مجموعة معارف القرآن: ج 1 خداشناسي ص 233.

114

فيه نقص و حاجة و عليه فلا مجال للسؤال عن أفعاله الناشئة عن كمال ذاته فإن ما نشأ عن كمال ذاته لا قبح فيه حتي يسأل عنه، ولكنه غير مساعد مع كلماته فافهم.

و من المعلوم أن مع هذه الاحتمالات لا مجال لدعوي ظهور الآية في مرادهم، و لو سلم دلالتها و ظهورها فيما ذكروه، فليحمل علي ما لا ينافي قاعدة التحسين و التقبيح، فإن الاُصل عند منافاة ظواهر الآيات مع الاُصول العقلية البديهية الوجدانية هو توجيهما علي نحو يرفع المنافاة بينهما فلا تغفل.

هذا مضافاً إلي أن المستدلين بالآية المذكورة غفلوا عن الآيات المتعددة

الكثيرة، الدالة علي ثبوت التحسين و التقبيح العقليين.

منها: الآيات الدالة علي ارتكاز القبح و الحسن في العقول، مع قطع النظر عن الأدلة الشرعية كقوله تعالي: «أفحسبتم اَنما خلقناكم عبثاً» (1) فإنه يدل علي أن العبث قبيح و قبحه مستقر في العقول و لذا أنكر عليهم إنكار منبه ليرجعوا إلي عقولهم و مثله قوله تعالي: «أيحسب الإنسان أن يترك سدي» (2) و نحوه قوله تعالي: «أم نجعل الذين آمنوا و عملوا الصالحات كالمفسدين في الأَرض أم نجعل المتقين كالفجار» (3) و هذا أيضاً يدل علي أن قبح ذلك مرتكز في العقول.

و منها: الآيات الدالة علي تخطئة من حكم علي خلاف ما اقتضته العقول السليمة، كقوله تعالي: «أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا و عملوا الصالحات سواء محياهم و مماتهم ساء ما يحكمون» (4) فإنه لم ينكر أصل حكم العقل، بل أنكر هذا الحكم السيئ إنكار منبّهٍ ليرجعوا إلي

- - - - - - -

1) المؤمنون: 115.

2) القيامة: 36.

3) ص: 28.

4) الجاثية: 21.

115

و هذا هو الكفر بعينه (4) و قد قال الله تعالي في محكم كتابه: (و ما يريد ظلما للعباد)) عافر: 31 و قال: ((و الله لا يحب الفساد)) البقرة: 206 و قال ((و ما خلقنا السموات و الارض و ما بينهما لا عبين)) الدخان: 38 و قال ((و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون)) الذاريات: 56 إلي غير ذلك من الآيات الكريمة. سبحانك ما خلقت هذا باطلا الحكم السليم.

و منها: الآيات الدالة علي معروضية الحسن القبح عند الناس، مع قطع النظر عن الحكم الشرعي، كقوله تعالي: «إن الله لا يأمر بالفحشاء إلي أن قال قل أمر ربي بالقسط» (1) الاعراف: 28 29.

فمفاد الآية أنه تعالي لا يأمر بما هو فاحشة في العقل و الفطرة و لو لم يعلم الفاحشة إلاً بالنهي الشرعي، لصار معني الآية أن الله لا يأمر بما ينهي عنه و هذا المفاد لا يصدر عن آحاد العقلاء فضلاً عن العزيز الحكيم و هكذا في القسط، فإنه لو لم يكن المراد ما هو قسط عند العقل يصير المعني قل أمر ربي بما أمر به و هو بارد، كما لا يخفي (2)..

لعله لأن ذلك التصوير في حقه تعالي يستلزم تكذيب الآيات الصريحة القرآنية، التي أشار إلي جملة منها و قد قال الله تعالي في محكم كتابه الخ و من المعلوم أن من يعتقد اعتقاداً يلزم منه تكذيب القرآن العزيز، فقد اعتقد بما يوجب الكفر و الخروج عن ملة الاسلام فيما إذا كان ملتفتاً إلي تلك الملازمة.

- - - - - - -

2) راجع إحقاق الحق: ج 1 ص 348.

116

هذا مضافاً إلي أن تصوير المبدأ تعالي بصفات الممكنات يرجع في الحقيقة، إلي الاعتقاد به غير المبدأ تعالي و الجهل بالمبدأ الحقيقي هو كفر به كما لا يخفي.

بحث حول الشرور و الاختلافات:

هنا سؤال و هو أن مقتضي ما مر من قاعدة التحسين و التقبيح و إطلاق كما ذات المبدأ المتعال، أنه تعالي لا يفعل القبيح و لا يترك الحسن، فإذا كان الأمر كذلك فالشرور كالزلازل و السيل و الطوفان و البلادة و الذكاوة و الذكورية و الاُنوثية و غير ذلك، لماذا وقعت؟ أليس هذه الاُمور قبيحة؟

اُجيب عن السؤال المذكور بجوابين: أحدهما إجمالي و الثاني تفصيلي.

أما الأول:

فهو في الحقيقة جواب لمي و تقريبه أنه لا مجال لرفع اليد عما ينتهي إليه بالبراهين القطعية من أنه تعالي لا يفعل

القبيح و لا يترك الحسن بمثل هذه الاُمور، بل اللازم بحكم العقل هو حمل هذه الاُمور علي ما لا ينافي البراهين القطعية، إذ موارد النقص لا تفيد القطع بالخلاف، بل غايتها هو عدم العلم بوجهها، فيمكن رفع إبهامها بما ثبت من أنه لا يفعل القبيح، لكونه حكيماً علي الاطلاق، فنحكم بملاحظة ذلك أن هذه الاُمور لا تخلو عن الحكمة و المصلحة و إلاّ لم تصدر من الحكيم المتعال، إذ ليس في عوامل صدور القبيح كالجهل أو العجز أو غير ذلك مما يكون نقصاً و لا يليق بجنابه تعالي، فكل ما فعله الله و صدر منه يبتني علي الحكمة و الصلاح و غالبية الخير.

قال العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه: «الاُمور بالاضافة الي الغير علي خمسة أقسام: ما هو خير محض و ما هو خيره أكثر من شره، و ما يتساوي خيره و شره و ما شره أكثر من خيره و ما هو شر محض. و لا يوجد شيء من الثلاثة الأخيرة، لاستلزامه الترجيح من غير مرجح، أو ترجيح المرجوع علي الراجح و من الواجب بالنظر إلي الحكمة الإهية المنبعثة عن القدرة و العلم الواجبيين،

117

و الجود الذي لا يخالطه بخل، أن يفيض ما هو الأصلح في النظام الأتم و أن يوجد ما هو خير محض و ما هو خيره أكثر من شره؛ لأن في ترك الأول شراً محضاً و في ترك الثاني شراً كثيراً، فما يوجد من الشر، نادر قليل بالنسبة إلي ما يوجد من الخير و إنما وجد الشر القليل يتبع الخير الكثير» (1) فالنظام الموجود هو النظام الأتم و الأحسن الذي علمه تعالي و أوجده علي وفق علمه كما قال الشيخ أبو علي ابن سينا في

الاشارات: «اشارة: فالعناية هي إحاطة علم الأول بالكل و بالواجب أن يكون الكل حتي يكون علي أحسن النظام و بأن ذلك واجب عنه و عن إحاطته به فيكون الموجود وفق المعلوم علي أحسن النظام من غير انبعاث قصد و طلب من الأول الحق، فعلم الأول بكيفية الصواب في ترتيب وجود الكل منبع لفيضان الخير في الكل» (2).

و أما الجواب التفصيلي فمتعدد:

الأول: هو ما ذهب إليه جل الفلاسفة و بعض الفحول من المتمكلمين و حاصله أن الشرور لا تطلق حقيقة إلاّ علي عدم الوجود مما له شأن الوجود، كموت زيد بعد وجوده، أو عدم الشجر بعد وجوده، أو علي عدم كمال الوجود ممن له شأنية ذلك الكمال، كعدم الثمر من الشجر القابل له، أو عدم العلم عمن له شأنية العلم، و لذلك قال في شرح الاشارات: «الشر يطلق علي اُمور عدمية من حيث هي غير مؤثرة كفقدان كل شيء ما من شأنه أن يكون له مثل الموت و الفقر و الجهل» (3) و أما عدم شيء مأخوذ بالنسبة إلي ماهية كعدم زيد فلا

- - - - - - -

1) تفسير الميزان: ج 13 ص 201.

2) الإشارات و التنبيهات: ج 3 ص 318 و المراد من الأول هو الله تعالي و حاصله أن علمه تعالي بثلاثة منشأ للخلقة الأول علمه بالكل الثاني علمه بما يليق كل شيء ان يقع عليه الثالث علمه بان ذلك واجب الصدور منه.

3) راجع رشحات البحار و الانسان و الفطرة: ص 135، و الشوارق: ج 1 ص 53 و شرح تجريد الاعتقاد: ص 29 و 300 الطبع الجديد و نهاية الحكمة: ص 272.

118

يكون شراً؛ لأنه اعتبار عقلي ليس من وقوع الشر في شيء،

هذا مضافاً إلي أنه لا اقتضاء للماهية بالنسبة إلي الوجود و العدم بخلاف عدم زيد بعد وجوده فإنه شر كما مرّ و هكذا لا يكون شراً عدم شيء مأخوذ بالنسبة إلي شيء آخر، كفقدان الماهيات الإمكانية كمال الوجود الواجبي و كفقدان كل ماهية وجود الماهية الاُخري الخاص بها مثل فقدان النبات وجود الحيوان و فقدان البقر وجود الفرس؛ لأن هذا النوع من العدم من لوازم الماهية و هي اعتبارية غير مجعولة (1).

و حيث ظهر أن كل فقدان ليس بشر، بل فقدان ما من شأنه أن يكون له، ففقدان كل مجرد تام موجود بالنسبة إلي مجرد أعلي منه أو بالنسبة إلي مجرد آخر يكون في عرضه أو فقدان كل موجود بالنسبة إلي مرتبة اُخري ليست من شأنه لا يكون شراً أيضاً اذ ليس له شأنية ذلك الوجود حتي يكون فقدانه شراً (2).

هذا كله بالنسبة إلي الاعدام و الفقدان.

و أما وجود كل شيء و كماله فهو خير له، فانه فعلية ماله شأنيته و قابليته و الخير الحقيقي للشيء الذي يعبر عنه بالخير النفسي هو وجوده في نفسه و كمال وجوده بما هو وجوده، فكل وجود فهو خير بذاته لان حيثيته حيثية طرد العدم و رفع القوة و الوجود نقل موجود عين المطلوبية و المحبوبية.

ثم إعلم أنه لا يطلق الشر علي الوجود إلاّ باعتبار أدائه إلي عدم الوجود مما له شأن الوجود، أو لعدم كمال الوجود، مما له شأنية ذلك كالبرودة المفرطة و الحرارة الشديدة المفسدتين للشجر أو ثمره أو كالقتل الموجب لفناء موجود ذي حياة و هذا الاعتبار إضافي و ليس بحقيقي؛ لأن الشر بالذات هو فقدان الوجود أو

- - - - - - -

1) شرح الإشارات

و التنبيهات: ج 3 ص 320.

2) راجع آموزش فلسفة: ج 2 ص 424.

119

كماله ممّا له شأنية و اطلاقه علي ما يؤدي إليه بالعرض لتأديتها إلي ذلك (1).

و إليه يؤول قول المحقق الطوسي قدّس سرّه في شرح الاشارات حيث قال: «و يطلق الشر … علي امور وجودية كذلك كوجود ما يقتضي منع المتوجه إلي كمال عن الوصول إليه، مثل البرد المفسد للثمار و السحاب الذي يمنع القصار عن فعله إلي أن قال: فانا اذا تأملنا في ذلك وجدنا البرد في نفسه من حيث هو كيفية ما أو بالقياس إلي علته الموجبة له ليس بشر بل هو كمال من الكمالات، انما هو شر بالقياس إلي الثمار لا فساده أمزجتها، فالشر بالذات هو فقدان الثمار كمالاتها اللائقة بها، و البرد انما صار شراً بالعرض لاقتضائه ذلك و كذلك السحاب - إلي أن قال: - فالشر بالذات هو فقدان تلك الاشياء كماله و إنما اطلق علي اسبابه بالعرض لتأديتها إلي ذلك إلي أن قال: فاذن قد حصل من ذلك أن الشر في ماهيته عدم وجود أو عدم كمال لموجود من حيث أن ذلك العدم غير لائق به أو غير مؤثر عنده و أن الموجودات ليست من حيث هي موجودات بشرور انما هي شرور بالقياس إلي الأشياء العادمة كمالاتها لا لذواتها، بل لكونها مؤدية إلي تلك الاعدام، فالشرور امور اضافية مقيسة إلي افراد أشخاص معينة، و اما في نفسها و بالقياس إلي الكل فلا شر أصلاً إلي أن قال: ان الفلاسفة انما يبحثون عن كيفية صدور الشر عما هو خير بالذات، فينهبون علي أن الصادرعنه ليس بشر، فان صدور الخيرات الكلية الملاصقة للشرور الجزئية ليس بشر» (2).

وعن المحقق الدواني في

حاشيته علي الشرح الجديد من التجريد أنه قال: «و يمكن أن يستدل علي أن الوجود خير و الشر عدم أو عدمي بأنا اذا فرضنا

- - - - - - -

1) راجع درر الفوائد: ج 1 ص 454 457 شرح الإشارات: ج 3 ص 320 323.

2) شرح الإشارات و التنبيهات: ج 3 ص 320 323.

120

وجود شيء و فرضنا أنه لم يحصل بسببه نقص في شيء من الأشياء أصلاً فلا شك في أن وجوده خير بالنسبة إلي نفسه و ليس فيه شر بالنسبة إلي شيء من الأشياء، فعلم من ذلك أن الشر بالذات هو العدم و الوجود انما يصير شراً باعتبار استلزامه له» (1).

فعلم ممّا ذكر أن الشر علي قسمين: أحدهما: هو الشر بالذات و بالحقيقة، و هو ليس إلاّ الاُمور العدمية التي لها شأنية الوجود، و لكن اختلت علتها بمفادة علة أقوي معها بحيث يمنعها عن التأثير فهذه الاُمور معدومة بعدم علتها و ثانيهما: هو الشر بالعرض و بالاضافة و هو ليس الاّ ما يؤدي إلي العدم و عليه فليس بين الموجودات شر مطلق و إنما الموجود هو الشر بالعرض و هو ما يؤدي إلي الشر بالذات و الشر بالذات ليس بمجعول؛ لأنه معدوم بعدم علته، نعم هو مجعول مجازاً بجعل الشر بالعرض؛ اذ الشر بالعرض أمر وجودي مجعول ملازم للشر الذي يكون أمراًعدمياً.

ثم إن المراد من الأداء و السببية الذي قد يعبر عنه ب «الشر بالعرض» هو المقارنة لا السببية الاصطلاحية؛ لأنه مع الوجود الذي يؤدي إلي الشر، تختل علة الخير به وجود المانع، فإن العلةعلة ما لم يكن مانع عن تأثيرها، فإذا وجد المانع عنه فلا تأثير لها، بل سقطت عن تمامية العلية و

مع عدم تأثيرها لا وجود للمعلول أو لا وجود لكماله، فعدم وجود المعلول أو عدم كماله مستند إلي اختلال علته و هو من جهة عروض المانع. مثلاً صحة الإنسان معلولة لاعتدال مزاجه، فإذا وجدت الميكروبات إختل الاعتدال به وجود المانع و فقدت الصحة باختلال الاعتدال، فعدم صحة البدن مستند إلي عدم علتها لا إلي الميكروبات إلاّ بالعرض و المجاز و باعتبار أن اختلال علة الصحة به وجود الميكروبات و من

- - - - - - -

1) درر الفوائد: ج 1 ص 457.

121

المعلوم أن للميكروبات اقتضاء وجودياً لا عدمياً و عد م الصحة بسبب اختلال المزاج من جهة وجود المانع عن تأثير اقتضاء المزاج، فالشر بالذات هو عدم الوجود أو عدم كمال الوجود مما من شأنه أن يكون له، و السموم و الميكروبات شر بالعرض للمقارنة، إذ المانع يقارن مع عدم المعلوم بعدم علته، لا أنه علة لعدم المعلول كما أن المانع يقارن أيضاً مع عدم العلة المذكورة؛ لأن كل ضد يقارن عدم الضد الآخر و المفروض أن المانع ضد للعلة التي اشرتط تأثيرها؛ لعدم وجوده فلا تغفل.

و إليه يؤول ما قاله العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه من: «أن الذي تعلقت به حكمة الإيجاد و الإرادة الإلهية و شمله القضاء بالذات في الاُمور التي يقارنها شيء من الشر، إنما هو القدر الذي تلبس به من الوجود حسب استعداده و مقدار قابليته و اما العدم الذي يقارنه فليس إلاّ مستنداً إلي عدم قابليته و قصور استعداده، نعم ينسب إليه الجعل و الإفاضة بالعرض لمكان نوع من الإتحاد بينه و بين الوجود الذي يقارنه هذا» (1).

و ممّا ذكر يظهر أن الشرور إعدام حاجة إلي استنادها إلي الخالق، فلا وجه

لتوهم الثنوية أن خالق الشرور و الاعدام غير خالق الخيرات (2) كما أن ايجاده تعالي لا يتعلق بالشرور حقيقة و إن تعلق بها بالعرض و المجاز لمقارنتها مع الوجودات.

ثم إن الشرور الإضافية المؤدية إلي الشرور الحقيقية حيث كانت جهة شريتها الإضافية قليلة في جنب خيرتها بملاحظتها مع النظام الكلي من العالم لا تعد شروراً كما صرح به المحقق الطوسي قدّس سرّه حيث قال: «فالشرور اُمور

- - - - - - -

1) الميزان: ج 13 ص 201.

2) راجع نهاية الحكمة: ص 272، تعليقة النهاية: ص 425، بداية الحكمة: ص 136، عدل الهي: ص 102.

122

إضافية مقيسة إلي أفراد أشخاص معينة و أما في نفسها و بالقياس إلي الكل فلا شر أصلاً، فاللازم في حكمته هو ايجادها مع كونها خيراً غالباً» (1) إذ ترك ايجاده حينئذٍ مرجوع، ثم لا يخفي عليك أنه ذهب بعض إلي أن الشر أمر وجودي مستشهداً بقوله تعالي: «كل نفس ذائقة الموت و نبلوكم بالشر و الخير فتنة و إلينا ترجعون» (2) و بما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في بعض الأدعية ليوم المعرفة: «و أنت الله لا إله إلاّ أنت خالق الخير و الشر» و بما ورد عنه عليه السلام في دعاء آخر و بيدك مقادير الخير و الشرّ و غير ذلك؛ لأن الذوق و الابتلاء و الخلق و التقدير لا تناسب الاعدام، اللهم إلاّ أن يقال في الجواب: بأن المراد من الشر في أمثال ما ذكر هو الشر القياسي و الاضافي لا الشر الحقيقي و من المعلوم أن الشر القياسي أمر وجودي مقارن للشر الحقيقي الذي هو العدم و الوجود يحتاج إلي الخلق و التقدير و قابل للابتلاء به و نحوه،

فلاينافي الآية الكريمة و الأدعية، لما ذكر من عدمية الشر الحقيقي فافهم.

لا يقال: إن الإشكال لو كان في خلقة الشرور الحقيقية، لكان الجواب عنه بأنها عدمية، فلا حاجة لها إلي العلة صحيحاً، أما إن كان الإشكال في أن الله تعالي لِمَ لمْ يخلق العالم بحيث يكون مكان الفقدانات وجودات و كمالات و مكان الشرور خيرات، حتي لا يكون للشرور و الاضافية وجود، فالإشكال بالنسبة إلي الشرور الاضافية باقٍ، و لا يكون الجواب المذكور مقنعاً عنه.

لأنه يجاب عن ذلك بأن: هذا وهم، إذ لا مجال لوجود العالم المادي بدون التضاد و التزاحم، إذ لازم الطبيعة المادية هو وجود سلسلة من النقصانات و الفقدانات و التضاد و التزاحم؛ لعدم قابلية المادة لكل صورة في جميع الأحوال و الشرائط، فالأمر يدور بين أن يوجد العالم المادي لامقرون بتلك النقصانات، أو

- - - - - - -

1) شرح الإشارات: ج 3 ص 320 323.

2) الانبياء: 35.

123

أن لا يوجد و من المعلوم أن الحكمة تقضي أن لا يترك الخير الغالب (1).

ولكن هذا الجواب يفيد فيما يكون من لوازم الطبيعة المادية و أما ما لايكون كذلك كالشرور الناشئة من النفوس الإنسانية أو الأجنّة كالشياطين فلا يفيد، لأنها سميت من اللوازم، بل تقع عن اختيارهم، فاللازم أن يقال: إن التكامل الاختياري الذي يقتضيه النظام الأحسن يتقوم بالاختيار، إذ بدونه لا يتحقق التكامل الاختياري و معه ربما يقع الإنسان أو الجن في الشرور بسوء اختياره. فالأمر يدور بين أن يوجد مقتضايت التكامل الاختياري أم لا توجد و الحكمة تقتضي الوجود أن خيرات الاختيار أكثر بمراتب من شروره و من خيرات الاختيار تكامل المؤمنين و الأولياء و الشهداء و الصديقين و الأنبياء و الأوصياء

و المقربين و التكامل الاختياري من النظام الأتم الأحسن فيجب أن يوجد قضاء للحكمة، كما لا يخفي.

الثاني: لو سلمنا أن الشرور الحقيقية وجودية فنقول فيها بمثل ما قلنا في الشرور الاضافية في الاشكال الأخير، حاصله أن الشرور الوجودية الحقيقية من لوازم العالم المادي أو النظام الأحسن الأتم كما ذكر فالأمر يدور بين أن يترك العالم المادي مع أن فيه خيراُ غالباً أو يوجد و الثاني هو المتعين.

و لعل إلي بعض ما ذكر يؤول ما حكي عن أرسطو من أن الشرور الموجودة في العالم المادي لازمة للطبايع المادية بما لها من التضاد و التزاحم، فلا سبيل إلي دفعها إلاّ بترك ايجاد هذا العالم و في ذلك منع لخيراته الغالبة علي شروره و هو خلاف حكمته وجوده سبحانه (2).

و مما ذكر يظهر أن الجواب في المسألة ليس موقوفاً علي عدمية الشرور، بل لو كانت الشرور الحقيقية وجودية لامكن الجواب عنه بالمذكور. ثم إن خلقة

- - - - - - -

1) راجع اصول فلسفه: ج 5 ص 68.

2) راجع تعليقة النهاية: ص 473.

124

الشرور بناء علي وجوديتها تكون مقصودة بالتبع، إذ خلقة العالم المادي أو النظام الأتم الأحسن لا تمكن بدونها و أما بناءً علي كون الشرور عدمية فليس لها وجود حقيقة حتي يتعلق بها قصد حقيقي و لو بالتبع، نعم يتعلق بها بالعرض و المجاز باعتبار تعليقه بالمقارنات المتلازمة للاعدام و الشرور (1).

الثالث: أن للشرور الحقيقية علي فرض كونها وجودية منافع و فوائد كثيرة مهمة بحيث يمكن سلب الشريه عن الشرور بملاحظتها و لذا حكي عن أرسطو المعلم الأول أن كثيراً من هذه الشرور مقدمة لحصول خيرات و كمالات جديدة، فبموت بعض الأفراد تستعد المادة لحياة الآخرين و

باحسان الألم يندفع المتألم إلي علاج الأمراض و الآفات و إبقاء حياته، إلي غير ذلك من المصالح التي تترتب علي الشرور (2).

و إليه يؤول ما ذكره الاُستاذ الشهيد المطهري قدّس سرّه من أن الموت و الشيبة يلازمان لتكامل الروح و انتقاله من نشأة إلي نشأة اُخري، كما أنه لو لا التزاحم و التضاد لا تقبل المادة لصورة اُخري، بل اللازم أن يكون لها في جميع الأحوال و الأزمان صورة واحدة و هو كافٍ للمانعية عن بسط تكامل نظام الوجود، إذ بسبب التزاحم و التضاد و بطلان و انهدام الصور الموجودة، تصل النوبة إلي الصور اللاحقة و يبسط الوجود و يتكامل و لذا اشتهر في ألسنة الحكماء «لو لا التضاد ما صح دوام الفيض عن المبدأ الجواد» هذا مضافاً إلي تأثير الشرور في التكامل و التسابق الحضاري و الثقالي ألا تري أنه لولا العداوة و الرقابة، لما كانت المسابقة و التحرك، و لو لا الحرب لما كانت الحضارة و التقدم و هكذا. فمع التوجه إلي أن العالم الطبيعي عالم تدرج و تكامل و حركة من القوة إلي الفعل و من النقص إلي الكمال و تلك الحركة و التدرج من

- - - - - - -

1) راجع تعليقة النهاية: ص 474.

2) راجع تعليقة النهاية: ص 473.

125

ذاتيات الطبيعة المادية و إلي أن حركة العالم المادي و سوقه نحو الكمال، لا تحصل بدون التزاحم و التضاد و بطلان و انهدام، بل تكون موقوفة علي تلك الاُمور التي تسمي شروراً تظهر فائدة الشرور و مصلحتها و بذلك يتقدح أن شرية ما سمّي شراً بلحاظ إضافته إلي جزئي و شيء خاص لا بلحاظ أوسع و إلاّ فهو خير و ليس بشر

(1).

و هذه الفوائد و إن أمكن المناقشة في بعضها كقائدة موت بعض الأفراد لاستعداد المادة لحياة الآخرين؛ لإمكان أن يقال: توسعة المادة ليست بمحال، فمع التوسعة المذكورة لا موجب لموت بعض الأفراد، و لكن جملة الفوائد تكفي لإثبات كون شرية الاُمور المذكورة إضافية جزئية و أما بلحاظ الكل فهي خير و ليست بشر.

الرابع: أن البلايا و الآفات و العاهات، كثيراً ما تصلح لإعداد الكمالات المعنوية و الأخلاقية و هو السر في الابتلاء و الامتحان بها و هذه الكمالات كالتوجه إلي الله و الانقطاع إليه و التخلق بالأخلاق الفاضلة، بحيث لو لم تكن تلك الاُمور لا يمكن النيل إلي هذه الكمالات المعنوية. مثلاً من أصابه مرض و أقدم علي العلاج و صبرفيه و دعال و تضرع إلي الله تعالي و رضي بما قدره له من الشفاء أو عدمه و الصحة أو السقم، حصل له من القرب إلي الله تعالي و التخلق بالأخلاق الحسنة ما لم يكن له قبل ابتلائه به فالمرض أعدله هذا التعالي و التكامل.

و هكذا من صار فقيراً من دون تفريط في الكسب و قنع بما في يده و رضي بما قدر له و لم يخضع لغني طمعاً بماله حصل له ملكة المناعة و عزة النفس و نحوهما من الملكات الفاضلة، و هكذا غير ذلك من البلايا و الآفات، فإنها تصلح

- - - - - - -

1) اُصول فلسفة: ج 5 ص 69.

126

للاعداد نحو الكمال بحسب مقتضيات الأحوال و هذا هو السر في الابتلاءات و المصيبات و الحوادث، و لكن يختلف حظوظ الناس منها لا ختلاف معارفهم و عباد الرحمان أكثر حظاً من غيرهم فيها و لذلك برون تلك البلايا و الحوادث جميلة و

يحمدونه علي كل حال، لأنهم لايرون منه إلاّ ما يستحق الحمد عليه و إن عميت أعيان الناس عن رؤية جمال تلك الأمور، نعم يظهر حقيقة كل ما صدر عنه تعالي لكل أحد في يوم القيامة كما قال عزَّوجلّ: «يوم يدعوكم فتستحجيبون بحمده تظنون إن لبثتم إلاّ قليلاً» (1).

اذ نسب الحمد المطلق إلي جميع المبعوثين من القبر و ليس ذلك الاّ لرؤية جمال افعاله تعالي كما لايخفي و اليه يؤول ما ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام من أنه قال: من اتكل علي حسن اختيار الله تعالي لم يتمنّ انه في غير الحال التي اختارها تعالي (له) (2).

فهذه الاُمور في الحقيقة ليست شروراً بالنسبة إلي من يجعلها وسيلة لاستكمال نفسه و تخلقه بالأخلاق الحسنة و إنما هي شرور بالنسبة إلي من لا يستفيد منها في طريق الاستكمال و عليه فشريتها ليست من نفسها، بل من نفس من لا يستفيد منها.

فالعمدة هي كيفية الاستفادة من الأشياء سواء كانت بلايا و آفات أو غيرها من النعم، فالآفات و العاهات و البلايا كالنعم و الغني و الثروة و السلامة كلها من معدات الكمال.

فإيجاد البلايا و الشرور ليست منافية للعدالة و الحكمة، بل هي عين ما اقتضته الحكمة و العدالة في ابتلاء الناس و امتحانهم و استكمالهم كما نص عليه في كتابه الكريم: «و لنبلونكم بشيء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال

- - - - - - -

1) اُصول فلسفة: ج 5 ص 69.

1) الإسراء: 52.

2) الدرة الباهرة للشهيد الأول: ص 26.

127

و الأنفس و الثمرات و بشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون اُولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و

اُولئك هم المهتدون» (1).

الخامس: أن الاختلافات من جهة الأنواع و الأصناف و الأوصاف كالسواد و البياض أو البلادة و الذكاوة أو النقص و التمام أو الرجولية و الاُنوثية أو الإنسانية و الحيوانية و غير ذلك، لا تنافي العدل؛ كما عرفت هو إعطاء كل ذي حق حقه و من المعلوم أنه لا حق للشيء قبل خلقته، فكل ما أعطاه الله تعالي للأشياء، هو فضل لاحق و حيث ثبت أن كل ما أعطاه الله فضل، فالاختلاف فيه لا يكون ظلماً و إليه يرشد ما روي عن جابر بن يزيد الجعفي حيث قال: «قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام: يا ابن رسول الله إنا نري الأطفال منهم من يولد ميتاً و منهم من يسقط غير تام و منهم من يولد أعمي، و أخرس و أصم و منهم من يموت من ساعته إذا سقط إلي الارض و منهم من يبقي إلي الاحتلام و منهم من يعمَّر حتي يصير شيخاً، فكيف ذلك، و ما وجهه؟ فقال عليه السلام: إن الله تبارك و تعالي أولي بما يدبره من أمر خلقه منهم و هو الخالق و المالك لهم، فمن منعه التعمير، فإنما منعه ما ليس له، و من عمره فإنما أعطاه ما ليس له، فهو المتفضل بما أعطي و عادل فيما منع، و لا يسأَل عما يفعل و هم يسأَلون» (2).

و بالجملة فالاختلاف و التبعيض لا ينافي العدل، نعم لقائل أن يسأل عن حكمة ذلك، و لكن الجواب عنه واضح؛لأنه لولا الاختلافات لما وجد العالم المادي و النظام الاجتماعي، مع أن خلقة العالم المادي و النظام الاجتماعي مقصود، لكونه راجحاً، إذ لو كان المعيار هو التساوي المطلق لزم أن

لا يوجد إلاّ شيء واحد و هو لغو و ليس بمقصود و لا يصدر منه، كما أنه لوكان المعيار

- - - - - - -

1) البقرة: 155 157.

2) نورالثقلين: ج 3 ص 419.

128

هو التساوي في النوع لزم أن لا يوجد إلاّ الإنسان مثلاً، فلا يمكن له أن يعيش، إذ لا شيء آخر، حتي يتغذي به أو يأوي إليه، أو يتلبس به.

و أيضاً لو كان جميع أفراد الإنسان ذكوراً أو إناثاً فقط، لانقرض نسل الإنسان؛ لعدم إمكان التوالد و التناسل، و لو كان الناس في الفكر و الذوق و الاستعداد متساوين، لاختلت الاُمور التي لا يوافق مذاقهم و لو كان الناس في الأشكال و الألوان و جميع الخصوصيات متحدين لما تعارفوا.

فالاختلافات من مقومات العالم المادي و النظام الاجتماعي

لا يقال: نعم، و لكن بقي السؤال لأفراد النساء مثلاً، بأن الله تعالي لم جعلني من الإناث، و لم يجعلني من الرجال، لأنّا نقول: لو عكس الله تعالي يعني جعلها من الرجال و جعل غيرها من النساء لما ارتفع السؤال؛ لان لمن جعله من النساء أن يكرر ذلك السؤال، فلا فائدة في التبديل كما لا يخفي.

السادس: أن علة النقص في المعلولين، قد تكون من جهة تزاحم الأسباب في عالم المادة و قد مر أن بعض الشرور من لوازم العالم المادي، و لعل إليه أشار الإمام الصادق عليه السلام في توحيد المفضل حيث قال: و أنت يا مفضل تري أصناف الحيوان أن يجري أكثر ذلك علي مثال و منهاج واحد كالانسان يولد و له يدان و رجلان و خمس أصابع، كما عليه الجمهور من الناس فأما ما يولد علي خلاف ذلك فإنه لعلة تكون في الرحم أو في المادة التي

ينشأ منها الجنين، كما يعرض في الصناعات حين يتعمد الصانع الصواب في صنعته فيعوق دون ذلك عائق في الأداة أو في الآلة التي يعمل فيها الشيء فقد يحدث مثل ذلك في أولاد الحيوان للأسباب التي وصفنا فيأتي الولد زائداً أو ناقصاً أو مشوهاً و يسلم أكثرها فيأتي سوياً لاعلة فيه (1).

- - - - - - -

1) بحارالأنوار: ج 3 ص 150.

129

و بالجملة فهذه النواقص الحاصلة من ناحية تزاحم الأسباب من لوازم عالم المادة و حيث كانت خيرية عالم المادة غالبة، فالراجح هو ايجاده بما هو عليه، كما لايخفي و قد تكون من جهة ظلم الظالمين المتجاوزين المختارين في أعمالهم، أو من جهة جهل الآباء و الاُمهات بآداب النكاح و سننه و شرائط التوالد و التناسل و كيفية التغذية و حفظ الصحة، أو من جهة سوء أفعالهم، أو غير ذلك من المؤثرات الاختيارية.

و من المعلوم أن الله تعالي بريء عن ظلم الظالمين و نهاهم عنه و أكده و فرض منعهم علي كافة الناس و يعاقبهم في الآخرة و هكذا أرشد الآباء و الاُمهات، بتشريع الأحكام و السنن و الآداب الشرعية و أيضاً حذر الناس عن العصيان و ارتكاب المعاصي و الأعمال السيئة لتطيب أولادهم و أحفادهم.

فما ينبغي أن يفعله الله لم يتركه، بل أتي به حق الاتيان و إنما التقصير و القصور من ناحية الناس و عالم المادة كما لا يخفي.

لا يقال: إن المعلولين لا يتمكنون من الاستكمال؛ لأنهم لعلتهم عاجزون عن اتيان الأعمال الصالحة، بمثل ما أتي به غيرهم فلا وجه لخلقهم.

لأنا نقول: إن التكليف ليس إلاّ بمقدار طاقتهم، فإذا أتوا بالأعمال بهذا المقدار، تمكنوا من الاستكمال بما أتوا به و الله تعالي رؤوف

بالعباد. هذا مضافاً إلي أن لهم أن يقصدوا جميع الخيرات التي اُتي بها غيرهم ممن ليس فيهم نقصهم فلهم ثواب تلك الاعمال إن كانوا صادقين في قصدهم؛ لأن الأعمال بالنيات علي أن الصبر علي العلة و النقص يوجب ازدياد الكمال و الثواب و الحسنات فقد روي في الكافي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: «من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد»

- - - - - - -

(1) الاصول من الكافي: ج 2 ص 92..

130

و كم من معلول نال المقامات العالية و الشامخة، لعلو همته و نشاطه، فعلي المعلولين أن لا يتركوا السعي نحو الكمال بمقدار الطاقة و علي الناس أن يساعدوهم في هذا المجال، و لا يهملوهم، فإنهم إخوانهم و المسلم يهتم باُمور المسلمين.

السابع: أنه قد يكون بعض الشرور لمكافأة الكفار و عذابهم، كما نص عليه في حق الهالكين من الامم السابقة بقوله: «وما كنا مهلكي القري إلاّ و أهلها ظالمون» (1) «ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأَرض ما لم نمكن لكم و أرسلنا السماء عليهم مدراراً و جعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم و أنشأنا من بعدهم قرناً آخرين» (2) بل يدل بعض الآيات الكريمة علي أن المصيبات كالقحط و الغلاء و الشدائد و نحوها تعرض الأقوام و الأفراد و لو لم يكونوا كافرين من جهة سوء اختيارهم و التغيرات السيئة في أنفسهم، كقوله تعالي: «إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم» (3) و قوله تعالي: «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير» (4) فمثل هذه الآية خطاب إلي الاجتماع أو الأفراد و تدل

علي أن بين المصائب، كالقحط و الغلاء و الوباء و الزلازل و المرض و الضيق و غير ذلك، من المصيبات و الشدائد و بين أعمال الإنسان إرتباط خاص، فلو جري الإنسان أو المجتمع الإنساني علي ما تقتضيه الفطرة من الاعتقاد و العمل، نزلت عليهم الخيرات و فتحت عليهم البركات، و لو أفسدوا اُفسد عليهم و هذا سنة إلهية، إلاّ أن ترد عليها سنة التكامل الأعلي كابتلاءات الأولياء، مع أن أعمالهم كلها حسنات، أو ترد سنة الاستدراج مع أن أعمالهم سيئات، فينقلب الأمر كما قال تعالي:

- - - - - - -

1) القصص: 59.

2) الانعام: 6.

3) الرعد: 11.

4) الشوري: 30.

131

«ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتي عَفوا و قالوا قد مس آباءنا الضراء و السراء فأخذناهم بغتة و هم لا يشعرون» (1) قوله: «حتي عفوا» أي كثروا عِدة أو عُدة و أصله الترك، أي تُركوا حتي كثروا، و منه إعفاء اللحي.

و كيف كان فالمكافأة و العذاب و التنبيه من علل وجود المصيبات، كما هو صريح الآيات المذكمورة و غيرها، بل الروايات منها: صحيحة فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: «ما من نكبة تصيب العبد إلاّ بذنب و ما يعفو الله عنه أكثر» (2).

و صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: أما أنه ليس من عرق يضرب و لا نكبة و لا صداع و لا مرض إلاّ بذنب و ذلك قول الله عزَّوجل في كتابه: «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفوا عن كثير» قال: ثم قال: «و ما يعفوالله اكثر مما يؤاخذ به» (3).

و من المعلوم أن هذه المكافأة توجب كثيراً ما التنبه و الا تعاظ و الرجوع.

و لعل

إلي ذلك أشار الإمام الصادق عليه السلام حيث قال في توحيد المفضل: «و يلذع (أي يوجع و يؤلم) أحيانا بهذه الآفات اليسيرة لتأديب الناس و تقويمهم، ثم لا تدوم هذه الآفات، بل تكشف عنهم عند القنوط منهم فيكون و قوعها بهم موعظة و كشفها عنهم رحمة إلي أن قال و لو كان هكذا (أي عيش الإنسان في هذه الدنيا صافياً من كل كدر) كان الإنسان سيخرج من الأشر و العتوّ إلي ما لا يصلح في دين و دنيا إلي أن قال فإذا عضّته المكاره و وجد مضضها اتّعظ و أبصر كثيراً مما كان جهله و غفل عنه و رجع إلي كثير مما كان يجب عليه» (4)، و قال عليه السلام أيضاً: إن هذه الآفات و إن كانت تنال الصالح

- - - - - - -

1) الاعراف: 95.

2) نور الثقلين: ج 4 ص 582.

3) نور الثقلين: ج 4 ص 582.

4) بحارالأنوار: ج 3 ص 138.

132

و الطالح جميعاً فإن الله (تعالي) جعل ذلك صلاحاً للصنفين كليهما، أما الصالحون فإن الذي يصبهم من هذا يردّهم (يذكرهم) نعم ربهم في سالف أيامهم فيحدوهم ذلك علي الشكر و الصبر، و أما الطالحون فإن مثل هذا إذا نالهم كسر شرتهم و ردعهم عن المعاصي و الفواحش. الحديث (1).

ثم لا يخفي عليك أن البلايا في حق الأنبياء و الأئمة المعصومين و الأولياء، ليست مكافأة، بل لإرتفاع شأنهم، كما نص عليه في صحيحة علي بن رئاب، قال: «سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزَّوجلّ: «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم» أرأيت ما أصاب علياً و أهل بيته عليهم السلام من بعده، أهو بما كسبت ايديهم، و هم أهل بيت طهارة

معصومون؟ فقال: إن رسول الله صلّي الله عليه و آله - كان يتوب إلي الله و يستغفر في كل يوم و ليلة مائة مرة غير ذنب، إن الله يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب» (2).

و في المروي عن عبدالرحمان بن الحجاج، قال: «ذكر عند أبي عبدالله عليه السلام البلاء و ما يخص الله به المؤمن، فقال: سئل رسول الله

صلي الله عليه و آله من أشد الناس بلاءً في الدنيا؟ فقال: النبيون ثم الأمثل فالأمثل و يبتلي المؤمن بعد علي قدر ايمانه و حسن أعماله، فمن صح ايمانه و حسن عمله اشتد بلاؤه و من سخف ايمانه و ضعف عمله قل بلاؤه» (3).

فابتلاء الأولياء بالشدائد و المصيبات كثير جدا ًو كلما اشتد ايمان المؤمن كثر بلاؤه كما ورد في الحديث «إن الله عزَّوجلّ إذا أحب عبداً غثه بالبلاء غثاً» (4) و السر فيه أن المكافأة تنشأ من غضبه تعالي، و ابتلاء الأولياء ينشأ من رحمته؛

- - - - - - -

1) بحارالأنوار: ج 3 ص 140.

2) نور الثقلين: ج 4 ص 581.

3) تفسير الميزان: ج 5 ص 13.

4) تفسير الميزان: ج 5 ص 13 نقلاً عن الكافي.

133

لأن يتدارجوا المدارج العمالية و أعلاها و رحمته غلبت غضبه، فلا تغفل، فالأنبياء و الأوليا ء ممن ليس لهم اكتساب سوء، كانوا خارجين عن قوله: «و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم» تخصصاً، إذ الآية المباركة أثبتت المصيبة بسبب الذنوب و اكتساب السوء، فلا تشمل من لم يصدر عنه الذنوب و ليس له اكتساب سوء كما لا يخفي. فلا مكافأة و لا عذاب لهم و إنما ما ورد عليهم لإعلاء شأنهم و قربهم إليه تعالي.

ثم لا يخفي أن

ابتلي بالمصيبات من جهة ذنوبه و صبر عليها من غير شكاية عنها أعطاه الله من باب فضله و لطفه مضافاً إلي تطهير ذنوبه إرتفاع المقام و الأجر و الثواب. كما يدل عليه ما روي عن الصادق عليه السلام عن آبائه عن علي عليه السلام «إنه عاد سلمان الفارسي فقال له يا سلمان ما من أحد من شيعتنا يصيبه وجع إلاّ بذنب قد سبق منه و ذلك الوجع تطهير له، قال سلمان: فليس لنا في شيء من ذلك أجر خلا التطهير، قال علي عليه السلام: يا سلمان لكم الأجر بالصبر عليه و التضرع إلي الله و الدعاء له بهما تكتب لكم الحسنات و ترفع لكم الدرجات، فأما الوجع خاصة فهو تطهير و كفارة» (1).

و يدل عليه أيضاً ما روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: «من مرض ليلة فقبلها بقبولها كتب الله عزَّوجلّ له عبادة ستين سنة (قال الراوي) قلت: ما معني قبولها؟ قال: لا يشكو ما أصابه فيها إلي أحد» (2) و قد قال الله تعالي في محكم كتابه: «و ما الله يريد ظلماً للعباد» غافر: 31 و قال: «والله لا يحب الفساد» البقرة: 206، و قال: «و ما خلقنا السموات و الأرض و ما بينهما لاعبين» الدخان: 38 و قال: «وما خلقت الجن و الإنس إلاّ ليعبدون» الذاريات: 56 إلي غير ذلك من الآيات الكريمة. سبحانك ما خلقت هذا باطلاً.

- - - - - - -

1) جامع الأحاديث: ج 3 ص 91 92.

2) جامع الأحاديث: ج 3 ص 99.

5 - عقيدتنا في التكليف

5 عقيدتنا في التكليف

هذا مضافاً إلي أن تصوير المبدأ تعالي بصفات الممكنات يرجع في الحقيقة، نعتقد أنه تعالي لا يكلف عباده إلاّ بعد إقامة الحجة

عليهم، و لا يكلفهم إلاّ ما يسعهم و ما يقدرون عليه و ما يطيقونه و ما يعلمون؛ لأنه من الظلم تكليف العاجز و الجاهل غير المقصر في التعليم (1) (1) و لا يخفي عليك أن المصنف أشار إلي بعض شرائط المكلف (بفتح اللام) من القدرة علي الفعل فتكليف العبد بما لا يطاق كالطيران من دون وسيلة لا يصدر عنه تعالي و من إمكان العلم بالتكليف أو قيام الحجة عليه و أما ما لا سبيل له إلي العلم به، من دون حرج أو مشقة، أو لا تقوم الحجة عليه فلا يصدر التكليف به عنه تعالي أيضاً، كل ذلك لنفي الظلم عنه فإن التكليف بدون القدرة أو مع الجهل به جهلاً قصورياً ظلم و الظلم لا يصدر عنه، لما تقدم من أنه لا يفعل القبيح و لا يترك الحسن. ثم إن المراد من قوله: و ما يعلمون هو ما يمكن أن يحصل له العلم و إلاً فتعليق التكليف علي العلم به لا يخلو عن إشكال، كما قرر في محله، اللهم إلاّ أن يريد أنه لا يتنجز التكليف في حقه و لا يستحق العقوبة علي مخالفة التكليف إلاّ بمقدار الذي علم به و أما مازاد عنه فلا تنجيز و لا عقوبة عليه بالنسبة إليه كما صرح به المصنف في اُصول

135

الفقه (1).

ثم إن المصنّف لم يذكر بقية الشرائط العامة للمكلف من البلوغ و العقل، كما لم يذكر شرائط نفس التكليف من انتفاء المفسدة فيه و تقدمه علي وقت الفعل.

نعم سيأتي (في 8 عقيدتنا في أحكام الدين) بعض شرائط التكليف كلزوم كونه مطابقاً لما في الأفعال من المصالح و المفاسد و أيضاً لم يذكر شرائط المكلف (بكسر اللام) من لزوم

كونه عالماً بصفات الفعل، من كونه حسناً أو قبيحاً و من لزوم كونه قادراً علي ايصال الأجر اللائق إلي العاملين و غير ذلك كما لم يذكر شرائط المكلف به من كونه ممكناً أو مشتملاً علي المصالح أو المفاسد و لعل كل ذلك لوضوح بعضها و لعدم دخل البعض الآخر في البحث من أنه لا يفعل القبيح و لا يترك الحسن كما لا يخفي.

ثم إن التكليف سمّي تكليفاً بلحاظ إحداث الكلفة و ايقاع المكلف فيها و لعله لذا عرّفه العلاّمة الحلي قدّس سرّه بأنه بعث من يجب طاعته علي ما فيه مشقة (2) و من المعلوم أن مراده من المشقة ليس العسر الذي يوجب نفي الحكم، بل هو ما يوجب الزحمة و يحتاج فعله إلي المؤونة و كيف كان فقد احترز بقيد المشقة، عما لا مشقة فيه، كأكل المستلذات و الظاهر من كلامه أنه جعل الكلفة في متعلق التكليف و لذا احترز عن أكل المستلذات و أما إن اُريد من الكلفة في متعلق التكليف و لذا احترز عن مثل أكل المستلذات و أما إن اُريد من الكلفة هو جعله المكلف في قيد التكليف، فلا يلزم أن يكون في متعلقه مشقة، بل في مثل المذكور أيضاً يحدث الكلفة، فلا يلزم أن يكون في متعلقه مشقة، بل في مثل المذكور أيضاً يحدث الكلفة، بصيرورته مقيداً بفعله مع أنه في فسحة قبل التكليف بالنسبة إلي ترك أكل المستلذات فافهم. ثم إن التكليف من العناوين المنتزعة من صيغة الأمر و ما شابهها، إذا

- - - - - - -

1) اُصول الفقه: ج 1 ص 88.

2) الباب الحادي عشر.

136

أما الجاهل المقصر في معرفة الأحكام و التكاليف فهو مسؤول عندالله تعالي و

معاقب علي تقصيره، إذ يجب علي كل إنسان أن يتعلم ما يحتاج إليه من الأحكام الشرعية (2)

سيقت لأجل البعث لا للدواعي الاُخر. قال المحقق الإصفهاني رحمه الله: «ان الصيغة و ما شابهها إذا سيقت لأجل البعث و التحريك، ينتزع منها عناوين مختلفة، كل منها باعتبار خاص و لحاظ مخصوص، فالبعث بلحاظ أنه يوجهه بقوله نحو المقصود و التحريك بلحاظ التسبيب بالصيغة مثلاً إلي الحركة نحو المراد و الايجاب بلحاظ إثبات المقصود عليه و الإلزام بلحاظ جعله لازماً و قريناً بحيث لاينفك عنه و التكليف بلحاظ احداث الكلفة و ايقاعه فيها و الحكم بلحاظ اتقان المطلوب و الطلب بلحاظ إرادته القلبية، أو الكشف عنها حقيقة أو إنشاء و عنوان الأمر بلحاظ كون البعث من العالي» (1).

و كيف كان فالمبحوث عنه حقيقة في المقام، هو إفعل و لا تفعل اللذين سيقا لأجل البعث أو الزجر، و انتزع منهما عنوان التكليف..

(2) قال الشيخ الأعظم الأنصاري قدّس سرّه: «أما وجوب أصل الفحص و حاصله عدم معذورية الجاهل المقصر في التعليم فيدل عليه وجوه:

الأول: الإجماع القطعي علي عدم جواز العمل بأصل البراءة قبل استفراغ الوسع في الأدلة.

الثاني: الأدلة الدالة علي وجوب تحصيل العلم مثل آيتي النفر للتفقه و سؤال أهل الذكر و الأخبار الدالة علي وجوب تحصيل العلم و تحصيل الفقه و الذم علي ترك السؤال.

- - - - - - -

1) نهاية الدراية: ج 1 ص 151.

137

الثالث: ما دل علي مؤاخذة الجهال و الذم بفعل المعاصي المجهولة المستلزم لوجوب تحصيل العلم، لحكم العقل بوجوب التحرز عن مضرة العقاب. مثل قوله صلي الله عليه و آله في من غسل مجدوراً (1) أصابته جناية فكر (2) فمات: «قتلوه قتلهم الله، ألا

سألوا؟» و قوله لمن أطال الجلوس في بيت الخلاء لاستماع الغناء: «ما كان أسوء حالك لومت علي هذه الحالة» ثم أمره بالتوبة و غسلها و ما ورد في تفسير قوله تعالي: «فلله الحجة البالغة» من أن يقال للعبد يوم القيامة: هل علمت؟ فإن قال: نعم، قيل: فهلا عملت؟ و إن قال: لا، قيل له: هلا تعلمت حتي تعمل؟ إلي أن قال الشيخ الأعظم.

الرابع: أن العقل لا يعذر الجاهل القادر علي الاستعلام إلي أن قال: كما لا يعذر الجاهل بالمكلف به العالم به إجمالاً و مناط المعذورية في المقامين هو عدم قبح مؤاخذة الجاهل فيهما، فاحتمال الضرر بارتكاب الشبهة غير مندفع بما يؤمن معه من ترتب الضرر. ألا تري أنهم حكموا باستقلال العقل بوجوب النظر في معجزة مدعي النبوة و عدم معذوريته في تركه، مستندين في ذلك إلي وجوب دفع الضرر المحتمل، لا إلي أنه شك في المكلف به، هذا كله مع أن في الوجه الأول و هو الاجماع القطعي كفاية» (3).

و حاصله أن الجاهل المقصر سواء علم بأصل التكليف و شك في المكلف به و جهل به، كما هو كذلك نوعاً إذ المكلف إذا التفت إلي أنه لم يخلق مهملاً و لم يترك سدي، فضلاً عن أن آمن بالإسلام و تدين به، علم اجمالاً بتكاليف كثيرة فعلية، أو لم يعلم بشيء، لم يكن معذوراً، فإن عليه أن يفحص، و لا مجال

- - - - - - -

1) المجدور: من به الجدري و هو مرض يسبب بثوراً حمراً بيض الرؤوس تنتشر في البدن و تتقيح سريعاً و هو شديد العدوي أي الفساد و السراية.

2) أي أصابه الكزاز و هوداء أو رعدة من شدة البرد.

3) فرائد الاُصول:

ص 300 301.

138

و نعتقد أنه تعالي لا بد أن يكلف عباده و يسن لهم الشرايع، و ما فيه صلاحهم و خيرهم، ليدلهم علي طرق الخير و السعادة الدائمة، و يرشدهم إلي ما فيه الصلاح، و يزجرهم عما فيه الفساد و الضرر عليهم و سوء للأخذ بالبراءة العقلية من قبح العقاب بلا بيان، فإن البيان موجود و إنما هو لم يرجع إليه و لذا لم تقبح مؤاخذه الجاهل المذكور في الصورتين بلأدلة الأربعة المذكوره، التي أشار إليها الشيخ قدّس سرّه و هذا كلام حسن و إن كان في التمسك بالاجماع مع وجد الدليل العقلي و الشرعي مناقشة؛ لأنه من المحتمل أن يكون مستندهم هو الدليل العقلي، أو الشرعي، فلا يكشف عن شيء آخر.

ثم إن الظاهر من بعض الأدلة المذكوره، سيما الأدلة الدالة علي مؤاخذة الجهال، أن السؤال و العقاب علي ترك الواقع لا علي ترك التعلم و لذا قال في الحديث: «هلا تعلمت حتي تعمل؟» و إليه أشار الشيخ قدّس سرّه حيث قال: «لكن الانصاف ظهور أدلة و جوب العلم في كونه واجباً غيرياً، مضافاً إلي ما عرفت من الأخبار في الوجه الثالث، الظاهره في المؤاخذة علي نفس المخالفة، انتهي» (1).

و عليه فما ذهب إليه صاحب المدارك و من تبعه، من أن العلم واجب نفسي، و العقاب علي تركه من حيث افضائه إلي المعصية، أعني ترك الواجبات، و فعل المحرمات المجهولة تفضيلاً مشكل، بل غير صحيح، فلا يعاقب من خالف الواقع إلاّ عقوبة واحده علي مخالفه الواقع و مما ذكر يظهر ما في ظاهر عبارة المصنف حيث جعل أن العقاب علي تقصير الجاهل المقصر في ترك التعلم، لا علي ترك الواقع، فتدبر جيداً..

- - - -

- - -

1) فرائد الاُصول: ص 303.

139

عاقبتهم، و أن علم، أنهم لا يطيعونه؛ لان ذلك لطف و رحمة بعباده و هم يجهلون أكثر مصالحهم و طرقها في الدنيا و الآخرة و يجهلون الكثير مما يعود عليهم بالضرر و الخسران. (3)

و الله تعالي هو الرحمن الرحيم بنفس ذاته و هو من كماله المطلق، الذي هو عين ذاته و يستحيل أن ينفك عنه

(3) أراد بذلك أي قوله: و يستحيل أن ينفك عنه بيان معني وجوب اللطف الذي هو الكبري الكلية لتكليف العباد بما فيه الصلاح و غيره مما يكون مصداقاً للطف و الرحمة و حاصله كما سيصرح به في الفصل الثاني من الكتاب، أن معني الوجوب في ذلك هو كمعني الوجوب في قولك: إنه واجب الوجود (أي اللزوم و استحالة الانفكاك) و ليس معناه أن أحداً يأمره بذلك، فيجب عليه أن يطيعه تعالي عن ذلك فإنه لا يناسب علو مقامه، و ذلك لأن اللطف و هو الرحمانية و الرحيمية بالعباد، ناشٍ عن كماله المطلق، الذي هو عين ذاته، و لا ينفك عنه، و لا حاجة إلي وراء ذاته في إفاضة اللطف إلي غيره، فاذا كان المحل قابلاً و مستعداً لفيض الجود و اللطف، فمقتضي كونه كمالاً مطلقاً هو لزوم إفاضة ذلك، إذ لا بخل في ساحة رحمته و لا نقص في جوده و كرمه، و لا جهل له بالمستحق، هذا، مع أن المحل قابل الاستفاضة و بهذا الاعتبار نقول: إن اللطف واجب لا باعتبار أنه محكوم بحكم أحد من خلقه.

و عليه فيؤول وجوب اللطف إلي لزومه، و استحالة انفكاكه، كما صرح به المصنف هنا و أما ما ذهب إليه العلاّمة الحلي قدّس سرّه من أنه لا نعني

بوجوبه عليه، حكم غيره عليه، بل وجوب صدوره منه نظراً إلي حكمته و قد

140

بينا أن القبح العقلي لا سمعي (1) فالظاهر أن المراد منه هو الحكم العقلي بوجوب الصدور منه و هو بظاهره لا يرفع إشكال بعض أهل السنة و غيرهم، من أنه لا يجب علي الله تعالي شيء، (2). اللهم إلاّ أن يقال: إن المراد من الحكم العقلي هو ادراك ضرورة صدوره منه و عليه فيرجع ما ذهب إليه العلاّمة، إلي ما ذهب إليه الحكماء، كما أشار إليه المصنف. قال المحقق اللاهيجي: «إن تشنيع المخالفين في وجوب شيء علي الله و استبعادهم، ناشٍ عن قلة تدبرهم في مراد القوم من وجوب شيء بحكم العقل عليه تعالي، فإن مرادهم منه أن كل فعل من شأنه استحقاق مذمة فاعله لا يفعله الله و لا يصدر منه تعالي و هكذا كل فعل حسن لو أخل به غيره استحق المذمة فهو تعالي منزه عن الإخلال به و أما منع تصور الذم بالنسبة إليه تعالي فهو مجرد تهويل؛ لأن الذم مقابل المدح، و المدح مرادف أو مساوٍ للحمد و هو واقع في حقه، فما لا يعقل هو استحقاق الذم بالنسبة إليه تعالي لا تصور الذم» (3).

و يظهر مما ذكره المحقق اللاهيجي قدّس سرّه في تصوير وجوب شيء عليه تعالي، أن الحكم العقلي ليس بمعني أمر العقل حتي يستبعد في حقه تعالي و يقال: كيف يمكن أن يكون هو تعالي منقاداً لأمر العقل مع أنه مخلوق من مخلوقاته، فلو إنقاد لأمر العقل و نهيه لزم حاكمية العقل المخلوق، علي خالقه، بل معناه ادراك ضرورة صدوره عنه و كونه منزهاً عن الإخلال به، هذا.

ثم إنه اُجيب عن الإشكال أيضاً، بما حاصله

أن المراد من العقل ليس هو عقل الانسان، بل عقله تعالي، فالله هو الذي عقل الكل و عقله يحكم بذاك، فلا يلزم حاكمية العقل المخلوق عليه و رده بعض المحققين بأن الجواب

- - - - - - -

1) كشف الفوائد: ص 68.

2) كما نسب إليهم المحقق الطوسي في قواعد العقائد. راجع كشف الفوائد: ص 68.

3) گوهر المراد: ص 248.

141

المذكور جواب يصلح لاقناع العامة، و لكن الإشكال فيه أن التعدد في ذاته تعالي غير متصور، فليس فيه قوة باسم العقل و قوة اُخري منقادة لحكم العقل، فالجواب يؤول في الواقع إلي تشبيهه تعالي بخلقه في نسبة العقل إليه، مضافاً إلي أن شأن العقل هو درك المفاهيم و المفاهيم من قبيل العلوم الحصولية، فلا تناسب علمه تعالي، فإن علمه من قبيل العلم الحضوري، كما أن شأن العقل ليس هو الأمر و النهي، فلا يتصور حاكمية عقله تعالي و آمريته.

و في الجواب و الرد كليهما نظر، أما الرد فبأن التعدد الاعتباري يكفي في تصوير الحاكم و المحكوم، كما أنه يكفي في تصوير العالم و المعلوم، مع اتحادهما في ذاته تعالي و مما ذكر يظهر أنه لا تشبيه و لا تنظير في صفاته بمخلوقاته بعد كون صفاته عين ذاته و التعدد بالاعتبار، هذا مضافاً إلي أن حمل «عاقل» كحمل «عالم» عليه تعالي في الحاجة إلي تجريده عما يشوبه من خصوصيات الممكنات، من الحاجة إلي المباديء و المقدمات و من كونه كيفاً أو فعلاً حادثاً للنفس و غيرهما من الاُمور التي تكون من خصوصية مصاديقهما فهو تعالي عالم بالعلم الحضوري و عاقل و مدرك بالعلم الحضوري.

و أما الجواب فبأن مرادهم من العقل هو مطلق العقل لا خصوص عقله تعالي، فاختصاص

العقل به أجنبي عن مرادهم، هذا مضافاً إلي ما اُشير إليه في الرد المذكور من أن شأن العقل هو الدرك، لا الأَمر و النهي.

و كيف كان فذاته الكامل لا يقتضي إلاّ النظام الأحسن و من المعلوم أن القبيح لا يناسب ذاته الكامل، و المناسبة و السنخية من أحكام العلية، فيمتنع صدور القبيح أو ترك الحسن منه تعالي، من جهة اقتضاء ذاته و صفاته، لا من جهة تأثير العوامل الخارجية فيه تعالي، من حكم عقلي، أو عقلائي بوجوب صدور الحسن و ترك القبيح، مع أنه لا ينفعل من شيء.

142

و عليه فمقتضي كمال ذاته هو لزوم إفاضة اللطف منه للعباد و منه التكليف، إذ عدم التكليف إما من جهة الجهل أو من جهة النقص في الجود و الكرم، أو من جهة العجز، أو من جهة البخل، أو من جهة عدم المحبة بالكمال و النظام الأحسن و كل هذه مفقودة في ذاته تعالي و إلاّ لزم الخلف في كونه صرفاً في العلم و الكمال و القدرة و في كونه عالماً بنفسه و بكماله و آثاره و حباً له، فلا سبب لترك التكليف، و فرض ترك التكليف حينئذٍ يستلزم ترجيح المرجوح و هو محال، لرجوعه إلي ترجح من غير مرجح.

ثم لا يذهب عليك أن الطريق الذي سلكه الممصنف في إثبات اللطف و الرحمة، أولي مما سلكه أهل الكلام من أن كل مقرب إلي الطاعة و مبعد عن المعصية لطف و هو واجب في حكمته؛ لأن الإهمال به نقض للغرض و هو قبيح كمن دعاه غيره إلي مجلس للطعام و هو يعلم أنه مع كونه مكلفاًً بالدجابة، و متمكناً ًمن الامتثال، لايجيبه إلاّ أن يستعمل معه نوعاً من التأديب، فالتأدب

المذكور يقرب المكلف إلي الامتثال و يبعده عن المخالف، فإذا كان للداعي غرض صحيح في دعوته، يجب عليه استعمال التأدب المذكور، تحصيلاً لغرضه و إلاّ نقض غرضه الصحيح و هو قبيح عن الحكيم.

و إنما قلنا طريق المصنف أولي من طريق أهل الكلام؛ لأن محصل الطريق المختار، هو امتناع انفكاك اللطف و التكليف، لا وجوب صدور التكليف عليه تعالي و من المعلوم أن مع تعبير امتناع انفكاك اللطف و التكليف لا يأتي فيه الاشكال المذكور، من أنه محيط علي كل شيء، فكيف يقع تحت حكم عقلي أو عقلائي و يتأثر منه و إن أمكن الجواب عن الاشكال مع تعبير الوجوب أيضاً، بما عرفت من أن المراد من الوجوب العقلي، هو أدراك الضرورة و امتناع التكليف أيضاً.

هذا مضافاً إلي أن حاصل الطريق المختار، أن الإنسان لا يتمكن من معرفة مصالحه و مفاسده و كيفية سلوكه نحو الكمال إلاّ باللطف و التكليف و هو أولي

143

ولا يرفع هذا اللطف و هذه الرحمة أن يكون العباد متمردين علي طاعته، غير منقادين إلي أوامره و نواهيه (4).

مما ذكره أهل الكلام، من أن الانسان يصير بالتكليف مقرباً إلي المصالح و مبعداً عن المفاسد، إذ مقتضاه كما صرح به في المثال المذكور، أن الإنسان مع قطع النظر عن التكليف يكون متمكناً من السلوك نحو الكمال و إنما لا يسلكه إلاّ بالتكليف، مع أن المعلوم خلافه، إذ الإنسان لا يقدر بدون التكليف و الإرشاد الشرعي، من السلوك نحو الكمال و كم من فرق بينهما. فالأولي في مورد التكليف هو القول بأنه يوجب أن يتمكن الإنسان من الامتثال..

4) لأن الدلالة علي طرق الخير و الإرشاد إلي ما فيه الصلاح، و الزجر عما فيه الفساد و

الضرر، لطف و رحمة في حق العباد و يقتضيه ذاته الكمال و التمرد و عدم الاطاعة من العباد، لا يخرج الدلالة و الإرشاد عن كونها لطفاً و رحمة، هذا. مضافاً إلي أن الدلالة و الإرشاد، توجب إتمام الحجة عليهم بحيث لا يبقي لهم عذر في المخالفة و التمرد.

لا يقال: إن العقل يكفي لتمييز المصالح عن المفاسد، لأنا نقول ليس كذلك، لمحدودية معرفة الإنسان في ما يحتاجه من الاُمور الدنيوية، فضلاً عن المعنويات، و العوالم الاُخري كالبرزخ و القيامة، فالإنسان في معرفة جميع المصالح و المفاسد و طرق السعادة و الشقاوة يحتاج إلي الدلالة و الإرشاد الشرعي و لا غني له عنه.

و مما ذكر ينقدح أنه لا مجال أيضاً لدعوي كفاية الفطرة، فإنها محتاجة إلي الاثارة و التنبيه بواسطة الدلالة المذكورة و بدونها لا تكفي لذلك كما لا يخفي.

6 - عقيدتنا في القضاء و القدر

6 - عقيدتنا في القضاء و القدر

عقيدتنا في القضاء و القدر

ذهب قوم و هم المجبرة، إلي أنه تعالي هو الفاعل لأفعال المخلوقين فيكون قد أجير الناس علي فعل المعاصي و هو مع ذلك يعذبهم عليها و أجيرهم علي فعل الطاعات و مع ذلك يثيبهم عليها، لأنهم يقولون: إن أفعالهم في الحقيقه أفعاله و إنما تنسب إليهم علي سبيل التجوز، لأنهم محلها و مرجع ذلك إلي إنكر السببية الطبيعية بين الأشياء، و أنه تعالي هو السبب الحقيقي لا سبب سواه.

وقد أنكروا السببية الطبيعية بين الأشياء، إذ ظنوا أن ذلك هو مقتضي كونه تعالي هو الخالق الذي لا شريك له، و من يقول بهذه المقالة فقد نسب الظلم إليه، تعالي عن ذلك.

(1) و من المجبرة، الأشاعرة الذين ذهبوا دلي انكار السببية و انحصار السبب في الله تعالي و قالوا:

إن النار مثلاً لا تحرق شيئاً، بل عادة الله جرت علي إحراق الثوب المماس بها، مثلاً من دون مدخلية للنار في الاحراق.

و علي هذا الأساس المزعوم ذهبوا إلي أن أفعال العباد مخلوقة له تعالي، من دون دخل للعباد، نعم يطلق علي أفعال العباد عنوان المكسوب، لمقارنة مجرد

145

الارادة و هو الفارق عندهم بين الفعل الاختياري و الاضطراري.

و الذي أوجب هذا الزعم الفاسد فيهم، هو عدم درك معني التوحيد الأفعالي و تخيلوا أنه لا يمكن الجمع بين التوحيد الافعالي و سببية الأشياء.

و فيه

أوّلاً:

أن انكار السببية و العلية خلاف الوجدان، فإنا نري أنفسفا علة ايجادية بالنسبة إلي التصورات و التفكرات الذهنية و نحوها من أفعال النفس؛ لأن هذه الاُمور مترشحة عن النفس و متوقفة عليها من دون العكس و ليس معني السببية إلاّ ذلك و الوجدان أدل دليل علي ثبوت السببية و العلية فلا مجال لانكارها.

و ثانياً:

أن التزاحم المشاهد بين الماديات مما يشهد علي وجود رابطة العلية و التأثير و التأثر بالمعني الأعم فيها و إلاّ فلا مجال لذلك، إذ المفروض أنه لا تأثير لها و إرادته تعالي لا تكون متزاحمة، لعدم التكثر في ذاته و المفروض أنه لا دخل لغيره تعالي في السببية، فالتزاحم ليس إلاّ لتأثير الماديات بعضها في بعض.

و ثالثاً:

بأن النصوص الشرعية تدل علي وجود الرابطة السببية، كقوله تعالي: «فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً * قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً * قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً» (1) حيث نسب التمثل و هكذا هبة الغلام إلي الروح.

و كقوله عزَّوجلّ: «قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم» (2) إذ أسند عذاب الكفار إلي أيدي المؤمنين و غير ذلك من الآيات، فلا

وجه لإنكار السببية.

