البرهان في تفسير القرآن المجلد 1

اشارة

سرشناسه :بحراني ، هاشم بن سليمان ، - 1107؟ق

عنوان و نام پديدآور : البرهان في تفسير القرآن / الفه هاشم الحسيني البحراني

مشخصات نشر :قم : دار التفسير، 1417ق . = 1375.

مشخصات ظاهري : 4 ج .نمودار

شابك : 964-7866-20-8 (دوره ) ؛ 964-7866-20-8 (دوره ) ؛ 964-7866-16-x (ج .1) ؛ 964-7866-17-8 (ج .2) ؛ 964-7866-18-6 (ج .3) ؛ 964-7866-19-4 (ج .4)

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت : اين كتاب در سالهاي مختلف توسط ناشرين مختلف منتشر شده است

يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.

يادداشت : عربي .

يادداشت : كتابنامه

موضوع : تفاسير شيعه -- قرن ق 12

موضوع : تفاسير ماثوره -- شيعه اماميه

رده بندي كنگره: BP97/3 /ب 3ب 4 1382

رده بندي ديويي : 297/1726

شماره كتابشناسي ملي : م 75-6617

آدرس ثابت <البرهان = برهان > في تفسير القرآن

آدرس ثابت

الجزء الاول

تقديم ..... ص : 7

اشارة

بقلم الشيخ محمد مهدي الآصفي بسم الله الرحمن الرحيم التفسير: تبيين و إيضاح المقصود من الكلام، فإن من الكلام ما هو واضح و بين، و لا يحتاج إلى توضيح، و يتلقاه السامع و القارئ و يفهمه، من دون شرح و إيضاح. و من الكلام ما لا يفقهه السامع و القارئ إلا بعد شرح و إيضاح و بيان.

و القرآن الكريم من القسم الثاني من الكلام، و لذلك تمس الحاجة إلى تقديم شرح و تفسير لكلام الله تعالى ليفهمه الناس حق الفهم.

و هذه الحاجة هي أساس (علم التفسير) الذي هو من أكثر العلوم الإسلامية عراقة و تقدما.

و ليس من شك أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يلقي هذا الكلام على الناس من دون شرح و تفسير فيفهمونه و يتفاعلون معه، و تجذبهم جاذبية الكلام، و تقهرهم قوته و سلطانه.

و ليس من شك أن الناس يقرءون هذا القرآن عبر القرون فيفهمونه و يتفاعلون معه، دون أن يقرء و اله شرحا و توضيحا، فليس القرآن كتاب

ألغاز و رموز، و إنما هو بيان و نور للناس هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَ هُدىً وَ مَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ «1».

ثلاثة آراء في التفسير ..... ص : 7

تعرض التفسير لضربين من الرأي في طرفي الإفراط و التفريط:

فقد تصور بعض العلماء أن النص القرآني لما كان نازلا بلغة العرب و «بلسان عربي مبين»، و كان الصحابة في حياة رسول الله (صلى الله عليه و آله) و المسلمون بعده يتلقونه و يتلونه و يفهمونه بيسر، و من دون تعقيد، فلا يحتاج النص القرآني للذين يتكلمون بلغة القرآن إلى تفسير و إيضاح.

__________________________________________________

(1) آل عمران 3: 138.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 8

و الرأي الآخر هو الذي تتبناه بعض الطوائف الإسلامية في إباء النص القرآني للتفسير و عدم حجية ظواهر القرآن، و احتجوا على ذلك بجملة من الروايات و الأحاديث، لا تنهض بهذه الدعوى، و انتهوا إلى أن النص القرآني لا يمكن فهمه بشكل دقيق، إلا إذا اقترن هذا النص بتفسير دقيق من جانب المعصوم.

و هذا الاتجاه كالاتجاه الأول لم يقاوم الحركة العلمية التي قام بها علماء المسلمين من بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى الوقت الحاضر من تفسير القرآن.

و ساد بين هذا التصور و ذاك تصور ثالث وسط، كان هو التصور الحاكم على الأوساط العلمية الإسلامية و هو الحاجة إلى التفسير لفهم النص القرآني أولا، و قبول النص القرآني للتفسير، و إمكان التدبر و التأمل في آيات كتاب الله لعامة العلماء ثانيا.

الحاجة إلى التفسير لفهم النص القرآني ..... ص : 8

لقد شاع بين المسلمين تفسير القرآن و تدريسه منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى اليوم، و لو لا الحاجة إلى التفسير لفهم النص القرآني، و تيسيره إلى الأذهان لم يشع بين المسلمين أمر التفسير منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى الوقت الحاضر إلى هذه الدرجة.

و قد كان رسول الله (صلى الله عليه

و آله) أول من فسر القرآن، و إلى هذه الحقيقة تشير النصوص التالية:

1- سئل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن السبيل في قوله تعالى: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فقال (صلى الله عليه و آله): «الزاد و الراحلة». «1»

2- و سألت عائشة رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن الكسوة الواجبة في كفارة الأيمان في قوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ «2» فقال (صلى الله عليه و آله): «عباءة لكل مسكين». «3»

3- و سأله رجل من هذيل عن قوله تعالى: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ. «4»

قال: يا رسول الله، من تركه فقد كفر؟

فقال (صلى الله عليه و آله): «من تركه لا يخاف عقوبته، و لا يرجو ثوابه». «5»

و هو بمعنى الإنكار و الجحود لهذه الفريضة الإسلامية التي هي من ضروريات الإسلام.

__________________________________________________

(1) الإتقان 4: 250.

(2) المائدة 5: 89.

(3) الإتقان 4: 253.

(4) آل عمران 3: 97.

(5) الإتقان 4: 250.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 9

4- و سئل عن قوله تعالى: كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ «1» ما عضين؟

فقال (صلى الله عليه و آله): «آمنوا ببعض و كفروا ببعض». «2»

5- و سئل عن قوله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ «3» كيف يشرح صدره؟

فقال (صلى الله عليه و آله): «نور يقذف به، فينشرح له و ينفسح».

قالوا: فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟

قال (صلى الله عليه و آله): «الإنابة إلى دار الخلود، و التجافي عن دار الغرور، و الاستعداد للموت قبل لقاء الموت». «4»

6- و

روى البخاري عن عدي بن حاتم، قال: حين نزل قوله تعالى: كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ «5» قال: قلت: يا رسول الله، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أ هما الخيطان؟ فقال (صلى الله عليه و آله): «هو سواد الليل و بياض النهار». «6»

و قد تضمنت جملة من الموسوعات الحديثية أبوابا خاصة بما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) في تفسير القرآن.

و اشتهر نفر من الصحابة بتفسير القرآن، مثل: عبدالله بن عباس، و ابن مسعود، و كان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) إمام المفسرين بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله). و إليه يرجع عبدالله بن عباس في التفسير و جملة واسعة من الصحابة و التابعين لهم بإحسان.

حجية ظواهر القرآن ..... ص : 9

نزل القرآن بلسان عربي مبين ليفهمه الناس و يعملوا به، و القرآن يصرح بهذه الحقيقة وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ. «7»

و القرآن نور و برهان و موعظة من عند الله إلى عباده، و كيف يكون القرآن نورا و برهانا دون أن يتلقى الناس ظواهر القرآن بالتأمل و التدبر و الفهم، و دون أن تكون ظواهره حجة على الناس؟!

__________________________________________________

(1) الحجر 15: 90 و 91.

(2) الإتقان 4: 268.

(3) الأنعام 6: 125.

(4) الإتقان 4: 254.

(5) البقرة 2: 187.

(6) صحيح البخاري 6: 56/ 37.

(7) الشّعراء 62: 192- 195.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 10

يقول الله تعالى: قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. «1»

و يقول تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ

نُوراً مُبِيناً. «2»

و يقول تعالى: هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَ لِيُنْذَرُوا بِهِ وَ لِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَ لِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ. «3»

و يقول تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً. «4»

و كيف يكون القرآن للناس نورا، و برهانا، و بيانا، و بلاغا، و نذيرا، و مبشرا، و هاديا، ثم لا يتمكن الناس أن يتلقوا هذا القرآن بأنفسهم و يتأملوا فيه، و قد حثنا الله تعالى على التدبر و التأمل في آياته؟! «5» يقول تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً.

الأسباب و الوجوه التي تحوجنا إلى التفسير ..... ص : 10

الأسباب التي تحوجنا إلى تفسير النص القرآني عديدة، نذكر أهمها في ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن القرآن أجمل الكثير من الأحكام و التصورات و المفاهيم، و لا بد لهذا الإجمال من تفصيل و شرح و تبيان كي يمكن الاستفادة الكاملة من النص القرآني، و استيعاب الصورة الكاملة للمفهوم أو التصور أو الحكم الذي يقدمه النص لنا.

و من هذا القبيل آيات الأحكام، و هي تستغرق مساحة واسعة من القرآن الكريم، و قد أجمل القرآن هذه الأحكام، بينما فصلتها السنة، و لا يمكن فهم هذه الآيات فهما تفصيليا و كاملا من دون الشرح و التفسير.

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنزلت عليه الصلاة و لم يسم الله تعالى لهم ثلاثا، و لا أربعا، حتى كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) هو الذي فسر ذلك لهم». «6»

و أمثلة ذلك في القرآن كثيرة، فمن الأحكام التي أجملها القرآن، و ترك تفسيرها لرسول الله (صلى الله عليه و آله) و الحجج من

بعده قوله تعالى: أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ «7»، و قوله تعالى: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. «8»

__________________________________________________

(1) يونس 10: 57. [.....]

(2) النّساء 4: 174.

(3) إبراهيم 41: 52.

(4) الإسراء 17: 9.

(5) النّساء 4: 82.

(6) الكافي 1: 226/ 1.

(7) الحجّ 22: 41.

(8) آل عمران 3: 97.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 11

و ترك تفاصيل أحكام الصلاة و الزكاة و الحج، و هي تستغرق مجلدات ضخمة من الفقه في التفسير و التبيين و الشرح من جانب رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أهل بيته (عليهم السلام) الذين أورثهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) علم الكتاب و الشريعة من بعده كما في حديث الثقلين. «1»

كما أن القرآن ذكر طائفة من العمومات و المطلقات دون أن يذكر تخصيصا أو تقييدا لها، و ترك بيان التخصيص و التقييد لرسول الله (صلى الله عليه و آله) و خلفائه من بعده (عليهم السلام) الذين ورثوا علمه.

و من هذه العمومات قوله تعالى: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ «2» و هي تعم كل المطلقات، و قد ورد في السنة الشريفة تخصيص هذا العام بالمدخول بهن فقط.

و قوله تعالى: وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ «3» و هذا العموم يختص بالرجعيات، أما غير الرجعيات من المطلقات فلا أولوية لبعولتهن بهن، و هذا التخصيص وارد في التفسير.

و من المطلقات التي ورد تقييدها في التفسير من الحديث الشريف قوله تعالى: مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً «4» و إطلاق هذه الآية الكريمة مقيد في الروايات بما إذا لم يتب و كأنه قد قتله لإيمانه.

عن سماعة، قال:

قلت له: قول الله تبارك و تعالى: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ.

قال: «المتعمد الذي يقتله على دينه، فذاك التعمد الذي ذكر الله».

قال: قلت: فرجل جاء إلى رجل فضربه بسيفه حتى قتله لغضب لا لعيب على دينه، قتله و هو يقول بقوله؟

قال: «ليس هذا الذي ذكر في الكتاب، و لكن يقاد به و الدية إن قبلت».

قلت: فله توبة؟ قال: «نعم، يعتق رقبة، و يصوم شهرين متتابعين، و يطعم ستين مسكينا، و يتوب و يتضرع فأرجو أن يتاب عليه». «5»

الوجه الثاني: أن القرآن الكريم طرح أنظمة كاملة للتصورات و المفاهيم و الأحكام، و ليس ما في القرآن أحكاما متناثرة و مختلفة، بل إن هذه التصورات و المفاهيم عند ما ينتظم عقدها في سلسلة واحدة تشكل نظاما مترابطا، منسجما، متكاملا. كل حلقة منه تكمل الحلقة التي تليها، و هي مجتمعة تقدم للإنسان نظاما كاملا للتفكير

__________________________________________________

(1) و ذلك في

قوله (صلى اللّه عليه و آله): «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي». أنظر مسند أحمد 4: 367 و 371 و 5: 182 و 189، سنن الدارمي 2: 431، صحيح مسلم 4: 1873/ 36 و: 4781/ 37، سنن الترمذي 5: 662/ 3786 و 3788، مستدرك الحاكم 3: 148، مصابيح السنة 4: 190/ 4816.

(2) البقرة 2: 228.

(3) البقرة 2: 228.

(4) النّساء 4: 93.

(5) تفسير العياشي 1: 267/ 236، و للتوسّع في هذا البحث راجع مجلة رسالة القرآن العدد (6)، التفسير نشأته و تطوّره للشيخ محمّد هادي معرفة.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 12

و التصور.

و من هذا القبيل (التوحيد) و (القضاء و القدر) و

(الاختيار) فإن آيات التوحيد الموزعة في مواضع كثيرة من القرآن عند ما تجتمع و ينتظم عقدها تقدم لنا تصورا كاملا عن وحدة الخالق، و وحدة السلطان و السيادة في حياة الإنسان، و إلغاء أي سيادة و سلطان من دون سلطان الله، و شرعية كل سيادة و سلطان في امتداد سلطان الله تعالى و سيادته و ولايته على الإنسان.

و في هذه المجموعة المنتظمة من الآيات يرتبط الإيمان بالولاء و البراءة و بسيادة الله تعالى و سلطانه على الإنسان، و عبودية الإنسان و طاعته لله تعالى، و تمرده و براءته من الطاغوت، و بمسألة الإمامة، و بخلافة الإنسان على وجه الأرض لله تعالى، و هي مجموعة منتظمة من المسائل و قضايا الفكر و العقيدة و العمل مرتبطة و منسجمة و متكاملة.

و كذلك قضية (الاختيار) و (القضاء و القدر) و (الخير و الشر) و (الهداية و الضلالة) مسائل مترابطة و متكاملة تتوزع و تنتشر في مواضع كثيرة من القرآن، و لا يمكن فهم هذه الآيات فهما سويا صحيحا، و لا يمكن أن نفهم ما يريده الله تعالى في هذه الآيات إلا إذا جمعناها إلى جنب بعض، و نظمناها في سلسلة واحدة مترابطة، و خصصنا عمومات الآيات العامة بالتخصيصات الواردة في القرآن، و قيدنا مطلقات الآيات بالقيود الواردة في آيات أخرى، و ضممنا الأفكار المتعددة بعضها إلى جنب بعض. عندئذ فقط يمكن فهم ما يريده الله تعالى في هذه الآيات، و من دون ذلك لا نكاد نستطيع أن نفهم حقائق هذا الكتاب حق الفهم.

فقد يتلقى المتلقي آية من كتاب الله فيتصور أنها تريد الجبر المطلق، و تسلب الإنسان حريته و إرادته بشكل مطلق، و قد يقرأ آية أخرى فيتصور

أن القرآن يقرر الاختيار المطلق، و يفصل الإنسان و مصيره بشكل كامل عن مشيئة الله تعالى و إرادته، بينما لا يقرر القرآن الكريم أيا من المعنيين.

و فهم ما يريده القرآن لا يمكن إلا من خلال جهد علمي يقوم به المتخصصون في القرآن بتجميع هذه الآيات و تنظيم هذه الأفكار، و استخراج وحدة فكرية و تصورية، و نظام فكري شامل من خلالها و هذا هو الجهد الذي يقوم به العلماء المتخصصون في القرآن من خلال (التفسير الموضوعي) للقرآن الكريم.

لقد نزل القرآن نجوما في ثلاث و عشرين سنة، و كان لنزول طائفة كبيرة من آيات القرآن أسباب و علل يسميها العلماء بأسباب النزول، و لا تكاد تفهم الآية إلا من خلالها.

و من هذه الآيات ناسخ و منسوخ و مجمل و مبين. و لا نتمكن أن نفهم هذه الآيات إلا إذا جمعنا بعضها إلى بعض، و وضعنا بعضها إلى جنب بعض، فإن القرآن يستخدم كثيرا طريقة الإطلاق في بيان حكم أو تصور أو سنة و في آيات أخرى يذكر الشروط و القيود، و ما لم نجمع هذه الآيات و نجعل بعضها إلى جنب بعض، و نفسر بعضها ببعض لا نستطيع أن نفهم كتاب الله و ما فيه من أحكام و سنن و تصورات و مفاهيم. و من الخطأ أن نستخلص حكما أو سنة أو تصورا من خلال آية واحدة من كتاب الله تعالى دون أن نعرضه على سائر الآيات.

أما لماذا يستخدم القرآن هذا الأسلوب في بيان الأحكام و السنن و التصورات؟ فهو أمر له علاقة بأسلوب البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 13

القرآن البياني و لسنا بصدد شرح أصول هذا الأسلوب و تأثيره الآن.

و الطريقة العلمية الصحيحة لفهم

آيات كتاب الله هي أن يقوم المفسر بجهد علمي في تجميع هذه الآيات و تنظيمها و تقييد المطلقات، و تخصيص العمومات، و تحديد الشروط منها، ثم ضم هذه الأحكام و التصورات و الأفكار بعضها إلى بعض، و استخراج أنظمة شاملة و وحدات فكرية شاملة منها، و هذا هو الجهد العلمي الذي ينهض به المفسر.

الوجه الثالث: أن للنص ظاهرا و أعماقا مختلفة، و كل إنسان يتناول من النص القرآني بقدر ما أوتي من علم و فهم. و قدرة على فهم مراد الله تعالى، فلا يفهم عامة الناس من كتاب الله تعالى إلا ظاهرا من آياته، و من العلماء من آتاه الله تعالى القدرة على الغوص في أعماق آياته، فيأخذ من كتاب الله قدر ما آتاه الله من علم و بصيرة و فقه، و ليس العلماء كلهم سواء في فهم كتاب الله تعالى، فإن لهذا القرآن أعماقا و بطونا مختلفة، و كلما أمعن الإنسان في القرآن الكريم، و أكثر فيه التأمل، و ثابر في فهمه و تذوقه أكثر بلغ من فهم القرآن ما لم يبلغه من قبل، و لعل في ذلك بعض السر في غضاضة النص القرآني و خلوده.

و لسنا نقصد أن كتاب الله تعالى مجموعة من الألغاز و المعميات و الرموز كما يقوله أهل الباطن، فإن القرآن نور و بلاغ و هدى للناس جميعا، و لا يمكن أن ينهض القرآن بهذه الرسالة في حياة البشرية جميعا إلا أن يكون منفتحا على الناس و بيانا لهم جميعا يخاطب الناس بلسانهم، و بما يفهمون من خطاب، و ليس بالرموز و الألغاز.

و إنما نقصد بالأعماق و البطون المختلفة للقرآن، أبعادا مختلفة لحقيقة واحدة و مفهوم واحد، فما يفهمه عامة

الناس من ظاهر القرآن هو ما يفهمه العلماء القرآنيون من أعماق القرآن البعيدة، إلا أن أولئك العلماء يبلغون أعماقا من وعي الحقيقة التي يبينها القرآن للناس لا يصل إليها عامة الناس، دون أن تختلف الحقائق التي يتلقاها الناس من ظاهر القرآن عن الحقائق التي يتلقاها العلماء القرآنيون من أعماق القرآن، و لكن شتان بين وعي و وعي و فهم و فهم، و ما يبلغه هؤلاء و أولئك.

و لسنا نريد أن نطيل الحديث في هذا الجانب، فإن كتاب الله نور و هدى و منهاج عمل في حياة البشر، و لا بد لفهم هذا القرآن أن تتضافر جهود العلماء ليفتحوا للناس من آفاق هذا القرآن، ما لا يمكن أن يصلوا إليه، لو لا ذلك.

و قد أدرك العلماء المتخصصون في القرآن هذه الضرورة منذ أقدم العصور القرآنية، و تنالوا كتاب الله تعالى بالتحليل و التفسير، و نحن بفضل جهودهم تلك أصبحنا نعي بحمد الله من كتاب الله و آياته و آفاقه ما لم نكن لندركه لولاها.

و من الآيات التي يمكن أن تكون مصداقا واضحا لاختلاف مستوى الفهم و التفسير من قبل العلماء في استكشاف أبعاد و أعماق مختلفة لها، دون أن تتناقض و تختلف هذه الأبعاد فيما بينها:

1- قوله تعالى: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَ مِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمَّا ما يَنْفَعُ البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 14

النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ

. «1»

2- و قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ

الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِي ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ. «2»

3- و قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.»

و أمثال هذه الآيات في القرآن كثيرة، و هي من غرر الآيات، كما يقول العلامة الطباطبائي (رحمه الله)، و هي تحمل أبعادا و أعماقا مختلفة و لظاهرها معنى واضح و مفهوم، و كلما أمعن الإنسان النظر و تأمل فيها، فتح الله (تعالى) له من آفاق الفهم و التفسير ما لم ينفتح له من قبل. و هذه التفاسير و التصورات و الأفهام غير متناقضة و لا متخالفة فيما بينها، و قد تحدثت عن هذا الموضوع بتفصيل في كتاب (وعي القرآن).

و ليس كل الناس يستطيع أن يغوص في أعماق القرآن، و ليس كل أحد يحسن ذلك، إذا لم يستعن بالمتخصصين من علماء القرآن الكريم الذين رزقهم الله تعالى وعي كتابه.

تاريخ التفسير ..... ص : 14

مر علم التفسير عند الشيعة و السنة بثلاث مراحل، و هذه المراحل تختلف عند الشيعة و السنة في طول الفترة الزمنية و قصرها إلا أنها تكاد تكون متشابهة عند الطائفتين.

المرحلة الأولى: تبدأ برواية الأحاديث الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) عند السنة، و عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أهل بيته (عليهم السلام) عند الشيعة في تفسير القرآن.

و قد اشتهر نفر من الصحابة و التابعين في رواية هذه الأحاديث من مثل: عبدالله بن عباس، و ابن مسعود، و جابر بن عبدالله، و أبو سعيد الخدري،

و غيرهم من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله)، كما تناقل روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في التفسير نفر من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) خلال هذه الفترة.

و علماء الشيعة الإمامية يعتقدون أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يستقون أحاديثهم عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) و ليس من قبيل الرأي و الاجتهاد، و يستنبطون هذا المعنى من حديث الثقلين الشهير الذي تضافر الفريقان على روايته عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) في اعتماد أهل البيت مصدرا ثانيا لمعرفة أحكام الله تعالى و حدوده بعد القرآن بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه و آله).

و بناء على هذا الفهم فإن الأحاديث المروية عن أهل البيت (عليهم السلام) تكتسب صفة الحجية و يمكن الإحتجاج بها على فهم أحكام الله تعالى و آياته.

__________________________________________________

(1) الرّعد 13: 17.

(2) النّور 24: 35. [.....]

(3) الحجر 15: 21.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 15

و قد روى أصحاب أهل البيت (عليهم السلام) طائفة واسعة من الأحاديث في تفسير القرآن لم يتيسر لصحابة رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يرووها عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و ذلك لقصر الفترة التي تمكن فيها أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) من رواية الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) و طول الفترة الزمنية التي تمكن فيها أصحاب أهل البيت من رواية الحديث عنهم (عليهم السلام).

و حديث أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن مثل حديثهم في الأحكام، ليس عن رأي و اجتهاد، و إنما هو حديث رسول الله (صلى الله عليه و آله) و علم رسول الله و ميراثه أودعه عندهم يتوارثونه

كابر عن كابر، و

حديث الثقلين: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله و عترتي أهل بيتي».

صريح في هذا المعنى، و هذا الحديث مما اتفق عليه صحاح الفريقين في الحديث. «1»

و كتب التفسير التي كتبها و دونها الأصحاب في هذه المرحلة كثيرة، نشير إلى طائفة منها:

1- تفسير ابن عباس، المتوفى سنة 68 ه.

2- تفسير أبان بن تغلب بن رباح، من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، توفي سنة 141 ه، ذكره ابن النديم في (الفهرست). «2»

3- تفسير ابن أورمة، من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، ذكره النجاشي في (الرجال). «3»

4- تفسير ابن أسباط من أصحاب الإمام الرضا و أبي جعفر الجواد (عليهما السلام)، ذكره النجاشي في (الرجال). «4»

5- تفسير سعيد بن جبير، الذي استشهد بيد الحجاج سنة 95 ه، ذكره ابن النديم في (الفهرست). «5»

6- تفسير ابن محبوب الزراد المتوفى سنة 224 ه، من أصحاب الإمام الكاظم و الرضا و الجواد (عليهم السلام)، ذكره ابن النديم في (الفهرست). «6»

7- تفسير علي بن مهزيار الدورقي الأهوازي، المتوفي سنة 229 ه، من أصحاب الإمام الرضا و الجواد و الهادي (عليهم السلام)، ذكره النجاشي في (الرجال). «7»

8- تفسير عبد الرزاق بن همام بن نافع، من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام).

__________________________________________________

(1) مضافا إلى المصادر المتقدّمة أنظر: المنتخب من مسند عبد بن حميد 107/ 240، طبقات ابن سعد 2: 194، الذرية الطاهرة: 168/ 228، تفسير العياشي 1: 5/ 9، عيون أخبار الرّضا 1: 57/ 25، كمال الدين و تمام النعمة: 240/ 64، تفسير الرازي 8: 163، تفسير ابن كثير 4: 122.

(2) الفهرست: 308.

(3) رجال النجاشي: 329/ 891.

(4) رجال النجاشي: 252/ 663.

(5) الفهرست: 51.

(6) الفهرست: 309.

(7) رجال النجاشي:

253/ 664.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 16

9- تفسير السدي المتوفى 127 ه.

10- تفسير محمد بن السائب الكلبي المتوفى سنة 146 ه.

11- تفسير أبي بصير يحيى بن أبي القاسم الأسدي، المتوفى سنة 150 ه، من أصحاب الباقر و الصادق (عليهما السلام).

12- تفسير أبي الجارود، زياد بن المنذر الهمداني، المتوفى سنة 150 ه من أصحاب علي بن الحسين و محمد بن علي الباقر و جعفر الصادق (عليهم السلام)، ذكره النجاشي في (الرجال). «1»

13- تفسير أبي حمزة الثمالي، المتوفى سنة 150 ه من أصحاب علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و الكاظم (عليهم السلام)، ذكره ابن النديم في (الفهرست) «2»، كما يروي عنه الثعلبي في (تفسيره)، و ذكره النجاشي في (الرجال). «3»

المرحلة الثانية: مرحلة التدوين و التجميع، و في هذه المرحلة توفر العلماء من الفريقين على تجميع و تنظيم ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أهل البيت (عليهم السلام) ضمن كتب منظمة و مدونة، من قبيل: كتاب (التفسير) لابن جرير الطبري من أئمة التفسير في أواخر القرن الثالث و أوائل القرن الرابع الهجري، من علماء السنة، و فرات بن إبراهيم في القرن الثالث، و أبي النضر محمد بن مسعود العياشي السمرقندي في أواخر القرن الثالث الهجري، و علي بن إبراهيم القمي في أواخر القرن الثالث و أوائل القرن الرابع الهجري، و محمد بن إبراهيم النعماني في أوائل القرن الرابع الهجري، و تفسير علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، المتوفى سنة 329 ه، يروي النجاشي عنه بواسطة واحدة، و تفسير الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، المتوفى سنة 381 ه، و تفسير ابن

عقدة، المتوفى سنة 333 ه، ذكره النجاشي في (الرجال) «4» كما ذكره السيد ابن طاوس، و تفسير ابن الوليد محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد المتوفى سنة 343 ه، ذكره النجاشي في (الرجال). «5»

و كل هؤلاء من أئمة التفسير عند الشيعة، و لكل كتاب في التفسير، و أكثره محفوظ إلى اليوم.

و عند ما نراجع المدونات الروائية التي جمعت روايات التفسير في هذه الفترة نجد أن المدونات السنية تجمع إلى جانب حديث رسول الله (صلى الله عليه و آله) في بعض الأحيان آراء الصحابة و التابعين، و تدرجها بعنوان (الأثر) كما أن المدونات السنية تحفل بطائفة واسعة من الإسرائيليات، و فيها أحاديث منكرة و ضعيفة و متهافتة.

و قد تناقل التابعون هذه الروايات في المرحلة الأولى من تاريخ التفسير، و أوردها أصحاب المدونات الروائية في التفسير، كما رووها و نقلت إليهم، دون أي دور يذكر في تصفية هذه الأحاديث.

__________________________________________________

(1) رجال النجاشي: 170/ 448.

(2) الفهرست: 50.

(3) رجال النجاشي: 115/ 296.

(4) رجال النجاشي: 391/ 1049.

(5) رجال النجاشي: 383/ 1042.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 17

أما المدونات الشيعية، فهي تختص بروايات المعصومين- رسول الله (صلى الله عليه و آله) و الأئمة من أهل بيته (عليهم السلام)- لا يدخلون فيها غير روايات أهل البيت (عليهم السلام) من الآراء و الآثار، و هي تخلو نسبيا من الإسرائيليات التي يكثر نقلها في الطائفة الأولى من المدونات التفسيرية، و لكن المدونات الشيعية تعاني من آفة أخرى في الرواية سوف نذكرها إن شاء الله.

المرحلة الثالثة: تبدأ تقريبا من القرن الخامس الهجري، و في هذه المرحلة يكتسب علم التفسير نضجا حقيقيا، و يبدأ علماء التفسير بممارسة الاجتهاد و الرأي في كتاب الله، و يتجاوز التفسير

مرحلة الرواية و النقل و التجميع إلى مرحلة الاجتهاد و النظر و الرأي من قبيل: الواحدي في القرن الخامس الهجري، و الزمخشري في القرن الخامس و السادس الهجري، و فخر الدين الرازي في القرن السادس الهجري، من علماء السنة و من علماء الشيعة السيد الرضي في (حقائق التأويل) في القرن الرابع و الخامس الهجري، و شيخ الطائفة الطوسي في القرن الخامس الهجري في تفسير (التبيان) و غيرهم.

و منذ القرن الخامس الهجري دخل التفسير بصورة في العلوم الإسلامية الرئيسية و الأساسية، و بدأ ينمو و يتكامل و تكتمل عناصر نضجه بصورة مستمرة، و في حقول مختلفة، و من منطلقات مختلفة، كالفقه و العرفان و الفلسفة و الأدب و الرواية و الأخلاق، و غيرها.

و تضافرت جهود العلماء المتخصصين في القرآن في بلورة المفاهيم و الأفكار و التصورات و الأحكام القرآنية بصورة منظمة، كما تكونت في هذه المرحلة (علوم القرآن) إلى جنب التفسير، و هي سلسلة من المسائل الأساسية التي لا بد منها في البحث القرآني لأي باحث في القرآن الكريم، من قبيل: الإعجاز، الناسخ و المنسوخ، و المحكم و المتشابه، التفسير و التأويل.

و إذا أردنا أن نتابع الحركة العلمية في التفسير و علوم القرآن من القرن الخامس الهجري إلى اليوم عند علماء الفريقين الشيعة و السنة، نجد أن هذه المرحلة مرحلة خصبة في الفكر القرآني، تمخضت عن كثير من الأفكار و التصورات، و فتحت على البشرية آفاقا واسعة جديدة من القرآن، و استنبطت الكثير من المسائل في مختلف أبواب المعرفة القرآنية.

و نستطيع أن نقول: إن الحركة العقلية في القرآن الكريم ابتدأت في هذه المرحلة، و دخل العقل الإسلامي آفاق القرآن، و لا زال يواصل جهده و حركته

في آفاق كتاب الله.

و ينبغي أن لا يغيب عنا ركام الأخطاء و الانحرافات التي أخلفها هذا الجهد العقلي خلال هذه الفترة، فقد حاولت المذاهب الفكرية و السياسية المختلفة إخضاع القرآن الكريم بالتأويل لصالح أفكارها و عقائدها، لا إخضاع آرائها و أفكارها للقرآن، و بالتالي حملوا القرآن الكريم ما لا يتحمل من توجهات فكرية مختلفة، بعيدة عن روح القرآن الشفافة، و بعيدة عن رسالة القرآن.

و كان للحركات الباطنية و الصوفية قصب السبق في هذا المجال، و بذلك حرموا من شفافية النص القرآني و أصالته، و من روح القرآن و هديه.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 18

و نذكر فيما يلي شاهدا واحدا من كلماتهم على هذا الفهم المشبع بروح التصوف للقرآن:

يقول بعض كبار علماء هذه الطائفة و كبار العارفين، في تفسير قوله تعالى:

وَ لَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَ أَلْقَى الْأَلْواحَ وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ «1» إن عتاب موسى (عليه السلام) لهارون لأنه أنكر على هارون إنكاره لعبادة العجل، و عدم اتساع صدره لعبادة العجل، فإن العارف من يرى الحق في كل شي ء، بل يراه عين كل شي ء. «2»

و كتب علماء الصوفية حافلة بمثل ذلك، و لعل فيما خلفه الشيخ العارف بالله و الصوفي الشهير ابن العربي في (التفسير) و (الفتوحات) و (الفصوص) و غير ذلك من كتبه و مؤلفاته بعض الشواهد على ذلك، على أننا نقدر الجهد الفكري الكبير الذي بذله هذا العالم المحقق في معارف القرآن و التوحيد، في الوقت الذي نشير إلى شطحاته في تفسير كتاب الله.

و هذه الآراء و التفاسير تعد بمجموعها ركاما كبيرا و ثقيلا في تاريخ القرآن الكريم

و له مردود سلبي على وعي القرآن و أسلوب التعامل معه.

هذا دون أن نقصد بهذا الكلام الانتقاص من الجهد العلمي الكبير الذي بذله هؤلاء العلماء و العارفون في استكشاف أعماق هذا الكتاب، و استخراج أفكاره و مفاهيمه إلى الناس.

و نحن نحتاج إلى دراستين قرآنيتين لهذه المرحلة أشد ما تكون الحاجة:

الدراسة الأولى: تختص بتاريخ هذه المرحلة من مراحل تفسير القرآن، و تقسيمها إلى عدد من الفصول و الأدوار، بموجب القفزات النوعية التي قام بها علماء التفسير في حقل التفسير، و المستجدات القرآنية التي استجدوها خلال هذه الفترة التي تزيد على الألف سنة.

و لو استقرأنا الجهد العلمي و العقلي الذي قام به علماء المسلمين خلال هذه الفترة من الناحية الكمية لعرفنا ضخامة العمل و الجهد الذي قام به هؤلاء العلماء، و لا بد أن تكون الحصيلة النوعية و الكيفية لهذا الكم الهائل من الجهد أمرا عظيما، يستحق الاهتمام و المتابعة، و عندئذ ندرك ماذا فتح الله على علماء المسلمين خلال هذه الفترة من وعي القرآن، و ماذا بقي على الخلف مما تركه السلف من آفاق و مساحات مجهولة لم تفتح بعد، لتنظم الجهود و للحيلولة دون تكرار الأعمال.

الدراسة الثانية: تختص بالنقد العلمي للجهود التي بذلت خلال هذه الفترة من تاريخ القرآن.

و هذه الدراسة تفرز الأعمال الأصلية التي استفادت من القرآن عن الأعمال التي حاولت أن تحمل القرآن بمجموعة من التوجهات و المتبنيات الفكرية، و بالتالي تفرز لنا الجهود التي خضعت للقرآن، و كونت رأيا و فهما و ذوقا خاضعا لكتاب الله، عن الجهود التي حاولت إخضاع كتاب الله لأذواق و متبنيات أصحابها، كما تفرز لنا هذه

__________________________________________________

(1) الأعراف 7: 150. [.....]

(2) شرح القيصري: 437.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة،

ص: 19

الدراسة الأعمال الجديدة في القرآن عن العمل الاجتراري و التكراري الذي حدث في مجال التفسير، خلال هذه الفترة و هو ليس بقليل.

و هذا النقد ينبغي أن يقوم على أساس التمييز بين ما يعجب الإنسان أن يقول من رأي و فهم في تفسير كتاب الله تعالى، و ما يفهمه من كتاب الله حقا، و إن كان لا يعجبه، و آفة كثير من المفسرين و المتخصصين في القرآن أنهم يريدون أن يعطوا للقرآن، لا أن يأخذوا من القرآن، و لو صدقت المحاولة في أن يأخذ الإنسان من القرآن فقط، دون أن يحمله ذوقه و رأيه و مزاجه و ما يعجبه لفتح الله تعالى عليه آفاقا كثيرة من الوعي و البصيرة و الهدى.

الخطوط و الاتجاهات العامة للتفسير عند أهل البيت (عليهم السلام) ..... ص : 19

أهل البيت (عليهم السلام) هم عدل الكتاب في حديث الثقلين المعروف، و قد سبقت الإشارة إليه، قد آتاهم الله تعالى وعي الكتاب و خصهم به، و أمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) المسلمين بالرجوع إليهم في فهم كتاب الله.

عن الأصبغ بن نباتة، قال: لما قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) الكوفة صلى بهم أربعين صباحا، يقرأ بهم سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى «1» قال: فقال المنافقون: لا و الله، ما يحسن ابن أبي طالب أن يقرأ القرآن، لو أحسن أن يقرأ القرآن لقرأ بنا غير هذه السورة. قال: فبلغه ذلك، فقال:

«ويل لهم، إني لأعرف ناسخه من منسوخه، و محكمه من متشابهه، و فصله من فصاله، و حروفه من معانيه، و الله ما من حرف نزل على محمد (صلى الله عليه و آله) إلا أني أعرف فيمن نزل، و في أي يوم، و في أي موضع.

ويل لهم، أما يقرءون: إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ

إِبْراهِيمَ وَ مُوسى «2» و الله عندي، ورثتهما من رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قد أنهي إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) من إبراهيم و موسى (عليهما السلام).

ويل لهم، و الله أنا الذي أنزل الله في وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ «3» فإنما كنا عند رسول الله (صلى الله عليه و آله) فيخبرنا بالوحي فأعيه أنا و من يعيه، فإذا خرجنا قالوا: ماذا قال آنفا». «4»

و

عن مرازم بن حكيم و موسى بن بكير، قالا: سمعنا أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «إنا أهل بيت لم يزل الله يبعث منا من يعلم كتابه من أوله إلى آخره». «5»

و

عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «ما نزلت آية على رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلا أقرأنيها، و أملاها علي، فأكتبها بخطي، و علمني تأويلها و تفسيرها، و ناسخها و منسوخها، و محكمها و متشابهها، و دعا الله لي أن يعلمني فهمها و حفظها، فما نسيت آية من كتاب الله، و لا علما أملاه علي

__________________________________________________

(1) الأعلى 87: 1.

(2) الأعلى 87: 18 و 19.

(3) الحاقّة 69: 12.

(4) تفسير العياشي 1: 16/ 1.

(5) مختصر بصائر الدرجات: 59.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 20

فكتبته منذ دعا لي ما دعا، و ما ترك شيئا علمه الله تعالى من حلال و لا حرام و لا أمر و لا نهي كان أو يكون من طاعة أو معصية إلا علمنيه و حفظته فلم أنس منه حرفا واحدا، ثم وضع يده على صدري و دعا الله أن يملأ قلبي علما و فهما و حكمة و نورا، فلم أنس شيئا و لم يفتني شي ء لم أكتبه.

فقلت: يا

رسول الله، أو تخوفت النسيان فيما بعد؟

فقال: لست أتخوف عليك نسيانا و لا جهلا، و قد أخبرني ربي أنه قد استجاب فيك و في شركائك الذين يكونون من بعدك.

فقلت: يا رسول الله، و من شركائي من بعدي؟

فقال: الذين قرنهم الله بنفسه و بي، فقال، الأوصياء مني إلى أن يردوا علي الحوض كلهم هاد مهتد، لا يضرهم من خذلهم، هم مع القرآن و القرآن معهم». «1»

و

عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): «كان علي (عليه السلام) صاحب حلال و حرام و علم بالقرآن، و نحن على منهاجه.» «2»

و لذلك فإن أهل البيت (عليهم السلام) هم من المصادر الأساسية لتفسير و فهم كتاب الله، و من دون أن نأخذ من علمهم الذي هو علم رسول الله (صلى الله عليه و آله) لا نستطيع أن نفهم القرآن حق الفهم، كما أنزله الله تعالى.

يقول الشهرستاني صاحب الملل و النحل: فالقرآن هدى للناس عامة، و هدى و رحمة لقوم يؤمنون خاصة، و هدى و ذكر للنبي (صلى الله عليه و آله) و لقومه أخص من الأول و الثاني: وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ. «3»

و لقد كان الصحابة متفقين على أن علم القرآن مخصوص بأهل البيت (عليهم السلام)،

إذ كانوا يسألون علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): هل خصصتم أهل البيت دوننا بشي ء سوى القرآن؟ فكان يقول: «لا و الذي فلق الحبة و برأ النسمة إلا بما في قراب سيفي»

فاستثناء القرآن بالتخصيص دليل على إجماعهم بأن القرآن و علمه و تنزيله و تأويله مخصوص بهم. «4»

أما لماذا خص الله تعالى أهل البيت (عليهم السلام) بهذا العلم و بهذه السعة و الشمول دون سائر الناس؟ فهو شأن من شأن الله تعالى،

و يكفينا في ذلك النصوص الصحيحة و الصريحة عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، مما أطبق المسلمون على صحتها نحو حديث (الثقلين) و (السفينة) «5»

__________________________________________________

(1) تفسير العياشي 1: 14/ 2.

(2) تفسير العياشي 1: 15/ 5.

(3) الزّخرف 43: 44.

(4) تفسير مفاتيح الأسرار و مصابيح الأبرار للشهرستاني بنقل مجموعة باقر العلوم الثقافية (رسائل المؤتمر الرابع للقرآن في قم سنة 1412 ه).

(5) و ذلك

قوله (صلى اللّه عليه و آله): «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، و من تخلّف عنها غرق».

أنظر: عيون أخبار الرّضا 2: 27/ 10، كمال الدين و تمام النعمة 238/ 59، حلية الأولياء 4: 306، مستدرك الحاكم 2: 343 و 3: 150، أمالي الطوسي 1: 59 و 359 و 2: 74 و 96 و 126 و 246 و 343، تاريخ بغداد 12: 91، تفسير ابن كثير 4: 123، مجمع الزوائد 9: 168، الصواعق المحرقة: 152، الجامع الصغير 2: 533/ 8162.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 21

و (مدينة العلم) «1» و غير ذلك من النصوص المتفق عليها عند المسلمين.

و لأهل البيت (عليهم السلام) منهج متميز في التفسير و فهم القرآن، يفهمه من مارس كلماتهم و أحاديثهم في تفسير القرآن. و الحديث عن منهج أهل البيت (عليهم السلام) في التفسير يطول، و لسنا نريد نحن في هذه المقدمة أن نستعرض هذا الحديث بتفصيله، و إنما نريد أن نشير فقط إلى جملة من العناوين و الخطوط الرئيسية في طريقة أهل البيت (عليهم السلام) و منهجهم في تفسير القرآن.

أولا- تنزيه الله تعالى عن التجسيم: يختلف الرأي في الذات الإلهية تبارك و تعالى بين طائفتين من المسلمين في اتجاهين متعاكسين: التشبيه، و التعطيل.

يذهب المشبهة إلى أن

الذات الإلهية تشبه الإنسان، و له ما للإنسان من لحم و دم و عظم و شعر و رأس و عين، و ينتقل من مكان إلى مكان، و هؤلاء هم المجسمة و هم طائفة واسعة و كبيرة من المسلمين.

و يذهب المعطلة إلى استحالة معرفة الله تعالى على العقول، و إلى تعطيل العقول عن المعرفة، إلا بقدر ما يظهر من النصوص. سئل مالك عن قوله سبحانه: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ «2» قال: الاستواء معلوم، و الكيف مجهول، و الإيمان به واجب، و السؤال عنه بدعة. «3»

و هؤلاء و أولئك يفسرون آيات القرآن التي تخص الذات الإلهية و ما يصفه القرآن به من الاستواء على العرش و من إضافة اليد إليه تعالى و غير ذلك، باتجاهين مختلفين و متعاكسين.

و الاتجاه المقابل لهذين الاتجاهين، هو الاتجاه الذي دعا إليه أهل البيت (عليهم السلام) في نفي التشبيه و التجسيم و التعطيل جميعا و تفسير آيات القرآن المباركة المتعلقة بهذا الموضوع على هذا النهج، و فيما يلي نستعرض بعض الروايات الواردة في هذا الاتجاه:

1- عن الشيخ الصدوق، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار (رحمه الله)، عن أبيه، عن سهل بن زياد، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) سنة خمس و خمسين و مائتين: قد اختلف- يا سيدي- أصحابنا في التوحيد، منهم من يقول: هو جسم، و منهم من يقول: هو صورة، فإن رأيت- يا سيدي- أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه و لا أجوزه فعلت متطولا.

فوقع (عليه السلام) بخطه: «سألت عن التوحيد، و هذا عنكم معزول، الله تعالى واحد، أحد، صمد، لم يلد، و لم

__________________________________________________

(1) و ذلك

قوله (صلى اللّه عليه و آله): «أنا مدينة العلم، و عليّ

بابها»

أنظر: أمالي الصدوق: 282، عيون أخبار الرّضا 2: 66/ 298، أمالي الطوسي 2:

190، مستدرك الحاكم 3: 126 و 127، الاستيعاب 3: 38، تاريخ بغداد 2: 377 و 4: 348 و 7: 173 و 11: 48 و 204، مناقب ابن المغازلي:

80- 85/ 120- 126، شواهد التنزيل 1: 334/ 459، الفردوس 1: 44/ 106، مناقب الخوارزمي: 40، أسد الغاية 4: 22، البداية و النهاية 7:

358، مجمع الزوائد 9: 114، تهذيب التّهذيب 9: 114، الجامع الصغير 1: 415/ 2705.

(2) الأعراف 7: 54.

(3) الملل و النحل 1: 93. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 22

يولد، و لم يكن له كفوا أحدا، خالق و ليس بمخلوق، يخلق تبارك و تعالى ما يشاء من الأجسام و غير ذلك، و يصور ما يشاء، و ليس بمصور، جل ثناؤه و تقدست أسماؤه، و تعالى عن أن يكون له شبيه، هو لا غيره، ليس كمثله شي ء و هو السميع البصير». «1»

2- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا العباس بن معروف. قال: حدثنا ابن أبي نجران، عن حماد بن عثمان، عن عبد الرحيم القصير، قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبدالله (عليه السلام) بمسائل فيها: أخبرني عن الله عز و جل هل يوصف بالصورة و بالتخطيط، فإن رأيت- جعلني الله فداك- أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد؟

فكتب (عليه السلام) بيدي عبد الملك بن أعين: «سألت- رحمك الله- عن التوحيد، و ما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شي ء، و هو السميع البصير، تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك و تعالى

بخلقه، المفترون على الله، و اعلم- رحمك الله- أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عز و جل، فانف عن الله البطلان و التشبيه، فلا نفي و لا تشبيه، هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عما يصفه الواصفون، و لا تعد القرآن فتضل بعد البيان». «2»

3- و عنه، بإسناده إلى هشام بن الحكم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى «3» قال (عليه السلام): «بذلك وصف نفسه، و كذلك هو مستول على العرش، بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملا له، و لا أن يكون العرش حاويا له، و لا أن يكون العرش محتازا له، و لكنا نقول: هو حامل العرش، و ممسك العرش، و نقول من ذلك ما قال: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ «4» فثبتنا من العرش و الكرسي ما ثبته، و نفينا أن يكون العرش أو الكرسي حاويا له، و أن يكون عز و جل محتاجا إلى مكان، أو إلى شي ء مما خلق، بل خلقه محتاجون إليه». «5»

4- و عنه، بإسناده إلى عبدالله بن قيس، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ «6» فقلت له: يدان هكذا؟ و أشرت بيدي إلى يديه.

فقال: «لا، لو كان هكذا لكان مخلوقا». «7»

5- و عنه، بإسناده إلى أبي جعفر، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل:

__________________________________________________

(1) التوحيد 101/ 14.

(2) التوحيد 102/ 15.

(3) طه 20: 5.

(4) البقرة 2: 255.

(5) نور الثقلين 3: 367/ 12، التوحيد 248/ 1.

(6) المائدة 5: 64.

(7) نور الثقلين 1: 65/ 279، التوحيد: 168.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 23

وَ هُوَ اللَّهُ

فِي السَّماواتِ وَ فِي الْأَرْضِ «1» فقال (عليه السلام): «كذلك هو في كل مكان».

قلت: بذاته؟

قال: «و يحك! إن الأماكن أقدار، فإذا قلت في مكان بذاته لزمك أن تقول في أقدار و غير ذلك، و لكن هو بائن من خلقه، محيط بما خلق علما و قدرة و سلطانا و ملكا، و ليس علمه بما في الأرض بأقل مما في السماء، لا يبعد منه شي ء، و الأشياء له سواء علما و قدرة و سلطانا و ملكا و إحاطة». «2»

6- و عنه، بالإسناد إلى عبد السلام بن صالح الهروي، قال: قلت لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام): يا ابن رسول الله، فما معنى الخبر الذي رووه أن ثواب «لا إله إلا الله» النظر إلى وجه الله؟

فقال (عليه السلام): «يا أبا الصلت، من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر، و لكن وجه الله أنبياؤه و رسله و حججه (صلوات الله عليهم)، هم الذين بهم يتوجه إلى الله و إلى دينه و معرفته، و قال الله عز و جل: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ «3» و قال عز و جل: كُلُّ شَيْ ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ «4» فالنظر إلى أنبياء الله و رسله و حججه (عليهم السلام) في درجاتهم ثواب عظيم يوم القيامة، و قد قال النبي (صلى الله عليه و آله): من أبغض أهل بيتي و عترتي، لم يرني و لم أره يوم القيامة. و قال (عليه السلام): إن فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني.

يا أبا الصلت، إن الله تبارك و تعالى لا يوصف بمكان، و لا تدركه الأبصار و الأوهام» «5»

7- و عن إسحاق بن عمار، عمن سمعه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال

في قول الله عز و جل: وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ «6»: «لم يعنوا أنه هكذا، و لكنهم قالوا: قد فرغ من الأمر، فلا يزيد و لا ينقص، فقال الله جل جلاله تكذيبا لقولهم: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ «7» ألم تسمع الله عز و جل يقول: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ». «8»

ثانيا- تنزيه الأنبياء عن المعاصي: الرأي في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) هو عصمة الأنبياء (عليهم السلام) جميعا من المعاصي الكبيرة و الصغيرة قبل النبوة و بعدها، و من السهو و الخطأ في التبليغ، بينما جوز أصحاب الأحاديث و الحشوية على الأنبياء الكبائر قبل النبوة، و منهم من جوزها في حال النبوة سوى الكذب فيما يتعلق بأداء الشريعة. «9»

__________________________________________________

(1) الأنعام 6: 3.

(2) نور الثقلين 1: 704/ 20، التوحيد: 132/ 15.

(3) الرّحمن 55: 26 و 27.

(4) القّصص 28: 88.

(5) التّوحيد: 117/ 21.

(6) المائدة 5: 64.

(7) المائدة 5: 64. [.....]

(8) التّوحيد: 167، و الآية من سورة الرّعد 13: 39.

(9) تنزيه الأنبياء للمرتضى: 3.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 24

و على أساس الرأي بعصمة الأنبياء (عليهم السلام) فسر أهل البيت (عليهم السلام) كل آيات القرآن المتعلقة بحياة الأنبياء (عليهم السلام)، و هو اتجاه معروف لأهل البيت في تفسير القرآن.

روى علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا علي بن موسى (عليهما السلام)، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله، أليس من قولك إن الأنبياء معصومون؟ قال: «بلى».

قال: فأخبرني عن قول الله تعالى: وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ؟ «1» فقال الرضا (عليه

السلام): «لقد همت به، و لو لا أن رأى برهان ربه لهم بها، لكنه كان معصوما، و المعصوم لا يهم بذنب و لا يأتيه». «2»

و

عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون و عنده علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله، أليس من قولك إن الأنبياء معصومون، قال: «بلى».

قال: فسأله عن آيات من القرآن، فكان فيما سأله أن قال له: فأخبرني عن قول الله عز و جل في إبراهيم:

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي. «3»

فقال الرضا (عليه السلام): «إن إبراهيم (عليه السلام) وقع في ثلاثة أصناف: صنف يعبد الزهرة، و صنف يعبد القمر، و صنف يعبد الشمس، و ذلك حين خرج من السرب «4» الذي أخفي فيه، فلما جن عليه الليل و رأى الزهرة قال: هذا ربي. على الإنكار و الاستخبار، فلما أفل الكوكب قال: لا أحب الآفلين. لأن الأفول من صفات المحدث لا من صفات القديم، فلما رأى القمر بازغا قال: هذا ربي. على الإنكار و الاستخبار، فلما أفل قال: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين. فلما أصبح و رأى الشمس بازغة، قال: هذا ربي هذا أكبر من الزهرة و القمر على الإنكار و الاستخبار، لا على الإخبار و الإقرار، فلما أفلت قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة و القمر و الشمس: يا قوم إني بري ء مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض حنيفا و ما أنا من المشركين، و إنما أراد إبراهيم بما قال أن يبين لهم بطلان دينهم، و يثبت عندهم أن العبادة لا تحق لما كان بصفة الزهرة و القمر و الشمس، و إنما تحق

العبادة لخالقها و خالق السماوات و الأرض، و كان ما احتج به على قومه مما ألهمه الله عز و جل و آتاه، كما قال الله عز و جل: وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ». «5»

فقال المأمون: لله درك يا ابن رسول الله. «6»

ثالثا- استحالة الرؤية: يذهب أهل الحديث و الأشاعرة، و هم طائفة واسعة من المسلمين إلى إمكان رؤية

__________________________________________________

(1) يوسف 12: 24.

(2) عيون أخبار الرّضا (عليه السلام) 1: 195/ 1.

(3) الأنعام 6: 76.

(4) السّرب: المسلك المخفي، و الحفير تحت الأرض لا منفذ له.

(5) الأنعام 6: 83.

(6) التّوحيد: 74.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 25

الله تعالى، و يرون أن الله تعالى يظهر للناس يوم القيامة كما يظهر البدر ليلة تمامه، و استظهروا ذلك من طائفة من الروايات «1» و آيات القرآن الكريم.

يقول الشيخ الأشعري في (الإبانة): و ندين بأن الله تعالى يرى في الآخرة بالأبصار كما يرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) «2»، و فسروا بهذا الرأي قوله تعالى: كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَ تَذَرُونَ الْآخِرَةَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ. «3»

يقول الفاضل القوشجي: إن النظر إذا كان بمعنى الانتظار يستعمل بغير صلة، و يقال انتظرت، و إذا كان بمعنى الرؤية يستعمل ب (إلى)، و النظر في هذه الآية استعمل بلفظ (إلى) فيحمل على الرؤية. «4»

و في مقابل هذا الاتجاه أصر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) على استحالة رؤية الله تعالى، و فسروا الروايات و الآيات التي استظهر منها أهل الحديث و الأشاعرة إمكانية الرؤية بمعان مناسبة لجو الآيات و الروايات.

عن عبد السلام بن صالح

الهروي، قال: قلت لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث: أن المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة؟

فقال (عليه السلام): «يا أبا الصلت، إن الله تبارك و تعالى فضل نبيه محمدا (صلى الله عليه و آله) على جميع خلقه من النبيين و الملائكة، و جعل طاعته، طاعته، و متابعته متابعته، و زيارته في الدنيا و الآخرة زيارته، و قال عز و جل: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ «5» و قال: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ. «6»

و قال النبي (صلى الله عليه و آله): من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار الله.

و درجة النبي (صلى الله عليه و آله) في الجنة أرفع الدرجات، فمن زاره إلى درجته في الجنة من منزله فقد زار الله تبارك و تعالى». «7»

رابعا- رأي أهل البيت (عليهم السلام) في الهداية و الضلالة: اختلف العلماء اختلافا شديدا فيما جاء في كتاب الله الكريم من الآيات التي يمكن أن يستظهر منها الإنسان إسناد الهداية و الضلالة إلى الله تعالى، نحو قوله تعالى:

وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. «8»

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 1: 230/ 31، صحيح مسلم 1: 163/ 299.

(2) الإبانة: 21!

(3) القيامة 75: 20- 23.

(4) شرح التجريد للقوشجي: 334.

(5) النّساء 4: 80.

(6) الفتح 48: 10. [.....]

(7) التوحيد: 117/ 21.

(8) النّحل 16: 93.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 26

و قوله تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ

الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. «1»

فأخذ جمع من علماء المسلمين بظاهر هذه الآيات مبتورة عن الآيات الأخرى التي تكمل بمجموعها دلالة هذه الطائفة من الآيات، و حكموا بحتمية الهداية و الضلالة في حياة الإنسان من جانب الله تعالى، و نفوا دور الإنسان في اختيار الهداية و الضلالة، انطلاقا من هذه الطائفة من الآيات.

و قد خالف أهل البيت (عليهم السلام) هذا الاتجاه من التفسير و الرأي، و قالوا: إن الله تعالى هو مصدر الهداية في حياة الإنسان، و أما الضلالة فمن الإنسان نفسه، و على كل حال فإن الهداية و الضلالة تجري في حياة الإنسان باختياره و قراره، و نفوا بشكل قاطع حتمية الهداية و الضلالة في حياة الإنسان بإرادة الله تعالى.

عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، قال: سألته عن معنى (لا حول و لا قوة إلا بالله).

فقال: «معناه: لا حول لنا عن معصية الله إلا بعون الله، و لا قوة لنا على طاعة الله إلا بتوفيق الله عز و جل». «2»

عن محمد بن أبي عمير، عن أبي عبد الله الفراء، عن محمد بن مسلم و محمد بن مروان، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «ما علم رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن جبرئيل من قبل الله عز و جل إلا بالتوفيق». «3»

عن حمدان بن سليمان النيسابوري، قال: سألت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بنيسابور عن قول الله عز و جل: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ. «4»

قال: «من يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا إلى جنته و دار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله، و الثقة به، و السكون إلى ما وعده من

ثوابه حتى يطمئن إليه و من يرد أن يضله عن جنته و دار كرامته في الآخرة لكفره به و عصيانه له في الدنيا، يجعل صدره ضيقا حرجا حتى يشك في كفره، و يضطرب من اعتقاده قلبه، حتى يصير كأنما يصعد في السماء، كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون». «5»

خامسا- رأي أهل البيت (عليهم السلام) في الجبر و التفويض: ذهب أهل البيت (عليهم السلام) مذهبا وسطا بين الجبر و التفويض لا يتصل بالجبر و لا بالتفويض، و سموا ذلك: الأمر بين الأمرين.

روى مفضل بن عمر، عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام)، قال: «لا جبر و لا تفويض، و لكن أمر بين أمرين».

قال: قلت: و ما أمر بين أمرين؟

قال: «مثل ذلك مثل رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته، فتركته ففعل تلك المعصية، فليس حيث لم

__________________________________________________

(1) إبراهيم 14: 4.

(2) التّوحيد: 242/ 3.

(3) التّوحيد: 242/ 2.

(4) الأنعام 6: 125.

(5) التّوحيد: 242/ 4.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 27

يقبل منك فتركته، أنت الذي أمرته بالمعصية». «1»

و عن أبي جعفر الباقر و أبي عبدالله الصادق (عليهما السلام) قالا: «إن الله عز و جل أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها، و الله أعز من أن يريد أمرا فلا يكون» و سئلا: هل بين الجبر و القدر منزلة ثالثة؟

قال: «نعم، أوسع مما بين السماء و الأرض». «2»

و على أساس هذا الاتجاه من الوعي و الفهم فسروا آيات القرآن، و نفوا عن كلام الله تعالى الجبر و التفويض.

عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى بن جعفر (عليهم السلام) يقول: «من قال بالجبر فلا تعطوه من الزكاة، و لا تقبلوا له

شهادة، إن الله تبارك و تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها و لا يحملها فوق طاقتها، و لا تكسب كل نفس إلا عليها، و لا تزر وازرة وزر أخرى». «3»

سادسا- تفسير القرآن بالقرآن: من يتتبع طريقة أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير القرآن يلمس عندهم طريقة متميزة و مبتكرة في تفسير القرآن بالقرآن، و هذه الطريقة من أفضل الطرق لفهم القرآن، فإن القرآن خير دليل على القرآن، و قد جرى على هذه الطريقة في عصرنا الفقيد العلامة الطباطبائي (رحمه الله تعالى)، و أخرج تفسيره القيم (الميزان) على هذا الأساس المتين.

و فيما يلي نذكر نماذج من الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير القرآن بالقرآن. «4»

1- عن عبدالله بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبدالله جعفر بن محمد (عليه السلام) عن قول الله عز و جل:

مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً. «5»

فقال (عليه السلام): «إن الله تبارك و تعالى يضل الظالمين يوم القيامة عن دار كرامته، و يهدي أهل الإيمان و العمل الصالح إلى جنته، كما قال عز و جل: وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ «6» و قال عز و جل:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. «7»

قال: فقلت: قوله عز و جل وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ «8» و قوله عز و جل: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ. «9»

__________________________________________________

(1) التّوحيد: 362/ 8.

(2) التّوحيد: 360/ 3.

(3) التّوحيد: 362/ 9.

(4) لقد اخترنا هذه النماذج من رسالة الدكتور خضير جعفر (حفظه اللّه) عن تفسير القرآن بالقرآن

عند أهل البيت (عليهم السّلام)، و رسالة (أهل البيت و تفسير القرآن) لمجموعة الامام الباقر الثقافية، و هي من منشورات دار القرآن (المؤتمر الرابع للقرآن الكريم في قم).

(5) الكهف 18: 17.

(6) إبراهيم 14: 27.

(7) يونس 10: 9. [.....]

(8) هود 11: 88.

(9) آل عمران 3: 160.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 28

فقال: «إذا فعل العبد ما أمره الله عز و جل به من الطاعة، كان فعله وفقا لأمر الله عز و جل، و سمي العبد به موفقا، و إذا أراد العبد أن يدخل في شي ء من معاصي الله فحال الله تبارك و تعالى بينه و بين تلك المعصية فتركها، كان تركه لها بتوفيق الله تعالى ذكره، و متى خلى بينه و بين تلك المعصية، فلم يحل بينه و بينها حتى يرتكبها فقد خذله و لم ينصره و لم يوفقه». «1»

2- و عن علي (عليه السلام) في قوله تعالى: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ «2»، قال: أي قولوا: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك و طاعتك لا بالمال و الصحة، فإنهم قد يكونون كفارا أو فساقا. قال: و هم الذين قال الله: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً. «3»

3- و عن تفسير القمي في قوله تعالى: ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ. «4»

قال: قرأ رجل على أمير المؤمنين (عليه السلام): ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ على البناء للفاعل.

فقال (عليه السلام): «و يحك! أي شي ء يعصرون، يعصرون الخمر؟!».

قال الرجل: يا أمير المؤمنين، كيف أقرأها؟

فقال: «إنما نزلت: و

فيه يعصرون، أي يمطرون بعد سني المجاعة، و الدليل على ذلك قوله: وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً». «5»

4- و عن أبي الأسود الدؤلي، قال: رفع إلى عمر امرأة ولدت لستة أشهر، فسأل عنها أصحاب النبي (صلى الله عليه و آله)، فقال علي (عليه السلام): لا رجم عليها، ألا ترى أنه يقول: وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً «6» و قال: وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ «7» و كان الحمل ها هنا ستة أشهر» فتركها عمر. قال: ثم بلغنا أنها ولدت آخر لستة أشهر. «8»

5- و روي أن رجلا دخل مسجد الرسول (صلى الله عليه و آله)، فإذا رجل يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال:

فسألته عن الشاهد و المشهود، فقال: نعم، أما الشاهد يوم الجمعة، و المشهود يوم عرفة.

__________________________________________________

(1) التّوحيد: 241/ 1.

(2) الفاتحة 1: 7.

(3) البحار 24: 10/ 2 و 68/ 140 و 74: 227/ 22، و الآية من سورة النّساء 4: 69.

(4) يوسف 12: 49.

(5) تفسير القمّي 1: 345، تفسير الميزان 11: 203، الآية من سورة النبأ 78: 14.

(6) الأحقاف 46: 15.

(7) لقمان 31: 14.

(8) الدّر المنثور 7: 441.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 29

فجزته إلى آخر يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه و آله). فسألته عن ذلك. فقال: أما الشاهد فيوم الجمعة، و أما المشهود فيوم النحر.

فجزتهما إلى غلام كأن وجهه الدينار، و هو يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقلت: أخبرني عن شاهد و مشهود. فقال: نعم، أما الشاهد فمحمد (صلى الله عليه و آله)، و أما المشهود فيوم القيامة أما سمعت الله سبحانه يقول:

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً؟ «1»

و قال: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ. «2»

فسألت عن الأول، فقالوا: ابن عباس، و سألت عن الثاني فقالوا: ابن عمر، و سألت عن الثالث فقالوا: الحسن ابن علي (عليهما السلام). «3»

6- و عن وهب بن وهب القرشي، عن الإمام الصادق، عن آبائه (عليهم السلام): أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين ابن علي (عليهما السلام) يسألونه عن (الصمد) فكتب إليهم:

«بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فلا تخوضوا في القرآن، و لا تجادلوا فيه بغير علم، فقد سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه و آله)، يقول: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار، و إن الله سبحانه فسر الصمد، فقال: اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ «4» ثم فسره، فقال: لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ». «5»

7- و عن الحسين بن سعيد، عن جابر، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما الصبر الجميل؟

قال: «ذلك صبر ليس فيه شكوى إلى أحد من الناس، إن إبراهيم بعث يعقوب إلى راهب من الرهبان في حاجة، فلما رآه الراهب حسبه إبراهيم، فوثب إليه فاعتنقه، ثم قال: مرحبا بخليل الله، فقال له يعقوب: لست بخليل الله، و لكن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، قال له الراهب: فما الذي بلغ بك ما أرى من الكبر؟ قال: الهم و الحزن و السقم».

قال: «فما جاز عتبة الباب حتى أوحى الله إليه: يا يعقوب، شكوتني إلى العباد، فخر ساجدا عند عتبة الباب، يقول: رب لا أعود، فأوحى الله إليه: أني قد غفرت لك، فلا تعد إلى مثلها. فما شكا شيئا مما أصابه من نوائب الدنيا إلا أنه قال يوما: إنما أشكو بثي و حزني إلى

الله و أعلم من الله ما لا تعلمون». «6»

8- و عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام)، فقلت: قوله عز و جل:

__________________________________________________

(1) الأحزاب 33: 45.

(2) هود 11: 103.

(3) مجمع البيان 10: 708.

(4) الإخلاص 112: 1 و 2. [.....]

(5) التوحيد: 90/ 5، و الآية من سورة الإخلاص 112: 3 و 4.

(6) البرهان، تفسير الآية 86 من سورة يوسف، التمحيص: 63/ 143.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 30

يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ. «1»

فقال (عليه السلام): «اليد في كلام العرب القوة و النعمة، قال الله: وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ «2»، و قال:

وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ «3»، أي: بقوة، و قال: وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ «4» أي قواهم، و يقال: لفلان عندي أياد كثيرة. أي فواضل و إحسان، و له عندي يد بيضاء. أي نعمة». «5»

9- و عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: حدثني أبو جعفر (صلوات الله عليه)، قال: سمعت أبي يقول:

سمعت أبي موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول: دخل عمرو بن عبيد البصري على أبي عبدالله (عليه السلام)، فلما سلم و جلس تلا هذه الآية: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ «6» ثم أمسك.

فقال أبو عبدالله: «ما أسكتك؟».

قال: أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله.

قال: «نعم،- يا عمرو- أكبر الكبائر الشرك بالله، لقول الله عز و جل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ «7»، و قال:

مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَ مَأْواهُ النَّارُ. «8»

و بعده اليأس من روح الله، لأن الله يقول: لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ. «9»

ثم الأمن من مكر الله، لأن الله يقول: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ

إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ. «10»

و منها عقوق الوالدين، لأن الله جعل العاق جبارا شقيا من قوله: وَ بَرًّا بِوالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا. «11»

و منها قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، لأنه يقول: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها. «12»

__________________________________________________

(1) سورة ص 38: 75.

(2) سورة ص 38: 17.

(3) الذاريات 51: 47.

(4) المجادلة 58: 22.

(5) التّوحيد: 153/ 1.

(6) النّجم 53: 32.

(7) النّساء 4: 48 و 116.

(8) المائدة 5: 72.

(9) يوسف 12: 87.

(10) الأعراف 7: 99.

(11) مريم 19: 32.

(12) النّساء 4: 93. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 31

و قذف المحصنات، لأن الله يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. «1»

و أكل مال اليتيم لقوله: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً. «2»

و الفرار من الزحف، لأن الله يقول: وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ. «3»

و أكل الربا، لأن الله يقول: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ «4» و يقول: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ. «5»

و السحر، لأن الله يقول: وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ. «6»

و الزنا، لأن الله يقول: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً. «7»

و اليمين الغموس «8» الفاجرة، لأن الله يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ. «9»

و الغلول، «10» لأن الله يقول: وَ مَنْ يَغْلُلْ

يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ. «11»

و منع الزكاة المفروضة، لأن الله يقول: يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ. «12»

و شهادة الزور، و كتمان الشهادة، لأن الله يقول: وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ. «13»

__________________________________________________

(1) النّور 24: 23.

(2) النّساء 4: 10.

(3) الأنفال 8: 16.

(4) البقرة 2: 275.

(5) البقرة 2: 279.

(6) البقرة 2: 102.

(7) الفرقان 25: 68 و 69.

(8) أي اليمين الكاذبة، سمّيت غموسا لأنّها تغمس صاحبها في الإثم، ثمّ في النّار.

(9) آل عمرا 3: 77.

(10) أي الخيانة في المغنم، و السرقة من الغنيمة.

(11) آل عمرا 3: 161.

(12) التّوبة 9: 35.

(13) البقرة 2: 283.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 32

و شرب الخمر، لأن الله عدل بها عبادة الأوثان.

و ترك الصلاة متعمدا، و شيئا مما فرض الله تعالى، لأن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، يقول: من ترك الصلاة متعمدا فقد برى ء من ذمة الله و ذمة رسوله».

و نقض العهد و قطيعة الرحم، لأن الله يقول: أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ. «1»

قال: فخرج عمرو بن عبيد له صراخ من بكائه، و هو يقول: هلك من قال برأيه، و نازعكم في الفضل و العلم. «2»

10- و عن الإمام الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ. «3»

قال: «الختم: هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم، كما قال الله تعالى: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا». «4»

11- و عن الإمام الرضا (عليه السلام)، في قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. «5»

قال: «لأن المرأة إذا تزوجت أخذت و الرجل يعطي، فلذلك و فر على الرجال، و علة أخرى في إعطاء الرجل

مثلي ما تعطى الأنثى، لأن الأنثى من عيال الذكر، إن احتاجت فعليه أن يعولها، و عليه نفقتها، و ليس على المرأة أن تعول الرجل، و لا تؤخذ بنفقته إن احتاج، فوفر على الرجال لذلك، و ذلك قول الله عز و جل: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ. «6»

12- و في (تفسير العياشي) في قوله تعالى: وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما «7» عن زرقان صاحب ابن أبي دؤاد، «8» قال: رجع ابن أبي دؤاد ذات يوم من عند المعتصم و هو مغتم، فقلت له في ذلك، فقال: وددت اليوم أني قد مت منذ عشرين سنة.

قال: قلت له: و لم ذاك؟

قال: لما كان من هذا الأسود- يعني أبا جعفر محمد بن علي بن موسى- اليوم بين يدي أمير المؤمنين المعتصم.

__________________________________________________

(1) الرّعد 13: 25. [.....]

(2) الكافي 2: 217/ 24، من لا يحضره الفقيه 3: 367/ 1746.

(3) البقرة 2: 7.

(4) عيون أخبار الرّضا 1: 123، و الآية من سورة النّساء 4: 155.

(5) النّساء 4: 11.

(6) علل الشرائع: 570/ 1، عيون أخبار الرّضا 2: 98/ 1، و الآية من سورة النّساء 4: 34.

(7) المائدة 5: 38.

(8) و هو أحمد بن أبي دؤاد بن جرير بن مالك الأيادي، أبو عبد اللّه، أحد القضاة المشهورين من المعتزلة، تولّى القضاء للمأمون و المعتصم و الواثق و المتوكّل، و توفّي مفلوجا ببغداد سنة 240 ه- تاريخ بغداد 4: 141، لسان الميزان 1: 171، الأعلام للزركلي 1: 124.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 33

قال: قلت: و كيف ذلك؟

قال: إن سارقا أقر على نفسه بالسرقة، و سأل الخليفة تطهيره بإقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في

مجلسه، و قد أحضر محمد بن علي، فسألنا عن القطع، في أي موضع يجب أن يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع، «1» لقول الله في التيمم: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ «2» و اتفق معي على ذلك قوم.

و قال آخرون: بل يجب القطع من المرفق، قال: و ما الدليل على ذلك، قالوا: لأن الله لما قال: وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ «3» في الغسل، دل على ذلك أن حد اليد هو المرفق.

قال: فالتفت إلى محمد بن علي، فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟

فقال: «قد تكلم القوم فيه، يا أمير المؤمنين».

قال: دعني بما تكلموا به، أي شي ء عندك؟

قال: «أعفني من هذا، يا أمير المؤمنين».

قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه.

فقال: «أما إذا أقسمت علي بالله، إني أقول: إنهم أخطأوا فيه السنة، فإن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فتترك الكف.

قال: و ما الحجة في ذلك؟

قال: «قول رسول الله (صلى الله عليه و آله): السجود على سبعة أعضاء: الوجه، و اليدين، و الركبتين، و الرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها. و قال الله تبارك و تعالى: وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ «4» يعني هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً». «5»

قال: فأعجب المعتصم ذلك، فأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف.

قال ابن أبي دؤاد: قامت قيامتي، و تمنيت أني لم أك حيا. «6»

13- و عن علي بن يقطين قال: سأل المهدي أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمر، هل هي محرمة في كتاب الله عز و جل، فإن الناس إنما يعرفون النهي عنها و لا يعرفون تحريمها؟

فقال له أبو الحسن (عليه السلام):

«بل هي محرمة في كتاب الله».

فقال: في أي موضع هي محرمة من كتاب الله عز و جل، يا أبا الحسن؟

__________________________________________________

(1) الكرسوع: طرف الزند الذي يلي الخنصر، و هو الناتئ عند الرّسغ.

(2) النّساء 4: 43.

(3) المائدة 5: 6.

(4، 5). 72: 18.

(6) تفسير الميزان 5: 335، تفسير العياشي 1: 319/ 109.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 34

فقال: «قول الله تعالى: إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ «1» إلى أن قال:- فأما الإثم فإنها الخمر بعينها، و قد قال الله تعالى في موضع آخر: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما «2» فأما الإثم في كتاب الله فهي الخمر و الميسر، و إثمهما أكبر من نفعهما، كما قال الله تعالى».

فقال المهدي: يا علي بن يقطين، هذه فتوى هاشمية.

فقلت له: صدقت- يا أمير المؤمنين- الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت.

قال: فوالله ما صبر المهدي أن قال لي: صدقت يا رافضي. «3»

14- و عن محمد بن صالح الأرمني، قال: قلت لأبي محمد العسكري (عليه السلام): عرفني عن قول الله: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ «4»، فقال: «لله الأمر من قبل أن يأمر، و من بعد أن يأمر بما يشاء».

فقلت في نفسي: هذا تأويل قول الله: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ «5»، فأقبل علي و قال: «و هو كما أسررت في نفسك: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ». «6»

15- و في كتاب (الاحتجاج) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حديث طويل يقول فيه: «قد خطر على من ماسه الكفر

تقلد ما فوضه إلى أنبيائه و أوليائه، يقول لإبراهيم (عليه السلام): لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ «7» أي المشركين، لأنه سمى الشرك ظلما بقوله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ». «8»

16- روي عن زرارة و محمد بن مسلم: أنهما قالا: قلنا لأبي جعفر (عليه السلام): ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي، و كم هي؟

فقال: «إن الله عز و جل يقول: وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ، «9» فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر».

قالا: قلنا: إنما قال الله عز و جل: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ، و لم يقل: افعلوا، فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟

فقال: «أ و ليس قد قال الله عز و جل في الصفا و المروة:

__________________________________________________

(1) الأعراف 7: 33.

(2) البقرة 2: 219. [.....]

(3) البرهان: تفسير الآية: 219 من سورة البقرة، الكافي 6: 406/ 1.

(4) الروم 30: 4.

(5) الأعراف 7: 54.

(6) البرهان، تفسير الآية: 4 من سورة الروم، الثاقب في المناقب 564/ 502.

(7) البقرة 2: 124.

(8) نور الثقلين 1: 121/ 344، الاحتجاج 1: 251، من سورة لقمان 31: 13.

(9) النساء 4: 101.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 35

فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما «1»؟ ألا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض؟ لأن الله عز و جل ذكره في كتابه و صنعه نبيه، و كذلك التقصير في السفر شي ء صنعه النبي (صلى الله عليه و آله) و ذكره الله تعالى في كتابه». «2»

17- و عن حريز، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. «3»

قال: «نزلت هذه الآية في اليهود

و النصارى، يقول الله تبارك و تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ «4» يعني رسول الله (صلى الله عليه و آله) كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ «5» لأن الله عز و جل قد أنزل عليهم في التوراة و الإنجيل و الزبور صفة محمد (صلى الله عليه و آله) و صفة أصحابه و مبعثه و مهاجره، و هو قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ «6» فهذه صفة رسول الله في التوراة و الإنجيل و صفة أصحابه، فلما بعثه الله عز و جل عرفه أهل الكتاب، كما قال جل جلاله: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ». «7»

18- و عن عبد الرحمن قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قوله: يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ. «8»

قال: «الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً «9» نزلت هذه بعد هذه». «10»

19- و في (روضة الكافي) كلام لعلي بن الحسين (عليه السلام) في الوعظ و الزهد في الدنيا، يقول فيه: «و لقد أسمعكم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث يقول: وَ أَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ «11» و قال عز و جل: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ». «12»

20- و عن أبي الحسن (عليه السلام) في قوله تعالى: وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ. «13»

قال: «المؤذن أمير المؤمنين (عليه السلام)، يؤذن أذانا يسمع الخلائق كلها، و الدليل على ذلك قول

__________________________________________________

(1) البقرة 2: 158.

(2)

نور الثقلين 1: 541/ 527، من لا يحضره الفقيه 1: 278/ 1266.

(3) البقرة 2: 6.

(4، 5) البقرة 2: 146.

(6) الفتح 48: 28.

(7) نور الثقلين 1: 708/ 37، تفسير القمّي 1: 32، و الآية من سورة البقرة 2: 89.

(8) البقرة 2: 219. [.....]

(9) الفرقان 25: 67.

(10) نور الثقلين 3: 414/ 13، الكافي 8: 74/ 29.

(11) الأنبياء 21: 11.

(12) الأنبياء 21: 12.

(13) الأعراف 7: 44.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 36

الله عز و جل في سورة التوبة: وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ .. «1» فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): كنت أنا الأذان في الناس». «2»

21- و في كتاب (معاني الأخبار) عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: «الإمام منا لا يكون إلا معصوما، و ليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، و لذلك لا يكون إلا منصوصا».

فقيل له: يا ابن رسول الله، فما معنى المعصوم؟

فقال: «هو معتصم بحبل الله، و حبل الله هو القرآن، لا يفترقان إلى يوم القيامة، و الإمام يهدي إلى القرآن، و القرآن يهدي إلى الإمام، و ذلك قول الله عز و جل: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ..». «3»

22- و عن محمد بن سالم، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)- في حديث- قال: «و سورة النور أنزلت بعد سورة النساء، و تصديق ذلك أن الله عز و جل أنزل عليه من سورة النساء: وَ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا «4»، و السبيل الذي قال الله عز و جل: سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا

كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ». «5»

23- و روى الكليني باسناده، عن الفضيل و زرارة و محمد بن مسلم، عن حمران أنه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ. «6»

قال: «نعم، ليلة القدر، و هي في كل سنة من شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر قال الله عز و جل: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ». «7»

و بعد، فهذه طائفة من الخطوط و الاتجاهات العامة للتفسير عند أهل البيت (عليهم السلام)، كتبناها على عجل، و لو أن الباحثين تتبعوا روايات أهل البيت (عليهم السلام) في التفسير لاكتشفوا حقولا واسعة من العلم، و فتح الله عليهم أبوابا من المعرفة بطريقة أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير القرآن.

و إذا يسر الله تعالى جمع هذه الخطوط و تنظيمها من خلال الروايات الواردة عنهم (عليهم السلام)، و هي كثيرة و مبثوثة في كتب الحديث و التفسير، من نحو: (أصول الكافي) و كتب الشيخ الصدوق، و (تفسير علي بن إبراهيم)،

__________________________________________________

(1) التّوبة 9: 3.

(2) البرهان، تفسير الآية: 44 من سورة الأعراف، تفسير القمّي 1: 231.

(3) معاني الأخبار: 132/ 1، و الآية من سورة الإسراء 17: 9.

(4) النّساء 4: 15.

(5) الكافي 2: 27/ 1، و الآية من سورة النّور 24: 1 و 2.

(6) الدخان 44: 3.

(7) الكافي 4: 157/ 6، و الآية من سورة الدخان 44: 4.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 37

و (تفسير فرات الكوفي)، و (تفسير العياشي)، و (تفسير البرهان) للسيد هاشم البحراني، و (تفسير نور الثقلين) للشيخ الحويزي،

و غير ذلك من كتب الحديث و التفسير .. أقول إذا يسر الله جمع و تنظيم هذه الخطوط من خلال ما صحت روايته عن أهل البيت (عليهم السلام) أمكننا ذلك أن نضع أيدينا على الخطوط و الاتجاهات و الأصول التي كان يتمسك بها أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير القرآن. و عسى أن يقيض الله تعالى لهذه المهمة من يحب من عباده من العلماء الصالحين.

مناهج التفسير ..... ص : 37

1- التفسير بالرأي: كان الأوائل من المسلمين في عصر الصحابة و التابعين يتحرجون من تفسير القرآن بالرأي، و نقصد بالرأي، الرأي الممدوح لا الرأي المذموم، كما يصطلح على ذلك علماء القرآن و

يروون عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) في شجب تفسير القرآن بالرأي: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار». «1»

و

عن جندب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ». «2»

و كان الصحابة يتحرجون أبلغ الحرج أن يقولوا في القرآن شيئا غير ما رووه عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فكان عبيد الله بن عمر يقول: «لقد أدركت فقهاء المدينة و إنهم ليعظمون القول في التفسير». «3»

و كذلك التابعون لهم، كانوا يتحرجون من الكلام في التفسير بالرأي، فكان أبو وائل شقيق بن سلمة إذا سئل عن شي ء من القرآن قال: «قد أصاب الله الذي به أراد». و يمتنع عن الإجابة برأيه في القرآن.

و سئل سعيد بن جبير أن يفسر شيئا من القرآن، فقال: «لئن تقع جوانبي خير من ذلك».

و عن الوليد بن مسلم قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبدالله فسأله عن آية من القرآن. فقال: «احرج عليك إن كنت مسلما لما

قمت عني». «4»

و كان سعيد بن المسيب إذا سئل عن تفسير آية من القرآن، قال: «إنا لا نقول في القرآن شيئا». «5»

و عن عمرو بن مرة قال: سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن فقال: «لا تسألني عن القرآن، و سل من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شي ء!! يعني عكرمة». «6»

و عن يزيد بن أبي يزيد، قال: «كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال و الحرام و كان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأنه لم يسمع». «7»

و عن هشام بن عروة، قال: «ما سمعت أبي يؤول آية من كتاب الله قط». «8»

و عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: «كان أصحابنا يتقون التفسير و يهابونه». «9»

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 1: 233 و 269، سنن الترمذي 5: 199/ 2950 و 2951، تفسير الطبري 1: 27، تفسير القرطبي 1: 32.

(2) سنن الترمذي 5: 200/ 2952، المعجم الكبير 2: 175، تفسير ابن كثير 1: 5. [.....]

(3، 4، 5) تفسير ابن كثير 1: 7.

(6، 7، 8، 9) تفسير ابن كثير 1: 7.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 38

و كان ابن عباس أول من تكلم في القرآن من خلال اللغة، فكان يفسر آي القرآن الكريم من خلال معرفته باللغة و الشعر، و كان يقول: «إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر، فإن الشعر ديوان العرب». «1»

و أسئلة نافع بن الأزرق عن ابن عباس في غريب القرآن و أجوبة ابن عباس له من خلال شعر العرب معروفة يرويها السيوطي في (الإتقان). «2»

و مما ورد في هذه الأسئلة أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن قول الله عز و جل: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ

وَ لا نَوْمٌ «3» ما السنة؟

قال ابن عباس: «النعاس» و استشهد بقول زهير:

لا سنة في طوال الليل تأخذه و لا ينام و لا في أمره فند «4»

لكن عبدالله بن عباس رغم ذلك لم يتجاوز هذا الحد من التفسير من خلال اللغة و شعر العرب، و بقي الصحابة و من بعدهم التابعون و من بعدهم علماء القرآن إلى أواسط القرن الرابع الهجري يلتزمون بمنهج التفسير بالمأثور، و قل من خرج على هذا النهج خلال هذه الفترة، و بقي المنهج السائد في تفسير القرآن هو التفسير بالمأثور.

و في وقت متأخر، في أواخر القرن الرابع الهجري يبدأ العلماء باستخدام الرأي في التفسير، و تبرز تفاسير حافلة بالرأي، و يستمر هذا الرأي في النضج و التكامل إلى الوقت الحاضر.

و يذهب هؤلاء العلماء إلى أن الذي يشجبه الإسلام من التفسير بالرأي هو الرأي المذموم، و هو القول في القرآن بغير علم و لا هدى، و أما الكلام في القرآن بعلم و دليل و برهان، فليس من الرأي المذموم، و إنما هو من الرأي الممدوح الذي لا ضير فيه.

يقول ابن كثير في أول تفسيره بعد أن يذكر طائفة من الروايات عمن كان يتهيب و يتحرج من التفسير بالرأي:

«فهذه الآثار الصحيحة و ما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم فيه، فأما من تكلم بما يعلم ذلك من لغة و شرع فلا حرج عليه، و لهذا روي عن هؤلاء و غيرهم أقوال في التفسير، و لا منافاة لأنهم تكلموا فيما علموه و سكتوا عما جهلوه». «5»

و قال البيهقي في (شعب الإيمان): «هذا إن صح فإنما أراد- و الله أعلم- الرأي الذي يغلب من غير

دليل قام عليه، فمثل هذا الذي لا يجوز الحكم به في النوازل، و كذلك لا يجوز تفسير القرآن به. و أما الرأي الذي يسنده

__________________________________________________

(1) تفسير القرطبي 1: 24.

(2) الإتقان 2: 67.

(3) البقرة 2: 255.

(4) تفسير القرطبي 1: 25.

(5) تفسير ابن كثير 1: 7.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 39

برهان فالحكم به في النوازل جائز». «1»

و مهما يكن من أمر فقد نشط التفسير بالرأي بالمعنى السليم للرأي في العالم الإسلامي منذ هذا التاريخ، من دون إنكار تقريبا من قبل جمهور علماء المسلمين، و اتسعت حركة التفسير بالرأي، و ساهم في هذه الحركة كل المذاهب الفكرية الإسلامية تقريبا، و أبرز هذه المذاهب: الإمامية، و الأشاعرة، و المعتزلة.

و قد ألف الشيخ الطوسي، من أبرز فقهاء الإمامية، (تفسير التبيان) بهذا الاتجاه، و ألف فخر الدين الرازي من الأشاعرة (التفسير الكبير) بهذا الاتجاه أيضا، كما ألف جار الله الزمخشري من المعتزلة (تفسير الكشاف) في نفس الاتجاه.

و أصبح التفسير بالرأي مقبولا من قبل الجميع، و لكن الرأي الذي يسنده الدليل و البرهان القطعي، أما الرأي الذي لا يسنده دليل و برهان، و يعتمد الظن فلا يغني عن الحق شيئا.

على أن التفسير بالرأي يجب ألا يتجاوز حدود محكمات القرآن، أما متشابه القرآن فلا يعلمه إلا الله و الراسخون في العلم، و لا يصح أن يعتمد المفسر رأيه في تفسير متشابهات القرآن، و لسنا الآن بصدد تفصيل و شرح هذه النقطة.

2- التفسير بالمأثور: ذكرنا أن التفسير بالمأثور كمنهج علمي و مدرسة في تفسير القرآن، في مقابل التفسير بالرأي، لم يعد له وجود فعلي و مؤثر في الوقت الحاضر. فقد أصبح تفسير القرآن بالرأي هو المنهج السائد.

و لكن يبقى «الحديث» هو المصدر الأول- بعد

القرآن- في تفسير القرآن، و لا يستغني المفسر عن «الحديث» في تفسير القرآن، فلا رأي في مقابل «الحديث»، و لا رأي في عرض الحديث، و إنما يصح الرأي إذا كان لا يعارض الحديث، و لا بد إذن أن يتأكد المفسر من الروايات الواردة في تفسير الآية، قبل أن يمارس هو فيها الرأي و النظر و الاجتهاد.

و لذلك فإن الاهتمام بالروايات الواردة في تفسير القرآن يعتبر من مقومات الجهد العلمي في تفسير القرآن، و من هنا اهتم نفر من العلماء المتخصصين في القرآن بتجميع و تنظيم الروايات الواردة في تفسير القرآن لتيسير مهمة مفسري القرآن.

فمن تفاسير أهل السنة في هذا الحقل:

1- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، لجلال الدين السيوطي.

2- تفسير ابن كثير.

3- تفسير البغوي.

و من تفاسير الشيعة:

1- تفسير العياشي.

__________________________________________________

(1) البرهان في علوم القرآن 2: 179.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 40

2- تفسير نور الثقلين.

3- تفسير البرهان، و سنعرض له بشي ء من البيان.

تفسير البرهان ..... ص : 40

و من خير ما ألفه علماء الشيعة في هذا المجال (البرهان في تفسير القرآن) لشيخنا الجليل المحقق العالم الثقة المتتبع السيد هاشم بن السيد سليمان البحراني الكتكǙƙʘ̠المتوفى سنة 1107 أو 1109 ه.

يقول عنه الشيخ يوسف صاحب الحدائق الناضرة (رحمه الله) في كتابه القيم (لؤلؤة البحرين): إنه كان فاضلا محدثا جامعا متتبعا للأخبار بما لم يسبق له سابق سوى شيخنا المجلسي، و قد صنف كتبا عديدة تشهد بشدة تتبعه و اطلاعه. «1»

و هذا الكتاب يجمع ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) من أحاديث في تفسير القرآن الكريم. و قد بذل المؤلف (رحمه الله) جهدا كبيرا في جمع و تنظيم هذه الأحاديث من طائفة واسعة من المصادر الروائية، و هو يدل على درجة عالية من

القدرة العلمية عند المؤلف في تتبع الأحاديث من مصادرها الكثيرة و المتنوعة، و في تنظيم الأحاديث بموجب الآيات.

و هو جهد علمي كبير ليس له نظير في بابه إلا تفسير (نور الثقلين) الذي ألفه شيخنا العلامة الجليل المتتبع المحدث الفقيه الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي المتوفى سنة 1112 المعاصر لصاحب البرهان (رحمهما الله).

و من الحق أن هذين العلمين المتعاصرين (رحمهما الله) قاما في وقت واحد بعمل جليل في حقل الدراسات القرآنية، و أغنيا المكتبة القرآنية بموسوعتين جليلتين في الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير القرآن، و هما حافلتان بما ورد عنهم (عليهم السلام) في التفسير.

و ليس من شك أن حديث أهل البيت (عليهم السلام) من أهم مفاتيح فهم كتاب الله، و لا يتيسر للمفسر أن يفهم كتاب الله إذا لم يضع أمامه الخطوط الأساسية التي رسمها أهل البيت (عليهم السلام) لفهم كتاب الله، و إذا لم يستعن بأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) في فهم دقائق القرآن و رقائق معانيه.

و قد يسر هذان العلمان الجليلان هذه الثقافة الروائية من مصادر أهل البيت (عليهم السلام) للمفسرين، و بذلك قدما للمكتبة القرآنية و للباحثين في التفسير و علوم القرآن خدمة جليلة و يدا جميلة، نسأل الله تعالى أن يشكر لهما هذا الجهد، و يجزل لهما العطاء.

__________________________________________________

(1) لؤلؤة البحرين: 63.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 41

المصادر الروائية للكتاب لقد استعان المؤلف، المحدث البحراني (رحمه الله)، بطائفة واسعة من المصادر الروائية في تأليف هذا الكتاب الشريف، و هي أمهات المصادر الروائية في التفسير، و التي تجمع نصوص روايات أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن و علوم القرآن، منها:

1- تفسير الشيخ الثقة علي بن إبراهيم بن هاشم.

2-

تفسير الشيخ أبي النضر محمد بن مسعود العياشي.

3- تفسير مجمع البيان، للشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي.

4- تفسير جوامع الجامع للطبرسي أيضا.

5- تفسير كشف نهج البيان، لمحمد بن إدريس الشيباني.

6- تفسير ابن الماهيار.

7- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام).

8- تفسير فرات الكوفي، لفرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، من علماء القرن الثالث.

و أما المصادر الروائية، من غير كتب التفاسير التي اعتمدها المؤلف في موسوعته التفسيرية هذه، فكثيرة ذكرها في مقدمة كتابه.

نقود و مؤاخذات ..... ص : 41

رغم جلالة هذا الجهد العلمي الذي قام به هذا العالم المحدث الجليل، إلا أن الكتاب يحتوي على طائفة من الروايات الضعيفة في (الغلو) و (التحريف) و قد تتبعنا هذه الروايات في الكتاب فوجدناها مبثوثة في مختلف مواضع التفسير.

و يبدو أن المؤلف (رحمه الله) لم يقم بعملية جرد و تصفية و فرز للأحاديث الصحيحة عن غيرها في هذا الكتاب، أو أن جهده في هذا الأمر لم يكن كافيا لاستخلاص الكتاب من الأحاديث الضعيفة و الموضوعة.

فهو يعتمد مصادر متهمة بالوضع نحو التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام)، و قد قال عنه الشيخ محمد جواد البلاغي في مقدمة تفسيره القيم (آلاء الرحمن): و أما التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فقد أوضحنا في رسالة منفردة في شأنه أنه مكذوب موضوع، و مما يدل على ذلك نفس ما في التفسير من التناقض و التهافت في كلام الراويين، و ما يزعمان أنه رواية، و ما فيه من مخالفة للكتاب المجيد و معلوم التاريخ كما أشار إليه العلامة في (الخلاصة) و غيره. «1»

كما اعتمد على كتاب الشيخ رجب البرسي مثلا، و هو متهم بالغلو عند علمائنا، و كتابه فاقد للاعتبار

__________________________________________________

(1) آلاء الرّحمن 1: 49.

البرهان في تفسير القرآن،

مقدمة، ص: 42

العلمي، و اعتمد على كتاب (جامع الأخبار) و لا نعرف مؤلفه فضلا عن أسانيد رواياته.

و كذلك اعتمد كتاب (مصباح الشريعة) المنسوب إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، و هو كتاب جليل، و لكنه لم تثبت نسبته إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، و مؤلفه مجهول، و قد نسبه بعض العلماء إلى هشام بن الحكم، إلا أن شيئا من ذلك لم يثبت بطريق علمي.

كما اعتمد المؤلف (رحمه الله) في كتابه هذا طائفة من الروايات الضعيفة من حيث السند، و المضطربة من حيث المتن، و هو بالتأكيد مما يؤثر أثرا سلبيا على القيمة العلمية لهذا الكتاب الجليل، إلا أن نقول: إن الكتاب هو جهد علمي لجمع الروايات المروية عن أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير القرآن، و هو جهد مفيد و نافع يمهد الطريق للمحققين الذين يعملون في تحقيق النصوص و استخراج الصحيح منها، و فرزها عن الروايات الضعيفة و المضطربة ..

و قد قام شيخ الإسلام العلامة المجلسي في عصره بتدوين الموسوعة الروائية الكبرى (بحار الأنوار) بهذا الأسلوب، و لهذه الغاية.

و ليس من شك أن في هذه الموسوعة الجليلة (بحار الأنوار) الكثير من الأحاديث الضعيفة و المضطربة، و ليس من شك كذلك أن هذه الموسوعة خدمت المكتبة الإسلامية، و المحققين خدمة جليلة، حيث جمعت لهم النصوص و الروايات المتفرقة في موضع واحد و ضمن نهج علمي منظم واحد، يسهل لهم الرجوع إليها و استخراج ما يريدون منها من النصوص و الروايات.

و هو وجه معقول من الكلام. و عندئذ لا يكون وجود أمثال هذه الروايات في الكتاب سببا لانتقاص قيمة الكتاب العلمية، إلا أننا نجد أنفسنا بحاجة إلى مرحلة أخرى من الجهد العلمي لاستخلاص الصحاح من حديث أهل

البيت (عليهم السلام) (في التفسير و الأصول) عن الأحاديث الضعيفة و فرزها عنها.

الدس و الوضع في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام): ..... ص : 42

لقد دس الغلاة في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، و لا سيما في التفسير، من الأحاديث الموضوعة و المنتحلة ما لا يعلم حجمه و مقداره إلا الله عز و جل. و بذلك فقد أضروا بحديث أهل البيت (عليهم السلام) و معارفهم ضررا بليغا.

روى الشيخ الصدوق باسناده عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: إن مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا و جعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها الغلو، و ثانيها التقصير في أمرنا، و ثالثها التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا و نسبوهم إلى القول بربوبيتنا، و إذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، و إذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا. «1»

__________________________________________________

(1) عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 304.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 43

و من شأن هذه الأحاديث الموضوعة و المدسوسة أن تشوش فهم طريقة أهل البيت (عليهم السلام) في التفسير، ان كان الشخص الذي يتتبع روايات أهل البيت (عليهم السلام) غير ملم بطريقتهم (عليهم السلام)، و غير عارف بالأسانيد و الرجال و الرواة.

و مع الأسف لم تجر عملية تصفية كافية في حقل الأصول و التفسير، في روايات أهل البيت (عليهم السلام) كما جرى في حقل الفقه. فقد قام الفقهاء (رحمهم الله) بتنقيح و تصفية روايات أهل البيت (عليهم السلام) بنسبة معقولة في الفقه، إلا أن أحاديث (الأصول) و (التفسير) و (الفضائل) و (الكون و السماء و العالم) و (السير) بقيت على حالها، كما في المصادر الروائية الأولى، لم يتصد لها أحد بجهد علمي مناسب للتصفية و التنقيح، و بعد هذا الجهد فقط نتمكن من جمع و تنظيم ما روي عن

أهل البيت (عليهم السلام) في التفسير و استخراج الخطوط و الأصول العامة عندهم (عليهم السلام) في تفسير القرآن.

و قد جمع سيدنا الجليل المحدث المتتبع السيد هاشم البحراني (رحمه الله) في تفسيره القيم (البرهان) و شيخنا المحدث الشيخ الحويزي (رحمه الله) في تفسيره الكبير (نور الثقلين) طائفة واسعة من هذه الأحاديث من المصادر المختلفة.

إلا أن هذا الجهد العلمي هو المرحلة الأولى فقط من العمل، و قد قام به هذان العلمان (رحمهما الله) و جزاهما عن رسوله (صلى الله عليه و آله) و أهل بيته خير الجزاء.

و المرحلة الثانية من هذا الجهد العلمي هو ما تحدثنا عنه قبل قليل من ضرورة تنقيح و تصفية الأحاديث المروية عن أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن، و فرز الصحيح منها عن غير الصحيح.

و المرحلة الثالثة من هذا الجهد هو استخراج الأصول و الخطوط العامة لأهل البيت (عليهم السلام) في تفسير القرآن.

و عند ما تتم هذه المراحل الثلاثة فإن بإمكاننا أن نقف على ثروة كبيرة و كنز من أصول تفسير القرآن و خطوطه عند أهل البيت (عليهم السلام).

و من دون هذا الجهد لا نتمكن أن نأخذ بحظ وافر من حديث أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن، و من الصعب جدا أن يتمكن أحد من غير ذوي الاختصاص أن يفتح أحد هذين التفسيرين الجليلين فيقطع برأي محدد عن نظر أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن و تفسيره، و الحمد لله رب العالمين.

محمد مهدي الآصفي قم المشرفة- في 10 شعبان 1412 ه

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 45

مقدمة التحقيق ..... ص : 45

أولا: ترجمة المؤلف ..... ص : 45

نسبه الشريف ..... ص : 45

هو السيد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد بن علي بن سليمان بن السيد ناصر الحسيني البحراني التوبلي الكتكاني. «1»

قال الميرزا عبدالله أفندي:

و كان (رحمه الله) من أولاد السيد المرتضى، و باقي نسبه إلى السيد المرتضى مذكور على ظهر بعض كتبه. «2»

نسبته ..... ص : 45

الكتكاني: نسبة إلى كتكان- بفتح الكافين و التاء المثناة الفوقانية- قرية من قرى توبلي.

التوبلي: نسبة إلى توبلي- بالتاء المثناة الفوقانية ثم الواو الساكنة ثم الباء الموحدة ثم اللام و الياء أخيرا- أحد أعمال البحرين.

حياته و سيرته ..... ص : 45

لقد أحجمت المصادر التي ترجمت للسيد هاشم البحراني (رحمه الله) عن ذكر تفاصيل حياته و سيرته، و كل ما استطعنا أن نقف عليه منها أنه ولد في كتكان، إحدى قرى البحرين، في النصف الأول من القرن الحادي عشر

__________________________________________________

(1) انظر ترجمته في: أمل الآمل 2: 341، رياض العلماء 5: 298، روضات الجنّات 8: 181، أنوار البدرين: 136، لؤلؤة البحرين: 63، مستدرك الوسائل 3: 389، ريحانة الأدب 1: 233، الفوائد الرضوية: 705، نجوم السّماء 1: 154، الإجازة الكبيرة للسيّد الجزائري: 36، الذريعة: في مواضع مختلفة ستأتي في بيان مؤلّفاته، مصفّى المقال: 489، الكنى و الألقاب 3: 107، سفينة البحار 2: 717، إيضاح المكنون: في مواضع مختلفة ستأتي في بيان مؤلّفاته، هدية العارفين 2: 503، أعلى الزركلي 8: 66، معجم المؤلّفين 13: 132.

(2) رياض العلماء 5: 298.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 46

الهجري، و مما ذكره الأفندي في (رياض العلماء) «1» يتضح أن السيد (رحمه الله) رحل إلى النجف الأشرف، و أقام بها فترة من الزمن، روى خلالها عن الشيخ فخر الدين الطريحي ابن محمد علي بن أحمد النجفي، المتوفى سنة 1085 ه، و يبدو مما ذكره السيد هاشم البحراني في خاتمة هذا التفسير أنه سافر إلى إيران، و زار المشهد الرضوي المقدس، و روى هناك عن السيد عبد العظيم بن السيد عباس الأسترآبادي، و ذكر ذلك صاحب الرياض أيضا. «2»

و كان السيد (رحمه الله) يتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة في بلاده، و له دور

كبير في إدارة البلد و تنظيم الأمور الاجتماعية، و كان يحظى باحترام سائر الطبقات، و كانوا ينفذون أوامره و نواهيه، يقول الشيخ يوسف البحراني:

و انتهت رئاسة البلد بعد الشيخ محمد بن ماجد «3» إلى السيد، فقام بالقضاء في البلاد، و تولى الأمور الحسبية أحسن قيام، و قمع أيدي الظلمة و الحكام، و نشر الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و بالغ في ذلك و أكثر، و لم تأخذه لومة لائم في الدين، و كان من الأتقياء المتورعين، شديدا على الملوك و السلاطين. «4»

و كان (رحمه الله) مثالا للزهد و الورع و التقى، و لا يتوانى عن قول الحق و الإرشاد إلى التعاليم الدينية، و مهابا من قبل الحكام و ذوي السلطة و السيطرة.

و فوق كل هذا، لقد بلغ البحراني (رحمه الله) غاية قصوى في المنزلة العلمية، حيث ذاع صيته في بلده و في بعض البلدان الأخرى، و كان يرجع إليه المؤمنون في التقليد و المسائل الدينية، و يستجيزه العلماء الذين يريدون اتصال أسانيدهم في الرواية إلى الأئمة المعصومين (عليهم السلام).

مشايخه ..... ص : 46

1- السيد عبد العظيم بن السيد عباس الأسترآبادي، قال صاحب الرياض في ترجمته: كان من أجلة تلاميذ الشيخ البهائي، و يروي عنه السيد هاشم بن سليمان البحراني، المعروف بالعلامة، إجازة بالمشهد المقدس الرضوي، كما نص عليه في آخر كتاب تفسيره الموسوم ب (الهادي و مصباح النادي) و قال في وصفه: السيد الفاضل التقي و السند الزكي. «5»

و قال السيد هاشم البحراني في خاتمة هذا التفسير عند ذكره الطريق إلى المشايخ: أخبرني بالإجازة عدة من أصحابنا منهم السيد الفاضل التقي الزكي السيد عبد العظيم بن السيد عباس بالمشهد الشريف الرضوي.

2- الشيخ فخر الدين الطريحي بن محمد

علي بن أحمد النجفي، المحدث الفقيه اللغوي، المتوفى سنة 1085 ه، قال صاحب الرياض: و يروي السيد هاشم هذا عن الشيخ الرماحي الساكن في النجف، قال في (مدينة

__________________________________________________

(1) رياض العلماء 5: 304. [.....]

(2) رياض العلماء 3: 146.

(3) هو الشيخ محمّد بن ماجد البحراني الماحوزي البلادي، المتوفّى سنة 1105 ه.

(4) لؤلؤة البحرين: 63.

(5) رياض العلماء 3: 146.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 47

المعاجز): أدركته بالنجف و لي منه إجازة. «1»

تلامذته ..... ص : 47

1- الشيخ أبو الحسن شمس الدين سليمان الماحوزي، المعروف بالمحقق البحراني، المتوفي سنة 1121 ه.

2- الشيخ علي بن عبدالله بن راشد المقابي البحراني، المستنسخ لكتب استاذه، منها: (حلية النظر) و (حلية الأبرار)، استنسخهما سنة 1099 ه، و النسختان بخطه موجودتان في الرضوية. «2»

3- الشيخ محمد بن الحسن بن علي، المشهور بالحر العاملي، المحدث الفقيه الجليل، صاحب (تفصيل وسائل الشيعة)، المتوفى سنة 1104 ه.

قال في (أمل الآمل) في ترجمة السيد هاشم البحراني: رأيته و رويت عنه. «3»

4- السيد محمد العطار بن السيد علي البغدادي، الأديب الشاعر، المتوفى سنة 1171 ه، قال الشيخ محمد حرز الدين: قرأ على علماء عصره، منهم السيد هاشم بن السيد سليمان البحراني. «4»

5- الشيخ محمود بن عبد السلام المعني البحراني، كان حيا في سنة 1128 ه، و أجاز في تلك السنة الشيخ عبدالله السماهيجي المتوفي سنة 1135 ه.

6- الشيخ هيكل الجزائري بن عبد علي الأسدي، أجازه السيد البحراني على نسخة من كتاب (الاستبصار) في تاسع ربيع الأول سنة 1100 ه، و عبر عنه بالشيخ الفاضل العالم الكامل البهي الوفي.

اهتمامه بالحديث ..... ص : 47

وظف السيد البحراني كل الامكانات المتاحة لديه إلى إحياء الأحاديث المروية عن الأئمة الهداة (عليهم السلام)، و كان الحديث هو الصفة الغالبة لكافة الأغراض العلمية التي طرقها، كالتفسير و الفقه و العقائد و الأخلاق و غيرها، بل تكاد مؤلفاته لا تخرج عن نطاق الحديث و الرواية.

و شدة اهتمام السيد هاشم البحراني بالحديث و الرواية لفتت أنظار البعض من العلماء فراحوا يبينون الأسباب، يقول الشيخ يوسف البحراني: و قد صنف كتبا عديدة تشهد بشدة تتبعه و اطلاعه، إلا أني لم أقف له على كتاب فتاوى في الأحكام الشرعية بالكلية، و لو في مسألة جزئية،

و إن ما كتبه مجرد جمع و تأليف، لم يتكلم في شي ء منها مما وقفت عليه على ترجيح في الأقوال، أو بحث أو اختيار مذهب و قول في ذلك المجال، و لا أدري أن ذلك لقصور درجته عن مرتبة النظر و الاستدلال أم تورعا عن ذلك، كما نقل عن السيد الزاهد العابد

__________________________________________________

(1) رياض العلماء 5: 304.

(2) الذريعة 7: 79/ 424، و: 85/ 447.

(3) أمل الآمل 2: 341.

(4) معارف الرجال 2: 330.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 48

رضي الدين بن طاوس. «1» و انتهت رئاسة البلد بعد الشيخ محمد بن ماجد إلى السيد، فقام بالقضاء في البلاد، و تولى الأمور الحسبية أحسن قيام. «2»

و ربما يفهم من هذا القول قدح في مقامه العلمي، و لهذا قال السيد محسن الأمين العاملي في رده على هذا القول: مع أنه قال كما سمعت: انتهت رئاسة البلد إليه فقام بالقضاء في البلاد أحسن قيام. و كيف يقوم بالقضاء أحسن قيام من كانت درجته قاصرة عن مرتبة النظر، و ستعرف أن له كتاب (التبيان) «3» في جميع الفقه الاستدلالي، فكأن صاحب اللؤلؤة لم يطلع عليه. «4»

فالأرجح أن السيد البحراني (رحمه الله) إنما انصرف عن الإشتغال بالعلوم المتداولة تورعا، فكرس كل حياته لخدمة تراث أهل البيت (عليهم السلام) و إحياء أمرهم، و وقف عند حدود النصوص المأثورة عنهم، و لا يعدم ذلك وجود بعض النظر و الاستدلال في مؤلفاته، مثل: (تنبيه الأريب في إيضاح رجال التهذيب) و (التنبيهات في تمام الفقه من الطهارة إلى الديات) على ما سيأتي.

آثاره ..... ص : 48

ترك السيد هاشم البحراني (رحمه الله) مؤلفات كثيرة في شتى العلوم و الفنون، قال الأفندي: له (قدس سره) من المؤلفات ما يساوي خمسا و

سبعين مؤلفا، ما بين كبير و وسيط و صغير، و أكثرها في العلوم الدينية، و سمعت ممن أثق به من أولاده (رضوان الله عليه) أن بعض مؤلفاته حيث كان يأخذه من كان ألفه له لم يشتهر بل لم يوجد في البحرين. «5»

و فيما يلي ثبت بمؤلفاته المذكورة في مصادر ترجمته:

1- إثبات الوصية. قال الطهراني في (الذريعة): و يأتي له (البهجة المرضية في إثبات الخلافة و الوصية)، و الظاهر اتحاده مع هذا الكتاب. «6»

2- احتجاج المخالفين على إمامة أمير المؤمنين. فرغ منه سنة 1105 ه، و قال الأفندي: رأيته مع سائر تصانيفه عند ولده، و أورد فيه خمسة و سبعين احتجاجا من العامة على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، و احتجاجات من قولهم على بطلان إمامة غيره. «7»

__________________________________________________

(1) هو السيد علي بن موسى بن جعفر، رضي الدين، المعروف بابن طاوس، المتوفّى سنة 664 ه.

(2) لؤلؤة البحرين: 63.

(3) مراده (التنبيهات في تمام الفقه من الطهارة إلى الدّيّات) قاله الأفندي في رياض العلماء 5: 300، و انظر الذريعة 4: 451.

(4) أعيان الشيعة 10: 249.

(5) رياض العلماء 5: 300.

(6) الذريعة 1: 111/ 538. [.....]

(7) الذريعة 1: 238/ 1485، رياض العلماء 5: 303.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 49

3- الإنصاف في النص على الأئمة الأشراف من آل عبد مناف. و يعرف ب (النصوص) أيضا، فرغ منه سنة 1097 ه، و يشتمل على ثلاثمائة و ثمانية أحاديث. «1»

4- إيضاح المسترشدين في بيان تراجم الراجعين إلى ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام). و يعبر عنه أيضا ب (هداية المستبصرين)، فرغ منه سنة 1105 ه، و أورد فيه تراجم مائتين و ثلاثة و خمسين من المستبصرين الراجعين إلى الحق. «2»

5- البرهان في التفسير القرآن.

و هو هذا الكتاب الذي بين يديك، فرغ منه في 3 ذي الحجة سنة 1095 ه، و طبع لأول مرة على الحجر في طهران سنة 1295 ه، و صدر في مجلدين، و طبع ثانية في سنة 1302 ه، و طبع أيضا في سنة 1375 ه، و صدر في أربعة مجلدات، و ألحقت به مقدمة كتاب (مرآة الأنوار) لأبي الحسن العاملي الأصفهاني، و طبع أخيرا في سنة 1394 ه، و لما كانت جميع هذه الطبعات خالية من التحقيق فقد عمد قسم الدراسات الإسلامية التابع لمؤسسة البعثة على إخراجه محققا و بالله التوفيق.

6- البهجة المرضية في إثبات الخلافة و الوصية. قال الشيخ الطهراني في (الذريعة): ذكره في (اللؤلؤة) و لعله بعينه ما مر بعنوان (إثبات الوصية). «3»

7- بهجة النظر في إثبات الوصاية و الإمامة للأئمة الاثنى عشر (عليهم السلام). فرغ منه سنة 1099 ه، قال الأفندي في (الرياض): هو ملخص من كتاب (حلية الأبرار) للمؤلف. «4»

8- تبصرة الولي فيمن رأى المهدي (عليه السلام) في زمان أبيه أو في غيبته الصغرى أو الكبرى. فرغ منه سنة 1099 ه، و طبع شطر منه في ذيل غاية المرام سنة 1272 ه «5»، و طبع بتحقيق مؤسسة المعارف الإسلامية في قم المقدسة سنة 1411 ه.

9- التحفة البهية في إثبات الوصية لعلي (عليه السلام). فرغ منه سنة 1093 ه. قال الشيخ الطهراني في (الذريعة):

و لعله الذي مر بعنوان (إثبات الوصية) و بعنوان (البهجة المرضية)، و على أي فهو للسيد هاشم البحراني، رتبه على مقدمة و أبواب و خاتمة. «6»

10- ترتيب التهذيب. فرغ منه سنة 1079 ه، و وقع الفراغ من تصحيحه في محضر المؤلف سنة 1102 ه، ثم شرحه بنفسه كما يأتي،

و طبع الكتاب بطهران سنة 1107 ه في ثلاثة مجلدات. قال صاحب الذريعة: أورد كل

__________________________________________________

(1) الذريعة 2: 398/ 1596.

(2) الذريعة 2: 499/ 1956، 25: 191.

(3) الذريعة 3: 164/ 578.

(4) الذريعة 3: 164، 26: 311/ 544، رياض العلماء 5: 302.

(5) الذريعة 3: 326/ 1192، رياض العلماء 5: 301.

(6) الذريعة 26: 162/ 815، رياض العلماء 5: 302.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 50

حديث في الباب المناسب له، و نبه على بعض الأغلاط التي وقعت في أسانيده. «1»

11- تعريف رجال من لا يحضره الفقيه. و هو شرح لمشيخة الفقيه. «2»

12- تفضيل الأئمة على الأنبياء (صلوات الله عليهم أجمعين) سوى خاتم النبيين (صلى الله عليه و آله). «3»

13- تفضيل علي (عليه السلام) على أولي العزم من الرسل. ألفه في مرض موته في أربعة عشر يوما لا يقدر فيها على الحركة، فكان يملي الأخبار و يكتبها الكاتب عن إملائه، و فرغ منه سنة 1107 ه. «4»

14- تنبيه الأريب و تذكرة اللبيب في إيضاح رجال التهذيب. و هو كتاب مبسوط في شرح أسانيد (التهذيب) لشيخ الطائفة، و بيان أحوال رجاله، و لاحتياجه إلى التهذيب و التنقيح هذبه الشيخ حسن الدمستاني المتوفى سنة 1181 ه، و سماه (انتخاب الجيد من تنبيهات السيد). «5»

15- التنبيهات في تمام الفقه من الطهارة إلى الديات. قال الأفندي في (الرياض): هو كتاب كبير مشتمل على الاستدلالات في المسائل إلى آخر أبواب الفقه، و هو الآن موجود عند ورثة الأستاذ الاستناد «6»، و مراده العلامة المجلسي.

16- التيمية في بيان نسب التيمي. «7»

17- حقيقة الإيمان المبثوث على الجوارح. فرغ من تأليفة سنة 1090 ه، و قال الطهراني في (الذريعة): و لعل له اسما آخر. «8»

18- حلية الأبرار في أحوال

محمد و آله الأطهار (عليهم السلام). فرغ منه سنة 1099 ه، قال الطهراني في (الذريعة): كتاب كبير مرتب على ثلاثة عشر منهجا في أحوال النبي و الأئمة الاثنى عشر (عليهم السلام). «9» طبع في قم المشرفة في المطبعة العلمية سنة 1397 ه، و طبع ضمن منشورات مؤسسة المعارف الإسلامية في قم المقدسة بتحقيق الشيخ غلام رضا البروجردي سنة 1411 ه. «10»

19- حلية النظر في فضل الأئمة الاثنى عشر. فرغ منه سنة 1099 ه.

20- الدر النضيد في خصائص الحسين الشهيد. قال الأفندي في (الرياض): و لعله بعينه كتاب مقتل

__________________________________________________

(1) الذريعة 4: 64/ 270، رياض العلماء 5: 301، إيضاح المكنون 3: 279.

(2) الذريعة 4: 217/ 1083.

(3) الذريعة 4: 358/ 1555.

(4) الذريعة 4: 360/ 1569، رياض العلماء 5: 300.

(5) الذريعة 4: 440/ 1957، 2: 358، إيضاح المكنون 3: 323.

(6) الذريعة 4: 451/ 2012، رياض العلماء 5: 300.

(7) الذريعة 4: 518/ 2304. [.....]

(8) الذريعة 7: 48/ 249.

(9) الذريعة 7: 79/ 424، إيضاح المكنون 3: 419.

(10) الذريعة 7: 85/ 447، إيضاح المكنون 3: 421.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 51

الحسين (عليه السلام). «1»

21- الدرة اليتيمة. و في (رياض العلماء) المطبوع: الدرة الثمينة، يشتمل على اثني عشر بابا، و كل باب يشتمل على اثني عشر حديثا في فضل الأئمة (عليهم السلام). «2»

22- روضة العارفين و نزهة الراغبين في ترجمة جملة من المشايخ العاملين من شيعة أمير المؤمنين من القدماء و الرواة المتأخرين. كتاب في الرجال، قال الطهراني في (الذريعة): ذكر من الرجال 185 رجلا، آخرهم في النسخة التي رأيتها قنبر مولى أمير المؤمنين (عليه السلام)، و أولهم أبان بن تغلب. «3»

23- روضة الواعظين في أحاديث الأئمة الطاهرين (عليهم السلام). «4»

24- سلاسل

الحديد و تقييد أهل التقليد بما انتخب من شرح النهج لابن أبي الحديد. في فضائل أمير المؤمنين و الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، و في مسألة الإمامة، قال في (الرياض): و سماه نفسه بكتاب (شفاء الغليل من تعليل العليل) أيضا، فرغ منه سنة 1100 ه. «5»

25- سير الصحابة. فرغ منه سنة 1070 ه. «6»

26- شرح ترتيب التهذيب. «7»

27- عمدة النظر في بيان عصمة الأئمة الاثنى عشر (عليهم السلام) ببراهين العقل و الكتاب و الأثر. مرتب على ثلاثة مطالب: أولها في الأدلة العقلية الاثنى عشر، و ثانيها في الآيات القرآنية الاثنى عشر، و ثالثها في الأخبار النبوية و الروايات الولوية الخمسة و الأربعين الدالة كلها على العصمة. «8»

28- غاية المرام و حجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص و العام. ألفه بين عام 1100 و 1103 ه، و طبع في إيران سنة 1272 ه، و ترجمة الشيخ محمد تقي الدزفولي المتوفي سنة 1295 ه، و فرغ من ترجمته سنة 1273 ه، و طبع سنة 1277 ه، و سمى الترجمة (كفاية الخصام) و تمم ما نقص في بعض الأبواب من عدد الأخبار.

و لخص (غاية المرام) الأصفهاني، المتوفى سنة 1331 ه، و سماه (ملخص المرام في تلخيص غاية المرام) «9» و يقوم الآن قسم الدراسات الإسلامية لمؤسسة البعثة بتحقيقه، و سيصدر ضمن منشوراتها.

__________________________________________________

(1) الذريعة 8: 82/ 300، رياض العلماء 5: 302، إيضاح المكنون 3: 453.

(2) الذريعة 8: 116/ 424، رياض العلماء 5: 302.

(3) الذريعة 11: 299/ 1789، رياض العلماء 5: 302، إيضاح المكنون 3: 595.

(4) الذريعة 11: 305/ 1815.

(5) الذريعة 12: 210/ 1394، رياض العلماء 5: 303، إيضاح المكنون 4: 20.

(6) رياض العلماء 5: 303.

(7) الذريعة 15: 341،

إيضاح المكنون 5: 299.

(8) الذريعة 15: 341، إيضاح المكنون 4: 125.

(9) الذريعة 16: 21/ 76، 18: 91/ 822، 22: 212/ 6736، إيضاح المكنون 4: 141.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 52

29- فضل الشيعة. يشتمل على (118) حديثا. «1»

30- كشف المهم في طريق غدير خم. مرتب على بابين: أولهما في طرق الخاصة، و الثاني في طرق العامة، تاريخ كتابته في 1101 ه و تاريخ تصحيحه في 1102 ه، احتمل في (الذريعة) نسبته للسيد هاشم البحراني. «2»

31- اللباب المستخرج من كتاب الشهاب. استخرج المؤلف الأخبار المروية في شأن أمير المؤمنين و الأئمة الأطهار (عليهم السلام) من كتاب (شهاب الأخبار) للقاضي القضاعي سلامة بن جعفر المتوفى سنة 454 ه. «3»

32- اللوامع النورانية في أسماء علي و أهل بيته (عليهم السلام) القرآنية. فرغ منه سنة 1096 ه، و طبع في قم المقدسة سنة 1394 ه، و طبع ثانية في أصفهان سنة 1404 ه.

33- المحجة فيما نزل في القائم الحجة (عجل الله فرجه). يشتمل على 120 آية من القرآن الكريم، فرغ منه سنة 1097 ه، و طبع مع (غاية المرام) في سنة 1272 ه، و طبع بتحقيق محمد منير الميلاني في بيروت.

34- مدينة المعجزات في النص على الأئمة الهداة. أو: مدينة معاجز الأئمة الاثنى عشر و دلائل الحجج على البشر. فرغ منه في سنة 1090 ه، و طبع في سنة 1271 ه و سنة 1291 ه، و سنة 1300 ه، و هو مرتب على اثني عشر بابا، كل باب في معجزات واحد من الأئمة الاثنى عشر (عليهم السلام). «4»

35- مصابيح الأنوار و أنوار الأبصار في معاجز النبي المختار (صلى الله عليه و آله). «5»

36- المطاعن البكرية و المثالب العمرية من

طريق العثمانية، فرغ منه سنة 1101 ه. «6»

37- معالم الزلفى في معارف النشأة الأولى و الأخرى. و هو مرتب على خمس جمل و خاتمة ذات أربع فوائد، قال الأفندي في (الرياض): هو كتاب حسن حاو لفوائد جمة من الأخبار، و ينقل فيها عن كتب غريبة منها ما هو مذكور في (بحار الأنوار) و منها ما ليس مذكور فيه. «7» طبع في سنة 1271 ه، و في سنة 1288 ه، و طبع مع (نزهة الأبرار) سنة 1289 ه.

38- مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام). قال الشيخ الطهراني في (الذريعة): نسبه إليه و أكثر النقل عنه الشيخ أحمد بن سليمان البحراني في كتابه (عقد اللآل في مناقب النبي و الآل (عليهم السلام) و رأيت نسخة منه بالكاظمية، فرغ الكاتب يوم الجمعة 28 ذي القعدة سنة 1120 ه، نقل أخباره من كتب العامة. «8»

__________________________________________________

(1) الذريعة 16: 268/ 119، رياض العلماء 5: 302.

(2) الذريعة 18: 64/ 693. [.....]

(3) الذريعة 14: 247، 18: 281/ 109، رياض العلماء 5: 303.

(4) الذريعة 20: 253/ 2834، إيضاح المكنون 4: 456.

(5) الذريعة 21: 86/ 4061، رياض العلماء 5: 456.

(6) رياض العلماء 5: 302.

(7) الذريعة 21: 199/ 4600، رياض العلماء 5: 299.

(8) الذريعة 22: 322/ 7281.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 53

و على هذا الكتاب تعليقات للمؤلف بعنوان (علي و السنة) ذكرها الطهراني في (الذريعة). «1»

39- مولد القائم (عجل الله فرجه الشريف). «2»

40- الميثمية. ذكره السيد محسن الأمين العاملي في (أعيان الشيعة) «3»، و لعله (التيمية) المتقدم.

41- نزهة الأبرار و منار الأفكار في خلق الجنة و النار. قال الطهراني في (الذريعة): فيها 251 حديثا، مطبوع سنة 1288 ه، كتبه بعد (معالم الزلفى)، و قد يسمى الجنة

و النار. «4»

42- ن 0 سب عمر بن الخطاب. «5»

43- نهاية الآمال فيما يتم به تقبل الأعمال. فرغ منه سنة 1102 ه، مرتب على 23 فصلا، و هو في بيان الأصول الخمسة و ما يتبعها من الإيمان و الإسلام و الولاية و دعائمهما. «6»

44- نور الأنوار في تفسير القرآن. مقصورا على روايات أهل البيت المعصومين (عليهم السلام)، قال الشيخ الطهراني في (الذريعة): نسخة منه عند السيد محمد علي الروضاتي من سورة الحاقة إلى الفلق. «7»

45- الهادي و مصباح النادي. أو: (و ضياء النادي)، فرغ منه سنة 1077 ه، و هو تفسير للقرآن الكريم مأخوذ من روايات أهل البيت (عليهم السلام) إلا ما شذ، و جميع رواياته من الكتب المعتبرة. «8»

46- الهداية القرآنية إلى الولاية الإمامية. فرغ منه في سنة 1096 «9» ه، يقوم الآن قسم الدراسات الإسلامية لمؤسسة البعثة بتحقيقه و سيصدر ضمن منشوراتها.

47- وفاة الزهراء (سلام الله عليها). «10»

48- وفاة النبي (صلى الله عليه و آله). «11»

49- اليتيمة. قال الشيخ الطهراني في (الذريعة): ذكر في (كشف الحجب)، و ليس هو (الدرة اليتيمة)، لأن صاحب الرياض الذي رأى جميع تصانيفه عند ولده بأصفهان عدهما اثنين. «12»

__________________________________________________

(1) الذريعة 15: 329/ 2128.

(2) الذريعة 23: 275/ 8961.

(3) أعيان الشيعة 10: 250.

(4) الذريعة 24: 107/ 566، إيضاح المكنون 4: 634.

(5) الذريعة 24: 141/ 701، رياض العلماء 5: 299.

(6) الذريعة 24: 393/ 2106، رياض العلماء 5: 299، إيضاح المكنون 4: 689.

(7) الذريعة 24: 360/ 1945.

(8) الذريعة 25: 154/ 25، رياض العلماء 5: 301، إيضاح المكنون 4: 716. [.....]

(9) الذريعة 25: 188/ 191، رياض العلماء 5: 301.

(10) الذريعة 25: 119/ 683.

(11) الذريعة 25: 121/ 703.

(12) الذريعة 25/ 274/ 80.

البرهان في تفسير

القرآن، مقدمة، ص: 54

50- ينابيع المعاجز و أصول الدلائل. و هو مختصر (مدينة المعاجز)، فرغ منه سنة 1099 ه. «1»

و مما يجدر ذكره- ما دمنا في صدد تعداد آثار السيد البحراني (رحمه الله)- أن الشيخ الطهراني نسب أربعة كتب إلى السيد البحراني، و قد ذكرها في (الذريعة) كما يلي:

1- إرشاد المسترشدين. «2»

2- بستان الواعظين. «3»

3- تحفة الأخوان. «4»

4- ثاقب المناقب. «5»

و قد نسب الشيخ الطهراني هذه الكتب اعتمادا على المنقول في (رياض العلماء) للميرزا عبدالله أفندي، و الحال أن هذه النسبة وقعت و هما، إذ إن صاحب الرياض عد هذه الكتب الأربعة ضمن المصادر التي اعتمدها السيد البحراني في تصنيف كتابه (معالم الزلفى) و لم يعدها ضمن مصنفاته. «6»

وفاته ..... ص : 54

أرخت أغلب المصادر التي ترجمت له وفاته في سنة 1107 ه، في قرية نعيم، و نقل جثمانه الشريف إلى قرية توبلي، و دفن في مقبرة ماتيني من مساجد القرية المذكورة، و قبره اليوم مزار معظم معروف.

و يؤيد هذا التاريخ أيضا ما نقل في (رياض العلماء) في معرض حديثه عن رسالة السيد البحراني التي فرغ منها سنة 1107 ه، يقول: قد ألفها في آخر عمره حين كان مريضا لا يقدر على الحركة أربعة أشهر بإلحاح جماعة من الطلاب و هو لا يقدر على الكتابة لغاية ضعفه و مرضه، و كان يملي الأخبار في هذه المسألة و الطلبة يكتبون إلى أن تمت الرسالة، فلما تمت الرسالة توفي (رحمه الله) بعده بيوم، أو أزيد، من ذلك المرض بالبحرين سنة سبع و مائة و ألف من الهجرة. «7»

و قيل في تاريخ وفاته أيضا: إنه في سنة 1109 ه، على ما نقل عن بعض المشايخ أن وفاته كانت بعد موت الشيخ

محمد بن ماجد المتوفى سنة 1105 ه بأربع سنين.

__________________________________________________

(1) الذريعة 25: 290، رياض العلماء 5: 301.

(2) الذريعة 1: 521/ 2540.

(3) الذريعة 3: 108/ 357.

(4) الذريعة 3: 417/ 1495.

(5) الذريعة 5: 5.

(6) رياض العلماء 5: 299.

(7) رياض العلماء 5: 300.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 55

تقريظه ..... ص : 55

أطرى عليه علماء الرجال المعاصرون له و المتأخرون عنه، و أثنوا عليه بعبارات الإجلال و الإكبار و التعظيم، واصفين إياه بالفضل و العلم و المعرفة بالعربية و التفسير و الفقه و الرجال و الحديث مع دقة متناهية و إحاطة كافية بالأخبار و الروايات مضافا إلى اتصافه بالزهد و التقوى و الورع و الجهاد في قمع الظالمين و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و جعله السيد عبدالله الموسوي الجزائري في إجازته الكبيرة من مشاهير المرتبة الرابعة المتأخرة عن عصر الشهيد الثاني، و الذين وصفهم بأنهم ازدادوا دقة و شهرة على كثير ممن تقدمهم، و قد بلغ بالتسامع خلفا عن سلف من ثقتهم و جلالتهم و ضبطهم و عدالتهم ما جاوز حد الشياع و بهر الأسماع. «1»

و فيما يلي بعض أقوال العلماء فيه:

1- الشيخ الحر العاملي: «فاضل، عالم، ماهر، مدقق، فقيه، عارف بالتفسير و العربية و الرجال». «2»

2- الشيخ سليمان الماحوزي: «السيد أبو المكارم السيد هاشم بن السيد سليمان، محدث، متتبع، له التفسيران المشهوران». «3»

3- الشيخ يوسف البحراني: «السيد هاشم المعروف بالعلامة، كان فاضلا، محدثا جامعا، متتبعا للأخبار، بما لم يسبق إليه سابق سوى شيخنا المجلسي». «4»

4- الميرزا عبدالله أفندي الأصبهاني: «الفاضل، الجليل، المحدث، الفقيه، المعاصر، الصالح، الورع، العابد، الزاهد، المعروف بالسيد هاشم العلامة، من أهل البحرين، صاحب المؤلفات الغزيرة، و المصنفات الكثيرة، رأيت أكثرها بأصبهان عند ولده السيد محسن». «5»

و

في موضع آخر يقول: «و هو من المعاصرين، فقيه، محدث، مفسر، ورع، عابد، زاهد، صالح». «6»

5- الميرزا حسين النوري: «السيد الأجل، صاحب المؤلفات الشائعة الرائقة». «7»

6- الشيخ عباس القمي: «عالم، فاضل، مدقق، فقيه، عارف بالتفسير و العربية و الرجال، كان محدثا متتبعا للأخبار بما لم يسبق إليه سابق سوى العلامة المجلسي، و قد صنف كتبا كثيرة تشهد بشدة تتبعه و اطلاعه». «8»

و في موضع آخر يقول: «هو العالم الجليل، و المحدث الكامل النبيل، الماهر المتتبع في الأخبار، صاحب

__________________________________________________

(1) الإجازة الكبيرة: 19 و 36.

(2) أمل الآمل 2: 341.

(3) فهرست آل بابويه: 77. [.....]

(4) لؤلؤة البحرين: 63.

(5) رياض العلماء 5: 298.

(6) تعليقة أمل الآمل: 331/ 1049.

(7) مستدرك الوسائل 3: 389.

(8) الكنى و الألقاب 3: 107.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 56

المؤلفات الكثيرة». «1»

7- الميرزا محمد علي مدرس: «عالم، فاضل، مدقق، فقيه، عارف مفسر، رجالي، محدث، متتبع، إمامي، لم يسبق إليه سابق في كثرة التتبع سوى العلامة المجلسي، و كل واحد من مؤلفاته يشهد بكثرة تتبعه وسعة اطلاعه». «2»

8- الأستاذ عمر رضا كحالة: «مفسر، مشارك في بعض العلوم، من الإمامية». «3»

__________________________________________________

(1) سفينة البحار 2: 717، و انظر الفوائد الرضوية: 705.

(2) مترجما عن ريحانة الأدب 1: 233.

(3) معجم المؤلّفين 13: 132.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 57

ثانيا: التعريف بالكتاب ..... ص : 57

اشارة

هو تفسير روائي اعتمد فيه مصنفه على المأثور من رواية الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله) و أهل بيته الكرام (صلوات الله عليهم)، بطريقة تكشف عن سعة اطلاعه و كثرة تتبعه، و هذا الأسلوب سلكه المؤلف في مؤلفات عدة، منها: (الهادي و مصباح النادي) في التفسير، و (اللوامع النورانية)، و (المحجة فيما نزل في القائم الحجة) و (الهداية القرآنية).

ما الفرق بين هذا التفسير و تفسير الهادي؟ ..... ص : 57

تفسير (البرهان) أشمل و أكثر سعة من تفسير (الهادي و مصباح النادي) الذي أشار إليه في خطبة هذا الكتاب، و قد ضمن المصنف تفسير (البرهان) مصادر لم يتسن له الحصول عليها عند ما صنف (الهادي و مصباح النادي) و قد عبر المصنف عن ذلك بقوله: «و قد كنت أولا قد جمعت في كتاب (الهادي) كثيرا من تفسير أهل البيت (عليهم السلام) قبل عثوري على تفسير الشيخ الثقة محمد بن مسعود العياشي و تفسير الشيخ الثقة محمد بن العباس بن ماهيار المعروف بابن الجحام، ما ذكره عنه الشيخ الفاضل شرف الدين النجفي، و غيرهما من الكتب».

فتفسير (البرهان) يشمل تفسير (الهادي) مضافا إليه الكثير من المظان التي لم يعتمدها المصنف في تفسير (الهادي)، و يقول السيد البحراني في خطبة هذا التفسير مؤكدا ذلك: «و اعلم- أيها الراغب فيما جاء عن أهل البيت (عليهم السلام) من التفسير، و الطالب لما سنح منهم من الحق المنير- أني قد جمعت ما في تفسير (الهادي و مصباح النادي) الذي ألفته أولا إلى زيادات هذا الكتاب، ليعم النفع و يسهل أخذه على الطلاب .. فهو كتاب عليه المعول و إليه المرجع».

متى فرغ المصنف من التفسيرين؟ ..... ص : 57

صنف المؤلف أولا تفسير (الهادي) و بعد (18) عاما فرغ من تفسير (البرهان)، إذ إنه فرغ من تفسير (الهادي) سنة 1077 ه، و فرغ من تفسير (البرهان) في اليوم الثالث من شهر ذي الحجة الحرام سنة 1095 ه، كما ذكر في خاتمة البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 58

هذا التفسير.

قيمة هذا التفسير و فضله ..... ص : 58

ضمن المصنف تفسيره هذا الكثير من روايات أهل البيت (عليهم السلام) الواردة في تفسير آي القرآن الكريم، أو التي وردت فيها الآيات كشواهد تؤيد مضمون ما ذهب إليه الإمام في الرواية، كما أورد فيه الكثير من الروايات التي لا تشمل على نص قرآني بل إن مضمونها يدل على تفسير الآية أو أن الرواية تشكل مصداقا من مصاديق الآية، و كان أغلب ما نقله المصنف من طرق الإمامية، أما ما ضمنه من روايات من طريق الجمهور فقد اقتصر على إيراد ما كان موافقا لرواية أهل البيت (عليهم السلام) أو كان في فضلهم، و قد عبر عن ذلك في خطبة هذا التفسير بقوله: «و ربما ذكرت من طريق الجمهور إذا كان موافقا لرواية أهل البيت (عليهم السلام) أو كان في فضل أهل البيت (عليهم السلام)».

و من كل ما تقدم يتضح أن هذا التفسير الجليل يشكل مع تفسير (نور الثقلين) «1» موسوعة في الروايات و الأخبار الواردة عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) تعين الباحث و الدارس و المفسر على تهيئة الروايات بإسنادها و متنها دون الرجوع إلى المصادر و التي يصعب الحصول على أكثرها، و بهذا فقد وفرت على الباحث و المفسر و الطالب مزيدا من العناء في البحث و الاستقصاء و التحري.

و قد بين لنا مصنف هذا التفسير (رحمه الله) قيمة تفسيره و فضله في خطبة الكتاب

و خاتمته، إذ يقول في خطبة الكتاب: «و كتابي هذا يطلعك على كثير من أسرار علم القرآن، و يرشدك إلى ما جهله متعاطي التفسير من أهل الزمان، و يوضح لك عن ما ذكره من العلوم الشرعية و القصص و الأخبار النبوية و فضائل أهل البيت الإمامية، إذ صار كتابا شافيا، و دستورا وافيا، و مرجعا كافيا، حجة في الزمان، و عينا من الأعيان، إذ هو مأخوذ من تأويل أهل التنزيل و التأويل، الذين نزل الوحي في دارهم عن جبرئيل عن الجليل، أهل بيت الرحمة، و منبع العلم و الحكمة (صلى الله عليهم أجمعين)».

و في خاتمة هذا التفسير يقول: «فقد اشتمل الكتاب على كثير من الروايات عنهم (عليهم السلام) في تفسير كتاب الله العزيز، و انطوى على الجم من فضلهم و ما نزل فيهم (عليهم السلام)، و احتوى على كثير من علوم الأحكام و الآداب و قصص الأنبياء و غير ذلك مما لا يحتويه كتاب».