و أما توهم المنافاة بينهما و بين التوحيد الأفعالي فهو مندفع، بأن السببية المذكورة ليست مستقلة حتي تنافيه، بل هي السببية الطولية و هي منتهية إليه

- - - - - - -

1) مريم: 17 19.

2) التوبة: 14.

146

تعالي في عين كونها حقيقية، نعم يختص باللهتعالي السببية الاستقلالي و هو المراد من قولهم: لا مؤثر في الوجود إلاّ الله تعالي.

و بالجملة كما أن وجود المخلوقين لا يتنافي مع التوحيد الذاتي؛ لأن وجودهم منه تعالي وفي طول وجوده، كذلك تأثيرهم في الأشياء لا ينافي حصر المؤثر الستقلالي فيه تعالي، كما يقتضيه التوحيد الأفعالي؛ لأن تأثيرهم بإذنه تعالي و ينتهي إليه و لذلك قال العلاّمة الطباطبائي - قدّس سرّّّه -: انتساب الفعل إلي الواجب تعالي بالايجاد لا ينافي انتسابه إلي غيره من الوسائط و الانتساب طولي لا عرضي (1).

فالعباد هم المباشرون للأفعال و كانت الأفعال أفعالاً اختيارية لهم، لقدرتهم علي تركها و تمكنهم من خلافها، و الأفعال مستندة إليهم بالحقيقة، ومع ذلك لا يكونون مستقلين في الوجود و الفاعلية، بل متقومون به تعالي و ليس هذا إلاّ لكونهم في طول وجود الرب المتعال، و منه ينقدح فساد ما استدلوا به علي

مختارهم، من ان التأثير مستند إلي قدرة الله تعالي دون العباد و الاّ لزم اجتماع قادرين علي مقدور واحد و التالي باطل، فالمقدم مثله، بيان الشرطية أنه تعالي قادر علي كل مقدور، فلو كان العبد قادراً علي شيء، لاجتمعت قدرته و قدرة الله تعالي عليه و أما بطلان التالي؛ فلأنه لو أراد الله ايجاده و أراد العبد اعدامه، فإن وقع المرادان أو عدما لزم اجتماع النقيضين، و أن وقع مراد أحدهما دون الآخر لزم الترجيح من غير

مرجح (2).

و ذلك لما عرفت من أن قدرة العبد في طول قدرة الرب و بإذنه و ارادته، و من المعلوم أن ما يكون كالظل للشيء و طوراً له، لا يمكن أن يعارض ذا

- - - - - - -

1) نهاية الحكم: ص 267.

2) راجع شرح تجريد الاعتقاد: ص 309. الطبعة الحدينة، كشف الفوائد: ص 60، قواعد المرام: ص 109.

147

الظل، و عليه فلو أراد الله تعالي فعلاً تكويناًً لوقع بإرادته و لو لم يرده العبد، لقوة قدرته و ارادته دون العكس و لعل إليه يؤول ما أشارإليه المحقق الطوسي قدّس سرّه في متن تجريد الاعتقاد حيث قال: «و مع الاجتماع يقع مراده تعالي».

إن قلت: ربما يقع الفعل عن العبد علي خلاف ارادته تعالي، ككفر الكفار و عصيان العصاة، مع أنه تعالي لا يريد الكفر و العصيان.

قلت: إنه تعالي في مثل ما ذكر لا يريد تكويناً إلاّ ما اختاره العباد و لو بالارادة التبعية، فما وقع عن العباد لايخرج عن ارادته و إن منعهم و زجرهم عنه تشريعاً؛ لأنه أراد أن يفعل الإنسان ما يشاء بقدرته و اختياره، حتي يتمكن من النيل إلي الكمال الاختياري، فمقتضي كونه مختاراً في أفعاله هو أن يتمكن من السعادة و الشقاوة كليهما، فلا معني لأن يكون مختاراً و مع ذلك لا يكون متمكناً من الشقاوه فاللازم هو التمكن بالنسبة إلي كل واحد من السعادة و الشقاوة، و هذا التمكن اُعطي للإنسان من ناحية الله تعالي مع منعه اياهم عن سلوك مسلك الشقاوة ففي نظائر ما ذكر لا يغلب ارادة الكفار و العصاة علي ارادته تعالي، بل هو المريد لفعل العبد عن اختياره و ارادته لا جبراً و بدون الاختيار، و لعل

إليه يرجع قوله عزّوجل: «و ما تشاؤون إلاّ أن يشاء الله» (1).

إذ الآية المباركة في عين كونها في مقام إثبات المشيئة له تعالي، أثبت المشيئة للإنسان أيضاً، و ليس هذا إلاّ الطولية المذكورة و يؤيدها ما روي عن رسول الله صلّي الله عليه و آله «إن الله يقول: يابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء و بارادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد» (2).

- - - - - - -

1) الدهر: 30.

2) بحار الأنوار: ج 5 ص 94.

148

فالقول بمعارضة ارادة العباد مع ارادة الله تعالي، لا يوافق الطولية، بل مناسب مع الارادة الاستقلالية، و هي ممنوعة عندنا.

و رابعاً:

أن دعوي الجبر و عدم الاختيار لايساعدها الوجدان، ضرورة أنا ندرك بالعلم الحضوري قدرتنا علي ايجاد الأفعال مع التمكن من الخلاف، نحن نقدرعلي التكلم مثلاً و نتمكن من تركه و هكذا، و الوجدان أدل دليل علي وجود الاختيار فينا، إذ لا خطأ في العلم الحضوري.

لا يقال: إن الارادة ليست باختيارية، لانبعثها عن الأميال الباطنية التي ليست تحت اختيارنا، بل تكون متأثرة عن العوامل الطبيعية الخارجية، فلا مجال لااختيارية الافعال، لانا نقول: إن هذه الأميال معدة لا علة، فالارادة مستندة إلي الاختيار و يشهد لذلك إمكان المخالفة للأميال المذكورة، كترك الأكل و الشرب، لغرض إلهي في شهر رمضان، مع أن الأميال موجودة و ليس ذلك إلاّ لوجود الاختيار، هذا مضافاً إلي أن حصول الترديد و الشك عند بعض الأميال، بالنسبه إلي الفعل أو الترك في بعض الأوقات، بحيث يحتاج الترجيح إلي التأمل و الاختيار، شاهد آخرعلي أن الأميال ليست سالبة للاختيار.

و مما ذكر يظهر ما في توهم أن المؤثر التام في الارادة هو الوراثة، أو

عوامل المحيط الإجتماعي، و لا مجال للاختيار، و ذلك لما عرفت من أن تلك الاُمور لا تزيد علي الاعداد، و لا توجب أن تترتب عليها الارادة، ترتب المعلول علي العلة، بل غايتها هو الاقتضاء، بل الارادة تحتاج إلي ملاحظة الإنسان، الشيء الذي تقتضيه العوامل المحيطية، أو الوارثة و فائدتها و ضررها، ثم تزاحمهما مع سائر الأميال و الموجبات، ثم الترجيح بينها، فالارادة مترتبة علي اختيار الانسان (1).

- - - - - - -

1) راجع اصول فلسفه: ج 3 ص 154 173 و آموزش عقائد: ج 1 ص 175.

149

فالمؤثر في الافعال ارادتنا باختيارنا، فمن أنكر الارادة و الاختيار، أنكر ما يقتضيه الوجدان، قال أبوالهذيل: «حمار بشر أعقل من بشر» (1) و لعله لأن الحمار عند رؤية الحفرة لا يدخل فيها، بل يمشي مع الأختيار، فكيف يكون الإنسان في أفعاله بلا الختيار؟

و قد يتخيل الجبر بتوهم أن الجبر مقتضي علمه تعالي بالاُمور من الأزل و غاية تقريبه أن الله تعالي علم بكل شيء من الأزل، فحيث لا تبديل و لا تغيير في علمه الذاتي، فما تعلق العلم به في الأزل يقع في الخارج، طبقاً لما علمه من دون اختيار و إلاّ فلا يكون علمه علماً، فمن كان علمه تعالي عاصياً لا يمكن أن يصير مطيعاً.

ولكن الجواب عنه واضح، حيث أن العلم الذاتي لا يسلب الاختيار عن المختار، فمن كان في علمه عاصياً بالاختيار يصير كذلك بالاختيار و إلاّ لزم أن يكون علمه جهلاً و هو محال.

ثم إنه يظهر من بعض كلمات المتكلمين من الأشاعرة، أن مجرد مقارنة الارادة في أفعالنا مع الفعل الصادر عن الله تعالي، يكفي في تسمية الفعل بالمكسوب، مع أفعالنا مع الفعل الصادر عن

الله تعالي، يكفي في تسمية الفعل بالمكسوب، مع أنه كما تري، إذ لا أثر للارادة علي المفروض في الفعل و لذا قال في قواعد المرام: «فأما حديث الكسب فهو اسم بلا مسمي» (2).

و خامساً: أن التوالي الفاسدة لهذا القول كثيرة، منها امتناع التكليف؛ لأنّ الناس غير قادرين، و التكليف بما لايطاق قبيح و منها لغوية ارسال الرسل و الأنبياء؛ لأن اتباعهم ليس تحت قدرتهم و منها عدم الفائدة في الوعد و الوعيد؛ لأن المفروض عدم دخالة الناس في الأفعال و منها أنه لا معني للمدح و الذم بالنسبة إلي أفعال العباد، لعدم دخالتهم فيها أصلاً.

- - - - - - -

1) اللوامع الاهية: ص 35.

2) قواعد المرام: ص 110.

150

كما حكي عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في الجواب عن السؤال عن الجبر: «لو كان كذلك، لبطل الثواب و العقاب و الأمر و النهي و الزجر و لسقط معني الوعد و الوعيد، و لم تكن علي مسيء، لائمة، و لا لمحسن محمدة، الحديث» (1).

و قد روي عن أبي الحسن موسي بن جعفر عليهما السلام «أنه سأل عنه أبو حنيفه عن أفعال العباد ممن هي؟ فقال: إن أفعال العباد لا تخلو من ثلاثة منازل، إما أن تكون من الله تعالي خاصة، أو منه و من العبد علي وجه الاشتراك فيها، أو من العبد خاصة، فلو كانت من الله تعالي خاصة، لكان أولي بالحمد علي حسنها، و الذم علي قبحها، و لم يتعلق بغيره حمد و لا لوم فيها، و لو كانت من الله و من العبد لكان الحمد لهما معاً فيها، و الذم عليها جميعاً فيها لأن المفروض أنهما مستقلان فيها و إذا بطل هذان

الوجهان، ثبت أنها من الخلق، فإن عاقبهم الله تعالي علي جنايتهم بها فله ذلك و إن عفا عنهم فهو أهل التقوي و أهل المغفرة» (2). و ظاهره أن مباشرة الأفعال من الإنسان و هو لا يمكن إلاّ بالاختيار و هو المصحح للعقاب و العفو كما لا يخفي.

ثم إن إثبات كون الأفعال صادرة من الخلق لا ينافي استنادها إليه تعالي بالطولية و بواسطتهم، كما سيأتي تصريح الأدلة به و إنما المنافي هو استنادها إليه تعالي في عرض صدورها من الخلق فلا تغفل.

هذا كله مضافاً إلي أن الفكر الجبري يؤدي إلي رفض المسؤولية كلها؛ لأنه لا يري لنفسه تأثيراً في شيء من الأشياء فلذا ينظلم، و لا يسعي في التخلق بالأخلاق الحسنة و إصلاح الاجتماع و دفع الظلم و الجور و لعله لذلك كان ترويج عقيدة الجبر من أهداف الحكومات الظالمة؛ لأن الناس إذا كان ذلك اعتقادهم خضعوا لسلطة الظلمة و لم يروهم مقصرين فيما يفعلون.

- - - - - - -

1) بحار الأنوار: ج 5 ص 4.

2) كتاب تصحيح الاعتقاد: ص 13.

151

و ذهب قوم آخرون و هم «المفوضة» إلي أنه تعالي فوض الأفعال إلي المخلوقين و رفع قدرته و قضاءه و تقديره عنها، باعتبار أن نسبة الافعال إليه تعالي تستلزم نسبة النقص إليه و إن للموجودات أسبابها الخاصة و ان انتهت كلها الي مسبب الاسباب و السبب الاول و هو الله تعالي.

و من يقول بهذه المقالة فقد اخرج الله تعالي من سلطانه و أشرك غيره معه في الخلق (2) و قد اشتهرت هذه الجملة في الألسنة من أن الجبر و التشبيه اُمويان و العدل و التوحيد علويان.

هذا بخلاف الإنسان المعتقد بالاختيار، فإنه يري نفسه مسؤولاً في

الاُمور و لذلك الاعتقاد يسعي و يجاهد مع كل ظالم و يصل إلي ما يصل من الحرية و العزة و المجد و السعادة (1).

و قد قال الله تبارك و تعالي: «و أن ليس للإنسان إلاّ ما سعي * و أن سعيه سوف يري * ثم يجزيه الجزاء الأوفي» (2).

هذا تمام الكلام في الجبر.. و من المفوضة أكثر المعتزلة و هم ذهبوا إلي أن الفعل مفوض إلينا، و لا مدخلية فيه لارادته و إذنه تعالي و الذي أوجب هذه المزعمة الفاسدة هو الاحتراز عن نسبة المعاصي و الكفر و القبائح إليه تعالي، حيث زعموا أنه لو لم نقل باتفويض، لزم استناد القبائح إليه تعالي، حيث زعموا أنه لو لم نقل بالتفويض، لزم استناد القبائح إليه تعالي و هو لا يناسب مع جلاله. هذا مضافاً إلي أنه لو لم يكن العبد مستقلاً في فعله لما صح مدحه و ذمه، علي أن المستفاد من الآيات الكثيرة هو استناد أفعال العباد إليهم دونه كقوله تعالي:

- - - - - - -

1) كتاب إنسان و سرنوشت.

2) النجم: 39 40.

152

«فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم» (1) و قوله تعالي: «إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم» (2) و قوله تعالي: «و قل اعملوا فسيري الله عملكم و رسوله» (3) إلي غير ذلك من الآيات.

و فيه

أولاً:

أن لازم ما ذكر أن الانسان لا يحتاج في مقام الفاعلية إليه تعالي، بل هو مستقل في ذلك و هو ينافي التوحيد الأفعالي و انحصار المؤثرية الاستقلالية فيه تعالي.

و ثانياً:

أن الفعل و الفاعل وكل شأن من شؤونه من الممكنات، و الممكن ما لم يجب لو يوجد، فإن استند الفعل إلي الواجب المتعال و لو بوساطة

المختارين في الأفعال، صار واجباً بالغير و وجد و إلاّ فلا يمكن وجوده و إن استند إلي جميع الممكنات. فكما أن الفاعل يستند إلي مسبب الأسباب بالآخرة كذلك فعله مع الاختيار، فلا وجه للتفكيك بينهما مع أنهما كليهما من الممكنات.

و ثالثاً:

أن قبح استناد القبايح إليه تعالي، فيما إذا لم يكن واسطة في البين و أما مع وساطة المختارين و القادرين، فلا مانع منه و لا قبح فيه؛ لأن معناه و أما مع وساطة المختارين و القادرين، فلا مان منه و لا قبح فيه؛ لأن معناه حينئذٍ هو أن الله تعالي خلق العباد قادرين و مختارين لأن يختاروا ما يشاؤون و يصلوا إلي الكمال الاختياري و الخلق المذكور عين لطف و حكمة؛ لأن التكامل الاختياري الذي هو من أفضل أنواع الكمالات، لا يحصل بدون اختيار العباد فيما يشاؤون. فما هو القبيح من الاستناد بدون وساطة المختارين لا وقوع له، و ما وقع لا قبح فيه و عليه يحمل ما ورد عن أبي الحسن الثالث عليه السلام من أنه سئل عن أفعال العباد أهي مخلوقة الله تعالي، فقال: «لو كان خالقاً لها أي بدون وساطة المختارين و القادرين لما تبرأ منها و قد قال سبحانه: «إن الله بريء من المشركين» و لم يرد البراءة من خلق ذواتهم و إنما

- - - - - - -

1) البقرة: 78.

2) الرعد: 11.

3) التوبة: 105.

153

تبرأ من شركهم و قبائحهم» (1).

و رابعاً:

أن المدح و الذم يصحان فيما إذا كان الفعل صادراً بالقدرة و الاختيار، للتمكن من الخلاف، و لا يشترط فيهما الاستقلال، إذ ملاك المدح و الذم هو القدرة و الاختيار في الفعل و الترك و هو موجود في أفعالنا و لذا

يكتفي في المحاكم القضائية عند العقلاء بذلك للمجازاة و المثوبات.

و خامساً:

أن التفويض لا تساعده الآيات الدالة علي أنه ما من شيء إلاّ و يكون بارادته و إذنه و قدرته، كقوله تعالي: «و ما تشاؤون إلاّ أن يشاء الله رب العالمين» (2) و قوله عزّوجلّ: «والله خلقكم و ما تعلمون» (3) و قوله تعالي: «و ما كان لنفس أن تؤمن إلاّ باذن الله» (4).

و هذا الآيات و نحوها صريحة في أن التفويض لا واقع له، بل كل الافعال سواء كانت قلبية أو خارجية، غير خارجة عن دائرة قدرته و مشيئته و ارادته و إذنه و مقتضي الجمع بين هذه الآيات و ما تمسك به المفوضة من الآيات، هو أن المراد من استناد الأفعال إلي العباد ليس هو التفويض، بل يكفي في الاستناد كون مباشرة الأفعال باختيارهم و قدرتهم و تمكنهم من الخلاف و إن كان قدرتهم تحت قدرته و إذنه و مشيئته تعالي، فالمباشرة منهم بالاختيار لا يستلزم التفويض فلا تغفل، هذا.

مضافاً إلي نفي التفويض في الأخبار الكثيرة.

منها: ما روي عن الصادق عليه السلام قال: «الناس في القدر علي ثلاثة أوجه: رجل زعم أن الله عزّوجلّ أجير الناس علي المعاصي، فهذا قد ظلم الله عزّوجلّ في حكمه و هو كافر و رجل يزعم أن الأمر مفوض إليهم، فهذا وهن

- - - - - - -

1) بحار الأنوار: ج 5 ص 20.

2) التكوير: 29.

3) الصافات: 96.

4) يونس: 100.

154

الله في سلطانه فهو كافر، و رجل يقول إن الله عزّوجلّ كلف العباد ما يطيقون و لم يكلفهم ما لايطيقون، فإذا أحسن حمد الله و إذا أساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ» (1).

و منها: ما روي عن الوشاء عن أبي

الحسن الرضا عليه السلام قال: «سألته فقلت: الله فوض الأمر إلي العباد؟ قال: الله أعز من ذلك، قلت: فأجبرهم علي المعاصي؟ فقال: الله أعدل و أحكم من ذلك» (2).

لا يقال: إن القبائح لو كانت مستندة إليه تعالي لما حكم سبحانه بحسن جميع ما خلق، مع أنه قال عزّوجلّ: «الذي أحسن كل شيء خلقه» (3)، لأنا نقول: نعم، هذا لو كان الاستناد من دون وساطة الاختيار للعباد و أما مع الوساطة المذكورة فلا قبح فيه، بل هو حسن؛ لأن مرجعه إلي خلقة العباد مختارين و قادرين و غير مجبورين في الأفعال، بحيث يتمكنون من الإطاعة و العصيان، حتي يمكن لهم أن يصلوا إلي اختيار الكمال مع وجود المزاحمات و هو أفضل أنواع الكمالات، فخلقة الاختيار في الإنسان و لو اختار بعض الناس الكفر و العصيان بسوء اختيارهم خلقة حسنة، بملاحظة أن الكمال الاختياري، المتقوم بالمزاحمات الداخلية و الخارجية لا يمكن وجوده إلاّ بخلقة الاختيار في العباد و المفروض أن الكمال المذكور من أحسن الاُمور في النظام، فمراعاته حسنة و الاخلال به لا يساعده الحكمة و اللطف كما لا يخفي.

ثم إن الظاهر من عبارة الشيخ المفيد قدّس سرّه أن التفويض هو القول برفع الحظر عن الخلق في الأفعال و الإباحة لهم ما شاؤوا من الأعمال و نسبه إلي بعض الزنادقة و أصحاب الاباحات (4).

- - - - - - -

1) بحار الأنوار: ج 5 ص 10.

2) بحار الأنوار: ج 5 ص 16.

3) السجدة: 7.

4) تصحيح الاعتقاد: ص 14.

155

و أنت خبير بأن المعروف من التفويض، هو ما نسب إلي أكثر المعتزلة و هو المبحوث عنه في المقام؛ لأنه ينافي التوحيد الأفعالي و أما ما نسبه إلي بعض الزنادقة،

فهو لا يناسب المقام، بل ينافي لزوم التكليف و عدم جواز إهمال الناس و قد مر في البحث عن التكليف أنا نعتقد أنه تعالي لابد أن يكلف عباده و يسن لهم الشرايع و ما فيه صلاحهم و خيرهم فراجع.

ثم ينقدح مما ذكرنا في نفي الجبر و التفويض و استناد الأفعال إليه تعالي بوساطة المباشرين، ما في عبارة شيخنا الصدوق رحمه الله حيث قال علي المحكي: «أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين و معني ذلك أنه لم يزل عالماً بمقاديرها. انتهي» (1).

و ذلك لأن لازم كلامه أن الأفعال بحسب التكوين مفوضة إلي العباد و ليس هذا إلاّ قول المفوضة. هذا مضافاً إلي أورد عليه الشيخ المفيد قدّس سرّهما من أنه ليس يعرف في لغة العرب أن العلم بالشيء هو خلق له، فخلق تقدير لا معني له (2).

ثم لا يخفي عليك ما في يتراءي من التجريد و شرحه، حيث قال في التجريد: «و القضاء و التقدر إن اُريد بهما خلق الفعل، لزم المحال» و قال العلاّمة قدّس سرّه في شرحه: «فنقول للأشعري: ما تعني بقولك أنه تعالي قضي أعمال العباد و قدرها؟ إن أردت به الخلق و الايجاد فقد بينا بطلانه و أن الافعال مستندة إلينا» (3).

لما عرفت من أن انتهاء خلق الأفعال إليه تعالي بواسطة خلق القدرة و اختيار العباد لا مانع منه، بل هو مقتضي التوحيد الأفعالي و يمكن ارادتهما

- - - - - - -

1) تصحيح الاعتقاد: ص 11.

2) تصحيح الاعتقاد: ص 12.

3) شرح تجريد الاعتقاد: ص 315 316، الطبعة الحديثة في قم المشرفة.

156

و اعتقادنا في ذلك تبع جاء عن أئمتنا الأطهار عليهم السلام من الأمر بين الأمرين و الطريق الوسط بين

القولين الذي كان يعجز عن فهمه أمثال اُولئك المجادلين من أهل الكلام ففرّط منهم قوم و أفرط آخرون و لم يكتشفه العلم و الفلسفة إلاّ بعد عدة قرون (3) و ليس من الغريب ممن لم يطلع علي حكمة الأئمة عليهم السلام و أقوالهم أن يحسب أن هذا القول و هو الأمربين الأمرين من مكتشفات بعض فلاسفة الغرب المتأخرين و قد سبقه إليه أئمتنا قبل عشرة قرون.

نفي الخلق بدون وساطة القدرة و الاختيار، كما يقتضيه خطاب الشارح للأشعري و بالجملة: إن النظام السببي في العالم مستند إليه تعالي و من جملة الأفعال المسببة عن العباد باختيارهم، فكما لا معني للتفويض في سائر الأسباب لحاجتها إليه تعالي في الوجود و البقاء و التأثير، كذلك لا معني له في سببية الإنسان للأعمال مع كونه ممكناً من الممكنات. هذا تمام الكلام في التفويض.. 3) قال الاُستاذ الشهيد المطهري قدّس سرّه ما حاصله: «إن هذا النظر أي الأمر بين الأمرين ابتدأ به من ناحية أئمة الدين عليهم السلام ثم بعد مضي مدة من الزمن نظر حوله و تأمل فيه الحكماء الإلهيون حق التأمل، فرأوه مطابقاً للموازين الدقيقة العقلية المنطقية» (1).

و قال في موضع آخر ما حاصله: «إن الذي يوجب كثرة الاعجاب للمحقق العارف بمسائل التوحيد، هو المنطق الخاص الذي يسلكه القرآن و السنة المروية عن رسول الله و الائمة الأطهار صلوات الله عليهم حول مسائل

- - - - - - -

1) اصول فلسفه: ج 3 ص 169.

157

فقد قال إمامنا الصادق عليه السلام لبيان الطريق الوسط كلمته المشورة: «لا جبرولا تفويض و لكن أمر بين الأمرين» (4) التوحيد، إذ هذا المنطق الخاص لم يطابق المنطق الرائج في ذلك العصر، بل لم

يطابق مع منطق القرون و العصور العديدة التي كانت بعد ذلك العصر و صار علم الكلام و المنطق و الفلسفة رائجاً فيها؛ لأن هذا المنطق الخاص كان فوق مستوي المسائل الكلامية و العقلية الرائجة فيها.

و من جملة هذه المسائل مسألة القضاء و القدر و الجبر و الاختيار و هذا يدل علي أن القرآن الكريم كتاب وحي نزل من الله علي رسوله و أن من خوطب به أدرك كمال الادراك ما خوطب به و شهده في مستوي آخر و يدل عليه أن أهل البيت عليهم السلام كانوا يعرفون القرآن بنحو آخر غير ما جرت به العادة و لذا بينوا الحقايق بأتقن بيان و أحسن اُسلوب و أرشدوا الناس إلي الحقائق الإلهية عند تحير الآخرين» (1).

4) و سأل الراوي في ذيل الحديث المذكور في المتن بقوله قال: قلت: و ما أمر بين أمرين قال: مثل ذلك رجل رأيته علي معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية، فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت الذي أمرته بالمعصية (2) الاصول من الكافي: ج 1 ص 160. و لا بأس بذكر بعض الاخبار الواردة تتميما للفائدة.

منها: ما رواه الصدوق عليه الرحمة عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه ذكر عنده الجبر و التفويض، فقال: «ألا اُعطيكم في هذه أصلاً لا تختلفون فيه و لا يخاصمكم عليه أحد إلاّ كسرتموه؟ قلنا: إن رأيت ذلك، فقال إن الله عزّوجلّ لم يطع باكره، و لم يعص بغلبة، و لم يهمل العباد في ملكه. هو

- - - - - - -

1) انسان و سرنوشت: ص 102.

(2) الاصول من الكافي: ج 1 ص 160.

158

المالك لما ملكهم و القادر علي ما أقدرهم عليه، فإن ائتمر

العباد بطاعته لم يكن الله عنها صاداً و لا منها مانعاً و إن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم و بين ذلك فعل و إن لم يحل و فعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه، ثم قال عليه السلام: من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه» (1).

و لا يخفي عليك أن قوله: «هو المالك لما ملكهم و القادر علي ما أقدرهم عليه» يدل علي أن قدرة المخلوقين و تمكنهم من الفعل أو الترك تحت قدرته و ملكه تعالي و ليس ذلك إلاّ الملكية الطولية، إذ مع إسناد الملك و القدرة إليهم أسندهما إلي نفسه أيضاً، كما إن قوله عليه السلام في الذيل: «فليس هو الذي أدخلهم فيه» يدل علي أن الفعل واقع بمباشرتهم و اختيارهم فالمحصل أن الأفعال مع كونها صادرة عن العباد بالاختيار، تكون تحت قدرة الخالق و ملكيته تعالي.

و منها: ما رواه الطبرسي عليه الرحمة عن أبي حمزة الثمالي، أنه قال: قال أبو جعفر عليه السلام للحسن البصري: «إياك أن تقول بالتفويض، فإن الله عزّوجلّ لم يفوض الأمر إلي خلقه و هناً منه ضعفاً و لا أجبرهم علي معاصيه ظلماً. الحديث» (2).

و منها ما رواه الطبرسي عليه الرحمة أيضاً عن هشام بن الحكم، قال: «سأل الزنديق أبا عبدالله عليه السلام فقال: أخبرني عن الله عزّوجلّ كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحيدين و كان علي ذلك قادراً؟

قال عليه السلام: لو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب؛ لأن الطاعة إذا ما كانت فعلهم لم تكن جنة و لا نار، و لكن خلق خلقه فأمرهم بطاعته و نهاهم عن معصيته و احتج عليهم برسله و قطع عذرهم بكتبه، ليكونوا هم الذين

- - - -

- - -

1) بحار الأنوار: ج 5 ص 16، نقلاً عن التوحيد و عيون الاخبار.

2) بحار الأنوار: ج 5 ص 17، نقلاً عن الاحتجاج.

159

يطيعون و يعصون و يستوجبون بطاعتهم له الثواب و بمعصيتهم اياه العقاب، قال: فالعمل الصالح من العبد هو فعله و العمل الشر من العبد هو فعله؟ قال: العمل الصالح، العبد يفعله و الله به أمره و العمل الشر العبد يفعله و الله عنه نهاه.

قال: أليس فعله بالآلة التي ركنها فيه؟ قال: نعم، و لكن بالآلة التي عمل بها الخير قدربها علي الشر الذي نهاه عنه.

قال: فإلي العبد من الأمر شيء؟ قال: ما نهاه الله عن شيء إلاّ و قد علم أنه يطيق تركه، و لا أمره بشيء إلاّ و قد علم أنه يستطيع فعله؛ لأنه ليس من صفة الجور و العبث و الظلم و تلكيف العباد ما لا يطيقون. الحديث» (1).

و منها: ما رواه في البحار عن أمير المؤمنين عليه السلام حين سأله عباية الأسدي عن الاستطاعة أنه قال عليه السلام في جوابه: «تملكها من دون الله أو مع الله؟ فسكت الأسدي، فقال له: قل يا عباية، قال: و ما أقول؟ قال: إن قلت تملكها مع الله قتلتك و إن قلت تملكها من دون الله قتلتك، قال: و ما أقول يا أمير المؤمنين؟ قال: تقول: تملكها بالله الذي يملكها من دونك، فإن ملككها كان ذلك من عطائه و إن سلبكها كان ذلك من بلائه و هو المالك لما ملكك، و المالك لما عليه أقدرك، أما سمعت الناس يسألون الحول و القوة حيث يقولون: لا حول و لا قوة إلاّ بالله؟ فقال الرجل: و ما تأويلها يا أمير المؤمنين؟ قال: لاحول لنا عن

معاصي الله إلاّ بعصمة الله، و لا قوة لنا علي طاعة الله إلاّ بعون الله، قال: فوثب الرجل و قبّل يديه و رجليه» (2).

و منها: ما رواه في الإحتجاج عن موسي بن جعفر عليهما السَّلام قال: إن الله خلق الخلق فعلم ما هم إليه صائرون، فأمرهم و نهاهم فما أمرهم به من

- - - - - - -

1) بحار الأنوار: ج 5 ص 18 نقلاً عن الاحتجاج و لعل كلمة واو سقطت قبل قوله: لم تكن جنة و لا نار.

2) بحارالانوار: ج 5 ص 24.

160

شيء فقد جعل لهم السبيل إلي الأخذ به و ما نهاهم عنه من شيء، فقد جعل لهم السبيل إلي تركه، و لا يكونون آخذين و لا تاركين إلاّ بإذنه، و ما جبرالله أحداً من خلقه علي معصية، بل اختبرهم بالبلوي، كما قال تعالي: «ليبلوكم أيكم أحسن عملاً» (1).

و منها: ما رواه في الخصال و غيره عن الحسين بن علي عليهما السلام قال: «سمعت أبي علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: الأعمال علي ثلاثة أحوال: فرائض و فضائل و معاصي، فأما الفرائض فبأمرالله تعالي و برضي الله و بقضائه و تقديره و مشيته و علمه و أما الفضائل فليست بأمر الله أي الأمر الوجوبي و لكن برضي الله و بقضاء الله و بقدر الله و بمشية الله و بعلم الله و أما المعاصي فليست بأمر الله و لكن بقضاء الله و بقدر الله و بمشية الله و بعلمه ثم يعاقب عليها» (2) و دلالته علي أن كل شيء حتي المعاصي تحت قضائه و قدره و مشيته واضحة.

و منها: ما رواه في الكافي عن حمزة بن حمران قال: «سألت أبا عبدالله عليه

السلام عن الاستطاعة، فلم يحببني، فدخلت عليه دخلة اُخري فقلت: أصلحك الله، إنه قد وقع في قلبي منها شيء لا يخرجه إلاّ شيء أسمعه منك، قال: فإنه لا يضرك ما كان في قلبك، قلت: أصلحك الله، إني أقول: إن الله تبارك و تعالي لم يكلف العباد ما لا يستطيعون و لم يكلفهم الاّ ما يطيقون، و انهم لا يصنعون شيئاً من ذلك إلاً بارادة الله و مشيته و قضائه و قدره، قال: فقال هذا دين الله الذي أنا عليه و آبائي. الحديث» (3) حمله الصدوق رحمه الله علي أن

- - - - - - -

1) بحار الأنوار: ج 5 ص 26.

2) بحار الأنوار: ج 5 ص 29، نقلاً عن التوحيد و الخصال و عيون الاخبار.

3) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 162 بحارالانوار: ج 5 ص 36 مع تفاوت و الاصح هو ما رواه في الكافي.

161

مشية الله و اردته في الطاعات، الأمر بها و في المعاصي النهي عنها و المنع منها بالزجر و التحذير، ولكنه بلا موجب فافهم.

و منها: ما رواه في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه مر بجماعة بالكوفة و هم يختصمون بالقدر في القدر فقال لمتكلمهم: «أبا لله تستطيع، أم مع الله، أم من دون الله تستطيع؟ فلم يدر ما يرد عليه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن زعمت أنك بالله تستطيع فليس إليك من الأمر شيء و إن زعمت أنك مع الله تستطيع، فقد زعمت أنك شريك معه في ملكه و إن زعمت أنك من دون الله تستطيع، فقد ادعيت الربوبية من دون الله تعالي. فقال: يا أمير المؤمنين، لا، بل بالله أستطيع، فقال: أما انك لوقلت غير هذا لضربت

عنقك» (1) و لا يخفي عليك أن قوله: «إن زعمت أنك بالله تستطيع، الخ» بيان صورة الجبر جمعاً بينه و بين قوله في الذيل، كما يشهد له قوله بعده: «فليس إليك من الأمر شيء» فإنه لا يساعد إلاّ مع الجبر.

و منها: ما رواه في الخصال عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال: «لا يكون شيء في السماوات و الأَرض الاّ بسبعة بقضاء و قدر و ارادة و مشية و كتاب و أجل و اذن، فمن قال غير هذا فقد كذب علي الله أو رد علي الله عزّوجلّ» (2).

و منها: ما رواه في التوحيد «جاء رجل إلي أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، فقال: بحر عميق فلا تلجه، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: طريق مظلم فلا تسلكه، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: سر الله فلا تتكلفه، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما إذا أبيت فاني

- - - - - - -

1) بحار الأنوار: ج 5 ص 39.

2) بحار الأنوار: ج 5 ص 88.

162

سائلك، أخبرني أكانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد أم كانت أعمال العباد قبل رحمة الله؟ قال: فقال له الرجل: بل كانت رحمةالله للعباد قبل أعمال العباد. فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: قوموا فسلموا علي أخيكم، فقد أسلم و قد كان كافراً، قال: و انطلق الرجال غير بعيد، ثم انصرف إليه، فقال له: يا أميرالمؤنين، أبا لمشية الاُولي نقوم و نقعد و نقبض و نبسط؟ فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: و إنك لبعيد في المشية، أما إني سائلك عن ثلاث لا يجعل الله لك في شيء

منها مخرجاً.

أخبرني أخلق الله العباد كما شاء أو كما شاؤوا؟ فقال: كما شاء، قال: فخلق الله العباد لما شاء أو لما شاؤوا؟ فقال: لما شاء، قال: يأتونه يوم القيامة كما شاء أو كما شاؤوا؟ قال: قم فليس إليك من المشية شيء» (1).

قال العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه في ضمن ما قاله في توضيح الرواية: «و الأشياء إنما ترتبط به تعالي من جهة صفاته الفعلية التي بها ينعم عليها و يقيم صلبها و يدبر أمرها كالرحمة و الرزق و الهداية و الإحياء و الحفظ و الخلق و غيرها و ما يقابلها، فلله سبحانه من جهة صفات فعله دخل في كل شيء مخلوق و ما يتعلق به من أثر و فعل، إذ لا معني لإثبات صفة فيه تعالي متعلقة بالأشياء و هي لا تتعلق بها.

و لذلك فإنه عليه السلام سأل الرجل عن تقدم صفة الرحمة علي الاعمال و لا معني لتقدمها مع عدم ارتباتها بها و تأثيرها فيها، فقد نظم الله الوجود بحيث تجري فيه الرحمة و الهداية و المثوبة و المغفرة و كذا ما يقابلها، و لا يوجب ذلك بطلان الاختيار في الأفعال، فإن تحقق الاختيار نفسه مقدمة من مقدمات

- - - - - - -

1) بحار ألانوار: ج 5 ص 111.

163

تحقق الأمر المقدر، إذ لولا الاختيار لم يتحقق طاعة و لا معصية، فلم يتحقق ثواب و لاعقاب و لا أمر و لا نهي، و لا بعث و لا تبليغ و من هنا يظهر وجه تمسك الإمام عليه السلام بسبق صفة الرحمه علي العمل، ثم بيانه عليه السلام أن لله مشية في كل شيء و أنها لا تلغوا و لا تغلبه مشية العبد، فالفعل لا يخطيء مشيته

تعالي و لا يوجب ذلك بطلان تأثيرمشية العبد، فإن مشية العبد إحدي مقدمات تحقق ما تعلقت به مشيته تعالي، فإن شاء الفعل الذي يوجد بمشية العبد فلا بد لمشية العبد من التحقق و التأثير، فافهم ذلك.

و هذه الرواية الشريفة علي إرتفاع مكانتها و لطف مضمونها يتضح بها جميع ما ورد في الباب من المختلف الروايات و كذا الآيات المختلفة من غير حاجة إلي أخذ بعض و تأويل بعض آخر» (1).

و منها: ما رواه في المحاسن عن حمران، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كنت أنا و الطيار جالسين فجاء أبو بصير فأفرجنا له، فجلس بيني و بين الطيار، فقال: في أي شيء أنتم؟ فقلنا: كنا في الارادة و المشية و المحبة. فقال أبو بصير: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: شاء لهم الكفر و أراده؟ فقال: نعم، قلت: فأحب ذلك و رضيه؟ فقال: لا، قلت: شاء و أراد ما لم يحب و لم يرض؟ قال: هكذا خرج إلينا (اُخرج إلينا، في المصدر) (2).

و تقريب الرواية بأن يقال: إن ارادته تعالي أصالة تعلقت نحو إمكان التكامل الاختياري للإنسان و كل ما يلزم في هذا الطريق أعده تعالي من المعد الخارجي و الداخلي، فلذا أرسل رسله بالهدي لإرشادهم و جهز الناس بالعقل و الاختيار، فالله تعالي خلق الناس علي نحو يمكن لهم أن يصلحوا و يتكاملوا و أراده و رضي به و لكن مقتضي جعل المشية و الاختيار في الناس لأن يتمكنوا

- - - - - - -

1) راجع تعليقة ص 111 من ج 5 من بحار الأنوار.

2) بحارالأنوار: ج 5 ص 121.

164

من التكامل الاختياري، هو إمكان جهة المخالف أيضاً، فالتنزل و السقوط و العصيان و الكفر ناشٍ

من سوء اختيارهم و لازم كونهم مختارين و إلاّ فلا يحصل التكامل الاختياري، فالكفر أو العصيان الناشيء من سوء اختيارهم أيضاً مراد تبعاً لله تعالي؛ لأنه تعالي جعلهم مختارين و إن لم يرض به لهم، بل المرضي هو أن يستفيدوا من الاختيار و يسلكوا مسلك الكمال و الصلاح، فلا يخرج شيء في التكوين، عن ارادته و مشيته، غايته أن بعض الاُمور أصالة و بعضها مراد تبعاً و هذا التفضيل المستفاد من الرواية يصلح للجواب عن قبح استناد القبائح كالكفر و العصيان أو الشرور إليه و لو بواسطة الإنسان المختار فافهم و اغتنم.

و يقرب منه ما رواه في الكافي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلّي الله عليه و آله: «من زعم أن الله يأمر بالسوء و الفحشاء فقد كذب علي الله و من زعم أن الخير و الشر به غير مشيئة الله، فقد أخرج الله من سلطانه و من زعم أن الخير و الشر به غير مشيئة الله، فقد أخرج الله من سلطانه و من زعم أن المعاصي به غير قوة الله، فقد كذب علي الله و من كذب علي الله أدخله الله النار» (1).

و بالجملة هذه عمدة الأخبار الواردة في حقيقة الأمر بين الأمرين و معناها بعد حمل بعضها علي بعض واضح، وكلها متفقة علي أنه لا جبر بحيث لا يكون للعباد قدرة و اختيار و علي أنه لا تفويض بحيث خرج عمل العاملين عن سلطانه، بل خلق الناس مع القدرة و الاختيار، فالخلق يستطيعون من الطاعات و المعاصي بالقدرة و الاختيار المفاضة من ناحيته تعالي لأن يستفيدوا منها للاستكمال الاختياري و هو الذي ذهب إليه المصنف كما سيأتي توضيحه إن

شاء الله تعالي، فلا يكون شيء في عالم التكوين خارجاً عن إرادته تعالي و إنما

- - - - - - -

1) الاصول من الكافي: ج 1 ص 158 ح 6 و روي نحوه عن العياشي في بحار الأنوار: ج 5 ص 127.

165

ما أجلّ هذا المغزي و ما أدق معناه و خلاصته أن أفعالنا من جهة هي أفعالنا حقيقة و نحن أسبابها الطبيعية و هي تحت قدرتنا و إختيارنا و من جهة اُخري هي مقدورة لله تعالي و داخلة في سلطانه؛ لأنه هو مفيض الوجود و معطيه، فلم يجبرنا علي أفعالنا حتي يكون قد ظلمنا في عقابنا علي المعاصي؛ لأن لنا القدرة و الاختيار فيما نفعل و لم يفوض إلينا خلق أفعالنا حتي يكون قد أخرجها عن سلطانه، بل له الخلق و الحكم و الأمر و هو قادر علي كل شيء و محيط بالعباد (5)

الفرق في الارادة الأصلية و التبعية، فإن ما يكون في صراط الكمال مراد أصالة و ما لا يكون كذلك، و لكن كان من لوازم الاختيار و التكامل الاختياري مراد تبعاً، فالمشية الاستقلالية منحصرة فيه تعالي و جميع الإرادات و المشيات منتهية إلي مشيئته و كانت في طول مشيئته.

و مما يظهر أنه لا معرضة بين الأخبار، كما لا معارضة بين الآيات بعد الوقوف علي حقيقة المراد كما لا يخفي.. (5) و لا يخفي عليك أن المحصل من الأدلة النقلية و العقلية، هو نفي الجبر، لوجدان القدرة و الاختيار، و الوجدان أدل دليل؛ لأنه علم حضوري بالشيء، و لا خطأ في العلم الحضوري.

كما أن المحصل من الأدلة هو نفي التفويض؛ لأن الممكن كما لا يقتضي الوجود في حدوثه و بقائه، كذلك لا يقتضي الوجود

في فاعليته و إلاّ لزم الانقلاب في ذات الممكن و هو خلف، فلا يتصور الاستقلال في الممكن، لا في أصل وجوده و لا في صفاته و لا في بقائه و لا في فاعليته.

166

فملكيته عالي لا تقايس بالملكية الاعتبارية حتي يتصور تفويضها إلي الغير، بل هي ملكية تكوينية و هي لا تنفك عن مالكها و إلاّ فلا وجود لها.

ألا تري أنك بالنسبة إلي ما تصورت في ذهنك من الصور الذهنية، مفيض الوجود إليها بالافاضة التكوينية و هذا الافاضة لا يمكن تفويضها إلي الصور المذكورة، بل هي موجودة بتصورك، فما دام تكون أنت مصوراً لها فلها الوجود و إذا أعرضت عنها فلا وجود لها، فلا استقلال لها في الوجود، فالملكية التكوينية لا تجتمع مع التفويض و عليه فلا يكون شيء من الموجودات، خارجاً عن ملكه و سلطانه، بل كل شيء موجود بوجوده و قدرته و سلطانه.

فالأعمال الاختيارية كسائر الموجودات، داخلة في قضائه و قدره، و لا تخرج عنها و إنما الفرق بينهما هو وساطة الاختيار في الأعمال دون غيرها.

فالأعمال ليست مستندة إليه تعالي فقط، بحيث لا مباشرة للإنسان و لا تأثير له، كما يقوله الجبري، كما ليست مستندة إلي الإنسان فقط، بحيث يخرج عن سلطانه و قدرته، كما يقوله التفويضي، بل الأفعال في عين كونها مستندة إلي الإنسان باحقيقة، لصدورها عنه بالاختيار، مستندة إليه تعالي؛ لأنه معطي الوجود و القدرة، فالاستناد إليه تعالي طولي و ملكيته ملكية طولية، كما اُشيرإليه في الروايات من أنه «هو المالك لما ملكهم، و القادر علي ما أقدرهم عليه» (1) و هذا هو معني الأمر بين الأَمرين و ذهب إليه المحققون من علماء الإمامية علي ما نسب إليهم المحقق اللاهيجي قدّس سرّه

(2) و اختاره المحقق الطوسي في شرح رسالة العلم علي المحكي (3) گوهر المراد: ص 235 و قال المحقق الإصفهاني قدّس سرّه بعد الرد علي الجبرية و المفوضة: «والتنزيه الوجيه ما تضمنته هذه الكلمة الإلهية المأثورة في الأخبار المتكاثرة عن العترة الطاهرة عليهم صلوات الله المتواترة أعني قولهم

- - - - - - -

1) بحار الأنوار: ج 5 ص 16 و راجع كتاب انسان و سرنوشت: ص 101.

2) گوهر المراد: ص 235.

167

عليهم السّلام: «لا جبر و لا تفويض، بل أمر بين الأمرين» ثم قال: و تقريب هذا الكلمة المباركة بوجهين:

أحدهما: أن العلة الفاعلية ذات المباشر بارادته و هي العلة القريبة و وجوده و قدرته و علمه و إرادته لها دخل في فاعلية الفاعل و معطي هذه الامور هو الواجب المتعال، فهو الفاعل البعيد، فمن قصر النظر علي الأول حكم بالتفويض و من قصر النظر علي الثاني حكم بالجبر، و الناقد البصير ينبغي أن يكون ذا عينين، فيري الأول أي فاعلية ذات المباشر فلا يحكم بالجبر و يري الثاني أي كون معطي هذه الاُمور هو الواجب المتعال فلا يحكم بالتفويض، الخ (1).

و كيف كان، فقد اعترف العلاّمة المجلسي رحمه الله بأن المعني المذكور، أي الملكية الطولية، ظاهر بعض الأخبار، و لكن مع ذلك ذهب إلي أن معني الأمر بين الأمرين، هو أن لتوفيقاته و هداياته تعالي مدخلية في أفعال العباد و نسبه إلي ظاهر الأخبار و أيده بما رواه في الكافي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه سأله رجل: «أجير الله العباد علي المعاصي؟ قال: لا، فقال: ففوض إليهم الأمر؟ قال: لا، قال فماذا؟ قال: لطف من ربك بين ذلك» (2).

و فيه

أولاً:

منع كون ما ذكر ظاهر

الأخبار، فإن الأخبار كما عرفت ظاهرة في أن المراد من الأمر بين الأمرين، هو عدم الستقلال العبد فيما ملكه الله تعالي و أقدره عليه، كما نص عليه الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام في قوله: «… هو المالك لما ملكهم و القادر علي أقدرهم عليه» (3) و الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في جواب الأسدي، حيث قال: «و ما أقول يا أمير

- - - - - - -

1) نهاية الدراية في شرح الكفاية: ج 1 ص 174 175.

2) بحار الأنوار: ج 5 ص 83.

3) بحار الأنوار: ج 5 ص 16.

168

المؤمنين؟ قال: تقول تملكها بالله الذي يملكها من دونك، فإن ملككها كان ذلك من عطائه و إن سلبكها كان ذلك من بلائه و هو المالك لما ملكك و المالك لما عليه أقدرك» (1) و قرر ذلك أيضاً الإمام الصادق عليه السلام عند قول حمزة بن حمران: «إني أقول: إن الله تبارك و تعالي لم يكلف العباد ما لا يستطيعون، و لم يكلفهم إلاّ ما يطيقون و إنهم لا يصنعون شيئاً من ذلك إلاّ بارادة الله و مشيته و قضائه و قدره» بقوله: «هذا دين الله الذي أنا عليه و آبائي» (2) و أيضاً صرح الإمام أبوالحسن الأول عليه السلام بذلك في قوله: «لا يكون شيء في السماوات و الأرض إلاّ بسبعة: بقضاء و قدر و إرادة و مشية و كتاب و أجل و إذن، فمن قال غير هذا فقد كذب علي الله أورد علي الله عزَّوجل» (3) و كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام هو الملخص في ذلك و هو بأن يقول الإنسان: «بالله أستطيع» (4)، لا مع الله، و لا من دون

الله و غير ذلك من الأخبار، و هذه الأخبار الصريحة تصلح للجمع بين الأخبار، لو كانت منافاة بينها، مع أنه لا منافاة بين الأخبار كما لا يخفي.

و ثانياً:

إن التوفيق و الهداية لا نزاع فيهما و إنما النزاع في استقلال العبد في الأفعال، كما ذهب إليه المفوضة، فاللازم هو الجواب عن محمل النزاع، و الاكتفاء بالتوفيق و الهداية مشعر بالالتزام بما ذهب إليه المفوضة، مع أن الإمام الصادق عليه السلام قال: «و رجل يزعم أن الأمر مفوض إليهم فهذا وهن الله في سلطانه فهو كافر» (5).

- - - - - - -

1) بحار الأنوار: ج 5 ص 24.

2) بحار الأنوار: ج 5 ص 36 الأصول من الكافي: ج 1 ص 162.

3) بحار الأنوار: ج 5 ص 88.

4) بحار الأنوار: ج 5 ص 39.

5) راجع بحار الأنوار: ج 5 ص 10.

169

و ثالثاً:

إن ما استدل به ليس بظاهر في مدعاه، بل لعله اجمال للتفصيل المذكور في سائر الأخبار، و لذلك أورد عليه العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه بأن مرجع الخير المذكور، مع الخير الذي اعترف بظهوره في المعني المختار واحد و هو الذي يشاهده كل إنسان من نفسه عياناً و هو أنه مع قطع النظر عن سائر الأسباب من الموجبات و الموانع، يملك اختيار الفعل و الترك، فله أن يفعل و له أن يترك و أما كونه مالكاً للاختيار فإنما ملكه اياه ربه سبحانه، كما في الأخبار و من أحسن الأمثلة لذلك مثال المولي إذا ملك عبده ما يحتاج إليه في حياته، من مال يتصرف فيه و زوجة يأنس إليها و دار يسكنها و أثاث و متاع، فإن قلنا: إن هذا التمليك يبطل ملك المولي قولاً بالتفويض و إن

قلنا: إن ذلك لا يوجب للعبد ملكاً و المولي باقٍ علي مالكيته كما كان، كان قولاً بالجبر و إن قلنا: إن العبد يملك بذلك، و المولي مالك لجميع ما يملكه في عين ملكه و أنه من كمال ملك المولي كان قولاً بالأمر بين الأمرين (1).

ثم لا يخفي أن صاحب البحار حكي عن بعض، أنه ذهب إلي أن المراد من الأمر بين الآمرين، هو أن الأسباب القريبة للفعل يرجع إلي قدرة العبد، و الأسباب البعيدة كالآلات و الأسباب و الأعضاء و الجوارح و القوي إلي قدرة الرب تعالي فقد حصل الفعل بمجموع القدرتين (2).

و فيه

أولاً:

أنه غير واضح المراد، فإن الآلات و الأسباب و الأعضاء و الجوارح و القوي، إذا رجعت إلي قدرة الرب المتعال، فاي شيء يبقي حتي يرجع إلي قدرة العبد، اللهم إلاّ أن يريد من الأسباب القريبة، ارادة الفاعل. هذا مضافاً إلي ما في جعل الأعضاء و الجوارح و القوي من الأسباب البعيدة.

- - - - - - -

1) بحار الأنوار: ج 5 ذيل ص 83.

2) بحار الأنوار: ج 5 ص 84 نقلاً عن بعض.

170

و ثانياً:

أن التفويض بهذا المعني عين ما ورد النصوص علي خلافه، فإن حاصله أن العبد يكون بملاحظة الأسباب القريبة مستقلاً و إذا كان مستقلاً يصير شريكاً مع الله، مع أنك عرفت قول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: «و إن زعمت أنك مع الله تستطيع، فقد زعمت أنك شريك معه في ملكه».

و ثالثاً:

أن هذا التفسير يرجع إلي الجمع بين الجبر و التفويض في الأفعال، باختلاف الأسباب في القرب و البعد، مع أن الظاهر من قوله: «ولكن أمر بين الأمرين» أن المراد من الأمر الوسط هو أمر آخر وراءهما لا مجموعها.

و مما

ذكر يظهر الجواب أيضاً عن تفسير آخر و هو أن المراد من قوله: «أمر بين الأمرين» هو كون بعض الأشياء باختيار العباد و هي الأفعال التكليفية و كون بعضها به غير اختياره كالصحة و المرض و النوم و اليقظة و الذكر و النيسان و أشباه ذلك (1).

و فيه: أن مرجع هذا الجواب إلي التفويض بالنسبة إلي الأفعال التكليفية، فإنه أراد بهذا، الجمع بين التفويض و الجبر، فاختص الجبر بالأحوال العارضة و هو كما تري، إذ التفويض في الأفعال التكليفية مردود بما عرفت من الأدلة العقلية و السمعية. إذ التفويض في الأفعال التكليفية مردود بما عرفت من الأدلة العقلية و السمعية. هذا مضافاً إلي خروج الأحوال العارضة عن محل النزاع، علي أنك عرفت أن المراد من قوله: «أمر بين الأمرين» ليس مجموعهما، بل أمر وراءهما، فكل حمل يؤول إلي الجمع بينهما مردود جداً.

ثم لا يخفي عليك أن الاُستاذ الشهيد المطهري قدّس سرّه بعد ذهابه إلي ما ذكرناه، جعله معني كلامياً لقوله: «أمر بين الأمرين» و قال ما حاصله: «ليست أفعال الإنسان مستندة إليه تعالي، بحيث يكون الإنسان منعزلاً عن الفاعلية و التأثير، كما ليست مستندة إلي نفس الإنسان بحيث ينقطع رابطة الفعل مع ذاته تعالي، بل الأفعال في عين كونها مستندة إلي الانسان بالحقيقة

- - - - - - -

1) بحار الأنوار: ج 5 ص 84 نقلاً عن بعض.

171

و علي كل حال فعقيدتنا أن القضاء و القدر سر من أسرار الله تعالي، فمن استطاع أن يفهمه علي الوجه اللائق بلا افراط و لا تفريط فذاك و إلاّ فلا يجب عليه أن يتكلف فهمه و التدقيق فيه، لئلا يضل و تفسد عليه عقيدته؛ لأنه من دقادق الاُمور،

بل من أدق مباحث الفلسلة التي لا يدركها إلاّ الأوحدي من الناس و لذا زلت به أقدام كثير من المتكلمين (6). فالتكليف به تكليف بما هو فوق مستوي مقدور الرجل العادي.

مستندة إليه تعالي. غايته أن أحد الاستنادين في طول الأخر لا في عرضه، و لا مع انضمامه و هذا هو المراد من قوله: «ولكن أمر بين الأمرين».

ثم زاد علي معناه الكلامي معناه الفلسفي و معناه الأخلاقي، ولكنهما في عين كونهما صحيحين أجنبيان عن ظاهر هذا الجملة و بعيد عن مساق الأخبار المذكورة، وعن ظاهر الكلمات. هذا مضافاً إلي أن المعنيين المذكورين، لا يختصان بالأفعال الاختيارية للإنسان، إذ الضرورة بالغير جارية في كل ممكن موجود، كما ان قابلية تغيير الخلق و الطينة الموروثة خارجة عن دائرة الأفعال، و لعل مراده من تفسيره بهما مجرد اقتباس لا تفسير حقيقي له فراجع» (1).

و كيف كان فالمحصل هو أن المراد من الأمر بين الأمرين، هو المالكية الطولية و هي مالكية الله تعالي لمالكية العباد، فالعباد في عين كونهم مالكين للقدرة و الاختيار و فاعلين للأفعال بالحقيقية، مملوكون لله تعالي، و معلولون له و ليسوا بمفوضين و مستقلين عنه عزّوجلّ، كما يشهد به الوجدان فلا تغفل..

6) يقع البحث في اُمور:

الأول:

في معني القضاء و القدر، و لا يخفي عليك أن القضاء هو فصل الأمر

- - - - - - -

1) اُصول فلسفه: ج 3 ص 164.

172

قولاً أو فعلاً و هو يحصل بالاتمام و الانجاز كما يشهد له قوله تعالي: «فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكراً» (1).

و القدر بمعني التقدير و هو تقدير الأشياء بحسب الزمان و المقدار و الكيفيات و الأسباب و الشرائط و نحوها.

و قال الراغب

في المفردات: «القضاء هو فصل الأمر، قولاً كان ذلك أو فعلاً. ثم جعل جميع موارد استعمال القضاء من هذا الباب إلي أن قال: و القضاء من الله تعالي أخص من القدر؛ لأنه الفصل بين التقدير. فالقدر هو التقدير و القضاء هو الفصل و القطع، انتهي» و يظهر من المسالك اختيار المعني المذكور للقضاء حيث قال: «سمّي القضاء الفقهي قضاء، لأن القاضي يتم الأمر بالفصل و يمضيه و يفرغ عنه» (2).

ثم لا يخفي عليك أن القضاء بالمعني المذكور ليس إلاّ واحداً؛ لأن الانجاز و الا تمام لا يتعدد، فالقضاء واحد و هو حتم. هذا بخلاف التقدير، فإنه يختلف بحسب المقاديرو الأزمنة و الكيفيات و نحوها، فالعمر مثلاً يمكن أن يقدر لزيد ستين سنة إن لم يصل رحمه و تسعين سنة إن و صلهم و هكذا. نعم اختص الاُستاذ الشهيد المطهري قدّّس سرّه التقديرات المتغيرة بالماديات، معللاً بأن المجردات لاتقع تحت تأثير العوامل المختلفة (3). فافهم و كيف كان فالقضاء حتم و التقدير حتم و غير حتم.

و مما ذكر يظهر أن القضاء متأخرعن القدر، فإن انجاز جميع التقديرات المختلفة لا يمكن بعد تنافيها، فالواقع منها ليس إلاّ واحداً بحسب تعينه وفقاً للشرائط و الأسباب و هو القضاء، فمرتبة القضاء بعد مرتبة التقدير و مسبوق به.

- - - - - - -

1) البقرة: 200.

2) مسالك الافهام: ج 2 كتاب القضاء.

3) انسان و سرنوشت: ص 52

173

هذا كله بالنسبة إلي المعني الحقيقي فيهما و لكن قد يطلق القضاء بمعني القدر، و القدر بمعني القضاء أو كليهما و بهذا المعني لا مانع من تقسيم القضاء إلي الحتم و غير الحتم و لعله من هذا الباب ما روي عن ابن نباتة قال:

«إن أمير المؤمنين عليه السلام عدل من عند حائط مائل إلي حائط آخر، فقيل له: يا أمير المؤمنين: تفر من قضاء الله؟ قال: أفرمن قضاء الله إلي قدر الله عزّوجلّ» (1).

الثاني:

في أنواع القضاء و القدر. فاعلم أنهما يستعملان تارة و يراد منهما القضاء و القدر العلميان، بمعني أنه تعالي الأشياء قبل خلقتها، و أنجز أمرها و قضاها، و القضاء و القدر بهذا المعني هو مساوق لعلمه الذاتي، و من المعلوم أن القضاء و القدر بالمعني المذكور من صفاته الذاتية، فضرورة الوجود لكل موجود و تقديره، ينتهي إلي علمه الذاتي و لعل إليه يؤول ما روي عن علي عليه السلام في القدر حيث قال: «سابق في علم الله» (2).

و اُخري يستعملان و يراد منهما العلمي في مرحلة الفعل، لا في مرحلة الذات، بأن يطلق التقدير و يراد منه لوح المحو و الاثبات و يطلق القضاء و يراد منه اللوح المحفوظ و من المعلوم أنها بأي معني كانا، فعلان من أفعاله تعالي.

و اُخري يستعملان و يراد منهما القضاء و القدر الفعليان، و من المعلوم أنهما بهذا المعني و المعني السابق من صفاته الفعلية؛ لأنهما منتزعان عن مقام الفعل؛ لأن كل فعل مقدر بالمقادير و مستند إلي علته التامة الموجبة له، و لعل قوله تعالي: «إذ قضي أمراً فإنما يقول له كن فيكون» (3) يشير إلي الأخير.

قال العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه: «لا ريب أن قانون العلية و المعلولية ثابت و أن الموجود الممكن معلول له سبحانه، إما بلا واسطة أو معها و أن المعلول إذا نسب إلي علته التامة كان له منها الضرورة و الوجوب، إذ ما لم يجب

- - - - - - -

1) تفسير الميزان: ج

13 ص 78.

2) بحار الأنوار: ج 5 ص 97.

3) آل عمران: 47.

174

لم يوجد و إذا لم ينسب إليها كان له الامكان، سواء اُخذ في نفسه و لم ينسب إلي شيء، كالماهية الممكنة في ذاتها، أو نسب إلي بعض أجزاء علته التامة، فإنه لو أوجب ضرورته و وجوبه كان علة له تامة، و المفروض خلافه.

و لما كانت الضرورته هي تعين أحد الطرفين و خروج الشيء عن الابهام، كانت الضرورة المنبسطة علي سلسلة الممكنات، من حيث انتسابها إلي الواجب تعالي الموجب لكل منها في ظرفه الذي يخصه، قضاء عاماً منه تعالي، كما أن الضرورة الخاصة بكل واحد منها، قضاء خاص به منه، إذ لا نعني بالقضاء إلاّ فصل الأمر و تعينه عن الابهام و التردد و من هنا يظهر أن القضاء من صفاته الفعلية و هو منتزع من الفعل، من جهة نسبته إلي علته التامة الموجبة له» (1) فالشيء قبل وقوعه له تقديرات مختلفة، ثم يتعين منها واحد و وقع عليه و قضي أمره لو لم يمنع عنه مانع، فكل شيء واقع في الخارج مقدر و قضاء إلهي، فمثل النطفة تقديرها أن تتكامل إلي الإنسانية أو أن تتساقط قبل تكاملها إن حدث مانع و عائق، فكل واحد من التقديرات إذا تعين، وقع عليه و قضي أمره و هكذا.

ثم المستفاد من ذكر القضاء و القدر هنا أنه عند المصنف من الصفات الفعلية، و من ذلك ما روي عن جميل عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: «سألته عن القضاء و القدر، فقال: هما خلقان من خلق الله و الله يزيد في الخلق ما يشاء» (2) و من المعلوم أن ما يقبل الزيادة هو الفعل لا العلم الذاتي كما

لايخفي.

الثالث:

أن القضاء و القدر سواء كان من الصفات الذاتية أو الصفات الفعلية، يعم أفعال العباد، كما عرفت في البحث عن الجبر و التفويض، ولا

- - - - - - -

1) الميزان: ج 13 ص 76.

2) بحار الأنوار: ج 5 ص 120.

175

محذور فيه لوساطة القدرة و الاختيار، فيجمع بين القضاء الحتم و اختيارية الأفعال، يكون القضاء الحتم متعالقاً به وجود القدرة و الاختيار في العباد، فالعبد المختار مع وجوده و كونه مختاراً، ممكن معلول محتاج إليه تعالي، و لو كان العبد مضطراً و مجبوراً، تخلف قضاؤه الحتم في وجود العبد المختار كما لا يخفي.

الرابع:

في تأكيد الايمان بالقضاء و القدر، و قد ورد في ذلك روايات:

منها: ما عن الخصال عن رسول الله صلي الله عليه و آله: «أربعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، عاق منّان و مكذّب بالقدر و مدمن خمر» (1).

و منها: ما في البحار عن العالم عليه السلام أنه قال: «لا يكون المؤمن مؤمناً حقاً حتي يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه و م أخطأه لم يكن ليصيبه» (2).

و منها: ما عن تحف العقول عن أبي محمَّد الحسن بن علي عليهما السَّلام «أما بعد، فمن لم يؤمن بالقدر خيره و شره، أن الله يعلمه فقد كفر، الحديث» (3).

و منها: ما عن الخصال بطرق مختلفة عن رسول الله صلي الله عليه و آله من أن المكذب بقدر الله ممن لعنهم الله و كل نبي مجاب (4).

و بالجملة الإيمان بالقضاء و القدر من مقتضيات الايمان بصفاته الذاتي و توحيده الأفعالي و عليه فلابد من الايمان به.

ثم إن الايمان باقضاء و القدر يوجب أن ينظر الإنسان إلي كل ما قدره الله و قضاء، بنظر الحكمة و

المصلحة، إذ القدر و القضاء من أفعاله، و لا يصدر منه شيء إلاّ بالحكمة و المصلحة و إن لم يظهر وجهها لأحد، فإذا أراد الله الصحة لأحد كانت هي مصلحة و إذا أراد لآخر المرض كان هو مصلحته و هكذا

- - - - - - -

1) بحار الأنوار: ج 5 ص 87.

2) بحار الأنوار: ج 5 ص 54.

3) بحار الأنوار: ج 5 ص 40.

4) بحار الأنوار: ج 5 ص 88.

176

سائر الاُمور من الشدة و الرخاء، و الفقر و الغني و غيرها و يستتبع هذا النظر تحمل الشدائد و المصائب، للعلم بأن وراءها مصلحة و حكمة، بل ينتهي إلي مقام الرضا بما اختاره الله تعالي في أمره و هو مقام عال لا يناله إلاّ الأوحدي من الناس و من ناله فلا حرص و لا طمع له بالنسبة إلي الدنيا الدنية، للعم بأن ما قدره الله تعالي و قضاء هو خيره و يصل إليه و لذا لا يضطرب من رقابة الآخرين أو حسادتهم، كما أنه لا حسد له بالنسبة إلي ذوي العطايا، لعلمه بأن المقسم حكيم و عادل و رؤوف. فالمؤمن الراضي بالقضاء و القدر لا يزيده قضاؤه و قدره إلاّ ايماناً و تصديقاً و فضيلة و علواً، و لذا سئل هذا المقام في الأدعية و الزيارات و من جملتها ما ورد في زيارة أمين الله حيث قال: «اللهم اجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك» و ما ورد في دعاء ابي حمزة الثمالي من قوله: «اللهم اني أسالك ايماناً تباشر به قلبي و يقيناً حتي أعلم انه لن يصيبني الاّ ما كتبت لي و رضني من العيش بما قَسمتَ لي يا ارحم الراحمين» (1).

الخامس:

فيما ورد من النهي

عن الغور في القضاء و القدر و قد روي في ذلك روايات:

منها: ما عن عبدالملك بن عنترة الشيباني، عن أبيه، عن جده، قال: جاء رجل إلي أمير المؤمنين عليه السلام فقال: «يا أمير المؤمنين! أخبرني عن القدر، فقال: بحر عميق فلا تلجه. فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر، فقال: سر الله فلا تتكلفه، الحديث» (2).

و منها: ما روي عنه عليه السلام أنه قال في القدر: «ألا إن القدر سر من سر الله و حرز من حرزالله، مرفوع في حجاب الله، مطوي عن خلق الله، مختوم

- - - - - - -

1) مصباح المتهجد: 540.

2) بحار الأنوار: ج 5 ص 110.

177

بخاتم الله، سابق في علم الله، وضع الله عن العباد علمه و رفعه فوق شهاداتهم؛ لأنهم لا ينالونه بحقيقة الربانية، و لا بقدرة الصمدانية، و لا بعظمة النورانية، و لا بعزة الوحدانية؛ لأنه بحر زاخر مواج، خالص لله عزّوجلّ، عمقه ما بين السماء و الأرض، عرضه ما بين المشرق و المغرب، أسود كالليل الدامس، كثير الحيات و الحيتان، تعلو مرّة و تسفل اُخري، في قعره شمس تضيء، لا ينبغي أن يطلع عليها إلاّ الواحد الفرد، فمن تطلع (يطّلع) عليها فقد ضاد الله في حكمه و نازعه في سلطانه و كشف عن سره ستره، و باء بغضب من الله و مأواه جهنم و بئس المصير» (1) و المحصل من الخبر ان التقديرات الإلهية ليست واضحة للخلق و ان كانت حكمها عن حكمة و مصلحة ولكنه لا يعلمها الاّ الله تعالي و لذا نهي عن الغور فيها لعدم تمكنهم من واقعها.

و منها: ما رواه السيوطي عن النبي صلّي الله عليه و آله أنه قال: «إذا ذكر القدر

فأمسكوا» (2).

و منها: ما روي عن علي عليه السلام أيضاً أنه سئل عن القدر، فقيل له: «أنبئنا عن القدر، يا أمير المؤمنين فقال: سر الله فلا تفتشوه، فقيل له الثاني: أنبئنا عن القدر يا أمير المؤمنين قال: بحر عميق فلا تلحقوه] فلا تلجوه خ ل [» (3).

و لتلك الأخبار ذهب الصدوق رحمه الله في الاعتقادات إلي أن الكلام في القدر منهي عنه.

و الجواب عن تلك الأخبار.

أولاً: بضعف السند، لذلك قال الشيخ المفيد قدّس سرّه: «إن الشيخ

- - - - - - -

1) بحار الأنوار: ج 5 ص 97.

2) راجع يازده رساله فارسي ص 449، نقلا عن الصغير للسيوطي و عن الطبراني.

3) بحار الأنوار: ج 5 ص 123.

178

أبا جعفر عمل في هذا الباب علي أحاديث شواذ، لها وجوه يعرفها العلماء متي صحت و ثبتت أسنادها و لم يقل فيه قولاً محصلاً» (1) نعم رواه السيد في نهج البلاغة أيضاً أنه قال و قد سئل عن القدر: «طريق مظلم فلا تسلكوه و بحر عميق فلا تلجوه و سرالله فلا تتكلفوه» (2) فافهم.

و ثانياً: بأن دلالتها علي الرمة التكليفية غير واضحة؛ لأن لحن جملة منها هو لحن الارشاد كالنهي عن التكليف، و الأخبار بأن القضاء و القدر وادٍ مظلم و بحر عميق. هذا، مضافاً إلي شهادة ذيل الرواية الثانية علي أن المنهي عنه هو السعي للاطلاق علي كنه المقدرات و الاشراف عليها، و من المعلوم أنه أمر لا يناله الإنسان نيلاً كاملاً، و لا مصلحة فيه، بل لا يخلو عن المفسدة كما لا يخفي فكما أن التأمل حول كنه ذاته تعالي ممنوع، كذلك التأمل حول كنه المقدرات ممنوع؛ لأنه فوق مستوي مقدور البشر و لا يزيده إلاّ الحيرة

و الفساد و أما فهم معني القضاء و القدر فلا يكون مورداً للنهي فيها.

و ثالثاً: بأن الغور في معني القضاء و القدر لو كان حراماً، لما أجاب الأئمة عليهم السلام عن السؤال فيه، مع أنهم أجابوا السائلين و أوضحوا المراد منها، بل قد يكون الجواب في ذيل النهي المذكور، بعد اصرار السائل عن فهم معناه، كما في الرواية الاُولي، حيث قال السائل في المرتبة الرابعة: «يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر، قال: فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما إذا أبيت فإني سائلك: أخبرني أكانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد أم كانت أعمال العباد قبل رحمة الله؟ قال: فقال له الرجل: بل كانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد» (3) إلي أخر ما قال عليه السلام في توضيح المراد منهما فراجع.

- - - - - - -

1) تصحيح الاعتقاد: ص 19.

2) بحار الأنوار: ج 5 ص 124.

3) بحار الأنوار: ج 5 ص 111.

179

و يكفي أن يعتقد به الإنسان علي الاجمال إتباعاً لقول الأئمة الأطهار عليهم السلام من أنه أمر بين الأمرين ليس فيه جبر و لا تفويض.

و ليس هو من الاُصول الاعتقادية حتي يجب تحصيل الاعتقاد به علي كل حال علي نحو التفصيل و التدقيق (7)

و يؤيد عدم الحرمة ما ورد من التأكيدات علي الإيمان بالقضاء و القدر، إذ الايمان بهما لا يمكن بدون توضيح المراد منهما و المعرفة بهما.

و رابعاً: بما ذكره الشيخ المفيد قدّس سرّه من أن النهي في الأخبار خاص بقوم كان كالمهم في ذلك يفسدهم، و يضلهم عن الدين، و لا يصلحهم في عبادتهم إلاّ الامساك عنه و ترك الخوض فيه، و لم يكن النهي عنه عاماً لكافة المكلفين و قد

يصلح بعض الناس بشيء يفسد به آخرون و يفسد بعضهم بشيء يصلح به آخرون، فدبر الأئمة عليهم السلام أشياعهم في الدين بحسب ما علموه من مصالحهم فيه (1) و عليه فلو سلم كون النهي نهياً تكليفياً، اختص بمن لا يتمكن و أما من تمكن من فهمهما و دركهما، كالعلماء و الفضلاء و الحوزات العلمية و من أشبههم، فلا نهي بالنسبة إليهم و لذلك حمل المصنف، النهي الوارد، علي من لا يتمكن من أن يفهمهما علي الوجه اللائق بهما.. فالتكليف به تكليف بما هو فوق مستوي مقدور الرجل العادي.

7) ظاهره أن الاعتقاد التفصيلي بهما غير واجب و أما الاعتقاد الاجمالي فهو واجب و يكفيه الاتباع عن الأئمة عليهم السلام و علل ذلك بوجهين: أحدهما عدم التمكن؛ لكون الاعتقاد التفصيلي فوق مستوي مقدور الرجل العادي و ثانيهما بأنه ليس من اُصول الاعتقادات.

و فيه أن عدم التمكن لبعض لا يرفع التكليف عمن تمكن منه. هذا مضافاً

- - - - - - -

1) تصحيح الاعتقاد: ص 20 21.

180

إلي أن مقتضي التعليل الثاني هو عدم وجوب الاعتقاد بذلك مطلقاً لا تفصيلاً و لا اجمالاً، فالتفصيل بين الاعتقاد الاجمالي و الاعتقاد التفصيلي لا وجه له.

و التحقيق أن القضاء و القدر بالمعني الاول من تفصيلات العلم وصفة ذاته تعالي و بالمعني الأخير من تفصيلات التوحيد الأفعالي و تفصيلات الاعتقادات ليست بواجبة كما لا يخفي..

181

7 - عقيدتنا في البداء

7 عقيدتنا في البداء

البداء في الإنسان أن يبدوله رأي في الشيء لم يكن له ذلك الرأي سابقاً، بأن يتبدل عزمه في العمل الذي كان يريد أن يصنعه، إذ يحدث عنده ما يغير رأيه و علمه به، فيبدو له تركه بعد أن كان يريد فعله، و ذلك عن جهل

بالمصالح و ندامة علي ما سبق منه (1)

البداء: علي زنة السلام بمعني الظهور. قال في المصباح المنير: «بدا يبدو بدواً: ظهر، فهو باد و يتعدي باهمزة، فيقال: أبديته إلي أن قال: و بدا له في الأمر: ظهر له ما لم يظهر أولاً، و الإسم: البداء مثل السلام».

و قال في المفردات: «بدا الشيء بدواً و بداءً أي ظهر ظهوراً بيناً. قال الله تعالي: «و بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون» (1).

و حكي عن الشيخ الطوسي قدّس سرّه أنه قال في العدة: «البداء حقيقة في اللغة هو الظهور و لذلك يقال: بدا لنا سور المدينة و بدا لنا وجه الرأي» و حكي عن الشيخ المفيد قدّس سرّه أنه قال في تصحيح الاعتقاد: «والأصل في البداء هو الظهور إلي أن قال: و معني قول الإمامية بدا له في كذا، أي ظهر

1) البداء: علي زنة السلام بمعني الظهور. قال في المصباح المنير: «بدا يبدو بدواً: ظهر، فهو باد و يتعدي باهمزة، فيقال: أبديته إلي أن قال: و بدا له في الأمر: ظهر له ما لم يظهر أولاً، و الإسم: البداء مثل السلام».

و قال في المفردات: «بدا الشيء بدواً و بداءً أي ظهر ظهوراً بيناً. قال الله تعالي: «و بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون»

- - - - - - -

(1) الزمر: 47.

182

له فيه و معني ظهر فيه أي ظهر منه» (1).

و عليه فظهور الرأي بالخصوص علي خلاف الرأي السابق و تبدله، ليس داخلاً في حاق لفظ البداء؛ لإمكان أن يتصور البداء لنفس الشيء، بأن يظهر نفسه بعد خفائه، كما أن المراد من اللآية التي استدل بها في المفردات هو كذلك، فإن ما بدا لهم هو

نفس ما لم يكونوا يحتسبون، كما يمكن أن يتصور البداء بظهور الشيء بعد عدمه، كظهور الموت بعد الحياة و بالعكس و مرجع الظهور في الفرضين إلي الظهور منه تعالي للناس مطلقاً سواء كان موتاً أو حياةً أو أجراً أو غير ذلك. بالبداء لا يختص يتبدل الرأي و ظهوره علي خلاف الرأي السابق مع اقترانه بالندامة كما هو المصطلح عند العامة، بل هو مصداق من مصاديق الظهور فالبداء اعم من تبدل الرأي، لما عرفت من أنه هو الظهور كما اختاره الشيخان قدّس سرّهما و صرح به المصباح المنير و المفردات و مما ذكر يظهر ما في البحار حيث قال: «اعلم أنه لما كان البداء ممدوداً في اللغة بمعني ظهور رأي لم يكن، يقال: بدا الامر بدواً: و بدا له في هذا الأمر بداء، أي نشأ له فيه رأي، كما ذكره الجوهري، فلذلك يشكل القول بذلك في جناب الحق تعالي. انتهي موضع الحاجة منه».

لما عرفت من أن البداء في اللغة لا يختص بتلك الصورة و قول الجوهري لا ينافي سائر أقوال اللغويين؛ لأنه فسره بأحد مصاديقه، مع أن الآخرين صرحوا بأعمية البداء من ذلك و لم يشترطوا فيه تبدل الرأي و الندامة، هذا مضافاً إلي أن كلا المعنيين مذكوران في عبارته كما لا يخفي و علي ما ذكر فإن أراد المصنف بقوله: «البداء في الانسان الخ» تفسير البداء بذلك و اختصاصه به، ففيه ما عرفت من عدم اختصاصه به و إن أراد بذلك ذكر مصداق من مصاديقه

- - - - - - -

1 - 1) راجع بحار الأنوار: ج 4 ص 125 126 ذيل الصفحات.

183

و البداء بهذا المعني يستحيل علي الله تعالي؛ لأنه من الجهل و النقص

و ذلك محال عليه تعالي، و لا تقول به الإمامية. قال الصادق عليه السلام: «من زعم أن الله تعالي بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم» و قال أيضاً: «من زعم أن الله بدا له في شيء و لم يعلمه أمس فأبرأ منه» (2)

و إمكانه في حق الإنسان و استحالته في حقه تعالي فلا ايراد عليه.

و كيف كان، فلا وجه بعد ما عرفت من أعمية البداء في اللغة، لحمل أخبار الشيعة التي تدل علي مطلوبية البداء، علي البداء المحال كما سيأتي إن شاء الله توضيحه..

هذا الأخبار و نظائرها تدل علي استحالة البداء بالمعني الاصطلاحي عند الشيعة أيضاً و ذلك لأن التغير و التبدل في الرأي و الندامة، حاك عن الجهل و هو نقص لا سبيل له إليه تعالي، لانه تعالي عين الكمال و عين الفعلية، و لم يقل أحد من الشيعة بالبداء بالمعني المذكور المحال.

بل صرح في الأخبار باستحالتة و من جملتها أن اليهود سألوا عن النبي صلّي الله عليه و آله «يا محمد أفبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلي بيت المقدس حتي نقلك إلي الكعبة؟ فقال رسول الله صلّي الله عليه و آله: ما بدا له عن ذلك، فإنه العالم بالعواقب و القادر علي المصالح، لا يستدرك علي نفسه غلطاً، و لا يستحدث رأياً يخالف المتقدم. جل عن ذلك، و لا يقع عليه أيضاً مانع يمنعه من مراده و ليس يبدو و إلاّ لما كان هذا وصفه و هو عزّوجلّ متعال عن هذه الصفات علواً كبيراً. ثم قال لهم رسول الله صلّي الله عليه و آله: أيها اليهود: أخبروني عن الله أليس يمرض، ثم يصح ثم

184

يمرض،

أبدا له في ذلك؟ أليس يحيي و يميت، أبدا له في كل واحد من ذلك؟ فقالوا: لا، قال: فكذلك الله تعبّد نبيه محمداً بالصلاة إلي الكعبة، بعد أن تعبّده بالصلاة إلي بيت المقدس و ما بدا له في الأول الحديث الشريف» (1).

و حاصله أن البداء التشريعي كالبدا ء التكويني، فكما أن في البداء التكويني ما بدا شيء له تعالي، لأنه العالم بالعواقب، بل بدا منه لغيره، كذلك في البداء التشريعي.

و أما البداء بمعناه الآخر من ظهور الشيء منه تعالي للغير، علي خلاف ما تقتضيه المقتضيات الغير التامة و المعدات، فلا استحالة فيه؛ لأنه لا ينافي علمه به و إرادته به من الأزل و هو أمر واقع في النظام العالمي المادي الذي لا يخلو عن التزاحم بين المقتضيات و من المعلوم أن الواقع لا يقع إلاّ لكونه ممكناً، فلا مجال لدعوي استحالته بعد الوقوع.

قال العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه في ذيل قوله تعالي: «يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده اُم الكتاب» ما حاصله: «أنما البداء هو ظهور أمر منه تعالي ثانياً، بعد ما كان الظاهر منه خلافه أولاً، فهو محو الأول و إثبات الثاني، و الله سبحانه عالم بهما جميعاً و هذا مما لا يسمع لذي لب إنكاره، فإن للاُمور و الحوادث وجوداً بحسب ما تقتضيه أسبابها الناقصة، من علة أو شرط أو مانع ربما تخلف عنه و وجوداً بحسب ما تقتضيه، أسبابها و عللها التامة و هو ثابت غير موقوف و لا متخلف إلي أن قال: و علي أي حال ظهور أمر أو إرادة منه تعالي، بعد ما كان الظاهر خلافه واضح لا ينبغي الشك فيه و الذي أحسب أن النزاع في ثبوت البداء، كما

يظهر من أحاديث أئمة أهل البيت عليهم السَّلام و نفيه كما يظهر من غيرهم، نزاع لفظي و لهذا لم نعقد لهذا البحث فصلاً مستقلاً علي ما

- - - - - - -

1) بحار الأنوار: ج 4 ص 106.

185

غير أنه وردت عن أئمتنا الأطهار عليهم السلام روايات توهم القول بصحة البداء بالمعني المتقدم، كما ورد عن الصادق عليه السلام «ما بدا لله في شيء كما بدا له في اسماعيل ابني» و لذلك نسب بعض المؤلفين في الفرق الإسلامية، إلي الطائفة الإمامية، القول بالبداء، طعناً في المذهب و طريق آل البيت و جعلوا ذلك من جملة التشنيعات علي الشيعة.

هو دأب الكتاب و من الدليل علي كون النزاع لفظياً، استدلالهم علي نفي البداء عنه تعالي بأنه يستلزم التغير في علمه، مع أنه لازم البداء بالمعني الذي يفسر به البداء فينا، لا البداء بالمعني الذي يفسره به الإخبار فيه تعالي» (1).

فالبداء علي قسمين: أحدهما محال كما تدل عليه الأدلة العقلية و جملة من الروايات الواردة عن طرق أهل البيت عليهم السلام و هو الذي مقرون بتبدل الرأي و الندامة و ثانيهما ممكن واقع و هو ظهور الأشياء علي خلاف المقتضيات و المعدات، كموت شخص صحيح المزاج الذي لا يتوقع موته و شفاء مريض لا يتوقع برؤه و هذا الظهور بالنسبة إلينا و أما بالنسبة إليه تعالي، فلا خفاء، بل علمه من الأزل و بتعبير آخر فهو ظهور منه خفاء، لا ظهور له تعالي، و المحال هو الظهور له، لا الظهور منه لنا. فالبداء المحال هو التبدل و التغير في ناحية علمه الذاتي و هو الذي لا يقول به أحد من الشيعة و أما التبدل و التغير في ناحية فعله

تعالي، سواء كان تكوينياً أو تشريعياً، فلا مانع منه، بعد كونه معلوماً له بأطرافه و هو الذي اعتقده الشيعة به و ورد الروايات المتعددة للترغيب نحو الايمان به؛ لأنه يوجب أن يرجو أو يخاف تبدل شيء و تغيرة و يعمل بمقتضاه علي الدوام..

- - - - - - -

1) تفسير الميزان: ج 11 ص 420.

186

و الصحيح في ذلك أن نقول كما قال الله تعالي في محكم كتابه المجيد: «يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده اُم الكتاب» و معني ذلك أنه تعالي قد يظهر شيئاً علي لسان نبيه، أو وليه، أو في الظاهر الحال لمصلحة تقتضي ذلك الإظهار، ثم يمحوه فيكون غير ما قد ظهر اولاً، مع سبق علمه تعالي بذلك، كما في قصة إسماعيل لما رأي أبوه إبراهيم أنه يذبحه. فيكون معني قول الإمام عليه السلام أنه ما ظهر لله سبحانه أمر في شيء كما ظهر له في اسماعيل ولده، إذ اخترمه قبله، ليعلم الناس أنه ليس بإمام و قد كان ظاهر الحال أنه الإمام بعده؛ لأنه أكبر ولده (3)

ولا يخفي عليك أن روايات الباب علي طوائف: منها تدل علي نفي البداء بالمعني المصطلح عند العامة، كما أشار المصنف إلي جملة منها و أشرنا أيضاً إلي بعضها و منها تدل علي اثبات البداء كما روي بسند صحيح في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: «ما بعث الله نبياً حتي يأخذ عليه ثلاث خصال: الإقرار له بالعبودية و خلع الأنداد و أن الله يقدم من (ما خ ل) يشاء و يؤخر من (ما خ ل) يشاء» (1) الاُصول من الكافي ج 1 ص 147. و ما روي فيه أيضاً عن أبي

عبد الله عليه السلام أنه قال: «ما تنبأ نبي قط و ما روي فيه أيضاً عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: «ما تنبأ نبي قط، حتي يقرلله بخمس خصال، بالبداء و المشيئة و السجود و العبودية و الطاعة» (2) و ما روي فيه أيضاً عن الرضا عليه السلام أنه قال: «ما بعث الله نبياً قط إلاّ بتحريم الخمر و أن يقرالله بالبداء» (3).

و هذه الروايات و نظائرها تنافي ما تنفي البداء في باديء النظر، و لكن مقتضي التأمل فيها أن الثابت بتلك الأخبار ليس ما ينفيه الأخبار الاُخر، بل

- - - - - - -

(1) الاُصول من الكافي ج 1 ص 147.

2) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 148.

3) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 148.

187

المقصود منها أن الأمر بيده تعالي، فيمكن أن يقدم و أن يؤخر رغماً لأنف اليهود الذين قالوا يد الله مغلولة كما اُشير إليه في الرواية الاُولي، فالثابت هو البداء في بعض الأخبار السابقة. هذا مضافاً إلي تصريح بعض الأخبار بأن البداء عند الإمامية ليس مقروناً بالجهل كما رواه في الكافي بسند صحيح عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: «ما بدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدو له» (1) و من المعلوم أن البداء الذي لا يستلزم الجهل في مرتبة الذات، لا تشمله الأدلة النافية و لا تنافيه الأدلة العقلية، لأنه ليس إلاّ كمال القدرة في مقام الفعل، فإن تبديل ما تقتضيه المقتضيات العادية و المعدات، يحكي عن تمامية قدرة الرب المتعال و استقلاله في الفاعلية، حيث يمكن له التغيير و التبديل في الاُمور، إذا أراد و شاء، فهو تعالي في كل آن في

شأن و من المعلوم أن هذا الاعتقاد يوجب التوكل التام عليه في الاُمور و الرجاء به؛ لأن الأمر بيده، و لم يتم الأمر و لم يفرغ عن الأمر قبل وقوعه، فكل شيء مادام لم يقع فله مجال التغيير و التبديل و هذا الفكر يؤدي إلي سعة المجال أمام الإنسان للسعي و الاستكمال، بحيث لا يتوقف و لا ييأس من النيل إلي الكمال في أي حال يكون، كما أن هذا الاعتقاد يمنع الانسان من أن يغتر بوضعه الموجود، المقتضي للسعادة، فإن التغيير و التبديل بسبب الذنب أو الغفلة أمر ممكن، فليخفف و ليحذر عن الذنوب و الغفلات لئلا يسقط و يهلك.

و كيف كان، فهذا البداء من كمال الايمان و لذلك أخذ الله الاقرار به عن الأنبياء كما عرفت، بل أوصي الايمان به لغيرهم، كقول الصادق عليه السلام: «ما عظم الله عزّوجلّ بمثل البداء» (2) و قوله الآخر أيضاً: «لو

- - - - - - -

1) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 148.

2) بحار الأنوار: ج 4 ص 107.

188

علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه» (1).

نعم أشار المصنف إلي ورود روايات توهم المنافاة لنفي البداء المستحيل، و لم أجد منها إلاّ ما رواه في البحار عن كتاب زيد النرسي عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «ما بدا لله بداء أعظم من بداء بدا له في إسماعيل ابني» (2).

و هذا خبر واحد و لا يصلح للمعارضة مع الكثيرة السابقة، و لا يفيد العلم، مع أنه اللازم في الاعتقادات هو العلم. هذا مضافاً إلي نقله عن كتاب مختلف فيه، و لم يثبت اعتباره، بل فيه اُمور تنكره الإمامية كنزوله

تعالي إلي السماء الدنيا و غير ذلك (3).

علي أن قوله عليه السلام في الصحيحة المتقدمة: «ما بدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدوله» حاكم علي مثله، فليحمل علي المعني الذي لا ينافي تلك الأخبار، إما بحمله علي ما في المتن أو علي ما حكي عن الشيخ المفيد من أن المراد منه ما ظهر منه تعالي من دفاع القتل عنه و قد كان مخوفاً عليه من ذلك، مظنوناً به و قد دفع الله عنه كما روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: «إن القتل قد كتب علي إسماعيل مرتين فسألت الله في دفعه عنه فدفعه» (4) أو علي ما أشارإليه المحقق الاصفهاني من أن المراد من الظهور هو الظهور في علمه الفعلي بعد ما كان المقتضي علي خلافه لا في علمه الذاتي (5) ولكنه لا يخلو عن تكلف. و لعل مقصود المصنف من الروايات، هو الاشارة إلي

- - - - - - -

1) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 148.

2) بحار الأنوار: ج 4 ص 122.

3) راجع قاموس الرجال: ج 4 ص 248.

4) بحار الأنوار: ج 4 ص 127 ذيل الصفحة.

5) راجع نهاية الدراية في شرح الكفاية: ج 2 ص 212.

189

ما نسب إلي بعض الأنبياء و الأولياء من أنهم ربما أخبروا بوقوع شيء ثم انكشف الخلاف، و لكن هذه الأخبار معارضة مع قاعدة اللطف، فإن الإخبار الجزمي مع انكشاف الخلاف، يوجب سلب الاعتماد، هذا مضافاً إلي معارضتها مع الأخبار الاُخر أيضاً، كما روي عن أبي جعفر عليه السلام يقول: «العلم علمان: علم عند الله مخزون لم يطلع عليه أحداً من خلقه و علم علمه ملائكته و رسله، فأما ما علم ملائكته و

رسله، فإنه سيكون، لا يكذب نفسه، و لا ملائكته و لا رسله و علم عنده مخزون يقدم فيه ما يشاء و يؤخر ما يشاء و يثبت ما يشاء» (1).

و ما روي عن أبي عبدالله عليه السلام: «إنّ لله علمين: علم مكنون مخزون، لا يعلمه إلاّ هو، من ذلك يكون البداء و علم علمه ملائكته و رسله و أنبياءه فنحن نعلمه» (2).

فليحمل تلك الاخبار علي أن أخبار الأنبياء ليس علي الجزم و البت، كما حكي عن الشيخ الطوسي و جعله الفاضل الشعراني حاسماً لمادة الاشكال (3)، إذ الإخبار اذا لم يكن عن جزم، بل علي ما تقتضيه المقتضيات، فتخلفه لا يوجب سلب الاعتماد، خصوصاً إذا كان الأخبار و انكشاف الخلاف مقروناً بتبيين وجه أوجب تغيير المقتضيات و أما التفصيل بين الوحي و الالهام بوقوع البداء في الثاني دون الأول، كما في البحار، أو القول بوقوع البداء في كلام الأنبياء نادراً، كما في البحار أيضاً (4) ففيه أنه ينافي أيضاً قاعدة

- - - - - - -

1) بحار الأنوار: ج 4 ص 113.

2) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 147.

3) شرح الاُصول من الكافي للمولي صالح المازندراني: ج 4 ص 331.

4) بحار الأنوار: ج 4 ص 133 و شرح الاصول من الكافي ج 4 للمولي صالح المازندراني ذيل الصفحة 330 331.

190

اللطف و يوجب سلب الاعتماد عنهم، و لو وقع نادراً، فإن تطرق احتمال الخطأ إلي الوحي و الالهام يرفع الاعتماد عن جميع أقوال الأنبياء عليهم صلوات الله كما لا يخفي.

و مما ذكر يظهر ما في اطلاق عبارة المصنف، من «أن الوجه الصحيح هو أنه تعالي قد يظهر شيئاً علي لسان نبيه أو وليه الخ» لما عرفت من

أن الإظهار الجزمي لا يوافق العصمة و يوجب سلب الاعتماد، بخلاف ما إذا لم يكن الإظهار و الإخبار عن جزم، بل علي ما تقتضيه المقتضيات من دون جزم، بحيث لو انكشف الخلاف لا يوجب سلب الاعتماد و أيضاً يظهر مما ذكر ما في قوله: «إن معني قول الإمام أنه ما ظهر لله سبحانه أمر في شيء كما ظهر له في إسماعيل ولده الخ» لأن المناسب أن يقول: ما ظهر منه تعالي أمر في شيء، كما ظهر منه في اسماعيل، كما فسره الشيخ المفيد قدّس سرّه لأنه بعد كون البداء بمعناه المصطلح عند العامة محالاً و منفياً في الأخبار الواردة عن الأئمة عليهم السلام فالمراد من الظهور، هو الظهور منه لا الظهور له.

ثم لا يخفي عليك أن امكان التغيير بأذنه و مشيته في المقدرات، أمر ثابت لا يمنع عنه إمضاء المقدر و إبرامه في ليالي القدر؛ لأن الامر بيده، يفعل ما يشاء و لذا ورد في بعض أخبار ليالي القدر بعد تقدير الاُمور و ابرامها و امضائها، أن لله المشية.

ثم لا يذهب عليك أن مقتضي ما عرفت هو أن البداء في التقديرات لا في القضاء؛ لأن قضاء الشيء وقوعه و مع وقوعه لا ينقلب عما هو عليه و لذا حكي عن السيد الداماد قدّس سرّه أنه قال: «لابداء في القضاء و إنما البداء في القدر» (1).

- - - - - - -

1) بحار الأنوار: ج 4 ص 126.

191

و قريب من البداء في هذا المعني نسخ أحكام الشرايع السابقة، بشريعة نبينا صلّي الله عليه و آله بل نسخ بعض الأحكام التي جاء بها نبينا صلّي الله عليه و آله و سلّم - (4)

ولا يخفي عليك أن النسخ

حقيقة هو ارتفاع الحكم بانقضاء زمانه و أمده، فإن الحكم المجعول في موارد النسخ مقيد في الواقع بزمان خاص معلوم عندالله و مجهول عند الناس، إذ لا يعلمونه إلاّ بعد إعلام ارتفاعه و عليه فلا يرد علي النسخ ما ربما يقال من أن النسخ يستلزم عدم حكمة الناسخ، أو جهله بوجه الحكمة، وكلا هذين اللازمين يستحيل في حقه تعالي و ذلك لأن تشريع الحكم من الحكيم المطلق لابد و أن يكون علي طبق مصلحة تقتضيه؛ لأن الحكم الجزافي ينافي حكمة جاعله، و علي ذلك فرفع هذا الحكم الثابت لموضوعه، إما أن يكون مع بقاء الحال علي ما هو عليه من وجه المصلحة و علم ناسخه بها و هذا ينافي حكمة الجاعل، مع أنه حكيم مطلق و إما أن يكون من جهة البداء و كشف الخلاف علي ما هو الغالب في الأحكام و القوانين العرفية و هو يستلزم الجهل منه تعالي و علي ذلك فيكون وقوع النسخ في الشريعة محالاً؛ لأنه يستلزم المحال انتهي.

و ذلك لما عرفت من أن الحكم كان في الواقع محدوداً و معلوماً لله تعالي، فإذا تم وقته أخبر عن ارتفاعه، فلا ينافي الحكمة، كما لا يستلزم الجهل، بل ادامته مع خلوه عن المصلحة، تنافي الحكمة.

ثم إن النسخ يقرب البداء و ليس عينه؛ لأن في البداء مقتضيات الشيء موجودة، و لكن في النسخ لا مقتضي لوجود الحكم بحسب الواقع، بعد انتضاء أمد الحكم. نعم يكون المقتضي الاثباتي من اطلاق الأدلة موجوداً و باعتباره كان النسخ قريباً من البداء بالمعني الممكن و هو ظهور شيء منه، علي خلاف

192

المقتضيات السابقة و إن كان المقتضي في البداء هو المقتضي الثبوتي، و المقتضي في النسخ هو المقتضي

الاثباتي.

و كيف كان فظهور شيء منه تعالي للغير موجود في كليهما و هو الذي عبر عنه في لسان بعض الفحول بالإبداء أو الإظهار فلا تغفل..

193

8 - عقيدتنا في أحكام الدين

8 عقيدتنا في أحكام الدين

نعتقد أنه تعالي جعل أحكامه من الواجبات و المحرمات و غيرهما طبقاً لمصالح العباد في نفس أفعالهم، فما فيه المصلحة الملزمة جعله واجباً، و ما فيه المفسدة البالغة، نهي عنه و ما فيه مصلحة راجحة ندبنا إليه و هكذا في باقي الأحكام و هذا من عدله و لطفه بعباده و لابد أن يكون له في كل واقعة حكم، و لا يخلو شيء من الأشياء من حكم واقعي لله فيه و إن انسد علينا طريق علمه.

و نقول أيضاً: إنه من القبيح أن يأمر بما فيه المفسدة أو ينهي عم فيه المصلحة، غير أن بعض الفرق من المسلمين يقولون: إن القبيح ما نهي الله تعالي عنه و الحسن ما أمر به، فليس في نفس الأفعال مصالح أو مفاسد ذاتية، و لا حسن أو قبيح ذاتيان و هذا قول مخالف للضرورة العقلية، كما أنهم جوزوا أن يفعل الله تعالي القبيح فيأمر بما فيه المفسدة و ينهي عما فيه المصلحة و قد تقدم أن هذا القول فيه مجازفة عظيمة و ذلك لاستلزامه نسبة الجهل او العجز اليه سبحانه تعالي علوا كبيراً (1)

- - - - - - -

(1) و لا يخفي عليك أن هذا البحث من متفرعات الأصل الثابت الذي

194

و الخلاصة ان الصحيح في الاعتقاد ان نقول: انه تعالي لامصلحة له و لامنفعة في تكليفنا بالواجب و نهينا عن فعل ما حرمه، بل المصلحة و المنفعة ترجع لنا في جميع التكاليف. و لا معني لنفي المصالح و المفاسد في الافعال

المامور بها و المنهي عنها، فانه تعالي لايامر عبثا و لا ينهي جزافا و هو الغني عن عباده. مضي تحقيقه و هو أنه تعالي لا يفعل القبيح و لا يخل بالواجب و قد عرفت فيما مضي أن الدليل عليه أمران: أحدهما: أنه مقتضي اطلاق كماله و رحمته و رحمانيته تعالي و ثانيهما: أنه مقتضي حكم العقل بالحسن و القبيح الذاتي. أشار المصنف إلي الوجه الأول في السابق و إلي الثاني هنا و كيف كان فقد مر البحث عنه و لا حاجة إلي إعادة الكلام و عليه كما أن أصل التكليف مما يقتضيه لطفه و رحمانيته كذلك تطبيق التكليف، مع ما في الافعال من المصالح و المفاسد، فالمصلحة الراجحة لاتقتضي الوجوب، بل الندب و المصلحة الملزمة تقتضي الوجوب لاالندب و المفسدة الملزمة تقتضي النهي التحريمي لاالتنزيهي و المفسدة الغير الملزمة لاتقتضي الا النهي التنزيهي و لا يمكن سلوك الانسان نحو كماله و سعادته الا اذا كلف بما تقتضيه الافعال من المصالح و المفاسد و الاخلال به ينافي لطفه و رحمته، كما انه ينافي حكمته؛ لان الحكمة في خلقة الانسان هو امكان ان يسلك نحن كماله، فاذا كلف بما لايطابق مقتضي الافعال، فلايكمن له ذلك. هذا مضافا الي منافاته مع عدله فيما اذا كلف بما زاد او نقص عن الحد الازم الذي يستحقه المكلف كما لايخفي.

- - - - - - -

(2) حاصله أن التكاليف حيث لاتصدر عنه تعالي جزافاً، فلا تكون إلا ناشئة عن المصالح و المفاسد، و لكن المصالح و المفاسد ترجع الينا لا اليه تعالي؛

195

لانه غني مطلق.

ثم انه لايلزم ان تكون المصالح في الافعال المامور بها، بل يكفي وجودها في نفس التكاليف ضرورة كفاية

وجودها في التكاليف؛ لحسنها و رفع العبث و الجزاف.

بقي شيء و هو ان افعاله تعالي سواء كانت تكوينية او تشريعية ناشئة عن كماله المطلق و ليست لاستكمال ذاته تعالي؛ لأنه غني مطلق، و لا يحتاج إلي شيء، و لذلك ذهبوا إلي أن العلة الغائية متحدة مع العلة الفاعلية فيه تعالي، إذ لا غاية وراء ذاته تعالي، و لا ينافي ذلك أن للافعال غاية أو غايات متوسطة و نهائية؛ لانها غاية الفعل لا غاية الفاعل. قال العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه: «و بالجملة فعلمه تعالي في ذاته بنظام الخير غاية لفاعليته التي هي عين الذات» (1).

و ينقدح مما ذكر ما في كلام الأشاعرة من أن أفعاله تعالي يستحيل تعليلها بالاغراض و المقاصد، فإن كل فاعل لغرض و قصد، فإن ناقص بذاته، مستكمل بذلك الغرض و الله تعالي يستحيل عليه النقصان (2) و ذلك لما عرفت من أن الغاية في فاعليته تعالي، ليست إلاّ ذاته و صفاته، فذاته لذاته منشأ للافاضة و من المعلوم أن تعليل أفعاله بذاته، لا يستلزم النقصان، حتي يستحيل، بل هو خاك عن كماله ذاته و لعل إليه يؤول ما قاله العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه: من أنه ليس من لوازم وجود الغاية حاجة الفاعل إليها؛ لجواز كونها عين الفاعل (3).

و ينقدح أيضاً مما ذكر ضعف ما ذهب إليه المعتزلة و بعض المتكلمين من

- - - - - - -

1) راجع نهاية الحكمة: ص 163 164.

2) شرح تجريد الاعتقاد: ص 306 الطبعة الحديثة.

3) راجع نهاية الحكمة: ص 163.

196

الإمامية، من أن غاية أفعاله هي انتفاع الخلق، فإنه و إن لم يستلزم استكمال الذات بالغايات المترتبة علي الأفعال، و لكن ذلك يوجب أن يكون لغير ذاته تأثير

في فاعليته مع أنه تام الفاعلية و لا يتوقف في فاعليته علي شيء (1).

فاصحيح هو أنه يقال: إن انتفاع الخلق هو غاية الفعل لا غاية فاعلية الفاعل، إذ لا حاجة له تعالي إلي شيء من الأشياء، و لا يتأثر من شيء (2).

نعم ذهب بعض المحققين إلي إمكان الجمع بين الأقوال، بأن يقال: إن من حصر الغاية في ذاته تعالي أراد الغاية الأصلية و الذاتية و من نفي الغاية في أفعاله أراد نفي داع زائد علي ذاته في فاعليته و من جعل العلة الغائية انتفاع الخلق أراد بيان الغاية الفرعية و التبعية. انتهي (3) إلاّ أن هذا التوجيه و إن كان حسناً في نفسه و لكن لا يساعده عبائر القوم فراجع و لله الحمد.

- - - - - - -

1) راجع نهاية الحكمة: ص 163.

2) راجع شرح منظومه: ج 2 ص 62 للأستاذ الشهيد المطهري قدّس سرّه.

3) آموزش فلسفه: ج 2 ص 402.

الفصل الثاني النُّبوَّة

1 عقيدتنا في النبوة

1 عقيدتنا في النبوة

عقيدتنا في النبوة

نعتقد أن النبوة وظيفة إلهية و سفارة ربانية يجعلها الله تعالي لمن ينتجبه و يختاره من عباده الصالحين و أوليائه الكاملين في انسانيتهم.

فيرسلهم إلي سائر الناس لغاية ارشادهم إلي ما فيه منافعهم و مصالحهم في الدنيا و الآخرة و لغرض تنزيههم و تزكيتهم من درن مساويء الأخلاق و مفاسد العادات و تعليمهم الحكمة و المعرفة و بيان طرق السعادة و الخير لتبلغ الإنسانية كمالها اللائق بها، فترتفع إلي درجاتها الرفيعة في الدارين، دار الدنيا و دار الآخرة.

و نعتقد أن قاعدة اللطف علي ما سيأتي معناها توجب أن يبعث الخالق اللطيف بعبادة رسله لهداية البشر و أداء الرسالة الاصلاحية و ليكونوا سفراء الله و خلفاءه.

كما نعتقد أنه تعالي لم

يجعل للناس حق تعيين النبي أو ترشيحه أو انتخابه و ليس لهم الخيرة في ذلك، بل أمر كل ذلك بيده تعالي؛ لأنه «أعلم حيث يجعل رسالته» و ليس لهم أن يتحكموا فيمن يرسله هادياً

199

و مبشراً و نذيراً، و لا أن يتحكموا فيما جاء به من أحكام و سنن و شريعة (1) يقع الكلام في مقامات:

أحدها

: في معني النبوة لغةً. ففي القاموس «النبأ محركة: الخبر، أنبأه اياه به: أخبره إلي أن قال: و النبيء: عن الله تعالي و ترك الهمز المختار، ج: أنبياء - إلي أن قال -: و الإسم النبوءة - إلي أن قال -: و نبأً كمنع نبأًً و نبواً: ارتفع و عليهم: طلع، و من أرض: خرج، و قول الأعرابي: يا نبيء الله بالهمز، أي الخارج من مكة إلي مدينة، أنكره عليه، فقال: لا تنبر بإسمي - أي لا تهمز، بإسمي - فإنما أنا نبي الله».

و نحو ذلك في المصباح المنير و زاد عليه قوله: «والنبيء علي فعيل مهموز؛ لأنه أنبأ عن الله، أي أخبر و الابدال و الادغام لغة فاشية».

فالمختار هوأن النبي مهموز في الاصل، ثم اُبدلت الهمزة و اُدغمت في النبي و النبوة و يشهد له عود الهمز في الاتصغير كما يقال: «مسيلمة نُبيء سَوْء» و لا دلالة لمثل قوله تعالي: «و رفعناه مكاناًعلياً» في حق بعض أنبيائه علي أن النبي مأخوذ من النبوة، بمعني الرفعة؛ لأن الآية لا تدل إلاّ علي أن النبي رفيع القدر لا أن النبي مأخوذ من الرفعة كما لا يخفي، و أما الاستدلال بمثل قوله صلّي الله عليه و آله لمن قال يا نبيء الله: «لست بنبيء الله و لكن نبي الله» ففيه أنه لا يدل

علي أن أصله من النبوة بمعني الرفعة، نعم فيه إشارة إلي منع استعمال المهموز و لعله لأن المهموز مشترك بين المخبر، و الخارج من أرض إلي أرض، بخلاف النبي بالتشديد، فإنه شائع في خصوص المخبر، فإذا استعمل مشدداً و مدغماً فلا مجال لتعيير بعض المبغضين بإرادة الخارج من مكة إلي المدينة منه، كما أراده الذي خاطبه باستعمال النبي مهموزاًً و كيف كان فالأظهرهو ما

200

اختاره القاموس و المصباح المنير من أن النبي مهموز الأصل.

قال العلاًمة الطباطبائي قدّس سرّه: «والنبي علي وزن فعيل مأخوذ من النبأ، سمي به النبي؛ لأنه عنده نبأ الغيب، بوحي من الله و قيل: هو مأخوذ من النبوة بمعني الرفعة سمي به لرفعة قدره» (1).

ثانيها:

في معناه الاصطلاحي، عرفه أهل الكلام بأنه الإنسان المخبر عن الله تعالي به غير واسطة أحد من البشر. قال في شرح الباب الحادي عشر: «فبقيد الإنسان يخرج الملك و بقيد المخبر عن الله يخرج المخبر عن غيره و بقيد عدم واسطة بشر يخرج الإمام و العالم فإنهما مخبران عن الله تعالي بواسطة النبي» (2).

و فيه أن التعريف المذكور يشمل الإمام المعصوم الذي قد يخبر عن الله تعالي بسبب إلهام و كونه محدثاً، بل يشمل سيدتنا فاطمة سلام الله عليها فإنها أخبرت بما أحست من أخبار جبرئيل بعد موت النبي صلّي الله عليه و آله و كتبه مولانا أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام و سمي بمصحف فاطمة سلام الله عليها و كيف كان فالأولي أن يقال في تعريف النبي بحسب الاصطلاح: هو إنسان كامل مخبر عن الله تعالي بالوحي، إذ الوحي مختص بالأنبياء و هو نوع رابطة وقعت بينه و بين أنبيائه. و لم تكن هذه الرابطة مشابهة للروابط

المعمولة للتفهيم و التفهم من التعقل و التفكر و الحدس و نحو ذلك، بل هو أمر وراء تلك الاُمور المتعارفة البشرية و مع ذلك لا يمكن لنا إدراك الفرق بين الوحي و الالهام و كيف كان فالأول مختص بالأنبياء دون الثاني.

قال العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه: إن الوحي نوع تكليم إلهي تتوقف عليه النبوة قال تعالي: «إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلي نوح و النبيين من

- - - - - - -

1) تفسير الميزان: ج 14 ص 58.

2) راجع شرح الباب الحادي عشر ص 34 الطبعة الحديثة قواعد المرام: ص 122.

201

بعده» (1).

و قال أيضاً في ذيل قوله تعالي: «و ما كان لبشر أن يكلمه الله إلاّ وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم» (2): و المعني ما كان لبشر أن يكلمه الله نوعاً من أنواع التكليم، إلاّ هذه الأنواع الثلاثة: أن يوحي وحياً، أو يكون من وراء حجاب، أو أن يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء. ثم إن ظاهر الترديد في الآياته ب «أو» هو التقسيم علي مغايرة بين الأقسام و قد قيد القسمان الأخيران بقيد كالحجاب و الرسول الذي يوحي إلي النبي، و لم يقيد القسم الأول بشيء، فظاهر المقابلة يفيد أن المراد به التكليم الخفي من دون أن يتوسط واسطة بينه تعالي و بين النبي أصلاً و أما القسمان الآخران ففيهما قيد زائد و هو الحجاب أو الرسول الموحي و كل منهما واسطة، غير أن الفارق أن الواسطة الذي هو الرسول يوحي إلي النبي بنفسه، و الحجاب واسطة ليس بموحٍ و إنما الوحي من ورائه إلي أن قال: و لما كان للوحي في جميع هذه الأقسام

نسبة إليه تعالي علي اختلافها، صح إسناد مطلق الوحي إليه بأي قسم من الأقسام تحقق و بهذه العناية أسند جميع الوحي إليه في كلامه، كما قال: «إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلي نوح و النبيين من بعده» (3) و الحاصل أن الوحي بجميع أقسامه مختص بالنبي و عليه أجمعت الاُمة الإسلامية. نعم قد يطلق الوحي علي الهداية التكوينية كقوله تعالي: «و أوحي ربك إلي النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً» (4) ولكنه بالعناية و المجاز لظهور الوحي في عرف المتديين بالأديان الإلهية من بدو مجيء الأنبياء و الرسل فيما ذكر من أنه نوع رابطة أو كلام خفي بين الله تعالي و بينهم بواسطة أو بدونها فلا تغفل.

- - - - - - -

1) النساء: 162، راجع تفسير الميزان: ج 2 ص 147.

2) الشوري: 51.

3) تفسير الميزان: ج 18 ص 76.

4) النحل: 68.

202

ثم إن الفرق بين النبي و الرسول كما في تفسير الميزان هو أن النبيء هو الذي ببين للناس صلاح معاشهم و معادهم من اُصول الدين و فروعه، علي ما اقتضته عناية الله من هداية الناس إلي سعادتهم و الرسول هو الحامل لرسالة خاصة مشتملة علي إتمام الحجة، يستتبع مخالفته هلاكة أو عذاباً أو نحو ذلك (1) فالنسبة بين النبي و الرسول هي العموم و الخصوص المطلق مورداً إذ كل رسول نبي دون العكس، لجواز أن يكون النبي غير رسول كما لا يخفي.

و عليه فمقام النبوة غير مقام الرسالة و إن كان بحسب المورد تقع الرسالة إلاّ في مورد النبوة فتحصل أن المفهومين متغايران و في ذلك يكون النسبة بينهما من العموم و الخصوص المطلق مورداً و مما ذكر يظهر الجواب عن وجه تقديم عنوان

الرسول علي عنوان النبي في الآية الكريمة «و كان رسولاً نبياً» (2) إذ لو كان مفهوم النبوة أعم من الرسالة لزم أن يكون متقدماً عليها في الذكر كما لا يخفي و سيجيء بقية الكلام إن شاء الله في بحث الخاتمية (3)

ثم إن الرسل يختلفون في الفضل و المرتبة و ساداتهم هم اُولوالعزم منهم و هم أصحاب الجد و الثبات علي العهود و الميثاق في حد أعلي و هم: نوح و إبراهيم و موسي و عيسي و نبينا محمّد بن عبدالله صلّي الله عليه و عليهم أجمعين، كما قال تعالي: «و إذ أخذنا من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح و ابراهيم و موسي و عيسي بن مريم و أخذنا منهم ميثاقاً غليظاً» (4) و هم اصحاب الكتب و الشرايع، كما قال الله تعالي: «شرع لكم من الدين ما وصي به نوحاً و الذي أوحينا إليك و ما وصينا به ابراهيم و موسي و عيسي أن أقيموا الدين ولا

- - - - - - -

1) تفسير الميزان: ج 2 ص 145.

2) مريم: 51.

3) تفسير الميزان: ج 14 ص 429، اُصول عقائد (2) راهنما شناسي: ص 13 18 و ص 268.

4) الاحزاب: 7.

203

تتفرقوا فيه» (1).

ثالثها:

في إمكان النبوة و لا يخفي أنها ممكنة ذاتاً؛ لأن في تكليمه تعالي مع الإنسان الكامل بواسطة أو بدونها، لا يلزم أحد من المحالات كاجتماع النقيضين أو الضدين أو المثلين، إذ تكليمه ليس إلا ايجاد الكلام و نحوه و من المعلوم أنه لا يستلزم المحدودية كالجسمية، حتي يناقض مع صرفيته و لا حدّيته، فلا ريب في إمكانها ذاتاً و إنما الكلام في إمكانها وقوعاً، فإن الراهمة (2) زعموا أنها لا فائدة فيها،

فلا تصدر عن الحكيم المتعالي و قالوا في توجيه ما ذهبوا إليه: إن الذي يأتي به الرسول لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون معقولاً و إما أن لا يكون معقولاً، فإن كان معقولاً فقد كفانا العقل التام بادراكه و الوصول إليه، فأي حاجة لنا إلي الرسول؟ و إن لم يكن معقولاً فلا يكون مقبولاً، إذ قبول ما ليس بمعقول خروج عن حد الإنسانية و دخول في حريم البهيمية (3).

و اُجيب عن ذلك بأنه لا ريب في فاءدة النبوة، فإن النبي إذا أتي بما تدركه العقول أيدها و أكدها و فائدة التأكيد أوضح من أن يخفي و إن أتي بما لا تدركه العقول من غير طريق الشرع ففائدتها هي الارشاد و الهداية و أي فائدة أعظم من تلك الفائدة؟ و لعل الراهمة زعموا أن العقول حاكمة بثبوت الفائدة في بعض الأفعال و بعدمها في بعض آخر، مع أنها حاكمة في بعضها و ليس لها الحكم في الآخر، فلا منافاة بين العقول التي لا حكم لها و مع الشرع الحاكم، إذ لا مناقصة بني اللااقتضاء و الاقتضاء كما لا يخفي و لذلك قال المحقق الطوسي قدّس سرّه في تجريد الاعتقاد: «البعثة حسنة لاشتمالها علي فوائد

- - - - - - -

1) الشوري: 23.

2) البراهمة قوم انتسبوا الي رجل يقال له: براهم و قد مهد لهم نفي النبوات اصلاً و هم كما في المنجد خدمة إله الهنود.

3) راجع الملل و النحل: ج 2 ص 251.

204

كمعاضدة العقل فيما يدل عليه و استفادة الحكم فيما لا يدل» (1).

هذا مضافاً إلي فوائد اُخر كرفع الشك عن الشبهات الموضوعية للعدل و الظلم اللذين كانت العقول مستقلة فيهما. ألا تري أن الناس اختلفوا

في اليوم في القيمة الزائدة الحاصلة من عمل الأجير علي المواد الطبيعية كالخشب أنها لصاحب المواد أو للأجير أو لهما، وكل قوم يدعي أن العدل هو ما ذهب إليه و الظلم خلافه و ليس هذا الاختلاف إلاّ في موضوع حكم العقلي الكلي، إذ لا اختلاف في قبح الظلم و حسن العدل بينهم و في مثل هذا يحتاج إلي الشرع حتي يزول الشك.

و كرفع الغفلة عما حكم به العقل، إذ كثيراً ما تصير الأحكام العقلية مغفولة عنها، فالشرع يرشد الناس إلي عقولهم و ينبؤُهم بحيث تذكروا ما نسوه، خصوصاً إذا بشروهم و أنذروهم باللآثار التي للاعمال بالنسبة إلي البرزخ و القيامة و الآخرة.

و أضعف مما ذكر من الشبهة حول إمكان النبوة وقوعاً، هو ما حكي عنهم أيضاً من أنه دل العقل علي أن للعالم صانعاً حكيماً و الحكيم لا يتعبد الخلق بما يقبح في عقولهم و قد وردت أصحاب الشرايع بمستقبحات من حيث العقل من التوجه إلي بيت مخصوص في العبادة و الطواف حوله، و السعي و رمي الجمار، و الاحرام و التلبية و تقبيل الحجر الأصم و كذلك ذبح الحيوان إلي أن قال: و كل هذه الاُمور مخالفة لقضايا العقول (2).

و ذلك لأن الموضوع للقبح العقلي هو ما علم خلوه عن المصالح، أو ما علم اشتماله علي المفاسد و الاُمور المذكورة ليست كذلك، بل الأمر فيها بالعكس،

- - - - - - -

1) شرح جريد الاعتقاد: ص 346 الطبعة الحديثة.

2) الملل و النحل للشهرستاني: ج 2 ص 251.

205

لما علم من الفوائد المهمة و الأسرار العظيمة فيها، و هذا التوهم ناش من قلة التدبر حول العبادات و عدم التوجه إلي حقيقتها و أسرارها و تأثيرها في

استكمال الروح الإنساني للتقريب و التهذيب، فمثل رمي الجمار يوجب تذكار رمي آدم علي نبينا و آله و عليه السلام لعدوه الشيطان و تبريه منه و هذا التذكار يوجب أن يعرف الإنسان عدوه و يقتدي بأبيه في رميه و التبري منه، و هل هذا إلاّ غرض صحيح، فكيف يكون مثل هذا مخالفاً للعقل؟ و هكذا الطواف و السعي بين الصفا و المروة و غيرها مشتمل علي أسرار و حكم عظيمة، يكون شطر منها مدوناً تحت فلسفة الحج فراجع.

و بالجملة فكل أمر صدر عن الحكيم المتعالي و جاء به الأنبياء مشتمل علي الفوائد و المصالح و إن لم نعلمها بالتفصيل، لأنهم أخبروا عن الحكيم المتعال الذي لا يصدر منه القبيح، فليس في الأوامر الشرعية التي جاءت به الرسل و الأنبياء مفسدة يمكن للعقل أن يعرفها، غايته عدم العلم بوجه المصلحة و هو لا يضرر، فلا موجب لقول البراهمة من استحالة وقوع النبوة كما لا يخفي.

رابعها:

في فوائد البعثة و عاياتها، و لا يخفي عليك أنها متعددة.

منها: الإرشاد إلي ما فيه منافعهم و مصالحهم في الدنيا و الآخرة و هذه الغاية لا تقع كاملة إلاّ بالشرع، فإن بديهات العقل محدودة، فلا تكفي للارشاد إلي جميع المنافع و المصالح، كما أن التجربيات الحاصلة للبشر في طول التاريخ لا يكون وافية بذلك، هذا مضافاً إلي أن حاجات الإنسان لا تنحصر بالعالم المادي المشهود و أن ماوراء العالم المادي لا يكشف عادة بالعقل، و لا يكون في حيطة الحس و التجربة، فليس لكل واحد من العقل و الحس، منفرداً أو منضماً إلي الآخر، أن يحقق حوله لكشف الروابط بين ذلك العالم و بين أفعالنا و عقائدنا حتي ينتظم البرنامج الصالح لسير

الإنسان نحو ما ينفعه من سعادته في الدنيا و الآخرة.

206

لا يقال: إن الوجدان و الفطرة يكفي لذلك، لأنا نقول: إن الادراك الفطري إجمالي يحتاج إلي التفصيل، بل مستور في صميم ذات الإنسان، بحيث يحتاج إلي الكشف و الإشارة التنبيه بوساطة الأنبياء و الرسل، و لو لا ذلك لما نال إلي كثير مما يحتاج إليه كما قال تبارك و تعالي: «كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلوا عليكم آياتنا و يزكيكم و يعلمكم الكتاب و الحكمة و يعلمكم ما لم تكونوا تعلمون» (1).

فلو أهمل الإنسان مع ماله من العقل و الوجدان و التجربة، و لم يرسل الأنبياء لهم لكان لهم العذر و الحجة علي الله، لعدم تمكنهم من النيل إلي السعادة بدون وساطة الأنبياء، و لكن ارسال الرسل يقطع عذرهم و يكون الحجة لله عليهم و إليه يشير قوله عزّوجلّ: «رسلاً مبشرين و منذرين لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل و كان الله عزيزاً حكيماً» (2).

فالغاية من بعثهم و إرسالهم هو إرشاد الناس نحو مصالحهم و مفاسدهم، ليتمكنوا من اتخاذ السعادة التي خلقوا لأجلها و لئلا يكون للعصاة و الكفار حجة علي الله و غاية إرشاد الناس إلي مصالحم و مفاسدهم ملازمة مع غاية اتمام الحجة، و لا تنفك عنها و لعله لذا اكتفي المصنف بذكر الملزوم و لم يشر إلي اللازم، كما أن بعض المحققين، اكتفي بذكر اللازم و لم يذكر الملزوم و كيف كان فكلاهما من الغايات كما لا يخفي.

و منها: التنزيه و التزكية و من المعلوم أن الغرض من إرسال الرسل ليس منحصراً في مجرد التعليم، بل التزكية من الأغراض، و لإنجاز ذلك اختار الله تعالي للنبوة و الرسالة من بين الناس

عباده الصالحين و أولياءه الكاملين، بحيث يكونون اُسوة كاملة بين أبناء البشر و يسوقون الناس نحو السعادة و الكمال

- - - - - - -

1) البقرة: 151.

2) النساء: 17.

207

بأعمالهم و غير خفي أن هذا الغرض لا يحصل بمجرد نزول ما يحتاج إليه من السماء بصورة كتاب سماوي فقط، أو بنزول ذلك علي عباده المتوسطين، أو بنزول ذلك علي غير جنسهم كالملائكة؛ لأن الناس في هذه الصورة إما أن لا يجدوا الاُسوة و إما أن يزعموا أن الطهارة و التزكية من خصائص الجنس الآخر و لا يمكن للإنسان أن ينال إلي ذلك.

و لمثل هذا جعل المرسلون من جنس الإنسان، كما قال عزّوجلّ: «لقد منّ الله علي المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين» (1) و جعلهم مصطفين من الأخيار كما نص عليه في الكتاب العزيز: «واذكر عبادنا ابراهيم و اسحاق و يعقوب اُولي الأيدي و الأبصار * إنا أخلصناهم بخالصة ذكري الدار * و إنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار * و اذكر اسماعيل و اليسع و ذا الكفل و كل من الاخيار» (2).

و منها: تعليم الحكمة و المعرفة، و لا يذهب عليك أن ظاهر المصنف أن تعليم الحكمة غير الإرشاد إلي ما فيه منافعهم و مصالحهم، كما أن ظاهر قوله تعالي: «و يعلمهم الكتاب و الحكمة» هو المغايرة بين تعليم الكتاب و تعليم الحكمة، فلعل مراد المصنف من الإرشاد إلي ما فيه منافعهم و مصالحهم، هو بيان الأحكام و المقررات و التعبديات و التشريعيات المتعلقة بالأعمال و المعاملات، و المراد من الحكمة المعارف الحقة المطابقة للواقع، التي توجب

بصيرة في الاُمور والدين و ازدياداً في معرفة الله تعالي و ما يؤدي إليها كمعرفة الإمام، كما هو المستفاد من الآيات و الأخبار كقوله عزّوجلّ: «و لقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله و من يشكر فإنما يشكر لنفسه و من كفر فإن الله غني حميد» (3).

- - - - - - -

1) آل عمران: 164.

2) ص: 45 48.

3) لقمان: 12.

208

و قوله تبارك و تعالي: «يؤتي الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد اُوتي خيراً كثيراً و ما يذَّكر إلا اُولو الألباب» (1).

و كما روي عن الصادق عليه السلام: «الحكمة ضياء المعرفة و ميزان التقوي و ثمرة الصدق» (2) تفسير آلاء الرحمن: ص 237 و عنه عليه السلام: «الحكمة المعرفة و التفقه في الدين» (3) و عن النبي صلّي الله عليه و آله: «رأس الحكمة مخافة الله» (4) و عن الصادق عليه السلام: «طاعة الله و معرفة الإمام» (5) فالحكمة هي المعارف الإلهية التي تشتمل العقائد الحقّة و الاخلاق الكاملة و المعارف الحقيقية و يمكن أن يشير إليه ما ذكره العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه بقوله: «الحكمة هي القضايا الحقة المطابقة للواقع، من حيث اشتمالها بنحو علي سعادة الإنسان، كالمعارف الحقّة الإلهية في المبدأ و المعاد و المعارف التي تشرح حقايق العالم الطبيعي من جهة مساسها بسعادة الإنسان، كالحقايق الفطرية التي هي أساس التشريعيات الدينية» (6) و ما ذكره السيد عبدالله شبّر قدّس سرّه حيث قال: «الحكمة العلم النافع، أو تحقيق العلم و اتقان العمل» انتهي. كيف كان فهي أمر وراء ظواهر الأحكام و المقررات الشرعية، كما لا يخفي، كما أن النسبة بين الحكمة و الكتاب عموم من وجه، لامكان أن يكون حكمة غير مذكورة

في الكتاب، كبعض تفاصيل المعارف الحقة، كما يجوز أن يكون شيء مذكوراً في الكتاب و ليس مصداقاً للحكمة كالاجتناب عن النساء في المحيض و نحوه، كما يمكن أن يكون في الكتاب اُمور كانت من مصاديق الحكمة و أما استمعال الحكمة في الفلسفة فهو اصطلاح خاص حادث، فلا يحمل عليه

- - - - - - -

1) البقرة: 269.

3) تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 287.

4) تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 287.

5) تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 287.

6) تفسير الميزان: ج 2 ص 418.

209

الاستعمالات القرآنية و علي كل تقدير فهذه المعارف الحقة الأصيلة الإلهية مما لا يمكن النيل إليها بدون إرسال الرسل و بعث الأنبياء، كما هو واضح لمن عرفها و قاسها مع المعارف البشرية.

و منها: أداء الرسالة الاصلاحية و أنت خبير بأن المفاسد الاجتماعية من الظلم و الفحشاء و المنكرات و نحوها، ربما تكون بحيث يحتاج ازالتها و المقابلة معها إلي رسول إلهي، حتي يدعو الناس نحو الاصلاح و إقامة العدل و يدافع عن المظلومين و المحرومين؛ لأن مجرد نزول الكتاب و تعليم الأحكام و التربية و التزكية بدون المجاهدة و القيام في مقابل المفاسد الاجتماعية، غير كافٍ لدفعها و رفعها، إذ بعض النفوس الشريرة كالمترفين و المفسدين لن يتوجهوا إلي ذلك كله و يظلمون و يصدون عن سبيل الله و يفسدون النسل و الحرث، كما نشاهد ذلك في يومنا هذا في الممالك الغربية و الشرقية، التي نبذ فيها الكتب السماوية، فاللازم في أمثال ذلك هو إرسال الرسل أو الرجال الإلهية للقيام للاصلاح و هذه الغاية من مهمات الغايات.

قال الفاضل الشعراني قدّس سرّه: «ليس في طبيعة الانسان شيء أعظم قيمة و قدراً من الاستقلال

و الحرية و اقامة العدل و حفظ الحقوق و دفع الظلم و التجاوز و لذا لم ينس الناس حق الرسل الإلهية في اقامة العدل و الاستقلال و الحرية و ان نسوا كل شيء من الخدمات المدنية و المادية عن الاخرين» (1).

«لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس باقسط و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس و ليعلم الله من ينصره و رسله بالغيب أن الله قوي عزيز» (2).

كما يظهر من بعض الآيات أن كل امة من الامم الماضية، لم تخل عن

- - - - - - -

1) راجع كتاب «راه سعادت»: ص 61.

2) الحديد: 25.

210

ارسال رسول إلهي لا صلاحها، حيث قا ل تبارك و تعالي: «و لقد بعثنا في كل امة رسولاً أن اعبدوا الله و اجتنبوا الطاغوت» (1).

و من تلك الرسل موسي بن عمران علي نبينا و آله و عليه السلام حيث أرسله الله تعالي لنجاة بني اسرائيل من أيدي فرعون و أتباعه و قال عزّوجلّ: «و قال موسي يا فرعون اني رسول من رب العالمين * حقيق علي أن لا أقول علي الله إلاّ الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني اسرائيل» (2).

و يلحق بالرسالة الاصلاحية مجيء الرسل لرفع الاختلافات الدينية و التحريفات اللفظية و المعنوية بين الاُمة بعد مجيء نبي و نزول كتاب و شريعة معه، فإن اُمة الأنبياء كثيراً ما كانوا يختلفون فيما جاءهم بحيث يحتاج إلي ارسال رسول لإصلاح الاُمور الدينية و إبانة الحق من الباطل و كيف كان فأداء الرسالة الاصلاحية من الفوائد و الغايات البينة لإرسال الرسل الإلهية التي لا يجوز أن تهمل و تترك و هذه جملة من

الغايات و الفوائد للبعثة و الرسالة.

خامسها:

في نتيجة الغايات و لقد أفاد و أجاد المصنف قدّس سرّه في تبيين الغايات لإرسال الرسل و بعث الأنبياء، فإنه جعل غاية الغايات هو إمكان النيل إلي الكمال اللائق بالإنسانية و السعادة في الدارين، و هذا أحسن من تعليل إرسال الرسل باعداد السعادة الدنيوية الاجتماعية كتنظيم البلاد و الاُمور الاجتماعية؛ لأن الإنسان المحتاج إلي نبي و رسول لا ينحصر في الإنسان المدني الاجتماعي، بل كل فرد من أفراد الانسان يحتاج إلي البعثة و الرسالة، و لو كان وحيداً فريداً، حتي ينال إلي كماله اللائق به في الدنيا و الآخرة و لذا نقول بأن اللازم هو كون أول فرد من أفراد الإنسان نبياً أو مصاحباً للنبي و لا حاجة في لزوم البعثة إلي تحقق الاجتماع و التغالب كما يظهر من بعض، اللهم

- - - - - - -

1) النحل: 26.

2) الاعراف: 104 105.

211

إلاّ أن يكون مقصودهم بيان أحد موارد لزوم البعثة و إرسال الرسل، لا اختصاص مورد البعثة و إرسال الرسل بما إذا كان الاجتماع محققاً و بمثل ذلك يوجه ما في الشفاء حيث اكتفي في إثبات النبوة بحفظ النوع الإنساني، حيث قال: «فصل في إثبات النبوة و كيفية دعوة النبي إلي الله تعالي و المعاد إليه و نقول الآن: من المعلوم أن الإنسان يفارق سائر الحيوانات بأنه لا يحسن معيشته لو انفرد وحده شخصاً واحداً، يتولي تدبير أمره من غير شريك يعاونه علي ضروريات حاجاته و أنه لابد من أن يكون الإنسان مكفياً بآخر من نوعه، يكون ذلك الامر (الاخر) أيضاً مكفياً به و بنظيره، فيكون هذا مثلاً يبقل لذلك و ذاك يخبز لهذا و هذا مخيط للآخر، و الآخر

يتخذ الإبرة لهذا، حتي إذا اجتمعوا كان أمرهم مكفياً و لهذا ما اضطروا إلي عقد المدن و الاجتماعات إلي أن قال: فإذا كان هذا ظاهراً، فلابد من وجود الإنسان و بقائه من مشاركة، و لا يتم المشاركة إلاّ بمعاملة، فلابد من وجود الإنسان و بقائه من مشاركة، و لا يتم المشاركة إلاّ بمعاملة، كما لابد في ذلك من سائر الأسباب التي تكون له، و لا بد من المعاملة من سنة و عدل، و لابد للسنة و العدل من سانّ و معدل، و لابد من أن يكون هذا بحيث يجوز أن يخاطب الناس و يلزمهم السنة و لابد من أن يكون هذا إنساناً، و لا يجوز أن يترك الناس و آراءهم في ذلك، فيختلفون و يري كل منهم ماله عدلاً و ما عليه ظلماً، فالحاجة إلي هذا الإنسان في أن يبقي نوع الناس و يتحصل وجوده أشد من الحاجة إلي إنبات الشعر علي الأشفار و علي الحاجبين و تقعير الأخمص من القدمين و أشياء اُخري من المنافع التي لا ضرر فيها في البقاء، بل أكثر مالها أنها تنفع في البقاء و وجود الإنسان الصالح لا ضرر فيها في البقاء، بل أكثر مالها أنها تنفع في البقاء و وجود الإنسان الصالح لأن يسن و يعدل ممكن، كما سلف منا ذكره، فلا يجوز أن يكون العناية الاُولي تقتضي تلك المنافع و لا تقتضي هذه التي هي اُسها» (1).

- - - - - - -

1) الإلهيات من كتاب الشفاء: ص 556 و ص 242 و 441 من طبع مصر.

212

إذ الاكتفاء بذلك في تعليل الرسالة في قوة حصرلزوم الرسالة و البعثة في الإنسان الاجتماعي، مع أنه محتاج إليها قبل صيرورته

اجتماعياً كما عرفت، علي أنه إهمال لأمر آخرته؛ لأن تمام الكلام عليه في بقاء النوع الإنساني في الدنيا، بحيث يصل حق كل ذي حق إليه، و لا توجه فيه إلي سعادته الاُخروية، هذا مضافاً إلي أن النبوة و الرسالة مقام عظيم تكون الحكومة و إقامة العدل شأناً من شؤونه، فلا ينبغي حصرها فيها كما لا يخفي و لذا قال في «العقائد الحقة» بعد نقل الطريق المذكور عن الحكماء: «و العجب قصر النظر في هذا البيان إلي اصلاح معاش الناس و عدم التوجه إلي الآخرة، مع أن الدنيا دار المجاز و الآخرة دار القرار» (1).

نعم ربما يقال: إن البحث عن النبوة حيث كان قبل اثبات المعاد و مقدماً عليه فلا مجال في مقام اثبات النبوة لمراعات سعادة الانسان في المعاد و عليه فالاحسن هو طريقة الشيخ و غيره من الفلاسفة في إثبات النبوة، و لكن الجواب عنه بكفاية احتمال وجود الآخرة في جواز ملاحظة السعادة الاُخروية في الدليل الذي اُقيم لإثبات النبوة بأن يقال مثلاً: إن الإنسان الذي يحتمل أن يكون له وجود أبدي و له معاد اُخروي و السعادة الابدية كيف يمكن أن يهتدي بنفسه إلي طريق السلوك، بل يحتاج إلي تعليمات سماوية هذا مضافاً إلي إمكان جعل شيء متأخر اصلاً موضوعياً في البحث المتقدم كما لايخفي.

سادسها:

في أمر تعيين النبي و الرسول و قد صرح المصنف بكونه بيدالله تعالي حيث قال: «كما نعتقد أنه تعالي لم يجعل للناس حق تعيين النبي أو ترشيحه أو انتخابه و ليس لهم الخيرة في ذلك، بل أمر كل ذلك بيده تعالي؛ لأنه أعلم حيث يجعل رسالته» و هو واضح؛ لأن التعيين أو الانتخاب فرع علم

- - - - -

- -

1) العقائد الحقة: ص 11 12.