إذن، فكتاب (البرهان في تفسير القرآن) يجمع لنا أغلب الروايات الواردة في تفسير كتاب الله العزيز، غثها و سمينها، و ليس لنا التسليم بكل ما جاء فيها إلا بعد العرض على كتاب الله و هو ما أمر به أهل البيت (عليهم السلام)، و بعد التحقيق في إسنادها و طرقها، و تمحيصها و تنقيتها، و هو ما لم يقم به مصنف هذا الكتاب (رحمه الله).

__________________________________________________

(1) للشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي الشيرازي، المعاصر للسيّد البحراني، و المتوفّى نحو سنة 1112 ه، و المتوفّى نحو سنة 1112 ه، و قد فرغ منه نحو سنة 1066 ه، و هو يختلف عن (تفسير البرهان)، إذ البرهان يشتمل على اسناد الروايات و متنها كاملا، أمّا مصنّف

(نور الثقلين) فقد أسقط الإسناد و حذف كثيرا من متون بعض الروايات، كما أنّ البرهان يشتمل على ذكر الآيات القرآنية ثمّ يورد ما تسنّى من الروايات في تفسيرها و صاحب (نور الثقلين) ترك ذكر الآيات ممّا يصعب معرفة الأخبار المتعلّقة بكلّ آية. أنظر الذريعة 24: 365/ 1967.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 59

محتوى الكتاب ..... ص : 59

جعل المؤلف تفسيره على مقدمة تشتمل على خطبة المؤلف، ثم أفرد سبعة عشر بابا، و هي كما يلي:

1- باب في فضل العالم و المتعلم.

2- باب في فضل القرآن.

3- باب في الثقلين.

4- باب في أن ما من شي ء يحتاج إليه العباد إلا و هو في القرآن، و فيه تبيان كل شي ء.

5- باب في أن القرآن لم يجمعه كما أنزل إلا الأئمة (عليهم السلام)، و عنهم تأويله.

6- باب في النهي عن تفسير القرآن بالرأي، و النهي عن الجدال.

7- باب في أن القرآن له ظهر و بطن، و عام و خاص، و محكم و متشابه، و ناسخ و منسوخ، و النبي (صلى الله عليه و آله) و أهل بيته (عليهم السلام) يعلمون ذلك، و هم الراسخون في العلم.

8- باب في ما نزل عليه القرآن من الأقسام.

9- باب في أن القرآن نزل بإياك أعني و اسمعي يا جارة.

10- باب في ما عنى به الأئمة (عليهم السلام) في القرآن.

11- باب آخر. متمم للباب السابق و يشتمل على النهي عن تفسير القرآن دون علم.

12- باب في معنى الثقلين و الخليفتين من طريق المخالفين.

13- باب في العلة التي من أجلها أن القرآن باللسان العربي، و أن المعجزة في نظمه، و لم صار جديدا على مر الأزمان.

14- باب أن كل حديث لا يوافق القرآن فهو مردود.

15- باب في أول سورة

نزلت و آخر سورة.

16- باب في ذكر الكتب المأخوذ منها الكتاب.

17- باب في ما ذكره الشيخ علي بن إبراهيم في مطلع تفسيره.

و بعد هذه الأبواب شرع في المقصود، و هو تفسير سور القرآن الكريم بالمأثور من رواية أهل البيت (عليهم السلام) مبتدئا بسورة الفاتحة و منتهيا بسورة الناس، تاركا تفسير بعض الآيات الكريمة، مما لم يجد روايات في تفسيرها، و قد ألحقنا في نهاية كل سورة مستدركا بتفسير هذه الآيات وفقا لمنهج المؤلف، و سيأتي بيانه في عملنا في الكتاب.

و أفرد المؤلف بعض الأبواب في خاتمة تفسيره، و هي كما يلي:

1- باب في رد متشابه القرآن إلى تأويله.

2- باب في فضل القرآن.

3- باب في أن حديث أهل البيت صعب مستصعب. البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 60

4- باب في وجوب التسليم لأهل البيت في ما جاء عنهم (عليهم السلام).

و بعد هذه الأبواب أشار المؤلف إلى ما تضمنه تفسيره و إلى مدى قيمته و فضله و طريقه في الرواية عن المشايخ و تاريخ فراغه من الكتاب.

ملاحظات حول مصادر الكتاب ..... ص :60

توافرت لدينا خلال مراحل تحقيق هذا التفسير جملة ملاحظات حول المصادر التي اعتمدها المصنف في هذا التفسير، آثرنا الإشارة إليها هنا تجنبا لتكرار الإشارة في مواضعها من التفسير، و هي كما يلي:

1- قال المصنف في خاتمة التفسير: «و اعلم أني إذا ذكرت ابن بابويه فهو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، صاحب الفقيه» و قد وجدنا في هذا التفسير الكثير من النصوص التي نسبها المؤلف إلى ابن بابويه فلم نجدها في مصنفاته، و السبب راجع إلى أن مصنف هذا التفسير ينسب كتاب (كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) لابن بابويه، و يصطلح

عليه أحيانا اسم (النصوص) و الحال أن الكتاب للشيخ أبي القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز القمي، الذي يروي عن الشيخ الصدوق و عن أبي المفضل الشيباني و غيرهما، من ذلك: الحديث الثاني من الباب الثالث من أبواب المقدمة، و الحديث الرابع من نفس الباب، و لعل هذا الوهم قد نشأ من التقارب في الاسم حيث يعبر عن كليهما بالشيخ الصدوق، أو من التأثر ببعض المعاصرين.

قال الطهراني في (الذريعة) في ترجمة (كفاية الأثر): و قد نقل عنه المولى محمد باقر المجلسي في (البحار) فتوهم أنه للصدوق أو للمفيد فلا وجه له. «1»

و قد أبقينا هذه النسبة على حالها في الكتاب طالما ارتضاها المؤلف، و تعكس جزءا من ثقافته و رأيه و ذلك حفاظا على الأمانة العلمية، و اكتفينا بالتنبيه عليها هنا تحاشيا لما يحدث من الوهم في ذلك.

2- ينسب السيد البحراني كتاب (الكشكول فيما جرى لآل الرسول) إلى العلامة الحلي، المتوفى سنة 726 ه، و قد نقل عنه في عدة مواضع من الكتاب بعنوان (الكشكول للعلامة الحلي)، منها: الحديث الخامس من تفسير سورة الأنعام الآية 149- 150، و الحديث السادس من تفسير سورة الأنفال الآية 32- 33، و في كل المواضع التي نقل فيها عن (الكشكول) وجدناه في (الكشكول فيما جرى لآل الرسول) المشهور نسبته إلى السيد حيدر بن علي الحسيني الآملي.

قال الشيخ الطهراني في (الذريعة) في ترجمة هذا الكتاب: «المشهور نسبته إلى السيد حيدر بن علي العبيدي الحسيني الآملي، المعروف بالصوفي، لكن في (الرياض) استبعد كون مؤلفه الصوفي المذكور، لوجوه أربعة، مذكورة في ترجمة الصوفي، و الحق معه، بل المؤلف هو السيد حيدر بن علي الحسيني الآملي، المقدم على الصوفي بقليل كتبه في

سنة وقوع الفتنة العظيمة بين الشيعة و السنة و هي في سنة 735 ه، و عده في (مجالس

__________________________________________________

(1) الذريعة 18: 86/ 806.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 61

المؤمنين) من كتب السيد حيدر الصوفي المذكور، و لكن الشيخ المحدث الحر قال: إنه ينسب إلى العلامة الحلي، و الشيخ يوسف خطأه في الانتساب إليه، و جزم بكلام (المجالس)، و الله أعلم». «1»

و قد تركنا نسبة الكتاب في المتن وفقا لما اختاره المصنف، و ذكرنا موضع الخلاف هنا للتنبيه.

3- ينسب السيد البحراني كتاب (المتحيص) إلى الحسين بن سعيد، كما في الحديث الأول من تفسير الآية 86 من سورة يوسف، و الكتاب مختلف في نسبته بين اثنين: الشيخ محمد بن همام بن سهيل الكاتب المتوفى سنة 336 ه، و تلميذه الشيخ الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني صاحب (تحف العقول)، و استظهر الشيخ الطهراني أنه من تأليف ابن شعبة، و يروي فيه عن شيخه محمد بن همام، «2» و الله العالم. و أبقينا نسبة الكتاب كما ارتضاها المؤلف و اكتفينا بالإشارة إليها هنا.

4- ينسب السيد البحراني كتاب (مصباح الأنوار) للشيخ الطوسي، و هو للشيخ هاشم بن محمد، و نبه الشيخ الطهراني على أن منشأ هذا الاشتباه هو أنه كتب على ظهر النسخة أنه للشيخ الطوسي. «3» و قد أبقينا نسبة الكتاب على ما ذكرها المصنف، و اكتفينا بهذه الاشارة تفاديا لما يحدث من الوهم.

5- نقل المصنف في هذا التفسير عن (مسند فاطمة (عليها السلام) لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري في عدة مواضع، منها: الحديث التاسع من تفسير الآية 148 من سورة البقرة، و الحديث الثالث من تفسير الآية 155 و 156 من نفس السورة، و جميع

ما نقله عنه موجود في (دلائل الإمامة) لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري الإمامي، صاحب (نوادر المعجزات) و الذي كان معاصرا للشيخ الطوسي و النجاشي، مما يدل على اتحاد الكتابين، و قد كتب على أغلب نسخ (الدلائل) المخطوطة (مسند فاطمة (عليها السلام) لأن الكتاب يبدأ بعدة أحاديث تنتهي بالإسناد إلى فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) بعد أن سقط منه قسمه الأول المتضمن دلائل و معجزات النبوة و دلائل أمير المؤمنين (عليه السلام) و مقدمة المؤلف.

قال الشيخ الطهراني في (الذريعة) في ترجمة (مسند فاطمة (سلام الله عليها): استظهر سيدنا أبو محمد صدر الدين أنه كتاب (الدلائل) لابن جرير الامامي. «4»

فالظاهر أن الكتاب المعتمد من قبل المؤلف هو (دلائل الإمامة) و قد أوردنا تفصيل هذه المسألة في مقدمة (دلائل الإمامة) من تحقيق قسم الدراسات الإسلامية لمؤسسة البعثة.

6- في الباب السادس عشر من أبواب المقدمة في ذكر مصادر التفسير، عنون المصنف كتاب (نهج البيان عن كشف معاني القرآن) للشيخ محمد بن الحسن الشيباني من أعلام القرن السابع الهجري مرتين: الأولى بعنوان

__________________________________________________

(1) الذريعة 18: 82/ 777.

(2) الذريعة 4: 431/ 1913.

(3) الذريعة 21: 103/ 4136.

(4) الذريعة 21: 28/ 3790. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 62

(كشف البيان) «1» و الثانية (نهج البيان) و هما كتاب واحد، و قد أيد الشيخ الطهراني إطلاق التسميتين على هذا الكتاب أيضا. «2»

و عنون السيد هذا الكتاب في متن الكتاب بالعنوانين، و قد تركناهما على حالهما طالما أن التسميتين صحيحتان و معمول بهما.

7- كان من بين المصادر التي اعتمدها المصنف، و عدها في الباب السادس عشر من أبواب المقدمة، كتاب (بصائر الدرجات) لسعد بن عبدالله الأشعري القمي، و كل ما أورده عنه في متن الكتاب

استخرجناه من (مختصر البصائر) للشيخ حسن بن سليمان بن محمد الحلي، فالظاهر أن المصنف إنما اعتمد كتاب (مختصر البصائر) و ليس كتاب (بصائر الدرجات).

8- من المصادر التي ذكرها المؤلف في مصادر تفسيره (كتاب الشيخ رجب البرسي) و مراده (مشارق أنوار اليقين).

9- اعتمد المصنف مصادر عدة غير التي ذكرها في الباب السادس عشر من أبواب المقدمة، نقل عنها مباشرة أو بالواسطة.

__________________________________________________

(1) و في نسخة: كشف نهج البيان.

(2) الذريعة 18: 23، 24: 414/ 2178.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 63

ثالثا: التعريف بنسخ الكتاب ..... ص : 63

1- النسخة المودعة في مكتبة كلية الإلهيات- جامعة طهران، رقمها (2948)، كتبها محمد بن الحسن بن الحاج حافظ الأميري في 14 محرم الحرام 1114 ه و تبدأ من أواخر سورة يونس إلى آخر التفسير، الموجود لدينا منها يبدأ من أواخر سورة الاسراء إلى آخر الكتاب. و رمزنا لها بالحرف «ج».

2- النسخة المودعة في المكتبة الرضوية (آستانه قدس رضوي)- مشهد المقدسة، رقمها (14344) كتبها السيد عبدالله في سنة 1262 ه، تبدأ من أوائل المقدمة حيث سقط بعض أوراقها و تنتهي بآخر سورة الكهف، و هذه النسخة تطابق النسخة التالية (نسخة مكتبة سبهسالار) من حيث الكاتب و البداية و السقط و التصحيف و البياض و غيرها، و كأن النسخة التالية منقولة عن هذه النسخة، قابلنا منها المقدار المفقود من أواخر سورة الكهف من النسخة التالية. و رمزنا لها بالحرف «ق».

3- النسخة المودعة في مكتبة سبهسالار- طهران، رقمها (2057)، كتبها السيد عبدالله في سنة 1268 ه، تبدأ من أوائل المقدمة حيث سقط بعض أوراقها و تنتهي بالآية (18) من سورة الكهف، و هذه النسخة تطابق النسخة السابقة (نسخة المكتبة الرضوية) من حيث الكاتب و البداية و السقط و التصحيف و

البياض و غيرها، و كأنها منقولة عنها، قابلناها كلها، و أكملنا الأوراق المفقودة من آخرها و التي تبدأ من الآية (18) من سورة الكهف إلى آخر السورة من النسخة السابقة. و رمزنا لها بالحرف «س».

4- النسخة المطبوعة على الحجر في إيران سنة 1302 ه، تبدأ من أول سورة مريم إلى آخر الكتاب، قوبلت بتمامها، و رمزنا لها بالحرف «ي».

5- الطبعة الحروفية ذات الأجزاء الأربعة، طبع مؤسسة إسماعيليان- قم المقدسة، تبدأ من أول التفسير إلى آخره، و قد قوبلت بها جميع النسخ و المصادر و رمزنا لها بالحرف «ط».

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 64

رابعا: عملنا في الكتاب ..... ص : 64

كان تحقيق تفسير البرهان وفقا لمنهجية العمل الجماعي الذي ارتضاه قسم الدراسات الإسلامية من أول تأسيسه كأسلوب لتحقيق النصوص، و يمكن تلخيص مراحل العمل في تحقيق هذا الكتاب إلى ما يلي:

1- في خاتمة التفسير أشار المصنف إلى أنه كان يصلح و يصحح بعض مصادر تفسيره عند النقل عنها، و ذلك في قوله: «لأن بعض الكتب التي أخذت منها هذا الكتاب كتفسير علي بن إبراهيم و كان يحضرني فيه نسخ عديدة، و العياشي و كان يحضرني منه نسختان من أول القرآن إلى آخر سورة الكهف، فأصلحت و صححت بحسب الإمكان من ذلك، و الله سبحانه هو الموفق».

و هذا القول يعني أن بعض المصادر التي اعتمدها كانت سقيمة النسخ و كثيرة التصحيف و التحريف، و لهذا نرى أن المصنف أعطى رخصة في إصلاح الكتاب لمن تتوفر لديه مصادر أدق و أصح نسخة من المصادر التي اعتمدها، و ذلك في قوله: «و الالتماس من الإخوان الناظرين في هذا الكتاب إن صح عندهم ما هو أصح من الأصول التي أخذت منها هذا الكتاب، فليصلحوا ما

تبين فيه من الخلل».

و عند ما شرعنا بتحقيق هذا الكتاب لم نكتف بمقابلة الطبعة الحروفية له بالنسخ المخطوطة المشار إليها آنفا، بل قمنا بمقابلتها بالمصادر التي استخرجنا منها و المعتمدة من قبل المصنف أيضا، و أشرنا إلى الاختلافات في الهامش، أما ما رأيناه ضروريا لاستقامة النص و تخلو منه نسخ البرهان المتوفرة لدينا فقد أثبتناه من المصادر واضعين ذلك بين معقوفتين، أما ما ترجح من المصادر على نسخ البرهان المخطوطة فقد أثبتناه في المتن مع الإشارة إليه في مواضعه من التفسير.

2- مقابلة التفسير بالنسخ المخطوطة التي سبقت الإشارة إليها، و تسجيل اختلافاتها.

3- تخريج الأحاديث و النصوص المختلفة من المظان التي اعتمدها المصنف، و مقابلتها بالمصادر و تثبيت اختلافاتها.

و قد اعتمد المصنف مصادر كثيرة نقل عن بعضها بالواسطة، فكان واسطته إلى طرق الجمهور كتاب (الطرائف) لابن طاوس، و قد خرجناها منه و من المصادر الأصل التي نقل عنها صاحب (الطرائف)، أما الواسطة البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 65

الأخرى إلى طرق الجمهور فهو كتاب «تحفة الأبرار» للحسين بن مساعد الحسيني، و نسخته الموجودة لدينا ناقصة، لهذا خرجنا بعض نقول المصنف من هذا الكتاب من مصادره الأصل، و البعض الآخر بالواسطة، و بقي بعضها مجهولا.

و في فضائل السور اعتمد المصنف كتاب (خواص القرآن) و الظاهر أن النسخة التي اعتمدها تحظى بزيادات عن النسخ المتوفرة لدينا من هذا الكتاب، لهذا بقي بعض ما نقله عنه مجهولا. و اعتمد المصنف أيضا كتاب مصباح الأنوار، و الموجود لدينا منه ثلاث مصورات لمخطوطات مختلفة للجزء الأول منه فقط، و اعتمد كتاب الشيخ عمر بن إبراهيم الأوسي و ليس لدينا منه نسخة.

4- تصحيح الأسانيد و أسماء الرواة و الأعلام باعتماد المصادر المعتبرة

في هذا الباب، و هو عمل شاق تكتنفه الكثير من الصعوبات، و ذلك لأن المصنف اعتمد بعض المصادر التي لم تصلها يد التحقيق بعد، و مما تجدر الإشارة إليه هو أننا لم نعتمد في تصحيح أسانيد (بصائر الدرجات) لمحمد بن الحسن الصفار الكتاب المطبوع لكثرة التصحيف و التحريف و الخلط في أسانيده، بل اعتمدنا النسخة المودعة في مكتبة السيد المرعشي (رحمه الله)، برقم (1253)، و المكتوبة في سنة 1259 ه، و هي أدق و أصح من المطبوع.

5- ضبط أسماء الرواة و الأعلام و البلدان بالحركات، و وضع حركات الإعراب و الصرف الضرورية في مواضع الحاجة، و قد اعتمدنا في الضبط (إيضاح الاشتباه) للعلامة و (تنقيح المقال) للمامقاني و (المغني) لمحمد طاهر الهندي و (تصحيفات المحدثين) لأبي هلال العسكري و (الأنساب) للسمعاني و (معجم البلدان) لياقوت الحموي و (الاشتقاق) لابن دريد و غيرها.

6- الإشارة إلى مواضع إحالات المؤلف (تقدم، و يأتي) التي اعتمدها المصنف كثيرا في تفسيره.

7- ما ذكر في الطبعة الحروفية من الإشارة إلى نوع السورة (مكيها و مدنيها) و ترتيب نزولها و عدد آياتها، و الذي وضعه مصحح الكتاب بين قوسين، حذفناه لعدم توفره في نسخ الكتاب المخطوطة كافة.

8- وضعنا ما أثبتناه من مصادر المؤلف لاقتضاء السياق بين معقوفتين إشارة إلى عدم وجوده في نسخ التفسير.

9- إعداد مستدرك يضم الآيات التي تركها المصنف باعتماد (معجم الآثار القرآنية) الذي أعده قسم الدراسات الإسلامية، «1» و (دليل الآيات القرآنية في بحار الأنوار) و تفسير (نور الثقلين) للشيخ عبد علي الحويزي و غيرها. و قد ألحقنا مستدرك كل سورة في نهايتها، ليكون أيسر تناولا للباحث.

10- ضبط النص و تقويمه لتخليصه من التصحيف و التحريف و تثبيت أقرب

نص أراده المصنف عن طريق التلفيق بين النسخ، مع شرح المفردات التي يصعب فهمها من معاجم اللغة المعتبرة.

__________________________________________________

(1) يشتمل هذا المعجم على جمع الروايات الواردة من طريق الرسول الأكرم و أهل بيته (عليهم السّلام) و أصحابهم المتّقين، و تضمّن أكثر من (150) مصدرا و لا يزال العمل مستمرّا به، و سيصدر ضمن إصدارات قسم الدراسات الإسلامية لمؤسسه البعثة.

البرهان في تفسير القرآن، مقدمة، ص: 66

11- صياغة هوامش الكتاب بالاعتماد على سلسلة المراحل السابقة.

12- الملاحظة النهائية، و تتضمن مراجعة متن الكتاب مع هامشه بدقة، للتأكد من سلامة النص و ضبطه.

ثناء ..... ص : 66

نتقدم بوافر الشكر و الامتنان للإخوة العاملين في قسم الدراسات الإسلامية لمؤسسة البعثة، خدمة تراث أهل البيت العصمة (سلام الله عليهم)، و الذين كرسوا وقتهم من أجل إحياء هذا التراث، فكان تحقيق هذا التفسير من ثمرات جهودهم المخلصة، و نخص بالذكر منهم: علي الكعبي، شاكر شبع، صائب عبد الحميد، السيد عباس بني هاشمي، السيد إسماعيل الموسوي، السيد عبد الحميد الرضوي، الشيخ أحمد الأهري، الشيخ كريم الزريقي، عصام البدري، كريم راضي الواسطي، عبدالله الخزاعي، عبد الكريم الحلفي، عبد الكريم البصري، زهير جواد، حسين أبو العلا. وفقهم الله و رعاهم و سدد خطاهم.

و آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.

قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة- قم

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 1

البرهان في تفسير القرآن تأليف العلامة المحدث المفسر السيد هاشم الحسيني البحراني المتوفى سنة 1107 ه الجزء الاول تحقيق قسم الدراسات الاسلامية مؤسسة البعثة قم البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 3

[مقدمة المؤلف ] ..... ص : 3

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، الذي له ملك السماوات و الأرض، و لم يتخذ ولدا، و لم يكن له شريك في الملك، و خلق كل شي ء فقدره تقديرا.

القائل: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً وَ داعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً، «1» الذاكر: وَ لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً. «2»

و الصلاة و السلام على محمد رسوله المصطفى، و حبيبه المجتبى، و على ابن عمه و وصيه علي بن أبي طالب المرتضى، الذي جعله ظهيرا و وزيرا، و آله المعصومين الأئمة الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، الذين من والاهم نجا، و من

عاداهم سيصلى سعيرا.

أما بعد، فغير خفي على أهل الإسلام و الإيمان شرف القرآن و علو شأنه، و غزارة علمه، و وضوح برهانه، و أنه الغاية القصوى، و العروة الوثقى، و المستمسك الأقوى، و المطلب الأعلى، و المنهاج الأسنى، الذي من استمسك به نجا، و من تخلف عنه غوى، الذي بدرسه و تلاوته و التفكر في معانيه حياة للقلوب، و بالعلم به و العمل بما فيه التخلص من الكروب.

غير أن أسرار تأويله لا تهتدي إليه العقول، و أنوار حقائق خفياته لا تصل إليه قريحة المفضول، و لهذا اختلف في تأويله الناس، و صاروا في تفسيره على أنفاس و انعكاس، قد فسروه على مقتضى أديانهم، و سلكوا به على موجب مذاهبهم و اعتقادهم، و كل حزب بما لديهم فرحون، و لم يرجعوا فيه إلى أهل الذكر (صلى الله عليهم أجمعين)، أهل التنزيل و التأويل، القائل فيهم جل جلاله: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ «3» لا غيرهم.

و هم الذين أوتوا العلم، و أولوا الأمر، و أهل الاستنباط، و أهل الذكر الذين أمر الناس بسؤالهم كما جاءت به الآثار النبوية و الأخبار الإمامية، و من ذا الذي يحوي القرآن غيرهم؟ و يحيط بتنزيله و تأويله سواهم؟

1/ [1]- ففي الحديث عن مولانا باقر العلم أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، قال: «ما يستطيع أحد أن

__________________________________________________

1- بصائر الدرجات: 213/ 1.

(1) الأحزاب 33: 45، 46.

(2) الفرقان 25: 33.

(3) آل عمران 3: 7.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 4

يدعي أنه جمع القرآن كله ظاهره و باطنه غير الأوصياء».

2/ [2]- و في حديث آخر عن جابر، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «ما من أحد من الناس

ادعى «1» أنه جمع القرآن كله كما أنزل الله إلا كذب، و ما جمعه و حفظه كما أنزل الله إلا علي بن أبي طالب، و الأئمة من بعده».

3/ [3]- و في الحديث عن مولى الأمة و إمامها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن عبدالله بن عباس جاءه (عليه السلام) يسأله عن تفسير القرآن، فوعده بالليل، فلما حضر قال: «ما أول القرآن؟». قال: الفاتحة.

قال: «و ما أول الفاتحة؟» قال: بسم الله.

قال: «و ما أول بسم الله؟». قال: بسم.

قال: «و ما أول بسم؟». قال: الباء، فجعل (عليه السلام) يتكلم في الباء طول الليل، فلما قرب الفجر قال: «لو زادنا الليل لزدنا».

4/ [4]- و قال (عليه السلام) في حديث آخر: «لو شئت لأوقرت «2» سبعين بعيرا في تفسير فاتحة الكتاب».

5/ [5]- و قال الباقر (عليه السلام) في تفسير سورة الإخلاص: «لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عز و جل حملة لنشرت التوحيد، و الإسلام، و الإيمان، و الدين، و الشرائع من الصمد، و كيف لي بذلك و لم يجد جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) حملة لعلمه؟! حتى كان يتنفس الصعداء و يقول على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني، فإن بين الجوانح مني لعلما جما، لا يحصى و لا يحد، ألا و إني عليكم من الله الحجة البالغة ف لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ». «3»

6/ [6]- و قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لرجل: «إياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء، فإنه رب تنزيل يشبه كلام البشر و هو كلام الله، و تأويله لا يشبه كلام البشر، كما ليس شي ء من خلقه يشبهه، كذلك

لا يشبه فعله تبارك و تعالى شيئا من أفعال البشر، و لا يشبه شي ء من كلامه كلام البشر، و كلام الله تبارك و تعالى صفته، و كلام البشر أفعالهم، فلا تشبه كلام الله بكلام البشر، فتهلك و تضل».

7/ [7]- و قال أبو عبدالله (عليه السلام): «إن الله علم نبيه (صلى الله عليه و آله) التنزيل و التأويل، فعلمه رسول الله (صلى الله عليه و آله) عليا (عليه السلام)».

__________________________________________________

2- بصائر الدرجات 213/ 2، مناقب الخوارزمي: 48.

3- الصراط المستقيم 1: 219.

4- مناقب ابن شهر آشوب 2: 43، ينابيع المودّة: 65.

5- التّوحيد: 92/ 6.

6- التّوحيد: 264/ 5.

7- تفسير العيّاشي 1: 17/ 13.

(1) في بصائر الدرجات: يقول. [.....]

(2) الوقر- بالكسر-: الحمل. «الصحاح- وقر- 2: 848».

(3) الممتحنة: 264/ 5.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 5

8/ [8]- و قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام)- في حديث له مع قتادة، و قد أخطأ قتادة في تفسير آية- فقال (عليه السلام):

«يا قتادة، إنما يعرف القرآن من خوطب به».

9/ [9]- و قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) في حديث آخر: «ليس شي ء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إن الآية ينزل أولها في شي ء، و أوسطها في شي ء، و آخرها في شي ء»، ثم قال: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «1» من ميلاد الجاهلية».

10/ [10]- و عن عبدالرحمن بن الحجاج، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «ما أبعد عقول الرجال من تفسير القرآن».

11/ [11]- و عن جابر قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «يا جابر، إن للقرآن بطنا، و للبطن ظهرا».

ثم قال: «يا جابر، و ليس شي ء أبعد من عقول الرجال منه، إن الآية لينزل أولها في

شي ء، و أوسطها في شي ء، و آخرها في شي ء، و هو كلام متصل يتصرف على وجوه».

12/ [12]- و قال أبو عبدالله الصادق (عليه السلام): «من فسر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر».

13/ [13]- و عن مرازم، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «إن الله تبارك و تعالى أنزل القرآن تبيانا لكل شي ء، حتى و الله، ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد- لا يستطيع عبد أن يقول: لو كان هذا أنزل في القرآن- إلا و قد أنزل الله فيه».

14/ [14]- و عن عمر بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «إن الله تبارك و تعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة «2» إلا أنزله في كتابه، و بينه لرسوله (صلى الله عليه و آله)، و جعل لكل شي ء حدا، و جعل دليلا يدل عليه، و جعل على من تعدى ذلك الحد حدا».

15/ [15]- و عن معلى بن خنيس، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا و له أصل في كتاب الله عز و جل، و لكن لا تبلغه عقول الرجال».

فأقول: إذا عرفت ذلك فقد رأيت عكوف أهل الزمان على تفسير من لم يرووه عن أهل العصمة (سلام الله عليهم)،

__________________________________________________

8- الكافي 8: 312/ 485.

9- تفسير العيّاشي 1: 17/ 1.

10- تفسير العيّاشي 1: 17/ 5.

11- تفسير العيّاشي 1: 11/ 2، المحاسن: 300/ 5.

12- تفسير العيّاشي 1: 18/ 6.

13- المحاسن: 267/ 352.

14- تفسير العيّاشي 1: 6/ 13، الكافي 1: 48/ 2.

15- المحاسن 267/ 355.

(1) الأحزاب 33: 33.

(2) في العيّاشي زيادة: إلى يوم القيامة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 6

الذين نزل التنزيل و التأويل في بيوتهم، و أوتوا من

العلم ما لم يؤته غيرهم، بل كان يجب التوقف حتى يأتي تأويله عنهم، لأن علم التنزيل و التأويل في أيديهم، فما جاء عنهم (عليهم السلام) فهو النور و الهدى، و ما جاء عن غيرهم فهو الظلمة و العمى.

و العجب كل العجب من علماء علمي المعاني و البيان، حيث زعموا أن معرفة هذين العلمين تطلع على مكنون سر الله جل جلاله من تأويل القرآن قال بعض أئمتهم: ويل ثم ويل لمن تعاطى التفسير و هو في هذين العلمين راجل.

و ذلك أنهم ذكروا أن العلمين مأخوذان من استقراء تراكيب كلام العرب البلغاء، باحثان عن مقتضيات الأحوال و المقام كالحذف، و الإضمار، و الفصل، و الوصل، و الحقيقة، و المجاز، و غير ذلك.

و لا ريب أن محل ذلك من كتاب الله جل جلاله تحتاج معرفة إلى العلم به من أهل التنزيل و التأويل،- و هم أهل البيت (عليهم السلام)- الذين علمهم الله سبحانه و تعالى، فلا ينبغي معرفة ذلك إلا منهم، و من تعاطى معرفته من غيرهم ركب متن عمياء، و خبط خبط عشواء، فما ذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون؟

و قد كنت أولا قد جمعت في كتاب (الهادي) «1» كثيرا من تفسير أهل البيت (عليهم السلام) قبل عثوري على تفسير الشيخ الثقة محمد بن مسعود العياشي، و تفسير الشيخ الثقة محمد بن العباس بن ماهيار المعروف ب (ابن الحجام) ما ذكره عنه الشيخ الفاضل شرف الدين النجفي، و غيرهما من الكتب الآتي ذكرها في الباب السادس عشر في ذكر الكتب المأخوذ منها الكتاب، و ذكر مصنفيها من مقدمة الكتاب، و هذه الكتب من الكتب المعتمد عليها و المعول و المرجع إليها، مصنفوها مشايخ معتبرون و علماء

منتجبون.

و ربما ذكرت في كتاب التفسير عن ابن عباس- على قلة- إذ هو تلميذ مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، و ربما ذكرت التفسير من طريق الجمهور إذا كان موافقا لرواية أهل البيت (عليهم السلام)، أو كان في فضل أهل البيت (عليهم السلام)،

كما رواه ابن المغازلي الشافعي، عن ابن عباس، عن النبي (صلى الله عليه و آله) قال، قال: «القرآن أربعة أرباع: فربع فينا أهل البيت خاصة، و ربع حلال، و ربع حرام، «2» و ربع فرائض و أحكام، و الله أنزل فينا «3» كرائم القرآن». «4»

و العجب من مصنفي تفسير الجمهور، مع روايتهم هذه الرواية، أنهم لم يذكروا إلا القليل في تفاسيرهم من فضل أهل البيت (عليهم السلام) و لا سيما متأخرو مفسريهم كصاحب الكشاف و البيضاوي.

ثم إن لم أعثر في تفسير الآية من صريح رواية مسندة عن أهل البيت (عليهم السلام)، ذكرت ما ذكره الشيخ أبو

__________________________________________________

(1) «الهادي و مصباح النادي» تفسير للقرآن في مجلّدات للمؤلف، مأخوذ من روايات أهل البيت «عليهم السّلام».

أنظر الذريعة: 25: 154. و مقدمة التحقيق لهذا الكتاب.

(2) في المصدر: و ربع في أعدائنا، و ربع حلال و حرام. [.....]

(3) في المصدر: في عليّ.

(4) مناقب ابن المغازلي: 328/ 375.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 7

الحسن علي بن إبراهيم الثقة في تفسيره، إذ هو منسوب إلى مولانا و إمامنا الصادق (عليه السلام).

و كتابي هذا يطلعك على كثير من أسرار علم القرآن، و يرشدك إلى ما جهله متعاطوا التفسير من أهل الزمان، و يوضح لك عن ما ذكره من العلوم الشرعية، و القصص و الأخبار النبوية، و فضائل أهل البيت الإمامية، إذ صار كتابا شافيا، و دستورا وافيا، و مرجعا كافيا، حجة في الزمان

و عينا من الأعيان، إذ هو مأخوذ من تأويل أهل التنزيل و التأويل، الذين نزل الوحي في دارهم عن جبرئيل عن الجليل، أهل بيت الرحمة، و منبع العلم و الحكمة (صلى الله عليهم أجمعين).

و خدمت به حضرة ذي السعادة الأبدية، و الرفعة السرمدية، و الدولة الخلودية، و المملكة السليمانية، و الروح القدسية، و النفس الزكية، و الطلعة البهية، و الكرامة السنية، الذي شد الله جل جلاله به عضد الدين، و أيد به الحق المستبين، فهو منار الإيمان و آية الإسلام، في الزمان حاكم الحكام، و مغبط أهل الإيمان و الإسلام.

الذي بعزته صار الحق منيرا، و كان له وليا و نصيرا، و بهمته زهق الباطل فصار حصيرا حسيرا، الذي بطلعته الدين المحمدي رفيع المنار، و دين أهل الكفر و الضلال في الذل و الصغار، فهو المخدوم الأعظم، دستور أعاظم الحكام في العالم، مالك زمام أحكام العرب و العجم، رافع مراتب العلم إلى الغاية القصوى، مظهر كلمات الله العليا، ذو العقل الثاقب، و الفكر الصائب.

رأي له كالبدر يشرق في الضحى و يريك أحوال الخلائق في غد

رشيد الإسلام و مرشد المسلمين، و غياث الحق و الملة و الدين، ظل الله على الخلق أجمعين، لو شبهته بالشمس المنيرة ما كذبت، أو مثلته بالسحب المطيرة ما أحنثت. «1»

له همم لا منتهى لكبارها و همته الصغرى أجل من الدهر

له راحة لو أن معشار عشرها «2» على البر، كان «3» أندى من البحر «4»

أعني المتفرع من الدوحة المحمدية، و السلالة العلوية، و الجرثومة»

الموسوية، و النجابة المهدوية، السلطان بن السلطان بن السلطان، و الخاقان «6» بن الخاقان بن الخاقان، الحسيني الموسوي، شاه سليمان بهادر خان، «7» ربط الله جل جلاله دولته بأطناب الخلود

و الدوام، و أجرى آثار معاليه على صفحات الأيام.

__________________________________________________

(1) الحنث: الإثم و الذنّب. «الصحاح- حنث- 1: 28».

(2) في المصدر: جودها.

(3) في المصدر: صار.

(4) مناقب ابن شهر آشوب 2: 118. ذكره في مدح أمير المؤمنين (عليه السّلام).

(5) الجرثومة: الأصل، و جرثومة كلّ شي ء، أصله و مجتمعه. «لسان العرب- جرم- 12: 95».

(6) الخاقان: اسم لكلّ ملك من الملوك الترك. «لسان العرب- خقن- 13: 142».

(7) و هو سليمان الصفوي: صفي ميرزا بن الشاه عبّاس الثاني، تولّى العرش سنة (1078 ه) و توفّي سنة (1106 ه). تاريخ كامل إيران (فارسي):

428.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 8

و ما برح كعبة الحكام و الوفاد، و ما فتئ نورا تستضي ء به البلاد و العباد، و شهابا يقمع به أهل الضلال و الجحاد، و يحسم به مادة الغي و الفساد، و ظهيرا لأهل الحق و السداد، و ما انفك يحيي به ما اندرس من آثار آبائه المعصومين، و ما انطمس من علوم و أعلام أجداده المصطفين، و لا زال ركن الدين بألطاف اعتنائه ركينا، و متن العلم بعواطف إشفاقه متينا، و يرحم الله عبدا قال آمينا.

و اعلم- أيها الراغب في ما جاء عن أهل البيت (عليهم السلام) من التفسير، و الطالب لما سنح منهم من الحق المنير- أني قد جمعت ما في تفسير (الهادي و مصباح النادي) الذي ألفته أولا إلى زيادات هذا الكتاب، ليعم النفع و يسهل أخذه على الطلاب، و إن في ذلك لعبرة لأولي الألباب، و شفاء للمؤمنين و نورا لمن استضاء به من خلص الأصحاب، فهو كتاب عليه المعول و إليه المرجع لا تفاسير الجمهور، فهذا التفسير الظل و تفاسيرهم الحرور.

فيقول مؤلفه فقيرا إلى الله الغني عبده هاشم بن

سليمان بن إسماعيل الحسيني البحراني: إني جعلت قبل المقصود مقدمة فيها أبواب، تشتمل على فوائد في الكتاب، و سميته ب (البرهان في تفسير القرآن) و هو قد اشتمل على كثير من فضل أهل البيت (عليهم السلام) الذين نزل القرآن في منازلهم، فمرجع تنزيله و تأويله إليهم، و الله سبحانه نسأل أن يجعل محيانا محياهم، و مماتنا مماتهم، و هو حسبنا و نعم الوكيل. البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 9

1- باب في فضل العالم و المتعلم ..... ص : 9

16/ [1]- الشيخ أبو جعفر الطوسي في (أماليه)، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا أبو عبدالله جعفر بن محمد بن جعفر بن حسن الحسيني (رحمه الله) في رجب سنة سبع و ثلاثمائة، قال: حدثني محمد بن علي ابن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: حدثني الرضا علي بن موسى (عليهما السلام)، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين (عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: «سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: طلب العلم فريضة على كل مسلم، فاطلبوا العلم من مظانه، و اقتبسوه من أهله، فإن تعلمه لله حسنة «1»، و طلبه عبادة، و المذاكرة به تسبيح، و العمل به جهاد، و تعليمه لمن لا يعلمه صدقة، و بذله لأهله قربة إلى الله تعالى، لأنه معالم الحلال و الحرام، و منار سبل الجنة، و المؤنس في الوحشة، و الصاحب في الغربة و الوحدة، و المحدث في الخلوة، و الدليل على السراء و الضراء، و السلاح على الأعداء، و الزين «2»

عند الأخلاء.

يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة، تقتبس آثارهم، و يهتدى بأفعالهم، و ينتهى إلى آرائهم، ترغب الملائكة في خلتهم، و بأجنحتها تمسحهم، و في صلواتها تبارك عليهم، و يستغفر لهم كل رطب و يابس حتى حيتان البحر و هوامه، و سباع البر و أنعامه.

إن العلم حياة القلوب من الجهل، و ضياء الأبصار من الظلمة، و قوة الأبدان من الضعف، يبلغ بالعبد منازل الأخيار، و مجالس الأبرار، و الدرجات العلا في الدنيا و الآخرة، الذكر فيه يعدل بالصيام، و مدارسته بالقيام، به يطاع الرب و يعبد، و به توصل الأرحام، و يعرف الحلال من الحرام.

العلم إمام العمل، و العمل تابعه، يلهمه «3» السعداء، و يحرمه الأشقياء، فطوبى لمن لم يحرمه الله من حظه».

و رواه الشيخ أيضا في كتاب (المجالس)، بالسند و المتن إلى قوله: «و يجعلهم في الخير قادة»، و في المتن

__________________________________________________

1- الأمالي 2: 201.

(1) في «س»: سنّة.

(2) الزّين: خلاف الشين. «لسان العرب- زين- 13: 201».

(3) في المصدر: يلهم به.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 10

بعض التغيير. «1»

و عنه، بإسناده، عن محمد بن علي بن شاذان الأزدي بالكوفة، قال: حدثني أبو أنس كثير بن محمد الحرامي، قال: حدثنا حسن بن حسين العرني، قال: حدثنا يحيى بن يعلى، عن أسباط بن نصر، عن شيخ من أهل البصرة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «تعلموا العلم فإن تعليمه حسنة» و ذكر نحو حديث الرضا (عليه السلام). «2»

17/ [2]- و عنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا الفضل بن محمد بن المسيب أبو محمد الشعراني البيهقي بجرجان، قال: حدثنا هارون بن عمر بن عبد العزيز بن محمد

أبو موسى المجاشعي، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن محمد (عليهم السلام)، قال: حدثنا أبي أبو عبدالله (عليه السلام).

قالا المجاشعي: و حدثنا الرضا علي بن موسى (عليه السلام)، عن أبيه موسى، عن أبيه أبي عبدالله جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): العالم بين الجهال كالحي بين الأموات، و إن طالب العلم ليستغفر «3» له كل شي ء حتى حيتان البحر و هوامه، و سباع البر و أنعامه، فاطلبوا العلم فإنه السبب بينكم و بين الله عز و جل، و إن طلب العلم فريضة على كل مسلم».

18/ [3]- و عنه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إذا كان يوم القيامة وزن مداد العلماء بدماء الشهداء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء».

19/ [4]- و عنه، بإسناده، عن أبي قلابة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «من خرج من بيته يطلب علما شيعه سبعون ألف ملك يستغفرون له».

20/ [5]- و عنه، بإسناده عن أبي ذر- في حديث طويل- قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «يا أبا ذر، فضل العلم خير من فضل العبادة، و اعلم أنكم لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا، و صمتم حتى تكونوا كالأوتار، ما نفعكم ذلك إلا بورع».

21/ [6]- و روي أنه ذكر عند رسول الله (صلى الله عليه و آله) رجلان: كان أحدهما يصلي المكتوبة و يجلس يعلم الناس، و كان الآخر يصوم النهار و يقوم الليل، فقال (صلى الله عليه و آله): «فضل الأول على الثاني كفضلي على أدناكم».

__________________________________________________

2- الأمالي 2: 135. [.....]

3- الأمالي 2: 134.

4- الأمالي 1: 185.

5- أخرجه في البحار 77:

87، عن الأمالي و الحديث في الأمالي 2: 138- 155، إلّا أنّ هذه القطعة لم ترد في الأمالي، و ورد هذا الحديث في مجموعة ورّام 2: 381.

6- سنن الترمذي 5: 50/ 2685 «نحوه».

(1) الأمالي 2: 181.

(2) الأمالي 2: 103.

(3) في المصدر: يستغفر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 11

22/ [7]- الزمخشري في (ربيع الأبرار): عن رسول الله (صلى الله عليه و آله): «فضل العالم على العباد كفضلي على أدناكم رجلا».

23/ [8]- و أيضا عن رسول الله (صلى الله عليه و آله): «بين العالم و العابد مائة درجة، بين كل درجتين «1» حضر الفرس «2» المضمر سبعين عاما».

24/ [9]- و أيضا عن أنس، عن النبي (صلى الله عليه و آله): «أخلصوا «3» أعمالكم و أعزوا الإسلام».

قالوا: يا رسول الله، و كيف نعز الإسلام؟

قال: «بالحضور عند العلماء لتعلم العلم بالرد على أهل الأهواء، فإن من رد عليهم و أراد به وجه الله «4»، فله عبادة الثقلين: الجن و الإنس، و من رد عليهم و أراد به وجه الله، فله عبادة أهل مكة منذ خلقت».

فقيل: يا رسول الله، فالمرائي يؤجر بعلمه؟

قال: «إن الله قضى على نفسه أن من أعز الإسلام و أراد به وجه الله، فله عبادة أهل مكة منذ خلقت «5»، و لو لم يرد فقد حرم النار على وجهه».

25/ [10]- الشيخ أبو عبدالله محمد بن محمد بن النعمان المفيد في كتاب (الاختصاص): عن محمد بن الحسن بن أحمد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «إن العلماء ورثة الأنبياء، و ذلك أن الأنبياء «6» لم يورثوا درهما و لا دينارا، و إنما ورثوا أحاديث من أحاديثهم،

فمن أخذ بشي ء منها فقد أخذ حظا وافرا.

فانظروا علمكم عمن تأخذونه، فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين، و انتحال المبطلين، و تأويل الجاهلين».

26/ [11]- و عنه أيضا يرفعه إلى أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم أجمعين)، قال: «و الله ما برأ الله من برية أفضل من محمد (صلى الله عليه و آله) و مني و من أهل بيتي،

__________________________________________________

7- ربيع الأبرار 3: 196.

8- ربيع الأبرار 3: 196.

9- ربيع الأبرار 3: 225.

10- الاختصاص: 234.

11- الاختصاص: 234.

(1) في «س» و «ط»: درجة.

(2) الحضر بالضمّ: العدو من قولهم أحضر الفرس، إذا عدا. «مجمع البحرين- حضر- 3: 273». [.....]

(3) في المصدر زيادة: اللّه.

(4) (فله عبادة الثقلين ... اللّه) ليس في المصدر.

(5) (فله عبادة ... خلفت) ليس في المصدر.

(6) في المصدر: العلماء.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 12

و إن الملائكة لتضع أجنحتها لطلبة العلم من شيعتنا».

27/ [12]- و عن مولانا الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)- في حديث سجود الملائكة لآدم (عليه السلام)- قال: «لم يكن سجودهم لآدم (عليه السلام) إنما كان آدم (عليه السلام) قبلة لهم يسجدون نحوه الله عز و جل، و كان بذلك معظما مبجلا، و لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد من دون الله، و يخضع له كخضوعه لله، و يعظمه بالسجود «1» له كتعظيمه لله.

و لو أمرت أحدا أن يسجد هكذا لغير الله لأمرت ضعفاء شيعتنا و سائر المكلفين من شيعتنا أن يسجدوا لمن توسط في علوم «2» وصي رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و محض وداد

«3» خير خلق الله علي (عليه السلام) بعد محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و احتمل المكاره و البلايا في التصريح بإظهار حقوق الله، و لم ينكر علي (عليه السلام) حقا أرقبه «4» عليه قد كان جهله أو أغفله».

28/ [13]- محمد بن علي بن بابويه في (أماليه)، قال: حدثنا علي بن محمد بن أبي «5» القاسم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمر العدني بمكة، عن أبي العباس، عن «6» حمزة، عن أحمد بن سوار، عن عبدالله «7» بن عاصم، عن سلمة بن وردان، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «المؤمن إذا مات و ترك ورقة واحدة و عليها علم، تكون تلك الورقة يوم القيامة سترا فيما بينه و بين النار، و أعطاه الله تبارك و تعالى بكل حرف مكتوب فيها مدينة أوسع من الدنيا سبع مرات.

و ما من مؤمن يقعد ساعة عند العالم إلا ناداه ربه عز و جل: جلست إلى حبيبي- و عزتي و جلالي- لأسكنتك الجنة معه و لا أبالي».

29/ [14]- الشيخ في (مجالسه)، قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل، قال: حدثنا علي بن جعفر بن مسافر

__________________________________________________

12- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 385.

13- أمالي الصدوق: 40/ 3.

14- الأمالي 2: 231.

(1) في «س» و «ط»: و يعظم السجود.

(2) في المصدر زيادة: عليّ.

(3) محضته المودّة: أخلصتها له. «مجمع البحرين- محض- 4: 229».

(4) رقبت الشي ء أرقبه، إذا رصدته. «الصحاح- رقب- 1: 137».

(5) في «س»: عن، و الصحيح انّه عليّ بن محمّد بن أبي القاسم، المعروف أبوه بما جيلويه. راجع جامع الرواة 1: 552، 569، 2: 56، معجم رجال الحديث 11: 241 و 14: 296.

(6)

في المصدر: بن، و لكن لم نجد له ذكرا في المصدر المتوفّرة لدينا.

(7) في «س» و «ط»: عبيد اللّه، و الصواب ما أثبتناه من المصدر. راجع تقريب التّهذيب 1: 424/ 395، الجرح و التعديل 5: 134/ 622. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 13

الهزلي بتنيس، «1» [قال: حدثنا أبي ]، قال: حدثنا محمد بن يعلى، «2» عن أبي نعيم عمر بن صبح «3» الهروي، عن مقاتل بن حيان، عن الضحاك بن مزاحم، عن النزال بن سبرة «4»، عن علي (عليه السلام)، و عبدالله بن مسعود، عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قال: «من خرج يطلب بابا من علم ليرد به باطلا إلى حق أو ضلالة إلى هدى، كان عمله ذلك كعبادة متعبد أربعين عاما».

30/ [15]- و عنه، قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل، قال: حدثنا جعفر بن محمد- أبو القاسم الموسوي- في منزله بمكة، قال: حدثني عبيد الله بن أحمد «5» بن نهيك الكوفي بمكة، قال: حدثنا جعفر بن محمد الأشعري القمي، قال: حدثني عبدالله بن ميمون القداح، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي (صلوات الله عليهم)، قال: «جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال: يا رسول الله، ما حق العلم؟ قال: الإنصات له.

قال: ثم مه؟ قال: الاستماع له.

قال: ثم مه؟ قال: الحفظ له.

قال: ثم مه، يا نبي الله؟ قال: العمل به.

قال: ثم مه؟ قال: ثم نشره».

__________________________________________________

15- الأمالي 2: 215، الكافي 1: 38/ 4، الخصال: 287/ 43.

(1) تنّيس: بكسرتين و تشديد النون و ياء ساكنة و السين مهملة: جزيرة في بحر مصر قريبة من البرّ ما بين الفّر ما و دمياط. «معجم البلدان 2: 51».

(2) في

«س» و «ط»: محمّد بن معلّى، و الصواب ما أثبتناه من المصدر. راجع تهذيب التّهذيب 9: 533.

(3) في «س» و «ط» و المصدر: صبيح، و الصواب ما أثبتناه. راجع تهذيب 7: 463، تقريب التهذيب 2: 58.

(4) في «س» و «ط»: سمرة، و في المصدر: سيرة، و الصواب ما أثبتناه. راجع تهذيب التّهذيب 10: 423، تقريب التهذيب 2: 268/ 51.

(5) في «س» و «ط»: محمّد، و الصواب من المصدر. راجع معجم رجال الحديث 11: 65، جامع الرواة 1: 527.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 14

2- باب في فضل القرآن ..... ص : 14

31/ [1]- الشيخ في (أماليه): بإسناده عن محمد بن القاسم الأنباري، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن عمر، قال: حدثنا داود بن رشيد، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن عبدالله بن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة ابن عامر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «لا يعذب الله قلبا وعى القرآن».

32/ [2]- و عنه، عن الحفار، قال: حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبدالله الوراق- المعروف بابن السماك- قال: حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد بن عبدالله الرقاشي، قال: حدثني أبي، و معلى بن أسد، قالا:

حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي (عليه السلام): «أن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: خياركم من تعلم القرآن و علمه».

و عنه، بإسناد آخر، مثله. «1»

33/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، و محمد بن أحمد السناني، و علي بن أحمد بن موسى الدقاق، و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، و علي بن عبدالله الوراق (رضي الله عنهم)، قالوا: حدثنا أبو

العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبدالله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، قال:

حدثنا سليمان بن حكيم، عن ثور بن يزيد، «2» عن مكحول، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)- في حديث- قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أ و ليس كتاب ربي أفضل الأشياء بعد الله عز و جل؟ و الذي بعثني بالحق نبيا لئن لم تجمعه بإتقان لم يجمع أبدا. فخصني الله عز و جل بذلك من دون الصحابة».

34/ [4]- جعفر بن محمد بن مسعود العياشي، عن أبيه، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد، عن أبيه، عن

__________________________________________________

1- الأمالي 1: 5.

2- الأمالي 2: 367، سنن الدارمي 2: 437، سنن الترمذي 5: 174/ 2908.

3- الخصال: 579/ 1.

4- تفسير العيّاشي 1: 2/ 1.

(1) الأمالي 1: 367.

(2) في «س» و «ط»: عمرو بن يزيد، و الصواب ما أثبتناه من المصدر. راجع تهذيب التّهذيب 7: 33/ 57.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 15

آبائه (عليهم السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أيها الناس، إنكم في زمان هدنة، و أنتم على ظهر سفر، و السير بكم سريع، فقد رأيتم الليل و النهار و الشمس و القمر، يبليان كل جديد، و يقربان كل بعيد، و يأتيان بكل موعود، فأعدوا الجهاز لبعد المفاز».

فقام المقداد، فقال: يا رسول الله، ما دار الهدنة؟

قال: «دار بلاء و انقطاع، فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفع، و ماحل «1» مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، و من جعله خلفه ساقه إلى النار.

و هو الدليل يدل على خير سبيل، و هو كتاب فيه تفصيل و بيان و تحصيل، و

هو الفصل ليس بالهزل، له ظهر و بطن فظاهره حكمة و باطنه علم، ظاهره أنيق و باطنه عميق، له تخوم «2» و على تخومه تخوم، لا تحصى عجائبه، و لا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى و منازل الحكمة، و دليل على المعروف لمن عرفه».

35/ [5]- عن يوسف بن عبد الرحمن، رفعه إلى الحارث الأعور، قال: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) فقلت: يا أمير المؤمنين، إنا إذا كنا عندك سمعنا الذي نشد «3» به ديننا، و إذا خرجنا من عندك سمعنا أشياء مختلفة مغموسة، لا ندري ما هي؟! قال: «أو قد فعلوها؟!».

قال: قلت: نعم.

قال: «سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: أتاني جبرئيل فقال: يا محمد، ستكون في أمتك فتنة.

قلت: فما المخرج منها؟

فقال: كتاب الله، فيه بيان ما قبلكم من خبر، و خبر ما بعدكم، و حكم ما بينكم، و هو الفصل ليس بالهزل، من وليه من جبار فعمل بغيره قصمه الله، و من التمس الهدى في غيره أضله الله، و هو حبل الله المتين، و هو الذكر الحكيم، و هو الصراط المستقيم، لا تزيغه الأهواء «4»، و لا تلبس به الألسنة، و لا يخلق على الرد «5»، و لا تنقضي عجائبه، و لا يشبع منه العلماء.

هو الذي لم تكنه الجن إذ سمعته أن قالوا: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ «6» من قال به

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 1: 3/ 2.

(1) المحل: المكر و الكيد. يقال: محل به، إذا سعى به إلى السلطان، فهو ما حل. «الصحاح- محل- 5: 1817».

قال الرازي جعله يمحل بصاحبه إذا لم يتّبع ما فيه، أي يسعى به إلى اللّه تعالى. و قيل: معناه و خصم مجادل مصدّق. «مختار

الصحاح- محل- 616». [.....]

(2) التّخم: منتهى كلّ قرية أو أرض، يقال: فلان على تخم من الأرض، و الجمع تخوم، مثل: فلس و فلوس. «الصحاح- تخم- 5: 1877».

(3) في المصدر: نسدّ.

(4) في «ط»: الأهوية، جمع هواء: و هو ما بين السّماء و الأرض، و الهوى: هوى النفس و الجمع الأهواء. «الصحاح- هوا- 6: 2537».

(5) في «ط» نسخة بدل: عن كثرة الردّ.

(6) الجنّ 72: 1 و 2.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 16

صدق، و من عمل به أجر، و من اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم، هو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد». «1»

36/ [6]- و عنه: عن أبي عبدالله مولى بني هاشم، عن أبي سخيلة، قال: حججت أنا و سلمان من الكوفة فمررت بأبي ذر، فقال: انظروا إذا كانت بعدي فتنة- و هي كائنة- فعليكم بخصلتين: بكتاب الله، و بعلي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول لعلي: «هذا أول من آمن بي، و أول من يصافحني يوم القيامة.

و هو الصديق الأكبر، و هو الفاروق، يفرق بين الحق و الباطل، و هو يعسوب المؤمنين، و المال يعسوب المنافقين».

و عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «خطب رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالمدينة، فكان فيما قال لهم» الحديث. «2»

37/ [7]- و عن داود بن فرقد، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «عليكم بالقرآن، فما وجدتم آية نجابها من كان قبلكم فاعملوا به، و ما وجدتموه مما هلك من كان قبلكم فاجتنبوه».

38/ [8]- و عن الحسن بن موسى الخشاب رفعه، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «لا يرفع الأمر

و الخلافة إلى آل أبي بكر أبدا، و لا إلى آل عمر، و لا إلى آل بني أمية، و لا في ولد طلحة و الزبير أبدا، و ذلك أنهم بتروا القرآن، و أبطلوا السنن، و عطلوا الأحكام.

و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): القرآن هدى من الضلالة، و تبيان من العمى، و استقالة من العثرة، و نور من الظلمة، و ضياء من الأحزان، و عصمة من الهلكة، و رشد من الغواية، و بيان من الفتن، و بلاغ من الدنيا إلى الآخرة، و فيه كمال دينكم. فهذه صفة رسول الله (صلى الله عليه و آله) للقرآن، و ما عدل أحد عن القرآن إلا إلى النار».

39/ [9]- و عن فضيل بن يӘǘј̠قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن القرآن̠فقال لي: «هو كلام الله».

40/ [10]- و عن الحسن بن علي (عليه السلام)، قال: «قيل لرسول الله (صلى الله عليه و آله): إن أمتك ستفتتن، فسئل: ما المخرج من ذلك؟ فقال: كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد «3» من ابتغى العلم في غيره أضله الله، و من ولي هذا الأمر من جبار فعمل بغيره قصمه الله، و هو الذكر الحكيم، و النور المبين، و الصراط المستقيم.

فيه خبر ما كان «4» قبلكم، و نبأ ما بعدكم، و حكم ما بينكم، و هو الفصل ليس بالهزل، و هو الذي سمعته الجن

__________________________________________________

6- تفسير العيّاشي 1: 4/ 4.

7- تفسير العيّاشي 1: 5/ 6.

8- تفسير العيّاشي 1: 5/ 7 و 8.

9- تفسير العيّاشي 1 لا 6/ 10.

10- تفسير العيّاشي 1 لا 6/ 11.

(1) فصّلت 41: 42.

(2) تفسير العيّاشي 1: 5/ 5.

(3)

تضمين من سورة فصّلت 41: 42.

(4) (كان) ليس في في المصدر. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 17

فلم تناها أن قالوا: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ «1» لا يخلق على طول الرد، و لا تنقضي عبره، و لا تفنى عجائبه».

41/ [11]- و عن محمد بن حمران، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «إن الله لما خلق الخلق فجعله فرقتين، فجعل خيرته في إحدى الفرقتين، ثم جعلهم أثلاثا، فجعل خيرته في إحدى الأثلاث.

ثم لم يزل يختار حتى اختار عبد مناف، ثم اختار من عبد مناف هاشما، ثم اختار من هاشم عبدالمطلب، ثم اختار من عبدالمطلب عبدالله، و اختار من عبدالله محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله)، كان أطيب الناس ولادة و أطهرها، فبعثه الله بالحق بشيرا و نذيرا، و أنزل عليه الكتاب فليس من شي ء إلا في الكتاب تبيانه».

42/ [12]- و عن عمرو بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «إن الله تبارك و تعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة إلا أنزله في كتابه، و بينه لرسوله، و جعل لكل شي ء حدا، و جعل دليلا يدل عليه، و جعل على من تعدى ذلك الحد حدا».

43/ [13]- و عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن القرآن، فقال لي: «لا خالق و لا مخلوق، و لكنه كلام الخالق».

44/ [14]- و عن زرارة، قال: سألته عن القرآن، أ خالق هو؟ قال: «لا».

قلت: أ مخلوق؟ قال: «لا، و لكنه كلام الخالق» يعني أنه كلام الخالق بالفعل.

45/ [15]- عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده (عليه السلام)، قال: «خطبنا أمير

المؤمنين (عليه السلام) خطبة، فقال فيها: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله، أرسله بكتاب فصله و حكمه «2» و أعزه و حفظه بعلمه، و أحكمه بنوره، و أيده بسلطانه، و كلأه من أن يبتره هوى «3» أو تميل به شهوة، أو يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، «4» و لا يخلقه طول الرد، و لا تفنى عجائبه.

من قال به صدق، و من عمل به أجر، و من خاصم به فلج، «5» و من قاتل به نصر، و من قام به هدي إلى صراط

__________________________________________________

11- تفسير العيّاشي 1: 6/ 12.

12- تفسير العيّاشي 1: 6/ 13.

13- تفسير العيّاشي 1: 6/ 14.

14- تفسير العيّاشي 1: 7/ 15.

15- تفسير العيّاشي 1: 7/ 16.

(1) الجنّ 72: 1 و 2.

(2) في المصدر: و أحكمه.

(3) في المصدر: و كلأه من لم يتنزه هوى. كلأه يكلوه- مهموز بفتحتين-: حفظه. «مجمع البحرين- كلأ- 1: 360».

(4) تضمين من سورة فصّلّت 41: 42.

(5) الفلج: الظفر و الفوز. «الصحاح- فلج- 1: 335»، و في المصدر: (فلح) و كلاهما بمعنى.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 18

مستقيم، [فيه ] نبأ من كان قبلكم، و الحكم فيما بينكم، و خيرة معادكم.

أنزله بعلمه، و أشهد الملائكة بتصديقه، قال الله جل وجهه: لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَ الْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً «1» فجعله الله نورا يهدي للتي هي أقوم.

و قال: فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ «2» و قال: اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ «3» و قال: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَ

مَعَكَ وَ لا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ «4» ففي اتباع ما جاءكم من الله الفوز العظيم، و في تركه الخطأ المبين، و قال: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى «5» فجعل في اتباعه كل خير يرجى في الدنيا و الآخرة.

فالقرآن آمر و زاجر، حد فيه الحدود، و سن فيه السنن، و ضرب فيه الأمثال، و شرع فيه الدين، إعذارا من نفسه، و حجة على خلقه، أخذ على ذلك ميثاقهم، و ارتهن عليه أنفسهم، ليبين لهم ما يأتون و ما يتقون ليهلك من هلك عن بينة و يحيا من حيي عن بينة و إن الله لسميع عليم». «6»

46/ [16]- عن ياسر الخادم، عن الرضا (عليه السلام) أنه سئل عن القرآن، فقال: «لعن الله المرجئة، و لعن الله أبا حنيفة، إنه كلام الله غير مخلوق حيث ما تكلمت به، و حيث ما قرأت و نطقت، فهو كلام و خبر و قصص».

47/ [17]- عن سماعة، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «إن الله أنزل عليكم كتابه، و هو الصادق البر، فيه خبركم، و خبر من قبلكم، و خبر من بعدكم، و خبر السماء و الأرض، و لو أتاكم من يخبركم «7» عن ذلك لتعجبتم من ذلك».

48/ [18]- سعد بن عبدالله في (بصائر الدرجات): عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن داود بن فرقد، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «لا تقولوا في كل آية: هذا رجل و هذا رجل من القرآن حلال، و منه حرام، و منه نبأ ما قبلكم، و حكم ما بينكم، و خبر ما بعدكم، و هكذا هو».

49/ [19]- الزمخشري

في (ربيع الأبرار): عن علي (عليه السلام): «القرآن فيه خبر من قبلكم، و نبأ من بعدكم، و حكم ما بينكم».

__________________________________________________

16- تفسير العيّاشي 1: 8/ 17.

17- تفسير العيّاشي 1: 8/ 18.

18- مختصر بصائر الدرجات: 78.

19- ربيع الأبرار 2: 76. [.....]

(1) النّساء 4: 166.

(2) القيامة 75: 18.

(3) الأعراف 7: 3.

(4) هود 11: 112.

(5) طه 20: 123.

(6) تضمين من سورة الأنفال 8: 42.

(7) في «س» و «ط»: غيركم، و الظاهر أنه تصحيف.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 19

50/ [20]- و عن علي (عليه السلام): «و عليك بكتاب الله، فإنه الحبل المتين، و النور المبين، و الشفاء النافع، [و الرأي النافع ]، و العصمة للمتمسك، و النجاة للمتعلق، لا يعوج فيقام «1» و لا يزيع فيستعتب، «2» و لا يخلقه «3» كثرة الرد و ولوج السمع، من قال به صدق، و من عمل به سبق».

51/ [21]- و عنه (عليه السلام): «القرآن ظاهره أنيق، و باطنه عميق، لا تفنى عجائبه، و لا تنقضي غرائبه، و لا تكشف الظلمات إلا به».

52/ [22]- و عن أنس، قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه و آله): «يا بني، لا تغفل عن قراءة القرآن- إذا أصبحت، و إذا أمسيت- فإن القرآن يحيى القلب الميت، و ينهى عن الفحشاء و المنكر».

53/ [23]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن علي، [عن محمد بن يحيى ] «4»، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبدالله، عن أبيه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: «ثلاث يذهبن بالبلغم، و يزدن في الحفظ: السواك، و الصوم، و قراءة القرآن».

__________________________________________________

20- ربيع الأبرار 2: 80.

21- ربيع الأبرار 2: 80.

22- ربيع الأبرار 2: 78.

23- التّهذيب 4: 191/ 545.

(1)

في «ط»: فيقوّم.

(2) الإستيعاب: طلبك إلى المسي ء الرجوع عن إساءته. «لسان العرب- عتب- 1: 577».

(3) خلق الثوب: إذا بلي فهو خلق بفتحتين. «مجمع البحرين- خلق- 5: 158». [.....]

(4) أثبتناه من المصدر. راجع رجال الطوسي: 488/ 4، جامع الرواة: 658.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 20

3- باب في الثقلين ..... ص : 20

54/ [1]- سعد بن عبدالله: عن القاسم بن محمد الأصفهاني، عن سليمان بن داود المنقري،- المعروف بالشاذكوني- عن يحيى بن آدم، عن شريك بن عبدالله، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «دعا رسول الله (صلى الله عليه و آله) الناس بمنى، فقال: أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا:

كتاب الله، و عترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

ثم قال: أيها الناس، إني تارك فيكم حرمات ثلاثا: كتاب الله عز و جل، و عترتي، و الكعبة البيت الحرام».

ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): «أما الكتاب فحرفوا، و أما الكعبة فهدموا، و أما العترة فقتلوا، و كل ودائع الله نبذوا، و منها فقد تبرءوا». «1»

55/ [2]- محمد بن علي بن بابويه، في كتاب (النصوص على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام): بإسناده، عن عمر بن الخطاب، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: «يا أيها الناس، إني فرط «2» لكم، و أنتم واردون علي الحوض، حوضا عرضه ما بين صنعاء و بصرى «3»، فيه قدحان عدد النجوم من فضة، و إني سائلكم- حين تردون علي الحوض- عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما. السبب الأكبر كتاب الله- طرفه بيد الله، و طرفه بأيديكم- فاستمسكوا به و لا تبدلوا، و عترتي أهل بيتي، فإنه نبأني العليم «4» الخبير أنهما

لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

فقلت: يا رسول الله، من عترتك؟

فقال: «أهل بيتي، من ولد علي و فاطمة، و تسعة من صلب الحسين، أئمة أبرار، هم عترتي من لحمي

__________________________________________________

1- مختصر بصائر الدرجات: 90.

2- كفاية الأثر: 91.

(1) في «س» و «ط»: نبزوا. و الظاهر أنّه تصحيف.

(2) فرطت القوم أفرطهم فرطا، أي سبقتهم إلى الماء، و الفرط- بالتحريك-: الذي يتقدّم الواردة. «الصحاح- فرط- 3: 1148».

(3) بصرى- بالضم و القصر- تطلق على موضعين: أحدهما بالشّام من أعمال دمشق، و هي قصبة كورة حوران، مشهورة عند العرب قديما و حديثا، و بصرى أيضا: من قرى بغداد قرب عكبراء. «معجم البلدان 1: 441». و في المصدر: إلى بصرى.

(4) في المصدر: اللطيف.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 21

و دمي».

56/ [3]- و عنه، في (عيون أخبار الرضا (عليه السلام)): بإسناده عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي (عليهم السلام)، قال: «سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معنى قول رسول الله (صلى الله عليه و آله) إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله، و عترتي من العترة؟

فقال: أنا و الحسن و الحسين، و الأئمة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديهم و قائمهم، لا يفارقون كتاب الله، و لا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله (صلى الله عليه و آله) حوضه».

57/ [4]- و عنه، في كتاب (النصوص): بإسناده عن حذيفة بن أسيد، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول على منبره: «معاشر الناس، إني فرطكم، و إنكم واردون علي الحوض- حوضا أعرض ما بين بصرى و صنعاء- فيه عدد النجوم قدحان من فضة، و إني سائلكم- حين تردون علي

الحوض- عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما. الأكبر «1» كتاب الله- سبب طرفه بيد الله و طرفه بأيديكم- فاستمسكوا به لن تضلوا، و لا تبدلوا في عترتي- أهل بيتي- فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

معاشر الناس، كأني على الحوض أنظر «2» من يرد علي منكم، و سوف تؤخر أناس من دوني فأقول: يا رب، مني و من أمتي! فيقال: يا محمد، هل شعرت بما عملوا؟ أنهم ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم. ثم قال:

أوصيكم في عترتي خيرا- أو قال: في أهل بيتي-».

فقام إليه سلمان، فقال: يا رسول الله، ألا تخبرني عن الأئمة بعدك، أما هم من عترتك؟ فقال: «نعم، الأئمة من بعدي من عترتي، عدد نقباء بني إسرائيل تسعة من صلب الحسين، أعطاهم الله علمي و فهمي، فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، و اتبعوهم فإنهم مع الحق و الحق معهم».

58/ [5]- سعد بن عبدالله القمي في (بصائر الدرجات): عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير البجلي، عن ذريح بن محمد بن يزيد المحاربي، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إني تارك «3» فيكم الثقلين: كتاب الله عز و جل، و عترتي- أهل بيتي- فنحن أهل بيته».

59/ [6]- و عنه: عن النضر بن سويد، عن خالد بن زياد القلانسي، عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «يا أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين: الثقل الأكبر، و الثقل

__________________________________________________

3- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 57/ 25.

4- كفاية الأثر: 128.

5- مختصر بصائر الدرجات: 90.

6- مختصر بصائر الدرجات:

90.

(1) في المصدر: الثقل الأكبر.

(2) في المصدر: أنتظر.

(3) في المصدر: إنّي قد تركت. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 22

الأصغر، إن تمسكتم بهما لن تضلوا «1» و لن تبدلوا، فإني سألت اللطيف الخبير بأن لا يفترقا حتى يردا علي الحوض، فأعطيت ذلك».

فقيل: فما الثقل الأكبر؟ و ما الثقل الأصغر؟

فقال: «الثقل الأكبر: كتاب الله عز و جل، سبب طرفه بيد الله عز و جل و طرف بأيديكم، و الثقل الأصغر:

عترتي أهل بيتي».

60/ [7]- و عنه: عن إبراهيم بن هاشم، عن يحيى بن أبي عمران الهمداني، عن يونس بن عبدالرحمن، عن هشام بن الحكم، عن سعد بن طريف الإسكاف «2» قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول النبي (صلى الله عليه و آله): «إني تارك فيكم الثقلين، فتمسكوا بهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

61/ [8]- العياشي: محمد بن مسعود، عن مسعدة بن صدقة، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «إن الله جعل ولايتنا أهل البيت قطب القرآن و قطب جميع الكتب، عليها يستدير محكم القرآن، و بها نوهت «3» الكتب، و [بها] يستبين الإيمان.

و قد أمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يقتدى بالقرآن و آل محمد، و ذلك حيث قال في آخر خطبة خطبها: إني تارك فيكم الثقلين: الثقل الأكبر، و الثقل الأصغر، فأما الأكبر فكتاب ربي، و أما الأصغر فعترتي- أهل بيتي- فاحفظوني فيهما، فلن تضلوا ما تمسكتم بهما».

62/ [9]- عن أبي جميلة المفضل بن صالح، عن بعض أصحابه قال: خطب رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوم الجمعة بعد صلاة الظهر، انصرف على الناس فقال: «أيها الناس، إني قد نبأني اللطيف الخبير أنه لن يعمر من نبي إلا

نصف عمر الذي يليه من قبله. و إني لأظنني أو شك أن أدعى فأجيب، و إني مسئول و إنكم مسئولون، فهل بلغتكم؟ فما ذا أنتم قائلون؟».

قالوا: نشهد بأنك قد بلغت و نصحت و جاهدت، فجزاك الله «4» خيرا. قال: «اللهم اشهد».

ثم قال: «يا أيها الناس، ألم تشهدوا أن لا إله إلا الله، و أن محمدا عبده و رسوله، و أن الجنة حق، و أن النار حق، و أن البعث حق من بعد الموت؟». قالوا: اللهم نعم. قال: «اللهم أشهد».

__________________________________________________

7- مختصر بصائر الدرجات: 91.

8- تفسير العيّاشي 1: 5/ 9.

9- تفسير العيّاشي 1: 4/ 3.

(1) في المصدر زيادة: و لن تزلوا.

(2) في «س» و «ط»: سعد بن ظريف الاسكافي، و ضبط كما في المتن في المصدر و خلاصة العلّامة الحلّي: 226/ 1 و تنقيح المقال 2: 15.

(3) في «ط»: يوهب.

(4) في المصدر زيادة: عنّا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 23

ثم قال: «أيها الناس، إن الله مولاي، و أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه».

ثم قال: «أيها الناس، إني فرطكم، و أنتم واردون علي الحوض، و حوضي عرضه ما بين بصرى و صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، ألا و إني سائلكم- حين تردون علي- عن الثقلين، فانظروني كيف تخلفوني فيهما حتى تلقوني».

قالوا: و ما الثقلان، يا رسول الله؟

قال: «الثقل الأكبر: كتاب الله، سبب طرفه بيد الله و طرف في أيديكم، فاستمسكوا به لا تضلوا و لا تذلوا، و الثقل الأصغر: أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أن لا يفترقا حتى يلقياني، و سألت الله لهما ذلك فأعطانيه، فلا تسبقوهم فتضلوا، و لا تقصروا

عنهم فتهلكوا، و لا تعلموهم فهم أعلم منكم».

63/ [10]- الشيخ محمد بن محمد بن النعمان المفيد في (أماليه) قال: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب، قال: حدثنا الحسن بن علي الزعفراني، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي، قال: حدثني أبو عمر «1» حفص بن عمر الفراء، قال: حدثنا زيد بن الحسن الأنماطي، عن معروف بن خربوذ، قال: سمعت أبا عبد الله «2» مولى العباس يحدث أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، قال: سمعت أبا سعدى الخدري يقول: إن آخر خطبة خطبنا بها رسول الله (صلى الله عليه و آله) لخطبة خطبنا في مرضه الذي توفي فيه، خرج متوكئا على علي بن أبي طالب (عليه السلام) و ميمونة مولاته، فجلس على المنبر، ثم قال: «أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين» و سكت.

فقام رجل فقال: يا رسول الله، ما هذان الثقلان؟! فغضب حتى احمر وجهه، ثم سكن و قال: «ما ذكرتهما إلا و أنا أريد أن أخبركم بهما، و لكن ربوت «3» فلم أستطع، سبب [طرفه ] بيد الله و طرف بأيديكم، تعملون فيه كذا و كذا، ألا و هو القرآن، و الثقل الأصغر أهل بيتي».

ثم قال: «و ايم الله، إني لأقول لكم هذا و رجال في أصلاب أهل الشرك أرجى عندي من كثير منكم». ثم قال:

«و الله، لا يحبهم عبد إلا أعطاه الله نورا يوم القيامة». فقال أبو جعفر (عليه السلام): «إن أبا عبدالله يأتينا بما يعرف».

64/ [11]- الشيخ الطوسي: بإسناده عن أبي عمر، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا عبدالله بن أحمد بن المستورد، قال: حدثنا إسماعيل بن صبيح، قال: حدثنا سفيان- و هو ابن إبراهيم-، عن عبد المؤمن- و هو أبو القاسم-، عن الحسن

بن عطية العوفي، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: «إني تارك فيكم الثقلين، ألا إن أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل

__________________________________________________

10- الأمالي: 134/ 3.

11- الأمالي 1: 261 و 278/ 460، المعجم الصغير: 1: 131.

(1) في المصدر: أبو عمرو، و لم نجد له ذكرا في المعاجم المتيسّرة لدينا.

(2) في المصدر: أبا عبيد اللّه، قال في تهذيب التّهذيب 10: 231 في ترجمة معروف: روى عن أبي عبد اللّه مولى ابن عبّاس. و الظاهر صحّته.

(3) الرّبو: النفس العالي، يقال: ربا يربو ربوا، إذا أخذه الربو. «الصحاح- ربا- 6: 2350».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 24

بيتي، و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

و قال: «ألا إن أهل بيتي عيبتي «1» التي آوي إليها، ألا و إن الأنصار ترسي «2» فاعفوا عن مسيئهم، و أعينوا محسنهم».

65/ [12]- محمد بن علي بن بابويه في (الغيبة) قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا العباس بن الفضل المقرئ، قال: حدثنا محمد بن علي المنصور «3»، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا خالد، عن الحسين بن عبيد الله «4»، عن أبي الضحى، عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، و عترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

66/ [13]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس، قال: حدثنا العباس بن الفضل، عن أبي زرعة، عن كثير بن يحيى أبي مالك، عن أبي عوانة، عن الأعمش، قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت، عن عامر بن

واثلة، عن زيد بن أرقم، قال: لما رجع رسول الله (صلى الله عليه و آله) من حجة الوداع، فنزل بغدير خم «5»، و أمر بدوحات «6» فقم «7» ما تحتهن، ثم قال: «كأني قد دعيت فأجبت، إني تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر:

كتاب الله، و عترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

ثم قال: «إن الله مولاي، و أنا مولى كل مؤمن و مؤمنة». ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم قال: «من كنت وليه فهذا علي وليه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه».

قال: فقلت لزيد بن أرقم: و أنت سمعت من رسول الله (صلى الله عليه و آله)؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلا و قد رآه بعينيه و سمعه بأذنيه.

67/ [14]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن الحسين البغدادي قال: حدثنا عبدالله بن محمد بن

__________________________________________________

12- كمال الدّين و تمام النعمة: 234/ 44، فرائد السمطين 2: 142.

13- كمال الدّين و تمام النعمة: 234/ 45، النسائي في الخصائص: 21. [.....]

14- كمال الدّين و تمام النعمة: 235/ 46، معاني الأخبار: 90/ 2، طبقات ابن سعد 2: 194.

(1) أي خاصّتي و موضع سرّي. «النهاية 3: 327».

(2) الترس من السلاح: المتوقّى بها. «لسان العرب- ترس- 6: 32» و في المصدر: كرشي، و كرش الرجل: عياله من صغار ولده. «مجمع البحرين- كرش- 4: 152».

(3) في المصدر: بن منصور، و الظاهر أنّه محمّد بن عليّ بن ميمون، بقرينة روايته عن عمرو بن عون، و رواية عمرو عن خالد بن عبد اللّه. راجع تهذيب التّهذيب 8: 86 و 9: 356.

(4) في «س» و «ط»: عبد اللّه،

و الصواب ما أثبتناه من المصدر. راجع تهذيب التّهذيب 2: 292.

(5) غدير خمّ: هو اسم موضع، قال الحامي: خمّ واد بين مكّة و المدينة عند الجحفة، به دير، عنده خطب رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله). «معجم البلدان 2: 389».

(6) الدّوحة: الشجرة العظيمة من أيّ شجر كان. «مجمع البحرين- دوح- 2: 349».

(7) قمّ الشّي ء قما: كنسه. «لسان العرب- قمم- 12: 493».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 25

عبد العزيز إملاء، قال: حدثنا بشر «1» بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن طلحة، عن «2» الأعمش، عن عطية بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري أن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «إني أوشك أن أدعى فأجيب، و إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله عز و جل، و عترتي كتاب الله حبل ممدود بين السماء و الأرض و عترتي أهل بيتي، و نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا بماذا تخلفوني فيهما».

68/ [15]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن عمر البغدادي، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن حفص «3» الخثعمي، قال: حدثنا محمد بن عبيد، قال: حدثنا صالح بن موسى، قال: حدثنا عبد العزيز بن رفيع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إني قد خلفت فيكم شيئين، لن تضلوا بعدي أبدا ما أخذتم بهما و عملتم بما فيهما كتاب الله، و عترتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

69/ [16]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن عمر الحافظ، قال: حدثنا القاسم بن عباد، قال: حدثنا سويد، قال:

حدثنا عمرو بن صالح، عن زكريا، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه

و آله): «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله عز و جل حبل ممدود، و عترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

70/ [17]- و عنه، قال: حدثنا الحسن بن عبدالله بن سعيد، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان القشيري، قال: حدثنا الحسين بن حميد، قال: حدثني أخي الحسن بن حميد، قال: حدثني علي بن ثابت الدهان، قال:

حدثنا «4» سعاد بن سليمان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إني امرؤ مقبوض، و أوشك أن أدعى فأجيب، و قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أفضل من الآخر: كتاب الله، و عترتي أهل بيتي، و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

71/ [18]- و عنه، قال: حدثنا الحسن بن عبدالله بن سعيد، قال: حدثنا القشيري، قال: حدثنا المغيرة بن محمد بن المهلب، قال: حدثني أبي، عن عبدالله بن داود «5»، عن الفضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إني تارك فيكم أمرين، أحدهما أطول من الآخر: كتاب الله حبل

__________________________________________________

15- كمال الدّين و تمام النعمة: 235/ 47، ينابيع المودّة: 39.

16- كمال الدّين و تمام النعمة: 235/ 48.

17- كمال الدّين و تمام النعمة: 235/ 49.

18- كمال الدّين و تمام النعمة: 236/ 50، معاني الأخبار: 90/ 1، فرائد السمطين 2: 144.

(1) في «س» و «ط»: جيش و الصواب ما أثبتناه من المصدر. راجع سير أعلام النبلاء: 10: 373، لسان الميزان 2: 35.

(2) في «س»: بن، و هو تصحيف، إذ روى محمّد بن طلحة عن الأعمش. راجع تهذيب التّهذيب 9: 238. [.....]

(3)

في «س» و «ط»: جعفر، و هو تصحيف، و الصواب ما أثبتناه من المصدر. راجع ترجمته في رجال الطوسي: 500/ 62، سير أعلام النبلاء 14: 529.

(4) في «س» و «ط»: سواد، و هو تصحيف، و الصواب ما أثبتناه من المصدر. راجع ترجمته في تهذيب الكمال 10: 237، تهذيب التّهذيب 3:

462.

(5) في «س» و «ط»: عن أبي عبد اللّه بن أبي داود، و ما في المتن من المصادر الثلاثة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 26

ممدود من السماء إلى الأرض طرف بيد الله، و عترتي، إلا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

فقلت لأبي سعيد: من عترته؟ قال: أهل بيته (عليهم السلام).

72/ [19]- و عنه، قال ابن بابويه: حدثنا علي بن الفضل البغدادي، قال: سمعت أبا عمر- صاحب أبي العباس ثعلب- يقول: سمعت أبا العباس ثعلب يسأل عن قوله (صلى الله عليه و آله): «إني تارك فيكم الثقلين» لم سمي الثقلان؟

قال: لأن التمسك بهما ثقيل.

73/ [20]- و عنه، قال: حدثنا الحسن بن علي بن شعيب الجوهري أبو محمد، قال: حدثنا عيسى بن محمد العلوي، قال: حدثنا أبو عمرو أحمد بن أبي حازم الغفاري، حدثنا عبدالله بن موسى، عن شريك، عن ركين «1» بن الربيع، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عز و جل، و عترتي أهل بيتي، ألا و هما الخليفتان من بعدي، و لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

74/ [21]- و عنه، قال: حدثنا الحسن بن علي بن شعيب أبو محمد الجوهري، قال: حدثنا عيسى بن محمد العلوي، قال: حدثنا الحسن بن الحسن الحميري «2»، قال: حدثنا الحسن بن

الحسين العرني، «3» عن عمرو بن جميع، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «أتيت جابر بن عبدالله فقلت:

أخبرني عن حجة الوداع؟ فذكر حديثا طويلا، ثم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إني تارك فيكم «4» ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله عز و جل، و عترتي أهل بيتي. ثم قال: اللهم اشهد ثلاثا».

75/ [22]- و عنه، قال: حدثنا الحسن بن عبدالله بن سعيد، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان القشيري، قال: حدثنا أبو حاتم المغيرة بن محمد بن المهلب، قال: حدثنا عبد الغفار بن محمد بن كثير الكلابي الكوفي، عن جرير بن عبد الحميد، عن الحسن بن عبيد الله، عن أبي الضحى، عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله، و عترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

76/ [23]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبدالله بن يزيد أبو محمد البجلي، قال: حدثني محمد بن طريف، قال: حدثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد، عن حبيب بن أبي ثابت، عن

__________________________________________________

19- كمال الدّين و تمام النعمة: 236/ 51، معاني الأخبار: 90/ 3، فرائد السمطين 2: 145.

20- كمال الدّين و تمام النعمة: 236/ 52.

21- كمال الدّين و تمام النعمة: 236/ 53.

22- كمال الدّين و تمام النعمة: 237/ 54، مستدرك الحاكم 3: 148.

23- كمال الدّين و تمام النعمة: 238/ 56.

(1) في «س» و «ط»: وكيع، و هو تصحيف، و الصواب ما أثبتناه من المصدر. راجع تهذيب التّهذيب 3:

287.

(2) في المصدر: الحسين بن الحسن الحيري بالكوفة.

(3) في «س» و «ط»: المغربي، و هو تصحيف و الصواب ما أثبتناه من المصدر! راجع رجال النجاشي: 51/ 11، معجم رجال الحديث 4: 307.

(4) في «ط» زيادة: الثقلين.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 27

زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «كأني قد دعيت و أجبت، و إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله عز و جل حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، فإنهما لن يزالا جميعا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما».

77/ [24]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن حفص، عن عباد بن يعقوب، عن أبي مالك عمرو بن هاشم الجنبي «1»، عن عبد الملك، عن عطية «2» أنه سمع أبا سعيد يرفع ذلك إلى النبي (صلى الله عليه و آله)، قال: «أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين «3»، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله عز و جل، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، ألا و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

78/ [25]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن عمر، قال: حدثني الحسن بن عبدالله بن محمد بن علي التميمي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سيدي علي بن موسى بن جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: حدثني أبي، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهم)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب

الله، و عترتي «4»، و لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

79/ [26]- و عنه، قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري، قال: حدثني عمي أبو عبدالله محمد بن شاذان، عن الفضل بن شاذان، قال: حدثنا عبيد الله «5» بن موسى، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حنش «6» بن المعتمر، قال: رأيت أبا ذر الغفاري (رحمه الله) آخذا بحلقة باب الكعبة، و هو يقول: ألا من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا أبو ذر جندب بن السكن، سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: «إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله، و عترتي أهل بيتي، و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا و إن مثلهما كسفينة نوح من ركب فيها نجا، و من تخلف عنها غرق».

80/ [27]- و عنه، قال: حدثنا الشريف الدين الصدوق أبو علي محمد بن أحمد بن محمد زيارة «7» بن عبد الله

__________________________________________________

24- كمال الدّين و تمام النعمة: 238/ 57.

25- كمال الدّين و تمام النعمة: 239/ 59، فرائد السمطين 2: 147. [.....]

26- كمال الدّين و تمام النعمة: 239/ 59.

27- كمال الدّين و تمام النعمة: 239/ 60.

(1) في «س» و «ط»: عن أبي مالك، عن عمرو بن هاشم الحميري، و الصواب ما أثبتناه من المصدر. راجع تقريب التّهذيب 1: 580، تهذيب التّهذيب 8: 111.

(2) في «س» و «ط»: عن عبد الملك بن عطية، و الصواب ما أثبتناه من المصدر. راجع تهذيب التّهذيب 6: 411.

(3) في المصدر: إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا من بعدي: الثقلين.

(4) في المصدر زيادة: أهل بيتي.

(5) في «س» و «ط»: عبد اللّه، و هو تصحيف، و

الصواب ما أثبتناه من المصدر. راجع تهذيب التّهذيب 7: 51.

(6) في «س» و «ط»: عيسى، و هو تصحيف، و الصواب ما أثبتناه من المصدر. راجع الجرح و التعديل 3: 291/ 1297، و تهذيب التّهذيب 3: 58.

(7) في المصدر: ابن زئارة، و في «س»: ابن زياد، و الصحيح ما أثبتناه، و لقّب زبارة لأنّه كان إذا غضب قيل: قد زبر الأسد. راجع الفخري في الأنساب: 80، و أنساب السمعاني: 3: 127 و تاج العروس 3: 233، نوابغ الرواة: 237.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 28

بن الحسن بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله و سلامه عليهم)، قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة، قال: حدثنا الفضل بن شاذان النيسابوري، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: حدثنا شريك، عن ركين بن الربيع، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت، قال، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله، و عترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

81/ [28]- و عنه، قال: حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار النيسابوري (رضي الله عنه)، قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان «1»، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا عيسى بن يونس، قال: حدثنا زكريا بن أبي زائدة، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

82/ [29]- و عنه، قال: حدثني أبي (رضي

الله عنه)، قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة، قال: حدثنا الفضل بن شاذان، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، عن جرير «2»، عن الحسن بن عبيد الله، عن أبي الضحي، عن زيد بن أرقم، عن النبي (صلى الله عليه و آله)، قال: «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، و عترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

83/ [30]- و عنه، قال: حدثنا أحمد «3» بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي (عليهم السلام)، قال: «سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معنى قول رسول الله (صلى الله عليه و آله): إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله، و عترتي، من العترة؟ فقال: أنا و الحسن و الحسين و التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم و قائمهم، لا يفارقون كتاب الله و لا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله (صلى الله عليه و آله) حوضه».

84/ [31]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني،

__________________________________________________

28- كمال الدّين و تمام النعمة: 240/ 61، المعجم الصغير: 1: 131.

29- كمال الدّين و تمام النعمة: 240/ 62، مستدرك الحاكم 3: 148.

30- كمال الدّين و تمام النعمة: 240/ 64.

31- كمال الدّين و تمام النعمة: 240/ 63.

(1) في «س» و «ط»: عن شاذان،

و الصواب ما أثبتناه من المصدر. رجال النجاشي: 306 و معجم رجال الحديث 13: 299. [.....]

(2) في «س»: حريز: تصحيف، و هو جرير بن عبد الحميد، راجع تهذيب الكمال 4: 540.

(3) في المصدر: محمّد، و هو تصحيف صوابه ما في المتن، راجع معجم رجال الحديث 2: 120.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 29

عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «إن الله تبارك و تعالى طهرنا و عصمنا، و جعلنا شهداء على خلقه، و حججا في أرضه، و جعلنا مع القرآن، و جعل القرآن معنا، لا نفارقه و لا يفارقنا».

85/ [32]- الديلمي، و أبو الحسن محمد بن شاذان، عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، و علي بن أبي طالب، و علي أفضل لكم من كتاب الله، لأنه مترجم لكم عن كتاب الله».

86/ [33]- ابن الفارسي في (روضة الواعظين): عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) في خطبة خطبها رسول الله (صلى الله عليه و آله) في مسجد الخيف «1»، يذكر فيها النص على الخلافة و الولاية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال فيها (صلى الله عليه و آله): «معاشر الناس، إن عليا و الطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر، و القرآن الثقل الأكبر، و كل واحد منهما مبين عن صاحبه، موافق له، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض بأمر الله في خلقه و بحكمه على أرضه، ألا و إن الله عز و جل قاله، و أنا قلته عن الله، ألا و قد أديت، ألا و قد بلغت، ألا و

قد أسمعت، ألا و قد أوضحت، ألا و إنه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا، و لا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره».

ثم ضرب بيده على عضد علي (عليه السلام) فرفعه، فكان أمير المؤمنين (عليه السلام) أول من صعد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قد شال «2» عليا حتى صارت رجلاه مع ركبة رسول الله (صلوات الله عليهما).

و الخطبة طويلة و سيأتي- إن شاء الله تعالى- باب آخر في معنى الثقلين من طريق المخالفين. «3»

__________________________________________________

32- ارشاد القلوب: 378، مائة منقبة: 161 منقبة 86.

33- روضة الواعظين: 94.

(1) الخيف: بفتح أوله، و سكون ثانيه: ما انحدر من غلظ الجبل و ارتفع من مسيل الماء، و منه سمّي مسجد الخيف في منى .. «معجم البلدان 2:

412».

(2) شال الشّي ء: رفعه. «المعجم الوسيط- شول- 1: 501».

(3) و هو الباب الثاني عشر من أبواب المقدّمة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 30

4- باب في أن ما من شي ء يحتاج إليه العباد «1» إلا و هو في القرآن، و فيه تبيان كل شي ء ..... ص : 30

87/ [1]- عن محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن حديد، عن مرازم، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «إن الله تبارك و تعالى أنزل في القرآن تبيان كل شي ء، حتى- و الله- ما ترك شيئا يحتاج إليه العباد، لا يستطيع عبد يقول لو كان هذا أنزل في القرآن، إلا و قد أنزله الله فيه».

88/ [2]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن حسين بن المنذر، عن عمر بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «إن الله تبارك و تعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة إلا أنزله في كتابه، و بينه لرسوله (صلى الله عليه و آله)، و جعل

لكل شي ء حدا، و جعل عليه دليلا يدل عليه، و جعل على من تعدى ذلك الحد حدا».

89/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم «2»، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن حماد، عن عبدالله بن سنان، عن أبي الجارود، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «إذا حدثتكم بشي ء فاسألوني من كتاب الله».

ثم

قال في بعض حديثه: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) نهى عن القيل و القال، و فساد المال، و كثرة السؤال».

فقيل له: يا ابن رسول الله، أين هذا من كتاب الله؟

قال: «إن الله عز و جل يقول: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ «3» و قال: وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً «4» و قال:

__________________________________________________

1- الكافي 1: 48/ 1.

2- الكافي 1: 48/ 2.

3- الكافي 1: 48/ 5.

(1) في «س»: العلماء، و ما أثبتناه من «ط».

(2) زاد في المصدر: عن أبيه، و هذه الزيادة مختلف في صحتها، راجع الرواة 2: 169 و معجم رجال الحديث 1: 340- 343.

(3) النساء 4: 114.

(4) النساء 4: 5. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 31

لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ». «1»

90/ [4]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عمن حدثه، عن المعلى بن خنيس، قال، قال: أبو عبدالله (عليه السلام): «ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا و له أصل في كتاب الله عز و جل، و لكن لا تبلغه عقول الرجال».

91/ [5]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن بعض أصحابه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن

صدقة، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أيها الناس، إن الله تبارك و تعالى أرسل إليكم الرسول، و أنزل إليه الكتاب بالحق، و أنتم أميون عن الكتاب و من نزله، و عن الرسول و من أرسله، على حين فترة «2» من الرسل، و طول هجعة من الأمم، و انبساط من الجهل، و اعتراض من الفتنة، و انتقاض من المبرم، و عمى عن الحق، و اعتساف «3» من الجور، و امتحاق «4» من الدين، و تلظ «5» من الحروب، على حين اصفرار من رياض جنات الدنيا، و يبس من أغصانها، و انتشار من ورقها، و يأس من ثمرها، و اغورار «6» من مائها.

قد درست أعلام الهدى، و ظهرت أعلام الردى «7»، فالدنيا متجهمة «8»، و في وجوه أهلها مكفهرة «9» مدبرة غير مقبلة، ثمرتها الفتنة، و طعامها الجيفة، و شعارها «10» الخوف، و دثارها «11» السيف، مزقتم كل ممزق، و قد أعمت عيون أهلها، و أظلمت عليها أيامها، قد قطعوا أرحامهم، و سفكوا دماءهم، و دفنوا في التراب الموءودة بينهم من أولادهم، يجتاز دونهم طيب العيش و رفاهية خفوض «12» الدنيا، لا يرجون من الله ثوابا، و لا يخافون و الله منه عقابا، حيهم أعمى بخس «13»، و ميتهم في النار مبلس.1»

__________________________________________________

4- الكافي 1: 49/ 6.

5- الكافي 1: 49/ 7.

(1) المائدة 5: 101.

(2) الفترة: انقطاع ما بين النبيين. «مجمع البحرين- فتر- 3: 434».

(3) العسف: الأخذ على غير الطريق، و الظم. «مجمع البحرين- عسف- 5: 100».

(4) محقه: أبطله و محاه. «الصحاح- محق- 4: 1553».

(5) التظاء النّار: التهابها، و تلظّيها: تلهّبها. «الصحاح- لظي- 6: 2482».

(6) غار الماء: ذهب في الأرض. «مجمع البحرين- غور-

3: 428».

(7) الرّذى: الهلاك. «لسان العرب- ردي- 14: 316».

(8) متجهّمة: كالحة، و في المصدر: متهجّمة.

(9) اكفهر الرجل: إذا عبس. «الصحاح- كفهر- 2: 809».

(10) الشّعار: ما ولي الجسد من الثياب. «الصحاح- شعر- 2: 699».

(11) الدّثار: كلّ ما كان من الثياب فوق الشّعار. «الصحاح- دثر- 2: 655».

(12) الخفض: الدّعة. «الصحاح- خفض- 3: 1074». [.....]

(13) البخس: الناقص. «الصحاح- بخس- 3: 907». و في المصدر: نجس.

(14) أبلس من رحمة اللّه: يئس «الصحاح- لس- 3: 909».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 32

فجاءهم بنسخة ما في الصحف الأولى، و تصديق الذي بين يديه، و تفصيل الحلال من ريب الحرام، ذلك القرآن فاستنطقوه و لن ينطق لكم، أخبركم عنه أن فيه علم ما مضى و علم ما يأتي إلى يوم القيامة، و حكم ما بينكم و بيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتم «1» عنه لعلمتكم».

92/ [6]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن حماد بن عثمان، عن عبد الأعلى بن أعين، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «قد ولدني رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أنا أعلم كتاب الله، و فيه بدء الخلق و ما هو كائن إلى يوم القيامة، و فيه خبر السماء و خبر الأرض، و خبر الجنة و خبر النار، و خبر ما كان و خبر ما هو كائن، أعلم ذلك كما أنظر إلى كفي، إن الله عز و جل يقول: فيه تبيان كل شي ء».

93/ [7]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «كتاب الله فيه نبأ ما

قبلكم، و خبر ما بعدكم، و فصل ما بينكم، و نحن نعلمه».

94/ [8]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن أبي المغرا، عن سماعة، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، قال: قلت له: أكل شي ء في كتاب الله و سنة نبيه، أو تقولون فيه؟ قال: «بل كل شي ء في كتاب الله و سنة نبيه (صلى الله عليه و آله)».

__________________________________________________

6- الكافي 1: 50/ 8.

7- الكافي 1: 50/ 9.

8- الكافي 1: 50/ 10.

(1) في المصدر: فلو سألتموني.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 33

5- باب في أن القرآن لم يجمعه كما أنزل إلا الأئمة (عليهم السلام)، و عندهم تأويله ..... ص : 33

95/ [1]- محمد بن الحسن الصفار: عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن المنخل، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «ما يستطيع أحد [أن ] يدعي أنه جمع القرآن كله، ظاهره و باطنه، غير الأوصياء».

96/ [2]- و عنه: عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر، قال:

سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «ما من أحد من الناس ادعى أنه جمع القرآن كله كما أنزله الله إلا كذب، و ما جمعه و حفظه كما أنزل الله إلا علي بن أبي طالب، و الأئمة من بعده».

97/ [3]- و عنه: عن أحمد بن محمد، عن ابن سنان، عن مرازم و موسى بن بكر، «1» قالا: سمعنا «2» أبا عبدالله (عليه السلام)، يقول: «إنا أهل بيت لم ينبعث منا إلا من «3» يعلم كتابه من أوله إلى آخره».

98/ [4]- و عنه: عن محمد بن عيسى، عن أبي عبدالله المؤمن، عن عبد الأعلى مولى آل سام، قال، سمعت أبا عبدالله (عليه

السلام)، يقول: «و الله، إني لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره كأنه في كفي، فيه خبر السماء و خبر الأرض، و خبر ما كان «4» و خبر ما هو كائن، قال الله: فيه تبيان كل شي ء».

__________________________________________________

1- بصائر الدرجات: 213/ 1.

2- بصائر الدرجات: 213/ 2.

3- بصائر الدرجات: 214/ 6.

4- بصائر الدرجات: 214/ 7.

(1) في المصدر: موسى بن بكير. و الصواب ما في المتن. راجع رجال الكشي 2: 737/ 825 و 826، جامع الرواة 2: 272، معجم رجال الحديث 19: 23.

(2) في «ط»: قال سمعت.

(3) في المصدر: لم يزل اللّه يبعث فينا من.

(4) في المصدر: و خبر ما يكون. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 34

99/ [5]- و عنه: عن الهيثم النهدي، «1» عن العباس بن عامر، قال: حدثنا عمرو بن مصعب، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «إن من علم ما أوتينا تفسير القرآن و أحكامه، و علم تغيير الزمان و حدثانه، «2» و إذا أراد الله بقوم خيرا أسمعهم، و لو أسمع من لم يسمع لولى معرضا كأن لم يسمع».

ثم أمسك هنيئة «3»، ثم قال: «لو وجدنا وعاء و مستراحا لقلنا «4» و الله المستعان».

100/ [6]- و عنه: عن أحمد بن محمد، عن البرقي، عن المرزبان بن عمران، عن إسحاق بن عمار، قال:

سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «إن للقرآن تأويلا، فمنه ما قد جاء، و منه ما لم يجي ء، فإذا وقع التأويل في زمان إمام من الأئمة، عرفه إمام ذلك الزمان».

101/ [7]- و عنه، عن أحمد بن محمد «5»، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر، عنه، قال: «في القرآن ما مضى و ما يحدث و

ما هو كائن، و كانت فيه أسماء رجال فألقيت، و إنما الاسم الواحد في وجوه لا تحصى، يعرف ذلك الوصاة».

102/ [8]- و عنه: عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن محمد بن مسلم، قال: دخلت عليه بعد ما قتل أبو الخطاب، فذكرت ما كان يروي من أحاديث تلك العظام قبل أن يحدث ما أحدث، فقال: «فحسبك و الله- يا أبا محمد- أن تقول فينا يعلمون [الحلال و الحرام و علم القرآن، و فصل ما بين الناس».

فلما أردت أن أقوم، أخذ بثوبي فقال: «يا أبا محمد، و أي شي ء الحلال و الحرام في جنب العلم؟ إنما] الحلال و الحرام في شي ء يسير من القرآن».

103/ [9]- و عنه: عن الفضل، عن موسى بن القاسم، عن ابن أبي عمير «6»- أو غيره- عن جميل بن دراج، عن

__________________________________________________

5- بصائر الدرجات: 214/ 1.

6- بصائر الدرجات: 215/ 5.

7- بصائر الدرجات: 215/ 6.

8- بصائر الدرجات: 214/ 2.

9- بصائر الدرجات: 216/ 8.

(1) في «س»: الهيثم بن النّهدي، و الصواب ما أثبتناه. راجع جامع الرواة 2: 319، معجم رجال الحديث 19: 327.

(2) حدثان الدهر و حوادثه: نوبه، و ما يحدث منه. «لسان العرب- حدثث- 2: 132».

(3) الهنيئة: الزمان اليسير. «مجمع البحرين- هنأ- 1: 479».

(4) في المصدر: لعلمنا.

(5) زاد في المصدر: عن محمّد، و الظاهر أن الصواب ما أثبتناه من «س» و «ط» لوجود نظائر له في بصائر الدرجات كما في: 32/ 2 و 26/ 1 و 27/ 2 و 29/ 2 و 33/ 1 و 52/ 1 و 55/ 2 و 3.

(6) في المصدر: عن موسى بن القاسم، عن أبان، عن ابن أبي عمير، و الصواب ما أثبتناه،

لأنّ رواية موسى بن القاسم عن أبان و ابن أبي عمير صحيحة كما في معجم رجال الحديث 19: 65، و رواية أبان عن ابن أبي عمير غير صحيحة، بل العكس هو الصحيح كما في معجم رجال الحديث 14: 287.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 35

زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «تفسير القرآن على سبعة أوجه منه ما كان، و منه ما لم يكن، بعد ذلك تعرفه الأئمة».

104/ [10]- و عنه: عن أحمد بن الحسين، عن أبيه عن بكر بن صالح «1»، عن عبدالله بن إبراهيم بن عبد العزيز ابن محمد بن علي بن عبدالله بن جعفر الحميري، قال: حدثنا يعقوب بن جعفر، قال: كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) بمكة، فقال له رجل: إنك لتفسر من كتاب الله ما لم يسمع! فقال: «علينا نزل قبل الناس، و لنا فسر قبل أن يفسر في الناس، فنحن نعلم «2» حلاله و حرامه، و ناسخه و منسوخه، و سفريه و حضريه «3»، و في أي ليلة نزلت كم من آية، و فيمن نزلت، «4» فنحن حكماء الله في أرضه و شهداؤه على خلقه، و هو قوله تبارك و تعالى: سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَ يُسْئَلُونَ»

فالشهادة لنا، و المسألة للمشهود عليه، فهذا علم ما قد أنهيته [إليك ما لزمني، فإن قبلت فاشكر، و إن تركت فإن الله على كل شي ء شهيدا]».

105/ [11]- سعد بن عبدالله: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن مرازم بن حكيم و موسى بن بكر، قالا: سمعنا أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «إنا أهل بيت لم يزل الله يبعث منا من يعلم كتابه من أوله إلى آخره، و إن عندنا من حلاله

و حرامه ما يسعنا كتمانه، ما نستطيع أن نحدث به أحدا».

106/ [12]- و عنه: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن حماد الكوفي، عن الحسين بن علوان و عمر بن مصعب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «إني امرؤ من قريش، و لدني رسول الله (صلى الله عليه و آله) و علمت كتاب الله، و فيه تبيان كل شي ء، و فيه بدء الخلق، و أمر السماء و أمر الأرض، و أمر الأولين و أمر الآخرين، و ما يكون، كأني أنظر ذلك نصب عيني».

107/ [13]- العياشي: عن الأصبغ بن نباتة قال: [لما] قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) الكوفة، صلى بهم أربعين صباحا يقرأ بهم: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى «6» قال: فقال المنافقون: لا و الله، ما يحسن ابن أبي طالب أن يقرأ القرآن، و لو أحسن أن يقرأ القرآن لقرأ بنا غير هذه السورة.

__________________________________________________

10- بصائر الدرجات: 218/ 4.

11- مختصر بصائر الدرجات: 59.

12- مختصر بصائر الدرجات: 101، بسند آخر. [.....]

13- تفسير العيّاشي 1: 14/ 1، ينابيع المودّة: 120.

(1) في المصدر: بكير بن صالح، و لعلّ الصواب ما في المتن. راجع جامع الرواة: 1/ 127، معجم رجال الحديث 3: 348.

(2) في المصدر: نعرف.

(3) السفر: خلاف الحضر. و الحضريّ: من أهل الحاضرة و هي خلاف البادية.

(4) في المصدر زيادة: و فيما نزلت.

(5) الزّخرف 43: 19.

(6) الأعلى 87: 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 36

قال: فبلغه ذلك، فقال: «ويل لهم، إني لأعرف ناسخه من منسوخه، و محكمه من متشابهه، و فصله من فصاله، و حروفه من معانيه. و الله ما من حرف نزل على محمد (صلى الله عليه و آله) إلا أني أعرف فيمن نزل، و في

أي يوم، و في أي موضع.

ويل لهم، أما يقرءون إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى «1» و الله عندي، ورثتهما من رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و قد أنهى لي رسول الله (صلى الله عليه و آله) [صحف ] إبراهيم و موسى (عليهما السلام).

ويل لهم- و الله- أنا الذي أنزل الله في: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ «2»، فإنما كنا عند رسول الله (صلى الله عليه و آله) فيخبرنا بالوحي فأعيه أنا و من يعيه، فإذا خرجنا قالوا: ما ذا قال آنفا؟».

108/ [14]- عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «ما نزلت آية على رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلا أقرأنيها، و أملاها علي، فأكتبها بخطي، و علمني تأويلها و تفسيرها، و ناسخها و منسوخها، و محكمها و متشابهها، و دعا الله لي أن يعلمني فهمها و حفظها، فما نسيت آية من كتاب الله، و لا علما أملاه علي فكتبته منذ دعا لي ما دعا، و ما ترك شيئا علمه الله من حلال و لا حرام، و لا أمر و لا نهي، كان أو يكون، «3» من طاعة أو معصية إلا علمنيه و حفظته، فلم أنس منه حرفا واحدا.

ثم وضع يده على صدري، و دعا الله أن يملأ قلبي علما و فهما و حكمة و نورا، و لم أنس شيئا، و لم يفتني شي ء لم أكتبه.

قلت: يا رسول الله، أو تخوفت علي «4» النسيان فيما بعد؟ فقال: لست أتخوف عليك نسيانا و لا جهلا، و قد أخبرني ربي أنه قد استجاب لي «5» فيك، و في شركائك الذين يكونون من بعدك.

فقلت: يا رسول الله، و

من شركائي من بعدي؟

فقال: الذين قرنهم الله بنفسه و بي فقال: الأوصياء مني إلى أن يردوا علي الحوض، كلهم هاد مهتد، لا يضرهم من خذلهم، هم مع القرآن و القرآن معهم، لا يفارقهم و لا يفارقونه، بهم تنصر أمتي، و بهم يمطرون، و بهم يدفع عنهم، و بهم استجاب دعاءهم.

فقلت: يا رسول الله، سمهم لي؟ فقال لي: ابني هذا- و وضع يده على رأس الحسن (عليه السلام)- ثم ابني هذا- و وضع يده على رأس الحسين (عليه السلام)- ثم ابن له، يقال له: علي، و سيولد في حياتك، فأقرئه مني السلام، ثم تكملة اثني عشر من ولد محمد (صلى الله عليه و آله).

__________________________________________________

14- تفسير العيّاشي 1: 14/ 2، كتاب سليم بن قيس: 63، شواهد التنزيل 1: 35/ 41.

(1) الأعلى 87: 18، 19.

(2) الحاقّة 69: 12.

(3) في المصدر: أو لا يكون.

(4) (عليّ) ليس في «ط».

(5) (لي) ليس في «ط».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 37

فقلت له: بأبي أنت و أمي، فسمهم لي؟ فسماهم رجلا رجلا، منهم- و الله، يا أخا بني هلال- مهدي أمة محمد (صلى الله عليه و آله) الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما- و الله- إني لأعرف من يبايعه بين الركن و المقام، و أعرف أسماء آبائهم و قبائلهم».

109/ [15]- عن سلمة بن كهيل، عمن حدثه، عن علي (عليه السلام)، قال: «لو استقامت لي الإمرة و كسرت- أو ثنيت- لي الوسادة لحكمت لأهل التوراة بما أنزل الله في التوراة، حتى تذهب إلى الله أني قد حكمت بما أنزل الله فيها، و لحكمت لأهل الإنجيل بما أنزل الله في الإنجيل، حتى يذهب إلى الله أني قد حكمت بما أنزل

الله فيه، و لحكمت في أهل القرآن بما أنزل الله في القرآن، حتى يذهب إلى الله أني قد حكمت بما أنزل الله فيه».

110/ [16]- عن أيوب بن الحر، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: قلت له: الأئمة بعضهم أعلم من بعض؟ قال:

«نعم، و علمهم بالحلال و الحرام و تفسير القرآن واحد».

111/ [17]- عن حفص بن قرط الجهني، عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «كان علي (عليه السلام)، صاحب حلال و حرام و علم بالقرآن، و نحن على منهاجه».

112/ [18]- عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن جده، عن أبيه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن- كما قاتلت على تنزيله- و هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

113/ [19]

عن بشير الدهان، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام)، يقول: «إن الله فرض طاعتنا في كتابه فلا يسع الناس جهلها، لنا صفو المال، و لنا الأنفال، و لنا كرائم القرآن، و لا أقول لكم إنا أصحاب الغيب، و نعلم كتاب الله، و كتاب الله يحتمل كل شي ء، إن الله أعلمنا علما لا يعلمه أحد غيره، و علما قد أعلمه ملائكته و رسله، فما علمته ملائكته و رسله فنحن نعلمه».

114/ [20]- عن مرازم، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «إنا أهل بيت لم يزل الله يبعث فينا من يعلم كتابه من أوله إلى آخره، و إن عندنا من حلال الله و حرامه ما يسعنا من كتمانه، ما نستطيع أن نحدث به أحدا».

115/ [21]- عن الحكم بن عتيبة، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) لرجل من أهل الكوفة- و سأله عن شي ء-: «لو

__________________________________________________

15-

تفسير العيّاشي 1: 15/ 3، فرائد السمطين 1: 338/ 261، ينابيع المودّة: 70 و 72 و 120، انظر إحقاق الحقّ 7: 579. [.....]

16- تفسير العيّاشي 1: 15/ 4.

17- تفسير العيّاشي 1: 15/ 5.

18- تفسير العيّاشي 1: 15/ 6، مناقب ابن المغازلي: 298/ 341، كنزل العمال 11: 613/ 32967.

19- تفسير العيّاشي 1: 16/ 7.

20- تفسير العيّاشي 1: 61/ 8.

21- تفسير العيّاشي 1: 61/ 9.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 38

لقيتك بالمدينة لأرينك «1» أثر جبرئيل في دورنا، و نزوله على جدي بالوحي و القرآن و العلم، فيستسقي الناس العلم من عندنا فيهدون هم، و ضللنا نحن؟! هذا محال».

116/ [22]- عن يوسف بن السخت البصري، قال: رأيت التوقيع بخط محمد بن الحسن بن علي، «2» فكان فيه: «الذي يجب عليكم و لكم أن تقولوا: إنا قدوة الله و أئمته، و خلفاء الله في أرضه، و أمناؤه على خلقه، و حججه في بلاده، نعرف الحلال و الحرام، و نعرف تأويل الكتاب، و فصل الخطاب».

117/ [23]- عن ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه، قال: قال علي (عليه السلام): «ما بين اللوحين شي ء إلا و أنا أعلمه».

118/ [24]- عن سليمان الأعمش، عن أبيه، قال: قال علي (عليه السلام): «ما نزلت آية إلا و أنا علمت فيمن أنزلت، و أين أنزلت، و على من نزلت، إن ربي وهب لي قلبا عقولا و لسانا طلقا».

119/ [25]- عن أبي الصباح، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «إن الله علم نبيه (صلى الله عليه و آله) التنزيل و التأويل، فعلمه رسول الله (صلى الله عليه و آله) عليا (عليه السلام)».

120/ [26]- سعد بن عبدالله: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد،

و محمد بن خالد البرقي، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أيوب بن الحر، عن أبي عبدالله (عليه السلام)- أو عمن رواه- عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: قلنا له: الأئمة بعضهم أعلم من بعض؟ فقال: «نعم، و علمهم بالحلال و الحرام و تفسير القرآن واحد».

__________________________________________________

22- تفسير العيّاشي 1: 16/ 10.

23- تفسير العيّاشي 1: 17/ 11، شواهد التنزيل 1: 36/ 42 و 43، انظر إحقاق الحقّ 7: 633.

24- تفسير العيّاشي 1: 17/ 12، شواهد التنزيل 1: 33/ 38، مناقب الخوارزمي: 46، أنساب الأشراف 2: 98/ 27، الصواعق المحرقة: 127/ الفصل الرابع، أنظر إحقاق الحقّ 7: 581 و 584.

25- تفسير العيّاشي 1: 17/ 13.

26- مختصر بصائر الدرجات: 5.

(1) في المصدر: لأريتك.

(2) في «س»: محمّد بن عليّ، و في المصدر: محمّد بن محمّد بن عليّ، و في «ط»: محمّد بن محمّد بن الحسن بن عليّ، و الظاهر ما أثبتناه هو الصواب، و هو الحجّة المنتظر (عليه السّلام).

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 39

6- باب في النهي عن تفسير القرآن بالرأي، و النهي عن الجدال فيه ..... ص : 39

121/ [1]- محمد بن علي بن بابويه في (الغيبة)، قال: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه (رضي الله عنه)، قال:

حدثني عمي محمد بن أبي القاسم (رحمه الله)، عن محمد بن علي الصيرفي الكوفي، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «لعن الله المجادلين في دين الله على لسان سبعين نبيا، و من جادل في آيات الله فقد كفر، قال الله عز و جل: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ «1»

و من فسر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب، و من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء و الأرض، كل بدعة ضلالة، و كل ضلالة سبيلها إلى النار».

قال عبدالرحمن بن سمرة: فقلت: يا رسول الله، أرشدني إلى النجاة، فقال: «يا بن سمرة، إذا اختلفت الأهواء، و تفرقت الآراء، فعليك بعلي بن أبي طالب، فإنه إمام أمتي، و خليفتي عليهم من بعدي، و هو الفاروق الذي يتميز به بين الحق و الباطل، من سأله أجابه، و من استرشده أرشده، و من طلب الحق عنده وجده، و من التمس الهدى لديه صادفه، و من لجأ إليه أمنه، و من استمسك به أنجاه، و من اقتدى به هداه.

يا بن سمرة، سلم منكم من سلم له و والاه، و هلك من رد عليه و عاداه- يا بن سمرة- إن عليا مني روحه من روحي، و طينته من طينتي، و هو أخي و أنا أخوه، و هو زوج ابنتي- فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين- و إن منه إمامي أمتي و ابني و سيدي شباب أهل الجنة الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين، تاسعهم قائم أمتي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما».

122/ [2]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبان الأحمر، عن زياد بن أبي رجاء، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «ما علمتم فقولوا، و ما لم تعلموا

__________________________________________________

1- كمال الدّين و تمام النعمة: 256/ 1. [.....]

2- الكافي 1: 33/ 4.

(1) المؤمن 40: 4.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 40

فقولوا: الله أعلم، إن الرجل لينتزع الآية من القرآن

يخر فيها أبعد ما بين السماء و الأرض».

123/ [3]- عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن زيد الشحام، قال: دخل قتادة بن دعامة «1» على أبي جعفر (عليه السلام)، فقال: «يا قتادة، أنت فقيه أهل البصرة؟». فقال:

هكذا يزعمون.

قال أبو جعفر (عليه السلام): «بلغني أنك تفسر القرآن؟». قال له قتادة: نعم.

[فقال له أبو جعفر (عليه السلام): «بعلم تفسره، أم جهل؟». قال: لا، بعلم ].

فقال له أبو جعفر (عليه السلام): «فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت، و أنا أسألك». قال قتادة: سل.

قال: «أخبرني عن قول الله عز و جل في سبأ: وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيَّاماً آمِنِينَ». «2»

فقال قتادة: ذاك من خرج من بيته بزاد حلال و راحلة و كراء حلال، يريد هذا البيت، كان آمنا حتى يرجع إلى أهله.

فقال له أبو جعفر (عليه السلام): «ناشدتك الله- يا قتادة- هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال و راحلة و كراء حلال يريد هذا البيت، فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته، و يضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه؟».

قال قتادة: اللهم نعم.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «و يحك- يا قتادة- إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك، فقد هلكت و أهلكت، و إن كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكت و أهلكت، ويحك- يا قتادة- ذلك من خرج من بيته بزاد و راحلة و كراء حلال يروم هذا البيت عارفا بحقنا يهوانا قلبه، كما قال الله عز و جل: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ «3» و لم يعن البيت فيقول: إليه، فنحن و الله دعوة إبراهيم (عليه السلام) التي من يهوانا

قبلت حجته، و إلا فلا- يا قتادة- فإذا كان كذلك كان آمنا من عذاب جهنم يوم القيامة».

قال قتادة: لا جرم- و الله- لا فسرتها إلا هكذا.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «و يحك- يا قتادة- إنما يعرف القرآن من خوطب به».

124/ [4]- محمد بن علي بن بابويه، قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل، قال: حدثنا علي بن إبراهيم ابن هاشم، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام): «قال الله جل جلاله: ما آمن بي من فسر برأيه كلامي، و ما عرفني من شبهني بخلقي، و ما على

__________________________________________________

3- الكافي 8: 311/ 485.

4- عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 1: 116/ 4.

(1) قال أحمد بن حنبل: قتادة أحفظ أهل البصرة. و كان مع علمه بالحديث، رأسا في العربية و مفردات اللّغة و أيّام العرب و النسب. توفّي بمدينة واسط بسبب الطاعون، و هو ابن ستّ أو سبع و خمسين سنة. الجرح و التعديل 7: 133 و أعلام الزركلي 6: 27.

(2) سبأ 34: 18.

(3) إبراهيم 14: 37.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 41

ديني من استعمل القياس في ديني».

125/ [5]- عنه، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عبدالله الأسواري المذكر، قال: حدثنا أبو يوسف أحمد بن محمد بن قيس السجزي المذكر، قال: حدثنا أبو يعقوب، قال: حدثنا علي بن خشرم، قال: حدثنا عيسى، عن أبي عبيدة، عن محمد بن كعب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إنما أتخوف على أمتي من بعدي ثلاث خصال: أن يتأولوا القرآن على غير تأويله، أو يتبعوا زلة العالم، أو يظهر فيهم المال حتى يطغوا و يبطروا، و سأنبئكم

المخرج من ذلك أما القرآن فاعملوا بمحكمه و آمنوا بمتشابهه، و أما العالم فانتظروا فيئته «1» و لا تتبعوا زلته، و أما المال فإن المخرج منه شكر النعمة و أداء حقه».

126/ [6]- و عنه: عن أحمد بن الحسن القطان (رحمه الله) قال: حدثنا أحمد بن يحيى، عن بكر بن عبدالله بن حبيب، قال: حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر، قال: حدثني محمد بن الحسن بن عبد العزيز الأحدب الجنديسابوري، قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا طلحة بن زيد، عن عبدالله بن عبيد «2»، عن أبي معمر السعداني، أن رجلا قال له أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «إياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء، فإنه رب تنزيل يشبه كلام البشر، و هو كلام الله، و تأويله لا يشبه كلام البشر، كما ليس شي ء من خلقه يشبهه، كذلك لا يشبه فعله تبارك و تعالى شيئا من أفعال البشر، و لا يشبه شي ء من كلامه كلام البشر، و كلام الله تبارك و تعالى صفته، و كلام البشر أفعالهم، فلا تشبه كلام الله بكلام البشر فتهلك و تضل».

127/]- العياشي: عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «ليس شي ء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إن الآية ينزل أولها في شي ء، و أوسطها في شي ء، و آخرها في شي ء»، ثم قال: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «3» من ميلاد الجاهلية».

128/ [8]- عن جابر، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «يا جابر، إن للقرآن بطنا، و للبطن ظهرا».

ثم قال: «يا جابر، و ليس شي ء أبعد من عقول الرجال منه، إن الآية لينزل أولها في شي ء، و أوسطها

في شي ء، و آخرها في شي ء، و هو كلام متصل يتصرف «4» على وجوه».

__________________________________________________

5- الخصال: 164/ 216.

6- التّوحيد: 264/ 5.

7- تفسير العيّاشي 1: 17/ 1.

8- تفسير العيّاشي 1: 11/ 2.

(1) الفيئة: بكسر الفاء، الحالة من الرجوع عن الشّي ء الذي يكون قد لا بسه الإنسان و باشره. «لسان العرب- فيأ- 1: 125». و في «س»: فانظروا فتنته.

(2) في المصدر: حدّثنا طلحة بن يزيد، عن عبيد اللّه بن عبيد.

(3) الأحزاب 33: 33. و أوّل هذه الآية في نساء النبيّ (صلى اللّه عليه و آله)، و أوسطها في إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة، و آخرها في تطهير أهل البيت و عصمتهم (عليهم السّلام). [.....]

(4) في «ط»: ينصرف.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 42

129/ [9]- عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) «1»، قال: «من فسر القرآن برأيه فأصاب لم يؤجر، و إن أخطأ كان إثمه عليه».

130/ [10]- عن أبي الجارود، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «ما علمتم فقولوا، و ما لم تعلموا فقولوا: الله أعلم، فإن الرجل ينزع بالآية فيخر بها أبعد ما بين السماء و الأرض».

131/ [11]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «من فسر القرآن برأيه، إن أصاب لم يؤجر، و إن أخطأ فهو أبعد من السماء».

132/ [12]- عن عبدالرحمن بن الحجاج، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام)، يقول: ليس «2» أبعد من عقول الرجال من القرآن».

133/ [13]- عن عمار بن موسى، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سئل عن الحكومة؟ قال: «من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر، و من فسر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر».

134/ [14]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إياكم

و الخصومة، فإنها تحبط العمل، و تمحق الدين، و إن أحدكم لينزع بالآية يقع فيها أبعد من السماء».

135/ [15]- عن القاسم «3» بن سليمان، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «قال أبي (عليه السلام): ما ضرب رجل «4» القرآن بعضه ببعض إلا كفر».

136/ [16]- عن يعقوب بن يزيد، عن ياسر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، يقول: «المراء في كتاب الله كفر». «5»

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 1: 17/ 2.

10- تفسير العيّاشي 1: 17/ 3.

11- تفسير العيّاشي 1: 17/ 4.

12- تفسير العيّاشي 1: 17/ 5.

13- تفسير العيّاشي 1: 18/ 6.

14- تفسير العيّاشي 1: 18/ 1.

15- تفسير العيّاشي 1: 18/ 2.

16- تفسير العيّاشي 1: 18/ 3.

(1) في «س» و «ط»: عن أبي جعفر (عليه السّلام).

(2) في «ط»: ما.

(3) في المصدر: المعمّر، و هو تحريف صوابه ما في المتن، راجع جامع الرواة 2: 17، معجم رجال الحديث 14: 20.

(4) في «ط»: ما من رجل ضرب.

(5) المراء: الجدال، قال الطّريحي: قيل: إنّما سمّاه كفرا لأنّه من عمل الكفّار، أو لأنّه يفضي بصاحبه إلى الكفر إذا عاند صاحب الذي يماريه على الحقّ، لأنّه لا بدّ أن يكون أحد الرجلين، محقّا و الآخر مبطلا، و من جعل كتاب اللّه سناد باطله فقد كفر، مع احتمال أن يراد بالمراء الشكّ، و من المعلوم أنّ الشكّ فيه كفر. «مجمع البحرين- مرا- 1: 390». [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 43

137/ [17]- عن داود بن فرقد، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «لا تقولوا لكل آية هذه رجل و هذه رجل، إن من القرآن حلالا و منه حراما، و فيه نبأ من قبلكم، و خبر من بعدكم، و حكم ما بينكم، فهكذا هو.

كان رسول الله

(صلى الله عليه و آله) مفوض فيه إن شاء فعل الشي ء، و إن شاء ترك، حتى إذا فرضت فرائضه، و خمست أخماسه، حق على الناس أن يأخذوا به، لأن الله قال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا». «1»

138/ [18]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر ابن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «قال أبي (عليه السلام): ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلا كفر».

قلت: ذكر محمد بن علي بن بابويه في كتاب (معاني الأخبار) عن بعض العلماء «2» في معنى هذا الحديث:

هو أن يفسر آية بتفسير آية أخرى. «3»

__________________________________________________

17- تفسير العيّاشي 1: 18/ 4.

18- الكافي 2: 462/ 17.

(1) الحشر 59: 7.

(2) في «ط»: الفقهاء.

(3) معاني الأخبار: 190/ 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 44

7- باب في أن القرآن له ظهر و بطن، و عام و خاص، و محكم و متشابه، و ناسخ و منسوخ، و النبي (صلى الله عليه و آله) و أهل بيته (عليهم السلام) يعلمون ذلك، و هم الراسخون في العلم ..... ص : 44

139/ [1]- محمد بن الحسن الصفار: عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، عن منصور، عن ابن أذينة، عن الفضيل بن يسار، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الرواية: «ما من آية إلا و لها ظهر و بطن» «1» فقال:

«ظهر و بطن هو تأويله منه ما قد مضى، و منه ما لم يجي ء، يجري كما تجري الشمس و القمر، كلما جاء فيه تأويل شي ء منه يكون على الأموات كما يكون على الأحياء، قال الله تبارك و تعالى: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ «2» نحن نعلمه».

140/ [2]- و عنه: عن محمد بن الحسين، عن وهيب «3» بن حفص، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «إن القرآن فيه محكم و متشابه، فأما المحكم

فيؤمن به و يعمل، «4» و أما المتشابه فيؤمن «5» به و لا يعمل «6» به، و هو قول الله تبارك و تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ».»

__________________________________________________

1- بصائر الدرجات: 223/ 2.

2- بصائر الدرجات: 223/ 3.

(1) في المصدر زيادة: و ما فيه حرف إلّا و له حدّ يطلع، ما يعني بقوله: لها ظهر و بطن.

(2) آل عمران 3: 7.

(3) في المصدر: وهب. و لعلّ الصواب ما أثبتناه. راجع معجم رجال الحديث 19: 206 و 215.

(4) في المصدر: فنؤمن به فنعمل به و ندين به.

(5) في المصدر: فنؤمن.

(6) في المصدر: و لا نعمل.

(7) آل عمران 3: 7. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 45

141/ [3]- [حدثنا إبراهيم بن إسحاق، عن عبدالله بن حماد، عن بريد بن معاوية العجلي، عن أحدهما (عليهما السلام)، في قول الله تعالى: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ]. «1»

قال: «رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أهل بيته «2» أفضل الراسخين في العلم، قد علمه الله جميع ما أنزل عليه من التنزيل و التأويل، و ما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله، و أوصياؤه من بعده يعلمونه كله، و الذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيه بعلم فأجابهم الله: يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا «3» فالقرآن: عام، و خاص، و محكم، و متشابه، و ناسخ، و منسوخ، و الراسخون في العلم يعلمونه».

142/ [4]- و عنه: عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح الكناني، قال:

قال أبو

عبدالله (عليه السلام): «يا أبا الصباح، نحن قوم فرض الله طاعتنا، لنا الأنفال و لنا صفو المال، و نحن الراسخون في العلم، و نحن المحسودون الذين قال الله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ». «4»

143/ [5]- و عنه: عن محمد بن خالد، «5» عن سيف بن عميرة، عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «نحن الراسخون في العلم، و نحن نعلم تأويله».

144/ [6]- العياشي: عن أبي محمد الهمداني، عن رجل، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: سألته عن الناسخ و المنسوخ، و المحكم و المتشابه، فقال: «الناسخ الثابت، و المنسوخ ما مضى، و المحكم ما يعمل به، و المتشابه الذي يشبه بعضه بعضا».

145/ [7]- عن جابر، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «يا جابر، إن للقرآن بطنا، و للبطن ظهرا».

ثم قال: «يا جابر، و ليس شي ء أبعد من عقول الرجال منه، إن الآية لينزل أولها في شي ء، و أوسطها في شي ء، و آخرها في شي ء، و هو كلام متصل يتصرف على وجوه».

146/ [8]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «نزل القرآن ناسخا و منسوخا».

__________________________________________________

3- بصائر الدرجات: 224/ 8.

4- بصائر الدرجات: 222/ 1.

5- بصائر الدرجات: 224/ 7.

6- تفسير العيّاشي 1: 10/ 1.

7- تفسير العيّاشي 1: 11/ 2.

8- تفسير العيّاشي 1: 11/ 3.

(1) آل عمران 3: 7.

(2) (و أهل بيته) ليس في المصدر.

(3) آل عمران 3: 7.

(4) النّساء 4: 54.

(5) في المصدر: أحمد بن محمّد بن خالد، و الظاهر أنّه: أحمد بن محمّد، عن محمّد خالد، كما في عدّة موارد من المصدر. و ما في المتن صحيح أيضا لأنّه من مشايخ الصفّار. راجع معجم رجال الحديث 15: 257 و 16:

63.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 46

147/ [9]- عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «ظهر القرآن الذين نزل فيهم، و بطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم».

148/ [10]- عن الفضيل بن يسار، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الرواية: «ما في القرآن آية إلا و لها ظهر و بطن، و ما فيه حرف إلا و له حد، و لكل حد مطلع». ما يعني بقوله: «لها ظهر و بطن؟».

فقال: «ظهره [تنزيله ]، و بطنه تأويله، منه ما مضى، و منه ما لم يكن بعد، يجري كما تجري الشمس و القمر، كلما جاء منه شي ء وقع، قال الله تعالى: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ «1» نحن نعلمه».

149/ [11]- عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «إن القرآن فيه محكم و متشابه، فأما المحكم فنؤمن به و نعمل به، و ندين به، و أما المتشابه فنؤمن به و لا نعمل به».

150/ [12]- عن مسعدة بن صدقة، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الناسخ و المنسوخ، و المحكم و المتشابه؟ قال: «الناسخ الثابت المعمول به، و المنسوخ ما قد كان يعمل به ثم جاء ما نسخه، و المتشابه ما اشتبه على جاهله».

151/ [13]- عن جابر، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شي ء في تفسير القرآن فأجابني، ثم سألته ثانية فأجابني بجواب آخر، فقلت: جعلت فداك، كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم؟! فقال لي:

«يا جابر، إن للقرآن بطنا، و للبطن بطنا و ظهرا، و للظهر «2» ظهرا- يا جابر- و ليس شي ء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إن الآية ليكون أولها

في شي ء و أوسطها في شي ء و آخرها في شي ء، و هو كلام متصل يتصرف على وجوه».

152/ [14]- عن أبي عبد الرحمن السلمي، أن عليا (عليه السلام) مر على قاض فقال: «هل تعرف الناسخ من المنسوخ؟» فقال: لا، فقال: «هلكت و أهلكت، تأويل كل حرف من القرآن على وجوه».

153/ [15]- عن إبراهيم بن عمر، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «إن في القرآن ما مضى و ما يحدث و ما هو كائن، كانت فيه أسماء الرجال فألقيت، و إنما الاسم الواحد منه في وجوه لا تحصى، يعرف ذلك الوصاة».

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 1: 11/ 4.

10- تفسير العيّاشي 1: 11/ 5.

11- تفسير العيّاشي 1: 11/ 6. [.....]

12- تفسير العيّاشي 1: 11/ 7.

13- تفسير العيّاشي 1: 12/ 8.

14- تفسير العيّاشي 1: 12/ 9.

15- تفسير العيّاشي 1: 12/ 10.

(1) آل عمران 3: 7.

(2) (بطنا و ظهرا و للظهر) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 47

154/ [16]- عن حماد بن عثمان، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): إن الأحاديث تختلف عنكم؟ قال: فقال:

«إن القرآن نزل على سبعة أحرف «1»، و أدنى [ما] للإمام أن يفتي على سبعة وجوه- ثم قال-: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ». «2»

155/ [17]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن المعلى «3» بن محمد، عن الوشاء، عن جميل بن دراج، عن محمد بن مسلم، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن القرآن واحد، نزل من عند واحد، و لكن الاختلاف يجي ء من قبل الرواة».

156/ [18]- عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه

السلام): إن الناس يقولون: إن القرآن نزل على سبعة أحرف؟ فقال: «كذبوا أعداء الله، و لكنه نزل على حرف واحد، من عند الواحد».

157/ [19]- و من طريق الجمهور: من كتاب (حلية الأولياء) يرفعه إلى عبدالله بن مسعود أنه قال: «القرآن نزل «4» على سبعة أحرف، ما منها حرف إلا و له ظهر و بطن، و إن علي بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر و الباطن».

__________________________________________________

16- تفسير العيّاشي 1: 12/ 11.

17- الكافي 2: 461/ 12.

18- الكافي 2: 461/ 13.

19- حيلة الأولياء 1: 65، النور المشتعل: 21/ 1، فرائد السمطين 1: 355/ 281، ترجمة الإمام عليّ (عليه السّلام) من تاريخ ابن عساكر 3: 32/ 1057، ينابيع المودّة 70 و 373.

(1) أحرف: جمع حرف، و قد اختلفوا في معناه على أقوال، فقيل: المراد بالحرف الإعراب، و قيل: الكيفيّات، و قيل: إنّها وجوه القراءة التي اختارها القرّاء. «مجمع البحرين- حرف- 5: 36».

(2) سورة ص 38: 39.

(3) في المصدر: عليّ، و الظاهر أنّه تصحيف، كما أشار لذلك في جامع الرواة 2: 251، معجم رجال الحديث 23: 167.

(4) في المصدر: إنّ القرآن أنزل. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 48

8- باب في ما نزل عليه القرآن من الأقسام ..... ص : 48

158/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد و علي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي يحيى، عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام)، يقول: «أنزل «1» القرآن أثلاثا: ثلث فينا و في عدونا، و ثلث سنن و أمثال، و ثلث فرائض و أحكام».

159/ [2]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحجال، عن علي بن عقبة، عن داود بن فرقد،

عمن ذكره، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «إن القرآن نزل أربعة أرباع: ربع حلال، و ربع حرام، و ربع سنن و أحكام، و ربع خبر ما كان قبلكم، و نبأ ما يكون بعدكم، و فصل ما بينكم».

160/ [3]- و عنه: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «نزل القرآن أربعة أرباع: ربع فينا، و ربع في عدونا، و ربع سنن و أمثال، و ربع فرائض و أحكام».

161/]- العياشي: عن أبي الجارود، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «نزل القرآن على أربعة أرباع: ربع فينا، و ربع في عدونا، و ربع في فرائض و أحكام، و ربع سنن و أمثال. و لنا كرائم القرآن».

162/ [5]- عن عبدالله بن سنان، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن القرآن و الفرقان؟ قال: «القرآن: جملة الكتاب، و أخبار ما يكون، و الفرقان: المحكم الذي يعمل به، و كل محكم فهو فرقان».

163/ [6]- عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «نزل القرآن أثلاثا: ثلث فينا و في عدونا، و ثلث سنن و أمثال، و ثلث فرائض و أحكام».

__________________________________________________

1- الكافي 2: 459/ 2، شواهد التنزيل 1: 44/ 59.

2- الكافي 2: 459/ 3.

3- الكافي 2: 459/ 4، شواهد التنزيل 1: 43/ 57 و 58 و: 45/ 60 و: 46/ 65.

4- تفسير العيّاشي 1: 9/ 1، تفسير الحبري: 233/ 2، النور المشتعل: 36- 38/ 9- 12.

5- تفسير العيّاشي 1: 9/ 2.

6- تفسير العيّاشي 1: 9/ 3، شواهد التنزيل 1: 44/ 59.

(1) في المصدر: نزل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 49

164/

[7]- عن محمد بن خالد الحجاج الكرخي، عن بعض أصحابه، رفعه إلى خيثمة، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «يا خيثمة، القرآن نزل أثلاثا: ثلث فينا و في أحبائنا، و ثلث في أعدائنا و عدو من كان قبلنا، و ثلث سنة و مثل. و لو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك القوم ماتت الآية، لما بقي من القرآن شي ء، و لكن القرآن يجري أوله على آخره ما دامت السماوات و الأرض، و لكل قوم آية يتلونها، هم منها من خير أو شر».

165/ [8]- و من طريق الجمهور: عن ابن المغازلي، عن ابن عباس، عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: «إن القرآن أربعة أرباع: فربع فينا أهل البيت خاصة، «1» و ربع «2» حلال، و ربع حرام، و ربع فرائض و أحكام و الله أنزل فينا «3» كرائم القرآن».

166/ [9]- العياشي: عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «إن القرآن آمر و زاجر: آمر بالجنة، و يزجر عن النار».

167/ [10]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن سنان- أو عن غيره-، عمن ذكره، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن القرآن و الفرقان، أ هما شيئان، أو شي ء واحد؟

فقال (عليه السلام): «القرآن جملة الكتاب، و الفرقان المحكم الواجب العمل به».

168/ [11]- عنه: عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، قال:

سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «إن القرآن زاجر و آمر: يأمر بالجنة، و يزجر عن النار».

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 1: 10/ 7.

8- مناقب ابن المغازلي: 328/ 375، النور المشتعل: 38/ 12 و: 39/ 13.

9- تفسير العيّاشي

1: 10/ 6.

10- الكافي 2: 461/ 11.

11- الكافي 2: 439/ 9.

(1) في المصدر زيادة: و ربع في أعدائنا.

(2) (ربع) ليس في المصدر. [.....]

(3) في المصدر: في عليّ (عليه السّلام).

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 50

9- باب في أن القرآن نزل ب (إياك أعني و اسمعي يا جارة) «1» ..... ص : 50

169/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن عبدالله بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عبدالله ابن بكير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «نزل القرآن ب (إياك أعني و اسمعي يا جارة)».

ثم قال الكليني: و في رواية أخرى، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «معناه ما عاتب الله عز و جل به نبيه (صلى الله عليه و آله) فهو يعني به ما قد مضى في القرآن، مثل قوله: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا «2» عنى بذلك غيره».

170/ [2]- العياشي: عن عبدالله بن بكير، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «نزل القرآن ب (إياك أعني و اسمعي يا جارة)».

171/ [3]- عن ابن أبي عمير، عمن حدثه، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «ما عاتب الله نبيه فهو يعني به من قد مضى في القرآن، مثل قوله: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا «3» عنى بذلك غيره».

__________________________________________________

1- الكافي 2: 461/ 14.

2- تفسير العيّاشي 1: 10/ 4.

3- تفسير العيّاشي 1: 10/ 5.

(1) مثل يضرب لمن يتكلم بكلام و يريد به غيره. «مجمع الأمثال 1: 49/ 187».

(2) الإسراء 17: 74.

(3) الإسراء 17: 74.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 51

10- باب في ما عنى به الأئمة (عليهم السلام) في القرآن ..... ص : 51

172/ [1]- العياشي: عن ابن مسكان، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكب الفتن». «1»

173/ [2]- عن حنان بن سدير، عن أبيه، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «يا أبا الفضل، لنا حق في كتاب الله المحكم من الله لو محوه فقالوا: ليس من عند الله، أو لم يعلموا، لكان سواء». «2»

174/ [3]- عن محمد بن مسلم، قال:

قال أبو جعفر (عليه السلام): «يا محمد، إذا سمعت الله ذكر أحدا من هذه الأمة بخير، فهم نحن، و إذا سمعت الله ذكر قوما بسوء ممن مضى، فهم عدونا».

175/ [4]- عن داود بن فرقد، عمن أخبره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتنا «3» فيه مسمين».

176/ [5]- و قال سعيد بن الحسين الكندي، عن أبي جعفر (عليه السلام)- بعد مسمين-: «كما سمي من قبلنا».

177/ [6]- عن ميسر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «لو لا أن زيد في كتاب الله و نقص منه ما خفي حقنا على ذي الحجا، «4» و لو قد قام قائمنا فنطق صدقه القرآن».

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1: 13/ 1.

2- تفسير العيّاشي 1: 13/ 2.

3- تفسير العيّاشي 1: 13/ 3.

4- تفسير العيّاشي 1: 13/ 4.

5- تفسير العيّاشي 1: 13/ 5.

6- تفسير العيّاشي 1: 13/ 6.

(1) لم يتنكب الفتن: أي لا مخلص له مها. «مجمع البحرين- نكب- 2: 176». [.....]

(2) في المصدر: سواه.

(3) ألفيت الشي ء: وجدته. «الصحاح- لفا- 6: 2484».

(4) الحجا: العقل و الفطنة، و الجمع أحجاء. «لسان العرب- حجا- 14: 165».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 52

178/ [7]- عن مسعدة بن صدقة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده، قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سموهم بأحسن أمثال القرآن يعني عترة النبي (صلى الله عليه و آله)، هذا عذب فرات فاشربوا، و هذا ملح أجاج»

فاجتنبوا».

179/ [8]- عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبدالله (عليه السلام): عن قول الله: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ «2» فلما رآني أتتبع هذا و أشباهه من الكتاب، قال: «حسبك كل شي ء في

الكتاب من فاتحته إلى خاتمته مثل هذا فهو في الأئمة عنى به».

180/ [9]- و روى الشيخ الكامل شرف الدين النجفي في كتاب (تأويل الآيات الباهرة في فضائل العترة الطاهرة قال: ورد من طريق العامة و الخاصة الخبر المأثور عن عبدالله بن عباس (رضي الله عنه) أنه قال: قال لي أمير المؤمنين (عليه السلام): «نزل القرآن أرباعا: ربع فينا، و ربع في عدونا، و ربع سنن و أمثال، و ربع فرائض و أحكام، و لنا كرائم القرآن». و كرائم القرآن أحسنه «3» لقوله تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ «4» و القول هو القرآن.

181/ [10]- قال: و يؤيد هذا ما رواه أبو جعفر الطوسي بإسناده إلى الفضل بن شاذان، عن داود بن كثير، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) أنتم الصلاة في كتاب الله عز و جل، و أنتم الزكاة، «5» و أنتم الحج؟

فقال: «يا داود، نحن الصلاة في كتاب الله عز و جل، و نحن الزكاة، و نحن الصيام، و نحن الحج، و نحن الشهر الحرام، و نحن البلد الحرام، و نحن كعبة الله، و نحن قبلة الله، و نحن وجه الله، قال الله تعالى: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ «6»، و نحن الآيات، و نحن البينات.

و عدونا في كتاب الله: الفحشاء و المنكر و البغي، و الخمر و الميسر، و الأنصاب و الأزلام، و الأصنام و الأوثان، و الجبت و الطاغوت، و الميتة و الدم و لحم الخنزير.

يا داود، إن الله خلقنا، و أكرم خلقنا، و فضلنا، و جعلنا أمناءه و حفظته و خزانه على ما في السماوات و ما في الأرض، و جعل لنا أضدادا و أعداء، فسمانا في كتابه و كنى عن

أسمائنا بأحسن الأسماء و أحبها إليه، تكنية عن

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 1: 13/ 7.

8- تفسير العيّاشي 1: 13/ 8.

9- تأويل الآيات 1: 18/ 1، تفسير الحبري: 233/ 2، شواهد التنزيل 1: 43/ 57 و 58 و: 45/ 60.

10- تأويل الآيات 1: 19/ 2.

(1) أجاج: ملح مرّ. «مختار الصحاح- أجج-: 6».

(2) الرّعد 13: 43.

(3) في «ط»: مجامعه و أحسنه، و في المصدر: محاسنه و أحسنه.

(4) الزّمر 39: 18.

(5) في المصدر زيادة: و أنتم الصيام.

(6) البقرة 2: 115.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 53

العدو، و سمى أضدادنا و أعداءنا في كتابه و كنى عن أسمائهم و ضرب لهم الأمثال في كتابه في أبغض «1» الأسماء إليه و إلى عباده المتقين».

182/ [11]- و يؤيد هذا ما رواه- أيضا- عن الفضل بن شاذان، بإسناده عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال: «نحن أصل كل بر، و من فروعنا كل بر و من البر التوحيد، و الصلاة، و الصيام، و كظم الغيظ، و العفو عن المسي ء، و رحمة الفقير، و تعاهد الجار، و الإقرار بالفضل لأهله.

و عدونا أصل كل شر، و من فروعهم كل قبيح و فاحشة، فهم الكذب، و النميمة، و البخل، و القطيعة و أكل الربا، و أكل مال اليتيم بغير حق، و تعدي الحدود التي أمر الله عز و جل بها، و ركوب الفواحش ما ظهر منها و ما بطن من الزنا و السرقة، و كل ما [وافق ] ذلك من القبيح، و كذب من قال: إنه معنا، و هو متعلق بفرع غيرنا».

__________________________________________________

11- تأويل الآيات 1: 19/ 3. [.....]

(1) في «س» و «ط»: بعض.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 54

11- باب آخر ..... ص : 54

183/ [1]- سعد بن عبدالله في (بصائر الدرجات) قال:

حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى بن الحسين بن سعيد، عن الحسن بن علي، عن حفص المؤذن «1»، قال: كتب أبو عبدالله (عليه السلام) إلى أبي الخطاب: «بلغني أنك تزعم أن الخمر رجل، و أن الزنا رجل، و أن الصلاة رجل، و أن الصوم رجل و ليس كما تقول، نحن أصل الخير، و فروعه طاعة الله، و عدونا أصل الشر، و فروعه معصية الله».

ثم كتب: «كيف يطاع من لا يعرف، و كيف يعرف من لا يطاع؟!».

184/ [2]- و عنه: عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن داود بن فرقد، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «لا تقولوا في كل آية هذا رجل و هذا رجل، من القرآن حلال، و منه حرام، و منه نبأ ما قبلكم، و حكم ما بينكم، و خبر ما بعدكم، و هكذا هو».

185/ [3]- و عنه: عن القاسم بن الربيع الوراق، و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن سنان، عن مياح «2» المدائني، عن المفضل بن عمر أنه كتب إلى أبي عبدالله (عليه السلام) كتابا فجاءه جواب أبي عبدالله (عليه السلام) بهذا: «أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله و طاعته، فإن من التقوى الطاعة، و الورع، و التواضع لله و الطمأنينة، و الاجتهاد له، و الأخذ بأمره، و النصيحة لرسله، و المسارعة في مرضاته، و اجتناب ما نهى عنه فإنه من يتق الله فقد أحرز نفسه من النار بإذن الله، و أصاب الخير كله في الدنيا و الآخرة، فإنه من أمر بالتقوى فقد أبلغ في الموعظة، جعلنا الله و إياكم من المتقين برحمته.

جاءني كتابك فقرأته و فهمت الذي فيه، و حمدت الله على سلامتك و عافية

الله إياك، ألبسنا الله و إياك عافيته في الدنيا و الآخرة.

__________________________________________________

1- بصائر الدرجات: 556/ 2، مختصر بصائر الدرجات: 78.

2- بصائر الدرجات: 556/ 3، مختصر بصائر الدرجات: 78.

3- بصائر الدرجات: 546/ 1، مختصر بصائر الدرجات: 78.

(1) في «س»: المؤدّب، و ما في المتن هو الصحيح، راجع رجال الطوسي: 185، و معجم رجال الحديث 6: 159.

(2) في «س» و «ط»: منّاح، و في المصدر: صيّاح، تصحيف، صوابه ما في المتن، راجع رجال النجاشي: 424/ 1140، جامع الرواة 2: 283.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 55

كتبت تذكر أن قوما أنا أعرفهم «1» كان أعجبك نحوهم و شأنهم، و أنك أبلغت عنهم أمورا زائدة عليهم كرهتها لهم، و لم تر منهم هديا و لا حسنا و ورعا و تخشعا.

و بلغك أنهم يزعمون أن الدين إنما هو معرفة الرجال، ثم من بعد ذلك إذا عرفتهم فاعمل ما شئت، و ذكرت أنك قد قلت: أصل الدين معرفة الرجال وفقك الله.

و ذكرت أنه قد بلغك أنهم يزعمون أن الصلاة و الزكاة و صوم شهر رمضان و الحج و العمرة و المسجد الحرام «2» و الشهر الحرام «3» رجال، و أن الطهر و الاغتسال من الجنابة هو رجل، و كل فريضة افترضها الله عز و جل على عباده فهي رجال.

و أنهم ذكروا لك «4» بزعمهم أن من عرف ذلك الرجل فقد اكتفى بعلمه من غير عمل، و قد صلى و آتى الزكاة و صام و حج و اعتمر، و اغتسل من الجنابة و تطهر، و عظم حرمات الله و الشهر الحرام و المسجد الحرام و البيت الحرام.

و أنهم ذكروا أن من عرف هذا بعينه و بحده و ثبت في قلبه جاز له أن

يتهاون بالعمل، و ليس عليه أن يجتهد في العمل، و يزعمون أنه إذا عرفوا ذلك الرجل فقد قبلت منهم هذه الحدود لوقتها و إن لم يعملوا بها.

و أنه بلغك أنهم يزعمون أن الفواحش التي نهى الله عنها من الخمر و الميسر و الميتة و الدم و لحم الخنزير هم رجال، و ذكروا إنما حرم الله عز و جل من نكاح الأمهات و البنات و الأخوات و العمات و الخالات و بنات الأخ و بنات الأخت، و ما حرم الله على المؤمنين «5» من النساء، إنما عنى بذلك نساء النبي (صلى الله عليه و آله)، و ما سوى ذلك فمباح. «6»

و ذكرت أنه بلغك أنهم يترادفون المرأة الواحدة، و يتشاهدون بعضهم لبعض «7»، و يزعمون أن لهذا بطنا و ظهرا يعرفونه فالظاهر ما يتناهون عنه يأخذون به مدافعة عنهم، و الباطن هو الذي يطلبون و به أمروا بزعمهم.

و كنت تذكر الذي «8» عظم «9» عليك من ذلك حين «10» بلغك، فكتبت تسألني عن قولهم في ذلك، أحلال

__________________________________________________

(1) في «س» و «ط»: كما.

(2) في المصدر زيادة: و البيت الحرام و المشعر الحرام.

(3) في المصدر زيادة: هم.

(4) في المصدر: ذلك.

(5) في «س»: علي أمير المؤمنين (عليه السّلام). و ما في المتن الأنسب.

(6) في المصدر زيادة: كلّه.

(7) في المصدر زيادة: بالزور.

(8) في المصدر: و كتبت تذكر الذين. [.....]

(9) في «ط»: الذي طمّ عظيم. و طمّ: كثر و علا حتّى غلب.

(10) في «س»: حتّى.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 56

هو أم حرام؟ و كتبت تسألني عن تفسير ذلك، و أنا أبينه لك حتى لا تكون من ذلك في عمى «1» و لا شبهة تدخل عليك.

و قد كتبت إليك في كتابي

هذا تفسير ما سألت عنه فاحفظه الحفاظ «2» كله و عه، كما قال الله تعالى:

وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ «3» و أنا أصفه لك بحله «4» و أنفي عنك حرامه- إن شاء الله- كما وصفت لك، و أعرفكه حتى تعرفه- إن شاء الله تعالى- و لا تنكره، و لا قوة إلا بالله، و القوة و العزة لله جميعا.

أخبرك أنه من كان يؤمن و يدين بهذه الصفة التي سألتني عنها فهو مشرك بالله بين الشرك، لا يسع أحدا الشك فيه، و أخبرك أن هذا القول كان من قوم سمعوا ما لم يعقلوه عن أهله، و لم يعطوا فهم ذلك، و لم يعرفوا حدود ما سمعوا، فوضعوا حدود تلك الأشياء مقايسة برأيهم و مقتضى «5» عقولهم، و لم يضعوها على حدود ما أمروا، كذبا و افتراء على الله و على رسوله (صلى الله عليه و آله)، و جرأة على المعاصي، فكفى بهذا جهلا لهم، و لو أنهم وضعوها على حدودها التي حدت لهم و قبلوها لم يكن به بأس، و لكن حرفوها و تعدوا الحق، و كذبوا فيها و تهاونوا بأمر الله و طاعته.

و لكن أخبرك أن الله عز و جل حدها بحدودها لئلا يتعدى حدود الله أحد، و لو كان الأمر كما ذكروا لعذر الناس بجهل ما لم يعرفوا حد ما حد لهم فيه، و لكان المقصر و المتعدي حدود الله معذورا إذا لم يعرفها، و لكن جعلها الله حدودا محدودة لا يتعداها إلا مشرك كافر، قال الله عز و جل: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. «6»

فأخبرك حقا يقينا أن الله تبارك و تعالى اختار لنفسه الإسلام دينا و

رضيه لخلقه، فلم يقبل من أحد عملا إلا به، و به بعث أنبياءه و رسله، ثم قال: وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ «7» فعليه و به بعث أنبياءه و رسله و نبيه محمدا (صلى الله عليه و آله)، فأصل الدين معرفة الرسل و ولايتهم، و أن الله عز و جل أحل حلالا و حرم حراما فجعل حلاله حلالا إلى يوم القيامة، و جعل حرامه حراما إلى يوم القيامة.

فمعرفة الرسل و ولايتهم و طاعتهم هي الحلال، فالمحلل ما حللوا، و المحرم ما حرموا، و هم أصله و منهم الفروع الحلال، و حج البيت و العمرة، و تعظيمهم حرمات الله و شعائره و مشاعره، و تعظيم البيت الحرام و المسجد الحرام

__________________________________________________

(1) في «س»: غمّ.

(2) الحفاظ: المحافظة، و هو المواظبة و الذبّ عن المحارم. «القاموس المحيط- حفظ- 2: 409».

(3) الحاقّة 69: 12.

(4) الحلّ: الحلال، و هو ضدّ الحرام. «الصحاح- حلل- 4: 1672».

(5) في «س»: و منتهى.

(6) البقرة 2: 229.

(7) الاسراء 17: 105.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 57

و الشهر الحرام، و الطهر و الاغتسال من الجنابة و مكارم الأخلاق و محاسنها و جميع البر، و ذكر ذلك في كتابه، فقال:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. «1»

و عدوهم هم الحرام المحرم، و أولياؤهم هم الداخلون في أمرهم إلى يوم القيامة، و هم الفواحش ما ظهر منها و ما بطن، و الخمر و الميسر و الزنا و الربا و الميتة و الدم و لحم الخنزير هي الحرام و المحرم و أصل كل حرام، و هم الشر و أصل كل شر، و منهم فروع الشر

كله، و من تلك الفروع استحلالهم الحرام و إتيانهم إياه، و من فروعهم تكذيب الأنبياء و جحود الأوصياء، و ركوب الفواحش من الزنا و السرقة، و شرب الخمر و المسكر، و أكل مال اليتيم و أكل الربا، و الخديعة و الخيانة، و ركوب المحارم كلها، و انتهاك المعاصي.

و إنما أمر الله بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى- يعني مودة ذي القربى و اتباع «2» طاعتهم- و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي، و هم أعداء الأنبياء و أوصياء الأنبياء، و هم المنهي عنهم و عن مودتهم و طاعتهم، يعظكم بهذا لعلكم تذكرون.

و أخبركم أني لو قلت لكم: إن الفاحشة و الخمر و الزنا و الميتة و الدم و لحم الخنزير هو رجل، و أنا أعلم أن الله عز و جل قد حرم هذا الأصل و حرم فروعه و نهى عنه، و جعل ولايته كمن عبد من دون الله وثنا و شركاء، و من دعا إلى عبادة نفسه كفرعون إذ قال: أنا ربكم الأعلى، فهذا كله» إن شئت قلت هو رجل، و هو إلى جهنم و كل من شايعه على ذلك، فإنهم مثل قول الله عز و جل: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ «4» لصدقت، ثم أني لو قلت: إنه فلان، و هو ذلك كله، لصدقت أن فلانا هو المعبود من دون الله، و المتعدي لحدود الله التي نهى عنها أن تتعدى.

ثم أخبرك أن أصل الدين هو رجل، و ذلك الرجل هو اليقين، و هو الإيمان، و هو إمام أهل زمانه، فمن عرفه عرف الله و دينه «5» و شرائعه، و من أنكره أنكر الله و دينه، و من جهله

جهل الله و دينه و شرائعه، و لا يعرف الله و دينه بغير ذلك الإمام، كذلك جرى بأن معرفة الرجال دين الله.

و المعرفة على وجهين: معرفة ثابتة على بصيرة يعرف بها دين الله و توصل إلى معرفة الله، فهذه المعرفة الباطنة «6» بعينها، الموجبة حقها، المستوجب عليها الشكر لله الذي من عليكم بها منا، من الله الذي يمن به على

__________________________________________________

(1) النّحل 16: 90.

(2) في المصدر و «ط» نسخة بدل: و ابتغاء.

(3) في المصدر زيادة: على وجه.

(4) البقرة 2: 173.

(5) في «ط» زيادة: و من لم يعرفه لا يعرف اللّه و دينه. [.....]

(6) في المصدر زيادة: الثابتة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 58

من يشاء من عباده، مع المعرفة الظاهرة، و معرفة في الظاهر من الحق «1» على غير علم به، لا يستحق أهلها ما يستحق أهل المعرفة في الباطن على بصيرتهم، و لا يصلون بتلك المعرفة المقصرة إلى حق معرفة الله، كما قال في كتابه: وَ لا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ «2» فمن شهد شهادة الحق لا يعقد عليها قلبه، و لا يتبصر بها «3»، لم يثبه الله ثواب من عقد عليها قلبه و أبصرها، و كذلك من تكلم بحرف «4» لا يعقد عليه قلبه، و لا يعاقب عليه عقوبة من عقد عليه قلبه، و ثبت عليه على بصيرة.

و قد عرفت كيف كان حال أهل المعرفة في الظاهر، و الإقرار بالحق على غير علم، في قديم الدهر و حديثه إلى انتهاء الأمر إلى نبي الله (صلى الله عليه و آله) و بعده صار الأمر إلى ما صار، و إلى ما انتهت معرفتهم به، فإنما عرفوا بمعرفة أعمالهم

و دينهم الذي أتوا «5» به الله عز و جل، المحسن بإحسانه، و المسي ء بإساءته، و قد يقال: إن من دخل في هذا الأمر بغير يقين و لا بصيرة خرج منه كما كان دخل فيه، رزقنا الله و إياكم معرفة ثابتة على بصيرة و أجزل.

و أخبرك أني لو قلت: إن الصلاة و الزكاة و صوم شهر رمضان و الحج و العمرة و المسجد الحرام و البيت الحرام و المشعر الحرام و الطهر و الاغتسال من الجنابة و كل فريضة، كان ذلك هو النبي الذي جاء به من عند ربه لصدقت، لأن ذلك كله إنما يعرف بالنبي (صلى الله عليه و آله)، و لو لا معرفة ذلك النبي (صلى الله عليه و آله) و الإقرار به و التسليم له ما عرفت ذلك، فذلك من الله عز و جل على من يمن به عليه، و لو لا ذلك لم أعرف شيئا من هذا.

فهذا كله ذلك النبي (صلى الله عليه و آله) أصله، و هو فرعه، و هو دعاني إليه، و دلني عليه، و عرفنيه، و أمرني به، و أوجب له علي الطاعة فيما أمرني به، و لا يسعني جهله، و كيف يسعني جهل من هو فيما بيني و بين الله عز و جل؟! و كيف يستقيم لي لو لا أني أصف دينا «6» غيره؟! و كيف لا يكون ذلك هو معرفة الرجل؟! و إنما هو الذي جاء به عن الله عز و جل، و إنما أنكر دين الله من أنكره بأن قال: أبعث الله بشرا رسولا؟! ثم قال: أبشر يهدوننا؟! فكفروا بذلك الرجل، و كذبوا به، و تولوا عنه و هم معرضون، و قالوا: لولا أنزل عليه

ملك؟

فقال الله تبارك و تعالى: قُلْ- لهم- مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَ هُدىً لِلنَّاسِ «7» ثم قال في آية أخرى: وَ لَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا. «8»

__________________________________________________

(1) في المصدر: و معرفة في الظاهر فأهل المعرفة في الظاهر الذين علموا أمرنا بالحقّ.

(2) الزّخرف 43: 86.

(3) في المصدر: و لا يبصر ما يتكلّم به.

(4) في المصدر: بجور.

(5) في المصدر: دانوا.

(6) في المصدر زيادة: هو الذي أتاني به ذلك النبيّ (صلى اللّه عليه و آله) أن أصف أن الدّين.

(7) الأنعام 6: 91.

(8) الأنعام 6: 8 و 9.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 59

و الله تبارك و تعالى إنما أحب أن يعرف بالرجال، و أن يطاع بطاعتهم، فجعلهم سبيله و وجهه الذي يؤتى منه، لا يقبل من العباد غير ذلك لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ «1» و قال فيما أوجب من محبته لذلك:

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَ مَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً «2».

فمن قال لك: إن هذه الفريضة كلها هي رجل، و هو يعرف حد ما يتكلم به فقد صدق، و من قال على الصفة التي ذكرت بغير طاعة لم يغن التمسك بالأصل بترك الفرع شيئا، كما لا تغني شهادة أن لا إله إلا الله بترك شهادة أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله).

و لم يبعث الله نبيا قط إلا بالبر و العدل و المكارم، و محاسن الأخلاق و محاسن الأعمال، و النهي عن الفواحش ما ظهر منها و ما بطن، فالباطن منها ولاية أهل الباطل «3» و الظاهر منها فروعهم.

و لم يبعث الله نبيا قط يدعو إلى معرفة

ليس معها طاعة في أمر أو نهي، إنما يقبل الله من العباد العمل بالفرائض التي فرضها «4» على حدودها، مع معرفة من جاءهم بها من عنده و دعاهم إليه، فأول ذلك معرفة من دعا إليه، ثم طاعته فيما افترض و أمر به ممن لا طاعة له.

و إنه من عرف أطاع، و من أطاع حرم الحرام ظاهره و باطنه، و لا يكون تحريم الباطن لاستحلال الظاهر، إنما حرم الله الظاهر بالباطن، و الباطن بالظاهر معا جميعا، و [لا يكون ] الأصل و الفرع و الباطن الحرام حراما و ظاهره [حلالا]، و يحرم الباطن و يستحل الظاهر.

كذلك لا يستقيم أن يعرف صلاة الباطن و لا يعرف صلاة الظاهر، و لا الزكاة، و لا الصوم، و لا الحج، و لا العمرة، و لا المسجد الحرام، و جميع حرمات الله و شعائره أن تترك بمعرفة الباطن لأن باطنه ظهره، و لا يستقيم واحد منهما إلا بصاحبه، إذا كان الباطن حراما خبيثا فالظاهر منه حرام [خبيث، إنما يشبه الباطن بالظاهر من زعم ] أنه إذا عرف اكتفى بغير طاعة و قد كذب و أشرك، و ذلك لم يعرف و لم يطع.

و إنما قيل: اعرف و اعمل ما شئت من الخير، فإنه يقبل ذلك منك، و لا يقبل ذلك منك بغير معرفة، فإذا عرفت فاعمل لنفسك ما شئت من الطاعة و الخير- قل أو كثر- بعد أن لا تترك شيئا من الفرائض و السنن الواجبة، فإنه مقبول منك جميع أعمالك.

و أخبرك أنه من عرف [أطاع ]، فإذا عرف صلى و صام و حج و اعتمر، و عظم حرمات الله كلها و لم يدع منها شيئا، و عمل بالبر كله و مكارم الأخلاق كلها، و

اجتنب سيئها، و كل ذلك هو النبي رسول الله (صلى الله عليه و آله) و النبي (صلى الله عليه و آله) أصله، و هو أصل هذا كله، لأنه هو الذي جاء به و دل عليه و أمر به.

و لا يقبل الله عز و جل من أحد شيئا إلا به، فمن عرفه اجتنب الكبائر و الفواحش كلها ما ظهر منها و ما بطن،

__________________________________________________

(1) الأنبياء 21: 23.

(2) النّساء 4: 80.

(3) في «س»: الباطن.

(4) في المصدر: افترضها.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 60

و حرم المحارم كلها، لأنه بمعرفة النبي (صلى الله عليه و آله) و طاعته دخل فيما دخل فيه النبي (صلى الله عليه و آله)، و خرج بما خرج عنه.

و من زعم أنه يحلل الحلال و يحرم الحرام بغير معرفة النبي (صلى الله عليه و آله)، لم يحلل له حلالا و لم يحرم له حراما، و أن من صلى و زكى و حج و اعتمر و فعل البر كله بغير معرفة من افترض الله طاعته فإنه لم يقبل منه شيئا من ذلك، و لم يصل، و لم يصم، و لم يزك، و لم يحج و لم يعتمر، و لا اغتسل غسل الجنابة، و لم يتطهر، و لم يحرم لله حراما، و لم يحل و لم يصل صلاة، و إن ركع و سجد، و لا له زكاة، و إن أخرج من كل أربعين درهما درهما، و لا له حج و لا له عمرة. و إنما يقبل ذلك كله بمعرفة رجل، و هو من أمر الله خلقه بطاعته و الأخذ عنه، فمن عرفه و أخذ عنه فقد أطاع الله عز و جل».

و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

البرهان في

تفسير القرآن، ج 1، ص: 61

12- باب في معنى الثقلين و الخليفتين من طريق المخالفين ..... ص : 61

186/ [1]- (مسند أحمد بن حنبل) يرفعه إلى علي بن ربيعة، قال: لقيت زيد بن أرقم و هو داخل على المختار- أو خارج من عنده- فقلت له: أسمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: «إني تارك فيكم الثقلين؟». قال: نعم.

187/ [2]- و من (مسند أحمد بن حنبل) أيضا، يرفعه إلى أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي الثقلين، و أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

قال: قال ابن نمير: قال أصحابنا عن الأعمش، أنه قال: «انظروا كيف تخلفوني فيهما؟».

188/ [3]- (صحيح مسلم) يرفعه إلى زيد بن حيان، قال: انطلقت أنا و حصين بن سبرة، و عمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، قال: فلما جلسنا إليه، قال له حصين: لقد تلقيت- يا زيد- خيرا كثيرا، رأيت رسول الله (صلى الله عليه و آله) و سمعت حديثه، و غزوت معه، و صليت معه، لقد لقيت- يا زيد- خيرا كثيرا، حدثنا- يا زيد- ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قال: يا بن أخي- و الله- لقد كبرت سني و قدم عهدي، و نسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله (صلى الله عليه و آله) فما حدثتكم فاقبلوه، و ما لا، فلا تكلفونيه.

ثم قال: قام رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما فيما بين مكة و المدينة، فحمد الله و أثنى عليه و وعظ و ذكر ثم قال:

«أما بعد- أيها الناس- إنما أنا بشر مثلكم، يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، و إني تارك فيكم الثقلين: أولهما كتاب الله فيه النور، فخذوا بكتاب الله و استمسكوا به». فحث على كتاب الله و رغب فيه، ثم قال: «و أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي».

فقال حصين: و من أهل بيته، أليس نساؤه من أهل بيته؟

فقال: ليس نساؤه من أهل بيته، و لكن أهل بيته من حرمت عليهم الصدقة.

__________________________________________________

1- مسند أحمد بن حنبل 4: 371. [.....]

2- مسند أحمد بن حنبل 3: 14، 17، 26، 59.

3- صحيح مسلم 4: 1873/ 36.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 62

189/ [4]- (مسند ابن حنبل) يرفعه إلى زيد بن حيان، عن زيد بن أرقم، قال: دخلنا- و ساق الحديث الأول- حتى قال: «ألا و إني تارك فيكم الثقلين: أحدهما كتاب الله، و هو حبل من اتبعه كان على الهدى، و من تركه كان على ضلالة».

فقلنا: من أهل بيته، نساؤه؟

قال: لا- أيم الله- إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أهلها و قومها، و أهل بيته أصله و عصبته الذين حرموا الصدقة بعده.

190/ [5]- (تفسير الثعلبي) في سورة آل عمران في قوله تعالى: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً «1» يرفعه إلى أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: «أيها الناس، قد تركت فيكم الثقلين خليفتين، إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، و إنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض».

ابن المغازلي في (مناقبه) كالحديث الذي نقلته من (مسند ابن حنبل) قبل الذي من (تفسير

الثعلبي) يرفعه بسنده إلى زيد أيضا. «2»

و منها مثل الذي نقلته من (صحيح مسلم) إلى زيد أيضا. «3»

191/ [6]- و من (مناقبه) أيضا يرفعه إلى أبي سعيد الخدري، أن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قال: «إني أوشك أن أدعى فأجيب، و إني قد تركت فيكم الثقلين: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، و إن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا ماذا تخلفوني فيهما».

192/ [7]- أحمد بن حنبل في (مسنده): بإسناده إلى إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة، عن علي بن ربيعة، قال: لقيت زيد بن أرقم- و هو داخل على المختار، أو خارج من عنده- فقلت له: أما سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: «إني تارك فيكم الثقلين؟» قال: نعم.

193/ [8]- مصنف (الصحاح الستة) عن سنن أبي داود و الترمذي، بإسنادهما عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قال: «إني تارك فيكم ثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر و هو كتاب الله حبل

__________________________________________________

4- مسند أحمد بن حنبل 4: 366.

5- أخرجه في ينابيع المودّة: 241، عن الثعلبي.

6- مناقب ابن المغازلي: 235/ 283.

7- مسند أحمد بن حنبل 4: 371.

8- سنن الترمذي 5: 663/ 3788، الطرائف: 115/ 175.

(1) آل عمران 3: 103.

(2) مناقب ابن المغازلي: 234/ 281.

(3) مناقب ابن المغازلي: 235/ 283.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 63

ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني في عترتي».

194/ [9]- ابن المغازلي بإسناده إلى ابن أبي الدنيا، في كتاب (فضائل القرآن) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه

و آله): «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، و عترتي أهل بيتي، و قرابتي- قال-: آل عقيل، و آل جعفر، و آل عباس».

195/ [10]- و عنه، إلى علي بن ربيعة، قال: لقيت زيد بن أرقم و هو يريد أن يدخل على المختار، فقلت:

بلغني عنك! قال: و ما هو؟ قلت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: «إني قد تركت فيكم الثقلين: كتاب الله، و عترتي أهل بيتي؟». قال: اللهم نعم.

196/ [11]- و عنه، بإسناده- أيضا- قال: قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: «إني فرطكم على الحوض، فأسألكم حين تلقوني عن ثقلي كيف تخلفوني فيهما». فاعتل علينا لا ندري ما الثقلان حتى قام رجل من المهاجرين، فقال: يا نبي الله، بأبي أنت و أمي، ما الثقلان؟

قال: «الأكبر منهما كتاب الله، طرف بيد الله تعالى، و طرف بأيديكم، فتمسكوا به، و لا تولوا و لا تعرضوا و الأصغر منهما عترتي من استقبل قبلتي و أجاب دعوتي، فلا تقتلوهم و لا تقهروهم، فإني سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني أن يردا علي الحوض كهاتين- و أشار بالمسبحة- و لو شئت قلت كهاتين- بالسبابة و الوسطى- ناصر هما ناصري، و خاذلهما خاذلي، و عدوهما عدوي، ألا و إنه لن تهلك أمة قبلكم حتى تدين بأهوائها، و تظاهر على نبوتها، و تقتل من يأمر بالقسط فيها».

197/ [12]- الحميدي في (الجمع بين الصحيحين) في مسند زيد بن أرقم، عن عدة طرق فمنها بإسناده إلى النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: قام فينا خطيبا، بماء يدعى خما، بين مكة و المدينة، فحمد الله و أثنى عليه، و وعظ و ذكر، ثم قال: «أما بعد، أيها

الناس، إنما أنا بشر مثلكم، يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، و أنا تارك فيكم الثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى و النور، فخذوا بكتاب الله و استمسكوا به- فحث على كتاب الله و رغب فيه، ثم قال-: و أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي».

__________________________________________________

9- نقله عنه العلّامة المجلسي في البحار 23: 109/ 13، و السيد علي بن موسى ابن طاوس في الطرائف: 116/ 177، و السيد المرعشي في إحقاق الحقّ 9: 359. و لم نجده في مناقب ابن المغازلي.

10- نقله عنه العلّامة المجلسي في البحار 23: 109/ 14، و السيد علي بن موسى ابن طاوس في الطرائف: 116/ 178، و لم نجده في مناقب ابن المغازلي.

11- نقله عنه العلّامة المجلسي في البحار 23: 109/ 15، و السيد علي بن موسى ابن طاوس في الطرائف: 116/ 179، و السيد المرعشي في إحقاق الحقّ 6: 342. و لم نجده في مناقب ابن المغازلي.

12- صحيح مسلم 4: 1873/ 36، الطرائف لابن طاوس: 122/ 186 عن الحميدي. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 64

198/ [13]- و في أحدى روايات الحميدي، فقلنا: من أهل بيته، نساؤه؟

قال: لا و ايم الله، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها و قومها، الخبر.

199/1]- (مسند أحمد بن حنبل) يرفعه إلى زيد بن ثابت، قال: قال: رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء و الأرض- أو ما بين السماء إلى الأرض- و عترتي أهل بيتي، و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

200/ [15]- ابن شاذان: عن مجاهد، قال: قيل لابن عباس: ما تقول في علي

بن أبي طالب (عليه السلام)؟ فقال:

ذكرت- و الله- أجل الثقلين، سبق بالشهادتين، و صلى القبلتين «1»، و بايع البيعتين، و أعطي السبطين، و هو أبو السبطين الحسن و الحسين، ردت عليه الشمس مرتين، من بعد ما غابت عن القبلتين، و جرد السيف تارتين، و صاحب الكرتين، و مثله كمثل ذي القرنين، ذاك مولانا علي بن أبي طالب (عليه السلام).

201/ [16]- و عنه، يرفعه إلى زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، و علي بن أبي طالب، [و اعلموا أن عليا] أفضل لكم من كتاب الله، لأنه مترجم لكم عن كتاب الله».

202/ [17]- و من (الجمع بين الصحاح الستة) من صحيح أبي داود السجستاني- و هو السنن- و من صحيح الترمذي، عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أطول من الآخر و هو كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروني كيف تخلفوني في عترتي؟».

قال سفيان: أهل بيته هم ورثة علمه، لأنه لا يورث من الأنبياء إلا العلم، و هو كقول نوح: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً «2» يريد ديني، و العلماء من أهل دينه المقتدون به و العاملون بما جاء به، لهم فضلان.

__________________________________________________

13- صحيح مسلم 4: 1874 ذيل الحديث 37، الطرائف لابن طاوس: 122 ذيل الحديث 186 عن الحميدي.

14- مسند أحمد بن حنبل 5: 181.

15- مائة منقبة: 143، منقبة 75، مقتل الحسين (عليه السّلام) للخوارزمي 1: 47، مناقب الخوارزمي: 235، ينابيع

المودّة: 139.

16- مائة منقبة: 161 منقبة 86، إرشاد القلوب: 378.

17- جامع الأصول 1: 187، العمدة: 72/ 89.

(1) في «س»: عن العينين.

(2) نوح 71: 28.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 65

13- باب في العلة التي من أجلها أتى القرآن باللسان العربي، و أن المعجزة في نظمه، و لم صار جديدا على مر الأزمان؟ ..... ص : 65

203/ [1]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن أحمد بن محمد السياري، عن أبي يعقوب البغدادي، قال: قال ابن السكيت لأبي الحسن (عليه السلام): لماذا بعث الله موسى بن عمران بالعصا و بيده البيضاء و آلة السحر، و بعث عيسى بآلة الطب، و بعث محمدا (صلى الله عليه و آله و على جميع الأنبياء) بالكلام و الخطب؟

فقال أبو الحسن (عليه السلام): «لما بعث الله موسى كان الغالب على أهل عصره السحر، فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم، و ما أبطل به سحرهم، و ما أثبت به الحجة عليهم. و إن الله بعث عيسى في وقت قد ظهرت فيه الزمانات، «1» و احتاج الناس إلى الطب، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله، و بما أحيا لهم الموتى، و أبرأ الأكمه و الأبرص بإذن الله، و أثبت به الحجة عليهم. و إن الله بعث محمدا (صلى الله عليه و آله) في وقت كان الغالب على عصره الخطب و الكلام- و أظنه قال: الشعر- فأتاهم من عند الله من مواعظه و حكمه ما أبطل به قولهم و أثبت به الحجة عليهم».

قال: فقال ابن السكيت: تالله، ما رأيت مثلك قط، فما الحجة على الخلق اليوم؟

قال: فقال (عليه السلام): «العقل، يعرف به الصادق على الله فيصدقه، و الكاذب على الله فيكذبه».

قال: فقال ابن السكيت: هذا- و الله- هو الجواب.

204/ [2]- محمد بن علي بن بابويه، قال: حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن

أحمد البيهقي، قال: حدثني محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثني محمد بن موسى الرازي، قال: حدثني أبي، قال: ذكر الرضا (عليه السلام) يوما القرآن فعظم الحجة فيه و الآية و المعجزة في نظمه، فقال: «هو حبل الله المتين، و عروته الوثقى، و طريقته المثلى، المؤدي إلى الجنة، و المنجي من النار، لا يخلق «2» على الأزمنة، و لا يغث «3» على الألسنة، لأنه لم يجعل لزمان دون

__________________________________________________

1- الكافي 1: 18/ 20.

2- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 2: 130/ 9.

(1) الزّمانة: العاهة، و آفة في الحيوان، و هو مرض يدوم زمانا طويلا، و جمعها زمانات. «مجمع البحرين- زمن- 6: 260».

(2) خلق الثوب: أي بليّ. «الصحاح- خلق- 4: 1472».

(3) غثّ حديث القوم: أي رد و و فسد. «الصحاح- غثث- 1: 288».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 66

زمان، بل جعل دليل البرهان، و الحجة على كل إنسان لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ». «1»

205/ [3]- و عنه، قال: حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي، قال: حدثني محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثني القاسم بن إسماعيل أبو ذكوان، قال: سمعت إبراهيم بن العباس يحدث عن الرضا (عليه السلام)، عن أبيه موسى بن جعفر (عليه السلام)، إن رجلا سأل أبا عبدالله (عليه السلام): ما بال القرآن لا يزداد عند النشر و الدرس إلا غضاضة «2»؟ فقال: «لأن الله تعالى لم يجعله لزمان دون زمان، و لا لناس دون ناس، فهو في كل زمان جديد، و عند كل قوم غض إلى يوم القيامة».

__________________________________________________

3- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 2: 87/ 32.

(1) فصّلت 41: 42. [.....]

(2) شي ء غضّ: أي طريّ. تقول مه:

غضضت و غضضت غضاضة و غضوضة. «الصحاح- غضض- 3: 1095».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 67

14- باب أن كل حديث لا يوافق القرآن فهو مردود ..... ص : 67

206/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن على كل حق حقيقة، و على كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوه، و ما خالف كتاب الله فدعوه».

207/ [2]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن عبدالله بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبدالله بن أبي يعفور، قال: و حدثني الحسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به، و منهم من لا نثق به. قال: «إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله عز و جل أو من قول رسول الله (صلى الله عليه و آله) «1»، و إلا فالذي جاءكم به أولى به».

208/ [3]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي عن أيوب بن الحر، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام)، يقول: «كل شي ء مردود إلى الكتاب و السنة، و كل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف».

209/ [4]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أيوب بن راشد، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف».

210/ [5]- و عنه: عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان،

عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم و غيره، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «خطب النبي (صلى الله عليه و آله) بمنى فقال: أيها الناس، ما جاءكم عني يوافق

__________________________________________________

1- الكافي 1: 55/ 1.

2- الكافي 1: 255/ 2.

3- الكافي 1: 55/ 3.

4- الكافي 1: 55/ 4.

5- الكافي 1: 56/ 5.

(1) جزاء الشرط محذوف أي فاقبلوه، و قوله: «فالذي جاءكم به أولى به» أي ردّوه عليه و لا تقبلوا منه فإنّه أولى بروايته، و أن يكون عنده لا يتجاوزه، مرآة العقول 1: 228.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 68

كتاب الله فأنا قلته، و ما جاءكم «1» بخلاف كتاب الله فلم أقله».

211/ [6]- و عنه: بهذا الإسناد، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام)، يقول: «من خالف كتاب الله و سنة محمد (صلى الله عليه و آله) فقد كفر».

212/ [7]- العياشي: عن هشام بن الحكم، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) في خطبة بمنى أو بمكة: يا أيها الناس، ما جاءكم عني يوافق القرآن فأنا قلته، و ما جاءكم عني لا يوافق القرآن فلم أقله».

213/ [8]- عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن جعفر «2»، عن أبيه، عن علي (صلوات الله عليه)، قال: «الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام «3» في الهلكة، «4» و تركك حديثا لم تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه، إن على كل حق حقيقة و على كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوا به، و ما خالف كتاب الله فدعوه».

214/ [9]- عن محمد بن مسلم، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «يا محمد، ما جاءك في

رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به، و ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن تأخذ به».

215/ [10]- عن أيوب بن حر، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «كل شي ء مردود إلى الكتاب و السنة، و كل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف».

216/ [11]- عن كليب الأسدي، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل».

217/ [12]- عن سدير، قال: كان أبو جعفر (عليه السلام) و أبو عبدالله (عليه السلام) لا يصدق علينا إلا بما يوافق كتاب الله و سنة نبيه (صلى الله عليه و آله).

218/ [13]- عن الحسن بن الجهم، عن العبد الصالح (عليه السلام)، قال: «إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله و على أحاديثنا، فإن أشبههما فهو حق، و إن لم يشبههما فهو باطل».

__________________________________________________

6- الكافي 1: 56/ 6.

7- تفسير العيّاشي 1: 8/ 1.

8- تفسير العيّاشي 1: 8/ 2.

9- تفسير العيّاشي 1: 8/ 3.

10- تفسير العيّاشي 1: 9/ 4.

11- تفسير العيّاشي 1: 9/ 5.

12- تفسير العيّاشي 1: 9/ 6. [.....]

13- تفسير العيّاشي 1: 9/ 7.

(1) في «ط» زيادة: عني.

(2) في المصدر: عن أبي جعفر.

(3) الاقتحام: الدخول في الشّي ء بشدّة و قوّة. «مجمع البحرين- قحم- 6: 134».

(4) الهلكة: الهلاك. «الصحاح- هلك- 4: 1617».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 69

15- باب في أول سورة نزلت و آخر سورة ..... ص : 69

219/]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد و سهل بن زياد، عن منصور بن العباس، عن محمد بن الحسن بن السري، عن عمه علي بن السري، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «أول ما نزل على رسول الله (صلى الله عليه و آله)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ «1» و آخره سورة إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ». «2»

220/ [2]- محمد بن علي بن بابويه: عن أحمد بن علي بن إبراهيم (رضي الله عنه)، قال: حدثني أبي، عن حدي إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد، قال: قال الرضا (عليه السلام): «سمعت أبي يحدث عن أبيه (عليهما السلام)، أن أول سورة نزلت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ «3» و آخر سورة نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ». «4»

221/ [3]- سعد بن عبدالله: عن أحمد بن محمد بن عيسى، و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و غيرهما، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن هشام بن سالم، عن سعد بن طريف الخفاف، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام):

ما تقول فيمن أخذ عنكم علما فنسيه؟ قال: «لا حجة عليه، إنما الحجة على من سمع منا حديثا فأنكره، أو بلغه فلم يؤمن به و كفر، فأما النسيان فهو موضوع عنه، إن أول سورة نزلت على رسول الله (صلى الله عليه و آله): سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى «5» فنسيها فلم تلزمه حجة في نسيانها، و لكن الله تبارك و تعالى أمضى له ذلك، ثم قال: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ». «6»

__________________________________________________

1- الكافي 2: 460/ 5.

2- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 2: 6/ 12.

3- مختصر بصائر الدرجات: 93.

(1) العلق: 96: 1.

(2) النّصر 110: 1.

(3) العلق 96: 1.

(4) النّصر 110: 1.

(5) الأعلى 87: 1.

(6) الأعلى 87: 6. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 70

16- باب في ذكر الكتب المأخوذ منها الكتاب ..... ص : 70

1- تفسير الشيخ الثقة أبي الحسن علي بن إبراهيم، فكل ما ذكرته عنه فهو منه.

2- تفسير الشيخ أبو النضر محمد بن

مسعود العياشي، و كل ما ذكرته عنه فهو منه.

3- كتاب بصائر الدرجات للشيخ الثقة أبي جعفر محمد بن الحسن الصفار، و كل ما ذكرته عنه فهو منه.

4- كتاب بصائر الدرجات للشيخ الثقة سعد بن عبدالله القمي. «1»

5- كتاب الكافي للشيخ ثقة الإسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، و كل ما ذكرته عنه فهو منه.

6- كتاب الشيخ الثقة أبي العباس عبدالله بن جعفر الحميري قرب الإسناد، و كل ما ذكرته عنه فهو منه.

7- كتاب غيبة الشيخ الجليل أبي عبدالله محمد بن إبراهيم المعروف بابن زينب، و كل ما ذكرته عنه فهو منه.

8- كتب الشيخ أبي عبدالله محمد بن محمد بن النعمان المفيد:

أ- كتاب الإرشاد.

ب- كتاب الأمالي.

ج- كتاب الإختصاص.

9- كتاب الزهد للحسين بن سعيد الثقة الأهوازي.

10- كتاب التمحيص له أيضا.

11- كتاب سليم بن قيس الهلالي.

12- كتاب روضة الواعظين للشيخ الجليل محمد بن أحمد بن علي الفتال، المعروف بابن الفارسي.

13- كتاب الشيخ الفقيه أبي الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن شاذان.

14- كتاب مسائل الثقة الجليل علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام)، عن أخيه أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام).

15- كتب الشيخ الثقة رئيس المحدثين أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي:

__________________________________________________

(1) مراده مختصر بصائر الدرجات.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 71

أ- كتاب من لا يحضره الفقيه.

ب- كتاب كمال الدين و تمام النعمة، في الغيبة.

ج- كتاب معاني الأخبار.

د- كتاب علل الشرائع.

ه- كتاب بشارات الشيعة.

و- كتاب صفات الشيعة.

ز- كتاب التوحيد.

ح- كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام).

ط- كتاب الخصال.

ي- كتاب ثواب الأعمال و عقاب الأعمال.

16- كتب شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي:

أ- كتاب التهذيب.

ب- كتاب الاستبصار.

ج-

كتاب الأمالي. «1»

17- كتاب الخصائص للسيد الأجل محمد بن الحسين الرضي الموسوي.

18- كتاب المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة للسيد الرضي أيضا.

19- كتاب المحاسن للشيخ الثقة أبي جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي.

20- كتاب تفسير مجمع البيان لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي.

21- كتاب جوامع الجامع للطبرسي.

22- كتاب كشف نهج البيان تفسير الشيخ محمد بن الحسن الشيباني.

23- كتاب صحيفة الرضا (عليه السلام).

24- كتاب مصباح الشريعة ينسب لمولانا و إمامنا جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام).

25- كتاب الفاضل ولي بن نعمة الله الحسيني الرضوي الحائري، المسمى بمنهاج الحق و اليقين.

26- كتاب تفسير نهج البيان. «2»

27- كتاب جامع الأخبار، و الأخذ منه قليل.

28- كتاب تأويل الآيات الباهرة في العترة الطاهرة، تأليف الشيخ الكامل شرف الدين النجفي.

__________________________________________________

(1) زاد في «ط»: كتاب المجالس.

(2) هو نفس الكتاب المتقدّم في (22)، أنظر الذريعة 18: 523.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 72

29- كتاب الشيخ محمد بن العباس بن مروان بن الماهيار- بالياء المنقطة تحتها نقطتين، و بعد الألف الراء المهملة- المعروف ب (ابن الجحام) بالجيم المضمومة و الحاء المهملة بعدها، أبو عبدالله البزاز، بالباء الموحدة من تحت و الزايين المعجمتين بينهما ألف.

قال النجاشي، و العلامة في الخلاصة: إنه ثقة ثقة، و هو كتاب ما أنزل من القرآن في أهل البيت (عليهم السلام)، قال النجاشي و العلامة: قال جماعة من أصحابنا: إنه لم يصنف في معناه مثله، و قيل: إنه ألف ورقة. انتهى كلامهما.

و هذا الكتاب لم أقف عليه، لكن أنقل عنه ما نقله الشيخ شرف الدين النجفي المقدم ذكره، و لم يتفق له العثور على مجموع كتاب محمد بن العباس، بل من بعض سورة الإسراء إلى آخر القرآن، و أنا إن شاء

الله تعالى أذكر ما ذكره عنه.

30- كتاب تحفة الإخوان.

31- كتاب الطرائف للسيد أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد ابن طاوس.

32- كتاب تحفة الأبرار للسيد حسين بن مساعد الحسيني النجفي، و ما أنقله عن الجمهور، من هذا الكتاب و من الذي قبله، من كتاب الطرائف.

33- كتاب ربيع الأبرار تصنيف محمود الزمخشري الملقب عندهم جار الله.

34- كتاب الكشاف له أيضا.

35- كتاب موفق بن أحمد، و هذان الرجلان من أعيان علماء الجمهور.

36- كتاب المناقب للشيخ الفاضل محمد بن علي بن شهر آشوب.

37- كتاب الشيخ الفاضل أبي الحسين ورام.

38- كتاب الاحتجاج للشيخ أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي.

39- كتاب كامل الزيارات للشيخ الثقة أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه.

40- كتاب الشيخ عمر بن إبراهيم الأوسي.

41- كتاب تفسير مولانا و إمامنا أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام).

42- كتاب الشيخ الفاضل رجب البرسي.

و غير ذلك من الكتب يأتي ذكرها في الكتاب.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 73

17- باب في ما ذكره الشيخ علي بن إبراهيم في مطلع تفسيره ..... ص : 73

قال: بسم الله الرحمن الرحيم تفسير الكتاب المجيد، المنزل من عند العزيز الحميد، الفعال لما يريد على محمد النبي الرشيد (صلى الله عليه و آله و سلم)، و هو تفسير مولانا أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق (صلى الله عليه و على آبائه و أبنائه و سلم تسليما). «1»

[قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «فجاءهم النبي (صلى الله عليه و آله)] بنسخة ما في الصحف الأولى، و تصديق الذي بين يديه، و تفصيل الحلال من ريب الحرام، ذلك القرآن فاستنطقوه و لن ينطق لكم، فيه أنباء ما مضى، و علم ما يأتي إلى يوم القيامة، و حكم ما بينكم، و بيان ما أصبحتم فيه تختلفون، و

لو سألتموني لأخبرتكم عنه لأني أعلمكم».

و

قال النبي (صلى الله عليه و آله)، في حجة الوداع، في مسجد الخيف: «إني فرطكم، و إنكم واردون علي الحوض، عرضه ما بين بصرى و صنعاء، فيه قدحان من فضة عدد النجوم، ألا و إني سائلكم عن الثقلين».

قالوا: يا رسول الله، و ما الثقلان؟

قال: «كتاب الله الثقل الأكبر، طرف بيد الله، و طرفه الآخر بأيديكم، فتمسكوا به لن تضلوا و لن تزلوا، و الثقل الأصغر عترتي و أهل بيتي، فإنه نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، كإصبعي هاتين- و جمع بين سبابتيه- و لا أقول كهاتين- و جمع بين سبابته و الوسطى- فتفضل هذه على هذه».

فالقرآن عظيم قدره، جليل خطره، بين شرفه، من تمسك به هدي، و من تولى عنه ضل و زل، و أفضل ما عمل به القرآن، لقول الله عز و جل لنبيه (صلى الله عليه و آله): وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ «2» و قال: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ «3» ففرض الله عز و جل على نبيه (صلى الله عليه و آله) أن يبين للناس ما في القرآن من الأحكام و الفرائض و السنن، و فرض على الناس التفقه و التعليم

__________________________________________________

(1) هذا كلام السيّد البحراني (رضوان اللّه عليه)، و بعده مقدّمة عليّ بن إبراهيم (رحمه اللّه) في تفسيره 1: 1. و لم يذكر مصنّف البرهان المقدّمة من أوّلها، بل بدأ بخطبة أمير المؤمنين (عليه السّلام) من آخرها.

(2) النّحل 16: 89.

(3) النحل 16: 44.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 74

و العمل بما فيه حتى لا يسع أحدا جهله، و لا

يعذر في تركه.

و نحن ذاكرون و مخبرون بما ينتهي إلينا، و رواه مشايخنا و ثقاتنا، عن الذين فرض الله طاعتهم، و أوجب ولايتهم، و لا يقبل العمل إلا بهم.

و هم الذين وصفهم الله تبارك و تعالى، و فرض سؤالهم، و الأخذ منهم، فقال: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ «1» فعلمهم عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و هم الذين قال الله تبارك و تعالى في كتابه المجيد، و خاطبهم فى قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا- القرآن- لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ- يا معشر الأئمة- وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ. «2»

فرسول الله شهيد عليهم، و هم شهداء على الناس، فالعلم عندهم، و القرآن معهم، و دين الله عز و جل الذي ارتضاه لأنبيائه و ملائكته و رسله منهم يقتبس، و هو

قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «ألا إن العلم الذي هبط به آدم (عليه الصلاة و السلام) من السماء إلى الأرض، و جميع ما فضل «3» به النبيون إلى خاتم النبيين، عندي و عند عترة خاتم النبيين، فأين يتاه بكم، بل أين تذهبون؟».

و

قال أيضا أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته: «لقد علم المستحفظون من أمة «4» محمد (صلى الله عليه و آله) أنه قال: إني و أهل بيتي مطهرون، فلا تسبقوهم فتضلوا، و لا تتخلفوا عنهم فتزلوا، و لا تخالفوهم فتجهلوا، و لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، «5» أعلم الناس كبارا، و أحلم الناس صغارا، فاتبعوا

الحق و أهله حيث كان».

ففي الذي ذكرنا من عظيم خطر القرآن و علم الأئمة (صلوات الله عليهم) كفاية لمن شرح الله صدره، و نور قلبه، و هداه للإيمان، و من عليه بدينه، و بالله نستعين، و عليه نتوكل، و هو حسبنا و نعم الوكيل. «6»

فالقرآن منه ناسخ، و منه منسوخ، و منه محكم، و منه متشابه، و منه خاص، و منه عام، و منه تقديم، و منه تأخير، و منه منقطع معطوف، و منه حرف مكان حرف، و منه محرف، و منه على خلاف ما أنزل الله عز و جل.

و منه لفظه عام و معناه خاص، و منه لفظه خاص و معناه عام، و منه آيات بعضها في سورة و تمامها في سورة أخرى، و منه ما «7» تأويله في تنزيله، و منه ما تأويله مع تنزيله، و منه ما تأويله قبل تنزيله، و منه ما تأويله بعد تنزيله، و منه رخصة إطلاق بعد الحصر، و منه رخصة صاحبها فيها بالخيار، إن شاء فعل، و إن شاء ترك، و منه رخصة

__________________________________________________

(1) النّحل 16: 43.

(2) الحجّ 22: 77 و 78.

(3) في المصدر: ما فضلت.

(4) في «ط» نسخة بدل، و المصدر: أصحاب.

(5) في المصدر زيادة: هم.

(6) في المصدر زيادة: قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الهاشمي القمي.

(7) (ما) ليس في «ط».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 75

ظاهرها خلاف باطنها، يعمل بظاهرها و لا يدان بباطنها، و منه على لفظ الخبر و معناه حكاية عن قوم، و منه آيات نصفها منسوخة و نصفها متروكة على حالها، و منه مخاطبة لقوم و معناه لقوم آخرين، و منه مخاطبة للنبي (عليه و آله السلام) و المعني أمته، و منه ما

لفظه واحد «1» و معناه جمع، و منه ما لا يعرف تحريمه إلا بتحليله.

و منه رد على الملحدين، و منه رد على الزنادقة، و منه رد على الثنوية «2»، و منه رد على الجهمية «3»، و منه رد على الدهرية «4»، و منه رد على عبدة النيران، و منه رد على عبدة الأوثان، و منه رد على المعتزلة، و منه رد على القدرية «5»، و منه رد على المجبرة «6»، و منه رد على كل من أنكر من المسلمين الثواب و العقاب بعد الموت يوم القيامة، و منه رد على من أنكر المعراج و الإسراء، و منه رد على من أنكر الميثاق في الذر، و منه رد على من أنكر خلق الجنة و النار، و منه رد على من أنكر المتعة و الرجعة، و منه رد على من وصف الله عز و جل.

و منه مخاطبة الله عز و جل لأمير المؤمنين و الأئمة (عليهم السلام)، و ما ذكره الله من فضائلهم، و منه خروج القائم (عليه السلام)، و أخبار الرجعة، و ما وعد الله تبارك و تعالى الأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) من النصر و الانتقام من أعدائهم.

و منه شرائع الإسلام، و أخبار الأنبياء (عليهم السلام)، و مولدهم، و مبعثهم، و شريعتهم، و هلاك أمتهم، و منه ما أنزل الله في مغازي النبي (صلى الله عليه و آله)، و منه ترغيب و ترهيب، و فيه أمثال، و فيه قصص.

و نحن ذاكرون من جميع ما ذكرنا آية آية في أول الكتاب مع خبرها، ليستدل بها على غيرها، و يعرف بها علم ما في الكتاب، و بالله التوفيق و الاستعانة، و عليه نتوكل و به نستعين، و

نسأله الصلاة على محمد و آله الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.

فأما الناسخ و المنسوخ، فإن عدة النساء كانت في الجاهلية إذا مات الرجل تعتد امرأته سنة، فلما بعث الله رسوله (صلى الله عليه و آله) لم ينقلهم عن ذلك، و تركهم على عاداتهم، و أنزل الله بذلك قرآنا، فقال: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ «7» فكانت العدة حولا، فلما قوي الإسلام

__________________________________________________

(1) في المصدر: مفرد. [.....]

(2) الثنوية: و هو مذهب يقول بإلهين إله للخير و إله للشر، و يرمز لهما بالنّور و الظلام و أنّهما أزليان. «الملل و النحل 1: 224، المقالات و الفرق:

194».

(3) الجهمية: طائفة من الخوارج من مرجئة أهل خراسان، نسبوا إلى جهم بن صفوان، و زعموا أنّ أهل القبلة كلّهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر بالإيمان، و رجّوا لهم المغفرة جميعا. «الملل و النحل 1: 79، المقالات و الفرق: 6».

(4) الدّهرية: الذين يقولون بقدم العالم و قدم الدهر و عدم الإيمان بالآخرة. «المقالات و الفرق: 64 و 194».

(5) القدرية: هم المنسوبون إلى القدم و يزعمون أن كلّ عبد خالق فعله، و لا يرون المعاصي و الكفر بتقدير اللّه و مشيئته. و قيل: المراد من القدرية المعتزلة لإسناد أفعالهم إلى القدر. «مجمع البحرين- قدر- 3: 451».

(6) الجبرية: خلاف القدرية، و قالوا: ليس لنا صنع و نحن مجبورون يحدث اللّه لنا الفعل عند الفعل، و قيل: المراد من الجبرية الأشاعرة. «مجمع البحرين- جبر- 3: 241».

(7) البقرة 2: 240.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 76

أنزل الله تعالى: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً «1» فنسخت مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ

غَيْرَ إِخْراجٍ.

و مثله: أن المرأة كانت في الجاهلية إذا زنت «2» تحبس في بيتها حتى تموت، و الرجل يؤذى، فأنزل الله في ذلك: وَ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا «3» وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَ أَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً «4» فلما قوي الإسلام، أنزل الله: الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ «5» فنسخت تلك. و مثله كثير نذكره في مواضعه، إن شاء الله تعالى.

و أما المحكم، فمثل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ «6» و منه: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ «7»، و قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ «8» إلى آخر الآية، فهذا كله محكم قد استغني بتنزيله عن تأويله، و مثله كثير.

و أما المتشابه، فما ذكرنا مما لفظه واحد و معناه مختلف، فمنه الفتنة التي ذكرها الله تعالى في القرآن: فمنها عذاب و هو قوله: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ «9» أي يعذبون، و منها الكفر و هو قوله: وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ «10» أي الكفر، و منها الحب و هو قوله: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ

«11» يعني به الحب، و منها الاختبار و هو قوله: الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ «12» أي لا يختبرون، و مثله كثير نذكره في مواضعه، و منه الحق و هو على وجوه كثيرة، و منه الضلال و هو على

وجوه كثيرة، فهذا من المتشابه الذي لفظه واحد و معناه مختلف.

و أما ما لفظه عام و معناه خاص، فمثل قوله تعالى: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ

__________________________________________________

(1) البقرة 2: 234.

(2) في «ط» زيادة: كانت.

(3) في المصدر زيادة: و في الرجل.

(4) النساء 4: 15 و 16.

(5) النور 24: 2.

(6) المائدة 5: 6.

(7) المائدة 5: 3.

(8) النساء 4: 23. [.....]

(9) الذاريات 51: 13.

(10) البقرة 2: 217.

(11) الأنفال 8: 28.

(12) العنكبوت 29: 1 و 2.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 77

وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ «1» فهذه لفظها عام و معناها خاص، لأنه فضلهم على عالمي زمانهم بأشياء خصصهم بها، و قوله تعالى: وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ «2» يعني بلقيس، فلفظه عام و معناه خاص، لأنها لم تؤت أشياء كثيرة، منها الذكر و اللحية، و قوله تعالى: رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْ ءٍ بِأَمْرِ رَبِّها «3» فلفظه عام و معناه خاص، لأنها تركت أشياء كثيرة لم تدمرها.

و أما ما لفظه خاص و معناه عام، فقوله: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً «4» فلفظ الآية خاص في بني إسرائيل، و معناه عام في الناس كلهم.

و أما التقديم و التأخير، فإن آية عدة النساء الناسخة تقدمت على المنسوخة في التأليف، و قد قدمت آية عدة النساء أربعة أشهر و عشرا على آية عدة سنة، و كان يجب أولا أن تقرأ المنسوخة التي نزلت قبل، ثم الناسخة التي نزلت بعد.

و قوله تعالى: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَ مِنْ

قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَ رَحْمَةً «5»

فقال الصادق (عليه السلام): «إنما أنزل: أ فمن كان على بينة من ربه و يتلوه شاهد منه إماما و رحمة و من قبله كتاب موسى».

و قوله: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا «6» و إنما هو: نحيا و نموت، لأن الدهرية لم يقروا بالبعث بعد الموت، و إنما قالوا: نحيا و نموت، فقدموا حرفا على حرف. و قوله: يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي «7» و إنما هو: اركعي و اسجدي.

و قوله تعالى: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً «8» و إنما هو: فلعلك باخع نفسك «9» على آثارهم أسفا، إن لم يؤمنوا بهذا الحديث، و مثله كثير.

و أما المنقطع المعطوف، فإن المنقطع المعطوف هي آيات نزلت في خبر، ثم انقطعت قبل تمامها و جاءت آيات غيرها، ثم عطفت بعد ذلك على الخبر الأول، مثل قوله تعالى: وَ إِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

__________________________________________________

(1) البقرة 2: 47.

(2) النمل 27: 23.

(3) الأحقاف 46: 24 و 25.

(4) المائدة 5: 32.

(5) هود 11: 17.

(6) المؤمنون 23: 37.

(7) آل عمران 3: 43.

(8) الكهف 18: 6.

(9) باخع نفسك: أي قاتل نفسك بالغم و الوجد عليهم. «مجمع البحرين- بخع- 4: 297».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 78

لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَ اعْبُدُوهُ وَ اشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ «1» ثم انقطع خبر إبراهيم، فقال مخاطبة لأمة محمد: وَ إِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا

الْبَلاغُ الْمُبِينُ أَ وَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ «2» إلى قوله: أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «3» ثم عطف بعد هذه الآية على قصة إبراهيم، فقال: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ. «4»

و مثله في قصة لقمان قوله: وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ «5» ثم انقطعت وصية لقمان لابنه، فقال: وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ «6» إلى قوله: فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ «7» ثم عطف على خبر لقمان، فقال: يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ «8» و مثله كثير.

و أما ما هو حرف مكان حرف، فقوله: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ «9» يعني و لا الذين ظلموا، و قوله: يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ «10» يعني و لا من ظلم، و قوله: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً «11» يعني و لا خطأ، و قوله: لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ «12» يعني حتى تقطع قلوبهم، و مثله كثير.

و أما ما هو على خلاف ما أنزل الله، فهو قوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ «13»

فقال أبو عبد الله (عليه السلام) لقارئ هذه الآية: «خير أمة يقتلون أمير المؤمنين (عليه السلام)، و الحسن و الحسين

ابني علي (عليهم الصلاة و السلام)؟!» فقيل له: و كيف أنزلت، يا ابن رسول الله؟

فقال: «إنما أنزلت: كنتم خير أئمة أخرجت للناس، ألا ترى مدح الله لهم في آخر الآية:

__________________________________________________

(1) العنكبوت 29: 16 و 17. [.....]

(2) العنكبوت 29: 18 و 19.

(3) العنكبوت 29: 23.

(4) العنكبوت 29: 24.

(5) لقمان 31: 13.

(6) لقمان 31: 14.

(7) لقمان 31: 15.

(8) لقمان 31: 16.

(9) البقرة 2: 150.

(10) النمل 27: 10 و 11.

(11) النساء 4: 92.

(12) التوبة 0: 110.

(13) آل عمران 3: 110.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 79

تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ؟

و مثله

أنه قرئ على أبي عبد الله (عليه السلام): وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً «1» فقال أبو عبدالله (عليه السلام): «لقد سألوا الله عظيما أن يجعلهم للمتقين إماما» فقيل له:

يا ابن رسول الله، كيف نزلت هذه الآية؟ فقال: «إنما نزلت: الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين و اجعل لنا من المتقين إماما».

و قوله: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ «2»

فقال أبو عبدالله (عليه السلام): «كيف يحفظه الشي ء من أمر الله، و كيف يكون المعقب من بين يديه؟!» فقيل له: و كيف يكون ذلك، يا ابن رسول الله؟

فقال: «إنما نزلت: له معقبات من خلفه و رقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله»

و مثله كثير.

و أما ما هو محرف منه فهو قوله: لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ- في علي- أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَ الْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ «3» و قوله: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ- في علي- وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ

رِسالَتَهُ «4» و قوله:

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا- آل محمد حقهم- لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ «5» و قوله: وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا- آل محمد حقهم- أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ «6» و قوله: «و لو ترى الذين ظلموا»- آل محمد حقهم- فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ «7» و مثله كثير نذكره في مواضعه «8».

__________________________________________________

(1) الفرقان 25: 74.

(2) الرّعد 13: 11. [.....]

(3) النّساء 4: 166.

(4) المائدة 5: 67.

(5) النّساء 4: 168.

(6) الشّعراء 26: 227.

(7) الآية في القرآن المجيد هكذا: وَ لَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ. الأنعام 6: 93.

(8) هذا تبنّي على أن يكون مراد القمّي من «ما هو محرّف منه» هو الحذف و الاسقاط للفظ، و أمّا إذا كان مراده ما ذكره الفيض نفسه من «أن مرادهم بالتحريف و التغيير و الحذف إنّما هو من حيث المعنى دون اللفظ أي حرّفوه و غيّروه في تفسيره و تأويله، أي حملوه على خلاف ما هو عليه في نفس الأمر» فلا وجه لنسبة القول بالتحريف- بمعنى النقصان- إلى القمّي بعد عدم وجود تصريح منه بالاعتقاد بمضامين الأخبار الواردة في تفسيره، و القول بما دلّت عليه ظواهرها، بل يحتمل إرادته المعنى الذي ذكره الفيض كما يدلّ عليه ما جاء في رسالة الإمام إلى سعد الخير فيما رواه الكليني.

مضافا إلى

أن القمّي نفسه روى في تفسيره 2: 451، باسناده عن مولانا الصّادق (عليه السّلام) قال: «إن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله)، قال لعليّ (عليه السّلام): القرآن خلف فراشي في الصّحف و الحرير و القراطيس، فخذوه و اجمعوه و لا تضيّعوه كما ضيّف اليهود التوراة».

و يؤكّد هذا الاحتمال كلام الشيخ الصّدوق، و دعوى الإجماع من بعض الأكابر على القول بعدم التحريف. أنظر:

اعتقادات الصّدوق: 93، أوائل المقالات:

55: التبيان 1: 3.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 80

و أما ما لفظه جمع و معناه واحد، و هو ما جاء «1» في الناس، فقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ «2» نزلت في أبي لبابة بن عبدالله بن المنذر خاصة، «3» و قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ «4» نزلت في حاطب بن أبي بلتعة «5»، و قوله: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ «6»، نزلت في نعيم بن مسعود الأشجعي، «7» و قوله: وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ «8» نزلت في عبدالله بن نفيل خاصة، «9» و مثله كثير نذكره في مواضعه.

و أما ما لفظه واحد و معناه جمع، فقوله: وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا «10» فاسم الملك واحد و معناه جمع، و قوله: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ «11» فلفظ الشجر واحد و معناه جمع.

و أما ما لفظه ماض و هو مستقبل، فقوله: وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ وَ كُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ «12» و قوله: وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَ وُضِعَ الْكِتابُ وَ جِي ءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَداءِ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَ

هُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ. «13»

إلى آخر الآية، فهذا كله ما لم يكن بعد و في لفظة الآية أنه قد كان، و مثله كثير.

و أما الآيات التي هي في سورة و تمامها في سورة أخرى، فقوله في سورة البقرة في قصة بني إسرائيل، حين عبر بهم موسى البحر، و أغرق الله فرعون و أصحابه، و أنزل موسى ببني إسرائيل، فأنزل الله عليهم المن و السلوى، فقالوا لموسى: لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثَّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها- فقال لهم موسى- أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما

__________________________________________________

(1) في «ط» نسخة بدل و المصدر: و هو جار.

(2) الأنفال 8: 27.

(3) أسباب النزول للسيوطي 1: 173.

(4) الممتحنة 60: 1.

(5) أسباب النزول للسيوطي 2: 162.

(6) آل عمران 3: 173.

(7) تفسير القمي 1: 125، مجمع البيان 2: 888.

(8) التوبة 9: 61. [.....]

(9) تفسير القمي 1: 300.

(10) الفجر 89: 22.

(11) الحج 22: 18.

(12) النمل 27: 87.

(13) الزمر 39: 68- 70.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 81

سَأَلْتُمْ «1» فقالوا: يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ «2» فنصف الآية في سورة البقرة، و نصفها في سورة المائدة.

و قوله: اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا «3» فرد الله عليهم: وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ «4» فنصف الآية في سورة الفرقان، و نصفها في سورة العنكبوت، «5» و مثله كثير نذكره في مواضعه، إن شاء الله.

و أما الآية التي نصفها منسوخة و نصفها

متروكة على حالها، فقوله: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ و ذلك أن المسلمين كانوا ينكحون أهل الكتاب من اليهود و النصارى، و ينكحونهم، فأنزل الله: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَ لا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ «6» فنهى الله أن ينكح المسلم المشركة، أو ينكح المشرك المسلمة. ثم نسخ قوله: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ، بقوله في سورة المائدة: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ «7» فنسخت هذه الآية قوله: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ و ترك قوله: وَ لا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا لم ينسخ، لأنه لا يحل للمسلم أن ينكح المشرك، و يحل له أن يتزوج المشركة من اليهود و النصارى.

و قوله: وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ «8» ثم نسخت هذه الآية بقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى «9» فنسخت قوله: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ إلى قوله: وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ و لم ينسخ قوله: وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ فنصف الآية منسوخة، و نصفها متروكة.

و أما ما تأويله في تنزيله، فكل آية نزلت في حلال أو في حرام، مما لا يحتاج فيها إلى تأويل مثل قوله:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمَّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ «10» و قوله:

__________________________________________________

(1) البقرة 1: 61.

(2) المائدة 5: 22.

(3) الفرقان

25: 5.

(4) العنكبوت 29: 48.

(5) في «س»: القصص، و في المصدر: القصص و العنكبوت. و لم يرد الرد إلا في العنكبوت.

(6) البقرة 2: 221.

(7) المائدة 5: 5.

(8) المائدة 5: 45.

(9) البقرة 2: 178. [.....]

(10) النساء 4: 23.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 82

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ «1» و مثله كثير مما تأويله في تنزيله، و هو من المحكم الذي ذكرناه.

و أما ما تأويله مع تنزيله، فمثل قوله: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «2» فلم يستغن الناس بتنزيل الآية حتى فسر لهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) أولي «3» الأمر، و قوله: اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ «4» فلم يستغن الناس الذين سمعوا هذا من النبي (صلى الله عليه و آله) بتنزيل الآية حتى أخبرهم النبي (عليه و على آله الصلاة و السلام) من الصادقون، و قوله: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ «5» فلم يستغن الناس بهذا حتى أخبرهم النبي (عليه و على آله الصلاة و السلام) كم يصلون، و كم يصومون، و كم يزكون.

و أما ما تأويله قبل تنزيله، فالأمور التي حدثت في عصر رسول الله (صلى الله عليه و آله)، مما لم يكن عند النبي (صلى الله عليه و آله) فيها حكم، مثل: آية الظهار، فإن العرب في الجاهلية كانوا إذا ظاهر الرجل من امرأته حرمت عليه إلى الأبد، فلما هاجر رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى المدينة ظاهر رجل من امرأته، يقال له: أوس بن الصامت فجاءت امرأته إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فأخبرته بذلك، فانتظر النبي (صلى الله عليه و آله) الحكم عن الله، فأنزل

الله تبارك و تعالى: الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ «6» و مثله ما نزل في اللعان و غيره مما لم يكن عند النبي (صلى الله عليه و آله) فيه حكم حتى نزل عليه القرآن به، عن الله عز و جل، فكان التأويل قد تقدم التنزيل.

و أما ما تأويله بعد تنزيله، فالأمور التي حدثت في عصر النبي (صلى الله عليه و آله) و بعده من غصب آل محمد (عليه و عليهم الصلاة و السلام) حقهم، و ما وعدهم الله من النصر على أعدائهم، و ما أخبر الله به نبيه (عليه و على آله الصلاة و السلام) من أخبار القائم (عليه السلام) و خروجه، و أخبار الرجعة، و الساعة، في قوله: وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ. «7»

و قوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً «8» نزلت في القائم من آل محمد (عليه الصلاة و السلام).

و قوله: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ

__________________________________________________

(1) المائدة 5: 3.

(2) النساء 4: 59.

(3) في المصدر: من أولو.

(4) التوبة 9: 119.

(5) البقرة 2: 43.

(6) المجادلة 58: 2.

(7) الأنبياء 21: 105.

(8) النور 24: 55.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 83

وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ «1» و مثله كثير مما تأويله بعد تنزيله.

و أما ما هو متفق اللفظ و مختلف المعنى، فقوله: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَ الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا

فِيها «2» يعني أهل القرية، و أهل العير و قوله: وَ تِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا «3» يعني أهل القرى، و مثله كثير نذكره في موضعه.

و أما الرخصة التي هي بعد عزيمة، فإن الله تبارك و تعالى فرض الوضوء و الغسل بالماء، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا «4» ثم رخص لمن لم يجد الماء التيمم بالتراب، فقال: وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ. «5»

و مثله قوله تعالى: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ «6» ثم رخص، فقال:

فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً. «7»

و قوله: فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِكُمْ «8»

فقال العالم (عليه السلام): «الصحيح يصلي قائما، و المريض يصلي جالسا، فمن لم يقدر فمضطجعا يومئ إيماء»

، و هذه رخصة بعد العزيمة.

و أما الرخصة التي صاحبها بالخيار- إن شاء أخذ، و إن شاء ترك- فإن الله عز و جل رخص أن يعاقب الرجل الرجل على فعله به، فقال: وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ «9» فهذا بالخيار، إن شاء عاقب، و إن شاء عفا.

و أما الرخصة التي ظاهرها خلاف باطنها، يعمل بظاهرها، و لا يدان ببطانها، فإن الله تبارك و تعالى نهى أن يتخذ المؤمن الكافر وليا، فقال: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ ءٍ «10» ثم رخص عند

التقية أن يصلي بصلاته، و يصوم بصيامه، و يعمل بعمله في ظاهره، و أن يدين الله

__________________________________________________

(1) القصص 28: 5 و 6.

(2) يوسف 12: 82.

(3) الكهف 18: 59.

(4) المائدة 5: 6.

(5) المائدة 5: 6. [.....]

(6) البقرة 2: 238.

(7) البقرة 2: 239.

(8) النّساء 4: 103.

(9) الشّورى 42: 40.

(10) آل عمران 3: 28.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 84

في باطنه بخلاف ذلك، فقال: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً «1» فهذا تفسير الرخصة، و معنى

قول الصادق (عليه السلام): «إن الله تبارك و تعالى يحب أو يؤخذ برخصه، كما يحب أن يؤخذ بعزائمه».

و أما ما لفظه خبر و معناه حكاية، فقوله: وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً «2» و هذا حكاية عنهم، و الدليل على أنه حكاية، ما رد الله عليهم في قوله: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ. «3»

و قوله يحكي قول قريش: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى «4» فهو على لفظ الخبر و معناه حكاية، و مثله كثير نذكره في مواضعه.

و أما ما هو مخاطبة للنبي (عليه و على آله الصلاة و السلام) و المعنى لأمته، فقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ «5» فالمخاطبة للنبي (عليه و على آله الصلاة و السلام) و المعنى لأمته، و قوله تعالى: وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً «6» و مثله كثير مما خاطب به نبيه (صلى الله عليه و آله) و المعنى لأمته، و هو

قول الصادق (عليه السلام): «إن الله بعث نبيه (صلى الله عليه و آله) بإياك أعني، و اسمعي يا جارة».

و أما ما هو مخاطبة لقوم و معناه لقوم آخرين،

فقوله: وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ- أنتم، يا معشر أمة محمد- فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً «7» فالمخاطبة لبني إسرائيل، و المعنى لأمة محمد (صلى الله عليه و آله).

و أما الرد على الزنادقة، فقوله: وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَ فَلا يَعْقِلُونَ «8» و ذلك أن الزنادقة زعمت أن الإنسان إنما يتولد بدوران الفلك، فإذا وقعت النطفة في الرحم تلقتها الأشكال و الغذاء، و مر عليها الليل و النهار، فيتربى الإنسان و يكبر لذلك، فقال الله تعالى ردا عليهم: وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَ فَلا يَعْقِلُونَ يعني من يكبر و يعمر يرجع إلى حد الطفولية، يأخذ في النقصان و النكسة.

فلو كان هذا- كما زعموا- لوجب أن يزيد الإنسان ما دامت الأشكال قائمة، و الليل و النهار يدوران عليه، فلما بطل هذا، و كان من تدبير الله عز و جل، أخذ في النقصان عند منتهى عمره.

و أما الرد على الثنوية، فقوله: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَ ما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ قال:

__________________________________________________

(1) آل عمران 3: 28.

(2) الكهف 18: 25.

(3) الكهف 18: 26.

(4) الزّمر 39: 3.

(5) الطّلاق 65: 1.

(6) الإسراء 17: 39.

(7) الإسراء 17: 4.

(8) يس 36: 68.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 85

لو كان إلهان لطلب كل واحد منهما العلو، و إذا شاء واحد أن يخلق إنسانا، فشاء الآخر أن يخالفه فيخلق بهيمة، فيكون الخلق منهما على مشيئتهما و اختلاف إرادتهما إنسانا و بهيمة في حالة واحدة.

فهذا من أعظم المحال غير موجود، فإذا بطل هذا، و لم يكن بينهما اختلاف، بطل الاثنان، و كان واحدا، و هذا التدبير و اتصاله و

قوام بعضه ببعض و اختلاف الأهواء و الإرادات و المشيئات يدل على صانع واحد، و هو قول الله عز و جل: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَ ما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَ لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ «1» و قوله: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا. «2»

و أما الرد على عبدة الأوثان، فقوله: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أَ لَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ. «3»

و قوله يحكي قول إبراهيم (عليه السلام): أَ فَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَ لا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَ لِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ «4» و قوله: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَ لا تَحْوِيلًا «5». و قوله: أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ «6» و مثله كثير مما هو رد على الزنادقة و عبدة الأوثان.

و أما الرد على الدهرية، فإن الدهرية زعموا أن الدهر لم يزل و لا يزال أبدا، و ليس له مدبر و لا صانع، و أنكروا البعث و النشور، فحكى الله عز و جل قولهم فقال: وَ قالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا- و إنما قالوا نحيا و نموت- وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ «7» فرد الله عليهم، فقال عز و جل: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا

خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً. «8»

ثم ضرب للبعث و النشور مثلا، فقال: وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً- أي يابسة ميتة- فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ- أي حسن- ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ

__________________________________________________

(1) المؤمنون 23: 91. [.....]

(2) الأنبياء 21: 22.

(3) الأعراف 7: 194 و 195.

(4) الأنبياء 21: 66 و 67.

(5) الإسراء 17: 56.

(6) النحل 16: 17.

(7) الجاثية 45: 24.

(8) الحج 22: 5.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 86

وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ. «1»

و قوله: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَ يَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى . «2»

و قوله: أَ فَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَ زَيَّنَّاها وَ ما لَها مِنْ فُرُوجٍ وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ- إلى قوله-: وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ «3» و قوله: وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ

قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ «4» و مثله كثير مما هو رد على الدهرية.

و أما الرد على من أنكر الثواب و العقاب، فقوله: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ «5» فإذا قامت القيامة تبدل السماوات و الأرض، و أما قوله: ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إنما هو في الدنيا ما دامت السماوات و الأرض.

و قوله: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا «6» الغدو و العشي إنما يكون في الدنيا في دار المشركين، فأما في القيامة فلا يكون غدو، و لا عشي.

و قوله: لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَ عَشِيًّا «7» يعني في جنان الدنيا التي تنتقل إليها أرواح المؤمنين، و أما في جنات الخلد فلا يكون غدو و لا عشي.

و قوله: مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ «8»

فقال الصادق (عليه السلام): «البرزخ القبر، و فيه «9» الثواب و العقاب بين الدنيا و الآخرة» «10».

و الدليل على ذلك أيضا

قول العالم (عليه السلام): «و الله، ما نخاف عليكم إلا البرزخ». «11»

__________________________________________________

(1) الحجّ 22: 5- 7.

(2) الرّوم 30: 48- 50.

(3) سورة ق 50: 6- 11.

(4) يس 36: 78 و 79.

(5) هود 11: 105- 107.

(6) المؤمن: 40: 46.

(7) مريم 19: 62. [.....]

(8) المؤمنون 23: 100.

(9) في «س»: و هو.

(10) تفسير القمّي 2: 94.

(11) تفسير القمّي 2: 94.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 87

و قوله عز و جل: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ

يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ «1».

قال الصادق (عليه السلام): «يستبشرون- و الله- في الجنة بمن لم يلحق بهم من خلفهم من المؤمنين في الدنيا» «2»

و مثله كثير مما هو رد على من أنكر الثواب و العقاب و عذاب القبر.

و أما الرد على من أنكر المعراج و الإسراء، فقوله: وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى «3» و قوله: وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا «4» و قوله: فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ «5» يعني الأنبياء (عليهم السلام)، و إنما رآهم في السماء ليلة أسري به.

و أما الرد على من أنكر الرؤية، فقوله: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى أَ فَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى . «6»

قال أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم: حدثني أبي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، قال: قال لي: «يا أحمد، ما الخلاف بينكم و بين أصحاب هشام بن الحكم بالنفي للجسم في التوحيد؟» فقلت: جعلت فداك، قلنا نحن بالصورة، للحديث الذي روي «أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) رأى ربه في صورة شاب» و قال هشام بن الحكم بالنفي للجسم.

فقال: «يا أحمد، إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما أسري به إلى السماء، و بلغ عند سدرة المنتهى، خرق له في الحجب مثل سم الإبرة «7»، فرأى من نور العظمة ما شاء الله أن يرى، و أردتم أنتم التشبيه، دع هذا- يا أحمد- لا ينفتح عليك منه أمر عظيم».

و أما الرد على

من أنكر خلق الجنة و النار، فقوله: عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى و سدرة المنتهى في السماء السابعة، و جنة المأوى عنده.

قال علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن حماد، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لما أسري بي إلى السماء، دخلت الجنة، فرأيت قصرا من ياقوتة حمراء، يرى داخلها من خارجها، و خارجها من

__________________________________________________

(1) آل عمران 3: 169 و 170.

(2) تفسير القمّي 1: 127.

(3) النّجم 53: 7- 9.

(4) الزّخرف 43: 45.

(5) يونس 10: 94.

(6) النّجم 53: 11- 15.

(7) السمّ: الثقب، و منه سمّ الخياط. «الصحاح- سمم- 5: 1953».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 88

داخلها من ضيائها، و فيها بنيان «1» من در و زبرجد، فقلت: يا جبرئيل لمن هذا القصر؟ فقال: هذا لمن أطاب الكلام، و أدام الصيام، و أطعم الطعام، و تهجد بالليل و الناس نيام.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا رسول الله، و في أمتك من يطيق هذا؟

فقال: ادن مني يا علي، فدنا منه، فقال: أ تدري ما إطابة الكلام؟ فقال: الله و رسوله أعلم. قال: من قال:

(سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر).

ثم قال: أ تدري ما إدامة الصيام؟ قال: الله و رسوله أعلم. قال: من صام شهر رمضان و لم يفطر منه يوما.

و تدري ما إطعام الطعام؟ قال: الله و رسوله أعلم. قال: من طلب لعياله ما يكف به وجوههم عن الناس.

و تدري ما التهجد بالليل و الناس نيام؟ قال: الله و رسوله أعلم. قال: من لم ينم حتى يصلي العشاء الآخرة، و يعني بالناس نيام: اليهود و النصارى، فإنهم ينامون فيما بينهما».

و

بهذا الإسناد قال: «قال

النبي (صلى الله عليه و آله): لما أسري بي إلى السماء، دخلت الجنة، فرأيت فيها قيعانا «2» يققا، «3» و رأيت فيها الملائكة يبنون لبنة من ذهب و لبنة من فضة، و ربما أمسكوا. فقلت لهم: ما لكم ربما بنيتم، و ربما أمسكتم؟ فقالوا: حتى تأتينا النفقة. فقلت: ما نفقتكم. قالوا: قول المؤمن في الدنيا: (سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر). فإذا قال بنينا، و إذا أمسك أمسكنا».

و

قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لما أسرى بي ربي إلى سبع سماواته، أخذ بيدي جبرئيل، فأدخلني الجنة، فأجلسني على درنوك من درانيك «4» الجنة، فناولني سفرجلة، فانفلقت نصفين، فخرجت من بينهما حوراء، فقامت بين يدي، فقالت: السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا أحمد، السلام عليك يا رسول الله.

فقلت: و عليك السلام، من أنت؟

فقالت: أنا الراضية المرضية، خلقني الله الجبار من ثلاثة أنواع: أسفلي من المسك، و وسطي من العنبر، و أعلاي من الكافور، و عجنت بماء الحيوان، ثم قال جل ذكره لي: كوني، فكنت لأخيك و ابن عمك و وصيك علي ابن أبي طالب».

قال: و قال أبو عبدالله (عليه السلام): «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يكثر من تقبيل فاطمة (عليها السلام)، فغضبت من ذلك عائشة، فقالت: يا رسول الله، إنك تكثر تقبيل فاطمة! فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا عائشة، إني لما أسري بي إلى السماء، و دخلت الجنة، فأدناني جبرئيل (عليه السلام) من شجرة طوبى، ناولني من ثمارها فأكلته، فلما هبطت إلى الأرض جعل «5» الله ذلك ماء في

__________________________________________________

(1) في المصدر: بيتان.

(2) القيعان: جمع قاع، و القاع: المستوي من

الأرض. «الصحاح- قوع- 3: 1274».

(3) أبيض يقق: أي شديد البياض ناصعه. «الصحاح- يقق- 4: 1571». [.....]

(4) الدرنوك: ضرب من البسط ذو خمل. «الصحاح- درن- 4: 1583».

(5) في هامش «س»: فحوّل. و في «ط» و المصدر: حوّل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 89

ظهري، فواقعت خديجة فحملت بفاطمة، فما قبلتها إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها».

و مثل ذلك كثير مما هو رد على من أنكر المعراج، و خلق الجنة و النار.

و أما الرد على المجبرة الذين قالوا: ليس لنا صنع، و نحن مجبورون، يحدث الله لنا الفعل عند الفعل، و إنما الأفعال المنسوبة إلى الناس على المجاز لا على الحقيقة، و تأولوا في ذلك آيات من كتاب الله عز و جل لم يعرفوا معناها، مثل قوله: وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «1» و قوله: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً «2» و غير ذلك من الآيات التي تأويلها على خلاف معانيها.

و فيما قالوا إبطال الثواب و العقاب، و إذا قالوا ذلك ثم أقروا بالثواب و العقاب، نسبوا الله تعالى إلى الجور، و أنه يعذب على غير اكتساب و فعل، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا أن يعاقب أحدا على غير فعل، و بغير حجة واضحة عليه.

و القرآن كله رد عليهم، قال الله تبارك و تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ «3» فقوله عز و جل: (لها و عليها) هو على الحقيقة لفعلها. و قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ «4». و قوله: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ «5».

و قوله: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ «6». و قوله: وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى «7». و قوله: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ- يعني بينا له طريق الخير و طريق الشر- إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً. «8»

و قوله: وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ وَ قارُونَ وَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَ ما كانُوا سابِقِينَ فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ- و لم يقل بفعلنا- فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَ ما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. «9» و مثله كثير نذكره، و نذكر أيضا ما احتجت به المجبرة من القرآن، الذي لم يعرفوا معناه و تفسيره، في مواضعه إن شاء الله.

و أما الرد على المعتزلة، فإن الرد عليهم من القرآن كثير، و في ذلك أن المعتزلة قالوا: نحن نخلق أفعالنا، و ليس لله فيها صنع و لا مشيئة و لا إرادة، و يكون ما شاء إبليس، و لا يكون ما شاء الله، و احتجوا بأنهم خالقون، لقول

__________________________________________________

(1) الإنسان 76: 30.

(2) الأنعام 6: 125.

(3) البقرة 2: 286.

(4) الزلزلة 99: 7 و 8.

(5) المدّثر 74: 38.

(6) آل عمران 3: 182.

(7) فصّلت 41: 17.

(8) الإنسان 76: 3.

(9) العنكبوت 29: 38- 40.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 90

الله عز و جل: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ «1» فقالوا: في الخلق خالقون غير الله، فلم يعرفوا معنى الخلق، و على كم وجه هو.

فسئل الصادق (عليه السلام) أفوض الله إلى العباد أمرا؟ فقال: «الله

أجل و أعظم من ذلك».

فقيل: فأجبرهم على ذلك؟ فقال: «الله أعدل من أن يجبرهم على فعل، ثم يعذبهم عليه».

فقيل له: فهل بين هاتين المنزلتين منزلة؟ فقال: «نعم». [فقيل: ما هي؟ فقال: «سر من أسرار] ما بين السماء و الأرض».

و

في حديث آخر، قال: و سئل هل بين الجبر و القدر منزلة؟ قال: «نعم». فقيل: ما هي؟ فقال: «سر من أسرار الله».

و

في حديث آخر، أنه قال: «هكذا خرج إلينا».

قال: و حدثني محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، قال: قال الرضا (عليه السلام): «يا يونس، لا تقل بقول القدرية، فإن القدرية لا يقولون بقول أهل الجنة، و لا بقول أهل النار، و لا بقول إبليس فإن أهل الجنة قالوا:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ «2» و لم يقولوا بقول أهل النار، فإن أهل النار يقولون: رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا «3» و قال إبليس: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي». «4»

فقلت: يا سيدي، و الله ما أقول بقولهم و لكن أقول: [لا يكون ] إلا ما شاء الله و قضى و قدر.

فقال: «ليس هكذا- يا يونس- و لكن لا يكون إلا ما شاء الله و أراد و قدر و قضى، أ تدري ما المشيئة، يا يونس؟» قلت: لا. قال: «هي الذكر الأول، و تدري ما الإرادة؟». قلت: لا. قال: «العزيمة على ما شاء الله، و تدري ما التقدير؟». قلت: لا. قال: «هو وضع الحدود من الآجال، و الأرزاق، و البقاء، و الفناء، و تدري ما القضاء؟». قلت: لا.

قال: «هو إقامة العين، و لا يكون إلا ما شاء الله في الذكر الأول».

و أما الرد على من أنكر الرجعة، فقوله: وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ

فَوْجاً. «5»

قال: و حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «ما يقول الناس في هذه الآية: وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً؟». قلت: يقولون: إنها في القيامة.

قال: «ليس كما يقولون، إن ذلك في الرجعة، أ يحشر الله في القيامة من كل أمة فوجا و يدع الباقين؟! إنما آية يوم القيامة قوله: وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً». «6»

__________________________________________________

(1) المؤمنون 23: 14.

(2) الأعراف 7: 43.

(3) المؤمنون 23: 106. [.....]

(4) الحجر 15: 39.

(5) النّمل 27: 83.

(6) الكهف 18: 47.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 91

و قوله: وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ف «1» قال الصادق (عليه السلام): «كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة، و أما في القيامة فيرجعون، و الذين محضوا «2» الإيمان محضا، و غيرهم ممن لم يهلكوا بالعذاب، و محضوا الكفر محضا يرجعون».

قال: و حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عبدالله بن مسكان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله: وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنϙƙљΠبِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ. «3»

قال: «ما بعث الله نبيا من لدن آدم، إلا و يرجع إلى الدنيا، فينصر أمير المؤمنين، و هو قوله: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ يعني رسول الله (صلى الله عليه و آله) وَ لَتَنْصُرُنَّهُ يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)».

و مثله كثير مما وعد الله تبارك و تعالى الأئمة (عليهم السلام) من الرجعة و النصر، فقال: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ- يا معشر الأئمة- وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى

لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً «4» فهذا مما يكون إذا رجعوا إلى الدنيا.

و قوله: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ «5» فهذا كله مما يكون في الرجعة.

قال: و حدثني أبي، عن أحمد بن النضر، عن عمر بن شمر، قال: ذكر عند أبي جعفر (عليه السلام) جابر، فقال: «رحم الله جابرا، لقد بلغ من علمه أنه كان يعرف تأويل هذه الآية: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ «6» يعني الرجعة».

و مثله كثير، نذكره في مواضعه.

و أما الرد على من وصف الله عز و جل، فقوله: وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى . «7»

قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «إذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا، أو تكلموا فيما دون العرش، و لا تكلموا فيما فوق العرش، فإن قوما تكلموا فيما فوق العرش فتاهت عقولهم، حتى كان الرجل ينادى من بين يديه فيجيب من خلفه، و ينادى من خلفه فيجيب من بين يديه».

و

قوله (عليه السلام): «من تعاطى مأثما هلك»

فلا يوصف الله عز و جل إلا بما وصف به نفسه عز و جل، و من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) و خطبه و كلامه في نفي الصفة. «8»

__________________________________________________

(1) الأنبياء 21: 95.

(2) المحض: الخالص الذي لم يخالطه شي ء. «مجمع البحرين- محض- 4: 229».

(3) آل عمران 3: 81.

(4) النّور 24: 55.

(5) القصص 28: 5 و 6.

(6) القصص 28: 85.

(7) النّجم 53: 42.

(8) قد يكون على تقدير: و من قول أمير المؤمنين (عليه السّلام) و خطبه و كلامه في نفي الصفة كثير

نذكره في مواضعه، أو أن قوله (عليه السّلام) سقط من أيدي النساخ، و من جميل

ما قاله (عليه السّلام) في نفي الصفة: «كمال الإخلاص له نفي الصفة عنه، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف،-

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 92

و أما الترغيب، فقوله: وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «1». و قوله:

هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ يُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ. «2»

و مثله قوله: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها «3» و قوله: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها «4». و قوله:

مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ. «5»

و أما الترهيب، فمثل قوله: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ ءٌ عَظِيمٌ. «6» و قوله: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ. «7»

و أما القصص، فهو ما أخبر الله تعالى نبيه (عليه و على آله الصلاة و السلام) من أخبار الأنبياء (عليهم الصلاة و السلام) و قصصهم في قوله: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ «8». و قوله: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ «9». و قوله:

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ. «10» و مثله كثير، و نحن نذكر ذلك كله في مواضعه، إن شاء الله، و

إنما ذكرنا من الأبواب التي اختصرناها من الكتاب آية واحدة ليستدل بها على غيرها، و يعرف معنى ما ذكرناه مما في هذا الكتاب من العلم، و في الذي ذكرناه كفاية لمن شرح الله قلبه و صدره، و من عليه بدينه الذي ارتضاه لملائكته و أنبيائه و رسله.

__________________________________________________

- و شهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة، فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه، و من قرنه فقد ثنّاه، و من ثنّاه فقد جزّأه، و من جزّأه فقد جهله، و من جهله فقد أشار إليه، و من أشار إليه فقد حدّه، و من حدّه فقد عدّه». نهج البلاغة: 40 الخطبة 1.

(1) الإسراء 17: 79.

(2) الصّف 61: 10- 12. [.....]

(3) النّمل 27: 89.

(4) الأنعام 6: 160.

(5) غافر 40: 40.

(6) الحجّ 22: 1.

(7) لقمان 31: 33.

(8) الكهف 18: 13.

(9) يوسف 12: 3.

(10) غافر 40: 78.

رهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 93

سورة فاتحة الكتاب ..... ص : 93

اشاره

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 95

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الفاتحة(1): آية 1 ..... ص : 95

ثواب فاتحة الكتاب و فضلها، و البسملة آية منها، و فضلها ..... ص : 95

222/ [1]- (التهذيب): محمد بن الحسن الطوسي، بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن العباس، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن السبع المثاني و القرآن العظيم، أ هي الفاتحة؟ قال: «نعم».

قلت: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من السبع؟ قال: «نعم، هي أفضلهن».

223/ [2]- عنه: بإسناده عن محمد بن الحسين، عن محمد بن حماد بن زيد «1»، عن عبدالله بن يحيى الكاهلي، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أقرب إلى اسم الله الأعظم من ناظر العين إلى بياضها».

224/ [3]- محمد بن علي بن بابويه، قال: حدثنا محمد بن القاسم المفسر المعروف: بأبي الحسن الجرجاني (رضي الله عنه)، قال: حدثني يوسف بن محمد بن زياد، و علي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن ابن علي، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) أنه قال: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ آية من فاتحة الكتاب، و هي سبع آيات، تمامها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: إن الله تعالى قال لي: يا محمد:

وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ «2» فأفرد الامتنان علي بفاتحة الكتاب، و جعلها بإزاء القرآن العظيم.

و إن فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش، و إن الله عز و جل خص محمدا (صلى الله عليه و آله) و شرفه بها، و لم

__________________________________________________

1- التّهذيب 2: 289/ 1157.

2- التّهذيب 2: 289/ 1159.

3-

عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 301/ 60، أمالي الصّدوق 148/ 2.

(1) في «س» و «ط»: زياد، و الصواب ما أثبتناه من المصدر. راجع النجاشي: 371/ 1011، تنقيح المقال 3: 109.

(2) الحجر 15: 87.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 96

يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه، ما خلا سليمان (عليه السلام) فإنه أعطاه منها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حكى عن بلقيس حين قالت: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. «1»

ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمد (صلى الله عليه و آله) و آله الطيبين، منقادا لأمرها، مؤمنا بظاهرها و باطنها، أعطاه الله بكل حرف منها أفضل من الدنيا و ما فيها، من أصناف أموالها و خيراتها.

و من استمع إلى قارئ يقرأها كان له قدر ما للقارى ء، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم فإنه غنيمة، لا يذهبن أوانه فتبقى في قلوبكم الحسرة».

225/ [4]- ابن بابويه أيضا مرسلا، قال: قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أ هي من فاتحة الكتاب؟

فقال: «نعم، كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقرأها و يعدها منها، و يقول: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني».

226/ [5]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «لو قرئت الحمد على ميت سبعين مرة، ثم ردت فيه الروح، ما كان عجبا».

227/ [6]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عبدالله بن الفضل، رفعه، قال: «ما قرأت الحمد على وجع سبعين مرة إلا سكن».

228/

[7]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن سلمة بن محرز، قال:

سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «من لم يبرئه الحمد لم يبرئه شي ء».

229/ [8]- ابن بابويه، قال: حدثني أبي (رحمه الله)، قال: حدثني محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن حسان، عن إسماعيل بن مهران، قال: حدثني الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، عن أبيه، قال:

قال أبو عبدالله (عليه السلام): «اسم الله الأعظم مقطع في أم الكتاب».

230/ [9]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثني محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) أنه قال: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها».

__________________________________________________

4- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 301/ 59، أمالي الصّدوق: 148/ 1. [.....]

5- الكافي 2: 456/ 16.

6- الكافي 2: 456/ 15.

7- الكافي 2: 458/ 22.

8- ثواب الأعمال: 104.

9- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 2: 5/ 11.

(1) النّمل 27: 29 و 30.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 97

231/ [10]- علي بن إبراهيم في (تفسيره): عن ابن أذينة، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أحق ما جهر به، و هي الآية التي قال الله عز و جل: وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً». «1»

232/ [11]- عنه، قال: حدثني أبي، عن الحسن بن علي بن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «إن إبليس رن رنينا «2»، لما بعث الله نبيه على حين

فترة من الرسل، و حين نزلت أم الكتاب».

233/ [12]- العياشي، بأسانيده عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، عن أبيه، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «اسم الله الأعظم مقطع في أم الكتاب».

234/ [13]- عن محمد بن سنان، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: قال لأبي حنيفة: «ما سورة أولها تحميد، و أوسطها إخلاص، و آخرها دعاء؟» فبقي متحيرا، ثم قال: لا أدري.

فقال أبو عبدالله (عليه السلام): «السورة التي أولها تحميد، و أوسطها إخلاص، و آخرها دعاء، سورة الحمد».

235/ [14]- عن يونس بن عبدالرحمن، عمن رفعه، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام): وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ «3»؟ فقال: «هي سورة الحمد، و هي سبع آيات منها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و إنما سميت المثاني لأنها تثنى في الركعتين».

236/ [15]- عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «سرقوا أكرم آية في كتاب الله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».

237/ [16]- عن صفوان الجمال، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «ما أنزل الله من السماء كتابا إلا و فاتحته بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و إنما كان يعرف انقضاء السورة بنزول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ابتداء للأخرى».

238/ [17]- عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يجهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

__________________________________________________

10- تفسير القمي 1: 28.

11- تفسير القمي 1: 29.

12- تفسير العياشي 1: 19/ 1.

13- تفسير العياشي 1: 19/ 2.

14- تفسير العياشي 1: 19/ 3.

15- تفسير العياشي 1: 19/ 4.

16- تفسير العياشي 1: 19/ 5.

17- تفسير العياشي 1: 20/ 6. [.....]

(1) الإسراء 17: 46.

(2) الرنين: الصياح عند البكاء.

«لسان العرب- رنن- 13: 187».

(3) الحجر 15: 87.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 98

و يرفع صوته بها، فإذا سمع المشركون ولوا مدبرين، فأنزل الله: وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً». «1»

239/ [18]- قال الحسن بن خرزاد، و روي عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «إذا أم الرجل القوم، جاء شيطان إلى الشيطان الذي هو قريب إلى الإمام، فيقول: هل ذكر الله؟ يعني هل قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فإن قال: نعم، هرب منه، و إن قال: لا، ركب عنق الإمام، و دلى رجليه في صدره، فلم يزل الشيطان إمام القوم حتى يفرغوا من صلاتهم».

240/ [19]- عن عبد الملك بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن إبليس رن أربع رنات: أولهن يوم لعن، و حين هبط إلى الأرض، و حين بعث محمد (صلى الله عليه و آله) على فترة من الرسل، و حين أنزلت أم الكتاب الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و نخر «2» نخرتين: حين أكل آدم (عليه السلام) من الشجرة، و حين أهبط آدم إلى الأرض- قال-: و لعن من فعل ذلك».

241/ [20]- عن إسماعيل بن أبان، يرفعه إلى النبي (صلى الله عليه و آله) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لجابر بن عبدالله: «يا جابر، ألا أعلمك أفضل سورة أنزلها الله في كتابه؟».

قال: فقال جابر: بلى- بأبي أنت و أمي، يا رسول الله- علمنيها.

قال: قال: فعلمه الْحَمْدُ لِلَّهِ أم الكتاب.

قال: ثم قال له: «يا جابر، ألا أخبرك عنها؟».

قال: بلى- بأبي أنت و أمي- فأخبرني.

قال: «هي شفاء من كل داء، إلا السام» يعني الموت.

242/ [21]- عن سلمة بن محمد، «3» قال: سمعت أبا عبدالله

(عليه السلام) يقول: «من لم تبرئه الحمد لم يبرئه شي ء».

243/ [22]- عن أبي بكر الحضرمي، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «إذا كانت لك حاجة، فاقرأ المثاني و سورة أخرى، وصل ركعتين، وادع الله».

__________________________________________________

18- تفسير العيّاشي 1: 20/ 7.

19- تفسير العيّاشي 1: 20/ 8.

20- تفسير العيّاشي 1: 20/ 9.

21- اللّه 1: 20/ 1.

22- تفسير العيّاشي 1: 21/ 11.

(1) الإسراء 17: 46.

(2) نخر: مدّ الصوت في خياشيمه. «القاموس المحيط- نخر- 2: 144».

(3) في المصدر: سلمة بن محرز.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 99

قلت: أصلحك الله، و ما المثاني؟ قال: «فاتحة الكتاب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ».

244/ [23]- عن عيسى بن عبدالله، عن أبيه، عن جده، عن علي (عليه السلام)، قال: بلغه أن أناسا ينزعون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، فقال: «هي آية من كتاب الله، أنساهم إياها الشيطان».

245/ [24]- عن إسماعيل بن مهران، قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها».

246/ [25]- عن سليمان الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: «إذا أتى أحدكم أهله، فليكن قبل ذلك ملاطفة، فإنه ألين «1» لقلبها، و أسل لسخيمتها «2»، فإذا أفضى إلى حاجته، قال: بِسْمِ اللَّهِ ثلاثا، فإن قدر أن يقرأ أي آية حضرته من القرآن فعل، و إلا قد كفته التسمية» الحديث.

247/ [26]- عن خالد بن المختار، قال: سمعت جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: «ما لهم- قاتلهم الله- عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله، فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها، و هي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».

248/ [27]- (أمالي الشيخ) بإسناده، قال: قال الصادق (عليه السلام): «من نالته علة، فليقرأ الحمد

في جيبه «3» سبع مرات، فإن ذهبت، و إلا فليقرأها سبعين مرة، و أنا الضامن له العافية».

249/ [28]- (جامع الأخبار): عن ابن مسعود، عن النبي (صلى الله عليه و آله): «من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر، فليقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فإنها تسعة عشر حرفا، ليجعل الله كل حرف منها عن واحد منهم».

250/ [29]- و عن ابن مسعود، عن النبي (صلى الله عليه و آله)، قال: «من قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتب الله له بكل حرف أربعة آلاف حسنة، و محا عنه أربعة آلاف سيئة، و رفع له أربعة آلاف درجة».

__________________________________________________

23- تفسير العيّاشي 1: 21/ 12.

24- تفسير العيّاشي 1: 21/ 13.

25- تفسير العيّاشي 1: 21/ 14. [.....]

26- تفسير العيّاشي 1: 21/ 16.

27- الأمالي 1: 290.

28- جامع الأخبار: 42.

29- جامع الأخبار: 42.

(1) في المصدر: أبرّ.

(2) السّخيمة: الضغينة و الموجدة في النفس. «الصحاح- سخم- 5: 1948». و المعنى: أكثر إخراجا لحقدها، و ما يستولي عليها من الضغينة و مساوئ الأخلاق.

(3) في «ط» جبينه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 100

251/ [30]- و روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «من قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بنى الله له في الجنة سبعين ألف قصر من ياقوتة حمراء، في كل قصر سبعون ألف بيت من لؤلؤة بيضاء، في كل بيت سبعون ألف سرير من زبرجدة خضراء، فوق كل سرير سبعون ألف فراش من سندس و إستبرق، و عليه زوجة من حور العين، و لها سبعون ألف ذؤابة، مكللة بالدر و الياقوت، مكتوب على خدها الأيمن: محمد رسول الله، و على خدها الأيسر:

علي ولي الله، و على جبينها الحسن، و على ذقنها: الحسين، و على

شفتيها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».

قلت: يا رسول الله، لمن هذه الكرامة؟ قال: لمن يقول بالحرمة و التعظيم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».

252/ [31]- و قال النبي (صلى الله عليه و آله): «إذا مر المؤمن على الصراط، فيقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أطفئ لهب النار، و تقول: جز- يا مؤمن- فإن نورك قد أطفأ لهبي».

253/ [32]- و قال النبي (صلى الله عليه و آله): «إذا قال المعلم للصبي: [قل:] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [فقال الصبي: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ] كتب الله براءة للصبي، و براءة لأبويه، و براءة للمعلم [من النار]».

254/ [33]- و روي أن رجلا يسمى عبد الرحمن، كان معلما للأولاد في المدينة، فعلم ولدا للحسين (عليه السلام) يقال له جعفر، فعلمه الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فلما قرأها على أبيه الحسين (عليه السلام) استدعى المعلم، و أعطاه ألف دينار و ألف حلة، و حشا فاه درا، فقيل له في ذلك؟ فقال (عليه السلام): «و أنى تساوي عطيتي هذه بتعليمه ولدي الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ؟!».

255/ [34]- الزمخشري في (ربيع الأبرار): عن النبي (صلى الله عليه و آله): «لا يرد دعاء أوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فإن أمتي يأتون يوم القيامة، و هم يقولون: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فتثقل حسناتهم في الميزان، فتقول الأمم: ما أرجح موازين أمة محمد (صلى الله عليه و آله)! فيقول الأنبياء: إن ابتداء كلامهم ثلاثة أسماء من أسماء الله تعالى، لو وضعت في كفة الميزان، و وضعت سيئات الخلق في كفة أخرى، لرجحت حسناتهم».

__________________________________________________

30- جامع الأخبار: 42.

31- جامع الأخبار: 42.

32- جامع الأخبار: 42.

33- مناقب ابن شهر آشوب 4: 66 «نحوه».

34- ربيع الأبرار 2: 336.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 101

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[1]

256/ [1]- علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثنا أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى ابن جعفر (عليه السلام).

قال: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عيسى، عن حريز «1»، عن أبي عبدالله (عليه السلام).

قال: و حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن حماد، و عبد الرحمن بن أبي نجران، و ابن فضال، عن علي بن عقبة. «2»

قال: و حدثني أبي، عن النضر بن سويد، و أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام).

قال: و حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، و هشام بن سالم، و عن كلثوم بن الهرم «3»، عن عبدالله بن سنان، و عبدالله بن مسكان، و عن صفوان، و سيف بن عميرة، و أبي حمزة الثمالي، و عن عبدالله بن جندب، و الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام).

قال: و حدثني أبي، عن حنان، و عبدالله بن ميمون القداح، و أبان بن عثمان، عن عبدالله بن شريك العامري، عن المفضل بن عمر، و أبي بصير، عن أبي جعفر و أبي عبدالله (عليهما السلام)، قالا في تفسير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

قال: و حدثني أبي، عن عمرو بن إبراهيم الراشدي، و صالح بن سعيد، و يحيى بن أبي عمران «4» الحلبي، و إسماعيل بن مرار، و أبي طالب عبدالله بن الصلت، عن علي بن يحيى «5»، عن أبي بصير، عن أبي

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 27.

(1) في المصدر: حريف، تصحيف صوابه ما في المتن، راجع رجال النجاشي: 144/ 375. [.....]

(2) في «س»، «ط»: عن عقبة، و لعلّ الصواب ما أثبتناه من

المصدر. راجع جامع الرواة 1: 593، معجم رجال الحديث 12: 96.

(3) في المصدر: كلثوم بن العدم. راجع معجم رجال الحديث 14: 119.

(4) في «س»: يحيى بن أبي عمير، و الصواب ما في المتن. راجع جامع الرواة 2: 324، معجم رجال الحديث 20: 26.

(5) في «س»، «ط»: عن أبي يحيى، و لعلّ الصواب ما أثبتناه من المصدر. راجع معجم رجال الحديث 12: 221.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 102

عبدالله (عليه السلام)، قال: سألته عن تفسير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال: «الباء بهاء الله، و السين سناء الله، و الميم ملك الله، و الله إله كل شي ء، و الرحمن بجميع خلقه، و الرحيم بالمؤمنين خاصة».

257/ [2]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن عبدالله بن سنان، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن تفسير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قال: «الباء بهاء الله، و السين سناء الله، و الميم مجد الله- و روى بعضهم: الميم ملك الله- و الله إله كل شي ء، الرحمن بجميع خلقه، و الرحيم بالمؤمنين خاصة».

258/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن النضر بن سويد، عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن أسماء الله و اشتقاقها، و الله مم هو مشتق؟ فقال: «يا هشام، الله مشتق من إله، و الإله يقتضي مألوها، و الاسم غير المسمى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر و لم يعبد شيئا، و من عبد الاسم و المعنى فقد أشرك و عبد اثنين، و من عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد، أ فهمت يا هشام؟».

قال: قلت زدني. قال:

«لله تسعة و تسعون اسماء، فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها إلها، و لكن لله معنى يدل عليه بهذه الأسماء، و كلها غيره.

يا هشام، الخبز اسم للمأكول، و الماء اسم للمشروب، و الثوب اسم للملبوس، و النار اسم للمحرق، «1» أ فهمت- يا هشام- فهما تدفع به و تناضل به أعداء الله، المتخذين مع الله عز و جل غيره؟».

قلت: نعم، فقال: «نفعك الله به و ثبتك، يا هشام».

قال هشام: فو الله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا.

259/ [4]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن ابن راشد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سئل عن معنى الله، فقال: «استولى على ما دق و جل». «2»

260/ [5]- ابن بابويه: عن أبيه، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبدالله، عن محمد بن عبد الله، و موسى بن عمر، و الحسن بن علي بن أبي عثمان، عن ابن سنان، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الاسم، ما هو؟ فقال: «صفة لموصوف».

261/ [6]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن

__________________________________________________

2- الكافي 1: 89/ 1.

3- الكافي 1: 89/ 2.

4- الكافي 1: 89/ 3.

5- معاني الأخبار: 2/ 1.

6- معاني الأخبار: 3/ 2.

(1) في «س»: الحرق.

(2) ما دقّ و جلّ: حقر و عظم. «مجمع البحرين- دقق- 5: 162».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 103

العباس بن معروف، عن صفوان بن يحيى، عمن حدثه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه سئل عن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، فقال: «الباء بهاء

الله، و السين سناء الله، و الميم ملك الله».

قال: قلت: الله؟ قال: «الألف آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا، و اللام إلزام الله خلقه ولايتنا».

قلت: فالهاء؟ قال: «هوان لمن خالف محمدا و آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)».

قلت: الرحمن؟ قال: «بجميع العالم».

قلت: الرحيم؟ قال: «بالمؤمنين خاصة».

262/ [7]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه)، قال: أخبرنا أحمد بن محمد ابن سعيد مولى بني هاشم، عن علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرضا علي بن موسى (عليه السلام) عن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقال: «معنى قول القائل: بسم الله، أي: أسمي على نفسي سمة من سمات الله عز و جل و هي العبادة».

قال: فقلت له: و ما السمة؟ قال: «العلامة».

263/ [8]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن القاسم الجرجاني المفسر (رحمه الله)، قال: حدثنا أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد، و أبو الحسن علي بن محمد بن سيار، و كانا من الشيعة الإمامية، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد (عليهم السلام) في قول الله عز و جل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، فقال: «هو الله الذي يتأله «1» إليه عند الحوائج و الشدائد كل مخلوق، عند انقطاع الرجاء عن كل من هو دونه، و تقطع الأسباب من جميع من سواه، تقول: بسم الله، أي استعين على أموري كلها بالله، الذي لا تحق العبادة إلا له، و المغيث إذا استغيث، و المجيب إذا دعي.

و هو

ما قال رجل للصادق (عليه السلام): يا بن رسول الله، دلني على الله ما هو، فقد أكثر علي المجادلون و حيروني؟ فقال له: يا عبدالله، هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم.

فقال: هل كسرت بك، حيث لا سفينة تنجيك، و لا سباحة تغنيك؟ قال: نعم.

قال الصادق (عليه السلام): فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال:

نعم. قال الصادق (عليه السلام): فذلك الشي ء هو الله، القادر على الإنجاء حيث لا منجي، و على الإغاثة حيث لا مغيث.

ثم قال الصادق (عليه السلام): و لربما ترك بعض شيعتنا في افتتاح أمره بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فيمتحنه الله عز و جل بمكروه، لينبهه على شكر الله تبارك و تعالى و الثناء عليه، و يمحق عنه وصمة «2» تقصيره،

__________________________________________________

7- معاني الأخبار: 3/ 1.

8- التّوحيد: 230/ 5، معاني الأخبار: 4/ 2.

(1) أله إلى كذا: لجأ إليه، لأنّه سبحانه و تعالى المفزّع الذي يلجأ إليه في كل أمر. «لسان العرب- أله- 13: 469». [.....]

(2) الوصم: العيب و العار. «الصحاح- و صم- 5: 2052».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 104

عند تركه قول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

قال: و قام رجل إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فقال: أخبرني ما معنى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ؟

فقال علي بن الحسين (عليه السلام): حدثني أبي، عن أخيه الحسن، عن أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام): أن رجلا قام إليه، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ما معناه؟

فقال: إن قولك: الله، أعظم اسم من أسماء الله عز و جل، و هو الاسم الذي لا ينبغي أن يسمى به غير الله، و لم يتسم به مخلوق.

فقال الرجل: فما تفسير قول الله؟

قال: هو الذي يتأله إليه عند الحوائج و الشدائد كل مخلوق، عند انقطاع الرجاء من جميع من [هو] دونه، و تقطع الأسباب من كل ما سواه، و ذلك [أن ] كل مترئس

في هذه الدنيا، و متعظم فيها، و إن عظم غناه و طغيانه، و كثرت حوائج من دونه إليه، فإنهم سيحتاجون حوائج [لا يقدر عليها هذا المتعاظم، و كذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج ] لا يقدر عليها، فينقطع إلى الله عند ضرورته و فاقته، حتى إذا كفى همه، عاد إلى شركه. أما تسمع الله عز و جل يقول: قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَ غَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَ تَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ «1» فقال الله جل و عز لعباده: أيها الفقراء إلى رحمتي، إني قد ألزمتكم الحاجة إلي في كل حال، و ذلة العبودية في كل وقت، فإلي فافزعوا في كل أمر تأخذون و ترجون تمامه و بلوغ غايته، فإني إن أردت أن أعطيكم، لم يقدر غيري على منعكم، و إن أردت أن أمنعكم، لم يقدر غيري على إعطائكم، فأنا أحق من يسأل، و أولى من تضرع إليه.

فقولوا عند افتتاح كل أمر صغير أو عظيم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أي: استعين على هذا الأمر، الذي لا تحق العبادة لغيره، إلا له، المجيب إذا دعي، المغيث إذا استغيث، الرحمن الذي يرحم يبسط الرزق علينا، الرحيم بنا في أدياننا، و دنيانا، و آخرتنا، خفف علينا الدين، و جعله سهلا خفيفا، و هو يرحمنا بتمييزنا من أعدائه».

ثم قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من حزنه أمر تعاطاه فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و هو مخلص لله، و يقبل بقلبه إليه، لم ينفك من إحدى اثنتين: إما بلوغ حاجته في الدنيا، و إما يعد له عند ربه و يدخر له، و ما

عند الله خير و أبقى للمؤمنين».

264/ [9]- العياشي: عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، في تفسير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقال: «الباء بهاء الله، و السين سناء الله، و الميم مجد الله- و رواه غيره عنه: ملك الله- و الله إله الخلق، الرحمن بجميع العالم، الرحيم بالمؤمنين خاصة».

و رواه غيره عنه: «و الله إله كل شي ء».

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 1: 22/ 18- 20.

(1) الأنعام 6: 40 و 41.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 105

265/ [10]- عن الحسن بن خرزاذ، قال: كتبت إلى الصادق (عليه السلام) أسأل عن معنى الله. فقال: «استولى على ما دق و جل».

266/ [11]- تفسير الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام) قال: «قال الصادق (عليه السلام): و لربما ترك في افتتاح أمر بعض شيعتنا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فيمتحنه الله بمكروه، لينبهه على شكر الله و الثناء عليه، و يمحو عنه وصمة تقصيره، عند تركه قول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

لقد دخل عبدالله بن يحيى على أمير المؤمنين (عليه السلام)، و بين يديه كرسي، فأمره بالجلوس عليه، فجلس عليه، فمال به حتى سقط على رأسه، فأوضح عن عظم رأسه، و سال الدم، فأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) بماء، فغسل عنه ذلك الدم. ثم قال: ادن مني، [فدنا منه ] فوضع يده على موضحته «1»، و قد كان يجد من ألمها ما لا صبر له معه، و مسح يده عليها و تفل فيها، حتى اندمل و صار كأنه لم يصبه شي ء قط.

و قال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا عبدالله، الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنهم، لتسلم لهم طاعاتهم، و يستحقوا عليها ثوابها.

فقال عبدالله بن يحيى: يا أمير المؤمنين، و

إنا لا نجازى بذنوبنا إلا في الدنيا؟

قال: نعم، أما سمعت قول رسول الله (صلى الله عليه و آله): الدنيا سجن المؤمن، و جنة الكافر. إن الله تعالى طهر شيعتنا من ذنوبهم في الدنيا بما يبتليهم به من المحن، و بما يغفره لهم، فإن الله تعالى يقول: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ «2» حتى إذا وردوا يوم القيامة، توفرت عليهم طاعاتهم و عباداتهم.

و إن أعداءنا يجازيهم عن طاعة تكون في الدنيا منهم- و إن كان لا وزن لها، لأنه لا إخلاص معها- حتى إذا وافوا القيامة، حملت عليهم ذنوبهم، و بغضهم لمحمد و آله (صلوات الله عليهم أجمعين) و خيار أصحابه، فقذفوا في النار.

فقال عبدالله بن يحيى: يا أمير المؤمنين، قد أفدتني و علمتني، فإن رأيت أن تعرفني ذنبي الذي امتحنت به في هذا المجلس، حتى لا أعود إلى مثله؟

فقال: تركك حين جلست أن تقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فجعل الله ذلك لسهوك عما ندبت إليه تمحيصا بما أصابك، أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) حدثني، عن الله عز و جل أنه قال: كل أمر ذي بال لم يذكر فيه اسم الله، فهو أبتر؟

فقلت: بلى- بأبي أنت و أمي- لا أتركها بعدها. قال: إذن تحظى «3» و تسعد.

قال عبدالله بن يحيى: يا أمير المؤمنين، ما تفسير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ؟

__________________________________________________

10- تفسير العيّاشي 1: 21/ 15.

11- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 22/ 7.

(1) الموضحة: الشجّة التي تبدي وضح العظم. «الصحاح- وضح- 1: 416».

(2) الشّورى 42: 30.

(3) في المصدر: تحصن بذلك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 106

قال: إن العبد إذا أراد أن يقرأ، أو يعمل

عملا، فيقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أي بهذا الاسم أعمل هذا العمل، فكل عمل يعمله، يبدأ فيه ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فإنه مبارك له فيه».

267/ [12]- (ربيع الأبرار) للزمخشري: قال: قال رجل لجعفر بن محمد (عليهما السلام): ما الدليل على الله، و لا تذكر لي العالم و العرض و الجواهر؟ فقال له: «هل ركبت البحر؟» قال: نعم. قال: «فهل عصفت بكم الريح، حتى خفتم الغرق؟» قال: نعم. قال: [قال: «فهل انقطع رجاؤك من المركب و الملاحين؟» قال: نعم.] قال: «فهل تتبعت نفسك أن ثم من ينجيك؟» قال: نعم.

قال: «فإن ذاك هو الله سبحانه و تعالى، قال الله: عز و جل: ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ «1» و إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ». «2»

سورة الفاتحة(1): الآيات 2 الي 7 ..... ص : 106

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [2] الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [3] مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [4] إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [5] اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [6] صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ [7]

268/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن محمد بن هشام، عن ميسر، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «شكر النعمة اجتناب المحارم، و تمام الشكر قول الرجل: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ».

269/ [2]- الشيخ الفاضل علي بن عيسى في (كشف الغمة): عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «فقد أبي بغلة له، فقال: إن ردها الله علي لأحمدنه بمحامد يرضاها، فلما لبث أن أتي بها بسرجها و لجامها، فلما استوى [عليها] و ضم إليه ثيابه، رفع رأسه إلى السماء، و قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ و لم يزد.

ثم قال: ما تركت و لا أبقيت شيئا، جعلت جميع أنواع المحامد لله عز

و جل، فما من حمد إلا و هو داخل فيما قلت».

ثم قال علي بن عيسى: صدق و بر (عليه السلام) فإن الألف و اللام في قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ يستغرق الجنس

__________________________________________________

12- ربيع الأبرار 1: 663.

1- الكافي 2: 78/ 10.

2- كشف الغمّة 2: 118.

(1) الإسراء 17: 67.

(2) النّحل 16: 53.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 107

و تفرده تعالى بالحمد.

270/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن النضر بن سويد، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ قال: «الشكر لله».

و في قوله: رَبِّ الْعالَمِينَ قال: «خالق الخلق. الرَّحْمنِ بجميع خلقه الرَّحِيمِ بالمؤمنين خاصة». مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال: «يوم الحساب، و الدليل على ذلك قوله: وَ قالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ «1» يعني يوم الحساب». إِيَّاكَ نَعْبُدُ «مخاطبة الله عز و جل و وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ مثله». اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ قال: «الطريق، و معرفة الإمام».

271/ [4]- قال: و حدثني أبي، عن حماد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله: الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ.

قال: «هو أمير المؤمنين (عليه السلام) و معرفته، و الدليل على أنه أمير المؤمنين قوله: وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ «2» و هو أمير المؤمنين (عليه السلام) في أم الكتاب.

272/ [5]- و عنه: و حدثني أبي، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، قال: وصف أبو عبدالله (عليه السلام) الصراط، فقال: «ألف سنة صعود، و ألف سنة هبوط، و ألف سنة حدال». «3»

273/ [6]- و عنه: عن سعدان بن مسلم، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: سألته عن الصراط، قال: «هو أدق من الشعر، و أحد من السيف

فمنهم من يمر «4» عليه مثل البرق، و منهم من يمر عليه مثل عدو الفرس، و منهم من يمر عليه ماشيا، و منهم من يمر عليه حبوا، «5» متعلقا، فتأخذ النار منه شيئا و تترك بعضا».

274/ [7]- و عنه أيضا، قال: و حدثني أبي، عن حماد، عن حريز، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قرأ: «اهدنا الصراط المستقيم صراط من «6» أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين» قال: «المغضوب عليهم:

النصاب، و الضالين: اليهود و النصارى».

__________________________________________________

3- تفسير القمّي 1: 28. [.....]

4- تفسير القمّي 1: 28.

5- تفسير القمّي 1: 29.

6- تفسير القمّي 1: 29.

7- تفسير القمّي 1: 29.

(1) الصّافّات 37: 20.

(2) الزّخرف 43: 4.

(3) حدل: مشى في ميل إلى أحد جانبيه. «المعجم الوسيط- حدل- 1: 161».

(4) في «س»: يمشي.

(5) حبا الصبي على استه حبوا، إذا زحف. «الصحاح- حبا- 6: 2307».

(6)

قرأ صراط من أنعمت عليهم عمر بن الخطّاب، و عمرو بن عبد اللّه الزبيري، و روي ذلك عن أهل البيت (عليهم السّلام).

أنظر مجمع البيان 1: 105.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 108

275/ [8]- و عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ. قال: «المغضوب عليهم: النصاب، و الضالين: الشكاك الذين لا يعرفون الإمام».

276/ [9]- سعد بن عبدالله: عن أحمد بن الحسين، عن علي بن الريان، عن عبيد الله بن عبدالله الدهقان، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «إن لله خلف هذا النطاق زبرجدة خضراء، منها اخضرت السماء».

قلت: و ما النطاق؟! قال: «الحجاب، و لله عز و جل وراء ذلك سبعون ألف عالم، أكثر من عدة الجن و الإنس، و كلهم يلعن

فلانا و فلانا».

277/ [10]- و عنه: عن سلمة بن الخطاب، عن أحمد بن عبد الرحمن بن «1» عبد ربه الصيرفي، عن محمد بن سليمان، عن يقطين الجواليقي، عن فلفلة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن الله عز و جل خلق جبلا محيطا بالدنيا [من ] زبرجدة خضراء، و إنما خضرة السماء من خضرة ذلك الجبل، و خلق خلفه خلقا، لم يفترض عليهم شيئا مما افترض على خلقه من صلاة و زكاة، و كلهم يلعن رجلين من هذه الأمة» و سماهما.

278/ [11]- و عنه: عن محمد بن هارون بن موسى، عن أبي سهل بن زياد الواسطي، عن عجلان أبي صالح، «2» قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قبة آدم، فقلت له: هذه قبة آدم؟

فقال: «نعم، و لله عز و جل قباب كثيرة، أما إن لخلف مغربكم هذا تسعة و تسعين مغربا، أرضا بيضاء مملوءة خلقا، يستضيئون بنورها، لم يعصوا الله طرفة عين، لا يدرون أخلق الله عز و جل آدم أم لم يخلقه، يبرءون من فلان و فلان و فلان».

قيل له: و كيف هذا، و كيف يبرءون من فلان و فلان و فلان و هم لا يدرون أن الله خلق آدم أو لم يخلقه؟! فقال للسائل عن ذلك: «أتعرف إبليس؟». فقال: لا، إلا بالخبر. قال: «إذن أمرت بلعنه و البراءة منه؟». قال:

نعم. قال: «فكذلك أمر هؤلاء».

279/ [12]- و عنه: عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الصمد بن بشير، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «من وراء شمسكم هذه أربعون عين شمس، ما بين عين شمس إلى عين شمس أربعون عاما، فيها خلق كثير، ما

يعلمون أن الله خلق آدم أو لم يخلقه.

__________________________________________________

8- تفسير القمّي 1: 29.

9- مختصر بصائر الدرجات: 12.

10- مختصر بصائر الدرجات: 11.

11- مختصر بصائر الدرجات: 12. [.....]

12- مختصر بصائر الدرجات: 12.

(1) في «س» و «ط»: عن.

(2) في «س» و «ط»: عجلان بن أبي صالح، و في المصدر: عجلان بن صالح بن صالح، و الظاهر صحّة ما أثبتناه. راجع معجم رجال الحديث 11: 132 و 133.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 109

و إن من وراء قمركم هذا أربعين قرصا، بين القرص إلى القرص أربعون عاما، فيها خلق كثير، ما يعلمون أن الله عز و جل خلق آدم أو لم يخلقه، قد ألهموا- كما ألهمت النحلة- لعنة الأول و الثاني في كل الأوقات، و قد و كل بهم ملائكة، متى لم يلعنوا عذبوا».

280/ [13]- و عنه: عن الحسن بن عبد الصمد، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان، «1» قال: حدثنا العباد بن عبد الخالق، عمن حدثه، عن أبي عبدالله (عليه السلام).

و عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «إن لله عز و جل ألف عالم، كل عالم منهم أكثر من سبع سماوات و سبع أرضين، ما يرى كل عالم منهم أن لله عالما غيرهم، و أنا الحجة عليهم».

281/ [14]- و عنه: عن أحمد بن محمد بن عيسى، «2» عن الحسين بن سعيد، و محمد بن عيسى بن عبيد، عن الحسين بن سعيد جميعا، عن فضالة بن أيوب، عن القاسم بن بريد، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ميراث العلم ما مبلغه، أ جوامع هو من هذا العلم، أم تفسير كل شي ء من هذه الأمور التي يتكلم

فيها؟

فقال: «إن لله عز و جل مدينتين مدينة بالمشرق، و مدينة بالمغرب، فيهما قوم لا يعرفون إبليس، و لا يعلمون بخلق إبليس، نلقاهم كل حين فيسألوننا عما يحتاجون إليه، و يسألوننا عن الدعاء فنعلمهم، و يسألوننا عن قائمنا متى يظهر.

فيهم عبادة و اجتهاد شديد، لمدينتهم أبواب، ما بين المصراع إلى المصراع مائة فرسخ، لهم تقديس و تمجيد و دعاء و اجتهاد شديد، لو رأيتموهم لاحتقرتم عملكم، يصلي الرجل منهم شهرا لا يرفع رأسه من سجدته، طعامهم التسبيح، و لباسهم الورع، و وجوههم مشرقة بالنور، و إذا رأوا منا واحدا احتوشوه، «3» و اجتمعوا له، و أخذوا من أثره من الأرض يتبركون به، لهم دوي- إذا صلوا- كأشد من دوي الريح العاصف.

منهم جماعة لم يضعوا السلاح مذ كانوا، ينتظرون قائمنا، يدعون الله عز و جل أن يريهم إياه، و عمر أحدهم ألف سنة، إذا رأيتهم رأيت الخشوع و الاستكانة و طلب ما يقربهم إلى الله عز و جل، إذا احتبسنا عنهم ظنوا ذلك من سخط، يتعاهدون أوقاتنا التي نأتيهم فيها، فلا يسأمون و لا يفترون، يتلون كتاب الله عز و جل كما علمناهم، و إن فيما نعلمهم ما لو تلي على الناس لكفروا به و لأنكروه.

يسألوننا عن الشي ء إذا ورد عليهم في القرآن لا يعرفونه، فإذا أخبرناهم به انشرحت صدورهم لما يسمعون منا، و سألوا لنا البقاء و أن لا يفقدونا، و يعلمون أن المنة من الله عليهم فيما نعلمهم عظيمة، و لهم خرجة مع الإمام-

__________________________________________________

13- مختصر بصائر الدرجات: 13.

14- مختصر بصائر الدرجات: 10.

(1) في «س»: عمير، و الظاهر أنّه تصحيف، راجع جامع الرواة 1: 208، معجم رجال الحديث 5: 20.

(2) في المصدر: أحمد بن عيسى،

و الصواب ما في المتن، و روى عنه سعد بن عبد اللّه. كما في الفهرست للطوسي 25: 65، جامع الرواة 1: 69.

(3) احتوش القوم الشي ء: أحاطوا به و جعلوه وسطهم. «المعجم الوسيط- حاش- 1: 207».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 110

إذا قام- يسبقون فيها أصحاب السلاح، و يدعون الله عز و جل أن يجعلهم ممن ينتصر بهم لدينه.