213

المعين به وجود من يصلح للنبوة و الرسالة، مع أنه لا عل لاحد بذل إلاّ بتعيين الله تعالي، مع اقامة البينات و المعجزات، كما أنه لا مجال لتربيته؛ لأن تأديب شخص للنبوة لا يتأتي عن الناس، الذين لا يعلمون بموقع النبوة و الرسالة، فالنبوة و الرسالة سفارة إلهية تتعين من ناحية تعالي، و لا سبيل للعلم بها إلاّ من جانبه تعالي.

و أيضاً بعد تعيين الله تعالي لا خيرة لغيره فيما اختاره الله عزّوجلّ؛ لأنه أعلم بمن يكون قابلاً لذلك المقام، فعلي الناس الطاعة و التبعية.

و بالجملة إن النبوة سفارة و النبي سفير و أمر السفير لا يكون إلاّ بيد من أرسله و لا خيرة لأحد فيه.

قال الصادق عليه السلام في جواب زنديق سأله من أين أثبت الأنبياء و الرسل؟ قال: «إنا لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا و عن جميع ما خلق و كان ذلك الصانع حكيماً متعالياً لم يجز أن يشاهده خلقه، و لا يلامسوه، فيباشرهم و يباشروه و يحاجهم و يحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه، يعبرون عنه إلي خلقه و عباده و يدلونهم علي مصالحم و منافعهم و ما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون و الناهون عن الحكيم العليم في خلقه و المعبرون عنه جل و عز، وهم الأنبياء عليهم السلام و صفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين بها، غير مشاركين للناس علي مشاركتهم لهم في الخلق و التركيب في شيء من أحوالهم، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة، ثم ثبت ذلك في كل دهر و زمان مما أتت به الرسل و الأنبياء من الدلائل و البراهين، لكي لا تخلو

أرض الله من حجة يكون معه علم يدل علي صدق مقالته و جواز عدالته» (1).

- - - - - - -

1) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 168.

214

قال المحقق اللاهيجي في ذيل الرواية: «فليعلم أن هذا الكلام الشريف مع و جازته و اختصاره، يحتوي خلاصة الآراء و الأنظار من الحكماء السابقين و العلماء اللاحقين، بل فيه اشارات إلي حقائق لم يصل إليها منتهي نظر أكثر المتكلمين، و لو سمعها الفلاسفة الأقدمون لأقروا بإعجاز هذا الكلام الالهي» (1).

- - - - - - -

1) راجع گوهر مراد: ص 253.

2 النبوة لطف

2 النبوة لطف

إن الإنسان مخلوق غريب الأطوار، معقد التركيب في تكوينه و في طبيعته و في نفيسته و في عقله، بل في شخصية كل فرد من افراده و قد اجتمعت فيه نوازع الفساد من جهة و بواعث الخير و الصلاح من جهة اُخري، فمن جهة قد جبل علي العواطف و الغرائز، من حب النفس و الهوي و الأثرة و إطاعة الشهوات و فطر علي حب التغلب و الاستطالة و الإستيلاء علي ما سواه و التكالب علي الحياة الدنيا و زخارفها و متاعها كما قال تعالي: «إن الإنسان لفي خسر» و «إن الإنسان ليطغي. إن رآه استغني» و «إن النفس لأمارة بالسوء» إلي غير ذلك من الآيات المصرحة و المشيرة إلي ما جبلت عليه النفس الإنسانية من العواطف و الشهوات.

ومن الجهة الثانية خلق الله تعالي فيه عقلاً هادياً يرشده إلي الصلاح و مواطن الخير و ضميراً وازعاً يردعه عن المنكرات و الظلم و يؤنبه علي فعل ما هو قبيح و مذموم.

216

و لا يزال الخصام الداخلي في النفس الإنسانية مستمراً بين العاطفة و العقل، فمن يتغلب عقله علي عاطفته

كان من الأعلين مقاماً و الراشدين في انسانيتهم و الكاملين في روحانيتهم.

و من تقهره عاطفته كان من الأخسرين منزلة و المتردين إنسانية و المنحدرين إلي رتبة البهائم.

و أشد هذين المتخاصمين مراساًعلي النفس هي العاطفة و جنودها.

فلذلك تجد أكثر الناس منغمسين في الضلالة و مبتعدين عن الهداية باطاعة الشهوات و تلبية نداء العواطف «و ما أكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين».

علي أن الإنسان لقصوره و عدم اطلاعه علي جميع الحقائق و أسرار الأشياء المحيطة به، و المنبعثة من نفسه، لا يستطيع أن يعرف بنفسه كل ما يضرة و ينفعه، و لا كل ما يسعده و يشقيه، لا فيما يتعلق بخاصة نفسه و لا فيما يتعلق بالنوع الإنساني و مجتمعه و محيطه، بل لا يزال جاهلاً بنفسه و يزيد جهلاً أو ادراكاً لجهله بنفسه لكما تقدم العلم عنده بالاشياء الطبيعية و الكائنات المادية.

و علي هذا فالإنسان في أشد الحاجة ليبلغ درجات السعادة، إلي من ينصب له الطريق اللاحب و النهج الواضح إلي الرشاد و اتباع الهدي، لتقوي بذلك جنود العقل حتي يتمكن من التغلب علي خصمه اللدود اللجوج عند ما يهيء الانسان نفسه لدخول المعركة الفاصلة بين العقل و العاطفة.

و أكثر ما يشتد حاجته إلي من يأخذ بيده إلي الخير و الصلاح عندما تخادعه العاطفة و تراوغة، و كثيراً ما تفعل فتزين له أعماله و تحسن لنفسه انحرافاتها، إذ تريه ما هو حسن قبيحاً، أو ما هو قبيح حسناً،

217

و تلبس علي العقل طريقه إلي الصلاح و السعادة و النعيم، في وقت ليس له. تلك المعرفة التي تميز له كل ما هو حسن و نافع و كل ما هو قبيح و ضار و كل واحد منا صريع لهذه

المعركة من حيث يدري و لا يدري إلاّ من عصمه الله.

و لأجل هذا يعسر علي الإنسان المتمدن المثقف، فضلاً عن الوحشي الجاهل، أن يصل بنفسه إلي جميع طرق الخير و الصلاح و معرفة جميع ما ينفعه و يضره في دنياه و آخرته، فيما يتعلق بخاصة نفسه أو بمجتمعه و محيطه، مهما تعاضد مع غيره من أبناء نوعه، ممن هو علي شاكلته و تكاشف معهم و مهما أقام بالاشتراك معهم المؤتمرات و المجالس و الاستشارات فوجب أن يبعث الله تعالي في الناس رحمة لهم و لطفاً بهم «رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة» و ينذرهم عما فيه فسادهم و يبشرهم بما فيه صلاحهم و سعادتهم.

إنما كان اللطف من الله تعالي واجباً فلأن اللطف بالعباد من كماله المطلق و هو اللطيف بعباده و الجواد الكريم، فإذا كا المحل قابلاً و مستعداً لفيض الوجود و اللطف، فإنه تعالي لابد أن يفيض لطفه، إذ لا بخل في ساحة رحمته، و لا نقص في جوده و كرمه.

و ليس معني الوجوب هنا أن أحداً يأمر بذلك فيجب عليه أن يطيع تعالي عن ذلك، بل معني الوجوب في ذلك هو كمعني الوجوب في قولك: إنه واجب الوجود (أي اللزوم و استحالة الانفكاك) (1)

- - - - - - -

(1) هنا مطالب، الأول: أن حاجة الإنسان إلي الرسل و الأنبياء من

218

جهات مختلفة و قد عرفت الاشارة و التنبيه عليها و حيث أراد المصنف إثبات لزوم اللطف في المقام، قال ما حاصله: إن النبوة لطف و اللطف لازم كماله و صفاته، فالنبوة لازمة.

ثم أعاد الكلام في نبيين حاجة الإنسان إلي الرسل و الأنبياء، لأن يتضح صغري القياس و

حيث كان غاية الغايات من إرسال الرسل عنده، هو بلوغ الإنسان إلي درجات السعادة، لاحظ سبيل تزكية الإنسان و شرع من أن الإنسان مركب من نوازع مختلفة، نوازع خير و نوازع فساد و بين تلك النوازع منازعة، و لا يزال تخادع الأميال و الأهواء مع دواع الخير، من دون مساواة بينهما، فإن الأولي فعلية بفعلية أسبابها كدعوة الشيطان و من تبعه نحو الفساد، بخلاف الثانية فإنه ل سبب لفعليتها نوعاً لو لم يكن نبي أو رسول أو إمام و من تبعهم، و من المعلوم ان وجود النبي أو الرسول أو الإمام في تلك المنازعة الغير المتساوية من أوضح الألطاف، فإنهم يزيدون في معرفة الناس بالله و المعاد و المعارف لاحقة، إلي أن تصير دواعي الخير و الصلاح، قبال نوازع الفساد فعلية متعادلة و يؤكدون ذلك بالتبشير و التنذير، و الوعد و الوعيد و يثيرون الفطرة و العقول من القوة إلي الفعلية، إلي أن لا يسلك سبيل الفساد و الضلالة إلاّ الشقي.

قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: «فبعث فيهم رسله و واتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته و يذكروهم منسي نعمته و يحتجوا عليهم بالتبليغ و يثيروا لهم دفائن العقول و يروهم آيات المقدرة من سقف فوقهم مرفوع و مهاد تحتهم موضوع» (1).

هذا مضافاً إلي أن وجود الأنبياء و الرسل اُسوة في الكمالات الإنسانية و له

- - - - - - -

1) نهج البلاغة: صبحي صالح، الخطبة 1، ص 43.

219

سهم كبير في فعلية دواعي الخير في نفوس الناس و جذبهم نحو السير و السعي نحو الكمال، كما لا يخفي.

هذا كله تمام الكلام في الصغري و أما الكبري فسيأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالي.

الثاني:

في معني كون

البعث و إرسال الرسل رحمة و لطفاً في حق العباد. فاعلم أن المراد من كون ذلك لطفاً ليس إلاّ ما يتمكن به الإنسان، من سلوك اختياري في طريق السعادة، إذ بدون هذا اللطف لا يعلم الطريق حتي يسلكه و يجتنب عن طريق السعادة، إذ بدون هذا اللطف لا يعلم الطريق حتي يسلكه و يجتنب عن طريق الضلالة، فالبعث و إرسال الرسل هو اللطف الممكن الذي لا يستغني عنه الإنسان أصلاً، لا ما اصطلح في علم الكلام فإن المراد منه هو اللطف المقرب لا الممكن و لذا عرفوه بأنه مايقرب العبد إلي الطاعة و يبده عن المعصية، و لا حظ له في التمكين، و لا يبلغ الالجاء و مثلوا له بمن دعا غيره إلي طعام و هو يعلم أنه مع كونه مكلفاً بالإجابة و متمكناً من الامتثال لا يجيبه إلاّ أن يستعمل معه نوعاً من التأدب المذكور يقرب المكلف إلي الامتثال و يبعده عن المخالفة، فإذا كان للداعي غرض صحيح في دعوته، يجب عليه التأدب المذكور تحصيلاً لغرضه و إلاّ نقض غرضه الصحيح و هو قبيح عن الحكيم.

و من المعلوم ان الإنسان بالنسبة إلي سلوك طريق السعادة و الاجتناب عن طريق الضلالة، ليس كالمدعو الذي ذكر في المثال متمكناً عن الإجابة و الامتثال، فإن الإنسان لا يعلم بجميع ما يصلح له و ما يضره إلاّ بالعثة و إرسال الرسل، فجعل البعث و إرسال لطفاً بالمعني المذكور في الكلام، تنازل عن درجة الحاجة إلي البعثة بلا وجه، إذ حاجة الإنسان إليها أشد و أزيد من ذلك.

و عليه فلا مورد لتعبير المصنف حيث قال في بيان الحاجة إلي البعثة:

220

«و لأجل هذا يعسر علي الإنسان المتدن المثقف، فضلاً عن

الوحشي الجاهل، أن يصل بنفسه إلي جميع طرق الخير و الصلاح، الخ» فإنه مع عدم العلم بالطريق لا يتمكن من الوصول، لا أنه يتمكن و لكن يعسر عليه فلا تغفل.

الثالث:

في وجوب لطف و لزومه و هو كبري القياس، و لا يخفي عليك أن الأدلة الدالة علي وجوبه متعددة.

منها: ما أشارإليه في المتن من برهان الخلف، فإن اللطف مقتضي كونه تعالي كمالاً مطلقاً، فإذا كان المحل قابلاً و مستعداً لذلك الفيض، كما هو المفروض، فإنه تعالي لابد أن يفيض لطفه، إذ لا بخل في ساحة رحمة، و لا نقص في جوده و كرمه، و لا مصلحة في منعه و إلاّ لزم الخلف في كونه كمالاً مطلقاً، أو عدم حاجة الإنسان إلي البعثة و كلاهما ممنوعان.

و بعبارة اُخري: إن حاجة الإنسان إلي البعثة كما عرفت، أشد من الحاجة إلي كل شيء آخر، كانبات الشعر علي الاشفار و علي الحاجبين و تقعير الأخمص من القدمين و غير ذلك، فإن الإنسان بدون البعثة لا يتمكن من السلوك نحو الكمال اللائق به، و النيل إلي السعادة في الدارين.

فحينئذٍ نقول كما قال الشيخ أبو علي بن سينا: فلا يجوز أن يكون العناية الاُولي و علمه تعالي بنظام الخير، تقتضي تلك المنافع، و لا تقتضي هذه التي هي اُسها، مع أنه لا مانع من وجود الأنبياء و الرسل، لتعليم الناس ما يصلحهم و ما يضرهم و لتزكيتهم و سوقهم نحو سعادتهم في الدينا و الآخرة، بل مقتضي كماله و علمه و قابليتة المحل و عدم وجود المانع، هو الاقتضاء المذكور و الافاضة و إلاّ لزم الخلف في كونه عالماً بنظام الخير و كمالاً مطلقاً، هذا مضافاً إلي لزوم تكليف الناس بما لا

يطيقون، من السلوك نحو السعادة و الكمال في الدارين، من دون ايجاد شرطه و إلي نقض الغرض من خلقة الإنسان للاستكمال و النيل إلي السعادة، مع عدم اعداد مقدماته و من المعلوم أنهما لا يصدران عن الكمال

221

المطلق، و إلاّ لزم الخلف في كونه كمالاً مطلقاً.

و منها: ما استدل به في علم الكلام من نقض الغرض و تحصيله. قال المحقق الطوسي قدّس سرّه: «و اللطف واجب لتحصيل الغرض به». قال العلاّمة الحلي قدّس سرّه في شرحه: «والدليل علي وجوبه أنه يحصل غرض المكلف، فيكون واجباً و إلاّ لزم نقض الغرض. بيان الملازمة: أن المكلف إذا علم أن المكلف لا يطيع إلاّ باللطف، فلو كلفه من دونه، كان ناقضاً لغرضه، كمن دعا غيره إلي طعام و هو يعلم أنه لا يجيبه إلاّ إذا فعل معه نوعاً من التأديب، فإذا لم يفعل الداعي ذلك النوع من التأدب، كان ناقضاً لغرضه، فوجوب اللطف يستلزم تحصيل الغرض» (1).

قال المحقق اللاهيجي في تقريبه: «إن ترك اللطف نقض للغرض و نقض الغرض قبيح، فترك اللطف قبيح» (2) و هو تعالي لا يفعل القبيح. ثم لا يخفي عليك أن مبني الدليل المذكور هو الحسن و القبح العقليين، كما أن مبني الدليل الذي ذكره المصنف هو برهان الخلف.

و منها: ما استدل به المحقق اللاهيجي قدّس سرّه من وجوب الأصلح فيما إذا لم يكن منافياً لمصلحة كل النظام، لأن علمه تعالي يقتضي وقوع النظام علي أتم وجوهه، لأنه مبدأ كل خير و لا مانع منه (3)

و تقريب ذلك الدليل بأن يقال: إن اللطف علي الأقل أصلح، فيما إذا لم يكن منافياً لمصلحة كل النظام، كما هو المفروض في البعثة و ارسال الرسل، و الأصلح مما

يقتضيه علمه تعالي؛ لأنه مبدأ كل خير، و لا مانع منه، فاللطف مما يقتضيه، و لابد من وقوعه، و إلاّ لزم الخلف في كون علمه تعالي يقتضي وقوع النظام علي أتم وجوهه و هذا التقريب يقرب من التقريب الأول الذي أشار

- - - - - - -

1) شرح تجريد الاعتقاد: ص 324 325 الطبعة الحديثة.

2) سرمايه ايمان: ص 79 الطبعة الحديثة.

3) گوهر مراد: ص 250.

222

إليه المصنف كما لا يخفي.

و هنا تقريب آخر عن المحقق اللاهيجي أيضاً و هو: أنه إذا لم يكن للأصلح مانع مع وجود داعيه، لكان الإمساك عن الاصلح و افاضة غير الأصلح قبيحاً؛ لأن ترك الأصلح و أخذ غير الأصلح مذموم عقلاً، فنقول بطريق القياس الاستثنائي: إذا كان ترك الأصلح قبيحاً، كان وجود الأصلح واجباً، و لكن ترك الأصلح قبيح فيكون وجود الأصلح واجباً (1).

بل هنا تقريب خامس و هو: أنه إذا لم يكن للأصلح مانع مع وجود داعيه، لكان الامساك عن الأصلح و إفاضة غير الأصلح ممتنعاً؛ لأنه ترجيح للمرجوع و هو ممتنع؛ لأنه يرجع إلي ترجح من غير مرجح و إليه أشار المحقق اللاهيجي في ضمن التقريب السابق فراجع (2).

ولا يخفي أن الصغري ليس كل أصلح و لو كان مقروناً بالمانع، بل الأصلح الخاص و هو الذي لا يكون مقروناً بالمانع مع وجود داعيه و بهذا التقييد المذكور لا يرد عليه شيء من الايرادات و بقيه الكلام في محله (3).

و إرسال الرسل سواء كان ممكناً كما قلنا أو مقرباً أو أصلح، واجب بالتقريبات المذكورة فتدبر جيداً.

الرابع:

في عمومية مقتضي البرهان، إذ برهان اللطف سواء كان بمعناه الفلسفي أو الكلامي، يقتضي لزوم اتمام الحجة علي الناس و ارشادهم و تزكيتهم في جميع

الأدوار و الأمكنة و لذا نعلم بأن ذلك لا يختص بمناطق الحجاز و الشامات و العراق و ايران و نظائرها، إذ التكليف أو الغرض و هو نيل الإنسان إلي كماله اللائق به و السعادة في الدارين، لا يختص بقوم دون قوم، بل كل مكلفون و منذرون، كما نص عليه في قوله عزّوجلّ: «إنا أرسلناك بالحق بشيراً

- - - - - - -

1) سرمايه ايمان: ص 81.

2) سرمايه ايمان: ص 81.

3) سرمايه ايمان: ص 81.

223

و نذيراً و إن امة إلاّ خلا فيها نذير» (1). حيث أفادت الآية الكريمة أن لكل جامعة من الجوامع البشرية نذيراً. نعم، القدر المتيقن منها، هي الجامعة التي لا يمكن لهم الارتباط بالجامعة الاُخري، بحيث لو اكتفي بارسال الرسول في غيرها لا يبلغهم دعوة النبي المرسل و لا يمكنهم الاطلاع من دعوته.

و عليه فنعلم بشمول دعوة الرسل لجميع أقطار الأرض و أدوار التأريخ و إن لم نعلم تفصيل ذلك فانقدح مما ذكر أن دعوي عدم شمولها لبعض القارات كقارة أمريكا مجازفة.

و لقد أفاد و أجاد الإمام البلاغي قدّس سرّه في الجواب عمن أنكر شمول دعوة الأنبياء لبعض القارات بقوله:

«ما كنت أظن أحداً يقدم علي هذه الدعوي النافية بالكلية إلاّ أن يستند فيها إلي إخبار نبوي، أو يدعي النبوة، أو أنه إله متجسد، فإن دعوي العلم بمثل هذا النفي، لا يكفي فيها الجهل، فما هي الحجة القاطعة علي هذه الدعوي الكبيرة؟ و لا يحسن التشبث لها بخلو التوراة الرائحة من ذكر أمريكا و نبواتها و ذلك لجواز أن لا تكون أمريكا مسكونة في زمان موسي، بل اتفق العبور إليها من جزائر اليابان أو من بوغازبيرين أو غير ذلك، كما ذكر عبور جماعة من

«ايسلاند» إلي «كرينلاند» من أمريكا في القرن الثامن أو التاسع للمسيح، أو لأن ذكر أمريكا و نبواتها لم يدخل في حكمة التوراة الأصلية إلي أن قال: و لا يمكن التشبث بخلو القرآن الكريم من ذلك، فإن التصريح بذكر أمريكا و نبواتها مما ينافي حكمة القرآن الكريم و مداراته لجهل الناس، ولكنه بعد أن ذكر الرسل قال في سورة النساء المدينة الآية 162: «و رسلاً قد قصصناهم من قبل و رسلاً لم نقصصهم عليك» كما قال في سورة المؤمن المكية الآية 78: «و لقد

- - - - - - -

1) فاطر: 24.

224

أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك و منهم من لم نقصص عليك» فالقرآن صريح بأنه لم يستوعب ذكر الرسل.

ألا و أن المؤمن الذي يعترف لله بعموم الرحمة و قيام الحجة، لابد له من أن يذعن اجمالاً بعموم الرحمة و قيام الحجة علي أهل أمريكا و إن لم يعرف وجه ذلك تفصيلاً و أن التاريخ يذكر عن قارة أمريكا بنوعها و أقطارها قبل انكشافها شيئاً من التدين بالإلهية و العبادة و الصلاة و الصوم و المعمودية، و الإعتماد علي المخلص و التخليص من الجحيم و اغواء الشيطان و بقاء النفس بعد الموت و غير ذلك من التقاليد كما في المكسيك و البيرو و البرازيل و كندا و مايانوا كاتلن و الاير و كويسبين و أديسيوا و الاحبوايو و نوع أمريكا و هذا يقوي الظن بأن مادة هذه التعاليم و الديانات إنما هي من دعوة نبوية رسولية نشأت في قارتهم أو بلغتهم من قارة اُخري، و لكن الاهواء شوهت صورتها بتلويث التوحيد بالتثليث و العبادة الأصنامية و تأليه البشر و يلزم من هذه الأهواء تبديل

الشريعة كما هي العادة الأهوائية و ابتلاء الأديان بعواصفها الوبئية إلي أن قال: ثم إن كان نظر الكلام إلي بلوغ دعوة الإسلام إلي أمريكا، فلا يعلم تأخره إلي حين اكتشافها و من الممكن بلوغ الدعوة حينما ارتبطت «كرينلاند» بحماية تزوج و كثرة تردد أهل الشمال اليهما كما يقال، و لا يلزم في بلوغ الدعوة وصول مبشريها، بل يكفي في بلوغها و قيام الحجة في لزوم النظر في أمرها مجرد وصول خبرها و إن كان من جاحديها، و لو قلنا بتأخير بلوغها إلي أمريكا إلي حين اكتشافها، لم يلزم من ذلك إلاّ كون الفترة عندهم، أكثر من الفترة في أقطار القارات الاُخري حسبما اقتضته حكمة الله في الإرسال و سير الدعوة بالمسري الطبيعي العادي في الأقطار» (1) و هو حسن، و لكن كلامه الأخير لا يخلو عن

- - - - - - -

1) انوار الهدي: ص 124.

225

التأمل و الاشكال، فإن الفترة بدون حجة الله ممنوعة.

نعم هنا احتمالات اُخر: أحدها: أن يكون من سكن فيها من نسل من خرج عن دار الإيمان إلي دار الكفر، ثم اتفق عبوره إليها و سكن فيها بالاختيار أو الاضطرار، فإنه عصي بخروجه عن دار الإسلام التي يمكن إقامة شعائر الايمان فيها و من خرج عمداً عنها إلي دار الكفر التي لا يمكن له إقامة شعائر الايمان فيها، لا يستحق بعصيانه أن يأتيه دعوة الأنبياء و هذا الحرمان أمر يتحقق من نفسه في حق نفسه و في حق نسله، فهو ظالم لنفسه و لنسله في هذا الحرمان.

و ثانيها: أنه كانت هذه القارة متصلة بقارة اُخري التي جاءتهم دعوة النبي، ثم انفصلت عنها، كما احتمل ذلك في علم الجغرافية علي المحكي، فتأمل.

و ثالثها:

أنه جاءهم الأنبياء و الحجج، و لكن قتلوهم و لم يقبلوهم و كيف ما كان، فلا مجال لدعوي نقض البرهان بمثل هذا، فإن غايته أنه مجمل و لا يرفع اليد عن المعلوم بالمجمل، بل يحمل المجمل علي المبين.

3 عقيدتنا في معجزة الانبياء

3 عقيدتنا في معجزة الانبياء

نعتقد أنه تعالي إذ ينصب لخلقه هادياً و رسولاً، لابد أن يعرفهم بشخصه و يرشدهم إليه بالخصوص علي وجه التعيين، و ذلك منحصر بأن ينصب علي رسالته دليلاً و حجة يقيمها لهم، إتماماً للّطف و استكمالاً للرحمة.

و ذلك الدليل لابد أن يكون من نوع لا يصدر إلاّ من خالق الكائنات و مدبر الموجودات (أي فوق مستوي مقدور البشر) فيجريه علي يدي ذلك الرسول الهادي، ليكون معرفاً به و مرشداً إليه.

و ذلك الدليل هو المسمي ب «المعجز أو المعجزة» لأنه يكون علي وجه يعجز البشر عن مجازاته و الإتيان بمثله.

و كما أنه لابد للنبي من معجزة يظهر بها للناس لإقامة لحجة عليهم، فلابد أن يكون تلك المعجزة ظاهرة الإعجاز بين الناس، علي وجه يعجز عنها العلماء و أهل الفن في وقته، فضلاً عن غيرهم من سائر الناس، مع اقتران تلك المعجزة بدعوي النبوة منه، لتكون دليلاً علي مدعاه و حجة بين يديه، فإذا عجز عنها أمثال اُولئك علم أنها فوق مقدور البشر و خارقة

227

للعادة، فيعلم أن صاحبها فوق مستوي البشر بما له من ذلك الاتصال الروحي بمدبر الكائنات.

و إذا تم ذلك لشخص من ظهور المعجز الخارق للعادة، وادعي مع ذلك النبوة و الرسالة، يكون حينئذٍ موضعاً لتصديق الناس بدعواه و الايمان برسالته، و الخضوع لقوله و أمره، فيؤمن به من يؤمن و يكفر به من يكفر.

و لأجل هذا وجدنا أن معجزة كل نبي تناسب

ما يشتهر في عصره من العلوم و الفنون، فكانت معجزة موسي عليه السلام هي العصا التي تلقف السحر و ما يأفكون، إذ كان السحر في عصره فناً شائعاً، فلما جاءت العصا بطل ما كانوا يعملون و علموا أنها فوق مقدورهم و أعلي من فنهم و أنها مما يعجز عن مثله البشر و يتضاءل عندها الفن و العلم و كذلك كانت معجزة عيسي عليه السلام و هي ابراء الأكمه و الأبرص و إحياء الموتي، إذ جاءت في وقت كان فن الطب هو السائد بين الناس و فيه علماء و أطباء لهم المكانة العليا فعجز علمهم عن مجاراة ما جاء به عيسي عليه السلام.

و معجزة نبينا الخالدة هي القرآن الكريم، المعجز بلاغته و فصاحته في وقت كان فن البلاغة معروفاً و كان البلغاء هم المقدمون عند الناس، بحسن بيانهم و سمو فصاحتهم فجاء القرآن كالصاعقة، أذلهم و أدهشهم و أفحمهم، إنهم لا قبل لهم به فخنعوا له مهطعين عندما عجزوا عن مجاراته و قصروا عن اللحاق بغباره و يدل علي عجزهم أنه تحداهم باتيان عشر سور مثله، فلم يقدروا، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله

228

فنكصوا و لما علمنا عجزهم عن مجاراته مع تديه لهم و علمنا لجوءهم إلي المقاومة بالسنان دون اللسان علمنا أن القرآن من نوع المعجز و قد جاء به محمد بن عبدالله صلّي الله عليه و آله مقروناً بدعوي الرسالة فعلمنا أنه رسول الله جاء بالحق و صدق به صلّي الله عليه و آله (1) ينبغي هنا ذكر اُمور:

أحدها:

أن الإعجاز في اللغة بمعني فعل أمر يعجز الناس عن الإتيان بمثله و في الاصطلاح كما هو في تجريد الاعتقاد: ثبوت ما ليس بمعتاد، أو

نفي ما هو معتاد مع خرق العادة و مطابقة الدعوي (1) راجع تجريد الاعتقاد: ص 350 الطبعة الحديثة..

قال الفاضل الشعراني في شرح العبارة: «أن المراد من ذكر خرق العدة هو اخراج نوادر الطبيعية كالطفل الذي له ثلاثة أرجل، فإن النوادر و إن كانت خلاف المعتاد ولكنها موافقة للعادة في الجملة، إذ قد يتفق وقوعها، هذا بخلاف المعجزات، فإنها مما لم يتفق وقوعها في الطبيعة و إنما أوجدها الله تعالي تصديقاً للنبي، فالمعجزة ثبوت ما ليس بمعتاد مع خرق العادة كصيرورة عصا موسي ثعباناً، أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة كعجز شجاع في حال شجاعته و سلامته عن رفع سيف مثلاً، فإنهما مما لا يتفق عادة كما لا يخفي» (2).

ثم إن المراد من مطابقة الدعوي، هو أن اطلاق الاعجاز بحسب الاصطلاح فيما إذا وقع خارق العادة عقيب دعوي النبي بعنوان شاهد صدق لدعواه و إلاّ فإن إذا وقع خارق العادة عقيب دعوي النبي بعنوان شاهد صدق لدعواه و إلاّ فإن لم يكن له دعوي أصلاً فلا اعجاز، نحوما يظهر من الأولياء من دون دعوي للنبوة أو الإمامة، فإنه كرامة أو ارهاص و لذا اشترطوا في اطلاق الاعجاز

- - - - - - -

(1) راجع تجريد الاعتقاد: ص 350 الطبعة الحديثة.

2) ترجمة و شرح تجريد الاعتقاد: ص 448.

229

التحدي، كما انه إن كانت الدعوي متحققة، و لكن خارق العادة لا يكون مطابقاً لما ادعاه، فلا اعجاز، لأنه حينئذٍ يكون شاهد كذب المدعي، كما حكي في المسيلمة الكذاب، حيث إنه أراد ازدياد ماء البئر ليكون معجزاً علي دعواه، فتفل فيه فصار ماؤه غائراً.

ثم إن المراد من اشتراط التحدي، هو أن يكون المعجز عقيب دعوي النبي و مطالبته

للمقابلة، أو الجاري مجري ذلك و نعني بالجاري مجري ذلك هو أن يظهر دعوة النبي بحيث لا يحتاج إلي اعادتها، بل يكتفي فيه بقرائن الأحوال كما صرح به العلاّمة المجلسي رحمه الله حيث قال: «و من جملة الشرائط هو أن يكون مقروناً باتحدي و لا يشترط التصريح، بل يكفي قرائن الاحوال».

ثم علم ذكر، خروج ما يظهر من السحرة، من حقيقة الاعجاز، فإن تلك الاُمور ليست بخارقة للعادات، فإن لها أسباباً خاصة خفية يمكن تعلمها و سلوكها بحسب العادة، كما يشهد له وجود السحرة و أهل الشعبدة في كل عصر و زمان كما لا يخفي.

و هكذا خرج عن التعريف ما قد يري من الكهنة أو المرتاضين فإن تحصيل ذلك بالرياضة و نحوها ممكن عادة و لذا يكون معارضتهم في كل عصر و زمان ممكنة.

فهذه الاُمور خارجة بنفسها عن التعريف، فلا حاجة إلي اضافة قيد آخر للاحتراز عنها كما زعمه بعض المحققين و زاد في التعريف قيوداً اُخري لا يحتاج إليها، حيث قال: «إن المعجزة هو فعل علي خلاف مجاري العادة و الطبيعة، متكئاً علي قدرته تعالي و طريق معرفتها هو العلم بأنه لا يكون صادراً من جهة التعلم و التعليم، و لا يصير مغلوباً عن ناحية اُخري» فإنه بعد تحقق العلم بكون ما يظهر منه خارقاً للعادة، لا حاجة إلي القيد الأخير في كلامه «و طريق معرفتها هو العلم بأنه لايكون صادراً من جهة التعلم، الخ» إذ هو بالعلم بكونه خارق

230

العادة حاصل و أما قيد الاتكاء علي قدرته تعالي، فهو أيضاً حاصل بقاعدة اللطف، بعد ظهور ما يعجز عنه الناس بيد مدعي النبوة إذ لو كان كاذباً وجب عليه تعالي تكذيبه و إلاّ لزم الاغراء إلي

الضلالة و هو قبيح عنه تعالي، بل محال، فمجرد إظهار المعجزة في يد مدعي النبوة مع التحدي، يكفي لحصول العلم بأنه من ناحية الله تعالي فلا تغفل.

و أما عدم المغلوبية فهو لازم كون ما صدر عن النبي صلّي الله عليه و آله و سلّم خارق العادة فلا حاجة إلي أخذه في التعريف أيضاً.

ثم لا يخفي عليك أن العلاّمة الحي قدّس سرّه زاد شروطاً اُخر لتمامية الاعجاز و قال: لابد في المعجز من شروط (1).

الأول:

أن يعجز عن مثله أو يقربه الاُمة المبعوث إليها، و لكن أورد عليه الفاضل الشعراني بأن فعل ما يقاربه إن كان معتاداً، فلا يكون خرقاً للعادة، فالقدرة عليه لا تكون دليلاً علي القدرة علي المعجز، فلا يكون العجز عن فعل المقارب شرطاً.

الثاني:

أن يكون المعجز من قبل الله تعالي أو بأمره، و لكن أورد عليه الفاضل الشعراني قدّس سرّه بقوله: «إني لم أعلم المقصود من هذا الشرط؛ لأن كل شيء بإذنه و أمره، فإن أراد منه أن المعجز هو الذي ليس له سبب ظاهر، ففيه منع الاشتراط، لجواز أن يكون المعجز مما له سبب ظاهر، كدعاء النبي علي معاند فسلط الله عليه أسداً أكله» إنتهي و إن أراد منه أن اللازم في صدق الاعجاز هو العلم بكونه من ناحيته تعالي فهو أمر تدل عليه قاعدة اللطف كما مر، و لا دخل له في صدق الاعجاز و خارق العادة.

الثالث:

أن يكون صدور المعجز في زمان التكليف؛ لأن العادة تخرق عند

- - - - - - -

1) كشف المراد: ص 350 الطبع الجديد.

231

أشراط الساعة و يمكن أن يقال: إن العادة و إن انتقضت عند أشراط الساعة، و لكن المعجز لا يصير عادياً للإنسان في ذلك الحين

كما لا يخفي، نعم لو افاد ذلك و علله بأن صدور المعجز في ذلك الحين بعد رفع التكليف لا فائدة فيه؛ لانقضائ وقت الايمان كان صحيحاً.

الرابع: أن يحدث عقيب دعوي المدعي للنبوة أو جارياً مجري ذلك و نعني بالجاري مجري ذلك أن يظهر دعوي النبي في زمانه و أنه ال مدعي للنبوة غيره، ثم يظهر المعجز بعد أن ظهر معجز آخر عقيب دعواه، فيكون ظهور الثاني كالمتعقب لدعواه؛ لأنه يعلم تعلقه بدعواه و أنه لأجله ظهر كالذي ظهر عقيب دعواه و فيه أن ذلك يفهم من قول المصنف حيث قال: و مطابقة الدعوي؛ لأنه يدل علي أمرين: أحدهما: وجود الدعوي و ثانيهما: مطابقة المعجز لدعواه بحيث يكون شاهد صدق له، فلا حاجة إلي اشتراطه.

الخامس: أن يكون المعجز خارقاً للعادة و فيه أن الشرط الخامس من مقومات المشروط، إذ المعجز لا يتحقق بدون خرق العادة، فكيف يمكن أن يجعل من شرائطه، مع أن صريح كلامه قدّس سرّه هكذا «ولابد في المعجزة من شروطٍ أحدها إلي أن قال: الخامس: أن يكون خارقاً للعادة».

ثانيها:

أن الفرق بين المعجزة و بين السحر و الشعبدة و نحوها واضح، بعد ما عرفت أن لتلك الاُمور أسباباً خاصة عادية، و لو كانت خفية، حيث يمكن تعلمها و تعليمها، بخلاف المعجزة، فإنها ليست إلاّ من ناحيته تعالي و لذلك أتي النبي بالمعجز، فيما إذا كانت الحاجة إلي إقامته بما يريده الناس، بل أتوا بما تعلموه و هو محصور في اُمور خاصة يمكن تعلمها (1)، و لإمكان تعلم السحر أمكنت المعارضة

- - - - - - -

1) راجع انيس الموحدين: ص 184 الطبعة الحديثة.

232

مع السحرة بخلاف الاعجاز فإنه لا يمكن فيه المعارضة.

لا يقال: إن مثل

الارتباط مع الأجنّة ربما يتفق لبعض النفوس من دون سلوك طريق أو رياضة فليس له أسباب عادية حتي يمكن سلوكها أو معارضتها؛ لأنا نقول: إن أمثال ما ذكر لا يكون خرقاً للعادة، بل من نوادر الاُمور و هي ليست من خارق العادات فاتفاق ذلك الأمر لبعض النفوس في بعض الأحيان شاهد كونه من النوادر مع أن الذي يكون خرق العادة هو الذي لا يقع عادة و لا نادراً.

ثالثها:

أن الإعجاز لا يكون خارجاً عن أصل العلية، فإن العلل المعنوية أيضاً من العلل و مشمولة لتلك القاعدة، كما أن العلل الطبيعية لا تنحصر في العلل الموجودة المكشوفة، لا مكان اكتشاف علل طبيعية اخري في الاتي و عليه فالاعجاز معلول من المعاليل و له علة معنوية و هذه العلة المعنوية قد تستخدم في الاعجاز الاسباب الطبيعية، كما دعا النبي صلّي الله عليه و آله في حق معاند فسلط الله عليه سبعاً فأكله و قدر يكتفي بالعلل المعنوية كإحياء الموتي أو انبات شجر مثمر في دقائق قليلة و قد يكتفي بالعلل المعنوية كإحياء الموتي أو انبات شجر مثمر في دقائق قليلة و كيف كان، فالنظام الاعجازي يقدم علي النظام الجاري بارادته تعالي و مشيته، فليس المعجزة بلا سبب و علة، حتي يقال: بأنه نقص لأصل العلية و مما ذكر يظهر ما في مزعمة الماديين حول الاعجاز حيث تخيلوا أنه ينافي أصل العلية.

رابعها:

أنه لا يلزم تكرار المعجزة للتصديق بالنبي؛ لأن اللازم هو حصول العلم بصدق النبي و هو يحصل بمعجزة واحدة، بل لا يلزم رؤية المعجزة؛ لأن نقلها متواتراً يوجب العلم بوقوع المعجزة و كونها شاهدة لصدق النبي و أما وقوع المعجزات المتكررة عن بعض الأنبياء، فلعله لبقاء الحاجة إليها

لصيرورة نقلها متواتراً للغائبين و غير الموجودين، حتي يحصل لهم العلم بوقوعها كالشاهدين و من ذلك ينقدح أن المعجزات المتكررة لا تخرج عن عنوان المعجزة لو وقعت بعد

233

العلم بنبوة النبي، بدعوي أنها مجرد كرامة و ليست واقعة لحصول العلم بالنبوة بعد دعوة النبوة و التحدي؛ لأن هذه المعجزات المتكررة موجبة لحصول العلم للغائبين و غير الموجودين من النسل الآتي، فليست مجرد كرامة و كيف كان فقد أفاد و أجاد الامام البلاغي قدّس سرّه حيث قال: «إن الذي يحتاج إليه في تصديق الرسالة و منقولها هو العلم بالمعجز لا خصوص مشاهدته و لا تكراره» (1).

و مما ذكر يظهر أيضاً وجه عدم اجابة الأنبياء لبعض الاقتراحات الواردة من المنكرين لخروجها عن كونها إتماماً للحجة، هذا مع ما في طلبهم من المحالات كمجيء الله سبحانه و تعالي، مع أنه محيط علي كل شيء «و قالوا لن نؤمن لك حتي … تأتي بالله … قبيلاً» (2).

خامسها:

أن المعجزة ليست طريقة منحصرة لتعريف النبي أو الإمام، لإمكان تعريفه بسبب تعريف نبي آخر بالبشارة عليه إن لم يكن موجوداً حال التعريف، كما وردت بشارات متعددة عن الأنبياء السالفة في حق نبيناً محمّد صلّي الله عليه و آله كما قال تعالي: «و إذ قال عيسي بن مريم يا بني اسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة و مبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين» (3).

أو بانص عليه إن كان موجوداً حاله، كتنصيص بعض الأنبياء علي بعض آخر، فلا وجه لحصر تعريف النبي أو الإمام في المعجزة، كما يظهر من عبارة المصنف، حيث قال: «نعتقد أنه تعالي إذ ينصب لخلقه هادياً و رسولاً،

لابد أن يعرفهم بشخصه و يرشدهم إليه بالخصوص علي وجه التعيين و ذلك منحصر بأن ينصب علي رسالته دليلاً و حجة يقيمها لهم اتماماً للطف و استكمالاً للرحمة إلي أن قال: و ذلك الدليل هو المسمي بالمعجز أو المعجزة» ، انتهي.

- - - - - - -

1) انوار الهدي: ص 116.

2) الاسراء: 90 92.

3) الصف: 6.

234

ثم إن لزوم التعريف بالمعجزة أو البشارة أو التنصيص فيما إذا لم يكن حال النبي و صدقه و أمانته موجباً للعلم بنبوته و إلاّ فهو فضل في حق من عرف و لكن حيث لم يعرف أكثر الناس بهم إلاّ بالتعريف، فاللازم هو التعريف بأحد الوجوه المذكورة حتي يتم الحجة علي كل أحد، و لا يبقي عذر لأحد من الناس.

سادسها:

أن المعجزة لزم أن تكون ظاهرة الاعجاز بين الناس، علي وجه يعجز عنها جميع الناس مع اقتران المعجزة بدعوي النبوة و التحدي، لتكون دليلاً علي مدعاه و هذا ظاهر لا كلام فيه، و لكن الكلام في دعوي المصنف حيث قال: «ولاجل هذا وجدنا أن معجزة كل نبي تناسب ما يشتهر في عصره من العلوم و الفنون، الخ».

فإن فيه أولاً: إنا لا نعلم به وجود المعجزة لكل نبي، لاحتمال أن يكون التعريف في بعض الأنبياء بالبشارة أو التنصيص كما عرفت جواز الاكتفاء بهما.

لا يقال: إن مقتضي قوله تعالي: «لقد أرسلنا رسلنا بالبينات» (1) إن لكل رسول معجزة، لأنا نقول: إن البينات أعم من المعجزة.

و ثانياً: إنه لو سلمنا وجود المعجزة لكل نبي فالمناسبة لما يشتهر في عصره غير معلومة و إنما اللازم هو كون المعجزة ظاهرة الاعجاز.

سابعها:

أن معجزة القرآن ليست منحصرة في بلاغته و فصاحته كما سيأتي التصريح بذلك عن المصنف أيضاً حيث

قال: «9 عقيدتنا في القرآن الكريم. نعتقد أن القرآن هو الوحي الإلهي المنزل من الله تعالي علي لسان نبيه الأكرم، فيه تبيان كل شيء و هو معجزة الخالدة التي أعجزت البشر عن مجاراتها في

- - - - - - -

1) الحديد: 25.

235

البلاغة و الفصاحة و فيما احتوي من حقائق و معارف عالية لا يعتريه التبديل و التغيير و التحريف، الخ» فلعل الاكتفاء بهما في المقام؛ لكونه في مقام بيان المعجزة المناسبة لما اشتهر في عصره من العلوم و الفنون فلا تغفل.

ثامنها:

أن الدليل علي لزوم إقامة المعجز و تعريف النبي و الرسول، هو الدليل علي لزوم إرسال الرسل، إذ لو لم يقم المعجز لايتم الحجة، و لما تمكن الناس من معرفة ما يحتاجون إليه من المصالح و المفاسد، مع أنه لازم أو واجب في عنايته الاُولي و حكمته الكبري.

و لعل إليه اشار المصنف لقوله اتماما للطف و استكمالها للرحمة.

تاسعها:

أن طريق الاستدلال بالمعجز هو أن يقال: إن ظهور المعجز علي يد النبي أو الإمام شاهد صدقه إذ لو كان كاذباً وجب علي الحكيم المتعالي تكذيبه و إلاّ لزم الاغراء الي الضلالة و هو لا يصدر منه تعالي.

عاشرها:

أن الوظيفة في الموارد التي شك في اعجازيتها هو التفحص عن حالها و الرجوع إلي القرائن و الشواهد دفعاً للضرر. ربما يقال في مثل هذه الموارد: ينظر الي مدعي المعجزة هل يدعو إلي الحق أو الباطل أو إن كلماته تخالف مسلمات الأديان أو واضحات العقول أم لا ولكنه لا يخلو عن النظر إذ من الممكن أن يدعو إلي الحق و لا يخالف قوله مع مسلمات الأديان و واضحات العقول و مع ذلك لا يكون في دعواه صادقاً.

نعم لو كان قوله مخالفاً

لواضحات العقول و مسلمات الأديان كان ذلك من أوضح الشواهد علي كذبه ثم بناء علي لزوم الرجوع إلي القرائن و الشواهد فإن ظهر الصدق فهو و إلاّ فلا تكليف؛ لعدم قيام الحجة عليه..

236

4 - عقيدتنا في عصمة الانبياء

4 - عقيدتنا في عصمة الانبياء

و نعتقد أن الأنبياء معصومون قاطبة و كذلك الأئمة عليمهم جميعاً التحيات الزاكيات و خالفنا في ذلك بعض المسلمين فلم يوجبوا العصمة في الأنبياء فضلاً عن الأئمة.

و العصمة هي التنزه عن الذنوب و المعاصي صغائرها و كبائرها و عن الخطأ و النسيان و إن لم يمتنع عقلاً علي النبي أن يصدر منه ذلك، بل يجب أن يكون منزهاً حتي عما ينافي المروة كالتبذل بين الناس من أكل في الطريق أو ضحك عال و كل عمل يستهجن فعله عند العرف العام.

و الدليل علي وجوب العصمة أنه لو جاز أن يفعل النبي المعصية أو يخطأ و ينسي و صدر منه شيء من هذا القبيل، فإما أن يجب اتباعه في فعله الصادر منه عصياناً أو خطأ أو لا يجب، فإن وجب اتباعه فقد جوزنا فعل المعاصي برخصة من الله تعالي، بل أوجبنا ذلك و هذا باطل بضرورة الدين و العقل و إن لم يجب اتباعه فذلك ينافي النبوة التي لابد أن تقترن بوجوب الطاعة أبداً.

علي أن كل شيء يقع منه من فعل أو قول فنحن نحتمل فيه المعصية

237

أو الخطأ، فلا يجب اتباعه في شيء من الأشياء، فتذهب فائدة البعثة، بل يصبح النبي كسائر الناس ليس لكلامهم و لا لعملهم تلك القيمة العالية التي يعتمد عليها دائماً، كما لا تبقي طاعة حتمية لأوامره و لا ثقة مطلقة بأقواله و أفعاله.

و هذا الدليل علي العصمة يجري عيناً في الإمام؛ لأن المفروض فيه

أنه منصوب من الله تعالي لهداية البشر خليفة للنبي علي ما سيأتي في فصل الإمامة (1) يقع الكلام في مقامات:

الأول:

في حقيقة العصمة و هي لغة: المصونية. قال في المصباح المنير: «عصمه الله من المكروه يعصمه من باب ضرب: حفظه و وقاه، و اعتصمت بالله: امتنعت به، و الاسم العصمة» انتهي و في الاصطلاح: العصمة موهبة إلهية يمتنع معها صدور الذنوب مع القدرة عليها و ظهور الخطأ و السهو و النسيان في العقائد و الأحكام و الآراء و تلقي الوحي و تفسيره و إبلاغه و غير ذلك.

عرف المحقق اللاهيجي قدّس سرّه العصمة بأنها غريزة يمتنع معها صدور داعية الذنب و بسببه يمتنع صدور الذنب مع القدرة عليه ثم الفرق بين العصمة و العدالة، أن العدالة ملكة اكتسابية يمنع عن صدور الذنب لا من داعية الذنب و كان منعها عن الذنب غالبياً أيضاً و لذا لا يمتنع صدور الذنب مع ملكة العدالة، و لكن مع العصمة يمتنع صدور داعية الذنب فضلاً عن نفسه مع القدرة عليه، إذ الامتناع بسبب عدم الداعي، لا ينافي القدرة، كما أن وجوب الصدور بسبب وجود الداعي لا ينافيها (1).

عرف المحقق اللاهيجي قدّس سرّه العصمة بأنها غريزة يمتنع معها صدور داعية الذنب و بسببه يمتنع صدور الذنب مع القدرة عليه ثم الفرق بين العصمة و العدالة، أن العدالة ملكة اكتسابية يمنع عن صدور الذنب لا من داعية الذنب و كان منعها عن الذنب غالبياً أيضاً و لذا لا يمتنع صدور الذنب مع ملكة العدالة، و لكن مع العصمة يمتنع صدور داعية الذنب فضلاً عن نفسه مع القدرة عليه، إذ الامتناع بسبب عدم الداعي، لا ينافي القدرة، كما أن وجوب الصدور بسبب وجود الداعي

لا ينافيها

- - - - - - -

(1) سرمايه ايمان: 90.

238

و فيه أن هذا التعريف أخص، لاختصاصه بالعصمة عن الذنوب، مع أن العصمة كما عرفت علي أقسام و أنواع. ثم إن القدرة علي الخلاف صحيحة في بعض أقسامها، كالمعاصي و الذنوب، فإن هذه الموهبة لا تسلب عنهم الاختيار بالنسبة إليها و أما العصمة عن الخطأ و السهو و النسيان في تلقي الوحي و إبلاغه، و التفسير و التبيين و غيره، فهي أمر لا يقع باختيارهم، بل يقع بأذنه تعالي بدون وساطة اختيارهم، فلا يعد من أفعالهم.

فالأولي في التعريف أن يقال: إنها موهبة إلهية يمتنع معها ظهور الخطأ و النسيان عنهم، كما يمتنع صدور الذنوب و المعاصي، أو اتخاذ العقائد الفاسدة و الآراء الباطلة منهم مع قدرتهم عليها.

و كيف كان، فقد ظهر مما ذكرناه أن تعريف المصنف قدّس سرّه بأن العصمة هي التنزه عن الذنوب و المعاصي صغائرها و كبائرها و عن الخطأ و النسيان و إن لم يمتنع عقلاً علي النبي أن يصدر منه ذلك، من باب تعريفها باللازم و الأثر.

ثم إن العصمة علي ما عرفت اختيارية و غير اختيارية و الأولي فضيلة لهم؛ لأنهم هم الذين يتركون داعية الذنوب فضلاً عن نفسها بالاختيار و كفي به فضلاً، و الثانية ليست بنفسها فضيلة لعدم مدخلية اختيارهم فيها، و لكن اختصاص هذه الموهبة بهم يكشف عن لياقتهم لايهاب هذا اللطف العظيم في علم الله الحكيم و هي فضيلة غاية الفضيلة؛ لأن لياقتهم حاصلة بحسن انقيادهم في علمه تعالي و من المعلوم أن حسن الانقياد فعل اختياري لهم، فالعصمة فضيلة اختيارية باعتبارها أو باعتبار مكشوفها من حسن الانقياد.

ثم إن ترك داعية الذنوب فضلاً عن نفسها بالاختيار، إما

ناشٍ عن ايمانهم بالله و اليوم الآخر وقوة ارادتهم مع علمهم بالحقائق و تأثير المعاصي في الدنيا و الآخرة علماً بيناً لا سترة فيه، أو حبهم بالله تعالي خالصاً لا يخلطه شيء آخر.

239

الثاني:

في مختار الإمامية، و لا يذهب عليك أن مذهبهم في عصمة الأنبياء هو عدم جواز صدور الذنب منهم مطلقاً، سواء كان الذنب صغيرة أو كبيرة، عمداً كان أو سهواً، قبل البعثة كان أو بعدها، كما أنه لا يجوز عندهم أن يصدر منهم الخطأ و النسيان في تلقي الوحي و ابلاغه و في تفسيره و تبيينه و نحو ذلك (1).

قال العلاّمة قدّس سرّه: «ذهبت الإمامية كافة إلي أن الأنبياء معصومون عن الصغائر و الكبائر، منزهون عن المعاصي، قبل النبوة و بعدها، علي سبيل العمد و النسيان و عن كل رذيلة و منقصة و ما يدل علي الخسة و الضعة و خالفت أهل السنة كافة في ذلك و جوزوا عليهم المعاصي و بعضهم جوزوا الكفر عليهم قبل النبوة و بعدها و جوزوا عليهم السهو و الغلط، الخ» (2).

الثالث:

أن الدليل علي العصمة لا يمكن أن يكون شرعياً محضاً؛ لأنه قبل إثبات العصمة لا يجدي الدليل الشرعي لاحتمال السهو و الخطأ في نفس الدليل القائم علي العصمة، و لا دافع لذلك الاحتمال، إذ المفروض في هذا الحال عدم ثبوت العصمة، فاللازم هو أن يكون دليل العصمة دليلاً عقلياً محضاً، أو دليلاً مركباً من الدليل العقلي الدال علي عصمتهم في مقام التبليغ و من الدليل الشرعي الدال علي عصمتهم في سائر المقامات.

الرابع:

في ذكر الأدلة الدالة علي العصمة و قد استدلوا بوجوه متعددة و هذه الوجوه مختلفة في إفاد تمام المراد و عدمها. فاللازم أن ننظر فيها و إن

كانت دلالة جملة منها علي العصمة بلا كلام و لذا نشير هنا إلي عمدة الوجوه.

منها: نقض الغرض و هو أن النبي لو لم يكن معصوماً لزم نقض الغرض.

- - - - - - -

1) راجع گوهر مراد: ص 299 301، سرمايه ايمان: ص 91 و غير ذلك.

2) دلائل الصدق: ج 1 ص 368.

240

بيان ذلك: أن المقصود من إرسال الرسل و بعث الأنبياء كما عرفت، هو إرشاد الناس نحو المصالح و المفاسد الواقعية و إعداد مقدمات معها يمكن تربيتهم و تزكيتهم علي ما هو الكمال اللائق بمقام الإنسانية و سعادة الدارين و هو لا يحصل بدون العصمة، إذ مع الخطأ و النسيان أو العصيان لا يقع الإرشاد إلي المصالح و المفاسد الواقعية، كما لا يمكن تربية الناس و تزكيتهم علي ما تقتضيه السعادة الواقعية و الكمال اللائق بهم و من المعلوم أن تصديق الخاطي و العاصي نقض للغرض من إرسال الرسل و هو خلاف الحكمة، فلا يصدر منه تعالي.

و عليه فيكون رسله و أنبياؤه معصومين عن الخطأ و النسيان و العصيان لئلا يلزم نقض الغرض.

و هذا دليل تام، ولكنه أخص من المذهب المختار؛ لأنه لا يشمل قبل البعثة، فيحتاج في إفادة تمام المراد إلي ضميمة الأدلة الاُخري، كالأدلة السمعية الدالة علي أن النبوة شأن المخلصين من العباد و المصطفين من الأخيار ممن لا سلطة للشيطان عليهم بقوله تعالي: «واذكر عبادنا إراهيم و إسحاق و يعقوب اُولي الأيدي و الأبصار إنا اخلصناهم بخالصةٍ ذكري الدار و إنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار و اذكر إسماعيل و اليسع و ذاالكفل و كل من الأخيار» (1).

و هنا تقريب آخر يظهر من تجريد الاعتقاد و شرحه و هو كما في الثاني

«أن المبعوث إليهم لو جوزوا الكذب علي الأنبياء و المعصية، جوزوا في أمرهم و نهيهم و أفعالهم التي أمروهم باتباعهم فيها ذلك و حينئذٍ لا ينقادون إلي امتثال أوامرهم و ذلك نقض للغرض من البعثة» انتهي.

و فيه أنه لا يفيد إلاّ العصمة عن المعصية و أما العصمة عن الخطأ و النسيان

- - - - - - -

1) ص: 45.

241

فلا تعرض له، هذا مضافاً إلي إمكان التفكيك بأن يقال: إن الوثوق بالصدق في أوامرهم و نواهيهم يحصل بسبب قيام الدليل العقلي علي عصمتهم في تلك الأوامر و النواهي بعد قيام المعجزات و البينات الدالة علي صدقهم في دعوي النبوة فلا يجوزون الكذب في أمرهم نهيهم و أفعالهم التي أمروهم و نهيهم و أفعالهم التي أمروهم باتباعهم فيها و إن جوزوا الكذب و المعصية علي أنبياء في غير أمرهم و نهيهم و أفعالهم و لعل المقصود من قول المحقق الطوسي قدّس سرّه: «و يجب في النبي العصمة، ليحصل الوثوق فيحصل الغرض» هو ما ذكره السيد المرتضي قدّس سرّه كما سيأتي إن شاء الله، فافهم.

و منها: أصلحية العصمة و بيان ذلك: أن العصمة بمالها من المعني الاصطلاحي المختار عند الامامية أحسن و أصلح و أرجح و أدخل في تحقق الغرض، و حيث لا مانع منها مع إمكانها، يجب في حكمته تعالي تحققها و إلاّ لقبح؛ لانه ترجيح المرجوح من دون وجود مانع عن الراجح أو استحيل تركها؛ لأنه يرجع إلي ترجح المرجوح بدون وجود الداعي له كما لا يخفي.

قال المحقق اللاهيجي قدّس سرّه: «لا شك في أن العصمة بمعناها التي هي مذهب الإمامية، أدخل في اللطف و أدعي في اتباع الناس و عدم تنفرهم، و المفروض أنها ممكنة،

و لا مانع منها، فالحق مذهب الإمامية في كلا المقامين، أعني وجوب العصمة في تمام العمر و في جميع الاُمور من الأفعال و الآراء و الأحكام و الأقوال» (1).

لا يقال: إن ذلك فرع العلم بعدم وجود المانع، و هو غير حاصل؛ لأنا نقول: إن وجوه المفسدة منحصرة و ليس شيء منها في مراعاة العصمة، فالعلم بعدم المانع حاصل و معه فلا إشكال في وجوب العصمة؛ لأنها أصلح (2).

- - - - - - -

1) راجع گوهر مراد: ص 301.

2) راجع سرمايه ايمان: ص 81.

242

و منها: ما أشارإليه في أنيس الموحدين و نسبه إلي الحكماء و هو أنه من المعلوم أنه لا يصلح للنبوة إلاّ من أطاع جميع قواه من الطبيعية و الحيوانية و النفسانية لعقله و انقادت له، فمن يكون جميع قواه كذلك، يستحيل صدور المعصية منه؛ لأن جميع المعاصي عند العقل قبيحة و من صدر عنه معصية غلب أحد قواه المذكورة كالغضب أو الشهوة علي عقله، ثم استحسنه و قال: إنه في كمال القوة و المتانة (1).

و فيه أنه أخص من المدعي؛ لأنه لا يثبت إلاّ العصمة عن الذنوب، و لا تعرض له بانسبة إلي العصمة عن الخطأ و النسيان فتدبر جيداً.

و منها: ما يظهر من «تنزيه الأنبياء» و حاصله أن عصيان النبي سواء كان حال نبوته أو قبلها يوجب تنفر الناس عن قبول قوله و استماع وعظه، فلا يسكن نفوس الناس إلي العاصي و من يجوز صدور العصيان و القبائح عنه، كسكون نفوسهم إلي من لم يصدر عنه عصيان و ال يجوز عليه صدوره، مع أن اللطف واجب (2) و إليه يشير ما حكي عن العلامة قدّس سرّه في ضمن ما يلزم من

إنكار العصمة «و منها سقوط محله و رتبته عند العوام، فلا ينقادون إلي طاعته فتنتفي فائدة البعثة» (3).

و فيه: أولاً: إن هذا البرهان لا يثبت عصمة النبي عن المعصية في الخلوات و لا عن السهو و النسيان و الخطأ و الاشتباه، إذ الاول مستور، اللهم إلاّ أن يقال: اثار المعاصي في الخلوات تظهر في الجلوات و معه يحصل التنفر العمومي و الثاني لا يكون قبيحاً عندهم، و لا يوجب التنفر إلاّ إذا صدر السهو و النسيان و نحوهما كثيراً، بحيث يسلب الاعتماد عنهم، فهذا الدليل و إن عم قبل النبوة

- - - - - - -

1) انيس الموحدين: ص 99 الطبعة الحديثة.

2) تنزيه الانبياء: ص 5 6.

3) دلائل الصدق: ج 1 ص 427.

243

لكنه أخص من المختار.

و ثانياً: إن الغرض في إرسال الرسل هو إرشاد الناس إلي ما يصلح للداعوية و الزاجرية و هو يحصل بمجيء النبي الصادق، فيما جاء به، و أن كان عاصياً في أعماله و أفعالة الشخصية؛ لأن المفروض هو العلم بنبوته و صدقه في دعوي النبوة مع إظهار المعجزة، فمع قيام المعجزة و ثبوت عصمته في تلقي الوحي و إبلاغه بالدليل العقلي تسكن النفوس إليهم، كما تسكن النفوس نحو ما يرشد إليه الأطباء الحاذقون و إن كانوا مرتكبين للمعاصي و الفجور، و لا يقاس النبي بالواعظ الغير العامل المرتكب للمعاصي، لظهور الفرق بينهما و هو وجود الشاهد علي صدقه في الأنبياء دون الوعاظ و العلماء الغير العاملين، فالدليل المذكور لا يثبت عصمتهم في أفعالهم الشخصية، و لكن الانصاف أن الصلاحية المذكورة ذات مراتب مختلفة و المرتبة العالية منها التي يمكن معها سوق عموم الناس إلي الاطاعة و الانقياد، لا تحصل عادة بدون

العصمة في أفعالهم الشخصية، هذا مضافاً إلي أن الغرض من البعثة و إرسال الرسل لا ينحصر في الإرشاد، لما عرفت سابقاً من أن الغرض اُمور متعددة منها: التربية و التزكية و من المعلوم أنها لا تحصل بدون كون الأنبياء و المرسلين اُسوة في الفضيلة و الطاعة كما لا يخفي.

فالأنبياء معصومون و لو في افعالهم الشخصية، سواء كانت قبل البعثة أو بعدها و إلاّ فلا يحصل مقتضي الانقياد العام و لا التربية و لا التزكية للعموم.

و منها ما في متن «تجريد الاعتقاد» من لزوم اجتماع الضدين لو لم يكن الأنبياء معصومين، حيث قال: «و يجب في النبي العصمة … و لوجوب متابعته و ضدها».

قال الشارح العلاّمة قدّس سرّه في توضيحه: «إن النبي صلّي الله عليه و آله يجب متابعته، فإذا فعل معصية فإما أن يجب متابعته أو لا و الثاني باطل، لانتفاء فائدة البعثة و الأول باطل؛ لأن المعصية لا يجوز فعلها. ثم قال: و أشار

244

بقوله: «ولوجوب متابعته و ضدها» إلي هذا الدليل؛ لأنه بالنظر إلي كونه نبياً يجب متابعته و بالنظر إلي كون الفعل معصية لا يجوز اتباعه» (1).

و فيه: أولاً: أنه أخص مما ذهب إليه الإمامية، لاختصاصه بالعصمة عن الذنوب حال النبوة.

و ثانياً: أن التضاد بين الأحكام علي فرض صحته (2) لا يوجب استحالة الاجتماع، إلاّ إذا كان الموضوع واحداً و في المقام ليس كذلك. فإن موضوع الحرمة هو فعل الذنوب و المعصية و موضوع الوجوب هو الإتباع عن النبي و من المعلوم أنهما متعددان و متغايران، فيجوز اجتماعهما بناء علي جواز اجتماع الأمر و النهي، كما قرر في محله. نعم يلزم من فعلية الحكمين التكليف بالمحال، لعدم تمكن المكلف من امتثالهما، فلو أبدل

الدليل و قيل: يجب العصمة و إلاّ لزم التكليف بالمحال لو بقي الحكمان علي الفعلية لتم كما لا يخفي.

و منها ما في متن «تجريد الاعتقاد» أيضاً من لزوم الإنكار علي النبي لو لم يكن معصوماً و هو حرام لحرمة ايذائه حيث قال: «و يجب في النبي العصمة.. و لوجوب الإنكار عليه» قال العلاّمة قدّس سرّه في شرحه: «إنه إذا فعل معصية وجب الإنكار عليه» لعموم وجوب النهي عن المنكر و ذلك يستلزم ايذائه و هو منهي عنه» (3).

و فيه: أولاً: أنه أخص من المدعي؛ لاختصاصه بالعصمة عن الذنوب حال نبوته.

- - - - - - -

1) شرح تجريد الاعتقاد: ص 217.

2) لإمكان أن يقال: لاتضاد بين الأحكام بما هي بجميع مراتبها، فإن اقتضاء المصلحة أو المفسدة للحكم و فقهما ذاتي لا شرعي و لا استحالة فيه بعد تعددهما، كما أن الانشاء خفيف المؤنة فلا مانع من اجتماع الحكمين الانشائيين و ايضاً لا مانع من اجتماع الارادة و الكراهة من الجهات المختلفة نعم لو بقيتا علي الفعلية في شيء واحد لزم التكليف به غير المقدور.

3) شرح تجريد الاعتقاد: ص 217.

245

و ثانياً: أن حرمة الايذاء لا تختص بالنبي، بل ايذاء المؤمن أيضاً حرام، فلو كانت حرمة الايذاء مانعة عن النهي عن المنكر في النبي، لزم أن يكون كذلك في غيره و هو كما تري و ليس ذلك إلاّ لحكومة أدلة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر علي أدلة حرمة الايذاء اللهم إلاّ أن يقال بأن اطلاق فعلية حرمة الايذاء في النبي من دون استثناء، يكشف عن عدم صدور الذنب منه أصلاً و إلاّ فلا مورد لذلك الاطلاق الساري.

و منها ما في المتن من أنه مع جواز صدور المعصية

عمداً أو خطأ و نسياناً، فإما يجب اتباعه فيما صدر منه، أو لا يجب، فإن وجب لزم الترخيص في فعل المعاصي، بل ايجابه للزوم المتابعة و ذلك باطل بضرورة الدين و العقل و إن لم يجب اتباعه كان ذلك منافياً للنبوة التي لابد أن تقترن بوجوب الاطاعة أبداً. هذا فيما إذاعلم أن الصادر معصية و أما إذا لم يعلم و احتمل فلا يجب اتباعه لاحتمال كونه معصية أو خطأ فتذهب فائدة البعثة.

و فيه أولاً: أنه أخص مما ذهب إليه الإمامية، لاختصاصه بالعصمة عن الذنوب حال النبوة.

و ثانياً: أنه لا يثبت العصمة لارتفاع المحذور باثبات العدالة، إذ مع العدالة لا يكون اتباعه باطلاً، و لو كان في الواقع خاطئاً، كالاتباع عن الفقهاء و الحكام و العدول، مع احتمال الخطأ فيهم و الترخيص في اتباعهم، و لو كان خلاف الواقع، لا مانع منه إذا كان مصلحة الاتباع راجحة، كما هو كذلك في حجية الفتاوي و الأحكام و شهادة العدول، اللهم إلاّ أن يقال: إن اتباع الأنبياء لدرك المصالح الواقعية، و البعد عن المفاسد الواقعية و هو لا يحصل بالعدالة، ولكنه دليل آخر أشرنا إليه كالدليل الأول و كيف كان ففي ما ذكر من بعض البراهين المذكورة منفرداً أو بعد ضم بعضها إلي بعض غني و كفاية لإثبات مذهب الإمامية.

246

الخامس:

في أن للذنب مراحل و مراتب متعددة، فإن الذنب قد يكون للتخلف عن القوانين و من المعلوم أن التخلف عنها إذا كانت من الشارع أو مما أمضاه الشارع، حرام، و النبي و الإمام معصومان عنه لما مر من الأدلة.

و قد يكون الذنب ذنباً اخلاقياً و من المعلوم أن ارتفاع شأن النبي و الإمام لا يناسبه، فلذا كانت الأنبياء و

الرسل و الأئمة الطاهرون متخلفين بأحسن خلق و مكرمة أخلاقية، كما نص عليه في قوله تعالي «و إنك لعلي خلق عظيم» (1)، «و إنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار» (2)، «و جعلناهم ائمة يهدون بأمرنا و أوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلوة و ايتاء الزكوة و كانوا لنا عابدين» (3).

هذا مضافاً إلي اقتضاء كونهم مبعوثين للتزكية، أن يكونوا متصفين بمكارم الأخلاق و أعلاها، إذ هذه الغاية التي أوجبت في حكمته تعالي أن يرسل الرسل و الأنبياء، لا يمكن حصولها عادة إلاّ بكون الرسل و الأنبياء و الأئمة، ائمة في الاتصاف بالأخلاق الحسنة. «لقد كان لكم في رسول الله اُسوة حسنة» (4).