فهم كهول و شبان، إذا رأى شاب منهم الكهل، جلس بين يديه جلسة العبد، لا يقوم حتى يأمره، لهم طريق أعلم به من الخلق إلى حيث يريد الإمام (عليه السلام)، فإذا أمرهم الإمام بأمر قاموا إليه أبدا حتى يكون هو الذي يأمرهم بغيره، لو نّهم وردوا على ما بين المشرق و المغرب من الخلق، لأفنوهم في ساعة واحدة، لا يحيك «1» فيهم الحديد، لهم سيوف من حديد غير هذا الحديد، لو ضرب أحدهم بسيفه جبلا لقده حتّى يفصله. في ساعة يعبر بهم الإمام (عليه السلام) الهند و الديلم «2» و الروم و البربر «3» و فارس، و ما بين جابرس «4» إلى جابلق «5»: و هما مدينتان: واحدة بالمشرق، و واحدة بالمغرب، لا يأتون على أهل دين إلا دعوهم إلى الله عز و جل و إلى الإسلام، و الإقرار بمحمد (صلى الله عليه و آله) و التوحيد، و ولايتنا أهل البيت، فمن أجاب منهم و دخل في الإسلام تركوه، و أمروا أميرا منهم، و من لم يجب، و لم يقر بمحمد (صلى الله عليه و آله) و لم يقر بالإسلام، و لم يسلم قتلوه، حتى لا يبقى بين المشرق و المغرب و ما دون الجبل أحد إلا آمن».

282/ [15]- محمد بن الحسن الصفار، و سعد بن عبدالله، و

الشيخ المفيد- و اللفظ له- كلهم رووا عن يعقوب ابن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن بعض رجاله، عن أبي عبدالله (عليه السلام) رفعه إلى الحسن بن علي (عليه السلام)، قال: «إن لله مدينتين: إحداهما بالمشرق، و الأخرى بالمغرب، عليهما سور من حديد، و على كل مدينة ألف ألف باب، لكل باب مصراعان من ذهب، و فيها ألف ألف لغة، تتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبتها، و أنا أعرف جميع اللغات، و ما فيهما و ما بينهما، و ما عليهما حجة غيري و غير أخي الحسين (عليه السلام)».

283/ [16]- محمد بن الحسن الصفار: عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن أبان بن تغلب، قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من أهل اليمن، فقال له: «يا أخا اليمن عندكم علماء؟». قال: نعم. قال: «فما بلغ من علم عالمكم؟». قال: يسير في ليلة واحدة مسيرة شهرين، يزجر الطير، «6» و يقفو الآثار. «7»

فقال أبو عبدالله (عليه السلام): «عالم المدينة أعلم من عالمكم». قال: فما بلغ من علم عالم المدينة؟ قال: «يسير

__________________________________________________

15- بصائر الدرجات: 12. 359/ 4، مختصر بصائر الدرجات: 12، الإختصاص: 291.

16- بصائر الدرجات: 421/ 15.

(1) يقال: ضربه فما أحاك فيه السيف، إذا لم يعمل فيه، و يقال ما يحيك فيه الملام، إذا لم يؤثّر فيه. «الصحاح- حيك- 4: 1582».

(2) الديلم: جيل سمّوا بأرضهم، و هم في جبال قرب جيلان. «مراصد الاطلاع 2: 581».

(3) البربر: هو اسم يشتمل قبائل كثيرة في جبال المغرب، أولها برقة ثمّ إلى آخر المغرب و البحر المحيط و في الجنوب إلى بلاد السودان، و يقال لمجموع بلادهم بلاد

البربر. «معجم البلدان 1: 368».

(4) جابرس: مدينة بأقصى المشرق، يسكنها- على ما زعم اليهود- قوم منهم، و قيل: إنّهم بقايا المؤمنين من ثمود. «مراصد الاطلاع 1: 304». [.....]

(5) جابلق: مدينة بأقصى المغرب، يروى عن ابن عباس ان أهلها من ولد عاد. «مراصد الاطلاع 1: 304».

(6) زجر الطير: أثارها ليتيمّن بسنوحها أو يتشاءم ببروحها. «المعجم الوسيط- زجر- 1: 389».

(7) قفوت أثره: أي اتّبعته. «الصحاح- قفا- 6: 2466».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 111

في ساعة واحدة من النهار مسيرة الشمس سنة، حتى يقطع ألف عالم مثل عالمكم هذا، ما يعلمون أن الله خلق آدم و لا إبليس». قال: يعرفونكم؟! قال: «نعم، ما افترض عليهم إلا ولايتنا، و البراءة من أعدائنا».

284/ [17]- المفيد في (الاختصاص): عن محمد أبي عبدالله «1» الرازي الجاموراني، عن إسماعيل بن موسى، عن أبيه، عن جده، عن عبد الصمد بن علي، قال: دخل رجل على علي بن الحسين (عليه السلام)، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): «من أنت؟». قال: رجل منجم قائف «2» عراف. قال: فنظر إليه، ثم قال: «هل أدلك على رجل، قد مر منذ دخلت علينا في أربعة عشر عالما، كل عالم أكبر من الدنيا ثلاث مرات، لم يتحرك من مكانه؟!». قال: من هو؟! قال: «أنا، و إن شئت أنبأتك بما أكلت، و ما ادخرت في بيتك».

285/ [18]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن القاسم الأسترآبادي المفسر (رضي الله عنه)، قال: حدثني يوسف بن محمد بن زياد، و علي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن

جده (عليهم السلام)، قال: «جاء رجل إلى الرضا (عليه السلام)، فقال له: يا ابن رسول الله، أخبرني عن قول الله سبحانه: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ما تفسيره؟

قال: لقد حدثني أبي، عن جدي، عن الباقر، عن زين العابدين، عن أبيه (عليهم السلام) أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أخبرني عن قول الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ما تفسيره؟

فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ هو أن عرف عباده بعض نعمه عليهم جملا، إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل، لأنها أكثر من أن تحصى أو تعرف.

فقال لهم: قولوا: الحمد لله على ما أنعم به علينا رب العالمين و هم الجماعات من كل مخلوق، من الجمادات و الحيوانات. فأما الحيوانات فهو يقلبها في قدرته، و يغذوها من رزقه، و يحوطها بكنفه «3»، و يدبر كلا منها بمصلحته. و أما الجمادات فهو يمسكها بقدرته، يمسك المتصل منها أن يتهافت، و يمسك المتهافت «4» منها أن يتلاصق، و يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، و يمسك الأرض أن تنخسف إلا بأمره، إنه بعباده لرؤوف رحيم.

قال (عليهم السلام): و رَبِّ الْعالَمِينَ مالكهم، و خالقهم، و سائق أرزاقهم إليهم، من حيث يعلمون و من حيث

__________________________________________________

17- الاختصاص: 319.

18- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 282/ 30، علل الشرائع: 416/ 3.

(1) في «س» و المصدر: محمّد بن عبد اللّه، و ما في المتن هو الصواب، و هو أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد. راجع تنقيح المقال 2: 66، معجم رجال الحديث 15: 51.

(2) القائف: الذي يعرف الآثار. «الصحاح- قوف- 4: 1419».

(3) كنف اللّه: رحمته و ستره و حفظه. «المعجم الوسيط- كنف- 2: 801».

(4) التهافت: التساقط قطعة قطعة. «الصحاح- هفت- 1: 271».

البرهان

في تفسير القرآن، ج 1، ص: 112

لا يعلمون، فالرزق مقسوم، و هو يأتي ابن آدم على أي مسيرة سارها من الدنيا، ليس بتقوى متق بزائده، و لا فجور فاجر بناقصه، و بينه و بينه ستر و هو طالبه، فلو أن أحدكم يفر من رزقه، لطلبه رزقه كما يطلبه الموت.

فقال الله جل جلاله: قولوا: الحمد لله على ما أنعم علينا، و ذكرنا به من خير في كتب الأولين، قبل أن نكون، ففي هذا إيجاب على محمد و آل محمد (صلوات الله عليهم) و على شيعتهم أن يشكروه بما فضلهم، و ذلك

أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: لما بعث الله موسى بن عمران (عليه السلام)، و اصطفاه نجيا، و فلق له البحر، و نجى بني إسرائيل، و أعطاه التوراة و الألواح، رأى مكانه من ربه عز و جل، فقال: يا رب، لقد أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي.

فقال الله تعالى: يا موسى، أما علمت أن محمدا أفضل عندي من جميع ملائكتي و جميع خلقي؟

قال موسى (عليه السلام): يا رب، فإن كان محمدا أكرم عندك من جميع خلقك، فهل في آل الأنبياء أكرم من آلي؟

فقال الله تعالى: يا موسى، أما علمت أن فضل آل محمد على جميع آل النبيين، كفضل محمد على جميع المرسلين.

قال موسى: يا رب، فإن كان آل محمد كذلك، فهل في أمم الأنبياء أفضل عندك من أمتي؟ ظللت عليهم الغمام، «1» و أنزلت عليهم المن «2» و السلوى «3» و فلقت لهم البحر.

فقال الله جل جلاله: يا موسى، أما علمت أن فضل أمة محمد على جميع الأمم، كفضله على جميع خلقي.

قال موسى: يا رب، ليتني كنت أراهم، فأوحى الله جل جلاله إليه:

يا موسى، إنك لن تراهم، و ليس هذا أوان ظهورهم، و لكن سوف تراهم في الجنان، جنات عدن و الفردوس، بحضرة محمد في نعيمها يتقلبون، و في خيراتها يتبحبحون، «4» أ فتحب أن أسمعك كلامهم؟ قال: نعم، إلهي.

قال الله جل جلاله: قم بين يدي و اشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي الرب الجليل. ففعل ذلك موسى، فنادى ربنا عز و جل: يا أمة محمد. فأجابوه كلهم و هم في أصلاب آبائهم، و أرحام أمهاتهم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك، قال: فجعل تلك الإجابة شعار الحاج.

ثم نادى ربنا عز و جل: يا أمة محمد، إن قضائي عليكم أن رحمتي سبقت غضبي، و عفوي قبل عقابي، قد استجبت لكم، من قبل أن تدعوني، و أعطيتكم من قبل أن تسألوني، من لقيني منكم بشهادة: أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله، صادقا في أقواله، محقا في أفعاله، و أن علي بن أبي طالب أخوه و وصيه و وليه، و يلتزم طاعته كما يلتزم طاعة محمد، و أن أولياءه المصطفين المطهرين، المبلغين بعجائب آيات الله،

__________________________________________________

(1) الغمام: السّحاب الأبيض، سميي بذلك لأنّه يغمّ السّماء، أي يسترها. «مجمع البحرين- غمم- 6: 128».

(2) المنّ: شي حلو، كان يسقط من السّماء على شجرهم فيجتنونه، و يقال: ما منّ اللّه به على العباد بلا تعب و لا عناء. «مجمع البحرين- منن- 6:

318».

(3) السّلوى: طائر. «الصحاح- سلا- 6: 2380».

(4) بحبح في الشّي ء: توسّع، و بحبح في الدار: تمكّن في المقام و الحلول بها، و بحبح الدّار: توسّطها. «المعجم الوسيط- بحبح- 1: 39».

البرهان في

تفسير القرآن، ج 1، ص: 113

و دلائل حجج الله، من بعدهما أولياؤه، أدخلته جنتي، و إن كانت ذنوبه مثل زبد البحر.

قال: فلما بعث الله تعالى نبينا محمدا (صلى الله عليه و آله) قال: يا محمد وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا «1» أمتك بهذه الكرامة. ثم قال عز و جل لمحمد (صلى الله عليه و آله) قل: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ على ما اختصني به من هذه الفضيلة، و قال لأمته: قولوا أنتم: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ على ما اختصنا به من هذه الفضائل».

286/ [19]- و روى في (الفقيه) فيما ذكر الفضل- يعني الفضل بن شاذان- من العلل عن الرضا (عليه السلام) أنه قال: «أمر الناس بالقراءة في الصلاة، لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا، و ليكون محفوظا مدروسا، فلا يضمحل و لا يجهل.

و إنما بدأ بالحمد دون سائر السور، لأنه ليس شي ء من القرآن و الكلام جمع فيه من جوامع الخير و الحكمة ما جمع في سورة الحمد، و ذلك أن قوله عز و جل: الْحَمْدُ لِلَّهِ هو أداء لما أوجب الله عز و جل على خلقه من الشكر، و الشكر لما وفق عبده من الخير.

رَبِّ الْعالَمِينَ توحيد و تمحيد له، و إقرار بأنه الخالق المالك لا غيره. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ استعطافه و ذكر آلائه و نعمائه على جميع خلقه. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إقرار له بالبعث، و الحساب، و المجازاة، و إيجاب ملك الآخرة له، كإيجاب ملك الدنيا. إِيَّاكَ نَعْبُدُ رغبة و تقرب إلى الله تعالى ذكره، و إخلاص له بالعمل دون غيره.

وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ استزادة من توفيقه، و عبادته، و استدامة لما أنعم عليه و نصره. اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ استرشاد لدينه، و اعتصام بحبله، و

استزادة في المعرفة لربه عز و جل و كبريائه و عظمته. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ تأكيد في السؤل و الرغبة، و ذكر لما قد تقدم من نعمه على أوليائه، و رغبة في مثل تلك النعم. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين، المستخفين به و بأمره و نهيه.

وَ لَا الضَّالِّينَ اعتصام من أن يكون من الذين ضلوا عن سبيله من غير معرفة، و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. و قد اجتمع فيها من جوامع الخير و الحكمة، من أمر الآخرة و الدنيا، ما لا يجمعه شي ء من الأشياء».

287/ [20]- و عنه، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسيني، قال:

أخبرنا أبو جعفر أحمد بن عيسى بن أبي مريم العجلي، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عبدالله بن زياد العرزمي، قال: حدثنا علي بن حاتم المنقري، عن المفضل بن عمر، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصراط، فقال: «هو الطريق إلى معرفة الله عز و جل، و هما صراطان: صراط في الدنيا، و صراط في الآخرة. فأما الصراط الذي في الدنيا، فهو الإمام المفترض الطاعة، من عرفه في الدنيا و اقتدى بهداه، مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة،

__________________________________________________

19- من لا يحضره الفقيه 1: 203/ 928. [.....]

20- معاني الأخبار: 32/ 1.

(1) القصص 28: 46.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 114

و من لم يعرفه في الدنيا، زلت قدمه عن الصراط في الآخرة، فتردى في نار جهنم».

288/ [21]- و عنه، قال: حدثنا أبي (رحمه الله) قال: حدثنا محمد بن أحمد بن علي بن الصلت، عن عبدالله بن الصلت، عن يونس بن عبد الرحمن، عمن ذكره، عن عبيد

الله الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «الصراط المستقيم أمير المؤمنين علي (عليه السلام)».

289/ [22]- و عنه: قال: حدثنا محمد بن القاسم الأسترآبادي المفسر، قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد، و علي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، في قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ قال: «أدم لنا توفيقك، الذي به أطعناك فيما مضى من أيامنا، حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا.

و الصراط المستقيم هو صراطان: صراط في الدنيا، و صراط في الآخرة فأما الطريق المستقيم في الدنيا، فهو ما قصر عن الغلو، و ارتفع عن التقصير، و استقام فلم يعدل إلى شي ء من الباطل.

و أما الطريق الآخر، [فهو] طريق المؤمنين إلى الجنة، الذي هو مستقيم، لا يعدلون عن الجنة إلى النار، و لا إلى غير النار سوى الجنة».

290/ [23]- و عنه، قال: و قال جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) في قوله عز و جل: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، قال: «يقول: أرشدنا إلى الصراط المستقيم، و أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك، و المبلغ دينك، و المانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب، أو نأخذ بآرائنا فنهلك».

291/ [24]- و عنه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: حدثني ثابت الثمالي، عن سيد العابدين علي بن الحسين (صلى الله عليهما) [قال ]: «ليس بين الله و بين حجته حجاب، و لا لله دون حجته ستر، نحن أبواب الله، و نحن الصراط المستقيم، و نحن عيبة «1» علمه، و

نحن تراجمة وحيه، و نحن أركان توحيده، و نحن موضع سره».

292/ [25]- و عنه، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي، قال: حدثنا فرات بن إبراهيم الكوفي، قال: حدثني محمد بن الحسن بن إبراهيم، قال: حدثنا علوان بن محمد، قال: حدثنا حنان بن سدير، عن جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: «قول الله عز و جل في الحمد: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ يعني محمدا و ذريته (صلوات الله عليهم)».

__________________________________________________

21- معاني الأخبار: 32/ 2، شواهد التنزيل 1: 61/ 96 «نحوه».

22- معاني الأخبار: 33/ 4.

23- معاني الأخبار: 33/ ذيل الحديث 4.

24- معاني الأخبار: 35/ 5، ينابيع المودّة: 477.

25-- معاني الأخبار: 36/ 7، شواهد التنزيل 1: 57/ 86.

(1) العيبة: مستودع الثياب أو مستودع أفضل الثياب، و عيبة العلم على الاستعارة. «مجمع البحرين- عيب- 2: 130».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 115

293/ [26]- و عنه، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي، قال: حدثنا فرات بن إبراهيم، قال:

حدثني عبيد بن كثير، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا عبيد بن يحيى بن مهران، قال: حدثنا محمد بن الحسين، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) في قول الله عز و جل: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ قال: «شيعة علي الذين أنعمت عليهم بولاية علي بن أبي طالب، لم يغضب عليهم و لم يضلوا».

294/ [27]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن القاسم الأسترآبادي المفسر، قال: حدثني يوسف بن المتوكل، عن محمد بن زياد، و علي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي

بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، في قول الله عز و جل: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ قال: «أي قولوا: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم، بالتوفيق لدينك و طاعتك، و هم الذين قال الله عز و جل: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» «1». و حكي هذا بعينه عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

قال: ثم قال: «ليس هؤلاء المنعم عليهم بالمال و صحة البدن، و إن كان كل هذا نعمة من الله ظاهرة، ألا ترون أن هؤلاء قد يكونون كفارا أو فساقا، فما ندبتم إلى أن تدعوا بأن ترشدوا إلى صراطهم، و إنما أمرتم بالدعاء بأن ترشدوا إلى صراط الذين أنعم عليهم بالإيمان بالله، و التصديق لرسوله، و بالولاية لمحمد و آله الطيبين، و أصحابه الخيرين المنتجبين، و بالتقية الحسنة التي يسلم بها من شر عباد الله، و من الزيادة في آثام أعداء الله و كفرهم، بأن تداريهم و لا تغريهم بأذاك و أذى المؤمنين، و بالمعرفة بحقوق الإخوان».

295/ [28]- العياشي: عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ «2» فقال: «فاتحة الكتاب [يثنى فيها القول، قال: و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن الله من علي بفاتحة الكتاب ] من كنز العرش، فيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الآية التي يقول [فيها]: وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً. «3»

و الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ دعوى أهل الجنة، حين شكروا الله حسن الثواب. و مالِكِ يَوْمِ

الدِّينِ قال جبرئيل: ما قالها مسلم قط إلا صدقة الله و أهل سماواته. إِيَّاكَ نَعْبُدُ إخلاص العبادة. وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ أفضل ما طلب به العباد حوائجهم. اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صراط الأنبياء، و هم الذين أنعم الله عليهم.

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ اليهود و (و غير الضالين) النصارى».

__________________________________________________

26- معاني الأخبار: 36/ 8، شواهد التنزيل 1: 66/ 105.

27- معاني الأخبار: 36/ 9.

28- تفسير العيّاشي 1: 22/ 17.

(1) النّساء 4: 69.

(2) الحجر 15: 87.

(3) الإسراء 17: 46. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 116

296/ [29]- عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان يقرأ: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.

297/3]- عن داود بن فرقد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقرأ ما لا أحصي: (ملك «1» يوم الدين).

298/ [31]- عن الزهري، قال: قال علي بن الحسين (عليه السلام): «لو مات ما بين المشرق و المغرب لما استوحشت، بعد أن يكون القرآن معي». و كان إذا قرأ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يكررها، و يكاد أن يموت.

299/ [32]- عن الحسن بن محمد بن الجمال، عن بعض أصحابنا، قال: بعث عبد الملك بن مروان إلى عامل المدينة أن وجه إلي محمد بن علي بن الحسين، و لا تهيجه، و لا تروعه، و اقض «2» له حوائجه.

و قد كان ورد على عبد الملك رجل من القدرية، فحضر جميع من كان بالشام فأعياهم جميعا، فقال: ما لهذا إلا محمد بن علي، فكتب إلى صاحب المدينة أن يحمل محمد بن علي (عليه السلام) إليه، فأتاه صاحب المدينة بكتابه، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): «إني شيخ كبير، لا أقوى على الخروج، و هذا جعفر ابني يقوم مقامي، فوجهه إليه».

فلما قدم على الأموي ازدراه «3»

لصغره، و كره أن يجمع بينه و بين القدري، مخافة أن يغلبه، و تسامع الناس بالشام بقدوم جعفر لمخاصمة القدري، فلما كان من الغد اجتمع الناس لخصومتهما. فقال الأموي لأبي عبد الله (عليه السلام): إنه قد أعيانا أمر هذا القدري، و إنما كتبت إليك لأجمع بينك و بينه، فإنه لم يدع عندنا أحدا إلا خصمه. فقال: «إن الله يكفيناه».

قال: فلما اجتمعوا، قال القدري لأبي عبد الله (عليه السلام): سل عما شئت. فقال له: «اقرأ سورة الحمد». قال:

فقرأها، و قال الأموي و أنا معه: ما في سورة الحمد علينا! إنا لله و إنا إليه راجعون! قال: فجعل القدري يقرأ سورة الحمد حتى بلغ قول الله تبارك و تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فقال له جعفر (عليه السلام): «قف، من تستعين، و ما حاجتك إلى المعونة إن كان الأمر إليك»؟! فبهت الذي كفر، و الله لا يهدي القوم الظالمين.

300/ [33]- عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ يعني أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)».

__________________________________________________

29- تفسير العيّاشي 1: 22/ 21.

30- تفسير العيّاشي 1: 22/ 22.

31- تفسير العيّاشي 1: 23/ 23.

32- تفسير العيّاشي 1: 23/ 24.

33- اللّه 1: 24/ 25.

(1) قرأ عاصم و الكسائي و خلف (مالك) و الباقون (ملك)، من قرأ (مالك) معناه أنّه مالك يوم الدّين و الحساب لا يملكه غيره و لا يليه سواه، و من قرأ (ملك) معناه أنّه الملك يومئذ لا ملك غيره. «التبيان للطوسي 1: 33».

(2) في «ط»: و امض.

(3) ازدريته، أي حقرته. «الصحاح- زري- 6: 2368».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 117

301/ [34]- و قال محمد بن علي الحلبي: سمعته ما لا أحصي، و أنا

أصلي خلفه، يقرأ: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. «1»

302/ [35]- عن معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ. قال: «هم اليهود و النصارى».

303/ [36]- عن رجل، عن ابن أبي عمير، رفعه، في قوله: (غير المغضوب عليهم و غير الضالين) قال: «هكذا نزلت» و قال: «المغضوب عليهم: فلان و فلان و فلان و النصاب، و الضالين: الشكاك الذين لا يعرفون الإمام».

304/ [37]- ابن شهر آشوب: عن (تفسير وكيع بن الجراح): عن سفيان الثوري، عن السدي، عن أسباط و مجاهد، عن عبد الله بن عباس في قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. قال: قولوا- معاشر العباد-: أرشدنا إلى حب محمد و أهل بيته (عليهم السلام).

305/ [38]- و عن (تفسير الثعلبي) رواية ابن شاهين، عن رجاله، عن مسلم بن حيان، عن أبي بريدة في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. قال: صراط محمد و آله (عليهم السلام).

306/ [39]- الإمام العسكري أبو محمد (عليه السلام)، قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الله أمر عباده أن يسألوه طريق المنعم عليهم، و هم الصديقون، و الشهداء، و الصالحون. و أن يستعيذوا به من طريق المغضوب عليهم، و هم اليهود الذين قال الله فيهم: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ «2». و أن يستعيذوا من طريق الضالين، و هم الذين قال الله فيهم: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ «3». و هم النصارى.

ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام):

كل من كفر بالله فهو مغضوب عليه، و ضال عن سبيل الله عز و جل. و قال الرضا (عليه السلام) كذلك».

__________________________________________________

34- تفسير العيّاشي 1: 24/ 26.

35- تفسير العيّاشي 1: 24/ 27.

36- تفسير العيّاشي 1: 24/ 28.

37- مناقب ابن شهر آشوب 3: 73.

38- مناقب ابن شهر آشوب 3: 73، شواهد التنزيل 1: 57/ 86، أرجح المطالب: 85 و 319، عنه إحقاق الحقّ 14: 379.

39- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 50/ 23. [.....]

(1) قرأ الكسائي من طريق أبي حمدون، و يعقوب من طريق رويس (السراط) و الباقون (الصراط) فمن قرأ بالسين راعى الأصل لأنّه مشتق من السرط، و من قرأ بالصاد فلما بين الصاد و الطاء من المؤاخاة بالاستعلاء و الاطباق و لكراهة أن يتسفل بالسين ثمّ يتصعّد بالطاء، و مراد الحديث هو ترجيح القراءة بالصاد.

(2) المائدة 5: 60.

(3) المائدة 5: 77.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 119

سورة البقرة مدنية ..... ص : 119

اشارة

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 121

فضلها ..... ص : 121

307/ [1]- العياشي: عن سعد الإسكاف، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أعطيت الطوال «1» مكان التوراة، و أعطيت المئين «2» مكان الإنجيل، و أعطيت المثاني «3» مكان الزبور، و فضلت بالمفصل «4» سبع و ستين سورة».

308/ [2]- ابن بابويه و العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من قرأ البقرة و آل عمران، جاء يوم القيامة تظلانه على رأسه مثل الغمامتين، أو العباءتين». «5»

309/ [3]- العياشي: عن عمرو بن جميع، رفعه إلى علي (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من قرأ أربع آيات من أول البقرة، و آية الكرسي، و آيتين بعدها، و ثلاث آيات من آخرها، لم ير في نفسه و أهله و ماله شيئا يكرهه، و لم يقربه الشيطان، و لم ينس القرآن».

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1: 25/ 1.

2- ثواب الأعمال: 104، تفسير العيّاشي 1: 25/ 2.

3- تفسير العيّاشي 1: 25/ 3.

(1) الطوال: فسّرت بالبقرة و آل عمران و النّساء و المائدة و الأنعام و الأعراف و التّوبة. «مجمع البحرين- طول- 5: 414».

(2) الميين: من سورة بني إسرائيل إلى سبع سور، سمّيت بها لأنّ كلّا منها على نحو مائة آية. «تفسير الصافي 1: 18».

(3) المثاني: قيل: فاتحة الكتاب، و قيل: المثاني سور أوّلها البقرة و آخرها براءة، و قيل: ما كان دون الميين، و قيل: هي القرآن كلّه. «لسان العرب- ثني- 14: 119».

(4) قيل: إنّما سمّي به لكثرة ما يقع فيه من فصول التسمية بين السور، و قيل: لقصر سوره، و اختلف في أوّله، فقيل: من سورة محمّد

(صلى اللّه عليه و آله)، و قيل: من سورة ق، و قيل: من سورة الفتح. «مجمع البحرين- فصل- 5: 441».

(5) في المصدرين: الغيابتين، و الظاهر انّهما تصحيف الغيايتين، و الغياية: كلّ شي ء أظلّ الإنسان فوق رأسه كالسّحابة و نحوها. «النهاية 3: 403».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 123

سورة البقرة(2): الآيات 1 الي 2 ..... ص : 123

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم [1] ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [2]

310/ [1]- أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثني أبي، عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس، عن سعدان بن مسلم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «الكتاب: علي (عليه السلام) لا شك فيه». هُدىً لِلْمُتَّقِينَ قال: «بيان لشيعتنا».

سورة البقرة(2): آية 3 ..... ص : 123

قوله تعالى:

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [3] 311/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: مما علمناهم، ينبئون، و مما علمناهم من القرآن يتلون. و قال: الم هو حرف من حروف اسم الله الأعظم، المقطع «1» في القرآن، الذي خوطب به النبي (عليه الصلاة و السلام) و الإمام، فإذا دعا به أجيب.

312/ [3]- العياشي: عن سعدان بن مسلم، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ، قال: «كتاب علي لا ريب فيه». هُدىً لِلْمُتَّقِينَ قال: «المتقون: شيعتنا».

__________________________________________________

1- تفسير القمي 1: 30.

2- تفسير القمي 1: 30.

3- تفسير العياشي 1: 25/ 1. [.....]

(1) اختلف العلماء في

الحروف المعجمة، المفتتحة بها السور، فذهب بعضهم إلى أنها من المتشابهات التي استأثر الله تعالى بعلمها، و لا يعلم تأويلها إلا هو، و هذا هو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام).

و

روت العامة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «إن لكل كتاب صفوة، و صفوة هذا الكتاب حروف التهجي».

و عن الشعبي، قال: لله في كل كتاب سر، و سره في القرآن سائر حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور.

و فسرها آخرون على وجوه. أنظر تفسير مجمع البيان 1: 112.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 124

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ

قال: «و مما علمناهم ينبئون».

313/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس بن عبد الرحمن، عن سعدان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «الم هو حرف من حروف اسم الله الأعظم المقطع في القرآن، الذي يؤلفه النبي (صلى الله عليه و آله) و الإمام، فإذا دعا به أجيب».

ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ قال: «بيان لشيعتنا». الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ قال: «مما علمناهم ينبئون، و ما علمناهم من القرآن يتلون».

314/ [4]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن غير واحد من أصحابنا، عن داود بن كثير الرقي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز و جل: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ. قال: «من آمن بقيام القائم (عليه السلام) أنه حق».

315/ [5]- و عنه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن محمد «1» الدقاق (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد، عن علي بن أبي حمزة، عن يحيى بن أبي القاسم، قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ فقال: «المتقون: شيعة علي (عليه السلام)، و الغيب فهو الحجة الغائب، و شاهد ذلك قوله تعالى: وَ يَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ

مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ». «2»

316/ [6]- و عنه: بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، في حديث يذكر فيه الأئمة الاثني عشر و فيهم القائم (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محبتهم، أولئك من وصفهم الله في كتابه، فقال: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ و قال: أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ». «3»

317/ [7]- و عنه: قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن الحسن

__________________________________________________

3- معاني الأخبار: 23/ 2.

4- كمال الدّين و تمام النعمة: 17.

5- كمال الدّين و تمام النعمة: 17.

6- كفاية الأثر: 60.

7- معاني الأخبار: 23/ 3.

(1) في المصدر: موسى، و كلاهما من مشايخ الصدوق، و لا يبعد اتحادهما، أنظر معجم رجال الحديث 11: 254 و 255.

(2) يونس 10: 20.

(3) المجادلة 58: 22.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 125

الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن محمد بن قيس، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)، يحدث: «أن حييا «1» و أبا ياسر ابني أخطب، و نفرا من يهود أهل نجران، «2» أتوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالوا له: أليس فيما تذكر فيما أنزل عليك: الم؟ قال: بلى، قالوا: أتاك بها جبرئيل من عند الله؟ قال: نعم، قالوا: لقد بعثت أنبياء قبلك، و ما نعلم نبيا منهم أخبر ما مدة ملكه، و ما أجل أمته غيرك! قال: فأقبل حيي بن أخطب على أصحابه، فقال: الألف واحد، و اللام ثلاثون، و

الميم أربعون، فهذه إحدى و سبعون سنة، فعجب ممن يدخل في دين مدة ملكه و أجل أمته إحدى و سبعون سنة! قال: ثم أقبل على رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال: يا محمد، هل من هذا غيره؟ قال: نعم، قال: فهاته، قال:

المص «3»، قال: هذه أثقل و أطول، الألف واحد، و اللام ثلاثون، و الميم أربعون، و الصاد تسعون، فهذه مائة و إحدى و ستون! ثم قال لرسول الله (صلى الله عليه و آله): فهل مع هذا غيره؟ قال: نعم، قال: هاته، قال: الر «4»، قال: هذه أثقل و أطول، الألف واحد، و اللام ثلاثون، و الراء مائتان! ثم قال: هل مع هذا غيره؟ قال: نعم، قال: هاته، قال: المر «5» قال: هذه أثقل و أطول، الألف و اللام ثلاثون، و الميم أربعون، و الراء مائتان! ثم قال: هل مع هذا غيره؟ قال: نعم، قالوا: قد التبس علينا أمرك، فما ندري ما أعطيت! ثم قاموا عنه.

ثم قال أبو ياسر لحيي أخيه، ما يدريك، لعل محمدا قد جمع له هذا كله، و أكثر منه».

قال: فذكر أبو جعفر (عليه السلام): «أن هذه الآيات أنزلت فيهم مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ «6»- قال-: و هي تجري في وجه آخر، على غير تأويل حيي و أبي ياسر و أصحابهما».

318/ [8]- و عنه، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن هارون الزنجاني فيما كتب إلي على يدي علي بن أحمد البغدادي الوراق، قال: حدثنا معاذ بن المثنى العنبري، قال: حدثنا عبد الله بن أسماء، قال: حدثنا جويرية، عن سفيان بن سعيد الثوري، قال: قلت لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي

طالب (عليهم السلام): يا ابن رسول الله، ما معنى قول الله عز و جل: الم؟ قال (عليه السلام): «أما الم في أول البقرة، فمعناه أنا الله الملك».

__________________________________________________

8- معاني الأخبار: 22/ 1.

(1) في «س» و «ط»: حيّا، و الصواب ما أثبتناه من المصدر. راجع طبقات ابن سعد 2: 48، الكامل في التاريخ 2: 173.

(2) نجران: في عدّة مواضع، منها: نجران في مخاليف اليمن من ناحية مكّة. «معجم البلدان 5: 266».

(3) الأعراف 7: 1.

(4) يونس 10: 1. [.....]

(5) الرّعد 13: 1.

(6) آل عمران 3: 7.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 126

319/ [9]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن القاسم الأسترابادي، المعروف بأبي الحسن الجرجاني (رضي الله عنه)، قال: حدثني أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد، و أبو الحسن علي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن ابن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهم)، أنه قال: «كذبت قريش و اليهود بالقرآن، و قالوا هذا سحر مبين تقوله، فقال الله: الم ذلِكَ الْكِتابُ أي يا محمد، هذا الكتاب الذي أنزلته عليك، هو الحروف المقطعة، التي منها: ألف، لام، ميم، و هو بلغتكم و حروف هجائكم، فأتوا بمثله إن كنتم صادقين، و استعينوا على ذلك بسائر شهدائكم.

ثم بين أنهم لا يقدرون عليه بقوله: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً. «1»

ثم قال تعالى: الم هو القرآن الذي افتتح ب الم هو ذلك الكتاب الذي أخبرت به موسى، فمن بعده من الأنبياء، و أخبروا بني إسرائيل: أني سأنزله

عليك- يا محمد- كتابا عربيا عزيزا لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. «2»

لا رَيْبَ فِيهِ لا شك فيه، لظهوره عندهم كما أخبرهم أنبياؤهم: أن محمدا ينزل عليه كتاب لا يمحوه الباطل، يقرؤه هو و أمته على سائر أحوالهم. هُدىً بيان من الضلالة. لِلْمُتَّقِينَ الذين يتقون الموبقات، و يتقون تسليط السفه على أنفسهم، حتى إذا علموا ما يجب عليهم علمه، عملوا بما يجب لهم رضا ربهم».

ثم قال: «و قال الصادق (عليه السلام): الألف حرف من حروف [قول الله، دل بالألف على ] قولك: الله، و دل باللام على قولك: الملك العظيم القاهر للخلق أجمعين، و دل بالميم على أنه المجيد المحمود في كل أفعاله، و جعل هذا القول حجة على اليهود، و ذلك أن الله لما بعث موسى بن عمران، ثم من بعده من الأنبياء إلى بني إسرائيل، لم يكن فيهم قوم إلا أخذوا عليهم العهود و المواثيق، ليؤمنن بمحمد العربي المبعوث بمكة، الذي يهاجر إلى المدينة، يأتي بكتاب، بالحروف المقطعة افتتاح بعض سوره، تحفظه أمته، فيقرءونه قياما و قعودا و مشاة، و على كل الأحوال، يسهل الله عز و جل حفظه عليهم.

و يقرنون بمحمد (صلى الله عليه و آله) أخاه و وصيه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الآخذ عنه علومه التي علمها، و المتقلد منه الإمامة التي قلدها، و يذلل كل من عاند محمدا (صلى الله عليه و آله) بسيفه الباتر، و يفحم «3» كل من جادله و خاصمه بدليله القاهر، يقاتل عباد الله على تنزيل كتاب الله، حتى يقودهم إلى قبوله طائعين و كارهين، ثم إذا صار محمد (صلى الله عليه و آله) إلى رضوان الله

عز و جل و ارتد كثير ممن كان أعطاه ظاهر الإيمان، و حرفوا تأويلاته، و غيروا معانيه، و وضعوها على خلاف وجوهها، قاتلهم بعده على تأويله، حتى يكون إبليس الغاوي لهم، هو الخاسر

__________________________________________________

9- معاني الأخبار: 24/ 4.

(1) الإسراء 17: 88.

(2) فصّلت 41: 42.

(3) يقال: كلّمته حتّى أفحمته، إذا أسكتّه في خصومة أو غيرها. «الصحاح- فحم- 5: 2000».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 127

الذليل المطرود المغلوب».

قال: «فلما بعث الله محمدا (صلى الله عليه و آله)، و أظهره بمكة، ثم سيره منها إلى المدينة، و أظهره بها، ثم أنزل عليه الكتاب، و جعل افتتاح سورته الكبرى ب الم- يعني الم ذلِكَ الْكِتابُ- الذي أخبرت أنبيائي السالفين أني سأنزله عليك- يا محمد- لا رَيْبَ فِيهِ فقد ظهر- كما أخبرهم به أنبياؤهم- أن محمدا (صلى الله عليه و آله) ينزل عليه كتاب مبارك، لا يمحوه الباطل، يقرؤه هو و أمته على سائر أحوالهم.

ثم اليهود يحرفونه، و يتأولونه على خلاف وجهه، و يتعاطون التوصل إلى علم ما قد طواه الله عنهم، من حال آجال هذه الأمة، و كم مدة ملكهم. فجاء إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) [منهم ] جماعة، فولى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عليا (عليه السلام) مخاطبتهم. فقال قائلهم: إن كان ما يقول محمد حقا فقد علمناكم قدر ملك أمته، هو إحدى و سبعون سنة، الألف واحد، و اللام ثلاثون، و الميم أربعون.

فقال علي (عليه السلام): فما تصنعون ب المص و قد أنزلت عليه؟! قالوا: هذه إحدى و ستون و مائة سنة.

قال: فما تصنعون ب الر و قد أنزلت عليه؟! فقالوا: هذه أكثر، هذه مائتان و إحدى و ثلاثون سنة.

فقال علي (عليه السلام): فما

تصنعون بمن أنزل عليه المر؟! قالوا: هذه مائتان و إحدى و سبعون سنة.

فقال علي (عليه السلام): فواحدة من هذه له، أو جميعها له؟ فاختلط كلامهم، فبعضهم قال: له واحدة منها، و بعضهم قال: بل تجمع له كلها، و ذلك سبعمائة و أربع [و ثلاثون ] سنة، ثم يرجع الملك إلينا، يعني إلى اليهود.

فقال علي (عليه السلام): أ كتاب من كتب الله نطق بهذا، أم آراؤكم دلتكم عليه؟ فقال بعضهم: كتاب الله نطق به، و قال آخرون منهم: بل آراؤنا دلت عليه.

فقال علي (عليه السلام): فأتوا بالكتاب من عند الله ينطق بما تقولون، فعجزوا عن إيراد ذلك، و قال للآخرين:

فدلونا على صواب هذا الرأي، فقالوا: صواب رأينا دليله على أن هذا حساب الجمل. «1»

فقال علي (عليه السلام): كيف دل على ما تقولون، و ليس في هذه الحروف ما اقترحتم به بلا بيان؟! أرأيتم إن قيل لكم: إن عدد ذلك، لكل واحد منا و منكم، بعدد هذا الحساب، دراهم أو دنانير، أو على أن لعلي على كل واحد منكم دينا، عدد ماله مثل عدد هذا الحساب، أو أن كل واحد منكم قد لعن بعدد هذا الحساب.

قالوا: يا أبا الحسن، ليس شي ء مما ذكرته منصوصا في الم و المص و الر و المر فإن بطل قولنا لما قلنا، بطل قولك لما قلت، فقال خطيبهم و منطيقهم «2»: لا تفرح- يا علي- بأن عجزنا عن إقامة حجة على دعوانا، فأي حجة في دعواك؟ إلا أن تجعل عجزنا حجتك، فإذن ما لنا حجة فيما نقول، و لا لكم حجة فيما تقولون. قال علي (عليه السلام): لا سواء، و إن لنا حجة هي المعجزة الباهرة.

__________________________________________________

(1) حساب الجمّل: ما قطع على حروف: أبجد،

هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت، ثخذ، ضظغ. الألف واحد، و الباء اثنان، ثمّ كذلك إلى الياء، و هي عشرة، ثمّ الكاف عشرون، ثمّ كذلك إلى القاف و هي مائة، ثمّ الراء مائتان، ثمّ كذلك إلى الغين و هي ألف و هكذا. «مجمع البحرين- جمل- 5: 342».

(2) المنطيق: البليغ. «الصحاح- نطق- 4: 1559».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 128

ثم نادى جمال اليهود: يا أيتها الجمال، اشهدي لمحمد و لوصيه، فتبادرت الجمال: صدقت، صدقت- يا وصي محمد- و كذب هؤلاء اليهود.

فقال علي (عليه السلام): هؤلاء جنس من الشهود، يا ثياب اليهود التي عليهم، اشهدي لمحمد و لوصيه، فنطقت ثيابهم كلها: صدقت، صدقت- يا علي- نشهد أن محمدا رسول الله حقا، و أنك- يا علي- وصيه حقا، لم يثبت لمحمد قدم في مكرمة إلا وطئت على موضع قدمه بمثل مكرمته، فأنتما شقيقان من أشرف أنوار الله تعالى، تميزتما اثنين، و أنتما في الفضائل شريكان، إلا أنه لا نبي بعد محمد (صلى الله عليه و آله).

فعند ذلك خرست اليهود، و آمن بعض النظارة «1» منهم برسول الله (صلى الله عليه و آله) و غلب الشقاء على اليهود، و سائر النظارة الآخرين، فذلك ما قال الله تعالى: لا رَيْبَ فِيهِ إنه كما قال محمد، و وصي محمد عن قول محمد (صلى الله عليه و آله)، عن قول رب العالمين.

ثم قال: هُدىً بيان و شفاء للمتقين من شيعة محمد و علي، إنهم اتقوا أنواع الكفر فتركوها، و اتقوا الذنوب الموبقات فرفضوها، و اتقوا إظهار أسرار الله، و أسرار أزكياء عباده الأوصياء بعد محمد (صلى الله عليه و آله) فكتموها، و اتقوا ستر العلوم عن أهلها المستحقين لها، و فيهم نشروها».

320/ [10]-

العياشي: عن محمد بن قيس، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يحدث، قال: «إن حييا و أبا ياسر- ابني أخطب- و نفرا من اليهود- أهل خيبر- «2» أتوا رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقالوا له: أليس فيما تذكر، فيما أنزل عليك: الم؟ قال: بلى.

قالوا: أتاك بها جبرئيل من عند الله؟ قال: نعم.

قالوا: لقد بعثت أنبياء قبلك، و ما نعلم نبيا منهم أخبر ما مدة ملكه، و ما أجل أمته غيرك! فأقبل حيي على أصحابه، فقال لهم: الألف واحد، و اللام ثلاثون، و الميم أربعون، فهي إحدى و سبعون سنة، فعجب ممن يدخل في دين مدة ملكه و أجل أمته إحدى و سبعون سنة.

ثم أقبل على رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال: يا محمد، هل مع هذا غيره؟ فقال: نعم. قال: فهاته. قال:

المص. قال: هذه أثقل و أطول، الألف واحد، و اللام ثلاثون».

قلت: تمام هذا الحديث ساقط، و بعده حديث لا يناسبه في نسختين من العياشي. «3»

__________________________________________________

10- تفسير العيّاشي 1: 26/ 2.

(1) النظّارة: القوم ينظرون إلى الشّي ء. «المعجم الوسيط- نظر- 2: 932».

(2) و هو الموضع المشهور، الذي غزاه النبيّ (صلى اللّه عليه و آله)، على ثمانية برد من المدينة من جهة الشّام، و يطلق على الولاية، و كان بها سبعة حصون لليهود. «مراصد الاطلاع 1: 494».

(3) اعلم أنّ تمام الحديث في العيّاشي: «الألف واحد و اللّام ثلاثون من الماء المالح الأجاج فصلصلها في كفّه فجمدت ... إلى آخره» و هذا لا يناسب الحديث.

و في معاني الأخبار: 23/ 3! «الألف واحد و اللّام ثلاثون و الميم أربعون و الصّاد تسعون فهذه مائة و إحدى و ستّون سنة ... إلى آخره».

البرهان في تفسير القرآن،

ج 1، ص: 129

321/ [11]- قال علي بن إبراهيم: و الهداية في كتاب الله على وجوه، ف هُدىً هو البيان الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ قال: يصدقون بالبعث و النشور، و الوعد و الوعيد.

322/ [12]- و قال علي بن إبراهيم: و الإيمان في كتاب الله على أربعة وجوه: فمنه إقرار باللسان، و قد سماه الله تبارك و تعالى إيمانا، و منه تصديق بالقلب، و منه الأداء، و منه التأييد.

فأما الإيمان الذي هو إقرار باللسان، و قد سماه الله تبارك و تعالى إيمانا، و نادى أهله به بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً وَ لَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً. «1»

فقال الصادق (عليه السلام): «لو أن هذه الكلمة قالها أهل المشرق و أهل المغرب، لكانوا بها خارجين من الإيمان، و لكن قد سماهم الله مؤمنين بإقرارهم».

و في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ «2» فقد سماهم الله مؤمنين بإقرارهم، ثم قال لهم: صدقوا.

و أما الإيمان الذي هو التصديق فقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ «3» يعني صدقوا، و قوله: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى «4» أي لا نصدقك، و قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أي يا أيها الذين أقروا و صدقوا، فالإيمان الخفي «5» هو التصديق.

و للتصديق شروط، لا يتم التصديق إلا بها و قوله: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ

الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ السَّائِلِينَ وَ فِي الرِّقابِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ «6» فمن أقام بهذه الشروط، فهو مؤمن مصدق.

و أما الإيمان الذي هو الأداء، فهو قوله لما حول الله قبلة رسوله إلى الكعبة، قال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا رسول الله، فصلواتنا إلى بيت المقدس بطلت؟ فأنزل الله تبارك و تعالى:

__________________________________________________

11- تفسير القمي 1: 30.

12- تفسير القمي 4 1: 30. [.....]

(1) النساء 4: 71- 73.

(2) النساء 4: 136.

(3) يونس 10: 63 و 64.

(4) البقرة 2: 55.

(5) في «ط» نسخة بدل: الحق.

(6) البقرة 2: 177.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 130

وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ «1» فسمى الصلاة إيمانا.

و الوجه الرابع من الإيمان هو التأييد، الذي جعله الله في قلوب المؤمنين، من روح الإيمان، فقال: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ «2». و الدليل على ذلك،

قوله (عليه الصلاة و السلام): «لا يزني الزاني و هو مؤمن، و لا يسرق السارق و هو مؤمن، يفارقه روح الإيمان ما دام على بطنها، فإذا قام عاد إليه».

قيل: و ما الذي يفارقه؟ قال: «الذي يدعه في قلبه». «3»

ثم

قال (عليه السلام): «ما من قلب إلا و له أذنان، على إحداهما ملك مرشد، و على الأخرى شيطان

مفتن، هذا يأمره و هذا يزجره». «4»

و من الإيمان ما قد ذكره الله في القرآن: خبيث، و طيب، فقال: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ «5». فمنهم من يكون مؤمنا مصدقا، و لكنه يلبس إيمانه بظلم̠و هو قوله:

الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ. «6»

فمن كان مؤمنا، ثم دخل في المعاصي التي نهى الله عنها، فقد لبس إيمانه بظلم، فلا ينفعه الإيمان، حتى يتوب إلى الله من الظلم الذي لبس إيمانه، حتى يخلص لله إيمانه، فهذه وجوه الإيمان في كتاب الله.

323/ [13]- تفسير الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام) في قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ.

قال الإمام (عليه السلام): «وصف هؤلاء المؤمنين، الذين هذا الكتاب هدى لهم، فقال: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ يعني ما غاب عن حواسهم، من الأمور التي يلزمهم الإيمان بها كالبعث، و الحساب، و الجنة، و النار، و توحيد الله، و سائر ما لا يعرف بالمشاهدة، و إنما يعرف بدلائل قد نصبها الله تعالى عليها كآدم، و حواء، و إدريس، و نوح، و إبراهيم، و الأنبياء الذين يلزمهم الإيمان بهم، بحجج الله تعالى، و إن لم يشاهدوهم، و يؤمنون بالغيب: وَ هُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ». «7»

__________________________________________________

13- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 67/ 34.

(1) البقرة 2: 143.

(2) المجادلة 58: 22.

(3) ورد نحوه في قرب الاسناد: 17، الكافي 2: 214/ 13، ثواب الأعمال: 262.

(4) الكافي 2: 205/ 1.

(5) آل عمران 3: 179.

(6) الأنعام 6: 82.

(7) الأنبياء 21: 49. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 131

سورة البقرة(2): آية 4 ..... ص : 131

قوله تعالى:

وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ

يُوقِنُونَ [4] 324/ [1]- قال علي بن إبراهيم: و قوله: وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ قال: بما أنزل من القرآن إليك، و بما أنزل على الأنبياء من قبلك من الكتب.

سورة البقرة(2): آية 6 ..... ص : 131

قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [6]

325/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد، عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله عز و جل؟ قال:

«الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه: فمنها كفر الجحود، و الجحود على وجهين، و الكفر بترك ما أمر الله، و كفر البراءة، و كفر النعم.

فأما كفر الجحود، فهو الجحود بالربوبية، و هو قول من يقول: لا رب و لا جنة و لا نار، و هو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم: الدهرية، و هم الذين يقولون: وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ «1» و هو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان على غير تثبت منهم، و لا تحقيق لشي ء مما يقولون، قال الله عز و جل: إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ «2» إن ذلك كما يقولون، و قال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ يعني بتوحيد الله تعالى، فهذا أحد وجوه الكفر.

و أما الوجه الآخر من الجحود على معرفة «3»، و هو أن يجحد الجاحد و هو يعلم أنه حق، قد استقر عنده،

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 32.

2- الكافي 2: 287/ 1.

(1) الجاثية 45: 24.

(2) الجاثية 45: 24.

(3) كذا، و لعلّ الصواب: و أمّا الوجه الآخر من الجحود

فهو الجحود على معرفة. أنظر مرآة العقول 11: 126.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 132

و قد قال الله عز و جل: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا «1» و قال الله عز و جل: وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ «2» فهذا تفسير وجهي الجحود.

و الوجه الثالث من الكفر كفر النعم، و ذلك قوله تعالى يحكي قول سليمان (عليه السلام): هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ «3»، و قال عز و جل: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ «4» و قال: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ. «5»

و الوجه الرابع من الكفر ترك ما أمر الله عز و جل به، و هو قول الله عز و جل: وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ «6» فكفرهم بترك ما أمر الله عز و جل به، و نسبهم إلى الإيمان و لم يقبله منهم، و لم ينفعهم عنده، فقال: فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. «7»

و الوجه الخامس من الكفر كفر البراءة، و ذلك قول الله عز و جل

يحكي قول إبراهيم (عليه السلام): كَفَرْنا بِكُمْ وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ «8» يعني تبرأنا منكم، و قال يذكر إبليس و تبرءه من أوليائه من الإنس يوم القيامة: إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ «9» و قال: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً «10» يعني يتبرأ بعضكم من بعض».

__________________________________________________

(1) النّمل 27: 14.

(2) البقرة 2: 89.

(3) النّمل 27: 40.

(4) إبراهيم 14: 7.

(5) البقرة 2: 152.

(6) البقرة 2: 84 و 85.

(7) البقرة 2: 85.

(8) الممتحنة 60: 4.

(9) إبراهيم 14: 22. [.....]

(10) العنكبوت 29: 25.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 133

سورة البقرة(2): آية 7 ..... ص : 133

قوله تعالى:

خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [7]

326/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن أحمد السناني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن سهل بن زياد الآدمي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني (رضي الله عنه)، عن إبراهيم بن أبي محمود، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ.

قال: «الختم: هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم، كما قال الله عز و جل: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا». «1»

327/ [2]- تفسير العسكري (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أيكم وقى بنفسه نفس رجل مؤمن البارحة؟

فقال علي (عليه السلام): أنا هو- يا رسول الله- وقيت بنفسي نفس ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري. «2»

فقال رسول الله

(صلى الله عليه و آله): حدث بالقصة إخوانك المؤمنين، و لا تكشف عن اسم المنافقين الكائدين لنا، فقد كفاكم الله شرهم، و أخرهم للتوبة، لعلهم يتذكرون أو يخشون.

فقال علي (عليه السلام): بينا أنا أسير في بني فلان بظاهر المدينة، و بين يدي- بعيدا مني- ثابت بن قيس، إذ بلغ بئرا عادية عميقة بعيدة القعر، و هناك رجل «3» من المنافقين فدفعه ليرميه «4» في البئر، فتماسك ثابت، ثم عاد فدفعه، و الرجل لا يشعر بي حتى وصلت إليه، و قد اندفع ثابت في البئر، فكرهت أن اشتغل بطلب المنافق خوفا على ثابت، فوقعت في البئر لعلي آخذه، فنظرت فإذا أنا قد سبقته إلى قرار البئر.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): و كيف لا تسبقه و أنت أرزن «5» منه؟! و لو لم يكن من رزانتك إلا ما في جوفك من علم الأولين و الآخرين، أودعه الله رسوله [و أودعك ]، لكان من حقك أن تكون أرزن من كل شي ء، فكيف كان

__________________________________________________

1- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 123/ 16.

2- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 108/ 57.

(1) النّساء 4: 155.

(2) و هو خطيب الأنصار، و كان من نجباء الصحابة، سكن المدينة، و استشهد يوم اليمانة. أنظر سير أعلام النبلاء 1: 308، معجم رجال الحديث 3: 397.

(3) في «ط» نسخة بدل: رجال.

(4) في «ط» نسخة بدل: فدفعوه ليرموه.

(5) شي ء رزين: أي ثقيل. «مجمع البحرين- رزن- 6: 255».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 134

حالك و حال ثابت؟

قال: يا رسول الله، صرت إلى البئر، و استقررت قائما، و كان ذلك أسهل علي و أخف على رجلي من خطاي التي كنت أخطوها رويدا رويدا، ثم جاء ثابت،

فانحدر فوقع على يدي، و قد بسطتهما إليه، و خشيت أن يضرني سقوطه علي أو يضره، فما كان إلا كطاقة «1» ريحان تناولتها بيدي.

ثم نظرت، فإذا ذلك المنافق و معه آخران على شفير «2» البئر، و هو يقول لهما: أردنا واحدا فصار اثنين! فجاءوا بصخرة فيها مائة «3» من «4» فأرسلوها [علينا]، فخشيت أن تصيب ثابتا، فاحتضنته و جعلت رأسه إلى صدري، و انحنيت عليه، فوقعت الصخرة على مؤخر رأسي، فما كانت إلا كترويحة بمروحة «5»، تروحت بها في حمارة القيظ، «6» ثم جاءوا بصخرة أخرى، فيها قدر ثلاثمائة من، فأرسلوها علينا، و انحنيت على ثابت، فأصابت مؤخرا رأسي، فكانت كماء صب على رأسي و بدني في يوم شديد الحر، ثم جاءوا بصخرة ثالثة، فيها قدر خمسمائة من، يديرونها على الأرض، لا يمكنهم أن يقلوها، فأرسلوها علينا، فانحنيت على ثابت، فأصابت مؤخر رأسي و ظهري، فكانت كثوب ناعم صببته «7» على بدني و لبسته. فتنعمت به.

فسمعتهم يقولون: لو أن لابن أبي طالب و ابن قيس مائة ألف روح، ما نجت منها واحدة من بلاء هذه الصخور ثم انصرفوا، فدفع الله عنا شرهم، فأذن الله عز و جل لشفير البئر فانحط، و لقرار البئر فارتفع، فاستوى القرار و الشفير بعد بالأرض، فخطونا و خرجنا.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) يا أبا الحسن، إن الله عز و جل أوجب لك من الفضائل و الثواب ما لا يعرفه غيره، ينادي مناد يوم القيامة: أين محبو علي بن أبي طالب؟ فيقوم قوم من الصالحين، فيقال لهم: خذوا بأيدي من شئتم من عرصات القيامة، فأدخلوهم الجنة، و أقل رجل منهم ينجو بشفاعته من أهل تلك العرصات ألف ألف

رجل.

ثم ينادي مناد، أين البقية من محبي علي بن أبي طالب؟ فيقوم قوم مقتصدون، «8» فيقال لهم: تمنوا على الله تعالى ما شئتم، فيتمنون، فيفعل لكل واحد منهم ما تمناه، ثم يضعف له مائة ألف ضعف.

__________________________________________________

(1) الطاقة: الحزمة. «المعجم الوسيط- طوق- 2: 571».

(2) شفير كلّ شي ء: حرفه، و شفير الوادي: ناحيته من أعلاه. «لسان العرب- شفر- 4: 419».

(3) في المصدر: مائتي.

(4) المنّ: و هو رطلان و الجمع أمنان. «الصحاح- منن- 6: 2207».

(5) روّح عليه بالمروحة: حرّكها ليجلب إليه نسيم الهواء، و المروحة: أداة يجلب بها نسيم الهواء في الحرّ. «المعجم الوسيط- روح- 1: 380 و 381».

(6) حمارّة القيظ: شدّة حرّه. «مجمع البحرين- حمر- 3: 276». [.....]

(7) صبّ عليه درعه: إذا لبسها. «أساس البلاغة- صبب-: 247».

(8) المقتصد: العادل. و

روي عن الإمام محمّد بن عليّ الباقر (عليه السّلام) في تفسير الآية (32) من سورة فاطر: «أمّا المقتصد فصائم بالنّهار و قائم باللّيل».

(سعد السعود: 107».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 135

ثم ينادي مناد: أين البقية من محبي علي بن أبي طالب؟ فيقوم قوم ظالمون لأنفسهم، معتدون عليها، و يقال: أين المبغضون لعلي بن أبي طالب؟ فيؤتى بهم جم غفير «1»، و عدد كثير، فيقال: ألا نجعل كل ألف من هؤلاء فداء لواحد من محبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليدخلوا الجنة؟ فينجي الله عز و جل محبيك، و يجعل أعداءهم فداءهم.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): هذا الفضل الأكرم، محبه محب الله و محب رسوله، و مبغضه مبغض الله و مبغض رسوله، هم خيار خلق الله من أمة محمد.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام): انظر فنظر إلى عبد

الله بن أبي «2» و إلى سبعة من اليهود، فقال: قد شاهدت، ختم الله على قلوبهم و أسماعهم و أبصارهم.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أنت- يا علي- أفضل شهداء الله في الأرض بعد محمد رسول الله.

قال: فذلك قوله: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ تبصرها الملائكة فيعرفونهم بها، و يبصرها رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و يبصرها خير خلق الله بعده علي بن أبي طالب (عليه السلام).

ثم قال: وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ في الآخرة بما كان من كفرهم بالله، و كفرهم بمحمد رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

سورة البقرة(2): آية 8 ..... ص : 135

قوله تعالى:

وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [8]

328/ [1]- قال الإمام: «قال العالم موسى بن جعفر (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما أوقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في يوم الغدير موقفه المشهور المعروف، ثم قال: يا عباد الله، انسبوني، فقالوا: أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.

ثم قال: أيها الناس، أ لست أولى بكم من أنفسكم؟ فأنا مولاكم، أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، فنظر رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى السماء، فقال: اللهم اشهد، يقول هو ذلك (صلى الله عليه و آله)، و هم يقولون ذلك،

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 111/ 58.

(1) الجمّ: الكثير، و المعنى: جاءوا بجماعتهم و لم يتخلّف منهم أحد و كانت فيهم كثرة. «مجمع البحرين- جمم- 6 لا 30،- غفر- 3: 427».

(2) عبد اللّه بن أبي بن مالك بن الحارث

بن عبيد الخزرجي، أبو حباب، المشهور بابن سلول، و هي جدّته، رأس المنافقين و كبيرهم، أظهر الإسلام كرها، و كان سيّد الخزرج في آخر جاهليتهم، أنظر طبقات ابن سعد 3: 540، أعلام الزركلي 4: 188.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 136

ثلاثا. «1»

ثم قال: ألا فمن كنت مولاه و أولى به، فهذا مولاه و أولى به، اللهم، وال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله.

ثم قال: قم- يا أبا بكر- فبايع له بإمرة المؤمنين، فقام ففعل ذلك. ثم قال: قم- يا عمر- فبايع له بإمرة المؤمنين، فقام فبايع. ثم قال بعد ذلك لتمام التسعة، ثم لرؤساء المهاجرين و الأنصار، فبايعوا كلهم.

فقام من بين جماعتهم عمر بن الخطاب، فقال: بخ، بخ «2»- يا ابن أبي طالب- أصبحت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة، ثم تفرقوا عن ذلك و قد «3» وكدت عليهم العهود و المواثيق.

ثم إن قوما من متمردي جبابرتهم «4» تواطؤوا «5» بينهم، إن كانت لمحمد (صلى الله عليه و آله) كائنة «6»، ليدفعه هذا الأمر عن علي (عليه السلام) و لا يتركونه له، فعرف الله تعالى ذلك من قلوبهم «7»، و كانوا يأتون رسول الله (صلى الله عليه و آله) و يقولون له: لقد أقمت عليا، أحب خلق الله إلى الله و إليك و إلينا، كفيتنا به مؤنة الظلمة و الجائرين في سياستنا و علم الله في قلوبهم خلاف ذلك، [و من ] مواطأة بعضهم لبعض، أنهم على العداوة مقيمون، و لدفع الأمر عن مستحقه مؤثرون.

فأخبر الله عز و جل محمدا (صلى الله عليه و آله) عنهم، فقال: يا محمد، وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ الذي

أمرك بنصب علي (عليه السلام) إماما، و سائسا «8» لأمتك، و مدبرا وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ بذلك، و لكنهم يتواطؤون على إهلاكك و إهلاكه، يوطنون «9» أنفسهم على التمرد على علي (عليه السلام) إن كانت بك كائنة».

329/ [2]- علي بن إبراهيم: إنها نزلت في قوم منافقين أظهروا لرسول الله (صلى الله عليه و آله) الإسلام، فكانوا إذا رأوا الكفار، قالوا: إنا معكم، و إذا لقوا المؤمنين قالوا: نحن مؤمنون، و كانوا يقولون للكفار: إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ «10» فرد الله عليهم: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ. «11»

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 1: 34.

(1) في «س»: اللّهمّ إنّي أشهدك بقول هؤلاء و يقولون ذلك ثلاثا.

(2) بخ: كلمة تقال عند المدح و الرّضا بالشّي ء، و تكرّر للمبالغة، و إن وصلت خفضت و نوّنت فقلت: بخ، بخ، و ربّما شدّدت كالاسم.

«الصحاح- بخخ- 1: 418».

(3) في «س»، «ط»: و قال.

(4) الكافي متمرّديهم.

(5) تواطؤوا: أي توافقوا. «الصحاح- وطأ- 1: 82».

(6) الكائنة: الحادثة، و كوّنه: أحدثه. «القاموس المحيط- كون- 4: 266».

(7) في المصدر: قبلهم.

(8) سست الرعية سياسة، وسوّس الرجل أمور النّاس، إذا ملّك أمرهم. «الصحاح- سوس- 3: 938». [.....]

(9) في «س»: يواطؤون، و توطين النفس، كالتمهيد لها. «مجمع البحرين- وطن- 6: 327».

(10) البقرة 2: 14.

(11) البقرة 2: 15.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 137

330/ [3]- محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثني أبو جعفر أحمد بن محمد، عن الحسين «1» بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن معلي بن عثمان «2»، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال لي: «إن الحكم بن عتيبة ممن قال الله: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ

وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ فليشرق الحكم و ليغرب، أما و الله لا يصيب العلم إلا من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل».

و روى هذا الحديث محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، بباقي السند و المتن. «3»

سورة البقرة(2): آية 9 ..... ص : 137

قوله تعالى:

يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ ما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ [9]

331/ [1]- قال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): «فاتصل ذلك من مواطأتهم و قيلهم «4» في علي (عليه السلام)، و سوء تدبيريهم عليه برسول الله (صلى الله عليه و آله)، فدعاهم و عاتبهم، فاجتهدوا في الأيمان.

و قال أولهم: يا رسول الله، و الله ما اعتددت بشي ء كاعتدادي بهذه البيعة، و لقد رجوت أن يفسح «5» الله بها لي في قصور الجنان، و يجعلني فيها من أفضل النزال و السكان.

و قال ثانيهم: بأبي أنت و أمي- يا رسول الله- ما وثقت بدخول الجنة، و النجاة من النار إلا بهذه البيعة، و الله ما يسرني- إن نقضتها، أو نكثت بها- ما أعطيت من نفسي ما أعطيت، و إن كان «6» لي طلاع ما بين الثرى إلى العرش لآلئ رطبة و جواهر فاخرة.

و قال ثالثهم: و الله- يا رسول الله- لقد صرت من الفرح بهذه البيعة- من السرور و الفسح من الآمال في رضوان الله- ما أيقنت أنه لو كان على ذنوب أهل الأرض كلها، لمحصت عني بهذه البيعة و حلف على ما قال من ذلك،

__________________________________________________

3- بصائر الدرجات: 29/ 2.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 113/ 59.

(1) في المصدر: الحسن. حكى النجاشي في رجاله: 58 عن السورائي أنّه قال: الحسن

شريك أخيه الحسين في جميع رجاله ...

(2) في المصدر: معلّى بن أبي عثمان، و لعلّ الصواب ما في المتن. راجع مجمع الرجال 6: 112، جامع الرواة 2: 251.

(3) الكافي 1: 329/ 4.

(4) القيل و القول بمعنى واحد. «مجمع البحرين- قول- 5: 457».

(5) في «س»: يفتح.

(6) (كان) ليس في «ط، س».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 138

و لعن من بلغ عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) خلاف ما حلف عليه، ثم تتابع بمثل هذا الاعتذار بعدهم من الجبابرة المتمردين.

فقال الله عز و جل لمحمد (صلى الله عليه و آله): يُخادِعُونَ اللَّهَ يعني يخادعون رسول الله بأيمانهم بخلاف ما في جوانحهم وَ الَّذِينَ آمَنُوا كذلك أيضا الذين سيدهم و فاضلهم علي بن أبي طالب (عليه السلام).

ثم قال: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ما يضرون بتلك الخديعة إلا أنفسهم، فإن الله غني عنهم و عن نصرتهم، و لو لا إمهاله لهم لما قدروا على شي ء من فجورهم و طغيانهم وَ ما يَشْعُرُونَ أن الأمر كذلك، و أن الله يطلع نبيه على نفاقهم، و كفرهم و كذبهم، و يأمره بلعنهم في لعنة الظالمين الناكثين، و ذلك اللعن لا يفارقهم، في الدنيا يلعنهم خيار عباد الله، و في الآخرة يبتلون بشدائد عقاب الله».

332/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد «1»، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهم السلام) [قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله)] سئل: فيم النجاة غدا؟ فقال: إنما النجاة في أن لا تخادعوا الله فيخدعكم، فإنه من يخادع الله يخدعه، و يخلع الله

منه الإيمان، و نفسه يخدع لو يشعر.

فقيل له: كيف يخادع الله؟ فقال: يعمل بما أمر الله عز و جل به، ثم يريد به غيره، فاتقوا الرياء فإنه شرك بالله عز و جل، إن المرائي يدعي يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر حبط عملك، و بطل أجرك، و لا خلاق لك اليوم، فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له».

سورة البقرة(2): آية 10 ..... ص : 138

قوله تعالى:

فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ [10]

333/ [1]- قال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما اعتذر إليه هؤلاء بما اعتذروا به، تكرم عليهم بأن قبل ظواهرهم و وكل بواطنهم إلى ربهم، لكن جبرئيل أتاه، فقال: يا محمد، إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، و يقول لك: أخرج هؤلاء المردة الذين اتصل بك عنهم في علي و نكثهم لبيعته، و توطينهم

__________________________________________________

2- معاني الأخبار: 340/ 1.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 114/ 60.

(1) في «س»: مسعدة بن صدقة بن زياد، و كأن أحدهما نسخة بدل، إذ روى هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة و مسعدة بن زياد، و رويا عن أبي أبي عبد اللّه (عليه السّلام). أنظر رجال النجاشي: 415، و معجم رجال الحديث 18: 134. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 139

نفوسهم على مخالفتهم عليا، ليظهر «1» من العجائب ما أكرمه الله به، من طاعة الأرض و الجبال و السماء له و سائر ما خلق الله- بما أوقفه موقفك، و أقامه مقامك- ليعلموا أن ولي الله عليا غني عنهم، و أنه لا يكف عنهم انتقامه إلا بأمر الله، الذي له فيه و فيهم

التدبير الذي هو بالغه، و الحكمة التي هو عامل بها، و ممض لما يوجبها.

فأمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) الجماعة- من الذين اتصل به عنهم «2» ما اتصل في أمر علي (عليه السلام) و المواطأة على مخالفته- بالخروج، فقال لعلي (عليه السلام)- لما استقر عند سفح بعض جبال المدينة-: يا علي، إن الله تعالى أمر هؤلاء بنصرتك و مساعدتك، و المواظبة على خدمتك، و الجد في طاعتك، فإن أطاعوك فهو خير لهم، يصيرون في جنان الله ملوكا خالدين ناعمين، و إن خالفوك فهو شر لهم، يصيرون في جهنم خالدين معذبين.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لتلك الجماعة: اعلموا أنكم إن أطعتم عليا سعدتم، و إن خالفتموه شقيتم، و أغناه الله عنكم بما سيريكموه، و بما سيريكموه.

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا علي، سل ربك- بجاه محمد و آله الطيبين، الذين أنت بعد محمد سيدهم- أن يقلب لك هذه الجبال ما شئت، فسأل ربه تعالى ذلك، فانقلبت فضة.

ثم نادته الجبال: يا علي، يا وصي رسول رب العالمين، إن الله قد أعدنا لك إن أردت إنفاقنا في أمرك، فمتى دعوتنا أجبناك، لتمضي فينا حكمك، و تنفذ فينا قضاءك.

ثم انقلبت ذهبا كلها، و قالت مقالة الفضة ثم انقلبت مسكا و عنبرا و عبيرا «3» و جواهر و يواقيت، و كل شي ء منها ينقلب إليه يناديه: يا أبا الحسن، يا أخا رسول الله (صلى الله عليه و آله)، نحن مسخرات لك، ادعنا متى شئت. «4»

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا علي، سل الله- بمحمد و آله الطيبين، الذين أنت سيدهم بعد محمد رسول الله- أن يقلب لك

أشجارها رجالا شاكي السلاح «5»، و صخورها أسودا و نمورا و أفاعي.

فدعا الله علي بذلك، فامتلأت تلك الجبال و الهضبات و قرار الأرض «6» من الرجال الشاكي السلاح الذين لا يفي بواحد «7» منهم عشرة آلاف من الناس المعهودين، و من الأسود، و النمور، و الأفاعي، حتى طبقت «8» تلك الجبال و الأرضون و الهضاب بذلك، كل ينادي: يا علي، يا وصي رسول الله، ها نحن قد سخرنا الله لك، و أمرنا

__________________________________________________

(1) في «س، ط»: أن يظهر.

(2) في «ط»: التي اتصل منهم.

(3) العبير: الزّعفران أو أخلاط من الطّيب. «القاموس المحيط- عبر- 2: 86».

(4) في المصدر زيادة: لتنفقنا فيما شئت نجبك، و نتحوّل لك إلى ما شئت، ثم

قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): أرأيتم قد أغنى اللّه عزّ و جلّ عليّا- بما ترون- عن أموالكم؟

(5) رجل شاك في السلاح: و هو اللّابس السلاح التامّ فيه. «مجمع البحرين- شوك- 5: 278».

(6) قرار الأرض: ما قرّ فيه، و المطمئن من الأرض. «القاموس المحيط- قرر- 2: 120».

(7) هذا الشّي ء لا يفي بذلك: أي يقصر عنه و لا يوازيه. «المعجم الوسيط- و فى- 2: 1047».

(8) طبّق الشّي ء: عمى، و طبّق السحاب الجوّ: غشّاه، و طبّق الماء وجه الأرض: غطّاه. «القاموس المحيط- طبق- 3: 264».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 140

بإجابتك- كلما دعوتنا- إلى اصطلام «1» كل من سلطنا عليه، فمتى شئت فادعنا نجبك، و بما شئت فمرنا به نطعك.

يا علي، يا وصي رسول الله، إن لك عند الله من الشأن العظيم ما لو سألت الله أن يصير لك أطراف الأرض و جوانبها هيئة واحدة كصرة كيس لفعل، أو يحط لك السماء إلى الأرض لفعل، أو يرفع لك الأرض

إلى السماء لفعل، أو يقلب لك ماء بحارها الأجاج ماء عذبا أو زئبقا أو بانا «2»، أو ما شئت من أنواع الأشربة و الأدهان لفعل، و لو شئت أن يجمد البحار، أو يجعل سائر الأرض مثل البحار لفعل، فلا يحزنك تمرد هؤلاء المتمردين، و خلاف هؤلاء المخالفين، فكأنهم بالدنيا قد انقضت بهم كأن لم يكونوا فيها، و كأنهم بالآخرة إذا وردت عليهم كأن لم يزالوا فيها.

يا علي، إن الذي أمهلهم- مع كفرهم و فسوقهم و تمردهم- عن طاعتك، هو الذي أمهل فرعون ذا الأوتاد و نمرود بن كنعان، و من ادعى الألوهية من ذوي الطغيان، و أطغى الطغاة إبليس رأس الضلالات.

ما خلقت أنت و هم لدار الفناء، بل خلقتم لدار البقاء، و لكنكم تنقلون من دار إلى دار، و لا حاجة لربك إلى من يسومهم و يرعاهم، لكنه أراد تشريفك عليهم، و إبانتك بالفضل فيهم، و لو شاء لهداهم.

قال: فمرضت قلوب القوم لما شاهدوا من ذلك، مضافا إلى ما كان من مرض حسدهم «3» له و لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال الله تعالى عند ذلك: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي في قلوب هؤلاء المتمردين الشاكين الناكثين، لما أخذت عليهم من بيعة علي (عليه السلام) فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً بحيث تاهت له قلوبهم، جزاء بما أريتهم من هذه الآيات و المعجزات وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ في قولهم: إنا على البيعة و العهد مقيمون».

سورة البقرة(2): الآيات 11 الي 12 ..... ص : 140

قوله تعالى:

وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ [11] أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَ لكِنْ لا يَشْعُرُونَ [12]

334/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال العالم موسى بن جعفر (عليه السلام): إذا قيل لهؤلاء الناكثين

للبيعة

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 118/ 61.

(1) الاصطلاح: الاستئصال. «الصحاح- صلم- 5: 1967».

(2) البان: ضرب من الشجر طيّب الزهر، و منه دهن البان. «الصحاح- بون- 5: 2081».

(3) في «س»: أجسادهم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 141

في يوم الغدير لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بإظهار نكث البيعة لعباد الله المستضعفين فتشوشون عليهم دينهم، و تحيرونهم في دينهم و مذاهبهم قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ لأنا لا نعتقد دين محمد، و لا غير دين محمد، و نحن في الدين متحيرون، فنحن نرضى في الظاهر محمدا بإظهار قبول دينه و شريعته، و نقضي في الباطن إلى شهواتنا، فنتمتع و نترفه و نعتق أنفسنا من دين «1» محمد، و نكفها من طاعة ابن عمه علي، لكي إن أديل «2» في الدنيا كنا قد توجهنا عنده، و إن اضمحل أمره كنا قد سلمنا من سبي أعدائه.

قال الله عز و جل: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ بما يفعلون من أمور أنفسهم، لأن الله تعالى يعرف نبيه (صلى الله عليه و آله) نفاقهم، فهو يلعنهم و يأمر المسلمين بلعنهم، و لا يثق بهم أيضا أعداء المؤمنين، لأنهم يظنون أنهم ينافقونهم أيضا كما ينافقون أصحاب محمد، فلا يرفع لهم عندهم منزلة، و لا يحلون عندهم بمحل أهل الثقة».

سورة البقرة(2): آية 13 ..... ص : 141

قوله تعالى:

وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَ لكِنْ لا يَعْلَمُونَ [13]

335/ [1]- قال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): «إذا قيل لهؤلاء الناكثين للبيعة- قال لهم خيار المؤمنين كسلمان، و المقداد، و أبي ذر، و عمار-: آمنوا برسول الله (صلى الله عليه و آله) و بعلي (عليه السلام) الذي أوقفه موقفه، و

أقامه مقامه، و أناط «3» مصالح الدين و الدنيا كلها به، آمنوا بهذا النبي، و سلموا لهذا الإمام في ظاهر الأمر و باطنه «4»، كما آمن الناس المؤمنون كسلمان، و المقداد، و أبي ذر، و عمار.

قالوا في الجواب لمن يفضون «5» إليه، لا هؤلاء المؤمنين، لأنهم لا يجسرون «6» على مكاشفتهم بهذا الحديث، و لكنهم يذكرون لمن يفضون إليه من أهليهم الذين يثقون بهم من المنافقين، و من المستضعفين، و من المؤمنين الذين هم بالستر عليهم واثقون يقولون لهم: أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ يعنون سلمان و أصحابه، لما

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 119/ 62.

(1) في المصدر: رقّ. [.....]

(2) الإدالة: الغلبة، يقال: اللّهمّ أدلني على فلان و انصرني عليه. «الصحاح- دول- 4: 1700»، و في المصدر: لكيلا نزل.

(3) ناط الشّي ء ينوطه نوطا، أي علّقه. «الصحاح- نوط- 3: 1165».

(4) في «س»: و سلموا لظاهره و باطنه.

(5) أفضى إلى فلان بالسّرّ: أعلمه به. «المعجم الوسيط- فضا- 2: 693».

(6) جسر على كذا يجسر جسارة، أي أقدم. «الصحاح- جسر- 2: 614».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 142

أعطوا عليا (عليه السلام) خالص ودهم، و محض طاعتهم، و كشفوا رؤوسهم لموالاة أوليائه، و معاداة أعدائه، حتى إذا اضمحل أمر محمد (صلى الله عليه و آله) طحطحهم «1» أعداؤه، و أهلكهم سائر الملوك و المخالفون لمحمد (صلى الله عليه و آله).

أي فهم بهذا التعرض لأعداء محمد (صلى الله عليه و آله) جاهلون سفهاء. قال الله عز و جل: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَ لكِنْ لا يَعْلَمُونَ الأخفاء العقول و الآراء، الذين لم ينظروا في أمر محمد (صلى الله عليه و آله) حق النظر فيعرفوا نبوته، و يعرفوا به صحة

ما أناط بعلي (عليه السلام) من أمر الدين و الدنيا، حتى بقوا لتركهم تأمل حجج الله جاهلين، و صاروا خائفين وجلين من محمد (صلى الله عليه و آله) و ذويه «2» و من مخالفيهم، لا يأمنون «3» أنه يغلب فيهلكون معه، فهم السفهاء حيث لم يسلم لهم بنفاقهم هذا لا محبة [محمد و] المؤمنين، و لا محبة اليهود و سائر الكافرين، و هم يظهرون لمحمد (صلى الله عليه و آله) موالاته و موالاة أخيه على و معاداة أعدائهم اليهود و النواصب، كما يظهرون لهم من معاداة محمد و علي صلوات الله عليهما».

سورة البقرة(2): الآيات 14 الي 15 ..... ص : 142

قوله تعالى:

وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ [14] اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ [15]

336/ [1]- قال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): «و إذا لقى هؤلاء الناكثون البيعة، المواطئون على مخالفة علي (عليه السلام) و دفع الأمر عنه الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا كإيمانكم، إذا لقوا سلمان و المقداد و أبا ذر و عمار قالوا لهم: آمنا بمحمد و سلمنا له بيعة علي (عليه السلام) و فضله، و انقدنا لأمره كما آمنتم.

إن أولهم، و ثانيهم، و ثالثهم، إلى تاسعهم ربما كانوا يلتقون في بعض طرقهم مع سلمان و أصحابه، فإذا لقوهم اشمأزوا منهم، و قالوا: هؤلاء أصحاب الساحر و الأهوج- يعنون محمدا و عليا (عليهما السلام)- ثم يقول بعضهم لبعض: احترزوا منهم لا يقفون من فلتات كلامكم على كفر محمد فيما قاله في علي فينموا «4» عليكم فيكون فيه هلاككم.

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 120/ 63.

(1) طحطح بهم: إذا بدّدهم، و طحطحت الشّي ء: كسّرته و فرّقته.

«الصحاح- طحح- 1: 386».

(2) في «ط»: و ذرّيته.

(3) في «س» و «ط»: لا يؤمنون.

(4) نمّ الحديث: سعى به ليوقع فتنة أو وحشة. «مجمع البحرين- نمم- 6: 180»، و في «س» و «ط»: فيقفوا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 143

فيقول أولهم: انظروا إلي كيف أسخر منهم، و أكف عاديتهم «1» عنكم، فإذا التقوا، قال أولهم: مرحبا بسلمان ابن الإسلام، الذي قال فيه محمد سيد الأنام: لو كان الدين معلقا بالثريا لتناوله رجال من أبناء فارس، هذا أفضلهم- يعنيك- و قال فيه: سلمان منا أهل البيت فقرنه بجبرئيل (عليه السلام) الذي قال له يوم العباء- لما قال لرسول الله (صلى الله عليه و آله): و أنا منكم؟ قال-: و أنت منا، حتى ارتقى جبرئيل إلى الملكوت الأعلى، يفتخر على أهله و يقول: بخ، بخ، و أنا من أهل بيت محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله).

ثم يقول للمقداد: و مرحبا بك- يا مقداد- أنت الذي قال فيك رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام): يا علي، المقداد أخوك في الدين و قد قد منك، فكأنه بعضك حبا لك، و بغضا لأعدائك، و موالاة لأوليائك، لكن ملائكة السماوات و الحجب أشد حبا لك منك لعلي (عليه السلام)، و أشد بغضا على أعدائك منك على أعداء علي (عليه السلام) فطوباك ثم طوباك.

ثم يقول لأبي ذر: مرحبا بك- يا أبا ذر- أنت الذي قال فيك رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما أقلت «2» الغبراء و لا أظلت الخضراء «3» على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.

قيل: بما ذا فضله الله تعالى بهذا و شرفه؟ قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لأنه كان

يفضل عليا أخي، و له في كل الأحوال مداحا، و لشانئيه و أعاديه شانئا و لأوليائه و أحبائه مواليا، سوف يجعله الله عز و جل في الجنان من أفضل سكانها، و يخدمه من لا يعرف عدده إلا الله من وصائفها «4» و غلمانها و ولدانها.

ثم يقول لعمار بن ياسر: أهلا و سهلا- يا عمار- نلت بموالاة أخي رسول الله (صلى الله عليه و آله)- مع أنك وادع رافه «5»، لا تزيد على المكتوبات و المسنونات من سائر العبادات- ما لا يناله الكاد «6» بدنه ليله و نهاره- يعني الليل قياما، و النهار صياما- و الباذل أمواله و إن كانت جميع أموال الدنيا له.

مرحبا بك، فقد رضيك رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعلي أخيه مصافيا، و عنه مناوئا، حتى أخبر أنك ستقتل في محبته، و تحشر يوم القيامة في خيار زمرته، وفقني الله لمثل عملك و عمل أصحابك، ممن توفر «7» على خدمة رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و أخي محمد علي ولي الله، و معاداة أعدائهما بالعداوة، و مصافاة أوليائهما بالموالاة و المشايعة، سوف يسعدنا الله يومنا هذا إذا التقينا بكم، فيقبل سلمان و أصحابه ظاهرهم كما أمر الله تعالى، و يجوزون عنهم.

__________________________________________________

(1) دفعت عنك عادية فلان: أي ظلمه و شرّه. «الصحاح- عدا- 6: 2422».

(2) أقلّ فلان الشّي ء: طاقه و حمله. «مجمع البحرين- قلل- 5: 453».

(3) المراد بالغبراء الأرض لأنّها تعطي الغبرة في لونها، و بالخضراء السمّاء لأنّها تعطي الخضرة. «مجمع البحرين- خضر- 3: 288».

(4) الوصيفة: الجارية. «مجمع البحرين- وصف- 5: 129». [.....]

(5) الوادع: الساكن. «مجمع البحرين- ودع- 4: 401». و الرافة: المستريح المتنعّم. «القاموس المحيط- رفعه- 4: 286».

(6) كددت الشّي ء:

أتعبته، و الكدّ: الشدّة في العمل و طلب الكسب. «الصحاح- كدد- 2: 530».

(7) توفّر على الشّي ء: صرف إليه همّته. «المعجم الوسيط- وفر- 2: 1046».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 144

فيقول الأول لأصحابه: كيف رأيتم سخريتي بهؤلاء، و كفي عاديتهم عني و عنكم؟

فيقولون له: لا نزال بخير ما عشت لنا.

فيقول لهم: فهكذا فلتكن معاملتكم لهم، إلى أن تنتهزوا الفرصة فيهم مثل هذه، فإن اللبيب العاقل من تجرع على الغصة «1» حتى ينال الفرصة.

ثم يعودون إلى أخدانهم المنافقين المتمردين المشاركين لهم في تكذيب رسول الله (صلى الله عليه و آله) فيما أداه إليهم عن الله عز و جل من ذكر و تفضيل أمير المؤمنين (عليه السلام) و نصبه إماما على كافة المكلفين قالُوا- لهم- إِنَّا مَعَكُمْ فيما واطأتكم عليه أنفسكم، من دفع علي عن هذا الأمر، إن كانت لمحمد كائنة، فلا يغرنكم و لا يهولنكم ما تسمعونه مني من تقريظهم «2»، و تروني أجترئ عليهم من مداراتهم إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ بهم.

فقال الله عز و جل: يا محمد اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ يجازيهم جزاء استهزائهم في الدنيا و الآخرة وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ يمهلهم فيتأنى بهم برفقه، و يدعوهم إلى التوبة، و يعدهم إذا تابوا المغفرة و هم يَعْمَهُونَ لا يرعوون «3» عن قبيح، و لا يتركون أذى لمحمد و علي (صلوات الله عليهما) يمكنهم إيصاله إليهما إلا بلغوه.

قال العالم (عليه السلام): فأما استهزاء الله تعالى بهم في الدنيا فهو أنه- مع إجرائه إياهم على ظاهر أحكام المسلمين، لإظهارهم ما يظهرونه من السمع و الطاعة، و الموافقة- يأمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالتعريض لهم حتى لا يخفي على المخلصين من المراد بذلك التعريض، و يأمر

بلعنهم.

و أما استهزاؤه بهم في الآخرة فهو أن الله عز و جل إذا أقرهم في دار اللعنة و الهوان و عذبهم بتلك الألوان العجيبة من العذاب، و أقر هؤلاء المؤمنين في الجنان بحضرة محمد (صلى الله عليه و آله) صفي الملك الديان أطلعهم على هؤلاء المستهزئين الذين كانوا يستهزءون بهم في الدنيا، حتى يروا ما هم فيه من عجائب اللعائن و بدائع النقمات، فتكون لذتهم و سرورهم بشماتتهم بهم، كما لذتهم و سرورهم بنعيمهم في جنات ربهم.

فالمؤمنون يعرفون أولئك الكافرين و المنافقين بأسمائهم و صفاتهم، و هم على أصناف: منهم من هو بين أنياب أفاعيها تمضغه و تفترسه، و منهم من هو تحت سياط زبانيتها «4» و أعمدتها و مرزباتها «5»، تقع من أيديها عليه ما يشدد في عذابه، و يعظم حزنه و نكاله، و منهم من هو في بحار حميمها يغرق، و يسحب فيها، و منهم من هو في غسلينها «6» و غساقها «7»، تزجره فيها زبانيتها. و منهم من هو في سائر أصناف عذابها.

__________________________________________________

(1) الغصّة: الشّجا في الحلق. «مجمع البحرين- غصص- 4: 176».

(2) التقريظ: مدح الإنسان و هو حيّ، بباطل أو حقّ. «الصحاح- قرظ- 3: 1177».

(3) ارعوى عنه: كفّ و ارتدع. «المعجم الوسيط- رعا- 1: 355».

(4) الزبانية عند العرب: الشرط، و سمّي بذلك بعض الملائكة لدفعهم أهل النّار إليها. «الصحاح- زبن- 5: 2130».

(5) المرزبات: جمع مرزبة: و هي عصيّة من حديد، و هي أيضا المطرقة الكبيرة التي تكون للحدّاد. «لسان العرب- رزب- 1: 416 و 417».

(6) الغسلين: غسالة أجواف أهل النّار، و كلّ جرح و دبر. «مجمع البحرين- غسل- 5: 434».

(7) الغسّاق: ما يغسق من صديد أهل النّار، أي يسيل. «مجمع البحرين- غسق-

5: 223».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 145

و الكافرون و المنافقون ينظرون، فيرون هؤلاء المؤمنين الذين كانوا بهم في الدنيا [يسخرون ]- لما كانوا من موالاة محمد و علي و آلهما (صلوات الله عليهم) يعتقدون- فيرونهم، و منهم من هو على فرشها يتقلب، و منهم من هو في فواكهها يرتع، و منهم من هو في غرفها، أو بساتينها و متنزهاتها يتبحبح، و الحور العين و الوصفاء و الولدان و الجواري و الغلمان قائمون بحضرتهم، و طائفون بالخدمة حواليهم، و ملائكة الله عز و جل يأتونهم من عند ربهم بالحباء «1» و الكرامات، و عجائب التحف و الهدايا و المبرات يقولون لهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ. «2»

فيقول هؤلاء المؤمنون المشرفون على هؤلاء الكافرين و المنافقين: يا فلان، و يا فلان، و يا فلان- حتى ينادونهم بأسمائهم- ما بالكم في مواقف خزيكم ماكثون؟! هلموا إلينا نفتح لكم أبواب الجنان لتخلصوا من عذابكم، و تلحقوا بنا في نعيمها.

فيقولون: يا ويلنا أنى لنا هذا؟

فيقول المؤمنون: انظروا إلى الأبواب، فينظرون إلى أبواب من الجنان مفتحة يخيل إليهم أنها إلى جهنم التي فيها يعذبون، و يقدرون أنهم يتمكنون أن يتخلصوا إليها، فيأخذون في السباحة في بحار حميمها، و عدوا من بين أيدي زبانيتها و هم يلحقونهم و يضربونهم بأعمدتهم و مرزباتهم و سياطهم، فلا يزالون كذلك يسيرون هناك، و هذه الأصناف من العذاب تمسهم، حتى إذا قدروا أن يبلغوا تلك الأبواب وجدوها مردومة عنهم، و تدهدههم «3» الزبانية بأعمدتها فتنكسهم إلى سواء الجحيم.

و يستلقي أولئك المنعمون على فرشهم في مجالسهم يضحكون منهم مستهزئين بهم، فذلك قول الله عز و جل: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ و قوله عز و جل: فَالْيَوْمَ

الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ. «4»

337/ [2]- ابن شهر آشوب: عن الباقر (عليه السلام): «أنها نزلت في ثلاثة- لما قام النبي (صلى الله عليه و آله) بالولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام)- أظهروا الإيمان و الرضا بذلك، فلما خلوا بأعداء أمير المؤمنين (عليه السلام) قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ».

338/ [3]- و عن (تفسير الهذيل و مقاتل) عن محمد بن الحنفية- في خبر طويل- إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ

__________________________________________________

2- المناقب 3: 94 «نحوه».

3- المناقب 3: 94.

(1) الحباء: العطاء. «الصحاح- حبا- 6: 2308».

(2) الرعد 13: 24. [.....]

(3) دهدقت الحجر: دحرجته. «الصحاح- دهده- 6: 2231».

(4) المطفّفين 83: 34 و 35.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 146

بعلي بن أبي طالب، فقال الله تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ يعني يجازيهم في الآخرة جزاء استهزائهم بأمير المؤمنين (عليه السلام).

339/ [4]- قال ابن عباس: و ذلك أنه إذا كان يوم القيامة أمر الله تعالى الخلق بالجواز على الصراط فيجوز المؤمنون إلى الجنة، و يسقط المنافقون في جهنم، فيقول الله: يا مالك، استهزئ بالمنافقين في جهنم فيفتح مالك بابا من جهنم إلى الجنة، و يناديهم: معاشر المنافقين، ها هنا، ها هنا، فاصعدوا من جهنم إلى الجنة فيسبح المنافقون في بحار جهنم سبعين خريفا، حتى إذا بلغوا إلى ذلك الباب و هموا بالخروج أغلقه دونهم، و فتح لهم بابا إلى الجنة من موضع آخر، فيناديهم: من هذا الباب فاخرجوا إلى الجنة فيسبحون مثل الأول، فإذا وصلوا إليه أغلق دونهم، و يفتح من موضع آخر، و هكذا أبد الآبدين.

340/ [5]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي «1»، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني، قال: حدثنا علي

بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن الرضا (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ. فقال: «إن الله تبارك و تعالى لا يستهزئ، و لكن يجازيهم جزاء الاستهزاء».

341/ [6]- قال علي بن إبراهيم: وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ أي يدعهم.

سورة البقرة(2): آية 16 ..... ص : 146

قوله تعالى:

أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ [16]

342/ [1]- قال الإمام العالم (عليه السلام): «أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ باعوا دين الله و اعتاضوا «2» منه الكفر بالله فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ أي ما ربحوا في تجارتهم في الآخرة، لأنهم اشتروا النار و أصناف عذابها بالجنة التي كانت معدة لهم، لو آمنوا وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ إلى الحق و الصواب».

__________________________________________________

4- المناقب 3: 94.

5- التوحيد: 163/ 1.

6- تفسير القمّي 1: 34.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 125/ 64.

(1) في «س» و «ط»: المعاري، و هو تصحيف صوابه ما في المتن. راجع تنقيح المقال 2: 66، معجم رجال الحديث 14: 219.

(2) اعتاض: أي أخذ العوض «الصحاح- عوض- 3: 1093».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 147

343/ [2]- علي بن إبراهيم: الضلالة ها هنا: الحيرة، و الهدى: البيان، فاختاروا الحيرة و الضلالة على الهدى و البيان، فضرب الله فيهم مثلا.

سورة البقرة(2): الآيات 17 الي 18 ..... ص : 147

قوله تعالى:

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ [17] صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [18]

344/ [1]- قال موسى بن جعفر (عليه السلام): «مثل هؤلاء المنافقين كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً أبصر بها ما حوله، فلما أبصر ذهب الله بنورها «1» بريح أرسلها فأطفأها، أو بمطر.

كذلك مثل هؤلاء المنافقين، لما أخذ الله تعالى عليهم من البيعة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أعطوا ظاهرا شهادة: أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله، و أن عليا وليه و وصيه و وارثه و خليفته في أمته، و قاضي دينه، و منجز عداته «2»، و القائم بسياسة عباد

الله مقامه، فورث موارث المسلمين بها، و نكح في المسلمين بها، فوالوه من أجلها، و أحسنوا عنه الدفاع بسببها، و اتخذوه أخا يصونونه مما يصونون عنه أنفسهم، بسماعهم منه لها. «3»

فلما جاءه الموت وقع في حكم رب العالمين، العالم بالأسرار، الذي لا تخفي عليه خافية، فأخذهم العذاب بباطن كفرهم، فذلك حين ذهب نورهم، و صاروا في ظلمات عذاب الله، ظلمات أحكام الآخرة، لا يرون منها خروجا، و لا يجدون عنها محيصا.

ثم قال: صُمٌّ يعني يصمون في الآخرة في عذابها بُكْمٌ يبكمون هناك بين أطباق نيرانها عُمْيٌ يعمون هناك، و ذلك نظير قوله عز و جل: وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى «4» و قوله:

__________________________________________________

2- تفسير القمي 1: 34.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): 130/ 65.

(1) في «س» و «ط»: بنورهم.

(2) نجز عداته: قضاها. «مجمع البحرين- نجز- 4: 37».

(3) قال المجلسي (رحمه الله): الضمير في (منه) راجع إلى أمير المؤمنين، و في (لها) الأنفس، أي بأنهم كانوا يسمعون منه (عليه السلام) ما ينفع أنفسهم من المعارف و الأحكام و المواعظ، أو ضمير (سماعهم) راجع إلى المسلمين، و ضمير (منه) إلى المنافق، و ضمير (لها) إلى الشهادة، أي اتخاذهم له أخا بسبب أنهم سمعوا منه الشهادة.

(4) طه 20: 124. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 148

وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً». «1»

345/ [2]- قال العالم (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قال: «ما من عبد و لا أمة أعطى بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الظاهر، و نكثها في الباطن، و أقام على نفاقه إلا و إذا

جاء ملك الموت يقبض روحه تمثل له إبليس و أعوانه، و تمثلت النيران و أصناف عقابها لعينه و قلبه و مقاعده من مضائقها «2»، و تمثل له أيضا الجنان و منازله فيها لو كان بقي على إيمانه، و وفي ببيعته.

فيقول له ملك الموت: انظر فتلك الجنان التي لا يقدر قدر سرائها و بهجتها و سرورها إلا رب العالمين كانت معدة لك، فلو كنت بقيت على ولايتك لأخي محمد (صلى الله عليه و آله) كان إليها مصيرك يوم فصل القضاء، فإذا نكثت و خالفت فتلك النيران و أصناف عذابها و زبانيتها بمرزباتها و أفاعيها الفاغرة أفواهها «3»، و عقاربها الناصبة أذنابها، و سباعها الشائلة «4» مخالبها، و سائر أصناف عذابها هو لك، و إليها مصيرك، فعند ذلك يقول: يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا «5» فقبلت ما أمرني و التزمت من موالاة علي بن أبي طالب (عليه السلام) ما ألزمني».

346/ [3]- محمد بن يعقوب: عن ابن محمد «6»، عن علي بن العباس، عن علي بن حماد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله عز و جل: كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ يقول:

«أضاءت الأرض بنور محمد (صلى الله عليه و آله) كما تضي ء الشمس، فضرب الله مثل محمد (صلى الله عليه و آله) الشمس، و مثل الوصي القمر، و هو قوله عز و جل: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً «7». و قوله: وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ. «8»

و قوله عز و جل: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ يعني قبض محمد (صلى الله عليه و آله) فظهرت

الظلمة، فلم يبصروا فضل أهل بيته، و هو قوله عز و جل: وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَ تَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَ هُمْ لا يُبْصِرُونَ». «9»

__________________________________________________

2- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 131/ 66.

3- الكافي 8: 380/ 574.

(1) الاسراء 17: 97.

(2) قال المجلسيّ (رحمه اللّه): مقاعده عطف على النيران، و ضميره للناكث، و ضمير مضائقها للنيران. «البحار 24: 18: 30».

(3) فاغر فاه: أي فاتح فاه. «مجمع البحرين- فغر- 3: 441».

(4) شائلة: رافعة.

(5) الفرقان 25: 27.

(6) في المصدر: عليّ بن محمّد.

(7) يونس 10: 5.

(8) يس 36: 37.

(9) الأعراف 7: 198.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 149

347/ [4]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن أحمد السناني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن سهل بن زياد الآدمي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني (رضي الله عنه)، عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن قول الله تعالى: وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ فقال: «إن الله تبارك و تعالى لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه، و لكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر و الضلالة منعهم المعاونة و اللطف، و خلى بينهم و بين اختيارهم».

348/ [5]- قال علي بن إبراهيم: و قوله: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ الصم الذي لا يسمع، و البكم الذي يولد من أمه أعمى، و العمي الذي يكون بصيرا ثم يعمى.

سورة البقرة(2): الآيات 19 الي 20 ..... ص : 149

قوله تعالى:

أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَ اللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ [19] يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَ إِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَ

لَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ [20]

349/ [1]- قال العالم (عليه السلام): «ثم ضرب الله عز و جل مثلا آخر للمنافقين، فقال: مثل ما خوطبوا به من هذا القرآن الذي أنزل عليك- يا محمد- مشتملا على بيان توحيدي، و إيضاح حجة نبوتك، و الدليل الباهر على استحقاق أخيك [علي بن أبي طالب ] للموقف الذي أوقفته، و المحل الذي أحللته، و الرتبة التي رفعته إليها، و السياسة التي قلدته إياها، فهي كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ.

قال: يا محمد، كما أن في هذا المطر هذه الأشياء، و من ابتلي به خاف، فكذلك هؤلاء في ردهم لبيعة علي، و خوفهم أن تعثر أنت- يا محمد- على نفاقهم كمثل من هو في هذا المطر و الرعد و البرق، يخاف أن يخلع الرعد فؤاده، أو ينزل البرق بالصاعقة عليه، و كذلك هؤلاء يخافون أن تعثر على كفرهم، فتوجب قتلهم و استئصالهم.

يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ [كما يجعل هؤلاء المبتلون بهذا الرعد

__________________________________________________

4- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 123/ 16.

5- تفسير القمّي 1: 34.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 132/ 67. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 150

و البرق أصابعهم في آذانهم لئلا يخلع صوت الرعد أفئدتهم، فكذلك يجعلون أصابعهم في آذانهم ] إذا سمعوا لعنك لمن نكث البيعة و وعيدك لهم إذا علمت أحوالهم يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ لئلا يسمعوا لعنك و وعيدك فتغير ألوانهم، فيستدل أصحابك أنهم المعنيون باللعن و الوعيد، لما قد ظهر من التغيير و الاضطراب عليهم، فتقوى التهمة عليهم، فلا يأمنون هلاكهم بذلك على يدك و في

حكمك.

ثم قال: وَ اللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ مقتدر عليهم، لو شاء أظهر لك نفاق منافقيهم، و أبدى لك أسرارهم، و أمرك بقتلهم.

ثم قال: يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ و هذا مثل قوم ابتلوا ببرق فلم يغضوا عنه أبصارهم، و لم يستروا منه وجوههم لتسلم عيونهم من تلألئه، و لم ينظروا إلى الطريق الذي يريدون أن يتخلصوا فيه بضوء البرق، و لكنهم نظروا إلى نفس البرق فكاد يخطف أبصارهم.

فكذلك هؤلاء المنافقون، يكاد ما في القرآن من الآيات المحكمة، الدالة على نبوتك، الموضحة عن صدقك، في نصب أخيك علي إماما، و يكاد ما يشاهدونه منك- يا محمد- و من أخيك علي من المعجزات، الدالات على أن أمرك و أمره هو الحق الذي لا ريب فيه، ثم هم- مع ذلك- لا ينظرون في دلائل ما يشاهدون من آيات القرآن، و آياتك و آيات أخيك علي بن أبي طالب (عليه السلام)، يكاد ذهابهم عن الحق في حججك يبطل عليهم سائر ما قد عملوه من الأشياء التي يعرفونها، لأن من جحد حقا واحدا، أداه ذلك الجحود إلى أن يجحد كل حق، فصار جاحده في بطلان سائر الحقوق عليه، كالناظر إلى جرم الشمس في ذهاب نور بصره.

ثم قال: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ إذا ظهر ما اعتقدوا أنه الحجة، مشوا فيه: ثبتوا عليه، و هؤلاء كانوا إذا أنتجت خيولهم «1» الإناث، و نساؤهم الذكور، و حملت نخيلهم، و زكت «2» زروعهم، و نمت تجارتهم، و كثرت الألبان في ضروعهم، قالوا: يوشك أن يكون هذا ببركة بيعتنا لعلي (عليه السلام)، إنه مبخوت «3»، مدال «4» فبذاك ينبغي أن نعطيه ظاهر الطاعة، لنعيش في دولته.

وَ إِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا أي إذا أنتجت خيولهم الذكور، و

نساؤهم الإناث، و لم يربحوا في تجارتهم، و لا حملت نخيلهم، و لا زكت زروعهم، وقفوا و قالوا: هذا بشؤم هذه البيعة التي بايعناها عليا، و التصديق الذي صدقنا محمدا، و هو نظير ما قال الله عز و جل: يا محمد، إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ «5». قال الله تعالى: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ «6» بحكمه النافذ و قضائه، ليس ذلك لشؤمي و لا ليمني.

__________________________________________________

(1) أنتجت الفرس: إذا حان نتاجها، و قيل: إذا استبان حملها. «الصحاح- نتج- 1: 343».

(2) زكا الزرع: أي نما. «الصحاح- زكا- 6: 2368».

(3) رجل بخيت: ذو جدّ، قال ابن دريد: لا أحسبها فصيحة و المبخوت: المجدود. «لسان العرب- بخت- 2: 10».

(4) أدال فلانا على فلان أو من فلان: نصره، و غلبه عليه، فالمدال: المنتصر، الغالب الذي دالت له الدولة.

(5، 6) النّساء 4: 78.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 151

ثم قال الله عز و جل: وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ حتى لا يتهيأ لهم الاحتراز من أن تقف على كفرهم، أنت و أصحابك المؤمنون، و توجب قتلهم إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ لا يعجزه شي ء».

350/ [1]- و قال علي بن إبراهيم: قوله: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ أي كمطر، و هو مثل الكفار، قال: و قوله:

يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ أي يعمي.

سورة البقرة(2): آية 21 ..... ص : 151

قوله تعالى:

يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [21]

351/ [2]- قال الإمام (عليه السلام): «قال علي بن الحسين (عليه السلام) في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ يعني سائر المكلفين من ولد آدم. اعْبُدُوا رَبَّكُمُ أطيعوا ربكم من حيث أمركم، أن تعتقدوا أن

لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، و لا شبيه له و لا مثل، عدل لا يجور، جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حكيم لا يخطل «1»، و أن محمدا (صلى الله عليه و آله) عبده و رسوله، و بأن آل محمد أفضل آل النبيين، و أن عليا (عليه السلام) أفضل [آل محمد، و أن أصحاب محمد المؤمنين منهم أفضل صحابة المرسلين، و أن أمة محمد أفضل ] أمم المرسلين.

ثم قال عز و جل: الَّذِي خَلَقَكُمْ اعبدوا الذي خلقكم من نطفة من ماء مهين، فجعله في قرار مكين، إلى قدر معلوم، فقدره فنعم القادر رب العالمين. «2»

قوله: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أي اعبدوا بتعظيم محمد و علي بن أبي طالب (عليهما السلام) الَّذِي خَلَقَكُمْ نسما، و سواكم من بعد ذلك، و صوركم، فأحسن صوركم.

ثم قال عز و جل: وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: و خلق الله الذين من قبلكم من سائر أصناف الناس لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ قال: لها و جهان:

أحدهما: و خلق الذين من قبلكم لعلكم- كلكم- تتقون، أي لتتقوا كما قال الله عز و جل: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «3».

و الوجه الآخر: اعبدوا الذي خلقكم، و الذين من قبلكم، لعلكم تتقون، أي اعبدوه لعلكم تتقون النار،

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 34.

2- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 139/ 68 و 69 و 71.

(1) الخطل: المنطق الفاسد المضطرب، و قد خطل في كلامه و أخطل، أي أفحش. «الصحاح- خلل- 4: 1685».

(2) في «س» و «ط»: فقدّرنا فنعم القادرون العالمون.

(3) الذّاريات 51: 56.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 152

و (لعل) من الله واجب، لأنه أكرم من أن يعني «1»

عبده بلا منفعة، و يطمعه في فضله ثم يخيبه، ألا تراه كيف قبح من عبد من عباده، إذا قال لرجل: اخدمني لعلك تنتفع بي، و لعلي أنفعك بها فيخدمه، ثم يخيبه و لا ينفعه، فالله عز و جل أكرم في أفعاله، و أبعد من القبيح في أعماله من عباده».

سورة البقرة(2): آية 22 ..... ص : 152

قوله تعالى:

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [22]

352/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن القاسم المفسر (رضي الله عنه)، قال: حدثني يوسف بن محمد بن زياد، و علي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين (عليهم السلام) في قول الله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً.

قال: «جعلها ملائمة لطبائعكم، موافقة لأجسادكم، و لم يجعلها شديدة الحمي و الحرارة فتحرقكم، و لا شديدة البرودة فتجمدكم، و لا شديدة الريح فتصدع هاماتكم، و لا شديدة النتن فتعطبكم «2»، و لا شديدة اللين كالماء فتغرقكم، و لا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم، و أبنيتكم، و قبور موتاكم. و لكنه عز و جل جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به، و تتماسكون، و تتماسك عليها أبدانكم و بنيانكم، و جعل فيها ما تنقاد به لدوركم، و قبوركم، و كثير من منافعكم، فلذلك جعل الأرض فراشا لكم.

ثم قال عز و جل: وَ السَّماءَ بِناءً أي سقفا محفوظا،

يدير فيها شمسها و قمرها، و نجومها لمنافعكم.

ثم قال تعالى: وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر، [نزله ] من أعلى ليبلغ قلل جبالكم، و تلالكم، و هضابكم و أوهادكم «3»، ثم فرقه رذاذا «4»، و وابلا «5»، و هطلا «6» لتنشفه «7» أرضوكم، و لم يجعل ذلك المطر نازلا

__________________________________________________

1- التّوحيد: 403/ 11.

(1) العناء: التعب و النصب. «مجمع البحرين- عنا- 1: 308.»

(2) العطب: الهلاك، و أعطبه: أهلكه. «الصحاح- عطب- 1: 184».

(3) الوهدة: المكان المطمئنّ. «الصحاح- وهد- 2: 554». [.....]

(4) الرّذاذ: المطر الضعيف. «الصحاح- رذذ- 2: 565».

(5) الوابل: المطر الشديد. «الصحاح- وبل- 5: 1840».

(6) الهطل: تتابع المطر. «الصحاح- هطل- 5: 1850».

(7) نشف الحوض الماء: شربه، و تنشّفه كذلك. «الصحاح- نشف- 4: 1432».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 153

عليكم قطعة واحدة، فيفسد أرضيكم، و أشجاركم، و زروعكم، و ثماركم.

ثم قال عز و جل: فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ يعني مما يخرجه من الأرض لكم فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً أي أشباها و أمثالا من الأصنام التي لا تعقل، و لا تسمع، و لا تبصر، و لا تقدر على شي ء وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنها لا تقدر على شي ء من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربكم تبارك و تعالى».

سورة البقرة(2): الآيات 23 الي 25 ..... ص : 152

قوله تعالى:

وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [23] فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ [24] وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً

وَ لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ هُمْ فِيها خالِدُونَ [25]

353/ [1]- قال العالم (عليه السلام): «فلما ضرب الله الأمثال للكافرين المجاهرين «1»، الدافعين لنبوة محمد (صلى الله عليه و آله)، و الناصبين المنافقين لرسول الله (صلى الله عليه و آله)، الدافعين لما قاله محمد (صلى الله عليه و آله) في أخيه علي (عليه السلام)، و الدافعين أن يكون ما قاله عن الله تعالى، و هي آيات محمد (صلى الله عليه و آله) و معجزاته لمحمد، مضافة إلى آياته التي بينها لعلي (عليه السلام) في مكة و المدينة، و لم يزدادوا إلا عتوا و طغيانا.

قال الله تعالى: وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا حتى تجحدوا أن يكون محمد رسول الله، و أن يكون هذا المنزل عليه كلامي، مع إظهاري عليه بمكة الآيات الباهرات، كالغمامة التي يتظلل بها في أسفاره، و الجمادات التي كانت تسلم عليه من الجبال، و الصخور، و الأحجار، و الأشجار، و كدفاعه قاصديه بالقتل عنه، و قتله إياهم، و كالشجرتين المتباعدتين اللتين تلاصقتا فقعد خلفهما لحاجته، ثم تراجعتا إلى مكانيهما كما كانتا، و كدعائه الشجرة فجاءته مجيبة خاضعة ذليلة، ثم أمره لها بالرجوع فرجعت سامعة مطيعة.

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 151/ 76.

(1) جاهره بالعداوة: بادأه بها، و جاهره بالأمر: عالنه به. «المعجم الوسيط- جهر- 1: 142».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 154

فَأْتُوا يا معشر قريش و اليهود، و يا معشر النواصب المنتحلين «1» الإسلام، الذين هم منه برآء، و يا معشر العرب الفصحاء، البلغاء، ذوي الألسن بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ «2» من مثل محمد (صلى الله عليه و آله)، مثل رجل منكم لا يقرأ و لا يكتب، و

لم يدرس كتابا، و لا اختلف إلى عالم، و لا تعلم من أحد، و أنتم تعرفونه في أسفاره و حضره، بقي كذلك أربعين سنة، ثم أوتي جوامع العلم حتى علم الأولين و الآخرين.

فإن كنتم في ريب من هذه الآيات، فأتوا من مثل هذا الرجل بمثل هذا الكلام، ليتبين أنه كاذب كما تزعمون، لأن كل ما كان من عند غير الله فسيوجد له نظير في سائر خلق الله.

و إن كنتم- معاشر قراء الكتب من اليهود و النصارى- في شك مما جاءكم به محمد (صلى الله عليه و آله) من شرائعه، و من نصبه أخاه سيد الوصيين وصيا، بعد أن قد أظهر لكم معجزاته، التي منها: أن كلمته الذراع المسمومة، و ناطقه ذئب، و حن إليه العود و هو على المنبر، و دفع الله عنه السم الذي دسته اليهود في طعامهم، و قلب عليهم البلاء و أهلكهم به، و كثر القليل من الطعام فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ يعني من مثل القرآن من التوراة، و الإنجيل، و الزبور، و صحف إبراهيم، و الكتب الأربعة عشر «3» فإنكم لا تجدون في سائر كتب الله تعالى سورة كسورة من هذا القرآن، فكيف يكون كلام محمد (صلى الله عليه و آله) المتقول «4» أفضل من سائر كلام الله و كتبه، يا معاشر اليهود و النصارى؟! ثم قال لجماعتهم: وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ادعوا أصنامكم التي تعبدونها أيها المشركون، و ادعوا شياطينكم يا أيها النصارى و اليهود، و ادعوا قرناءكم من الملحدين يا منافقي المسلمين من النصاب لآل محمد (صلى الله عليه و آله) الطيبين، و سائر أعوانكم على إرادتكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أن محمدا (صلى الله عليه و آله)

تقول هذا القرآن من تلقاء نفسه، لم ينزله الله عز و جل عليه، و أن ما ذكره من فضل علي (عليه السلام) على جميع أمته و قلده سياستهم ليس بأمر أحكم الحاكمين.

ثم قال الله عز و جل: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا أي إن لم تأتوا، يا أيها المقرعون بحجة رب العالمين وَ لَنْ تَفْعَلُوا أي و لا يكون هذا منكم أبدا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ حطبها الناس و الحجارة، توقد فتكون عذابا على أهلها أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ المكذبين بكلامه و نبيه، الناصبين العداوة لوليه و وصيه.

قال: فاعلموا بعجزكم عن ذلك أنه من قبل الله تعالى، و لو كان من قبل المخلوقين لقدرتم على معارضته،

__________________________________________________

(1) النّحلة: الدعوى، و فلان ينتحل مذهب كذا: إذا انتسب إليه. «الصحاح- نحل- 5: 1826».

(2) قال المجلسي (رحمه اللّه): اعلم أنّ هذا الخبر يدل على أنّ إرجاع الضمير في مثله إلى النبي (صلى اللّه عليه و آله) و إلى القرآن كليهما، مراد اللّه تعالى بحسب بطون الآية الكريمة. «بحار الأنوار 17: 217».

(3) كذا وردت في المخطوط و المصدر، و عنه في البحار في موضعين: 9: 176 و 17: 215، و في موضع ثالث من البحار 92: 29: و الكتب المائة و الأربعة عشر، و لعلّه هو الصواب، انظر معاني الأخبار: 332/ 1 (قطعة)، و الخصال: 523/ 13 (قطعة)، و الاختصاص: 264، و عنه في البحار 11: 43/ 48 (قطعة).

(4) تقوّل قولا: ابتدعه كذبا. «القاموس المحيط- قول- 4: 43».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 155

فلما عجزوا بعد التقريع «1» و التحدي، قال الله عز و جل: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ

لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً» «2».

354/ [2]- قال علي بن الحسين (عليه السلام): «و ذلك قوله عز و جل: وَ إِنْ كُنْتُمْ أيها المشركون و اليهود، و سائر النواصب من المكذبين بمحمد (صلى الله عليه و آله) في القرآن، و في تفضيله أخاه عليا (عليه السلام) المبرز على الفاضلين، الفاضل على المجاهدين، الذي لا نظير له في نصرة المتقين، و قمع الفاسقين، و إهلاك الكافرين، و بث دين الله في العالمين.

وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا في إبطال عبادة الأوثان من دون الله، و في النهي عن موالاة أعداء الله، و معاداة أولياء الله، و في الحث على الانقياد لأخي رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و اتخاذه إماما، و اعتقاده فاضلا راجحا، لا يقبل الله عز و جل أمانا إلا به، و لا طاعة إلا بموالاته، و تظنون أن محمدا تقوله من عنده، و ينسبه إلى ربه [فإن كان كما تظنون ] فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ أي مثل محمد، أمي لم يختلف إلى أصحاب كتب قط، و لا تتلمذ لأحد، و لا تعلم منه، و هو من قد عرفتموه في حضره و سفره، و لم «3» يفارقكم قط إلى بلد و ليس معه جماعة منكم يراعون أحواله، و يعرفون أخباره.

ثم جاءكم بهذا الكتاب، المشتمل على هذه العجائب، فإن كان متقولا- كما تزعمون- فأنتم الفصحاء، و البلغاء، و الشعراء، و الأدباء الذين لا نظير لكم في سائر الأديان، و من سائر الأمم، و إن كان كاذبا فاللغة لغتكم، و جنسه جنسكم، و طبعه طبعكم، و سيتفق لجماعتكم- أو لبعضكم- معارضة كلامه هذا بأفضل منه أو مثله.

لأن ما كان من قبل البشر، لا

عن الله عز و جل، فلا يجوز إلا أن يكون في البشر من يتمكن من مثله، فأتوا بذلك لتعرفوه- و سائر النظائر إليكم في أحوالكم- أنه مبطل كاذب على الله تعالى وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ الذين يشهدون بزعمكم أنكم محقون، و أنما تجيئون به نظير لما جاء به محمد (صلى الله عليه و آله)، و شهداؤكم الذين تزعمون أنهم شهداؤكم عند رب العالمين لعبادتكم لها، و تشفع لكم إليه إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في قولكم:

إن محمدا (صلى الله عليه و آله) تقوله.

ثم قال الله عز و جل: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا هذا الذي تحديتكم به وَ لَنْ تَفْعَلُوا أي و لا يكون ذلك منكم، و لا تقدرون عليه، فاعلموا أنكم مبطلون، و أن محمدا الصادق الأمين المخصوص برسالة رب العالمين، المؤيد بالروح الأمين، و بأخيه أمير المؤمنين و سيد الوصيين، فصدقوه فيما يخبر به عن الله تعالى من أوامره و نواهيه، و فيما يذكره من فضل علي وصيه و أخيه، فَاتَّقُوا بذلك عذاب النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا- حطبها- النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ حجارة الكبريت، أشد الأشياء حرا أُعِدَّتْ تلك النار لِلْكافِرِينَ بمحمد (صلى الله عليه و آله)،

__________________________________________________

2- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 200/ 92.

(1) التقريع: التعنيف. «الصحاح- قرع- 3: 1264».

(2) الإسراء 17: 88.

(3) في «س» و «ط»: و لا. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 156

و الشاكين في نبوته، و الدافعين لحق أخيه علي (عليه السلام)، و الجاحدين لإمامته.

ثم قال: وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا بالله، و صدقوك في نبوتك فاتخذوك إماما، و صدقوك في أقوالك، و صوبوك في أفعالك، و اتخذوا أخاك عليا بعدك إماما، و لك وصيا مرضيا، و انقادوا لما يأمرهم به، و

صاروا إلى ما أصارهم إليه، و رأوا له ما يرون لك إلا النبوة التي أفردت بها، و أن الجنان لا تصير لهم إلا بموالاته، و بموالاة من ينص لهم عليه من ذريته، و بموالاة سائر أهل ولايته، و معاداة أهل مخالفته و عداوته، و أن النيران لا تهدأ عنهم، و لا تعدل بهم عن عذابها إلا بتنكبهم «1» عن موالاة مخالفيهم، و مؤازرة شانئيهم.

وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ «2» من أداء الفرائض و اجتناب المحارم، و لم يكونوا كهؤلاء الكافرين بك، بشرهم أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ بساتين تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ من تحت شجرها و مساكنها كُلَّما رُزِقُوا مِنْها من تلك الجنان مِنْ ثَمَرَةٍ من ثمارها رِزْقاً طعاما يؤتون به قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ في الدنيا فاسماؤه كأسماء ما في الدنيا من تفاح، و سفرجل، و رمان، و كذا و كذا، و إن كان ما هناك مخالفا لما في الدنيا فإنه في غاية الطيب، و إنه لا يستحيل إلى ما تستحيل إليه ثمار الدنيا من عذرة و سائر المكروهات، من صفراء و سوداء و دم، بل ما يتولد من مأكولهم، إلا العرق، الذي يجري من أعراضهم، أطيب من رائحة المسك.

وَ أُتُوا بِهِ بذلك الرزق من الثمار من تلك البساتين مُتَشابِهاً يشبه بعضه بعضا، بأنها كلها خيار لا رذل «3» فيها، و بأن كل صنف منها في غاية الطيب و اللذة، ليس كثمار الدنيا التي بعضها ني ء «4»، و بعضها متجاوز لحد النضج و الإدراك إلى الفساد من حموضة و مرارة و سائر ضروب المكاره، و متشابها أيضا متفقات الألوان مختلفات الطعوم.

وَ لَهُمْ فِيها في تلك الجنان أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ من أنواع الأقذار و المكاره، مطهرات من الحيض

و النفاس، لا ولاجات، و لا خراجات «5»، و لا دخالات، و لا ختالات «6»، و لا متغايرات، و لا لأزواجهن فاركات «7» و لا صخابات «8»، و لا غيابات «9»، و لا فحاشات، و من كل العيوب و المكاره بريات. وَ هُمْ فِيها خالِدُونَ مقيمون في تلك البساتين و الجنان».

__________________________________________________

(1) تنكّب فلانا: أعرض عنه. «المعجم الوسيط- نكب- 2: 950».

(2) قال المجلسي (رحمه اللّه): استدلّوا بالعطف على عدم دخول الأعمال في الايمان و هو كذلك، لكنّه لا ينفي الاشتراط، بل استدل في بعض الأخبار بالمقارنة عليه. «البحار 67: 19».

(3) الرذل: الدون الخسيس، أو الردي ء من كل شي ء. «القاموس المحيط- رذل- 3: 395».

(4) النّي ء: الذي لم ينضّج. «القاموس المحيط- ناء- 1: 32».

(5) يقال: فلان خرّاج ولاج: كثير الطواف و السعي. «المعجم الوسيط- ولج- 2: 1055».

(6) ختله: خدعه عن غفلة. «المعجم الوسيط- ختل- 1: 218».

(7) الفرك: البغض، و فركت المرأة زوجها، أي أبغضته، فهي فروك و فارك. «الصحاح- فرك- 4: 1603».

(8) رجل صخب و صخّاب: كثيرة اللّغط و الجلبة، و المرأة صخباء و صخّابة. «مجمع البحرين- صخب- 2: 99».

(9) في المصدر: و لا عيّابات.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 157

355/ [3]- قال: «و قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): يا معشر شيعتنا، اتقوا الله، و احذروا أن تكونوا لتلك النار حطبا، و إن [لم ] تكونوا بالله كافرين، فتوقوها بتوقي ظلم إخوانكم المؤمنين، و إنه ليس من مؤمن ظلم أخاه المؤمن المشارك له في موالاتنا إلا ثقل الله في تلك النار سلاسله و أغلاله، و لم يفكه منها إلا شفاعتنا، و لن نشفع إلى الله إلا بعد أن نشفع له إلى أخيه المؤمن، فإن عفا عنه شفعنا،

و إلا طال في النار مكثه».

356/ [4]- و قال علي بن الحسين (عليه السلام): «معاشر شيعتنا، أما الجنة فلن تفوتكم سريعا كان أو بطيئا، و لكن تنافسوا في الدرجات، و اعلموا أن أرفعكم درجات، و أحسنكم قصورا و دورا و أبنية، أحسنكم إيجابا لإخوانه «1» المؤمنين، و أكثركم مواساة لفقرائهم.

إن الله عز و جل ليقرب الواحد منكم إلى الجنة بكلمة طيبة يكلم بها أخاه المؤمن الفقير، بأكثر من مسيرة ألف عام بقدمه، و إن كان من المعذبين بالنار، فلا تحتقروا الإحسان إلى إخوانكم، فسوف ينفعكم الله تعالى حيث لا يقوم مقام ذلك غيره».

357/ [5]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن منخل، عن جابر، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «نزل جبرئيل (عليه السلام) بهذه الآية على محمد (صلى الله عليه و آله) هكذا: إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا- في علي- فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ».

358/ [6]- و روى ابن بابويه مرسلا، قال: سئل الصادق (عليه السلام) عن قوله عز و جل: وَ لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ قال: «الأزواج المطهرة: اللاتي لا يحضن و لا يحدثن».

359/ [7]- و من طريق المخالفين، عن ابن عباس، قال: فيما نزل من «2» القرآن خاصة في رسول الله و علي (عليهما السلام) و أهل بيته دون الناس من سورة البقرة: وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ الآية، نزلت في علي، و حمزة، و جعفر، و عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب.

سورة البقرة(2): الآيات 26 الي 27 ..... ص : 157

قوله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ

__________________________________________________

3- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه

السّلام): 204/ 93.

4- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 204/ 94.

5- الكافي 1: 345/ 26.

6- من لا يحضره الفقيه 1: 50/ 195.

7- تفسير الحبري: 235/ 4، شواهد التنزيل 1: 74/ 113. [.....]

(1) في «س» و «ط»: إيجابا بإيجاب.

(2) في «س» و «ط»: في.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 158

آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ [26] الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ [27]

360/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن المعلى بن خنيس، عن أبي عبدالله (عليه السلام): «إن هذا المثل ضربه الله لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فالبعوضة أمير المؤمنين (عليه السلام) و ما فوقها رسول الله «1» (صلى الله عليه و آله)، و الدليل على ذلك قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما أخذ رسول الله (صلى الله عليه و آله) الميثاق عليهم له.

وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً فرد الله عليهم، فقال:

وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ- في على- وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ يعني من صلة أمير المؤمنين و الأئمة (عليهم السلام) وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ».

361/ [2]- تفسير الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام)، قال: «قال

الباقر (عليه السلام): فلما قال الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ «2» و ذكر الذباب في قوله: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ «3» الآية، و لما قال: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ «4» و ضرب المثل في هذه السورة بالذي استوقد نارا، و بالصيب من السماء. قالت الكفار و النواصب: و ما هذا من الأمثال فيضرب؟! يريدون به الطعن على رسول الله (صلى الله عليه و آله).

فقال الله: يا محمد إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي لا يترك حياء أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا للحق «5»، يوضحه به عند

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 34.

2- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 205/ 95 و 96.

(1) قال المجلسيّ (رحمه اللّه): مثّل اللّه بهم (عليهم السّلام) لذاته تعالى من قوله: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و أمثاله، لئلّا يتوهّم أنّ لهم (عليهم السّلام) في جنب عظمته تعالى قدرا، أو لهم مشاركة له تعالى في كنه ذاته و صفاته، أو الحلول أو الاتحاد، تعالى اللّه عن جميع ذلك، فنبّه اللّه تعالى بذلك على أنّهم- و إن كانوا أعظم المخلوقات و أشرفها- فهم في جنب عظمته تعالى كالبعوضة و أشباهها، و اللّه تعالى يعلم حقائق كلامه و حججه (عليهم السّلام). «بحار الأنوار 24: 393».

(2، 3) الحجّ 22: 73.

(4) العنكبوت 29: 41.

(5) في «س»: للخلق.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 159

عباده المؤمنين ما بَعُوضَةً أي ما هو بعوضة المثل «1» فَما فَوْقَها فوق البعوضة و هو الذباب، يضرب به المثل إذا علم أن فيه صلاح عباده المؤمنين و نفعهم.

فَأَمَّا

الَّذِينَ آمَنُوا بالله و بولاية محمد (صلى الله عليه و آله) و علي و آلهما الطيبين، و سلم لرسول الله (صلى الله عليه و آله) و الأئمة أحكامهم و أخبارهم و أحوالهم و لم يقابلهم في أمورهم، و لم يتعاط «2» الدخول في أسرارهم، و لم يفش شيئا مما يقف عليه منها إلا بإذنهم فَيَعْلَمُونَ يعلم هؤلاء المؤمنون الذين هذه صفتهم أَنَّهُ المثل المضروب الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ أراد به الحق و إبانته، و الكشف عنه و إيضاحه.

وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا بمحمد (صلى الله عليه و آله) بمعارضتهم في علي ب (لم و كيف) و تركهم الانقياد في سائر ما أمر به فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً يقول الذين كفروا: إن الله يضل بهذا المثل كثيرا، و يهدي به كثيرا، فلا معنى للمثل، لأنه و إن نفع به من يهديه فهو يضربه من يضله به.

فرد الله تعالى عليهم قيلهم، فقال: وَ ما يُضِلُّ بِهِ يعني ما يضل الله بالمثل إِلَّا الْفاسِقِينَ الجانين على أنفسهم بترك تأمله، و بوضعه على خلاف ما أمر الله بوضعه عليه.

ثم وصف هؤلاء الفاسقين الخارجين عن دين الله و طاعته، فقال عز و جل: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ المأخوذ عليهم بالربوبية، و لمحمد (صلى الله عليه و آله) بالنبوة، و لعلي (عليه السلام) بالإمامة، و لشيعتهما بالمحبة «3» و الكرامة مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ إحكامه و تغليظه «4» وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ من الأرحام و القرابات أن يتعاهدوهم و يقضوا حقوقهم.

و أفضل رحم و أوجبه حقا رحم رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فإن حقهم بمحمد كما أن حق

قرابات الإنسان بأبيه و أمه، و محمد (صلى الله عليه و آله) أعظم حقا من أبويه، كذلك حق رحمه أعظم، و قطيعته أفظع و أفضح.

وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بالبراءة ممن فرض الله إمامته، و اعتقاد إمامة من قد فرض الله مخالفته أُولئِكَ أهل هذه الصفة هُمُ الْخاسِرُونَ قد خسروا أنفسهم و أهليهم لما صاروا إلى النيران، و حرموا الجنان، فيا لها من خسارة ألزمتهم عذاب الأبد، و حرمتهم نعيم الأبد».

قال: «و قال الباقر (عليه السلام): ألا و من سلم لنا ما لا يدريه ثقة بأنا محقون عالمون لا نقف به إلا على أوضح

__________________________________________________

(1)

قوله (عليه السّلام): ما هو بعوضة المثل

، لعلّه كان في قراءتهم (عليهم السّلام) (بعوضة) بالرفع- كما قرئ به في الشواذ- قال البيضاوي- بعد أن وجّه قراءة النصب بكون كلمة (ما) مزيدة للتنكير و الإبهام أو للتأكيد: و قرئت بالرفع على أنّه خبر مبتدأ، و على هذا تحتمل (ما) وجوها أخر: أن تكون موصولة حذف صدر صلتها، أو موصوفة بصفة كذلك و محلّها النصب بالبدليّة على الوجهين، أو استفهامية هي المبتدأ. أنظر تفسير البيضاوي 1: 44، بحار الأنوار 24: 392.

(2) فلان يتعاطى كذا: أي يخوض فيه. «مختار الصحاح- عطا- 441»

(3) في «ط»: بالجنّة.

(4) غلّظ اليمين: قوّاها و أكّدها، و غلّظ عليه في اليمين: شدّد عليه و أكّد. «المعجم الوسيط- غلظ- 2: 659».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 160

المحجات «1»، سلم الله تعالى إليه من قصور الجنة أيضا ما لا يعلم قدرها هو، و لا يقدر «2» قدرها إلا خالقها أو واهبها.

ألا و من ترك المراء و الجدال و اقتصر على التسليم لنا، و ترك الأذى، حبسه الله على الصراط، فإذا حبسه الله على الصراط،

فجاءته الملائكة تجادله على أعماله، و تواقفه على ذنوبه، فإذا النداء من قبل الله عز و جل: يا ملائكتي، عبدي هذا لم يجادل، و سلم الأمر لأئمته، فلا تجادلوه، و سلموه في جناني إلى أئمته يكون منيخا «3» فيها بقربهم، كما كان مسلما في الدنيا لهم.

و أما من عارض ب (لم و كيف) و نقض الجملة بالتفصيل، قالت له الملائكة على الصراط: واقفنا- يا عبدالله- و جادلنا على أعمالك، كما جادلت أنت في الدنيا الحاكين لك عن أئمتك.

فيأتيهم النداء: صدقتم، بما عامل فعاملوه، ألا فواقفوه، فيواقف و يطول حسابه، و يشتد في ذلك الحساب عذابه، فما أعظم هناك ندامته، و أشد حسراته، لا ينجيه هناك إلا رحمة الله- إن لم يكن فارق في الدنيا جملة دينه- و إلا فهو في النار أبد الأبدين.

قال الباقر (عليه السلام): و يقال للموفي بعهوده في الدنيا، في نذوره و أيمانه و مواعيده: يا أيها الملائكة، و في هذا العبد في الدنيا بعهوده، فأوفوا له ها هنا بما وعدناه، و سامحوه، و لا تناقشوه، فحينئذ تصيره الملائكة إلى الجنان.

و أما من قطع رحمه، فإن كان وصل رحم محمد (صلى الله عليه و آله) و قد قطع رحمه، شفع أرحام محمد إلى رحمه، و قالوا: لك من حسناتنا و طاعتنا ما شئت، فاعف عنه فيعطونه منها ما يشاء، فيعفو عنه، و يعطي الله المعطين ما ينفعهم [و لا ينقصهم ].

و إن كان وصل أرحام نفسه، و قطع أرحام محمد (صلى الله عليه و آله) بأن جحد حقهم، و دفعهم عن واجبهم، و سمى غيرهم بأسمائهم، و لقبهم بألقابهم، و نبز بألقاب قبيحة مخالفيه من أهل ولايتهم، قيل له: يا عبدالله، اكتسبت عداوة

آل محمد الطهر أئمتك لصداقة هؤلاء! فاستعن بهم الآن ليعينوك، فلا يجد معينا و لا مغيثا، و يصير إلى العذاب الأليم المهين.

قال الباقر (عليه السلام): و من سمانا بأسمائنا، و لقبنا بألقابنا، و لم يسم أضدادنا بأسمائنا، و لم يلقبهم بألقابنا إلا عند الضرورة التي عند مثلها نسمي نحن و نلقب أعداءنا بأسمائنا و ألقابنا، فإن الله تعالى يقول لنا يوم القيامة:

اقترحوا إلى أوليائكم هؤلاء ما تعينونهم به، فنقترح لهم على الله عز و جل ما يكون قدر الدنيا كلها فيه كقدر خردلة في السماوات و الأرض، فيعطيهم الله تعالى إياه، و يضاعفه لهم أضعافا مضاعفات.

فقيل للباقر (عليه السلام): فإن بعض من ينتحل موالاتكم يزعم أن البعوضة علي (عليه السلام) و أن ما فوقها- و هو الذباب- محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله)!

__________________________________________________

(1) المحجّة: جادة الطريق. «مجمع البحرين- حجج- 2: 288».

(2) في «ط»: يقادر. [.....]

(3) أناخ فلان بالمكان: أقام. «المعجم الوسيط- 2: 961».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 161

فقال الباقر (عليه السلام): سمع هؤلاء شيئا لم يضعوه على وجهه، إنما كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) قاعدا ذات يوم هو و علي (عليه السلام) إذ سمع قائلا يقول: ما شاء الله و شاء محمد و سمع آخر يقول: ما شاء الله و شاء علي فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا تقرنوا محمدا و عليا بالله عز و جل، و لكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء محمد، [ما شاء الله ]، ثم شاء علي.

إن مشيئة الله هي القاهرة التي لا تساوى و لا تكافأ و لا تدانى، و ما محمد رسول الله في الله و في قدرته إلا كذبابة

تطير في هذه المسالك «1» الواسعة، و ما علي في الله و في قدرته إلا كبعوضة في جملة هذه المسالك «2»، مع أن فضل الله تعالى على محمد و علي هو الفضل الذي لا يفي «3» به فضله على جميع خلقه من أول الدهر إلى آخره. هذا ما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) في ذكر الذباب و البعوضة في هذا المكان فلا يدخل في قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً».

362/ [3]- أبو علي الطبرسي، قال: روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إنما ضرب الله المثل بالبعوضة، لأن البعوضة على صغر حجمها، خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره و زيادة عضوين آخرين، فأراد الله سبحانه أن ينبه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه، و عجيب صنعته».

363/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: قال الصادق (عليه السلام): «إن هذا القول من الله عز و جل رد على من زعم أن الله تبارك و تعالى يضل العباد ثم يعذبهم على ضلالتهم، فقال الله عز و جل: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها».

سورة البقرة(2): آية 28 ..... ص : 161

قوله تعالى:

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [28]

364/ [1]- قال الإمام العسكري أبو محمد (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لكفار قريش و اليهود: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ الذي دلكم على طريق الهدى، و جنبكم- إن أطعتموه- سبيل الردى. وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً في أصلاب آبائكم و أرحام أمهاتكم. فَأَحْياكُمْ أخرجكم أحياء ثُمَّ يُمِيتُكُمْ في هذه الدنيا و يقبركم

__________________________________________________

3- مجمع البيان 1: 165.

4- تفسير القمي 1: 34.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام

العسكري (عليه السلام): 210/ 97.

(1، 2) في المصدر: الممالك.

(3) هذا الشي ء لا يفي بذلك: أي يقصر عنه و لا يوازيه. «المعجم الوسيط- و فى- 2: 1047».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 162

ثُمَّ يُحْيِيكُمْ في القبور، و ينعم فيها المؤمنين بنبوة محمد و ولاية علي (عليهما السلام) و يعذب الكافرين فيها.

ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ في الآخرة بأن تموتوا في القبور بعد، ثم تحيوا للبعث يوم القيامة، ترجعون إلى ما قد وعدكم من الثواب على الطاعات إن كنتم فاعليها، و من العقاب على المعاصي إن كنتم مقارفيها» «1».

365/ [2]- و قال علي بن إبراهيم: و قوله كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً أي نطفة ميتة و علقة، فأجرى فيكم الروح فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ بعد ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ في القيامة.

قال: و الحياة في كتاب الله على وجوه كثيرة: فمن الحياة: ابتداء خلق الإنسان في قوله: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي «2» فهي الروح المخلوقة التي خلقها الله و أجراها في الإنسان فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ «3».

و الوجه الثاني من الحياة: يعني إنبات الأرض، و هو قوله: يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها «4» و الأرض الميتة:

التي لا نبات بها، فإحياؤها بنباتها.

و وجه آخر من الحياة: و هو دخول الجنة، و هو قوله: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ «5» يعني الخلود في الجنة، و الدليل على ذلك قوله: وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ «6».

سورة البقرة(2): آية 29 ..... ص : 162

قوله تعالى:

هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ [29]

366/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن القاسم المفسر (رضي الله عنه)، قال: حدثنا يوسف بن محمد

بن زياد، و علي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد ابن علي، عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي (عليهم السلام)، قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في قول الله عز و جل: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضРجَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ.

__________________________________________________

2- تفسير القمي 1: 35.

1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 12/ 29.

(1) قارف فلان الخطيئة: أي خالطها. «الصحاح- قرف- 4: 1416».

(2، 3) الحجر 15: 29.

(4) الحديد 57: 17.

(5) الأنفال 8: 24.

(6) العنكبوت 29: 64.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 163

قال: هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا لتعتبروا به، و لتتوصلوا به إلى رضوانه، و تتوقوا به من عذاب نيرانه. ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ أخذ في خلقها و إتقانها فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ و لعلمه بكل شي ء- علم المصالح- فخلق لكم ما في الأرض لمصالحكم، يا بني آدم».

367/ [2]- محمد بن يعقوب: بإسناده، عن الحسن بن محبوب، عن أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن الله عز و جل خلق الجنة قبل أن يخلق النار، و خلق الطاعة قبل أن يخلق المعصية، و خلق الرحمة قبل أن يخلق الغضب، و خلق الخير قبل الشر، و خلق الأرض قبل السماء، و خلق الحياة قبل الموت، و خلق الشمس قبل القمر، و خلق النور قبل الظلمة».

سورة البقرة(2): الآيات 30 الي 33 ..... ص : 163

قوله

تعالى:

وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ [30] وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [31] قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [32] قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ [33]

368/ [1]- قال الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام): «لما قيل لهم: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً «1» الآية، قالوا: متى كان هذا؟ فقال الله عز و جل- حين قال ربك للملائكة الذين في الأرض [مع إبليس، و قد طردوا عنها الجن بني الجان، و خفت العبادة]- إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً بدلا منكم و رافعكم منها، فاشتد ذلك عليهم، لأن العبادة عند رجوعهم إلى السماء تكون أثقل عليهم.

__________________________________________________

2- الكافي 8: 145/ 116. [.....]

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 216/ 100.

(1) البقرة 2: 29.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 164

قالُوا ربنا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ و كما فعلته الجن بنو الجان، الذين قد طردناهم عن هذه الأرض وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ننزهك عما لا يليق بك من الصفات وَ نُقَدِّسُ لَكَ نطهر أرضك ممن يعصيك.

قال الله تعالى: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ إني أعلم من الصلاح الكائن فيمن أجعله بدلا منكم ما لا تعلمون، و أعلم أيضا أن فيكم من هو كافر في باطنه

لا تعلمونه، و هو إبليس لعنه الله.

ثم قال: وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها أسماء أنبياء الله، و أسماء محمد (صلى الله عليه و آله)، و علي و فاطمة و الحسن و الحسين، و الطيبين من آلهما، و أسماء رجال من شيعتهم، و عتاة أعدائهم.

ثُمَّ عَرَضَهُمْ عرض محمدا و عليا و الأئمة عَلَى الْمَلائِكَةِ، أي عرض أشباحهم و هم أنوار في الأظلة فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أن جميعكم تسبحون و تقدسون، و أن ترككم ها هنا أصلح من إيراد من بعدكم، أي فكما لم تعرفوا غيب من في خلالكم، فالحري «1» أن لا تعرفوا الغيب إذا لم يكن، كما لا تعرفون أسماء أشخاص ترونها.

قالت الملائكة: قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ بكل شي ء الْحَكِيمُ المصيب في كل فعل.

قال الله عز و جل: يا آدم، أنبئ هؤلاء الملائكة بأسمائهم و أسماء الأنبياء و الأئمة، فلما أنبأهم فعرفوها، أخذ عليهم العهد و الميثاق بالإيمان بهم، و التفضيل لهم.

قال الله تعالى عند ذلك: أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ و ما كان يعتقده إبليس من الإباء على آدم إن أمر بطاعته، و إهلاكه إن سلط عليه، و من اعتقادكم أنه لا أحد يأتي بعدكم إلا و أنتم أفضل منه، بل محمد و آله الطيبون أفضل منكم، الذين أنبأكم آدم بأسمائهم».

369/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي «2»، عن الحسين «3» بن سعيد، عن محمد بن زياد، عن أيمن بن محرز،

عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام): «إن الله تبارك و تعالى علم آدم (عليه السلام) أسماء حجج الله كلها «4»، ثم

__________________________________________________

2- كمال الدّين و تمام النعمة: 13.

(1) حريّ: أي خليق و جدير. «الصحاح- حرا- 6: 2311».

(2) في المصدر زيادة: عن جعفر بن عبد اللّه الكوفي، و لم نجد له ذكرا في المصادر المتوفّرة لدينا.

(3) في المصدر: الحسن.

(4) قال ابن بابويه (رحمه اللّه): إنّ اللّه سبحانه و تعالى إذا علّم آدم الأسماء كلّها- على ما قاله المخالفون- فلا محالة أنّ أسماء الأئمّة (عليهم السّلام) داخلة في تلك الجملة، فصار ما قلناه في ذلك بإجماع الأمّة، و لا يجوز في حكمة اللّه أن يحرمهم معنى من معاني المثوبة، و لا أن يبخل بفضل من فضائل الأئمّة لانّهم كلّهم شرع واحد، دليل ذلك أن الرسل متى آمن مؤمن بواحد منهم، أو بجماعة و أنكر واحدا منهم، لم يقبل منه إيمانه، كذلك القضية في الأئمّة (عليه السّلام) أوّلهم و آخرهم واحد، و

قد قال الصّادق (عليه السّلام): «المنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا».

و للأسماء معان كثيرة و ليس أحد معانيها بأولى من الآخر، فمعنى الأسماء أنّه سبحانه علّم آدم (عليه السّلام) أوصاف الأئمّة كلّها أوّلها-

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 165

عرضهم- و هم أرواح- على الملائكة، فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين بأنكم أحق بالخلافة في الأرض- لتسبيحكم و تقديسكم- من آدم (عليه السلام): قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ.

قال الله تبارك و تعالى: يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ وقفوا على عظم منزلتهم عند الله عز ذكره، فعلموا أنهم أحق بأن يكونوا خلقاء في أرضه، و حججه على بريته، ثم غيبهم عن

أبصارهم، و استبعدهم بولايتهم و محبتهم، و قال لهم: أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ.

ثم قال ابن بابويه: و حدثنا بذلك أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري، قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام).

370/ [3]- العياشي، قال: قال هشام بن سالم، قال أبو عبدالله (عليه السلام): «ما علم الملائكة بقولهم: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ لو لا أنهم قد كانوا رأوا من يفسد فيها و يسفك الدماء».

371/ [4]- عن محمد بن مروان، عن جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: «إني لأطوف بالبيت مع أبي (عليه السلام) إذ أقبل رجل طوال جعشم «1» متعمم بعمامة، فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله، قال: فرد عليه أبي.

فقال: أشياء أردت أن أسألك عنها، ما بقي أحد يعلمها إلا رجل أو رجلان.

قال: فلما قضى أبي الطواف دخل الحجر «2» فصلى ركعتين، ثم قال: ها هنا- يا جعفر- ثم أقبل على الرجل، فقال له أبي: كأنك غريب؟

فقال: أجل، فأخبرني عن هذا الطواف كيف كان؟ و لم كان؟

قال: إن الله لما قال للملائكة: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها إلى آخر الآية، كان ذلك من يعصي منهم، فاحتجب عنهم سبع سنين، فلاذوا بالعرش يلوذون يقولون: لبيك ذا المعارج لبيك، حتى تاب عليهم، فلما أصاب آدم الذنب طاف بالبيت حتى قبل الله منه. قال: فقال: صدقت، فعجب أبي من قوله: صدقت.

قال: فأخبرني عن ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ «3».

__________________________________________________

3- تفسير

العيّاشي 1: 29/ 4.

4- تفسير العيّاشي 1: 29/ 5.

- و آخرها، و من أوصافهم العلم و الحلم و التقوى و الشجاعة و العصمة و السخاء و الوفاء، و قد نطق بمثله كتاب اللّه عزّ و جلّ: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا مريم 19: 41، أنظر كمال الدّين و تمام النعمة: 14- 18.

(1) الجعشم: هو المنتفخ الجنبين الغليظهما. «لسان العرب- جعشم- 12: 102».

(2) الحجر: حجر الكعبة، و هو ما حواه الحطيم بالبيت جانب الشّمال. «الصحاح- حجر- 2: 623».

(3) القلم 68: 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 166

قال: نون نهر في الجنة أشد بياضا من اللبن، قال: فأمر الله القلم فجرى بما هو كائن و ما يكون، فهو بين يديه موضوع ما شاء منه زاد فيه، و ما شاء نقص منه، و ما شاء كان، و ما لا يشاء لا يكون. قال: صدقت، فعجب أبي من قوله: صدقت.

قال: فأخبرني عن قوله: فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ «1» ما هذا الحق المعلوم؟

قال: هو الشي ء يخرجه الرجل من ماله ليس من الزكاة، فيكون للنائبة و الصلة. قال: صدقت، قال: فعجب أبي من قوله: صدقت. قال: ثم قام الرجل، فقال أبي: علي بالرجل، قال: فطلبته فلم أجده».

372/ [5]- عن محمد بن مروان، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «كنت مع أبي في الحجر، فبينا هو قائم يصلي إذ أتاه رجل فجلس إليه، فلما انصرف سلم عليه ثم قال: إني أسألك عن ثلاثة أشياء، لا يعلمها إلا أنت و رجل آخر. قال: ما هي؟

قال: أخبرني أي شي ء كان سبب الطواف بهذا البيت؟

فقال: إن الله تبارك و تعالى لما أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم، ردت الملائكة فقالت: أَ

تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ فغضب عليهم، ثم سألوه التوبة فأمرهم أن يطوفوا بالضراح- و هو البيت المعمور- فمكثوا به يطوفون سبع سنين، يستغفرون الله مما قالوا، ثم تاب عليهم من بعد ذلك و رضي عنهم، فكان هذا أصل الطواف. ثم جعل الله البيت الحرام حذاء الضراح، توبة لمن أذنب من بني آدم و طهورا لهم، فقال: صدقت».

ثم ذكر المسألتين نحو الحديث الأول «ثم قال الرجل: صدقت، فقلت: من هذا الرجل، يا أبت؟ فقال: يا بني هذا الخضر (عليه السلام)».

373/ [6]- علي بن الحسين (عليه السلام) في قوله: وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ: «ردوا على الله فقالوا: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ. و إنما قالوا ذلك بخلق مضى، يعني الجان أبا الجن «2». وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ فمنوا على الله بعبادتهم إياه فأعرض عنهم.

ثم علم آدم الأسماء كلها، ثم قال للملائكة أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا قال يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فأنباهم، ثم قال لهم اسْجُدُوا لِآدَمَ «3» فسجدوا، و قالوا في سجودهم- في أنفسهم-: ما كنا نظن أن يخلق الله خلقا أكرم عليه منا، نحن خزان الله و جيرانه، و أقرب الخلق إليه.

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 1: 30/ 6. [.....]

6- تفسير العيّاشي 1: 30/ 7.

(1). 70: 24.

(2) في المصدر: 1: 30/ 7.

(3) البقرة 2: 34.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 167

فلما رفعوا رؤوسهم، قال: الله يعلم ما تبدون من ردكم علي و ما كنتم

تكتمون: ظننا أن لا يخلق الله خلقا أكرم عليه منا».

فلما عرفت الملائكة أنها وقعت في خطيئة لاذوا بالعرش، و إنها كانت عصابة من الملائكة، و هم الذين كانوا حول العرش، لم يكن جميع الملائكة الذين قالوا: ما ظننا أن يخلق خلقا أكرم عليه منا، و هم الذين أمروا بالسجود، فلاذوا بالعرش و قالوا بأيديهم- و أشار بإصبعه يديرها- فهم يلوذون حول العرش إلى يوم القيامة.

فلما أصاب آدم الخطيئة، جعل الله هذا البيت لمن أصاب من ولده الخطيئة [أتاه ] فلاذ به من ولد آدم (عليه السلام) كما لاذ أولئك بالعرش.

فلما هبط آدم (عليه السلام) إلى الأرض طاف بالبيت، فلما كان عند المستجار دنا من البيت فرفع يديه إلى السماء، فقال: يا رب، اغفر لي. فنودي: إني قد غفرت لك، قال: يا رب، و لولدي، قال: فنودي: يا آدم، من جاءني من ولدك فباء «2» بذنبه بهذا المكان، غفرت له».

374/ [7]- عن عيسى بن حمزة «3»، قال: قال رجل لأبي عبدالله (عليه السلام): جعلت فداك، إن الناس يزعمون أن الدنيا عمرها سبعة آلاف سنة! فقال: «ليس كما يقولون، إن الله خلق لها خمسين ألف عام فتركها قاعا قفراء خاوية «4» عشرة آلاف عام.

ثم بدا لله بداء، فخلق فيها خلقا ليس من الجن و لا من الملائكة و لا من الإنس، و قدر لهم عشرة آلاف عام، فلما قربت آجالهم أفسدوا فيها، فدمر الله عليهم تدميرا. ثم تركها قاعا قفراء خاوية عشرة آلاف عام.

ثم خلق فيها الجن، و قدر لهم عشرة آلاف عام، فلما قربت آجالهم أفسدوا فيها، و سفكوا الدماء، و هو قول الله «5» أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ كما سفكت بنو

الجان، فأهلكهم الله.

ثم بدا لله فخلق آدم، و قدر له عشرة آلاف عام، و قد مضى من ذلك سبعة آلاف عام و مائتان، و أنتم في آخر الزمان».

375/ [8]- قال: قال زرارة: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فقال: «أي شي ء عندك من أحاديث الشيعة»؟

فقلت: إن عندي منها شيئا كثيرا، قد هممت أن أوقد لها نارا، ثم أحرقها. فقال: «وارها تنس ما أنكرت منها».

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 1: 31/ 8.

8- تفسير العيّاشي 1: 32/ 9.

(1) الظاهر أنّ جملة (ظننا) بدل من قوله: (و ما تكتمون) أي إن اللّه يعلم ما تبدون من ردّكم عليّ و يعلم ظنّكم في أنفسكم: أنّ اللّه لا يخلق خلقا أكرم عليه منّا.

(2) بؤت بذنبي: أقررت و اعترف. «مجمع البحرين- بوأ- 1: 68».

(3) في «س»: عيسى بن أبي حمزة، و الظاهر صحّة ما في المتن، راجع رجال النجاشي: 294، و معجم رجال الحديث 13: 184.

(4) خاوية: خالية، خوى المنزل: خلا من أهله. «مجمع البحرين- خوا- 1: 132».

(5) في المصدر: الملائكة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 168

فخطر على بالي الآدميون، فقال لي: «ما كان علم الملائكة حيث قالوا: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ».

376/ [9]- قال: و كان يقول أبو عبد الله (عليه السلام) إذا حدث بهذا الحديث: «هو كسر على القدرية».

ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن آدم كان له في السماء خليل من الملائكة، فلما هبط آدم من السماء إلى الأرض استوحش الملك، و شكا إلى الله تعالى و سأله أن يأذن له [فيهبط عليه ]، فإذن له فهبط عليه، فوجده قاعدا في قفرة من الأرض، فلما رآه آدم وضع يده على رأسه و صاح صيحة- قال أبو

عبد الله (عليه السلام)-: يروون أنه أسمع عامة الخلق.

فقال له الملك: يا آدم، ما أراك إلا قد عصيت ربك، و حملت على نفسك ما لا تطيق، أ تدري ما قال الله لنا فيك فرددنا عليه؟ قال: لا.

قال: قال: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قلنا: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ فهو خلقك أن تكون في الأرض، يستقيم أن تكون في السماء؟!». فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «و الله، [عزى ] بها آدم ثلاثا».

377/ [10]- عن أبي العباس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله: وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ماذا علمه؟ قال: «الأرضين، و الجبال، و الشعاب «1»، و الأودية- ثم نظر إلى بساط تحته، فقال-: و هذا البساط مما علمه».

378/ [11]- عن الفضل أبي العباس «2»، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله: وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ما هي؟ قال: «أسماء الأودية، و النبات، و الشجر، و الجبال من الأرض».

379/ [12]- عن داود بن سرحان العطار، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدعا بالخوان «3» فتغدينا، ثم جاءوا بالطست و الدست سنانه «4»، فقلت: جعلت فداك، قوله: وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها الطست و الدست سنانه منه؟ فقال: «الفجاج «5» و الأودية» و أهوى بيده، كذا و كذا.

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 1: 32/ 10.

10- تفسير العيّاشي 1: 32/ 11.

11- تفسير العيّاشي 1: 32/ 12. [.....]

12- تفسير العيّاشي 1: 33/ 13.

(1) الشعاب: جمع شعب، و هو الطريق في الجبل، و هو أيضا: الحيّ العظيم. «الصحاح- شعب- 1: 156».

(2) كذا في «ط»، و في «س» و المصدر: الفضل بن العبّاس، و لعلّه أبو

العبّاس الفضل بن عبد الملك البقباق المعدود من أصحاب الصّادق (عليه السّلام). راجع رجال النجاشي: 308 و معجم رجال الحديث 13: 304.

(3) الخوان: الذي يؤكل عليه. «الصحاح- خون- 5: 211».

(4) الدست سنانه: لعلّها تصحيف (الستشان) و هو عسول اليد، و ليست الكلمة عربية. «مجمع البحرين- دست- 2: 200».

(5) الفجاج: الطريق الواسع بين جبلين! «القاموس المحيط- فجج- 1: 209»، و في «ط»: العجاج، و يطلق على الغبار و الدخان. «الصحاح- عجج- 1: 327».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 169

380/ [13]- حريز، عمن أخبره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لما أن خلق الله آدم، أمر الملائكة أن يسجدوا له.

فقالت الملائكة في أنفسها: ما كنا نظن أن الله خلق خلقا أكرم عليه منا، فنحن جيرانه، و نحن أقرب الخلق إليه.

فقال الله: أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فيما أبدوا من أمر بني الجان، و كتموا ما في أنفسهم، فلاذت الملائكة الذين قالوا ما قالوا بالعرش».

381/ [14]- ابن شاذان: عن علي بن الحسين، عن أبيه (عليهما السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «من لم يقل إني رابع الخلفاء الأربعة، فعليه لعنة الله».

قال الحسين «1» بن زيد: فقلت لجعفر بن محمد (عليهما السلام): قد رويتم غير هذا فإنكم لا تكذبون؟! قال (عليه السلام): «نعم قال الله تعالى في محكم كتابه: وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فكان آدم أول خليفة الله. و يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ «2» فكان داود الثاني. و كان هارون خليفة موسى قوله تعالى: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ «3»، و هو خليفة محمد (صلى الله

عليه و آله)، فلم «4» لم يقل: إني رابع الخلفاء الأربعة؟ «5»».

سورة البقرة(2): آية 34 ..... ص : 169

قوله تعالى:

وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ [34]

382/ [1]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عمن أخبره، عن علي بن جعفر، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: «لما رأى رسول الله (صلى الله عليه و آله) تيما و عديا و بني أمية يركبون منبره

__________________________________________________

13- تفسير العيّاشي 1: 33/ 14.

14- مائة منقبة: 125 منقبة 59.

1- الكافي 1: 353/ 73.

(1) في «س، ط»: الحسن، و هو الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (عليهما السّلام). راجع رجال النجاشي: 52 و رجال الشيخ 1680/ 55.

(2) سورة ص 38: 26.

(3) الأعراف 7: 142.

(4) في المصدر: فمن.

(5) في المصدر زيادة: فعليه لعنة اللّه. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 170

أفظعه «1»، فأنزل الله تبارك و تعالى قرآنا يتأسى به: وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى .

ثم أوحى إليه: يا محمد، إني أمرت فلم أطع، فلا تجزع أنت [إذا] أمرت فلم تطع في وصيك».

383/ [2]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن موسى بن بكر، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الكفر و الشرك، أيهما أقدم؟

فقال لي: «ما عهدي بك تخاصم الناس».

قلت: أمرني هشام بن سالم أن أسألك عن ذلك.

فقال لي: «الكفر أقدم و هو الجحود قال الله عز و جل: إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ».

384/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه

السلام) و قد سئل عن الكفر و الشرك أيهما أقدم؟ فقال: «الكفر أقدم، و ذلك أن إبليس أول من كفر، و كان كفره غير شرك، لأنه لم يدع إلى عبادة غير الله، و إنما دعا إلى ذلك بعد فأشرك».

385/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سئل عما ندب الله الخلق إليه، أدخل فيه الضلال «2»؟

قال: «نعم، و الكافرون دخلوا فيه، لأن الله تبارك و تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم «3»، فدخل في أمره الملائكة و إبليس فإن إبليس كان مع «4» الملائكة في السماء يعبد الله، و كانت الملائكة تظن أنه منهم، و لم يكن منهم، فلما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، أخرج ما كان في قلب إبليس من الحسد، فعلمت الملائكة عند ذلك أن إبليس لم يكن منهم».

فقيل له (عليه السلام): كيف وقع الأمر على إبليس، و إنما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟! فقال: «كان إبليس منهم بالولاء، و لم يكن من جنس الملائكة، و ذلك أن الله خلق خلقا قبل آدم، و كان إبليس «5» حاكما في الأرض، فعتوا و أفسدوا و سفكوا الدماء، فبعث الله الملائكة فقتلوهم، و أسروا إبليس و رفعوه

__________________________________________________

2- الكافي 2: 284/ 6.

3- الكافي 2: 284/ 8.

4- تفسير القمّي 1: 35.

(1) أفظع الأمر فلانا: هاله. «المعجم الوسيط- فظع- 2: 695».

(2) في المصدر: الضلالة.

(3) قال المجلسي (رحمه اللّه): اعلم أنّ المسلمين قد أجمعوا على أن ذلك السجود لم يكن سجود عبادة لأنّها لغير اللّه تعالى توجب الشرك. ثمّ أورد جملة أقوال في معنى السجود و رجّح إحداها، و هو في الحقيقة عبادة للّه لكونه بأمره. ثمّ

قال: اعلم أنّه قد ظهر ممّا أوردنا من الأخبار أن السجود لا يجوز لغير اللّه ما لم يكن عن أمره، و أن المسجود له لا يكون معبودا مطلقا، بل قد يكون السجود تحيّة لا عبادة و إن لم يجز إيقاعه إلّا بأمره تعالى. «بحار الأنوار 11: 140».

(4) في المصدر: من.

(5) في المصدر زيادة: منهم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 171

إلى السماء، فكان مع الملائكة يعبد الله إلى أن خلق الله تبارك و تعالى آدم».

386/ [5]- و عنه، قال: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن ثابت الحذاء، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: «إن الله تبارك و تعالى أراد أن يخلق خلقا بيده، و ذلك بعد ما مضى من الجن و النسناس «1» في الأرض سبعة آلاف سنة، و كان من شأنه خلق آدم، فكشط «2» عن أطباق السماوات و قال للملائكة: انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجن و النسناس، فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي و سفك الدماء و الفساد في الأرض بغير الحق، عظم ذلك عليهم و غضبوا و تأسفوا على أهل الأرض و لم يملكوا غضبهم.

قالوا: ربنا إنك أنت العزيز القادر الجبار القاهر العظيم الشأن، و هذا خلقك الضعيف الذليل يتقلبون في قبضتك و يعيشون برزقك و يستمتعون «3» بعافيتك، و هم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام، لا تأسف عليهم و لا تغضب و لا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم و ترى، و قد عظم ذلك علينا و أكبرناه «4» فيك!».

قال: «فلما سمع ذلك من الملائكة، قال: إِنِّي

جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً «5» يكون حجة لي في أرضي على خلقي.

فقالت الملائكة: سبحانك أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها «6» كما فسد بنو الجان، و يسفكون الدماء كما سفك بنو الجان، و يتحاسدون و يتباغضون، فاجعل ذلك الخليفة منا، فإنا لا نتحاسد و لا نتباغض و لا نسفك الدماء، و نسبح بحمدك و نقدس لك.

قال جل و عز: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ «7» إني أريد أن أخلق خلقا بيدي، و أجعل من ذريته أنبياء و مرسلين و عبادا صالحين و أئمة مهتدين، و أجعلهم خلفاء على خلقي في أرضي، ينهونهم عن معصيتي، و ينذرونهم من عذابي، و يهدونهم إلى طاعتي، و يسلكون بهم طريق سبيلي، و أجعلهم لي حجة، و عليهم عذرا و نذرا، و أبين النسناس عن أرضي «8»، و أطهرها منهم، و أنقل مردة الجن العصاة عن بريتي و خلقي و خيرتي، و أسكنهم في الهواء و في أقطار الأرض، و لا يجاورون نسل خلقي، و أجعل بين الجن و بين خلقي حجابا، فلا يرى نسل خلقي الجن، و لا يجالسونهم، و لا يخالطونهم، فمن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم، أسكنتهم

__________________________________________________

5- تفسير القمّي 1: 36.

(1) النسناس: جنس من الخلق يثب أحدهم على رجل واحدة. «الصحاح- نسس- 3: 983».

قال ابن الأثير في النهاية- في حديث أبي هريرة «ذهب النّاس و بقي النسناس»

- قال: قيل: هم يأجوج و مأجوج، و قيل: خلق على صورة الناس، أشبهوهم في شي ء، و خالفوهم في شي ء، و ليسوا من بني آدم، و قيل: هم من بني آدم. «النهاية- نسنس- 5: 50».

(2) كشطت الغطاء عن الشّي ء، إذا كشفته عنه. «الصحاح- كشط- 3: 1155».

(3) في المصدر: و يتمتعون.

(4)

أكبرت الشّي ء: استعظمته. «الصحاح- كبر- 2: 802».

(5) البقرة 2: 30. [.....]

(6) البقرة 2: 30.

(7) البقرة 2: 30.

(8) أبان الشّي ء: فصله و أبعده. «المعجم الوسيط- بان- 1: 80»، و في المصدر: و أبيد النسناس من أرضي، أي أهلكم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 172

مساكن العصاة، و أوردتهم مواردهم و لا أبالي».

قال: «فقالت الملائكة: يا ربنا، افعل ما شئت لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ «1»».

قال: «فباعدهم الله من العرش [مسيرة] خمسمائة عام- قال-: فلاذوا بالعرش و أشاروا بالأصابع، فنظر الرب عز و جل إليهم و نزلت الرحمة فوضع لهم البيت المعمور «2»، فقال: طوفوا به ودعوا العرش فإنه لي رضا، فطافوا به- و هو البيت الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا- فوضع الله البيت المعمور توبة لأهل السماء، و وضع الكعبة توبة لأهل الأرض.

فقال الله تبارك و تعالى: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ «3»- قال- و كان ذلك من الله تقدمة في آدم قبل أن يخلقه، و احتجاجا منه عليهم».

قال: «فاغترف ربنا عز و جل غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات- و كلتا يديه يمين «4»- فصلصلها في كفه حتى جمدت، فقال لها: منك أخلق النبيين و المرسلين، و عبادي الصالحين، و الأئمة المهتدين، و الدعاة إلى الجنة و أتباعهم إلى يوم القيامة و لا أبالي، و لا أسأل عما أفعل و هم يسألون.

ثم اغترف غرفة أخرى من الماء المالح الأجاج، فصلصلها في كفه فجمدت، فقال لها: منك أخلق الجبارين، و الفراعنة و العتاة و إخوان الشياطين، و الدعاة إلى النار إلى يوم القيامة

و أشياعهم و لا أبالي، و لا أسأل عما أفعل و هم يسألون».

قال: «و شرط «5» البداء «6» فيهم «7»، و لم يشترط في أصحاب اليمين ثم خلط الماءين جميعا في كفه

__________________________________________________

(1) البقرة 2: 32.

(2) قال الطريحي (رحمه اللّه): قيل: هو في السّماء حيال الكعبة ضجّ من الغرق، فرفعه اللّه إلى السّماء و بقي أسه، يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك ثمّ لا يعودون إليه، و المعمور: المأهول، و عمرانه كثرة غاشية من الملائكة. «مجمع البحرين- عمر- 3: 412».

(3) الحجر 15: 28 و 29.

(4) قال ابن الأثير: أي انّ يديه تبارك و تعالى بصفة الكمال، لا نقص في واحدة منهما، لأنّ الشّمال تنقص عن اليمين، و كلّ ما جاء في القرآن و الحديث من إضافة اليد و الأيدي، و اليمين و غير ذلك من أسماء الجوارح إلى اللّه تعالى، فإنّما هو على سبيل المجاز و الاستعارة، و اللّه منزّه عن التشبيه و التجسيم. «النهاية- يمن- 5: 301».

و قال المجلسيّ (رحمه اللّه): يمكن توجيهه بوجوه ثلاثة: الأوّل: أن يكون المراد باليد القدرة، و اليمين كناية عن قدرته على اللطف و الإحسان و الرحمة، و الشّمال كناية عن قدرته على القهر و البلايا و النقمات، و المراد بكون كلّ منهما يمينا كون قهره و نقمته و بلائه أيضا لطفا و خيرا و رحمة، الثاني: أن يكون المراد على هذا التأويل أيضا أنّ كلّا منهما كامل في ذاته لا نقص في شي ء منهما، الثالث: أن يكون المراد بيمينه يمين الملك الذي أمره بذلك، و يكون كلتا يديه يمينا مساواة قوّة يديه و كمالهما. «بحار الأنوار 11: 107».

(5) في المصدر: و شرطه في ذلك.

(6) بدا له في الأمر: إذا

ظهر له استصواب شي ء غير الأوّل، و الاسم منه البداء و هو بهذا المعنى مستحيل على اللّه تعالى.

كما جاءت به الرواية عنهم (عليهم السّلام): «بأن اللّه لم يبد له من جهل»

! و

قوله (عليه السّلام): «ما بدا للّه في شي ء إلّا كان في علمه قبل أن يبدو له».

«مجمع البحرين- بدا- 1- 45».

(7) (فيهم) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 173

فصلصلهما، ثم كفأهما قدام عرشه و هما سلالة «1» من الطين.

ثم أمر الله الملائكة الأربعة: الشمال، و الجنوب، و الصبا «2»، و الدبور أن يجولوا «3» على هذه السلالة الطين فأبرءوها «4» و أنشأوها، ثم جزءوها و فصلوها، و أجروا فيها الطبائع الأربعة: الريح، و الدم، و المرة، و البلغم، فجالت الملائكة عليها، و هي الشمال، و الجنوب، و الصبا، و الدبور، و أجروا فيها الطبائع الأربعة: الريح في الطبائع الأربعة من البدن من ناحية الشمال، و البلغم في الطبائع الأربعة من ناحية الصبا، و المرة في الطبائع الأربعة من ناحية الدبور، و الدم في الطبائع الأربعة من ناحية الجنوب».

قال: «فاستقلت «5» النسمة «6» و كمل البدن، فلزمه من ناحية الريح: حب النساء، و طول الأمل، و الحرص و لزمه من ناحية البلغم: حب الطعام، و الشراب، و البر و الحلم، و الرفق و لزمه من ناحية المرة «7»: الغضب، و السفه، و الشيطنة، و التجبر، و التمرد، و العجلة و لزمه من ناحية الدم: الفساد، و اللذات، و ركوب المحارم، و الشهوات».

قال أبو جعفر (عليه السلام): «وجدنا هذا في كتاب علي (عليه السلام)، فخلق الله آدم فبقي أربعين سنة مصورا، فكان يمر به إبليس اللعين، فيقول: لأمر ما خلقت!».

قال العالم (عليه السلام): «فقال إبليس:

لئن أمرني الله بالسجود لهذا لأعصينه، قال: ثم نفخ فيه، فلما بلغت الروح فيه إلى دماغه عطس، فقال: لحمد لله، فقال الله، له: يرحمك الله».

قال الصادق (عليه السلام): «فسبقت له من الله الرحمة، ثم قال الله تبارك و تعالى للملائكة: اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا له، فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد، فأبى أن يسجد، فقال الله عز و جل: ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ «8»، فقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ «9»».

قال الصادق (عليه السلام): «أول من قاس إبليس و استكبر، و الاستكبار هو أول معصية عصي الله بها- قال-: فقال إبليس: يا رب، أعفني من السجود لآدم، و أنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب و لا نبي مرسل.

فقال الله تبارك و تعالى: لا حاجة لي إلى عبادتك، أنا أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تريد فأبى أن يسجد.

فقال الله: فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ «10».

__________________________________________________

(1) سلالة الشّي ء: ما استلّ منه، و النطفة سلالة الإنسان. «الصحاح- سلل- 5: 1731».

(2) الصّباح: ريح تهبّ من مطلع الشّمس تجي ء من ظهرك إذا استقبلت القبلة، الدّبور عكسها. «مجمع البحرين- صبا- 1: 260».

(3) جال يجول: إذا ذهب و جاء. «مجمع البحرين- جول- 5: 345».

(4) في المصدر: فأمرؤها، و في «ط»: فابدءوها. [.....]

(5) استقلت: ارتفعت. «الصحاح- قلل- 5: 1804».

(6) النسمة: النفس، و النسمة: الإنسان. «مجمع البحرين- نسم- 6: 175».

(7) في المصدر زيادة: الحبّ و.

(8، 9) الأعراف 7: 12.

(10) سورة ص 38: 77 و 78.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 174

فقال إبليس: يا رب، و كيف و أنت العدل الذي لا يجور و لا يظلم،

فثواب عملي بطل؟! قال: لا، و لكن سلني من أمر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك فأعطيك. فأول ما سأل البقاء إلى يوم الدين، فقال الله: قد أعطيتك. قال: سلطني على ولد آدم، فقال: سلطتك. قال: أجرني فيهم كمجرى الدم في العروق، فقال: قد أجريتك. قال: لا يولد لهم ولد إلا ولد لي اثنان، و أراهم و لا يروني، و أتصور لهم في كل صورة شئت، فقال: قد أعطيتك.

قال: يا رب زدني قال: قد جعلت لك و لذريتك صدورهم «1» أوطانا، قال: رب، حسبي. فقال إبليس عند ذلك: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ «2» ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ «3»».

387/ [6]- و عنه، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لما أعطى الله تبارك و تعالى إبليس ما أعطاه من القوة، قال آدم: يا رب، سلطت إبليس على ولدي، و أجريته فيهم مجرى الدم في العروق، و أعطيته ما أعطيته، فما لي و لولدي؟ فقال: لك و لولدك السيئة بواحدة، و الحسنة بعشر أمثالها.

قال: رب، زدني. قال: التوبة مبسوطة إلى حين تبلغ النفس الحلقوم.

قال: يا رب، زدني. قال: أغفر و لا أبالي قال: حسبي».

قال: قلت له: جعلت فداك، بماذا استوجب إبليس من الله أن أعطاه ما أعطاه؟ فقال: «بشي ء كان منه شكره الله عليه».

قلت: و ما كان منه، جعلت فداك؟ قال: «ركعتان ركعهما في السماء في أربعة آلاف سنة».

388/ [7]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، قال: كان الطيار «4»

يقول لي: إبليس ليس من الملائكة، و إنما أمرت الملائكة بالسجود لآدم، فقال إبليس: لا أسجد، فما لإبليس يعصي حين لم يسجد، و ليس هو من الملائكة؟! قال: فدخلت أنا و هو على أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: فأحسن و الله في المسألة فقال: جعلت فداك [أ رأيت ] ما ندب الله عز و جل إليه المؤمنين من قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا «5» أدخل في ذلك المنافقون

__________________________________________________

6- تفسير القمّي 1: 42.

7- الكافي 2: 303/ 1.

(1) في المصدر: جعلت لك في صدورهم.

(2) سورة ص 38: 82 و 83.

(3) الأعراف 7: 17.

(4) و هو حمزة بن محمّد الطيّار، كوفيّ من أصحاب الصّادق (عليه السّلام). «معجم رجال الحديث 6: 278».

(5) البقرة 2: 104.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 175

معهم؟

قال: «نعم، و الضلال و كل من أقر بالدعوة الظاهرة، و كان إبليس ممن أقر بالدعوة الظاهرة معهم «1»».

389/ [8]- الحسين بن سعيد: عن فضالة بن أيوب، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إياك و الغضب، فإنه مفتاح كل شر».

و قال: «إن إبليس كان مع الملائكة، [و كانت الملائكة] تحسب أنه منهم، و كان في علم الله أنه ليس منهم، فلما أمر بالسجود لآدم حمي و غضب، فأخرج الله ما كان في نفسه بالحمية «2» و الغضب».

390/ [9]- ابن بابويه: قال: حدثنا علي بن أحمد بن محمد (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد بإسناده رفعه، قال: أتى علي بن أبي طالب (عليه السلام) يهودي، فقال: يا أمير المؤمنين، أسألك عن أشياء، إن أخبرتني بها أسلمت.

قال علي (عليه السلام): «سلني- يا يهودي- عما بدا لك، فإنك لا تصيب أحدا

أعلم منا أهل البيت». و ذكر المسائل إلى أن قال: و لم سمي آدم آدم؟

قال: «و سمي آدم آدم لأنه خلق من أديم الأرض «3»، و ذلك أن الله تبارك و تعالى بعث جبرئيل (عليه السلام)، و أمره أن يأتيه من أديم الأرض بأربع طينات: طينة بيضاء، و طينة حمراء، و طينة غبراء، و طينة سوداء، و ذلك من سهلها و حزنها «4». ثم أمره الله أن يأتيه بأربعة أمواه «5»: ماء عذب، و ماء ملح، و ماء مر، و ماء منتن.

ثم أمره أن يفرغ الماء في الطين و أدمه الله بيده، فلم يفضل شي ء من الطين يحتاج إلى الماء، و لا من الماء شي ء يحتاج إلى الطين، فجعل الماء العذب في حلقه، و جعل الماء الملح في عينيه، و جعل الماء المر في أذنيه، و جعل الماء المنتن في أنفه».

__________________________________________________

8- كتاب الزهد: 26/ 61.

9- علل الشرائع: 1/ 1. [.....]

(1) قال المجلسيّ (رحمه اللّه): حاصله أنّ اللّه تعالى إنّما أدخله في لفظ الملائكة لأنّه كان مخطوطا بهم و كونه ظاهرا منهم، و إنّما وجّه الخطاب في الأمر بالسجود إلى هؤلاء الحاضرين و كان من بينهم فشمله الأمر، أو المراد أنّه خاطبهم ب (يا أيّها الملائكة) مثلا و كان إبليس أيضا مأمورا لكونه ظاهرا منهم و مظهرا لصفاتهم، كما أن خطاب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يشمل المنافقين لكونهم ظاهرا من المؤمنين، و أمّا ظنّ الملائكة فيحتمل أن يكون المراد أنّهم ظنوا أنّه منهم في الطاعة و عدم العصيان، لأنّه يبعد أن لا يعلم الملائكة أنّه ليس منهم مع أنّهم رفعوه إلى السّماء و أهلكوا قومه، فيكون من قبيل

قولهم (عليهم السّلام): «سلمان منّا أهل البيت»

على أنّه يحتمل

أن يكون الملائكة ظنّوا أنّه كان ملكا جعله اللّه حاكما على الجانّ، و يحتمل أن يكون هذا الظنّ من بعض الملائكة الذين لم يكونوا بين جماعة منهم قتلوا الجانّ و رفعوا إبليس.

«بحار الأنوار 11: 148».

(2) كذا، و الظاهر أنّ الصّواب: من الحمية.

(3) أديم الأرض: صعيدها و ما ظهر منها. «مجمع البحرين- أدم- 6: 6».

(4) الحزن: ما غلظ من الأرض، و هو خلاف السهل، و الجمع حزون. «مجمع البحرين- حزن- 6: 232».

(5) يجمع الماء على أمواه في القلة، و يجمع على مياه في الكثرة. «مجمع البحرين- موه- 6: 362».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 176

391/ [10]- و عنه: قال: حدثنا الحسين «1» بن يحيى بن ضريس البجلي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو جعفر عمارة «2» السكري السرياني، قال: حدثنا إبراهيم بن عاصم بقزوين، قال: حدثنا عبد الله بن هارون الكرخي، قال:

حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن يزيد بن سلام بن عبيد الله مولى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قال: حدثنا أبي- عبد الله بن يزيد- قال: حدثني يزيد بن سلام «3» أنه سأل رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال: أخبرني عن آدم، لم سمي آدم؟ قال: «لأنه خلق من طين الأرض و أديمها».

قال: فآدم خلق من الطين كله، أو من طين واحد؟ قال: «بل من الطين كله، و لو خلق من طين واحد لما عرف الناس بعضهم بعضا، و كانوا على صورة واحدة».

قال: فلهم في الدنيا مثل؟ قال: «التراب لأن فيه أبيض، و فيه أخضر، و فيه أشقر، و فيه أغبر، و فيه أحمر، و فيه أزرق، و فيه عذب، و فيه ملح، و فيه خشن، و فيه لين،

و فيه أصهب، فلذلك صار الناس فيهم لين، و فيهم خشن، و فيهم أبيض، و فيهم أصفر و أحمر و أصهب و أسود، على ألوان التراب».

392/ [11]- الطبرسي: عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، و قد سأله طاوس اليماني، قال له: فلم سمي آدم آدم؟

قال: لأنه رفعت طينته من أديم الأرض السفلى».

قال: فلم سميت حواء حواء؟ قال: «لأنها خلقت من ضلع حي» يعني ضلع آدم.

قال له: فلم سمي إبليس إبليس؟ قال: «لأنه أبلس من رحمة الله «4» عز و جل، فلا يرجوها».

قال: فلم سمي الجن جنا؟ قال: «لأنهم استجنوا «5» فلا يروا».

393/ [12]- ابن بابويه، قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود العياشي، عن أبيه، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، قال: حدثنا محمد بن الوليد، عن العباس بن هلال، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه ذكر: «أن اسم إبليس (الحارث) و إنما قول الله عز و جل:

يا إِبْلِيسُ «6» يا عاصي، و سمي إبليس لأنه أبلس من رحمة الله».

__________________________________________________

10- علل الشرائع: 471/ 33.

11- الاحتجاج 2: 328.

12- معاني الأخبار: 138/ 1.

(1) في «س»: الحسن. و الظاهر صحّة ما في «س» بقرينة الموارد الأخرى الكثيرة في مرويات الصدوق عنه. راجع معجم رجال الحديث 6:

113.

(2) كذا في «س» و المصدر، و في موارد أخى: أبو جعفر بن عمار-. راجع التّوحيد: 390/ 1 و علل الشرائع: 13/ 9.

(3) زاد في موارد أخرى: عن أبيه سلّام بن عبيد اللّه، عن عبيد اللّه بن سلّام مولى رسول اللّه. راجع المصدرين في التعليقة السابقة.

(4) أبلس من رحمة اللّه، أي يئس. «الصحاح- بلس- 3: 909».

(5) أستجنّ: أستتر.

«المعجم الوسيط- جنن- 1: 141».

(6) الحجر 15: 32. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 177

394/ [13]- العياشي: عن جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إبليس أ كان من الملائكة، أو كان يلي شيئا من أمر السماء؟ فقال: «لم يكن من الملائكة، و كانت الملائكة ترى أنه منها، و كان الله يعلم أنه ليس منها، و لم يكن يلي شيئا من أمر السماء و لا كرامة».

فأتيت الطيار فأخبرته بما سمعت فأنكره، و قال: كيف لا يكون من الملائكة و الله يقول للملائكة اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ؟! فدخل عليه الطيار فسأله- و أنا عنده- فقال له: جعلت فداك، قول الله عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا «1» في غير مكان في مخاطبة المؤمنين، أ يدخل في هذه المنافقون؟ فقال: «نعم، يدخل في هذه المنافقون و الضلال و كل من أقر بالدعوة الظاهرة».

395/ [14]- عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن إبليس، أ كان من الملائكة، أو هل كان يلي شيئا من أمر السماء؟

قال: «لم يكن من الملائكة، و لم يكن يلي شيئا من أمر السماء، و كان من الجن، و كان مع الملائكة، و كانت الملائكة ترى أنه منها، و كان الله يعلم أنه ليس منها، فلما أمر بالسجود كان منه الذي كان».

396/ [15]- عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن أول كفر كفر بالله- حيث خلق الله آدم- كفر إبليس، حيث رد على الله أمره، و أول الحسد حسد ابن آدم أخاه، و أول الحرص حرص آدم، نهي عن الشجرة فأكل منها فأخرجه حرصه من الجنة».

397/ [16]- عن بدر

بن خليل الأسدي، عن رجل من أهل الشام، قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): «أول بقعة عبد الله عليها ظهر الكوفة، لما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم على ظهر الكوفة».

398/ [17]- عن موسى بن بكر «2» الواسطي، قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن الكفر و الشرك، أيهما أقدم؟ فقال: «ما عهدي بك تخاصم الناس!».

قلت: أمرني هشام بن الحكم أن أسألك عن ذلك. فقال لي: «الكفر أقدم- و هو الجحود- قال الله لإبليس:

أَبى وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ».

__________________________________________________

13- تفسير العيّاشي 1: 33/ 15.

14- تفسير العيّاشي 1: 34/ 16.

15- تفسير العيّاشي 1 لا 34/ 17.

16- تفسير العيّاشي 1 لا 34/ 18.

17- تفسير العيّاشي 1 لا 34/ 19.

(1) البقرة 2: 104.

(2) في المصدر: بكر بن موسى. و هو سهو، راجع رجال النجاشي: 407/ 1081.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 178

سورة البقرة(2): الآيات 35 الي 36 ..... ص : 178

قوله تعالى:

وَ قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ [35] فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ [36]

399/ [1]- قال الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام): «إن الله عز و جل لما لعن إبليس بإبائه «1»، و أكرم الملائكة بسجودها لآدم، و طاعتهم لله عز و جل، أمر بآدم و حواء إلى الجنة، و قال: يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا مِنْها من الجنة رَغَداً واسعا حَيْثُ شِئْتُما بلا تعب وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ شجرة العلم، شجرة علم محمد (صلى الله عليه و آله) و آل محمد (صلوات الله

عليهم أجمعين) الذين آثرهم «2» الله عز و جل بها دون خلقه.

فقال تعالى: وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ شجرة العلم، فإنها لمحمد و آله خاصة دون غيرهم، و لا يتناول منها بأمر الله إلا هم، و منها ما كان يتناوله النبي (صلى الله عليه و آله) و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام) بعد إطعامهم اليتيم و المسكين و الأسير، حتى لم يحسوا بعد بجوع و لا عطش و لا تعب و لا نصب.

و هي شجرة تميزت بين أشجار الجنة إن سائر أشجار الجنة كان كل نوع منها يحمل نوعا من الثمار و المأكول، و كانت هذه الشجرة و جنسها تحمل البر «3» و العنب و التين و العناب «4» و سائر أنواع الثمار و الفواكه و الأطعمة، فلذلك اختلف الحاكون لذكر «5» الشجرة، فقال بعضهم: هي برة، و قال آخرون: هي عنبة، و قال آخرون:

هي تينة، و قال آخرون: هي عنابة.

قال الله تعالى: وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ تلتمسان بذلك درجة محمد و آل محمد و فضلهم، فإن الله تعالى خصهم بهذه الدرجة دون غيرهم، و هي الشجرة التي من تناول منها بإذن الله ألهم علم الأولين و الآخرين من غير تعلم، و من تناول منها بغير إذن خاب من مراده و عصى ربه. فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ بمعصيتكما و التماسكما

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام) 221/ 103 و 104.

(1) أبى إباء: استعصى. «المعجم الوسيط- أبي- 1: 4».

(2) آثره الشي ء بالشّي ء: خصّه به. «المعجم الوسيط- آثر- 1: 5».

(3) البرّ: جمع برّة من القمح. «الصحاح- برر- 2: 588».

(4) العنّاب: شجر شائك من الفصيلة السدريّة، يبلغ ارتفاعه ستّة أمتار، و يطلق العنّاب

على ثمره أيضا، و هو أحمر حلو لذيذ الطعم على شكل ثمرة النبق. «المعجم الوسيط- عنب- 2: 630».

(5) في المصدر: لتلك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 179

درجة قد أوثر بها غيركما- كما أردتما- بغير حكم الله تعالى.

قال الله تعالى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها عن الجنة، بوسوسته و خديعته و إيهامه و غروره، بأن بدأ بآدم فقال: ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ «1» إن تناولتما منها تعلمان الغيب، و تقدران على ما يقدر عليه من خصه الله تعالى بالقدرة أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ «2» لا تموتان أبدا.

وَ قاسَمَهُما «3» حلف لهما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ «4» و كان إبليس بين لحيي «5» الحية أدخلته الجنة، و كان آدم يظن أن الحية هي التي تخاطبه، و لم يعلم أن إبليس قد اختفي بين لحييها.

فرد آدم على الحية: أيتها الحية، هذا من غرور إبليس لعنه الله، كيف يخوننا ربنا؟ أم كيف تعظمين الله بالقسم به و أنت تنسبينه إلى الخيانة و سوء النظر و هو أكرم الأكرمين، أم كيف أروم التوصل إلى ما منعني منه ربي عز و جل، و أتعاطاه بغير حكمه؟! فلما يئس إبليس من قبول أمره «6» منه، عاد ثانية بين لحيي الحية فخاطب حواء من حيث يوهمها أن الحية هي التي تخاطبها، و قال: يا حواء، أ رأيت هذه الشجرة التي كان الله عز و جل حرمها عليكما، قد أحلها لكما بعد تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما، و توقير كما إياه؟ و ذلك أن الملائكة الموكلين بالشجرة- التي معها الحراب، يدفعون عنها سائر حيوان الجنة- لا تدفعك عنها، إن رمتها «7»، فاعلمي بذلك أنه قد أحل لك، و أبشري

بأنك إن تناولتها قبل آدم كنت أنت المسلطة عليه، الآمرة الناهية فوقه.

فقالت حواء: سوف أجرب هذا. فرامت الشجرة فأرادت الملائكة أن تدفعها عنها بحرابها، فأوحى الله تعالى إليها: إنما تدفعون بحرابكم من لا عقل له يزجره، فأما من جعلته متمكنا «8» مختارا، فكلوه إلى عقله «9» الذي جعلته حجة عليه، فإن أطاع استحق ثوابي، و إن عصى و خالف أمري استحق عقابي و جزائي، فتركوها و لم يتعرضوا لها، بعد ما هموا بمنعها بحرابهم، فظنت أن الله تعالى نهاهم عن منعها لأنه قد أحلها بعد ما حرمها.

فقالت: صدقت الحية. و ظنت أن المخاطب لها هي الحية، فتناولت منها و لم تنكر «10» من نفسها شيئا.

فقالت: يا آدم، ألم تعلم أن الشجرة المحرمة علينا قد أبيحت لنا؟ تناولت منها فلم يمنعني أملاكها، و لم أنكر شيئا من ذلك.

__________________________________________________

(1، 2) الأعراف 7: 20. [.....]

(3، 4) الأعراف 7: 21.

(5) اللحي: عظم الحنك، و اللّحيان: العظمان اللّذان تنبت اللحية على بشرتهما. «مجمع البحرين- لحا- 1: 373».

(6) في المصدر: آدم.

(7) رمت الشي ء: إذا طلبته «الصحاح- روم- 5: 1938».

(8) في المصدر: ممكنا مميّزا.

(9) وكل فلانا إلى رأيه: تركه و لم يعنه. «معجم الوسيط 2: 1054».

(10) التنكّر: التغيّر. «لسان العرب- نكر- 5: 234».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 180

فذلك حين اغتر آدم و غلط فتناول، فأصابهما ما قال الله تعالى في كتابه: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما بوسوسته، و غروره، مِمَّا كانا فِيهِ من النعيم وَ قُلْنا يا آدم، و يا حواء، و يا أيتها الحية، و يا إبليس اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ آدم و حواء و ولدهما عدو الحية، و إبليس و الحية و أولادهما أعداؤكم.

وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ أي منزل

و مقر للمعاش وَ مَتاعٌ منفعة إِلى حِينٍ الموت».

400/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن عثمان، عن الحسن بن بسام «1»، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن جنة آدم، فقال:

«جنة آدم من جنان الدنيا، تطلع «2» فيها الشمس و القمر، و لو كانت من جنان الخلد ما خرج منها أبدا».

401/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الحسين ابن ميسر، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن جنة آدم؟ فقال: «جنة من جنان الدنيا، تطلع فيها الشمس و القمر، و لو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبدا».

402/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي رفعه، قال: سئل الصادق (عليه السلام)، عن جنة آدم، أمن جنان الدنيا كانت، أم من جنان الآخرة؟ فقال: «كانت من جنان الدنيا، تطلع فيها الشمس و القمر، و لو كانت من جنان الآخرة ما أخرج منها أبدا» «3».

قال: «فلما أسكنه الله الجنة و أتى جهالة إلى الشجرة أخرجه، لأن الله خلق خلقة لا تبقى إلا بالأمر و النهي و الغذاء و اللبس و الإسكان «4» و النكاح، و لا يدرك ما ينفعه مما يضره إلا بالتوقيف «5».

فجاءه إبليس، فقال له: إنكما إذا أكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها، صرتما ملكين، و بقيتما في الجنة أبدا، و إن لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنة. و حلف لهما أنه لهما ناصح، كما قال الله عز و جل حكاية عنه:

ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ

أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ «6».

فقبل آدم قوله، فأكلا من الشجرة فكان كما حكى الله: بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما «7» و سقط عنهما ما ألبسهما

__________________________________________________

2- علل الشرائع: 600/ 55.

3- الكافي 3: 247/ 2.

4- تفسير القمّي 1: 43.

(1) في المصدر: بشّار.

(2) في المصدر زيادة: عليه.

(3) في المصدر زيادة: و لم يدخلها إبليس.

(4) في المصدر: و اللباس و الأكنان، و الكنّ: السترة، و الجمع أكنان. «الصحاح- كنن- 6: 2188». [.....]

(5) التوقيف: نصّ الشارع المتعلّق ببعض الأمور. «المعجم الوسيط- وقف- 2: 1051».

(6) الأعراف 7: 20 و 21.

(7) الأعراف 7: 22.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 181

الله من لباس الجنة، و أقبلا يستتران بورق الجنة وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ «1». فقالا كما حكى الله عنهما: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ «2».

فقال الله لهما: اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ- قال-: إلى يوم القيامة».

قال: «فهبط آدم على الصفا، و إنما سميت الصفا لأن صفوة الله نزل عليها، و نزلت حواء على المروة، و إنما سميت المروة لأن المرأة نزلت عليها. فبقي آدم أربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة، فنزل عليه جبرئيل (عليه السلام)، فقال: يا آدم، ألم يخلقك الله بيده، و نفخ فيك من روحه، و أسجد لك ملائكته؟ قال: بلى. قال:

و أمرك الله أن لا تأكل من الشجرة، فلم عصيته؟! قال: يا جبرئيل، إن إبليس حلف لي بالله أنه لي ناصح، و ما ظننت أن خلقا يخلقه الله، يحلف به كاذبا!».

403/ [5]- علي بن إبراهيم: و حدثني

أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن موسى (عليه السلام) سأل ربه أن يجمع بينه و بين آدم (عليه الصلاة و السلام) فجمع، فقال له موسى: يا أبه، ألم يخلقك الله بيده، و نفخ فيك من روحه، و أسجد لك الملائكة، و أمرك أن لا تأكل من الشجرة، فلم عصيته؟! فقال: يا موسى، بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التوراة؟ قال: بثلاثين ألف سنة «3»، قال: هو ذلك».

قال الصادق (عليه السلام): «فحج «4» آدم موسى (عليهما السلام)».

404/ [6]- و عن الإمام أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما عرف الله ملائكته فضل خيار أمة محمد (صلى الله عليه و آله) و شيعة علي (عليه السلام) و خلفائه (عليهم السلام)، و احتمالهم في جنب محبة ربهم ما لا تحتمله الملائكة، أبان بني آدم الخيار المتقين بالفضل عليهم.

ثم قال: فلذلك فاسجدوا لآدم لما كان مشتملا على أنوار هذه الخلائق الأفضلين. و لم يكن سجودهم لآدم، إنما كان آدم قبلة لهم يسجدون نحوه لله عز و جل، و كان بذلك معظما مبجلا «5» و لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد من دون الله، يخضع له خضوعه لله، و يعظمه بالسجود له كتعظيمه لله.

و لو أمرت أحدا أن يسجد هكذا لغير الله، لأمرت ضعفاء شيعتنا و سائر المكلفين من شيعتنا أن يسجدوا

__________________________________________________

5- تفسير القمّي 1: 44.

6- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام) 385/ 265.

(1) الأعراف 7: 22.

(2) الأعراف 7: 23.

(3) في المصدر زيادة: قبل أن خلق آدم.

(4) حجّه: غلبه بالحجّة. «الصحاح- حجج- 1: 304».

(5) في المصدر زيادة: له.

البرهان في تفسير

القرآن، ج 1، ص: 182

لمن توسط في علوم وصي رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و محض وداد «1» خير خلق الله، علي بعد محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و احتمل المكاره و البلايا في التصريح بإظهار حقوق الله، و لم ينكر علي حقا أرقبه «2» عليه قد كان جهله أو أغفله.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): عصى الله إبليس، فهلك لما كانت معصيته بالكبر على آدم، و عصى الله آدم بأكل الشجرة، فسلم و لم يهلك لما لم يقارن بمعصية التكبر على محمد و آله الطيبين. و ذلك أن الله تعالى قال له: يا آدم، عصاني فيك إبليس، و تكبر عليك فهلك، و لو تواضع لك بأمري، و عظم عز جلالي لأفلح كل الفلاح كما أفلحت، و أنت عصيتني بأكل الشجرة، و بالتواضع لمحمد و آل محمد تفلح كل الفلاح، و تزول عنك وصمة «3» الزلة «4»، فادعني بمحمد و آله الطيبين لذلك. فدعا بهم فأفلح كل فلاح، لما تمسك بعروتنا أهل البيت».

405/ [7]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد القاساني «5»، عن القاسم بن محمد، عن سليمان المنقري، عن عبد الرزاق بن همام، عن معمر بن راشد، عن الزهري- محمد بن مسلم بن شهاب «6»- قال: سئل علي بن الحسين (عليه السلام) أي الأعمال أفضل عند الله عز و جل؟ فقال: «ما من عمل بعد معرفة الله عز و جل و معرفة رسول الله (صلى الله عليه و آله) أفضل من بغض الدنيا. و إن لذلك شعبا كثيره، و للمعاصي شعبا: فأول ما عصي الله به الكبر، و هو معصية إبليس حين أبى و استكبر، و

كان من الكافرين.

و الحرص، و هو معصية آدم و حواء (عليهما السلام) حين قال الله عز و جل لهما: فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ «7» فأخذا ما كان لا حاجة بهما إليه، فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيامة، و ذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه.

ثم الحسد، و هي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك: حب النساء، و حب الدنيا، و حب الرئاسة، و حب الراحة، و حب الكلام، و حب العلو، و الثروة، فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا.

فقال الأنبياء و العلماء- بعد معرفة ذلك-: حب الدنيا رأس كل خطيئة، و الدنيا دنياءان: دنيا بلاغ «8»، و دنيا

__________________________________________________

7- الكافي 2: 239/ 8.

(1) محضته المودّة: أخلصتها له. «مجمع البحرين- محض- 4: 229».

(2) رقبت الشّي ء، أرقبه، إذ أرصدته. «الصحاح- رقب- 1: 137»، و الظاهر أنّ المراد هنا: لم ينكر حقّا جعل له ليحققه و يراعيه.

(3) الوصم: العيب و العار. «الصحاح- و صم- 5: 2052». [.....]

(4) الزلّة: السقطة و الخطيئة. «المعجم الوسيط- زلل- 1: 398»، و في المصدر: الذلّة.

(5) في المصدر: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و عليّ بن محمّد جميعا.

(6) في المصدر: محمّد بن مسلم بن عبيد اللّه، و ما في المتن نسبة إلى جدّه الأعلى، راجع رجال الطوسي 299/ 316 و سير أعلام النبلاء 5: 326.

(7) الأعراف 7: 19.

(8) البلاغ: الانتهاء إلى أقصى الحقيقة، قال الطريحي (رحمه اللّه) في

حديث عليّ (عليه السّلام): «فإنّها دار بلغة»

أي دار عمل يتبلّغ فيه من صالح الأعمال و يتزود، و لعلّه هو المراد بهذا الحديث. «مجمع البحرين- بلغ- 5: 7 و

8».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 183

ملعونة».

406/ [8]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي، و محمد بن الحسن، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، و عبد الله بن جعفر الحميري، قالا: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، و أحمد بن أبي عبد الله البرقي، و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، قالوا: حدثنا الحسن بن محبوب، عن محمد بن إسحاق، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن آبائه (عليهم السلام)، عن علي (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قال: «إنما كان لبث آدم و حواء في الجنة حتى أخرجا منها سبع ساعات من أيام الدنيا حتى أهبطهما الله من يومهما ذلك».

407/ [9]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن واصل بن سليمان، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: أمر الله و لم يشأ، و شاء و لم يأمر: أمر إبليس أن يسجد لآدم و شاء أن لا يسجد، [و لو شاء لسجد]، و نهى آدم عن أكل الشجرة و شاء أن يأكل منها، و لو لم يشأ لم يأكل».

408/ [10]- عنه: عن علي بن إبراهيم، عن المختار بن محمد الهمداني، و محمد بن الحسن، عن عبد الله بن الحسن العلوي، جميعا عن الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: «إن لله إرادتين و مشيئتين:

إرادة حتم، و إرادة عزم، ينهى و هو يشاء، و يأمر و هو لا يشاء.

أو ما رأيت أنه نهى آدم و زوجته أن يأكلا من الشجرة و شاء ذلك، و لو لم يشأ أن يأكلا لما غلبت مشيئتهما مشيئة الله، و

أمر إبراهيم أن يذبح إسحاق «1» و لم يشأ أن يذبحه، و لو شاء ذبحه لما غلبت مشيئة إبراهيم (عليه السلام) مشيئة الله تعالى».

409/ [11]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان «2»، قال: حدثنا أبو محمد بكر «3» بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول [عن أبيه ] «4»، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن الله تبارك و تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، فجعل أعلاها و أشرفها أرواح محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة بعدهم (صلوات الله عليهم) فعرضها على السماوات و الأرض و الجبال، فغشيها نورهم.

__________________________________________________

8- الخصال: 396/ 103.

9- الكافي 1: 117/ 3.

10- الكافي 1: 117/ 4.

11- معاني الأخبار: 108/ 1.

(1) في «ط»: نسخة بدل: إسماعيل.

(2) في «س» و «ط»: العطّار، و الصّواب ما أثبتناه. راجع جامع الرواة 1: 127، معجم رجال الحديث 2: 363، و كذا ورد في من لا يحضره الفقيه 1: 154/ 668.

(3) في «س»: أبو محمّد أبو بكر، و في «ط»: أبو بكر محمّد، و الظاهر صحّة ما في المتن، راجع رجال النجاشي: 109/ 277، و معجم رجال الحديث 3: 349.

(4) أثبتناه من المصدر، و هو الصّواب. راجع معجم رجال الحديث 3: 374 و 378.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 184

فقال الله تبارك و تعالى للسماوات و الأرض و الجبال: هؤلاء أحبائي، و أوليائي، و حججي على خلقي، و أئمتي على بريتي، ما خلقت خلقا هو أحب إلي منهم، لهم و لمن تولاهم خلقت

جنتي، و لمن خالفهم و عاداهم خلقت ناري، فمن ادعى منزلتهم و محلهم من عظمتي عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، و جعلته من المشركين، في أسفل درك من ناري، و من أقر بولايتهم و لم يدع منزلتهم مني و مكانهم من عظمتي حططته «1» معهم في روضات جناتي، و كان لهم «2» ما يشاءون عندي، و أبحتهم كرامتي، و أحللتهم جواري، و شفعتهم في المذنبين من عبادي و إمائي، فولايتهم أمانة عند خلقي، فأيكم يحملها بأثقالها، و يدعيها لنفسه دون خيرتي؟ فأبت السماوات و الأرض و الجبال أن يحملنها، و أشفقن من ادعاء منزلتها، و تمني محلها من عظمة ربها.

فلما أسكن الله عز و جل آدم و زوجته الجنة، قال لهما: وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ يعني شجرة الحنطة فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ فنظرا إلى منزلة محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة بعدهم (عليهم السلام) فوجداها أشرف منازل الجنة. فقالا: يا ربنا، لمن هذه المنزلة؟

فقال الله جل جلاله: ارفعا رءوسكما إلى ساق العرش. فرفعا رؤوسهما فوجدا أسماء محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة (صلوات الله عليهم) مكتوبة على ساق العرش بنور من نور الله الجبار جل جلاله.

فقالا: يا ربنا، ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك! و ما أحبهم إليك! و ما أشرفهم لديك! فقال الله جل جلاله:

لولاهم ما خلقتكما، هؤلاء خزنة علمي و أمنائي على سري، إياكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد، و تتمنيا منزلتهم عندي، و محلهم من كرامتي فتدخلا بذلك في نهيي و عصياني فتكونا من الظالمين.

قالا: ربنا، و من الظالمون؟ قال: المدعون لمنزلتهم بغير حق.

قالا:

ربنا، فأرنا منزلة ظالميهم في نارك حتى نراها كما رأينا منزلتهم في جنتك فأمر الله تبارك و تعالى النار فأبرزت جميع ما فيها من أنواع النكال «3» و العذاب.

و قال الله عز و جل: مكان الظالمين لهم المنزلين «4» لمنزلتهم في أسفل درك منها كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها «5» و كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ «6».

يا آدم، و يا حواء لا تنظرا إلى أنواري و حججي بعين الحسد، فأهبطكما من جواري، و أحل بكما هواني.

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَ قالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا

__________________________________________________

(1) في المصدر: جعلته. [.....]

(2) في المصدر زيادة: فيها.

(3) النكال: العقوبة. «مجمع البحرين- نكل- 5: 486»، و في المصدر: ألوان النكال.

(4) في المصدر: المدعين.

(5) الحج 22: 22.

(6) النساء 4: 56.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 185

أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ «1»، و حملهما على تمني منزلتهم، فنظرا إليهم بعين الحسد، فخذلا حتى أكلا من شجرة الحنطة، فعاد مكان ما أكلا شعيرا فأصل الحنطة كلها مما لم يأكلاه، و أصل الشعير كله مما عاد مكان ما أكلاه، فلما أكلا من الشجرة طار الحلي و الحلل عن أجسادهما، و بقيا عريانين وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ «2»، قال: اهبطا من جواري، فلا يجاورني في جنتي من يعصيني، فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش.

فلما

أراد الله عز و جل أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل (عليه السلام)، فقال لهما: إنكما ظلمتما أنفسكما بتمني منزلة من فضل عليكما، فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عز و جل إلى أرضه، فسلا ربكما بحق الأسماء التي رأيتماها على ساق العرش حتى يتوب عليكما.

فقالا: اللهم إنا نسألك بحق الأكرمين عليك: محمد، و علي، و فاطمة، و الحسن و الحسين، و الأئمة (عليهم السلام) إلا تبت علينا و رحمتنا، فتاب الله عليهما إنه هو التواب الرحيم.

فلم يزل أنبياء الله يحفظون هذه الأمانة، و يخبرون بها أوصياءهم و المخلصين من أممهم فيأبون حملها، و يشفقون من ادعائها، و حملها «3» الذي قد عرفت، فأصل كل ظلم منه إلى يوم القيامة، و ذلك قول الله عز و جل:

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا «4»».

410/ [12]- عنه، قال: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (رضي الله عنه) قال: حدثني أبي، عن حمدان بن سليمان، عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا علي بن موسى (عليه السلام)، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله، أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ فقال: «بلى». قال: فما معنى قول الله تعالى:

وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى «5»؟! قال (عليه السلام): «إن الله تعالى قال لآدم (عليه السلام): اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ- و أشار لهما إلى شجرة الحنطة- فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ و لم يقل لهما: لا تأكلا من هذه الشجرة، و لا مما كان

من جنسها.

__________________________________________________

12- عيون أخبار 1: 195/ 1.

(1) الأعراف 7: 20- 22.

(2) الأعراف 7: 22 و 23.

(3) في المصدر زيادة: الإنسان.

(4) الأحزاب 33: 72.

(5) طه 20: 121.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 186

فلم يقربا تلك الشجرة، و إنما أكلا من غيرها، لما أن وسوس الشيطان إليهما، و قال: ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ «1» و إنما نهاكما أن تقربا غيرها، و لم ينهكما عن الأكل منها إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ «2». و لم يكن آدم و حواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ «3» فأكلا منها ثقة بيمينه بالله.

و كان ذلك من آدم قبل النبوة، و لم يكن ذلك بذنب كبير استحق به دخول النار، و إنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم، فلما اجتباه الله تعالى و جعله نبيا، كان معصوما، لا يذنب صغيرة و لا كبيرة، و قال الله عز و جل: وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى «4» و قال عز و جل: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ «5»».

411/ [13]- و عنه، قال: حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار (رحمه الله)، قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: قلت للرضا (عليه السلام): يا ابن رسول الله، أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم و حواء، ما كانت، فقد اختلف الناس فيها فمنهم من يروي أنها الحنطة، و منهم من يروي أنها العنب، و منهم

من يروي أنها شجرة الحسد؟ فقال (عليه السلام): «كل ذلك حق».

قلت: فما معنى هذه الوجوه على اختلافها؟ فقال: «يا أبا الصلت «6»، إن شجرة الجنة تحمل أنواعا و كان شجرة الحنطة و فيها عنب، و ليست كشجر «7» الدنيا، و إن آدم (عليه السلام) لما أكرمه الله تعالى ذكره، بإسجاد ملائكته له، و بإدخاله الجنة، قال في نفسه: هل خلق الله بشرا أفضل مني؟

فعلم الله عز و جل ما وقع في نفسه فناداه: ارفع رأسك- يا آدم- فانظر إلى ساق عرشي فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش، فوجد عليه مكتوبا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، و زوجته فاطمة سيدة نساء العالمين، و الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة. فقال آدم (عليه السلام): يا رب، من هؤلاء؟

فقال عز و جل: يا آدم، هؤلاء من ذريتك، و هم خير منك و من جميع خلقي، و لولاهم ما خلقتك، و لا خلقت الجنة و لا النار، و لا السماء، و لا الأرض، فإياك أن تنظر إليهم بعين الحسد فأخرجك عن جواري.

فنظر إليهم بعين الحسد، و تمنى منزلتهم، فتسلط عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها،

__________________________________________________

13- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 306/ 67.

(1) الأعراف 7: 20.

(2) الأعراف 7: 20 و 21. [.....]

(3) الأعراف 7: 22.

(4) طه 20: 121 و 122.

(5) آل عمران 3: 33.

(6) في «س» و «ط»: يا ابن الصّلت، و هو تصحيف، و أبو الصّلت كنية عبد السّلام، راجع النجاشي: 245/ 643، رجال الطوسي 380/ 14.

(7) في المصدر: كشجرة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 187

و تسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة (عليها السلام) بعين

الحسد حتى أكلت من الشجرة كما أكل آدم (عليه السلام)، فأخرجهما الله تعالى من «1» جنته، و أهبطهما من جواره إلى الأرض».

412/ [14]- العياشي: عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ: «يعني لا تأكلا منها».

413/ [15]- عن عطاء، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قال: «إنما كان لبث آدم و حواء في الجنة حتى خرجا منها سبع ساعات من أيام الدنيا حتى أكلا من الشجرة، فأهبطهما الله إلى الأرض من يومهما ذلك.

قال: فحاج آدم ربه فقال: يا رب، أ رأيتك قبل أن تخلقني كنت قدرت علي هذا الذنب، و كل ما صرت و أنا صائر إليه، أو هذا شي ء فعلته أنا من قبل أن تقدره علي، غلبتني شقوتي، فكان ذلك مني و فعلي، لا منك و لا من فعلك؟

قال له: يا آدم، أنا خلقتك، و علمتك أني أسكنك و زوجتك الجنة، و بنعمتي و ما جعلت فيك من قوتي، قويت بجوارحك على معصيتي، و لم تغب عن عيني، و لم يخل علمي من فعلك، و لا مما أنت فاعله.

قال آدم: يا رب، الحجة لك علي- يا رب- حين خلقتني و صورتني و نفخت في من روحك «2».

قال الله تعالى: يا آدم، أسجدت لك ملائكتي، و نوهت باسمك في سماواتي، و ابتدأتك بكرامتي، و أسكنتك جنتي، و لم أفعل ذلك إلا برضا مني عليك، أبلوك «3» بذلك من غير أن تكون عملت لي عملا تستوجب [به ] عندي ما فعلت بك. قال آدم: يا رب، الخير منك، و الشر مني.

قال الله: يا آدم، أنا الله

الكريم، خلقت الخير قبل الشر، و خلقت رحمتي قبل غضبي، و قدمت بكرامتي قبل هواني، و قدمت باحتجاجي قبل عذابي- يا آدم- أ لم أنهك عن الشجرة؟ و أخبرك أن الشيطان عدو لك و لزوجتك؟ و أحذر كما قبل أن تصيرا إلى الجنة؟ و أعلمكما أنكما إن أكلتما من الشجرة، كنتما ظالمين لأنفسكما، عاصيين لي؟ يا آدم، لا يجاورني في جنتي ظالم عاص لي.

قال: فقال: بلى- يا رب- الحجة لك علينا، ظلمنا أنفسنا و عصينا، و إن لم تغفر لنا و ترحمنا نكن من الخاسرين. قال: فلما أقرا لربهما بذنبهما، و أن الحجة من الله لهما، تداركتهما رحمة الرحمن الرحيم، فتاب عليهما ربهما، إنه هو التواب الرحيم.

قال الله: يا آدم، اهبط أنت و زوجتك إلى الأرض، فإذا أصلحتما أصلحتكما، و إن عملتما لي قويتكما، و إن

__________________________________________________

14- تفسير العيّاشي 1: 35/ 20.

15- تفسير العيّاشي 1: 35/ 21.

(1) في المصدر: عن.

(2) في المصدر: من روحي.

(3) في المصدر: ابتليتك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 188

تعرضتما لرضاي تسارعت إلى رضاكما، و إن خفتما مني آمنتكما من سخطي. قال: فبكيا عند ذلك، و قالا: ربنا، فأعنا على صلاح أنفسنا، و على العمل بما يرضيك عنا.

قال الله لهما: إذا عملتما سوءا فتوبا إلي منه أتب عليكما، و أنا الله التواب الرحيم.

قالا: فأهبطنا برحمتك إلى أحب البقاع إليك قال: فأوحى الله إلى جبرئيل: أن أهبطهما إلى البلدة المباركة مكة، قال: فهبط بهما جبرئيل فألقى آدم على الصفا، و ألقى حواء على المروة.

قال: فلما ألقيا قاما على أرجلهما، و رفعا «1» رؤوسهما إلى السماء، و رفعا أصواتهما بالبكاء إلى الله تعالى، و خضعا بأعناقهما. قال: فهتف الله بهما: ما يبكيكما بعد رضاي عنكما؟

قال:

فقالا: ربنا، أبكتنا خطيئتنا، و هي التي أخرجتنا من جوار ربنا، و قد خفي عنا تقديس ملائكتك لك- ربنا- و بدت لنا عوراتنا، و اضطرنا ذنبنا إلى حرث الدنيا و مطعمها و مشربها، و دخلتنا وحشة شديدة لتفريقك بيننا.

قال: فرحمهما الرحمن الرحيم عند ذلك، و أوحى إلى جبرئيل: أنا الله الرحمن الرحيم، و إني قد رحمت آدم و حواء لما شكيا إلي، فاهبط عليهما بخيمة من خيام الجنة، و عزهما عني بفراق الجنة، و اجمع بينهما في الخيمة، فإني قد رحمتهما لبكائهما و وحشتهما و وحدتهما، و انصب لهما الخيمة على الترعة «2» التي بين جبال مكة.

قال: و الترعة مكان البيت و قواعده التي رفعتها الملائكة قبل ذلك، فهبط جبرئيل على آدم بالخيمة على مكان «3» أركان البيت و قواعده فنصبها، قال: و أنزل جبرئيل آدم من الصفا، و أنزل حواء من المروة، و جمع بينهما في الخيمة، قال: و كان عمود الخيمة قضيب ياقوت أحمر، فأضاء نوره و ضوؤه جبال مكة و ما حولها، قال: و امتد ضوء العمود، فجعله الله حرما «4» لحرمة الخيمة و العمود، لأنهما من الجنة.

قال: و لذلك جعل الله الحسنات في الحرم مضاعفة، و السيئات فيه مضاعفة، قال: و مدت أطناب الخيمة حولها «5»، فمنتهى أوتادها ما حول المسجد الحرام، قال: و كانت أوتادها من غصون الجنة، و أطنابها من ضفائر الأرجوان «6». قال: فأوحى الله إلى جبرئيل: أهبط على الخيمة سبعين ألف ملك يحرسونها «7» من مردة الجن، و يؤنسون آدم و حواء، و يطوفون حول الخيمة تعظيما للبيت و الخيمة.

قال: فهبطت الملائكة فكانوا بحضرة الخيمة يحرسونها من مردة الشياطين و العتاة، و يطوفون حول أركان

__________________________________________________

(1) في المصدر:

و ضجّا.

(2) الترعة: الروضة و الباب، و يقال: الدرجة. «الصحاح- ترع- 3: 1191».

(3) في المصدر: على مقدار.

(4) في المصدر زيادة: فهو مواضع الحرم اليوم، كلّ ناحية من حيث بلغ ضوء العمود جعله حرما. [.....]

(5) في المصدر: حولهما.

(6) الأرجوان: شجر من الفصيلة القرنية، له زهر شديد الحمرة حسن المنظر. «المعجم الوسيط- ارج- 1: 13».

(7) في المصدر: يحرسونهما.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 189

البيت و الخيمة كل يوم و ليلة، كما «1» يطوفون في السماء حول البيت المعمور.

قال: و أركان البيت الحرام في الأرض حيال «2» البيت المعمور الذي في السماء، قال: ثم إن الله أوحى إلى جبرئيل بعد ذلك: أن أهبط إلى آدم و حواء فنحهما عن مواضع قواعد بيتي، لأني أريد أن أهبط في ظلال من ملائكتي إلى أرضي، فارفع أركان بيتي لملائكتي و لخلقي من ولد آدم.

قال: فهبط جبرئيل على آدم و حواء فأخرجهما من الخيمة، و نحاهما «3» عن ترعة البيت الحرام، و نحى الخيمة عن موضع الترعة، قال: و وضع آدم على الصفا، و وضع حواء على المروة، و رفع الخيمة إلى السماء.

فقال آدم و حواء: يا جبرئيل، بسخط من الله عليكما، و لكن الله لا يسأل عما يفعل- يا آدم- إن السبعين ألف ملك الذين أنزلهم الله إلى الأرض ليؤنسوك و يطوفوا حول أركان البيت و الخيمة، سألوا الله أن يبني لهم مكان الخيمة بيتا على موضع الترعة المباركة، حيال البيت المعمور، فيطوفون حوله كما كانوا يطوفون في السماء حول البيت المعمور، فأوحى الله إلي أن أنحيك و حواء، و أرفع الخيمة إلى السماء.

فقال آدم: رضينا بتقدير الله و نافذ أمره فينا، فكان آدم على الصفا، و حواء على المروة، قال:

فداخل آدم لفراق حواء وحشة شديدة و حزن.

قال: فهبط من الصفا يريد المروة شوقا إلى حواء و ليسلم عليها، و كان فيما بين الصفا و المروة واد، و كان آدم يرى المروة من فوق الصفا، فلما انتهى [إلى ] موضع الوادي غابت عنه المروة، فسعى في الوادي حذرا لما لم ير المروة مخافة أن يكون قد ضل عن طريقه، [فلما أن جاز الوادي ] و ارتفع عنه نظر إلى المروة، فمشى حتى انتهى إلى المروة، فصعد عليها، فسلم على حواء.

ثم أقبلا بوجههما نحو موضع الترعة ينظران هل رفع قواعد البيت، و يسألان الله أن يردهما إلى مكانهما حتى هبط من المروة فرجع إلى الصفا فقام عليه، و أقبل بوجهه نحو موضع الترعة فدعا الله، ثم إنه اشتاق إلى حواء، فهبط من الصفا يريد المروة، ففعل مثل ما فعله في المرة الأولى، ثم رجع إلى الصفا ففعل عليه مثل ما فعل في المرة الأولى، ثم إنه هبط من الصفا إلى المروة ففعل مثل ما فعل في المرتين الأوليين.

ثم رجع إلى الصفا فقام عليه، و دعا الله أن يجمع بينه و بين زوجته حواء، قال: فكان ذهاب آدم من الصفا إلى المروة ثلاث مرات، و رجوعه ثلاث مرات، فذلك ستة أشواط، فلما أن دعوا الله و بكيا إليه و سألاه أن يجمع بينهما، استجاب الله لهما من ساعتهما من يومهما ذلك مع زوال الشمس.

فأتاه جبرئيل و هو على الصفا واقف يدعو الله مقبلا بوجهه نحو الترعة، فقال له جبرئيل: انزل- يا آدم- من

__________________________________________________

(1) في المصدر: كما كانوا.

(2) الحيال: قبالة الشي ء. «المعجم الوسيط- حال- 1: 209».

(3) في المصدر: و نهاهما.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 190

الصفا فالحق بحواء، فنزل آدم

من الصفا إلى المروة، ففعل «1» ما فعل في الثلاث مرات حتى انتهى إلى المروة فصعد عليها، و أخبر حواء بما أخبره جبرئيل، ففرحا بذلك فرحا شديدا، و حمدا الله و شكراه، فلذلك جرت السنة بالسعي بين الصفا و المروة، و لذلك قال الله: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما «2».

قال: ثم إن جبرئيل أتاهما فأنزلهما من المروة، و أخبرهما أن الجبار تبارك و تعالى قد هبط إلى الأرض فرفع قواعد البيت الحرام بحجر من الصفا، و حجر من المروة، و حجر من طور سيناء «3» و حجر من جبل السلام، و هو ظهر الكوفة.

فأوحى [الله ] إلى جبرئيل أن ابنه و أتمه، قال: فاقتلع جبرئيل الأحجار الأربعة بأمر الله من مواضعهن بجناحيه، فوضعها- حيث أمره الله- في أركان البيت على قواعده التي قدرها الله الجبار، و نصب أعلامها.

ثم أوحى الله إلى جبرئيل أن ابنه و أتمه بحجارة من أبي قبيس «4»، و اجعل له بابين: باب شرقي، و باب غربي، قال: فأتمه جبرئيل، فلما أن فرغ منه طافت الملائكة حوله، فلما نظر آدم و حواء إلى الملائكة يطوفون حول البيت انطلقا فطافا بالبيت سبعة أشواط، ثم خرجا يطلبان ما يأكلان، و ذلك من يومهما الذي هبط بهما فيه».

414/ [16]- عن جابر الجعفي، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: «إن الله اختار من الأرض جميعا مكة، و اختار من مكة بكة «5»، فأنزل في بكة سرادقا «6» من نور محفوفا بالدر و الياقوت، ثم أنزل في وسط السرادق عمدا أربعة، و جعل بين العمد الأربعة لؤلؤة بيضاء، و كان طولها سبعة

أذرع في ترابيع البيت، و جعل فيها نورا من نور السرادق بمنزلة القناديل «7»، و كانت العمد «8» أصلها في الثرى و الرؤوس تحت العرش.

و كان الربع الأول من زمرد أخضر، و الربع الثاني من ياقوت أحمر، و الربع الثالث من لؤلؤ أبيض، و الربع الرابع من نور ساطع، و كان البيت ينزل فيما بينهم مرتفعا من الأرض، و كان نور القناديل يبلغ إلى موضع الحرم، و كان أكبر القناديل مقام إبراهيم، فكانت القناديل ثلاثمائة و ستين قنديلا. فالركن الأسود باب الرحمة، إلى الركن الشامي فهو

__________________________________________________

16- تفسير العيّاشي 1: 39/ 22.

(1) في المصدر زيادة: مثل.

(2) البقرة 2: 158.

(3) طور سيناء: و هو اسم جبل بقرب أيلة، و عنده بليد فتح في زمن النبيّ (صلى اللّه عليه و آله)، و ما أظنّه إلّا كورة بمصر، و قال الجوهري: طور سيناء جبل بالشّام. «معجم البلدان 4: 48».

(4) أبو قبيس: و هو اسم الجبل المشرف على مكّة. «معجم البلدان 1: 80».

(5) بكّة: هي مكّة، بيت اللّه الحرام، و قيل: بطن مكّة، و قيل: موضع البيت المسجد الحرام و مكّة و ما وراءه، و قيل: البيت مكّة و ما والاه بكّة.

«معجم البلدان 1: 475».

(6) السّرادق: كل ما أحاط بشي ء من حائط أو مضرب أو خباء، و قيل: ما يمدّ فوق البيت. «مجمع البحرين- سردق- 5: 186».

(7) القنديل: مصباح كالكوب في وسطه فتيل، يملأ بالماء و الزيت و يشعل. «المعجم الوسيط- قندل- 2: 762». [.....]

(8) «س»: و كانت له أعمد.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 191

باب الإنابة، و باب الركن الشامي باب التوسل، و باب الركن اليماني باب التوبة، و هو باب آل محمد (عليهم السلام) و شيعتهم إلى الحجر

فهذا البيت حجة الله في أرضه على خلقه.

فلما هبط آدم إلى الأرض هبط على الصفا، و لذلك اشتق الله له اسما من اسم آدم، لقول الله: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ «1» و نزلت حواء على المروة فاشتق الله لها اسما من اسم المرأة، و كان آدم نزل بمرآة من الجنة، فلما لم يعلق آدم المرآة إلى جنب المقام، و كان يركن إليه، سأل ربه أن يهبط البيت إلى الأرض، فأهبط فصار على وجه الأرض، فكان آدم يركن إليه، و كان ارتفاعه عن الأرض سبعة أذرع، و كانت له أربعة أبواب، و كان عرضها خمسة و عشرين ذراعا في خمسة و عشرين ذراعا ترابيعه، و كان السرادق مائتي ذراع في مائتي ذراع».

415/ [17]- عن جابر بن عبد الله، عن النبي (صلى الله عليه و آله)، قال: «كان إبليس أول من تغنى، و أول من ناح [و أول من حدا] لما أكل آدم من الشجرة تغنى، فلما أهبط حدا، فلما استقر «2» على الأرض ناح، يذكره ما في الجنة».

سورة البقرة(2): الآيات 37 الي 38 ..... ص : 191

قوله تعالى:

فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [37] قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ [38]

416/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم صاحب الشعير «3»، عن كثير بن كلثمة، عن أحدهما (عليهما السلام)، في قول الله عز و جل: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ قال:

«لا إله إلا أنت سبحانك اللهم و بحمدك عملت سوءا و ظلمت نفسي فاغفر لي و أنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم و بحمدك عملت

سوءا و ظلمت نفسي فاغفر لي و ارحمني و أنت خير الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم و بحمدك عملت سوءا و ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم».

__________________________________________________

17- تفسير العيّاشي 1: 40/ 23.

1- الكافي 8: 304/ 472.

(1) آل عمران 3: 33.

(2) في المصدر: استتر.

(3) في «س»: إبراهيم صاحب الشعيري، و كأنّ (الشعيري) نسخة بدل عن (صاحب الشعير) حيث عرف بهذين اللقبين. راجع معجم رجال الحديث 1: 360.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 192

417/ [2]- قال الكليني: و في رواية أخرى: في قوله عز و جل: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ قال: «سأله بحق محمد و علي و الحسن و الحسين و فاطمة (صلى الله عليهم)».

418/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن آدم (عليه السلام) بقي على الصفا أربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة و على خروجه «1» من جوار الله «2» عز و جل، فنزل عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا آدم، مالك تبكي؟ فقال: يا جبرئيل، ما لي لا أبكي و قد أخرجني الله من جواره، و أهبطني إلى الدنيا.

قال: يا آدم، تب إليه، قال: و كيف أتوب؟ فأنزل الله عليه قبة من نور في موضع البيت فسطع نورها في جبال مكة فهو الحرم، فأمر الله عز و جل جبرئيل (عليه السلام) أن يضع عليه الأعلام، قال: قم، يا آدم، فخرج به يوم التروية، و أمره أن يغتسل و يحرم.

و أخرج من الجنة أول يوم من ذي القعدة، فلما كان اليوم الثامن من ذي الحجة أخرجه جبرئيل إلى منى فبات بها، فلما أصبح أخرجه

إلى عرفات، و قد كان علمه حين أخرجه من مكة الإحرام و أمره بالتلبية «3»، فلما زالت الشمس يوم عرفة قطع التلبية و أمره أن يغتسل، فلما صلى العصر وقفه بعرفات، و علمه الكلمات التي تلقاها من ربه، و هي: سبحانك اللهم و بحمدك لا إله إلا أنت، عملت سوءا و ظلمت نفسي و اعترفت بذنبي، فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، سبحانك اللهم و بحمدك لا إله إلا أنت، عملت سوءا و ظلمت نفسي و اعترفت بذنبي، فاغفر لي إنك خير الغافرين، سبحانك اللهم و بحمدك لا إله إلا أنت، عملت سوءا و ظلمت نفسي و اعترفت بذنبي، فاغفر لي إنك أنت التواب الرحيم.

فبقي آدم إلى أن غابت الشمس رافعا يديه إلى السماء يتضرع و يبكي إلى الله، فلما غربت الشمس رده إلى المشعر فبات به، فلما أصبح قام على المشعر الحرام فدعا الله تعالى بكلمات و تاب عليه، ثم أفاض «4» إلى منى، و أمره جبرئيل أن يحلق الشعر الذي عليه فحلق.

ثم رده إلى مكة فأتى به إلى الجمرة «5» الأولى، فعرض له إبليس عندها، فقال: يا آدم، أين تريد؟ فأمره جبرئيل أن يرميه بسبع حصيات، و أن يكبر مع كل حصاة تكبيرة ففعل ثم ذهب فعرض له إبليس عند الجمرة الثانية، فأمره أن يرميه بسبع حصيات، فرمى و كبر مع كل حصاة تكبيرة ثم ذهب فعرض له إبليس عند الجمرة

__________________________________________________

2- الكافي 8: 305 ذيل الحديث 472. و روى نحوه ابن المغازلي في المناقب: 63/ 89، الدّر المنثور 1: 147، ينابيع المودّة: 67.

3- تفسير القمّي 1: 44.

(1، 2) في المصدر زيادة: من الجنّة.

(3) في المصدر: و علّمه التلبية.

(4) في المصدر: أفضى.

(5) في المصدر:

عند الجمرة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 193

الثالثة، فأمره أن يرميه بسبع حصيات و يكبر «1» عند كل حصاة، فرمى و كبر مع كل حصاة تكبيرة، فذهب إبليس لعنه الله. و قال له جبرئيل: إنك لن تراه بعد هذا اليوم أبدا، فانطلق به إلى البيت الحرام، و أمره أن يطوف به سبع مرات، ففعل. فقال له: إن الله قد قبل توبتك، و حلت لك زوجتك».

قال: «فلما قضى آدم حجه لقيته الملائكة بالأبطح «2»، فقالوا: يا آدم، بر حجك «3»، أما إنا قد حججنا قبلك هذا البيت بألفي عام».

419/ [4]- علي بن إبراهيم: و حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «كان عمر آدم يوم خلقه الله إلى يوم قبضه تسعمائة و ثلاثين سنة، و دفن بمكة، و نفخ فيه يوم الجمعة بعد الزوال، ثم برأ زوجته من أسفل أضلاعه، و أسكنه جنته من يومه ذلك، فما استقر فيها إلا ست ساعات من يومه ذلك حتى عصى الله، و أخرجهما من الجنة بعد غروب الشمس، فما بات فيها».

420/ [5]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن الفضل بن العباس البغدادي، قال: قرأت على أحمد بن محمد بن سليمان بن الحارث، قال: حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار، قال: حدثنا حسين الأشقر، قال: حدثنا عمر بن أبي المقدام، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: سألت النبي (صلى الله عليه و آله) عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه؟ قال: «سأله بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلا تبت علي، فتاب الله عليه».

421/ [6]- و عنه، قال: حدثني محمد بن موسى بن المتوكل،

قال: حدثني محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد «4»، عن العباس بن معروف، عن بكر بن محمد، قال: حدثني أبو سعيد المدائني يرفعه، في قول الله عز و جل: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ قال: «سأله بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام)».

422/ [7]- العياشي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن الله حين أهبط آدم إلى الأرض، أمره أن يحرث بيده فيأكل من كده بعد الجنة و نعيمها، فلبث يجأر «5» و يبكي على الجنة مائتي

__________________________________________________

4- تفسير القمّي 1: 45.

5- معاني الأخبار: 125/ 1. [.....]

6- معاني الأخبار: 125/ 2.

7- تفسير العيّاشي 1: 40/ 24.

(1) (و يكبر) ليس في المصدر.

(2) الأبطح: يضاف إلى مكّة و إلى منى، لأنّ المسافة بينه و بينهما واحدة، و ربّما كان إلى منى أقرب، و هو المحصّب، و ذكر بعضهم أنّه إنّما سمّي أبطح لأنّ آدم (عليه السّلام) بطّح فيه. «معجم البلدان 1: 74».

(3) برّ اللّه حجّك، أي قبله. «لسان العرب- برر- 4: 53».

(4) في «س» و «ط»: حدّثني يحيى بن أحمد، و هو سهو، و هما محمّد بن يحيى العطّار و شيخه أحمد بن محمّد بن عيسى، راجع معجم رجال الحديث 2: 296- 318 و 18: 40 و 41.

(5) جأر الرجل إلى اللّه عزّ و جلّ، أي تضرّع بالدعاء. «الصحاح- جأر- 2: 607».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 194

سنة، ثم إنه سجد الله سجدة فلم يرفع رأسه ثلاثة أيام و لياليها. ثم قال: أي رب، ألم تخلقني؟ فقال الله: قد فعلت «1».

قال: أو لم تسبق لي رحمتك غضبك؟ قال الله: قد فعلت، فهل

صبرت أو شكرت؟

قال آدم: لا إله إلا أنت سبحانك إني ظلمت نفسي، فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم فرحمه الله بذلك و تاب عليه، إنه هو التواب الرحيم».

423/ [8]- محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال: «الكلمات التي تلقاهن آدم من ربه فتاب عليه و هدى، قال: سبحانك اللهم و بحمدك- رب- إني عملت سوءا و ظلمت نفسي، فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم «2»، اللهم إنه لا إله إلا أنت سبحانك و بحمدك (إني عملت سوءا و ظلمت نفسي، فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين، اللهم إنه لا إله إلا أنت سبحانك و بحمدك) «3»، إني عملت سوءا و ظلمت نفسي، فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم».

424/ [9]- و قال الحسن بن راشد: إذا استيقظت من منامك، فقل الكلمات التي تلقاها آدم من ربه: «سبوح قدوس، رب الملائكة و الروح، سبقت رحمتك غضبك، لا إله إلا أنت، إني ظلمت نفسي، فاغفر لي و ارحمني، إنك أنت التواب الرحيم الغفور».

425/ [10]- عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إن الله تبارك و تعالى عرض على آدم في الميثاق ذريته، فمر به النبي (صلى الله عليه و آله) و هو متكئ على علي (عليه السلام)، و فاطمة (صلوات الله عليها) تتلوهما، و الحسن و الحسين (صلوات الله عليهما) يتلوان فاطمة، فقال الله: يا آدم، إياك أن تنظر عليهم بحسد، أهبطك من جواري.

فلما أسكنه الله الجنة، مثل له النبي و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (صلوات الله عليهم) فنظر إليهم بحسد، ثم عرضت عليه الولاية فأنكرها فرمته الجنة بأوراقها، فلما تاب إلى الله من حسده و أقر

بالولاية و دعا بحق الخمسة محمد، و علي، و فاطمة، و الحسن و الحسين (صلوات الله عليهم) غفر الله له، و ذلك قوله: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ الآية».

426/ [11]- عن محمد بن عيسى بن عبد الله العلوي، عن أبيه، عن جده، عن علي (عليه السلام) قال: «الكلمات التي تلقاها آدم من ربه، قال: يا رب، أسألك بحق محمد لما تبت علي قال: و ما علمك بمحمد؟ قال: رأيته في سرادقك الأعظم مكتوبا و أنا في الجنة».

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 1: 41/ 25.

9- تفسير العيّاشي 1: 41/ 26.

10- تفسير العيّاشي 1: 41/ 27.

11- تفسير العيّاشي 1: 41/ 28.

(1) في المصدر زيادة:

فقال: ألم تنفخ في من روحك؟ قال: قد فعلت. قال: ألم تسكنّي جنّتك؟ قال: قد فعلت.

(2) في المصدر: فاغفر لي إنّك خير الغافرين.

(3) ليس في المصدر. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 195

427/ [12]- و قال الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام): «قال الله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ يقولها، فقالها فَتابَ عَلَيْهِ بها إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ التواب «1» القابل التوب، الرحيم بالتائبين قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً كان أمر في الأول أن يهبطا، و في الثاني أمرهم أن يهبطوا جميعا، لا يتقدم أحدهم «2» الآخر.

و الهبوط إنما كان هبوط آدم و حواء من الجنة، و هبوط الحية أيضا منها، فإنها كانت من أحسن دوابها، و هبوط إبليس من حواليها، فإنه كان محرما عليه دخولها.

فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ يأتيكم و أولادكم من بعدكم مِنِّي هُدىً يا آدم، و يا إبليس فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ لا خوف عليهم حين يخاف المخالفون، و لا يحزنون إذ يحزنون».

قال: «فلما زلت من آدم الخطيئة، و

اعتذر إلى ربه عز و جل، قال: يا رب، تب علي، و اقبل معذرتي، و أعدني إلى مرتبتي، و ارفع لديك درجتي، فلقد تبين نقص الخطيئة و ذلها بأعضائي و سائر بدني.

قال الله تعالى: يا آدم، أما تذكر أمري إياك بأن تدعوني بمحمد و آله الطيبين عند شدائدك و دواهيك، في النوازل التي تبهظك «3»؟ قال آدم: يا رب بلى.

قال الله عز و جل «4»: فتوسل بمحمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين خصوصا، و ادعني أجبك إلى ملتمسك، و أزدك فوق مرادك، فقال آدم: يا رب، يا إلهي، و قد بلغ عندك من محلهم أنك بالتوسل بهم تقبل توبتي و تغفر خطيئتي، و أنا الذي أسجدت له ملائكتك، و أسكنته «5» جنتك، و زوجته حواء أمتك، و أخدمته كرام ملائكتك! قال الله تعالى: يا آدم، إنما أمرت الملائكة بتعظيمك- بالسجود لك- إذ كنت وعاء لهذه الأنوار، و لو كنت سألتني بهم قبل خطيئتك أن أعصمك منها، و أن أفطنك لدواعي عدوك إبليس حتى تحترز منها، لكنت قد فعلت «6» ذلك، و لكن المعلوم في سابق علمي يجري موافقا لعلمي، و الآن فبهم فادعني لأجيبك.

فعند ذلك قال آدم: اللهم، بجاه محمد و آله الطيبين، بجاه محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الطيبين من آلهم لما تفضلت علي بقبول توبتي، و غفران خطيئتي «7»، و إعادتي من كراماتك إلى مرتبتي.

فقال الله عز و جل: قد قبلت توبتك، و أقبلت برضاي «8» عليك، و صرفت آلائي إليك، و أعدتك إلى

__________________________________________________

12- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام:) 224/ 105 و 106.

(1) في المصدر: للتوبات.

(2) في «ط»: أحدكم.

(3) بهظه الحمل: أثقله و

عجز عنه. «مجمع البحرين- بهظ- 4: 283».

(4) في «س» زيادة: فبهم.

(5) في المصدر: و أبحته.

(6) في المصدر: جعلت.

(7) في المصدر: زلّتي.

(8) في المصدر: برضواني.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 196

مرتبتك من كراماتي، و وفرت نصيبك من رحماتي. فذلك قوله عز و جل: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

ثم قال الله عز و جل للذين أهبطهم من آدم و حواء و إبليس و الحية: وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ «1» مقام فيها تعيشون، و تحثكم لياليها و أيامها إلى السعي إلى الآخرة، فطوبى لمن تزود منها لدار البقاء وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ «2» لكم في الأرض منفعة إلى حين موتكم، لأن الله تعالى منها يخرج زروعكم و ثماركم، و بها ينزلكم «3» و ينعمكم، و فيها أيضا بالبلايا يمتحنكم يلذذكم بنعيم الدنيا تارة ليذكركم بنعيم الآخرة الخالص، مما ينقص نعيم الدنيا و يبطله، و يزهد فيه و يصغره و يحقره، و يمتحنكم تارة ببلايا الدنيا التي قد تكون في خلالها الرحمات «4»، و في تضاعيفها النقمات المجحفة التي «5» تدفع عن المبتلى بها مكارهها، ليحذركم بذلك عذاب الأبد الذي لا يشوبه عافية، و لا يقع في تضاعيفه راحة و لا رحمة».

428/ [13]- و قال الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام): «قال علي بن الحسين (عليه السلام): حدثني أبي، عن أبيه، عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قال: يا عباد الله، إن آدم لما رأى النور ساطعا من صلبه، إذ كان تعالى قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره، رأى النور و لم يتبين الأشباح، فقال: يا رب، ما هذه الأنوار؟ قال الله عز و جل:

أنوار أشباح نقلتهم من

أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك، و لذلك أمرت الملائكة بالسجود لك، إذ كنت وعاء لتلك الأشباح.

فقال آدم: يا رب، لو بينتها لي؟ فقال الله عز و جل: انظر- يا آدم- إلى ذروة العرش. فنظر آدم (عليه السلام) و وقع نور أشباحنا من ظهر آدم (عليه السلام) على ذروة العرش، فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره- كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية- فرأى أشباحنا.

فقال: ما هذه الأشباح، يا رب؟ قال الله تعالى: يا آدم، هذه أشباح أفضل خلائقي و برياتي، هذا محمد، و أنا المحمود الحميد في أفعالي، شققت له اسما من اسمي، و هذا علي، و أنا العلي العظيم، شققت له اسما من اسمي، و هذه فاطمة، و أنا فاطر السماوات و الأرض، فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل القضاء، و فاطم أوليائي مما يعتريهم و يشينهم «6»، فشققت لها اسما من اسمي، و هذان الحسن و الحسين، و أنا المحسن المجمل، شققت اسمهما «7» من اسمي. هؤلاء خيار خليقتي، و كرام بريتي، بهم آخذ و بهم أعطي، و بهم أعاقب و بهم أثيب، فتوسل

__________________________________________________

13- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 219/ 102.

(1، 2) البقرة 2: 36.

(3) في المصدر: ينزّهكم.

(4) في «ط»: الزحمات.

(5) في المصدر: و في تضاعيفها النعم التي. [.....]

(6) في المصدر: عمّا يعرّهم و يسيئهم.

(7) في المصدر: اسميهما.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 197

بهم إلي- يا آدم- و إذا دهتك داهية فاجعلهم إلي شفعاءك، فإني آليت على نفسي قسما حقا أن لا أخيب لهم آملا، و لا أرد لهم سائلا. فلذلك حين زلت منه الخطيئة دعا الله عز و جل بهم، فتاب عليه و غفر له».

و سيأتي إن شاء

الله تعالى في معنى الذي به تاب الله على آدم حديث في قوله تعالى: وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ الآية «1».

429/1]- ابن بابويه، بإسناده عن معمر بن راشد، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: «أتى يهودي إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقام بين يديه، و جعل يحد النظر إليه، فقال: يا يهودي، ما حاجتك؟ فقال: أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله، و أنزل عليه التوراة و العصا، و فلق له البحر، و ظلله الغمام؟

فقال له النبي (صلى الله عليه و آله): يكره للعبد أن يزكي نفسه، و لكن أقول: إن آدم (عليه السلام) لما أصاب الخطيئة كانت توبته [أن قال ]: اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما غفرت لي فغفر «2» الله له، و إن نوحا لما ركب السفينة و خاف الغرق، قال: اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما نجيتني من الغرق فنجاه الله منه «3»، و إن إبراهيم (عليه السلام) لما ألقي في النار، قال: اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما نجيتني منها فجعلها عليه بردا و سلاما، و إن موسى لما ألقى عصاه و أوجس في نفسه خيفة، قال: اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما نجيتني «4» فقال الله جل جلاله: لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى «5».

يا يهودي، لو أدركني موسى و لم يؤمن بي و بنبوتي ما نفعه إيمانه شيئا، و لا نفعته النبوة. يا يهودي، و من ذريتي المهدي، إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته، و قدمه و صلى خلفه».

430/ [15]- ابن شهر آشوب: عن النطنزي في (الخصائص) أنه قال ابن

عباس: لما خلق الله آدم و نفخ فيه من روحه عطس، فقال: الحمد لله، فقال له ربه: يرحمك ربك.

فلما أسجد له الملائكة تداخله العجب، فقال: يا رب، خلقت خلقا هو أحب إليك مني؟! قال: نعم، و لولاهم ما خلقتك. قال: يا رب، فأرنيهم، فأوحى الله عز و جل إلى ملائكة الحجب: أن ارفعوا الحجب فلما رفعت إذا آدم بخمسة أشباح قدام العرش. قال: يا رب، من هؤلاء؟ قال: يا آدم، هذا محمد نبيي، و هذا علي أمير المؤمنين ابن عم نبيي و وصيه، و هذه فاطمة بنت نبيي، و هذان الحسن و الحسين ابنا علي و ولدا نبيي.

ثم قال: يا آدم، هم ولدك. ففرح بذلك، فلما اقترف الخطيئة، قال: يا رب، أسألك بحق محمد و علي و فاطمة

__________________________________________________

14- أمالي الصّدوق: 181/ 4.

15- ... أخرجه في إحقاق الحقّ 9: 105 عن أرجح المطالب: 320، غاية المرام: 393/ 2.

(1) يأتي في الحديث (1) من تفسير الآية (88) من هذه السورة.

(2) في المصدر: فغفرها.

(3) في المصدر: عنه.

(4) في المصدر: آمنتي.

(5) طه 20: 68.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 198

و الحسن و الحسين لما غفرت لي، فغفر الله له. فهذا الذي قال الله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ إن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه: اللهم بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلا تبت علي، فتاب الله عليه.

431/ [16]- و عن القاضي أبي عمرو عثمان بن أحمد أحد شيوخ السنة، يرفعه إلى ابن عباس، عن النبي (صلى الله عليه و آله): «لما شملت آدم الخطيئة نظر إلى أشباح تضي ء حول العرش، فقال: يا رب، إني أرى أنوار أشباح تشبه خلقي، فما هي؟

قال: هذه الأنوار

أشباح اثنين من ولدك: اسم أحدهم محمد أبدأ النبوة بك و أختمها به، و الآخر أخوه و ابن أخي أبيه اسمه علي، أؤيد محمدا به و أنصره على يده، و الأنوار التي حولهما أنوار ذرية هذا النبي من أخيه هذا، يزوجه ابنته تكون له زوجة، يتصل بها أول الخلق إيمانا به و تصديقا له، أجعلها سيدة النسوان، و أفطمها و ذريتها من النيران، فتنقطع الأسباب و الأنساب يوم القيامة إلا سببه و نسبه. فسجد آدم شكرا لله أن جعل ذلك في ذريته، فعوضه الله عن ذلك السجود أن أسجد له ملائكته».

432/ [17]- و عن الصادق (عليه السلام)، في قوله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ: «أن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه: اللهم بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلا تبت علي فتاب الله عليه».

433/ [18]- العياشي: عن جابر، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن تفسير هذه الآية في باطن القرآن: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ. قال: «تفسير الهدى علي (عليه السلام)، قال الله فيه:

فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ».

سورة البقرة(2): آية 39 ..... ص : 198

قوله تعالى:

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [39]

434/ [1]- الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام)، قال: «قال الله تعالى: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الدالات على صدق محمد على ما جاء به من أخبار القرون السالفة، و على ما أداه إلى عباد الله من ذكر تفضيله لعلي و آله الطيبين خير الفاضلين و الفاضلات، بعد محمد سيد البريات أُولئِكَ الدافعون لصدق محمد في إنبائه، و المكذبون له في نصب أوليائه:

علي سيد الأوصياء، و المنتجبين من ذريته الطاهرين أصحاب النار هم

__________________________________________________

16- ... غاية المرام: 393/ 3.

17- معاني الأخبار: 125/ 1، المناقب لابن المغازلي 63/ 89 كلاهما عن ابن عباس «نحوه».

18- تفسير العياشي 1: 41/ 29.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): 227/ 106.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 199

فيها خالدون».

سورة البقرة(2): آية 40 ..... ص : 199

يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَ إِيَّايَ فَارْهَبُونِ [40]

435/ [1]- قال الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ «1» لما بعثت محمدا و أقررته في مدينتكم، و لم أجشمكم «2» الحط و الترحال إليه، و أوضحت علاماته و دلائل صدقه لئلا يشتبه عليكم حاله.

وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي الذي أخذته على أسلافكم أنبياؤكم، و أمروا «3» أن يؤدوه إلى أخلافهم، ليؤمنن «4» بمحمد العربي القرشي الهاشمي، المبان بالآيات، و المؤيد بالمعجزات التي منها: أن كلمته ذراع مسمومة، و ناطقه ذئب، و حن عليه عود المنبر، و كثر الله له القليل من الطعام، و ألان له الصلب من الأحجار، و صلب له المياه السيالة، و لم يؤيد نبيا من أنبيائه بدلالة إلا جعل له مثلها أو أفضل منها.

و الذي جعل من أكبر أوليائه «5» علي بن أبي طالب (عليه السلام) شقيقه و رفيقه عقله من عقله، و علمه من علمه، و حلمه من حلمه، مؤيد دينه بسيفه الباتر، بعد أن قطع معاذير المعاندين بدليله القاهر، و علمه الفاضل، و فضله الكامل.

أُوفِ بِعَهْدِكُمْ الذي أوجبت لكم به نعيم الأبد في دار الكرامة، و مستقر الرحمة. وَ إِيَّايَ فَارْهَبُونِ في مخالفة محمد (صلى الله عليه و آله)، فإني القادر

على صرف بلاء من يعاديكم على موافقتي، و هم الذين لا يقدرون على صرف انتقامي عنكم، إذا آثرتم مخالفتي».

436/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري، قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كان

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 227/ 107. [.....]

2- علل الشرائع: 43/ 1.

(1) في المصدر: يا بنى إسراءيل ولد يعقوب إسرائيل اللّه اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ.

(2) جشّمته الأمر تجشيما و أجشمته، إذا كلّفته إيّاه. «الصحاح- جشم- 5: 1888».

(3) في المصدر: و أمروهم.

(4) في المصدر: ليؤمنوا.

(5) في المصدر: آياته.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 200

يعقوب و عيص توأمين، فولد عيص ثم ولد يعقوب، فسمي يعقوب لأنه خرج بعقب أخيه عيص، و يعقوب هو إسرائيل، و معنى إسرائيل عبد الله، لأن (إسرا) هو عبد، و (ئيل) هو الله عز و جل».

437/ [3]- و روي في خبر آخر: «أن (إسرا) هو القوة، و (إيل) هو الله، فمعنى إسرائيل قوة الله عز و جل».

438/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال له رجل: جعلت فداك، إن الله يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ «1» و إنا ندعو فلا يستجاب لنا! قال: «لأنكم لا توفون بعهد الله، لو وفيتم لو في الله لكم».

439/ [5]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي قال: «بولاية أمير المؤمنين (عليه

السلام) أُوفِ بِعَهْدِكُمْ أوف لكم بالجنة».

440/ [6]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي القرشي، قال: حدثنا أبو الربيع الزهراني، قال: حدثنا حريز، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «لما أنزل الله تبارك و تعالى: وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ و الله، لقد خرج آدم من الدنيا و قد عاهد [قومه ] على الوفاء لولده شيث، فما وفى له، و لقد خرج نوح من الدنيا و عاهد قومه على الوفاء لولده «2» سام، فما وفت أمته، و لقد خرج إبراهيم من الدنيا و عاهد قومه على الوفاء لولده «3» إسماعيل، فما وفت أمته، و لقد خرج موسى من الدنيا و عاهد قومه على الوفاء. لوصيه يوشع بن نون فما وفت أمته، و لقد رفع عيسى بن مريم إلى السماء «4» و قد عاهد قومه [على الوفاء] لوصيه شمعون بن حمون الصفا فما وفت أمته.

و إني مفارقكم عن قريب و خارج من بين أظهركم، و قد عهدت إلى أمتي في «5» علي بن أبي طالب، و إنها لراكبة سنن من قبلها من الأمم في مخالفة وصيي و عصيانه، ألا و إني مجدد عليكم عهدي في علي فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً «6».

أيها الناس، إن عليا إمامكم من بعدي، و خليفتي عليكم، و هو وصيي و وزيري و أخي و ناصري، و زوج ابنتي، و أبو ولدي، و صاحب شفاعتي و حوضي و لوائي، من أنكره فقد أنكرني، و من أنكرني فقد أنكر

الله عز و جل،

__________________________________________________

3- علل الشرائع: 43/ 2، و معاني الأخبار: 49/ 1.

4- تفسير القمّي 1: 46.

5- الكافي 1: 357/ 89.

6- معاني الأخبار: 372/ 1.

(1) غافر 40: 60.

(2، 3) في المصدر: لوصيه.

(4) (إلى السّماء) ليس في «ط».

(5) زاد في «ط»: عهد. [.....]

(6) الفتح 48: 10.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 201

و من أقر بإمامته فقد أقر بنبوتي، و من أقر بنبوتي فقد أقر بوحدانية الله عز و جل.

أيها الناس، من عصى عليا فقد عصاني، و من عصاني فقد عصى الله عز و جل، و من أطاع عليا فقد أطاعني، و من أطاعني فقد أطاع الله عز و جل.

يا أيها الناس، من رد على علي في قول أو فعل فقد رد علي، و من رد علي فقد رد على الله عز و جل فوق عرشه.

يا أيها الناس، من اختار منكم على علي إماما فقد اختار علي نبيا، و من اختار علي نبيا فقد اختار على الله عز و جل ربا.

يا أيها الناس، إن عليا سيد الوصيين، و قائد الغر المحجلين، و مولى المؤمنين، وليه وليي، و وليي ولي الله، و عدوه عدوي، و عدوي عدو الله عز و جل.

أيها الناس، أوفوا بعهد الله في علي يوف لكم بالجنة «1» يوم القيامة».

441/ [7]- العياشي: عن سماعة بن مهران، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ؟ قال: «أوفوا بولاية علي فرضا من الله أوف لكم الجنة».

سورة البقرة(2): آية 41 ..... ص : 201

قوله تعالى:

وَ آمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَ إِيَّايَ فَاتَّقُونِ [41]

442/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل

لليهود: وَ آمِنُوا أيها اليهود بِما أَنْزَلْتُ على محمد «2» من ذكر نبوته، و انباء إمامة أخيه علي و عترته الطاهرين مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ فإن مثل هذا الذكر في كتابكم: أن محمدا النبي سيد الأولين و الآخرين، المؤيد بسيد الوصيين، و خليفة رسول رب العالمين، فاروق هذه الأمة، و باب مدينة الحكمة، و وصي رسول «3» الرحمة.

وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي المنزلة بنبوة محمد، و إمامة علي و الطيبين من عترته ثَمَناً قَلِيلًا بأن تجحدوا

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 1: 42/ 30.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 228/ 108.

(1) في المصدر: في الجنّة.

(2) في المصدر زيادة: نبيي.

(3) في المصدر زيادة: رب.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 202

نبوة النبي محمد (صلى الله عليه و آله) و إمامة الأئمة (عليهم السلام) «1»، و تعتاضوا عنها عرض الدنيا، فإن ذلك- و إن كثر- إلى نفاد و خسار و بوار «2».

ثم قال عز و جل: وَ إِيَّايَ فَاتَّقُونِ في كتمان أمر محمد و أمر وصيه، فإنكم إن تتقوا لم تقدحوا في نبوة النبي و لا في وصية الوصي، بل حجج الله عليكم قائمة، و براهينه بذلك واضحة، قد قطعت معاذيركم، و أبطلت تمويهكم «3».

و هؤلاء يهود المدينة جحدوا نبوة محمد (صلى الله عليه و آله) و خانوه، و قالوا: نحن نعلم أن محمدا نبي، و أن عليا وصيه، و لكن لست أنت ذاك و لا هذا- يشيرون إلى علي- فأنطق الله ثيابهم التي عليهم، و خفافهم التي في أرجلهم، يقول كل واحد منهم للابسه: كذبت يا عدو الله، بل النبي محمد هذا، و الوصي علي هذا، و لو أذن الله لنا لضغطناكم و عقرناكم «4» و قتلناكم.

فقال رسول الله (صلى

الله عليه و آله): إن الله عز و جل يمهلهم لعلمه بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات طيبات مؤمنات، و لو تزيلوا «5» لعذب «6» هؤلاء عذابا أليما، إنما يعجل من يخاف الفوت».

443/]- العياشي: عن جابر الجعفي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن تفسير هذه الآية في باطن القرآن وَ آمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ، قال: «يعني فلانا و صاحبه و من تبعهم و دان بدينهم، قال الله يعنيهم: وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ يعني عليا (عليه السلام)».

سورة البقرة(2): الآيات 42 الي 43 ..... ص : 202

قوله تعالى:

وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [42] وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [43]

444/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «خاطب الله بها قوما من اليهود ألبسوا «7» الحق بالباطل بأن زعموا

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 1: 42/ 31.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 230/ 109 و 110.

(1) في المصدر: و إمامة الإمام (عليه السّلام) و آلهما.

(2) البوار: الهلاك. «الصحاح- بور- 2: 598».

(3) التمويه: التلبيس. و قول مموّه، أي مزخرف أو ممزوج من الحقّ و الباطل. «مجمع البحرين- موه- 6: 363».

(4) عقره، أي جرحه. «الصحاح- عقر- 2: 753».

(5) زيّلته فتزيّل، أي فرّقته فتفرّق. «مجمع البحرين- زيل- 5: 389».

(6) في المصدر زيادة: اللّه. [.....]

(7) في المصدر: لبّسوا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 203

أن محمدا نبي، و أن عليا وصي، و لكنهما يأتيان بعد وقتنا هذا بخمسمائة سنة. فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه و آله):

أ ترضون التوراة بيني و بينكم حكما؟ فقالوا: بلى. فجاءوا بها، و جعلوا يقرءون منها خلاف ما فيها، فقلب الله عز و جل الطومار «1»

الذي كانوا «2» يقرءون فيه «3»، و هو في يد قراءين منهم، مع أحدهما أوله، و مع الآخر آخره، فانقلب ثعبانا له رأسان، و تناول كل رأس منهما يمين من هو في يده، و جعل يرضضه «4» و يهشمه، و يصيح الرجلان و يصرخان.

و كانت هناك طوامير أخر، فنطقت و قالت: لا تزالان في العذاب حتى تقرءا ما فيها من صفة محمد (صلى الله عليه و آله) و نبوته، و صفة علي (عليه السلام) و إمامته على ما أنزل الله تعالى «5»، فقرءاه صحيحا، و آمنا برسول الله (صلى الله عليه و آله)، و اعتقدا إمامة علي ولي الله و وصي رسول الله (صلى الله عليه و آله).

فقال الله عز و جل: وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ بأن تقروا لمحمد (صلى الله عليه و آله) و علي (عليه السلام) من وجه، و تجحدوهما من وجه، و بأن تَكْتُمُوا الْحَقَّ من نبوة محمد هذا، و إمامة علي هذا وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنكم تكتمونه، و تكابرون علومكم و عقولكم، فإن الله- إذا كان قد جعل أخباركم حجة، ثم جحدتم- لم يضيع هو حجته، بل يقيمها من غير جهتكم، فلا تقدروا أنكم تغالبون ربكم و تقاهرونه.

قال الله عز و جل لهؤلاء: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ قال: أقيموا الصلاة المكتوبة التي جاء بها محمد (صلى الله عليه و آله)، و أقيموا أيضا الصلاة على محمد و آله الطيبين الطاهرين الذين علي (عليه السلام) سيدهم و فاضلهم. وَ آتُوا الزَّكاةَ من أموالكم إذا وجبت، و من أبدانكم إذا لزمت، و من معونتكم إذا التمست.

وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ تواضعوا مع المتواضعين لعظمة الله عز و

جل في الانقياد لأولياء الله محمد نبي الله، و علي ولي الله، و الأئمة بعدهما سادة أصفياء الله».

445/ [2]- الشيخ الطوسي: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن إسحاق بن المبارك، قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن صدقة الفطرة، أ هي مما قال الله: أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ؟ فقال: «نعم».

446/ [3]- العياشي: عن إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ؟ قال: «هي الفطرة التي افترض الله على المؤمنين».

__________________________________________________

2- التّهذيب 4: 89/ 262.

3- تفسير العيّاشي 1: 42/ 32.

(1) الطومار: الصحيفة. «لسان العرب- طمر- 4: 503».

(2) في المصدر زيادة: منه.

(3) (فيه) ليس في المصدر.

(4) الرضّ: الدقّ و الجرش. «القاموس المحيط- رضض- 2: 343».

(5) في المصدر زيادة: فيها.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 204

447/ [4]- عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: سألته عن صدقة الفطرة، أ واجبة هي بمنزلة الزكاة؟ فقال: «هي مما قال الله: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ هي واجبة».

448/ [5]- عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام)- و ليس عنده غير ابنه جعفر- عن زكاة الفطرة؟ فقال:

«يؤدي الرجل عن نفسه و عياله، و عن رقيقه الذكر منهم و الأنثى، و الصغير منهم و الكبير، صاعا من تمر عن كل إنسان، أو نصف صاع من حنطة، و هي الزكاة التي فرضها الله على المؤمنين مع الصلاة، على الغني و الفقير منهم، و هم جل الناس، و أصحاب الأموال أجل الناس».

قال: و قلت: على الفقير الذي يتصدق عليه «1»؟ قال: «نعم، يعطي ما يتصدق به عليه».

449/ [6]- عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله

(عليه السلام)، قال: «نزلت الزكاة و ليس للناس الأموال، و إنما كانت الفطرة».

450/ [7]- عن سالم بن مكرم الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «أعط الفطرة قبل الصلاة، و هو قول الله وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ و الذي يأخذ الفطرة عليه أن يؤدي عن نفسه و عن عياله، و إن لم يعطها حتى ينصرف من صلاته فلا تعد له فطرة».

451/ [8]- ابن شهر آشوب: عن أبي عبيدة المرزباني و أبي نعيم الأصفهاني في كتابيهما (في ما نزل من القرآن في علي) و النطنزي في (الخصائص) و روى أصحابنا عن الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ «نزلت في رسول الله و علي بن أبي طالب، و هما أول من صلى و ركع».

و روى موفق بن أحمد في كتابه بإسناده عن أبي صالح، عن ابن عباس، الحديث بعينه «2».

و روى أيضا الحبري، عن ابن عباس، الحديث بعينه. «3»

سورة البقرة(2): آية 44 ..... ص : 204

قوله تعالى:

أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ [44]

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 1: 42/ 33.

5- تفسير العيّاشي 1: 42/ 34.

6- تفسير العيّاشي 1: 43/ 35.

7- تفسير العيّاشي 1: 43/ 36.

8- المناقب 2: 13، النور المشتعل: 40/ 1.

(1) في المصدر: عليهم. [.....]

(2) مناقب الخوارزمي: 198.

(3) تفسير الحبري: 237/ 5.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 205

452/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال عز و جل لقوم من مردة اليهود و منافقيهم المحتجبين «1» لأموال الفقراء، المستأكلين «2» للأغنياء، الذين يأمرون بالخير و يتركونه، و ينهون عن الشر و يرتكبونه، قال: يا معاشر اليهود، أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ بالصدقات و أداء الأمانات وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ

تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ ما به تأمرون وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ التوراة الآمرة بالخيرات و الناهية عن المنكرات، المخبرة عن عقاب المتمردين، و [عن ] عظيم الشرف الذي يتطول الله به على الطائعين المجتهدين أَ فَلا تَعْقِلُونَ ما عليكم من عقاب الله عز و جل في أمركم بما به لا تأخذون، و في نهيكم عما أنتم فيه منهمكون.

و كان هؤلاء قوم من رؤساء اليهود و علمائهم احتجبوا «3» أموال الصدقات و المبرات فأكلوها و اقتطعوها، ثم حضروا رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و قد حشروا «4» عليه عوامهم، يقولون: إن محمدا تعدى طوره، و ادعى ما ليس له.

فجاءوا بأجمعهم إلى حضرته، و قد اعتقد عامتهم أن يقعوا برسول الله فيقتلوه، و لو أنه في جماهير أصحابه، لا يبالون بما آتاهم به الدهر، فلما حضروه و كثروا و كانوا بين يديه، قال لهم رؤساؤهم- و قد واطئوا عوامهم على أنهم إذا أفحموا محمدا وضعوا عليه سيوفهم، فقال رؤساؤهم-: يا محمد، جئت تزعم أنك رسول رب العالمين نظير موسى و سائر الأنبياء المتقدمين؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أما قولي: إني رسول الله فنعم، و أما أن أقول: إني أنا نظير موسى و سائر الأنبياء، فما أقول هذا، و ما كنت لأصغر ما عظمه الله تعالى من قدري، بل قال ربي: يا محمد، إن فضلك على جميع الأنبياء و المرسلين و الملائكة المقربين كفضلي- و أنا رب العزة- على سائر الخلق أجمعين و كذلك ما قال الله تعالى لموسى لما ظن أنه قد فضله على جميع العالمين. فغلظ ذلك على اليهود، و هموا بقتله، فذهبوا يسلون سيوفهم فما منهم أحد إلا وجد يديه

إلى خلفه كالمكتوف، يابسا لا يقدر أن يحركهما و تحيروا.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله)- و رأى ما بهم من الحيرة-: لا تجزعوا، فخير أراد الله بكم، منعكم من التوثب «5» على وليه، و حبسكم على استماع حججه في نبوة محمد و وصية أخيه علي.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): معاشر اليهود، هؤلاء رؤساؤكم كافرون، و لأموالكم محتجبون، و لحقوقكم باخسون، و لكم- في قسمة من بعد ما اقتطعوه- ظالمون، يخفضون فيرفعون.

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 233/ 114.

(1) في المصدر: المحتجنين. احتجنته: إذا جذبته بالمحجن إلى نفسك، «الصحاح- حجن- 5: 2097». و المحجن كالصولجان.

(2) يستأكل الضعفا، أي يأخذ أموالهم. «الصحاح- أكل- 4: 1625».

(3) في المصدر: احتجنوا.

(4) حشرت النّاس: جمعتهم. «الصحاح- حشر- 2: 630».

(5) في المصدر: الوثوب.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 206

فقالت رؤساء اليهود: حدث عن موضع الحجة، أ حجة نبوتك و وصية علي أخيك هذا، دعواك الأباطيل و إغراؤك قومنا بنا؟ «1».

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا، و لكن الله عز و جل قد أذن لنبيه أن يدعو بالأموال التي تختانونها «2» من هؤلاء الضعفاء و من يليهم فيحضرها ها هنا بين يديه، و كذلك يدعو حساباتكم»

فيحضرها لديه، ثم يدعو من واطأتموه على اقتطاع أموال الضعفاء فينطق باقتطاعهم جوارحهم، و كذلك ينطق باقتطاعكم جوارحكم.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا ملائكة ربي، أحضروني أصناف الأموال التي اقتطعها هؤلاء الظالمون لعوامهم فإذا الدراهم في الأكياس، و الدنانير و «4» الثياب و الحيوانات و أصناف الأموال منحدرة عليهم سرحا «5» حتى استقرت بين أيديهم.

ثم قال (صلى الله عليه و آله): آتوا بحسابات

هؤلاء الظالمين الذين غالطوا بها هؤلاء الفقراء، فإذا الأدراج «6» تنزل عليهم، فلما استقرت على الأرض، قال: خذوها فأخذوها فقرءوا فيها: نصيب كل قوم كذا و كذا.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا ملائكة ربي، اكتبوا تحت اسم كل واحد من هؤلاء ما سرقوا منه و بينوه فظهرت كتابة بينة: لا بل نصيب كل واحد «7» كذا و كذا، فإذا إنهم قد خانوهم عشرة أمثال ما دفعوا إليهم.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا ملائكة ربي، ميزوا من هذه الأموال الحاضرة كل ما فضل مما بينه هؤلاء الظالمون، لتؤدى إلى مستحقها فاضطربت تلك الأموال، و جعلت تفصل بعضها من بعض حتى تميزت أجزاؤها كما ظهر في الكتاب المكتوب، و بين أنهم سرقوه و اقتطعوه، فدفع رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى من حضر من عوامهم نصيبهم «8»، و بعث إلى من غاب فأعطاه، و أعطى ورثة من قد مات، و فضح الله اليهود و الرؤساء، و غلب الشقاء على بعضهم و بعض العوام، و وفق الله بعضهم.

فقال الرؤساء الذين هموا بالإسلام: نشهد- يا محمد- أنك النبي الأفضل، و أن أخاك هذا هو الوصي الأجل الأكمل، فقد فضحنا الله بذنوبنا، أ رأيت إن تبنا و أقلعنا ماذا تكون حالنا؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إذن أنتم رفقاؤنا في الجنان، و تكونون في الدنيا في دين الله إخواننا، و يوسع الله تعالى أرزاقكم، و تجدون في مواضع هذه الأموال التي أخذت منكم أضعافا «9»، و ينسى هؤلاء الخلق

__________________________________________________

(1) أغرى الإنسان غيره بالشّي ء: حرّضه عليه. «المعجم الوسيط- غرا- 2: 651».

(2) خانّ الشي ء: نقّصه. «المعجم الوسيط- خان- 1: 263». و

في المصدر: خنتموها.

(3) في المصدر: حسباناتكم.

(4) في المصدر زيادة: إذا.

(5) سرحا: أي سهلا سريعا. «لسان العرب- سرح- 2: 479»، و في المصدر: من حالق، أي من مكان مشرف. «الصحاح- حلق- 4: 1463».

(6) الدرّج: و هو الذي يكتب فيه. «الصحاح- درج- 1: 314». [.....]

(7) في «ط»: قوم.

(8) في المصدر: نصيبه.

(9) في المصدر: أضعافها.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 207

فضيحتكم حتى لا يذكرها أحد منهم.

فقالوا: إنا نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أنك- يا محمد- عبده و رسوله و صفيه و خليله، و أن عليا أخوك و وزيرك، و القيم بدينك، و النائب عنك، و المناضل دونك، و هو منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدك. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): فأنتم المفلحون».

453/ [2]- العياشي: عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت: قوله: أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ؟ قال: فوضع يده على حلقه، قال كالذابح نفسه. «1»

454/ [3]- و قال الحجال- عن أبي «2» إسحاق، عمن ذكره-: وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ: أي تتركون.

455/ [4]- و قال علي بن إبراهيم في الآية: نزلت في القصاص و الخطاب، و هو

قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «و على كل منبر منهم خطيب مصقع «3»، يكذب على الله و على رسوله و على كتابه».

و قال الكميت في ذلك:

مصيب على الأعواد يوم ركوبها لما قال فيها، مخطئ حين ينزل

و لغيره في هذا المعنى:

و غير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي الناس و هو «4» عليل

سورة البقرة(2): الآيات 44 الي 46 ..... ص : 207

قوله تعالى:

وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ [45] الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَ أَنَّهُمْ إِلَيْهِ

راجِعُونَ [46]

456/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل لسائر اليهود و الكافرين و المشركين:

__________________________________________________

2- تفسير العياشي 1: 43/ 37.

3- تفسير العياشي 1: 43/ 38.

4- تفسير القمي 1: 46.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): 237/ 115- 117.

(1) لعل المراد:

قال الإمام (عليه السلام): إن من يأمر الناس بالبر و ينسى نفسه، فهو كالذابح نفسه.

أو أن الإمام (عليه السلام) أشار كالذابح نفسه و الثاني أظهر.

(2) في المصدر: ابن، و لعله صحيح أيضا، فقد روى الحجال عن أبي إسحاق الشعيري و عبيد بن إسحاق. راجع معجم رجال الحديث 11: 45، 21: 18: 22: 38، 23: 77.

(3) أي بليغ. «الصحاح- صقع- 3: 1244».

(4) في «ط»: يداوي و الطبيب.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 208

وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ بالصبر عن الحرام، و على تأدية الأمانات، و بالصبر عن الرئاسات الباطلة، و على الاعتراف لمحمد بنبوته و لعلي بوصيته.

و استعينوا بالصبر على خدمتهما، و خدمة من يأمرانكم بخدمته على استحقاق الرضوان و الغفران و دائم نعيم الجنان في جوار الرحمن، و مرافقة خيار المؤمنين، و التمتع بالنظر إلى عترة محمد سيد الأولين و الآخرين، و علي سيد الوصيين و السادة الأخيار المنتجبين. فإن ذلك أقر لعيونكم، و أتم لسروركم، و أكمل لهدايتكم من سائر نعيم الجنان، و استعينوا أيضا بالصلوات الخمس، و بالصلاة على محمد و آله الطيبين سادة الأخيار على قرب الوصول إلى جنات النعيم.

وَ إِنَّها أي هذه الفعلة من الصلوات الخمس، و الصلاة على محمد و آله الطيبين مع الانقياد لأوامرهم، و الإيمان بسرهم و علانيتهم، و ترك معارضتهم ب (لم و كيف) لَكَبِيرَةٌ عظيمة إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ الخائفين من عقاب الله

في مخالفته في أعظم فرائضه.

ثم وصف الخاشعين فقال: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ الذين يقدرون أنهم يلقون ربهم، اللقاء الذي هو أعظم كراماته لعباده، و إنما قال: يَظُنُّونَ لأنهم لا يدرون بماذا يختم لهم، و العاقبة مستورة [عنهم ] وَ أَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ إلى كراماته و نعيم جنانه، لإيمانهم و خشوعهم، لا يعلمون ذلك يقينا لأنهم لا يأمنون أن يغيروا و يبدلوا.

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة، لا يتيقن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون وقت نزوع روحه، و ظهور ملك الموت له».

457/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد «1» بن عيسى، عن شعيب العقرقوفي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: كان (عليه السلام) إذا أهاله شي ء فزع إلى الصلاة، ثم تلا هذه الآية: وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ.

458/ [3]- عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سليمان «2»، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ. قال: «الصبر: الصيام».

و قال: «إذا نزلت بالرجل النازلة الشديدة فليصم، فإن الله عز و جل يقول: وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ يعني الصيام».

__________________________________________________

2- الكافي 2: 480/ 1.

3- الكافي 4: 63/ 7.

(1) في «س»: أحمد، و هو تصحيف، إذ أكثر حمّاد من روايته عن شعيب، و روى كتابه أيضا، راجع رجال النجاشي: 195/ 520 و معجم رجال الحديث 9: 34. [.....]

(2) (عن سليمان) ليس في «س»، و إثباتها أنسب، راجع معجم رجال الحديث 22: 103.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 209

459/ [4]- العياشي: عن مسمع،

قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا مسمع، ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غم من غموم الدنيا أن يتوضأ، ثم يدخل مسجده فيركع ركعتين فيدعو الله فيهما؟ أما سمعت الله يقول: وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ».

460/ [5]- عن عبد الله بن طلحة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ.

قال: «الصبر: هو الصوم».

461/ [6]- عن سليمان الفراء، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في قول الله تعالى: وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ.

قال: «الصبر: الصوم، إذا نزلت بالرجل الشدة أو النازلة فليصم، فإن الله عز و جل يقول: وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ و الصبر: الصوم».

462/ [7]- ابن شهر آشوب: عن الباقر (عليه السلام) و ابن عباس، في قوله: وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ «الخاشع: الذليل في صلاته المقبل عليها، يعني رسول الله و أمير المؤمنين (عليهما السلام)».

463/ [8]- و روي ذلك من طريق المخالفين، عن ابن عباس، بزيادة قوله تعالى: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَ أَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ نزلت في علي و عثمان بن مظعون و عمار بن ياسر و أصحاب لهم.

464/ [9]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان (رحمه الله)، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، عن بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر، قال: حدثني محمد بن الحسن بن عبد العزيز الأحدب الجنديسابوري، قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا طلحة بن زيد «1»، عن عبيد الله «2» بن عبيد، عن أبي معمر السعداني، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، في قوله تعالى: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ «يعني يوقنون أنهم يبعثون و

يحشرون و يحاسبون، و يجزون بالثواب و العقاب، و الظن ها هنا اليقين».

465/ [10]- العياشي: عن أبي معمر، عن علي (عليه السلام)، في قوله: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ.

يقول: «يوقنون أنهم مبعوثون، و الظن منهم يقين».

466/ [11]- علي بن إبراهيم: قوله تعالى: وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ يعني الصلاة.

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 1: 43/ 39.

5- تفسير العيّاشي 1: 43/ 40.

6- تفسير العيّاشي 1: 43/ 41.

7- المناقب 1: 20، تفسير الحبري: 238/ 6.

8- تفسير الحبري: 239/ 7، شواهد التنزيل 1: 89/ 126.

9- التّوحيد: 267/ 5.

10- تفسير العيّاشي 1: 44/ 42.

11- تفسير القمّي 1: 46.

(1) في المصدر: يزيد.

(2) في «ط»: عبد اللّه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 210

و قوله: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَ أَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ قال علي بن إبراهيم: الظن في كتاب الله على وجهين: فمنه ظن يقين، و منه ظن شك ففي هذا الموضع يقين، و إنما الشك قوله: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَ ما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ «1» وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ «2».

سورة البقرة(2): الآيات 47 الي 48 ..... ص : 210

قوله تعالى:

يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ [47] وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَ لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ [48]

467/ [1]- العياشي: عن هارون بن محمد الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: يا بَنِي إِسْرائِيلَ. قال: «هم نحن خاصة».

468/ [2]- عن محمد بن علي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قوله تعالى: يا بَنِي إِسْرائِيلَ.

قال: «هي خاصة بآل محمد».

469/ [3]- عن أبي داود، عمن سمع رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول:

«أنا عبد الله اسمي أحمد، و أنا عبد الله اسمي إسرائيل، فما أمره فقد أمرني، و ما عناه فقد عناني».

470/ [4]- قال الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ أن بعثت موسى و هارون إلى أسلافكم بالنبوة، فهديناهم إلى نبوة محمد (صلى الله عليه و آله) و وصيه علي (عليه السلام) و إمامة عترته الطيبين، و أخذنا عليكم بذلك العهود و المواثيق، التي إن وافيتم بها كنتم ملوكا في جنان المستحقين «3» لكراماته و رضوانه.

وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ هناك، أي فعلته بأسلافكم، فضلتهم دينا و دنيا: فأما تفضيلهم في الدين

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1: 44/ 43.

2- تفسير العيّاشي 1: 44/ 44.

3- تفسير العيّاشي 1: 44/ 45. [.....]

4- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 240/ 118 و 119.

(1) الجاثية 45: 32.

(2) الفتح 48: 12.

(3) في المصدر: جنانه مستحقين.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 211

فلقبولهم ولاية «1» محمد (صلى الله عليه و آله) و «2» علي و آلهما الطيبين، و أما في الدنيا فإني ظللت عليهم الغمام، و أنزلت عليهم المن و السلوى، و أسقيتهم من حجر ماء عذبا، و فقلت لهم البحر، و أنجيتهم، و أغرقت أعداءهم فرعون و قومه، و فضلتهم بذلك على عالمي زمانهم الذين خالفوا طرائقهم، و حادوا عن سبيلهم.