وقد يكون الذنب ذنباً عند المقربين و المحبين و هذا الذنب ليس تخلفاً عن القوانين و لا يكون أثر الأخلاق السيئة و الزذيلة، بل هو قصور أو تقصير في بذل تمام التوجه نحو المحبوب، فالغفلة عنه تعالي عندهم و لو لفعل مباح ذنب و هذا الذنب أمر لا تنافيه الأدلة الدالة علي العصمة عن الذنوب و لا يضر بشيء مما مر من الغايات، من إرشاد الناس و تزكيتهم و غيرهما، و لكن مقتضي الأدلة السمعية هو أنهم علي حسب مراتبهم في المعرفة أرادوا ترك هذا و مع ذلك إذا ابتلوا به رأوا أنفسهم قاصرين و مقصرين في مقام عبوديته و محبته تعالي و كثيراً ما عبروا عن هذا القصور و التقصير بالعصيان و الذنب و بكوا عليه بكاء شديداً

- - - - - - -

1) القلم: 4.

2) ص: 47.

3) الأنبياء: 73.

4) الاحزاب: 21.

247

و مستمراً و خافوا عنه جداً في الخلوات و الجلوات، و الشاهد عليه مانراه من سيرة رسولنا محمّد صلّي الله عليه و آله

و ائمتنا الأطهار عليهم السلام في أدعيتهم و مناجاتهم و بكائهم و عباداتهم و خوفهم من البعد عن الله تعالي و تعبيرهم عن أنفسهم بالمذنبين و القاصرين و المقصرين و قد يعبر عنه بترك الأولي و لا بأس به. نعم قد يراد من ترك الأولي هو فعل المكروه أو عمل مرجوح و هو و إن لم يكن معصية و تخلفا عن القوانين، و لا يكون رذيلة من الرذائل الأخلاقية، و لكن لا يناسب صدوره عن عظمائهم كرسولنا و ائمتنا عليهم السلام و الصلوات إلاّ الجهة من الجهات كبيان الأحكام و نحوه و كيف كان فيمكن أن يشير إليه قولهم: «حسنات الأبرار سيئات المقربين».

و مما ذكر ينقدح وجه الجواب عما استدل به المنكرون للعصمة من الآيات و الروايات المعبرة بصدور العصيان أو الذنب و الاستغفار و التوبة و نحوها عن الانبياء و الائمة عليهم السلام و عليك بالمراجعة إلي المطولات (1).

- - - - - - -

1) راجع گوهر مراد: ص 302، معارف قرآن: جلسه 66 69، تنزية الأنبياء، البحار، الميزان و غير ذلك.

248

5 عقيدتنا في صفات النبي صلّي الله عليه و آله

5 عقيدتنا في صفات النبي صلّي الله عليه و آله

و نعتقد أن النبي كما يجب أن يكون معصوماً، يجب أن يكون متصفاً بأكمال الصفات الخلقية و العقلية و أفضلها، من نحو الشجاعة و السياسة و التدبير و الصبر و الفطنة و الذكاء، حتي لا يدانيه بشر سواه فيها (1) (1) قال المحقق الطوسي قدّس سرّه في تجريد الاعتقاد في مقام بيان وجوب إتصاف النبي بالأوصاف المذكورة: «و كمال العقل و الذكاء و الفطنة وقوة الرأي و عدم السهو و كل ما ينفر عنه من دناءة الآباء و عهر الاُمهات و الفظاظة، الخ»

و تبعه العلاّمة الحلي في شرحه (1) شرح تجريد الاعتقاد: ص 349 الطبعة الحديثة في قم المشرفة و هكذا صرح المحقق اللاهيجي قدّس سرّه بوجوب اتصاف النبي بالصفات المذكورة، حيث قال: «و أيضاً يجب اتصاف النبي بجميع الصفات الكمالية و الأخلاق الحميدة و الأطوار الجميلة، كما يجب أن يكون نزيهاً من جميع الصفات الرذيلة و العيوب و الأمراض المنفرة» (2) و لا يخفي عليك أن ظاهر هذه العبائر وجوب اتصاف الأنبياء بالكمال، في الصفات الكمالية و الأخلاق الحميدة و تنزههم عن

- - - - - - -

(1) شرح تجريد الاعتقاد: ص 349 الطبعة الحديثة في قم المشرفة.

2) گوهر مراد: ص 301.

249

المنفرات، و لا اشكال و لا خلاف فيه عدا مايتراءي من قواعد المرام حيث قال: «ينبغي أن يكون منزهاً عن كل أمر تنفر عن قبوله إما في خلقه كالرذائل النفسانية من الحقد و البخل و الحسد و الحرص و نحوها، أو في خلقه كالجذام و البرص، أو في نسبه كالزنا و دناءة الآباء» و لكن التأمل في كلامه، يقتضي بأن مراده من كلمة «ينبغي» ليس مطلق الرجحان؛ لأنه علل بما يقتضي الوجوب، حيث قال: «لأن جميع هذه الاُمور صارف عن قبول قوله، و النظر في معجزته، فكانت طهارته عنها من الألطاف التي فيها تقريب الخلق إلي طاعته و استمالة قلوبهم إليه» (1).

ثم إن الظاهر من عبارة المصنف هو وجوب اتصافهم بالأكمل من الصفات الخلقية و العقلية و أفضلها، من نحو: الشجاعة و السياسة و التدبير و الصبر و الفطنة و الذكاء غير ذلك و هذا هو صريح كلام المحقق القمي قدّس سرّه أيضاً حيث قال في مقام شرائط النبوة: «الشرط الثاني: هو أن يكون النبي

أفضل و أعلم من جميع الأمة لقبح تبعية الأفضل من غيره الذي يكون بالنسبة إليه مفضولاً، بل يكون وجوب تبعية المساوي عن مثله أيضاً قبيحاً؛ لكونه ترجيحاً من غير مرجح، فلابد من أن يكون أعلي مرتبة من غيره، حتي يحسن الأمر فيه تعالي باتباعه و هكذا في جميع الصفات الحسنة لزم أن يكون أفضلهم و أعلاهم (2) و نحوه في اللوامع الإهية (3) و شرح الباب الحادي عشر (4) و هو كذلك لما اُشير إليه في كلام المحقق القمي و غيره و سيأتي توضيحه في ذكر الأدلة إن شاء الله تعالي.؛ لأنه

- - - - - - -

1) قواعد المرام: ص 127.

2) اصول دين: ص 26 منشور جهلستون مسجد جامع بطهران.

3) اللوامع الإهية: ص 211.

4) شرح الباب الحادي عشر: ص 38 الطبعة الحديثة.

250

لولا ذلك لما صح أن تكون له الرئاسة العامة علي جميع الخلق، و لا قوة ادارة العالم كله (2) (2) و لا يخفي عليك أن الدليل المذكور و إن كان صحيحاً متيناً، ولكنه أخص من المدعي، فإن ما يلزم للرئاسة العامة و لادارة العالم، بعض الصفات لاجميعها، كالأكملية في الزهد و الانقياد و العبودية. هذا مضافاً إلي أن الغاية من إرسال الرسل و الأنبياء لا تنحصر في الرئاسة العامة و إدارة العالم، بل الغرض الأقصي هو هداية الإنسان نحو الكمال و إرشادهم إلي سعادتهم في الدارين، و الحكومة و الرئاسة العامة، ليست من الأهداف النهائية و إن كانت من الأهداف المتوسطة و شأناً من شؤون الإمامة، فالمناسب هو التعليل به كما سيأتي تقريبه إن شاء الله تعالي علي أن كل نبي لا يكون مبعوثاً للرئاسة العامة و إدارة العالم، إذ الأنبياء علي درجات

مختلفة. فالدليل لا يثبت الاتصاف بالصفات المذكورة في جميعهم. فالأولي في مقام الاستدلال أن يقال: إن الغرض من بعث النبي، حيث كان استكمال نفوس من بعث إليه، فاللازم هو أن يكون في صفات أفضل من المبعوث إليهم، حتي يتمكن له أن يهديهم و يستكملهم، فإن كان مبعوثاً إلي قوم خاص فاللازم هو أن يكون هو الأفضل منهم في جميع الصفات الخلقية و العقلية و إن كان مبعوثاً إلي العالمين في عصر، فاللازم أن يكون أفضل منهم في ذلك الزمان و إن كان مبعوثاً إلي العالمين إلي يوم القيامة، فاللازم هو أن يكون أفضل من جميع حتي يتمكن من أن يهديهم و يستكلملهم.

و ذلك واضح إذ لو كان في المبعوث إليه، من هو أفضل منه، أو كان مساوياً معه، لما اهتدوا بهدايته و إرشاده، و لم يصلوا إلي كمالهم، مع أن الغرض هو هداية جميع الناس و تزكيتهم و تربيتهم و إكمالهم و نقض الغرض كما يكون

251

في الكل قبيحاً، يكون كذلك بالنسبة إلي بعض النفوس. إذ جميع النفوس مستعدة للاستكمال، فاللازم هو بعث النبي الذي فاق الآخرين في الصفات المذكورة حتي يتمكن من هدايتهم و تربيتهم في أي درجة و مرتبة كانوا. و لقد أفاد و أجاد في توضيح المراد حيث قال: «إعلم أن الانسان من حيث الكمال لا يقف علي حد، بل في كل حد منه كان له إمكان أن يجوز إلي حد بعده، إن اجتمعت الشرائط، فمقتضي لطفه وجوده تعالي أن يكون بين الناس من يتيسر له تزكية الناس و تكميل كل أحد و ترقبته من أي حد إلي مافوقه، بتقريب الشرائط و هو النبي أو مثله ممن يقوم مقامه، فلابد أن يكون هو

في حد كامل بحيث يتيسر منه ذلك في جميع المراتب و تنقاد الاُمة للتعلم عنده و الخضوع لديه» (1) و لعل من اقتصر علي أصل الصفات لا الأكملية زعم أن النبي مخبر عن الله تعالي و لم يلتفت إلي أن التزكية و التربية أيضاً من شؤونه، فيجب أن يكون في الصفات أعلي مرتبة.

و قد يستدل علي اتصاف النبي بأفضل الصفات الخلقية و العقلية، بأنه يجب أن يكون أفضل أهل زمانه، لقبح تقديم المفضول علي الفاضل عقلاً و سمعاً. قال الله تعالي: «أفمن يهدي إلي الحق أن يتبع أمن لا يهدّي إلاّ أن يهدي فما لكم كيف تحكمون» (2).

ثم لا يخفي عليك أن من اشترط اتصاف الأنبياء بكمال العقل و الذكاء و الفطنة و لم يشترط الأكملية فيها، استدل له بأنه لولاه لكان منفراً، كما قال العلاّمة الحلي قدّس سرّه في شرح تجريد الاعتقاد: «و يجب أن يكون النبي في غاية الذكاء و الفطنة و قوة الرأي، بحيث لا يكون ضعيف الرأي، متردداً في

- - - - - - -

1) توضيح المراد: ج 2 ص 650.

2) يونس: 35 راجع أيضاً شرح الباب الحادي عشر ص 38 الطبعة الحديثة في طهران، اللوامع الإلهية ص 211.

252

كما يجب أن يكون طاهر المولد أميناً صادقاً منزهاً عن الرذائل قبل بعثته أيضاً، لكي تطمئن إليه القلوب و تركن إليه النفوس بل لكي يستحق هذا المقام الإلهي العظيم (3)

الاُمور متحيراً، لأن ذلك من أعظم المنفرات عنه» (1) و وجهة واضح، إذ عدم الاتصاف بالمذكورات من المنفرات. هذا بخلاف ما إذا اعتبرنا الأكملية فيها، فإن عدم الأكملية لا يكون من المنفرات إذا كان متصفاً بالكمال فيها، فالدليل علي لزوم اتصافهم بالأكمل من الصفات

هو الذي ذكرناه.

(3) و لقد أشار المصنف لإثبات تنزيه الأنبياء عن المذكورات إلي دليلين:

أحدهما: هو الذي ذكره أكثر المتكلمين و حاصله: إن هذه الاُمور مما يوجب تنفير الناس عنهم و معه لا يحصل الانقياد التام الذي يكون غرضاً لبعث الأنبياء و إرسالهم و لذلك قال المحقق اللاهيجي: «نزاهة النبي عن الصفات المنقصة و الأخلاق الرذيلة و العيوب و الأمراض المنفرة، معتبرة لكون ذلك داعياً إلي قبول أوامره و نواهيه و الانقياد له و التأسي به فيكون أقرب إلي الغرض المقصود من البعثة، فيكون لطفاً لامحالة واجباً لا يجوز علي الله تركه» (2) گوهر مراد: ص 301 و هذا الدليل هو الذي اعتمد عليه السيد المرتضي في تنزيه الأنبياء، لإثبات عصمتهم قبل النبوة و بعدها من الصغائر و الكبائر و تبعه الآخرون و حيث إن الدليل عام و لا يختص بالعصمة عن الذنوب، استدلوا به في نزاهة الأنبياء عن المنفرات، و لو لم تكن من الذنوب كالعيوب و الأمراض المنفرة و دناءة الآباء و عهر الاُمهات و الفظاظة و الغلظة و الاشتغال بالصنائع الموهنة و المبتذلة و لذا

- - - - - - -

1) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: ص 349. الطبعة الحديثة.

(2) گوهر مراد: ص 301.

253

صرح المحقق الطوسي رحمه الله في ضمن كلامه بوجوب تنزه النبي عن كل ما ينفر عنه (1) و صرح العلاّمة قدّس سرّه في الباب الحادي عشر بأنه يجب أن يكون منزهاً عن دناءة الآباء و عهر الاُمهات و عن الرذائل الخلقية و العيوب الخلقية، لما في ذلك من النقص، فيسقط محله من القلوب و المطلوب خلافه (2).

و قال الشيخ الطوسي قدّس سرّه: «و دليل التنفير الذي اعتمدناه ينفي عنهم

جميع القبائح في حال النبوة و قبلها و كبائر الذنوب و صغائرها؛ لأن النفوس إلي من لا يعهد منه قط في حال من الأحوال قبيح لا صغير و لا كبير، أسكن و أميل ممن كان بخلاف ذلك، فوجب بذلك نفي الجميع عنهم في كل حال (3) و عليه فلا وجه لاقتصار المصنف رحمه الله في المذكورات، بل كان عليه أن يذكر تنزه النبي عن الأمراض المنفرة و العيوب الخلقية (بكسر الخاء) و كل ما ينفر عنه، و لو كان هو السهو و النسيان في اُموره الشخصية، لعمومية الدليل. هذا مضافاً إلي أن ذكر الأمانة و الصدق لا يناسب المقام، لأن عدم الأمانة خيانة و عدم الصدق كذب و هما من المعاصي التي قد فرغنا عن عصمتهم فيها، فلا وجه لتكرارهما هنا عند ذكر اتصافهم بالكمالات و تنزههم عن المنقصات الخلقية و الخلقية.

اللهم الاّ أن يقال: إن المصنف لم يذكر سابقاً إلاّ العصمة عن الذنوب و عن الخطأ و النسيان بعد البعثة فذكر العصمة عن الخيانة و الكذب قبل البعثة لا يكون تكراراً، و لكن عليه أن لا يقتصر عليها، بل يذكر جميع المعاصي و الذنوب. هذا مضافاً إلي أن الظاهر ذكر عنوان عقيدتنا في صفات النبي هو الفراغ عن بحث العصمة فلا تغفل.

- - - - - - -

1) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: ص 349 الطبعة الحديثة في قم المشرفة.

2) شرح الباب الحادي عشر: ص 39 الطبعة الحديثة في طهران.

3) كتاب تمهيد الاُصول من علم الكلام: ص 321.

254

ثم إن هذا الدليل يرجع إلي إثبات تنزههم عن المذكورات من جهة سكونة الناس و اعتمادهم و جلبهم نحوه ليحصل الغرض من البعث و الإرسال علي

الوجه الأتم و أما من جهة اقتضاء نفس مقام النبوة و تلقي الوحي فهو ساكت و لذا أشارإليه المصنف بالدليل الثاني.

و ثانيهما: أن مقام النبوة مقام لاتناله أيدي الناس و إلاّ لاُوحي إليهم، و لا حاجة إلي إرسال سفير إليهم، بل هو مقام شامخ لا نصيب فيه إلاّ للمقربين و من المعلوم أن المقربين يكونون منزهين عن الرذائل الأخلاقية كالجهل و الجبن و الحقد و الحسد و الخشونة و البخل و الحرص و أشباهها، فاستحقاق مقام النبوة موقوف علي تنزههم عن الاُمور التي تنافيه و هو كذلك، و لكن هذا الدليل أخص من المدعي، فإن بعض الاُمور التي تكون من المنفرات لا تكون من المنقصات المعنوية، فيمكن أن يكون الناس متنفرين من بعض الاُمراض أو بعض العيوب الخلقية (بكسر الخاء) و لكنها لا تكون من المنقصات المعنوية كما لا يخفي..

255

6 عقيدتنا في الأنبياء و كتبهم

6 عقيدتنا في الأنبياء و كتبهم

نؤمن علي الإجمال بأن جميع الأنبياء و المرسلين علي حق، كما نؤمن بعصمتهم و طهارتهم و أما إنكار نبوتهم أو سبهم أو الاستهزاء بهم فهو من الكفر و الزندقة؛ لان ذلك يستلزم انكار نبينا الذي اخبر عنهم و صدقهم (1) أما المعروفة أسماؤهم و شرائعهم كآدم و نوح و إبراهيم و داود أما استلزام إنكار نبوتهم لإنكار نبينا فواضح، فإنه أخبر عن نبوتهم و صدقهم، فإذا أنكرهم يرجع إنكاره إلي إنكار أخبار نبينا محمّد صلّي الله عليه و آله بنبوة من أنكر و هو كفر و خروج عن الإسلام، إن إلتفت إلي الملازمة و اعترف باللازم و إلاّ فمجرد المخالفة الواقعية لكلام الرسول صلّي الله عليه و آله و سلم لا يوجب الكفر و لا تكذيب القرآن، كما أن مخالفة

قول المفتي واقعاً لا يوجب ذلك (1) راجع المكاسب المحرمة للشيخ الأعظم الأنصاري: 26.، هذا مضافاً إلي إنكار نبوة من أنكره كفر في نفسه؛ لأنه إنكار نبوة من ثبتت نبوته بالمعجزات، كموسي و عيسي علي نبينا و آله و عليهما السَّلام اللهم إلاّ أن يقال: إن نبوة غير نبينا بعد مرور الدهور و العصور لم تثبت لنا إلاّ بالقرآن الكريم و أخبار النبي صلّي الله عليه و آله فافهم.

- - - - - - -

(1) راجع المكاسب المحرمة للشيخ الأعظم الأنصاري: 26.

256

و سليمان و موسي و عيسي و سائر من ذكرهم القرآن الكريم باعيانهم، فيجب الإيمان بهم علي الخصوص و من أنكر واحداً منهم فقد أنكر الجميع و أنكر نبوة نبينا بالخصوص (2)

و كذلك يجب الايمان بكتبهم و ما نزل عليهم و أما التوراة و الإنجيل الموجودان الآن بين أيدي الناس، فقد ثبت أنهما محرفان عما اُنزلا، بسبب ما حدث فيهما من التغيير و التبديل و الزيادات و الاضافات، بعد زماني موسي و عييسي عليهما السلام بتلاعب ذوي الأهواء و الأطماع، بل الموجود منهما أكثره أو كله موضوع بعد زمانها من الأتباع و الأشياع (3) (2) أما أن إنكار واحد منهم مستلزم لإنكار نبوة نبينا صلّي الله عليه و آله أخبر بنبوته و أما استلزام إنكار واحد منهم لإنكار الجميع، فغير واضح.

اللهم إلاّ أن يقال: إن إنكار بعث نبي بعد ثبوت نبوته، إنكار الله في البعث و الإرسال مطلقاً، إذ لا خصوصية لمورد الإنكار، فتدبر جيداً و كيف كان فمقتضي ايماننا بالرسول الأعظم نبينا محمّد صلّي الله عليه و آله هو الايمان بجميع الأنبياء الذين أخبر عنهم بالاجمال و التفصيل. هذا مضافاً إلي أنه مقتضي

حكم العقل بأنه تعالي بعث الأنبياء و الرسل لهداية الناس، و لم يكن زمان و عصر خالياً عن الحجة الإلهية «آمن الرسول بما اُنزل إليه من ربه و المؤمنون كل آمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله لا نفرق بين أحد من رسله و قالوا سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و إليك المصير» (1).

3) لا إشكال و لا ريب في كون التوراة و الإنجيل الموجودين محرفين، كما

- - - - - - -

(1) البقرة: 285.

257

يشهد له الاختلافات و الاشتباهات و الموهونات الموجودة فيهما و عليك بما اُلف في ذلك من المحققين، و من أحسنه هو «الهدي إلي دين المصطفي» و «الرحلة المدرسية» أثران للعلاّمة آية الله الشيخ محمد جواد البلاغي رحمه الله (1) و لكن الكلام فيما ادعاه المصنف قدّس سرّه من احتمال أن كله موضوع و هو مشكل، لإمكان دعوي العلم به وجود فقرات من الإنجيل أو التوراة الأصليين، اللهم إلاّ أن يقال: نعم، و لكن حيث لا تكون تلك الكلمات مشخصة فيهما، فلا حجية لها و إن كانت مأخوذة من الإنجيل أو التوراة الأصليين.

- - - - - - -

1) راجع أيضاً كتاب راه سعادت للفاضل الشعراني: ص 136 160.

258

7 عقيدتنا في الإسلام

7 عقيدتنا في الإسلام

نعتقد أن الدين عند الله الإسلام و هو الشريعة الإلهية الحقة التي هي خاتمة الشرايع و أكملها و أوفقها في سعادة البشر و أجمعها لمصالحهم في دنياهم و آخرتهم و صالحة للبقاء مدي الدهور و العصور، لا تتغير، و لا تتبدل و جامعة لجميع مايحتاجه البشر من النظم الفردية و الاجتماعية و السياسية، و لما كانت خاتمة الشرايع و لا تترقب شريعة اُخري تصلح هذا البشر المنغمس بالظلم و

الفساد، فلابد أن يأتي يوم يقوي فيه الدين الإسلامي فيشمل المعمورة بعدله و قوانينه (1) (1) إن جامعية الإسلام و أكمليته واضحة لمن راجع القرآن الكريم و الروايات الواردة عن النبي و أهل بيته عليهم الصلوات و السلام فإنهما يحتويان الكليات الاساسية التي تقدر علي بيان حاجات الناس في جميع اُمورهم من الاعتقادات و الاخلاقيات و السياسيات و الاجتماعيات و المعاملات و الآداب و السنن و غيرها، كما مرت الإشارة إلي إعتراف فحول فن الفلسفة بأكملية ما في الاُصول الإسلامية في مسائل التوحيد، بحيث لم تبلغه العقول إلاّ بعد القرون العديدة و هكذا في الفقه و غيره.

259

قال الفاضل الشعراني قدّس سرّه: «ليس فقه الإسلام ناقصاً، بل لنا كليات يمكن استخراج حكم المسائل المستحدثة منها في كل عصر و زمان و هذا أمر رائج من زمان الشيخ الطوسي إلي زماننا هذا و لعل مسائل تحرير العلامة تقرب من أربعين ألفاً و هي تستخرج من ألفين أو ثلاثة آلاف من المنصوصات» (1).

و أيضاً الأخلاق الإسلامية فاق الأخلاق اليونانية و غيره؛ لأنه مضافاً إلي كونه مبيناً للوظائف الاجتماعية و الفردية و التخلق بالأخلاق الحسنة و الاعتدال فيها، يوجه الإنسان نحو الغاية القصوي و هو القرب إلي الله تعالي و بالجملة كلما زاد عمر الاسلام، ازداد نوراً و ظهوراً و من نظر في محتوي القرآن و الاُصول الإسلامية الواصلة إلينا من طريق أهل البيت عليهم السلام اعترف بعظمته و خضع في ساحته، إلاّ أن يكون معانداً، إذ ليس مكتب من المكاتب بمثل مكتب الإسلام في الغني و الاحتواء لجميع ما يحتاج الناس إليه و في الأقومية و الإتقان. هذا حقيقة واضحة بل ضرورية لكل من اطلع علي محتوي الإسلام،

و لإرشاد الناس إلي هذه الحقيقة وردت الآثار و الروايات الكثيرة المتواترة و من جملتها: ما رواه محمّد بن يعقوب عن أبي الحسن موسي عليه السلام حديثاً و فيه: قال سماعة: «فقلت: أصلحك الله! أتي رسول الله الناس بما يكتفون به في عهده؟ قال: نعم و ما يحتاجون إليه يوم القيامة، فقلت: فضاع من ذلك شيء؟ فقال: لا، هو عند أهله» (2) فالإسلام هو الدين الجامع الذي يقدر لرفع احتياج الناس و إدارة الاُمور و سوق الناس نحو سعادتهم الدنيوية و الاُخروية و ستأتي إن شاء الله حاكمية هذا الدين علي جميع أقطار الأرض بظهور ولي الله الأعظم مولانا المهدي الحجة بن الحسن أرواحنا فداه و لعل نظر المصنف في قوله: فلابد أن يأتي يقوي فيه الخ إلي ذلك فتدبر جيداً..

- - - - - - -

1) راجع كتاب راه سعادت: ص 214.

2) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 57.

260

ولو طبقت الشريعة الإسلامية بقوانينها في الأرض تطبيقاً كاملاً صحيحاً لعم السلام بين البشر و تمت السعادة لهم و بلغوا اقصي ما يحلم به الإنسان من الرفاه و العزة و السعة و الدعة و الخلق الفاضل، و لا نقشع الظلم من الدنيا و سادت المحبة و الإخاء بين الناس أجمعين، و لا نمحي الفقر و الفاقة من صفحة الوجود.

و إذا كنا نشاهد اليوم الحالة المخجلة و المرزية عند الذين يسمون أنفسهم بالمسلمين، فلأن الدين الإسلامي في الحقيقة لم يطبق بنصه و روحه ابتداء من القرن الأول من عهودهم، و استمرت الحال بنا نحن الذين سمينا أنفسنا بالمسلمين من سيئ إلي أسوأ، إلي يومنا هذا، فلم يكن التمسك بالدين الإسلامي هو الذي جر علي المسلمين هذا التأخر

المشين، بل بالعكس، إن تمردهم علي تعاليمه و استهانتهم بقوانينه و انتشار الظلم و العدوان فيهم من ملوكهم إلي صعاليكهم و من خاصتهم إلي عامتهم، هو الذي شل حركة تقدمهم و أضعف قوتهم و حطم معنوياتهم و جلب عليهم الويل و الثبور، فأهلكهم الله تعالي بذنوبهم.

«ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها علي قوم حتي يغيروا ما بأنفسهم» تلك سنة الله في خلقه «إنه لايفلح المجرمون» ، «وكذلك أخذ ربك اذا أخذ القري و هي ظالمة إنَّ أخذه أليم شديد».

و كيف ينتظر من الدين أن ينتشل الاُمة من وهدتها و هو عندها حبر علي ورق لا يعمل بأقل القليل من تعاليمه. من الإيمان و الأمانة و الصدق و الاخلاص و حسن المعاملة و الايثار و أن يحب المسلم لأخيه ما يحب

261

لنفسه و أشباهها من أول اُسس دين الإسلام و المسلمون قد و دعوها من قديم أيامهم إلي حيث نحن الآن و كلما تقدم بهم الزمن وجدناهم أشتاتاً و أحزاباً و فرقاً يتكالبون علي الدنيا و يتطاحنون علي الخيال و يكفر بعضهم بعضاً بالآراء غير المفهومة، أو الاُمور التي لا تعنيهم، فانشغلوا عن جوهر الدين و عن مصالحهم و مصالح مجتمعهم بأمثال النزاع في خلق القرآن و القول بالوعيد و الرجعة و أن الجنة و النار مخلوقتان أو سيخلقان و نحو هذه النزاعات التي أخذت منهم بالخناق و كفّر بها بعضهم بعضاً و هي و أن دلت علي شيء فإنما تدل علي انحرافهم عن سنن الجادة المعبدة لهم إلي حيث الهلاك و الفناء، و زاد الانحراف فيهم بتطاول الزمان حتي شلهم الجهل و الضلال و انشغلوا بالتوافه و القشور و بالأتعاب و الخرافات و الأوهام

و بالحروب و المجادلات و المباهاة، فوقعوا بالأخير في هاوية لا قعر لها يوم تمكن الغرب المتيقظ العدو اللدود للإسلام من أن يستعمر هذه البقاع المنتسبة إلي الإسلام و هي غفلتها و غفوتها، فيرمي بها في هذه الهوة السحيقة و لا يعلم إلاّ الله تعالي مداها و منتهاها «وما كان ربك ليهلك القري بظلم و أهلها مصلحون».

ولا سبيل للمسلمين اليوم و بعد اليوم إلاّ أن يرجعوا إلي أنفسهم فيحاسبوها علي تفريطهم و ينهضوا إلي تهذيب أنفسهم و الأجيال الآتية بتعاليم دينهم القويمة، ليمحوا الظلم و الجور من بينهم و بذلك يتمكنون من أن ينجوا بأنفسهم من هذه الطامة العظمي، و لابد بعد ذلك أن يملأ الارض قسطاً و عدلاً بعد ما ملئت ظلماً و جوراً، كما وعدهم الله تعالي و رسوله و كما هو المترقب من دينهم الذي هو خاتمة الأديان و لا رجاء في

262

صلاح الدنيا و اصلاحها بدونه، و لابد من إمام ينفي عن الإسلام ما علق فيه من أوهام و ألصق فيه من بدع و ضلالات و ينقذ البشر و ينجيهم مما بلغوا إليه من فساد شامل و ظلم دائم و عدوان مستمر و استهانة بالقيم الأخلاقية و الأرواح البشرية عجل الله فرجه و سهل مخرجه.

263

8 عقيدتنا في مشرع الاسلام

8 عقيدتنا في مشرع الاسلام

نعتقد أن صاحب الرسالة الإسلامية هو محمّد بن عبدالله صلّي الله عليه و آله و هو خاتم النبيين و سيد المرسلين و أفضلهم علي الاطلاق، كما أنه سيد البشر جميعاً، لا يوازيه فاضل في فضل و لايدانيه أحد في مكرمة، و لا يقاربه عاقل في عقل و لا يشبهه شخص في خلق و أنه لعلي خلق عظيم، ذلك من أول نشأة البشر إلي

يوم القيامة (1) (1) أما أن صاحب الرسالة الإسلامية هو محمّد بن عبدالله صلّي الله عليه و آله فهو ضروري، يعلمه كل أحد بأدني إلتفات إلي الإسلام و صاحبه، كما صرح به في القرآن الكريم «محمّد رسول الله و اللذين معه أشداء علي الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله و رضواناً» (1) الفتح: 29 و أما أن رسالته هي رسالة عالمية فهو أمر واضح لاسترة فيه، كما نص عليه في كتابه العزيز «قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً» (2)، «و اُوحي إلي هذا القرآن لاُنذركم به و من بلغ» (3).

- - - - - - -

(1) الفتح: 29.

2) الاعراف: 158.

3) الانعام: 19.

264

هذا مضافاً إلي أن تشريع الجهاد الإبتدائي و إرسال الكتب إلي الممالك الشرقية و الغربية و أيضاً خاتمية النبي صلّي الله عليه و آله و سلّم من شواهد كون رسالته عالمية باقية.

أما أنه خاتم النبيين فهو أيضاً ضروري يعلمه كل مسلم و لا خلاف فيه و يدل عليه الآيات و الروايات المتواترة و من جملة الآيات قوله تعالي: «ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله و خاتم النبيين» (1)؛ لأن المراد من الخاتم في التركيب المذكور هو ما يختم به، باعتبار كون الخاتم كثيراً ما يكون منقوشاً باسم صاحبه و يختم به الكتب بعنوان إتمام الكتاب، الطابع (بفتح الباء) بمعني ما يطبع به، فهو يدل بهذا الاعتبار علي أن محمّد صلّي الله عليه و آله بالنسبة إلي الأنبياء ما يختم به، بمعني أن به يتم باب النبوة و به يصدق نبوتهم، كما صدقهم النبي صلّي الله عليه و آله و لولاه لما حصل

العلم بنبوة أكثرهم أو جلهم، مع اختلاف التواريخ و التحريف و التبديل و يشهد لما ذكر، استعمال «خاتم النبيين» في الروايات و الأدعية و الخطب الواردة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام بمعني آخر النبيين (2) فإنه دليل علي أن المقصود منه هو آخر النبيين. لا يقال: الخاتم (بالفتح) هو حلقة تدخل في الإصبع للزينة، فالمقصود أن محمَّداً صلّي الله عليه و آله زينة الأنبياء، لأنا نقول: إن استعمال الخاتم لإفادة الزينة ليس بشايع، بل لايناسب مقام النبي مع كونه أفضل من جميع الأنبياء أن يشبه بحلقة في أيدي الأنبياء و لعل التعبير الشايع هو أن النبي صلّي الله عليه و آله مثلاً تاج الأنبياء (3).

هذا كله بناءً علي قراءة عاصم الموجودة في القرآن و أما بناءً علي قراءة بقية القرّاء السبعة، فالأمر أوضح؛ لأن الخاتم (بكسر التاء) هو اسم فاعل من ختم

- - - - - - -

1) الاحزاب: 40.

2) راجع كتاب خاتميت آخرين پيامبر: تأليف مظفري، ص 15 طبع قم المشرفة.

3) راجع معارف قرآن: جلسه 79 ص 792.

265

يختم و معناه أن محمداً صلّي الله عليه و آله أتمهم بوجوده، فلا نبي بعده. فعلي كل تقدير يكون مفاد الآية الشريفة أنه خاتم النبيين و آخرهم، ثم لا يخفي عليك ان النبي اعم من المرسل و لو بحسب المورد لما ذهب إليه بعض المحققين من أنهما من حيث المفهوم متباينان كتباين مفهوم العالم و مفهوم العادل ولكنهما بملاحظة الروايات و الأدلة الشرعية أعم و أخص مورداً، إذ المستفاد من الروايات أن كل رسول من أفراد الانبياء، فكما أن مفهوم العالم و العادل متباينان و مع ذلك يكون النسبة بينهما عموم من وجه بحسب المورد كذلك في

المقام فإن مفهوم النبوة غير مفهوم الرسالة و مع ذلك تكون النسبة بينهما عموم و خصوص مطلق بحسب المورد، إذ المستفاد ن الأخبار أن كل رسول من أفراد الأنبياء و مما ذكر يظهر الجواب عن وجه تقديم الرسول علي النبي في الآية الكريمة «و كان رسولاً نبياً» (1). مع أنّ مقتضي العلوم الأدبية هو تقديم الأعم علي الأخص؛ لما عرفت من أن بين المفهومين مغايرة و مباينة فلا يتقدم عنوان أخص علي الأعم و كيف كان فمع أعمية النبوة بحسب المورد، فإذا كان محمّد صلّي الله عليه و آله خاتم النبيين كان أيضاً خاتم المرسلين فلا رسول بعده أيضاً.

و من جملة الآيات هو قوله تعالي: «هو الذي أرسل رسوله باهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله و لو كره المشركين» (2) سواء كان المراد من الظهور هو الغلبة في الحجة أو الغلبة الخارجية، فإن مفاد الآية أن الإسلام و دين الحق يغلب علي الدين كله، فلو فرض مجيء دين آخر بعد الإسلام، كان ناسخاً له و غالباً عليه، فهو يتنافي مع صريح الآية فلا يجيء دين آخر بعد هذا الدين القويم، فتبقي نبوة نبينا إلي يوم القيامة و فرض النبي الحافظ مع وجود الإمام

- - - - - - -

مريم: 51

2) التوبة: 33.

266

الحافظ لغو و لا يجتمع الحافظان في وقت واحد، إلي غير ذلك من الآيات (1).

و من جملة الروايات الحديث المروي بطرق كثيرة من العامة و الخاصة عن النبي صلّي الله عليه و آله أنه قال لعلي عليه السلام: «أنت من بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنه لا نبي بعدي» و النكرة في سياق النفي تفيد العموم و حيث كان النبي أعم من

المرسل فنفي النبي يلازم نفي المرسل أيضاً كما لا يخفي.

و من جملة الروايات الحديث الصحيح المروي في من لايحضره الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام قال في حديث: «قال النبي صلّي الله عليه و آله و المسلمون حوله مجتمعون: أيها الناس إنه لا نبي بعدي، و لا سنة بعد سنتي، فمن ادعي بعد ذلك، فدعواه و بدعته في النار، فاقتلوه، و من اتبعه فإنه في النار» (2).

و من جملة الروايات أيضاً ما عن عبدالعظيم الحسني قال: «دخلت علي سيدي علي بن محمّد عليهما السلام فلما بصربي قال لي: مرحباً بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقاً، قال: فقلت له: يا ابن رسول الله إني اُريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضياً ثبتُّ عليه حتي ألقي الله عزَّوجلّ فقال: هات يا أبا القاسم، فقلت: إني أقول: إن الله تبارك و تعالي واحد ليس كمثله شيء إلي أن قال: و أن محمّداً عبده و رسوله خاتم النبيين فلا نبي بعده إلي يوم القيامة و أن شريعته خاتمة الشرايع، فلا شريعة بعدها إلي يوم القيامة إلي أن قال: فقال علي بن محمّد عليهما السلام يا أبا القاسم، هذا و الله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه، ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا و الآخرة» (3).

و من جملتها ما في نهج البلاغة قال علي عليه السلام حين يلي غسل

- - - - - - -

1) راجع كتاب خاتميت آخرين پيامبر و غيره من الكتب.

2) من لا يحضر الفقيه: ج 4، ص 121، ح 421. ط النجف.

3) كمال الدين: ج 2 ص 379.

267

رسول الله صلّي الله عليه و آله و تجهيزه: «بأبي أنت و أُمي يا رسول

الله، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة» (1).

و من جملتها ما روي في الصحاح الستة من أن رسول الله صلّي الله عليه و آله قال: «فضلت علي الأنبياء بست: اُعطيت بجوامع الكلم و نصرت بالرعب و اُحلّت لي الغنائم و جعلت لي الأرض طهوراً و مسجداً، و اُرسلتُ إلي الخلق كافة و ختم بي النبيون» (2).

و من جملتها ما رواه في الوسائل عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: «إن الله بعث محمداً صلّي الله عليه و آله فختم به الأنبياء، فلا نبي بعده و أنزل عليه كتاباً فختم به الكتب فلا كتاب بعده» (3) إلي غير ذلك من الروايات الكثيرة المتواترة الدالة عليه، أورد منها في كتاب «خاتميت آخرين پيامبر» أزيد من المائتين فراجع.

و هنا سؤالات: منها: أن المستفاد من بعض الآيات أن باب النبوة ليس منسداً، فكيف يكون محمّد صلّي الله عليه و آله آخر النبيين و من الآيات قوله عزّوجلّ: «يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقي و أصلح فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون» (4) و يمكن الجواب عنه بأن الآية حاكية عن خطابه تعالي لبني آدم بعد هبوط آدم و حواء، حيث قاله بعد الآية 24: «قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو و لكم في الأرض مستقر و متاع إلي حين * قال فيها تحيون و فيها تموتون و منها تخرجون * يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم و ريشاً و لباس التقوي ذلك خير إلي أن قال: يا بني

- - - - - - -

1) نهج البلاغة صبحي الصالح: خطبة 235 ص 355.

2) فضائل الخمسة من الصحاح

الستة: ج 1، ص 45.

3) الوسائل: ج 18 الباب 13، ح 62. ص 147.

4) الأعراف: 35.

268

آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة إلي أن قال عزّوجلّ: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد إلي أن قال تبارك و تعالي: يا بني آدم أما يأتينكم رسل منكم …» (1) فالآية في سياق خطاباته لبني آدم بعد الهبوط، و لا نظر لها بالنسبة إلي ما بعد النبي، نظير قوله: «قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدي فمن تبع هداي فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون» (2) و لذا قال العلاّمة الطباطبائي في ذيل قوله: «يا بني آدم إما يأتينكم رسل»: «والآية إحدي الخطابات العامة المستخرجة من قصة الجنة المذكورة هاهنا و هي رابعها و آخرها يبين للناس التشريع الإلهي العام للدين باتباع الرسالة و طريق الوحي، و الأصل المستخرج عنه هو مثل قوله في سورة طه: «قال اهبطوا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدي …» فبين أن اتيان الهدي منه إنما يكون بطريق الرسالة» (3) فلا يمكن رفع اليد عن الضرورة و الأدلة المتواترة بمثل هذه الآية التي لا تنافيها و غايتها أنها مطلقة فيرفع اليد عن اطلاقها بالأدلة المتواترة و بضرورة الخاتمية. نعم لو كان مختصاً بزمان بعد النبي صلّي الله عليه و آله و سلّم لصار منافياً، ولكنه ليس كذلك كما هو الواضح.

و منها: ما الحكمة في تعطيل النبوة مع أن استكمال البشر لا توقف له، ألم يحسن أن تدوم النبوة مع دوام استكمال البشر؟ و الجواب عنه أن حكمة ذلك عند الله تعالي؛ لأنه أعلم بالاُمور، و لكن يظهر للمتأمل بعض المقربات؛ لأن علل تجديد النبوة

فيما مضي من الزمان اُمور كلها منفية بعد ظهور الإسلام؛ لأن علل تجديد النبوة فيما مضي من الزمان اُمور كلها منفية بعد ظهور الإسلام؛ لأن من العلل تحريف ما نزل من الله إلي الناس، فيحتاج إلي بعث النبي الجديد ليرفع التحريف و يهدي الناس إلي الواقع مما نزل و منها أن البرامج المذكورة في الشرايع السابقة كثيراً ما ربما تكون عصرياً و مختصاً بزمان خاص و ليست

- - - - - - -

1) الأعراف: 24 35.

2) البقرة: 38.

3) الميزان 8: 86.

269

بصورة الكليات، لعدم امكان تحملهم لها، كما يشهد لذلك وقوع النسخ في الشرايع السابقة، فإنه حاك عن كون المنسوخ مختص ببعض الازمنة و لذا إذا تغيرت الاُمور، و احتاجت إلي البرامج الجديدة، محتاج إلي بعث النبي الجديد لتغيير الرامج طبق الاحتياجات و منها أن تفاصيل الوحي النازل يحتاج إلي تبيين و تطبيق، فيحتاج إلي بعث النبي الجديد لذلك و ليس في الإسلام و القرآن شيء من هذه الاُمور؛ لأن القرآن الكريم مصون عن التحريف بحفظه تعالي، كما نص عليه «إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون» (1).

و هكذا لا نقص و لا فقد في الإسلام بانسبة إلي ما يحتاج إليه الناس إلي يوم القيامة، فلا حاجة إلي ظهور شرع جديد لبيان حاجاتهم، كما نص عليه في قوله تبارك و تعالي: «اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً» (2) فإنه يحكي عن جامعية الإسلام و كماله بنزول القرآن و نصب الإمام المبين يوم غدير خم.

و هكذا و ردت روايات كثيرة دالة علي أن كل ما يحتاجه الناس، بينه الله للنبي صلّي الله عليه و آله و هو بينه للناس

و لو بواسطة أهل البيت عليهم السلام و من جملتها: ما روي عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: «إن الله لم يدع شيئاً يحتاج إليه الاُمة إلي يوم القيامة إلا أنزله في كتابه و بينه لرسوله» (3).

و منها أيضاً: ما روي عن أبي جعفر عليه السلام قال: سئل علي عليه السلام عن علم النبي صلّي الله عليه و آله: فقال «علم النبي علم جميع النبيين، و علم ما كان و علم ما هو كائن إلي قيام الساعة، ثم قال: و الذي نفسي بيده إني لأعلم علم النبي صلّي الله عليه و آله و علم ما كان و ما هو

- - - - - - -

1) الحجر: 9.

2) المائدة: 3.

3) بصائر الدرجات: ص 6.

270

كائن فيما بيني و بين قيام الساعة» (1)

ثم لا يذهب عليك أن الاُصول و القواعد الكلية المبينة في الإسلام ثابتة، بحث لا تحتاج إلي التغيير و التبديل، لكليتها و و فقها مع الحاجات التي تقتضيها الفطرة كالزواج و المعاملات و الأخلاقيات و الروابط الداخلية و الروابط الخارجية و الدفاع و غير ذلك، و التغيير إنما هو في ناحية الموضوعات كالأمتعة، فإنها تغير بتغير الزمان، و لكن أحكام المعاملة لا تتغير و كالأسلحة فإنها تتغير بمرور الزمان، و لكن أحكام الدفاع بالسلاح لا تتغير و هكذا و أيضاً من الاُصول الكلية التي لا تغيير فيها هو أصل نفي الضرر و الضرار و أصل نفي العسر و الحرج و نحوهما، مما لهما الدخل التام في حل المشاكل العصرية و المشاكل الفردية. هذا مضافاً إلي الأحكام الموقتة السلطانية و مما ذكر يظهر أن موجبات تجديد النبوة لا تكون موجودة بعد ظهور الإسلام و جامعيته، نعم

يبقي الحاجة إلي البيان و التفسير و التطبيق، ولكنها محولة إلي الائمة عليهم السّلام فمع وجودهم لا حاجة إلي النبي الجديد أصلاً و لعله لذا ختم النبوة (2).

و منها: أن لازم ختم النبوة هو قطع ارتباط الاُمة مع المبدأ الاعلي و فيه أن الارتباط بالمبدأ الأعلي لا ينحصر في النبوة إذ الارتباط بوسطة الائمة عليهم السلام ميسور و ممكن، بل واجب، إذ الإمامة غير منقطعة إلي يوم القيامة و الإمام محدث و الملائكة تتنزل إليهم و يخبرهم بما يكون في السنة من التقدير و القضاء و الحوادث و بأعمال العباد و غير ذلك، لتواتر الروايات الدالة علي ذلك و من جملتها ما روي عن الباقر عليه السلام: «إن أوصياء محمّد عليه و عليهم السّلام محدثون» (3).

- - - - - - -

1) بصائر الدرجات: ص 127.

2) راجع معارف قرآن: جلسه 79 ص 794.

3) الاصول من الكافي: ج 1 ص 270، راجع كتاب نبوت: ص 179 180.

271

و أما أن النبي صلّي الله عليه و آله سيد المرسلين و أفضلهم علي الاطلاق فيكفيه رسالته العامة الدائمة إلي يوم القيامة، فإنها لم تكن لأحد من الأنبياء و هكذا القرآن النازل إليه، فإنه لم يشبهه كتاب من الكتب النازلة و صحيفة من الصحف النازلة و من المعلوم أن الأمرين المذكورين يدلان علي عظمة النبي و شأنيته لتلك الرسالة العظمي و لمعرفة القرآن الكريم الذي لا نهاية له، كما ورد: «إنما يعرف القرآن من خوطب به» فهو عارف بحقائق لم يعرفها الأنبياء سابقاً و مرسل إلي اُمة لا سابقة له في الماضين. هذا مضافاً إلي تخلقه بالأخلاق الفاضلة و الآداب و السنن و قد أشار المصنف بقوله: «و إنه لعلي

خلق عظيم» إلي الآية الشريفة: «و إنك لعلي خلق عظيم» (1) الدالة علي تخلقه بالخلق العظيم، و قد أورد العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه في المجلد السادس من تفسير الميزان جملة من روايات سننه، التي فيها مجامع أخلاقة التي تلوح إلي أدبه الإلهي الجميل، مع كونها مؤيدة بالآيات الشريفة القرآنية و هذه الروايات الدالة علي أخلاقه و سننه و آدابه تقرب مائة و ثمانين (2) فراجعه و غيره من الجوامع و كيف كان يكفي في عظمة أخلاقه توصيف الله اياه بأنه عظيم، مع أنه لم يوصف نبي بأن خلقه عظيم.

و هكذا الروايات الدالة علي أن النبي صلّي الله عليه و آله سيد المرسلين و افضلهم كثيرة. منها ما روي في عيون أخبار الرضا عليه السلام من المأمون، سأل علي بن موسي الرضا عليه السلام أن يكتب له محض الإسلام علي الايجاز الاختصار. فكتب عليه السلام له: «و من جملة، و أن محمداً عبده و رسوله و أمينه و صفيه و صفوته من خلقه و سيد المرسلين و خاتم النبيين و أفضل العالمين، لانبي بعده، و لا تبديل لملته، و لا تغيير لشريعته و أن جميع ما جاء به

- - - - - - -

1) القلم: 4.

2) الميزان: ج 6، ص 321 357.

272

محمَّد بن عبدالله هو الحق المبين» (1).

و أيضاً الروايات الدالة علي أن كل ما للأنبياء، فهو لنبينا محمَّد صلّي الله عليه و آله تدل علي أفضليته منهم؛ لأن له ما لجميعهم و أزيد و من جملتها ما رواه في الكافي عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «قال لي: يا أبا محمَّد إن الله عزّوجلّ لم يعط الأنبياء شيئاً إلاّ و قد أعطاه

محمداً صلّي الله عليه و آله، قال: و قد أعطي محمداً جميع ما أعطي الأنبياء و عندنا الصحف التي قال الله عزّوجلّ: صحف ابراهيم و موسي. قلت: جعلت فداك، هي الالواح؟ قال: نعم» (2).

و من جملتها أيضاً: ما رواه في الكافي عن أبي الحسن الأول عليه السلام «قال: قلت له: جعلت فداك، أخبرني عن النبي صلّي الله عليه و آله ورث النبيين كلهم؟ قال: نعم، قلت: من لدن آدم حتي انتهي إلي نفسه؟ قال: ما بعث الله نبياً إلاّ و محمّد صلّي الله عليه و آله أعلم منه. قال: قلت: إن عيسي بن مريم كان يحيي الموتي بإذن الله، قال: صدقت و سليمان بن داود كان يفهم منطق الطير و كان رسول الله صلّي الله عليه و آله بقدر علي هذه المنازل، الحيدث» (3).

و أيضاً تدل علي ذلك الروايات الدالة علي تقدم خلقة روح النبي صلّي الله عليه و آله علي غيره و منها ما رواه في الكافي عن جابر بن يزيد قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: «يا جابر إن الله أول ما خلق، خلق محمَّداً صلّي الله عليه و آله و عترته الهداة المهتدين فكانوا أشباح نور بين يدي الله، الحديث» (4).

- - - - - - -

1) عيون اخبار الرضا: ج 2 ص 120 125.

2) الاصول من الكافي: ج 1 ص 225.

3) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 226.

4) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 442.

273

و منها: ما رواه في الكافي عن أبي عبدالله عليه السلام «إن بعض قريش قال لرسول الله صلّي الله عليه و آله: بأي شيء سبقت الأنبياء و أنت بعثت آخرهم و خاتمهم؟ قال: إني كنت أول

من آمن بربي و أول من أجاب حين أخذ الله ميثاق النبيين و أشهدهم علي أنفسهم، ألست بربكم؟ قالوا: بلي، فكنت أنا أول نبي قال بلي، فسبقتهم بالاقرار بالله» (1).

إلي غير ذلك من الأدلة و الشواهد الكثيرة و كيف كان، فسيادة النبي علي المرسلين و أفضليته منهم من المسلّمات لا مجال للتأمّل فيها، فإذا كان أفضل من الأنبياء فهو أفضل من غيرهم بطريق أولي و الأفضلية مقام يناسبه.

- - - - - - -

1) الاُصول من الكافي: ج 1 ص 441.

9 عقيدتنا في القرآن الكريم

9 عقيدتنا في القرآن الكريم

نعتقد أن القرآن هو الوحي الإلهي المنزل من الله تعالي علي لسان نبيه الأكرم، فيه تبيان كل شيء و هو معجزته الخالدة التي أعجزت البشر عن مجاراتها في البلاغة و الفصاحة و فيما احتوي من حقائق و معارف عالية (1) لا يعتريه التبديل و التغيير و التحريف و هذا الذي

(1) و لقد أفاد و أجاد في عدم اختصاص وجوه الإعجاز بالبلاغة و الفصاحة، إذ القرآن من جميع جهاته يكون معجزة، و تحدي القرآن لا يختص بوجه من وجوهه، بل اطلاق التحدي به كما صرح به العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه يشمل جميع ما يمكن فيه التفاضل في الصفات. فالقرآن آية للبليغ في بلاغته و للفصيح في فصاحته و للحكيم في حكمته، و للعالم في علمه و للاجتماعي في اجتماعه و للمقننين في تقنينهم و للسياسين في سياستهم و للحكام في حكومتهم و لجميع العالمين فيما لا ينالونه جميعاً كالغيب (1).، و يشهد له أن التحدي بالقرآن لو كان ببلاغة القرآن و فصاحته فقط، لم يتعد عن العرب، مع أن التحدي لا يختص بالإنسان، بل يعم الجن. «قل لئن اجتمعت

- - -

- - - -

(1) الميزان: ج 1 ص 58.

275

الإنس و الجن علي يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيراً» (1).

لا يقال: إن التحدي بالنسبة إلي العرب بالمباشرة و بالنسبة إلي غيرهم بالتسبيب، فالآية لا تنافي انحصار وجوه الإعجاز في الفصاحة و البلاغة؛ لأنا نقول: إن ظاهر الآية هو التحدي بالنسبة إلي جميع أفراد البشر و الجن علي نحو واحد؛ لأن الخطاب فيها علي نحو القضية الحقيقة فيشمل الحاضرين و الغائبين، بل المعدومين في ظرف وجودهم من دون فرق بينهم، فالتفصيل بين الأفراد بالمباشرة و التسبيب خلاف الظاهر.

هذا مضافاً إلي شهادة العيان بعجز البشر عن الاتيان بمثله في جميع الجهات، من الفصاحة و البلاغة و المعارف الحقيقية و الأخلاق الفاضلة و الأحكام التشريعية و الأخبار المغيبة و أسرار الخلقة و غير ذلك، و اعترف بذلك أهل الإنصاف من فحول العلوم و إليه أشار العلامة آية الله الشيخ محمد جواد البلاغي قدّس سرّه حيث قال: «إن إعجاز القرآن لم يكن بمجرد الفصاحة و البلاغة و إن كفي ذلك في الإعجاز و الحجة علي دعوي الرسالة علي أتم الوجوه في المعجز و أعمها، فأين أنت عن عرفانه العظيم الذي هو لباب المعقول و صفوة الحكمة و أين أنت عن أخلاقه التي هي روح الحياة الأدبية و الاجتماعية و أين أنت عن قوانينه الفاضلة و شرائعه العادلة و محلها من العدل و المدينة و أين أنت عن إنبائه بالغيب التي ظهر مصداقها في المستقبل و هلم النظر إلي أقصر سور القرآن و ما عرفناه من عجائبها الباهرة انظر إلي سورة التوحيد و أنوار عرفانها الحقيقي في ذلك العصر المظلم، و انظر إلي سورة

تبت و إنبائها بهلكة أبي لهب و امرأته بدخول النار، و ظهور مصداق ذلك بموتها علي الكفر و حرمانهما من

- - - - - - -

1) الاسراء: 90.

276

سعادة الإسلام الذي يجبُّ ما قبله، و انظر إلي سورة النصر و إنبائها بغيب النصر و الفتح، كما ظهر مصداقه بعد ذلك إلي أن قال: و أين أنت عن جامعيته و استقامته في جميع ذلك من دون أن تعترضه زلة اختلاف أو عثرة خطأ أو كبوة تناقض، فإن في ذلك أعظم اعجاز يعرفه الفيلسوف و الاجتماعي و السياسي المدني. «أفلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غيرالله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً» (1).

فهل يكون كل ذلك من إنسان لم يقرأ و لم يكتب و لم يتربَّ في البلاد الراقية و إنما كان بدوياً من البلاد المنحطة في كل أدب، المدرسة الابتدائية في موطنه إنما هي بساطة أعراب البادية و خلوهم عن المعارف، و المدرسة الكلية تنظم تعاليمها من الوثنية الأهوائية و خشونة الوحشية و الجبروت الاستبدادي و العدوان و عوائد الضلال و الجور و الشرائع القاسية و لئن سمعت الاحتجاج بإعجاز القرآن في فصاحته و بلاغته، فإنما هو لأجل عموم هذا الإعجاز و أنه هو الذي يذعن به العرب الذين ابتدأهم الدعوة و تناله معرفتهم حسب ما عندهم من الأدب، الراقين فيه، فتقوم الحجة عليهم و علي غيرهم و تبقي سائر وجوه الإعجاز للفيلسوف و الاجتماعي و السياسي المدني يأخذ منها كل منهم بمقدار حظه من الرقي» (2) و عليه فكان الأولي هو أن يشير المصنف إلي هذه النكتة، فإنه لا ريب و لا إشكال في كون اتيان القرآن ممن لم يتعلم و لم يكتب و لم يقرأ

في مدرسة من المدارس، إعجازاً ظاهراً بيناً، كما أشيرإليه في قوله عزّوجلّ: «فقد لبثت فيكم عمراً من قبله افلا تعقلون» (3) و قوله تعالي: «وما كنت تتلو من قبله من كتاب و لا تخطّه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون» (4).

- - - - - - -

1) النساء: 84.

2) أنوارالهدي: ص 133 135.

3) يونس: 16.

4) العنكبوت: 48.

277

و مما ذكر يظهر أن نفس القرآن بفصاحته و بلاغته و محتواه معجزة بعبارة اُخري، إعجازه داخلي بمعني أنه علي كيفية يعجز عنه الآخرون من الجن و الإنس و عليه فما نقل عن النظام و السيد المرتضي، و احتمله المحقق الطوسي قدّس سرّه في متن تجريد الاعتقاد، و العلاّمة الحلي في شرحه من الصرفة بمعني أن الله تعالي صرف العرب و منعهم عن المعارضة، و إلاّ فالعرب كانوا قادرين علي الألفاظ المفردة و علي التركيب و إنما منعوا عن الاتيان بمثله تعجيزاً لهم عما كانوا قادرين عليه، في غاية الضعف، فإن كثيراً ممن تصدوا لمارضة القرآن و لم يستطيعوا، اعترفوا بأن القرآن في درجة، عجز عن مثله البشر، فإن لم يكن القرآن معجزاً بنفسه، لزم أن يعترف العاجز بمجرد العجز عن الاتيان بمثله و قد روي قاضي عياض في إعجاز القرآن أنه ذكر أبوعبيد أن اعرابياً سمع رجلاً يقرأ «فاصدع بما تؤمر و اعرض عن المشركين» (1) فسجد، و قال: سجدت لفصاحته، و حكي الاصمعي أنه سمع كلام جارية، فقال لها: قاتلك الله ما أفصحك! فقالت: أو يعد هذا فصاحة بعد قول الله تعالي: «وأوحينا إلي اُم موسي أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم و لا تخافي و لا تحزني إنا رادوه إليك و جاعلوه من المرسلين» (2) فجمع

في آية واحدة بين أمرين و نهيين و خبرين و بشارتين.

و سمع آخر رجلاً يقرأ «فلما استيئسوا منه خلصوا نجياً» (3) فقال: أشهد أن مخلوقاً لا يقدر علي مثل هذا الكلام، و لذلك أيضاً لما سمع الوليد بن المغيرة من النبي صلّي الله عليه و آله «إن الله يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون» (4) قال: و الله إن

- - - - - - -

1) الحجر: 94.

2) القصص: 7.

3) يوسف: 80.

4) النحل: 90.

278

له الحلاوة و إن عليه لطلاوة (حسن و بهجة) و أن أسفله لمغدق (من اغدق: اتسبع و كثر فيه الخير) و إن أعلاه لمثمر و إنه ليعلو و لا يعلي عليه و ما يقول هذا بشر و لعله لذاك أيضاً لما سمع كلام النبي صلّي الله عليه و آله و سلّم الوليد بن المغيرة، و قرأ عليه القرآن رق فجاءه أبوجهل منكراً عليه، قال: و الله ما منكم أحد أعلم بالإشعار مني، و الله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا (1).

و بالجملة كل هذا و نظائره مما يشهد علي أن نفس القرآن، كلام يعجز عن اتيانه البشر و الجن. هذا مضافاً إلي ما في «البيان» من أنه لو كان إعجاز القرآن بالصرفة، لوجد في كلام العرب السابقين مثله، قبل أن يتحدي النبي البشر و يطالبهم بالاتيان بمثل القرآن، و لو وجد ذلك لنقل و تواتر، لتكثر الدواعي إلي نقله و إذ لم يوجد و لم ينقل كشف ذلك عن كون القرآن بنفسه اعجازاً إلهياً و خارجاً عن طاقة البشر (2). هذا بحسب الشواهد التاريخية الدلالة علي أن إعجاز القرآن

من جهة محتواه لا من جهة المنع و الصرف الخارجي.

و زاد عليه العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه بما في تفسيره من أن هذا قول فاسد، لا ينطبق علي ما تدل عليه آيات التحدي بظاهرها، كقوله تعالي: «قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات و ادعوا من استطعم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما اُنزل بعلم الله» (3) فإن الجملة الأخيرة ظاهرة في أن الاستدلال بالتحدي إنما هو علي كون القرآن نازلاً، لا كلاماً تقوّله رسول الله صلّي الله عليه و آله و أن نزوله إنما هو بعلم الله، لا بإنزال الشياطين كما قال تعالي: «أم يقولون تقوّله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين» (4) و قوله «وما تنزلت به الشيطان و ما ينبغي لهم و ما يستطيعون *

- - - - - - -

1) راجع تفسير البيان في تفسير القرآن: 42 نقلاًعن تفسير الطبري و تفسير القرطبي

2) البيان في تفسير القرآن: 61.

3) هود: 13 14.

4) الطور: 33 34.

279

إنهم عن السمع لمعزولون» (1) و الصرف الذي يقولون به، إنما يدل علي صدق الرسالة به وجود آية هي الصرف، لا علي كون القرآن كلاماً لله، نازلاً من عنده و نظير هذه الآية، الآية الاُخري و هي قوله تعالي: «أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله و ادعوا من استطعتم من دون الله أن كنتم صادقين * بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله» (2) فإنها ظاهرة في أن الذي يوجب استحالة اتيان البشر بمثل هذا القرآن و ضعف قواهم و قوي كل من يعينهم علي ذلك من تحمل هذا الشأن، هو أن للقرآن تأويلاً لم يحيطوا بعلمه،

فكذبوه و لا يحيط به علماً إلاّ الله، فهو الذي يمنع المعارض عن أن يعارض عن أن يعارضه لا أن الله سبحانه يصرفهم عن ذلك مع تمكنهم منه لو لا الصرف بإرادة من الله تعالي و كذا قوله تعالي: «أفلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً» (3) فإنه ظاهر في أن الذي يعجز الناس عن الاتيان بمثل القرآن، إنما هو كونه في نفسه علي صفة عدم الاختلاف لفظاً و معني، و لا يسع لمخلوق أن يأتي بكلام غير مشتمل علي الاختلاف، لا أن الله صرفهم عن مناقضته بإظهار الاختلاف الذي فيه. هذا، فما ذكروه من أن إعجاز القرآن بالصرف كلام لا ينبغي الركون إليه (4) و أضف إلي ذلك أن صدور العلم القرآني مع ما فيه من التعالي و العظمة من الذي يكون اُمياً لم يقرأ و لم يكتب و لم يدرس عند أحد إعجاز و خارج عن القدرة و العادة، و الصرفة فيما يمكن عادة لا فيما لا يمكن عادة فلا تغفل.

ثم لا يذهب عليك أن دعوي الرسالة من النبي كما هي صريح بعض الآيات، كقوله تعالي: «قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً» (5) مع ظهور المعجز في يده و هو القرآن الكريم، كما عرفت، يكفي لإثبات نبوته

- - - - - - -

1) الشعراء: 210 212.

2) يونس: 38 39.

3) النساء: 81.

4) تفسير الميزان 1: 68.

5) الاعراف: 158.

280

و رسالته، إذ لو كان كاذباً لزم الإغراء بالجهل و هو ممتنع الصدور عنه تعالي، لعدم مناسبته مع اطلاق كماله و حكمته، و لكن مع ذلك أكد و تنازل و سلك مسلك الإنصاف و المماشاة و تحدي

الناس و ناداهم باتيان عشر سور «أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات و ادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا فاعلموا أنما اُنزل بعلم الله» (1) ثم تنازل عنه لتثبيت العجز و تحداهم و ناداهم باتيان سورة واحدة «أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله و ادعوا من استطعتم من دون الله أن كنتم صادقين» (2).

ثم لم يكتف بذلك بل دعاهم بالاتيان و المعارضة و الاستمداد من كل من حضر «وإن كنتم في ريب مما نزلنا علي عبدنا فأتوا بسورة من مثله و ادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين» (3).

ثم أكد التأكيدات بالإخبار الإعجازي بأن السعي في طريق المعارضة لا نتيجة له إلاّ الخسارة و الافتضاح و لو اجتمع الجن و الإنس و استظهر بعضهم ببعض لا يمكن أن يأتوا بمثله إلي الأبد.

كما نص عليه «فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار» (4)، «قل لئن اجتمعت الإنس و الجن علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيراً» (5).

و هذا هو السبب لتسمية القرآن بالمعجزة الخالدة إذ لا يختص إعجازه بعصر و لا زمان، بل هو معجزة إلي الأبد، كما أخبر عنه في قوله: «ولن تفعلوا» و في قوله: «ولا يأتون».

قال العلاّمة آية الله الشيخ محمَّد جواد البلاغي قدّس سرّه: «وقد مضت

- - - - - - -

1) هود 13 14.

2) يونس: 38.

3) البقرة: 23.

4) البقرة: 24.

5) الاسراء: 88.

281

بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزل علي النبي، و من أدعي فيه غير ذلك فهو مخترق كاذب، أو مغالط، أو مشتبه و كلهم علي غير هدي، فإنه كلام الله الذي

«لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه» (2) لهم مدة و أعوام و دعوة الرسالة و الإعذار و الإنذار دائمة عليهم، وهم في أشد الضجر منها و الكراهية لها و الخوف من عاقبتها و التألم من آثارها و تقدمها و ظهورها و في أشد الرغبة في أهوائهم و عوائدهم و رياساتهم، و العكوف علي معبوداتهم و مع ذلك لم يستطيعوا معارضة شيء من القرآن الكريم، و لا الاتيان بسورة من مثله، لكي تظهر حجتهم و تسقط حجية الرسول و يستريحوا من عنائهم من الدعوة التي شتت جامعتهم الأوثانية و قاومت رياساتهم الوحشية و تشريعاتهم الأهوائية و فرقت بين الأب و بنيه، و الأخ و أخيه، و الزوج و زوجه، و القريب و قريبه و كدرت صفاء قبائلهم و نافرت بين عواطفهم، و لم يجدوا لذلك حيلة إلاّ الجحود الواهي و العناد الشديد و الاضطهاد القاسي و الاستشفاع بأبي طالب و غيره تارة و المثابرة الوحشية اُخري، مع تقحم الأهوال و قتال الأقارب مقاساة الشدائد و أهوال المغلوبية، فلماذا لم يتظاهروا بأجمعهم عشر سنوات أو أكثر و يأتوا بشيء من مثل القرآن الكريم و يفاخروه و يحاكموه في المواسم و المحافل التي أعدوها لمثل ذلك، فتكون لهم الحجة و الغلبة في الحكومة و قرار النصفة و ينادوا بالغلبة و يستريحوا من عناء هذه الدعوة، وهم هم و مواد القرآن في مفرداته و تراكيبه من لغتهم و اُسلوبه من صناعتهم التي لهم التقدم و الرقي فيها و لله الحجة البالغة (1).

(2) يدل علي حفظ القرآن و بقائه من دون تغير و تبديل اُمور:

- - - - - - -

1) أنوار الهدي: ص 133.

282

دلائل اعجازه

أنه كلما تقدم الزمن و تقدمت العلوم و الفنون فهو باق علي طراوته و حلاوته،

و علي سموّ مقاصده و أفكاره، و لا يظهر فيه خطأ في نظرية علمية ثابتة، و لا تحمل نقض حقيقة فلسفية يقينية، علي العكس من كتب العلماء و أعاظم الفلاسفة مهما بلغوا في منزلتهم العلمية و مراتبهم الفكرية، فإنه يبدو بعض منها علي الأقل تافهاً، أو نابياً، أو مغلوطاً، كلما تقدمت الأبحاث العلمية و تقدمت العلوم بالنظريات المستحدثة، حتي من مثل أعاظم فلاسفة اليونان كسقراط و افلاطون و أرسطو الذين اعترف لهم جميع من جاء بعدهم بالاُبوة العلمية و التفوق الفكري.

و نعتقد أيضاً بوجوب احترام القرآن الكريم و تعظيمه بالقول و العمل، فلا يجوز تنجيس كلماته حتي الكلمة الواحدة المعترة جزءاً منه، علي وجه يقصد أنها جزء منه، كما لا يجوز لمن كان علي غير طهارة أن يمس كلماته أو حروفه «لا يمسه إلاّ المطهرون» سواء كان محدثاً بالحدث الأكبر كالجنابة و الحيض و النفاس و شبهها أو محدثاً بالحدث الأصغر حتي النوم، إلاّ إذا اغتسل أو توضأ علي التفاصيل التي تذكر في الكتب الفقهية.

كما أنه لا يجوز احراقه و لا يجوز توهينه بأ ضرب من ضروب التوهين الذي يعد في عرف الناس توهيناً مثل رميه أو تقذيره أو سحقه بالرجل، أو وضعه في مكان مستحقر، فلو تعمد شخص توهينه و تحقيره بفعل واحد من هذه الاُمور و شبهها فهو معدود من المنكرين للإسلام و قدسيته المحكوم عليهم بالمروق عن الدين و الكفر برب العالمين.