ثم قال الله عز و جل: فإذا كنت قد فعلت هذا بأسلافكم في ذلك الزمان بقبولهم ولاية محمد «3»، فبالحري أن أزيدكم فضلا في هذا الزمان، إن أنتم وفيتم بما أخذ من العهد و الميثاق عليكم.

ثم قال الله عز و جل: وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً لا

تدفع عنها عذابا قد استحقته عند النزع وَ لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ يشفع لها بتأخر «4» الموت عنها وَ لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ لا يقبل منها فداء مكانه، يمات و يترك هو فداء «5».

قال الصادق (عليه السلام): و هذا اليوم يوم الموت، فإن الشفاعة و الفداء لا تغني عنه، فأما في القيامة فإنا و أهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء، ليكونن على الأعراف بين الجنة و النار محمد (صلى الله عليه و آله) و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام) و الطيبون من آلهم، فنرى بعض شيعتنا في تلك العرصات، ممن كان منهم مقصرا، في بعض شدائدها، فنبعث عليهم خير شيعتنا كسلمان و المقداد و أبي ذر و عمار و نظرائهم في العصر الذي يليهم، و في كل عصر إلى يوم القيامة، فينقضون «6» عليهم كالبزاة «7» و الصقور فيتناولونهم كما تتناول البزاة و الصقور صيدها، فيزفونهم إلى الجنة زفا.

و إنا لنبعث على آخرين من محبينا و خيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهم من العرصات كما يلتقط الطير الحب، و ينقلونهم إلى الجنان بحضرتنا، و سيؤتى بالواحد من مقصري شيعتنا في أعماله، بعد أن قد حاز الولاية و التقية و حقوق إخوانه، و يوقف بإزائه ما بين مائة و أكثر من ذلك إلى مائة ألف من النصاب، فيقال له: هؤلاء فداؤك من النار فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنة، و هؤلاء «8» النصاب النار، و ذلك ما قال الله عز و جل: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا «9» يعني بالولاية لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ «10» في الدنيا منقادين للإمامة، ليجعل مخالفوهم فداءهم من النار».

471/ [5]- ابن بابويه، بإسناده عن أمية بن يزيد القرشي، قال: قيل لرسول الله (صلى

الله عليه و آله): ما العدل، يا

__________________________________________________

5- معاني الأخبار: 265/ 2.

(1) في المصدر: نبوة.

(2) في المصدر: و ولاية.

(3) في المصدر: ولاية محمّد و آله.

(4) في المصدر: بتأخير.

(5) (فداء) ليس في المصدر.

(6) انقضّ الطائر: هوى في طيرانه. «الصحاح- قضض- 3: 1102».

(7) البزاة: جمع بازي، و هو جنس من الصقور الصغيرة أو المتوسطة الحجم، و من أنواعه: الباشق، و البيدق. «المعجم الوسيط- بزا- 1: 55».

(8) في المصدر: و أولئك.

(9، 10) الحجر 15: 2. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 212

رسول الله؟ قال: «الفدية». قال: قيل: ما الصرف، يا رسول الله؟ قال: «التوبة».

قال مؤلف هذا الكتاب: لا منافاة بين التفسيرين في بني إسرائيل بحمل أحد التفسيرين على الظاهر، و الآخر على الباطن.

سورة البقرة(2): آية 49 ..... ص : 212

قوله تعالى:

وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ [49]

472/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله: و اذكروا، يا بني إسرائيل إِذْ نَجَّيْناكُمْ أنجينا أسلافكم مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ و هم الذين كانوا يدنون إليه بقرابته و بدينه و مذهبه يَسُومُونَكُمْ يعذبونكم سُوءَ الْعَذابِ شدة العذاب، كانوا يحملونه عليكم».

قال: «و كان من عذابهم الشديد أنه كان فرعون يكلفهم عمل البناء و الطين، و يخاف أن يهربوا عن العمل، فأمر بتقييدهم، فكانوا ينقلون ذلك الطين على السلالم إلى السطوح فربما سقط الواحد منهم فمات أو زمن «1» و لا يحفلون «2» بهم، إلى أن أوحى الله تعالى إلى موسى (عليه السلام): قل لهم: لا يبتدئون عملا إلا بالصلاة على محمد و آله الطيبين ليخف عليهم، فكانوا يفعلون ذلك فيخفف عليهم.

و أمر كل من سقط و زمن، ممن نسي الصلاة على محمد و آله،

بأن يقولها على نفسه إن أمكنه- أي الصلاة على محمد و آله- أو يقال عليه إن لم يمكنه، فإنه يقوم و لا يضره ذلك، ففعلوها فسلموا.

يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ و ذلك لما قيل لفرعون: إنه يولد في بني إسرائيل مولود يكون على يده هلاكك، و زوال ملكك فأمر بذبح أبنائهم، فكانت الواحدة منهن تصانع «3» القوابل عن نفسها لئلا تنم عليها [و يتم ] حملها، ثم تلقي ولدها في صحراء، أو غار جبل، أو مكان غامض، و تقول عليه عشر مرات الصلاة على محمد و آله، فيقيض «4» الله له ملكا يربيه و يدر من إصبع له لبنا يمصه، و من إصبع طعاما لينا يتغذاه، إلى أن نشأ بنو إسرائيل، فكان من سلم منهم و نشأ أكثر ممن قتل.

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 242/ 120.

(1) زمن: مرض مرضا يدوم زمانا طويلا، أو ضعف بكبر سنّ أو مطاولة علّة. «المعجم الوسيط- زمن- 1: 401».

(2) الحفل: المبالاة، يقال: ما أحفل بفلان، أي ما أبالي به. «لسان العرب- حفل- 11: 159».

(3) المصانعة: الرشوة. «الصحاح- صنع- 3: 1246».

(4) قيّض اللّه فلانا لفلان، أي جاء به و أتاحه له. «الصحاح- قيض- 3: 1104».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 213

وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ يبقونهن و يتخذونهن إماء، فضجوا إلى موسى (عليه السلام)، و قالوا: يفترشون «1» بناتنا و أخواتنا؟! فأمر الله البنات كلما رابهن ريب من ذلك صلين على محمد و آله الطيبين، فكان الله يرد عنهن أولئك الرجال، إما بشغل أو بمرض أو زمانة أو لطف من ألطافه، فلم تفترش منهن امرأة، بل دفع الله عز و جل «2» عنهن بصلاتهن على محمد و آله الطيبين.

ثم قال عز و جل: وَ

فِي ذلِكُمْ أي في ذلك الإنجاء الذي أنجاكم منه ربكم بَلاءٌ نعمة مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ كبير.

قال الله عز و جل: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا «3» إذ كان البلاء يصرف عن أسلافكم و يخفف بالصلاة على محمد و آله الطيبين، أ فلا تعلمون أنكم إذا شاهدتموهم و آمنتم بهم «4» كان النعمة عليكم أعظم و أفضل، و فضل الله لديكم «5» أكثر و أجزل».

سورة البقرة(2): الآيات 50 الي 53 ..... ص : 213

قوله تعالى:

وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [50] وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظالِمُونَ [51] ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [52] وَ إِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ الْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [53]

473/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل: و اذكروا إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ «6» فرقا، ينقطع بعضه من بعض، فَأَنْجَيْناكُمْ هناك و أغرقنا آل «7» فرعون و قومه وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إليهم و هم يغرقون.

و ذلك أن موسى (عليه السلام) لما انتهى إلى البحر، أوحى الله عز و جل إليه: قل لبني إسرائيل: جددوا توحيدي،

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 245/ 121- 123.

(1) افترشه: أي وطئه، و افترش الرجل المرأة للّذة. «الصحاح- فرش- 3: 1014»، «لسان العرب- فرش- 6: 327»، و في المصدر: يفترعون ..

(2) في «ط» و المصدر زيادة: ذلك.

(3) البقرة 2: 47.

(4) في المصدر: شاهدتموه و آمنتم به.

(5) في المصدر: عليكم.

(6) في المصدر: و اذكروا إذ جعلنا ماء البحر.

(7) (آل) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 214

و أقروا «1» بقلوبكم ذكر محمد سيد عبيدي و إمائي، و أعيدوا على أنفسكم الولاية لعلي أخي

محمد و آله الطيبين، و قولوا: اللهم بجاههم جوزنا على متن هذا الماء فإن الماء يتحول لكم أرضا. فقال لهم موسى (عليه السلام) ذلك، فقالوا: أ تورد علينا ما نكره، و هل فررنا من آل فرعون إلا من خوف الموت؟! و أنت تقتحم بنا هذا الماء الغمر بهذه الكلمات، و ما يدرينا ما يحدث من هذه علينا؟! فقال لموسى (عليه السلام) كالب بن يوحنا- و هو على دابة له، و كان ذلك الخليج أربعة فراسخ-: يا نبي الله، أمرك الله بهذا أن نقوله و ندخل الماء؟ قال: نعم. قال: و أنت تأمرني به؟ قال: نعم.

فوقف و جدد على نفسه من توحيد الله و نبوة محمد (صلى الله عليه و آله) و ولاية علي (عليه السلام) و الطيبين من آلهما ما أمره به، ثم قال: اللهم بجاههم جوزني على متن هذا الماء ثم أقحم فرسه، فركض على متن الماء، فإذا الماء تحته كأرض لينة حتى بلغ آخر الخليج، ثم عاد راكضا.

ثم قال لبني إسرائيل: يا بني إسرائيل، أطيعوا الله و أطيعوا موسى فما هذا الدعاء إلا مفاتيح «2» أبواب الجنان، و مغاليق أبواب النيران، و مستنزل «3» الأرزاق، و جالب على عباد الله و إمائه رضا «4» المهيمن الخلاق فأبوا، و قالوا: نحن لا نسير إلا على الأرض.

فأوحى الله تعالى إلى موسى: أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ «5» و قل: اللهم بجاه محمد و آله الطيبين لما فلقته ففعل، فانفلق و ظهرت الأرض إلى آخر الخليج.

فقال موسى (عليه السلام): ادخلوها قالوا: الأرض و حلة نخاف أن نرسب «6» فيها.

فقال الله عز و جل: يا موسى، قل: اللهم بحق محمد و آله الطيبين جففها فقالها، فأرسل الله عليها

ريح الصبا «7» فجفت. و قال موسى (عليه السلام): ادخلوها قالوا: يا نبي الله، نحن اثنتا عشرة قبيلة، بنو اثني عشر أبا، و إن دخلنا رام كل فريق منا تقدم صاحبه، و لا نأمن وقوع الشر بيننا، فلو كان لكل فريق منا طريق على حدة لأمنا ما نخافه.

فأمر الله موسى أن يضرب البحر بعددهم اثنتي عشرة ضربة في اثني عشر موضعا إلى جانب ذلك الموضع، و يقول: اللهم بجاه محمد و آله الطيبين بين الأرض لنا و أمط «8» الماء عنا فصار فيه تمام اثني عشر طريقا، و جف

__________________________________________________

(1) في «س»: و أمرّوا. [.....]

(2) في المصدر: مفتاح.

(3) في المصدر: و منزل.

(4) في المصدر زيادة: الرحمن.

(5) الشّعراء 26: 63.

(6) رسب الشّي ء: ثقل و صار إلى أسفل. «مجمع البحرين- رسب- 2: 70».

(7) الصبا: ريح، و مهبّها المستوي أن تهبّ من موضع مطلع الشّمس إذ استوى اللّيل و النّهار. «الصحاح- صبا- 6: 2398».

(8) أماط عنّي الأذى: أي أبعده عنّي و نحّاه. «مجمع البحرين- ميط- 4: 274».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 215

قرار الأرض بريح الصبا. فقال: ادخلوها قالوا: كل فريق منا يدخل سكة من هذه السكك لا يدري ما يحدث على الآخرين.

فقال الله عز و جل: فاضرب كل طود «1» من الماء بين هذه السكك فضرب، فقال: اللهم بجاه محمد و آله الطيبين لما جعلت في هذا الماء طيقانا «2» واسعة يرى بعضهم بعضا منها فحدثت طيقان واسعة يرى بعضهم بعضا منها، ثم دخلوها.

فلما بلغوا آخرها جاء فرعون و قومه، فدخل بعضهم، فلما دخل آخرهم، و هم بالخروج أولهم أمر الله تعالى البحر فانطبق عليهم، فغرقوا، و أصحاب موسى ينظرون إليهم، فذلك قوله عز و جل: وَ أَغْرَقْنا

آلَ فِرْعَوْنَ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إليهم.

قال الله عز و جل لبني إسرائيل في عهد محمد (صلى الله عليه و آله): فإذا كان الله تعالى فعل هذا كله بأسلافكم لكرامة محمد، و دعاء موسى، دعاء تقرب بهم [إلى الله ] أ فلا تعقلون أن عليكم الإيمان بمحمد و آله إذ «3» شاهدتموه الآن؟ ثم قال الله عز و جل: وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظالِمُونَ».

قال الإمام (عليه السلام): «كان موسى بن عمران (عليه السلام) يقول لبني إسرائيل: إذا فرج الله عنكم و أهلك أعداءكم أتيتكم بكتاب من ربكم، يشتمل على أوامره و نواهيه و مواعظه و عبره و أمثاله.

فلما فرج الله عنهم، أمر الله عز و جل أن يأتي للميعاد، و يصوم ثلاثين يوما عند أصل الجبل، و ظن موسى أنه بعد ذلك يعطيه الكتاب، فصام موسى ثلاثين يوما «4»، فلما كان في آخر الأيام استاك قبل الفطر. فأوحى الله عز و جل إليه: يا موسى، أما علمت أن خلوف «5» فم الصائم أطيب عندي من رائحة المسك؟ صم عشرا أخر و لا تستك عند الإفطار ففعل ذلك موسى (عليه السلام)، و كان وعد الله أن يعطيه الكتاب بعد أربعين ليلة، فأعطاه إياه.

فجاء السامري فشبه على مستضعفي بني إسرائيل، و قال: وعدكم موسى أن يرجع إليكم بعد أربعين ليلة، و هذه عشرون ليلة و عشرون يوما تمت أربعون، أخطأ موسى ربه، و قد أتاكم ربكم، أراد أن يريكم أنه قادر على أن يدعوكم إلى نفسه بنفسه، و أنه لم يبعث موسى لحاجة منه إليه فأظهر لهم العجل الذي كان عمله، فقالوا له: كيف يكون العجل إلهنا؟

قال لهم: إنما هذا

العجل مكلمكم «6» منه ربكم كما كلم موسى من الشجرة، فالإله في العجل كما كان في الشجرة فضلوا بذلك و أضلوا.

__________________________________________________

(1) الطود: الجبل العظيم. «الصحاح- طود- 2: 502».

(2) الطيقان: جمع طاق: و هو ما عطف من الأبنية. «الصحاح- طوق- 4: 1519».

(3) في المصدر زيادة: قد.

(4) في المصدر زيادة: عند أصل الجبل.

(5) الخلوف: رائحة الفم المتغيّرة. «مجمع البحرين- خلف- 5: 53».

(6) في المصدر: يكلمكم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 216

فقال موسى (عليه السلام): يا أيها العجل، أ كان فيك ربنا كما يزعم هؤلاء؟ فنطق العجل، و قال: عز ربنا عن أن يكون العجل حاويا له، أو شي ء من الشجر و الأمكنة عليه مشتملا، و لا له حاويا، لا- و الله، يا موسى- و لكن السامري نصب عجلا مؤخره إلى الحائط، و حفر في الجانب الآخر في الأرض، و أجلس فيه بعض مردته، فهو الذي وضع فاه على دبره، و تكلم لما قال: هذا إِلهُكُمْ وَ إِلهُ مُوسى «1» يا موسى بن عمران، ما خذل هؤلاء بعبادتي و اتخاذي إلها إلا بتهاونهم بالصلاة على محمد و آله الطيبين، و جحودهم بموالاتهم، و نبوة النبي و وصية الوصي حتى أداهم إلى أن اتخذوني إلها.

قال الله تعالى: فإذا كان الله تعالى إنما خذل عبدة العجل لتهاونهم بالصلاة على محمد و وصيه علي، فما تخافون من الخذلان الأكبر في معاندتكم لمحمد و علي و قد شاهدتموهما، و تبينتم آياتهما و دلائلهما؟

ثم قال الله عز و جل: ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي عفونا عن أوائلكم عبادتهم العجل، لعلكم- يا أيها الكائنون في عصر محمد من بني إسرائيل- تشكرون تلك النعمة على أسلافكم و عليكم بعدهم».

ثم قال (عليه

السلام): «و إنما عفا الله عز و جل عنهم لأنهم دعوا الله بمحمد و آله الطيبين، و جددوا على أنفسهم الولاية لمحمد و علي و آلهما الطاهرين، فعند ذلك رحمهم الله و عفا عنهم».

ثم قال عز و جل: وَ إِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ الْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ قال: «و اذكروا إذ آتينا موسى الكتاب- و هو التوراة- الذي أخذ على بني إسرائيل الإيمان به، و الانقياد لما يوجبه، و الفرقان آتيناه أيضا، فرق به ما بين الحق و الباطل، و فرق ما بين المحقين و المبطلين.

و ذلك أنه لما أكرمهم الله تعالى بالكتاب و الإيمان به، و الانقياد له، أوحى الله بعد ذلك إلى موسى (عليه السلام):

هذا الكتاب قد أقروا به، و قد بقي الفرقان، فرق ما بين المؤمنين و الكافرين، و المحقين و المبطلين، فجدد عليهم العهد به، فإني قد آليت على نفسي قسما حقا لا أتقبل من أحد إيمانا و لا عملا إلا مع الإيمان به.

قال موسى (عليه السلام): ما هو يا رب؟

قال الله عز و جل: يا موسى، تأخذ على بني إسرائيل أن محمدا خير النبيين «2» و سيد المرسلين، و أن أخاه و وصيه علي خير الوصيين، و أن أولياءه الذين يقيمهم سادة الخلق، و أن شيعته المنقادين له، المسلمين له و لأوامره و نواهيه و لخلفائه، نجوم الفردوس الأعلى، و ملوك جنات عدن».

قال: «و أخذ عليهم موسى (عليه السلام) ذلك، فمنهم من اعتقده حقا، و منهم من أعطاه بلسانه دون قلبه، فكان المعتقد منهم حقا يلوح على جبينه نور مبين، و من أعطاه بلسانه دون قلبه ليس له ذلك النور، فذلك الفرقان الذي أعطاه الله عز و جل موسى (عليه

السلام)، و هو فرق ما بين المحقين و المبطلين.

ثم قال الله عز و جل: لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أي لعلكم تعلمون أن الذي به يشرف العبد عند الله عز و جل هو

__________________________________________________

(1) طه 20: 88. [.....]

(2) في المصدر: خير البشر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 217

اعتقاد الولاية، كما تشرف به أسلافكم».

474/ [2]- العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. قال: «كان في العلم و التقدير ثلاثين ليلة، ثم بد الله فزاد عشرا، فتم ميقات ربه الأول «1» و الآخر أربعين ليلة».

سورة البقرة(2): آية 54 ..... ص : 217

قوله تعالى:

وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [54]

475/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل: و اذكروا، يا بني إسرائيل إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ عبدة العجل يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ أضررتم بها بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ إلها فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ الذي برأكم و صوركم فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ بقتل بعضكم بعضا، يقتل من لم يعبد العجل من عبده ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ أي ذلك القتل خير لكم عِنْدَ بارِئِكُمْ من أن تعيشوا في الدنيا و هو لم يغفر لكم، فتتم في الحياة الدنيا حياتكم، و يكون إلى النار مصيركم، و إذا قتلتم و أنتم تائبون جعل الله عز و جل ذلك القتل كفارة لكم، و جعل الجنة منزلكم «2» و منقلبكم.

قال الله عز و جل: فَتابَ عَلَيْكُمْ قبل توبتكم، قبل استيفاء القتل لجماعتكم، و قبل إتيانه على كافتكم، و أمهلكم للتوبة، و استبقاكم للطاعة إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».

قال: «و ذلك أن موسى (عليه

السلام) لما أبطل الله تعالى على يديه أمر العجل، فأنطقه بالخبر عن تمويه السامري، و أمر موسى (عليه السلام) أن يقتل من لم يعبده من يعبده، تبرأ أكثرهم، و قالوا: لم نعبده. فقال الله عز و جل لموسى (عليه السلام): ابرد هذا العجل الذهب بالحديد بردا، ثم ذره في البحر، فمن شرب ماءه اسودت شفتاه و أنفه و بان ذنبه ففعل، فبان العابدون للعجل.

و أمر الله تعالى اثني عشر ألفا أن يخرجوا على الباقين شاهرين السيوف يقتلونهم، و نادى مناديه: ألا لعن الله أحدا أبقاهم بيد أو رجل، و لعن الله من تأمل المقتول لعله تبينه حميما أو قريبا «3» فيتعداه إلى الأجنبي فاستسلم

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 1: 44/ 46.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 254/ 124.

(1) في المصدر: للأوّل.

(2) في المصدر: منزلتكم.

(3) في «ط» و المصدر زيادة: فيتوقاه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 218

المقتولون. فقال القاتلون: نحن أعظم مصيبة منهم، نقتل بأيدينا آباءنا و أبناءنا و إخواننا «1» و قراباتنا، و نحن لم نعبد، فقد ساوى بيننا و بينهم في المصيبة.

فأوحى الله تعالى إلى موسى (عليه السلام): يا موسى، إني إنما امتحنتهم بذلك لأنهم ما اعتزلوهم لما عبدوا العجل، و لم يهجروهم، و لم يعادوهم على ذلك، قل لهم: من دعا الله بمحمد و آله الطيبين يسهل عليه قتل المستحقين للقتل بذنوبهم فقالوها، فسهل الله عليهم ذلك، و لم يجدوا لقتلهم لهم ألما.

فلما استحر القتل «2» فيهم- و هم ستمائة ألف- إلا اثني عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل، وفق الله بعضهم، فقال لبعضهم- و القتل لم يفض «3» بعد إليهم، فقال-: أو ليس قد جعل الله التوسل بمحمد و آله الطيبين أمرا

لا تخيب معه طلبة، و لا ترد به مسألة؟ و هكذا توسلت الأنبياء و الرسل، فما لنا لا نتوسل؟!».

قال: «فاجتمعوا و ضجوا: يا ربنا، بجاه محمد الأكرم، و بجاه علي الأفضل الأعظم، و بحق فاطمة الفضلى، و بجاه الحسن و الحسين سبطي سيد المرسلين، و سيدي شباب أهل الجنة أجمعين، و بجاه الذرية الطيبة الطاهرة من آل طه و يس لما غفرت لنا ذنوبنا، و غفرت لنا عقوبتنا «4»، و أزلت هذا القتل عنا فذاك حين نودي موسى (عليه السلام) «5»: أن كف القتل، فقد سألني بعضهم شيئا «6»، و أقسم علي شيئا «7»، لو أقسم به هؤلاء العابدون للعجل، و سألني العصمة لعصمتهم حتى لا يعبدوه، و لو أقسم علي بها إبليس لهديته، و لو أقسم بها علي نمرود أو فرعون لنجيته.

فرفع عنهم القتل، فجعلوا يقولون: يا حسرتنا، أين كنا عن هذا الدعاء بمحمد و آله الطيبين حتى كان الله يقينا شر الفتنة، و يعصمنا بأفضل العصمة؟!».

476/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: إن موسى (عليه السلام) لما خرج إلى الميقات، و رجع إلى قومه و قد عبدوا العجل، قال لهم موسى: يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ.

فقالوا: و كيف نقتل أنفسنا؟ فقال لهم موسى: اغدوا «8»- كل واحد منكم- إلى بيت المقدس، و معه سكين أو حديدة أو سيف، فإذا صعدت أنا منبر بني إسرائيل، فكونوا أنتم ملثمين لا يعرف أحد صاحبه، فاقتلوا بعضكم

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 1: 47.

(1) في «ط»: و أخواتنا.

(2) أي اشتدّ. «الصحاح- حرر- 2: 629».

(3) الإفضاء: الانتهاء، و أفضى إليه: وصل. «لسان العرب- فضا- 15: 157».

(4) في المصدر: هفواتنا.

(5) في

«ط» و المصدر زيادة: من السماء.

(6) في المصدر: مسألة.

(7) في المصدر: قسما. [.....]

(8) الظاهر أن الصواب: يغدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 219

بعضا.

فاجتمع سبعون ألف رجل ممن كانوا عبدوا العجل إلى بيت المقدس، فلما صلى بهم موسى (عليه السلام) و صعد المنبر، أقبل بعضهم يقتل بعضا حتى نزل جبرئيل (عليه السلام)، فقال: قل لهم: يا موسى، ارفعوا القتل فقد تاب الله عليكم فقتل منهم عشرة آلاف، و أنزل الله ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

سورة البقرة(2): الآيات 55 الي 56 ..... ص : 219

قوله تعالى:

وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [55] ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [56]

477/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل: وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً قال أسلافكم فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ أخذت أسلافكم الصاعقة وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إليهم ثُمَّ بَعَثْناكُمْ بعثنا أسلافكم مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ من بعد موت أسلافكم لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي لعل أسلافكم يشكرون الحياة التي فيها يتوبون و يقلعون، و إلى ربهم ينيبون، لم يدم عليهم ذلك الموت فيكون إلى النار مصيرهم، و هم فيها خالدون».

قال «1»: «و ذلك أن موسى (عليه السلام) لما أراد أن يأخذ عليهم عهد الفرقان «2»، فرق ما بين المحقين و المبطلين لمحمد (صلى الله عليه و آله) بنبوته، و لعلي (عليه السلام) بإمامته، و للأئمة الطاهرين بإمامتهم، قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ أن هذا أمر ربك حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً عيانا يخبرنا بذلك فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ معاينة، و هم ينظرون إلى الصاعقة تنزل عليهم.

و قال الله عز و جل له: يا موسى، إني أنا المكرم أوليائي

و المصدقين بأصفيائي و لا أبالي، و كذلك أنا المعذب لأعدائي الدافعين لحقوق أصفيائي و لا أبالي.

فقال موسى (عليه السلام) للباقين الذين لم يصعقوا: ماذا تقولون، تقبلون «3»، و تعترفون؟ و الا فأنتم بهؤلاء

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 256/ 125.

(1) في المصدر زيادة: الإمام.

(2) في المصدر: عهدا بالفرقان.

(3) في المصدر: أ تقبلون.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 220

لاحقون.

قالوا: يا موسى، تدري «1» ما حل بهم، لماذا أصابهم «2»؟ كانت الصاعقة ما أصابتهم لأجلك، إلا أنها كانت نكبة من نكبات الدهر تصيب البر و الفاجر، فإن كانت إنما أصابتهم لردهم عليك في أمر محمد و علي و آلهما، فاسأل الله ربك بمحمد و آله الذين تدعونا إليهم أن يحيي هؤلاء المصعوقين لنسألهم لماذا أصابتهم «3».

فدعا الله عز و جل بهم موسى (عليه السلام)، و أحياهم الله عز و جل، فقال موسى (عليه السلام): سلوهم لماذا أصابهم؟ فسألوهم، فقالوا: يا بني إسرائيل، أصابنا لإبائنا اعتقاد إمامة علي بعد اعتقادنا نبوة محمد (صلى الله عليه و آله)، لقد رأينا بعد موتنا هذا ممالك ربنا من سماواته و حجبه و عرشه و كرسيه و جنانه و نيرانه، فما رأينا أنفذ أمرا في جميع تلك الممالك و أعظم سلطانا من محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين، و إنا لما متنا بهذه الصاعقة ذهب بنا إلى النيران، فناداهم محمد و علي: كفوا عن هؤلاء عذابكم، فهؤلاء يحيون بمسألة سائل يسأل ربنا عز و جل بنا و بآلنا الطاهرين، و ذلك حين لم يقذفونا «4» في الهاوية و أخرونا إلى بعثتنا «5» بدعائك- يا موسى بن عمران- بمحمد و آله الطيبين.

فقال الله عز و جل لأهل

عصر محمد (صلى الله عليه و آله): فإذا كان بالدعاء بمحمد و آله الطيبين نشر ظلمة أسلافكم المصعوقين بظلمهم، أ فما يجب عليكم أن لا تتعرضوا إلى مثل ما هلكوا به إلى أن أحياهم الله عز و جل؟».

478/ [2]- ابن بابويه: قال: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (رضي الله عنه)، قال: حدثني أبي، عن حمدان ابن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا علي بن موسى (عليه السلام)، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله، أليس من قولك: أن الأنبياء معصومون؟ فقال: «بلى».

فسأله عن آيات من القرآن، فكان فيما سأله أن قال له: فما معنى قوله عز و جل: وَ لَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي «6» الآية، كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام)، لا يعلم أن الله- تعالى ذكره- لا تجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟

فقال الرضا (عليه السلام): «إن كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام) علم أن الله عز «7» عن أن يرى بالأبصار، و لكنه

__________________________________________________

2- التّوحيد 121/ 24، عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 200/ 1.

(1) في المصدر: لا ندري.

(2) في المصدر: أصابتهم.

(3) في المصدر: لماذا أصابهم ما أصابهم.

(4) في المصدر زيادة: بعد.

(5) في المصدر: إلى أن بعثنا.

(6) الأعراف 7: 143.

(7) في المصدر: تعالى.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 221

لما كلمه الله عز و جل و قربه نجيا، رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله كلمه و قربه، و ناجاه فقالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حتى نسمع كلامه كما سمعت، و كان القوم سبعمائة ألف «1»، فاختار

منهم سبعين ألفا، ثم اختار منهم سبعة آلاف، ثم اختار منهم سبعمائة، ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه. فخرج بهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل، و صعد موسى (عليه السلام) إلى الطور فسأل الله تبارك و تعالى أن يكلمه و يسمعهم كلامه فكلمه الله تعالى ذكره و سمعوا كلامه من فوق و أسفل و يمين و شمال و وراء و أمام، لأن الله عز و جل أحدثه في الشجرة، ثم جعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه.

فقالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ بأن الذي سمعناه كلام الله حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فلما قالوا هذا القول العظيم، و استكبروا و عتوا، بعث الله عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا.

فقال موسى: يا رب، ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم، و قالوا: إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله عز و جل إياك فأحياهم الله و بعثهم بعد «2»، فقالوا: إنك لو سألت الله أن يريك تنظر إليه لأجابك، و كنت تخبرنا كيف هو، فنعرفه حق معرفته.

فقال موسى (عليه السلام): يا قوم، إن الله لا يرى بالأبصار و لا كيفية له، و إنما يعرف بآياته و يعلم بأعلامه، فقالوا:

لن نؤمن لك حتى تسأله.

فقال موسى (عليه السلام): يا رب، إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل و أنت أعلم بصلاحهم، فأوحى الله عز و جل إليه، يا موسى، سلني عما سألوك فلن أو آخذك بجهلهم.

فعند ذلك قال موسى: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ و هو يهوي فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ «3» بآية من آياته جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً

فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ «4» يقول: رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ «5» منهم بأنك لا ترى».

فقال المأمون: لله درك، يا أبا الحسن!

479/ [3]- سعد بن عبد الله: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن الحسين بن علوان، عن محمد بن داود العبدي، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)- في كلامه لابن الكواء- قال له: «اسأل عما بدا لك». فقال: نعم، إن أناسا من أصحابك يزعمون أنهم يردون بعد الموت؟

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «نعم، تكلم بما سمعت، و لا تزد في الكلام، فما قلت لهم «6»».

__________________________________________________

3- مختصر بصائر الدرجات: 22 [.....]

(1) في المصدر زيادة: رجل.

(2) في المصدر: معه.

(3- 4- 5) الأعراف 7: 143.

(6) في المصدر: ممّا قلت.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 222

قال: قلت: لا أؤمن بشي ء مما قلتم؟

فقال له أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): «ويلك، إن الله عز و جل ابتلى قوما بما كان من ذنوبهم، فأماتهم قبل آجالهم التي سميت لهم، ثم ردهم إلى الدنيا ليستوفوا رزقهم، ثم أماتهم بعد ذلك».

قال: فكبر «1» على ابن الكواء و لم يهتد له، فقال له أمير المؤمنين: «ويلك تعلم أن الله عز و جل قال في كتابه:

وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا «2» فانطلق بهم ليشهدوا له إذا رجعوا عند الملأ من بني إسرائيل أن ربي قد كلمني، فلو أنهم سلموا ذلك له و صدقوه لكان خيرا لهم، و لكنهم قالوا لموسى (عليه السلام): لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً قال الله عز و جل: فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ يعني الموت وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ

لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فترى- يا ابن الكواء- أن هؤلاء رجعوا إلى منازلهم بعد ما ماتوا؟».

فقال ابن الكواء: و ما ذلك، ثم أماتهم مكانهم؟

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا، ويلك! أ و ليس قد أخبرك في كتاب الله حيث يقول: وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى «3»؟ فهذا بعد الموت إذ بعثهم».

سورة البقرة(2): آية 57 ..... ص : 222

قوله تعالى:

وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [57]

480/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل: و اذكروا- يا بني إسرائيل- إذ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ لما كنتم في التيه، يصيبكم «4» حر الشمس و برد القمر وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ الترنجبين، «5» كان يسقط على شجرهم فيتناولونه وَ السَّلْوى السماني «6» طير، أطيب طير لحما، يسترسل لهم «7» فيصطادونه.

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب الى الامام العسكري (عليه السلام): 257/ 126.

(1) كبر عليه الأمر: شقّ و ثقل. «المعجم الوسيط- كبر- 2: 772».

(2) الأعراف 7: 155.

(3) البقرة 2: 57.

(4) في المصدر: يقيكم.

(5) الترنجبين: معرّب الترانگبين، و هو كلّ طلّ ينزل من السّماء على شجر أو حجر، و يحلو و ينعقد عسلا، و يجفّ جفاف الصمغ. «تاج العروس- منن- 9: 350».

(6) السّماني: و هو طائر صغير من رتبة الدجاجيات، جسمه منضغط ممتلئ، و هو من القواطع التي تهاجر شتاء إلى الحبشة و السّودان،-- و يستوطن أوربة و حوض البحر المتوسط. «المعجم الوسيط- سلا- 1: 446».

(7) استرسل إليه: انبسط و استأنس. «الصحاح- رسل- 4: 1709».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 223

قال الله عز و جل لهم: كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ و اشكروا نعمتي، و عظموا

من عظمته، و وقروا من وقرته ممن أخذت عليكم العهود و المواثيق لهم محمدا و آله الطيبين.

قال الله عز و جل: وَ ما ظَلَمُونا لما بدلوا، و قالوا غير ما به أمروا، و لم يفوا بما عليه عاهدوا، لأن كفر الكافر لا يقدح في سلطاننا و ممالكنا، كما أن إيمان المؤمن لا يزيد في سلطاننا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ يصرون بها بكفرهم و تبديلهم».

ثم [قال (عليه السلام):] «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): عباد الله، عليكم باعتقاد ولايتنا أهل البيت، و أن لا تفرقوا بيننا، و انظروا كيف وسع الله عليكم حيث أوضح لكم الحجة ليسهل عليكم معرفة الحق، ثم وسع لكم في التقية لتسلموا من شرور الخلق، ثم إن بدلتم و غيرتم عرض عليكم التوبة و قبلها منكم، فكونوا لنعم الله شاكرين».

481/ [2]- ابن بابويه: عن محمد بن أحمد بن الحسين بن يوسف البغدادي، قال: حدثنا علي بن محمد بن عنبسة «1»، قال: حدثنا دارم بن قبيصة «2»، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): الكمأة «3» من المن الذي نزل على بني إسرائيل، و هي شفاء للعين و العجوة «4» التي من البرني «5» من الجنة، و هي شفاء من السم».

382/ [3]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي: عن محمد بن علي، عن محمد بن الفضيل، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم «6»، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): الكمأة من المن، و المن من الجنة، و ماؤها شفاء العين».

483/

[4]- الشيخ: مرسلا عن الصادق (عليه السلام)، قال: «نومة الغداة مشؤومة تطرد الرزق، و تصفر اللون، و تقبحه و تغيره، و هو نوم كل مشؤوم، إن الله تعالى قسم الأرزاق ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، و إياكم و تلك النومة، و كان المن و السلوى ينزل على بني إسرائيل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فمن نام تلك الساعة لم ينزل نصيبه، و كان إذا انتبه فلا يرى نصيبه احتاج إلى السؤال و الطلب».

__________________________________________________

2- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 75/ 349.

3- المحاسن: 527/ 761. [.....]

4- التّهذيب 2: 139/ 540.

(1) في «س»: عيينة، و الصّواب ما في المتن و هو راوي كتابي دارم عنه. راجع رجال النجاشي: 261/ 429.

(2) في «ط»: قتيبة، تصحيف، صوابه ما في «س»، راجع رجال النجاشي: 162/ 429، و معجم رجال الحديث 7: 86.

(3) الكماة: فطر من الفصيلة الكمئية، و هي أرضية تنتفخ حاملات أبواغها، فتجنى و تؤكل مطبوخة. «المعجم الوسيط- كمأ- 2: 797».

(4) العجوة: ضرب من أجود التمر بالمدينة، و نخلتها تسمّى لينة. «الصحاح- عجا- 6: 2419».

(5) البرني: و هو نوع من أجود التمر. «مجمع البحرين- برن 6: 213»، و في المصدر: في البرني.

(6) في «س»: مسلم، تصحيف صوابه ما في المتن، راجع رجال الطوسي 232/ 138، و معجم رجال الحديث 9: 328.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 224

484/ [5]- محمد بن يعقوب: عن عدة من «1» أصحابنا، عن محمد بن عبد الله، عن عبد الوهاب بن بشير «2»، عن موسى بن قادم، عن سليمان، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ

يَظْلِمُونَ. قال: «إن الله أعظم و أعز و أجل و أمنع من أن يظلم، و لكنه خلطنا بنفسه، فجعل ظلمنا ظلمه، و ولايتنا ولايته، حيث يقول: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا «3» يعني الأئمة منا».

ثم قال في موضع آخر: وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ثم ذكر مثله.

485/ [6]- عنه: عن علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام)، في قوله: وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ «4».

قال: «إن الله أعز و أمنع من أن يظلم، أو ينسب نفسه إلى الظلم، و لكن الله خلطنا بنفسه، فجعل ظلمنا ظلمه، و ولايتنا ولايته، ثم أنزل بذلك قرآنا على نبيه (صلى الله عليه و آله) فقال: وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ».

قلت: هذا تنزيل؟ قال: «نعم».

486/ [7]- علي بن إبراهيم- في معنى الآية-: أن بني إسرائيل لما عبر موسى بهم البحر نزلوا في مفازة، فقالوا:

يا موسى، أهلكتنا و قتلتنا و أخرجتنا من العمران إلى مفازة لا ظل و لا شجر و لا ماء، و كانت تجي ء بالنهار غمامة تظلهم من الشمس، و ينزل عليهم بالليل المن فيقع على النبات و الشجر و الحجر فيأكلونه، و بالعشي يأتيهم طائر مشوي يقع على موائدهم، فإذا أكلوا و شربوا «5» طار و مر، و كان مع موسى حجر يضعه وسط العسكر ثم يضربه بعصاه فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا، كما حكى الله، فيذهب إلى كل سبط في رحله، و كانوا اثنا عشر سبطا».

سورة البقرة(2): الآيات 58 الي 62 ..... ص : 224

قوله تعالى:

وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ

قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ [58]

__________________________________________________

5- الكافي 1: 113/ 11.

6- الكافي 1: 360/ 91.

7- تفسير القمّي 1: 48.

(1) في المصدر: عن بعض.

(2) في المصدر: بشر، و كلاهما وارد، راجع معجم رجال الحديث 11: 41 و 19: 64.

(3) المائدة 5: 55.

(4) النّحل 16: 118. [.....]

(5) في المصدر: و شبعوا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 225

فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ [59] وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَ اشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ [60] وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثَّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها قالَ أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ [61] إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ النَّصارى وَ الصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ [62]

487/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله تعالى: و اذكروا، يا بني إسرائيل إِذْ قُلْنَا لأسلافكم:

ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ- و هي أريحا «1» من بلاد الشام، و ذلك حين خرجوا من التيه- فَكُلُوا مِنْها من القرية حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً واسعا، بلا تعب و لا

نصب وَ ادْخُلُوا الْبابَ باب القرية سُجَّداً.

مثل الله عز و جل على الباب مثال محمد (صلى الله عليه و آله) و علي (عليه السلام) و أمرهم أن يسجدوا تعظيما لذلك المثال، و يجددوا على أنفسهم بيعتهما، و ذكر موالاتهما، و ليذكروا العهد و الميثاق المأخوذين عليهم لهما.

وَ قُولُوا حِطَّةٌ أي قولوا: إن سجودنا لله تعالى تعظيما لمثال محمد و علي (صلوات الله عليهما)، و اعتقادنا

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 259/ 127- 133.

(1) أريحا: مدينة بفلسطين.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 226

لولايتهما، حطة لذنوبنا، و محو لسيئاتنا.

قال الله تعالى: نَغْفِرْ لَكُمْ بهذا الفعل خَطاياكُمْ السالفة، و نزيل عنكم آثامكم الماضية وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ من كان منكم لم يقارف «1» الذنوب التي قارفها من خالف الولاية، و ثبت على ما أعطى الله من نفسه من عهد الولاية، فإنا نزيدهم بهذا الفعل زيادة درجات و مثوبات، و ذلك قوله: وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ قال الله عز و جل: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ. لم يسجدوا كما أمروا، و لا قالوا ما أمروا، و ظلموا، و لكن دخلوها مستقبليها بأستاههم «2»، و قالوا: هطا سمقانا- يعني حنطة حمراء نتقوتها- أحب إلينا من هذا الفعل، و هذا القول.

قال الله تعالى: فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا غيروا و بدلوا ما قيل لهم، و لم ينقادوا لولاية الله و ولاية محمد (صلى الله عليه و آله) و علي «3» و آلهما الطيبين الطاهرين رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ يخرجون من أمر الله تعالى و طاعته، و الرجز الذي أصابهم أنه مات منهم بالطاعون في بعض يوم مائة و عشرون ألفا، و هم من علم الله أنهم لا

يؤمنون و لا يتوبون، و لا ينزل هذا الرجز على من علم الله أنه يتوب، أو يخرج من صلبه ذرية طيبة توحد الله، و تؤمن بمحمد، و تعرف موالاة علي وصية و أخيه».

قال الله عز و جل: وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ قال (عليه السلام): «و اذكروا، يا بني إسرائيل إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ طلب لهم السقيا، لما لحقهم من العطش في التيه، و ضجوا بالبكاء «4»، و قالوا: هلكنا بالعطش.

فقال موسى: إلهي بحق محمد سيد الأنبياء، و بحق علي سيد الأوصياء، و بحق فاطمة سيدة النساء، و بحق الحسن سيد الأولياء، و بحق الحسين أفضل الشهداء، و بحق عترتهم و خلفائهم سادة الأزكياء لما سقيت عبادك هؤلاء.

فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فضربه بها فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كل قبيلة من «5» أولاد يعقوب مشربهم، فلا يزاحمهم الآخرون في مشربهم.

قال الله عز و جل: كُلُوا وَ اشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ الذي آتاكموه وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ لا تسعوا فيها و أنتم مفسدون عاصون.

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من أقام على ولايتنا أهل البيت، سقاه الله من محبته كأسا لا يبغون به بدلا، و لا يريدون سواه كافيا و لا كالئا «6» و لا ناصرا، و من وطن نفسه «7» على احتمال المكاره في موالاتنا، جعله الله يوم

__________________________________________________

(1) قارف فلان الخطيئة: خالطها. «الصحاح- قرف- 4: 1416».

(2) الأستاه: جمع است، و هو العجز. «الصحاح- سته- 6: 2233».

(3) في المصدر: و لم ينقادوا لولاية محمّد و عليّ.

(4) في المصدر زيادة: إلى موسى.

(5) في المصدر زيادة: بني أب من.

(6) كلأه اللّه: حفظه و حرسه.

«الصحاح- كلأ- 1: 69».

(7) وطّن نفسه على الشّي ء: حملها عليه فتحمّلت و ذلّت له. «لسان العرب- وطن- 13: 451».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 227

القيامة في عرصاتها بحيث تقصر «1» كل من تضمنته تلك العرصات أبصارهم مما يشاهدون من درجاتهم، و إن كل واحد منهم ليحيط بما له من درجاته، كإحاطته في الدنيا بما يتلقاه بين يديه.

ثم يقال له: وطنت نفسك على احتمال المكاره في موالاة محمد و آله الطيبين، فقد جعل الله إليك و مكنك من تخليص كل من تحب تخليصه من أهل الشدائد في هذه العرصات فيمد بصره، فيحيط بهم، ثم ينقد «2» من أحسن إليه أو بره في الدنيا بقول أو فعل أو رد غيبة أو حسن محضر أو إرفاق، فينقده من بينهم كما ينقد الدرهم الصحيح من المكسور.

ثم يقال له: اجعل هؤلاء في الجنة حيث شئت فينزلهم جنات ربنا. ثم يقال له: و قد جعلنا لك، و مكناك من إلقاء من تريد في نار جهنم فيراهم فيحيط بهم، و ينتقد من بينهم كما ينتقد الدينار من القراضة «3». ثم يقال له:

صيرهم من النيران إلى حيث تشاء «4» فيصيرهم حيث يشاء من مضائق النار.

فيقول الله تعالى لبني إسرائيل الموجودين في عصر محمد (صلى الله عليه و آله): فإذا كان أسلافكم إنما دعوا إلى موالاة محمد و آله، فأنتم الآن لما شاهدتموهم، فقد وصلتم إلى الغرض و المطلب الأفضل، إلى موالاة محمد و آله فتقربوا إلى الله عز و جل بالتقرب إلينا، و لا تتقربوا من سخطه، و تتباعدوا من رحمته بالازورار «5» عنا.

ثم قال الله عز و جل: وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ. و اذكروا إذ قال

أسلافكم: لن نصبر على طعام واحد، المن و السلوى، و لا بد لنا من خلطة معه فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثَّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها قالَ موسى أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ يريد أ تستدعون الأدنى ليكون لكم بدلا من الأفضل؟ ثم قال: اهْبِطُوا مِصْراً من الأمصار من هذا التيه فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ في المصر.

قال الله تعالى: وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ الجزية، أخزوا بها عند ربهم و عند مؤمني عباده وَ الْمَسْكَنَةُ هي الفقر و الذلة وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ احتملوا الغضب و اللعنة من الله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ قبل أن يضرب عليهم الذلة و المسكنة وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ كانوا يقتلونهم بغير حق، بلا جرم كان منهم إليهم، و لا إلى غيرهم.

ذلِكَ بِما عَصَوْا ذلك الخذلان الذي استولى عليهم حتى فعلوا الآثام التي من أجلها ضربت عليهم الذلة و المسكنة، و باءوا بغضب من الله وَ كانُوا يَعْتَدُونَ يتجاوزون أمر الله تعالى إلى أمر إبليس.

__________________________________________________

(1) في «ط»: يقيم.

(2) نقد الدراهم: ميّز جيّدها من رديئها. «أساس البلاغة: 469».

(3) القراضة: ما سقط بالقرض. «الصحاح- قرض- 3: 1101».

(4) في المصدر: شئت. [.....]

(5) الازورار عن الشي ء: العدول عنه. «الصحاح- زور- 2: 673».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 228

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ألا فلا تفعلوا كما فعلت بنو إسرائيل، و لا تسخطوا «1» الله تعالى، و لا تقترحوا على الله تعالى، و إذا ابتلي أحدكم في رزقه أو معيشته بما لا يحب، فلا يحدس «2» شيئا يسأله، لعل في ذلك حتفه و هلاكه، و لكن ليقل:

اللهم بجاه محمد و آله الطيبين إن كان ما كرهته من أمري «3» خيرا لي و أفضل في ديني، فصبرني عليه، و قوني على احتماله، و نشطني على النهوض بثقل أعبائه، و إن كان خلاف ذلك خيرا فجد علي به، و رضني بقضائك على كل حال، فلك الحمد فإنك إذا قلت ذلك قدر الله و يسر لك ما هو خير.

ثم قال (صلى الله عليه و آله): يا عباد الله، فاحذروا الانهماك في المعاصي و التهاون بها، فإن المعاصي يستولي بها الخذلان على صاحبها حتى يوقعه فيما هو أعظم منها، فلا يزال يعصي و يتهاون و يخذل و يقع فيما هو أعظم «4»، حتى يوقعه في رد ولاية وصي رسول الله، و دفع نبوة نبي الله، و لا يزال أيضا بذلك حتى يوقعه في دفع توحيد الله، و الإلحاد في دين الله.

ثم قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بالله، و بما فرض الإيمان به من الولاية لعلي بن أبي طالب و الطيبين من آله وَ الَّذِينَ هادُوا يعني اليهود وَ النَّصارى الذين زعموا أنهم في دين الله متناصرون وَ الصَّابِئِينَ الذين زعموا أنهم صبؤوا «5» إلى دين الله، و هم بقولهم كاذبون.

مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ من هؤلاء الكفار، و نزع من كفره، و من آمن من هؤلاء المؤمنين في مستقبل أعمارهم «6»، و وفى بالعهد و الميثاق المأخوذين عليه لمحمد و علي و خلفائه الطاهرين وَ عَمِلَ صالِحاً من هؤلاء المؤمنين فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ ثوابهم عِنْدَ رَبِّهِمْ في الآخرة وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ هناك حين يخاف الفاسقون وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ إذا حزن المخالفون، لأنهم لم يعملوا من مخالفة الله ما يخاف من فعله، و لا يحزن له.

و

نظر أمير المؤمنين (عليه اĘәĘǙũ إلى رجل [فرأى ] أثر الخوف عليه، فقال: ما بالك؟ فقال: إني أخاف الله.

فقال: يا عبد الله، خف ذنوبك، و خف عدل الله عليك في مظالم عباده، و أطعه فيما كلفك، و لا تعصه فيما يصلحك، ثم لا تخف الله بعد ذلك، فإنه لا يظلم أحدا و لا يعذبه فوق استحقاقه أبدا، إلا أن تخاف سوء العاقبة بأن تغير أو تبدل، فإن أردت أن يؤمنك الله سوء العاقبة، فاعلم أن ما تأتيه من خير فبفضل الله و توفيقه، و ما تأتيه من سوء فبإمهال الله و إنظاره إياك و حلمه عنك».

__________________________________________________

(1) في المصدر زيادة: نعم.

(2) الحدس: الظنّ و التخمين، و يحدس: يقول شيئا برأيه. «الصحاح- حدس- 3: 915»! و في «س»: تخزينّ، و في «ط»: تجزينّ.

(3) في المصدر زيادة: هذا.

(4) في المصدر زيادة: ممّا جنى.

(5) صبأ: خرج من دين إلى دين. «الصحاح- صبأ- 1: 59».

(6) في المصدر زيادة: و أخلص.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 229

488/ [2]- محمد بن يعقوب: عن أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد الله، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «نزل جبرئيل بهذه الآية على محمد (صلى الله عليه و آله) هكذا: فبدل الذين ظلموا آل محمد حقهم قولا غير الذي قيل لهم، فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد حقهم رجزا من السماء بما كانوا يفسقون».

489/ [3]- العياشي: عن سليمان الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام)، في قول الله وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ فقال: «قال أبو جعفر (عليه السلام): نحن باب حطتكم».

490/ [4]- عن أبي إسحاق، عمن ذكره: وَ قُولُوا حِطَّةٌ مغفرة، حط عنا:

أي اغفر لنا.

491/ [5]- عن زيد الشحام «1»، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «نزل جبرئيل بهذه الآية: فبدل الذين ظلموا آل محمد حقهم غير الذي قيل لهم، فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد حقهم رجزا من السماء بما كانوا يفسقون».

492/ [6]- عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال الله لقوم موسى: ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ» الآية.

493/ [7]- عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه تلا هذه الآية: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ. فقال: «و الله، ما ضربوهم بأيديهم، و لا قتلوهم بأسيافهم، و لكن سمعوا أحاديثهم فأذاعوها، فأخذوا عليها، فقتلوا، فصار قتلا و اعتداء و معصية».

494/ [8]- محمد بن يعقوب: بإسناده، عن يونس، عن ابن سنان، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و تلا هذه الآية: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ. قال: «و الله، ما قتلوهم بأيديهم، و لا ضربوهم بأسيافهم، و لكن سمعوا أحاديثهم فأذاعوها، فأخذوا عليها، فقتلوا، فصار قتلا و اعتداء و معصية».

495/ [9]- سليم بن قيس الهلالي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام)- في حديث له مع معاوية- قال (عليه السلام): «يا معاوية، إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، و لم يرض لنا بالدنيا ثوابا.

__________________________________________________

2- الكافي 1: 350/ 58.

3- تفسير العيّاشي 1: 45/ 47.

4- تفسير العيّاشي 1: 45/ 48.

5- تفسير العيّاشي 1: 45/ 49.

6- تفسير العيّاشي 1: 45/ 50.

7- تفسير العيّاشي 1: 45/

51.

8- الكافي 2: 275/ 6. [.....]

9- كتاب سليم بن قيس الهلالي: 158.

(1) زاد في «س»: عن صفوان، و الظاهر أنّها: عن صفوان، عن زيد الشّحام، إذ روى صفوان عن زيد كتابه و روى الأخير عن أبي جعفر (عليه السّلام)، أو أنّ جملة (عن صفوان) أثبتت سهوا من الحديث الآتي، راجع رجال النجاشي 175/ 462 و معجم رجال الحديث 7: 361 و 9: 123- 136.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 230

يا معاوية، إن نبي الله زكريا قد نشر بالمناشير، و يحيى بن زكريا قتله «1» قومه و هو يدعوهم إلى الله، إن أولياء الشيطان قد حاربوا أولياء الرحمن».

496/ [10]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي، قال: حدثنا علي بن الحسين بن علي بن فضال، عن أبيه، قال: قلت للرضا (عليه السلام): لم سمي النصارى نصارى؟

قال: «لأنهم كانوا من قرية اسمها الناصرة «2» من بلاد الشام، نزلتها مريم و عيسى (عليهما السلام) بعد رجوعهما من مصر».

497/ [11]- علي بن إبراهيم، قال: الصابئون: قوم لا مجوس و لا يهود و لا نصارى و لا مسلمون، و هم قوم يعبدون الكواكب و النجوم.

سورة البقرة(2): الآيات 63 الي 66 ..... ص : 230

قوله تعالى:

وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَ اذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [63] ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ [64] وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ [65] فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [66]

498/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن علي القزويني (رضي

الله عنه)، قال: حدثنا المظفر بن أحمد أبو الفرج القزويني، قال: حدثنا محمد بن جعفر الأسدي الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين

__________________________________________________

10- علل الشرائع: 81/ 1، و عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 2: 79/ 10.

11- تفسير القمّي 1: 48.

1- علل الشرائع: 67/ 1.

(1) في المصدر: و يحيى ذبح و قتله.

(2) الناصرة: قرية بينها و بين طبريّة ثلاثة عشر ميلا، فيها كان مولد المسيح عيسى بن مريم (عليه السّلام)، و منها اشتقّ اسم النّصارى. «معجم البلدان 5: 251».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 231

ابن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس «1»، قال: إنما سمي الجبل الذي كان عليه موسى (عليه السلام) طور سيناء، لأنه جبل كان عليه شجر الزيتون، و كل جبل يكون عليه ما ينتفع به من النبات و الأشجار سمي طور سيناء و طور «2» سينين، و ما لم يكن عليه ما ينتفع به من النبات أو الأشجار من الجبال سمي طور، و لا يقال له: طور سيناء و طور سينين.

499/ [2]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي: [عن أبيه ] «3» عن ابن أبي عمير، عن أبي المغرا «4»، عن إسحاق ابن عمار، و يونس، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله عز و جل: خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ أ قوة [في ] الأبدان، أو قوة [في ] القلب؟ قال: «فيهما جميعا».

500/ [3]- العياشي: عن إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ أ قوة في الأبدان، أم قوة في القلوب؟ قال: «فيهما جميعا».

501/ [4]- عن عبيد الله الحلبي، قال: قال: «اذكروا

ما فيه، و اذكروا ما في تركه من العقوبة».

502/ [5]- عن محمد بن أبي حمزة، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل:

خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ قال: «السجود، و وضع اليدين على الركبتين في الصلاة و أنت راكع».

503/ [6]- عن عبد الصمد بن برار «5»، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: «كانت القردة هم اليهود الذين اعتدوا في السبت، فمسخهم الله قرودا».

504/ [7]- عن زرارة، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام)، في قوله: فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ. قال: لما معها، ينظر إليها من أهل القرى، و لما خلفها- قال-: و نحن، و لنا فيها موعظة».

505/ [8]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمد بن سالم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «كان من السبيل و السنة التي أمر

__________________________________________________

2- المحاسن: 261/ 319.

3- تفسير العيّاشي 1: 45/ 52.

4- تفسير العيّاشي 1: 45/ 53.

5- تفسير العيّاشي 1: 45/ 54.

6- تفسير العيّاشي 1 لا 46/ 55.

7- تفسير العيّاشي 1 لا 46/ 56.

8- الكافي 2: 24/ 1. [.....]

(1) في «س» و «ط»: عبد اللّه بن سنان، و سهو.

(2) طور سيناء: جبل بقرب أيلة، و أضيف إلى سيناء، و هو شجر، و كذلك طور سينين. «معجم البلدان 4: 48».

(3) أثبتناه من المصدر، و هو صحيح، أنظر معجم رجال الحديث 14: 279 و 22: 101.

(4) في «ط»: المعزا، و هو محل خلاف، راجع رجال النجاشي: 133/ 340، الخلاصة: 58/ 1، تنقيح المقال 1: 379.

(5) كذا، و

في نسخة من تفسير العيّاشي: مرار، و الظاهر كونه عبد الصّمد بن بندار، أنظر تفسير العيّاشي 1: 351/ 227.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 232

الله عز و جل بها موسى (عليه السلام) أن جعل الله «1» عليهم السبت، فكان من أعظم السبت و لم يستحل أن يفعل ذلك من خشية الله، أدخله الله الجنة، و من استخف بحقه و استحل ما حرم الله من العمل الذي نهاه الله عنه فيه، أدخله الله عز و جل النار، و ذلك حيث استحلوا الحيتان و احتبسوها و أكلوها يوم السبت، غضب الله عليهم من غير أن يكونوا أشركوا بالرحمن، و لا شكوا في شي ء مما جاء به موسى (عليه السلام)، قال الله عز و جل: وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ».

506/ [9]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل: وَ إِذْ أَخَذْنا و اذكروا إذ أخذنا مِيثاقَكُمْ و عهودكم أن تعملوا بما في التوراة، و ما في الفرقان الذي أعطيته موسى مع الكتاب المخصوص بذكر محمد و علي و الأئمة «2» الطيبين من آلهما، بأنهم سادة الخلق، و القوامون بالحق.

و إذ أخذنا ميثاقكم أن تقروا به، و أن تؤدوه إلى أخلافكم، و أن تأمروهم أن يؤدوه إلى أخلافهم إلى آخر مقرات «3» في الدنيا، ليؤمنن بمحمد نبي الله، و يسلمن له ما يأمرهم به في علي ولي الله عن الله، و ما يخبرهم به من أحوال خلفائه بعده القوامين بحق الله، فأبيتم قبول ذلك، و استكبرتموه.

وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ الجبل، أمرنا جبرئيل (عليه السلام) أن يقطع من جبل فلسطين قطعة على قدر معسكر أسلافكم فرسخا في فرسخ، فقطعها،

و جاء بها، فرفعها فوق رؤوسهم، و قال موسى (عليه السلام) لهم: إما أن تأخذوا بما أمرتم به فيه، و إما [أن ] ألقي عليكم هذا الجبل و الجئوا إلى قبوله كارهين إلا من عصمه الله من العباد «4»، فإنه قبله طائعا مختارا، ثم لما قبلوه سجدوا و عفروا، و كثير منهم عفر خديه لا يريد «5» الخضوع لله، و لكن نظر إلى الجبل هل يقع أم لا، و آخرون سجدوا طائعين مختارين.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): احمدوا الله- معاشر شيعتنا- على توفيقه إياكم، فإنكم تعفرون في سجودكم لا كما عفر «6» كفرة بني إسرائيل، و لكن كما عفره خيارهم.

قال الله عز و جل: خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ من هذه الأوامر و النواهي، من هذا الأمر الجليل، من ذكر محمد (صلى الله عليه و آله) و علي و آلهما الطيبين وَ اذْكُرُوا ما فِيهِ فيما آتيناكم، اذكروا جزيل ثوابنا على قيامكم به، و شديد عقابنا على إبائكم له لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ تتقون المخالفة الموجبة للعقاب، فتستحقون بذلك جزيل الثواب.

__________________________________________________

9- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 266/ 134- 139.

(1) (اللّه) ليس في «ط».

(2) (الأئمّة) ليس في المصدر.

(3) في المصدر: مقدراتي.

(4) في المصدر: العناد.

(5) في المصدر: لارادة.

(6) في المصدر: عفّره.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 233

قال الله عز و جل: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ يعني تولى أسلافكم مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عن القيام به، و الوفاء بما عاهدوا عليه فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ يعني على أسلافكم، لو لا فضل الله عليهم بإمهاله إياهم للتوبة، و إنظارهم لمحو الخطيئة بالإنابة لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ المغبونين، قد خسرتم الآخرة و الدنيا، لأن الآخرة فسدت عليكم بكفركم، و الدنيا

كان لا يحصل لكم نعيمها لاخترامنا «1» لكم، و تبقى عليكم حسرات نفوسكم و أمانيكم التي اقتطعتم دونها، و لكنا أمهلناكم للتوبة، و أنظرناكم للإنابة، أي فعلنا ذلك بأسلافكم، فتاب من تاب منهم، فسعد، و خرج من صلبه من قدر أن تخرج منه الذرية الطيبة التي تطيب في الدنيا بالله معيشتها، و تشرف في الآخرة بطاعة الله مرتبتها.

قال الحسين بن علي (عليهما السلام): أما إنهم لو كانوا دعوا الله بمحمد و آله الطيبين بصدق من نياتهم، و صحة اعتقادهم من قلوبهم، أن يعصمهم حتى لا يعاندوه بعد مشاهدة تلك المعجزات الباهرات، لفعل ذلك بجوده و كرمه، و لكنهم قصروا و آثروا الهوى بنا، و مضوا مع الهوى في طلب لذاتهم.

قال الله عز و جل: وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ لما اصطادوا السمك «2» فيه فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ مبعدين عن كل خير فَجَعَلْناها أي جعلنا تلك المسخة التي أخزيناهم و لعناهم بها نَكالًا عقابا و ردعا لِما بَيْنَ يَدَيْها بين يدي المسخة من ذنوبهم الموبقات «3» التي استحقوا بها العقوبات وَ ما خَلْفَها للقوم الذين شاهدوهم بعد مسخهم يرتدعون عن مثل أفعالهم لما شاهدوا ما حل بهم من عقابنا «4» وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ يتعظون بها، فيفارقون المحرمات «5» و يعظون بها الناس، و يحذرونهم المؤذيات «6».

قال علي بن الحسين (عليه السلام): كان هؤلاء قوم يسكنون على شاطئ البحر، نهاهم الله و أنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت، فتوصلوا إلى حيلة ليحلوا بها إلى أنفسهم ما حرم الله، فخدوا أخاديد، و عملوا طرقا تؤدي إلى حياض، يتهيأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق، و لا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع

منها إلى اللجج «7».

فجاءت الحيتان يوم السبت جارية على أمان الله لها، فدخلت الأخاديد و حصلت «8» في الحياض

__________________________________________________

(1) اخترمهم الدهر: أي اقتطعهم و استأصلهم. «الصحاح- خرم- 5: 1910».

(2) في المصدر: السموك، و السموك: جمع سمك، واحدتها سمكة. «الصحاح- سمك- 4: 1592». [.....]

(3) موبقات الذنوب: أي مهلكاتها. «مجمع البحرين- وبق- 5: 243».

(4) في «س» و «ط»: عقابها.

(5) في المصدر: المخزيات.

(6) في المصدر: المرديات.

(7) اللّجج: جمع لجّة! و لجّة الماء: معظمه. «الصحاح- لجج- 1: 338».

(8) حصّلت: تجمّعت و ثبتت. «القاموس المحيط- حصل- 3: 368».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 234

و الغدران، فلما كانت عشية اليوم همت بالرجوع منها إلى اللجج لتأمن من صائدها، فرامت الرجوع فلم تقدر، و بقيت ليلها «1» في مكان يتهيأ أخذها بلا اصطياد لاسترسالها فيه، و عجزها عن الامتناع لمنع المكان لها، فكانوا يأخذونها يوم الأحد، و يقولون: ما اصطدنا يوم السبت، و إنما اصطدنا في الأحد، و كذب أعداء الله، بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت حتى كثر من ذلك ما لهم و ثراؤهم، و تنعموا بالنساء و غيرها لا تساع أيديهم «2».

و كانوا في المدينة نيفا و ثمانين ألفا، فعل هذا منهم سبعون ألفا، و أنكر عليهم الباقون، كما قص الله:

وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ «3» الآية و ذلك أن طائفة منهم وعظوهم و زجروهم، و من عذاب «4» الله خوفوهم، و من انتقامه و شديد بأسه حذروهم، فأجابوهم عن وعظهم: لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ بذنوبهم هلاك الاصطلام «5»: أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً.

أجابوا القائلين هذا لهم: مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ إذ كلفنا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربنا

مخالفتنا لهم، و كراهتنا لفعلهم، قالوا: وَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ «6» و نعظهم أيضا لعله تنجع «7» فيهم المواعظ، فيتقون هذه الموبقة، و يحذرون عقوبتها.

قال الله عز و جل: فَلَمَّا عَتَوْا حادوا و أعرضوا و تكبروا عن قبولهم الزجر عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ «8» مبعدين عن الخير، مقصين «9».

قال: فلما نظر العشرة آلاف و النيف أن السبعين ألفا لا يقبلون مواعظهم، و لا يحفلون «10» بتخويفهم إياهم و تحذيرهم لهم، اعتزلوهم إلى قرية أخرى قريبة من قريتهم، و قالوا: نكره أن ينزل بهم عذاب الله، و نحن في خلالهم فأمسوا ليلة، فمسخهم الله تعالى كلهم قردة، و بقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منه أحد، و لا يدخل أحد.

و تسامع بذلك أهل القرى فقصدوهم، و تسنموا «11» حيطان البلد، فاطلعوا عليهم، فإذا كلهم رجالهم و نساؤهم قردة، يموج بعضهم في بعض، يعرف هؤلاء الناظرون معارفهم و قراباتهم و خلطاءهم، يقول المطلع

__________________________________________________

(1) في المصدر: و أبقيت ليلتها.

(2) في المصدر زيادة: به.

(3) الأعراف 7: 163.

(4) في «س»: و عذاب.

(5) الاصطلام: الاستئصال. «الصحاح- صلم- 5: 1967».

(6) الأعراف 7: 166.

(7) نجع فيه الخطاب و الوعظ و الدواء: أي دخل و أثر. «الصحاح- نجع- 3: 1288».

(8) الأعراف 7: 166. [.....]

(9) المقصى: المبعد. «الصحاح- قصا- 6 لا 2462».

(10) لا يحفل: لا يبالي. «الصحاح- حفل- 4: 1671».

(11) تسنّمه: علاه. «الصحاح- سنم- 5: 1955».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 235

لبعضهم: أنت فلان، أنت فلانة؟ فتدمع عينه، و يومئ برأسه أن نعم «1».

فما زالوا كذلك ثلاثة أيام، ثم بعث الله عز و جل عليهم مطرا و ريحا فجرفهم إلى البحر، و ما بقي مسخ بعد ثلاثة أيام، و إنما الذين

ترون من هذه المصورات بصورها فإنما هي أشباهها «2»، لا هي بأعيانها، و لا من نسلها.

ثم قال علي بن الحسين (عليه السلام): إن الله تعالى مسخ هؤلاء لاصطياد السمك، فكيف ترى عند الله عز و جل يكون حال من قتل أولاد رسول الله (صلى الله عليه و آله) و هتك حريمه؟! إن الله تعالى و إن لم يمسخهم في الدنيا، فإن المعد لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب هذا المسخ.

فقيل: يا ابن رسول الله، فإنا قد سمعنا مثل «3» هذا الحديث، فقال لنا بعض النصاب: فإن كان قتل الحسين باطلا، فهو أعظم من صيد السمك في السبت، أ فما كان يغضب الله على قاتليه كما غضب على صيادي السمك؟! قال علي بن الحسين (عليه السلام): قل لهؤلاء النصاب: فإن كان إبليس معاصيه أعظم من معاصي من كفر بإغوائه، فأهلك الله من شاء منهم كقوم نوح و قوم فرعون، فلم لم يهلك إبليس لعنه الله، و هو أولى بالهلاك؟ فما باله أهلك هؤلاء الذين قصروا عن إبليس لعنه الله في عمل الموبقات، و أمهل إبليس مع إيثاره لكشف المخزيات؟ ألا كان ربنا عز و جل حكيما و تدبيره حكمة «4» فيمن أهلك و فيمن استبقى، و كذلك هؤلاء الصائدون في السبت، و هؤلاء القاتلون للحسين (عليه السلام)، يفعل في الفريقين ما يعلم أنه أولى بالصواب و الحكمة، لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ «5».

ثم قال علي بن الحسين (عليه السلام): أما إن هؤلاء الذين اعتدوا في السبت، لو كانوا حين هموا بقبيح أفعالهم، سألوا ربهم بجاه محمد (صلى الله عليه و آله) و آله الطيبين أن يعصمهم من ذلك لعصمهم، و كذلك الناهون لهم

لو سألوا الله عز و جل أن يعصمهم بجاه محمد و آله الطيبين لعصمهم، و لكن الله عز و جل لم يلهمهم ذلك، و لم يوفقهم له، فجرت معلومات الله تعالى فيه على ما كانت مسطرة في اللوح المحفوظ.

و قال الباقر (عليه السلام): فلما حدث علي بن الحسين (عليهما السلام) بهذا الحديث، قال له بعض من في مجلسه: يا ابن رسول الله، كيف يعاقب الله و يوبخ هؤلاء الأخلاف على قبائح أتى بها أسلافهم، و هو يقول: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى «6»؟! فقال زين العابدين (عليه السلام): إن القرآن نزل بلغة العرب، فهو يخاطب العرب فيه- أهل اللسان- بلغتهم، يقول

__________________________________________________

(1) في المصدر: برأسه بلا أو نعم.

(2) في «س»: أشباحها.

(3) في المصدر: منك.

(4) في المصدر: بتدبيره و حكمه.

(5) الأنبياء 21: 23.

(6) الأنعام 6: 164.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 236

الرجل التميمي و قد أغار قومه على بلد و قتلوا من فيه: أغرتم على بلد كذا و كذا، و فعلتم «1» كذا و كذا.

و يقول العربي أيضا: نحن فعلنا ببني فلان، و نحن سبينا آل فلان، و نحن خربنا بلد كذا لا يريد أنهم باشروا ذلك، و لكن يريد هؤلاء بالعذل، و هؤلاء بالافتخار «2» أن قومهم فعلوا كذا و كذا.

و قول الله عز و جل في هذه الآيات إنما هو توبيخ لأسلافهم، و توبيخ العذل على هؤلاء الموجودين، لأن ذلك هو اللغة التي بها نزل القرآن، و لأن هؤلاء الأخلاف أيضا راضون بما فعل أسلافهم، مصوبون ذلك لهم، فجاز أن يقال: أنتم فعلتم إذ رضيتم قبيح فعلهم».

سورة البقرة(2): الآيات 67 الي 73 ..... ص : 236

قوله تعالى:

وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ

أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ [67] قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ [68] قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ [69] قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ [70] قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ [71] وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ [72] فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [73]

507/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل ليهود المدينة: و اذكروا إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): 273/ 140.

(1) في المصدر: و قتلتم.

(2) في «س» و «ط»: بالامتحان.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 237

و تضربون ببعضها هذا المقتول بين أظهركم ليقوم حيا سويا بإذن الله تعالى، و يخبركم بقاتله و ذلك حين ألقي القتيل بين أظهرهم.

فألزم موسى (عليه السلام) أهل القبيلة بأمر الله تعالى أن يحلف خمسون من أماثلهم «1» بالله القوي الشديد إله بني إسرائيل، مفضل محمد و آله الطيبين على البرايا أجمعين: أنا ما قتلناه، و لا علمنا له قاتلا، فإن حلفوا بذلك غرموا دية المقتول، و إن نكلوا نصوا على القاتل، أو أقر القاتل فيقاد «2» منه، فإن لم يفعلوا احبسوا في محبس ضنك

إلى أن يحلفوا، أو يقروا، أو يشهدوا على القاتل.

فقالوا: يا نبي الله، أما وقت «3» أيماننا أموالنا، و لا أموالنا أيماننا؟ قال: لا، هذا حكم الله.

و كان السبب أن امرأة حسناء ذات جمال، و خلق كامل، و فضل بارع، و نسب شريف، و ستر ثخين كثر خطابها، و كان لها بنو أعمام ثلاثة، فرضيت بأفضلهم علما، و أثخنهم سترا، و أرادت التزويج [به ]، فاشتد حسد ابني عمه الآخرين له، و غبطاه «4» عليها، لإيثارها من آثرته «5»، فعمدا إلى ابن عمها المرضي فأخذاه إلى دعوتهما، ثم قتلاه و حملاه إلى محلة تشتمل على أكبر قبيلة من بني إسرائيل، فألقياه بين أظهرهم ليلا، فلما أصبحوا وجدوا القتيل هناك، فعرف حاله، فجاء ابنا عمه القاتلان، فمزقا ثيابهما على أنفسهما، و حثيا التراب على رؤوسهما، و استعديا «6» عليهم، فأحضرهم موسى (عليه السلام) و سألهم، فأنكروا أن يكونوا قتلوه، أو علموا قاتله».

قال: «فحكم الله على من فعل هذه الحادثة ما عرفتموه فالتزموه، فقالوا: يا موسى، أي نفع في أيماننا لنا، إذا لم تدرأ عنا الأيمان الغرامة الثقيلة؟ أم أي نفع لنا في غرامتنا إذا لم تدرأ عنا الأيمان؟ فقال موسى (عليه السلام): كل النفع في طاعة الله، و الائتمار «7» لأمره، و الانتهاء عما نهى عنه.

فقالوا: يا نبي الله، غرم «8» ثقيل و لا جناية لنا، و أيمان غليظة و لا حق في رقابنا، لو أن الله عز و جل عرفنا قاتله بعينه، و كفانا مؤونته، فادع لنا ربك يبين لنا هذا القاتل لتنزل به ما يستحق من العقاب، و ينكشف أمره لذوي الألباب.

فقال موسى (عليه السلام): إن الله عز و جل قد بين ما أحكم به في

هذا، فليس لي أن اقترح عليه غير ما حكم، و لا

__________________________________________________

(1) أماثل القوم: خيارهم. «الصحاح- مثل- 5: 1816».

(2) القود: القصاص، و أقدت القاتل بالقتيل، أي قتلته به. «الصحاح- قود- 2: 528». [.....]

(3) و في «س»: وفت، أي ساوت أو وازت.

(4) الغبطة: أن تتمنّى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه. «الصحاح- غبط- 3: 1146».

(5) في المصدر: لإيثارها إيّاه.

(6) العدوى: طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك، أي ينتقم منه، يقال: استعديت على فلان الأمير فأعداني عليه، أي استعنت به عليه فأعانني «الصحاح- عدا- 6: 2421».

(7) ائتمر الأمر: أي امتثله. «الصحاح- أمر- 2: 582».

(8) الغرم: ما يلزم أداؤه. «الصحاح- غرم- 5: 1996».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 238

أعترض عليه فيما أمر، ألا ترون أنه لما حرم العمل يوم السبت، و حرم لحم الجمل، لم يكن لنا أن نقترح عليه أن يغير ما حكم الله «1» علينا من ذلك، بل علينا أن نسلم له حكمه، و نلتزم ما ألزمنا و هم أن يحكم عليهم بالذي كان يحكم به على غيرهم في مثل حادثتهم.

فأوحى الله عز و جل إليه: يا موسى، أجبهم إلى ما اقترحوا، و سلني أن أبين لهم القاتل ليقتل، و يسلم غيره من التهمة و الغرامة، فإني إنما أريد بإجابتهم إلى ما اقترحوا توسعة الرزق على رجل من خيار أمتك، دينه الصلاة على محمد و آله الطيبين، و التفضيل لمحمد و علي بعده على سائر البرايا، أغنيه في الدنيا في هذه القصة «2»، ليكون من بعض ثوابه عن تعظيمه لمحمد و آله.

فقال موسى: يا رب، بين لنا قاتله فأوحى الله تعالى إليه: قل لبني إسرائيل: إن الله يبين لكم ذلك، بأن يأمركم أن

تذبحوا بقرة، فتضربوا ببعضها المقتول فيحيا، فتقبلوا «3» لرب العالمين ذلك، و إلا فكفوا عن المسألة، و التزموا ظاهر حكمي.

فذلك ما حكى الله عز و جل: وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً إن أردتم الوقوف على القاتل، تضربوا المقتول ببعضها فيحيا، و يخبر بالقاتل قالُوا- يا موسى- أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً سخرية؟ تزعم أن الله أمرنا أن نذبح بقرة، و نأخذ قطعة من الميت، و نضرب بها ميتا، فيحيا أحد الميتين بملاقاته بعض الميت الآخر، كيف يكون هذا؟! قال موسى (عليه السلام): أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ أنسب إلى الله تعالى ما لم يقل لي، و أن أكون من الجاهلين، أعارض أمر الله بقياسي على ما شاهدت، دافعا لقول الله تعالى و أمره.

ثم قال موسى (عليه السلام): أ و ليس ماء الرجل نطفة ميتة، و ماء المرأة كذلك، ميتان يلتقيان فيحدث الله تعالى من التقاء الميتين بشرا حيا سويا؟ أ و ليس بذوركم التي تزرعونها في أرضيكم تتفسخ و تتعفن و هي ميتة، ثم تخرج «4» منها هذه السنابل الحسنة البهيجة، و هذه الأشجار الباسقة «5» المونقة؟

فلما بهرهم موسى (عليه السلام) قالُوا يا موسى ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ أي ما صفتها، لنقف عليها فسأل موسى ربه عز و جل، فقال: إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ كبيرة وَ لا بِكْرٌ صغيرة لم تفرض «6» عَوانٌ وسط بَيْنَ ذلِكَ بين الفارض و البكر فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ إذا ما أمرتم به. قالُوا يا موسى ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها أي لون هذه البقرة التي تريد أن تأمرنا بذبحها.

__________________________________________________

(1) في المصدر زيادة: به.

(2) في المصدر: القضية.

(3) في المصدر: فتسلّمون.

(4) في

المصدر: يخرج اللّه.

(5) الباسقة: الطويلة.

(6) فرضت البقرة: كبرت و طعنت في السن. «الصحاح- فرض- 3: 1097»، في المصدر: لم تغبط.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 239

قال الله جل و عز «1» بعد السؤال و الجواب: إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ حسنة لون الصفرة «2»، ليس بناقص يضرب إلى البياض، و لا بمشبع يضرب إلى السواد لَوْنُها هكذا فاقع تَسُرُّ النَّاظِرِينَ إليها، لبهجتها و حسنها و بريقها. قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ما صفتها؟ يزيد في صفتها.

قال «3» الله عز و جل: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ لم تذلل لإثارة الأرض، و لم ترض «4» بها وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ و لا هي مما تجر الدوالي «5»، و لا تدير النواعير «6»، قد أعفيت من جميع ذلك مُسَلَّمَةٌ من العيوب كلها، لا عيب فيها لا شِيَةَ فِيها لا لون فيها من غيرها.

فلما سمعوا هذه الصفات، قالوا: يا موسى، فقد أمرنا ربنا بذبح بقرة هذه صفتها؟ قال: بلى و لم يقل موسى في الابتداء بذلك، لأنه لو قال: إن الله أمركم لكانوا إذا قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما هي، و ما لونها؟ كان لا يحتاج أن يسأله ذلك عز و جل، و لكن كان يجيبهم هو بأن يقول: أمركم ببقرة فأي شي ء وقع عليه اسم بقرة فقد خرجتم من أمره إذا ذبحتموها».

قال: «فلما استقر الأمر عليها «7» طلبوا هذه البقرة، فلم يجدوها إلا عند شاب من بني إسرائيل، أراه الله عز و جل في منامه محمدا و عليا و طيبي ذريتهما، فقالا له: إنك كنت لنا محبا مفضلا، و نحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا، فإذا راموا

شراء بقرتك فلا تبعها إلا بأمر أمك، فإن الله عز و جل يلقنها ما يغنيك به و عقبك «8».

ففرح الغلام و جاءه القوم يطلبون بقرته، فقالوا: بكم تبيع بقرتك؟ فقال: بدينارين، و الخيار لأمي. قالوا:

رضينا بدينار. فسألها فقالت: بأربعة. فأخبرهم، فقالوا: نعطيك دينارين. فأخبر أمه فقالت: بثمانية. فما زالوا يطلبون على النصف مما تقول أمه «9» فتضعف الثمن، حتى بلغ ثمنها مل ء مسك «10» ثور أكبر ما يكون ملؤه دنانير، فأوجب لهم البيع.

__________________________________________________

(1) في المصدر: قال موسى عن اللّه.

(2) في المصدر: حسن الصفرة. [.....]

(3) في المصدر زيادة: عن.

(4) رضت الدابّة: ذلّلتها. «مجمع البحرين- روض- 4: 210».

(5) الدوالي: جمع دالية، و هي خشبة تصنع كهيئة الصليب و تشدّ برأس الدلو، ثمّ يؤخذ حبل يربط طرفه بذلك، و طرفه الآخر، بجذع قائمة على رأس البئر و يستقى بها. «مجمع البحرين- دلا- 1: 146».

(6) النواعير: جمع ناعورة، دولاب ذو دلاء أو نحوها، يدور بدفع الماء أو جرّ الماشية، فيخرج الماء من البئر أو النهر إلى الحقل. «المعجم الوسيط- نعر- 2: 934».

(7) في المصدر: عليهم.

(8) عقب الرجل: ولده و ولد ولده. «الصحاح- عقب- 1: 184».

(9) في المصدر زيادة: و يرجع إلى أمه.

(10) المسك: الجلد. «الصحاح- مسك- 4: 1608».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 240

ثم ذبحوها و أخذوا قطعة- و هي عجب «1» الذنب الذي منه خلق ابن آدم، و عليه يركب إذا أعيد خلقا جديدا- فضربوه بها، و قالوا: اللهم بجاه محمد و آله الطيبين لما أحييت هذا الميت، و أنطقته ليخبر عن قاتله فقام سالما سويا، و قال: يا نبي الله، قتلني هذان ابنا عمي، حسداني على بنت عمي فقتلاني، و ألقياني في محلة هؤلاء ليأخذا ديتي منهم.

فأخذ

موسى (عليه السلام) الرجلين فقتلهما، فكان قبل أن يقوم الميت ضرب بقطعة من البقرة فلم يحي، فقالوا:

يا نبي الله، أين ما وعدتنا عن الله عز و جل؟ فقال موسى (عليه السلام): قد صدقت، و ذلك إلى الله عز و جل.

فأوحى الله عز و جل إليه: يا موسى، إني لا أخلف وعدي، و لكن لينقدوا إلى الفتى «2» ثمن بقرته مل ء مسك ثور «3» دنانير، ثم أحيي هذا الغلام.

فجمعوا أموالهم، فوسع الله جلد الثور حتى وزن ما ملي ء به جلده فبلغ خمسة آلاف ألف دينار، فقال بعض بني إسرائيل لموسى (عليه السلام)- و ذلك بحضرة المقتول المنشور المضروب ببعض البقرة-: لا ندري أيهما أعجب:

إحياء الله هذا الميت و إنطاقه بما نطق، أو إغناء هذا الفتى بهذا المال العظيم!! فأوحى الله إليه: يا موسى، قل لبني إسرائيل من أحب منكم أن يطيب في الدنيا عيشه، و أعظم في جناني محله، و أجعل لمحمد «4» فيها منادمته، فليفعل كما فعل هذا الصبي، إنه قد سمع من موسى بن عمران (عليه السلام) ذكر محمد و علي و آلهما الطيبين، فكان عليهم مصليا، و لهم على جميع الخلائق من الجن و الإنس و الملائكة مفضلا، فلذلك صرفت إليه المال العظيم ليتنعم بالطيبات و يتكرم بالهبات و الصلات، و يتحبب بمعروفه إلى ذوي المودات، و يكبت «5» بنفقاته ذوي العداوات.

فقال الفتى: يا نبي الله، كيف أحفظ هذه الأموال؟ أم كيف أحذر من عداوة من يعاديني فيها، و حسد من يحسدني من أجلها؟

قال: قل عليها من الصلاة على محمد و آله الطيبين ما كنت تقول قبل أن تنالها، فإن الذي رزقكها بذلك القول مع صحة الاعتقاد يحفظها عليك أيضا و يدفع عنك

«6»، فقالها الفتى فما رامها «7» حاسد له ليفسدها، أو لص ليسرقها، أو غاصب ليغصبها، إلا دفعه الله عز و جل عنها بلطف من ألطافه «8» حتى يمتنع من ظلمه اختيارا، أو

__________________________________________________

(1) العجب: أصل الذنب. «الصحاح- عجب- 1: 177»، و في المصدر: عجز.

(2) في المصدر: ليقدموا للفتى.

(3) في المصدر: مل ء مسكها.

(4) في المصدر: لمحمّد و آله الطيّبين.

(5) الكبت: الصرف و الإذلال. «الصحاح- كبت- 1: 262».

(6) في المصدر: عليك أيضا بهذا القول مع صحّة الاعتقاد. [.....]

(7) في «س»: رآها.

(8) في «ط» نسخة بدل: بلطيفة من لطائفة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 241

منعه منه بآفة أو داهية حتى يكفه عنه، فيكف اضطرارا.

فلما قال موسى (عليه السلام) للفتى ذلك، و صار الله عز و جل له لمقالته حافظا، قال هذا المنشور، اللهم إني أسألك بما سألك هذا الفتى من الصلاة على محمد و آله الطيبين و التوسل بهم أن تبقيني في الدنيا متمتعا بابنة عمي، و تجزي عني أعدائي و حسادي و ترزقني فيها خيرا كثيرا طيبا.

فأوحى الله إليه: يا موسى، إنه كان لهذا الفتى المنشور بعد القتل ستون سنة، و قد وهبته بمسألته «1» و توسله بمحمد و آله الطيبين سبعين سنة، تمام مائة و ثلاثين سنة صحيحة حواسه، ثابت فيها جنانه، قوية فيها شهواته، يمتع بحلال هذه الدنيا، و يعيش و لا يفارقها و لا تفارقه، فإذا حان حينه حان حينها و ماتا جميعا معا فصارا إلى جناتي، و كانا زوجين فيها ناعمين.

و لو سألني- يا موسى- هذا الشقي القاتل بمثل ما توسل به هذا الفتى على صحة اعتقاده أن أعصمه من الحسد، و أقنعه بما رزقته- و ذلك هو الملك العظيم- لفعلت.

و لو سألني بعد

ذلك «2» مع التوبة عن صنيعه أن لا أفضحه لما فضحته «3»، و لصرفت هؤلاء عن اقتراح إبانة القاتل، و لأغنيت هذا الفتى من غير هذا الوجه بقدر هذا المال.

و لو سألني بعد ما افتضح، و تاب إلي، و توسل بمثل وسيلة هذا الفتى أن أنسي الناس فعله- بعد ما ألطف لأوليائه فيعفون عن القصاص- فعلت، فكان لا يعيره أحد بفعله، و لا يذكره فيهم ذاكر، و لكن ذلك فضلي أوتيه من أشاء، و أنا العدل الحكيم «4».

فلما ذبحوها قال الله تعالى: فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ فأرادوا أن لا يفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة، و لكن اللجاج حملهم على ذلك، و اتهامهم لموسى (عليه السلام) حدأهم «5» عليه».

قال: «فضجوا إلى موسى (عليه السلام)، و قالوا: افتقرت القبيلة و دفعت «6» إلى التكفف «7»، فانسلخنا بلجاجنا عن قليلنا و كثيرنا، فادع الله لنا بسعة الرزق.

فقال موسى (عليه السلام): ويحكم ما أعمى قلوبكم! أما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة، و ما أورثه الله تعالى من الغنى؟ أو ما سمعتم دعاء المقتول المنشور، و ما أثمر له من العمر الطويل و السعادة و التنعم «8» بحواسه و سائر

__________________________________________________

(1) في «س»: بمسألتي.

(2) في المصدر: بذلك.

(3) في «س»: أفضحته.

(4) في المصدر:

و أنا ذو الفضل العظيم، و أعدل بالمنع على من أشاء، و أنا العزيز الحكيم.

(5) حدأت إليه: أي لجأت إليه. «الصحاح- حدأ- 1: 43»، و في «ط»: جرّهم.

(6) في «س» و «ط»: رفعت.

(7) تكفّف: مدّ كفّه يسأل النّاس. «الصحاح- كفف- 4: 1423».

(8) في المصدر زيادة: و التمتع.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 242

بدنه و عقله؟ لم لا تدعون الله بمثل دعائهما، أو تتوسلون إلى الله بمثل توسلهما إليه،

ليسد فاقتكم، و يجبر كسركم، و يسد خلتكم؟

فقالوا: اللهم إليك التجأنا «1»، و على فضلك اعتمدنا، فأزل فقرنا و سد خلتنا بجاه محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الطيبين من آلهم.

فأوحى الله إليه: يا موسى، قل لهم ليذهب رؤساؤهم إلى خربة بني فلان، و يكشفوا في موضع كذا و كذا- لموضع عينه- وجه أرضها قليلا، و يستخرجوا ما هناك، فإنه عشرة آلاف ألف دينار، ليردوا «2» على كل من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع، لتعود أحوالهم إلى ما كانت، ثم ليتقاسموا بعد ذلك ما يفضل، و هو خمسة آلاف ألف، على قدر ما دفع كل واحد منهم في هذه المحنة، لتتضاعف أموالهم، جزاء على توسلهم بمحمد و آله الطيبين، و اعتقادهم لتفضيلهم.

فذلك ما قال الله تعالى: وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها اختلفتم فيها و تدارأتم، ألقى بعضكم الذنب في قتل المقتول على بعض، و درأه عن نفسه و ذريته»

وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ مظهر ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ما كان من خبر القاتل، و ما كنتم تكتمون من إرادة تكذيب موسى (عليه السلام)، باقتراحكم عليه ما قدرتم أن ربه لا يجيبه إليه.

فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها ببعض البقرة كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى

في الدنيا و الآخرة كما أحيا الميت بملاقاة ميت آخر: أما في الدنيا فيلاقي ماء الرجل ماء المرأة، فيحيي الله الذي كان في الأصلاب و الأرحام حيا، و أما في الآخرة فإن الله تعالى ينزل بين نفختي الصور، بعد ما ينفخ النفخة الأولى من دوين السماء الدنيا، من البحر المسجور الذي قال الله تعالى: وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ «4» و هو «5» مني كمني الرجل، فيمطر ذلك على الأرض، فيلقي الماء المني مع

الأموات البالية، فينبتون من الأرض و يحيون.

قال الله عز و جل: وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ سائر آياته سوى هذه الدلالات على توحيده، و نبوة موسى (عليه السلام) نبيه، و فضل محمد (صلى الله عليه و آله) على الخلائق، سيد إمائه و عبيده، و تبيين «6» فضله و فضل آله الطيبين على سائر خلق الله أجمعين لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

تتفكرون أن الذي يفعل هذه العجائب لا يأمر الخلق إلا بالحكمة، و لا يختار محمداً إلا و هم أفضل ذوي الألباب».

508/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثني أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا علي بن موسى بن جعفر بن أبي جعفر

__________________________________________________

2- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام): 2: 13/ 31.

(1) في «س»: التجاؤنا.

(2) في «س» و «ط»: و يزدادوا.

(3) في المصدر: و ذويه. [.....]

(4) الطّور 52: 6.

(5) في المصدر: و هي.

(6) في المصدر: و تبيينه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 243

الكمنداني، و محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: «إن رجلا من بني إسرائيل قتل قرابة له «1»، ثم أخذه و طرحه على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل «2»، ثم جاء يطلب بدمه. فقالوا لموسى (عليه السلام): إن سبط آل فلان قتلوا فلانا، فأخبرنا «3» من قتله.

قال: ائتوني ببقرة.

قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ و لو أنهم عمدوا إلى أي بقرة أجزأتهم، و لكن شددوا فشدد الله عليهم. قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ يعني لا صغيرة و لا كبيرة عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ و لو أنهم

عمدوا إلى أي بقرة أجزأتهم، و لكن شددوا فشدد الله عليهم.

قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ و لو أنهم عمدوا إلى بقرة لأجزأتهم «4»، و لكن شددوا فشدد الله عليهم. قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ. فطلبوها، فوجودها عند فتى من بني إسرائيل، فقال: لا أبيعها إلا بمل ء مسك «5» ذهبا. فجاءوا إلى موسى، و قالوا له ذلك، فقال: اشتروها. فاشتروها و جاءوا بها، فأمر بذبحها، ثم أمر أن يضربوا الميت بذنبها، فلما فعلوا ذلك حيي المقتول، و قال: يا رسول الله، إن ابن عمي قتلني دون من يدعي عليه قتلي فعلموا بذلك قاتله.

فقال لرسول «6» الله موسى (عليه السلام) بعض «7» أصحابه: إن هذه البقرة لها نبأ. فقال: و ما هو؟

قالوا: إن فتى من بني إسرائيل كان بارا بأبيه، و إنه اشترى بيعا «8» فجاء إلى أبيه و الأقاليد «9» تحت رأسه، فكره أن يوقظه، فترك ذلك البيع، فاستيقظ أبوه، فأخبره، فقال له: أحسنت، خذ هذه البقرة فهي لك عوضا لما فاتك- قال- فقال له رسول الله موسى (عليه السلام): انظر إلى البر ما بلغ أهله!».

و روى العياشي هذا الحديث، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، قال: سمعت أبا الحسن

__________________________________________________

(1) في «س»، «ط»: قرابته.

(2) الأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب. «الصحاح- سبط- 3: 1129».

(3) في «س»، «ط»: فأخبر.

(4) في المصدر: أجزأتهم.

(5) في المصدر: مسكها.

(6) في المصدر:

رسول.

(7) في المصدر: لبعض.

(8) و في المصدر: تبيعا، و التّبيع: ولد البقرة في أوّل سنة. «الصحاح- تبع- 3: 119».

(9) الأقاليد: جمع مقلد أو مقلاد، و هو المفتاح أو الخزانة. و في المصدر: أبيه و رأى أنّ المقاليد، و كلاهما بمعنى.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 244

الرضا (عليه السلام)، و ذكر الحديث «1».

509/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن بعض رجاله، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «إن رجلا من خيار بني إسرائيل و علمائهم خطب امرأة منهم فأنعمت له، و خطبها ابن عم لذلك الرجل، و كان فاسقا رديئا، فلم ينعموا له، فحسد ابن عمه الذي أنعموا له «2»، فقعد له فقتله غيلة، ثم حمله إلى موسى. فقال: يا نبي الله، هذا ابن عمي قد قتل. قال موسى: من قتله؟ قال: لا أدري.

و كان القتل في بني إسرائيل عظيما جدا، فعظم ذلك على موسى، فاجتمع إليه بنو إسرائيل، فقالوا: ما ترى، يا نبي الله؟ و كان في بني إسرائيل رجل له بقرة، و كان له ابن بار، و كان عند ابنه سلعة، فجاء قوم يطلبون سلعته، و كان مفتاح بيته تحت رأس أبيه، و كان نائما، فكره ابنه أن ينبهه و ينغص عليه «3» نومه، فانصرف القوم و لم يشتروا سلعته. فلما انتبه أبوه، قال له: يا بني، ماذا صنعت في سلعتك؟ قال: هي قائمة لم أبعها، لأن المفتاح كان تحت رأسك، فكرهت أن أنبهك، و أنغص عليك نومك. قال له أبوه: قد جعلت هذه البقرة لك، عوضا عما فاتك من ربح سلعتك و شكر الله لابنه ما فعل بأبيه.

فأمر موسى بني إسرائيل، أن يذبحوا تلك البقرة بعينها، فلما

اجتمعوا إلى موسى، و بكوا و ضجوا، قال لهم موسى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً فتعجبوا قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً نأتيك بقتيل، فتقول: اذبحوا بقرة! فقال لهم موسى: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ فعلموا أنهم قد أخطؤوا.

قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ الفارض: التي قد ضربها الفحل، و لم تحمل و البكر: التي لم يضربها الفحل. قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها أي شديدة الصفرة تَسُرُّ النَّاظِرِينَ إليها. قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ أي لم تذلل وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ أي و لا تسقي الزرع مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها أي لا بقع «4» فيها إلا الصفرة. قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ هي بقرة فلان، فذهبوا ليشتروها، فقال: لا أبيعها إلا بمل ء جلدها ذهبا.

فرجعوا إلى موسى فأخبروه، فقال لهم موسى: لا بد لكم من ذبحها بعينها فاشتروها بمل ء جلدها ذهبا، فذبحوها، ثم قالوا: ما تأمرنا، يا نبي الله. فأوحى الله تعالى إليه: قل لهم: اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها و قولوا: من قتلك؟

فأخذوا الذنب فضربوه به، و قالوا: من قتلك يا فلان؟ فقال: فلان بن فلان، ابن عمي- الذي جاء به- و هو قوله:

فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ».

__________________________________________________

3- تفسير القمّي 1: 49.

(1) تفسير العيّاشي 1: 46/ 57. [.....]

(2) أنعم له: أي قال له: نعم. «الصحاح- نعم- 5: 2043».

(3) نغّض علينا: قطع علينا ما كنا نحبّ الاستكثار منه.

«لسان العرب- نغص- 7: 99».

(4) في المصدر: لا نقط.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 245

510/ [4]- العياشي: عن الحسن بن علي بن فضال «1»، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: «إن الله أمر بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة، و إنما كانوا يحتاجون إلى ذنبها، فشددوا «2»، فشدد الله عليهم».

511/ [5]- عن الفضل بن شاذان، عن بعض أصحابنا، رفعه إلى أبي عبدالله (عليه السلام)، أنه قال: «من لبس نعلا صفراء لم يزل مسرورا حتى يبليها، كما قال الله: صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ».

و قال: «من لبس نعلا صفراء لم يبلها حتى يستفيد علما أو مالا».

512/ [6]- عن يونس بن يعقوب «3»، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): إن أهل مكة يذبحون البقرة في اللبب «4»، فما ترى في أكل لحومها؟ قال: فسكت هنيئة، ثم قال: «قال الله فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ لا تأكل إلا ما ذبح من مذبحه».

سورة البقرة(2): آية 74 ..... ص : 245

قوله تعالى:

ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [74]

513/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ عست «5» و جفت و يبست من الخير و الرحمة قلوبكم، معاشر اليهود مِنْ بَعْدِ ذلِكَ من بعد ما بينت من الآيات الباهرات في زمان موسى (عليه السلام)، و من الآيات المعجزات التي شاهدتموها من محمد (صلى الله عليه و آله).

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 1: 47/ 58.

5- تفسير العيّاشي 1: 47/ 59 و 60.

6- تفسير العيّاشي 1: 47/ 61.

1- التفسير المنسوب إلى

الإمام العسكري (عليه السّلام): 283/ 141.

(1) في المصدر: الحسن بن عليّ بن محبوب، عن عليّ بن يقطين، و ما في المتن هو الصحيح، راجع معجم رجال الحديث 5: 50.

(2) (فشدّدوا) ليس في «ط».

(3) في «س»، «ط»: يونس بن عبد الرّحمن، و ما في المتن هو الأصح لأنّه روى عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) و اختصّ به، أمّا يونس بن عبد الرّحمن فقد قال النجاشيّ: إنّه رأى جعفر بن محمّد (عليه السّلام) بين الصّفا و المروة، و لم يرو عنه. راجع رجال النجاشيّ: 446/ 1207 و 1208.

(4) اللّبب: المنحر من كل شي ء. «النهاية 4: 223».

(5) عسا الشّي ء: يبس و اشتدّ و صلب. «الصحاح- عسا- 6: 2425». و في «ط»: غشت.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 246

فَهِيَ كَالْحِجارَةِ اليابسة لا ترشح برطوبة، و لا ينتفض منها ما ينتفع به، أي أنكم لا حق لله تردون «1»، و لا من أموالكم، و لا من حواشيها «2» تتصدقون، و لا بالمعروف تتكرمون و تجودون، و لا الضيف تقرون «3» و لا مكروبا تغيثون، و لا بشي ء من الإنسانية تعاشرون، و تعاملون.

أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً إنما هي في قساوة الأحجار، أو أشد قسوة، أبهم على السامعين، و لم يبين لهم، كما قال القائل: أكلت خبزا أو لحما، و هو لا يريد به: أني لا أدري ما أكلت، بل يريد أن يبهم على السامع حتى لا يعلم ما أكل، و إن كان يعلم أنه قد أكل.

و ليس معناه بل أشد قسوة، لأن هذا استدراك غلط، و هو عز و جل يرتفع عن أن يغلط في خبر، ثم يستدرك على نفسه الغلط، لأنه العالم بما كان و ما يكون و ما لا

يكون أن لو كان كيف كان يكون، و إنما يستدرك الغلط على نفسه المخلوق المنقوص.

و لا يريد به أيضا فهي كالحجارة أو أشد، أي و أشد قسوة، لأن هذا تكذيب الأول بالثاني، لأنه قال: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ في الشدة لا أشد منها و لا ألين، فإذا قال بعد ذلك: أَوْ أَشَدُّ فقد رجع عن قوله الأول: إنها ليست بأشد.

و هو مثل أن يقول: لا يجي ء من قلوبكم خير، لا قليل و لا كثير، فأبهم عز و جل في الأول حيث قال: أَوْ أَشَدُّ و بين في الثاني أن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة، لا بقوله: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً و لكن بقوله: وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ أي فهي في القساوة بحيث لا يجي ء منها الخير، يا يهود، و في الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، فيجي ء بالخير و الغياث لبني آدم. وَ إِنَّ مِنْها من الحجارة لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ و هو ما يقطر منه الماء، فهو خير منها، دون الأنهار التي تتفجر من بعضها، و قلوبهم لا يتفجر منها الخيرات، و لا تشقق «4» فيخرج منها قليل من الخيرات، و إن لم يكن كثيرا.

ثم قال الله عز و جل: وَ إِنَّ مِنْها يعني من الحجارة لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ إذا أقسم عليها باسم الله و بأسماء أوليائه محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الطيبين من آلهم (صلى الله عليهم)، و ليس في قلوبكم شي ء من هذه الخيرات وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ بل عالم به، يجازيكم عنه بما هو به عادل عليكم، و ليس بظالم لكم، يشدد حسابكم، و يؤلم عقابكم.

و هذا الذي وصف الله تعالى

به قلوبهم هاهنا نحو ما قال في سورة النساء: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً «5» و ما وصف به الأحجار هاهنا نحو ما وصف في قوله:

__________________________________________________

(1) في المصدر: تؤدون.

(2) حواشي الأموال: صغار الإبل، كابن المخاض و ابن اللبون. «لسان العرب- حشا- 14: 180». و في المصدر: مواشيها. [.....]

(3) قريت الضيف: أحسنت إليه. «الصحاح- قرا- 6: 2461».

(4) في «س»: تنشق.

(5) النساء 4: 53.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 247

لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ»

و هذا التقريع من الله تعالى لليهود و النواصب، و اليهود جمعوا الأمرين و اقترفوا الخطيئتين، فعظم «2» على اليهود ما وبخهم به رسول الله (صلى الله عليه و آله).

فقال جماعة من رؤسائهم و ذوي اللسن و البيان منهم: يا محمد، إنك تهجونا و تدعي على قلوبنا ما الله يعلم منها خلافه، إن فيها «3» خيرا كثيرا، نصوم و نتصدق و نواسي الفقراء.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إنما الخير ما أريد به وجه الله تعالى، و عمل على ما أمر الله تعالى، فأما ما أريد به الرياء و السمعة و معاندة «4» رسول الله، و إظهار الغنى له، و التمالك و التشرف عليه، فليس بخير، بل هو الشر الخالص، و وبال على صاحبه، يعذبه الله به أشد العذاب.

فقالوا له: يا محمد، أنت تقول هذا، و نحن نقول: بل ما ننفقه إلا لإبطال أمرك، و دفع رسالتك «5»، و لتفريق أصحابك عنك «6»، و هو الجهاد الأعظم، نأمل به من الله تعالى الثواب الأجل الأجسم، فأقل أحوالنا أنا تساوينا في الدعاوى، فأي فضل لك علينا؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه

و آله): يا إخوة اليهود، إن الدعاوى يتساوى فيها المحقون و المبطلون، و لكن حجج الله و دلائله تفرق بينهم فتكشف عن تمويه المبطلين، و تبين عن حقائق المحقين، و رسول الله محمد لا يغتنم جهلكم، و لا يكلفكم التسليم له بغير حجة، و لكن يقيم عليكم حجة الله تعالى التي لا يمكنكم دفعها، و لا تطيقون الامتناع من موجبها، و لو ذهب محمد يريكم آية من عنده لشككتم، و قلتم: إنه متكلف مصنوع محتال فيه، معمول أو متواطأ عليه، فإذا اقترحتم أنتم فأراكم ما تقترحون، لم يكن لكم أن تقولوا: معمول أو متواطأ عليه أو متأت بحيلة و مقدمات، فما الذي تقترحون؟ فهذا رب العالمين قد وعدني أن يظهر لكم ما تقترحون ليقطع معاذير الكافرين منكم، و يزيد في بصائر المؤمنين.

قالوا: قد أنصفتنا- يا محمد- فإن وفيت بما وعدت من نفسك من الإنصاف، و إلا فأنت أول راجع عن دعواك للنبوة، و داخل في غمار «7» الأمة، و مسلم لحكم التوراة لعجزك عما نقترحه عليك، و ظهور الباطل في دعواك «8» فيما ترومه من جهتك.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): الصدق ينبئ عنكم لا الوعيد «9»، اقترحوا ما تقترحون ليقطع معاذيركم فيما

__________________________________________________

(1) الحشر 59: 21.

(2) في المصدر: فغلّظ.

(3) في «ط» نسخة بدل: فينا.

(4) في المصدر: أو معاندة.

(5) في «ط» نسخة بدل: و رفع رئاستك.

(6) في «ط» نسخة بدل: منك.

(7) دخلت في غمار الناس- يضمّ و يفتح- أي في زحمتهم و كثرتهم. «الصحاح- غمر- 2: 772».

(8) في «س»: و ظهور باطل دعواك.

(9) مثل لفظه: (الصدق ينبئ عنك لا الوعيد)، و معناه: أنّ ما ينبئ عدوّك عنك أن تصدق في المحاربة و غيرها، لا

أن توعده و لا تنفّذ لما توعد به. «مجمع الأمثال 1: 398».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 248

تسألون.

فقالوا له: يا محمد، زعمت أنه ما في قلوبنا شي ء من مواساة الفقراء، و معاونة الضعفاء، و النفقة في إبطال الباطل، و إظهار الحق، و أن الأحجار ألين من قلوبنا، و أطوع لله منا، و هذه الجبال بحضرتنا، فهلم بنا إلى بعضها، فاستشهدها على تصديقك و تكذيبنا، فإن نطق بتصديقك فأنت المحق، يلزمنا اتباعك، و إن نطق بتكذيبك أو صمت فلم يرد جوابك «1»، فاعلم بأنك المبطل في دعواك، المعاند لهواك.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): نعم، هلموا بنا إلى أيها شئتم أستشهده ليشهد لي عليكم فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه «2»، فقالوا: يا محمد، هذا الجبل فاستشهده.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) للجبل: إني أسألك بجاه محمد و آله الطيبين الذين بذكر أسمائهم خفف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة، بعد أن لم يقدروا على تحريكه و هم خلق كثير، لا يعرف عددهم غير الله عز و جل، و بحق محمد و آله الطيبين الذين بذكر أسمائهم تاب الله على آدم، و غفر خطيئته، و أعاده إلى مرتبته، و بحق محمد و آله الطيبين الذين بذكر أسمائهم و سؤال الله بهم رفع إدريس في الجنة مكانا عليا، لما شهدت لمحمد بما أودعك الله بتصديقه على هؤلاء اليهود في ذكر قساوة قلوبهم و تكذيبهم، و في «3» جحدهم لقول محمد رسول الله.

فتحرك الجبل و تزلزل، و فاض منه الماء، و نادى: يا محمد، أشهد أنك رسول الله رب العالمين، و سيد الخلق أجمعين، و أشهد أن قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت: أقسى من

الحجارة، لا يخرج منها خير، كما قد يخرج من الحجارة الماء سيلا «4» أو تفجرا «5»، و أشهد أن هؤلاء كاذبون عليك فيما به يقذفونك «6» من الفرية على رب العالمين.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): و أسألك- أيها الجبل- أمرك الله بطاعتي فيما ألتمسه منك بجاه محمد و آله الطيبين الذين بهم نجى الله نوحا من الكرب العظيم، و برد النار على إبراهيم (عليه السلام) و جعلها عليه بردا و سلاما، و مكنه في جوف النار على سرير و فراش وثير، لم ير ذلك «7» الطاغية مثله لأحد من ملوك الأرض أجمعين، و أنبت

__________________________________________________

(1) في «س»: جوابا.

(2) في «س»، «ط»: رآه. [.....]

(3) (في) ليس في المصدر.

(4) في «ط» نسخة بدل: سبيلا.

(5) في المصدر: أو تفجيرا.

(6) في المصدر: يقرفونك. يقال: هو يقرف بكذا: يرمى به و يتّهم. «الصحاح- قرف- 4: 1415».

(7) في «س»: تلك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 249

حواليه من الأشجار الخضرة النضرة النزهة، و غمر «1» ما حوله من أنواع المنثور «2»، بما لا يوجد إلا في فصول أربعة من جميع السنة؟

قال الجبل: بلى، أشهد لك- يا محمد- بذلك، و أشهد أنك لو اقترحت على ربك أن يجعل رجال الدنيا قرودا و خنازير لفعل، أو يجعلهم ملائكة لفعل، و أن يقلب النيران جليدا، و الجليد نيرانا «3» لفعل، أو يهبط السماء إلى الأرض، أو يرفع الأرض إلى السماء لفعل، أو يصير «4» أطراف المشارق و المغارب و الوهاد كلها صرة كصرة الكيس لفعل، و أنه قد جعل الأرض و السماء طوعك، و الجبال و البحار تنصرف بأمرك، و سائر ما خلق الله من الرياح و الصواعق، و جوارح الإنسان و

أعضاء الحيوان لك مطيعة، و ما أمرتها به من شي ء ائتمرت.

فقال اليهود: يا محمد: علينا «5» تلبس و تشبه؟ قد أجلست مردة من أصحابك خلف صخور على هذا الجبل، فهم ينطقون بهذا الكلام، و نحن لا ندري أ نسمع من الرجل أم من الجبل؟ لا يغتر بمثل هذا إلا ضعفاؤك الذين تبحبح «6» في عقولهم، فإن كنت صادقا فتنح عن موضعك هذا إلى ذلك القرار، و مر هذا الجبل أن ينقلع «7» من أصله، فيسير إليك إلى هناك، فإذا حضرك- و نحن نشاهده- فمره أن ينقطع نصفين من ارتفاع سمكه، ثم ترتفع السفلى من قطعتيه فوق العليا، و تنخفض العليا تحت السفلى، فإذا أصل الجبل قلته «8»، و قلته أصله، لنعلم أنه من الله، لا يتفق بمواطأة و لا بمعاونة مموهين متمردين.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله)- و أشار إلى حجر فيه قدر خمسة أرطال-: يا أيها الحجر، تدحرج فتدحرج.

ثم قال لمخاطبه: خذه و قربه من أذنك، فسيعيد عليك ما سمعته، فإنه جزء من ذلك الجبل فأخذه الرجل، فأدناه إلى أذنه، فنطق «9» الحجر بمثل ما نطق به الجبل أولا من تصديق رسول الله (صلى الله عليه و آله) فيما ذكر عن قلوب اليهود، و فيما أخبر به من أن نفاقهم في دفع أمر محمد (صلى الله عليه و آله) باطل، و وبال عليهم.

فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): أسمعت هذا؟ أخلف هذا الحجر أحد يكلمك، و يوهمك أنه يكلمك، قال: لا، فآتني بما اقترحت في الجبل.

فتباعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى فضاء واسع، ثم نادى الجبل: يا أيها الجبل، بحق محمد و آله الطيبين،

__________________________________________________

(1) في «س»:

و عمّ.

(2) في «ط» نسخة بدل: الميثور.

(3) في «س»: النار.

(4) في «س»: تصير.

(5) في المصدر: أعلينا.

(6) تبحبحت في الدار: إذا توسطتها و تمكّنت منها، و التّبحبح: التمكّن في الحلول و المقام، و الظاهر أنّ المراد هنا: تتمكن من عقولهم، و تسيطر عليها. «لسان العرب- بحح- 2: 407».

(7) في «س»: ينقطع.

(8) القلّة: أعلى الجبل. «الصحاح- قلل- 5: 1804».

(9) في المصدر زيادة: به. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 250

الذين بجاههم و مسألة عباد الله بهم أرسل الله على قوم عاد ريحا صرصرا عاتية، تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل خاوية، و أمر جبرئيل أن يصيح صيحة هائلة في قوم صالح حتى صاروا كهشيم المحتظر «1»، لما انقلعت من مكانك بإذن الله، و جئت إلى حضرتي هذه و وضع يده على الأرض بين يديه، فتزلزل الجبل، و سار كالقارح «2» الهملاج «3» حتى صار بين يديه، و دنا من إصبعه أصله فلزق بها، و وقف و ناداها: أنا لك سامع طائع- يا رسول رب العالمين- و إن رغمت أنوف هؤلاء المعاندين، مرني بأمرك.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن هؤلاء المعاندين اقترحوا علي أن آمرك أن تنقلع من أصلك، فتصير نصفين، ثم ينحط أعلاك، و يرتفع أسفلك، فتصير ذروتك أصلك، و أصلك ذروتك.

فقال الجبل: أ تأمرني بذلك، يا رسول الله؟ قال: بلى فانقطع الجبل نصفين، و انحط أعلاه إلى الأرض، و ارتفع أصله «4» فوق أعلاه، فصار فرعه أصله، و أصله فرعه.

ثم نادى الجبل: معاشر اليهود، هذا الذي ترون دون معجزات موسى (عليه السلام) الذي تزعمون أنكم به مؤمنون. فنظر اليهود بعضهم إلى بعض، فقال بعضهم: ما عن «5» هذا محيص و قال آخرون منهم: هذا

رجل مبخوت يؤتى «6» له، و المبخوت تتأتى «7» له العجائب، فلا يغرنكم ما تشاهدون.

فناداهم الجبل: يا أعداء الله، قد أبطلتم بما تقولون نبوة موسى، هلا قلتم لموسى: إن قلب العصا ثعبانا، و انفلاق البحر طرقا، و وقوف الجبل كالظلة فوقكم إنك يؤتى لك، يأتيك جدك» بالعجائب، فلا يغرنا ما نشاهده «9» فألقمتهم الجبال- بمقالتها- الصخور، و لزمتهم حجة رب العالمين».

سورة البقرة(2): الآيات 75 الي 77 ..... ص : 250

قوله تعالى:

أَ فَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَ قَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ [75]

__________________________________________________

(1) الهشيم: اليابس من النبت، و المحتظر: هو الذي يعمل للحظيرة. «مجمع البحرين- هشم- 6: 186 و- حظر- 3: 273».

(2) القارح: الناقة أوّل ما تحمل. «لسان العرب- قرح- 2: 559».

(3) الهملاج: الحسن السير في سرعة و بخترة. «لسان العرب- هملج- 2: 394».

(4) في المصدر: أسفله.

(5) في «س»: من.

(6) في «س»: به مؤتى.

(7) تأتّى له الأمر: تسهّل و تهيّأ. «مجمع البحرين- أتا- 1: 21».

(8) الجدّ: الحظّ. «مجمع البحرين- جدد- 3: 21».

(9) في المصدر زيادة: منك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 251

وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ [76] أَ وَ لا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ [77]

414/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «فلما بهر رسول الله (صلى الله عليه و آله)، هؤلاء اليهود بمعجزته، و قطع معاذيرهم بواضح دلالته، لم يمكنهم مراجعته «1» في حجته، و لا إدخال التلبيس عليه في معجزته، قالوا: يا محمد، قد آمنا بأنك الرسول الهادي المهدي، و أن عليا أخاك هو الوصي

و الولي.

و كانوا إذا خلوا «2» باليهود الآخرين يقولون لهم: إن إظهارنا له الإيمان به أمكن لنا على دفع «3» مكروهه، و أعون لنا على اصطلامه «4» و اصطلام أصحابه، لأنهم عند اعتقادهم أننا معهم يقفوننا على أسرارهم، و لا يكتموننا شيئا، فنطلع عليهم أعداءهم، فيقصدون أذاهم بمعاونتنا و مظاهرتنا، في أوقات اشتغالهم و اضطرابهم، و في أحوال تعذر المدافعة و الامتناع من الأعداء عليهم.

و كانوا مع ذلك ينكرون على سائر اليهود إخبار الناس عما كانوا يشاهدونه من آياته، و يعاينونه من معجزاته، فأظهر الله تعالى محمدا رسوله (صلى الله عليه و آله) على سوء اعتقادهم، و قبح دخائلهم «5»، و على إنكارهم على من اعترف بما شاهده من آيات محمد (صلى الله عليه و آله) و واضح بيناته، و باهر معجزاته.

فقال عز و جل: يا محمد أَ فَتَطْمَعُونَ أنت و أصحابك من علي و آله الطيبين أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ هؤلاء اليهود الذي هم بحجج الله قد بهرتموهم، و بآيات الله و دلائله الواضحة قد قهرتموهم أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ و يصدقوكم بقلوبهم، و يبدوا في الخلوات لشياطينهم شريف أحوالكم.

وَ قَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يعني من هؤلاء اليهود من بني إسرائيل يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ في أصل جبل طور سيناء، و أوامره و نواهيه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ عما سمعوه، إذا أدوه إلى من ورائهم من سائر بني إسرائيل مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ و علموا أنهم فيما يقولونه كاذبون وَ هُمْ يَعْلَمُونَ أنهم في قيلهم كاذبون.

و ذلك أنهم لما صاروا مع موسى إلى الجبل، فسمعوا كلام الله، و وقفوا على أوامره و نواهيه، رجعوا فأدوه إلى من بعدهم فشق عليهم فأما المؤمنون منهم فثبتوا على إيمانهم، و صدقوا في

نياتهم، و أما أسلاف هؤلاء

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 291/ 142.

(1) راجعه الكلام مراجعة: حاوره إيّاه. «لسان العرب- رجع- 8: 116».

(2) في «س»، «ط»: دخلوا.

(3) في «س» و المصدر: أمكن لنا من.

(4) الاصطلام: الاستئصال. «الصحاح- صلم- 5: 1967». [.....]

(5) في المصدر: و قبح أخلاقهم و دخلاتهم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 252

اليهود الذين نافقوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) في هذه القصة «1»، فإنهم قالوا لبني إسرائيل: إن الله تعالى قال لنا هذا، و أمرنا بما ذكرناه لكم و نهانا، و أتبع ذلك بأنكم إن صعب عليكم ما أمرتكم به فلا عليكم أن لا تفعلوه، و إن صعب عليكم ما عنه نهيتكم فلا عليكم أن ترتكبوه و تواقعوه، و هم يعلمون أنهم بقولهم هذا كاذبون.

ثم أظهر الله على نفاقهم الآخر مع جهلهم، فقال الله عز و جل: وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا كانوا إذا لقوا سلمان و المقداد و أبا ذرّ و عمارا، قالوا: آمنا كإيمانكم، آمنا «2» بنبوة محمد (صلى الله عليه و آله) مقرونة «3» بالإيمان بإمامة أخيه علي بن أبي طالب، و بأنه أخوه الهادي، و وزيره الموالي، و خليفته على أمته، و منجز عدته، و الوافي بذمته، و الناهض بأعباء سياسته، و قيم الخلق، الذائد لهم عن سخط الرحمن، الموجب لهم- إن أطاعوه- رضا الرحمن، و أن خلفاءه من بعده هم النجوم الزاهرة، و الأقمار المنيرة، و الشمس المضيئة الباهرة، و أن أولياءهم أولياء الله، و أن أعداءهم أعداء الله.

و يقول بعضهم: نشهد أن محمدا (صلى الله عليه و آله) صاحب المعجزات، و مقيم الدلالات الواضحات، هو الذي لما تواطأت قريش على قتله، و

طلبوه فقدا لروحه، يبس الله أيديهم فلم تعمل، و أرجلهم فلن تنهض، حتى رجعوا عنه خائبين «4» مغلوبين، و لو شاء محمد وحده قتلهم أجمعين، و هو الذي لما جاءته قريش، و أشخصته إلى هبل ليحكم عليه بصدقهم و كذبه خر هبل لوجهه، و شهد له بنبوته، و لعلي أخيه بإمامته، و لأوليائه من بعده بوراثته، و القيام بسياسته و إمامته. و هو الذي لما ألجأته قريش إلى الشعب «5»، و وكلوا ببابه من يمنع من إيصال قوت، و من خروج أحد عنه، خوفا أن يطلب لهم قوتا، غذا هناك كافرهم و مؤمنهم أفضل من المن و السلوى، و كل ما اشتهى كل واحد منهم من أنواع الأطعمات الطيبات، و من أصناف الحلاوات، و كساهم أحسن الكسوات.

و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) بين أظهرهم إذ يراهم «6» و قد ضاقت لضيق فجهم «7» صدورهم، قال بيده «8» هكذا بيمناه إلى الجبال، و هكذا بيسراه إلى الجبال، و قال لها: اندفعي فتندفع و تتأخر حتى يصيروا بذلك في صحراء لا ترى أطرافها، ثم يقول بيده هكذا، و يقول: أطلعي- يا أيتها المودعات لمحمد و أنصاره- ما أودعكها «9» الله من الأشجار و الأثمار و الأنهار و أنواع الزهر و النبات، فتطلع «10» الأشجار الباسقة، و الرياحين المونقة

__________________________________________________

(1) في المصدر: القضية.

(2) في «ط»: إيمانا.

(3) في «ط»: مقرونا.

(4) في «ط» نسخة بدل: خاسئين.

(5) الشعب: الطريق في الجبل، أو ما انفرج بين جبلين، و المقصود هنا شعب أبي يوسف بمكّة.

(6) في المصدر: إذ رآهم.

(7) الفجّ: الطريق الواسع بين الجبلين. «الصحاح- فجج- 1: 333».

(8) قال بيده: أشار بها. و في «ط» نسخة بدل: شال.

(9) في المصدر: أودعكموها.

(10)

في المصدر زيادة من.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 253

و الخضروات النزهة ما تتمتع به القلوب و الأبصار، و تنجلي «1» به الهموم و الغموم و الأفكار، و هم يعلمون أنه ليس لأحد من ملوك الأرض مثل صحرائهم، على ما تشتمل عليه من عجائب أشجارها، و تهدل «2» ثمارها، و اطراد أنهارها، و غضارة رياحينها، و حسن نباتها.

و محمد هو الذي لما جاءه رسول أبي جهل «3» يتهدده و يقول: يا محمد، إن الخيوط «4» التي في رأسك هي التي ضيقت عليك مكة، و رمت بك إلى يثرب، و إنها لا تزال بك حتى تنفرك و تحثك على ما يفسدك و يتلفك، إلى أن تفسدها على أهلها، و تصليهم حر نار تعديك طورك، و ما أرى ذلك إلا و سيؤول إلى أن تثور «5» عليك قريش ثورة رجل واحد بقصد آثارك، و دفع ضررك و بلائك، فتلقاهم بسفهائك المغترين بك، و يساعدك على ذلك من هو كافر بك و مبغض لك، فيلجئه إلى مساعدتك و مضافرتك خوفه لأن يهلك بهلاكك، و تعطب «6» عياله بعطبك، و يفتقر هو و من يليه بفقرك، و بفقر شيعتك «7»، أو يعتقدون «8» أن أعداءك إذا قهروك و دخلوا ديارهم عنوة لم يفرقوا بين من والاك و عاداك، و اصطلموهم باصطلامهم لك، و أتوا على عيالاتهم و أموالهم بالسبي و النهب، كما يأتون على أموالك و عيالك، و قد أعذر من أنذر «9»، و بالغ من أوضح.

أديت هذه الرسالة إلى محمد (صلى الله عليه و آله) و هو بظاهر المدينة، بحضرة كافة أصحابه، و عامة الكفار من يهود بني إسرائيل، و هكذا أمر الرسول، ليجنبوا المؤمنين، و يغروا بالوثوب

عليه سائر من هناك من الكافرين، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) للرسول: قد أطريت «10» مقالتك، و استكملت رسالتك؟ قال: بلى.

قال: فاسمع الجواب: إن أبا جهل بالمكاره و العطب يهددني، و رب العالمين بالنصر و الظفر يعدني، و خبر الله أصدق، و القبول من الله أحق، لن يضر محمدا من خذله، أو يغضب عليه بعد أن ينصره الله، و يتفضل بجوده و كرمه عليه، قل له: يا أبا جهل، إنك راسلتني بما ألقاه في خلدك «11» الشيطان، و أنا أجيبك بما ألقاه في خاطري الرحمن، إن الحرب بيننا و بينك كائنة إلى تسعة و عشرين يوما، و إن الله سيقتلك فيها بأضعف أصحابي، و ستلقى

__________________________________________________

(1) في «س»: و تتجلّى.

(2) تهدّلت أغصان الشجرة: تدلّت. «مجمع البحرين- هدل- 5: 497».

(3) في «ط» نسخة بدل: أبي لهب. [.....]

(4) في المصدر: الخبوط.

(5) في «س»: إلّا و ستثور.

(6) العطب: الهلاك. «الصحاح- عطب- 1: 184».

(7) في المصدر: متبعيك.

(8) في المصدر: إذ يعتقدون.

(9) أعذر من أنذر. مثل معناه: من حذرك ما يحلّ بك فقد أعذر إليك، أي صار معذورا عندك. «مجمع الأمثال 2: 29».

(10) في «س»: أطردت، و في «ط» نسخة بدل: أطويت.

(11) الخلد: البال يقال: وقع ذلك في خلدي: أي في روعي و قلبي. «الصحاح- خلد- 2: 469».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 254

أنت و عتبة و شيبة و الوليد و فلان و فلان- و ذكر عددا من قريش- في قليب بدر «1» مقتلين، أقتل منكم سبعين، و آسر منكم سبعين، أحملهم على الفداء الثقيل.

ثم نادى جماعة من بحضرته من المؤمنين و اليهود و النصارى و سائر الأخلاط: ألا تحبون أن أريكم مصرع كل واحد من هؤلاء؟ هلموا

إلى بدر، فإن هناك الملتقى و المحشر، و هناك البلاء الأكبر، لأضع قدمي على مواضع مصارعهم، ثم ستجدونها لا تزيد و لا تنقص، و لا تتغير و لا تتقدم، و لا تتأخر لحظة، و لا قليلا و لا كثيرا فلم يخف ذلك على أحد منهم و لم يجبه إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام) وحده، و قال: نعم، بسم الله فقال الباقون: نحن نحتاج إلى مركوب و آلات و نفقات، فلا يمكننا الخروج إلى هناك و هو مسيرة أيام.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لسائر اليهود: فأنتم، ماذا تقولون؟ قالوا: نحن نريد أن نستقر في بيوتنا، و لا حاجة لنا في مشاهدة ما أنت في ادعائه محيل.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا نصب عليكم في المسير «2» إلى هناك، اخطوا خطوة واحدة فإن الله يطوي الأرض لكم، و يوصلكم في الخطوة الثانية إلى هناك فقال المؤمنون: صدق رسول الله (صلى الله عليه و آله) فلنتشرف «3» بهذه الآية، و قال الكافرون و المنافقون: سوف نمتحن هذا الكذب لينقطع عذر محمد، و تصير دعواه حجة عليه، و فاضحة له في كذبه».

قال: «فخطا القوم خطوة، ثم الثانية، فإذا هم عند بئر بدر فعجبوا من ذلك، فجاء رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال: اجعلوا البئر العلامة، و اذرعوا من عندها كذا ذراعا فذرعوا، فلما انتهوا إلى آخرها، قال: هذا مصرع أبي جهل، يجرحه فلان الأنصاري، و يجهز عليه عبدالله بن مسعود أضعف أصحابي.

ثم قال: اذرعوا من البئر من جانب آخر، ثم جانب آخر، كذا و كذا ذراعا، و ذكر أعداد الأذرع مختلفة، فلما انتهى كل عدد إلى آخره قال محمد

(صلى الله عليه و آله): هذا مصرع عتبة، و ذاك مصرع شيبة، و ذاك مصرع الوليد، و سيقتل فلان و فلان- إلى أن سمى تمام سبعين منهم بأسمائهم- و سيؤسر فلان و فلان إلى أن ذكر سبعين منهم بأسمائهم و أسماء آبائهم و صفاتهم، و نسب المنسوبين إلى الآباء منهم، و نسب الموالي منهم إلى مواليهم.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أوقفتم على ما أخبرتكم به قالوا: بلى قال: و إن ذلك لحق كائن بعد ثمانية و عشرين يوما، في اليوم التاسع و العشرين، وعدا من الله مفعولا، و قضاء حتما لازما.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا معشر المسلمين و اليهود، اكتبوا ما» سمعتم فقالوا: يا رسول الله، قد سمعنا و وعينا و لا ننسى.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): الكتابة أفضل و أذكر لكم فقالوا: يا رسول الله، و أين الدواة و الكتف؟

__________________________________________________

(1) القليب: البئر، و بدر: ماء مشهور بين مكّة و المدينة أسفل وادي الصفراء. «معجم البلدان 1: 357».

(2) في «س»: في المصير.

(3) في «س»: فلنشرف.

(4) في المصدر: بما.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 255

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) ذلك للملائكة، ثم قال: يا ملائكة ربي، اكتبوا ما سمعتم من هذه القصة في أكتاف، و اجعلوا في كم كل واحد منهم كتفا من ذلك.

ثم قال: معاشر المسلمين، فأملوا أكمامكم و ما فيها، و أخرجوه و أقرءوه فتأملوها فإذا في كم «1» كل واحد منهم صحيفة، قرأها، و إذا فيها ذكر ما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) في ذلك سواء، لا يزيد و لا ينقص، و لا يتقدم و

لا يتأخر.

فقال: أعيدوها في أكمامكم تكن حجة عليكم، و شرفا للمؤمنين منكم، و حجة على أعدائكم «2» فكانت معهم، فلما كان يوم بدر جرت الأمور كلها ببدر، و وجدوها كما قال لا تزيد و لا تنقص، و لا تتقدم و لا تتأخر، قابلوا بها ما في كتبهم فوجدوها كما كتبته الملائكة فيها، لا تزيد و لا تنقص، و لا تتقدم و لا تتأخر، فقبل المسلمون ظاهرهم، و وكلوا باطنهم إلى خالقهم.

فلما أفضى بعض هؤلاء اليهود إلى بعض، قال: أي شي ء صنعتم؟ أخبرتموهم بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ من الدلالات على صدق نبوة محمد، و إمامة أخيه علي لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ بأنكم كنتم قد علمتم هذا و شاهدتموه، فلم تؤمنوا به و لم تطيعوه، و قدروا بجهلهم أنهم إن لم يخبروهم بتلك الآيات لم يكن له عليهم حجة في غيرها.

ثم قال عز و جل: أَ فَلا تَعْقِلُونَ أن هذا الذي تخبرونهم به مما فتح الله عليكم من دلائل نبوة محمد (صلى الله عليه و آله) حجة عليكم عند ربكم؟! قال الله تعالى: أَ وَ لا يَعْلَمُونَ- يعني أولا يعلم هؤلاء القائلون لإخوانهم: أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ- أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ من عداوة محمد و يضمرونه من أن إظهارهم الإيمان به أمكن لهم من اصطلامه، و إبادة «3» أصحابه وَ ما يُعْلِنُونَ من الإيمان ظاهرا ليؤنسوهم، و يقفوا به على أسرارهم فيذيعوها بحضرة من يضرهم «4»، و إن الله لما علم ذلك دبر لمحمد (صلى الله عليه و آله) تمام أمره، و بلوغ غاية ما أراده ببعثه، و إنه يتم أمره، و إن نفاقهم و كيدهم لا يضره».

515/ [2]- قال أبو علي الطبرسي في

(مجمع البيان): روي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: «كان قوم من اليهود ليسوا من المعاندين المتواطئين، إذا لقوا المسلمين حدثوهم بما في التوراة من صفة محمد (صلى الله عليه و آله)، فنهاهم كبراؤهم عن ذلك، و قالوا: لا تخبروهم بما في التوراة من صفة محمد فيحاجوكم به عند ربكم، فنزلت الآية».

__________________________________________________

2- مجمع البيان 1: 286.

(1) الكم: الردن. «مجمع البحرين- كمم- 6: 159». [.....]

(2) في المصدر: على الكافرين.

(3) في المصدر: و إبارة، أباره اللّه: أهلكه. «مجمع البحرين- بور- 3: 231».

(4) في «س»، «ط»: نصرهم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 256

516/ [3]- و قال علي بن إبراهيم: إنها نزلت في اليهود، و قد كانوا أظهروا الإسلام و كانوا منافقين، و كانوا إذا رأوا رسول الله قالوا: إنا معكم، و إذا رأوا اليهود، قالوا: إنا معكم، و كانوا يخبرون المسلمين بما في التوراة من صفة رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أصحابه، فقال لهم كبراؤهم و علماؤهم: أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ فرد الله عليهم، فقال: أَ وَ لا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ.

سورة البقرة(2): الآيات 78 الي 79 ..... ص : 250

قوله تعالى:

وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [78] فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [79]

517/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل: يا محمد، و من هؤلاء اليهود أُمِّيُّونَ لا يقرءون الكتاب و لا يكتبون، فالأمي منسوب إلى أمه، أي هو كما خرج من بطن أمه لا

يقرأ و لا يكتب لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ المنزل من السماء و لا المكذب به، و لا يميزون بينهما إِلَّا أَمانِيَّ أي إلا أن يقرأ عليهم، و يقال لهم:

إن هذا كتاب الله و كلامه، و لا يعرفون إن قرئ من الكتاب خلاف ما فيه وَ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ أي ما يقول لهم رؤساؤهم من تكذيب محمد في نبوته، و إمامة علي سيد عترته، و هم يقلدونهم مع أنه محرم عليهم تقليدهم».

قال: «فقال رجل للصادق (عليه السلام): فإذا كان هؤلاء القوم «1» لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره، فكيف ذمهم بتقليدهم و القبول من علمائهم؟ و هل عوام اليهود إلا كعوامنا «2» يقلدون علماءهم، فإن لم يجز لأولئك القبول من علمائهم، لم يجز لعوامنا القبول من علمائهم؟

فقال (عليه السلام): بين عوامنا و علمائنا و بين عوام اليهود و علمائهم فرق من جهة، و تسوية من جهة، أما من حيث إنهم استووا، فإن الله قد ذم عوامنا بتقليدهم «3» علماءهم، كما قد ذم عوامهم، و أما من حيث أنهم افترقوا فلا.

__________________________________________________

3- تفسير القمّي 1: 50.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 299/ 143- 145.

(1) في المصدر: العوام من اليهود.

(2) في المصدر: لهؤلاء.

(3) في «س»: تقليد.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 257

قال: بين لي ذلك، يا ابن رسول الله.

قال (عليه السلام): إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح، و بأكل الحرام و الرشا «1»، و بتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات و العنايات و المصانعات، و عرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم، و أنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه، و أعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا

له من أموال غيرهم، و ظلموهم «2» من أجلهم، و عرفوهم بأنهم يقارفون المحرمات، و اضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق، لا يجوز أن يصدق على الله تعالى، و لا على الوسائط بين الخلق و بين الله، فلذلك ذمهم لما قلدوا من قد عرفوا، و من قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره، و لا تصديقه في حكايته، و لا العمل بما يؤديه «3» إليهم عمن لم يشاهدوه «4»، و وجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى، و أشهر من أن لا تظهر لهم.

و كذلك عوام أمتنا، إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر، و العصبية «5» الشديدة، و التكالب على حطام الدنيا و حرامها، و إهلاك من يتعصبون عليه، و إن كان لإصلاح أمره مستحقا، و بالترفرف «6» بالبر و الإحسان على من تعصبوا له، و إن كان للإذلال و الإهانة مستحقا، فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم.

فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا لهواه «7»، مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه، و ذلك لا يكون إلا في بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فإنه من ركب من القبائح و الفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا، و لا كرامة لهم، و إنما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك، لأن الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه بأسره لجهلهم «8»، و يضعون الأشياء على غير وجهها لقلة معرفتهم، و آخرين يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار

جهنم.

و منهم قوم نصاب لا يقدرون على القدح فينا، يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا، و ينتقصون بنا عند نصابنا «9»، ثم يضيفون إليه أضعافه و أضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن براء منها، فيتقبله المسلمون المستسلمون من شيعتنا على أنه من علومنا فضلوا و أضلوا، و هم أضر على ضعفاء شيعتنا من

__________________________________________________

(1) الرشا: جمع رشوة: ما يعطيه الشخص الحاكم و غيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد. «مجمع البحرين- رشا- 1: 184».

(2) في «س»: و ظلموا.

(3) في «ط»: يورد به.

(4) في «س»: لم يشاهده.

(5) في «س»: المعصية.

(6) في المصدر: بالترفّق، و في «ط» نسخة بدل: بالترفف. و ترفرف عليه: عطف و تحنّى. [.....]

(7) في «س»، «ط»: على هواه.

(8) في «ط»: نسخة بدل: بجهلهم.

(9) في «س» نسخة بدل: و ينتقصون لنا، و في «ط»: عند أنصارنا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 258

جيش يزيد- عليه اللعنة و العذاب- على الحسين بن علي (عليه السلام) و أصحابه، فإنهم يسلبونهم الأرواح و الأموال، و للمسلوبين عند الله أفضل الأحوال لما لحقهم من أعدائهم.

و هؤلاء علماء السوء الناصبون المشبهون بأنهم لنا موالون، و لأعدائنا معادون، يدخلون الشك و الشبهة على ضعفاء شيعتنا، فيضلونهم و يمنعونهم عن قصد الحق المصيب، لا جرم أن من علم الله من قلبه من هؤلاء العوام أنه لا يريد إلا صيانة دينه و تعظيمه وليه، لم يتركه في يد هذا الملبس الكافر، و لكنه يقيض له مؤمنا يقف به على الصواب، ثم يوفقه الله للقبول منه، فيجمع له بذلك خير الدنيا و الآخرة، و يجمع على من أضله لعن الدنيا و عذاب الآخرة».

ثم قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و

آله): شرار علماء أمتنا المضلون عنا، القاطعون للطرق إلينا، المسمون أضدادنا بأسمائنا، الملقبون بألقابنا، يصلون عليهم و هم للعن مستحقون، و يلعنوننا و نحن بكرامات الله مغمورون، و بصلوات الله و صلوات ملائكته المقربين علينا، عن صلواتهم علينا مستغنون».

ثم قال: «قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام): من خير الخلق بعد أئمة الهدى و مصابيح الدجى؟ قال: العلماء إذا صلحوا.

قيل: فمن شرار «1» خلق الله بعد إبليس و فرعون و نمرود، و بعد المتسمين بأسمائكم، و المتلقبين بألقابكم، و الآخذين لأمكنتكم، و المتأمرين في ممالككم؟ قال: العلماء إذا فسدوا، و إنهم المظهرون للأباطيل، الكاتمون للحقائق، و فيهم قال الله عز و جل: أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا «2» الآية».

ثم قال الله عز و جل: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا.

قال الإمام (عليه السلام): «قال الله عز و جل [هذا] لقوم من هؤلاء اليهود كتبوا صفة زعموا أنها صفة النبي (صلى الله عليه و آله)، و هي خلاف صفته، و قالوا للمستضعفين منهم: هذه صفة النبي المبعوث في آخر الزمان: أنه طويل، عظيم البدن و البطن، أصهب «3» الشعر، و محمد خلافه، و هو يجي ء بعد هذا الزمان بخمسمائة سنة. و إنما أرادوا بذلك لتبقى لهم على ضعفائهم رئاستهم، و تدوم لهم منهم إصابتهم، و يكفوا أنفسهم مؤنة خدمة محمد (صلى الله عليه و آله) و خدمة علي (عليه السلام) و أهل خاصته. فقال الله عز و جل: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ من هذه الصفات المحرفات المخالفات لصفة محمد و علي (عليهما السلام)، الشدة لهم من العذاب في أشق «4» بقاع جهنم وَ وَيْلٌ

لَهُمْ من الشدة في «5» العذاب ثانية، مضافة إلى الأولى مِمَّا يَكْسِبُونَ من الأموال التي يأخذونها

__________________________________________________

(1) في المصدر و «ط» نسخة بدل: شرّ.

(2) البقرة 2: 159 و 160.

(3) الصهبة: الشقرة في شعر الرأس. «الصحاح- صهب- 1: 166».

(4) في المصدر و «ط» نسخة بدل: أسوأ.

(5) في المصدر: الشدة لهم من، و في «ط»: الشدّة من.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 259

إذا أثبتوا عوامهم على الكفر بمحمد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و الجحد بوصية «1» أخيه علي ولي الله».

518/ [2]- العياشي: عن محمد بن سالم «2»، عن أبي بصير، قال: قال جعفر بن محمد (عليه السلام): «خرج عبدالله ابن عمرو بن العاص من عند عثمان، فلقي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له: يا علي، بيتنا الليلة في أمر، نرجو أن يثبت الله هذه الأمة.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): لن يخفى علي ما بيتم فيه، حرفتم و غيرتم و بدلتم تسعمائة حرف: ثلاثمائة حرفتم، و ثلاثمائة غيرتم، و ثلاثمائة بدلتم فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» إلى آخر الآية.

سورة البقرة(2): الآيات 80 الي 82 ..... ص : 259

قوله تعالى:

وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ [80] بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [81]

519/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل: وَ قالُوا يعني اليهود المصرون للشقاوة، المظهرون للإيمان، المسرون للنفاق، المدبرون على رسول الله (صلى الله عليه و آله) و ذويه بما يظنون أن فيه عطبهم:

لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً و ذلك أنه كان لهم أصهار و إخوة

رضاع من المسلمين، يسترون «3» كفرهم عن محمد «4» (صلى الله عليه و آله) و صحبه، و إن كانوا به عارفين، صيانة لهم لأرحامهم و أصهارهم.

قال لهم هؤلاء: لم تفعلون هذا النفاق الذي تعلمون أنكم به عند الله مسخوط عليكم معذبون؟

أجابهم هؤلاء اليهود: بأن مدة ذلك العقاب الذي نعذب به لهذه «5» الذنوب أَيَّاماً مَعْدُودَةً تنقضي، ثم

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 1: 47/ 62.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 303/ 146- 148.

(1) في المصدر: لوصيه.

(2) في «ط» و في المصدر نسخة بدل: مسلم.

(3) في المصدر: يسرون.

(4) في «ط» نسخة بدل: بمحمد. [.....]

(5) في «س»، «ط»: لذلك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 260

نصير بعد في النعمة في الجنان، فلا نتعجل المكروه في الدنيا للعذاب الذي هو بقدر أيام ذنوبنا، فإنها تفنى و تنقضي، و نكون قد حصلنا لذات الحرية من الخدمة، و لذات نعم الدنيا، ثم لا نبالي بما يصيبنا بعد، فإنه إذا لم يكن دائما فكأنه قد فنى.

فقال الله عز و جل: قُلْ يا محمد: أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً أن عذابكم على كفركم بمحمد و دفعكم لآياته في نفسه، و في علي و سائر خلفائه و أوليائه، منقطع غير دائم؟ بل ما هو إلا عذاب دائم لا نفاد له، فلا تجترئوا على الآثام و القبائح من الكفر بالله و برسوله و بوليه المنصوب بعده على أمته، ليسوسهم و يرعاهم بسياسة الوالد الشفيق الرحيم الكريم لولده، و رعاية الحدب»

المشفق على خاصته.

فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ فكذلك أنتم بما تدعون من فناء عذاب ذنوبكم هذه في حرز «2» أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ أتخذتم عهدا، أم تقولون؟ بل أنتم- في أيهما ادعيتم- كاذبون».

ثم قال الله عز

و جل «3»: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ».

قال الإمام (عليه السلام): «السيئة المحيطة به هي التي تخرجه عن جملة دين الله، و تنزعه عن ولاية الله، و ترميه في سخط الله، و هي الشرك بالله، و الكفر به، و الكفر بنبوة محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و الكفر بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)، كل واحدة من هذه سيئة تحيط به، أي تحيط بأعماله «4» فتبطلها و تمحقها فَأُولئِكَ عاملو هذه السيئة المحيطة أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن ولاية علي حسنة لا يضر معها شي ء «5» من السيئات و إن جلت، إلا ما يصيب أهلها من التطهير منها بمحن الدنيا، و ببعض العذاب في الآخرة إلى أن ينجو منها بشفاعة مواليه الطيبين الطاهرين، و إن ولاية أضداد علي و مخالفة علي (عليه السلام) سيئة لا ينفع معها شي ء إلا ما ينفعهم لطاعتهم في الدنيا بالنعم و الصحة و السعة، فيردون الآخرة و لا يكون لهم إلا دائم العذاب.

ثم قال: إن من جحد ولاية علي لا يرى الجنة بعينه أبدا إلا ما يراه بما يعرف به أنه لو كان يواليه لكان ذلك محله و مأواه و منزله، فيزداد حسرات و ندامات، و إن من توالى عليا، و برى ء من أعدائه، و سلم لأوليائه، لا يرى النار بعينه أبدا إلا ما يراه، فيقال له: لو كنت على غير هذا لكان ذلك مأواك و إلا ما يباشره منها إن كان مسرفا على نفسه بما دون الكفر إلا «6» أن ينظف بجهنم، كما ينظف درنه «7» بالحمام

الحامي، ثم ينقل «8» عنها بشفاعة مواليه».

__________________________________________________

(1) حدب فلان على فلان، فهو حدب: تعطف، و حنا عليه. «لسان العرب- حدب- 1: 301». و في «ط» نسخة بدل: الجدّ.

(2) في «س»، «ط»: حذر.

(3) في المصدر زيادة: ردا عليهم.

(4) في «س»: تحبط أعماله.

(5) في «ط» نسخة بدل: سيئة.

(6) في المصدر: إلى.

(7) في المصدر، و «ط» نسخة بدل: ينظف القذر من بدنه.

(8) في «ط» نسخة بدل: ينتقل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 261

520/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن حمدان بن سليمان، عن عبدالله بن محمد اليماني، عن منيع بن الحجاج، عن يونس، عن صباح المزني، عن أبي حمزة، عن أحدهما (عليهما السلام) في قول الله عز و جل:

بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ قال: «إذا جحدوا إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ».

521/ [3]- الشيخ في (أماليه) بإسناده عن علي (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه تلا هذه الآية: فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ قيل: يا رسول الله، من أصحاب النار؟ قال: «من قاتل عليا بعدي، فأولئك أصحاب النار مع الكفار، فقد كفروا بالحق لما جاءهم، ألا و إن عليا بضعة مني، فمن حاربه فقد حاربني و أسخط ربي». ثم دعا عليا فقال: «يا علي، حربك حربي، و سلمك سلمي، و أنت العلم فيما بيني و بين أمتي».

سورة البقرة(2): آية 83 ..... ص : 261

قوله تعالى:

وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ ذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَ أَنْتُمْ مُعْرِضُونَ [83]

522/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه

السلام): «قال الله عز و جل لبني إسرائيل: و اذكروا إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ عهدهم المؤكد عليهم «1»: لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ أي بأن لا تعبدوا إلا الله، أي لا تشبهوه «2» بخلقه، و لا تجوروه «3» في حكمه، و لا تعملوا بما يراد به وجهه تريدون به وجه غيره.

وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً و أخذنا ميثاقهم بأن يعملوا بوالديهم إحسانا، مكافأة عن إنعامهما عليهم، و إحسانهما إليهم، و احتمال المكروه الغليظ فيهم، لترفيههما و توديعهما وَ ذِي الْقُرْبى قرابات الوالدين بأن

__________________________________________________

2- الكافي 1: 355/ 82.

3- الأمالي 1: 374.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 326/ 174.

(1) في «ط» نسخة بدل: عهد التوكيد.

(2) في المصدر: لا يشبهوه. [.....]

(3) في المصدر: و لا يجوروه، و في «ط»: و لا يجوزوه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 262

يحسنوا إليهم لكرامة الوالدين وَ الْيَتامى أي و أن يحسنوا إلى اليتامى الذين فقدوا آباءهم الكافلين لهم أمورهم، السائقين لهم «1» غذاءهم و قوتهم، المصلحين لهم معاشهم.

وَ قُولُوا لِلنَّاسِ الذين لا مؤونة لهم عليكم حُسْناً عاملوهم بخلق جميل وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ الصلوات الخمس، و أقيموا أيضا الصلاة على محمد و آل محمد الطيبين عند أحوال غضبكم و رضاكم، و شدتكم و رخائكم، و همومكم المعلقة بقلوبكم.

ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ أيها اليهود عن الوفاء بما قد نقل إليكم من العهد الذي أداه أسلافكم إليكم وَ أَنْتُمْ مُعْرِضُونَ عن ذلك العهد، تاركون له، غافلون عنه».

523/ [2]- ابن الفارسي في (روضة الواعظين) قال: قال الصادق (عليه السلام) قوله تعالى: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً قال: «الوالدان «2» محمد و علي (عليهما السلام)».

524/ [3]- محمد بن يعقوب: بسنده عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن معاوية بن عمار،

عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً. قال: «قولوا للناس حسنا، و لا تقولوا إلا خيرا حتى تعلموا ما هو».

525/ [4]- و عنه: بسنده عن ابن أبي نجران، عن أبي جميلة المفضل بن صالح، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله تعالى: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً. قال: «قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال فيكم».

526/ [5]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن سدير الصيرفي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أطعم سائلا لا أعرفه مسلما؟

فقال: «نعم، أعط من لا تعرفه بولاية و لا عداوة للحق، إن الله عز و جل يقول: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً و لا تعط «3» من نصب لشي ء من الحق، أو دعا «4» إلى شي ء من الباطل».

527/ [6]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه و علي بن محمد القاساني جميعا، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً.

__________________________________________________

2- روضة الواعظين 1: 105.

3- الكافي 2: 132/ 10.

4- الكافي 2: 132/ 1.

5- الكافي 4: 13/ 1.

6- الكافي 5: 11/ 2.

(1) في المصدر، و «ط» نسخة بدل: إليهم.

(2) في المصدر: الوالد.

(3) في المصدر: تعطعم.

(4) في «س»، «ط»: ادعى.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 263

قال: «نزلت هذه الآية في أهل الذمة، ثم نسخها قوله عز و جل: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ

أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ «1» فمن كان منهم في دار الإسلام فلن يقبل منه إلا الجزية أو القتل، و ما لهم في ء، و ذراريهم سبي، و إذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم، و حرمت أموالهم، و حلت لنا مناكحتهم، و من كان منهم في دار الحرب حل لنا سبيهم و أموالهم، و لم تحل لنا مناكحتهم، و لم يقبل من أحدهم إلا الدخول في «2» الإسلام، أو الجزية، أو القتل».

528/ [7]- ابن بابويه: عن محمد بن علي ما جيلويه، قال: حدثني عمي محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن الحكم، عن المفضل، عن جابر، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل:

وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً.

قال: «قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم، فإن الله عز و جل يبغض اللعان السباب «3»، الطعان على المؤمنين، الفاحش المتفحش، السائل الملحف «4»، و يحب الحيي «5» الحليم، العفيف المتعفف».

529/ [8]- العياشي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً.

قال: «قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم، فإن الله يبغض اللعان السباب «6»، الطعان على المؤمنين، المتفحش، السائل الملحف، و يحب الحيي الحليم، العفيف»

المتعفف».

530/ [9]- عن حريز، عن بريد «8»، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أطعم رجلا سائلا لا أعرفه مسلما؟

قال: «نعم، أطعمه ما لم تعرفه بولاية و لا بعداوة، إن الله يقول: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً و لا تطعم من نصب لشي ء من الحق، أو دعا إلى شي ء من الباطل».

__________________________________________________

7- الأمالي: 210/ 4.

8- تفسير العيّاشي 1: 48/ 63.

9- تفسير العيّاشي 1:

48/ 64.

(1) التّوبة 9: 29. [.....]

(2) في المصدر زيادة: دار.

(3) في «س»: الساب.

(4) ألحف السائل: ألحّ. «الصحاح- لحف- 4: 1426».

(5) حييت منه: استحييت. «الصحاح- حيا- 6: 2323».

(6) في «س»: الساب.

(7) في المصدر: الضعيف.

(8) في «س»، «ط»: جرير، عن سدير، و في المصدر: حريز، عن برير، تصحيف، و الصواب ما أثبتناه، و هما: حريز بن عبد اللّه السجستانيّ الأزديّ و بريد بن معاوية العجليّ، أنظر معجم رجال الحديث 3: 285 و 4: 249.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 264

531/ [10]- عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «اتقوا الله و لا تحملوا الناس على أكتافكم، إن الله يقول في كتابه وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً- قال-: و عودوا مرضاهم، و اشهدوا جنائزهم، و صلوا معهم في مساجدهم حتى [ينقطع ] النفس، و حتى تكون المباينة».

532/ [11]- عن حفص بن غياث، عن جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: «إن الله بعث محمدا (صلى الله عليه و آله) بخمسة أسياف ... فسيف على أهل الذمة، قال الله: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً نزلت في أهل الذمة، ثم نسختها أخرى، قوله: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ «1»» الآية.

533/ [12]- و قال الإمام العسكري (عليه السلام): «أما قوله: لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فإن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: من شغلته عبادة الله عن مسألته، أعطاه الله أفضل ما يعطي السائلين.

و قال علي (عليه السلام): قال الله عز و جل من فوق عرشه: يا عبادي، اعبدوني فيما أمرتكم به و لا تعلموني ما يصلحكم، فإني أعلم به، و لا أبخل عليكم بصلاحكم «2»».

534/ [13]- و قال الإمام العسكري (عليه السلام): «و قد قال الله

عز و جل: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أفضل والديكم و أحقهما لشكركم محمد و علي.

و قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: أنا و علي أبوا هذه الأمة، و لحقنا عليهم أعظم من حق والديهم «3»، فإنا ننقذهم- إن أطاعونا- من النار إلى دار القرار، و لنلحقهم من العبودية بخيار الأحرار.

و أما قوله عز و جل: وَ ذِي الْقُرْبى فهم من قراباتك من أبيك و أمك، قيل لك: اعرف حقهم كما أخذ به العهد على بني إسرائيل، و أخذ عليكم- معاشر أمة محمد (صلى الله عليه و آله)- بمعرفة حق قرابات محمد (صلى الله عليه و آله) الذين هم الأئمة بعده، و من يليهم بعد من خيار أهل دينهم».

قال الإمام (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من رعى حق قرابات والديه أعطي في الجنة ألف درجة، بعد ما بين الدرجتين «4» حضر «5» الفرس الجواد المضمر «6» مائة «7» سنة إحدى الدرجات من فضة، و الأخرى من

__________________________________________________

10- تفسير العيّاشي 1: 48/ 65.

11- تفسير العيّاشي 1: 48/ 66.

12- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 327/ 175 و 176.

13- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 330/ 189 و 190 و: 333/ 201 و 202.

(1) التّوبة 9: 29.

(2) في المصدر: بمصالحكم.

(3) في المصدر: أبوي ولادتهم. [.....]

(4) في «ط» نسخة بدل: كل درجتين

(5) الحضر: العدو. «الصحاح- حضر- 2: 632».

(6) الضمر: الهزال و خفّة اللحم، و تضمير الفرس: أن تعلفه حتّى سمن ثمّ تردّه إلى القوت، و ذلك في أربعين يوما. «الصحاح- ضمر- 2: 722».

(7) في «ط»: مائة

ألف.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 265

ذهب، و الأخرى من لؤلؤ، و الأخرى من زمرد، و أخرى من زبرجد، و أخرى من مسك، و أخرى من عنبر، و أخرى من كافور، و تلك الدرجات من هذه الأصناف. و من رعى حق قربى محمد و علي، أعطي من فضائل «1» الدرجات و زيادة المثوبات على قدر زيادة فضل محمد و علي على أبوي نسبه «2»».

535/ [14]- و قال الإمام (عليه السلام): «و أما قول الله عز و جل: وَ الْيَتامى فإن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال:

حث الله عز و جل على بر اليتامى لانقطاعهم عن آبائهم، فمن صانهم صانه الله، و من أكرمهم أكرمه الله، و من مسح يده برأس يتيم رفقا به، جعل الله له في الجنة بكل شعرة مرت تحت يده قصرا أوسع من الدنيا بما فيها، و فيها ما تشتهي الأنفس و تلذ الأعين، و هم فيها خالدون».

536/ [15]- و قال الإمام (عليه السلام): «و أشد من يتم هذا اليتيم، يتيم ينقطع عن إمامه لا يقدر على الوصول إليه، و لا يدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه، ألا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا، و هذا الجاهل بشريعتنا، المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره، ألا فمن هداه و أرشده و علمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى حدثني بذلك أبي، عن آبائه، عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

537/ [16]- و قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): «من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا، فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه «3»، جاء يوم القيامة و على رأسه تاج من نور يضي ء

لأهل جميع تلك العرصات، و حلة «4» لا يقوم لأقل سلك منها، الدنيا بحذافيرها.

ثم ينادي مناد من عند الله: يا عباد الله، هذا عالم من بعض تلامذة آل محمد، ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله فليتشبث بنوره، ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزهة «5» الجنان فيخرج كل من كان علمه في الدنيا خيرا، أو فتح عن قلبه من الجهل قفلا، أو أوضح له عن شبهة».

538/ [17]- و قال الإمام العسكري (عليه السلام): «و أما قوله عز و جل: وَ الْمَساكِينِ فهو من سكن الضر و الفقر حركته ألا فمن واساهم بحواشي ماله، وسع الله عليه جنانه، و أناله غفرانه و رضوانه».

و قال الإمام (عليه السلام): «و إن من محبي محمد (صلى الله عليه و آله) و علي (عليه السلام) مساكين، مواساتهم أفضل من

__________________________________________________

14- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 338/ 213.

15- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 339/ 214.

16- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 339/ 215.

17- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 345/ 226- 228.

(1) في «ط»: اوتي من فضل.

(2) في «ط» نسخة بدل: نفسه.

(3) حبوت الرجل حباء: أعطيته الشّي ء بغير عوض. «مجمع البحرين- حبا- 1: 94».

(4) أي و عليه حلّة.

(5) في المصدر: نزه، و في «ط» نسخة بدل: ذروة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 266

مواساة مساكين الفقراء، و هم الذين سكنت «1» جوارحهم، و ضعفت قواهم عن مقاتلة أعداء الله الذين يعيرونهم بدينهم، و يسفهون أحلامهم.

ألا فمن قواهم بفقهه، و علمهم «2» حتى أزال مسكنتهم، ثم سلطهم على الأعداء الظاهرين من النواصب، و على الأعداء الباطنين، إبليس و مردته، حتى يهزموهم عن دين الله، و

يذودوهم «3» عن أولياء الله (صلى الله عليه و آله)، حول الله تلك المسكنة إلى شياطينهم، فأعجزهم عن إضلالهم، قضى الله تعالى بذلك قضاء حقا على لسان رسول الله (صلى الله عليه و آله).

و قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): من قوى مسكينا في دينه، ضعيفا في معرفته، على ناصب مخالف، فأفحمه «4» لقنه الله يوم يدلى في قبره أن يقول: الله ربي، و محمد نبيي، و علي وليي، و الكعبة قبلتي، و القرآن بهجتي و عدتي، و المؤمنون إخواني فيقول الله: أدليت بالحجة، فوجبت لك أعالي درجات الجنة فعند ذلك يتحول عليه قبره أنزه رياض الجنة».

539/ [18]- و قال الإمام (عليه السلام): «قوله عز و جل: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً قال الصادق (عليه السلام): وَ قُولُوا لِلنَّاسِ كلهم حُسْناً مؤمنهم و مخالفهم: أما المؤمنون فيبسط لهم وجهه «5»، و أما المخالفون فيكلمهم بالمداراة لاجتذابهم إلى الإيمان، فإن ييأس من ذلك يكف شرورهم عن نفسه، و عن إخوانه المؤمنين».

540/ [19]- قال الإمام (عليه السلام): «و أما قوله عز و جل: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ فهو أقيموا الصلاة بتمام ركوعها و سجودها و مواقيتها، و أداء حقوقها التي إذا لم تؤد لم يتقبلها رب الخلائق، أ تدرون ما تلك الحقوق؟ فهي اتباعها بالصلاة على محمد و علي و آلهما (عليهم السلام)، منطويا على الاعتقاد بأنهم أفضل خيرة الله، و القوام «6» بحقوق الله، و النصار لدين الله».

541/ [20]- قال الإمام (عليه السلام): «وَ آتُوا الزَّكاةَ من المال و الجاه و قوة البدن: فمن المال مواساة إخوانك المؤمنين، و من الجاه إيصالهم إلى ما يتقاعسون عنه لضعفهم عن حوائجهم المترددة في صدورهم، و بالقوة معونة أخ لك

قد سقط حماره أو جمله في صحراء أو طريق، و هو يستغيث فلا يغاث، تعينه حتى يحمل

__________________________________________________

18- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 353/ 240. [.....]

19- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 364/ 253.

20- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 364/ 254.

(1) في «س»: تنكست.

(2) في المصدر: و علمه.

(3) الذّياد: الطرد، و ذدت الإبل: سقتها و طردتها. «الصحاح- ذود- 2: 471».

(4) كلّمته حتّى أفحمته: إذا أسكتّه في خصومة أو غيرها. «مجمع البحرين- فحم- 6: 130».

(5) في المصدر زيادة: و بشره.

(6) في «س»: القوّامون.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 267

عليه متاعه، و تركبه و تنهضه حتى يلحق القافلة، و أنت في ذلك كله معتقد لموالاة محمد و آله الطيبين، فإن الله يزكي أعمالك و يضاعفها بموالاتك لهم، و براءتك من أعدائهم».

542/ [21]- قال الإمام (عليه السلام): «قال الله عز و جل: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ يا معشر اليهود، المأخوذ عليكم من هذه العهود، كما أخذ على أسلافكم وَ أَنْتُمْ مُعْرِضُونَ عن أمر الله عز و جل الذي فرضه».

قال مؤلف الكتاب: الحديث اختصرناه من كلام الإمام العسكري (عليه السلام) في (تفسيره) و هو حديث حسن، فلتقف عليه من هناك.

سورة البقرة(2): الآيات 84 الي 86 ..... ص : 267

قوله تعالى:

وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ [84] ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَ مَا اللَّهُ

بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [85] أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ [86]

543/]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ و اذكروا- يا بني إسرائيل- حين أخذنا ميثاقكم على أسلافكم، و على كل من يصل إليه الخبر بذلك من أخلافهم الذين أنتم منهم لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ لا يسفك بعضكم دماء بعض وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ و لا يخرج بعضكم بعضا من ديارهم.

__________________________________________________

21- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 365/ 255.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 367/ 257 و 258.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 268

ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ بذلك الميثاق، كما أقر به أسلافكم، و التزمتموه كما التزموه وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ بذلك على أسلافكم و أنفسكم ثُمَّ أَنْتُمْ معاشر اليهود تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ يقتل بعضكم بعضا وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ غصبا و قهرا تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ يظاهر بعضكم بعضا على إخراج من تخرجونه من ديارهم، و قتل من تقتلونه منهم بغير حق بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ بالتعدي تتعاونون و تتظاهرون.

وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ يعني هؤلاء الذين تخرجونهم، أي ترومون إخراجهم و قتلهم ظلما، إن يأتوكم أُسارى قد أسرهم أعداؤكم و أعداؤهم تُفادُوهُمْ من الأعداء بأموالكم وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أعاد قوله عز و جل: إِخْراجُهُمْ و لم يقتصر على أن يقول: وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ لأنه لو قال ذلك لرأى أن المحرم إنما هو مفاداتهم.

ثم قال عز و جل: أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ و هو الذي أوجب عليكم المفاداة وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ و هو الذي حرم قتلهم و إخراجهم، فقال: فإذا كان قد حرم الكتاب قتل النفوس و الإخراج من الديار كما فرض فداء الأسراء،

فما بالكم تطيعون في بعض، و تعصون في بعض، كأنكم ببعض كافرون، و ببعض مؤمنون؟! ثم قال عز و جل: فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ يا معشر اليهود إِلَّا خِزْيٌ ذل فِي الْحَياةِ الدُّنْيا جزية تضرب عليه، و يذل بها وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ إلى جنس أشد العذاب، يتفاوت ذلك على قدر تفاوت معاصيهم وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ يعمل هؤلاء اليهود.

ثم وصفهم فقال عز و جل: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ رضوا بالدنيا و حطامها بدلا من نعيم الجنان المستحق بطاعات الله فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ لا ينصرهم أحد يرفع عنهم العذاب.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله)- لما نزلت هذه الآية في اليهود، هؤلاء اليهود [الذين ] نقضوا عهد الله، و كذبوا رسل الله، و قتلوا أولياء الله-: أ فلا أنبئكم بمن يضاهئهم من يهود هذه الأمة؟ قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: قوم من أمتي ينتحلون بأنهم من أهل ملتي، يقتلون أفاضل ذريتي، و أطايب أرومتي «1»، و يبدلون شريعتي و سنتي، و يقتلون ولدي الحسن و الحسين، كما قتل أسلاف هؤلاء اليهود زكريا و يحيى.

ألا و إن الله يلعنهم كما لعنهم، و يبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين المظلوم، يحرفهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنم.

ألا و لعن الله قتلة الحسين و محبيهم و ناصريهم، و الساكتين عن لعنهم من غير تقية تسكتهم.

ألا و صلى الله على الباكين على الحسين بن علي رحمة و شفقة، و اللاعنين لأعدائهم و الممتلئين عليهم غيظا و حنقا.

ألا و إن الراضين بقتل الحسين شركاء قتلته.

__________________________________________________

(1) الأرومة: أصل الشجرة و استعملت للحسب

يقال: هو طيّب الأرومة. «المعجم الوسيط- آرم- 1: 15».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 269

ألا و إن قتلته و أعوانهم و أشياعهم و المقتدين بهم برآء من دين الله.

ألا و إن الله ليأمر الملائكة المقربين أن ينقلوا «1» دموعهم المصبوبة لقتل «2» الحسين إلى الخزان في الجنان، فيمزجونها بماء الحيوان، فتزيد في عذوبتها و طيبها ألف ضعفها و إن الملائكة ليتلقون دموع الفرحين الضاحكين لقتل الحسين فيلقونها في الهاوية، و يمزجونها بحميمها و صديدها و غساقها و غسلينها، فتزيد في شدة حرارتها و عظيم عذابها ألف ضعفها، يشدد بها على المنقولين إليها من أعداء آل محمد عذابهم».

544/ [2]- العياشي: عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه: فمنها كفر البراءة- و هو على قسمين- و كفر النعم، و الكفر بترك أمر الله، و الكفر بما نقول من أمر الله فهو كفر المعاصي «3»، و ترك ما أمر الله عز و جل، و ذلك قوله عز و جل: وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ- إلى قوله-: أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فكفرهم بتركهم ما أمر الله عز و جل، و نسبهم إلى الإيمان و لم يقبله منهم، و لم ينفعهم عنده، فقال: فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ- إلى قوله-: عَمَّا تَعْمَلُونَ.

545/ [3]- و في تفسير علي بن إبراهيم: أن الآية نزلت في أبي ذر و عثمان، في نفي عثمان له إلى الربذة «4»، و ذكرنا الرواية في (تفسير الهادي).

سورة البقرة(2): آية 87 ..... ص : 269

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ قَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ

أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ [87]

546/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل- و هو يخاطب اليهود الذي أظهر

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 1: 48/ 67.

3- تفسير القمّيّ 1: 51.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 371/ 260 و: 379/ 264. [.....]

(1) في «ط» نسخة بدل: أن يتلقّوا، و في «س»: أن يسلكوا.

(2) في «س»، «ط»: بقتل.

(3) العبارة فيها ارتباك ظاهر، و في الكافي: فمنها كفر الجحود- و الجحود على وجهين- و الكفر بترك ما أمر اللّه، و كفر البراءة، و كفر النعم .. الكافي 2: 287/ 1.

(4) الرّبذة: من قرى المدينة على ثلاثة أيّام، قريبة من ذات عرق، و بهذا الموضع قبر أبي ذرّ الغفاري (رضوان اللّه تعالى عليه). «معجم البلدان 3:

24».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 270

محمد (صلى الله عليه و آله) المعجزات لهم عند تلك الجبال و يوبخهم-: وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ التوراة، المشتمل «1» على أحكامنا، و على ذكر فضل محمد و آله «2» الطيبين، و إمامة علي بن أبي طالب (عليه السلام) و خلفائه بعده، و شرف أحوال المسلمين له، و سوء أحوال المخالفين عليه.

وَ قَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ جعلنا رسولا في إثر رسول وَ آتَيْنا أعطينا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ الآيات الواضحات، مثل: إحياء الموتى، و إبراء الأكمه و الأبرص، و الإنباء بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ و هو جبرئيل (عليه السلام)، و ذلك حين رفعه من روزنة «3» بيته إلى السماء، و ألقى شبهه على من رام قتله، فقتل بدلا منه، و قيل: هو المسيح».

و قال الإمام (عليه السلام):

«ثم وجه الله عز و جل العذل «4» نحو اليهود المذكورين في قوله: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ «5» فقال: أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ فأخذ عهودكم و مواثيقكم بما لا تحبون: من بذل الطاعة لأوليائه الله الأفضلين و عباده المنتجبين محمد و آله الطيبين الطاهرين، لما قالوا لكم، كما أداه إليكم أسلافكم الذين قيل لهم: إن ولاية محمد و آل محمد هي الغرض الأقصى و المراد الأفضل، ما خلق الله أحدا من خلقه و لا بعث أحدا من رسله «6» إلا ليدعوهم إلى ولاية محمد و علي و خلفائه (عليهم السلام)، و يأخذ بها عليهم العهد ليقيموا عليه، و ليعمل به سائر عوام الأمم فلهذا اسْتَكْبَرْتُمْ كما استكبر أوائلكم حتى قتلوا زكريا و يحيى، و استكبرتم أنتم حتى رمتم قتل محمد و علي (عليهما السلام)، فخيب الله تعالى سعيكم، ورد في نحوركم كيدكم.

و أما قوله عز و جل: تَقْتُلُونَ فمعناه: قتلتم، كما تقول لمن توبخه: ويلك كم تكذب و كم تخرق «7»، و لا تريد ما لم يفعله بعد، و إنما تريد: كم فعلت و أنت عليه موطن «8»».

547/ [2]- محمد بن يعقوب: عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن حسان، عن محمد بن علي، عن عمار بن مروان «9»، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «أ فكلما جاءكم محمد (صلى الله عليه و آله) بما لا تهوى أنفسكم بولاية علي (عليه السلام) استكبرتم ففريقا من آل محمد (عليهم السلام) كذبتم، و فريقا تقتلون».

__________________________________________________

2- الكافي 1: 346/ 31.

(1) في «س» نسخة بدل: أحكامها.

(2) في المصدر: فضل محمّد و عليّ و آلهما.

(3) الروزنة: الكوّة. «الصحاح- رزق- 5: 2123».

(4) العذل: الملامة. «الصحاح- عذل-

5: 1762». و في «ط»: العدل.

(5) البقرة 2: 74.

(6) في «ط» نسخة بدل: ممّن أرسله.

(7) التخرّق: لغة في التخلّق من الكذب. «الصحاح- خرق- 4: 1467»، و في المصدر: تمخرق.

(8) وطّن نفسه على الشّي ء: حملها عليه و مهّد عليه و مهّد لها. و المعنى و أنت على الكذب مستمر و ثابت.

(9) زاد في المصدر: عن منخل. و يصح السند بكلا الحالين، فقد روى عمّار عن منخل و عن جابر، أنظر معجم رجال الحديث 12: 256. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 271

548/ [3]- العياشي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: أما قوله: أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ قال أبو جعفر: «ذلك مثل موسى و الرسل من بعده و عيسى (صلوات الله عليهم)، ضرب مثلا لأمة محمد (صلى الله عليه و آله)، فقال الله لهم: فإن جاءكم محمد بما لا تهوى أنفسكم بموالاة علي استكبرتم ففريقا من آل محمد كذبتم، و فريقا تقتلون، فذلك تفسيرها في الباطن».

سورة البقرة(2): آية 88 ..... ص : 271

قوله تعالى:

وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ [88]

549/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل: وَ قالُوا يعني هؤلاء اليهود الذي أراهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) المعجزات المذكورات عند قوله: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ «1» الآية قُلُوبُنا غُلْفٌ أوعية للخير و العلوم، قد أحاطت بها و اشتملت عليها، ثم هي مع ذلك لا تعرف لك- يا محمد- فضلا مذكورا في شي ء من كتب الله، و لا على لسان أحد من أنبياء الله.

فقال الله تعالى ردا عليهم: بَلْ ليس كما يقولون أوعية للعلوم، و لكن قد لَعَنَهُمُ اللَّهُ أبعدهم الله من الخير فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ قليل

إيمانهم، يؤمنون ببعض ما أنزل الله، و يكفرون ببعض، فإذا كذبوا محمدا في سائر ما يقول: فقد صار ما كذبوا به أكثر، و ما صدقوا به أقل.

و إذا قرئ (غلف) «2» فإنهم قالوا: قلوبنا غلف في غطاء، فلا نفهم كلامك و حديثك، نحو ما قال الله عز و جل: وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ «3» و كلا القراءتين حق، و قد قالوا بهذا و بهذا جميعا.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): معاشر اليهود، تعاندون رسول الله رب العالمين، و تأبون الاعتراف بأنكم كنتم بذنوبكم من الجاهلين، إن الله لا يعذب بها أحدا، و لا يزيل عن فاعل هذا عذابه أبدا، إن آدم (عليه السلام) لم يقترح على ربه المغفرة لذنبه إلا بالتوبة، فكيف تقترحونها أنتم مع عنادكم؟! قيل: و كيف كان ذاك، يا رسول الله؟

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 1: 49/ 68.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 390/ 266 و 267.

(1) البقرة 2: 74.

(2) القراءة المشهورة (غلف) بسكون اللّام، و روي في الشواذ (غلف) بضمّ اللّام، و الأولى جمع» الأغلف) مثل (أحمر و حمر)، و الثانية جمع (غلاف) مثل (حمار و حمر). «مجمع البيان للطبرسيّ 1: 308».

(3) فصّلت 41: 5.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 272

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لما زلت الخطيئة من آدم (عليه السلام) و أخرج من الجنة و عوتب و وبخ، قال: يا رب، إن تبت و أصلحت، أ تردني إلى الجنة؟ قال: بلى. قال آدم: فكيف أصنع- يا رب- حتى أكون تائبا و تقبل توبتي؟

فقال الله عز و جل: تسبحني بما

أنا أهله، و تعترف بخطيئتك كما أنت أهله، و تتوسل إلي بالفاضلين الذين علمتك أسماءهم، و فضلتك بهم على ملائكتي، و هم محمد و آله الطيبون، و أصحابه الخيرون.

فوفقه الله تعالى، فقال: يا رب، لا إله إلا أنت سبحانك و بحمدك، عملت سوءا و ظلمت نفسي، فارحمني و أنت أرحم الراحمين، بحق محمد و آله الطيبين و خيار أصحابه المنتجبين، سبحانك و بحمدك لا إله إلا أنت، عملت سوءا و ظلمت نفسي، فتب علي إنك أنت التواب الرحيم، بحق محمد و آله الطيبين و خيار أصحابه المنتجبين.

فقال الله تعالى: لقد قبلت توبتك، و آية ذلك أن «1» أنقي بشرتك فقد تغيرت- و كان ذلك لثلاثة عشر من شهر رمضان- فصم هذه الثلاثة أيام التي تستقبلك، فهي أيام البيض، ينقي الله في كل يوم بعض بشرتك فصامها فنقى في كل يوم منها ثلث بشرته. فعند ذلك قال آدم: يا رب، ما أعظم شأن محمد و آله و خيار أصحابه؟! فأوحى الله إليه: يا آدم، إنك لو عرفت كنه جلال محمد عندي و آله و خيار أصحابه، لأحببته حبا يكون أفضل أعمالك قال: يا رب، عرفني لأعرف.

قال الله تعالى: يا آدم، إن محمدا لو وزن به جميع الخلق من النبيين و المرسلين و الملائكة المقربين و سائر عبادي الصالحين من أول الدهر إلى آخره و من الثرى إلى العرش لرجح به، و إن رجلا من خيار آل محمد لو وزن به جميع آل النبيين لرجح بهم، و إن رجلا من خيار أصحاب محمد لو وزن به جميع أصحاب المرسلين لرجح بهم.

يا آدم، لو أحب رجل من الكفار أو جميعهم رجلا من آل محمد و أصحابه الخيرين لكافأه

الله عن ذلك بأن يختم له بالتوبة و الإيمان، ثم يدخله الله الجنة، إن الله ليفيض على كل واحد من محبي محمد و آل محمد و أصحابه من الرحمة ما لو قسمت على عدد كعدد كل ما خلق الله تعالى من أول الدهر إلى آخره- و إن كانوا كفارا- لكفاهم، و لأداهم إلى عاقبة محمودة: الإيمان بالله حتى يستحقوا به الجنة، و إن رجلا ممن يبغض آل محمد و أصحابه الخيرين أو واحدا منهم لعذبه الله عذابا لو قسم على مثل عدد ما خلق الله لأهلكهم أجمعين».

سورة البقرة(2): آية 89 ..... ص : 272

قوله تعالى:

وَ لَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ [89]

__________________________________________________

(1) في المصدر: أني.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 273

550/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «ذم الله اليهود، فقال: وَ لَمَّا جاءَهُمْ يعني هؤلاء اليهود الذين تقدم ذكرهم، و إخوانهم من اليهود، جاءهم كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ القرآن مُصَدِّقٌ ذلك الكتاب لِما مَعَهُمْ من التوراة التي بين فيها أن محمدا الأمي من ولد إسماعيل، المؤيد بخير خلق الله بعده: علي ولي الله وَ كانُوا يعني هؤلاء اليهود مِنْ قَبْلُ ظهور محمد (صلى الله عليه و آله) بالرسالة يَسْتَفْتِحُونَ يسألون الله الفتح و الظفر عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا من أعدائهم و المناوئين لهم، و كان الله يفتح لهم و ينصرهم.

قال الله عز و جل: فَلَمَّا جاءَهُمْ جاء هؤلاء اليهود ما عَرَفُوا من نعت محمد (صلى الله عليه و آله) و صفته كَفَرُوا بِهِ جحدوا نبوته حسدا له، و بغيا عليه، قال الله عز و جل: فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ.

قال أمير

المؤمنين (عليه السلام): إن الله تعالى أخبر رسوله بما كان من إيمان اليهود بمحمد (صلوات الله عليه و آله) قبل ظهوره، و من استفتاحهم على أعدائهم بذكره، و الصلاة عليه و على آله».

قال (عليه السلام): «و كان الله عز و جل أمر اليهود في أيام موسى (عليه السلام) و بعده إذا دهمهم أمر، أو دهتهم داهية أن يدعوا الله عز و جل بمحمد و آله الطيبين، و أن يستنصروا بهم، و كانوا يفعلون ذلك حتى كانت اليهود من أهل المدينة قبل ظهور محمد (صلى الله عليه و آله) بسنين كثيرة يفعلون ذلك، فيكفون البلاء و الدهماء و الداهية.

و كانت اليهود قبل ظهور محمد (صلى الله عليه و آله) بعشر سنين تعاديهم أسد و غطفان- قوم من المشركين- و يقصدون أذاهم، فكانوا يستدفعون شرورهم و بلاءهم بسؤالهم ربهم بمحمد و آله الطيبين، حتى قصدهم في بعض الأوقات أسد و غطفان في ثلاثة آلاف فارس إلى بعض قرى اليهود حوالي المدينة، فتلقاهم اليهود و هم ثلاثمائة فارس، و دعوا الله بمحمد و آله فهزموهم و قطعوهم.

فقالت أسد و غطفان بعضهما لبعضهم: تعالوا نستعين عليهم بسائر القبائل فاستعانوا عليهم بالقبائل و أكثروا حتى اجتمعوا قدر ثلاثين ألفا، و قصدوا هؤلاء الثلاثمائة في قريتهم، فألجئوهم إلى بيوتها، و قطعوا عنها المياه الجارية التي كانت تدخل إلى قراهم، و منعوا عنهم الطعام، و استأمن اليهود «1» فلم يأمنوهم، و قالوا: لا، إلا أن نقتلكم و نسبيكم و ننهبكم.

فقالت اليهود بعضها لبعض: كيف نصنع؟ فقال لهم أماثلهم و ذوو الرأي منهم: أما أمر موسى أسلافكم و من بعدهم بالاستنصار بمحمد و آله الطيبين؟ أما أمركم بالابتهال إلى الله عز و جل

عند الشدائد بهم؟ قالوا: بلى قالوا:

فافعلوا.

فقالوا: اللهم بجاه محمد و آله الطيبين لما سقيتنا، فقد قطعت الظلمة عنا المياه حتى ضعف شباننا، و تماوت

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 393/ 268- 270.

(1) في المصدر زيادة: منهم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 274

ولداننا، و أشرفنا على الهلكة فبعث الله تعالى لهم وابلا هطلا سحا «1»، ملأ حياضهم و آبارهم و أنهارهم و أوعيتهم و ظروفهم، فقالوا: هذه إحدى الحسنيين ثم أشرفوا من سطوحهم على العساكر المحيطة بهم، فإذا المطر قد آذاهم غاية الأذى، و أفسد أمتعتهم و أسلحتهم و أموالهم، فانصرف عنهم لذلك بعضهم، لأن ذلك المطر أتاهم في غير أوانه، في حمارة القيظ «2»، حين لا يكون مطر.

فقال الباقون من العساكر: هبكم سقيتم، فمن أين تأكلون؟ و لئن انصرف عنكم هؤلاء، فلسنا ننصرف حتى نقهركم على أنفسكم و عيالاتكم، و أهاليكم و أموالكم، و نشفي غيظنا منكم.

فقالت اليهود: إن الذي سقانا بدعائنا بمحمد و آله قادر على أن يطعمنا، و إن الذي صرف عنا من صرفه، قادر على أن يصرف عنا الباقين.

ثم دعوا الله بمحمد و آله أن يطعمهم، فجاءت قافلة عظيمة من قوافل الطعام قدر ألفي جمل و بغل و حمار موقرة «3» حنطة و دقيقا، و هم لا يشعرون بالعساكر، فانتهوا إليهم و هم نيام، و لم يشعروا بهم، لأن الله تعالى ثقل نومهم حتى دخلوا القرية، و لم يمنعوهم، و طرحوا «4» أمتعتهم و باعوها منهم فانصرفوا و بعدوا، و تركوا العساكر نائمة ليس في أهلها عين تطرف، فلما بعدوا انتبهوا، و نابذوا «5» اليهود الحرب، و جعل يقول بعضهم لبعض: الوحى الوحى «6»، فإن هؤلاء اشتد بهم الجوع و

سيذلون لنا.

قال لهم اليهود: هيهات، بل قد أطعمنا ربنا و كنتم نياما، جاءنا من الطعام كذا و كذا، و لو أردنا قتالكم «7» في حال نومكم لتهيأ لنا، و لكنا كرهنا البغي عليكم، فانصرفوا عنا، و إلا دعونا عليكم بمحمد و آله، و استنصرنا بهم أن يخزيكم كما قد أطعمنا و سقانا فأبوا إلا طغيانا، فدعوا الله تعالى بمحمد و آله و استنصروا بهم، ثم برز الثلاثمائة إلى ثلاثين ألفا «8»، فقتلوا منهم و أسروا و طحطحوهم «9»، و استوثقوا منهم بأسرائهم، فكان لا ينالهم «10» مكروه من جهتهم، لخوفهم على من لهم في أيدي اليهود فلما ظهر محمد (صلى الله عليه و آله) حسدوه، إذ كان من العرب، فكذبوه.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): هذه نصرة الله تعالى لليهود على المشركين بذكرهم لمحمد و آله، ألا فاذكروا- يا أمة محمد- محمدا و آله عند نوائبكم و شدائدكم، لينصر الله به ملائكتكم على الشياطين الذين يقصدونكم،

__________________________________________________

(1) سحّ الماء سحّا: سال من فوق. «الصحاح- سحح 1: 373».

(2) حمارّة القيظ: شدّة حرّه. «مجمع البحرين- حمر- 3: 276».

(3) الوقر: الحمل. «الصحاح- وقر- 2: 848».

(4) في المصدر زيادة: فيها.

(5) نابذه الحرب: كاشفه. «الصحاح- نبذ- 2: 571».

(6) الوحى: السرعة، و يقال الوحى الوحى، يعني البدار البدار. «الصحاح- وحى- 6: 2520». [.....]

(7) في «ط» نسخة بدل: قتلكم.

(8) في المصدر: إلى النّاس للقاء.

(9) طحطحت الشي ء: كسّرته و فرقته .. «الصحاح- طحح- 1: 386».

(10) في المصدر: فكانوا لا ينداهم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 275

فإن كل واحد منكم معه ملك عن يمينه يكتب حسناته، و ملك عن يساره يكتب سيئاته، و معه شيطانان من عند إبليس يغويانه، فإذا وسوسا في

قلبه، ذكرا الله، و قال: لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، و صلى الله على محمد و آله الطيبين خنس «1» الشيطانان ثم صارا إلى إبليس فشكواه، و قالا له: قد أعيانا أمره، فأمددنا «2» بالمردة فلا يزال يمدهما حتى يمدهما بألف مارد فيأتونه، فكلما راموه ذكر الله، و صلى على محمد و آله الطيبين لم يجدوا عليه طريقا و لا منفذا.

قالوا لإبليس: ليس له غيرك تباشره بجنودك فتغلبه و تغويه، فيقصده إبليس بجنوده، فيقول الله تعالى للملائكة: هذا إبليس قد قصد عبدي فلانا، أو أمتي فلانة بجنوده ألا فقاتلوهم فيقاتلهم بإزاء كل شيطان رجيم منهم مائة ألف ملك، و هم على أفراس من نار، بأيديهم سيوف من نار و رماح من نار، و قسي «3» و نشاشيب «4» و سكاكين، و أسلحتهم من نار، فلا يزالون يخرجونهم و يقتلونهم بها، و يأسرون إبليس، فيضعون عليه تلك الأسلحة، فيقول: يا رب، وعدك وعدك، قد أجلتني إلى يوم الوقت المعلوم.

فيقول الله تعالى للملائكة: وعدته أن لا أميته، و لم أعده أن لا أسلط عليه السلاح و العذاب و الآلام، اشتفوا منه ضربا بأسلحتكم فإني لا أميته، فيثخنونه بالجراحات، ثم يدعونه، فلا يزال سخين العين على نفسه و أولاده المقتولين، و لا يندمل شي ء من جراحاته إلا بسماعه أصوات المشركين، بكفرهم.

فإن بقي هذا المؤمن على طاعة الله و ذكره و الصلاة على محمد و آله، بقي على إبليس تلك الجراحات، و إن زال العبد عن ذلك، و انهمك في مخالفة الله عز و جل و معاصيه، اندملت جراحات إبليس، ثم قوي على ذلك العبد حتى يلجمه و يسرج على ظهره و يركبه، ثم ينزل

عنه و يركب على ظهره شيطانا من شياطينه، و يقول لأصحابه: أما تذكرون ما أصابنا من شأن هذا؟ ذل و انقاد لنا الآن حتى صار يركبه «5» هذا.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): فإن أردتم أن تديموا على إبليس سخينة «6» عينه و ألم جراحاته فدوموا على طاعة الله و ذكره، و الصلاة على محمد و آله، و إن زلتم عن ذلك كنتم أسراء إبليس فيركب أقفيتكم بعض مردته».

551/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن زرعة بن محمد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل:

__________________________________________________

2- الكافي 8: 308/ 481.

(1) خنس: تأخر. «الصحاح- خنس- 3: 925».

(2) في «س»: فأيدنا.

(3) القسي: جمع قوس. «الصحاح- قوس- 3: 967».

(4) النشاشيب: السهام. «أساس البلاغة: 456».

(5) في «ط»: نركبه.

(6) في المصدر: سخنة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 276

وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ.

قال: «كانت اليهود تجد في كتبها أن مهاجر محمد (صلى الله عليه و آله) ما بين عير «1» و أحد، فخرجوا يطلبون الموضع، فمروا بجبل يسمى حددا، فقالوا: حدد و أحد «2» سواء فتفرقوا عنده فنزل بعضهم بتيماء «3»، و بعضهم بفدك، و بعضهم بخيبر، فاشتاق الذين بتيماء إلى بعض إخوانهم، فمر بهم أعرابي من قيس فتكاروا «4» منه، و قال لهم: أمر بكم ما بين عير و أحد؟ فقالوا له: إذا مررت بهما فآذنا «5» بهما. فلما توسط بهم أرض المدينة، قال لهم: ذاك عير، و هذا أحد فنزلوا عن ظهر إبله،

و قالوا: قد أصبنا بغيتنا فلا حاجة لنا في إبلك، فاذهب حيث شئت.

فكتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك و خيبر: أنا قد أصبنا الموضع فهلموا إلينا. فكتبوا إليهم: أنا قد استقرت بنا الدار و اتخذنا الأموال و ما أقربنا منكم، فإذا كان ذلك فما أسرعنا إليكم! فاتخذوا بأرض المدينة الأموال، فلما كثرت أموال بلغ تبع «6» فغزاهم، فتحصنوا منه فحاصرهم، و كانوا يرقون لضعفاء أصحاب تبع، فيلقون إليهم بالليل التمر و الشعير، فبلغ ذلك تبع فرق لهم و آمنهم فنزلوا إليه، فقال لهم: إني قد استطبت بلادكم، و لا أراني إلا مقيما فيكم.

فقالوا: إنه ليس ذاك لك، إنها مهاجر نبي، و ليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك.

فقال لهم: إني مخلف فيكم من أسرتي من إذا كان ذلك يساعده و ينصره «7» فخلف حيين: الأوس، و الخزرج. فلما كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود، و كانت اليهود تقول لهم: أما لو قد بعث محمد لنخرجنكم «8» من ديارنا و أموالنا فلما بعث الله عز و جل محمدا (صلى الله عليه و آله) آمنت به الأنصار، و كفرت به اليهود، و هو قول الله عز و جل: وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ.

و روى العياشي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) الحديث بعينه «9».

552/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تبارك و تعالى: وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ؟

__________________________________________________

3- الكافي 8:

310/ 482.

(1) عير: جبل في المدينة، و قيل: في الحجاز. «معجم البلدان 4: 172».

(2) حدد: جبل مطل على تيماء. «معجم البلدان 2: 229». [.....]

(3) التيماء: الفلاة، و تيماء: بليد في أطراف الشام ما بين الشام و وادي القرى. «معجم البلدان 2: 67».

(4) تكاروا: استأجروا.

(5) آذنتك بالشي ء: أعلمتكه. «الصحاح- أذن- 5: 2069».

(6) تبع: من ملوك حمير. «مجمع البحرين- تبع- 4: 305».

(7) في «ط» نسخة بدل: ساعده و نصره.

(8) في المصدر: ليخرجنكم.

(9) تفسير العياشي 1: 49/ 69.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 277

قال: «كان قوم فيما بين محمد و عيسى (صلوات الله عليهما)، كانوا يتوعدون أهل الأصنام بالنبي (صلى الله عليه و آله)، و يقولون: ليخرجن نبي، و ليكسرن أصنامكم، و ليفعلن بكم ما يفعلن فلما خرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) كفروا به».

553/ [4]- العياشي: عن جابر، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الآية، عن قول الله: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ.

قال: «تفسيرها في الباطن: لما جاءهم ما عرفوا في علي (عليه السلام) كفروا به، فقال الله فيهم: فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ في باطن القرآن». قال أبو جعفر (عليه السلام): «يعني بني أمية، هم الكافرون في باطن القرآن».

سورة البقرة(2): آية 90 ..... ص : 277

قوله تعالى:

بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ [90]

554/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «ذم الله تعالى اليهود و عاب فعلهم في كفرهم بمحمد (صلى الله عليه و آله)، فقال: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أي اشتروها بالهدايا و الفضول «1» التي كانت تصل إليهم، و كان الله أمرهم بشرائها من الله

بطاعتهم له، ليجعل «2» لهم أنفسهم و الانتفاع بها دائما في نعيم الآخرة فلم يشتروها، بل اشتروها بما أنفقوه في عداوة رسول الله (صلى الله عليه و آله) ليبقى لهم عزهم في الدنيا، و رئاستهم على الجهال، و ينالوا المحرمات، و أصابوا الفضولات من السفلة و صرفوهم عن سبيل الرشاد، و وقفوهم على طريق الضلالات.

ثم قال الله عز و جل: أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أي بما أنزل الله على موسى (عليه السلام) من تصديق محمد (صلى الله عليه و آله) بغيا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ».

قال: «و إنما كان كفرهم لبغيهم و حسدهم له، لما أنزل الله من فضله عليه، و هو القرآن الذي أبان فيه نبوته، و أظهر به آيته و معجزته، ثم قال: فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ يعني رجعوا و عليهم الغضب من الله على غضب

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 1: 50/ 70.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 401/ 272.

(1) فضول الغنائم: ما فضل منها حين تقسم، و فضول المال: بقاياه الزائدة من الحاجة.

(2) في «ط» نسخة بدل: ليحصل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 278

في إثر غضب- قال-: «و الغضب الأول حين كذبوا بعيسى بن مريم (عليه السلام)، و الغضب الثاني حين كذبوا محمد (صلى الله عليه و آله)».

قال: «و الغضب الأول أن جعلهم قردة خاسئين، و لعنهم على لسان عيسى (عليه السلام)، و الغضب الثاني حين سلط الله عليهم سيوف محمد و آله و أصحابه و أمته حتى ذللهم بها فإما دخلوا في الإسلام طائعين، و إما أدوا الجزية صاغرين داخرين «1»».

555/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد البرقي،

عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن المنخل، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «نزل جبرئيل (عليه السلام) بهذه الآية على محمد (صلى الله عليه و آله) هكذا: بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله في علي بغيا».

556/ [3]- العياشي: قال أبو جعفر (عليه السلام): «نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه و آله) [هكذا]: بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله في علي بغيا و قال الله في علي (عليه السلام): أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ يعني عليا، قال الله: فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ يعني بني أمية وَ لِلْكافِرِينَ يعني بني أمية عَذابٌ مُهِينٌ».

سورة البقرة(2): آية 91 ..... ص : 278

قوله تعالى:

وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَ يَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [91]

557/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «وَ إِذا قِيلَ لهؤلاء اليهود الذين تقدم ذكرهم آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ على محمد من القرآن المشتمل على الحلال و الحرام، و الفرائض و الأحكام قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا و هو التوراة وَ يَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ يعني ما سواه، لا يؤمنون به وَ هُوَ الْحَقُّ و الذي يقول هؤلاء اليهود: إنه وراءه، هو الحق، لأنه هو الناسخ و المنسوخ «2» الذي قدمه الله عز و جل.

قال الله تعالى: قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أي: لم كان يقتل أسلافكم أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

__________________________________________________

2- الكافي 1: 345/ 25.

3- تفسير العيّاشي 1: 50/ 70.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 403/ 275

و 276. [.....]

(1) الدّخور: الصغار و الذّل. «الصحاح- دخر- 2: 655».

(2) في المصدر: للمنسوخ.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 279

بالتوراة، أي ليست التوراة الآمرة «1» بقتل الأنبياء، فإذا كنتم تَقْتُلُونَ الأنبياء، فما آمنتم بما أنزل عليكم من التوراة، لأن فيها تحريم قتل الأنبياء، كذلك إذا لم تؤمنوا بمحمد، و بما أنزل عليه و هو القرآن، و فيه الأمر بالإيمان به، فأنتم ما آمنتم بعد بالتوراة.

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أخبر الله تعالى أن من لا يؤمن بالقرآن، فما آمن بالتوراة، لأن الله تعالى أخذ عليهم الإيمان بهما، لا يقبل الإيمان بأحدهما إلا مع الإيمان بالآخر. فكذلك فرض الله الإيمان بولاية علي بن أبي طالب «2» كما فرض الإيمان بمحمد، فمن قال: آمنت بنبوة محمد و كفرت بولاية علي بن أبي طالب، فما آمن بنبوة محمد.

إن الله تعالى إذا بعث الخلائق يوم القيامة، نادى منادي ربنا نداء تعريف الخلائق في إيمانهم و كفرهم، فقال:

الله أكبر، الله أكبر و مناد آخر ينادي: معاشر الخلائق ساعدوه على هذه المقالة فأما الدهرية «3» و المعطلة فيخرسون عن ذلك، و لا تنطق «4» ألسنتهم، و يقولها سائر الناس من الخلائق، فيمتاز الدهرية و المعطلة من سائر الناس بالخرس.

ثم يقول المنادي: أشهد أن لا إله إلا الله فيقول الخلائق كلهم ذلك، إلا من كان يشرك بالله تعالى من المجوس و النصارى و عبدة الأوثان، فإنهم يخرسون فيتبينون بذلك من سائر الخلائق.

ثم يقول المنادي: اشهد أن محمدا رسول الله فيقولها المسلمون أجمعون، و تخرس عنها اليهود و النصارى و سائر المشركين.

ثم ينادي مناد آخر من عرصات القيامة: ألا فسوقوهم إلى الجنة لشهادتهم لمحمد بالنبوة، فإذا النداء من قبل الله

تعالى: لا، بل وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ «5».

يقول الملائكة- الذين قالوا: سوقوهم إلى الجنة لشهادتهم لمحمد بالنبوة: لماذا يوقفون، يا ربنا؟

فإذا النداء من قبل الله تعالى: قفوهم إنهم مسئولون عن ولاية علي بن أبي طالب و آل محمد- يا عبادي و إمائي- إني أمرتهم مع الشهادة بمحمد بشهادة أخرى، فإن جاءوا بها يعطوا «6» ثوابهم، و أكرموا مآبهم، و إن لم يأتوا بها، لم تنفعهم الشهادة لمحمد بالنبوة و لا لي بالربوبية، فمن جاء بها فهو من الفائزين، و من لم يأت بها فهو من الهالكين».

__________________________________________________

(1) في المصدر: أي ليس في التوراة الأمر.

(2) في «ط» نسخة بدل: بولاية أمير المؤمنين.

(3) الدهريّة: و هم القائلون بقدم العالم و قدم الدهر، و تدبيره للعالم و تأثيره فيه، و إنّه ما أبلى الدهر من شي ء إلّا أحدث شيئا آخر. و كلّهم متّفقون على نفي الربوبية عن اللّه الجليل الخالق، تبارك و تعالى عمّا يصفون علوّا كبيرا. «المقالات و الفرق: 194».

(4) في المصدر: و لا تنطلق.

(5) الصّافات 37: 24.

(6) في المصدر: فعظّموا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 280

قال: «فمنهم من يقول: قد كنت لعلي بن أبي طالب بالولاية شاهدا، و لآل محمد محبا و هو في ذلك كاذب، يظن أن كذبه ينجيه. فيقال له: سوف نستشهد على ذلك عليا. فتشهد أنت- يا أبا حسن- فتقول: الجنة لأوليائي شاهدة، و النار على أعدائي شاهدة فمن كان منهم صادقا خرجت إليه رياح الجنة و نسيمها فاحتملته، فأوردته علالي الجنة و غرفها، و أحلته دار المقامة من فضل ربه «1»، لا يمسه فيها نصب، و لا يمسه فيها لغوب، و من كان منهم كاذبا، جاءته «2» سموم النار و حميمها و ظلها

الذي هو ثلاث شعب، لا ظليل و لا يغنى من اللهب «3» فتحمله، فترفعه في الهواء، و تورده في نار جهنم.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): فلذلك أنت قسيم الجنة و النار، تقول لها: هذا لي، و هذا لك».

558/ [2]- العياشي: قال جابر: قال أبو جعفر (عليه السلام): «نزلت هذه الآية على محمد (صلى الله عليه و آله) هكذا و الله (و إذا قيل لهم ما ذا أنزل ربكم في علي) يعني بني أمية، قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا يعني في قلوبهم، بما أنزل الله عليه وَ يَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ بما أنزل الله في علي وَ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ يعني عليا».

559/ [3]- عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال الله في كتابه يحكى قول اليهود: إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ «4» الآية، و قال: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ و إنما أنزل هذا في قوم يهود، و كانوا على عهد محمد (صلى الله عليه و آله) لم يقتلوا أنبياء الله بأيديهم، و لا كانوا في زمانهم، و إنما قتل أوائلهم «5» الذين كانوا من قبلهم، فنزلوا بهم أولئك القتلة، فجعلهم الله منهم، و أضاف إليهم فعل أوائلهم بما تبعوهم و تولوهم».

سورة البقرة(2): آية 92 ..... ص : 280

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظالِمُونَ [92]

560/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل لليهود الذين تقدم ذكرهم: وَ لَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ

__________________________________________________

2- تفسير العياشي 1: 51/ 71.

3- تفسير العياشي 1: 51/ 27.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): 408/ 278.

(1) في

«ط» نسخة بدل: ربي.

(2) في «ط» نسخة بدل: أصابته.

(3) تضمين من سورة المرسلات 77: 30 و 31. [.....]

(4) آل عمران 3: 183.

(5) في «س»، «ط»: أوليائهم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 281

الدالات على نبوته، و على ما وصفه من فضل محمد (صلى الله عليه و آله)، و شرفه على الخلائق، و أبان عنه من خلافة علي و وصيته، و أمر خلفائه بعده ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ إلها مِنْ بَعْدِهِ بعد انطلاقه إلى الجبل، و خالفتم خليفته الذي نص عليه و تركه عليكم، و هو هارون (عليه السلام) وَ أَنْتُمْ ظالِمُونَ كافرون بما فعلتم من ذلك»

سورة البقرة(2): آية 93 ..... ص : 281

قوله تعالى:

وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَ اسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَ عَصَيْنا وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [93]

561/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل: و اذكروا إذ فعلنا ذلك بأسلافكم لما أبوا قبول ما جاءهم به موسى (عليه السلام) من دين الله و أحكامه، و من الأمر بتفضيل محمد و علي (صلوات الله عليهما) و خلفائهما على سائر الخلق.

خُذُوا ما آتَيْناكُمْ قلنا لهم: خذوا ما آتيناكم من هذه الفرائض بِقُوَّةٍ قد جعلناها لكم، و مكناكم بها، و أزحنا عللكم «1» في تركيبها فيكم وَ اسْمَعُوا ما يقال لكم، و تؤمرون به قالُوا سَمِعْنا قولك وَ عَصَيْنا أمرك، أي إنهم عصوا بعد، و أضمروا في الحال أيضا العصيان وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ أمروا بشرب العجل الذي كان قد ذريت سحالته «2» في الماء الذي أمروا بشربه، ليتبين من عبده ممن لم يعبده بِكُفْرِهِمْ لأجل كفرهم، أمروا بذلك.

قُلْ يا محمد بِئْسَما

يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ بموسى كفركم بمحمد و علي و أولياء الله من آلهما إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بتوراة موسى، و لكن معاذ الله، لا يأمركم إيمانكم بالتوراة الكفر بمحمد و علي (عليهما السلام)».

قال الإمام (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الله تعالى ذكر بني إسرائيل في عصر محمد (صلى الله عليه و آله) أحوال آبائهم الذين كانوا في أيام موسى (عليه السلام)، كيف أخذ عليهم العهد و الميثاق لمحمد و علي و آلهما الطيبين المنتجبين للخلافة على الخلائق، و لأصحابهما و شيعتهما و سائر أمة محمد (صلى الله عليه و آله).

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 424/ 290 و 291.

(1) في «ط» نسخة بدل: و أرحنا عليكم.

(2) السّحالة: ما سقط من الذهب و الفضّة و نحوهما كالبرادة. «الصحاح- سحل- 5: 1727».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 282

فقال: وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ اذكروا لما أخذنا ميثاق آبائكم وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ الجبل، لما أبوا قبول ما أريد منهم و الاعتراف به خُذُوا ما آتَيْناكُمْ أعطيناكم بِقُوَّةٍ يعني بالقوة التي أعطيناكم تصلح لذلك وَ اسْمَعُوا أي أطيعوا فيه.

قالُوا سَمِعْنا بآذاننا وَ عَصَيْنا بقلوبنا، فأما في الظاهر فأعطوا كلهم الطاعة داخرين صاغرين، ثم قال: وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ عرضوا لشرب العجل الذي عبدوه حتى وصل ما شربوه [من ] ذلك إلى قلوبهم».

و قال: «إن بني إسرائيل لما رجع إليهم موسى و قد عبدوا العجل تلقوه بالرجوع عن ذلك، فقال لهم موسى:

من الذي عبده منكم حتى أنفذ فيه حكم الله؟ خافوا من حكم الله الذي ينفذه فيهم، فجحدوا أن يكونوا عبدوه، و جعل كل واحد منهم يقول: أنا لم أعبده و إنما عبده غيري، و

وشى «1» بعضهم ببعض فذلك «2» ما حكى الله عز و جل عن موسى من قوله للسامري: وَ انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً «3» فأمره الله، فبرده بالمبارد، و أخذ سحالته فذرأها في البحر العذب، ثم قال لهم: اشربوا منه فشربوا، فكل من كان عبده اسودت شفتاه و أنفه ممن كان أبيض اللون، و من كان منهم أسود اللون ابيضت شفتاه و أنفه، فعند ذلك أنفذ فيهم حكم الله».

562/ [2]- العياشي: عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ.

قال: «لما ناجى موسى (عليه السلام)، ربه أوحى إليه: أن يا موسى، قد فتنت قومك. قال: و بماذا، يا رب؟ قال:

بالسامري. قال: و ما [فعل ] السامري؟ قال: صاغ لهم من حليهم عجلا.

قال: يا رب، إن حليهم لتحتمل [أن يصاغ ] منها غزال أو تمثال أو عجل، فكيف يفتنهم «4»؟ قال: إنه صاغ لهم عجلا فخار «5». قال: يا رب، و من أخاره؟ قال: أنا. فقال عندها موسى: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ «6»- قال-: فلما انتهى موسى إلى قومه و رءاهم يعبدون العجل، ألقى الألواح من يده فتكسرت».

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 1: 51/ 73.

(1) وشى به: أي سعى. «الصحاح- وشى- 6: 2524».

(2) في المصدر: فكذلك.

(3) طه 20: 97.

(4) في المصدر: فتنتهم.

(5) خار الثور: صاح. «الصحاح- 2: 651».

(6) الأعراف 7: 155.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 283

قال أبو جعفر (عليه السلام): «كان ينبغي أن يكون ذلك عند إخبار الله إياه- قال-: فعمد موسى فبرد «1» العجل من أنفه إلى طرف ذنبه، ثم أحرقه

بالنار فذره «2» في اليم، فكان أحدهم ليقع في الماء و ما به إليه من حاجة، فيتعرض بذلك للرماد فيشربه، و هو قول الله: وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ».

سورة البقرة(2): الآيات 94 الي 96 ..... ص : 283

قوله تعالى:

قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [94] وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [95] وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَ ما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ [96]

563/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام): إن الله تعالى لما وبخ هؤلاء اليهود على لسان رسوله محمد (صلى الله عليه و آله) و قطع معاذيرهم، و أقام عليهم الحجج الواضحة بأن محمدا سيد النبيين «3»، و خير الخلائق أجمعين، و أن عليا سيد الوصيين، و خير من يخلفه بعده في المسلمين و أن الطيبين من آله هم القوام بدين الله، و الأئمة لعباد الله عز و جل، و انقطعت معاذيرهم، و هم لا يمكنهم إيراد حجة و لا شبهة، فجاءوا إلى أن تكاثروا «4» فقالوا: ما ندري ما نقول، و لكنا نقول: إن الجنة خالصة لنا من دونك- يا محمد- و دون علي، و دون أهل دينك و أمتك، و إنا بكم مبتلون ممتحنون، و نحن أولياء الله المخلصون، و عباده الخيرون، و مستجاب دعاؤنا، غير مردود علينا شي ء «5» من سؤالنا ربنا.

فلما قالوا ذلك، قال الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه و آله) قل: يا محمد، لهؤلاء اليهود: إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ الجنة

و نعيمها خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ محمد و علي و الأئمة، و سائر الأصحاب و مؤمني الأمة، و أنكم بمحمد و ذريته ممتحنون، و أن دعاءكم مستجاب غير مردود فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ للكاذبين منكم و من

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 442/ 294.

(1) بردة: سحله أو نحته بالمبرد، أي براه و سحقه. [.....]

(2) في «ط» نسخة بدل: فقذفه.

(3) في «ط» نسخة بدل: سيّد الأولين.

(4) في المصدر: كابروا.

(5) في المصدر: بشي ء.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 284

مخالفيكم.

فإن محمدا و عليا و ذريتهما «1» يقولون: إنهم هم أولياء الله عز و جل من دون الناس الذين يخالفونهم في دينهم، و هم المجاب دعاؤهم فإن كنتم- يا معشر اليهود- كما تزعمون «2»، فتمنوا الموت للكاذبين منكم و من مخالفيكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بأنكم أنتم المحقون المجاب دعاؤكم على مخالفيكم، فقولوا: اللهم أمت الكاذب منا و من مخالفينا ليستريح منه الصادقون، و لتزداد حجتكم وضوحا بعد أن «3» صحت و وجبت.

ثم قال لهم رسول الله محمد (صلى الله عليه و آله) بعد ما عرض هذا عليهم: لا يقولها أحد منكم إلا غص بريقه فمات مكانه و كانت اليهود علماء بأنهم هم الكاذبون، و أن محمدا (صلى الله عليه و آله) و عليا (عليه السلام) و مصدقيهما هم الصادقون، فلم يجسروا «4» أن يدعوا بذلك، لعلمهم بأنهم إن دعوا فهم الميتون.

فقال الله تعالى: وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ يعني اليهود، لن يتمنوا الموت بما قدمت أيديهم من الكفر «5» بالله، و بمحمد رسوله و نبيه و صفيه، و بعلي أخي نبيه و وصيه، و بالطاهرين من الأئمة المنتجبين.

قال الله تعالى: وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ اليهود، أنهم لا

يجسرون أن يتمنوا الموت للكاذب، لعلمهم أنهم هم الكاذبون، و لذلك آمرك أن تبهرهم بحجتك، و تأمرهم أن يدعوا على الكاذب، ليمتنعوا من الدعاء، و يبين «6» للضعفاء أنهم هم الكاذبون.

ثم قال: يا محمد وَ لَتَجِدَنَّهُمْ يعني تجد هؤلاء اليهود أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ و ذلك ليأسهم من نعيم الآخرة، لانهماكهم في كفرهم، الذين يعلمون أنهم لا حظ لهم معه في شي ء من خيرات الجنة.

وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا قال تعالى: هؤلاء اليهود أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ و أحرص مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا على حياة- يعني المجوس- لأنهم لا يرون النعيم إلا في الدنيا، و لا يأملون خيرا في الآخرة، فلذلك هم أشد الناس حرصا على حياة.

ثم وصف اليهود فقال: يَوَدُّ يتمنى أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَ ما هُوَ التعمير ألف سنة بِمُزَحْزِحِهِ بمباعده مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ تعميره.

و إنما قال: وَ ما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ و لم يقل: وَ ما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ فقط، لأنه لو قال: و ما هو بمزحزحه من العذاب و الله بصير، لكان يحتمل أن يكون وَ ما هُوَ يعني وده و تمنيه

__________________________________________________

(1) في «ط» و المصدر: و ذويهما.

(2) في المصدر: تدّعون.

(3) في المصدر زيادة: قد.

(4) في «ط» نسخة بدل: لا يجرءون.

(5) في المصدر: كفرهم.

(6) في المصدر: يتبيّن.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 285

بِمُزَحْزِحِهِ فلما أراد و ما تعميره، قال: وَ ما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ «1» ثم قال: وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ فعلى حسبه يجازيهم، و يعدل فيهم و لا يظلمهم».

564/ [2]- قال الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): «لما كاعت «2» اليهود عن هذا التمني، و قطع الله معاذيرهم، قالت طائفة منهم،

و هم بحضرة رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قد كاعوا و عجزوا: يا محمد، فأنت و المؤمنون المخلصون لك مجاب دعاؤكم، و علي أخوك و وصيك أفضلهم و سيدهم؟ قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): بلى.

قالوا: يا محمد، فإن كان هذا كما زعمت، فقل لعلي يدعو «3» لابن رئيسنا هذا، فقد كان من الشباب جميلا نبيلا و سيما قسيما «4»، لحقه برص و جذام، و قد صار حمى «5» لا يقرب، و مهجورا لا يعاشر، يتناول الخبز على أسنة الرماح.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ائتوني به. فأتي به، فنظر رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أصحابه منه إلى منظر فظيع، سمج «6»، قبيح، كريه.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا أبا حسن، ادع الله له بالعافية، فإن الله تعالى يجيبك فيه. فدعا له. فلما كان عند «7» فراغه من دعائه إذا «8» الفتى قد زال عنه كل مكروه، و عاد إلى أفضل ما كان عليه من النبل و الجمال و الوسامة و الحسن في المنظر.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) للفتى: يا فتى آمن بالذي أغاثك من بلائك. قال الفتى: قد آمنت، و حسن إيمانه.

فقال أبوه: يا محمد، ظلمتني و ذهبت مني بابني، ليته كان أجذم و أبرص كما كان و لم يدخل في دينك، فإن ذلك كان أحب إلي.

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لكن الله عز و جل قد خلصه من هذه الآفة، و أوجب له نعيم الجنة.

قال أبوه: يا محمد، ما كان هذا لك و لا لصاحبك، إنما جاء وقت عافيته فعوفي، و إن كان صاحبك

هذا- يعني عليا (عليه السلام)- مجابا في الخير، فهو أيضا مجاب في الشر، فقل له يدعو علي بالجذام و البرص، فإني أعلم

__________________________________________________

2- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 444/ 295.

(1) هو: كناية عن أحدهم الذي جرى ذكره. أن يعمّر: في موضع رفع بأنّه فاعل تقديره: و ما أحدهم بمزحزحه من العذاب تعميره. كما يقال:

مررت برجل معجب قيامه. أنظر «مجمع البيان للطبرسي 1: 322».

(2) كعت عن الشّي ء: لغة في كععت عنه، إذا عبته و جبنت عنه. «لسان العرب- كوع- 8: 317».

(3) في المصدر زيادة: اللّه. [.....]

(4) القسام: الحسن، و فلان قسيم الوجه، و مقسّم الوجه. «الصحاح- قسم- 5: 2011».

(5) يقال: هذا الشي ء حمى: أي محظور لا يقرب. «الصحاح- حمى- 6: 2319».

(6) سمج: قبح. الصحاح- سمج- 1: 322».

(7) في المصدر: بعد.

(8) في المصدر: إذ.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 286

أنه لا يصيبني، ليتبين لهؤلاء الضعفاء الذين قد اغتروا بك أن زواله عن ابني لم يكن بدعائه.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا يهودي، اتق الله، و تهنأ بعافية الله إياك، و لا تتعرض للبلاء و لما لا تطيقه، و قابل النعمة بالشكر، فإن من كفرها سلبها، و من شكرها امترى «1» مزيدها.

فقال اليهودي: من شكر نعم الله تكذيب عدو الله المفتري عليه، و إنما أريد بهذا أن أعرف ولدي أنه ليس مما قلت له و أدعيته قليل و لا كثير، و أن الذي أصابه من خير لم يكن بدعاء علي صاحبك. فتبسم رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و قال: يا يهودي، هبك قلت أن عافية ابنك لم تكن بدعاء علي، و إنما صادف دعاؤه وقت مجي ء عافيته، أ رأيت لو دعا عليك

علي بهذا البلاء الذي اقترحته فأصابك، أتقول: إن ما أصابني لم يكن بدعائه، و لكن لأنه صادف دعاؤه وقت بلائي؟

فقال: لا أقول هذا، لأن هذا احتجاج مني على عدو الله في دين الله، و احتجاج منه علي، و الله أحكم من أن يجيب إلى مثل هذا فيكون قد فتن عباده، و دعاهم إلى تصديق الكاذبين.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): فهذا في دعاء علي لابنك كهو في دعائه عليك، لا يفعل الله تعالى ما يلبس به على عباده دينه، و يصدق به الكاذب عليه.

فتحير اليهودي لما أبطلت عليه «2» شبهته، و قال: يا محمد، ليفعل علي هذا بي إن كنت صادقا.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام): يا أبا الحسن، قد أبى الكافر إلا عتوا و طغيانا و تمردا، فادع عليه بما اقترح، و قل: اللهم ابتله ببلاء ابنه من قبل. فقالها، فأصاب اليهودي داء ذلك الغلام، مثل ما كان فيه الغلام من الجذام و البرص، و استولى عليه الألم و البلاء، و جعل يصرخ و يستغيث، و يقول: يا محمد، قد عرفت صدقك فأقلني «3».

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لو علم الله تعالى صدقك لنجاك، و لكنه عالم بأنك لا تخرج عن هذا الحال إلا ازددت كفرا، و لو علم أنه إن نجاك آمنت به لجاد عليك بالنجاة، فإنه الجواد الكريم».

ثم قال: «فبقي اليهودي في ذلك الداء و البرص أربعين سنة آية للناظرين، و عبرة للمعتبرين «4»، و علامة و حجة بينة لمحمد (صلى الله عليه و آله) باقية في الغابرين، و بقي ابنه كذلك معافى صحيح الأعضاء و الجوارح ثمانين سنة عبرة للمعتبرين، و

ترغيبا للكافرين في الإيمان، و تزهيدا لهم في الكفر و العصيان.

و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) حين حل ذلك البلاء باليهودي بعد زوال البلاء عن ابنه: عباد الله، إياكم و الكفر بنعم الله، فإنه مشؤوم على صاحبه، ألا و تقربوا إلى الله بالطاعات يجزل لكم المثوبات، و قصروا أعماركم في الدنيا

__________________________________________________

(1) الريح تمري السّحاب: أي تستدرّه. «الصحاح- مرا- 6: 2491».

(2) في المصدر: لما أبطل (صلى اللّه عليه و آله).

(3) أقال اللّه فلانا عثرته: بمعنى الصفح عنه. «لسان العرب- قيل- 11: 580»، و في «ط» نسخة بدل: فاقبلني.

(4) في المصدر: للمتفكّرين.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 287

بالتعرض لأعداء الله في الجهاد، لتنالوا طول الأعمار في «1» الآخرة، في النعيم الدائم الخالد، و ابذلوا أموالكم في الحقوق اللازمة ليطول غناكم في الجنة.

فقام أناس، فقالوا: يا رسول الله، نحن ضعفاء الأبدان، قليلو الأموال، لا نفي بمجاهدة الأعداء، و لا تفضل أموالنا عن نفقات العيالات، فما ذا نصنع؟ قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ألا فلتكن صدقاتكم من قلوبكم و ألسنتكم.

قالوا: كيف يكون ذلك، يا رسول الله؟

قال (صلى الله عليه و آله): أما القلوب فتقطعونها على حب الله، و حب محمد رسول الله، و حب علي ولي الله و وصي رسول الله، و حب المنتجبين للقيام بدين الله، و حب شيعتهم و محبيهم، و حب إخوانكم المؤمنين، و الكف عن اعتقادات العداوة و الشحناء و البغضاء، و أما الألسنة فتطلقونها بذكر الله تعالى بما هو أهله، و الصلاة على نبيه محمد و على آله الطيبين، فإن الله تعالى بذلك يبلغكم أفضل الدرجات، و ينيلكم به المراتب العاليات».

سورة البقرة(2): الآيات 97 الي 98 ..... ص : 287

قوله تعالى:

قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ

نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ [97] مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ [98]

565/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الحسن بن علي «2» (عليهما السلام): إن الله تعالى ذم اليهود في بغضهم لجبرئيل (عليه السلام) الذي كان ينفذ قضاء الله تعالى فيهم بما يكرهون، و ذمهم أيضا و ذم النواصب في بغضهم لجبرئيل و ميكائيل و ملائكة الله النازلين لتأييد علي بن أبي طالب (عليه السلام) على الكافرين حتى أذلهم بسيفه الصارم.

فقال: قل: يا محمد مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ من اليهود، لدفعه عن بخت نصر أن يقتله دانيال، من غير ذنب كان جناه بخت نصر، حتى بلغ كتاب الله في اليهود أجله، و حل بهم ما جرى في سابق علمه. و من كان أيضا عدوا لجبرئيل من سائر الكافرين و أعداء محمد و علي الناصبين «3»، لأن الله تعالى بعث جبرئيل لعلي (عليه السلام) مؤيدا، و له على أعدائه ناصرا، و من كان عدوا لجبرئيل لمظاهرته محمدا و عليا (عليهما السلام)، و معاونته لهما،

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 448/ 296- 298.

(1) في المصدر: طول أعمار.

(2) في «س»: الحسين بن عليّ بن أبي طالب.

(3) في المصدر: المناصبين.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 288

و انقياده «1» لقضاء ربه عز و جل في إهلاك أعدائه على يد من يشاء من عباده. فَإِنَّهُ يعني جبرئيل نَزَّلَهُ يعني نزل هذا القرآن عَلى قَلْبِكَ يا محمد بِإِذْنِ اللَّهِ بأمر الله، و هو كقوله: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ «2».

مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ

يَدَيْهِ موافقا لما بين يديه من التوراة و الإنجيل و الزبور، و صحف إبراهيم، و كتب شيث و غيرهم من الأنبياء.

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن هذا القرآن هو النور المبين، و الحبل المتين، و العروة الوثقى، و الدرجة العليا، و الشفاء الأشفى، و الفضيلة الكبرى، و السعادة العظمى، من استضاء به نوره الله، و من عقد به أموره «3» عصمه الله، و من تمسك به أنقذه الله، و من لم يفارق أحكامه رفعه الله، و من استشفى به شفاه الله، و من آثره على ما سواه هداه الله، و من طلب الهدى في غيره أضله الله، و من جعله شعاره و دثاره «4» أسعده الله، و من جعله إمامه الذي يقتدي به، و معوله الذي ينتهي إليه، آواه «5» الله إلى جنات النعيم، و العيش السليم.

فلذلك قال: وَ هُدىً يعني هذا القرآن هدى وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ يعني بشارة لهم في الآخرة، و ذلك أن القرآن يأتي يوم القيامة بالرجل الشاحب، يقول لربه عز و جل: يا رب، هذا أظمأت نهاره، و أسهرت ليله، و قويت في رحمتك طمعه، و فسحت في مغفرتك أمله، فكن عند ظني فيك و ظنه.

يقول الله تعالى: أعطوه الملك بيمينه، و الخلد بشماله، و أقرنوه بأزواجه من الحور العين، و اكسوا والديه حلة لا تقوم لها الدنيا بما فيها. فتنظر إليهما الخلائق فيغبطونهما «6»، و ينظران إلى أنفسهما فيعجبان منها، و يقولان: يا ربنا، أنى لنا هذه و لم تبلغهما أعمالنا؟! فيقول الله عز و جل: و مع هذا تاج الكرامة، لم ير مثله الراءون، و لا يسمع بمثله السامعون، و لا يتفكر في مثله المتفكرون.

فيقال: هذا

بتعليمكما ولدكما القرآن، و تبصيركما إياه بدين الإسلام، و رياضتكما «7» إياه على حب رسول الله، و علي ولي الله، و تفقيهكما إياه بفقههما. لأنهما اللذان لا يقبل الله لأحد عملا إلا بولايتهما، و معاداة أعدائهما، و إن كان مل ء ما بين الثرى إلى العرش ذهبا يتصدق «8» به في سبيل الله، فتلك من البشارات التي يبشرون بها،

__________________________________________________

(1) في المصدر: و إنفاذه. [.....]

(2) الشّعراء 26: 193- 195.

(3) في المصدر و «ط» نسخة بدل: و من اعتقد به في أموره.

(4) الشّعار: الثوب الذي يلي الجسد، و الدّثار: الثياب التي فوق الشّعار. و المراد هنا: ممارسته و مزاولته و المداومة عليه ظاهرا و باطنا.

(5) يقال: أنت معوّلي: أي ثقتي و معتمدي. «مجمع البحرين- عول- 5: 432»، و في «ط» نسخة بدل: و معاده الذي ينتهي إليه أراه.

(6) الغبطة: أن تتمنّى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه، و ليس بحسد. «الصحاح- غبط- 3: 1146»، و في المصدر و «ط»:

فيعظمونهما.

(7) في «ط» نسخة بدل: رياضاتكما.

(8) في المصدر: تصدق.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 289

و ذلك قوله عز و جل: وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ شيعة محمد و علي و من تبعهم من أخلافهم و ذراريهم.

ثم قال: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ لإنعامه على محمد و علي، و على آلهما الطيبين، و هؤلاء الذين بلغ من جهلهم أن قالوا: نحن نبغض الله الذي أكرم محمدا و عليا بما يدعيان.

وَ جِبْرِيلَ و من كان عدوا لجبرئيل، لأن الله تعالى جعله ظهيرا لمحمد و علي (عليهما السلام) على أعداء الله، و ظهيرا لسائر الأنبياء و المرسلين كذلك.

وَ مَلائِكَتِهِ يعني و من كان عدوا لملائكة الله المبعوثين لنصرة دين الله، و تأييد أولياء

الله، و ذلك قول بعض النصاب المعاندين: برئت من جبرئيل الناصر لعلي.

و قوله تعالى: وَ رُسُلِهِ و من كان عدوا لرسل الله موسى و عيسى، و سائر الأنبياء الذين دعوا إلى نبوة محمد و إمامة علي، و ذلك قول النواصب: برئنا من هؤلاء الرسل الذين دعوا إلى إمامة علي.

ثم قال: وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ أي و من كان عدوا لجبرئيل و ميكائيل، و ذلك كقول من قال من النصاب، لما قال النبي (صلى الله عليه و آله) في علي (عليه السلام): جبرئيل عن يمينه، و ميكائيل عن يساره، و إسرافيل من خلفه، و ملك الموت أمامه، و الله تعالى من فوق عرشه ناظر بالرضوان إليه و ناصره.

قال بعض النواصب: فأنا أبرأ من الله و من جبرئيل و ميكائيل و الملائكة الذين حالهم مع علي على ما قاله محمد.

فقال: من كان عدوا لهؤلاء تعصبا على علي بن أبي طالب (عليه السلام) فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ فاعل بهم ما يفعل العدو بالعدو من إحلال النقمات، و تشديد العقوبات.

و كان سبب نزول هاتين الآيتين ما كان من اليهود أعداء الله من قول سي ء في الله تبارك و تعالى و في جبرئيل و ميكائيل و سائر ملائكة الله، و ما كان من أعداء الله النصاب من قول أسوء منه في الله تبارك و تعالى و في جبرئيل و ميكائيل و سائر ملائكة الله.

أما ما كان من النصاب، فهو أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما كان لا يزال يقول في علي (عليه السلام) الفضائل التي خصه الله عز و جل بها، و الشرف الذي أهله الله تعالى له، و كان في كل ذلك يقول: أخبرني به جبرئيل

عن الله.

و يقول في بعض ذلك: جبرئيل عن يمينه، و ميكائيل عن يساره و يفتخر جبرئيل على ميكائيل في أنه عن يمين علي (عليه السلام) الذي هو أفضل من اليسار، كما يفتخر نديم ملك عظيم في الدنيا يجلسه الملك عن يمينه على النديم الآخر الذي يجلسه على يساره، و يفتخران على إسرافيل الذي خلفه بالخدمة، و ملك الموت الذي أمامه بالخدمة، و أن اليمين و الشمال أشرف من ذلك، كافتخار حاشية الملك على زيادة قرب محلهم من ملكهم.

و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول في بعض أحاديثه: إن الملائكة أشرفها عند الله أشدها لعلي بن أبي طالب حبا، و إن قسم الملائكة فيما بينهم: و الذي شرف عليا على جميع الورى بعد محمد المصطفى.

و يقول مرة [أخرى ]: إن ملائكة السماوات و الحجب ليشتاقون إلى رؤية علي بن أبي طالب كما تشتاق الوالدة الشفيقة إلى ولدها البار الشفيق، آخر من بقي عليها بعد عشرة دفنتهم. البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 290

فكان هؤلاء النصاب يقولون: إلى متى يقول محمد: جبرئيل و ميكائيل و الملائكة كل ذلك تفخيم لعلي و تعظيم لشأنه؟ و يقول الله تعالى لعلي خاص من دون سائر الخلق؟ برئنا من رب و من ملائكة «1» و من جبرئيل و ميكائيل هم لعلي بعد محمد مفضلون، و برئنا من رسل الله الذين هم لعلي بن أبي طالب بعد محمد مفضلون.

و أما ما قاله اليهود، فهو أن اليهود أعداء الله لما قدم رسول الله (صلى الله عليه و آله) المدينة أتوه بعبد الله بن صوريا «2»، فقال: يا محمد، كيف نومك، فإنا قد أخبرنا عن نوم النبي الذي يأتي في آخر الزمان؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): تنام عيني و قلبي يقظان.

قال: صدقت، يا محمد. قال: فأخبرني- يا محمد- الولد يكون من الرجل، أو من المرأة؟ فقال النبي (صلى الله عليه و آله): أما العظام و العصب و العروق فمن الرجل، و أما اللحم و الدم و الشعر فمن المرأة.

قال: صدقت، يا محمد. ثم قال: فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شي ء، و يشبه أخواله ليس فيه من شبه أعمامه شي ء؟! فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أيهما علا ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له.

قال: صدقت- يا محمد- فأخبرني عمن لا يولد له، و من يولد له؟ فقال: إذا مغرت النطفة لم يولد له- أي إذا احمرت و كدرت- فإذا كانت صافية ولد له.

قال: فأخبرني عن ربك، ما هو؟ فنزلت «3»: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ «4» إلى آخرها.

قال ابن صوريا: صدقت- يا محمد- و بقيت واحدة إن «5» قلتها آمنت بك و اتبعتك «6»، أي ملك يأتيك بما تقوله عن الله؟ قال: جبرئيل.

قال ابن صوريا: ذلك عدونا من بين الملائكة، ينزل بالقتال و الشدة و الحرب، و رسولنا ميكائيل يأتي بالسرور و الرخاء، فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنا بك، لأن ميكائيل كان يشدد ملكنا، و جبرئيل كان يهلك ملكنا، فهو عدونا لذلك».

ثم ذكر احتجاج سلمان على ابن صوريا: «ثم قال سلمان: فإني أشهد أن من كان عدوا لجبرئيل، فإنه عدو لميكائيل، و إنهما جميعا عدوان لمن عاداهما، سلمان لمن سالمهما، فأنزل الله تعالى عند ذلك موافقا لقول سلمان (رحمه الله): قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ في مظاهرته لأولياء الله على أعداء الله، و نزوله بفضائل علي

ولي

__________________________________________________

(1) في «ط» نسخة بدل: و ملائكته.

(2) عبد اللّه بن صوريا الأعور: من بني ثعلبة بن الفيطون، و لم يكن في الحجاز أحد أعلم بالتوراة منه، و كان شديد الاحتجاج على رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله)، و نزل قوله تعالى: وَ قالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى - إلى قوله-: وَ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ سورة البقرة 2: 135- 141 عند ما قال ابن صوريا لرسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): ما الهدى إلّا ما نحن عليه، فاتّبعنا يا محمّد تهتد، و قالت النّصارى مثل ذلك. «سيرة ابن هشام 2: 161 و 198، طبقات ابن سعد 1: 180».

(3) كما في الاحتجاج للطبرسي: 43.

(4) الإخلاص 112: 1.

(5) في المصدر: يا محمّد خصلة بقيت إن.

(6) في «ط» نسخة بدل: و اتبعك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 291

الله من عند الله فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ فإن جبرئيل نزل هذا القرآن من عند الله عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ بأمره مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ من سائر كتب الله وَ هُدىً من الضلالة وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ بنبوة محمد و ولاية علي و من بعده الأئمة بأنهم أولياء الله حقا، إذا ماتوا على موالاتهم لمحمد و علي و آلهما الطيبين. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا سلمان، إن الله صدق قيلك و وثق رأيك».

ثم ذكر حديثا طويلا يؤخذ من تفسير مولانا الإمام العسكري (عليه السلام).

سورة البقرة(2): آية 99 ..... ص : 291

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَ ما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ [99]

566/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله تعالى: وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ يا محمد آياتٍ دالات على صدقك في نبوتك بَيِّناتٍ عن إمامة علي أخيك و وصيك و

صفيك، موضحات عن كفر من يشك فيك أو في أخيك، أو قابل أمر كل واحد منكما بخلاف القبول و التسليم، ثم قال: وَ ما يَكْفُرُ بِها بهذه الآيات الدالات على تفضيلك، و تفضيل علي بعدك على جميع الورى إِلَّا الْفاسِقُونَ عن دين الله و طاعته، من اليهود الكاذبين، و النواصب المتشبهين «1» بالمسلمين».

سورة البقرة(2): آية 100 ..... ص : 291

قوله تعالى:

أَ وَ كُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [100]

567/ [2]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الباقر (عليه السلام): قال الله عز و جل، و هو يوبخ هؤلاء اليهود الذين تقدم ذكر عنادهم، و هؤلاء النصاب الذين نكثوا ما أخذ من العهد عليهم، فقال: أَ وَ كُلَّما عاهَدُوا عَهْداً واثقوا و عاقدوا ليكونوا لمحمد (صلى الله عليه و آله) طائعين، و لعلي (عليه السلام) بعده مؤتمرين، و إلى أمره صائرين نَبَذَهُ نبذ العهد فَرِيقٌ مِنْهُمْ و خالفه.

قال الله: بَلْ أَكْثَرُهُمْ أكثر هؤلاء اليهود و النواصب لا يُؤْمِنُونَ أي في مستقبل أعمارهم لا يراعون «2»، و لا يتوبون مع مشاهدتهم للآيات، و معاينتهم للدلالات».

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 459/ 300. [.....]

2- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 464/ 302.

(1) في المصدر: المتسمّين.

(2) راعيت الأمر: نظرت إلى أين يصير. «الصحاح- رعى- 6: 2358».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 292

سورة البقرة(2): آية 101 ..... ص : 292

قوله تعالى:

وَ لَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ [101]

568/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الصادق (عليه السلام): وَ لَمَّا جاءَهُمْ هؤلاء اليهود، و من يليهم من النواصب رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ القرآن مشتملا على وصف فضل محمد و علي، و إيجاب ولايتهما، و ولاية أوليائهما، و عداوة أعدائهما نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كتاب اليهود التوراة، و كتب أنبياء الله (عليهم السلام) وَراءَ ظُهُورِهِمْ تركوا العمل بما فيها، و حسدوا محمدا على نبوته، و عليا على وصيته، و جحدوا «1» ما وقفوا عليه من فضائلهما كَأَنَّهُمْ لا

يَعْلَمُونَ فعلوا فعل من جحد ذلك و الرد له فعل من لا يعلم، مع علمهم بأنه حق».

سورة البقرة(2): الآيات 102 الي 103 ..... ص : 292

قوله تعالى:

وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَ يَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ [102] وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ [103]

569/ [2]- قال الإمام العسكري (عليه السلام) في (تفسيره): «قال الصادق (عليه السلام): وَ اتَّبَعُوا هؤلاء اليهود

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 471/ 304.

2- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 719/ 304.

(1) في المصدر زيادة: على.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 293

و النواصب ما تَتْلُوا ما تقرأ الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ و زعموا أن سليمان بذلك السحر و التدبير و النيرنجات «1»، نال ما ناله من الملك العظيم، فصدوهم به عن كتاب الله.

و ذلك أن اليهود الملحدين و النواصب المشاركين لهم في إلحادهم لما سمعوا من رسول الله (صلى الله عليه و آله) فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و شاهدوا منه و من علي (عليهما السلام) المعجزات التي أظهرها الله تعالى لهم على أيديهما، أفضى بعض اليهود و النصاب إلى بعض، و قالوا: ما محمد إلا طالب الدنيا بحيل و مخاريق

و سحر و نيرنجات تعلمها، و علم عليا بعضها، فهو يريد أن يتملك علينا في حياته، و يعقد الملك لعلي بعده، و ليس ما يقوله عن الله بشي ء، إنما هو قوله، فيعقد علينا و على ضعفاء عباد الله بالسحر و النيرنجات التي يستعملها.

و أوفر الناس كان حظا من هذا السحر سليمان بن داود، الذي ملك بسحره الدنيا كلها من الجن و الإنس و الشياطين، و نحن إذا تعلمنا بعض ما كان تعلمه سليمان بن داود، تمكنا من إظهار مثل ما يظهره محمد و علي، و ادعينا لأنفسنا بما يجعله محمد لعلي، و قد استغنينا عن الانقياد لعلي.

فحينئذ ذم الله تعالى الجميع من اليهود و النواصب، فقال الله عز و جل: نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ الآمر بولاية محمد و علي وَراءَ ظُهُورِهِمْ «2» فلم يعملوا به وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا كفرة الشَّياطِينُ من السحر و النيرنجات عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ الذين يزعمون أن سليمان به ملك، و نحن أيضا به نظهر العجائب حتى ينقاد لنا الناس، و نستغني عن الانقياد لعلي.

قالوا: و كان سليمان كافرا ساحرا ماهرا، بسحره ملك ما ملك، و قدر على ما قدر، فرد الله تعالى عليهم، و قال:

وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ و لا استعمل السحر، كما قال هؤلاء الكافرون وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ أي بتعليمهم الناس السحر الذي نسبوه إلى سليمان كفروا.

ثم قال عز و جل: وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ قال: كفر الشياطين بتعليمهم الناس السحر، و بتعليمهم إياهم بما أنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت، اسم الملكين.

قال الصادق (عليه السلام): و كان بعد نوح (عليه السلام) قد كثر السحرة

و المموهون، فبعث الله تعالى ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة، و ذكر ما يبطل به سحرهم، و يرد به كيدهم، فتلقاه النبي عن الملكين، و أداه إلى عباد الله بأمر الله، و أمرهم أن يقفوا به على السحر و أن يبطلوه، و نهاهم أن يسحروا به الناس، و هذا كما يدل على السم ما هو، و على ما يدفع به غائلة «3» السم، ثم يقال لمتعلم ذلك: هذا السم فمن رأيته سم فادفع غائلته بكذا، و إياك أن تقتل بالسم أحدا.

ثم قال: وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ و هو أن ذلك النبي أمر الملكين أن يظهرا للناس بصورة بشرين، و يعلماهم

__________________________________________________

(1) النّيرنج: أخذ كالسحر و ليس به، أي ليس، بحقيقته و لا كالسحر، إنّما هو تشبيه و تلبيس. «تاج العروس- نرج- 2: 105».

(2) سورة البقرة 2: 101.

(3) الغائلة: الشر، و المراد هنا: المضرّة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 294

ما علمهما الله تعالى من ذلك و يعظاهم فقال الله تعالى: وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ ذلك السحر و إبطاله حَتَّى يَقُولا للمتعلم: إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ امتحان للعباد ليطيعوا الله تعالى فيما يتعلمون من هذا، و يبطلوا به كيد السحرة، فلا يسحرونهم «1».

قوله تعالى: فَلا تَكْفُرْ باستعمال هذا السحر و طلب الإضرار به و دعاء الناس إلى أن يعتقدوا به أنك تحيي و تميت، و تفعل ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، فإن ذلك كفر.

قال الله تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ يعني طالبي السحر مِنْهُما يعني مما كتبت الشياطين على ملك سليمان من النيرنجات، و ما أنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت، فيتعلمون من هذين الصنفين ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ

هذا يتعلم للإضرار بالناس، يتعلمون التفريق بضروب من الحيل و التمائم «2»، و الإيهام أنه قد دفن كذا و عمل كذا، ęʘژ֘Ƞ«3» قلب المرأة على «4» الرجل، و قلب الرجل على «5» المرأة، و يؤدي إلى الفراق بينهما.

ثم قال الله عز و جل: وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي ما المتعلمون لذلك بضاљʙƠبه من أحد إلا بإذن الله، بتخلية «6» الله و علمه، فإنه لو شاء لمنعهم بالجبر و القهر.

ثم قال: وَ يَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ لأنهم إذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به و يضروا، فقد تعلموا ما يضرهم في دينهم و لا ينفعهم فيه، بل ينسلخون عن دين الله بذلك وَ لَقَدْ عَلِمُوا هؤلاء المتعلمون لَمَنِ اشْتَراهُ بدينه الذي ينسلخ عنه بتعلمه ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ نصيب «7» في ثواب الجنة.

وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ رهنوها بالعذاب لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أي لو كانوا يعلمون أنهم قد باعوا الآخرة، و تركوا نصيبهم من الجنة، لأن المتعلمين لهذا السحر هم الذين يعتقدون أن لا رسول، و لا إله، و لا بعث، و لا نشور.

فقال: وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ لأنهم يعتقدون أن لا آخرة، و هم يعتقدون أنها إذا لم تكن آخرة فلا خلاق لهم في دار بعد الدنيا، و إن كانت آخرة فهم مع كفرهم بها لا خلاق لهم فيها.

ثم قال: وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ باعوا به أنفسهم، إذ «8» باعوا الآخرة بالدنيا، و رهنوا بالعذاب «9» أنفسهم لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أنهم قد باعوا أنفسهم بالعذاب، و لكن لا يعلمون ذلك لكفرهم به، لما تركوا «10»

__________________________________________________

(1) في

المصدر: كيد الساحر و لا يسحروا لهم، و في «ط» نسخة بدل: كيد السحر و لا يسحروا لهم.

(2) التمائم: جمع تميمة، و هي عوذة تعلّق على الإنسان. «الصحاح- تمم- 5: 1878».

(3) في المصدر: ليجلب.

(4، 5) في المصدر: عن.

(6) التخلية: الترك. «مجمع البحرين- خلا- 1: 129». [.....]

(7) في المصدر: من نصيب.

(8) في المصدر: أنفسهم بالعذاب إذا.

(9) في المصدر زيادة: الدائم.

(10) في «ط» نسخة بدل: و قلما تركوا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 295

النظر في حجج الله تعالى حتى يعلموا، عذبهم على اعتقادهم الباطل، و جحدهم الحق».

قال أبو يعقوب و أبو الحسن: قلنا للحسن أبي القائم (عليهم السلام): فإن عندنا قوما يزعمون أن هاروت و ماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم، و أنزلهما الله تعالى مع ثالث لهما إلى الدنيا، و أنهما افتتنا بالزهرة، و أرادا الزنا بها، و شربا الخمر، و قتلا النفس المحرمة، و أن الله يعذبهما ببابل، و أن السحرة منهما يتعلمون السحر، و أن الله تعالى مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزهرة.

فقال الإمام (عليه السلام): «معاذ الله من ذلك، إن الملائكة معصومون من الخطأ محفوظون من الكفر و القبائح بألطاف الله تعالى، فقال الله عز و جل فيهم: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ «1» و قال: وَ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَنْ عِنْدَهُ يعني الملائكة لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ «2».

و قال في الملائكة: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ «3»».

ثم

قال (عليه السلام): لو كان كما يقولون كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاء «4» على الأرض، فكانوا كالأنبياء في الدنيا أو كالأئمة «5»، أ فيكون من الأنبياء و الأئمة قتل النفس و فعل الزنا؟!».

ثم قال: «أ و لست تعلم أن الله تعالى لم يخل الدنيا قط من نبي أو إمام من البشر؟ أو ليس الله تعالى يقول:

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ يعني إلى الخلق إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى «6» فأخبر الله أنه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمة و حكاما، و إنما أرسلوا إلى أنبياء الله».

قالا: قلنا له (عليه السلام): فعلى هذا لم يكن إبليس أيضا ملكا؟

فقال: «لا، بل كان من الجن، أما تسمعان أن الله تعالى يقول: وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ «7» فأخبر أنه كان من الجن، و هو الذي قال الله تعالى: وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ «8»».

ثم قال الإمام (عليه السلام): «حدثني أبي، عن جدي، عن الرضا (عليهم السلام)، عن آبائه (صلوات الله عليهم)، عن

__________________________________________________

(1) التحريم 66: 6.

(2) الأنبياء 21: 19 و 20.

(3) الأنبياء 21: 26- 28.

(4) في المصدر: خلفاءه.

(5) في المصدر: و كالأئمّة.

(6) يوسف 12: 109.

(7) الكهف 18: 50.

(8) الحجر 15: 27.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 296

علي (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه و آله): أن الله اختارنا معاشر آل محمد، و اختار النبيين، و اختار الملائكة المقربين، و ما اختارهم إلا على علم منه بهم أنهم لا يواقعون ما يخرجون به عن ولايته، و ينقطعون به عن عصمته، و ينضمون به إلى المستحقين لعذابه و نقمته».

قالا: فقلنا: لقد روي لنا أن

عليا (عليه السلام) لما نص عليه رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالولاية و الإمامة عرض الله في السماوات ولايته على فئام «1» و فئام و فئام من الملائكة، فأبوها فمسخهم الله تعالى ضفادع.

فقال: «معاذ الله، هؤلاء المكذبون علينا، الملائكة هم رسل الله، فهم كسائر أنبياء الله إلى الخلق، أ فيكون منهم الكفر بالله؟» قلنا: لا. قال: «فكذلك الملائكة، إن شأن الملائكة عظيم، و إن خطبهم جليل».

570/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (رضي الله عنه)، قال: حدثني أبي، عن أحمد ابن علي الأنصاري، عن علي بن محمد بن الجهم، قال: سمعت المأمون يسأل الرضا علي بن موسى (عليه السلام) عما يرويه الناس من أمر الزهرة، و أنها كانت امرأة فتن بها هاروت و ماروت، و ما يروونه من أمر سهيل، و أنه كان عشارا «2» باليمن.

فقال الرضا (عليه السلام): «كذبوا في قولهم: إنهما كوكبان، و إنما كانتا دابتين من دواب البحر، و غلط الناس [و ظنوا] أنهما كوكبان، و ما كان الله تعالى ليمسخ أعداءه أنوارا مضيئة، ثم يبقيهما ما بقيت السماء و الأرض، و إن المسوخ لم تبق أكثر من ثلاثة أيام حتى تموت، و ما تناسل منها شي ء، و ما على وجه الأرض اليوم مسخ، و إن التي وقع عليها اسم المسوخية مثل القرة و الخنزير و الدب و أشباهها، إنما هي مثل ما مسخ الله على صورها قوما غضب الله عليهم و لعنهم بإنكارهم توحيد الله، و تكذيبهم رسله.

و أما هاروت و ماروت، فكانا ملكين علما الناس السحر، ليحترزوا به من سحر السحرة، و يبطلوا به كيدهم، و ما علما أحدا من ذلك شيئا

إلا قالا له: إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز منه، و جعلوا يفرقون بما تعلموه بين المرء و زوجه، قال الله تعالى: وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعني بعلمه».

571/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن سليمان بن داود (عليهما السلام) أمر الجن أن يبنوا «3» له بيتا من قوارير- قال-: فبينا هو متكئ على عصاه ينظر إلى الشياطين كيف يعملون، و ينظرون إليه إذ حانت منه التفاتة، فإذا هو برجل معه في القبة ففزع منه، و قال: من أنت؟ قال: أنا الذي لا أقبل الرشا، و لا أهاب الملوك، أنا ملك الموت، فقبضه و هو متكئ على

__________________________________________________

2- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 271/ 2.

3- تفسير القمّي 1: 54. [.....]

(1) الفئام: الجماعة الكثيرة. «مجمع البحرين- فأم- 6: 130».

(2) العشّار: قابض العشر. «لسان العرب- عشر- 4: 570».

(3) في المصدر: الجنّ و الإنس فبنوا له.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 297

عصاه.

فمكثوا سنة يبنون و ينظرون إليه، و يدانون له، و يعملون حتى بعث الله الأرضة، فأكلت منسأته- و هي العصا- فلما خر تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب، ما لبثوا سنة في العذاب المهين، فالجن تشكر الأرضة بما عملت بعصا سليمان، فلا تكاد تراها في مكان إلا وجد عندها ماء و طين.

فلما هلك سليمان وضع إبليس السحر و كتبه في كتاب، ثم طواه و كتب على ظهره: هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم، و من أراد كذا و

كذا فليفعل «1» كذا و كذا، ثم دفنه تحت السرير، ثم استثاره لهم فقرأه فقال الكافرون: ما كان سليمان يغلبنا إلا بهذا، و قال المؤمنون: بل هو عبد الله و نبيه، فقال الله جل ذكره: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ- إلى قوله-: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ».

العياشي: عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، و ذكر الحديث بعينه «2».

سورة البقرة(2): آية 104 ..... ص : 297

قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَ قُولُوا انْظُرْنا وَ اسْمَعُوا وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ [104]

572/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال موسى بن جعفر (عليهما السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما قدم المدينة كثر حوله المهاجرون و الأنصار، و كثرت عليه المسائل، و كانوا يخاطبونه بالخطاب الشريف العظيم الذي يليق به، و ذلك أن الله تعالى كان قال لهم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ «3».

و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) بهم رحيما، و عليهم عطوفا، و في إزالة الآثام عنهم مجتهدا، حتى أنه كان ينظر إلى كل من كان يخاطبه فيعمد «4» على أن يكون صوته (صلى الله عليه و آله) مرتفعا على صوته، ليزيل عنه ما توعده الله به من إحباط أعماله، حتى أن رجلا أعرابيا ناداه يوما و هو خلف حائط بصوت له جهوري: يا

محمد، فأجابه بأرفع من

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 477/ 305.

(1) في «ط» نسخة بدل: فليعمل.

(2) تفسير العيّاشي 1: 52/ 74.

(3) الحجرات 49: 2.

(4) في المصدر: فيعمل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 298

صوته، يريد أن لا يأثم الأعرابي بارتفاع صوته.

فقال له الأعرابي: أخبرني عن التوبة إلى متى تقبل؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا أخا العرب، إن بابها مفتوح لابن آدم، لا ينسد حتى تطلع الشمس من مغربها و ذلك قوله عز و جل: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ و هو طلوع الشمس من مغربها لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً «1».

و قال موسى بن جعفر (عليهما السلام): و كانت هذه اللفظة راعِنا من ألفاظ المسلمين الذين يخاطبون بها رسول الله (صلى الله عليه و آله)، يقولون: راعنا، أي ارع أحوالنا، و اسمع منا كما نسمع منك، و كان في لغة اليهود معناها:

اسمع، لا سمعت.

فلما سمع اليهود المسلمين يخاطبون بها رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقولون: راعنا، و يخاطبون بها، قالوا «2»:

كنا نشتم محمدا إلى الآن سرا، فتعالوا الآن نشتمه جهرا، و كانوا يخاطبون رسول الله (صلى الله عليه و آله) و يقولون: راعنا، يريدون شتمه.

ففطن لهم سعد بن معاذ الأنصاري «3»، فقال: يا أعداء الله، عليكم لعنة الله، أراكم تريدون سب رسول الله (صلى الله عليه و آله)، توهمونا أنكم تجرون في مخاطبته مجرانا، و الله، لا أسمعها من أحد منكم إلا ضربت عنقه، و لولا أني أكره أن أقدم عليكم قبل التقدم و الاستئذان له

و لأخيه و وصيه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، القيم بأمور الأمة نائبا عنه فيها، لضربت عنق من قد سمعته منكم يقول هذا.

فأنزل الله: يا محمد مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَ يَقُولُونَ سَمِعْنا وَ عَصَيْنا وَ اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَ راعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَ طَعْناً فِي الدِّينِ وَ لَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا وَ اسْمَعْ وَ انْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَقْوَمَ وَ لكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا «4».

و أنزل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا فإنها لفظة يتوصل بها أعداؤكم من اليهود إلى سب رسول الله (صلى الله عليه و آله) و سبكم وَ قُولُوا انْظُرْنا أي قولوا بهذه اللفظة، لا بلفظة راعنا، فإنه ليس فيها ما في قولكم:

__________________________________________________

(1) الأنعام 6: 158.

(2) في المصدر زيادة: إنّا.

(3) سعد بن معاذ بن النّعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج. أسلم بالمدينة بين العقبة الأولى و الثانية على يدي مصعب بن عمير، و شهد بدرا و أحدا و الخندق، و رمي يوم الخندق بسهم فعاش بعد ذلك شهرا ثمّ مات على أثر الجرح، و الذي رماه بالسهم حبان بن العرقة، و قال: خذها و أنا ابن العرقة.

فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): «عرق اللّه وجهه في النّار». تهذيب الكمال 10: 300، سير أعلام النبلاء 1: 279.

(4) النّساء 4: 46.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 299

راعنا، و لا يمكنهم أن يتوصلوا بها إلى الشتم، كما يمكنهم بقولكم «1»: راعنا. وَ اسْمَعُوا إذا قال لكم رسول الله (صلى الله عليه و آله) قولا، و أطيعوا.

وَ لِلْكافِرِينَ يعني اليهود الشاتمين لرسول

الله (صلى الله عليه و آله) عَذابٌ أَلِيمٌ وجيع في الدنيا إن عادوا لشتمهم، و في الآخرة بالخلود في النار».

سورة البقرة(2): آية 105 ..... ص : 299

قوله تعالى:

ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ اللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [105]

573/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال علي بن موسى الرضا (عليه السلام): إن الله تعالى ذم اليهود [و النصارى ] و المشركين و النواصب فقال: ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ اليهود و النصارى وَ لَا الْمُشْرِكِينَ و لا من المشركين الذين هم نواصب، يغتاظون لذكر الله و ذكر محمد و فضائل علي (عليهما السلام)، و إبانته عن شريف فضله و محله أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ لا يودون أن ينزل عليكم مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ من الآيات الزائدات في شرف محمد و علي و آلهما الطيبين (عليهم السلام)، و لا يودون أن ينزل دليل معجز من السماء يبين عن محمد و علي و آلهما.

فهم لأجل ذلك يمنعون أهل دينهم من أن يحاجوك، مخافة أن تبهرهم حجتك، و تفحمهم معجزتك، فيؤمن بك عوامهم، أو يضطربون على رؤسائهم، فلذلك يصدون من يريد لقاءك- يا محمد- ليعرف أمرك، بأنه لطيف خلاق ساحر اللسان، لا تراه و لا يراك خير لك، و أسلم لدينك و دنياك، فهم بمثل هذا يصدون العوام عنك.

ثم قال الله عز و جل: وَ اللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ و توفيقه لدين الإسلام، و موالاة محمد و علي (عليهما السلام) مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ على من يوفقه لدينه، و يهديه لموالاتك و موالاة علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

قال: «فلما قرعهم «2» بهذا رسول

الله (صلى الله عليه و آله)، حضره منهم جماعة فعاندوه، و قالوا: يا محمد، إنك تدعي على قلوبنا خلاف ما فيها، ما نكره أن تنزل عليك حجة تلزم الانقياد لها فننقاد.

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 488/ 310.

(1) في المصدر: بقولهم. [.....]

(2) قرّعت الرجل: إذا و تخته و عذلته. «لسان العرب- قرع- 8: 266».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 300

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لئن عاندتم ها هنا محمدا، فستعاندون رب العالمين إذا «1» أنطق صحائفكم بأعمالكم، و تقولون: ظلمتنا الحفظة، فكتبوا علينا ما لم نفعل، فعند ذلك يستشهد جوارحكم، فتشهد عليكم.

فقالوا: لا تبعد شاهدك، فإنه فعل الكذابين، بيننا و بين القيامة بعد، أرنا في أنفسنا ما تدعي لنعلم صدقك، و لن تفعله لأنك من الكذابين.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام): استشهد جوارحهم. فاستشهدها علي (عليه السلام) فشهدت كلها عليهم أنهم لا يودون أن ينزل على أمة محمد، على لسان محمد خير من عند ربكم آية بينة، و حجة معجزة لنبوته، و إمامة أخيه علي (عليه السلام)، مخافة أن تبهرهم حجته، و يؤمن به عوامهم، و يضطرب عليهم كثير منهم.

فقالوا: يا محمد، لسنا نسمع هذه الشهادة التي تدعي أن جوارحنا تشهد بها.

فقال: يا علي، هؤلاء من الذين قال الله: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَ لَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ «2» ادع عليهم بالهلاك، فدعا عليهم علي (عليه السلام) بالهلاك، فكل جارحة نطقت بالشهادة على صاحبها انفتقت «3» حتى مات مكانه.

فقال قوم آخرون حضروا من اليهود: ما أقساك- يا محمد- قتلتهم أجمعين! فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما كنت لألين

على من اشتد عليه غضب الله تعالى، أما إنهم لو سألوا الله تعالى بمحمد و علي و آلهما الطيبين أن يمهلهم و يقيلهم لفعل بهم، كما كان فعل بمن كان من قبل من عبدة العجل لما سألوا الله بمحمد و علي و آلهما الطيبين، و قال الله لهم على لسان موسى: لو كان دعا بذلك على من قد قتل لأعفاه الله من القتل كرامة لمحمد و علي و آلهما الطيبين».

574/ [2]- الحسن بن أبي الحسن الديلمي: عمن رواه، بإسناده عن أبي صالح، عن حماد بن عثمان، عن أبي الحسن الرضا، عن أبيه موسى، عن أبيه جعفر (صلوات الله عليهم أجمعين)، في قوله تعالى: يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ.

قال: «المختصون «4» بالرحمة نبي الله و وصيه و عترتهما، إن الله تعالى خلق مائة رحمة، فتسع و تسعون رحمة عنده مذخورة لمحمد و علي و عترتهما، و رحمة واحدة مبسوطة على سائر الموجودين».

سورة البقرة(2): الآيات 106 الي 107 ..... ص : 300

قوله تعالى:

ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ [106]

__________________________________________________

2- تأويل الآيات 1: 77/ 55.

(1) في المصدر: إذ.

(2) يونس 10: 96 و 97.

(3) في المصدر: انفتّت.

(4) في المصدر: المختص.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 301

أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ [107]

575/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال محمد بن علي بن موسى الرضا (عليه السلام): ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أي «1» نرفع حكمها أَوْ نُنْسِها بأن نرفع رسمها، و نزيل عن القلوب حفظها، و عن قلبك- يا محمد- كما قال الله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما

شاءَ اللَّهُ «2» أن ينسيك، فرفع ذكره عن قلبك نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها يعني بخير لكم «3»، فهذه الثانية أعظم لثوابكم، و أجل لصلاحكم من الآية الأولى المنسوخة أَوْ مِثْلِها من مثلها في الصلاح لكم، أي إنا لا ننسخ و لا نبدل إلا و غرضنا في ذلك مصالحكم.

ثم قال: يا محمد أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ فإنه قدير يقدر على النسخ و غيره أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و هو العالم بتدبيرها و مصالحها، و هو يدبركم بعلمه وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يلي صلاحكم إذ كان العالم بالمصالح هو الله عز و جل دون غيره وَ لا نَصِيرٍ و ما لكم من ناصر ينصركم من مكروه إن أراد الله إنزاله بكم، أو عقاب إن أراد إحلاله بكم.

و قال محمد بن علي الباقر (عليهما السلام): و ربما قدر الله عليه النسخ و التنزيل «4» لمصالحكم و منافعكم، لتؤمنوا بها، و يتوفر عليكم الثواب بالتصديق بها، فهو يفعل من ذلك ما فيه صلاحكم و الخيرة لكم.

ثم قال: أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فهو يملكهما «5» بقدرته، و يصلحهما «6» بحسب «7» مشيئته، لا مقدم لما أخر، و لا مؤخر لما قدم.

ثم قال الله تعالى: وَ ما لَكُمْ يا معشر اليهود، و المكذبين بمحمد (صلى الله عليه و آله)، و الجاحدين لنسخ الشرائع مِنْ دُونِ اللَّهِ سوى الله تعالى مِنْ وَلِيٍّ يلي مصالحكم، إن لم يدلكم ربكم للمصالح «8» وَ لا نَصِيرٍ ينصركم من دون الله، فيدفع عنكم عذابه».

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 491/ 311.

(1) في المصدر: بأن.

(2)

الأعلى 87: 6 و 7.

(3) في «س»: عملك، و في «ط»: عملكم.

(4) في المصدر: و التبديل.

(5) في المصدر: يملكها.

(6) في المصدر: و يصرفها.

(7) في «ط» نسخة بدل: تحت. [.....]

(8) في المصدر: يل لكم ربكم المصالح.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 302

576/ [2]- العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها.

قال: «الناسخ ما حول، و ما ينساها مثل الغيب الذي لم يكن بعد، كقوله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ «1»». قال: «فيفعل الله ما يشاء و يحول ما يشاء، مثل قوم يونس إذ بدا له فرحمهم، و مثل قوله:

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ «2»- قال-: أدركهم برحمته «3»».

577/ [3]- عن عمر بن يزيد، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، عن قول الله: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها؟ فقال: «كذبوا ما هكذا هي، إذا كان «4» ينسخها و يأتي بمثلها لم ينسخها».

قلت: هكذا قال الله! قال: «ليس هكذا قال تبارك و تعالى».

قلت: فكيف؟ قال: «ليس فيها ألف و لا واو، قال: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها مثلها)، يقول: ما نميت من إمام أو ننس ذكره نأت بخير منه من صلبه مثله».

578/ [4]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن يونس، عن عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «الرجم في القرآن في قوله تعالى: الشيخ و الشيخة إذا زنيا «5» فارجموهما البتة «6» فإنهما قضيا الشهوة».

سورة البقرة(2): آية 108 ..... ص : 302

قوله تعالى:

أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ

سَواءَ السَّبِيلِ [108]

579/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا (عليهم السلام):

__________________________________________________

2 تفسير العياشي 1: 55/ 77.

3- تفسير العياشي 1: 56/ 78.

4- التهذيب 10: 3/ 7.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): 496/ 313.

(1) الرعد 13: 39.

(2) الذاريات 51: 54.

(3) في المصدر: أدركتم رحمته.

(4) في المصدر زيادة: ينسى و.

(5) في المصدر: إذا زنى الشيخ و الشيوخ.

(6) يقال: لا أفعله البتة: لكل أمر لا رجعة فيه. «الصحاح- بتت- 1: 242».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 303

أَمْ تُرِيدُونَ بل تريدون، يا كفار قريش و اليهود أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ ما تقترحونه من الآيات التي لا تعلمون هل فيها صلاحكم أو فسادكم كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ و اقترح عليه، لما قيل له: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ «1».

وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ بعد جواب الرسول له: أن ما سأله لا يصلح اقتراحه على الله، أو بعد ما يظهر الله تعالى له ما اقترح، إن كان صوابا «2».

وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ بأن لا يؤمن عند مشاهدة ما يقترح من الآيات، أو لا يؤمن إذا عرف أنه ليس له أن يقترح، و أنه يجب أن يكتفي بما قد أقامه الله تعالى من الدلالات، و أوضحه من الآيات البينات، فيتبدل الكفر بالإيمان بأن يعاند و لا يلتزم الحجة القائمة عليه فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ أخطأ قصد الطريق المؤدية إلى الجنان، و أخذ في الطريق المؤدية إلى النيران».

قال (عليه السلام): «قال الله عز و جل لليهود: يا أيها اليهود أَمْ تُرِيدُونَ بل تريدون من بعد ما آتيناكم أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ و ذلك أن النبي (صلى الله عليه و

آله) قصده عشرة من اليهود يريدون أن يتعنتوه «3»، و يسألوه عن أشياء يريدون أن يعانتوه «4» بها، فبينا هم كذلك إذ جاء أعرابي كأنه «5» يدفع في قفاه، قد علق على عصا- على عاتقه- جرابا مشدود الرأس، فيه شي ء قد ملأه، لا يدرون ما هو، فقال: يا محمد، أجبني عما أسألك.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا أخا العرب، قد سبقك اليهود ليسألوا، أ فتأذن لهم حتى أبدأ بهم؟ فقال الأعرابي: لا، فإني غريب مجتاز.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): فأنت إذن أحق منهم لغربتك و اجتيازك. فقال الأعرابي: و لفظة أخرى.

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما هي؟ قال: إن هؤلاء أهل كتاب، يدعونه بزعمهم «6» حقا، و لست آمن أن تقول شيئا يواطئونك عليه و يصدقونك، ليفتن الناس عن دينهم، و أنا لا أقنع بمثل هذا، لا أقنع إلا بأمر بين.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أين علي بن أبي طالب؟ فدعي بعلي فجاء حتى قرب من رسول الله (صلى الله عليه و آله). فقال الأعرابي: يا محمد، و ما تصنع بهذا في محاورتي إياك؟

قال: يا أعرابي، سألت البيان، و هذا البيان الشافي، و صاحب العلم الكافي، أنا مدينة الحكمة و هذا بابها، فمن أراد الحكمة و العلم فليأت الباب.

فلما مثل بين يدي رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) بأعلى صوته: يا عباد الله، من أراد أن

__________________________________________________

(1) البقرة 2: 55.

(2) (بعد جواب الرسول ... صوابا) ليس في «س».

(3) تعنّته: سأله عن شي ء أراد به اللبس عليه و المشقّة. «لسان العرب- عنت- 2: 61». [.....]

(4) في

المصدر: يتعانتوه.

(5) في المصدر: كأنّما.

(6) في المصدر: و يزعمونه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 304

ينظر إلى آدم في جلالته، و إلى شيث في حكمته، و إلى إدريس في نباهته و مهابته، و إلى نوح في شكره لربه و عبادته، و إلى إبراهيم في وفائه و خلته، و إلى موسى في بغض كل عدو لله و منابذته، و إلى عيسى في حب كل مؤمن و حسن معاشرته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب هذا.

فأما المؤمنون فازدادوا بذلك إيمانا، و أما المنافقون فازداد نفاقهم، فقال الأعرابي: يا محمد، هكذا مدحك لابن عمك، إن شرفه شرفك، و عزه عزك، و لست أقبل من هذا شيئا إلا بشهادة من لا تحتمل شهادته بطلانا و لا فسادا، بشهادة هذا الضب.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا أخا العرب، فأخرجه من جرابك لتستشهده، فيشهد لي بالنبوة، و لأخي هذا بالفضيلة. فقال الأعرابي: لقد تعبت في اصطياده، و أنا خائف أن يطفر «1» و يهرب.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا تخف، فإنه لا يطفر، بل يقف و يشهد لنا بتصديقنا و تفضيلنا. فقال الأعرابي:

إني أخاف أن يطفر.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): فإن طفر فقد كفاك به تكذيبا لنا، و احتجاجا علينا، و لن يطفر، و لكنه سيشهد لنا بشهادة الحق، فإذا فعل ذلك فخل سبيله فإن محمدا يعوضك عنه ما هو خير لك منه.

فأخرجه الأعرابي من الجراب، و وضعه على الأرض، فوقف و استقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و مرغ خديه في التراب، ثم رفع رأسه، و أنطقه الله تعالى، فقال: أشهد أن إله إلا الله، وحده لا شريك له، و

أشهد أن محمدا عبده و رسوله و صفيه و سيد المرسلين، و أفضل الخلق أجمعين، و خاتم النبيين، و قائد الغر المحجلين، و أشهد أن أخاك علي بن أبي طالب على الوصف الذي وصفته، و بالفضل الذي ذكرته، و أن أولياءه في الجنان مكرمون «2»، و أن أعداءه في النار خالدون «3».

فقال الأعرابي و هو يبكي: يا رسول الله، و أنا أشهد بما شهد به هذا الضب، فقد رأيت و شاهدت و سمعت ما ليس لي عنه معدل و لا محيص.

ثم أقبل الأعرابي إلى اليهود، فقال: ويلكم، أي آية بعد هذه تريدون؟! و معجزة بعد هذه تقترحون؟! ليس إلا أن تؤمنوا أو تهلكوا أجمعين، فآمن أولئك اليهود كلهم، و قالوا: عظمت بركة ضبك علينا، يا أخا العرب.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا أخا العرب، خل الضب على أن يعوضك الله عز و جل عنه ما هو خير منه، فإنه ضب مؤمن بالله و برسوله، و بأخي رسوله، شاهد بالحق، ما ينبغي أن يكون مصيدا و لا أسيرا، لكنه يكون مخلى سربه «4» [تكون له مزية] على سائر الضباب، بما فضله الله أميرا.

فناداه الضب: يا رسول الله، فخلني و ولني تعويضه لأعوضه. فقال الأعرابي: و ما عساك تعوضني؟

__________________________________________________

(1) طفر: وثب في ارتفاع. «لسان العرب- طفر- 4: 502».

(2) في المصدر: يكرمون.

(3) في المصدر، و «ط» نسخة بدل: يهانون.

(4) السّرب: الطريق. «لسان العرب- سرب- 1: 464».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 305

قال: تذهب إلى الجحر الذي أخذتني منه ففيه عشرة آلاف دينار خسروانية، و ثمانمائة «1» ألف درهم، فخذها.

فقال الأعرابي: كيف أصنع؟ قد سمع هذا من الضب جماعات الحاضرين هاهنا، و أنا تعب، فإن

من «2» هو مستريح يذهب إلى هناك فيأخذه.

فقال الضب: يا أخا العرب، إن الله قد جعله لك عوضا مني، فما كان ليترك أحدا يسبقك إليه، و لا يروم أحد أخذه إلا أهلكه الله.

و كان الأعرابي تعبا فمشى قليلا، و سبقه إلى الجحر جماعة من المنافقين كانوا بحضرة رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فأدخلوا أيديهم إلى الجحر ليتناولوا منه ما سمعوا فخرجت عليهم أفعى عظيمة، فلسعتهم و قتلتهم، و وقفت حتى حضر الأعرابي، فنادته: يا أخا العرب، انظر إلى هؤلاء، كيف أمرني الله بقتلهم دون مالك، الذي هو عوض ضبك، و جعلني حافظته، فتناوله.

فاستخرج الأعرابي الدراهم و الدنانير، فلم يطق احتمالها، فنادته الأفعى: خذ الحبل الذي في وسطك، و شده بالكيسين، ثم شد الحبل في ذنبي فإني سأجره لك إلى منزلك، و أنا فيه خادمك «3» و حارسة مالك «4»، فجاءت الأفعى، فما زالت تحرسه و المال إلى أن فرقه الأعرابي في ضياع و عقار و بساتين اشتراها، ثم انصرفت الأفعى»

سورة البقرة(2): آية 109 ..... ص : 305

قوله تعالى:

وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ [109]

580/ [1]- قال الإمام الحسن بن علي العسكري أبو القائم (عليهما السلام)، في قوله تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً. «بما يوردونه عليكم من الشبهة حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ لكم،

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 515/ 315.

(1) في المصدر: و ثلاثمائة.

(2) في المصدر: متعب فلن آمن ممّن.

(3) في المصدر، و في «ط» نسخة بدل: حارسك.

(4) في المصدر زيادة: هذا.

البرهان في

تفسير القرآن، ج 1، ص: 306

بأن أكرمكم بمحمد و علي و آلهما الطيبين مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ المعجزات «1» الدالات على صدق محمد (صلى الله عليه و آله)، و فضل علي (عليه السلام) و آلهما «2».

فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا عن جهلهم و قابلوهم بحجج الله، و ادفعوا بها باطلهم حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ فيهم بالقتل يوم فتح مكة، فحينئذ تحولونهم عن بلد مكة و عن «3» جزيرة العرب، و لا تقرون بها كافرا.

إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ و لقدرته على الأشياء، قدر ما هو أصلح لكم في تعبده إياكم من مداراتهم و مقابلتهم بالجدال بالتي هي أحسن».

سورة البقرة(2): آية 110 ..... ص : 306

قوله تعالى:

وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [110]

581/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «أَقِيمُوا الصَّلاةَ بإتمام وضوئها و تكبيراتها و قيامها و قراءتها و ركوعها و سجودها و حدودها وَ آتُوا الزَّكاةَ مستحقيها، لا تؤتوها كافرا و لا منافقا «4»، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): المتصدق على أعدائنا كالسارق في حرم الله.

وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ من مال تنفقونه في طاعة الله، فإن لم يكن لكم مال، فمن جاهكم تبذلونه لإخوانكم المؤمنين، تجرون به إليهم المنافع، و تدفعون به عنهم المضار تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ ينفعكم الله تعالى بجاه محمد و علي و آلهما الطيبين يوم القيامة، فيحط به عن سيئاتكم، و يضاعف به حسناتكم، و يرفع به درجاتكم.

إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ عالم ليس يخفى عليه ظاهر بطن، و لا باطن ظهر «5»، فهو يجازيكم على حسب اعتقاداتكم و نياتكم، و ليس هو كملوك الدنيا الذين يلبس «6»

على بعضهم، فينسب فعل بعض «7» إلى غير

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 520/ 318.

(1) في المصدر: بالمعجزات. [.....]

(2) في المصدر زيادة: الطّيبين من بعده.

(3) في المصدر: فحينئذ تجلونهم من بلد مكّة و من.

(4) في المصدر: و لا مناصبا.

(5) في المصدر: يخفى عليه شي ء، ظاهر فعل، و لا باطن ضمير.

(6) في المصدر: يلتبس.

(7) في المصدر: بعضهم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 307

فاعله، و جناية بعض «1» إلى غير جانيه، فيقع ثوابه و عقابه- بجهله بما لبس عليه- بغير مستحقه.

و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): مفتاح الصلاة الطهور، و تحريمها التكبير، و تحليلها التسليم، و لا يقبل الله الصلاة بغير طهور، و لا صدقة من غلول «2»، و إن أعظم طهور الصلاة الذي لا تقبل الصلاة إلا به، و لا شي ء من الطاعات مع فقده، موالاة محمد، و أنه سيد المرسلين و موالاة علي، و أنه سيد الوصيين، و موالاة أوليائهما، و معاداة أعدائهما».

سورة البقرة(2): الآيات 111 الي 112 ..... ص : 307

قوله تعالى:

وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [111] بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ [112]

582/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): وَ قالُوا يعني اليهود و النصارى، قالت اليهود: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً، و قوله: أَوْ نَصارى يعني و قالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): و قد قال غيرهم، قالت الدهرية: الأشياء لا بدء لها، و هي دائمة، و من خالفنا في هذا فهو ضال

مخطئ مضل. و قالت الثنوية: النور و الظلمة هما المدبران، و من خالفنا في هذا فقد ضل. و قال مشركو العرب: إن أوثاننا آلهة، من خالفنا في هذا ضل. فقال الله تعالى: تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ التي يتمنونها قُلْ لهم: هاتُوا بُرْهانَكُمْ على مقالتكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

و قال الصادق (عليه السلام)، و قد ذكر عنده الجدال في الدين، و أن رسول الله و الأئمة (صلوات الله عليهم) قد نهوا عنه، فقال الصادق (عليه السلام): لم ينه عنه مطلقا، لكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن، أما تسمعون الله عز و جل يقول: وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ «3» و قوله تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ «4».

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 526/ 321 و 322 و: 543/ 324.

(1) في المصدر: بعضهم.

(2) الغلول: الخيانة، و كلّ من خان في شي ء خفية فقد غلّ. «النهاية- غلل- 3: 380».

(3) العنكبوت 29: 46.

(4) النّحل 16: 125.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 308

فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين، و الجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه الله تعالى على شيعتنا، و كيف يحرم الله الجدال جملة، و هو يقول: وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى و قال الله تعالى: تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ؟ فجعل الله علم الصدق و الإيمان بالبرهان، [و هل يؤتى بالبرهان ] إلا في الجدال بالتي هي أحسن.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لأصحابه: قولوا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ «1» أي نعبد واحدا، لا نقول كما قالت الدهرية:

إن الأشياء لا بدء لها و

هي دائمة، و لا كما قالت الثنوية الذين قالوا: إن النور و الظلمة هما المدبران، و لا كما قال مشركو العرب: إن أوثاننا آلهة، فلا نشرك بك شيئا، و لا ندعو من دونك إلها، كما يقول هؤلاء الكفار، و لا نقول كما قالت اليهود و النصارى: إن لك ولدا، تعاليت عن ذلك [علوا كبيرا]».

قال: «فذلك قوله: وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى و قال غيرهم من هؤلاء الكفار ما قالوا، قال الله تعالى: يا محمد تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ التي يتمنونها بلا حجة قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ حجتكم على دعواكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ كما أتى محمد ببراهينه التي سمعتموها.

ثم قال: بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ يعني كما فعل هؤلاء الذين آمنوا برسول الله (صلى الله عليه و آله) لما سمعوا براهينه و حججه وَ هُوَ مُحْسِنٌ في عمله لله فَلَهُ أَجْرُهُ ثوابه عِنْدَ رَبِّهِ يوم فصل القضاء وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ حين يخاف الكافرون مما يشاهدونه من العذاب «2» وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ عند الموت، لأن البشارة بالجنان تأتيهم».

و سيأتي- إن شاء الله تعالى- معنى الجدال بالتي هي أحسن في تفسير قوله تعالى: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ من سورة النحل عن الصادق (عليه السلام) «3» و الحديث طويل مذكور في تفسير العسكري (عليه السلام)، في تفسير قوله تعالى: وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى اختصرناه مخافة الإطالة.

سورة البقرة(2): آية 113 ..... ص : 308

قوله تعالى:

وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْ ءٍ وَ قالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْ ءٍ وَ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [113]

__________________________________________________

(1) الفاتحة 1: 5.

(2) في

المصدر: العقاب.

(3) يأتي في الحديث (3) من تفسير الآية (125) من سورة النحل. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 309

583/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل: وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْ ءٍ من الدين، بل دينهم باطل و كفر وَ قالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْ ءٍ من الدين، بل دينهم باطل و كفر وَ هُمْ اليهود يَتْلُونَ الْكِتابَ التوراة».