283

أحدها:

الآيات الدالة علي أن الله سبحانه ضمن حفظه كقوله: «إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون» (1) فإنه يدل علي أن حفظ القرآن بيد من نزّله

و التنزيل و إن كان أمراً حادثاً ماضياً و لكن الحفظ امر يدوم من دون امد و مدة قضاء للجملة الإسمية المؤكدة بالتأكيدات المتعددة.

لا يقال: إن الآية الكريمة لا تدل علي ذلك إلا إذا ثبت عدم كونها من الزيادات لأنا نقول عدم الزيادة في القرآن الكريم من الضروريات و الاتفاقيات بين المسلمين فلا مجال لاحتمال الزيادة في القرآن الكريم و عليه فالآية تدل علي مصونية القرآن الكريم من النقصان و الزيادة و التحريف.

ثانيها:

أن المستفاد من الآيات الدالة علي التحدي بالقرآن الموجود بينهم هو أنه معجزة خالدة و مقتضاه هو بقاؤه علي ما هو عليه، حتي يكون معجزة خالدة، و إلاّ فالمزيد فيه ممكن المعارضة، فلا يكون بتمامه معجزة خالدة فيتنافي مع آيات التحدي الدالة علي أن القرآن الكريم معجزة خالدة بنفسها و آياتها كما لا يخفي.

ثالثها:

أن الائمة عليه السلام استشهدوا بالآيات القرآنية و أرجعوا الأصحاب إلي الاستشهاد بها بما هي من كتاب الله و هو دليل علي حجية الكتاب، فلو كان فيه إحتمال التغيير و التبديل، لم يكن حجة كما هو ظاهر.

رابعها:

أن النبي صلّي الله عليه و آله صرح بترك الثقلين بين الناس إلي يوم القيامة و التأكيد علي أن التمسك بهما لا يوجب الضلالة، حيث قال: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً» فهو دليل علي مصونية ماترك بينهم عن التبديل و التغيير و إلاّ فالتمسك به لا يخلو عن الضلالة.

- - - - - - -

1) الحجر: 9.

284

خامسها:

الروايات الدالة علي المراجعة إلي القرآن و الاستضاءة بنوره، إذ مع التغيير و التبديل لا مجال لذلك كما لا يخفي.

سادسها:

الروايات الدالة علي أن الروايات المخالفة للقرآن باطل و

زخرف، فإنه مع التغيير و التبديل لا مجال للحكم بكون المخالف باطلاً أو زخرفاًً، فالمعلوم من هذه الروايات أن القرآن معيار تشخيص الحجة عن اللاحجة، فما لم يكن بنفسه حجة لا يصلح لذلك.

سابعها:

الروايات الدالة علي ان الموافقة للكتاب من المرجحات في الروايات المتعارضات، مع انه لو لم يكن في نفسه حجة يصلح لذلك.

ثامنها:

أن القرآن الكريم متواتر بتمام اجزائه من عهد النزول الي زماننا هذا و بعده لانه كان من عهد النبي مورداً للاهتمام و التوجه، بحيث لا مجال للتغيير و التبديل فيه و كان النبي صلّي الله عليه و آله هو الأكثر توجهاً بذلك، كيف لا يكون كذلك، مع أنه اصل و أساس للإسلام. فالعقل يشهد بأن اهتمامه به كثير في زمان حياته و لذا ذهب الأصحاب إلي حفظه و قراءته و مقارأَته بحيث صار الكتاب محفوظاً و منشوراً في عصره قال الفاضل الشعراني: «قال النبي صلّي الله عليه و آله: «ليؤمكم أقر أكم» فرغب الناس إلي حفظ القرآن و كتابته (بمثل هذا البيان) إلي أن حفظ عدد غير محصور من المسلمين في أقطار الحجاز، كل واحد من السور القرآنية بالتحفظ الذهني أو الكتبي. مثلاً حفظ عشرة آلاف نفر سورة يس و عشرون ألفاً سورة الرحمن و هكذا، و لم تكن سورة لا يحفظها جمع كثير. عدة منهم حفظوا عشر سور و عدة اُخري حفظوا خمسين سورة و عدة منهم حفظوا كل ما نزل كعبدالله بن مسعود و اُبي بن كعب و أمير المؤمنين عليه السلام.

ثم إن تركيب سور القرآن من الآيات و عددها و موضع الآية النازلة بالنسبة إلي أي سورة، عينه النبي صلّي الله عليه و آله من ناحية الله تعالي، و لكل

285

سورة

اسم مخصوص معروفة به في زمانه صلّي الله عليه و آله بحيث إذا قال النبي صلّي الله عليه و آله سورة طه، أو سورة مريم، أو سورة هود علمه الناس و فهموه. مثلاً لما قال النبي صلّي الله عليه و آله: شيبتني سورة هود، علمه الناس لأن اُلوفاً منهم حفظوها أو كتبوها. كل ذلك معلوم بالتواتر و لا شك فيه إلي أن قال ما محصله: فهم حفظوا القرآن الكريم بتمام الدقة حرفاً بحرف و كلمة بكلمة إلي عهدنا هذا و الله تعالي حتم علي نفسه حفظه كما قال: «إن علينا جمعه و قرآنه» (1) و أنجز الله تعالي هذا الوعد، و المسلمون راعوا ضبط القرآن مع كماله المواظبة و سلكوا الاحتياط إلي أنه لو كتب في الصدر الأول رسم الخط القديم علي خلاف القواعد المعمولة، حفظوه بتلك الصورة و لم يجوزوا تغييره مثلاً بعد واو الجمع لزوم ذكر الألف طبقاً للقواعد المعمولة في رسم الخط و هذا القاعدة كانت مرعية في القرآنات التي كتب في عهد الصحابة إلاّ في كلمة «جاؤ» و «فاؤ» و «باؤ» و «سعو في آياتنا» في سورة سبأ و «عتو عتواً» في الفرقان و «الذين تبوؤ الدار» في الحشر، فإن الألف في الموارد المذكورة لم يكتب في تلك القرآنات و تبعهم المتأخرون في ترك الألف في الموارد المذكورة، و لم يجوزوا زيادتها حتي نعلم أنهم حفظوا و ضبطوا القرآن بأمانة و دقة، و لم يكن سبيل للتحريف و التغيير فيه إلي أن قال: نعم في عهدنا لم يلتفت بعض الناشرين في إيران إلي النكتة المذكورة، و لم يراعوا ذلك و زادوا الألف في المواضع التي تركه الصحابة و هذا موجب للأسف

من جهة عدم توجه الناشرين إلي هذه النكتة المهمّة، مع أن المسلمين في الممالك الاُخر راعوا ذلك كمال الرعاية» (2).

و المحصل أن القرآن الموجود بين أيدينا مستند إلي التواتر القطعي سلفاً عن

- - - - - - -

1) القيامة: 18.

2) كتاب راه سعادت: ص 133 135.

286

سلف إلي زمان النبي صلّي الله عليه و آله.

و قال في البيان: «وقد أطلق لفظ الكتاب علي القرآن في كثير من آياته الكريمة، وفي قول النبي صلّي الله عليه و آله: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي» و في هذا دلالة علي أنه كان مكتوباً مجموعاً؛ لأنه لا يصح اطلاق الكتاب عليه و هو في الصدور، بل و لا علي ما كتب في اللخاف (الحجارة البيض الرقاق) و العسب (الجرائد) و الأكتاف إلاّ علي نحو المجاز و العناية، و المجاز لا يحمل اللفظ عليه من غير قرينة، فإن لفظ الكتاب ظاهر فيما كان له وجود واحد جمعي، و لا يطلق علي المكتوب إذا كان مجزءاً غير مجتمع، فضلاً عما إذا لم يكتب و كان محفوظاً في الصدور فقط» (1). و لا يضر استعمال الكتاب في بعض الآيات مجازاً في أن لفظ الكتاب من دون قرينة علي الخلاف ظاهر في معناه الحقيقي. و قال في موضع آخر: «إن اسناد جمع القرآن إلي الخلفاء أمر موهوم مخالف للكتاب و السنة و الإجماع و العقل، فلا يمكن للقائل بالتحريف أن يستدل به علي دعواه، و لو سلمنا أن جمع القرآن هو أبوبكر في أيام خلافته، فلا ينبغي الشك في أن كيفية الجمع المذكورة في الروايات المتقدمة مكذوبة و أن جمع القرآن كان مستنداً إلي التواتر بين المسلمين، غاية الأمر أن الجامع

قد دون في المصحف ما كان محفوظاً في الصدور علي نحو التواتر، نعم لا شك أن عثمان قد جمع القرآن في زمانه، لا بمعني أنه جمع الآيات و السور في مصحف، بل بمعني أنه جمع المسلمين علي قراءة إمام واحد و أحرق المصاحف الاُخري التي تخالف ذلك المصحف و كتب إلي البلدان أن يحرقوا ما عندهم منها و نهي المسلمين عن الاختلاف في القراءة، و قد صرح بهذا كثير من أعلام أهل السنة. قال الحارث المحاسبيك «المشهور عند الناس أن جامع القرآن عثمان و ليس

- - - - - - -

1) البيان في تفسير القرآن: ص 167.

287

كذلك، إنما حمل عثمان الناس علي القراءة بوجه واحد، علي اختيار وقع بينه و بين من شهده من المهاجرين و الأنصار، لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق و الشام في حروف القراءات، فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات علي الحروف السبعة التي اُنزل بها القرآن» (1) أقول: أما أن عثمان جمع المسلمين علي قراءة واحدة و هي القراءة التي كانت متعارفة بين المسلمين و التي تلقوها بالتواتر عن النبي صلّي الله عليه و آله و أنه منع عن القراءات الاُخري المبتنية علي أحاديث نزول القرآن علي سبعة أحرف، التي تقدم توضيح بطلانها، أما هذا العمل من عثمان، فلم ينتقده عليه أحد من المسلمين و ذلك لأن الاختلاف في القراءة كان يؤدي … إلي تكفير بعضهم بعضاً إلي أن قال: و لكن الأمر الذي أنتقد عليه هو احراقه لبقية المصاحف و أمره أهالي الأمصار باحراق ما عندهم من المصاحف و قد اعترض علي عثمان في ذلك جماعة من المسلمين، حتي سمّوه بحراق المصاحف» (2).

تاسعها:

أنك قد

عرفت أن مقتضي الأدلة القطعية المذكورة، هو أن الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل علي النبي الأعظم و هو الذي أيده الله في عصرنا هذا، فإن عندنا في إيران رجلاً من اهل تويسركان أشرقه الله بنور القرآن، و هو مع كونه عامياً و غير قادر علي قراءة اللغة العربية و الفارسية، حفظ باشراقه تعالي دفعة واحدة في لحظة واحدة جميع القرآن، و امتحنه بعض الأفاضل من الحوزة العلمية بقم، بإمتحانات دقيقة ظريفة و ظهر صدقه و اشتهر أمره و كان القرآن الذي حفظه عين الموجود بأيدينا من دون فرق.

بقي شيء و هو أن هنا روايات قد يستدل بها للتحريف ولكنها علي

- - - - - - -

1) الاتقان: النوع 18 ج 1 ص 103.

2) البيان في تفسير القرآن: ص 171 172.

288

طوائف: منها مربوطة بالقراءات و منها بيان المصاديق للعناوين الكلية في الآيات و منها بيان التحريف المعنوي عن المبطلين، لا التحريف الاصطلاحي و منها بيان التأويل و منها ضعيفة السند لا يعتني بها، و لو سلم تمامية بعضها من جهة السند و الدلالة، فلا شك في كونها مردودة بالأدلة المذكورة لأنها مخالفة للكتاب و السنة و الأخبار المتواترة فلا تغفل و مما ذكر يظهر قوة ما قاله شيخ المحدثين الصدوق طاب ثراه المتوفي سنة 381 ه ق: من أن اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله علي نبينا صلّي الله عليه و آله و سلم هو ما بين الدفتين و ما في ايدي الناس إلي أن قال: و من نسب إلينا أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب (1) وبه ينقدح أن الإمامية لا يقولون بالتحريف و إلاّ لما صح ذلك عن مثل الصدوق و

عليه فما أشنع نسب التحريف إلي الإمامية أو مجرد وجود بعض الروايات في كتب الأحاديث أو مجرد بعض الأقوال النادرة لا يجوز تلك النية و إلاّ فالعامة أولي بها مع اشتمال صحاحهم علي الروايات و وجود بعض الاقوال في ذلك (2).

- - - - - - -

1) كتاب الاعتقادات باب الاعتقاد في مبلغ القرآن.

2) حقائق هامة: ص 11 35.

10 طريقة اثبات الإسلام و الشرايع السابقة

10 طريقة اثبات الإسلام و الشرايع السابقة

لو خاصمنا أحد في صحة الدين الاسلامي نستطيع أن نخصمه بأثبات المعجزة الخالدة له و هي القرآن الكريم علي ما تقدم من وجه إعجازه و كذلك هو طرقنا لإقناع نفوسنا عند ابتداء الشك و التساؤل اللذين لابد أن يمرا علي الإنسان الحر في تكيره عند تكوين عقيدته أو تثبيتها (1)

هذا مضافاً إلي تواتر المعجزات الاُخر، التي رواها المحدثون المؤرخون في جوامعهم. قال العلامة الحلي قدّس سرّه في شرح تجريد الاعتقاد: «نقل عنه صلّي الله عليه و آله معجزات كثيرة كنبوع الماء من بين أصابعه حتي اكتفي الخلق الكثير من الماء القليل بعد رجوعه من غروة تبوك، و كعود (1) و في نسخة كغور ماء و لعلها أصح بناء علي أن قوله بالكلية قيد للغور، فيكون كغور الماء بالكلية. ماء بئر الحديبية لما استسقاه أصحابه بالكلية و نشفت البئر، فدفع سهمه إلي البراء بن عازب، فأمره بالنزول و غرزه في البئر فغرزه فكثر الماء في الحال، حتي خيف علي البراء بن عازب من الغرق و نقل عنه عليه السلام في بئر قوم شكوا إليه ذهاب مائها في الصيف، فتفل فيها حتي انفجر الماء الزلال منها، فبلغ أهل

1) هذا مضافاً إلي تواتر المعجزات الاُخر، التي رواها المحدثون المؤرخون في جوامعهم. قال العلامة

الحلي قدّس سرّه في شرح تجريد الاعتقاد: «نقل عنه صلّي الله عليه و آله معجزات كثيرة كنبوع الماء من بين أصابعه حتي اكتفي الخلق الكثير من الماء القليل بعد رجوعه من غروة تبوك، و كعود

- - - - - - -

(1) و في نسخة كغور ماء و لعلها أصح بناء علي أن قوله بالكلية قيد للغور، فيكون كغور الماء بالكلية.

290

اليمامة ذلك، فسألوا مسيلمة فما قل ماء بئرهم ذلك، فتفل فيها فذهب الماء أجمع، و لما نزل قوله تعالي: «وأنذر عشيرتك الأقربين» قال لعلي عليه السلام: شق فخذ شاة و جئني بعس من لبن، و ادع لي من بني أبيك بني هاشم، ففعل علي عليه السلام ذلك و دعاهم و كانوا أربعين رجلاً فأكلوا حتي شبعوا، ما يري فيه إلاّ أثر أصابعهم و شربوا من العس حتي اكتفوا و اللبن علي حاله، فلما أراد أن يدعوهم إلي الإسلام، قال أبولهب: كاد ما سحركم محمَّد، فقاموا قبل أن يدعوهم إلي الله تعالي، فقال لعلي عليه السلام: افعل مثل ما فعلت، ففعل في اليوم الثاني كالأول، فلما أراد أن يدعوهم عاد أبولهب إلي كلامه، فقال لعلي عليه السلام: افعل مثل ما فعلت، ففعل مثله في اليوم الثالث، فبايع علياً عليه السلام علي الخلافة بعده و متابعته.

و ذبح له جابر بن عبدالله عناقاً يوم الخندق و خبزله صاع شعير، ثم دعاه عليه السلام فقال: أنا و أصحابي؟ فقال: نعم، ثم جاء إلي المرأته و أخبرها بذلك، فقالت له: ءأنت قلت امض و أصحابك؟ فقال: لا، بل هو لما قال: أنا و أصحابي قلت: نعم، فقالت: و أعرف بما قال، فلما جاء عليه السلام قال: ما عندكم؟ قال جابر: ما

عندنا إلاّ عناق في التنور و صاع من شعير خبزناه، فقال عليه السلام: أقعد أصحابي عشرة عشرة، ففعل فأكلوا كلهم.

و سبح الحصا في يده عليه السلام و شهد الذئب له بالرسالة، فإن اهبان ابن أوس (1) كان يرعي غنماً له فجاء ذئب فأخذ شاة منها فسعي نحوه، فقال له الذئب: أتعجب من أخذي شاة، هذا محمَّد يدعو إلي الحق تجيبونه فجاء إلي النبي و أسلم و كان يدعي مكلم الذئب.

و تفل في عين علي صلّي الله عليه و آله لما رمدت فلم ترمد بعد ذلك أبداً،

- - - - - - -

1) وفي نسخة رهبان بن أوس و في شرح الفاضل الشعراني و هبان بن أوس.

291

و دعا بأن يصرف الله تعالي عنه الحر و البرد، فكان لباسه في الصيف و الشتاء واحداً، و انشق له القمر و دعا الشجرة فأجابته و جاءته تخذ الأَرض من غير جاذب و لا دافع، ثم رجعت إلي مكانها و كان يخطب عند الجذع فاتخذ له منبراً فانتقل إليه فحن الجذع إليه حنين الناقة إلي ولدها فالتزمه فسكن.

و أخبر بالغيوب في مواضع كثيرة، كما أخبر بقتل الحسين عليه السلام و موضع الفتك به (1) فقتل في ذلك الموضع و أخبر بقتل ثابت بن قيس بن الشماس فقتل بعده عليه السلام و أخبر بفتح مصر و أوصاهم بالقبط خيراً فإن لهم ذمة و رحماً و أخبرهم بادعاء مسيلمة النبوة باليمامة، و ادعاء العنسي (2) النبوة بصنعاء و أنها سيقتلان، فقتل فيروز الديلمي العنسي قرب وفاة النبي صلّي الله عليه و آله و قتل خالد بن الوليد مسيلمة.

و أخبر علياً عليه السلام بخبر ذي الثدية و سيأتي و دعا علي عتبة بن

أبي لهب لما تلا عليه السلام «والنجم» فقال عتبة: كفرت برب النجم، بتسليط كلب الله عليه، فخرج عتبة إلي الشام فخرج الأسد، فارتعدت فرائصه فقال له أصحابه: من أي شيء ترتعد؟ فقال: إن محمّداً دعا علي فوالله ما أظلت السماء علي ذي لهجة أصدق من محمّد، فأحاط القوم بأنفسهم و متاعهم عليه، فجاء الأسد فلحس رؤوسهم واحداً واحداً (3) حتي انتهي إليه، فضغمه ضعمة (4)، ففزع منه و مات و أخبر بموت النجاشي و قتل زيد بن حارثة بمؤتة، فأخبر عليه السلام بقتله في المدينة و أن جعفراً أخذ الراية، ثم قال: قتل جعفر،

- - - - - - -

1) أي القتل علي غفلة و في بعض النسخ: و موضع القتل به.

2) و في نسخة: العبسي.

3) و في نسخة: فجاء الأسد يهمش رؤوسهم واحداً واحداً و كيف كان لحس، أي لعق و همش، أي عض.

4) ضعمه، أي عضه بملء فمه.

292

ثم توقف وقفه، ثم قال: و أخذ الراية عبدالله بن رواحة، ثم قال: و قتل عبدالله بن رواحة و قام عليه السلام إلي بيت جعفر و استخرج ولده و دمعت عيناه و نعي جعفراً إلي أهله، ثم ظهر الأَمر كما أخبر عليه السلام و قال لعمار: تقتلك الفئة الباغية، فقتله أصحاب معاوية، و لاشتهار هذا الخبر لم يتمكن معاوية من دفعه، و احتال علي العوام، فقال: قتله من جاء به، فعارضه ابن عباس و قال: لم يقتل الكفار إذن حمزة و إنما قتله رسول الله صلّي الله عليه و آله لأنه هو الذي جاء به إليهم حتي قتلوه.

و قال لعلي عليه السلام: ستقاتل بعدي الناكثين و القاسطين و المارقين، فالناكثون طلحة و الزبير؛ لأنهما بايعاه و

نكثا و القاسطون هم الظالمون و هم معاوية و أصحابه، لانهم ظلمية بغاة و المارقون هم الخارجون عن الملة و هم الخوارج، ثم قال العلاّمة الحلي قدّس سرّه: «و هذه المعجزات بعض ما نقل و اقتصرنا علي هذا القدر لكثرتها و بلوغ الغرض بهذه و قد أوردنا معجزات اُخري منقولة في كتاب نهاية المرام» (1).

و أيضاً أشار إلي بعض المعجزات آية الله الشيخ محمّد جواد البلاغي و أنا أذكر منها ما لم ينقله العلاّمة الحلي قدّس سرّه قال: «فمنها تظليل الغمامة له في مسيره، و التصاق الحجر بكف أبي جهل لما أراد أن يرميه به و نسج العنكبوت، و تفريخ الحمامة في ساعةعلي باب الغار و نزول قوائم مهر سراقة بن مالك بن جشعم المدلجي في الأرض و خروجها بدعائه لما تبعه و مسحه علي ضرع العنز الحائل، حتي درّ لبنها و ارتووا منه و كذا شاة اُم معبد و غيرها، ورده لعين قتادة بن النعمان إلي موضعها بعد ما قلعت فصارت أحسن عينيه و إبرائه المجذوم من جهينة بمسحه بالماء الذي تفل فيه و إبرائه رجل عمرو بن معاذ يوم

- - - - - - -

1) كشف المراد ص 355 357 الطبعة الحديثة بقم المشرفة.

293

قطعت إذ تفل عليها و يد معاذ بن عفراء في بدر و إخباره في القرآن الكريم بأن الله كفاه المستهزئين، و بظهوره علي الدين كله و بدخول المسلمين المسجد الحرام آمنين محلقين و مقصرين و بغلبة الروم في بضع سنين و إخباره و هو محصور في الشعب بشأن صحيفة قريش القاطعة و إخباره بفتح المسلمين مصر و الشام و العراق، و بموت كسري في يومه و بأن فاطمة ابنته أول

أهله لحوقاً به و بأن أباذر يموت وحده و يسعد بدفنه جماعة من أهل العراق و أن إحدي نسائه تنجها كلاب الحوأب و بقتل علي عليه السلام في شهر رمضان و أن كريمته الشريفة تخضب من دم رأسه و أن ولده الحسين عليه السلام يقتل بكربلاء إلي غير ذلك و من معجزاته استجابة دعائه و سُقيا المطر باستقائه في موارد كثيرة جداً و قد أنهت كتب الحديث و التاريخ موارد معجزاته صلّي الله عليه و آله و كراماته من نحو ما ذكرناه و غيره إلي أكثر من ثلاثة آلاف و أن الكثير منها في عصره و ما بعده هو قسم المستفيض أو المشهور أو المتواتر، و لكن عادة المصنفين علي الاقتصار علي سند المشيخة فكسته هذه العادة في الظاهر ثوب رواية الآحاد، لكن الإعجاز المشترك بينها، الشاهد علي الرسالة يزيد علي حد التواتر و يبلغ درجة الضروريات وهاهي كتب الحديث و التاريخ» (1)

و هذا مضافاً إلي البشارات التي صدرت من الأنبياء الماضين في حق نبوة نبينا محمّد صلّي الله عليه و آله و أوصافه و هذه البشارات كانت واضحة بحيث لا مجال لإنكار نبوته كما نص عليه في القرآن الكريم بقوله عزّوجلّ: «الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم و أن فريقاً منهم ليكتمون الحق و هم يعلمون» (2) و صرح بأن موسي و عيسي علي نبينا و آله و عليهما السّلام بشّرا به حيث قال تعالي: «الذين يتبعون الرسول النبي الاُمي الذي

- - - - - - -

1) النوار الهدي: ص 135 137.

2) البقرة: 146.

294

و أما الشرائع السابقة كاليهودية و النصرانية، فنحن قبل التصديق بالقرآن الكريم أو عند تجريد أنفسنا عن العقيدة الإسلامية، لا

حجة لنا لإقناع نفوسنا بصحتها، و لا لإقناع المشكك المتسائل، إذ لا معجزة باقية لها كالكتاب العزيز و ما ينقله أتباعها من الخوارق و المعاجز للأنبياء السابقين، فهم متهمون في نقلهم لها أو حكمهم عليها.

و ليس في الكتب الموجودة بين أيدينا المنسوبة إلي الأنبياء كالتوراة و الإنجيل، ما يصلح أن يكون معجزة خالدة تصح أن تكون حجة قاطعة،

يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر» (1) و قال عزّوجلّ: «و إذ قال عيسي بن مريم يا بني اسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة و مبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد» (2). قال في البيان: «وقد آمن كثير من اليهود و النصاري بنبوته في زمن حياته و بعد مماته و هذا يدلنا دلالة قطعية علي وجود هذه البشارة في الكتابين المذكورين في زمان دعوته، و لو لم تكن هذه البشارة مذكورة فيهما لكان ذلك دليلاً كافياً لليهود و النصاري علي تكذيب القرآن في دعواه و تكذيب النبي في دعوته» (3) و في التورة و الإنجيل المحرفين مواضع يمكن استظهار البشارة منها علي نبينا محمّد صلّي الله عليه و آله و قد تصدي جمع لذلك و أغمضنا عن ذكرها للاختصار (4).

- - - - - - -

1) الاعراف: 157.

2) الصف: 6.

3) تفسير البيان: ص 90.

4) راجع الهدي إلي دين المصطفي، الرحلة المدرسية، أنيس الاعلام، بشارات العهدين، كتاب راه سعادت: ص 168 190.

295

و دليلاً مقنعاً في نفسها قبل تصديق الإسلام لها.

و إنما صح لنا نحن المسلمين أن نقر و نصدق بنبوة أهل الشرائع السابقة، فلأنا بعد تصدقنا بالدين الإسلامي، كان علينا أن نصدق بكل ما جاء به

و صدقه و من جملة ما جاء به و صدقه، نبوة جملة من الأنبياء السابقين علي نحو ما مر ذكره.

و علي هذا فالمسلم في غني عن البحث و الفحص عن صحة الشريعة النصرانية و ما قبلها من الشرائع السابقة، بعد اعتناقه الإسلام، لأن التصديق به تصديق بها و الايمان به ايمان بالرسل السابقين و الأنبياء المتقدمين، فلا يجب علي المسلم أن يبحث عنها و يفحص عن صدق معجزات انبيائها؛ لأن المفروض أنه مسلم قد آمن بها بايمانه بالإسلام و كفي.

نعم لو بحث الشخص عن صحة الدين الإسلامي، فلم تثبت له صحته وجب عليه عقلاً بمقتضي وجوب المعرفة و النظر أن يبحث عن صحة دين النصرانية؛ لأنه هو آخر الأديان السابقة علي الإسلام، فإن فحص و لم يحصل له اليقين به أيضاً، وجب عليه أن ينتقل فيفحص عن آخر الاديان السابق عليه و هو دين اليهودية حسب الفرض.. و هكذا ينتقل في الفحص، حتي يتم له اليقين بصحة دين من الأديان أو يرفضها جميعاً (2) (2) و لا يخفي عليك أنه بعد قيام الأدلة العقلية علي لزوم البعثة، نعلم إجمالا به وجود المبعوثين من الأنبياء و الرسل في الأزمنة السابقة، فاللازم علي من

296

و علي العكس فيمن نشأ علي اليهودية أو النصرانية، فإن اليهودي لا يغنيه اعتقاده بدينه عن البحث عن صحة النصرانية و الدين الإسلامي، بل يجب عليه النظر و المعرفة بمقتضي حكم العقل و كذلك النصراني ليس له أن يكتفي بايمانه بالمسيح عليه السلام بل يجب أن يبحث و يفحص عن الإسلام و صحته، و لا يعذر في القناعة بدينه من دون بحث و فحص؛ لأن اليهودية و كذا النصرانية لا تنفي وجود شريعة لاحقة

لها، ناسخة لأحكامها، و لم يقل موسي و لا لامسيح عليهما السلام أنه لا نبي بعدي.

فكيف يجوز لهؤلاء النصاري و اليهود أن يطمئنوا إلي عقيدتهم، و يركنوا إلي دينهم قبل أن يفحصوا عن صحة الشريعة اللاحقة لشريعتهم، كالشريعة النصرانية بالنسبة إلي اليهود، و الشريعة الإسلامية بالنسبة إلي اليهود و النصاري، بل يجب بحسب فطرة العقول أن يفحصوا تفحص و لم يثبت عنده صحة الأديان الموجودة، هو الايمان بهم علي الإجمال، فإن علم من أوامرهم و نواهيهم شيئاً، فعليه العمل بعلمه، فإن كان علماً تفصيلياً فهو و إلاّ فبمقتضي القواعد من الاحتياط فيما إذا أمكن و لا عسر، و من التخيير فيما إذا لم يكن و بالجملة فالحكم بالرفض مطلقاً محل تأمل، بل منع. ثم إن رمي الاُمم السابقة بالتهمة في جميع ما ينقلون عن أنبيائهم من المعجزات، ليس بسديد، بل اللازم هو المراجعة إلي كتبهم المختلفة، فإن حصل في مورد تواتر النقل، و لو كان تواتراً إجمالياً فهو و إلاّ فلا وقع لما لايفيد العلم، كما لا يخفي و بالجملة فالتفصيل المذكور في منقولاتهم أحسن من رمي جميع منقولاتهم بالتهمة فلا تغفل..

297

عن صحة هذه الدعوي اللاحقة، فإن ثبتت لهما صحتها انتقلوا في دينهم إليها و إلاّ صح لهم في شريعة العقل حينئذٍ البقاء علي دينهم القديم و الركون إليه.

أما المسلم كما قلنا، فإنه إذا اعتقد بالإسلام لا يجب عليه الفحص، لا عن الأديان السابقة علي دينه، و لا عن اللاحقة التي تدعي. أما السابقة فلأن المفروض أنه مصدق بها، فلماذا يطلب الدليل عليها و إنما فقط قد حكم بأنها منسوخة بالشريعة الاسلامية فلا يجب عليه العمل بأحكامها و لا بكتبها و أما اللاحقة فلأن نبي

الإسلام محمّد صلّي الله عليه و آله قال: «لا نبي بعدي» و هو الصادق الأمين كما هو المفروض «لا ينطق عن الهوي إن هو إلاّ وحي يوحي» فلماذا يطلب الدليل علي صحة دعوي النبوة المتأخرة إن ادعاها مدع.

نعم علي المسلم بعد تباعد الزمان عن صاحب الرسالة و اختلاف المذاهب و الآراء و تشعب الفرق و النحل أن يسلك الطريق الذي يثق فيه أنه يوصله إلي معرفة الأحكام المنزلة علي محمّد صاحب الرسالة؛ لأن المسلم مكلف بالعمل بجميع الأحكام المنزلة في الشريعة كما اُنزلت، و لكن كيف يعرف أنها الأحكام المنزلة كما اُنزلت، و المسلمون مختلفون و الطوايف متفرقة، فلا الصلاة واحدة و لا العبادات متفقة، و لا الأعمال في جميع المعاملات علي و تيرة واحدة … فماذا يصنع؟ بأية طريقة من الصلاة إذن يصلي؟ وبأية شاكلة من الآراء يعمل في عباداته و معاملاته كالنكاح و الطلاق و الميراث و البيع و الشراء و إقامة الحدود و الديات و ما إلي ذلك؟

298

ولا يجوز له أن يقلد الآباء و سيتكين إلي ما عليه أهله و أصحابه، بل لابد أن يتيقن بينه و بين نفسه و بينه و بين الله تعالي، فإنه لا مجاملة هنا و لا حداهنة و لا تحيز و لا تعصب، نعم لابد أن يتيقن بأنه قد أخذ بأمثل الطرق التي يعتقد فيها بفراغ ذمته بينه و بين الله من التكاليف المفروضة عليه منه تعالي و يعتقد أنه لا عقاب عليه و لا عتاب منه تعالي باتباعها و أخذ الأحكام منها، و لا يجوز أن تأخذه في الله لومة لائم «أيحسب الإنسان أن يترك سدي» ، «بل الإنسان علي نفسه بصيرة» ، «إن هذه تذكرة

فمن شاء اتخذ إلي ربه سبيلاً» و أول ما يقع التساؤل فيما بينه و بين نفسه أنه هل يأخذ بطريقة آل البيت أؤ يأخذ بطريقة غيرهم و إذا أخذ بطريقة آل البيت فهل الطريقة الصحيحة طريقة الإمامية الاثني عشرية أو طريقة من سواهم من الفرق الاُخري (3) و سيأتي الاستدلال علي لزوم الرجوع إلي طريقة الإمامية الإثني عشرية عند قوله: «عقيدتنا في طاعة الائمة عليهم السَّلام» إن شاء الله تعالي و سنبين بإذنه تعالي و توفيقه، معني الإمامة و مغزاها و علو شأنها و أن الأعمال الصالحة لا

299

تكون عند الله تعالي مقبولة إلاّ بالاعتقاد بالإمامة و أنه لا يكفي في الاعتقاد بالإمامة مجرد الرجوع إليهم في أخذ الأحكام، فإن غايته أنهم كالرواة الثقات و أين هذا من مقام الإمامة الشامخة، و المصنف ذكر لزوم الرجوع إليهم في أخذ الأحكام من باب المماشاة و الحد الأقل من الرجوع إليهم مع اخواننا العامة، فإنهم لا يرجون في القضاء و الفتاوي إلي جوامع أحاديثنا، مع أن اُصولنا أصح سنداً و أتقن متناً، إذ كلها صادرة من أهل البيت الذين هم معصومون عن الخطأ و الاشتباه، بنص قول النبي صلّي الله عليه و آله كما سيأتي إن شاء الله بيانه و النقلة عنهم هم الموثقون، فلا حجة لهم في الإعراض عن جوامع أحاديثنا، بل الحجة عليهم.

ذهب السيد آية الله العظمي البروجردي قدّس سرّه بعد نقل الأدلة الكثيرة الدالة علي وجوب الرجوع إلي الائمة الطاهرين عليهم السلام إلي استظهار اُمور.

الأول: أن رسول الله صلّي الله عليه و آله لم يترك الاُمة بعده سدي، مهملة بلا إمامٍ هادٍ و بيانٍ شافٍ، بل عين لهم ائمة هداة دعاة سادة قادة حفاظاً و

بين لهم المعارف الإلهية و الفرائض الدينية و السنن و الآداب و الحلال و الحرام و الحكم و الآثار و جميع ما يحتاج إليه الناس إلي يوم القيامة، حتي أرش الخدش، و لم يأذن صلّي الله عليه و آله لأحد أن يحكم أو يفتي بالرأي و النظر و القياس، لعدم كون موضوع من الموضوعات أو أمر من الاُمور خالياً عن الحكم الثابت له من قبل الله الحكيم العليم، بل أملي صلّي الله عليه و آله جميع الشرائع و الأحكام علي الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام و أمره بكتابته و حفظه ورده إلي الائمة من ولده عليهم السلام فكتبه عليه السلام بخطه و أداه إلي أهله.

و الثاني: أنه صلّي الله عليه و آله أملي هذا العلم علي علي بن أبي طالب

سيره تحليلي پيشوايان

امام پنجم

امام محمد باقر (ع)

امام محمد باقر (ع) تقريبا آغاز مرحله دوم از مراحل فعاليت پيشوايان را، بنابر تقسيمي كه در بحث از مراحل فعاليت امامان كرديم و آن را ادامه داديم، تشكيل مي دهد.

بالجمله اگر پيشوايان مرحله نخستين وظيفه نگاهداشت اسلام را از خطر صدمه انحراف، و مصونيت اسلام را به عنوان قانونگذار تحقق بخشيدند، كوششهاي پيشوايان مرحله دوم با فعاليت امام باقر (ع) آغاز گرديد و برتري فعاليت آن بزرگوار اين بود كه به توده شيعه شكلي تفصيلي و خاص داده و آن را به حركت در آورد، البته در چهار چوب تفصيلي مختص بخود. اين توده شيعي، به عنوان توده مؤمن و نگاهدارنده خط حقيقي اسلام شناخته مي شد و به عبارت ديگر همه كوشش امام اين بود كه به شيعه شكلي مخصوص بدهد و خصوصيات آن را مشخص كند و آن گروه را بعنوان گروه

مؤمن و حافظ خط حقيقي اسلام بشناساند.

تفاوت ميان اين دو مرحله آن بود كه پيشوايان مرحله نخستين معناي تشيع را در نطاقي تنگ و مخصوص آشكار كردند زيرا آنان به چاره گري هدف مهم خود يعني محافظت اسلام از صدمه انحراف توجه داشتند در حالي كه پيشوايان مرحله دوم، به خصوص امام باقر (ع) فراز آمدند تا شيعه را به شكل حقيقي آن در آورند و در سطح عام، چهار چوبي تفصيلي و در برگيرنده به گروه شيعه بدهند و برنامه اش را تنظيم كنند. معناي اين سخن آن نيست كه پيشوايان مرحله نخستين براي ظاهر ساختن توده شيعه كاري نكردند، بلكه فعاليت آنان در اين زمينه فعاليت ثانوي و ايجاد نظم مخصوص بود و اين فعاليت در سطحي خاص توسط امام علي (ع) صورت گرفته بود و امثال سلمان پارسي و ابوذر غفاري و عمار بن ياسر و مالك اشتر و ديگران از شيعيان او بودند.

نظر امت نسبت به امام باقر (ع)

آمدن امام (ع) مقدمه اي بود براي اقدام به وظايف دگرگونسازي امت. زيرا امت، او را فردي منحصر از فرزندان كساني مي شناخت كه جان خود را فدا كردند تا موج انحراف كه نزديك بود معالم اسلام را از ميان ببرد متوقف گردد. پس، آنان از اين رو قرباني شدند تا مسلمانان بدانند كه حكامي كه به نام اسلام حكومت مي كنند، از تطبيق اسلام با واقعيت آن به اندازه اي دورند كه مفاهيم كتاب خدا و سنت رسول اكرم (ص) در يك طرف قرار دارد و آن حاكمان منحرف در طرف ديگر.

وظيفه كشف سرپرست حاكمان و واقعيت منحرف آنان و نشان دادن دوري آنان از اسلام از وظايف

پيشوايان مرحله نخستين بود و از خلال مساعي و فداكاري آنان، آن وظيفه انجام گرفت و آن مهم تحقق يافت.

اينك امام باقر (ع) بر آن شد تا آن معاني و مساعي را بارور گرداند و براي مسلمانان آشكار سازد كه چنان اموري كه تحقق يافته است و آن قربانيها و فداكاريهاي بزرگ، مجرد اعمال دلخواه نبود كه عده اي براي پيروزي اسلام به آن برخاسته باشند و غيرت و حميتي كه نسبت به اسلام داشته اند آنان را برانگيخته باشد. بلكه آن فعاليتها، صورت منحصر فعاليتهائي است كه با آن مواجه شده اند تا بنيان توده اي آگاه را پي افكنند كه به اسلام، ايمان صحيح و آگاهانه داشته باشند. چنين توده اي را، معالم و منطق و شرايط مخصوصي است و بايد داراي ديدي متمايز باشند كه آن را در شئون گوناگون حيات اسلامي به كار برند.

اينجا امكان يافت كه كوششهاي امام باقر (ع) به فزوني روي گذارد تا آنچه نياكان گذشته او (ع) آغاز كردند، بنيان گذارد و از دستاوردهايي كه در اين ميدان به آن صورت تحقق بخشيدند، فايده برد.

پس، خط تاريخي كه با فداكاريها و كوششهاي امامان مرحله نخستين تجسم يافته بود، براي امام باقر (ع) و نزد امت اسلام مكان و منزلتي و الاايجاد كرد و ما اين منزلت و مقام را از خلال مسلمات بسيار تاريخ مي شناسيم.

هشام خليفه وقتي به امام (ع) اشارت مي كند و مي پرسد كه اين شخص كيست؟ به او مي گويند او كسي است كه مردم كوفه شيفته و مفتون اويند.

اين شخص امام عراق است.

در روايت حبابة الوالبيه آمده است كه گفت: «در مكه مردي را ديدم كه بين «باب و «حجر»

بر بلندي ايستاده بود.. مردم پيرامون وي انبوه شده بودند و در مشكلات خود از او نظر مي خواستند و باب پرسشهاي دشوار را بر او ميگشودند و او را رها نكردند تا در هزار مساله را به آنان فتوي داد. آنگاه برخاست و مي خواست رهسپار شود كه يكي با آوائي آهسته بانك برآورد كه هان، اين نور درخشان … و جمعي نيز كه مي گفتند اين كيست؟ جواب شنيدندكه او محمد بن علي باقر، امام محمد بن علي بن حسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام است. از ابرش روايت است كه وقتي هشام به امام باقر (ع) اشاره كرد و گفت اين كيست كه مردم عراق پيرامون او گرد آمده اند و از او پرسش مي كنند؟ گفت:

اين پيمبر كوفه و فرزند رسول الله و باقر العلوم است و مفسر قرآن. پس مساله اي را كه نميدانست از او پرسيد.

در موسم حج، از عراق و خراسان و ديگر شهرها هزاران مسلمان ازاو فتوي مي خواستند و از هر باب از معارف اسلام از او مي پرسيدند و اين امر دليل آن بود كه او در دل توده هاي مردم جاي داشت. اين واقعه اندازه نفوذ وسيع او را در قلوب توده هاي مردم نشان مي داد.

از سوي فقيهان بزرگ كه وابسته به حوزه هاي فكري و علمي بودند، مسائل دشوار در محضر او مطرح و گفتگوهاي بسيار با امام (ع) به عمل آمد.

ازو پاسخ مي خواستند تا وي را در تنگنا قرار دهند و در مقابل مردم به خاموشي وا دارند. كساني بودند كه از شهري به شهري سفر مي كردند تا از او (ع) پرسش كنند و در محضرش سؤالي طرح نمايند. همه اين

امور به اين معني اشارت ميكند كه در برنامه امام (ع) دقت بسيار به كار رفته بود و مردم او را دوست مي داشتند و او به مردم علاقمند بود و در امت نفوذي گسترده داشت و اين امر در بسياري از شهرها واكنش پديد آورده بود. از پاره اي از نصوص چنين استنباط ميشود كه رهبري مردمي او فراتر از جهان اسلام و تقسيمات گروهي و قبيله اي بود. نه اينكه رهبري گروهي را بر عهده داشت و رهبري برخي را نداشت. بلكه اگر گروههاي جديدي به اسلام مي گرويدند، آنان نيز به رهبري او معترف بودند و روحا با وي پيوند داشتند. با وجود اين كه كشت و كشتار نژادي و قبيله اي در مدت خلافت امويان بين قبيله «مضر» و «حمير» شعله ور بود، با اينهمه مي بينم، اهل هر دو قبيله، ياران امام (ع) بودند. چندان كه شاعران رسمي شيعه از هر دو سوي مانند فرزدق تميمي مغيري و كميت اسدي حميري در دوستي امام (ع) و اهل بيت اتفاق داشتند. اين اندازه عاطفه توده اي و نفوذ وسيع، امام باقر (ع) را وارث كوششها و فداكاريهائي كرده بود كه در اعمال پيشوايان مرحله نخستين تجسم يافته بود.

آن كوششها و فداكاريها، به پيشوايان آن مرحله فرصت داد تا به بيان و ارائه چهار چوب تفصيلي و واضح تشيع پردازند.

امام (ع) نقطه گذاري را در حروف ابداع فرمود

گفتيم كه وظيفه مهم امام (ع) در اين مرحله، روياروئي با توضيح تفصيلي چهار چوب تشيع بود و نشان دادن صفات مميز و برجسته آن به وسيله توسعه و نشر مفاهيم مكتب از سطح محدود و اشخاص معدود به سطحي وسيعتر، تا توده مردم

را از حيث چون و چند پرورش دهند و اسلام حقيقي را مجسم سازند و براي همه شئون زندگاني چاره جوئي منطقي اسلامي بينديشند.

از دو راه امكان داشت كه امام باقر (ع) در اين زمينه براي تحقق بخشيدن به وظايف تاريخي خود اقدام فرمايد:

اول: راه گسترده آموزش از درون حوزه خود كه آن را به همين منظور تاسيس كرده بود. همچنين براي افزودن علما و طلاب علوم اسلامي و آموختن آداب آن، حوزه مزبور را بنا كرده بود.

امام باقر (ع) در عصر خود، در مورد علوم اسلامي، مرجع يگانه جهان اسلام بود و علماي عصر او در برابر وجود مقدسش (ع)، فروتني مي نمودند (1)

و اين معني اعترافي بود به مقام شامخ علمي او.

حوزه او براي صدها دانشمند و محدث كه تربيت كرده بود پايگاهي بود.

جابر جعفي گويد: «ابو جعفر هفتاد هزار حديث براي من روايت كرد». و محمد بن مسلم گويد: «هر مسئله كه در نظرم دشوار مي نمود از ابو جعفر (ع) مي پرسيدم تا جائي كه سي هزار حديث از او سؤال كردم.» (2)

ابن شهر آشوب از بقاياي اصحاب و تابعين برجسته و بزرگان و فقيهان اسلام بود. او از كساني كه از امام روايت كرده اند، عده اي بسيار را مي شمارد.

از صحابه، جابر بن عبد الله انصاري و از تابعين، جابر بن زيد جعفي و كيسان سختياني و از فقيهان، ابن مبارك و زهري و اوزاعي و ابو حنيفه و مالك و شافعي و زياد بن منذر و از مصنفان، طبري و بلاذري و سلامي و خطيب بغدادي در تاريخ نويسي.

دوم: از راه روبروئي امت با اين چهار چوب. تقريبا در زندگي پيشوايان (ع)، نخستين بار

بود كه مفهوم تشيع به اعتبار اينكه عقيده گروهي آگاه است، تمركز مي يافت و شكل روشن مي گرفت و حدود آن عقيده مرزبندي مي شد. تشيعي كه در تفسير اسلام، طريقي خاص داشت و ناچار بايد در همه راه هاي جامعه اسلامي انتشار يابد.

امام (ع) شيعيان خود را با چنين سخناني توصيف مي فرمايد:

«همانا كه شيعه ما، شيعه علي، با دست و دل گشاده و از سرگشاده دستي و بي ريائي از ما طرفداري مي كنند و براي زنده نگاهداشتن دين، متحد و پشتيبان ما هستند. اگر خشمگين گردند، ستم نمي كنند و اگر خرسند باشند از اندازه نمي گذرند. براي آن كس كه همسايه آنان باشد بركت دارند و با هر كس كه با آنان مخالف باشد طريق مسالمت پيش مي گيرند.»

در جاي ديگر مي فرمايد: «شيعه ما اطاعت خدا مي كنند».

اما در بعضي اوقات، مخالفان امام (ع) كه روياروي ايشان مي ايستادند، حالت مبارزه جوئي بخود مي گرفتند و براي ذهنيات و افكار بيشتر مردم در اين چهار چوب كه امام به خاطر آن فعاليت مي كرد و مردم بدان معتقد بودند، ارزشي قائل نميشدند.

ازين رو بود كه امام (ع) با كمال روشني در سطح امت شعارهاي خود را مطرح مي فرمايد:

در روايتي آمده است كه حضرت باقر (ع) همراه با حضرت صادق كه همراه امام آمده بود، حج بيت الله به جاي آوردند. وقتي به مسجد الحرام رسيدند، هزاران كس در مسجد گرد آمدند. امام صادق (ع) با وجود حضور هشام بن عبد الملك، در محضر پدر بزرگوار خود ايستاد و مفهوم شيعه اهل بيت را با وضوح تمام براي حاضران به شرح باز گفت. او آشكارا و با بياني روشن توضيح داد كه شيعيان كساني هستند

كه داراي اين صفات و خصوصياتند و آنان اصحاب روحاني و اجتماعي در جامعه مي باشند و وارثان حقيقي اهل بيتند.

اين آشكارا گوئي و صراحت در سطح توده مردم و در حضور هشام بن عبد الملك، گزافه گوئي و يا ماجراجوئي نبود كه امام حساب آن را نكرده باشد، بلكه موافق برنامه اي بود كه براي خواستهاي آن مرحله ضرورت داشت و در حقيقت توضيحي بود كه مردم از پيشوايان (ع) مي خواستند و مسلمانان آن را ادراك مي كردند و مي دانستند كه اينك مساله، همان مساله امام حسين (ع) نيست كه با اخلاص براي حفظ اسلام جنگيد و به شهادت رسيد. بلكه مساله بالاتر و بزرگتر از اين تصور بسيطي است كه آنها دارند. مساله عبارت از هدف و عقيده و رهبري و برنامه ريزي الهي بود كه در وجود امام حسين (ع) تجلي يافته بود و اينك دوباره متجلي شده است. و بسا كه در عصرهاي گوناگون و نسل هاي مختلف همچنان برقرار باشد و بروز كند.

اين مساله، مساله اي بود كه ناگزير بايد ملت را به آن توجه مي داد و به شكلي واضح و تفصيلي و در برگيرنده، به او مي فهماند تا او را عميقاً به حركت درآورد و واقعيتي را كه در آن زندگاني مي كنند دگرگون سازد. دليل اين مطلب چيزي از اين گوياتر نيست كه امام باقر (ع) به خليفه اموي وارد شد و خليفه كوشيد با استهزاء از امام (ع) پرسش كند و به او گفت: آيا تو فرزند ابوترابي؟. و بعد سعي كرد او را خفيف گرداند. اما امام (ع) به اين مسائل اهميتي نداد بلكه در مجلس خليفه به پاي ايستاد و خطابه اي ايراد

فرمود تا رهبري اهل بيت را توضيح دهد و مشروعيت آنان را در حكومت، آشكارا بيان كند. امام با دعوت خود و چنين آشكارا سخن گفتن ها و از گذرگاه اين برنامه وسيع، و با روياروئي صريح با امت در هدفهاي واضح، روزگاري نوين را مجسم ساخت.

@دشواريهايي كه در راه برنامه امام (ع) روي داد

در آن هنگام، زندگاني عمومي اسلامي به طور كلي نزديك بود به هدفي ديگر كه مغاير عقيده امام بود منجر گردد. عصري كه عصر امام باقر (ع) با آن آغاز گرديد، آغازي نو بود كه انحراف سياسي در شكل هدف فكري در آن خودنمائي مي كرد و آن هدف فكري، امتداد آن انحراف سياسي بود كه در مرحله نخستين از كارهاي پيشوايان (ع) از آن سخن گفتيم.

انحراف سياسي كه پيشوايان مرحله نخستين با آن همزمان بودند، تحول يافت و در خلال اين مدت يعني در مدت هشتاد سال، يك هدف فكري و عقيدتي ايجاد شده بود كه با هدف و عقيده امام اختلاف داشت و از قرار ذيل بود:

1 - اين هدف و عقيدت به مرجعيت صحابه كه از مهاجران و انصار و تابعين بودند واگذار شده بود و خود اين مراجع مي دانستند كه رسول اكرم (ص)

به فرمان حق تعالي، امام علي (ع) را به مرجعيت سياسي و فكري برگزيد به اين اعتبار كه عمق وجود شخص امام علي (ع) در موجوديت دعوت مايه گرفته و به مثابه ستون دعوت اسلامي بود و پس از امام علي (ع) نيز جانشينان او شايسته اين مقام بودند. خود مردم بخوبي مي دانستند كه پس از رحلت نبي اكرم (ص)، وقتي در سقيفه اجتماع كردند، اين مرجعيت

از امام علي سلب شد.

2 - اما مرجعيت فكري به عنوان مرجعيت رسمي بي مددكار معطل مانده بود و در اين مورد برنامه اي روشن موجود نبود تا اين خلاء را پر سازد و اين امر در عهد ابوبكر و عمر و عثمان روي داد كه خلفاي سه گانه ضرورت مراجعه كردن به امام علي (ع) و ارزش اعانت او را براي حل مشكلاتي كه كار آنان را دشوار مي نمود، احساس كردند. گرچه مي كوشيدند از مراجعه به آن امام (ع) خود داري كنند (3).

پس از پايان عصر صحابه، عصر تابعين آغاز گرديد و رفته رفته نزديك بود تا عصر جديد يعني تابعين تابعين نيز آغاز شود.

در آن عصر، دولت اسلامي و جامعه اسلامي با مسائلي روبرو شد كه بصورتي جديد، گرفتار اين خلاء فكري و سياسي بود.

علت اين احساس عوامل زير بود:

الف - تابعين تابعين كه از ابناي عصر بودند از مصادر اسلام محسوب مي شدند و از كتاب و سنت دور افتاده بودند و بواسطه بعد زمان از عهد نبي اكرم (ص)، جدا شده بودند. آن نسل از زمان و شرايط و مناسبات كتاب و سنت نبوي دور افتاده بود و از اين روي روزي بر آمد كه در قرآن، معضلاتي مشاهده كردند كه معلول دوري از زمان رسول اكرم (ص) بود.

ب - آنان اعتقاد داشتند كه پيامبر خدا (ص) هيچكس را به منظور اداره مكتب رسالت تربيت نفرموده و هيچكس را آماده مرجعيت فكري و سياسي نكرده است و آموزش خاص عقيدتي درباره كسي منظور نداشته است بلكه، همه آنچه رسول اكرم (ص) انجام داد - به نظر آنان - تنها اين بود كه رهبري دعوت

را به امت واگذاشت و مهاجر و انصار را ضميمه يكديگر فرمود تا پس از او دعوت را رهبري كنند.

ج - زان پس كه حيات اسلامي گسترش يافت و از راه پيروزي نظامي به دسته ها و سرزمينها و دولتها پيوست، رويدادهاي گوناگون و شرايط و گروههابه وجود آمد و افكار درهم ريخته و پيچيدگيهايي كه هرگز پيش بيني نمي شد پيش آمد و براي نصوص تشريعي مفقود شده كه از رسول اكرم نقل مي كردند، راه حلي وجود نداشت، پس ناچار اين نياز پديد آمد كه به غير از كتاب و سنت، به دلايل و وسايل ديگر از قبيل استحسان و قياس و غير آن از انواع [ادله] اجتهاد كه ملكه مجتهد است رجوع كنند. اين امر باعث گرديد كه ذوق و اخلاقيات شخصي وارد قانونگذاري شود (4).

اين سه وسيله مسلمانان را واداشت كه با ضرورت جستجو درباره يك منشاء فكري كه با آن شرايط و اوضاع و احوال جديد هماهنگ باشد، پي ببرند، زيرا در بسياري از مسائل نصي وجود نداشت و ناچار بايد راه حلي براي آن مي جستند. شهرستاني در اين مورد گويد: «ما به طور قطع ميدانيم كه حوادث و وقايع در عبادات و رفتار و كردار چندان است كه به شمار در نمي آيد و حد و حصري ندارد و به طور قطع ميدانيم كه در همه رويدادها نصي موجود نيست وقتي نصوص محدود باشد، امر نا محدود را ضبط نمي كند، پس اجتهاد و قياس لازم الاتباع و معتبر است چندان كه براي هر رويدادي اجتهادي است» (5).

در چنين موقعيتهائي امكان نداشت كه بتوانند اين مرجعيت فكري را قبول داشته باشند و به اين اعتبار كه

مرجعيت فكري به رهبري سياسي منتهي مي شود آن را به اهل بيت مستند بدانند و اگر مرجعيت فكري را به اهل بيت مي دادند، برنده ترين سلاح را به آنان تقديم مي كردند كه به آنان امكان مي داد كه به آساني به مرجعيت سياسي دست يابند.

ازين رو در اين عصر آغاز فعاليتهايي را مي بينيم و توسعه و گسترش مدارسي را ملاحظه مي كنيم كه گاهي به «راي تكيه مي كنند و گاهي به قياس و استحسان و گاه به مصالح مرسله و عرف جريانهاي پيش آمد كه ظهور آنها با خط مرجعيت اهل بيت (ع) اختلاف داشت و آشكارا نشان مي داد كه اين پديده در جامعه اسلامي بسي اوج گرفته و ريشه دوانيده است. اهل بيت (ع) بر عهده گرفتند كه آن ادعاها را پاسخ گويند و تكذيب كنند. و به علت پاسخگوئي به اين خطوط فكري، خصوصيات مذهبشان را كه داراي مركزيت و قدرت است تاكيد كنند.

ابن جميع مي گويد: به جعفر بن محمد وارد شدم، ابن ابي ليلي و ابو حنيفه نيز با من بودند. او به ابن ابي ليلي گفت: اين مرد كيست؟ جواب داد:

او مردي است كه در دين بينا و با نفوذ است. امام (ع) فرمود: شايد به راي خود قياس مي كند؟ سپس رو به ابو حنيفه كرد و فرمود: اي نعمان، پدرم از جدم روايت كرد كه رسول خدا (ص) فرمود: نخستين كس كه امر دين را به راي خود قياس كرد، ابليس بود كه خداي تعالي به او فرمان داد: به آدم سجده بر! و او گفت: من از او بهترم. مرا از آتش آفريدي و او را از خاك. پس هر كس كه

دين را با راي خود قياس كند حق تعالي روز قيامت، او را با ابليس قرين سازد. زيرا، او شيطان را به قياس پيروي كرده است».

سپس امام جعفر (ع) آن گونه كه در روايت ابن شبرمه آمده است به او گفت: آيا قتل نفس گناهي بزرگتر است يا زنا؟

گفت: قتل نفس.

امام (ع) فرمود: خداي تعالي در قتل نفس دو گواه مي پذيرد اما در زنا چهار شاهد بايد.

سپس پرسيد: نماز بزرگتر است يا روزه؟

گفت: نماز.

امام (ع) فرمود: چه گوئي در مورد حايض كه روزه را قضا مي كند و نماز را قضا نمي كند. واي بر تو، چگونه قياس مي كني؟ از خداي بترس و دين را با راي خود قياس مكن (6).

اين نبردي كه اهل بيت (ع) وارد آن شدند، از شدت تاثير اهل راي كاست. چنانكه براي پيدا شدن مكاتبي كه در راه و خط مخالف آن بود، ايجاد آمادگي كرد و مدرسه حديث به وجود آمد كه براي حفظ احاديث و سنت و آثار و فتاوي صحابه و تابعين كوشيد و براي تقويت آن به تبليغ آغازيد و در عين حال از اهل راي بد مي گفتند و در مقابل دستاورد اهل راي كه در اخذ به راي و روي گردانيدان از احاديث تند روي داشتند، عكس العملي محسوب مي گرديد.

اهل بيت (ع) بر ضد اهل راي ايستادگي كردند و در اين كار به شعار معروفشان تمسك مي جستند كه مي گفت: «همانا كه دين خدا با عقول سنجيده نمي شود».

چه، اين مكتب اهل راي به راهي مي رفت كه تشريع اسلامي را تحليل مي برد و نابود مي كرد و در مرحله بعد، خاصيت و صلابت و اصالت اسلامي تشريع راكه از ويژگيهاي قانونگذاري

است از دست مي داد و در اثنائي كه اهل حديث با جمود شريعت روبرو مي گرديد و معناي ظاهر نصوص اتخاذ مي شد، خاصيت نرمش و قابليت تطبيق با شرايط گوناگون اجتماعي از كف مي رفت (7).

*****پي نوشتها:

1 - منظور اين است كه مكتب تشيع را همگاني كرده و از جهت علمي و عملي توسعه بخشيد چنان كه فراگيري آن بر هر فردي سهل و پيروي از آن بر هر كس كه داراي فرهنگ اسلامي و عقل مذهبي باشد، پذيرفتني بود.

2 - مراة الجنان.

3 - بحث در ولايت - صدر.

4 - بحث در ولايت.

5 - سلم الوصول ص 295.

6 - اصول عمومي فقه، ص 329 نقل از حلية الاولياء، ج 3 ص 197.

7 - اجتهاد و تقليد از مقدمه محمد مهدي اصفي ص 17 - 18.

امام ششم

امام جعفر بن محمد صادق (ع)

براي اينكه عوامل مستقيم و غير مستقيم روش امام صادق (ع) را در برنامه ريزي معلوم كنيم و طريقه او را در كار دعوت ادراك نمائيم، بر ما است كه - و لو به شكل كلي - به شرايط و اوضاع اجتماعي عمومي امت در عصر او احاطه يابيم و واقعيت حكام را در آن روزگار بدانيم و موقعيت امام (ع)

را در صورت خاص بشناسيم و موضعي را كه در آن برنامه ريزي مي كرد درك كنيم و از خلال اين وضع اجتماعي و درگيريها و مشكلات كه ابعاد حركات امام (ع) را به ما ارائه مي دهد و كارهاي او را بيان مي كند، آگاهانه تاريخ او را استنباط كنيم و حكمتي كه وراي انتخاب راه او وجود داشته و روشي مخصوص را برگزيده است بيابيم.

امت اسلام در عصر امام صادق (ع)

امت در مظاهر فساد

و دوري فكري و عقيدتي در حيات اسلامي غوطه ور بود و امام (ع) در همه زمينه هاي زندگاني سياسي و اجتماعي و اخلاقي و غيره، اين مساله را بيان مي فرمود. پس، از ديدگاه نظري و عملي در افكار و روش مردم، عقيده اي واضح و داراي خطوط كلي وجود نداشت و آن نتيجه گسترش عباسيان جديد بودكه مردم را در فساد و تباهي غرق كرده بودند و اين كار با تزوير و از طريق جعل حديث و فتاوي به راي بود. آنان در قوانين اسلامي عناصر بيگانه از مصادر تشريعي مانند قياس و استحسان … را داخل كرده و به اين طريق آن را محو نموده بودند و خصوصيت و اصالت اسلامي تشريع را از ميان برده بودند.

كوششهاي زمامداران، غاليان و صوفيان را دلير كرده بود … و نتيجه اين شدكه حركات غريب به ظهور مي پيوست و مبادي فاسد پديد مي آمد و براي امت، اوضاع عمومي و شرايطي را آماده ساخت و آن را در زمان امام (ع) در همه جا پراكند تا جائي كه براي اسلام تشريعي و عقيدتي خطري عظيم گرديد. به علاوه در داخل امت كشمكشهاي سياسي و مذهبي شديد پيدا شد به طوري كه امت فرصت نمي يافت تا واقعيت اسلام را دريابد يا آن را زنده نگاه دارد.

پس، امام صادق (ع) ناچار بود با همه آن تناقضات و امواج منحرف و مخالف كه امت در شرايط و اوضاع آن مي زيست و هستي اسلام را تهديد مي كرد روبرو گردد.

امام (ع) با دو گونه انحراف مواجه بود: انحراف در سطح سياسي كه در هيات حاكمه و دولت وقت مجسم شده بود و انحراف خطرناكي

كه در امت و ناداني او از واقعيت مكتب بود.

اينك پرسش ما اينست كه امام ما (ع) چگونه برنامه اي تعيين كرد و چگونه همه آن اوضاع و شرايط را كه به كمال پيچيدگي رسيده بود درمان فرمود؟

در حالي كه فرمانروايان روزگار، شديدا مراقب او بودند و با دقت بسيار او را تعقيب مي كردند.

اختيار و برنامه ريزي

زان پس كه امام (ع) واقعيت امت را از لحاظ فكري و عملي فهميد و شرايط سياسي و محيط را دانست و واقعيت سياسي را كه امت در آن مي زيست و قدرت و امكانات او را كه مي توانست با آن روبرو شود و مبارزه سياسي را آغاز كند، شناخت، قيام به شمشير و پيروزي مسلحانه و فوري را براي بر پا داشتن حكومت اسلامي كافي نديد. چه، بر پاي داشتن حكومت و نفوذ آن در امت، به مجرد آماده كردن قوا براي حمله نظامي وابسته نبود. بلكه پيش از آن بايستي سپاهي عقيدتي تهيه مي شد كه به امام و عصمت او ايمان مطلق داشته باشد و هدفهاي بزرگ او را ادراك كند و در زمينه حكومت، از برنامه او پشتيباني كرده و دستاوردهايي را كه براي امت حاصل مي گرديد پاسباني نمايد (1).

گفتگوي امام صادق (ع) با يكي از اصحاب خود مضمون گفته ما را آشكار مي سازد.

از سدير صيرفي روايت است كه گفت: «بر امام (ع) وارد شدم و گفتم خداي را چه نشسته اي.

گفت: اي سدير چه اتفاق افتاده است؟

گفتم: از فراواني دوستان و شيعيان و يارانت سخن مي گويم.

گفت: فكر مي كني چند تن باشند؟

گفتم: يكصد هزار.

گفت: يكصد هزار؟

گفتم: آري و شايد دويست هزار.

گفت: دويست هزار؟

گفتم: آري و شايد نيمي از جهان.

صيرفي

سخن را چنين ادامه داد كه: آنگاه خاموش گرديد. و چون همراه با صيرفي به سوي «ينبع رفتند و امام (ع) به گله بزها نگريست او را گفت: اي سرير، اگر شيعيان ما به تعداد اين بزها رسيده بودند بر جاي نمي نشستم (2)».

از اين احاديث چنين نتيجه مي گيريم كه امام (ع) به اين امر ايمان داشت كه تنها در دست گرفتن حكومت كافي نيست و مادام كه حكومت از طرف پايگاههاي آگاه مردمي، پشتيباني نشود، برنامه دگرگونسازي و اصلاح اسلامي محقق نمي گردد. نيز بايد پايگاههاي مزبور، هدفهاي آن حكومت را بدانند و به نظريه هاي آن ايمان داشته باشند و در راه پشتيباني آن گام بردارند و موضعهاي آن حكومت را براي توده هاي مردم تفسير كنند و در مقابل گردبادهاي حوادث پايداري و ايستادگي به خرج دهند. در برابر اين واقعيت، ناچار بايد برنامه اي سريع تنظيم كرد كه دو هدف را تعقيب كند.

اول - عمل به منظور بنياد كردن اين پايگاههاي مردمي و تسلط بر آن و تنظيم روشهاي عملي آن وقتي كه با انحراف روبرو گردند و «توده رابطي كه داراي روشهاي مخصوص در نظام كار باشد» براي آن ايجاد كنند. بنابر اين، بناي پايگاه مردمي متين و استوار كه داراي روشهاي منظمي باشد، پايگاهي است كه براي امام و براي نهضت اين جهاني به منظور در دست گرفتن حكومت، صالح باشد.

دوم - عمل به اين منظور كه وجدان امت اسلامي و اراده او را به جنبش درآورد و ضمير اسلامي و اراده اسلامي را به درجه اي حفظ كند كه امت رادر برابر تنازل مطلق از شخصيت و كرامت او در مقابل زمامداران منحرف محفوظ

نگاه دارد. اين مطلب را به تفصيل بيان خواهيم كرد.

«امام (ع) از عهده دار شدن قيام مسلحانه بصورت مستقيم بر ضد فرمانروايان منحرف دوري جست. اين عمل تعبيري از اختلاف در شكل عمل سياسي بود كه مرز آن را شرايط اجتماعي تعيين مي كرد و نيز عبارت بود از ادراك عميق از طبيعت دگرگون سازي و چگونگي محقق گردانيدن آن». (3)

از گفتگوي امام صادق در مي يابيم كه اگر امام مي توانست به ياري دهندگان و به قدرتي تكيه كند كه پس از عمل مسلحانه هدفهاي اسلام را تحقق بخشد، پيوسته آمادگي داشت كه به قيام مسلحانه دست زند. اما اوضاع و احوال و شرايط زمان مجال نمي داد كه امام (ع) حتي انديشه اين موضوع را در سر بپروراند كه با سياست حاكم روز وارد كشمكش گردد زيرا اين كار، امري بود كه اگر هم قطعا با شكست روبرو نمي شد، باز هم نتايج آن تضمين شده نبود.

به عبارت ديگر، با آن شرايط موجود اگر هم شكست نمي خورد، نتيجه مثبت قيام، مسلم نبود.

ازين رو امام (ع) از پذيرفتن آن خودداري كرد و در اين صدد بر نيامد كه با قوه نظامي، واژگون ساختن حكومت را هدف خود قرار دهد، لذا با پيشنهادحمله نظامي كه هدف آن واژگون ساختن حكومت بود مخالفت ورزيد و ما از اين موضوع به تفصيل سخن خواهيم گفت.

بهر حال بنا به آنچه كه گفتيم، راي امام (ع) اين بود كه از نظر شخصي ودر صورت كلي از عهده دار شدن مبارزه جوئي سياسي منصرف گردد تا در داخل امت دست به سازماندهي زند و پايگاههاي مردمي آگاه را در آنجا بنياد گذارد تا براي انتشار افكار خود و

پراكندن مقدمات افكار خويش، ابزار تنظيمي داشته باشد و بتواند نيروي فكري مردم را آماده سازد و پيشتازان با ايمان فراهم آورد تا براي اقامه حكم الهي در روي زمين، يا دست كم به منظور ابقاي اساسهاي نظري كه نمودارهاي آن نزد امت محفوظ بود با قناعت و ايمان حركت كند و راه را ادامه دهد. يا به عبارت ديگر، براي اينكه پايگاههاي مردمي خود را بسازد و به سازماندهي آگاهانه عمل كند تا آن پايگاهها براي نشر افكار او و آماده كردن قدرت فكري، با خشنودي و رضا، حكومت الهي را در روي زمين تشكيل دهد و راه امام را بپويد تا حكومت «الله بر قرار شود يا دست كم عقايد نظري و نمودارهاي آن نزد امت محفوظ بماند. براي امام اهميتي نداشت كه موفق نشود كه در اين زمينه نتيجه كوشش خود را مشاهده كند.

همانا نياكان او در عمل، به امت مژده داده بودند كه روزي از روزها دولت آنان ظاهر خواهد شد. اما در صورتي كه اصول نظريه اسلام نزد امت محفوظ مانده باشد. جامعه امام (ع) در برنامه ريزي اصلاحي خود براي بنا سازي جامعه اسلامي با دو دشواري اساسي روبرو گرديد و بر او بود تا آن دو را دو موضع مهم به حساب آورد:

1 - واقعيت فاسد و وضع اجتماعي و اخلاقي بي بند و بار كه واقعيت اسلام و تشريعات آن را به عقب ماندگي گرفتار كرده بود كه خطرناك مي نمود.

چنانكه مثلا همه مقدمات ويراني در شكل جنبشهاي فكري از قبيل جنبش زنديقان با فعاليت و سرعت به حركت در آمده بود.

«بني عباس زنديقان را پيرامون خود گرد آورده

بودند و آنان را نپراكندند مگر بعدها …» (4) «بسياري از دعوتهاي كفر آميز به نام مانوي و مزدكي و خرمي و زردشتي به سرعت صورت مي گرفت (5).

2 - مراقبت شديدي كه در پيرامون امام (ع) در جريان بود و فشار و شكنجه و تعقيب نسبت به اصحاب و بستگان و طرفداران و پيروان جنبش او (ع).

ابوالفرج اصفهاني (6) كتابي ويژه تدوين كرد كه همه ماجراها را كه از رنج و عقوبت توصيف ناپذير بر آنان رفته بود در آن كتاب بيان كرده و كوشش آنان را به منظور تار و مار كردن ياران امام (ع) و متوقف ساختن فعاليت حركت امام (ع) شرح داده است.

ثمره اين كوشش كه از طرف آنان اعمال گرديد. پديد آمدن انديشه هاي مختلف و گفتگوهاي گوناگون بين شيعيان بود و براي امام صادق (ع) هيچ مجالي به دست نيامد تا صفوف شيعه و عقايد گوناگون مذهبي را كه در بين آنان حاصل آمده بود متحد كند زيرا تماس با آنان دشوار بود و حكومت درباره شيعيان بسي سختگيري مي كرد و در خشونت افراط نشان مي داد و به آنان عذابهاي شديد مي رسانيد. (7)

عناصر رستگاري جنبش

پيش از آنكه در روشهاي عملي امام (ع) سخن بگوئيم مي خواهيم علل پيروزي و نجات جنبش او را بشناسيم و شرايطي را كه در عصر او پا گرفته بود بدانيم. جنبش امام (ع) در برنامه ريزي و هدف نهائي بر دو حقيقت كه اينك شرح مي دهيم استوار بود:

نخست: بنياد افكندن پايگاههاي مردمي و تمركز دادن بناي داخلي آن و نظارت در حدود رابطه مخصوص ايشان و پيروان او چندان كه بتواند آنرا پايگاه مركزي قرار دهد و

از خلال آن، پايگاه مزبور را تا داخل صفوف امت ادامه بخشد و آن را در پيرامون آن و در آن زمينه انتشار دهد و به عنوان تحقق بخشيدن به بزرگترين هدف كه امام (ع) به ظاهر آن عمل مي كرد، در مجراي افكار تاثير بگذارد (8).

دوم: به دست آوردن اطمينان و اعتماد امت به جنبش او (ع) «پس دعوت - هر دعوتي كه باشد - تا وقتي طرفدار نيازها و خواستهاي توده مردم نباشد و آرزوهاي آنان را بيان نكند لا محاله گذرگاه آن شكست است».

اگر دعوت، تعبيري از آرزوها و اميدهاي ملت نباشد بي ترديد به شكست منتهي مي گردد.

از طرف ديگر، در پي دعوتي رفتن، هر چند هدف بزرگ و و الائي باشد، راهي به توفيق ندارد مگر اينكه از سوي مردم پشتيباني شود و معلوم آيد كه مردم در پي آنند و پيروزش مي گردانند.

از اين رو است كه مي بينيم دعوت عباسيان موفق گرديد زيرا از شعار «الرضا من اهل البيت استفاده ماكياولي كردند. (9)

پس، بنياد كردن پايه هاي مردمي و به دست آوردن اطمينان امت دو شرط اساسي بود براي افزودن به حمايت از فعاليت امام (ع) و دور نگاهداشتن جنبش او از كوششها و احتمالاتي كه در برگيرنده امور غير اصيل بود و به نفع حكومت تمام مي شد. خلاصه، حمايت امت، مجالي براي نفوذ عباسيان و غير عباسيان باقي نميگذاشت.

بر اساس اين دو حقيقت، امام (ع) به دو شكل فعاليت مبادرت فرمود:

اول: فعاليتهاي جنبشي. و منظور ما از آن، رابطه هاي هماهنگ با قواي امت - قواي خارجي - است و اين معني در دو زمينه قابل عمل بود:

الف: توجيه كردن عواطف امت با

برنامه اهل بيت.

ب: كوشيدن به اين منظور كه به ملت، قدرت معنوي داده شود تا از نظر آگاهي به سطحي برسد كه هدف اسلام ايجاب مي كند.

دوم: كارهاي زير بنائي كه شامل پايگاههاي مردمي و گوناگون و آگاه بود كه مسئوليتهاي آن پايگاهها را بر عهده گيرد و با امام در زمينه هاي نظارت و عمل منظم و اجراء رابطه داشته باشد. «بر اين پايه، برخي از نصوص مروي از امام (ع) در باب تعليم و آموزش روشهاي خود براي مردمي كه امام بر آنها نظارت داشت عملي مي گردد. روشهاي مزبور نسبت به وضع شيعيان و مشكلاتي كه با آن روبرو بودند و اوضاع اجتماعي شان را محدود مي كرد، گوناگون بود».

ازين روي نمي توان كارهاي امام را از امور جنبشي و زير بنائي يا سازماندهي او در داخل پايگاههاي مردمي يا گروههائي كه با او ارتباط داشتند جدا كرد.

*****پي نوشتها

1 - دائرة المعارف - دوران پيشوايان - از صدر.

2 - كافي كليني. ج 2 ص 242.

3 - بحث در ولايت از صدر.

4 - دولت عربي از ولهاوزن، ص 489.

5 - ريشه هاي تاريخي شعوبيه، ص 41.

6 - مقاتل الطالبيين از اصفهاني.

7 - عقايد زيديه نقل از زندگي امام موسي الكاظم از قريشي.

8 - مجله نجف، نقش امام صادق (ع) از عدنان البكاء.

9 - جنبشهاي سري، ص 61.

امام صادق در برنامه اصلاحي

امام (ع) عمل دگرگونسازي و اصلاحي خود را به دو شكل از شكلهاي عمل به طور مستقيم انجام مي داد:

1 - فعاليت و كوشش كه شامل روابط هماهنگي و امكانهاي امت بود.

فعاليت وي (ع) آشكارا بود، چه انتقال قدرت كه پس از زوال حكومت بني اميه مستقيما روي داده بود، امام را از خشم و

حمله فرمانروايان و مراقبت شديد آنان در امنگاه نگاه داشت، نيز روي آوردن مسلمانان به فقيهان و دانشمندان براي شناختن قانون اسلامي در حل مشكلات فردي و اجتماعي آنان، امام را از فشارهاي دولت مصون مي داشت.

اين عوامل و جز آن، به امام (ع) ياري مي كرد تا كار خود را با روش علني و ظاهري ادامه دهد بي آنكه فعاليت آشكار خود را با عمل سياسي بي پرده همراه كند. بلكه، امام (ع) فعاليت و كوشش خود را با مساعي عملي سخت كوشانه آغاز و حوزه فكري و ثمر بخش خويش را كه بزرگان فقها و متفكران عظيم از آن بيرون آمدند، در صفوف امت، افتتاح كرد، و پس از او، از شاگردان مكتب ايشان، ثروتي فرهنگي براي امت بر جاي ماند.

بعضي از شاگردان نامي آن بزرگوار عبارت بودند از: «هشام بن حكم و «مؤمن الطاق و «محمد بن مسلم و «زرارة بن اعين و غير آنان كه جانشين وي گرديدند.

«حركت علمي او آن سان گسترش يافت كه سراسر مناطق اسلامي رادر برگرفت (1) و «مردم از علم او چيزها مي گفتند و شهرت او در همه شهرها پيچيده بود» (2).

جاحظ در مورد امام گويد: «امام صادق (ع) چشمه هاي دانش و حكمت را در روي زمين شكافت و براي مردم درهايي از دانش گشود كه پيش از او معهود نبود و جهان از دانش وي سرشار گرديد». (3)

هدف امام در پشت روش علني او و ظهور فعاليت علمي و فكري او، چاره جهل امت از جهت عقيده به مكتب و نظام آن بود، و ايستادگي در برابر امواج كفرآميز و شبهه هاي گمراه كننده آن و حل مشكلهائي كه از

تاثير انحراف ناشي شده بود. فعاليتهاي امام در زمينه علمي بود و با دو روش تحقق يافت.

روش ويرانگري

اين روش در ايستادگي قاطعانه اي بود در برابر شبهه هاي غرض آلود در عقايد و نظريات ديني كه از لحاظ اغراض سياسي به منظور از بين بردن روح حقيقي اسلام و كشتن آن در توده هاي مردم، عمل مي شد. روش ايشان در اين ويرانگري پي آمد اعمال زير بود:

مقابله با امواج ناشناخته و فاسد كه اوضاع سياسي فاسد عهد امويان و عباسيان آن را به وجود آورده بود و از طرفي معلول كشمكشهاي مذهبي و قبيله اي و قومي در دو دوره فوق الذكر بود و از طرفي ديگر در نتيجه فكر بيگانگان، از راه ترجمه كتابهاي يوناني و فارسي و هندي از جهت پديد آمدن گروههاي خطرناك منجمله گروههاي «غلات و «زنديقان و «جاعلان حديث و «اهل راي و متصوفه ، زمينه هاي مساعد براي رشد انحراف حاصل كرد.

امام صادق (ع) در برابر آنها ايستادگي فرمود و در سطح علمي، با همه مشاجره و مباحثه كرد و خط افكارشان را براي ملت اسلام افشا نمود (4).

روش بنيادي

اين روش با كوشش علمي و فكري خستگي ناپذير در زمينه هاي فكري اسلامي و تعميق مبادي و احكام آن شكل گرفت. اقدام مستقيم امام (ع) از اين جنبه به شكل زير خلاصه مي گردد.

- مفاهيم عقيدتي و احكام شريعت را منتشر ساخت و آگاهي علمي را پراكند و توده هاي عظيم دانشمندان را به منظور بر پاي داشتن آموزش مسلمانان مجهز كرد.

امام در عصر خود بزرگترين آموزشگاه اسلامي را گشود و يثرب را كه سراي هجرت بود و مهبط وحي، مركز آموزشگاه خود قرار داد و مسجدپيامبر

(ص) را محل تدريس خويش كرد، به طوري كه همه فنون در آن تدريس مي شد. (5)

از جمله شاگردان آن امام بزرگوار (ع)، پيشوايان مذاهب معروف اسلام مانند «مالك بن انس و «سفيان ثوري و «ابن عينيه و «ابو حنيفه و از قبيل «محمد بن حسن شيباني و «يحيي بن سعيد» و غير از آنان از دانشمندان و محدثان و فقيهان مانند «ايوب سجستاني و «شعبة بن حجاج و «عبد الملك بن جريح و ديگران بودند (6).

مجموع شاگردان امام (ع) بالغ بر چهار هزار تن بود (7).

- او باب علم را در فلسفه و علم كلام و رياضيات و شيمي گشود. «مفضل بن عمرو» و «مؤمن الطاق و «هشام بن حكم و «هشام بن سالم در فلسفه و علم كلام تخصص داشتند و «جابر بن حيان در رياضيات و شيمي، و «زرارة

و «محمد بن مسلم و «جميل بن دراج و «حمران بن اعين و «ابي بصير» و «عبد الله بن سنان در فقه و اصول و تفسير متخصص بودند (8).

- براي اصول و فقه قواعدي وضع فرمود تا شاگردان خود را با ملكه اجتهاد و استنباط آشنا و تربيت كند و از جمله قواعد اصولي كه حضرتش بنا نهاد قاعده «برائت و «تمييز» و «استصحاب است و از قواعد فقهي، قاعده «فراغ و «تجاوز» و «يد» و «ضمان (9)

هدف امام از اين كار سه امر مهم بود:

الف - يكي اين بود كه براي تشريع اسلامي قاعده اي استوار بنا كند و براي عقيده اسلامي تمركزي نيرومند ايجاد نمايد و استمرار و بقاي اسلام رادر ميان امواج گوناگون تضمين فرمايد.

ب - مفاهيم خطا و احاديث جعلي را اصلاح

كند.

ج - براي مرجعيت خود از جنبه علمي و فقهي تمركز و توضيح دهد و امامت خود را از اين جنبه فريضه سازد. آن سان كه بزرگان علماي ساير مذاهب اسلامي جز اعتراف به برتري و مرجعيت او (ع) كاري نتوانند كرد و مانند اعتراف ابو حنيفه بر اين امر كه گفت: «فقيه تر از جعفر بن محمد نديده ام و اين وقتي بود كه منصور خليفه به من گفت: اي ابو حنيفه، مردم، شيفته جعفر بن محمد شده اند، مسائل دشوار تهيه كن تا از او بپرسي. من چهل مساله براي پرسش از او آماده كردم و ابو جعفر منصور فرستاده اي به سوي من فرستاد تا بر او وارد شدم و جعفر بن محمد بر طرف راست او نشسته بود. وقتي به او (ع) چشم انداختم از هيبت وي احساسي به من دست داد كه از ابو جعفر منصور چنان احساسي به من دست نمي داد. سلام گفتم و اشارت كرد كه بنشينم. سپس بمن گفت اي ابو حنيفه مسائل خود را در محضر ابو عبد الله مطرح كن. سپس مسائل خود رادر او مطرح كردم. ايشان پاسخ مرا مي گفت و بدنبال آن مي فرمود: شما چنين مي گوئيد و اهل مدينه چنان مي گويند و ما چنين گوئيم. بسا كه آنان از ما پيروي كنند و بسا كه از آن دسته پيروي كنند و بسا كه با ما مخالفت ورزند.

بالاخره چهل مساله را گفتم و او يك مساله را بي جواب نگذاشت. ابو حنيفه ادامه داد: آگاه ترين مردم كسي است كه به اختلاف مردم دانشمندترين مردم باشد.» (10)

واضح است كه اگر فعاليتهاي علمي امام (ع) در سطح معارف و در

حدي كه از آن سخن گفتيم نبود، به امامت او اعتراف نمي كردند (11).

امام صادق (ع) با هر دو روش خود يعني بنياد گذاردن و ويرانگري، براي تثبيت دعوت اسلامي محيطي مناسب به وجود آورد و امكان نبرد به آن داد تا به ساير مراحل عمل منتقل گردد، و بسا كه در روش و شكل آنها اختلاف وجود داشت.

اما كارهاي بنيادي او (ع) مشتمل بر فعاليتهاي ايشان براي دگرگون سازي محيط تحت نظارت، و رعايت او نسبت به توده اي كه به او ارتباط داشت، و نظم دادن به آن فعاليتها بود. شكل كار صورت سري داشت كه در اصطلاح فقهي به آن «تقيه گويند.

امام (ع) مي خواست، پس از آنكه وضع اجتماعي آن سان كه او احساس مي فرمود، اجازه ايستادگي و نرمش و تقيه دهد، با عمل سري يا تقيه در مقابل مقاومت دشمنان - تا وقتي كه آنچه موجب قوام مرحله دعوت بود كمال يابد، - دعوت خود را تضمين و پشتيباني كند. يعني عمل را با پنهانكاري ادامه دهد و همانا كه اعمال و فعاليتهاي بنياني او (ع) در درجه نخستين، مسائل حوزه شيعه با ملاحظه ارتباطي كه با امام داشتند بود.

از موجوديت شيعه پشتيباني مي شد و به آگاهي شان افزوده مي گشت و با هر اسلوبي كه مايه پايداري آنان و وصول شان به مدارج عالي تا سطح نياز اسلامي بود به آنان مساعدت مي گرديد (12).

فعاليتهاي بنيادي امام (ع) به شرح روشهاي زير نمودار مي گرديد:

- نظارت بيواسطه بر شيعيانش، يعني جماعتي از دوستان و طرفداران امام و برنامه ريزي اصلاحي او براي روش هاي شيعيان و رشد دادن آگاهي شان، و حمايت از موجوديتشان، و ترقي دادن آنان

تا سطح نياز اسلامي و تا تشكيل سپاه عقيدتي، و پيشتازي هاي آگاهانه، و نظارت بر انتظام روشها تا آنكه اختلافات شخصي بين افراد توده شيعه حل شود و مال اندوزي از بين برود چنانكه «معلي بن خنيس در اين مورد گفته است:

«امام (ع) احكام خداي تعالي را در ميان توده مخصوص از شيعيانش بر پاي داشت. پس، ماليات را از طرفداران خود مي ستاند و حسب شان كار خود به مصرف مي رسانيد. منصور، بارها او را به اين تهمت جلب كرد (13)»

امام به پيروان فرمان داد كه به حاكم منحرف پناه نبرند و از داد و ستد و همكاري با او خود داري كنند.

امام (ع) در اين زمينه مي فرمايد:

«هر مؤمني كه به قاضي يا سلطان ستمگر شكايت برد و به غير از حكم خدا درباره او دادرسي شود، در اين گناه با او شريك است». و باز امام (ع)

مي فرمايد:

«هر كس بين او و برادرش در چيزي اختلاف باشد و كسي كه يكي از برادران خود را دعوت كند تا در ميان آنان حكومت نمايد، و آن كس از رسيدگي به مرافعه آنان خود داري ورزد، به منزله كساني اند كه خداي تعالي درباره آنان فرمايد:

أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُريدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَي الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ (14).

(آيا به كساني نمي نگري كه مي پندارند به آنچه بر تو فرو آورده ايم و به آنچه پيش از تو نازل كرده ايم ايمان دارند. نميخواهند به نزد طاغوت به محاكمه روند همانا كه به آنان فرمان داده شده است كه از اين كار سرباز زنند).

امام به پيروان

فرمان داده بود كه با حكومت منحرف پيوند ببرند و در اين باب چنين مي فرمايد:

«به آنان در ساختن مسجد ياري مكنيد» (15).

و از نظر فرمانهاي منفي و سلبي، قواعد آن را توضيح داده است:

«از حكم دادن بپرهيزيد. چه، حكم دادن از وظايف امام است كه به قضا عالم باشد و در ميان مسلمانان به عدالت حكم كند مانند نبي و وصي.

از اين رو است كه امام (ع) در حكومت كردن به حق خويش تاكيد مي فرمايد و وجهه نظر خود را درباره اوضاع تثبيت مي نمايد و موفق مي گردد كه اصحاب خويش را از آميختن با وضع موجود يا تحت تاثير آن قرار گرفتن حفظ كندو با اين كار كه تعبيه كرده بود، آنان را بر ضد وضع موجود برانگيخت. اين روش براي بنياد گذاردن نسبت به شيعيان اسلوبي بود و براي ويرانگري نسبت به حكومت موجود، اسلوبي ديگر. نظارت امام (ع) در اداره كردن اوضاع و پايگاهها به اين منجر گرديد كه قضائي بگمارد و به شيعيان فرمان دهد كه در اختلافهاي خود به آن قضات مراجعه كنند و به فرمان آنان گردن نهند.

امام (ع) فرمود:

«بنگريد تا در ميان شما كيست كه از دستورهاي ما چيزي مي داند، او رادر ميان خود به سمت قاضي بنشانيد كه من او را بدين سمت بر مي گزينم و شما حكم خود را به نزد او بريد (16)».

امام (ع) به اصحاب و پايگاههاي خود سفارش مي كرد كه در هر كار، مخفيانه عمل كنند، (تقيه) و در هر عملي كه انجام مي دهند توجه كامل داشته باشند كه مخالفان و دشمنانشان متوجه آن نشوند و مي گفت:

«مبلغان خاموش ما باشيد». و به عبد الله

بن جندب سفارش فرمود:

«خدا، قومي را كه چراغند و سرچشمه روشنائي، رحمت فرمايد. براي ما با اعمال خود دعوت كنندگان باشيد و كمال سعي و كوشش را به جاي آوريد، نه مانند كساني كه اسرار ما را فاش مي سازند».

و به معلي بن خنيس وصيت فرمود: «اي معلي امر ما را پنهان دار و هرگز آشكار مكن (17)».

در تحف العقول چنان آمده است كه امام (ع) به محمد بن نعمان احول سفارش كرد كه كار به پنهاني كند و به تقيه ملتزم باشد. اگر اخلال بعضي از صحابه او در افشاي اسرار نبود و مطالبي را كه نمي خواستند فاش گردد پنهان نگاه مي داشتند، چيزي نمانده بود كه كوششهاي امام (ع) به نتيجه رسد.

از سخنان امام (ع) است كه فرمود: «هر كس سر ما را بپراكند مانند كسي است كه به روي ما شمشير كشد. خداي رحمت كند بنده اي را كه مكنون علم ما را مي داند و آن را در زير پاي خود به خاك مي سپارد.. اي نعمان من با فردي از شما چيزي مي گويم، اگر از قول من نقل كند، با اين كار براي خودلعنت مرا خريده است و من نيز از او بري هستم. پدرم فرمود چه چيز تحملش سخت تر از تقيه است. تقيه سپر مؤمن است. و اگر تقيه نباشد، خداي پرستيده نشود.

اي پسر نعمان كسي كه اسرار ما را بر ملا مي سازد مانند كسي است كه باشمشير خود ما را بقتل برساند بلكه گناه او بزرگتر است.

اي پسر نعمان … مشتابيد، به خدا سوگند كه اين كار سه بار پيش آمد، آن را منتشر ساختند و خدا آن را به تاخير انداخت. به

خدا سوگند كه هيچ سري نداريد مگر كه دشمنانتان از شما به آن داناترند».

اي پسر نعمان، بنده، مؤمن محسوب نمي گردد مگر كه سه سنت را رعايت كند: سنت خدا و سنت رسول الله و سنت امام را. اما سنت خداي عز و جل اين است كه اسرار ما را بپوشاند (18)».

اين عمل نسبت به همه اهل بيت (ع) استمرار يافت و دولت وقت اساسا به وجود آن آگاهي داشت اما حدود آن و چگونگي خطر آن را نميدانست.

از اينجا بود كه امام (ع) و پيش از او پدران بزرگوارش در معرض پي جوئي و مراقبت و شكنجه بودند و اگر امام (ع) با خرد و حكمت و حسن رفتار خود از دست منصور رها نشده بود، بارها پيش آمده بود كه نزديك بود منصور خليفه، امام (ع) را با سخت ترين طريقي صدمه رساند (19).

امام، جنبشهاي رهائي بخش انقلابي را تاييد مي فرمود تا خير و وجدان امت اسلام و اراده آنان را برانگيزد و آن را به درجه اي حفظ كند كه حيات و صلابت امت را در مقابل سير نزولي شخصيت و كرامت انساني حاكمان منحرف، مصون بدارد.

اين كار را انقلابيان علوي بر عهده داشتند و با فداكاريهاي بي حاصل و ياس آور خود كوشيدند تا ضمير و وجدان اسلامي را محفوظ بدارند و از كساني كه به آنان يعني به پيشوايان (ع) وفادار بودند، پشتيباني كنند.

در روايتي آمده است كه در محضر امام صادق (ع) از شخصي از آل محمد (ص) گفتگو مي كردند كه قيام خواهد كرد. ايشان فرمود: «پيوسته من و شيعيان من به كسي از آل محمد كه خروج كند دل بسته ايم. دوست مي دارم

كه كسي از آل محمد (ص) خروج كند و نفقه عيال او بر عهده من باشد» (20).

امام علي بن موسي الرضا (ع) به نزد مامون از زيد بن علي شهيد صحبت مي كرد كه: «او از علماي آل محمد (ص) بود و در راه و انعكاس خشم الهي بود و با دشمنان خداوند مجاهدت كرد تا در آن طريق به شهادت رسيد. امام ادامه داد كه: ابو موسي بن جعفر نقل كرد كه از پدرش جعفر بن محمد شنيده بود كه گفت: خداوند عمويم زيد را رحمت كند او مردم را به سوي «الرضا از آل محمد» دعوت مي كرد و اگر پيروز مي گرديد در پيشگاه خدا عهد خود را وفا مي نمود كه گفت: شما را به «الرضا از آل محمد» دعوت مي كنم (21)

امام صادق (ع) مردم را بر آن مي داشت تا در شورشي كه زيد بر ضد دولت امويان كرده بود پشتيبان زيد باشند. هنگامي كه خبر قتل زيد به او رسيد بسيار ناراحت شد و اندوهي عميق بر او دست داد و از مال خود به عيال هر كس از ياران زيد كه با او در آن واقعه آسيب ديده بودند هزار دينار داد (22).

هنگامي كه جنبش بني الحسن (ع) شكست خورد، امام را اندوه فرا گرفت و سخت بگريست و مردم را مسئول كوتاهي در برابر آن جنبش دانست.

ابن عمر كند گويد: «بر ابو عبد الله (ع) وارد شدم، به من فرمود:

آيا از حادثه آل حسن آگاهي؟ خبر آن به ما رسيده است و دوست نمي دارم آن را دوباره باز گويم. آنگاه گفتم: اميدواريم كه خداي بزرگ آنان را در عافيت نگاه دارد. آنگاه

آن بزرگوار فرمود: اما عافيت كجاست؟ سپس گريست چندان كه به گريه صدا بلند كرد و ما نيز گريستيم (23).

«اينك اين ستايش امام از كساني كه به كار آن جنبشها برخاسته بودند و آن اندوه و آن گريه و زاري بر آنان، ممكن نبود با نظر امام (ع) و اصحاب ايشان وفق دهد مگر آنكه جنبش زيد به طريقي به آنها مربوط مي شد، و زيد فقط به منظور كسب قدرت و انتزاع خلافت از حكام وقت، به نفع خاندان پيامبر كار مي كرد. اگر زيد دعوت را براي شخص خود به عمل مي آورد، خود رادر عرض امامت قرار داده بود. در چنين صورتي نه ستودن او جايز بود نه گريه بر او.

به اين ترتيب حساب آنان با حساب ديگران از بني اميه يا بني عباس از غاصبان خلافت تفاوتي نمي داشت.

امام و رد پيشنهادهاي نظامي

در فصل سابق از حقيقتي مهم سخن گفتيم و آن اين بود كه تحقق يافتن پيروزي قاطع امام (ع)، مرهون نجات يافتن عمل دگرگونسازي او در زمينه بنا كردن توده هايي بود كه به رهبري معصومانه و پر ايمان وي ارتباط داشت و همچنين به نظريه وي در حكومت مرتبط مي گرديد. در همان هنگام اين حقيقت كه مي گويد: انديشه استيلاي مسلحانه سياسي قضيه اي بود كه اگر هم شكست آن محرز نبود، با اين همه نتايج آن تضمين شده نبود، بعيد مي دانستيم.

از اين رو امام حاضر نشد حتي يك لحظه در چنان كشمكشي داخل شود.

در پرتو اين حقيقت مي توان به تفسير باز گفت كه چرا امام (ع) از چنين پيشنهاد نظامي خود داري كرد و به علت عواملي كه در جنبش او وجود داشت حاضر نشد

سازش سياسي كند، نيز حاضر نشد از ديگران استفاده ماكياولي نمايد و الا دست كم برنامه اي كه امام براي مرحله عمل تنظيم كرده بود كه با وضع اجتماعي و زيستي امت هماهنگ شود و با واقعيت عمل دگرگون سازي و سرنوشت سازي ارتباط داشته باشد، تحريف و دستكاري مي شد.

پس برنامه هاي امامان عليهم السلام در عهده دار شدن دگرگونسازي اجتماعي هيچگاه برنامه ماجراجويانه نبوده است كه به ميل خاطر و از روي بلند پروازي تنظيم شده باشد. بلكه همه برنامه هاي دگرگونسازي آنان بر پايه هاي علمي و موضوعي واضح بنا شده بود.

اموري كه براي امام (ع) امكان داشت و اوضاع فكري و سياسي عموم كه او را وا داشت تا همه پيشنهادهاي نظامي و مسلحانه و سازشهاي سياسي را رد كند، به كار امام از درون ضربه مي زد و حركت او را هر وقت اراده مي كردند در نطفه خفه مي نمودند به خصوص كه آغاز كارش بود.

عباسيان وقتي موفق شدند تا نظام حكومت اموي را زير و رو كنند كه شعار «رضا از آل محمد» را ندا در دادند و از آن استفاده ماكياولي كردند تا عواطف علويان و پايگاههاي مردمي آن را جذب كنند، و آن به اين اعتبار بود كه از طرفي اهل بيت نمودار قويترين حزب بودند كه با سياست امويان معارضه داشت و از طرف ديگر مساله عدالت اجتماعي را بر عهده گرفته بودند (24)

«و هيچگاه به امويان كه حكومت را غصب كرده بودند تسليم نشدند و اظهار اخلاص و مهرشان به «آل محمد» (ص) و پيوندشان با آنان فقط تبليغات بود تا عاطفه مردم را بخود جلب كنند» (25). «چنانكه مبلغان عباسيان كه ميكوشيدند همه

شيعيان علوي را به صفوف خود جلب كنند، قصد اصلي خود را آشكار كردند و آن واژگون ساختن حكومت اموي بود. اما كوشش خود را براي به دست آوردن خلافت پنهان داشتند و از هر گونه تظاهري كه حكايت كند براي گرفتن مقام علويان قيام كرده اند، خودداري ورزيدند بلكه چنين مي گفتند كه به خونخواهي شهيدان علوي قيام كرده اند.

«در آغاز شايسته چنان است كه به اين نكته اشارت كنيم كه خاندان عباسيان اصول تبليغ دعوت را پايه گذاري نكردند و بذر آن را نكاشتند بلكه فقط شرايط بود كه آن خاندان را به سوي رهبري يك نظام سري و استوار سوق داد و همه دستگاهها و مبلغان آنها آماده اين كار بودند. پس ميوه هائي را چيدند كه عموزادگان علوي شان كاشته بودند و بر امواج عظيم انقلاب سوار شدند و از كساني كه سختترين محنت را تحمل كردند تا آن نظام سري استوار را به وجود آوردند، روي گرداندند (26).

عباسيان حقيقت عواطف علويان را ادراك كرده بودند و شعاري دلخواه و پاكيزه را در نظر گرفتند و طرح كردند و براي «رضا از آل محمد» تبليغ نمودند.

اين شعار شعاري مبهم بود كه حق امامت را ثابت مي كرد و از اختلاف حفظشان مي نمود و از اختلاف و تفرقه و گرفتاري رهايي شان مي داد. اگر دعوت و تبليغ را به خاندان خود منحصر مي كردند و هر چه در دل داشتند آشكارا مي گفتند، البته در اين صورت خاندان علوي و مبلغان مخلص آنان عليه آنها مي شوريدند.

بعلاوه توده هاي مردم كه شيفته فضايل اولاد علي و فاطمه (ع) بودند نيز بر ضد آنان قيام مي كردند.

ابو مسلم خراساني به امام صادق (ع) نامه اي

نوشت و در نامه اين مطلب را قيد كرد كه: «من مردم را از دوستي بني اميه به دوستي اهل بيت دعوت كردم و تبليغ نمودم كه بني اميه را ترك كنند و به اهل بيت بپيوندند، پس اگر مي پذيري كاري ديگر بر عهده تو نيست …» (27)

اينك بنگر كه امام (ع) در پاسخ او چه نوشت و خطاب به خراساني چه فرمود: «نه تو از مردان مني نه زمان، زمان من است.» (28) با اين واكنش امام (ع)، براي ما روشن مي شود كه انگيزه او در رد كردن پيشنهاد آن بود كه به عدم صداقت گوينده علم داشت. از جمله «تو از مردم من نيستي به اين مطلب پي مي بريم و جمله «نه زمان زمان من است» به معرفت امام (ع) به عدم وجود نيروي كافي براي قبضه كردن حكومت آگاه مي شويم.

پس از آن كه كوششهاي عباسيان در مورد امام (ع) با شكست روبرو گرديد، چنين انديشيدند كه با همان مضامين مكتب، گروه ديگر علويان رابرانگيزند و منظورشان اين بود كه براي به دست آوردن حكومت و نيز به دست آوردن احساس و عواطف توده هاي مردم از مراكز علوي استفاده كنند. پس به عمر الاشرف بن زين العابدين نامه فرستادند اما او نيز با دعوت آنان مخالفت كرد. سپس براي عبد الله بن حسن نامه نوشتند و او تقاضايشان را پذيرفت.

سپس جعفر صادق (ع) او را از اين كار بازداشت و متوجه عاقبت كار كرد اما او نپذيرفت.

يعقوبي در تاريخ خود نوشته است كه عبد الله بن حسن گفت: «من شيخي سالخورده ام و فرزندم محمد - ذو النفس الزكيه - به اين امر اولي است»

و جماعتي از عباسيان را به نزد او فرستاد و گفت با فرزندم بيعت كنيد.» (29).

جهش ياري آورده است كه: «امام صادق (ع) به عبد الله بن حسن نصيحت كرد كه دعوت بني عباس را نپذيرد و به او گفت: اي ابو محمد از چه هنگام اهل خراسان شيعيان تو گرديده اند؟ تو ابو مسلم را به خراسان فرستادي؟ و توبه او فرمان دادي كه جامه سياه بپوشد؟ و اينان كه وارد عراق شدند، تو سبب آمدنشان شدي؟ يا موجب سرازير شدنشان به آنجا گرديدي؟ آيا احدي از آنان را مي شناسي؟» (30)

امام از مجاري امور آگاه بود و به شرايط و اوضاع احاطه داشت و از آن رو مي دانست كه خلافت عباسي مسجل است و هنگامي كه عبد الله بن حسن نزد او رفت به او گفت: دولت بر اين قوم مسجل و مقرر است. اين دولت به هيچ يك از آل ابوطالب نخواهد رسيد.»

كوشش دوم از طرف ابو سلمه خلال بود و او يكي از نقيبان دولت عباسي و عضو فعال در رهبري انقلابي عباسيان بود. او رسولي نزد امام فرستاد كه: «براي دعوت مردم به او و راندن بني عباس آماده است،» اما پاسخ امام به او چنين بود: «مرا به ابو سلمه چكار، ابو سلمه شيعه ديگري است.» فرستاده ابو سلمه گفت: من به رسالت آمده ام.

پس ابو عبد الله چراغ طلبيد، آنگاه نامه ابو سلمه را برداشت و زير شعله نگاه داشت تا نامه بسوخت و به فرستاده او گفت: «از آنچه ديدي صاحب خود را آگاه كن (31).

از اين مطلب مي فهميم، ادعاي كساني كه مي پندارند عمل امام در رد كردن حكومت با

وجود مناسب بودن اوضاع و شرايط يعني كنار گذاشتن جنبه سياسي رهبري با وجود هماهنگي شرايط، از طرف امام، اشتباه بوده است، به خطاست. زيرا اين رد كردن حكومت، خود شكلي از اشكال عمل سياسي بود كه شرايط موضوعي را براي او محدود مي كرد. خلاصه آنكه نفس عدم قبول حكومت، كاري سياسي را نشان مي دهد.

امام (ع) از در دست گرفتن حكومت خودداري فرمود و اين كار را به وقتي موكول كرد كه نقش دگرگون سازي امت را ايفا كند و در مجراي افكار امت تاثير گذارد و در رويدادهاي مهم برابر امت نفوذ كند و انحرافهاي گوناگوني را كه واقعيت سياسي و اجتماعي به وجود آورده بود تصحيح نمايد. آنگاه در داخل امت عهده دار تجديد بنا شود و امت را آماده سازد تا در سطحي درآيد كه بتواند حكومتي را كه خود مي خواهد، به وجود آورد.

*****پي نوشتها:

1 - تاريخ عرب از سيد امير علي ص 179.

2 - صواعق المحرقه از ابن هجر ص 120.

3 - رسايل جاحظ از سند وبي ص 106.

4 - مجله نجف، نقش امام صادق.

5 - زندگي امام موسي از قريشي ص 76.

6 - امام صادق و مذاهب چهارگانه - اسد حيدر ج 3 ص 27 - 28 - 46.

7 - مدرك سابق.

8 - امام صادق (ع) از مظفر ج 1 ص 157.

9 - فرائد الاصول از انصاري و قواعد فقه از محمد تقي فقيه.

10 - امام صادق (ع) و مذاهب اربعه. اسد حيدر ج 4 ص 92 - 93.

11 - مجله نجف البكاء ص 24.

12 - دائرة المعارف، نقش امامان عليهم السلام - صدر.

13 - مجله نجف، البكاء ص 22.

14 - من

لا يحضره الفقيه ج 3 ص 4.

15 - كسبهاي حرام از امام خميني ج 2 ص 102 از وسائل و نيز كتاب تجارت ص 42.

16 - فقه امام صادق (ع) از محمد جواد مغنيه ص 71.

17 - وسائل الشيعه ج 11 ص 445.

18 - تحف العقول از ابن شعبه ص 221.

19 - مجله نجف - البكاء ص 23.

20 - بحث در ولايت. نقل از سرائر ابن ادريس.

21 - واعيان الشيعه جلد 33 ص 73.

22 - اعيان الشيعه ج 33 ص 113 نقل از ارشاد شيخ مفيد.

23 - بحار الانوار ج 47 ص 302.

24 - جنبشهاي سري ص 67. «

25 - محاضرات در تاريخ اسلامي ج 3 ص 22.

26 - جنبشهاي سري ص 66.

27 - ملل و نحل شهرستاني ج 1 ص 241.

28 - مدرك سابق.

29 - محاضرات در تاريخ اسلامي ص 67.

30 - مدرك سابق.

31 - مروج الذهب مسعودي ج 3 ص 254.

امام هفتم

امام موسي بن جعفر (ع)

امام موسي بن جعفر (ع) همان راه و روشي را ادامه داد كه امام صادق (ع) در روبرو شدن با اجتماع، بر محور عمل و برنامه ريزي اتخاذ كرده بود.

محور نخستين: برنامه ريزي فكري و آگاهي دادن عقيدتي و چاره گري در روبرو شدن با عقايد منحرف و انگيزه ها و واپس گرائيهاي شعوبي و نژاد پرستي و عقايد مختلف ديني.

از خطرناكترين اين تبليغات زهرآگين، تبليغ افكار الحادي و كفرآميز بود كه تزريق زهر آن با فعاليت و گسترش در دلهاي نوجوانان مسلمان سرازيرشده بود. موضع امام موسي (ع) در برابر اين تبليغات، آن بود كه با دلايل استوار در برابر آن بايستد و با پوچي و بي مايگي آن به معارضه برخيزد و دوري آن

را از منطق و واقعيت توضيح دهد و عيوب آن را باز گويد تا آنجا كه گروهي انبوه از پيروان آن عقايد به اشتباه خود و فساد خط مشي اتخاذي خويش اعتراف كردند و به اين جهت جنبش امام درخشندگي يافت و قدرت علمي آن حركت منتشر گرديد و به گوشها در رسيد. چندان كه گروهي بزرگ از مسلمانان پيروي آن كردند و آن را پذيرفتند و اين امر بر مسئولان حكومت گران آمد و با آنان با شدت و فشار و شكنجه رفتار كردند و در زمينه هاي عقيدتي آنان را از گفتگو باز داشتند و امام موسي (ع) ناچار شد به هشام (يكي از اصحاب خود)

فرستاده اي گسيل دارد و او را هشدار دهد تا به علت خطرهاي موجود از سخن گفتن خود داري كند و هشام تا مرگ مهدي خليفه از سخن گفتن خود داري كرد (1).

گروهي كثير از بزرگان دانشمندان و راويان حديث، از كساني كه در دانشگاه بزرگ امام صادق (ع) تحصيل مي كردند، هنگام اقامت او در يثرب، پيرامون امام موسي (ع) گرد آمدند و ايشان با توانائي و نيروي بسيار، بر فقه اسلامي، آراء و عقايد خردمندانه در فقه اسلامي ابراز كردند. مجموعه هاي بسيار از احكام اسلامي به او (ع) منسوب است كه در باب حديث و فقه تدوين شده است و دانشمندان و راويان حديث همواره با آن افاضات علمي، همدم بودند و احاديث و گفتگوها و فتواهاي او را ثبت مي نمودند.

سيد بن طاووس چنين روايت كرده است كه ياران و نزديكان امام (ع) در مجلس او حاضر مي شدند و لوحه هاي آبنوس در آستين ها داشتند. هرگاه او (ع) كلمه اي مي گفت يا

در موردي فتوي مي داد، به ثبت آن مبادرت مي كردند (2).

آن دانشمندان همه انواع علوم را با توجه به گوناگوني و پهناوري آن از او نقل كرده اند. كوششهاي علمي او همه مراكز اسلامي را فرا گرفته بود و دانشمندان نسلي پس از نسلي، پيشكشها و عطاياي علمي او را نقل كرده اند.

محور دوم: نظارت مستقيم بر پايگاههاي توده اي و طرفداران و پيروان خود و هماهنگي با آنها در پيش گرفتن مواضع سلبي و منفي در برابر حكومت، به منظور ناتوان كردن حكومت از نظر سياسي و بريدن از آن و حرام كردن تماس با آن و به محاكمه دادگستري دولتي دعوي نبردن و شكايت نكردن، به منظور آماده كردن وسايل سقوط آن حكومت و نابود كردن آن از نظر سياسي.

چيزي كه امام (ع) را دلير ساخت تا چنين موضع استواري داشته باشد، آن دگرگوني آشكار و گستردگي و انتشار پايگاههاي مردمي ايشان بود.

اين مطلب با جنبش امام (ع) و با فعاليتهاي منفي او نسبت به حكومت منحرف عباسيان، و فرا خواندن او در حرام دانستن ياري با حكومت در هر زمينه از زمينه ها، هماهنگ شده بود. اين موضع امام در گفتگوي وي با يكي از اصحاب، (صفوان) آشكار مي گردد:

- اي صفوان همه چيز تو پسنديده است جز يك چيز.

- فدايت شوم، آن چيست؟

- كرايه دادن شترهايت به اين ستمكار - يعني هارون - به خدا سوگند آنها را از جهت تكبر و خودخواهي و يا شكار و سرگرمي كرايه نداده ام، بلكه براي اين راه - راه مكه - كرايه داده ام و خود همراهي با شتران را بر عهده نمي گيرم بلكه غلامان خود را با آنان مي فرستم.

پس امام

(ع) او را گفت:

- اي صفوان آيا كرايه ات بر عهده آنان است؟

- آري فدايت گردم.

- آيا دوست مي داري زنده بمانند تا كرايه تو را بپردازند؟

- آري.

- پس فرمود: هر كس بقاي آنان را دوست داشته باشد از آنان است و هر كس از آنان باشد وارد آتش گردد.

امام نارضايي و خشم خود را از حكومت هارون، پياپي ابراز مي فرمود و همكاري با آنان را در هر صورت و شكل كه باشد حرام مي دانست و اعتماد و تكيه بر آنان را منع مي كرد و با اين سخن كه فرمود:

«به آنان كه ستمكارند تكيه مكنيد كه گرفتار دوزخ مي گرديد» ، مردم را از تماس با ستمكاران باز مي داشت و تمايل به آنان را بر مسلمانان حرام كرد و ترك كردن آنان را ضروري دانست. حتي اگر تماس با آنان به علت بعضي مصلحت هاي شخصي بود.

ياران خويش را از شركت كردن در سلك حكومت هارون يا پذيرفتن هر گونه مسئوليت و وظيفه دولتي بر حذر مي داشت و به زياد بن ابي اسلمه فرمود:

«اي زياد، اگر از پرتگاهي بلند فرو افتم و پاره پاره گردم بيشتر دوست مي دارم تا براي آنان كاري انجام دهم و يا بر بساط كسي از آنان پاي گذارم (3)».

اما امام (ع)، علي بن يقطين يكي از بزرگ ياران خويش را از اين فرمان استثناء كرد و اجازت داد تا منصب وزارت را در روزگار هارون عهده دار گردد و پيش از او، منصب زمامداري را در ايام مهدي بپذيرد، (4) او نزد امام موسي (ع) رفت و از او اجازت خواست تا استعفا دهد و منصب خود را ترك كند. اما امام (ع) او

را از اين كار باز داشت. و او را گفت «چنين مكن، ما به تو آموخته شده ايم و برادران تو به سبب تو عزت دارند و به تو افتخار مي كنند.

شايد به ياري خدا بتواني شكسته اي را درمان كني و دست بينوائي را بگيري يا به دست تو مخالفان خدا درهم شكنند. اي علي، كفاره و تاوان شما، خوبي كردن به برادرانتان است. يك مورد را براي من تضمين كن، سه مورد را برايت تضمين مي كنم. نزد من ضامن شو كه هر يك از دوستان ما را ديدي نياز او را بر آوري و او را گرامي داري و من ضامن مي شوم كه هرگز سقف زنداني به تو سايه نيفكند و دم هيچ شمشير به تو نرسد و هرگز فقر به سراي تو پاي نگذارد.

اي علي، هر كس مؤمني را شاد سازد، اول خداي را و دوم پيامبر را و در مرحله سوم ما را شاد كرده است (5)».

محور سوم: موضع آشكار و صريح در احتجاج با كسي كه زمامدار حكومت بود به اينكه خلافت حق اوست نه ديگري و بر همه مسلمانان در احراز اين مقام برتري دارد.

مناظره او (ع) با هارون الرشيد در مرقد نبي اكرم (ص) و در برابر توده اي عظيم از اشراف و فرماندهان ارتش و كارمندان عاليرتبه دولت اتفاق افتاد.

هارون روي به ضريح مقدس رسول اكرم (ص) چهره سود و چنين سلام گفت:

درود بر تو اي پسر عم. و از نسبت خود با نبي اكرم مفتخر بود. چه او به سبب نزديكي با رسول اكرم (ص) به مقام خلافت نائل آمده بود. آنگاه امام كه حاضر بود، بر نبي اكرم درود

فرستاد و گفت: «سلام بر تو باد اي پدر».

رشيد خرد خويش از دست بداد و ناراحتي او را فرا گرفت. زيرا امام (ع) در آن فخر و مجد بر او پيشي گرفته بود.

پس با آهنگي لبريز از كينه و خشم به او گفت: «چرا گفتي كه تو از ما به رسول الله (ص) نزديكتري؟. و امام پاسخي تند به او داد و گفت: اگر رسول اكرم زنده مي شد و از تو دخترت را خواستگاري مي فرمود، آيا او را اجابت مي كردي؟ هارون گفت: سبحان الله و به اين كار بر عرب و عجم فخر مي كردم.

امام گفت: اما او دختر مرا خواستگاري نمي كرد و من دختر به او نميدادم زيرا او پدر ما است نه پدر شما. و به اين علت ما به او نزديكتريم (6)».

هارون كه اين دليل او را از پاي درآورد، به منطق ناتوانان پناه برد و به دستگيري امام (ع) فرمان داد و او را زنداني كرد (7).

موضع امام (ع) در برابر هارون، آشكار و روشن بود. امام (ع) در يكي از كاخهاي استوار و زيباي هارون كه مانند آن در بغداد و جاي ديگر نبود، وارد شد. هارون سرمست از قدرت گفت: اين سرا چون است؟

امام بي واهمه و اعتنا از قدرت و جبروت او گفت: اين سراي فاسقان است. خداي تعالي فرمايد:

سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَ إِنْ يَرَوْا سَبيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبيلاً وَ إِنْ يَرَوْا سَبيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبيلاً

(كساني را كه در روي زمين، بي شايستگي، بر خلاف حق گردن مي فرازند از آيات خود روي گردان مي كنم.

هر چند همه آيات را مي بينند، به آن ايمان نمي آورند و اگر راه رشد را ببينند آن راه را بر نمي گزينند و اگر راه گمراهي را مشاهده كنند آن را انتخاب مي كنند. (هود - 113).

هارون از خشم لرزيد و موجي از تشويش او را فرا گرفت. آنگاه به امام گفت: خانه از آن كيست؟

- اين سرا شيعه ما را مجال است و ديگران را فتنه.

- چرا صاحبخانه آن را باز پس نميگيرد؟

- خانه را آباد از او گرفتند و تا آباد نگردد آن را پس نمي گيرد.

شيعيان تو كجايند؟ و در اينجا امام (ع) سخن حق تعالي را قرائت كرد:

لَمْ يَكُنِ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّي تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ.

(كافران از اهل كتاب و مشركان جدا نبودند تا براي آنان از جانب خداي بينه اي آمد.)

هارون را خشم فرا گرفت و گفت آيا ما كافرانيم؟

- نه، اما چنانكه خداي تعالي فرمايد:

أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (… آنان كه نعمت خداي را به كفر تبديل كردند و پيروان خود را در سراي هلاكت جاي دادند.) ابراهيم - 27 - 28

و اينچنين امام آشكار كرد كه هارون منصب خلافت را غصب كرده و سلطنت و حكومت را، دزديده است. اين مطلب خشم هارون را بر او (ع) بر انگيخت و به هنگامي كه شنيد امام او را به مبارزه مي طلبد و در موضعي است كه در آن نرمش نيست، در سخن خود با امام (ع) به خشونت پرداخت (8)

و در هنگامي ديگر، وقتي هارون از امام (ع) راجع به فدك پرسيد تا آن را به او باز پس دهد،

امام (ع) از باز پس گرفتن خودداري فرمود مگر اينكه حدود آن را نيز باز پس دهند.

رشيد پرسيد: حدود آن چيست؟

امام (ع) گفت: اگر حدود آن را بگويم آن را پس نخواهي داد.

هارون پاي فشرد تا حدود آن را براي او معلوم دارد و امام (ع) جز آنكه مرزهاي فدك را تعيين كند چاره اي نديد و گفت:

«مرز نخستين عدن است» وقتي هارون اين سخن را شنيد چهره اش برافروخت.

امام (ع) همچنان به سخن ادامه داد: «مرز دوم سمرقند»!

رنگ هارون به تيرگي گرائيد و خشمي بيكران او را فرا گرفت.

اما امام (ع) گفتار خود را پي گرفت و فرمود: «مرز سوم افريقا»!

رنگ هارون سياه شد و با آوائي كه خشم از آن مي باريد گفت: «هيه

و امام، حد آخر را بيان فرمود و گفت: «از ساحل دريا تا ارمنستان.

رشيد خويشتنداري از دست بداد و گفت:

- آن وقت براي ما چيزي باقي نمي ماند.

- «مي دانستم كه تو آن را باز پس نخواهي داد» (9).

محور چهارم - بيدار كردن وجدان انقلابي امت از راه تشويق آنان براي شورش و مبارزه. شورش و مبارزه را علويان به كار گرفتند تا وجدان اسلامي و اراده اسلامي را از سقوط در برابر حكام منحرف نگاهدارند. پيشوايان (ع) از متعهدان با وفاي آن كار پشتيباني مي كردند.

هنگامي كه حسين بن علي بن حسن - صاحب واقعه فخ - (10) بر آن شد تا عليه اوضاع فاسدي كه با هر كس كه شيعه و علوي و طرفدار امام بود، توهين و شكنجه هاي شديد اعمال مي كرد، شورش كند، نزد امام موسي (ع) رفت و ازاو در باب قيام خود مشورت كرد. امام روي بدو كرد و گفت:

«تو به قتل مي رسي، از رفتن صرفنظر كن. مردم فاسقند و به ظاهر ايمان دارند و در دل نفاق و شرك مي ورزند، انا لله و انا اليه راجعون. خداي شما را از پيروان خود به شمار آورد».

هنگامي كه امام موسي (ع) واقعه قتل حسين را شنيد بر او گريست و سجاياي او را بيان كرد و بر او ناليد كه: «انا لله و انا اليه راجعون. به خدا سوگند، مسلماني صالح و روزه گير و قدرتمند كه امر به معروف و نهي از منكر مي كرد و خانواده اش مانند نداشت، درگذشت (11)

وقتي موسي هادي از دست علويان به ستوه آمد، آنان را به مرگ و نابودي بيم داد و امام موسي (ع) را به ياد آورد و گفت:

«به خدا سوگند حسين جز به فرمان او خروج نكرد و جز از مهر او از چيزي پيروي نمي كرد. چه، او در ميان اهل اين خاندان عهده دار كار دين است (12)»

پس اصحاب او خروشان نزد امام شتافتند و به او پند دادند كه پنهان شود تا از شر آن كافر سركش رها گردد.

امام (ع) لبخند زد و به قول كعب بن مالك شاعر تمثل فرمود:

«سخينه را گمان چنين است كه بر پروردگار خويش پيروز مي گردد. اما به زودي مغلوب خواهد شد.

*****پي نوشتها:

1 - رجال كشي ص 172.

2 - انوار البهيه ص 91.

3 - مكاسب شيخ انصاري.

4 - جهشياري.

5 - مكاسب شيخ انصاري.

6 - اخبار الدول ص 113.

7 - تذكرة الخواص 359.

8 - و 9 - مناقب - جزء 2 ص 381.

10 - «فخ نام محلي است در يك فرسنگي مكه و فاجعه اي عظيم در آنجا روي داد كه پس از واقعه

كربلا، آن را از حيث فجيع بودن بي مانند دانسته اند.

حسين بن علي بن حسن بن حسن بن علي بن ابيطالب (ع) كه در تاريخ، معروف به حسين بن علي شهيد فخ مي باشد، با سيصد نفر از علويان و طرفداران خاندان عصمت و طهارت عليه خليفه خروج كردند و از مدينه به سوي مكه براه افتادند. در وادي «فخ با گروهي كثير از عباسيان كه مجهز و مسلح بودند برخورد نمودند. جنگ سختي در گرفت. علويان و بني الحسن شكست خوردند و بيش از صد نفرشان را سر بريدند شهادت حسن در خلافت موسي هادي عباسي روي داد به تاريخ 8 ذيحجة الحرام سال 196 هجري.

حضرت امام جواد (ع) فرمود براي ما اهل بيت پس از واقعه كربلا واقعه اي سهمگين تر از واقعه فخ روي نداده است.

حسن بن علي و پدرانش از تاريخ سازان بوده و هر يك را داستاني مفصل است. حسن دوم را بنام حسن مثني و حسن سوم را حسن مثلث ناميده اند. (اقتباس از مروج الذهب و منتهي الامال - م).

11 - مقاتل ص 453.

12 - بحار الانوار جزء 11 ص 278.

فعاليت امام و زمينه هاي آن

فعاليت امام در دو زمينه پنهاني و آشكار صورت مي گرفت.

فعاليت سري

پايداري و ايستادگي امام (ع) در مقابل اوضاع، دو راه داشت. نخستين آن: مقاومت منفي كه از آن سخن گفتيم و آن در اين امر نمودار گرديد كه امام (ع) به هواداران و طرفداران و رابطان خود فرمان داد كه با دستگاه حكومت قطع رابطه كنند و هيچ معامله اي در هيچ سطحي از سطوح با آنان نداشته باشند (آن سان كه در داستان صفوان به آن اشاره شد).

اين مقاومت با وجود اين كه

نمودار مقاومت منفي، به جاي روي در رو شدن و مقابله و مبارزه مسلحانه بود، اما مقاومت و معارضه اي حتي در صورت منفي، براي حمايت اسلام و پشتيباني از آن، عملي بزرگ و مثبت بود، چه، انحراف حكمرانان از رسالت و مكتب، صورتي زشت از اسلام منعكس مي ساخت و رهبراني كه از اهل بيت بودند ناچار مي بايست چهره بي آلايش و نوراني اسلام را منعكس كنند و پيوسته تفاوتهاي ميان مكتب و حكومت وقت را در عمل، به تاكيد باز نمايند و به اين ترتيب، اسلام در سطح نظري، خالي از هر گونه انحراف نمايان گرديد، هر چند مراحل اجرا و تطبيق آن صورتي زشت به خود گرفته بود (1).

سازماندهي برخي از گروههاي شيعه، از روش گروهي از دلاوران كه در كنامهاي خويش به سر مي بردند، رنگ مي گرفت و در آنجا بود كه فهرستهاي خصوصي و سري نامهاي شيعيان، نزد بعضي از ياران پيشوايان (2) نگاهداري مي شد. ماموران حكومت در آن وقت كوشيدند كه آن اسامي را به دست آورند اما نتوانستند.

در هر صورت، آن گروهها، تشيع را در سراسر كشورهاي اسلامي، دور از چشم حكومت و مراقبت آن منتشر ساختند تا آنجا كه به صورت نيروئي بزرگ در آمده و ديگر دشوار بود كه بتوانند آنان را به اطاعت از حكومت وادار كنند و به زودي قدرت حاكم ناچار گرديد، چنانكه بعدا در عهد امام رضا (ع) خواهيم ديد، به امام رضا (ع) پناه جويد و ولايت عهد را به او واگذارد. (3)

امام (ع) با اين روش، حق خود را در حكومت مؤكد گردانيد و به نگاهداري ياران و پايگاههاي خود از آلودگي در آن

وضعيت فاسد و نظارت بر آنان و برنامه ريزي براي آنان و رشد و آگاهي و مدد رسانيدن به آنان در همه روشهاي مقاومت و هدايتشان تا سطح پيشتازي آگاهانه و آشنائي به زمان و وظيفه مكتبي خود، عمل كرد.

روش پنهاني امام به دو صورت نمودار گرديد:

الف - تائيد جنبشهاي انقلابي و پشتيباني از وفاداران آن جنبشها و شورشهائي كه انقلابيان خاندان او آن را رهبري مي كردند و به امر به معروف و نهي از منكر مي پرداختند. چنانكه موضع او را (ع) در واقعه «فخ كه حسين بن علي بن حسن كه نسبش به امام علي بن ابيطالب مي رسيد رهبري آن را عهده دار بود، ديديم.

اين شورشها به طريقي، به اذن امام (ع) و موافقت او مرتبط مي شد. تمام اين كوششها به هم مربوط بود و امر حكومت را براي «رضا از آل محمد» تبليغ مي كردند. (4)

ب - به دست گرفتن قدرت رهبري و نظارت مستقيم بر امور شيعيان، و راهنمائي آنان از نظر عقيدتي و فكري و از لحاظ رفتار، تا از آنان پايگاهي نيرومند براي جنبش خود آماده سازد و در درون امت نفوذ بهم رساند تا هدفهاي امام (ع) به ثمر رسد و انحرافها و كجرويهايي كه در درون امت به وقوع مي پيوست اصلاح كند.

از اين رو بود كه امام (ع) و پيش از او پدران ايشان (ع) پيوسته تحت تعقيب و مراقبت و فشار و آزار بودند.

قسمتهاي دشوار و گرفتاريهاي بسيار كه شيعيان در آن روزگاران سياه با آن روبرو بودند و براي ابراز كردن دردهاي خود و رساندن شكايتهاي خويش راهي نداشتند، چندان بود كه بر در و ديوار شكايات

خود را مي نوشتند تا مردم بر آن آگاه گردند (5)، و بدانند كه چه مايه رنج و شكنجه بر آنان مي رود.

پاره اي از شعارهاي نوشته شده، دلائل علويان را در حقانيت شان در امر خلافت و رعايت شؤون مسلمانان نشان مي داد، و بيان مي كرد كه آنان از همه به نبي اكرم (ص) نزديكترند و در امت جانشينان اويند (6).

فعاليت آشكار

فعاليت آشكار، براي امام (ع) اين فرصت را به وجود آورد كه به درمان ناداني امت از عقايد و احكام اسلام پردازد و شبهه هاي الحادي و كفر آميز را كه جنبشهائي به وجود آورده بود كه نتيجه گشوده شدن دروازه هاي كشورهاي اسلامي آن روز بر روي جريانهاي بيگانه و غربي بود، پاسخ گويد (7).

و اين مساله از دشواريهاي بزرگي بود كه امام (ع) با آن روبرو گرديد و ميان او با هدفش جدائي و دوري به وجود آورد. لذا در برابر عقايد مزبور به مقاومت و مخالفت پرداخت و به ابطال نظريات مخالف اسلام دست زد.

در زمينه اي ديگر، با پيشوايان مذاهب اسلامي و رهبران آن، در جلسه هاي بحث و مناظره و اعتراض علني، در مراكز و اماكن عمومي باب مذاكره و استدلال و توجيه نظريه امامت را گشود. اين بحثها و مناظره ها بر عهده هشام بن حكم و هشام بن سالم و مؤمن طاق بود و نتيجه اين شد كه فكر تشيع انتشار يافت و افكار آن در ميان مسلمانان رايج گرديد و آن حجتهاي قوي و برهانهاي قاطع كه بر منطق و بحث موضوعي تام استوار بود، انديشه هاي تشيع را بهر سوي پراكند و «كريدي فوا» آنان را صاحبان افكار آزاد توصيف كرده است (8).

شك نيست كه عمل

امام (ع) در اين دو زمينه كه قبلا گفتيم، او را به هدفي نزديك مي كرد كه مقام علمي امامت ايجاب مي نمود و توانائي و نيروي لازم را براي گسترش افكار و آماده كردن زمينه مناسب براي پذيرفتن دعوت او آماده مي ساخت.

سخن چيني درباره امام (ع)

پاره اي از فعاليتهاي امام (ع) به وسيله سخن چينان به هارون الرشيد مي رسيد و اين امر كينه و خشم او را بر مي انگيخت. يك بار به او خبر دادند كه از سراسر اطراف جهان اسلام، اموالي هنگفت به نزد امام موسي بن جعفر (ع) جمع آوري مي گردد و از شرق و غرب براي او حمل مي شود و او را چندين بيت المال است. (9).

هارون به دستگيري امام (ع) و زنداني كردن او (ع) فرمان داد. يحيي برمكي آگاه شد كه امام (ع) در پي كار خلافت براي خويشتن افتاده است و به پايگاههاي خود در همه نقاط كشور اسلامي نامه مي نويسد و آنان را به خويش دعوت مي كند و از آنان مي خواهد كه بر ضد حكومت قيام كنند. يحيي به هارون خبر برد و او را عليه امام (ع) تحريك، كرد. هارون، امام را به زندان در افكند و از شيعيانش جدا ساخت و امام (ع) روزگاري دراز (شايد شانزده سال) در زندان هارون گذراند تا در زندان به ديدار پروردگار خود نائل آمد.

امام (ع) رنجهاي بسيار تلخ و شكنجه هاي بسيار سخت تحمل فرمود.

امام (ع) در زندان دلتنگ شده و از درازي روزگار زندان به ستوه آمده بود و به جهت بيمي كه از ارتباط او با شيعيان مي رفت، از زنداني به زنداني، زير نظر و محافظت پاسبانان و جاسوسان روزگار

مي گذرانيد.

امام (ع) مدتي دراز در زندان هارون گذرانيد. زندان، سلامتي او را از ميان برد و كالبدش تحليل رفت. تا آنجا كه بدن شريفش را ضعف و لاغري فرا گرفت و هنگامي كه در پيشگاه پروردگار سجده مي كرد، مانند پيراهني بود كه بر زمين گسترانيده باشند. روزي در آن حال فرستاده خليفه منحرف بر او وارد شد و گفت خليفه از تو پوزش مي طلبد و به آزادي تو فرمان مي دهد.

اما بايد به ديدار او روي و از او پوزش طلبي و اسباب خشنودي او را فراهم آوري. امام (ع) ابرو در هم كشيد و با كمال صراحت به او پاسخ منفي داد.

او تلخي جام ناگوار زندگاني را تحمل مي كرد، تنها براي اين كه هدف رهبري منحرف، محقق نگردد. (10)

امام (ع) از زندان نامه اي به هارون فرستاد و در آن نامه نفرت و خشم خويش را بر او ابراز فرمود. اينك متن نامه:

«هرگز بر من روزي پر بلا نمي گذرد، كه بر تو روزي شاد سپري مي گردد.

». (11)

امام (ع) در زندان، عذابهاي گوناگون و شكنجه هاي فراوان تحمل كرد. دست و پاي مباركش را به زنجير مي بستند و فشار بسيار و آزارهاي كشنده بر او روا مي داشتند و زان پس كه همه رنجها و دردهاي جانفرسا را بر او وارد كردند، زهري كشنده به او خوراندند كه پس روزش به سر آمد و به سوي پروردگار خود شتافت. وفات آن شهيد سعيد (ع) به سال 173 هجري، پنج روز به ماه رجب مانده اتفاق افتاد. (12)

مرحله سوم

گفتيم كه در مرحله نخستين، همه كوشش پيشوايان (ع) متوجه برنامه ريزي و به وجود آوردن گروهي بزرگ و متحد از شيعيان

گرديد تا به روش آنان تربيت شوند و از وجودشان پشتيباني به عمل آيد و آگاهي شان بالا گيرد و پايگاههاي مردمي شان يكپارچه گردد و چهار چوب معالم فكري و اجتماعي شان در جهان اسلام با برنامه عقيدتي قرين شود. آن مرحله با شهادت امام موسي بن جعفر - شهيد زنداني - پايان گرفت تا مرحله جديدي آغاز گردد.

مرحله جديد را امام علي الرضا (ع) هنگامي كه گروه شيعيان و پايگاههاي مردمي آن در سطحي قرار گرفت كه تقريبا مي توانست مهار حكومت را به دست گيرد و كار سياسي را تجربه كند، گشود. در اين مرحله خواهيم ديد كه پايگاههاي مردمي و گسترش آن عليه حكام آن روز، خطر سياسي به وجود آورده بود.

خصوصيت اين مرحله همبستگي شديد بين امام به عنوان رهبر، و پايگاههاي او و ياران و پيروانش بود كه انواع شكنجه ها و كشتارها و دربدري ها را متحمل شده بودند.

حاكمان وقت، توطئه هاي رياكارانه اي پيش گرفتند تا امام (ع) را بر كنار كنند و او را در برابر مردم و يارانش در تنگنا قرار دهند و با هر شكل و روشي و با هر نيرنگ و تزويري، مردم را از پيرامون امام (ع) دور سازند.

*****پي نوشتها

1 - دائرة المعارف اسلامي. بحث آغاز زمان امامان (ع)

2 - رجال نجاشي.

3 - زندگاني امام موسي كاظم (ع) شريف قريشي ج 2 ص 188.

4 - شخص مخصوصي را نام نمي بردند تا مورد شتم و آزار خلفا واقع شود ولي در هرحال از جاذبه آل محمد (ص) در ارواح مردم استفاده مي كردند. (م)

5 - زندگاني امام موسي از قريشي ص 190.

6 - به شعارهايي كه در مقاتل الطالبيين ص

411 - 412 به تفصيل نوشته شده است مراجعه شود.

7 - جريانهاي كفر آميز در كتاب حيات امام موسي نوشته قريشي ص 126.

8 - تمدن اسلامي ج 1 ص 127.

9 - عيون اخبار رضا.

10 - فصول مهمة ص 252.

11 - بدايت و نهايت ج 10 ص 138 و تاريخ بغداد.

12 - ابن خلكان ج 2 ص 173 و تاريخ بغداد.

امام هشتم امام علي بن موسي الرضا (ع)

مقدمه

زندگاني امام رضا (ع) حلقه اي از حلقه هاي مرحله سوم را در حيات پيشوايان از اهل بيت نمودار مي سازد كه در اين مرحله گسترش پايگاههاي مردمي بود كه در زمان وي (ع) به اوج عظمت و گسترش رسيده بود، در جهان اسلام بر ارزش مكتب امام علي (ع) افزوده شد و برنامه گروه شيعيان مبارز و نظريه آنان كه بيان كننده و نمودار اسلام صحيح بود، در آن متمركز گرديد.

همه آن دستاوردها، نتيجه كوششهاي هماهنگ و برنامه ريزي صحيح پيشوايان مرحله دوم بود و آن از خلال ريخت و شكلهاي عملي متعدد مشهود مي گردد كه عبارتست از:

1 - فعاليت در برنامه ريزي فكري و بالا بردن آگاهي عقيدتي كه امامان (ع) به طور مستقيم به كار بردند و آن فعاليت، آگاهي و آموزش گروه شيعه را شكل و خصوصيات فكري و روحي داد و آگاهي كامل به همه جوانب اسلامي بخشيد.

2 - همراه اين كوششها و به موازات آن، فعاليتي ديگر جريان داشت كه منظور از آن كوششي است كه قدرت انقلابي جهش خود را از خون حسين (ع)

و شهادت جانگداز او به دست آورده بود و تقبل كرد كه زمام انقلاب و شورش و مبارزه سياسي و ايستادگي در برابر اوضاع حاكم و فاسد را به

عهده گيرد.

اما پيشوايان مرحله دوم، قدرت نداشتند قيام مسلحانه انجام دهند و به جنگ پردازند تا وجدان انقلابي امت اسلامي را به نقطه اي كه آغاز آن، خون جوشان نياي آنان، حضرت امام حسين (ع) بود برانگيزند. بكله ادامه و انفجار آن را بر عهده علويان انقلابي گذاشتند كه مي كوشيدند با فداكاريهاي خود، وجدان و آگاهي و اراده اسلامي را به درجه اي از حيات و قدرت و قاطعيت نگاه دارند تا آنجا كه امت را وادار كنند تا از نظر شخصيت و كرامت انساني خود، در مقابل حكام منحرف به هيچ روي عقب نشيني نكنند.

از اينجا ضرورت ايجاب كرد كه اينگونه ماموريتها به بقيه مسلمانان واگذار شود. اما مسئوليت راهنمائي و نظارت و مراقبت و پشتيباني از وفاداران، به عهده اهل بيت باشد.

در بسياري از نصوص تاريخ، از اين قبيل راهنمائيها و پشتيبانيها را در موضع اهل بيت (ع) و در مرحله دوم به شكلي واضح مشاهده نموديم و بعضي از آنها را به تفصيل در زندگاني امام صادق نقل كرديم كه خواننده را به آنها ارجاع مي دهيم، اين پشتيبانيها و راهنمائيها را در نامه امام صادق (ع) توضيح داديم. آن نامه غم انگيز و گريه آوري كه براي پسر عم خود عبد الله بن حسن نقب

و «صاحب نفس زكيه و به خويشان و نزديكان خود فرستاد، مساله را روشن مي سازد.

روايت چنين است: وقتي امام (ع) به عبد الله بن حسن و ابراهيم بن حسن و بقيه خانواده آنان نظر افكند و ديد كه در مسجد رسول الله در غل و زنجيرند، اشك از چشمانش سرازير شد تا آنجا كه بر محاسن شريفش جاري شد. سپس به

سوي من آمد و گفت: «اي ابو عبد الله به خدا سوگند كه زين پس حرمت خداي را نگاه نخواهند داشت و به خدا سوگند كه انصار به رسول الله (ص) وفا نكردند، حال آنكه در عقبه با او بيعت كردند كه او و خاندانش را از هر گزندي كه آنان را تهديد كند حفظ نمايند (1)».

همچنين موضع او (ع) نسبت به عمويش زيد وقتي گفت: «خدا عمويم زيد را بيامرزاد. اگر پيروز شده بود وفا مي كرد كه او خلق را به خلافت «رضا از آل محمد» دعوت كرد و من رضا هستم (2)

اين نصوص با وضوح بسيار دلالت مي كند كه امام (ع) با ناراحتي و دردهاي شورشيان زندگي مي كرد و كار و كوشش آنان را تاييد مي فرمود.

امام سجاد (ع) نيز وقتي، محمد بن حنفيه با نماينده مختار به نزد او رفت تا در باب انقلاب كه مختار در پي آن بود مشورت كند، چنين كرد. امام در آن هنگام بيانيه عمومي صادر فرمود كه اختصاص به مختار ثقفي نداشت، بلكه بيانيه و ستايش او (ع) شامل هر مسلماني مي شد كه بر ضد طاغوتيان حاكم عمل كند و در برابر حكومت ستمگرشان به پاي خيزد. نصوص و نوشته هاي مزبور بر اين دلالت دارد كه در مرحله دوم، دو خط ممتد موجود بود - چنانكه بيان كرديم - و آن دو خط يكي خط آگاهي و آموزش مكتبي بود و خط ديگر، ادامه تحريك وجدان انقلابي امت اسلامي، تا گروه شيعه داراي شكل و نقش مبارزه و جهاد گردد و با ادامه آن دو خط متوازي در مرحله دوم، براي مكتب امام علي (ع) و نظريه

وي (ع) اين امكان به وجود آيد كه داراي پشتوانه عظيم و گسترده اي گردد تا سراسر جهان اسلام و همه خواستهاي آن را زير پوشش خود در آورد.

بر اين مطلب از نظر فكري و رواني و اجتماعي در آغاز مرحله سوم ودر عصر امام رضا (ع) و در برابر امت اسلامي دلايل فراوان وجود دارد.

در زمان امام رضا (ع) چندين شورش به وسيله شاگردان مكتب امام علي (ع) و پيروان نظريه هاي وي (ع) روي داد و جهان اسلام را از كوفه و بصره و مدينه و مكه، تا يمن فرا گرفت. در مناطق مزبور، دستاوردهاي مكتب امام (ع) را اعلام مي كردند و در آنجا به نام امام، حكومت مي نمودند.

هر چند بغداد، تابع خلافت عباسيان بود اما جنبشهاي انقلابي مزبور، بغداد را محاصره كرد و حكومت روز را مورد تهديد قرار داد.

امام رضا (ع) و قيامهاي علويان

از مهمترين و خطرناكترين شورشهائي كه عباسيان با آن روبرو گرديدند، شورش «محمد بن ابراهيم الحسين معروف به «ابن طباطبا علوي بود كه اداره كننده كارهاي او «ابو السرايا السري بن منصور» نام داشت.

ابن طباطبا، مدينه را به قصد كوفه ترك كرد تا آتش شورش خود را بر ضد عباسيان بر افروزد. مردم كوفه كه ديدند دعوت او براي «رضا از آل محمد» (3)

است، و او براي آنان بيعت مي طلبد و مي گويد كه حكومت بايد طبق كتاب خد او سنت پيامبر (ص) و سيره علي (ع) باشد، پيرامون وي گرد آمدند.

تكيه گاه و اميد «ابن طباطبا» در اعلام انقلاب خود، بر اساس پشتوانه پايگاههاي مردمي دوستانش بود كه مردمي موافق و مؤيد خط مكتب امام علي (ع) داشت. اين بود پشتوانه اي

كه از خلال واكنش هاي نيرومند انقلاب «ابو السرايا» در جهان اسلامي كشف كرديم.

نخستين واكنش قيام ابن طباطبا اين بود كه در برابر سپاه انقلابي او، همه لشكرياني كه عباسيان براي خاموش كردن شورش او فرستاده بودند، هزيمت كردند و پاي به فرار گذاشتند. كوفه اي كه به حسين (ع) خيانت كرد و زيد بن علي را تنها گذاشت تا با گروهي چند از يارانش به جنگ اقدام كند، در كنار «ابن طباطبا» ، قهرمانانه براي دفاع از انقلاب و هدفهاي آن، ايستادگي كرد.

اين استقبال عظيم انقلابي، و پاسخگوئي بي مانند، دليل رشد پايگاه مردمي و درك وسيع آن مردم از اسلام بود.

پس از آنكه شورش «ابن طباطبا» را خفه و خاموش كردند، عمال او در مناطقي كه حكومت مي كردند، اعلام استقلال و خود مختاري نمودند.

در يمن، «ابراهيم بن موسي بن جعفر» پس از اخراج نماينده مامون از آنجا، به آنجا حمله كرد و حكومت را در دست گرفت.

در مكه، «حسين بن حسن افطس حمله برد و حكومت را قبضه كرد.

در بصره، «زيد بن موسي بن جعفر، حكومت را به تصرف خود در آورد و اين شخص به اندازه اي خانه هاي عباسيان و طرفداران آنان را سوزانيد كه به «زيد آتش افروز» معروف گرديد. اگر كسي از سياه جامگان را مي ديد، او را آتش مي زد و علاوه بر اموال عباسيان از اموال بازرگانان نيز بسيارتصاحب كرد.

«علي بن سعيد» براي نبرد با او رهسپار شد و زيد از او امان خواست.

«ابن سعيد» به او امان داد (4) و او را نزد «حسن بن سهل برد او نيز دستور داد گردن او را زدند.

محبوبيت امام (ع) و همدلي توده مردم

با وي

با واقعه امام (ع) نشانه هاي بسيار مبني بر رشد پايگاه مردمي و همراهي و همدلي مردم موجود است.

«فضل بن سهل نماينده اي به حاكم كوفه فرستاد و از او خواست كه براي امام رضا (ع) به عنوان ولي عهد بيعت گيرد، مردم مخالفت كردند و گفتند با امام (ع)، به عنوان ولي عهد بيعت نمي كنند بلكه به عنوان خليفه با او بيعت مي كنند (5).

بسيار شد كه مامون براي حل بيشتر مشكلات دولتش به امام رضا (ع)

پناه مي برد و از آن حضرت استدعا مي كرد كه به شيعيان خود ابلاغ فرمايد كه عليه مامون سخني نگويند و خاموش باشند، زيرا آنان در همه جا از حكومت مامون اظهار ناخشنودي مي كردند. (6)

بار ديگر، پايگاههاي مردمي حضرت رضا (ع) معلوم مي شد: پس از قتل «فضل بن سهل ، شايع گرديد كه قتل او طبق نقشه و توطئه اي بوده است كه به دست مامون طرح شده بود. (7) مردم از خانه ها بيرون ريختند و تظاهرات بر پاكردند و آن توطئه را محكوم نمودند و همگي به سوي كاخ مامون به راه افتادند تا مشت خشم آگين و انتقام جويانه خود را چهره او فرود آورند.

مامون ناچار شد از در پشت قصر خود خارج شود و به خانه امام (ع) كه در همسايگي كاخش بود رود و از او استمداد جويد و خواهش كند تا مردم خشمگين را آرام گرداند. امام (ع) در برابر مردم ظاهر شد و با يك دستور همه را پراكنده ساخت.

معني اين واقعه آن است كه امام (ع) پايگاه مردمي داشت و پايگاه اجتماعي او عظيم بود و در همان شهر كه مامون با زور حكومت مي كرد،

او مورد قبول و پيروي همه مردم بود و بر دلها حكم مي راند.

امام (ع) فعاليت علني را رهبري مي فرمود

همه اين نشانه ها و شواهد تاريخي ثابت مي كند كه پايگاه مردمي مكتب علي (ع) از جهت علمي و اجتماعي تا حدي بسيار رشد كرده و گسترش يافته بود.

در آن مرحله بود كه امام (ع) مسئوليت رهبري را بعهده گرفت. بر اساس اين تحول و وسعت نفوذ و همراهي و همياري گروههاي بسيار زياد از مردم، امام (ع) بنا به تغيير و تحولات عصر خود، فعاليتهاي غير معمول را رهبري مي فرمود. تا آنجا كه بعضي از جماعت شيعيان كوشيدند او را متهم به مخالفت با «تقيه كنند و هيئتي نزد او فرستادند تا او را از هارون الرشيد بر حذر دارند «صفوان بن يحي گفت: وقتي «ابو الحسن موسي (ع) در گذشت و رضا (ع) حكم را در دست گرفت از آن كار بر او ترسيدم و به او گفتيم تو امري بزرگ را آشكار كردي و ما بر تو از اين طاغي بيم داريم. امام (ع) گفت: «بيهوده مي كوشد، با من كاري نميتوان كرد (8)»

و از «محمد بن سنان (ع) روايت شده است كه گفت:

به «ابو الحسن رضا (ع)، گفتم در روزگار هارون خود را به اين كار زبانزد كردي و به جاي پدرت نشستي در حالي كه از شمشير هارون خون مي چكيد» (9).

جمعي ديگر نيز نزد وي افتند و گفتند: «خاموش بنشين هم آن سان كه جد و پدرت خاموش نشستند.» و ديگران كوشيدند كه او را قانع سازند تا تقيه پيشه كند و او با آنان مخالفت كرد، حال آنكه تقيه دين جدش صادق (ع)

بود. در موارد ديگري نيز امام را از اين معني هشدار دادند و بر حذر داشتند. اين رويدادها، نشانه فعاليت پي گيرانه امام (ع) بود كه آن جماعتها را هشيار ساخت.

چه، نمي توانستند طبيعت تغيير و تحول و گسترش پايگاههاي مردمي و رشد و افزوني نفوذ آن را در نفوس و دل مسلمانان و پاسخگوئي سريع مردم را به آن و همكاري فعالانه آنان را در عمليات و فعاليتهاي علني امام درك كنند.

حقايق تاريخي بسيار وجود دارد كه واقعيت گفتار ما را آشكار مي سازد.

پس از آنكه رضا (ع) بعد از پدر، مسئوليت رهبري و امامت را به عهده گرفت، در جهان اسلام به سير و گشت پرداخت و نخستين مسافرت را از مدينه به بصره آغاز فرمود تا بتواند به طور مستقيم با پايگاههاي مردمي خود ديدار كند و درباره همه كارها به گفتگو پردازد. عادت او چنين بود كه پيش از آنكه به منطقه اي حركت كند، نماينده اي به آن ديار گسيل مي داشت تا مردم را از ورود وي آگاه كند تا وقتي وارد مي شود، مردم آماده استقبال و ديدار او باشند. سپس با گروههاي بسيار بزرگ مردم اجتماع بر پا مي كرد و درباره امامت و رهبري خود با مردم گفتگو مي فرمود. آنگاه از آنان مي خواست تا از او پرسش كنند تا پاسخ آنان را در زمينه هاي گوناگون معارف اسلامي بدهد. سپس مي خواست كه با دانشمندان علم كلام و اهل بحث و سخنگويان، همچنين با دانشمندان غير مسلمان ملاقات كند تا در همه باب مناقشه به عمل آوردند و با او به بحث و مناظره پردازند پس از پايان كار به مردم كوفه خبر مي داد كه

تا سه روز ديگر نزد آنان خواهد بود و با پايگاه هاي خود تماس مي گرفت و با بحث كنندگان و متكلمان و يهود و نصاري و كساني كه در آن زمان در جهان اسلام يك خط فكري داشتند، تماس مي گرفت تا در هر باب گفتگو كنند. به گروه اخير از آن روي توجه مي فرمود و به جنبش و افكارشان اهميت مي داد كه از راه ترجمه ها و مجادله هاي كلامي، توجه جهان اسلام را بخود جلب كرده بودند.

امام (ع) در اين مسافرتها با همه گروهها و مكتبهاي علمي، بحثها و گفتگوهاي رنگارنگ مي داشت. محمد بن عيسي تقطيني گويد: «مسائلي كه از امام (ع) مي پرسيدند گرد آوردم، به هيجده هزار مساله رسيد كه به آنها پاسخ گفته بود.»

«ابراهيم بن عباس صوري مي گويد: «هرگز نديدم كه از رضا (ع) پرسشي كنند و او پاسخ آن را نداند.» (10)

پدران رضا (ع)، به همه اين فعاليتهاي آشكار مبادرت نمي كردند. آنان شخصا به مسافرت نمي رفتند تا بتوانند به طور مستقيم و آشكار با پايگاههاي مردمي خود تماس حاصل كنند. اما در مورد امام رضا (ع) مسئله امري طبيعي بود. زيرا در اين مرحله پايگاههاي مردمي بسيار شده بود و نفوذ مكتب امام علي (ع) از نظر روحي و فكري و اجتماعي در دل مسلمانان كه با امام به طور آگاهانه و همياري عمل مي كردند افزايش يافته بود.

اما حادثه اي روي داد: گروهي از ياران امام (ع) ميان اين تحول و دگرگوني ظاهري كه در خط پدران او بود، با شرايط و اوضاع جديد، نتوانستند رابطه اي برقرار كنند و از اين روي بود كه اعتراضاتي به امام وارد مي آوردند.

*****پي نوشتها:

1 - امام صادق، علم و

عقيده. از رمضان لاوند ص 90 نقل از مقاتل الطالبيين.

2 - اعيان الشيعه. ج 33 ص 73.

3 - عيون اخبار الرضا ج 2 ص 208.

4 - ابن اثير ج 5 ص 175 - 177 - و عيون اخبار الرضا ج 2 ص 233.

5 - عيون اخبار رضا ج 2 ص 141.

6 - مدرك سابق.

7 - طبري ج 8 ص 565 و عيون اخبار رضا ج 6 ص 159.

8 - كافي ج 1 ص 87 و نيز عيون اخبار رضا و مناقب و ارشاد.

9 - روضه كافي ص 257.

10 - براي تفصيل بيشتر به سلسلة الذهب و به فصول مهمة از ابن صباغ مالكي مراجعه شود.

امام (ع) و مطالبه زمامداري

پس از آن كه امام (ع)، مسئوليت امامت را بعهده گرفت، همه توانائي خود را در آن دوره در توسعه دادن پايگاههاي مردمي خود صرف كرد.

اما رشد و گسترش آن پايگاهها و همدلي آنان با كار امام (ع) به اين معني نبود كه او (ع) زمام كارها را به دست گرفته باشد.

با وجود همه آن پيشرفتها و افزايش پايگاههاي مردمي، امام (ع)

بخوبي مي دانست و اوضاع و احوال اجتماعي و موضوعي نشان مي داد كه جنبش امام (ع) در سطحي نيست كه حكومت را به دست گيرد. زيرا حكومتي كه امام مي خواست غير از حكومتي بود كه داراي آن پايگاههاي مردمي بود.

يا به بيان روشن تر، آن پايگاهها كه در جهان اسلام وجود داشت امام رضا (ع) را آماده مي ساخت كه زمام حكومت را در سطحي به دست گيرد كه هر طالب حكومتي، خريدار و خواستار آن نبود. يعني اين امكان براي او فراهم نبود كه زمام حكومت را به نحوي كه منصور

يا مامون داشتند، به دست گيرد.

البته چنين امكاني وجود داشت كه امام (ع) به آن نوع حكومت رسد، زيرا پايگاههاي گسترده اي كه او داشت از او پشتيباني مي كردند و او را تاييد مي نمودند. اما نظير اين پايگاهها به اين درد نمي خورد كه پايه حكومت امام (ع) گردد. چه، پيوند آن با امام (ع) پيوند فكري پيچيده و عمومي بود و از قهرماني عاطفي نشان داشت.

اين همان احساسهاي آتشين بود كه روزگاري، پايگاه و اساسي بود كه بني عباس بر آن تكيه كردند و براي رسيدن به حكومت بر امواج آن عواطف سوار شدند.

اما طبيعت آن پايگاهها و مانندهاي آن به درد آن نمي خورد كه راه را براي حكومت او (ع) و در دست گرفتن قدرت سياسي، براي او هموار سازد.

ازين روي مي بينيم كه بيشتر قيامهائي كه مسلمانان و پيروان با اخلاص، با نظريه امامت علي (ع) بر پا كردند، بيشتر اوقات در تناقضها و اختلافهاي داخلي نابود مي شد. حتي از طرف پايگاههاي خود غرقه در گرفتاري دست و پا مي زدند و غالبا انشعاب مي كردند و از يكديگر جدا مي شدند و احيانا با يكديگر در جنگ و ستيز بودند.

علت اين امر بسي ساده بود. به اين توضيح كه همه پايگاهها از نظريه امامان (ع) آگاه نبودند و اوضاع اجتماعي و موضوعي را ادراك نمي كردند.

بلكه قيامهاشان غالبا عاطفي و آتشين بود، نه آگاهانه و نضج يافته. پس طبيعة عواطف و احساسها نمي توانست بناي حقيقي اسلام قرار گيرد، چه، بناي حقيقي بر اساس آگاهي كامل از هدف استوار است.

امام رضا (ع) در آن مرحله خود را آماده آن مي كرد تا مهار حكومت را به دست گيرد اما با

شكلي كه او خود طرح كرده بود و خود مي خواست نه در شكلي كه مامون چنان مي خواست و در آن شكل، ولايت عهد را به او (ع) عرضه داشت و او آن را رد كرد و نخواست.

در «ارشاد» روايت شده است كه مامون، حضرتش (ع) را در باب ولايت عهدي مخاطب قرار داد و به او گفت: مي خواهم ولايتعهد - يعني خلافت - را به عهده ات بگذارم. حضرت فرمود: «اي امير المؤمنين، مرا از اين كار معاف كن كه نه نيروي آن را دارم و نه طاقت آنرا.

مامون گفت: پس ولايتعهد را بعد از خود بتو وا مي گذارم.

امام فرمود: اي امير مؤمنان، از اين كار نيز مرا معاف كن.

وقتي امام امتناع خويش را بيان فرمود، مامون با سخني كه به علت امتناع امام (ع) بوي تهديد مي داد با امام برخورد كرد و گفت: عمر بن خطاب شوري را با شش نفر مقرر داشت كه يكي از آنان نياي تو امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) بود و عمر شرط كرد كه هر كس با آنان مخالفت كند گردنش را بزنند. بايد چيزي را كه از تو مي خواهم بپذيري و ترا از آن، راه فرار نيست. (1)

پس امام (ع) التماس او را پذيرفت.

نيز روايت شده است كه سخني ديگر در ميان آنان بود. مامون خلافت را به امام عرضه داشت و امام از آن امتناع نمود سپس ولايت عهد را به او پيشنهاد كرد، آن را نيز رد كرد و مامون گفت:

«تو مرا به كاري وا مي داري كه از آن اكراه دارم. از قدرت من ايمني اما به خدا سوگند ياد مي كنم كه اگر ولايت عهد را

نپذيري ترا به اين كار ناچار مي سازم و اگر نپذيري گردنت را مي زنم (2)

انگيزه هاي مامون روياروي امام (ع)

مي توان انگيزه هاي مامون و موضع او را در برابر امام رضا (ع) به عوامل رواني و ايماني كه در او بود تفسير كرد.

مامون شخصا به خط امام ايمان داشت و به علويان مهربان بود و فدك را به آنان باز گردانيد و كوشيد كه بدگوئي و دشنام به معاويه، سنت معمول گردد و آن را بر مردم بايسته كرد و آشكارا ابراز داشت:

هر كس معاويه را بخوبي ياد كند ذمه اش مشغول است و از او راضي نيستم و برتر آفريده خدا پس از رسول اكرم (ص)، علي بن ابي طالب است» (3)

شيعي بودن مامون حاصل عوامل متعددي بود كه از هنگام كودكي در روان او تاثير كرده بود. در آن هنگام كسي كه به تربيت و تاديب او گماشته شده بود، مردي شيعي مذهب بود. نيز مامون در اوان جواني در اطراف خراسان استقرار يافته بود كه بيشتر مردم آن شيعه بودند و طرفداران اهل بيت (ع)

مامون روزي به ياران خويش گفت: آيا مي دانيد چه كس تشيع را به من آموخت؟

گفتند: نه.

گفت: رشيد آن را به من آموخت.

گفتند: چگونه؟

گفت: وقتي امام موسي بن جعفر از مدينه بر رشيد وارد شد، فروتني رشيد را در برابر او ديدم و ديدم كه چگونه او را بزرگ مي داشت.

مامون ادامه داد: هنگامي كه تنها شديم پرسيدم: اي امير مؤمنان اين مرد كيست كه او را چنين بزرگ داشتي و تجليل كردي و در مجلس خود به سوي او از جاي برخاستي و او را به پيشواز رفتي و در بالاي مجلس خود

نشاندي و فروتر از او نشستي و به ما فرمان دادي كه ركاب او را بگيريم؟

گفت: او امام مردم است و حجت خدا بر آفريدگان او، و خليفه او نزد پرستندگان اوست.

گفتم: اي امير المؤمنان، آيا تو همه اين صفات را نداري؟

گفت: من به ظاهر و با توسل به زور و غلبه، امام مردمم. امام موسي بن جعفر امام بر حق است. به خدا سوگند اي فرزند، كه او به مقام رسول الله (ص) از من و از همه آفريدگان داراي استحقاق بيشتر است. به خدا سوگند اگر تو با من در سر اين مقام نزاع كني، همانا سرت را بر خواهم كند. (4) چه، ملك عقيم است، سياست پدر و مادر نمي شناسد. (5)

اما اين انگيزه هاي تشيع براي خط امام (ع) آن نيست كه مامون را به آنجا راند كه آن موضع را اتخاذ كند. بلكه در اين مورد عوامل و انگيزه ها در دل مامون وسيعتر بود كه در صورت مصالحه سياسي و اغراض موسمي نمودار گرديد و مي توان آنها را به چهار نكته زير تعبير كرد:

1 - مامون مي خواست، خلافت خود را صورت مشروع دهد و در حكومت خويش آرامش و استقرار و ثبات بر قرار كند زيرا پايگاههاي مردمي كه به خلافت عباسيان مؤمن بودند، به خلافت مامون با شك و ترديد مي نگريستند.

چه او، خليفه شرعي يعني امين، برادر خود را كشته بود و سر برادر را براي او آوردند. اين نكته در مورد مشروع بودن خلافت او، نوعي شك و ترديدو پريشاني خاطر در پايگاههائي كه به خلافت عباسيان ايمان داشتند به وجود آورد و اعتماد مردم را نسبت به مقام و

قدرت او متزلزل ساخت. به طوري كه مردم همه، خلافت او را نپذيرفته بودند و بهر حال در آن وقت، مامون پايگاه خود را نزد مردم از دست داده بود. اما ساير پايگاههاي مردمي كه پيرامون وجود امام علي (ع) مي گرديدند، اصلا به خط عباسيان در خلافت ايمان نداشتند و به خلافت هيچيك از آنان با نظر مشروع نمي نگريستند تا جائي كه مامون به اين بسنده كرد كه خلافتي را كه غصب كرده بود و به زور بر آن مسلط شده بود، جامه شرعي بپوشاند تا از او در حكومت پشتيباني كنند.

ازينرو بود كه مامون به اين مبادرت كرد كه از امام رضا (ع) كه خلافت قانوني از آن او بود و توده هاي بسيار در جهان اسلامي بر اين عقيده بودند كه امام (ع) نامزد طبيعي خلافت شرعي است و بايد از حقوق خلافت برخوردار گردد، چنان استدعائي كند.

در اينجا بايد يادآوري كرد كه اين سطح ايمان به امامت حضرت رضا (ع)

و حقانيت شرعي او در خلافت، در يك سطح يكسان، از وضوح نبود. عده اي بنا بر اساس نص، و تعيين، به امامت او (ع) معتقد بودند، و عده اي ديگر بر اين پايه به خلافت وي ايمان داشتند كه او يكي از فرزندان امام علي (ع) است و او بهترين مسلمان است. نقشه مامون، مشروع جلوه دادن خلافت خويش و جلب مردم به سوي خود بود. او خواست خود را از خلافت خلع كند و آن را به امام واگذارد تا امام مجددا آن را به او باز پس دهد و با اين لباس شرعي خليفه مشروع و قانوني گردد. يعني وقتي امام، خلافت را

به او رد مي فرمود به منزله جامه مشروع بود كه مامون براي خلافت خود آرزو داشت تا از عقده نامشروع بودن خلافت خود رهائي يابد.

اما امام (ع) خط مامون را دريافت و نقشه او را دانست و كوشش او را در سوء استفاده از محبوبيت امام و فريبكاري او در پايگاههاي مردمي و استفاده نابجا از قدرت و قوت مركز سياسي، به آساني خواند. مامون از اين كار سه هدف داشت:

الف: آنكه امام (ع) را وجه و واسطه سازش خود با عباسيان بغداد كند از طرفي، ورقه سازشنامه اي بين امام و عباسيان از امام به دست مي آورد.

ب: از طرف ديگر بين خود و علويان نزديكي و رابطه بر قرار مي ساخت.

ج: بين خود و شيعيان خراسان ارتباط و دوستي حاصل مي كرد.

وقتي مامون به اين توطئه كه بر ملا شد، دست زد، حضرت رضا (ع)

به او فرمود:

«آيا خلافت جامه اي است كه خداي بر تو پوشانيده است؟ و اگر جامه اي است كه خدا بر تو پوشانيده است. تو نمي تواني آن را از خود دور سازي و به من واگذاري. و اگر چيزي نيست كه خداي بتو عطا كرده باشد، پس چگونه چيزي را كه مالك آن نيستي به من وا مي گذاري؟»

امام (ع) با اين سخن آشكار تاييد كرد كه نمي خواهد مشروعيت خلافت مامون را اعلام فرمايد.

روي گرداندن امام (ع) از پذيرفتن خلافت به معناي ارجاع خلافت به او نيست. يعني اگر امام، خلافت را نپذيرفت به اين معني نبود كه آن را به مامون واگذاشته و باز گردانيده باشد.

اين مناظره در خلافت مامون تاثيري بزرگ گذاشت به طوري كه در آينده براي بر كندن جامه شرعي از خلافت

مؤثر بود.

2 - مامون گرفتار دشواريهاي پايگاههاي مردمي كه طرفدار امام (ع)، همچنين طرفدار مكتب امام علي (ع) بودند، شد و از طرفي گرفتار جنبشهاي انقلابي بود كه از قدرت بسيار برخوردار بودند، آن سان كه براي كرسي زمامداري مامون خطر جدي و حقيقي به وجود آورده بودند و در همه قسمتهاي جهان اسلام پراكنده شده بودند. براي مثال، جنبشهاي شيعي در خراسان به سال 198 يعني همان سالي كه مامون در خلافت، استقلال يافت و شورش ابن طباطبا در كوفه به سال 199 هجري كه به آن اشارت كرديم و قيام حسين بن هرش در خراسان كه هر يك از آن دو براي «رضا از آل محمد» تبليغ و دعوت مي كردند.

از جمله قيامهاي ديگر، شورش زيد بن موسي بن جعفر و ديگران بود.

آن همه فشار در هر صورت و شكل كه بود، به رهبري امام (ع) ارتباط داشت و شبح اين فشارها براي مامون ترسناك و وحشتزا بود به طوري كه خواب را از او گرفته بود. او بسي كوشيد تا آن قيام را خاموش كند و خشنودي مردم را به دست آورد تا وضع موجود حكومت را بپذيرند و راه اين كار آن بود كه رهبري فكري يا نمايندگان بلند پايه آنان را به كار گمارد يا در حكومت وارد كند.

مامون مي خواست از خلال اعطاي ولايت عهد به امام رضا (ع)، در آن واحد به چند هدف خود دست يابد:

الف: محاصره امام (ع) و زير نظر گرفتن رفت و آمد او و دور ساختن وي از پايگاههاي مردمي. و اگر امام، در مرو مستقر مي گرديد، همه اين كارها صورت مي گرفت.

ب: كاشتن تخم شك و

ترديد در راه رهبري اهل بيت (ع) كه مردم باخود بگويند كه نپذيرفتن خواسته هاي خليفه و پيشنهاد راه حل هاي او چه معني دارد؟ و معناي قبول ولايت عهدي چيست؟ اين كارها با شعارهائي كه مكتب اهل بيت اعلام كرده بود در يك زمينه نبود و با هم نمي خواند.

ج - آرام كردن دلها و تامين كرسي خلافت، زيرا، اين معني متوجه امام (ع) مي گرديد و در نتيجه از شورشها و جنبشهاي مردم ايمن مي شدند.

د: زير نظر داشتن حركات شورشي و كوشش در جلب عواطف علويان.

همه اين منظورها وقتي به دست مي آمد كه مامون در نقشه خود موفق گردد. مامون مي خواست همه جوانب اين كار را به ميل خود ترتيب دهد و به آن شكلي بخشد كه ظاهر كار چنين به نظر آيد كه حقيقتا و با دل و جان مي خواهدخلافت را پس از خود تسليم امام (ع) كند. بنابر اين به اين كارها دست زد.

- مؤتمن، برادر خود را از ولايت عهدي خلع كرد.

- ام حبيبه، دختر خود را به ازدواج امام (ع) در آورد.

- شعار و درفش عباسيان را كه رنگ سياه بود به شعار و درفش علويان كه رنگ سبز بود تبديل كرد.

- فرمان داد كه فرزندان عباس و دولتمردان و سران سپاهش، با امام به عنوان ولايتعهدي بيعت كنند.

- به نام امام رضا (ع) بر سيم و زر سكه زد. اما امام (ع) ثابت كرد كه ممكن نيست آن حيله ها و آن نقشه ها او را بفريبد و مهمترين كارهائي را كه بر ضد او پيش گرفت به مراتب زير خلاصه مي شود:

الف: از روز نخست مخالفت خود را ابراز فرمود، و مامون را به

نيات حقيقي خود گواه ساخت و به او گفت «آيا مي خواهي مردم بگويند كه علي بن موسي در دنيا پرهيزكار نيست بلكه دنيا از او پرهيز مي كند؟ آيا نمي بينيدكه چگونه ولايتعهدي را از سر آز به دنيا و طمع به خلافت پذيرفت؟» (6).

از همينجا نپذيرفتن امام (ع) و اعلان صريح او به اينكه به بارگاه حكومت مامون نخواهد پيوست معلوم گرديد.

امام (ع) اين هدف خليفه را درك كرد و هنگامي كه مامون وي را ناچار ساخت تا ولايتعهدي را بپذيرد، اين ناچاري را در پرده كتمان نگذاشت، و ابراز داشت كه آن سمت را به اختيار نپذيرفته است، بلكه آن را پس از اجبار و تهديد پذيرفته است.

از هروي منقول است كه: «به خدا سوگند كه رضا (ع) از ميل و رغبت اين امر را نپذيرفت، او را به كوفه بردند و از آنجا از راه بصره به مرو رفت (7)».

از مامون روايت كرده اند كه وقتي خلافت را به امام عرضه داشت او امتناع ورزيد، سپس ولايتعهدي را عرضه كرد، آن را نيز نپذيرفت و به او گفت:

«تو مرا به كاري و اميداري كه خوشايند من نيست. همانا كه از سطوت من ايمني پس به خدا سوگند ياد مي كنم كه اگر ولايتعهدي را نپذيري ترا به آن كار وادار مي كنم و اگر نپذيري گردنت را مي زنم (8)»

ابو الفرج نيز مانند اين روايت را نقل كرده است: «ولايتعهدي را به او پيشنهاد كردند و اصرار ورزيدند و او امتناع مي كرد و نمي پذيرفت تا آنجا كه يكي از آن دو به او گفت اگر نپذيري با تو چنين و چنان خواهم كرد … سپس آن ديگري به

او گفت: به خدا سوگند بمن دستور داده اند كه اگر با خواسته آنان مخالفت كني گردنت را بزنم (9)».

اما امام (ع) پس از بيرون آمدن از مدينه حتي همان وقت كه ولايتعهدي را به عهده او گذاشتند، اظهار نارضائي و ناخشنودي مي فرمود. اين نكته از خلال برخي از بيانيه ها و گفته هاي وي آشكار است كه درد و تلخي و رنجي راكه در اعماق وجودش موج مي زده ابراز داشته است و از خلال بعضي حالتهاي انفعالي و عصبي كه نشان دهنده خستگي روحي و رواني است كه به آن دچار شده بود آشكار مي گردد.

«… رضا (ع) روز جمعه از مسجد جامع باز مي گشت، عرق و گرد و غبار بر سر و رويش نشسته بود. دستها را به آسمان برداشت و گفت: بار خدايا اگر گشايش كار من از وضعي كه دارم با مرگ ميسر مي گردد، پس زودتر ساعت مرگ مرا برسان.

و تا وقتي كه روح از بدنش خارج شد، هميشه غمزده بود. (10)

بالجمله ممكن بود كه مردم از اين درد و رنجي كه امام احساس مي كرد، حقيقت را درك كنند چنانكه درك كردند.

ب: امام (ع) با سند تاريخي كه به مامون نوشت با او شرط كرد كه:

«هيچيك از كارهاي دولتي مربوط به حل و عقد و انتصاب و بر كنار داشتن را به عهده نگيرد».

گاه مي شد كه مامون فراموش مي كرد كه امام با او چه شرطي كرده است و مي كوشيد او را در انبوه مسئوليتها گرفتار سازد. اما امام (ع) به او يادآوري مي فرمود كه بايد به شرط خود وفادار باشد. وقتي مامون، امام را به پذيرفتن ولايتعهدي قانع كرد، امام به او فرمود. «من اين

كار را مي پذيرم به اين شرط كه هيچكس را ستمي ندهم و كسي را بيكار نكنم، و رسم و سنتي را نشكنم.

فقط دورا دور ناظر بر امور باشم. مامون نيز با اين نظر موافقت كرد (11).

بار ديگر مامون كوشيد امام را در گيراگير مسئوليتهاي حكومت وارد كند. مثلا از امام خواست تا كساني را كه امام به آنان اطمينان دارد به او معرفي كند تا زمامداري مناطقي را بپذيرند كه عليه حكومت مامون بوده اند.

امام به او پاسخ داد: تو بايد به عهدت وفا كني تا منهم وفا كنم. من به اين شرط وارد اين امر شدم كه نه فرمان دهم نه كسي را از كاري باز دارم نه كسي را بر كاري بگمارم تا خداوند مرگ مرا پيش از تو برساند». پس مامون بدو گفت: وفا مي ورزم.

موضع منفي امام به منزله اشاره اي گذرا به امت، يا دعوتي صريح براي توجه به رسالت آن دعوت و گرد آمدن پيرامون امام، و محكوم كردن واقعيت حكومت فاسد بود كه جز دگرگون كردن آن چاره اي نبود، و اين بدان معني بود كه او به طور كلي از وضع موجود حكومت خرسندي نداشت.

ازين رو هيچگونه كار و مسئوليت سياسي را بر عهده نمي گرفت. زيرا، آن اوضاع به اين نياز داشت كه در آن تغيير اساسي داده شود و از نو بنيان گيرد.

امام از نخستين هنگام، پرهيز از حكومت مامون و همه پيامدهاي آن را اعلام فرمود. براي او امكان نداشت در محيطي به كار پردازد كه به دگرگوني و تبديل ريشه اي نياز دارد. هنگامي كه همه كوششهاي مامون بي نتيجه ماند و به شكست منتهي گرديد صدها هزار دينار توسط

فضل بن سهل به كوفه - شهري كه بزرگترين پايگاه امام در آنجا بود - فرستاد تا به نفع مامون از مردم بيعت بگيرد.

چه، تا آن روز هنوز همه نقاط اسلام با او بيعت نكرده بودند. مامون اين بار با پول زياد كوشيد تا از مردم براي خلافت خود و ولايت عهدي رضا (ع) بيعت گيرد، و محبت پايگاههاي مردمي او را براي خلافت خود به دست آورد.

اما پايگاههاي امام (ع) به اين نيرنگ فريفته نشدند و گفتند با امام به عنوان وليعهد بيعت نمي كنند بلكه حاضرند به عنوان خليفه با او بيعت كنند. پس آنگاه پايگاهها كه موضع خود را مي دانستند، ولايتعهدي را رد كردند و او را راندند و به او پاسخ رد دادند. اينجا مامون فهميد كه آن پايگاهها را نمي توان با پول يا با حيله و تزوير خريداري كرد. مامون از امام تمنا كرد كه از طرفداران و شيعيان خود بخواهد كه سكوت كنند. امام سخن او را نپذيرفت و گفت:

«شرطي نوشته شده است، آيا مامون مي خواهد شرط خود را نقض كند؟» مامون پرسيد: چه شرطي؟

امام (ع) فرمود: با تو شرط كردم كه درباره هيچ چيز، ننويسم و قرار دادي منعقد نكنم. از اين رو چيزي نمي نويسم (12)

امام (ع) امتناع فرمود كه به پايگاههاي خود چيزي بنويسد.

3 - مامون مي دانست كه وارد شدن امام (ع) در دستگاه حكومتي او هرگز باعث دگرگوني يا اصلاح آن نخواهد شد. زيرا آن دستگاه دچار انحرافي عظيم شده بود كه سراسر امت اسلامي را در بر گرفته بود و امكان نداشت آن انحراف در يكي دو روز تغيير و تبديل يابد و اصلاح شود. مامون

مي خواست امام رادر دستگاه دولتي خود وارد كند تا او را در برابر دستگاههاي مردمي بدنام سازد و به عنوان كاسبي سازشكار و مصلحت انديش خويش وانمودش كند و ثابت نمايد كه او داراي نظريه حقيقي و مردمي نيست، و بدينوسيله مردم را از رهبري آل علي نوميد سازد. از اين رو بود كه امام (ع) با همه نيرو بر ضد مامون برخاست و با رفتار منفي در برابر دستگاه حاكم و نپذيرفتن مشاركت و همكاري با مامون به هر شكل و صورت قيام فرمود.

اينك به منطق برخي از جستجوگران و محققان متعصب نظر افكنيم كه چگونه براي ما اين موضوع را سطحي و با تعصب نگريسته اند و اين روش را روش شيعي پنداشته اند.

احمد امين گويد: «امامان علوي پيوسته ادعا مي كردند كه اگر امور رعيت را در دست گيرند، با عدالت مطلق آن را اداره خواهند كرد. اما بين ادعا و واقعيت تفاوت بسيار است مامون از اين مساله شكايت داشت و مي ديد كه امامان نهان از چشمها مرتكب گناه مي گردند بي آنكه كسي آنان را ببيند و ارزش آنان را بشناسد. پس چنين مصلحت انديشيد كه آنان ظاهر شوند تا مردم اشتباه هاشان را بدانند و آنان را چنين تقديس و ستايش نكنند. او به اين نكته واقف بود كه اگر آنان در صحنه زندگاني در مقابل مردم پديدار گردند و نمايان شود كه چگونه بر مردم حكومت مي كنند و چگونه كارهائي را بجا مي آورند كه خداوند حرام كرده است، از چشم مي افتند. اما تا وقتي زير فشار باشند و مردم رادر نهان به خود دعوت كنند و در مخفيگاه به سر برند، مردم آنان

را دوست مي دارند و طرفدار آنانند. لذا بر آن شد كه پس از خود علي الرضا را ولي امركند». (13)

اينك اي خواننده در اين گفتار بينديش.

4 - اين نكته در كوشش مامون براي عزل امام (ع) و دور داشتن وي از پايگاههاي مردمي او و محو كردن او در دستگاه حاكم و قرار دادن او در حصاري استوار چنان كه نتواند با مردم خود تماس بر قرار كند و در نهايت، از ميان بردن جنبش تشيع و شعله آن، در ضمن چهار چوب خلافت عباسيان نقشي بزرگ داشت.

كوششهائي كه براي دور كردن امامان از پايگاههاي مردمي شان به عمل آمد از خصوصيت عمومي مرحله سوم از كارهاي امامان بود. حضرت رضا (ع) و حضرت هادي (ع) و جواد (ع) و عسكريان (14) عليهم السلام، غالبا از پايگاههاي مردمي خود از طرف حكام زمان، دور و مورد تعقيب سياسي بودند.

برنامه و روش كار براي دور ساختن پيشوايان (ع) از مردم و دور كردن خطر آنان معمولا بدو طريق انجام مي گرفت:

1 - اقامت اجباري در حد زنداني بودن و دستگير شدن، همچنان كه با امام كاظم (ع) عمل شد يعني با زنداني كردن آنان در شهري كه محل سكونت خليفه بود، همراه با شكنجه و تهديد، آنان را دائما زير نظر قرار مي دادند.

در روايات تاريخي آمده است كه وقتي امام رضا (ع) از مدينه به فارس منتقل گرديد، خدمتگذاري در خدمت او (ع) بود كه گويي دين و وجدان خود را به حاكم وقت فروخته بود. جاسوسي بود كه حركات و روابط امام را با ديگران گزارش مي داد. از آن جائي كه مامون كوشش مي كرد تا امام را

از پايگاههاي مردمي او دور سازد، خدمتگزار مزبور در نظارت بر حركات و رفت و آمد امام كوشش بسيار مي كرد و نقشي بزرگ داشت تا امام (ع) را در جهان اسلام از پايگاههاي مردمي خويش دور و جدا سازد.

2 - غرق كردن امامان (ع) در دستگاه دولتي و از ميان بردن جنبش و حركت آنان در چهار چوب حكومت منحرف، هم آن سان كه با امام رضا (ع) و حضرت جواد (ع) و حضرت امام هادي عليهم السلام رفتار شد.

پس از آن كه امام (ع) فعاليتها و تماسهاي وسيعي با پايگاههاي خود برقرار كرده بود، مامون موفق شد او را از پايگاههاي خود دور سازد و وقتي امام در مقابل اين عمل قرار گرفت، نتوانست با مردم خود كه به آنان نياز فراوان داشت تماس و ارتباط برقرار سازد و براي رشد فكري آنان بكوشد و بر آگاهي شان بيفزايد و علاقه و تاييدشان را به مكتب امام علي (ع)، عميق و ريشه دار گرداند.

چرا امام (ع) خلافت را نپذيرفت؟

آيا پذيرفتن خلافت فرصتي براي دگرگون ساختن دستگاه نبود؟

در پايان سخن راجع به امام رضا (ع) اين پرسش بر خاطر مي گذرد كه چرا امام، وقتي مامون خلافت را به او (ع) پيشنهاد كرد، آن را نپذيرفت.

آيا آن كار فرصتي براي نيل به هدفهاي امام نبود كه عقايد خود را تحقق بخشد؟

پس چرا آن فرصت را از دست داد؟

اينك، با بيان نكات زير، پاسخ:

1 - وقتي مامون، خلافت را به امام پيشنهاد كرد، مورد اطمينان امام (ع) نبود.

2 - اگر امام (ع) خلافت را عهده دار مي گرديد به اين معني بود كه در سراسر كشورهاي اسلامي، در اداره همه

امور مسئول مي شد و اين كار به دستگاهي مطلع و آگاه نياز داشت تا بتواند برنامه اسلامي را در حكومت، مو به مو و با اخلاص و امانت تمام به مرحله اجرا در آورد. پايگاههاي امام گرچه داراي سوزان ترين عاطفه و احساس بودند اما به آن درجه عميق از درك و آگاهي نرسيده بودند كه نظريه هاي وي را به كمال دريافته باشند. مساله در حقيقت تغيير ظاهري نبود، بلكه مبناي اساسي داشت و بايستي بر پايه آگاهي عميق و درك مخلصانه امور عمل مي شد.

آيا براي امام (ع) امكان داشت به سوي دستگاه عباسيان كه سراپا فساد و انحراف بود گامي بردارد و از آنان بخواهد كه اسلام و حدود آن را صورت عمل دهند. در آن هنگام امكان پذيرفتن چنين امري وجود نداشت. اما نپذيرفتن ولايتعهدي چنانكه گفتيم كاري اختياري نبود بلكه توام با اكراه و اجبار و فشار سياسي بود.

امام (ع) از آن موضع بسي رنج كشيد و وقتي آن سمت را به اجبار به وي دادند چون مي دانست كه مامون اين كار را براي آن كرد كه حكومت در حال سقوط خود را نجات دهد و حوادث بنيان كني را كه در آن هنگام به وجود آمده بود از راه دولت خود دور گرداند، پس، مي خواست كه با جلب امام (ع) و پايگاههاي وي حكومت در حال سقوط خود را از خطر برهاند (15).

و ولايتعهدي شرطي بود كه مامون تعيين كرد تا از برخي دستاوردهاي سياسي استفاده كند كه بار بسياري از دشواريهاي حكومت او را از دوشش بر مي داشت.

رفتار او با امام صادقانه نبود بلكه نقشي بود كه مي خواست آن را با

دقت اجرا كند تا به نتيجه دلخواه برسد (16).

امام (ع) از تلخي غربت و محاصره، زجر فراوان مي كشيد و محاصره وي به نوعي خاص بود. گرفتاري او، گرفتاري در سياهچال يا زندان، آن سان كه رشيد بر امام كاظم (ع) روا مي داشت نبود، بلكه در با شكوه ترين كاخ، همراه گروهي خدم و حشم گرفتار و محصور بود و آنان جاسوسان و خبر چينان مامون بودند و همه خبرها را مو به مو به اطلاع حكومت مي رساندند و مانع آن مي شدند كه مردم و طرفداران امام (ع) با او عليه السلام ملاقات كنند.

امام رضا (ع) با مامون بسيار سختگير بود. روزي بر او وارد شد و ديد مامون وضو مي سازد و ديد كه غلامي آب بر دست او مي ريزد تا او وضو بسازد. امام به او فرمود: «در عبادت خدا براي خود شريك مگزين امام (ع) با چنين صراحت و قدرت با مامون رفتار مي كرد و از كردار او عيب مي گرفت و آن را مي سنجيد. مامون نيز به پذيرفتن مواعظ و پندهاي امام تظاهر مي كرد اما كينه و دشمني امام (ع) را در دل مي داشت. وقتي مامون تصميم گرفت مركز خلافت را از مرو به بغداد منتقل سازد، امام (ع) را مسموم كرد و در حقيقت زان پس كه امام (ع) همه كوشش خود و امكانات خويش را براي اسلام و اعتلاي كلمه آن به كار برد، پاداش او (ع) را داد.

*****پي نوشتها:

1 - ارشاد ص 290 و مقاتل الطالبيين ص 375.

2 - مقاتل الطالبيين ص 375.

3 - علل الشرايع ج 1 ص 266.

4 - عين عبارت چنين است: چيزي را از تو مي گيرم كه چشمانت در

آن است.

5 - عيون اخبار رضا ج 1 ص 88.

6 - علل الشرايع صدوق ج 1 ص 226.

7 - عيون اخبار رضا ج 2 ص 141.

8 - علل الشرايع ج 1 ص 266.

9 - مقاتل الطالبيين ص 375 و ارشاد ص 291.

10 - عيون اخبار رضا ج 2 ص 167.

11 - علل الشرايع ج 1 ص 224

12 - المهدي و المهدوية ص 61 - 63 نوشته احمد امين.

13 - المهدي و المهدويه ص 61 - 62

14 - مراد امام دهم و يازدهم عليهما السلام است كه خلفاي عباسي آنها را از مدينه به سامرا كه مركز پادگانهاي نظامي بود آوردند و در آنجا سكونت دادند. چون سامره، پادگان (يعني عسكرگاه و سربازخانه) بود، هر يك از آن بزرگواران را عسگري ناميده اند. (م)

15 - و 16 - تاريخ امام رضا (ع) و تحقيقات محمد جواد فضل الله ص 107.

امام نهم امام محمد جواد (ع)

زندگاني امام محمد جواد (ع) ادامه راه خط پدرش، امام رضا (ع) بود.

مامون به امام جواد علاقه داشت و كوشش مي كرد و نقشه طرح مي كرد كه دل امام (ع) را به دست آورد و او را بدار الخلافه نزديك كند. مامون توطئه خود را براي از ميان بردن جنبش و حركت تشيع در چهار چوب خلافت عباسيان همچنان ادامه مي داد و هدف او از اين كار آن بود كه بين امام و پايگاههاي مردمي او فاصله ايجاد كند و امام را از مردم خويش دور سازد.

او مي خواست به طريقي اين نقشه را اجرا كند كه مردم تحريك نشوند، به خصوص كه او (ع) با كمال عزت و تكريم در كاخهاي مامون و ساختمانهاي مجلل او زندگاني مي كرد.

اما محافظان كاخ همه حركات و سكنات امام (ع) را با دقت تمام زير نظر مي داشتند.

بنابر همان نقشه قديمي، مامون در برابر همه مردم در جامه دوستدار و مخلص امام ظاهر شد و «ام فضل دختر خود را به عقد ازدواج او در آورد تااز تاييد امام برخوردار باشد. لذا به او اصرار كرد كه در همانجا زندگاني كند. اما امام (ع) اصرار ورزيد كه به مدينه بازگردد تا نقشه مامون را در كسب تاييد امام براي پايداري خلافتي كه غصب كرده بود، نقش بر آب سازد. زيرا وقتي امام (ع) خلافت او را تاييد نمي كرد، اين شبهه در دل مردم ايجاد مي شدكه حكومت او مشروعيتي ندارد. و از طرف ديگر، امام (ع) امامت خود را اثبات مي كرد و جدا بودن طرح و برنامه خود را از طرح و برنامه حكومت روز آشكار مي ساخت.

اما اگر امام (ع) مي پذيرفت كه با مامون و در دربار او زندگاني كند، مساله به اين طريق تلقي مي شد كه اين دو خط مشي در يكديگر ادغام شده است و اين امر در نظر مردم چنين نتيجه مي داد كه هيچ تناقض و اختلافي بين اين دو از جهت معالم و مسائل فكري و عقيدتي خاص كه مميز نظريه امام بود، وجود ندارد.

امام جواد (ع) خط پدر بزرگوار را ادامه داد و از لحاظ برنامه ريزي فكري و آگاهي عقيدتي، فقيهان را از بغداد و شهرهاي ديگر پيرامون خود، در مدينه فراهم آورد تا با او مناظره كنند و از او بپرسند و از راهنمائي هاي او مستفيض گردند.

«هنگامي كه فصل حج فرا رسيد، فقيهان بغداد و شهرهاي ديگر و دانشمندان بلاد كه

هشتاد تن بودند، به حج رفتند و سپس به سوي مدينه روي آوردند تا ابا جعفر را ديدار كنند.» (1)

امام جواد (ع) براي گستردن پايگاههاي مردمي خويش به وظايف و مسئوليتهاي خود در امر جهاد دست زد. اين امر به گوش «معتصم رسيد و او را جبراً به بغداد فرا خواند تا به قتل برساند و زندگاني شريف آن امام (ع) را با خوراندن زهر به آن طريق به پايان رساند.

ابن بابويه گويد: «معتصم امام (ع) را مسموم گردانيد.» (2) زيرا امام (ع) براي حكومت خطري محسوب مي شد و مواضع انحراف و موارد دوري حكومت را از اسلام براي مردم افشاء مي كرد. نه تنها براي دستگاه خلافت اين خطر را داشت كه منزلت و برتريهاي فكري او را با توجه به كمي سن و سال او همه مي دانستند، بلكه امام، فقها و قضات را براي مناظره و مبارزه علمي مي طلبيد و بسيار متحرك بود و امور فكري و عقيدتي مردم را بر عهده داشت (در يك مجلس سي هزار مساله از او پرسيدند و او به همه آنها پاسخ داد و در آن وقت نه سال داشت.)

مفيد گويد: «مامون امام جواد (ع) را دوست مي داشت. زيرا با وجود كمي سن، شخصي فاضل بود و به درجه والا از علم رسيده بود و در ادب و حكمت و كمال عقل، مقامي داشت كه هيچيك از مشايخ زمان، با او برابري نمي توانست كرد».

طبري در اعلام الوري گويد: او (ع) در زمان خود با وجود اندك بودن سن و سال، به پايه اي از فضل و علم و حكمت و ادب رسيده بود كه هيچيك از اهل فضل به

آن پايه نرسيده بود.» (3)

سخن خويش را در باب روش و برنامه امام جواد (ع) به همين اندازه مختصر به پايان مي رسانيم زيرا نقش او همانند نقش پدرش امام رضا (ع) بود.

سخنها و پرسشهاي بيشمار، پيرامون وي گفته شده است و درباره پديده مرجعيت و رهبري او در حالي كه بيش از هشت سال نداشت سخن بسيار است.

امام (ع) و خردسالي او

صغر سن امام (ع) از پديده هاي اعجاز آميز اوست كه در حكام آن زمان اثري فوق العاده گذاشته بود. همه مآخذ تاريخي متفق القولند كه وقتي پدر مكرم امام جواد (ع) در گذشت عمر امام هشت سال يا هفت سال و چهار ماه بود (4). در حقيقت هنگامي كه پس از پدر عهده دار امامت گرديد، در سن كودكي بود.

اين معني نخستين بار در زندگاني پيشوايان اهل بيت (ع) در شخص امام جواد (ع) مصداق پيدا كرد و براي حكام منحرف، مايه حيرت و براي حقيقت امتداد خط امامت و مرجعيت امامان اهل بيت (ع) كه امام جواد (ع) نماينده و جانشين آنان بود، سندي حتمي و معجزه آسا به شمار مي رفت.

اگر به حساب احتمالات تكيه زنيم، مي بينيم كه تنها صغر سن امام (ع) كافي است كه حقيقت امامت وي را بپذيريم و قبول كنيم كه او (ع) ادامه دهنده خط امامت بوده است و الا چگونه مي توان در دست گرفتن رهبري شيعه را از طرف او در همه زمينه هاي نظري و عملي تفسير كنيم؟

شايد اين معني از ذهن بگذرد و بگويند، بسا كه براي شيعيان، امامت و رهبري اين نوجوان از اهل بيت، با وضوح كشف و معلوم نشده باشد و بسا كه

ادعائي ديگر نيز بر اين فرضيه ضميمه كنند همچنان كه احمد امين گويد:

«امامان از چشمها پنهان مي شدند و به دعوت پنهاني اكتفا مي كردند تا محبت و گرايش مردم نسبت به آنان باقي بماند (5)».

ما اين فرضيه را رد مي كنيم و مي گوئيم: رهبري امام جواد (ع)، رهبري آشكار و علني در برابر همه توده هاي مردم بود و هرگز رهبري امامان چنين نبود كه پيرامونشان را پاسبانان محافظ و نيروي ارتش و ابهت و جاه و جلال پادشاهان فرا گرفته باشد به طوري كه رهبر، دعوت را از توده مردم كه به آنان معتقد بودند و به رهبري آنان حركت مي كردند، پنهان سازد بلكه رهبري امام (ع)، رهبري سري از قبيل صوفيان و فاطميان نبود كه ميانشان فاصله ايجاد كند و بين رهبري و پايگاه مردمي او جدائي افكند.

امام اهل بيت (ع)، دعوت خود را تا حدي آشكار انجام مي داد، و پايگاههاي مردمي طرفدار و مؤمن به رهبري و امامتش به طور مستقيم در مسائل ديني و قضاياي اجتماعي و اخلاقي با شخص امام تماس و هماهنگي حاصل مي كردند.

وقتي مامون، امام (ع) را به بغداد يا مركز خلافت آورد، امام (ع) پاي فشرد تا به مدينه باز گردد. مامون با اين درخواست موافقت كرد و آن حضرت بيشتر عمر شريف را در مدينه گذرانيد.

امام جواد (ع) در صحنه اجتماعي با نشاط و فعاليت، حركت مي كردو نزد همه مسلمانان شناخته شده بود. منجمله نزد شيعيان كه به رهبري و امامت او (ع) ايمان داشتند.

«اين مساله كه معتصم از فعاليتها و كوششهاي او برآشفته و در رنج بود حقيقت داشت و از اين روي وي را به بغداد خواست و

هنگامي كه ابو جعفر (ع) وارد عراق گرديد، معتصم و جعفر پسر مامون، پيوسته توطئه مي چيدند و براي قتل آن بزرگوار حيله مي انديشيدند».

مفيد گويد: «دو شب به ماه محرم سال 220 مانده وارد بغداد شد و در ذيقعده همان سال در آنجا وفات كرد».

در روضة الواعظين آمده است كه «در بغداد با زهر به قتل رسيد (6)».

بر اساس اين مسلميات، فرضيه اي كه مي گويد: رهبري امام جواد (ع) در برابر مسلمانان عموما و در برابر شيعيان خصوصا، رهبري آشكار نبوده است، باطل است. اين سخن خلاف طبيعت علاقه و همبستگي بين اهل بيت و پايگاههاي مردمي آنانست. به خصوص كه مامون نورافكن ها را متوجه امامت و علم حضرت امام جواد (ع) كرد و او را در معرض آزمايش قرار داد تا در محظور قرار گيرد و مردم را از پيرامون او بپراكند. دانشمندان بزرگ را دعوت كرد و بين آنان و امام (ع) در برابر عباسيان، مجالسي منعقد نمود. اما برتري علمي و فكري امام (ع) با كمي سن و سال آشكار گرديد.

مامون از «يحيي بن اكثم كه در آن روزگار از بزرگان و متفكران بود خواست كه براي پرسش از امام، مساله اي طرح كند تا امام را ناتوان سازد و از پاسخ گفتن به آن درماند. يحيي بن اكثم از امام پرسيد: «فدايت گردم آيا رخصت مي دهي سؤالي كنم؟».

ابو جعفر گفت: «آنچه مي خواهي بپرس.

يحيي گفت: درباره كسي كه در احرام باشد و شكاري را بكشد چه نظر داري؟

امام (ع) فرمود: آيا وقتي صيد را كشت در «حل بود يا «حرم و آيا آن مجرم به اين كار آگاه بود يا جاهل؟ به عمد آن را

كشت يا به سهو؟ آزاد بود يا بنده؟ صغير بود يا كبير؟ آغاز كننده به قتل بود يا در مقام دفاع بود؟

آن شكار آيا از پرندگان بود يا نه؟ از شكارهاي كوچك بود يا بزرگ؟ درآنچه كرد پافشاري داشت و يا پشيمان شده بود؟ قتل در شب روي داد يا در روز؟ آيا براي عمره محرم شده بود يا براي حج؟

يحيي بن اكثم شگفت زده بر جاي ماند و در چهره اش ناتواني ديده مي شد چندانكه اهل مجلس همه بدان پي بردند (7).

درين مورد، فرضيه ها و اقوال ديگر وجود دارد و ما آنها را متواليا مورد بحث قرار مي دهيم:

فرضيه نخست كه مي گويد: سطح علمي و فكري طايفه شيعه در آن هنگام در پايه اي بود كه امكان داشت از اين موضوع غفلت كنند يا به بيان ديگر سطح فكري و عقلي و رواني شيعه چندان بود كه آنان را به اين معني كشانيد كه امامت كودكي را تصديق كنند و به آن ايمان آورند … حال آنكه او حقا امام نبود.

اين فرضيه قابل قبول نيست و واقعيات تاريخي آن را تكذيب مي كند.

زيرا سطح علمي و فقهي اين طايفه در حدي بود كه از طرف همه مكاتب و حوزه هاي فكري رقيب، مورد تحسين و بزرگداشت و تقدير بودند. مكتب فكري عظيمي كه حاصل كوشش امامان باقر و صادق (ع) بود، بزرگترين حوزه فكري و علمي اسلام بود كه در آن روزگار جهان اسلام بخود ديده بود و آنجا دو نسل پياپي از شاگردان حضرت امام صادق (ع) و حضرت امام كاظم (ع) فعاليت داشتند و آن دو در ميدان فقه و تفسير و كلام و حديث، و در

همه جوانب و اركان معرفت اسلامي در راس طايفه شيعه قرار داشتند.

در پرتو اين حقيقت، هرگز نمي توان فرض كرد كه سطح فكري و علمي اين طايفه به پايه اي باشد كه از چنين موضوع مهم و بزرگي غفلت كرده باشند.

چگونه افراد يك طايفه كه در ميانشان چنين مكتبي وجود داشت و قطب پيشرفت فكر اسلامي به شمار مي رفت از اين موضوع غفلت كرده اند و به وهم يا از سر غفلت، امامت را در كودكي مجسم ديده اند كه از روي واقع و حق، امام نبوده است. به خصوص چنانكه گفتيم، امامت حضرت امام جواد (ع) بر رهبري او بر پايگاههاي مردمي و رهبري آشكار بر همه مسلمانان استوار بود و هر فرد عامي مي توانست با آن برخورد كند و صدق آن را بيازمايد. به خصوص طايفه شيعه كه در جهان اسلام، بزرگترين مدرسه فكري و عظيم ترين آن به طور كلي در ميان آنان تحقق يافته بود و حوزه علمي آن تا كوفه و مدينه نيز امتداد داشت.

مدارس مزبور و مراكز فكري، با امام (ع) رابطه داشتند و از او فتوي مي خواستند و مسايل خود را مي پرسيدند و حقوق و اموال را از هر سوي نزد او مي فرستادند. پس چگونه امكان داشت كه با آن عقل و شعور شكوفا، يا با بودن مدرسه اي مانند آن حوزه بزرگ، از حقيقت كودكي كه امام نبود، غافل بمانند؟

فرضيه دوم: گروه شيعه در طول تاريخ خود تصويري صحيح و واضح از مفهوم معناي امامت و امام نداشت. بلكه چنين مي پنداشت كه امام فقط رقمي در تسلسل نسبي و وراثتي است. بنابر اين امامت و شرايط لازمه را براي امامت نمي دانست چيست.

مي گوئيم اين

فرضيه نيز مردود است. چه، اساسا تشيع و امامت بر پايه مفهوم عميق الهي استوار است و آن بديهي ترين و روشنترين مفهوم تشيع است.

امام از نظر مفهوم عام شيعي، آن انسان بي همتا در علم و معرفت و گفتار و كردار و اخلاق است. اين مفهوم در دستاوردها و ابعادش، نزد شيعيان آشكار است. هزاران نص، از روزگار امام علي (ع) تا عهد امام رضا (ع) پيامي است كه اين مفهوم را معلوم كرده تا آنجا كه همه تفصيلات و توضيحات و خصوصيات تشيع در ذهن شيعيان، بسيار واضح و آشكارا نقش بسته است.

روايتي در اين مضمون مي گويد: «پس از وفات امام رضا (ع) وارد مدينه شديم و پرسيديم، بعد از امام رضا (ع)، خليفه كيست؟ گفتند خليفه در روستائي نزديك مدينه است. به سوي آن روستا براه افتادم تا به آنجا رسيدم.

خانه امام موسي بن جعفر (ع) در آنجا كه به ارث به امام جواد (ع) رسيده بود، مملو از مردم بود. يكي از برادران رضا (ع) را ديدم كه بر بالاي مجلس نشسته بود و شنيدم كه مردم او را - اي برادر رضا (ع) - خطاب مي كردند. يعني او پسر امام نيست زيرا از امامان (ع) شنيده بودند كه امامت پس از حسن و حسين (ع) در دو برادر جمع نمي شود (8).

ازين حديث چنين نتيجه مي گيريم كه نزد شيعيان، همه تفصيل ها و خصوصيات تشيع و مفاهيم آن، واضح و روشن بود. اين مساله ادعاي صاحبان اين فرضيه را تكذيب مي كند.

فرض سوم و آخر: اين معني، فداكاري و پافشاري در غرور و باطل ازطرف شيعه و دوستداران آن بوده است.

مي گوئيم اين دعوي

هم باطل است. نه فقط از نظر ايمان ما به تقواي شيعيان و قداست آنان، كه واقعيت اخلاص اين طايفه ترديد ناپذير است. همانا كه از خلال اين شرايط موضوعي كه طايفه ستمكش شيعه را احاطه كرده است، يك روز هم در سراسر ايامشان و در طول زندگي، راه به بزرگي و قدرت و ثروت نداشته اند. بلكه شيعيان در سراسر تاريخ، گرفتار شكنجه و عذاب و محروميت و زندان و ويراني بوده اند. بلكه تشيع راهي بوده است كه انسان در هر گام آن با بيم و مراقبت دائمي روبرو بوده است.

امام باقر (ع) در باب اين محنتها و بلايا كه بر شيعه نازل مي شد فرمود:

شيعيان ما در همه شهرها كشته مي شوند و با تهمت، دست و پايشان را قطع مي كنند و هر كس از محبت ما ياد كند يا به سوي ما آيد، به زندان افكنده مي شود و اموالش را به يغما مي برند و خانه اش را درهم مي كوبند.»

فداكاري و از خود گذشتگي و پافشاري بر باطل هرگز انگيزه يا راه طمع مادي و دنيوي نبوده است.

چرا پس از اين همه از خود گذشتگي و فداكاري و پافشاري از طرف علي، طايفه شيعه يعني مردمي دانا و روشنفكر براي امامتي باطل و دروغين و با توجه به اين كه اين از خود گذشتگي، انواع و اقسام ناراحتي و محروميت و عذاب و صدمه را براي آنان در بر دارد، در پي موهوم روند؟ لذا نمي توان از خود گذشتگي شيعه را در مورد امامت، جز اعتقاد حقيقي به امامت و آگاهي عميق از شرايط تحقق امامت چيزي ديگر دانست.

اينجاست كه بايد گفت، هيچيك از اين فرضيه ها را

نمي توان پذيرفت و كسي كه به حقيقت تاريخ اين طايفه و شرايط و اوضاع موضوعي آن آگاه باشد، به خصوص به شرايط و اوضاعي كه پيرامون امام جواد (ع) بود، هرگز اين پندارها را نمي پذيرد.

پس از عرضه داشتن اين فرضيات و مردود شناختن آن، فقط يك فرض باقي ماند كه با واقعيت تطبيق مي كند و آن اين است كه امام جواد (ع)، حقا امام است (9)

*****پي نوشتها

1 - بحار الانوار مجلسي ج 50 ص 10.

2 - دائرة المعارف اسلامي شيعه ج 2 ص 92.

3 - دائرة المعارف ج 2 ص 92.

4 - مآخذ سابق.

5 - مهدي و مهدويت ص 61 - 62.

6 - دائرة المعارف ص 92.

7 - تذكرة الخواص ص 368 - 372 و تحف العقول از آل رسول نوشته ابن صغبه ص 335.

8 - بحار الانوار ج 50 ص 90.

9 - شرح نهج البلاغه جزء 3 ص 15 از ابن ابي الحديد.

درباره مركز

بسمه تعالی
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
با اموال و جان های خود، در راه خدا جهاد نمایید، این برای شما بهتر است اگر بدانید.
(توبه : 41)
چند سالی است كه مركز تحقيقات رايانه‌ای قائمیه موفق به توليد نرم‌افزارهای تلفن همراه، كتاب‌خانه‌های ديجيتالی و عرضه آن به صورت رایگان شده است. اين مركز كاملا مردمی بوده و با هدايا و نذورات و موقوفات و تخصيص سهم مبارك امام عليه السلام پشتيباني مي‌شود. براي خدمت رسانی بيشتر شما هم می توانيد در هر كجا كه هستيد به جمع افراد خیرانديش مركز بپيونديد.
آیا می‌دانید هر پولی لایق خرج شدن در راه اهلبیت علیهم السلام نیست؟
و هر شخصی این توفیق را نخواهد داشت؟
به شما تبریک میگوییم.
شماره کارت :
6104-3388-0008-7732
شماره حساب بانک ملت :
9586839652
شماره حساب شبا :
IR390120020000009586839652
به نام : ( موسسه تحقیقات رایانه ای قائمیه)
مبالغ هدیه خود را واریز نمایید.
آدرس دفتر مرکزی:
اصفهان -خیابان عبدالرزاق - بازارچه حاج محمد جعفر آباده ای - کوچه شهید محمد حسن توکلی -پلاک 129/34- طبقه اول
وب سایت: www.ghbook.ir
ایمیل: Info@ghbook.ir
تلفن دفتر مرکزی: 03134490125
دفتر تهران: 88318722 ـ 021
بازرگانی و فروش: 09132000109
امور کاربران: 09132000109