فقال: «هؤلاء و هؤلاء مقلدون بلا حجة، و هم يتلون الكتاب فلا يتأملونه، ليعملوا بما يوجبه فيتخلصوا من الضلالة، ثم قال: كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ الحق، و لم ينظروا فيه من حيث أمرهم الله، فقال بعضهم لبعض و هم مختلفون، كقول اليهود و النصارى بعضهم لبعض، هؤلاء يكفر هؤلاء، و هؤلاء يكفر هؤلاء.

ثم قال الله تعالى: فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ في الدنيا يبين ضلالتهم و فسقهم، و يجازي كل واحد منهم بقدر استحقاقه.

و قال الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام): إنما أنزلت الآية لأن قوما من اليهود، و قوما من النصارى جاءوا إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقالوا: يا محمد، اقض بيننا. فقال (صلى الله عليه و آله): قصوا علي قصتكم.

فقالت اليهود: نحن المؤمنون بالإله الواحد الحكيم و أوليائه، و ليست النصارى على شي ء من الدين و الحق.

و قالت النصارى: بل نحن المؤمنون بالإله الواحد الحكيم و أوليائه، و ليست اليهود على شي ء من الدين و الحق.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): كلكم مخطئون مبطلون، فاسقون عن دين الله و أمره.

فقالت اليهود: كيف نكون كافرين و فينا كتاب الله التوراة نقرؤه؟

و قالت النصارى: كيف نكون كافرين و لنا

كتاب الله الإنجيل نقرؤه؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إنكم خالفتم- أيها اليهود و النصارى- كتاب الله و لم تعملوا به، فلو كنتم عاملين بالكتابين لما كفر بعضكم بعضا بغير حجة، لأن كتب الله أنزلها شفاء من العمى، و بيانا من الضلالة، يهدي العاملين بها إلى صراط مستقيم، و كتاب الله إذا لم تعملوا به «1» كان وبالا عليكم، و حجة الله إذا لم تنقادوا لها كنتم لله عاصين، و لسخطه متعرضين.

ثم أقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله) على اليهود، فقال: احذروا أن ينالكم بخلاف أمر الله و بخلاف كتابه ما أصاب أوائلكم الذين قال الله فيهم: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ «2» و أمروا بأن يقولوه.

قال الله تعالى: فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ «3» عذابا من السماء، طاعونا نزل بهم فمات

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 544/ 325 و 326.

(1) في «ط» نسخة بدل: ما فيه.

(2، 3) البقرة 2: 59.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 310

منهم مائة و عشرون ألفا، ثم أخذهم بعد ذلك «1» فمات منهم مائة و عشرون ألفا أيضا، و كان خلافهم أنهم لما بلغوا الباب رأوا بابا مرتفعا، فقالوا: ما بالنا نحتاج إلى أن نركع عند الدخول هاهنا، ظننا أنه باب منحط «2» لا بد من الركوع فيه، و هذا باب مرتفع، إلى متى يسخر بنا هؤلاء؟- يعنون موسى و يوشع بن نون- و يسجدوننا في الأباطيل، و جعلوا أستاههم نحو الباب، و قالوا بدل قولهم: حطة، الذي أمروا به: هطا سمقانا- يعنون حنطة حمراء- فذلك تبديلهم.

و قال أمير المؤمنين (عليه السلام): فهؤلاء بنو إسرائيل نصب لهم باب حطة،

و أنتم- يا معشر أمة محمد- نصب لكم باب حطة أهل بيت محمد (عليه و عليهم السلام)، و أمرتم باتباع هداهم و لزوم طريقتهم، ليغفر لكم بذلك خطاياكم و ذنوبكم، و ليزداد المحسنون منكم، و باب حطتكم أفضل من باب حطتهم، لأن ذلك كان باب خشب، و نحن الناطقون الصادقون المؤمنون «3» الهادون الفاضلون، كما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن النجوم في السماء أمان من الغرق، و إن أهل بيتي أمان لأمتي من الضلالة في أديانهم، لا يهلكون فيها ما دام فيهم من يتبعون هداه «4» و سنته.

أما إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد قال: من أراد أن يحيا حياتي، و أن يموت مماتي، و أن يسكن جنة عدن «5» التي و عدني ربي، و أن يمسك قضيبا غرسه بيده، و قال له: كن فكان، فليتول علي بن أبي طالب، و ليوال وليه، و ليعاد عدوه، و ليتول ذريته الفاضلين المطيعين لله من بعده، فإنهم خلقوا من طينتي، فرزقوا فهمي و علمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي».

سورة البقرة(2): آية 114 ..... ص : 310

قوله تعالى:

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ [114]

584/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): قال الحسن بن علي (عليهما السلام) «6»: لما بعث الله

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 554/ 329 و: 558/ 330.

(1) في المصدر: بعد قباع، و في «ط» زيادة: قباع.

(2) في المصدر: متطامن.

(3) في المصدر: المرتضون.

(4) في المصدر: هديه.

(5) في المصدر: الجنّة.

(6)

في المصدر: عليّ بن الحسين.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 311

محمدا (صلى الله عليه و آله) بمكة و أظهر بها دعوته، و نشر بها كلمته، و عاب أديانهم في عبادتهم الأصنام، و أخذوه و أساءوا معاشرته، و سعوا في خراب المساجد المبنية، كانت لقوم من خيار أصحاب محمد «1» (صلى الله عليه و آله) و شيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، كان بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أماته المبطلون، فسعى هؤلاء المشركون في خرابها، و أذى محمد (صلى الله عليه و آله) و سائر أصحابه، و ألجؤوه إلى الخروج من مكة نحو المدينة، التفت خلفه إليها، فقال: الله يعلم أني أحبك، و لولا أن أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلدا، و لا ابتغيت عنك بدلا، و إني لمغتم على مفارقتك.

فأوحى الله تعالى إليه: يا محمد، إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، و يقول: سأردك إلى هذا البلد ظافرا غانما سالما قادرا قاهرا، و ذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ «2» يعني إلى مكة ظافرا غانما، و أخبر بذلك رسول الله (صلى الله عليه و آله) أصحابه، فاتصل بأهل مكة، فسخروا منه.

فقال الله تعالى لرسوله (صلى الله عليه و آله): سوف أظفرك «3» بمكة، و أجري «4» عليهم حكمي، و سوف أمنع من «5» دخولها المشركين حتى لا يدخلها أحد منهم إلا خائفا، أو دخلها مستخفيا من أنه إن عثر عليه قتل.

فلما حتم قضاء الله بفتح مكة و استوسقت «6» له، أمر عليهم عتاب بن أسيد «7»، فلما اتصل بهم خبره، قالوا:

إن محمدا لا يزال يستخف بنا حتى ولى علينا غلاما حدث السن ابن ثماني عشرة سنة، و

نحن مشايخ ذوو الأسنان، و خدام بيت الله الحرام، و جيران حرمه الآمن، و خير بقعة له على وجه الأرض.

و كتب رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعتاب بن أسيد عهدا على [أهل ] مكة، و كتب في أوله: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى جيران بيت الله، و سكان حرم الله. أما بعد» و ذكر العهد و قرأه عتاب بن أسيد على أهل مكة.

ثم قال الإمام (عليه السلام) بعد ذلك: «ثم بعث رسول الله (صلى الله عليه و آله) بعشر آيات من سورة براءة مع أبي بكر بن أبي قحافة، و فيها ذكر نبذ العهود إلى الكافرين، و تحريم قرب مكة على المشركين، و أمر أبا بكر على الحج، ليحج بمن ضمه الموسم، و يقرأ الآيات عليهم، فلما صدر عنه أبو بكر جاءه المطوق بالنور جبرئيل (عليه السلام)، فقال: يا محمد، إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، و يقول: يا محمد، إنه لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، فابعث عليا

__________________________________________________

(1) في المصدر زيادة: و شيعته.

(2) القصص 28: 85.

(3) في المصدر: أظهرك.

(4) في «ط»: يظفرك اللّه بمكّة و يجري. [.....]

(5) في المصدر: عن.

(6) استوسق لك الأمر: إذا أمكنك. «لسان العرب- وسق- 10: 380».

(7) عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة، وال أموي من الصحابة، أسلم يوم فتح مكّة، و استعمله النبيّ (صلى اللّه عليه و آله) عليها عند مخرجه إلى حنين في 8 ه، و أمّره أبو بكر، فاستمر فيها إلى أن مات يوم مات أبو بكر في 13 ه، و قيل في 23 ه. الكامل في التاريخ 2: 262، الاصابة 4:

211/ 5383، أعلى الزركلي 4: 199.

البرهان في تفسير

القرآن، ج 1، ص: 312

ليتناول الآيات، فيكون هو الذي ينبذ العهود و يقرأ الآيات.

و قال جبرئيل: يا محمد، ما أمرك ربك بدفعها إلى علي (عليه السلام) و نزعها من أبي بكر سهوا و لا شكا، و لا استدراكا على نفسه غلطا، و لكن أراد أن يبين لضعفاء المسلمين أن المقام الذي يقومه أخوك علي (عليه السلام) لن يقومه غيره سواك- يا محمد- و إن جلت في عيون هؤلاء الضعفاء مرتبته، و عرفت «1» عندهم منزلته.

فلما انتزع علي (عليه السلام) الآيات من يده، لقي أبو بكر بعد ذلك رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال: بأبي أنت و أمي- يا رسول الله- أنت أمرت عليا أن يأخذ هذه الآيات من يدي؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا، و لكن العلي العظيم أمرني أن لا ينوب عني إلا من هو مني، و أما أنت فقد عوضك الله بما «2» حملك من آياته، و كلفك من طاعاته الدرجات الرفيعة، و المراتب الشريفة، أما إنك إن دمت على موالاتنا، و وافيتنا في عرصات القيامة، وفيا بما أخذنا به عليك من العهود و المواثيق، [فأنت ] من خيار شيعتنا، و كرام أهل مودتنا، فسري «3» بذلك عن أبي بكر».

قال: «فمضى علي (عليه السلام) لأمر الله، و نبذ العهود إلى أعداء الله، و أيس المشركون من الدخول بعد عامهم ذلك إلى حرم الله، و كانوا عددا كثيرا و جما غفيرا غشاه الله نوره، و كساه فيهم هيبة و جلالا، لم يجسروا معها على إظهار خلاف و لا قصد بسوء- قال-: و ذلك قوله: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ.

و هي مساجد خيار المؤمنين بمكة، لما

منعوهم من التعبد فيها بأن ألجؤوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى الخروج عن مكة وَ سَعى فِي خَرابِها خراب تلك المساجد لئلا تعمر بطاعة الله، قال الله تعالى: أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ أن يدخلوا بقاع تلك المساجد في الحرم إلا خائفين من عذابه «4» و حكمه النافذ عليهم، إن يدخلوها كافرين، بسيوفه و سياطه لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ و هو طرده إياهم عن الحرم، و منعهم أن يعودوا إليه وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ».

585/ [2]- أبو علي الطبرسي- في معنى الآية- عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أنهم قريش حين منعوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) دخول مكة و المسجد الحرام».

سورة البقرة(2): آية 115 ..... ص : 312

قوله تعالى:

وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ [115]

__________________________________________________

2- مجمع البيان 1: 361.

(1) في المصدر: و شرفت.

(2) في المصدر زيادة: قد.

(3) سرّي عنه: تجلّى همّه. «لسان العرب- سرا- 14: 380».

(4) في المصدر: من عدله.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 313

586/ [1]- علي بن إبراهيم: قال العالم (عليه السلام) «1»: «فإنها نزلت في صلاة النافلة، فصلها حيث توجهت إذا كنت في سفر، و أما الفرائض فقوله: وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ «2» يعني الفرائض، لا تصليها إلا إلى القبلة».

587/ [2]- الشيخ في (التهذيب)، بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن الحصين، قال: كتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام): الرجل يصلي في يوم غيم في فلاة من الأرض و لا يعرف القبلة، فيصلي حتى إذا فرغ من صلاته بدت له الشمس، فإذا هو قد صلى لغير القبلة أ يعتد بصلاته، أم يعيدها؟

فكتب: «يعيدها ما لم يفت

الوقت، أو لم يعلم أن الله يقول و قوله الحق: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ».

588/ [3]- عنه: بإسناده عن أحمد بن الحسين، عن علي بن مهزيار، عن محمد بن عبد الله بن مروان، قال: رأيت يونس بمنى يسأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل إذا حضرته صلاة الفريضة و هو في الكعبة، فلم يمكنه الخروج من الكعبة؟

قال: «استلقى على قفاه و صلى إيماء» و ذكر قوله تعالى: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ.

589/ [4]- ابن بابويه، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور (رحمه الله)، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن الرجل يقرأ السجدة و هو على ظهر دابته؟

قال: «يسجد حيث توجهت به، فإن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يصلي على ناقته و هو مستقبل المدينة، يقول الله عز و جل: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ».

590/ [5]- العياشي: عن حريز، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «أنزل الله هذه الآية في التطوع خاصة فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ و صلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) إيماء على راحلته أينما توجهت به حين «3» خرج إلى خيبر، و حين رجع من مكة، و جعل الكعبة خلف ظهره».

__________________________________________________

1- تفسير القمّيّ 1: 59.

2- التّهذيب 2: 49/ 160.

3- التّهذيب 5: 453/ 1583.

4- علل الشرائع: 358/ 1.

5- تفسير العيّاشي 1: 56/ 80.

(1) (قال العالم (عليه السّلام) ليس في المصدر. [.....]

(2) البقرة 2: 144.

(3) في المصدر: حيث.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 314

591/ [6]- قال: قال زرارة: قلت

لأبي عبد الله (عليه السلام): الصلاة في السفر في السفينة و المحمل سواء؟

قال: «النافلة كلها سواء تومئ إيماء أينما توجهت دابتك و سفينتك، و الفريضة تنزل لها من المحمل إلى الأرض إلا من خوف، فإن خفت أو أومأت، و أما السفينة فصل فيها قائما و توجه إلى القبلة «1» بجهدك، فإن نوحا (عليه السلام) قد صلى الفريضة فيها قائما متوجها إلى القبلة و هي مطبقة عليهم».

قال: و ما كان علمه بالقبلة فيتوجهها و هي مطبقة عليهم؟ قال: «كان جبرئيل (عليه السلام) يقومه نحوها».

قال: قلت: فأتوجه نحوها في كل تكبيرة؟ قال: «أما في النافلة فلا، إنما تكبر في النافلة على غير القبلة، الله أكبر». ثم قال: «كل ذلك قبلة للمتنفل، فإنه تعالى قال: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ».

592/ [7]- عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن رجل يقرأ السجدة و هو على ظهر دابته، قال: «يسجد حيث توجهت، فإن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يصلي على ناقته النافلة و هو مستقبل المدينة، يقول: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ».

سورة البقرة(2): آية 116 ..... ص : 314

قوله تعالى:

وَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ [116]

593/ [1]- محمد بن يعقوب: عن أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن علي بن أسباط، عن سليمان مولى طربال، عن هشام الجواليقي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول: سبحان الله «2»، ما يعنى به؟ قال: «تنزيهه».

و ستأتي- إن شاء الله- في ذلك الروايات بكثرة في معنى قوله تعالى: وَ سُبْحانَ اللَّهِ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ

«3» في سورة يوسف «4».

__________________________________________________

6- تفسير العيّاشي 1: 56/ 81.

7- تفسير العيّاشي 1: 57/ 82.

1- الكافي 1: 92/ 11.

(1) في المصدر: و توخّ القبلة.

(2) في المصدر: عن قوله اللّه عزّ و جلّ: سُبْحانَ اللَّهِ.

(3) يوسف 12: 108.

(4) تأتي في الأحاديث (12- 16) من تفسير الآية (108) من سورة يوسف.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 315

سورة البقرة(2): آية 117 ..... ص : 315

قوله تعالى:

بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [117]

594/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن سدير الصيرفي، قال: سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «إن الله عز و جل ابتدع الأشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قبله، فابتدع السماوات و الأرضين و لم يكن قبلهن سماوات و لا أرضون، أما تسمع لقوله: وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ «1»».

و روى هذا الحديث محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات) عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن سدير، قال: سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر (عليه السلام) الحديث «2».

595/ [2]- محمد بن يعقوب: عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): أخبرني عن الإرادة من الله و من الخلق؟

قال: فقال: «الإرادة من الخلق الضمير، و ما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل، و أما من الله تعالى فإرادته للفعل إحداثه لا غير ذلك، لأنه لا يروي «3» و لا يهم و لا

يتفكر، و هذه الصفات منفية عنه، و هي صفات الخلق، فإرادة الله الفعل لا غير ذلك، يقول له: كن فيكون بلا لفظ و لا نطق بلسان، و لا همة و لا تفكر، و لا كيف لذلك، كما أنه لا كيف له».

سورة البقرة(2): آية 121 ..... ص : 315

قوله تعالى:

الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ [121]

596/ [3]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي ولاد، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله عز و جل: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ؟

__________________________________________________

1- الكافي 1: 200/ 2.

2- الكافي 1: 85/ 3.

3- الكافي 1: 168/ 4.

(1) هود 11: 7.

(2) بصائر الدرجات: 133/ 1. [.....]

(3) روّيت في الأمر: إذا نظرت فيه و فكّرت. «الصحاح- روى- 6: 2364».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 316

قال: «هم الأئمة (عليهم السلام)».

597/ [2]- العياشي: عن أبي ولاد، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ.

قال: فقال: «هم الأئمة (عليهم السلام)».

598/ [3]- عن منصور، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ.

فقال: «الوقوف عند الجنة و النار».

599/ [4]- الحسن بن أبي الحسن الديلمي: عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، في قوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ.

قال: «يرتلون آياته، و يتفقهون به، و يعملون بأحكامه، و يرجون وعده، و يخافون وعيده، و يعتبرون بقصصه، و يأتمرون بأوامره، و ينتهون بنواهيه «1» ما هو- و الله- حفظ آياته، و درس حروفه، و تلاوة سوره، و درس أعشاره و أخماسه، حفظوا حروفه و

أضاعوا حدوده، و إنما هو تدبر آياته و العمل بأحكامه، قال الله تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ «2»».

سورة البقرة(2): آية 123 ..... ص : 316

قوله تعالى:

وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَ لا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ [123] تقدم تفسير الآية في صدر السورة «3»، و نزيد هاهنا في معنى العدل:

600/ [5]- العياشي: عن يعقوب الأحمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «العدل: الفريضة».

601/ [6]- عن إبراهيم بن الفضيل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «العدل في قول أبي جعفر (عليه السلام):

الفداء».

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 1: 57/ 84.

3- تفسير العيّاشي 1: 57/ 84.

4- إرشاد القلوب: 78.

5- تفسير العيّاشي 1: 57/ 85.

6- تفسير العيّاشي 1: 57/ 86.

(1) في المصدر: يتناهون عن نواهيه.

(2) سورة ص 38: 29.

(3) تقدّم في تفسير الآية (48) من هذه السورة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 317

602/ [3]- و رواه أسباط الزطي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله: «لا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا»؟

قال: «الصرف: النافلة، و العدل: الفريضة»

سورة البقرة(2): آية 124 ..... ص : 317

قوله تعالى:

وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [124]

603/ [1]- محمد بن علي بن بابويه: قال: حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق «1» (رضي الله عنه)، قال: حدثنا حمزة بن القاسم العلوي العباسي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الكوفي الفزاري، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن زيد الزيات، قال: حدثنا محمد بن زياد الأزدي، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ما هذه الكلمات؟

قال: «هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، و هو

أنه قال: يا رب، أسألك بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلا تبت علي فتاب الله عليه إنه هو التواب الرحيم».

فقلت له: يا بن رسول الله، فما يعني عز و جل بقوله: فَأَتَمَّهُنَّ؟

قال: «يعني فأتمهن إلى القائم (عليه السلام) اثني عشر إماما، تسعة من ولد الحسين (عليه السلام)».

قال المفضل: فقلت له: يا ابن رسول الله، فأخبرني عن قول الله عز و جل: وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ «2»؟

قال: «يعني بذلك الإمامة، جعلها الله في عقب الحسين إلى يوم القيامة».

قال: فقلت له: يا بن رسول الله، فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن، و هما جميعا ولدا رسول الله (صلى الله عليه و آله) و سبطاه، و سيدا شباب أهل الجنة؟

فقال (عليه السلام): «إن موسى و هارون كانا نبيين مرسلين أخوين، فجعل الله النبوة في صلب هارون دون صلب موسى، و لم يكن لأحد أن يقول: لم فعل الله ذلك؟ و إن الإمامة خلافة الله عز و جل، ليس لأحد أن يقول: لم جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن؟ لأن الله هو الحكيم في أفعاله

__________________________________________________

3- تفسير العياشي 1: 57/ 87.

1- الخصال: 304/ 84.

(1) في المصدر: علي بن أحمد بن موسى، و كلاهما من مشايخ الصدوق، و لا يبعد اتحادهما، انظر معجم رجال الحديث 11: 254 و 255.

(2) الزخرف 43: 28.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 318

لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ «1»».

و لقول الله تبارك و تعالى «2»: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ وجه آخر، و ما ذكرناه أصله.

و الابتلاء على ضربين: أحدهما مستحيل «3» على الله تعالى ذكره، و الآخر جائز.

فأما ما يستحيل:

فهو أن يختبره ليعلم ما تكشف الأيام عنه، و هذا ما لا يصلح «4» لأنه عز و جل علام الغيوب.

و الضرب الآخر من الابتلاء: أن يبتليه حتى يصبر فيما يبتليه به، فيكون ما يعطيه من العطاء على سبيل الاستحقاق، و لينظر إليه الناظر فيقتدي به، فيعلم من حكمة الله تعالى أنه لم يكمل «5» أسباب الإمامة إلا إلى الكافي المستقل، الذي كشفت الأيام عنه بخير «6».

فأما الكلمات، فمنها ما ذكرناه، و منها:

اليقين، و ذلك قول الله عز و جل: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ «7».

و منها: المعرفة بقدم بارئه، و توحيده و تنزيهه من التشبيه: حين نظر إلى الكواكب و القمر و الشمس، و استدل بأفول كل واحد منها على حدوثه، و بحدوثه على محدثه.

ثم علمه (عليه السلام) بأن الحكم بالنجوم خطأ: في قوله عز و جل: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ «8» و إنما قيده الله سبحانه بالنظرة الواحدة، لأن النظرة الواحدة لا توجب الخطأ إلا بعد النظرة الثانية، بدلالة قول النبي (صلى الله عليه و آله) لما قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): «يا علي أول النظرة لك، و الثانية عليك لا لك».

و منها: الشجاعة: و قد كشفت الأيام عنه، بدلالة قوله عز و جل: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قالُوا أَ جِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَ أَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَ تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا

كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ «9» و مقاومة الرجل الواحد الوفا من أعداء الله عز و جل تمام الشجاعة.

__________________________________________________

(1) سورة الأنبياء 21: 23. [.....]

(2) الظاهر أنّ هذا الكلام و ما بعده للصدوق (قدّس سرّه)، و ليس للإمام (عليه السّلام).

(3) في المصدر: يستحيل.

(4) في المصدر: يصحّ.

(5) في المصدر: لم يكل.

(6) في المصدر: بخبره.

(7) الأنعام 6: 75.

(8) الصّافّات 37: 88 و 89.

(9) الأنبياء 21: 52- 58.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 319

ثم الحلم: مضمن معناه في قوله عز و جل: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ «1».

ثم السخاء: و بيانه في حديث ضيف إبراهيم المكرمين.

ثم العزلة عن أهل البيت و العشيرة: مضمن معناه في قوله: وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ «2» الآية.

و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر: بيان ذلك في قوله عز و جل: يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ وَ لا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا «3».

و دفع السيئة بالحسنة: و ذلك لما قال له أبوه: أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا فقال في جواب أبيه: سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا «4».

و التوكل: بيان ذلك في قوله: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَ الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَ يَسْقِينِ وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَ الَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ «5».

ثم الحكم و الانتماء إلى الصالحين: في

قوله: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ «6» يعني بالصالحين الذين لا يحكمون إلا بحكم الله عز و جل، و لا يحكمون بالآراء و المقاييس حتى يشهد له من يكون بعده من الحجج بالصدق، بيان ذلك في قوله: وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ «7» أراد في هذه الأمة الفاضلة، فأجابه الله و جعل له و لغيره من الأنبياء لسان صدق في الآخرين، و هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و ذلك قوله: وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا «8».

و المحنة في النفس: حين جعل في المنجنيق و قذف به في النار.

ثم المحنة في الولد: حين امر بذبح ولده إسماعيل.

ثم المحنة بالأهل: حين خلص الله عز و جل حرمته من عرارة «9» القبطي، في الخبر المذكور في القصة.

ثم الصبر على سوء خلق سارة.

__________________________________________________

(1) هود 11: 75.

(2) مريم 19: 48.

(3) مريم 19: 42- 45.

(4) مريم 19: 46 و 47.

(5) الشّعراء 26: 78- 82.

(6) الشّعراء 26: 83. [.....]

(7) الشّعراء 26: 84.

(8) مريم 19: 50.

(9) في المصدر: عزازة، و القصة كاملة في الكافي 8: 370/ 560.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 320

ثم استقصار النفس في الطاعة: في قوله: وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ «1».

ثم النزاهة: في قوله عز و جل: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ «2».

ثم الجمع لأشراط الطاعات «3»: في قوله: إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ «4» فقد جمع في قوله: مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ جميع أشراط الطاعات كلها حتى لا تعزب «5» عنها

عازبة، و لا تغيب عن معانيها غائبة.

ثم استجابة الله دعوته: حين قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى «6» و هذه الآية متشابهة، و معناها أنه سأل عن الكيفية، و الكيفية من فعل الله عز و جل، متى لم يعلمها العالم لم يلحقه عيب، و لا عرض له في توحيده نقص. فقال الله عز و جل: أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى «7» هذا شرط عام لمن آمن به، متى سئل واحد منهم: أو لم تؤمن؟ وجب أن يقول: بلى، كما قال إبراهيم، و لما قال الله عز و جل لجميع أرواح بني آدم: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى «8» كان أول من قال: بلى، محمد (صلى الله عليه و آله)، فصار بسبقه إلى بلى سيد الأولين و الآخرين، و أفضل النبيين و المرسلين، فمن لم يجب عن هذه المسألة بجواب إبراهيم (عليه السلام) فقد رغب عن ملته، قال الله عز و جل: وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ «9».

ثم اصطفاء الله عز و جل إياه في الدنيا، ثم شهادته له في العاقبة أنه من الصالحين: في قوله عز و جل:

وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ «10» و الصالحون هم النبي و الأئمة (صلوات الله عليهم)، الآخذون عن الله أمره و نهيه، الملتمسون للصلاح من عنده، و المجتنبون للرأي و القياس في دينه، في قوله عز و جل: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ «11».

ثم اقتداء من بعده من الأنبياء (عليهم السلام) به: في قوله: وَ وَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ

__________________________________________________

(1) الشعراء 26: 87.

(2) آل عمران 3: 67.

(3) في

المصدر: الكلمات.

(4) الأنعام 6 لا 162 و 163.

(5) عزب عني فلان يعزب و يعزب: أي بعد و غبا. «الصحاح- عزب- 1: 181».

(6) البقرة 2: 260.

(7) البقرة 2: 260.

(8) الأعراف 7: 172.

(9) البقرة 2: 130.

(10) البقرة 2: 130.

(11) البقرة 2: 131. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 321

اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ «1»، و في قوله عز و جل لنبيه (صلى الله عليه و آله): ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ «2»، و في قوله عز و جل: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ «3».

و أشراط كلمات الإمام مأخوذة من جهته مما تحتاج إليه الأمة من مصالح «4» الدنيا و الآخرة.

و قول إبراهيم (عليه السلام): وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي من: حرف تبعيض، ليعلم أن من الذرية من يستحق الإمامة، و منهم من لا يستحقها، هذا من جملة المسلمين، و ذلك أنه يستحيل أن يدعو إبراهيم بالإمامة للكافر أو للمسلم الذي ليس بمعصوم، فصح أن باب التبعيض وقع على خواص المؤمنين، و الخواص إنما صاروا خواصا بالبعد عن الكفر، ثم من اجتنب الكبائر صار من جملة الخواص. أخص، ثم المعصوم هو الخاص الأخص، و لو كان للتخصيص صورة أربى عليه «5»، لجعل ذلك من أوصاف الإمام.

و قد سمى الله عز و جل عيسى من ذرية إبراهيم، و كان ابن بنته من بعده، و لما صح أن ابن البنت ذرية، و دعا إبراهيم لذريته بالإمامة، وجب على محمد (صلى الله عليه و آله) الاقتداء به في وضع الإمامة في المعصومين من ذريته حذو النعل بالنعل بعد ما أوحى الله عز و جل إليه، و حكم عليه

بقوله: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً «6» الآية، و لو خالف ذلك لكان داخلا في قوله: وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ جل نبي الله عن ذلك.

قال الله عز و جل: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا «7» و أمير المؤمنين (عليه السلام) أبو ذرية النبي (صلى الله عليه و آله)، و وضع الإمامة فيه وضعها في ذريته المعصومين بعده.

و قوله عز و جل: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ يعني بذلك أن الإمامة لا تصلح لمن قد عبد وثنا أو صنما، أو أشرك بالله طرفة عين، و إن أسلم بعد ذلك، و الظلم وضع الشي ء في غير موضعه، و أعظم الظلم الشرك، قال الله عز و جل: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ «8» و كذلك لا يصلح للإمامة من «9» قد ارتكب من المحارم شيئا صغيرا كان أو كبيرا، و إن تاب منه بعد ذلك، و كذلك لا يقيم الحد من في جنبه حد، فإذن لا يكون الإمام إلا معصوما، و لا تعلم عصمته إلا بنص الله عز و جل عليه على لسان نبيه (صلى الله عليه و آله)، لأن العصمة ليست في ظاهر الخلقة فترى

__________________________________________________

(1) البقرة 2: 132.

(2) النّحل 16: 123.

(3) الحج 22: 78.

(4) في المصدر: مأخوذة ممّا تحتاج إليه الأمّة من جهة من مصالح.

(5) أي أعلى و أرفع مرتبة.

(6) النّحل 16: 123.

(7) آل عمران 3: 68.

(8) لقمان 31: 13.

(9) في المصدر: لا تصلح الإمامة لمن.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 322

كالسواد و البياض و ما أشبه ذلك، و هي مغيبة لا تعرف إلا بتعريف علام الغيوب عز و جل.

604/ [2]- محمد بن

يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن أبي يحيى الواسطي، عن هشام ابن سالم و درست بن أبي منصور، عنه، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «قد كان إبراهيم نبيا و ليس بإمام حتى قال الله له: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي فقال الله: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ من عبد صنما أو وثنا لا يكون إماما».

605/ [3]- عنه: عن محمد بن الحسن، عمن ذكره، عن محمد بن خالد، عن محمد بن سنان، عن زيد الشحام، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن الله تبارك و تعالى اتخذ إبراهيم (عليه السلام) عبدا قبل أن يتخذه نبيا، و إن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، و إن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا، و إن الله اتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما، فلما جمع له الأشياء قال: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً».

قال: «فمن عظمها في عين إبراهيم (عليه السلام): قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ- قال-: لا يكون السفيه إمام التقي».

606/ [4]- و عنه: عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسين، عن إسحاق بن عبد العزيز أبي السفاتج، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «إن الله اتخذ إبراهيم (عليه السلام)، عبدا قبل أن يتخذه نبيا، و اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، و اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا، و اتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما، فلما جمع له هذه الأشياء- و قبض يده «1»- قال له: يا إبراهيم إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً فمن عظمها في عين إبراهيم، قال: يا رب وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ

لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ».

607/ [5]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبو أحمد القاسم بن محمد بن علي الهاروني، قال: حدثنا أبو حامد عمران بن موسى بن إبراهيم، عن الحسن بن القاسم الرقام، قال: حدثني القاسم بن مسلم، عن أخيه عبد العزيز بن مسلم، قال: كنا في أيام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بمرو، فاجتمعنا في مسجد جامعها يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأدار الناس أمر الإمامة، و ذكروا كثرة اختلاف الناس فيها.

فدخلت على سيدي و مولاي الرضا (عليه السلام) فأعلمته ما خاض الناس فيه فتبسم (عليه السلام)، ثم قال: «يا عبد العزيز، جهله القوم و خدعوا عن أديانهم، إن الله عز و جل لم يقبض نبيه (صلى الله عليه و آله) حتى أكمل له الدين،

__________________________________________________

2- الكافي 1: 133/ 1.

3- الكافي 1: 133/ 2.

4- الكافي 1: 134/ 1.

5- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 216/ 1.

(1) هذه الجملة إمّا اعتراضية من كلام الراوي، يعني أنّ الإمام (عليه السّلام) قبض أصابعه ليحكي اجتماع هذه الصفات في إبراهيم (عليه السّلام)، و إمّا من كلام الإمام (عليه السّلام) أي قبض اللّه يد إبراهيم (عليه السّلام) كناية عن كمال لطفه تبارك و تعالى بإبراهيم (عليه السّلام) حين خاطبه. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 323

و أنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شي ء، بين فيه الحلال و الحرام، و الحدود و الأحكام، و جميع ما يحتاج إليه الناس كملا، فقال عز و جل ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ «1» و أنزل في حجة الوداع و هي آخر عمره (صلى الله عليه و آله): الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً «2» فأمر الإمامة من تمام الدين، و لم يمض (صلى الله عليه و آله) حتى بين لامته تمام دينهم «3»، و أوضح لهم سبيلهم، و تركهم على قصد الحق، و أقام لهم عليا (عليه السلام) علما و إماما، و ما ترك شيئا تحتاج إليه الامة إلا بينه.

فمن زعم أن الله عز و جل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله و من رد كتاب الله فهو كافر، هل يعرفون قدر الإمامة و محلها من الامة، فيجوز فيها اختيارهم؟! إن الامامة أجل قدرا، و أعظم شأنا، و أعلى مكانا، و أمنع جانبا، و أبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماما باختيارهم.

إن الإمامة خص الله بها إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد النبوة، و الخلة مرتبة ثالثة، و فضيلة شرفه بها، و أشاد بها ذكره، فقال عز و جل: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً فقال الخليل (عليه السلام) مسرورا «4» بها: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قال الله تبارك و تعالى: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة فصارت في الصفوة (عليهم السلام)» الحديث.

608/ [6]- العياشي: رواه بأسانيد عن صفوان الجمال، قال: كنا بمكة فجرى الحديث في قول الله: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قال: أتمهن بمحمد و علي و الأئمة من ولد علي (صلى الله عليهم) في قول الله:

ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «5»، ثم قال: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ قال: يا رب، و يكون من ذريتي ظالم؟ قال: نعم، فلان و فلان و فلان

و من اتبعهم.

قال: يا رب، فاجعل «6» لمحمد و علي ما وعدتني فيهما، و عجل نصرك لهما، و إليه أشار بقوله: وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ «7» فالملة:

الإمامة.

فلما أسكن ذريته بمكة، قال: رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ «8»، فاستثنى مَنْ آمَنَ خوفا أن يقول له: لا، كما قال له في الدعوة الأولى:

__________________________________________________

6- تفسير العياشي 1: 57/ 88.

(1) الأنعام 6: 38.

(2) المائدة 5: 3.

(3) في المصدر: معالم دينهم.

(4) في المصدر: سرورا.

(5) آل عمران 3: 34.

(6) في المصدر: فعجل.

(7) البقرة 2: 130.

(8) البقرة 2: 126.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 324

قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ.

فلما قال الله: وَ مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ «1» قال: يا رب، و من الذي متعتهم؟ قال: الذين كفروا بآياتي فلان و فلان و فلان.

609/ [7]- عن حريز، عمن ذكره، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ، أي لا يكون إماما ظالما.

610/ [8]- عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً.

قال: فقال: «لو علم الله أن اسما أفضل منه لسمانا به».

611/ [9]- سعد بن عبد الله: عن أحمد بن محمد بن عيسى، و محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن خالد البرقي، عن فضالة بن أيوب، عن عبد الحميد بن النضر «2»، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ينكرون الإمام المفروض الطاعة و يجحدونه؟! و الله، ما في

الأرض منزلة «3» عند الله أعظم من منزلة مفترض الطاعة، لقد كان إبراهيم (عليه السلام) دهرا ينزل عليه الوحي [و الأمر من الله و ما كان مفترض الطاعة] حتى بدا لله أن يكرمه و يعظمه فقال: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً فعرف إبراهيم (عليه السلام) ما فيها من الفضل فقال: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي أي و اجعل ذلك في ذريتي، قال الله عز و جل: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ».

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إنما هو في ذريتي لا يكون في غيرهم».

612/ [10]- الشيخ المفيد: عن أبي الحسن الأسدي، عن أبي الخير «4» صالح بن أبي حماد الرازي، يرفعه، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: «إن الله اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا، و إن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، و إن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا، و إن الله اتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما، فلما جمع له الأشياء، قال: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً».

قال: «فمن عظمها في عين إبراهيم (عليه السلام): قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ- قال-: لا يكون السفيه إمام التقي.

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 1: 58/ 89.

8- تفسير العيّاشي 1: 58/ 90.

9- مختصر بصائر الدرجات: 60.

10- الاختصاص: 22.

(1) البقرة 2: 126. [.....]

(2) في «س، ط»: قصي، و في المصدر: نصر، و الظاهر أنّ الصواب ما في المتن، انظر معجم رجال الحديث 9: 281.

(3) في المصدر زيادة: إمام.

(4) في «س و ط»: أبي الحسن، و في المصدر: أبي الحسين، تصحيف صوابه ما في المتن من رجال النجاشي: 198/ 526 و معجم رجال الحديث 9: 53.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 325

613613/ [11]- و عنه: عن

أبي محمد الحسن «1» بن حمزة الحسيني، عن محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبي يحيى الواسطي، عن هشام بن سالم و درست بن أبي منصور، عنهم- في حديث- قال: «قد كان إبراهيم نبيا و ليس بإمام حتى قال الله تبارك و تعالى: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي فقال الله تبارك و تعالى: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ من عبد صنما أو وثنا أو مثالا لا يكون إماما».

614/ [12]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «إن الله اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا، و اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، و اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا، و إن الله اتخذ إبراهيم خليلا قبل أن يتخذه إماما، فلما جمع له الأشياء- و قبض يده- قال له: يا إبراهيم إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً فمن عظمها في عين إبراهيم (عليه السلام) قال: يا رب وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ».

615/ [13]- الشيخ في (أماليه): عن الحفار، قال: حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا أبي و إسحاق بن إبراهيم الدبري «2»، قال حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا أبي، عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أنا دعوة أبي إبراهيم».

قلنا: يا رسول الله، و كيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟

قال: «أوحى الله عز و جل إلى إبراهيم: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً فاستخف إبراهيم الفرح، فقال:

يا رب، و من ذريتي أئمة مثلي؟ فأوحى الله عز و جل إليه: أن- يا إبراهيم- إَّي لا أعطيك عهدا لا أفي لك به.

قال: يا رب، ما

العهد الذي لا تفي لي به؟ قال: لا أعطيك عهدا لظالم من ذريتك.

قال: يا رب، و من الظالم من ولدي الذي لا ينال عهدك؟ قال: من سجد لصنم من دوني لا أجعله إماما أبدا، و لا يصلح «3» أن يكون إماما.

قال إبراهيم: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ «4»».

قال النبي (صلى الله عليه و آله): «فانتهت الدعوة إلي و إلى أخي علي، لم يسجد أحد منا لصنم قط، فاتخذني الله نبيا و عليا وصيا» «5».

__________________________________________________

11- الاختصاص: 23.

12- الاختصاص: 23.

13- الأمالي 1: 388.

(1) في المصدر: أبو محمّد بن الحسن، و الصواب ما في المتن، راجع رجال النجاشي: 64/ 150، الفهرست 52: 184.

(2) في «س» و المصدر: الديري، و في «ط»: الزبيري، كلاهما تصحيف، و الصواب ما في المتن نسبة إلى (دبر) من قرى صنعاء اليمن. راجع معجم البلدان 2: 437، و سير أعلام النبلاء 13: 416.

(3) في المصدر: و لا يصح.

(4) إبراهيم 14: 35- 36.

(5) في «ط» نسخة بدل: وليا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 326

616/ [14]- و من طريق المخالفين: ما رواه الشافعي ابن المغازلي في كتاب (المناقب) بإسناده، يرفعه إلى عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أنا دعوة أبي إبراهيم (عليه السلام)».

قلت: يا رسول الله، و كيف صرت دعوة إبراهيم أبيك (عليه السلام)؟

و ساق الحديث السابق بعينه إلى قوله (صلى الله عليه و آله): «فانتهت الدعوة إلي و إلى علي (عليه السلام) لم يسجد أحدنا «1» لصنم قط، فاتخذني الله نبيا و اتخذ عليا وصيا».

سورة البقرة(2): آية 125 ..... ص : 326

قوله تعالى:

وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَ أَمْناً وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى

[125] 617/ [1]- قال علي بن إبراهيم: المثابة: العود إليه.

618/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) في طواف الحج و العمرة؟

فقال: «إن كان بالبلد صلى الركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام)، فان الله عز و جل يقول: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى و إن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع».

619/ [3]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده، عن موسى بن القاسم، عن صفوان بن يحيى، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «ليس لأحد أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام، لقول الله: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى إن صليتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة».

620/ [4]- و عنه: بإسناده عن موسى بن القاسم، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام، و قد قال الله تعالى:

وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى حتى ارتحل.

__________________________________________________

14- المناقب: 276/ 322.

1- تفسير القمّي 1: 59.

2- الكافي 4: 425/ 1. [.....]

3- التهذيب 5: 137/ 451.

4- التهذيب 5: 140/ 461.

(1) في المصدر: لم نسجد أحد منّا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 327

فقال: «إن كان ارتحل فإني لا أشق عليه و لا آمره أن يرجع، و لكن يصلي حيث يذكر».

621/ [5]- و عنه: عن موسى بن القاسم، عن محمد بن سنان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله الأبزاري، قال: سألت

أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يصلي «1» ركعتي طواف الفريضة في الحجر.

قال: «يعيدهما خلف المقام، لأن الله يقول: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى يعني بذلك ركعتي طواف الفريضة».

622/ [6]- و عنه: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، قال حدثني من سأله عن الرجل ينسى «2» ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج. فقال: «يوكل».

قال ابن مسكان: و في حديث آخر: «إن كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع و ليصلهما، فإن الله تعالى يقول:

وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى».

623/ [7]- العياشي: عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يصلي ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) في الطواف، في الحج أو العمرة.

فقال: «إن كان بالبلد صلى ركعتين عند مقام إبراهيم، فإن الله يقول: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى، و إن كان ارتحل و سار، فلا آمره أن يرجع».

624/ [8]- عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة، في حج كان أو عمرة، و جهل أن يصلي ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام).

قال: «يصليها و لو بعد أيام، لأن الله يقول: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى».

سورة البقرة(2): الآيات 126 الي 129 ..... ص : 327

قوله تعالى:

وَ عَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ [125]

625/ [1]- علي بن إبراهيم: قال الصادق (عليه السلام): «يعني نحيا عنه المشركين».

__________________________________________________

5- التهذيب 5: 138/ 454.

6- التهذيب 5: 140/ 463.

7- تفسير العيّاشي 1: 58/ 91.

8- تفسير العيّاشي 1: 58/ 92.

1- تفسير القمّي 1: 59.

(1) في المصدر: نسي فصلّى.

(2) في المصدر: نسي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1،

ص: 328

و قال: «لما بنى إبراهيم البيت و حج الناس، شكت الكعبة إلى الله تبارك و تعالى ما تلقاه من أيدي المشركين و أنفاسهم، فأوحى الله إليها، قري كعبتي، فإني أبعث في آخر الزمان قوما يتنظفون بقضبان الشجر و يتخللون».

626/ [2]- محمد بن يعقوب: عن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن غير واحد، عن أبان بن عثمان، عن محمد بن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن الله عز و جل يقول في كتابه: طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ فينبغي للعبد أن لا يدخل مكة إلا و هو طاهر، قد غسل عرقه و الأذى و تطهر».

627/ [3]- الشيخ: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن عمران الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): أ تغتسل النساء إذا أتين البيت؟ فقال: «نعم، إن الله تعالى يقول: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ و ينبغي للعبد أن لا يدخل إلا و هو طاهر، قد غسل عنه العرق و الأذى و تطهر».

628/ [4]- محمد بن علي بن بابويه: عن محمد بن الحسن (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد و عبد الله ابني محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عبد الله بن علي الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): أ تغتسل النساء إذا أتين البيت؟ قال: «نعم، إن الله عز و جل يقول: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ فينبغي للعبد أن لا يدخل إلا و هو طاهر، قد غسل عنه العرق و الأذى و تطهر».

629/ [5]- العياشي: عن الحلبي،

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته: أ تغتسل النساء إذا أتين البيت؟ قال:

«نعم، إن الله يقول: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ ينبغي للعبد أن لا يدخل إلا و هو طاهر، قد غسل عنه العرق و الأذى و تطهر».

630/ [6]- أبو علي الطبرسي في (مجمع البيان): سبب النزول، عن ابن عباس، قال: لما أتى إبراهيم بإسماعيل و هاجر فوضعهما بمكة و أتت على ذلك مدة و نزلها الجرهميون، و تزوج إسماعيل امرأة منهم، و ماتت هاجر و استأذن إبراهيم سارة أن يأتي هاجر فأذنت له، و شرطت عليه أن لا ينزل، فقدم إبراهيم (عليه السلام)، و قد ماتت هاجر، فذهب إلى بيت إسماعيل، فقال لامرأته: «أين صاحبك؟» قالت: له ليس ها هنا، ذهب يتصيد و كان إسماعيل يخرج من الحرم يتصيد و يرجع.

فقال لها إبراهيم: «هل عندك ضيافة؟» قالت: ليس عندي شي ء، و ما عندي أحد.

فقال لها إبراهيم: «إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام و قولي له: فليغير عتبة بابه» و ذهب إبراهيم (عليه السلام)، فجاء إسماعيل (عليه السلام) و وجد ريح أبيه، فقال لامرأته: «هل جاءك أحد؟». قالت: جاءني شيخ صفته كذا و كذا،

__________________________________________________

2- الكافي 4: 400/ 3.

3- التهذيب 5: 251/ 852.

4- علل الشرائع: 411/ 1.

5- تفسير العيّاشي 1: 59/ 95. [.....]

6- مجمع البيان 2: 383.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 329

كالمستخفة بشأنه.

قال: «فما قال لك؟» قالت: قال لي: أقرئي زوجك السلام، و قولي له: فليغير عتبة بابه. فطلقها و تزوج اخرى، فلبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث، ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيل (عليه السلام) فأذنت له، و اشترطت عليه أن لا ينزل، فجاء إبراهيم (عليه السلام) حتى

انتهى إلى باب إسماعيل (عليه السلام)، فقال لامرأته: «أين صاحبك؟». قالت:

يتصيد، و هو يجيئني الآن- إن شاء الله- فانزل يرحمك الله.

فقال لها: «هل عندك ضيافة؟». قالت: نعم، فجاءت باللبن و اللحم، فدعا لها «1» بالبركة، فلو جاءت يومئذ بخبز أو بر أو شعير أو تمر لكانت أكثر أرض الله برا و شعيرا و تمرا.

فقالت له: انزل حتى اغسل رأسك فلم ينزل، فجاءت بالمقام فوضعته على شقه الأيمن فوضع قدمه عليه، فبقي أثر قدمه عليه، فغسلت شق رأسه الأيمن، ثم حولت المقام إلى شقه الأيسر، فبقي أثر قدمه عليه، فغسلت شق رأسه الأيسر.

فقال لها: «إذا جاء زوجك فأقرئيه مني السلام، و قولي له: قد استقامت عتبة بابك».

فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه، فقال لامرأته: «هل جاءك أحد؟». قالت: نعم، شيخ أحسن الناس وجها، و أطيبهم ريحا، و قال لي: كذا و كذا، و قلت له: كذا، و غسلت رأسه، و هذا موضع قدميه على المقام، فقال لها إسماعيل (عليه السلام): «ذاك إبراهيم (عليه السلام)».

631/ [7]- ثم قال أبو علي: و قد روى هذه القصة بعينها علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان، عن الصادق (عليه السلام)، و إن اختلفت بعض ألفاظه، و قال في آخرها: «إذا جاء زوجك، فقولي له: قد جاء ها هنا شيخ و هو يوصيك بعتبة بابك خيرا، فأكب إسماعيل (عليه السلام) على المقام يبكي و يقبله».

632/ [8]- ثم قال: و في رواية اخرى، عنه (عليه السلام): «أن إبراهيم (عليه السلام) استأذن سارة أن يزور إسماعيل (عليه السلام)، فأذنت له على أن لا يلبث عنها و أن لا ينزل من حماره، فقيل: كيف كان ذلك؟ فقال: إن الأرض طويت

له».

قوله تعالى:

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَ مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ

__________________________________________________

7- مجمع البيان 1: 384.

8- مجمع البيان 1: 384.

(1) في المصدر: لهما.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 330

قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ- إلى قوله تعالى- إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [129]

633/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و الحسين بن محمد، عن عبدويه بن عامر، و محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، جميعا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن عقبة ابن بشير، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: «إن الله عز و جل أمر إبراهيم (عليه السلام) ببناء الكعبة، و أن يرفع قواعدها و يري الناس مناسكهم، فبنى إبراهيم و إسماعيل (عليهما السلام) البيت كل يوم سافا «1» حتى انتهى إلى موضع الحجر الأسود».

و قال أبو جعفر (عليه السلام) «فنادى أبو قبيس إبراهيم (عليه السلام): أن لك عندي وديعة فأعطاه الحجر، فوضعه موضعه، ثم إن إبراهيم (عليه السلام) أذن في الناس بالحج، فقال: أيها الناس، إني إبراهيم خليل الله، و إن الله يأمركم أن تحجوا هذا البيت فحجوه، فأجابه من يحج إلى يوم القيامة، و كان أول من أجابه من أهل اليمن- قال: و حج إبراهيم (عليه السلام) هو و أهله و ولده، فمن زعم أن الذبيح هو إسحاق فمن هاهنا كان ذبحه».

و

ذكر عن أبي بصير أنه سمع أبا جعفر و أبا عبد الله (عليهما السلام) يزعمان أنه إسحاق، فأما

زرارة فزعم أنه إسماعيل.

634/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: دعا إبراهيم ربه أن يرزق من آمن منهم، فقال الله: يا إبراهيم وَ مَنْ كَفَرَ- أيضا أرزقه- فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ.

635/ [3]- أبو علي الطبرسي في (مجمع البيان)، قال: روي عن أبي جعفر (عليه السلام): «أن المراد بذلك أن الثمرات تحمل إليهم من الآفاق».

و

روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إنما هي ثمرات القلوب، أي حببهم إلى الناس ليثوبوا «2» إليهم».

636/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن إبراهيم (عليه السلام) كان نازلا في بادية الشام، فلما ولد له من هاجر إسماعيل (عليه السلام) اغتمت سارة من ذلك غما شديدا، لأنه لم يكن له منها ولد، و كانت تؤذي إبراهيم (عليه السلام) في هاجر و تغمه،

__________________________________________________

1- الكافي 4: 205/ 4.

2- تفسير القمّي 1: 60.

3- مجمع البيان 1: 387.

4- تفسير القمّي 1: 60.

(1) الساف في البناء: كلّ صف من اللّبن. «لسان العرب- سوف- 9: 166».

(2) أي يجتمعوا و يجيئوا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 331

فشكا إبراهيم (عليه السلام) ذلك إلى الله عز و جل، فأوحى الله إليه: إنما مثل المرأة مثل الضلع العوجاء، إن تركتها استمتعت «1» بها، و إن أقمتها كسرتها، ثم أمره أن يخرج إسماعيل (عليه السلام) و أمه. فقال: يا رب إلى أي مكان؟ قال:

إلى حرمي و أمني، و أول بقعة خلقتها من الأرض، و هي مكة.

فأنزل الله عليه جبرئيل بالبراق، فحمل هاجر و إسماعيل و إبراهيم (عليهما السلام)، و كان إبراهيم لا يمر بموضع حسن فيه شجر و نخل و زرع

إلا و قال: يا جبرئيل، إلى هاهنا، إلى هاهنا، فيقول جبرئيل: لا، امض، امض، حتى وافى «2» مكة، فوضعه في موضع البيت، و قد كان إبراهيم (عليه السلام) عاهد سارة أن لا ينزل حتى يرجع إليها.

فلما نزلوا في ذلك المكان كان فيه شجر، فألقت هاجر على ذلك الشجر كساء كان معها، فاستظلوا تحته، فلما سرحهم «3» إبراهيم و وضعهم و أراد الانصراف عنهم إلى سارة، قالت له هاجر: يا إبراهيم، أ تدعنا «4» في موضع ليس فيه أنيس و لا ماء و لا زرع؟ فقال إبراهيم: الله الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان هو يكفيكم «5».

ثم انصرف عنهم، فلما بلغ كداء- و هو جبل بذي طوى- التفت إليهم إبراهيم، فقال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ «6» ثم مضى، و بقيت هاجر.

فلما ارتفع النهار عطش إسماعيل و طلب الماء، فقامت هاجر في الوادي في موضع السعي، و نادت: هل في الوادي من أنيس؟ فغاب عنها إسماعيل (عليه السلام) فصعدت على الصفا، و لمع لها السراب في الوادي، فظنت أنه ماء، فنزلت في بطن الوادي وسعت، فلما بلغت المسعى غاب عنها إسماعيل (عليه السلام)، ثم لمع لها السراب في ناحية الصفا، فهبطت إلى الوادي تطلب الماء، فلما غاب عنها إسماعيل (عليه السلام) عادت حتى بلغت الصفا، فنظرت حتى فعلت ذلك سبع مرات، فلما كانت في الشوط السابع و هي على المروة، نظرت إلى إسماعيل (عليه السلام) و قد ظهر الماء من تحت رجليه، فعادت حتى جمعت حوله رملا، فإنه كان سائلا، فزمته «7» بما

جعلته حوله، فلذلك سميت زمزم.

و كانت جرهم نازلة بذي المجاز «8» و عرفات، فلما ظهر الماء بمكة عكفت الطير و الوحش على الماء، فنظرت جرهم إلى تعكف الطير و الوحش على ذلك المكان، فأتبعوها «9» حتى نظروا إلى امرأة و صبي نازلين في

__________________________________________________

(1) في المصدر: استمتعتها.

(2) في المصدر: أتى.

(3) سرّحت فلانا إلى موضع كذا: إذا أرسلته. «الصحاح- سرح- 1: 374».

(4) في المصدر: لم تدعنا. [.....]

(5) في المصدر: المكان حاضر عليكم.

(6) إبراهيم 14: 37.

(7) زمّته شدّته و حجزته بما جعلت حوله من الرمل.

(8) ذو المجاز: موضع سوق بعرفة على ناحية كبكب. «معجم البلدان 5: 55».

(9) في «س و ط»: فأتبعتها.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 332

ذلك الموضع قد استظلا بشجرة، و قد ظهر الماء لهما، فقالوا لهاجر: من أنت، و ما شأنك و شأن هذا الصبي؟ قالت:

أنا ام ولد إبراهيم خليل الرحمن، و هذا ابنه، أمره الله أن ينزلنا هاهنا. فقالوا لها: أ تأذنين «1» لنا أن نكون بالقرب منكما؟ فقالت لهم: حتى يأتي إبراهيم.

فلما زارهما إبراهيم (عليه السلام) في اليوم الثالث، قالت هاجر: يا خليل الله، إن هاهنا قوما من جرهم يسألونك أن تأذن لهم حتى يكونوا بالقرب منا، أ فتأذن لهم في ذلك؟ فقال إبراهيم: نعم، فأذنت هاجر لجرهم فنزلوا بالقرب منهم و ضربوا خيامهم، فأنست هاجر و إسماعيل بهم، فلما زارهم إبراهيم في المرة الثانية «2» نظر إلى كثرة الناس حولهم فسر بذلك سرورا شديدا، فلما ترعرع إسماعيل (عليه السلام)، و كانت جرهم قد وهبوا لإسماعيل كل واحد منهم شاة أو شاتين، فكانت هاجر و إسماعيل يعيشان [بها].

فلما بلغ إسماعيل (عليه السلام) مبلغ الرجال أمر الله إبراهيم (عليه السلام) أن يبني البيت، فقال:

يا رب، في أي بقعة؟

قال: في البقعة التي أنزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم، فلم تزل القبة التي أنزلها الله على آدم (عليه السلام) قائمة حتى كان أيام الطوفان أيام نوح (عليه السلام)، فلما غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة و غرقت الدنيا إلا موضع البيت، فسميت البيت العتيق، لأنه أعتق من الغرق.

فلما أمر الله عز و جل إبراهيم (عليه السلام) أن يبني البيت لم يدر في أي مكان يبنيه، فبعث الله عز و جل جبرئيل (عليه السلام) فخط له موضع البيت، فأنزل الله عليه القواعد من الجنة، و كان الحجر الذي أنزله الله على آدم (عليه السلام) أشد بياضا من الثلج، فلما مسته أيدي الكفار اسود.

فبنى إبراهيم (عليه السلام) البيت، و نقل إسماعيل (عليه السلام) الحجر من ذي طوى، فرفعه في «3» السماء تسعة أذرع، ثم دله على موضع الحجر، فاستخرجه إبراهيم (عليه السلام) و وضعه في موضعه الذي هو فيه الآن، و جعل له بابين: بابا إلى الشرق، و بابا إلى الغرب و الباب الذي إلى الغرب يسمى المستجار، ثم ألقى عليه الشجر و الإذخر، و ألقت «4» هاجر على بابه كساء كان معها، و كانوا يكنون تحته.

فلما بناه و فرغ منه حج إبراهيم و إسماعيل (عليهما السلام)، و نزل عليهما جبرئيل (عليه السلام) يوم التروية لثمان من ذي الحجة، فقال: يا إبراهيم قم فارتو من الماء. لأنه لم يكن بمنى و عرفات ماء. فسميت التروية لذلك، ثم أخرجه إلى منى فبات بها، ففعل به ما فعل بآدم (عليه السلام).

فقال إبراهيم (عليه السلام) لما فرغ من بناء البيت و الحج: رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ

مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ: قال: من ثمرات القلوب، أي حببهم إلى الناس لينتابوا إليهم «5» و يعودوا

__________________________________________________

(1) في المصدر: فقالوا لها: أيّها المباركة أ فتأذني.

(2) في المصدر: الثالثة.

(3) في المصدر: إلى.

(4) في المصدر: و علّقت.

(5) انتاب الرجل القوم انتيابا: إذا قصدهم و أتاهم مرّة بعد مرّة. «لسان العرب- نوب- 1: 775».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 333

إليهم».

637/ [5]- العياشي: عن المنذر الثوري، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن الحجر. فقال: «نزلت ثلاثة أحجار من الجنة: الحجر الأسود استودعه إبراهيم (عليه السلام)، و مقام إبراهيم، و حجر بني إسرائيل».

قال أبو جعفر (عليه السلام): «إن الله استودع إبراهيم الحجر الأبيض، و كان أشد بياضا من القراطيس، فاسود من خطايا بني آدم».

638/ [6]- عن جابر الجعفي، قال: قال محمد بن علي (عليهما السلام): «يا جابر، ما أعظم فرية أهل الشام على الله، يزعمون أن الله تبارك و تعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدس، و لقد وضع عبد من عباد الله قدمه على حجر، فأمرنا الله تبارك و تعالى أن نتخذه مصلى.

يا جابر، إن الله تبارك و تعالى لا نظير له و لا شبيه، تعالى الله عن صفة الواصفين، و جل عن أوهام المتوهمين، و احتجب عن عين الناظرين، لا يزول مع الزائلين، و لا يأفل مع الآفلين، ليس كمثله شي ء، و هو السميع العليم».

639/ [7]- عن عبد الله بن غالب، عن أبيه، عن رجل، عن علي بن الحسين (عليه السلام): «قول إبراهيم: رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ إيانا عنى بذلك و أولياءه و شيعة وصيه».

قال: «وَ مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ

أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ قال: عنى بذلك من جحد وصيه و لم يتبعه من أمته، و كذلك و الله حال هذه الامة».

640/ [8]- عن أحمد بن محمد، عنه (عليه السلام)، قال: «إن إبراهيم لما أن دعا ربه أن يرزق أهله من الثمرات قطع قطعة من الأردن، فأقبلت حتى طافت بالبيت سبعا، ثم أقرها الله في موضعها، و إنما سميت الطائف للطواف بالبيت».

641/ [9]- عن أبي سلمة، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أن الله أنزل الحجر الأسود من الجنة لآدم، و كان البيت درة بيضاء فرفعه الله إلى السماء و بقي أساسه، فهو حيال هذا البيت».

و قال: «يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يرجعون إليه أبدا، فأمر الله إبراهيم و إسماعيل (عليهما السلام) أن يبنيا البيت على القواعد».

642/ [10]- قال الحلبي: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن البيت، أ كان يحج قبل أن يبعث

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 1: 59/ 93.

6- تفسير العيّاشي 1: 59/ 94.

7- تفسير العيّاشي 1: 59/ 96.

8- تفسير العيّاشي 1: 60/ 97. [.....]

9- تفسير العيّاشي 1: 60/ 98.

10- تفسير العيّاشي 1: 60/ 99.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 334

النبي (صلى الله عليه و آله)؟ قال: «نعم، و تصديقه في القرآن قول شعيب حين قال لموسى (عليهما السلام) حيث تزوج: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ «1» و لم يقل ثماني سنين، و إن آدم و نوحا (عليهما السلام) حجا، و سليمان بن داود (عليهما السلام) قد حج البيت بالجن و الإنس و الطير و الريح، و حج موسى (عليه السلام) على جمل أحمر، يقول: لبيك لبيك. و إنه كما قال الله: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ

«2» و قال: وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ و قال: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ «3» و إن الله أنزل الحجر لآدم و كان البيت».

643/ [11]- عن أبي الورقاء، قال: قلت لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أول شي ء نزل من السماء، ما هو؟ قال:

«أول شي ء نزل من السماء إلى الأرض فهو البيت الذي بمكة، أنزله الله ياقوتة حمراء، ففسق قوم نوح في الأرض، فرفعه حيث يقول: وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ».

644/ [12]- عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: أخبرني عن أمة محمد (عليه الصلاة و السلام)، من هم؟ قال: «امة محمد بنو هاشم خاصة».

قلت: فما الحجة في امة محمد أنهم أهل بيته الذين ذكرت دون غيرهم؟ قال: «قول الله: وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَ أَرِنا مَناسِكَنا وَ تُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ فلما أجاب الله إبراهيم و إسماعيل، و جعل من ذريتهم أمة مسلمة، و بعث فيها رسولا منها- يعني من تلك الامة- يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة، ردف إبراهيم (عليه السلام) دعوته الاولى بدعوته الاخرى، فسأل لهم تطهيرا من الشرك و من عبادة الأصنام، ليصح أمره فيهم، و لا يتبعوا غيرهم، فقال: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَ مَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «4» ففي هذه دلالة على أنه لا تكون الأئمة و

الامة المسلمة التي بعث فيها محمدا (صلى الله عليه و آله) إلا من ذرية إبراهيم (عليه السلام)، لقوله: اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ».

645/ [13]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ قال: يعني من ولد إسماعيل (عليه السلام)، فلذلك

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أنا دعوة أبي إبراهيم (عليه السلام)»

__________________________________________________

11- تفسير العيّاشي 1: 60/ 100.

12- تفسير العيّاشي 1: 60/ 101.

13- تفسير القمّي 1: 62.

(1) القصص 28: 27.

(2) آل عمران 3: 96.

(3) البقرة 2: 125.

(4) إبراهيم 14: 35- 36.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 335

سورة البقرة(2): الآيات 130 الي 132 ..... ص : 335

قوله تعالى:

وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [130] إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [131] وَ وَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [132]

646/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق «1» (رضي الله عنه)، قال: حدثنا حمزة ابن القاسم العلوي العباسي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الكوفي الفزاري، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن زيد الزيات، عن محمد بن زياد الأزدي، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)- في حديث له [ذكر فيه الكلمات التي ابتلى الله بهن إبراهيم (عليه السلام)]- قال: [ «ثم استجابة الله دعوته حين قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى «2» و هذه آية متشابهة، و معناها أنه سأل عن الكيفية، و الكيفية من فعل الله عز و جل، متى لم يعلمها العالم لم يلحقه عيب،

و لا عرض في توحيده نقص، فقال الله عز و جل: أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى «3».

هذه شرط عام، لمن آمن به، متى سئل واحد منهم: أ و لم تؤمن؟ وجب آن يقول: بلى، كما قال إبراهيم (عليه السلام)، و لما قال الله عز و جل لجميع أرواح بني آدم: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى «4»، كان أول من قال بلى، محمد (صلى الله عليه و آله)، فصار بسبقه إلى بلى سيد الأولين و الآخرين، و أفضل النبيين و المرسلين، فمن لم يجب عن هذه المسألة بجواب إبراهيم فقد رغب عن ملته ]، قال الله عز و جل: وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ.

ثم اصطفاء الله عز و جل إياه في الدنيا، ثم شهادته له في العاقبة أنه من الصالحين في قوله عز و جل: وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. و الصالحون هم النبي و الأئمة (صلوات الله عليهم)، الآخذون عن الله أمره و نهيه، و الملتمسون الصلاح من عنده، و المجتنبون للرأي و القياس في دينه في قوله عز و جل: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ.

ثم اقتداء من بعده من الأنبياء (عليهم السلام) به في قوله عز و جل:

__________________________________________________

1- الخصال: 308/ 84.

(1) في المصدر: علي بن أحمد بن موسى، و كلاهما من مشايخ الصدوق، و لا يبعد اتحادهما، انظر معجم رجال الحديث 11: 254 و 255.

(2، 3) البقرة 2: 260.

(4) الأعراف 7: 172.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 336

وَ وَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ».

647/ [2]- ابن

شهر آشوب و غيره، عن صاحب (شرح الأخبار) قال أبو جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى:

وَ وَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ قال: «بولاية علي (عليه السلام) «1»».

سورة البقرة(2): آية 133 ..... ص : 336

قوله تعالى:

أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ- إلى قوله تعالى- وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [133]

648/ [3]- العياشي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن تفسير هذه الآية من قول الله: إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً، قال: «جرت في القائم (عليه السلام)».

سورة البقرة(2): آية 135 ..... ص : 336

قوله تعالى:

وَ قالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [135]

649/ [4]- العياشي: عن الوليد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن الحنيفية هي الإسلام».

650/ [5]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام): «ما أبقت الحنيفية شيئا، حتى إن منها قص الشارب و قلم الأظفار و الختان».

651/ [6]- الي بن إبراهيم: أنزل الله تعالى على إبراهيم (عليه السلام) الحنيفية، و هي الطهارة، و هي عشرة أشياء:

__________________________________________________

2- المناقب 3: 95، شرح الأخبار 1: 236/ 238. [.....]

3- تفسير العيّاشي 1: 61/ 102.

4- تفسير العيّاشي 1: 61/ 103.

5- تفسير العيّاشي 1: 61/ 104.

6- تفسير القمّي 1: 59.

(1) في المناقب: لولاية علي (عليه السّلام)، و في شرح الأخبار: مسلمون بولاية عليّ (عليه السّلام).

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 337

خمسة في الرأس، و خمسة في البدن فأما التي في الرأس: فأخذ الشارب، و إعفاء اللحى، و طم الشعر «1»، و السواك، و الخلال، و أما التي في البدن: فحلق الشعر من البدن، و الختان، و قلم الأظفار، و الغسل من الجنابة، و الطهور بالماء، و هي الحنيفية الطاهرة التي جاء بها إبراهيم فلم تنسخ و لا تنسخ إلى يوم القيامة.

سورة البقرة(2): الآيات 136 الي 137 ..... ص : 337

قوله تعالى:

قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ ما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ ما أُوتِيَ مُوسى وَ عِيسى وَ ما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [136] فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [137]

652/ [1]- العياشي: عن المفضل بن صالح،

عن بعض أصحابه، في قوله تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ ما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ أما قوله: قُولُوا منه آل محمد (صلى الله عليه و آله) و قوله: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا سائر الناس.

653/ [2]- عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: كان ولد يعقوب أنبياء؟ قال:

«لا، و لكنهم كانوا أسباط أولاد الأنبياء، و لم يكونوا فارقوا الدنيا إلا سعداء تابوا و تذكروا ما صنعوا».

و روى هذا الحديث محمد بن يعقوب بإسناده عن حنان، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) بزيادة بعد قوله:

«و تذكروا ما صنعوا» و هي قوله (عليه السلام): «إلا «2» الشيخين، فارقا الدنيا و لم يتوبا و لم يذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين (عليه السلام)، فعليهما لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين» «3».

654/ [3]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن محمد ابن النعمان، عن سلام، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا. قال: «إنما عنى

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1: 61/ 105.

2- تفسير العيّاشي 1: 62/ 106.

3- الكافي 1: 344/ 19.

(1) طمّ الشعر: جزّه أو قصّه. «مجمع البحرين- طمم- 6: 107».

(2) في المصدر: إنّ.

(3) في «ط»: 8: 246/ 343.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 338

بذلك عليا و فاطمة و الحسن و الحسين، و جرت بعدهم في الأئمة (عليهم السلام)، [ثم ] يرجع القول من الله في الناس، فقال: فَإِنْ آمَنُوا يعني الناس بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ يعني عليا و فاطمة و الحسن و الحسين

و الأئمة (عليهم السلام): فَقَدِ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ».

العياشي: عن سلام، عن أبي جعفر (عليه السلام)، و ذكر الحديث بعينه «1».

655/ [4]- قال علي بن إبراهيم: قوله فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ يعني في كفر.

و رواه في (مجمع البيان) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «2».

سورة البقرة(2): آية 138 ..... ص : 338

قوله تعالى:

صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَ نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ [138]

656/ [5]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً. قال: «صبغ المؤمنين بالولاية في الميثاق».

657/ [6]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، جميعا عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً قال: «الإسلام».

658/ [7]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن عبد الله بن فرقد، عن حمران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً قال: «الصبغة هي الإسلام».

659/ [8]- و عنه: عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن غير واحد، عن أبان، عن محمد ابن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام)، في قول الله: صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً قال: «الصبغة هي الإسلام».

__________________________________________________

4- تفسير القمّي 1: 62.

5- الكافي 1: 350/

53.

6- الكافي 2: 12/ 1. [.....]

7- الكافي 2: 12/ 2.

8- الكافي 2: 12/ 3.

(1) تفسير العيّاشي 1: 62/ 107.

(2) مجمع البيان 1: 406.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 339

660/ [5]- ابن بابويه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن فضالة، عن أبان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً قال: «هي الإسلام».

661/ [6]- العياشي: عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، و حمران، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «الصبغة الإسلام».

662/ [7]- و عن عبد الرحمن «1» بن كثير الهاشمي- مولى أبي جعفر-، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله:

صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً قال: «الصبغة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالولاية في الميثاق».

سورة البقرة(2): آية 142 ..... ص : 339

قوله تعالى:

سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [142]

663/ [1]- الشيخ بإسناده عن الطاطري، عن وهيب، عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام)، في قوله:

سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.

فقلت له: أمره الله أن يصلي إلى بيت المقدس؟

قال: «نعم، ألا ترى أن الله تعالى يقول: وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ «2»؟

قال: «إن بني عبد الأشهل أتوهم و هم في الصلاة، و قد صلوا ركعتين إلى بيت المقدس، فقيل

لهم: إن نبيكم

__________________________________________________

5- معاني الأخبار: 188/ 1.

6- تفسير العيّاشي 1: 62/ 108.

7- تفسير العيّاشي 1: 62/ 109.

1- التهذيب 2: 43/ 138.

(1) في «س و ط»: عمران بن عبد الرحمن، و في المصدر: عمر بن عبد الرحمن، و كلاهما سهو أو هما تصحيف (عن عمّه) لتشابه الرسم و لأنّ علي بن حسّان روى هذا الحديث عن عمّه عبد الرحمن كما في الكافي المتقدّم برقم (1) و هو الموافق للبحار 3: 281/ 20، و معجم رجال الحديث 9: 343، و حذف مع سائر أسانيد تفسير العيّاشي.

(2) البقرة 2: 143.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 340

قد صرف إلى الكعبة، فتحول النساء مكان الرجال، و الرجال مكان النساء، و صلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة، فصلوا صلاة واحدة إلى قبلتين، فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين».

664/ [2]- أبو علي الطبرسي عن علي بن إبراهيم، بإسناده عن الصادق (عليه السلام)، قال: «تحولت القبلة إلى الكعبة بعد ما صلى النبي (صلى الله عليه و آله) بمكة ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدس، و بعد مهاجرته إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس سبعة أشهر- قال-: ثم وجهه الله إلى الكعبة، و ذلك أن اليهود كانوا يعيرون رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و يقولون له: أنت تابع لنا، تصلي إلى قبلتنا فاغتم رسول الله (صلى الله عليه و آله) من ذلك غما شديدا، و خرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء، ينتظر من الله في ذلك أمرا، فلما أصبح و حضر وقت صلاة الظهر، كان في مسجد بني سالم قد صلى من الظهر ركعتين، فنزل عليه جبرئيل و أخذ بعضديه و حوله إلى الكعبة، و أنزل عليه: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي

السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ «1» و كان قد صلى ركعتين إلى بيت المقدس، و ركعتين إلى الكعبة، فقالت اليهود و السفهاء: ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها».

665/ [3]- الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام) قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما كان بمكة أمره أن يتوجه نحو بيت المقدس في صلاته، و يجعل الكعبة بينه و بينها إذا أمكن، و إذا لم يكن «2» استقبل بيت المقدس كيف كان، فكان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة.

فلما كان بالمدينة، و كان متعبدا باستقبال بيت المقدس استقبله و انحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا، و جعل قوم من مردة اليهود يقولون: و الله، ما درى محمد كيف صلى حتى صار يتوجه إلى قبلتنا، و يأخذ في صلاته بهدينا و نسكنا فاشتد ذلك على رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما اتصل به عنهم، و كره قبلتهم و أحب الكعبة، فجاءه جبرئيل (عليه السلام)، فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا جبرئيل، لوددت لو صرفني الله عن بيت المقدس إلى الكعبة، فقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم. فقال جبرئيل: فاسأل ربك أن يحولك إليها، فإنه لا يردك عن طلبتك، و لا يخيبك من بغيتك.

فلما استتم دعاءه صعد جبرئيل (عليه السلام)، ثم عاد من ساعته، فقال: اقرأ، يا محمد: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ «3» الآيات. فقال اليهود عند ذلك: ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها.

فأجابهم الله أحسن جواب، فقال: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ و هو يملكهما، و تكليفه التحول إلى جانب كتحويله لكم إلى جانب آخر

__________________________________________________

2- مجمع البيان 1: 413.

3- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 492/ 312.

(1) البقرة 2: 144.

(2) في المصدر: يتمّكن. [.....]

(3) البقرة 2: 144.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 341

يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ هو مصلحهم و مؤديهم بطاعتهم «1» إلى جنات النعيم.

و جاء قوم من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالوا: يا محمد، هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربع عشرة سنة ثم تركتها الآن، أ فحقا كان ما كنت عليه، فقد تركته إلى باطل؟ فإن ما يخالف الحق فهو باطل، أو كان باطلا فقد كنت عليه طول هذه المدة؟ فما يأمنا أن تكون الآن على باطل؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): بل ذلك كان حقا، و هذا حق، يقول الله تعالى: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ إذا عرف صلاحكم- يا أيها العباد- في استقبال المشرق أمركم به، و إذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به، و إن عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به، فلا تنكروا تدبير الله في عباده، و قصده إلى مصالحكم.

ثم قال لهم رسول الله (صلى الله عليه و آله): لقد تركتم العمل يوم السبت، ثم عملتم بعده في سائر الأيام، و تركتموه في يوم السبت، ثم عملتم بعده، أ فتركتم الحق إلى الباطل، أو الباطل إلى الحق؟ أو الباطل إلى الباطل أو الحق إلى الحق؟ قولوا كيف شئتم فهو قول محمد و جوابه لكم.

قالوا: بل ترك العمل في السبت حق، و العمل بعده

حق.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): فكذلك قبلة بيت المقدس في وقتها حق، ثم قبلة الكعبة في وقتها حق.

فقالوا: يا محمد: أ فبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حتى «2» نقلك إلى الكعبة؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما بدا له عن ذلك، لأنه العالم بالعواقب، و القادر على المصالح، لا يستدرك على نفسه غلطا، و لا يستحدث له رأيا بخلاف المتقدم، جل عن ذلك، و لا يقع أيضا عليه مانع يمنعه عن مراده، و ليس يبدو إلا لمن كان هذا وصفه، و هو عز و جل يتعالى عن هذه الصفات علوا كبيرا.

ثم قال لهم رسول الله (صلى الله عليه و آله): أيها اليهود، أخبروني عن الله، أليس يمرض ثم يصح، و يصح ثم يمرض، أ بدا له في ذلك؟ أليس يحيي و يميت «3»، أليس يأتي بالليل في أثر النهار، ثم النهار في أثر الليل، أ بدا له في كل واحد من ذلك؟ قالوا: لا.

قال: فكذلك الله تعبد نبيه محمدا بالصلاة إلى الكعبة بعد أن كان تعبده بالصلاة إلى بيت المقدس، و ما بدا له في الأول، ثم قال: أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف، و الصيف في أثر الشتاء، أ بدا له في كل واحد منهما؟

قالوا: لا. قال: فكذلك لم يبد له في القبلة».

قال: «ثم قال: أليس قد ألزمكم أن تحترزوا في الشتاء من البرد بالثياب الغليظة، و ألزمكم في الصيف أن

__________________________________________________

(1) في المصدر: و هو مصلحتهم، و تؤديهم طاعتهم.

(2) في المصدر: حين.

(3) في المصدر زيادة: أبدا له.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 342

تحترزوا من الحر، أ فبدا له في الصيف حين

«1» أمركم بخلاف ما أمركم به في الشتاء؟ قالوا: لا. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): فكذلك تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشي ء، ثم بعده في وقت آخر لصلاح آخر «2» بشي ء آخر، فإن أطعتم في الحالين استحققتم ثوابه، فأنزل الله: وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ «3» أي إذا توجهتم بأمره فثم الوجه الذي تقصدون منه «4» الله تعالى، و تؤملون ثوابه.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا عباد الله، أنتم كالمرضى، و الله رب العالمين كالطبيب، فصلاح المرضى فيما يعلمه الطبيب و يدبره به، لا فيما يشتهيه المريض و يقترحه، ألا فسلموا لله أمره تكونوا من الفائزين».

فقيل: يا بن رسول الله، فلم أمر بالقبلة الأولى؟

فقال: «لما قال الله عز و جل: وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها و هي بيت المقدس إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ «5» إلا لنعلم ذلك منه موجودا بعد أن علمناه سيوجد، و ذلك أن هوى أهل مكة كان في الكعبة، فأراد الله يبين متبع محمد (صلى الله عليه و آله) من مخالفه باتباع القبلة التي كرهها، و محمد (صلى الله عليه و آله) يأمر بها، و لما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس أمرهم بمخالفتها و التوجه إلى الكعبة، ليبين من يوافق محمدا (صلى الله عليه و آله) في ما يكرهه، فهو مصدقه و موافقه.

ثم قال: وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ «6» أي كان «7» التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت كبيرة إلا على من يهدي الله، فعرف أن الله يتعبد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في

مخالفة هواه».

سورة البقرة(2): آية 143 ..... ص : 342

قوله تعالى:

وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [143]

666/ [1]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن

__________________________________________________

1- الكافي 1: 146/ 2.

(1) في المصدر: حتى.

(2) في المصدر زيادة: يعلمه.

(3) البقرة 2: 115.

(4) في «ط» نسخة بدل: الذي تعبدون فيه.

(5) البقرة 2: 143.

(6) البقرة 2: 143.

(7) في «س و ط»: و إن كان ما كان.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 343

أحمد بن عائذ، عن عمر بن أذينة، عن بريد العجلي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل:

وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ. فقال: «نحن الأمة الوسطى، و نحن شهداء الله على خلقه، و حججه في أرضه».

667/ [2]- عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد العجلي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قول الله تبارك و تعالى: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً؟ قال: «نحن الامة الوسط، و نحن شهداء الله تبارك و تعالى على خلقه، و حججه في أرضه».

668/ [3]- محمد بن الحسن الصفار: عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، [عن ابن أذينة] «1»، عن بريد العجلي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله تبارك و تعالى: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً. قال: «نحن أمة الوسط، و نحن شهداء الله على خلقه، و حججه في أرضه».

669/ [4]- و عنه: عن عبد الله بن محمد، عن

إبراهيم بن محمد الثقفي، قال: في (كتاب بندار بن عاصم) عن الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله تبارك و تعالى: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً. قال: «نحن الشهداء على الناس بما عندهم من الحلال و الحرام، و بما ضيعوا منه».

670/ [5]- و عنه: عن يعقوب بن يزيد، و محمد بن الحسين، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن بريد ابن معاوية العجلي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قوله تعالى وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ؟ قال: «نحن الأمة «2» الوسط، و نحن شهداء الله على خلقه» «3».

671/ [6]- سعد بن عبد الله القمي: عن أحمد بن محمد بن عيسى، و محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن علي بن النعمان، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول

__________________________________________________

2- الكافي 1: 147/ 4.

3- بصائر الدرجات: 83/ 11. [.....]

4- بصائر الدرجات: 102/ 1.

5- بصائر الدرجات: 102/ 3.

6- مختصر بصائر الدرجات: 65.

(1) أثبتناه من المصدر، و هو الصواب كما في الحديثين (2 و 5) و معجم رجال الحديث 3: 290.

(2) في المصدر: الأئمّة.

(3) في المصدر زيادة: و حجته في أرضه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 344

الله عز و جل وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً. قال:

«نحن الشهداء على الناس بما عندنا من الحلال و الحرام» «1».

672/ [7]- العياشي: عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً

وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً؟ قال: «نحن الأمة الوسطى، و نحن شهداء الله على خلقه، و حججه في أرضه».

673/ [8]- عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «نحن نمط الحجاز» فقلت: و ما نمط الحجاز؟

قال: «أوسط الأنماط، إن الله يقول: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً- ثم قال- إلينا يرجع الغالي، و بنا يلحق المقصر».

674/ [9]- و قال أبو بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، قال: «بما عندنا من الحلال و الحرام، و بما ضيعوا منه».

675/ [10]- و روى عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «هم الأئمة».

676/ [11]- عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال الله تعالى: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً فإن ظننت أن الله عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحدين، أفترى أن من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر، يطلب الله شهادته يوم القيامة و يقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية؟ كلا، لم يعن الله مثل هذا من خلقه، يعني الامة التي وجبت لها دعوة إبراهيم (عليه السلام): كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ «2» و هم الأمة الوسطى، و هم خير أمة أخرجت للناس».

قوله تعالى:

وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَ ما

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 1: 62/ 110.

8- تفسير العيّاشي 1: 63/ 111.

9- تفسير العيّاشي 1: 63/ 113.

10- تفسير العيّاشي 1: 63/ 112.

11- تفسير العيّاشي 1: 63/ 114.

(1) في المصدر

زيادة: و بما ضيّعوا.

(2) آل عمران 3: 110.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 345

كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [143] قد تقدم من تفسير هذه الآية في قوله تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ الآية «1»، و نزيد هاهنا:

677/ [1]- الشيخ، بإسناده عن الطاطري، عن محمد بن أبي حمزة، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قوله الله: وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ أمره به؟

قال: «نعم، إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يقلب وجهه في السماء، فعلم الله ما في نفسه، فقال: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها «2»».

678/ [2]- عنه: عن الطاطري، عن وهيب، عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: قلت له: الله أمره أن يصلي إلى البيت المقدس؟

قال: «نعم، ألا ترى أن الله تعالى يقول: وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ».

679/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، قال:

حدثنا أبو عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لما صرف الله نبيه (صلى الله عليه و آله) إلى الكعبة عن بيت المقدس، أنزل الله عز و جل: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ فسمى الصلاة إيمانا».

680/ [4]- العياشي: قال أبو عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه

السلام)، قال: قلت له: ألا تخبرني عن الإيمان، أقول هو و عمل، أم قول بلا عمل؟

فقال: «الإيمان عمل كله، و القول بعض ذلك العمل، مفروض من الله، مبين في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجته، يشهد له بها الكتاب و يدعو إليه.

و لما أن صرف الله نبيه (صلى الله عليه و آله) إلى الكعبة عن بيت المقدس، قال المسلمون للنبي (صلى الله عليه و آله):

أ رأيت صلاتنا التي كنا نصلي إلى بيت المقدس، ما حالنا فيها، و ما حال من مضي من أمواتنا و هم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ فسمى الصلاة إيمانا، فمن اتقى الله حافظا لجوارحه موفيا كل جارحة من جوارحه بما فرض الله عليه، لقي الله مستكملا لإيمانه من أهل الجنة، و من خان في شي ء منها، أو تعدى ما أمر فيها، لقي الله ناقص الإيمان».

__________________________________________________

1- التهذيب 2: 43/ 137. [.....]

2- التهذيب 2: 44/ 138.

3- الكافي 2: 38/ 1.

4- تفسير العيّاشي 1: 63/ 115.

(1) تقدم في الحديث (1) من تفسير الآية (142) من هذه السورة.

(2) البقرة 2: 144.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 346

سورة البقرة(2): آية 144 ..... ص : 346

قوله تعالى:

فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [144]

681/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك، فإن الله عز و جل قال لنبيه (صلى الله عليه و آله) في الفريضة: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ و اخشع ببصرك و

لا ترفعه إلى السماء، و ليكن حذاء وجهك في موضع سجودك».

682/ [2]- العياشي: عن حريز، قال أبو جعفر (عليه السلام): «استقبل القبلة بوجهك و لا تقلب وجهك عن «1» القبلة فتفسد صلاتك، فإن الله يقول لنبيه (صلى الله عليه و آله) في الفريضة: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ».

سورة البقرة(2): الآيات 146 الي 147 ..... ص : 346

قوله تعالى:

الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [146- 147]

683/ [3]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه رفعه، عن محمد ابن داود الغنوي، عن الأصبغ نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «أما أصحاب المشأمة فهم اليهود و النصارى، يقول الله عز و جل: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ يعرفون محمدا و الولاية في التوراة و الإنجيل، كما يعرفون أبناءهم في منازلهم وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ أنك أنت الرسول إليهم فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ.

__________________________________________________

1- الكافي 3: 300/ 6.

2- تفسير العيّاشي 1: 64/ 116.

3- الكافي 2: 215/ 16.

(1) في المصدر: من.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 347

فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم الله بذلك فسلبهم روح الإيمان، و أسكن أبدانهم ثلاثة أرواح: روح القوة، و روح الشهوة، و روح البدن، ثم أضافهم إلى الأنعام، فقال: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ «1» لأن الدابة إنما تحمل بروح القوة، و تعتلف بروح الشهوة، و تسير بروح البدن».

684/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن حريز، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «نزلت

هذه الآية في اليهود و النصارى، يقول الله تبارك و تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعني التوراة و الإنجيل يَعْرِفُونَهُ يعني يعرفون رسول الله كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ لأن الله عز و جل قد أنزل عليهم في التوراة و الإنجيل و الزبور صفة محمد (صلى الله عليه و آله) و صفة أصحابه و مهاجرته «2»، و هو قول الله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ «3» و هذه صفة محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله) في التوراة [و الإنجيل ] و صفة أصحابه، فلما بعثه الله عز و جل عرفه أهل الكتاب، كما قال جل جلاله: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ «4»».

سورة البقرة(2): آية 148 ..... ص : 347

قوله تعالى:

سْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ [148]

685/ [1]- محمد بن إبراهيم- المعروف بابن زينب- قال: أخبرنا عبد الواحد بن عبد الله بن يونس، قال: حدثنا محمد بن جعفر القرشي، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن سنان، عن ضريس، عن أبي خالد الكابلي، عن علي بن الحسين، أو عن محمد بن علي (عليهما السلام)، أنه قال: «الفقداء قوم يفقدون من فرشهم فيصبحون بمكة، و هو قول الله عز و جل:يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً

، و هم أصحاب القائم (عليه السلام)».

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 1: 32.

1- الغيبة للنعماني: 313/ 4.

(1) الفرقان 25: 44.

(2) في المصدر: أصحابه و مبعثه و هجرته.

(3) الفتح 48: 29. [.....]

(4) البقرة 2: 89.

البرهان في تفسير القرآن،

ج 1، ص: 348

686/ [2]- و عنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدثنا علي بن الحسن التيملي، قال:

حدثنا الحسن و محمد ابنا علي بن يوسف، عن سعدان بن مسلم، عن رجل، عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا اذن الإمام دعا الله عز و جل باسمه العبراني، فانتجب له أصحابه «1»، الثلاث مائة و ثلاثة عشر، قزعا كقزع الخريف «2»، و هم أصحاب الألوية منهم من يفتقد من فراشه ليلا فيصبح بمكة، و منهم من يرى يسير في السحاب نهارا، يعرف باسمه و اسم أبيه و حسبه «3» و نسبه».

قلت: جعلت فداك، أيهما أعظم إيمانا؟

قال: «الذي يسير في السحاب نهارا، و هم المفقودون، و فيهم نزلت هذه الآية:يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً».

687/ [3]- و عنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثني أحمد بن يوسف، قال: حدثنا إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي، عن أبيه و وهيب «4»، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله:

سْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً قال: «نزلت في القائم (عليه السلام) و أصحابه يجتمعون على غير ميعاد».

688/ [4]- و عنه، قال: أخبرنا محمد بن يعقوب الكليني أبو جعفر، قال: حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه. قال: و حدثني محمد بن يحيى بن عمران «5»، عن أحمد بن محمد بن عيسى. و حدثني علي بن محمد و غيره، عن سهل بن زياد «6»، عن الحسن بن محبوب. و حدثنا عبد الواحد بن عبد الله الموصلي، عن أبي علي أحمد بن محمد بن أبي ناشر، عن أحمد بن هلال،

عن الحسن بن محبوب، قال: حدثنا عمرو بن أبي المقدام، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام)- في حديث يذكر فيه علامات القائم (عليه السلام)، إلى أن قال-: «فيجمع الله له «7» أصحابه ثلاث مائة و ثلاثة عشر رجلا، و يجمعهم الله له على غير ميعاد، قزعا كقزع الخريف،

__________________________________________________

2- الغيبة للنعماني: 312/ 3.

3- الغيبة للنعماني: 241/ 37.

4- الغيبة للنعماني: 282/ 67.

(1) انتجب: اختار و انتخب، و في المصدر: فأتيحت له صحابته: أي تهيّأت.

(2) أي قطع كقطع السحاب المتفرّقة، قيل، و إنّما خصّ الخريف لأنّه أوّل الشتاء و السحاب فيه يكون متفرّقا غير متراكم و لا مطبق، ثمّ يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك. «مجمع البحرين- قزع- 4: 378».

(3) في المصدر: و حليته.

(4) في «س و ط»: وهب، و الظاهر أنّ الصواب ما في المتن، و هو الموافق لسائر الروايات. انظر معجم رجال الحديث 19: 215.

(5) في المصدر: محمّد بن عمران.

(6) في المصدر زيادة: جميعا.

(7) في المصدر: عليه.

رهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 349

و هم «1»- يا جابر- الآية التي ذكرها الله في كتابه:يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ

فيبايعونه بين الركن و المقام، و معه عهد من رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قد توارثته الأبناء من الآباء».

689/ [5]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبي، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن سنان، عن أبي خالد القماط، عن ضريس، عن أبي خالد الكابلي، عن سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) قال: «المفقودون من فرشهم ثلاث مائة و ثلاثة عشر

رجلا، عدة أهل بدر، فيصبحون بمكة، و هو قوله عز و جل:يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً

و هم أصحاب القائم».

690/ [6]- عنه، قال: حدثنا محمد بن علي ما جيلويه (رضي الله عنه)، قال: حدثني عمي محمد بن أبي القاسم «2»، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي «3»، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لقد نزلت هذه الآية في المفقودين «4» من أصحاب القائم (عليه السلام)، قوله عز و جل:يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً

إنهم المفقودون في «5» فرشهم ليلا فيصبحون بمكة، و بعضهم يسير في السحاب نهارا، يعرف باسمه و اسم أبيه و حليته و نسبه».

قال: فقلت: جعلت فداك، أيهم أعظم إيمانا؟ قال: «الذي يسير في السحاب نهارا».

691/ [7]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «6»

، في قول الله عز و جل:اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً

.قال: «الخيرات الولاية، و قوله:يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً يعني أصحاب القائم (عليه السلام) الثلاث مائة و البضعة عشر رجلا- قال- «هم و الله الامة المعدودة- قال-: يجتمعون و الله في ساعة واحدة قزعا كقزع الخريف».

692/ [8]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي خالد

__________________________________________________

5- كمال الدين و تمام النعمة: 654/ 21.

6- كمال الدين و تمام النعمة: 672/ 24.

7- الكافي 8: 313/ 487، ينابيع المودة: 421. [.....]

8- تفسير القمّي 2: 205.

(1) في المصدر: و هي.

(2) في «س»

و «ط»: زيادة: عن أحمد بن أبي القاسم، و الصواب ما في المتن، و هو تصحيف محمّد بن أبي القاسم الذي يروي عن أحمد البرقي.

راجع: جامع الرواة 1: 64، معجم رجال الحديث 2: 268.

(3) في المصدر: الكوفي، و هو صحيح أيضا لأنّ أصله من الكوفة، انظر رجال النجاشي: 76/ 182.

(4) في المصدر: المفتقدين.

(5) في المصدر: ليفتقدون عن.

(6) في المصدر: عن أبي جعفر (عليه السّلام)، و أبو خالد يروي عن الباقر و الصادق (عليهما السّلام). انظر معجم رجال الحديث 21: 138.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 350

الكابلي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام)- في حديث يذكر فيه خروج القائم (عليه السلام)- قال: «ثم ينتهي إلى المقام فيصلي ركعتين، و ينشد الله حقه».

ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): هو- و الله- المضطر في قوله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ «1» فيكون أول من يبايعه جبرئيل، ثم الثلاث مائة و الثلاثة عشر رجلا فمن كان ابتلى بالمسير وافاه، و من لم يبتل بالمسير فقد عن فراشه، و هو قول أمير المؤمنين (عليه السلام): هم المفقودون عن فرشهم، و ذلك قول الله:اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً

- قال-: الخيرات الولاية».

693/ [9]- أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في (مسند فاطمة)، قال: حدثني أبو الحسين محمد بن هارون، قال: حدثنا أبي هارون بن موسى «2» بن أحمد (رحمه الله)، قال: حدثنا أبو علي الحسن بن محمد النهاوندي، قال:

حدثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن عبيد الله القمي القطان- المعروف بابن الخزاز- قال: حدثنا محمد بن زياد، عن أبي عبد الله الخراساني، قال: حدثنا أبو الحسين عبد الله بن الحسن الزهري

«3»، قال: حدثنا أبو حسان «4» سعيد ابن جناح، عن مسعدة «5» بن صدقة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)- في حديث يذكر فيه رجال القائم (عليه السلام) من البلدان- قال (عليه السلام): «إن أصحاب القائم (عليه السلام) يلقى بعضهم بعضا كأنهم بنو أب و ام، و إن افترقوا افترقوا عشاء و التقوا غدوة، و ذلك تأويل هذه الآية:اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً

.قال أبو بصير: قلت: جعلت فداك، ليس على الأرض يومئذ مؤمن غيرهم؟

قال: «بلى، و لكن هذه التي يخرج الله فيها القائم، و هم النجباء و القضاة و الحكام و الفقهاء في الدين، يمسح الله بطونهم و ظهورهم فلا يشتبه عليهم حكم».

694/ [10]- العياشي: عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، يقول: «الزم الأرض، لا تحرك يدك و لا رجلك أبدا حتى ترى علامات أذكرها لك في سنة و ترى مناديا ينادي بدمشق، و خسفا بقرية من قراها، و تسقط طائفة من مسجدها، فإذا رأيت الترك جازوها، فأقبلت الترك حتى نزلت الجزيرة «6»، و أقبلت الروم حتى نزلت الرملة «7»، و هي سنة اختلاف في كل أرض من أرض العرب.

__________________________________________________

9- دلائل الإمامة: 310.

10- تفسير العيّاشي 1: 64/ 117.

(1) النّمل 27: 62.

(2) في «س و ط»: أبو هارون موسى، و الصواب ما في المتن. راجع معجم رجال الحديث 17: 318.

(3) سقط اسم هذا الراوي من دلائل الامامة المطبوع، و اثبت في بعض نسخه المخطوطة.

(4) في نسخة من «ط»، أبو حنان.

(5) في «س و ط»: مسعود، تصحيف صوابه ما في المتن، انظر: رجال النجاشي: 415/ 1108 و معجم رجال الحديث 18: 135. [.....]

(6) الجزيرة: و هي التي بين

دجلة و الفرات. «معجم البلدان 2: 134».

(7) الرملة: و تطلق على عدّة أماكن، منها: مدينة عظيمة بفلسطين، و محلّة خربت نحو شاطئ مقابل للكرخ ببغداد، و قرية في البحرين. «معجم- البلدان 3: 69».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 351

و إن أهل الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: الأصهب «1»، و الأبقع «2»، و السفياني، مع بني ذنب الحمار مضر، و مع السفياني أخواله من كلب، فيظهر السفياني و من معه على بني ذنب الحمار حتى يقتلوا قتلا لم يقتله شي ء قط. و يحضر رجل بدمشق، فيقتل هو و من معه قتلا لم يقتله شي ء قط، و هو من بني ذنب الحمار، و هي الآية التي يقول الله تبارك و تعالى: فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ «3».

و يظهر السفياني و من معه حتى لا يكون له همة إلا آل محمد (صلى الله عليه و آله) و شيعتهم، فيبعث- و الله- بعثا إلى الكوفة، فيصاب بأناس من شيعة آل محمد بالكوفة قتلا و صلبا، و تقبل راية من خراسان حتى تنزل ساحل الدجلة، يخرج رجل من الموالي ضعيف و من تبعه فيصاب بظهر الكوفة، و يبعث بعثا إلى المدينة فيقتل بها رجلا، و يهرب المهدي و المنصور منها، و يؤخذ آل محمد صغيرهم و كبيرهم، لا يترك منهم أحد إلا حبس، و يخرج الجيش في طلب الرجلين.

و يخرج المهدي (عليه السلام) منها على سنة موسى (عليه السلام) خائفا يترقب حتى يقدم مكة، و يقبل الجيش حتى إذا نزلوا البيداء «4»- و هو جيش الهلاك «5»- خسف بهم، فلا يفلت منهم إلا مخبر، فيقوم القائم بين الركن و المقام فيصلي و

ينصرف، و معه وزيره، فيقول: يا أيها الناس، إنا نستنصر الله على من ظلمنا و سلب حقنا، من يحاجنا في الله فإنا أولى بالله، و من يحاجنا في آدم (عليه السلام) فإنا أولى الناس بآدم (عليه السلام)، و من حاجنا في نوح (عليه السلام) فإنا أولى الناس بنوح (عليه السلام)، و من حاجنا في إبراهيم (عليه السلام) فإنا أولى الناس بإبراهيم (عليه السلام)، و من حاجنا في محمد (صلى الله عليه و آله) فإنا أولى الناس بمحمد (صلى الله عليه و آله)، و من حاجنا في النبيين فنحن أولى الناس بالنبيين، و من حاجنا في كتاب الله فنحن أولى الناس بكتاب الله. إنا نشهد و كل مسلم اليوم أنا قد ظلمنا، و طردنا، و بغي علينا، و أخرجنا من ديارنا و أموالنا و أهلينا، و قهرنا، ألا إنا نستنصر الله اليوم و كل مسلم.

و يجي ء- و الله- ثلاث مائة و بضعة عشر رجلا، فيهم خمسون امرأة، يجتمعون بمكة على غير ميعاد، قزعا كقزع الخريف، يتبع بعضهم بعضا، و هي الآية التي قال الله:يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ فيقول رجل من آل محمد (صلى الله عليه و آله): اخرج منها، فهي القرية الظالم أهلها.

ثم يخرج من مكة هو و من معه الثلاث مائة و بضعة عشر يبايعونه بين الركن و المقام، و معه عهد نبي الله (صلى الله عليه و آله) و رايته، و سلاحه، و وزيره معه، فينادي المنادي بمكة باسمه و أمره من السماء، حتى يسمعه أهل

__________________________________________________

(1) الصهبة: الشّقرة في شعر الرأس. «الصحاح- صهب- 1: 166».

(2) الأبقع: الذي يخالط لونّه لون آخر.

(3) مريم 19: 37.

(4) البيداء:

اسم لأرض ملساء بين مكّة و المدينة، «معجم البلدان 1: 523».

(5) في المصدر: الهملات.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 352

الأرض كلهم: اسمه اسم نبي، إن «1» أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله (صلى الله عليه و آله)، و رايته، و سلاحه، و النفس الزكية من ولد الحسين (عليه السلام)، فإن أشكل عليكم هذا فلا يشكل عليكم الصوت من السماء باسمه و أمره، و إياك و شذاذا من آل محمد، فإن لآل محمد و علي (عليهم السلام) راية، و لغيرهم رايات، فالزم الأرض و لا تتبع منهم رجلا أبدا حتى ترى رجلا من ولد الحسين (عليه السلام)، معه عهد نبي الله (صلى الله عليه و آله) و رايته و سلاحه، فإن عهد نبي الله (صلى الله عليه و آله) صار عند علي بن الحسين (عليهما السلام)، ثم صار عند محمد بن علي، (عليهما السلام)، و يفعل الله ما يشاء، فالزم هؤلاء أبدا، و إياك و من ذكرت لك.

فإذا خرج رجل منهم معه ثلاث مائة و بضعة عشر رجلا، و معه راية رسول الله (صلى الله عليه و آله)، عامدا إلى المدينة حتى يمر بالبيداء حتى يقول: هذا مكان القوم الذين يخسف بهم، و هي الآية التي قال الله: أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ «2».

فإذا قدم المدينة أخرج محمد بن الشجري على سنة يوسف (عليه السلام)، ثم يأتي الكوفة فيطيل بها المكث ما شاء الله أن يمكث حتى يظهر عليها، ثم يسير حتى يأتي العذراء «3» هو و من معه، و قد لحق به ناس كثير،

و السفياني يومئذ بوادي الرملة، حتى إذا التقوا- و هو يوم الأبدال- يخرج أناس كانوا مع السفياني من شيعة آل محمد، و يخرج ناس كانوا مع آل محمد إلى السفياني، فهم من شيعته حتى يلحقوا بهم، و يخرج كل أناس إلى رايتهم، و هو يوم الأبدال.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): و يقتل يومئذ السفياني و من معه حتى لا يترك منهم مخبر، و الخائب يومئذ من خاب من غنيمة بني كلب، ثم يقبل إلى الكوفة فيكون منزله بها، فلا يترك عبدا مسلما إلا اشتراه و أعتقه، و لا غارما إلا قضى دينه، و لا مظلمة لأحد من الناس إلا ردها، و لا يقتل منه عبد إلا أدى ثمنه، دية مسلمة إلى أهله «4»، و لا يقتل قتيل إلا قضى عنه دينه، و ألحق عياله في العطاء، حتى يملأ الأرض قسطا و عدلا، كما ملئت ظلما و جورا و عدوانا.

و يسكن هو و أهل بيته الرحبة «5»، و الرحبة إنما كانت مسكن نوح (عليه السلام)، و هي أرض طيبة، و لا يسكن الرجل من آل محمد (عليهم السلام) و لا يقتل إلا بأرض طيبة زاكية، فهم الأوصياء الطيبون».

__________________________________________________

(1) في «ط»: ما، و نسخة بدل: فما.

(2) النّحل 16: 45- 46.

(3) العذراء: هي قرية بغوطة دمشق من إقليم خولان. «معجم البلدان 4: 91».

(4) في المصدر: أهلها.

(5) الرّحبة: تطلق على عدّة أماكن، منها: قرية بحذاء القادسية على مرحلة من الكوفة، و قرية قريبة من صنعاء اليمن، و ناحية بين المدينة و الشام قريبة من وادي القرى. «معجم البلدان 3: 33».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 353

695/ [11]- عن أبي سمينة، عن مولى لأبي الحسن (عليه السلام)، قال: سألت أبا

الحسن (عليه السلام) عن قوله:

ْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً. قال: «و ذلك- و الله- أن لو قد قام قائمنا يجمع الله إليه شيعتنا من جميع البلدان».

696/ [12]- عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا اذن الإمام دعا الله باسمه العبراني الأكبر، فانتجب «1» له أصحابه الثلاث مائة و الثلاثة عشر، قزعا كقزع الخريف و هم أصحاب الولاية، و منهم من يفتقد من فراشه ليلا فيصبح بمكة، و منهم من يرى يسير في السحاب نهارا، يعرف باسمه و اسم أبيه و حسبه و نسبه».

قلت: جعلت فداك، أيهم أعظم إيمانا؟

قال: «الذي يسير في السحاب نهارا، و هم المفقودون، و فيهم نزلت هذه الآية:يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً».

697/ [13]- الشيخ المفيد في كتاب (الإختصاص) عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر الجعفي، قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): «يا جابر، الزم الأرض، و لا تحرك يدا و لا رجلا حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها: أولها اختلاف ولد فلان، و ما أراك تدرك ذلك، و لكن حدث به بعدي، و مناد ينادي من السماء، و يجيئكم الصوت من ناحية دمشق بالفتح، و يخسف بقرية من قرى الشام تسمى الجابية «2»، و تسقط طائفة من مسجد دمشق الأيمن، و مارقة تمرق من ناحية الترك، و تعقبها من ناحية «3» الروم، و يستقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة، و يستقبل مارقة الروم حتى تنزل الرملة.

فتلك السنة- يا جابر- فيها اختلاف كثير في كل أرض من ناحية المغرب فأول أرض المغرب تخرب الشام، يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب، و راية الأبقع، و راية السفياني، فيلقى السفياني الأبقع

فيقتتلون فيقتله و من معه، و يقتل الأصهب، ثم لا يكون همه إلا الإقبال نحو العراق، و يمر جيشه بقرقيسياء «4» فيقتلون بها مائة ألف رجل من الجبارين.

و يبعث السفياني جيشا إلى الكوفة و عدتهم سبعون ألف رجل، فيصيبون من أهل الكوفة قتلا و صلبا و سبيا، فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان، تطوي المنازل طيا حثيثا، و معهم نفر من أصحاب

__________________________________________________

11- تفسير العيّاشي 1: 66/ 117.

12- تفسير العيّاشي 1: 67/ 118. [.....]

13- الإختصاص: 255.

(1) في «ط»: فانتخب، و كلاهما بمعنى، و في المصدر: فانتحيت: أي قصدت.

(2) الجابية: قرية من أعمال دمشق. «معجم البلدان 2: 91».

(3) في المصدر: و يعقّبها مرج.

(4) قرقيسياء: بلد على نهر الخابور، و عندها مصبّ الخابور في الفرات، فهي في مثلث بين الخابور و الفرات. «معجم البلدان 4: 328».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 354

القائم (عليه السلام)، و خرج رجل من موالي أهل الكوفة فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة و الكوفة.

و يبعث السفياني بعثا إلى المدينة فيفر «1» المهدي منها إلى مكة، فبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج من المدينة، فيبعث جيشا على أثره فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفا يترقب على سنة موسى بن عمران (عليه السلام)، و ينزل أمير جيش السفياني البيداء، فينادي مناد من السماء: يا بيداء، أبيدي القوم. فتخسف بهم البيداء، فلا ينفلت منهم إلا ثلاثة يحول الله وجوههم في أقفيتهم، و هم من كلب، و فيهم نزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها «2» الآية».

قال: «و القائم يومئذ بمكة، قد أسند ظهره إلى البيت الحرام

مستجيرا به، ينادي: يا أيها الناس، إنا نستنصر الله، و من أجابنا من الناس فإنا أهل بيت نبيكم، و نحن أولى الناس بالله و بمحمد (صلى الله عليه و آله)، فمن حاجني في آدم (عليه السلام) فأنا أولى الناس بآدم (عليه السلام)، و من حاجني في نوح (عليه السلام) فأنا أولى الناس بنوح (عليه السلام)، و من حاجني في إبراهيم (عليه السلام) فأنا أولى الناس بإبراهيم (عليه السلام)، و من حاجني في محمد (صلى الله عليه و آله) فأنا أولى الناس بمحمد (صلى الله عليه و آله)، و من حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين.

أليس الله يقول في محكم كتابه: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «3» فأنا بقية من آدم (عليه السلام) و خيرة من نوح (عليه السلام)، و مصطفى من إبراهيم (عليه السلام)، و صفوة من محمد (صلى الله عليه و آله).

إلا و من حاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله، ألا و من حاجني في سنة رسول الله (صلى الله عليه و آله) و سيرته فأنا أولى الناس بسنة رسول الله (صلى الله عليه و آله) و سيرته، فانشد الله من سمع كلامي اليوم لما أبلغه الشاهد منكم الغائب، و اسألكم بحق الله و حق رسوله و حقي- فإن لي عليكم حق القربى برسوله- لما أعنتمونا و منعتمونا ممن يظلمنا، فقد أخفنا، و ظلمنا، و طردنا من ديارنا و أبنائنا، و بغي علينا، و دفعنا عن حقنا، و اثر علينا أهل الباطل، الله الله فينا، لا تخذلونا، و انصرونا ينصركم الله.

فيجمع الله له

أصحابه الثلاث مائة و الثلاثة عشر رجلا، فيجمعهم الله له على غير ميعاد، قزعا كقزع الخريف، و هي- يا جابر- الآية التي ذكرها الله:يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ فيبايعونه بين الركن و المقام، و معه عهد من رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد توارثه الأبناء عن الآباء.

و القائم- يا جابر- رجل من ولد الحسين بن علي (صلى الله عليهما)، يصلح الله له أمره في ليلة واحدة، فما أشكل على الناس من ذلك- يا جابر- فلا يشكل عليهم ولادته من رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و وراثته العلماء عالما بعد عالم، فإن أشكل عليهم هذا كله فإن الصوت من السماء لا يشكل عليهم، إذا نودي باسمه و اسم أبيه و اسم أمه».

و سيأتي- إن شاء الله- هذا الحديث مسندا من طريق محمد بن إبراهيم النعماني، في قوله تعالى:

__________________________________________________

(1) في المصدر: فينفر.

(2) النساء 4: 47.

(3) آل عمران 3: 33- 34.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 355

يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ «1» الآية، من سورة النساء.

698/ [14]- الطبرسي في (الاحتجاج) عن عبد العظيم الحسني (رضي الله عنه)، قال: قلت لمحمد بن علي بن موسى (عليه السلام): إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد (صلى الله عليه و آله)، الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا، كما ملئت ظلما و جورا؟.

فقال (عليه السلام): «ما منا إلا قائم بأمر الله [و هاد إلى دين الله ]، و لكن القائم الذي يطهر الله به الأرض من الكفر و الجحود، و يملأها قسطا و عدلا، هو الذي تخفى على الناس ولادته، و يغيب عنهم

شخصه، و تحرم عليهم تسميته، و هو سمي رسول الله (صلى الله عليه و آله) و كنيه، و هو الذي تطوى له الأرض و يذل له كل صعب. يجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر ثلاث مائة و ثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض، و ذلك قوله الله عز و جل:يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الأرض «2» أظهر الله أمره، فإذا أكمل له العقد و هو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عز و جل».

قال عبد العظيم: [فقلت له:] يا سيدي، و كيف يعلم أن الله قد رضي؟

قال: «يلقي في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللات و العزى فأحرقهما».

و سيأتي- إن شاء الله تعالى- حديث يوافق ما هنا في معنى الآية، في قوله تعالى: وَ لَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ من سورة سبأ، حديث عن الباقر (عليه السلام) «3».

سورة البقرة(2): آية 150 ..... ص : 355

قوله تعالى:

وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي [150] 699/ [1]- علي بن إبراهيم: يعني: و لا الذين ظلموا منهم، و (إلا) في موضع (و لا) «4» و ليست هي استثناء.

__________________________________________________

14- الإحتجاج: 449.

1- تفسير القمّي 1: 63.

(1) يأتي في الحديث (2) من تفسير الآية (47) من سورة النساء.

(2) في المصدر: أهل الإخلاص.

(3) يأتي في الحديث (1) من تفسير الآية (51) من سورة سبأ.

(4) و هو ما قاله أبو عبيدة: إنّ (إلّا) ها هنا بمعنى الواو، أي و لا الذين ظلموا، و أنكره عليه

الفرّاء و المبرّد. مجمع البيان 1: 427. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 356

سورة البقرة(2): آية 152 ..... ص : 356

قوله تعالى:

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ [152]

700/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، قال:

حدثنا أبو محمد جعفر بن أحمد بن سعيد البجلي ابن أخي صفوان بن يحيى، عن علي بن أسباط، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح بن نعيم العبدي «1»، عن محمد بن مسلم، في حديث يقول في آخره: «تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) ذكر الله الكثير [الذي ] قال الله عز و جل: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ».

701/ [2]- العياشي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قال النبي (صلى الله عليه و آله): إن الملك ينزل الصحيفة أول النهار و أول الليل، يكتب فيها عمل ابن آدم، فاعملوا «2» في أولها خيرا «3» و في آخرها خيرا، يغفر لكم ما بين ذلك- إن شاء الله- فإن الله قال: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ».

702/ [3]- عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: للشكر حد إذا فعله الرجل كان شاكرا، قال: «نعم» قلت: و ما هو؟ قال: «الحمد لله على كل نعمة أنعمها علي، و إن كان لكم فيما أنعم عليه حق أداه- قال- و منه [قوله تعالى ] سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا «4»» حتى عد آيات.

703/ [4]- عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه، فمنها: كفر النعم، و ذلك قول الله يحكي قول سليمان (عليه السلام): هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ «5» الآية، و قال: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ «6»،

[و قال:] فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ».

704/ [5]- عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) من ذكر الله الكثير الذي قال: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ».

__________________________________________________

1- معاني الأخبار: 194/ 5.

2- تفسير العيّاشي 1: 67/ 119.

3- تفسير العيّاشي 1: 67/ 120.

4- تفسير العيّاشي 1: 67/ 121.

5- تفسير العيّاشي 1: 67/ 122.

(1) في «س»: أبي الصبّاح، عن نعيم العايدي، و في «ط»: أبي الصبّاح، عن نعيم العابدي، و في المصدر: أبي الصبّاح بن نعيم العائذي، و الصواب ما أثبتناه، و هو إبراهيم بن نعيم العبدي أبو الصبّاح الكناني. انظر: رجال النجاشيّ: 19: 24، مجمع الرجال 1: 76 و 78.

(2) في المصدر: فأملوا.

(3) في المصدر زيادة: فان اللّه.

(4) الزّخرف 43: 13.

(5) النّمل 27: 40.

(6) إبراهيم 14: 7.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 357

705/ [6]- عمر بن إبراهيم الأوسي، قال: نزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال: إن الله عز و جل يقول لك: أعطيت أمتك ما لم أعطه أحدا من الأمم، قال: «و ما هو، يا أخي؟» قال: قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ و لقد أجزل العطاء و الموهبة من جلالك بهذه المنقبة حيث يخلق الفلك و النور العلوي و السفلي، و العرش و الكرسي، و البهائم و الهوام، و الوحش و الأنعام، و لم يقل لصنف منهم: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ فمتى تؤدي شكر مولاك على ما أولاك، أنعم عليك و أعطاك.

سورة البقرة(2): آية 153 ..... ص : 357

قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [153]

706/ [1]- العياشي: عن الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال: «يا فضيل، بلغ من لقيت من موالينا عنا السلام، و قل

لهم: إني أقول: إني لا اغني عنكم من الله شيئا إلا بورع، فاحفظوا ألسنتكم، و كفوا أيديكم، و عليكم بالصبر و الصلاة، إن الله مع الصابرين».

707/ [2]- عن عبد الله بن طلحة، قال أبو عبد الله (عليه السلام): «الصبر هو الصوم».

708/ [3]- صحيفة الامام الرضا (عليه السلام): «ليس في القرآن آية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلا في حقنا».

709/ [4]- و من طريق المخالفين: روى موفق بن أحمد، و هو من أعيان علماء المخالفين، بإسناده عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «ما أنزل الله آية فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلا علي رأسها و أميرها».

710/ [5]- و عنه أيضا، بإسناده عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ما أنزل الله تعالى في القرآن آية يقول فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلا كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) شريفها و أميرها.

__________________________________________________

6- .........

1- تفسير العيّاشي 1: 68/ 123.

2- تفسير العيّاشي 1: 68/ 124. [.....]

3- أخرجه ابن شهر آشوب في مناقبه 3: 53، عن صحيفة الإمام الرضا (عليه السّلام).

4- مناقب الخوارزمي: 188، حلية الأولياء 1: 64، كفاية الطالب: 139، شواهد التنزيل 1: 51/ 78، كنز العمال 11: 604/ 32920.

5- مناقب الخوارزمي: 198، كفاية الطالب: 140، الصواعق المحرقة: 127، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 136، الرياض النضرة 3: 180.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 358

سورة البقرة(2): الآيات 155 الي 157 ..... ص : 358

قوله تعالى:

وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ [155] الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ [156] أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [157]

711/ [1]- محمد بن إبراهيم النعماني-

المعروف بابن زينب- قال: حدثنا محمد بن همام، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدثنا أحمد بن هلال، قال: حدثنا الحسن بن محبوب «1»، عن علي بن رئاب، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)، قال: «إن قدام [قيام ] القائم علامات، بلوى من الله تعالى لعباده المؤمنين».

قلت: و ما هي؟ قال: «فذلك قول الله عز و جل: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ- قال-: لَنَبْلُوَنَّكُمْ يعني المؤمنين بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم وَ الْجُوعِ بغلاء أسعارهم وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ فساد التجارات و قلة الفضل فيها وَ الْأَنْفُسِ موت ذريع وَ الثَّمَراتِ قلة ريع ما يزرع و قلة بركة الثمار وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ عند ذلك بخروج القائم (عليه السلام)».

ثم قال: «يا محمد، هذا تأويله، إن الله عز و جل يقول: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ «2»».

712/ [2]- و عنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: أخبرني أحمد بن يوسف بن يعقوب أبو الحسن الجعفي من كتابه، قال: حدثنا إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا بد أن يكون قدام قيام القائم سنة يجوع فيها الناس، و يصيبهم خوف شديد من القتل، و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات، و إن ذلك في كتاب الله لبين» ثم تلا هذه الآية:

__________________________________________________

1- الغيبة: 250/ 5، ينابيع المودة: 421.

2- الغيبة: 250/ 6.

(1) في «س»: عبد الله بن جعفر

الحميري، قال: حدثنا محمد بن هلال، قال: حدثنا الحسن بن محبوب، و في المصدر: عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدثنا الحسن بن محبوب، و الظاهر أن الصواب ما أثبتناه، لروآية عبد الله بن جعفر، عن أحمد بن هلال، و روآية أحمد بن هلال عن الحسن ابن محبوب دون محمد بن هلال، راجع رجال النجاشي 83/ 119، معجم رجال الحديث 2: 355 و 359 و الحديثين (2 و 3).

(2) آل عمران 3: 7.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 359

وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ.

و رواه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في (مسند فاطمة (عليها السلام) قال: أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، قال حدثني أبي، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدثنا أحمد بن هلال، قال: حدثني الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، و أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن لقيام قائمنا علامات» و ذكر الحديث إلى آخره «1».

713/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثني أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثني عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب الخزاز، و العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن قبل قيام «2» القائم علامات تكون من الله عز و جل للمؤمنين».

قلت: و ما هي جعلني الله فداك؟ قال: «يقول «3» الله عز و جل: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ يعني المؤمنين قبل خروج القائم بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ

مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ- قال-: يبلوهم بشي ء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، و الجوع بغلاء أسعارهم، و نقص من الأموال- قال-: كساد التجارات و قلة الفضل، و نقص من الأنفس- قال-: موت ذريع، و نقص من الثمرات، قلة ريع ما يزرع، وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ عند ذلك بتعجيل الفرج «4»».

ثم قال لي: يا محمد، هذا تأويله، إن الله عز و جل يقول: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ «5»».

714/ [4]- محمد بن يعقوب: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار، و عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): قال الله عز و جل: إني جعلت الدنيا بين عبادي قرضا، فمن أقرضني منها قرضا، أعطيته بكل واحدة عشرا إلى سبع مائة ضعف، و ما شئت من ذلك، و من لم يقرضني منها قرضا فأخذت منه شيئا قسرا فصبر، أعطيته ثلاث خصال، لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا بها مني».

قال: ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): «قول الله تعالى: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ فهذه واحدة من ثلاث خصال وَ رَحْمَةٌ اثنتان وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ

__________________________________________________

3- كمال الدين و تمام النعمة: 649/ 3.

4- الكافي 2: 76/ 21.

(1) دلائل الإمامة: 259.

(2) في المصدر: إن قدام.

(3) في المصدر: قال: ذلك قول.

(4) في المصدر: بتعجيل خروج القائم (عليه السلام).

(5) آل عمران 3: 7. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 360

ثلاث- ثم قال أبو عبد الله (عليه

السلام)- هذا لمن أخذ الله منه شيئا قسرا فصبر».

715/ [5]- و عنه: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن داود بن زربي «1»، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «من ذكر مصيبته، و لو بعد حين، فقال: إنا لله و إنا إليه راجعون، و الحمد لله رب العالمين، اللهم أجرني على مصيبتي، و اخلف علي «2» منها، كان له من الأجر مثل ما كان عند أول صدمة».

716/ [6]- و عنه: عن علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، رفعه، قال: جاء أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الأشعث بن قيس يعزيه بأخ له، يقال له: عبد الرحمن، فقال له أمير المؤمنين: «إن جزعت فحق الرحم أتيت، و إن صبرت فحق الله أديت، على أنك إن صبرت جرى عليك القضاء و أنت محمود، و إن جزعت جرى عليك القضاء و أنت مذموم».

فقال له الأشعث: إنا لله و إنا إليه راجعون! فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أ تدري ما تأويلها؟» فقال الأشعث «3»: أنت غاية العلم و منتهاه.

فقال له: «أما قولك: إنا لله، فإقرار منك بالملك، و أما قولك: و إنا إليه راجعون، فإقرار منك بالهلاك».

717/ [7]- السيد الرضي في (الخصائص): قال علي (عليه السلام) و قد سمع رجلا يقول: إنا لله و إنا إليه راجعون:

«يا هذا، إن قولنا: إنا لله، إقرار منا بالملك، و قولنا: إليه راجعون، إقرار منا بالهلاك «4»».

718/ [8]- ابن شهر آشوب، قال: لما نعى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عليا (عليه السلام) بحال جعفر في أرض مؤتة «5»، قال: «إنا لله و إنا إليه راجعون» فأنزل الله: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ

راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ الآية.

719/ [9]- العياشي: عن الثمالي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ.

قال: «ذلك جوع خاص، و جوع عام فأما بالشام فإنه عام، و أما الخاص بالكوفة يخص و لا يعم و لكنه يخص

__________________________________________________

5- الكافي 3: 224/ 6.

6- الكافي 3: 261/ 40.

7- خصائص الأئمة: 95.

8- المناقب 2: 120.

9- تفسير العيّاشي 1: 68/ 125.

(1) في «س»: داود بن زرين، و في المصدر: داود بن رزين، و الصواب ما أثبتناه، و هو أبو سليمان الخندقي روى عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام). راجع رجال النجاشي: 160/ 424، الفهرست: 68/ 270 و استظهر صاحب جامع الرواة 1: 304 أنّ ابن رزين سهو لعدم وجوده في كتب الرجال.

(2) في المصدر زيادة: أفضل.

(3) في المصدر زيادة: لا.

(4) في المصدر: بالهلك.

(5) مؤتة: قرية من قرى البلقاء في حدود الشام. «معجم البلدان 5: 220».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 361

بالكوفة أعداء آل محمد (صلى الله عليه و آله) فيهلكهم الله بالجوع، و أما الخوف فإنه عام بالشام، و ذلك الخوف إذا قام القائم (عليه السلام)، و أما الجوع فقبل قيام القائم، و ذلك قوله: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ».

720/ [10]- عن إسحاق بن عمار، قال: لما قبض أبو جعفر (عليه السلام) جعلنا نعزي أبا عبد الله (عليه السلام)، فقال بعض من كان معنا في المجلس: رحمه الله عبدا و صلى عليه، كان إذا حدثنا قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله). قال:

فسكت أبو عبد الله (عليه السلام) طويلا و نكت في الأرض «1»، ثم التفت إلينا، فقال: «قال رسول الله (صلى الله

عليه و آله): قال الله تبارك و تعالى: إني أعطيت الدنيا بين عبادي قرضا «2»، فمن أقرضني منها قرضا، أعطيته لكل واحدة منهن عشرا إلى سبع مائة ضعف، و ما شئت، فمن لم يقرضني منها قرضا فأخذتها منه قسرا فصبر «3»، أعطيته ثلاث خصال، لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي رضوا بها». ثم قال: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إلى قوله: وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ.

721/ [11]- عن إسماعيل بن زياد السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) أربع من كن فيه كتبه الله من أهل الجنة: من كانت عصمته شهادة أن لا إله إلا الله، و من إذا أنعم الله عليه النعمة، قال: الحمد لله، و من إذا أصاب ذنبا، قال: استغفر الله، و من إذا أصابته مصيبة، قال: إنا لله و إنا إليه راجعون».

722/ [12]- عن أبي علي المهلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أربع من كن فيه كان في نور الله الأعظم: من كان عصمة أمره شهادة أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و من إذا أصابته مصيبة، قال: إنا لله و إنا إليه راجعون، و من إذا أصاب خيرا، قال: الحمد لله، و من إذا أصاب خطيئة، قال:

استغفر الله و أتوب إليه».

723/ [13]- عن عبد الله بن صالح الخثعمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): قال الله: عبدي المؤمن، إن خولته و أعطيته و رزقته و

استقرضته، فإن أقرضني عفوا أعطيته مكان الواحد مائة ألف فما زاد، و إن لا يفعل أخذته قسرا بالمصائب في ماله، فإن يصبر أعطيته ثلاث خصال، إن أخير الواحدة «4» منهن ملائكتي اختاروها». ثم تلا هذه الآية: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ- إلى قوله- الْمُهْتَدُونَ.

__________________________________________________

10- تفسير العيّاشي 1: 68/ 126.

11- تفسير العيّاشي 1: 69/ 127.

12- تفسير العيّاشي 1: 69/ 128.

13- تفسير العيّاشي 1: 69/ 129. [.....]

(1) النكت: أن تنكت في الأرض بقضيب، أي تضرب بقضيب فتؤثر فيها. «الصحاح- نكت- 1: 269».

(2) في المصدر: فيضا.

(3) في المصدر: منه قهرا.

(4) في المصدر: إن اخʙʘѠبواحدة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 362

724/ [14]- قال إسحاق بن عمار: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «هذا إن أخذ الله منه شيئا فصبر و استرجع».

725/ [15]- و عن الصادق (عليه السلام): «قال الله عز و جل: وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ أي بالجنة و المغفرة».

سورة البقرة(2): آية 158 ..... ص : 362

قوله تعالى:

إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ [158]

726/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثني أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، و عبد الكريم بن عمرو، عن عبد الحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «سمي الصفا صفا، لأن المصطفى آدم (عليه السلام) هبط عليه، فقطع للجبل اسم من اسم آدم (عليه السلام)، يقول الله عز و جل: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ «1» و هبطت حواء على المروة، و إنما سميت المروة،

لأن المرأة هبطت عليها، فقطع للجبل اسم من اسم المرأة».

727/ [2]- و عنه، قال: حدثني أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن إبراهيم (عليه السلام) لما خلف إسماعيل (عليه السلام) بمكة عطش الصبي، و كان فيما بين الصفا و المروة شجر، فخرجت امه حتى قامت على الصفا، فقالت: هل بالوادي من أنيس؟ فلم يجبها أحد، فمضت حتى انتهت إلى المروة، فقالت: هل بالوادي من أنيس؟

فلم يجبها أحد، ثم رجعت إلى الصفا، فقالت كذلك حتى صنعت ذلك سبعا، فأجرى الله ذلك سنة. فأتاها جبرئيل، فقال لها: من أنت؟ فقالت: أنا ام ولد إبراهيم، فقال لها: إلى من وكلكم؟ فقالت: أما إذا قلت ذلك، فقد قلت له حيث أراد الذهاب: يا إبراهيم، إلى من تكلنا؟ فقال: إلى الله عز و جل، فقال جبرئيل: لقد وكلكم إلى كاف.

قال: «و كان الناس يتجنبون الممر بمكة لمكان الماء، ففحص الصبي برجله فنبعت زمزم، و رجعت من المروة إلى الصبي و قد نبع الماء، فأقبلت تجمع التراب حوله مخافة أن يسيح الماء، و لو تركته لكان سيحا».

قال: «فلما رأته الطير حلقت عليه- قال-: فمر ركب من اليمن، فلما رأوا الطير حلقت عليه، قالوا: ما حلقت

__________________________________________________

14- تفسير العيّاشي 1: 69/ 130.

15- مصباح الشريعة: 186.

1- علل الشرائع: 431/ 1.

2- علل الشرائع: 432/ 1.

(1) آل عمران 3: 33.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 363

إلا على الماء، فأتوهم ليستقوهم فسقوهم من الماء، و أطعمهم «1» الركب من الطعام، و أجرى الله عز و جل لهم بذلك رزقا، فكان الركب يمر بمكة

فيطعمونهم من الطعام، و يسقونهم من الماء».

728/ [3]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن معاوية بن حكيم، عن محمد ابن أبي عمير، عن الحسن بن علي الصيرفي، عن بعض أصحابنا، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن السعي بين الصفا و المروة، فريضة أم سنة؟ فقال: «فريضة».

قلت: أ و ليس قال الله عز و جل: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما؟ قال: «كان ذلك في عمرة القضاء، إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصفا و المروة، فتشاغل رجل «2» و ترك السعي حتى انقضت الأيام، و أعيدت الأصنام، فجاءوا إليه، فقالوا: يا رسول الله، إن فلانا لم يسع بين الصفا و المروة، و قد أعيدت الأصنام؟ فأنزل الله عز و جل: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما [أي و عليهما الأصنام ]».

729/ [4]- عنه: عن علي بن إبرهيم، عنه أبيه، و محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)- في حديث حج النبي (صلى الله عليه و آله)-: «أنه (عليه السلام) بعد ما طاف بالبيت و صلى ركعتيه، قال (صلى الله عليه و آله): إن الصفا و المروة من شعائر الله، فابدأ بما بدأ الله عز و جل به، و إن المسلمين كانوا يظنون أن السعي بين الصفا و المروة شي ء صنعه المشركون، فأنزل الله عز و جل: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما».

730/ [5]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن موسى بن القاسم، عن ابن

أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تطوف بين الصفا و المروة و هي حائض؟ قال: «لا، لأن الله تعالى يقول:

إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ».

731/ [6]- و

قال علي بن إبراهيم في (تفسيره): إن قريشا كانت وضعت أصنامها بين الصفا و المروة، و كانوا يتمسحون بها إذا سعوا، فلما كان من أمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما كان في غزوة الحديبية، و صدوه عن البيت، و شرطوا له أن يخلوا له البيت في عام قابل حتى يقضي عمرته ثلاثة أيام، ثم يخرج عنها، فلما كانت عمرة القضاء في سنة سبع من الهجرة دخل مكة، و قال لقريش: «ارفعوا أصنامكم من بين الصفا و المروة حتى أسعى» فرفعوها، فسعى رسول الله (صلى الله عليه و آله) بين الصفا و المروة، و قد رفعت الأصنام.

و بقي رجل من المسلمين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) لم يطف، فلما فرغ رسول

__________________________________________________

3- الكافي 4: 435/ 8.

4- الكافي 4: 245/ 4.

5- التهذيب 5: 394/ 1373.

6- تفسير القمّي 1: 64.

(1) في المصدر: و أطعموا. [.....]

(2) في «س و ط»: و سئل عن رجل قد.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 364

الله (صلى الله عليه و آله) من الطواف ردت قريش الأصنام بين الصفا و المروة، فجاء الرجل الذي لم يسع إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال: قد ردت قريش الأصنام بين الصفا و المروة، و لم أسع؟ فأنزل الله عز و جل: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما و الأصنام فيهما.

732/ [7]-

العياشي: عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما «أي لا حرج عليه أن يطوف بهما».

733/ [8]- عن عاصم بن حميد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ [يقول: «لا حرج عليه أن يطوف بهما] فنزلت هذه الآية».

فقلت: هي خاصة، أو عامة؟ قال: «هي بمنزلة قوله: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا «1» فمن دخل فيهم من الناس كان بمنزلتهم، يقول الله: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً «2».

734/ [9]- عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن السعي بين الصفا و المروة، فريضة هو أو سنة؟ قال: «فريضة».

قال: قلت: أ ليس الله يقول: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما؟ قال: «كان ذلك في عمرة القضاء، و ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان شرطه عليهم أن يرفعوا الأصنام، فتشاغل رجل من أصحابه حتى أعيدت الأصنام.

[فجاءوا إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فسألوه، و قيل له: إن فلانا لم يطف، و قد أعيدت الأصنام؟]- قال- فانزل الله:

إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما أي و الأصنام عليهما».

735/ [10]- عن ابن مسكان، عن الحلبي، قال: سألته، فقلت: و لم جعل السعي بين الصفا و المروة؟ قال: «إن إبليس تراءى لإبراهيم (عليه السلام) في الوادي، فسعى إبراهيم (عليه السلام) منه كراهية

أن يكلمه، و كان منازل الشياطين».

736/ [11]- و قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في خبر حماد بن عثمان: «إنه كان على الصفا و المروة أصنام، فلما أن حج الناس لم يدروا كيف يصنعون، فأنزل الله هذه الآية، فكان الناس يسعون و الأصنام على حالها، فلما حج النبي (صلى الله عليه و آله) رمى بها».

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 1: 69/ 131.

8- تفسير العيّاشي 1: 70/ 132.

9- تفسير العيّاشي 1: 70/ 133.

10- تفسير العيّاشي 1: 70/ 134.

11- تفسير العيّاشي 1: 70/ 135.

(1) فاطر 35: 32.

(2) النّساء 4: 69.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 365

سورة البقرة(2): آية 159 ..... ص : 365

قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [159]

737/ [1]- العياشي: عن ابن أبي عمير، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى في علي (عليه السلام)».

738/ [2]- عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ «يعني بذلك نحن، و الله المستعان».

739/ [3]- عن زيد الشحام، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن عذاب القبر، فقال: «إن أبا جعفر (عليه السلام) حدثنا أن رجلا أتى سلمان الفارسي، فقال: حدثني، فسكت عنه، ثم عاد فسكت، فأدبر الرجل و هو يقول، و يتلو هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ فقال له: أقبل، إنا لو وجدنا أمينا لحدثناه، و لكن أعد «1» لمنكر و نكير إذا أتياك في القبر فسألاك

عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فإن شككت أو التويت «2»، ضرباك على رأسك بمطرقة معهما تصير منها رمادا، فقلت: ثم مه؟ قال: يعود، ثم يعذب، قلت: و ما منكر و نكير؟ قال: هما قعيدا القبر، قلت: أ ملكان يعذبان الناس في قبورهم؟ قال: نعم».

740/ [4]- عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال قلت له: أخبرني عن قول الله: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ. قال: «نحن يعني بها، و الله المستعان، إن الرجل منا إذا صارت إليه، لم يكن له- أو لم يسعه- إلا أن يبين للناس من يكون بعده».

741/ [5]- و رواه محمد بن مسلم، قال: هم أهل الكتاب.

742/ [6]- عن عبد الله بن بكير، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ قال: «نحن هم «3». و قد قالوا: هوام الأرض».

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1: 71/ 136.

2- تفسير العيّاشي 1: 71/ 137.

3- تفسير العيّاشي 1: 71/ 138.

4- تفسير العيّاشي 1: 71/ 139.

5- تفسير العيّاشي 1: 72/ 140.

6- تفسير العيّاشي 1: 72/ 141. [.....]

(1) أعدّ: استعد و تهيّأ.

(2) التوى: ماطل و أعرض.

(3) قوله (عليه السّلام): «نحن هم» أي نحن هم اللاعنون.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 366

743/ [7]- الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام)، قال: «قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام): من خير الخلق بعد أئمة الهدى، و مصابيح الدجى؟ قال: العلماء إذا صلحوا.

قيل: فمن شرار خلق الله بعد إبليس و فرعون «1»، و بعد المتسمين بأسمائكم، و المتلقبين بألقابكم، و الآخذين لأمكنتكم، و المتأمرين في ممالككم؟ قال: العلماء إذا فسدوا و

إنهم المظهرون للأباطيل، الكاتمون للحقائق، و فيهم قال الله عز و جل: أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ «2»».

744/ [8]- أبو علي الطبرسي: في معنى الآية، قال: روي عن النبي (صلى الله عليه و آله)، قال: «من سئل عن علم يعلمه فكتمه، الجم يوم القيامة بلجام من نار، و هو قوله: أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ».

745/ [9]- علي بن إبراهيم، قال: كل من قد لعنه الله من الجن و الإنس يلعنهم.

سورة البقرة(2): الآيات 163 الي 164 ..... ص : 366

قوله تعالى:

وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ- إلى قوله تعالى- لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [163- 164]

746/ [1]- محمد بن يعقوب: عن أبي عبد الله الأشعري، عن بعض أصحابنا، [رفعه ] «3»، عن هشام بن الحكم، قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): «إن الله تبارك و تعالى أكمل للناس الحجج بالعقول، و نصر النبيين بالبينات «4»، و دلهم على ربوبيته بالأدلة، فقال: إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

».

747/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثني أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد

__________________________________________________

7- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 302/ 144.

8- مجمع البيان 1: 442.

9- تفسير القمّي 1: 64.

1- الكافي 1: 10/ 12.

2- معاني الأخبار: 5: 1، التوحيد: 82/ 1.

(1) في المصدر زيادة: و نمرود.

(2) الآية ليس في المصدر.

(3) أثبتناه

من المصدر. و انظر: معجم رجال الحديث: 19: 412.

(4) في المصدر: بالبيان.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 367

ابن عيسى، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الثاني (عليه السلام)، ما معنى الواحد؟ فقال:

«المجتمع عليه جميع الألسن بالوحدانية».

748/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، و محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، و محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، جميعا، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا جعفر الثاني، ما معنى الواحد؟

فقال: «إجماع الألسن عليه بالوحدانية، كقوله: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ «1»».

749/ [4]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن سعيد بن يحيى البزوري «2»، قال حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، قال: حدثنا أبي، عن المعافى بن عمران، عن إسرائيل، عن المقدام بن شريح بن هاني، عن أبيه، قال: إن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: يا أمير المؤمنين، أتقول: إن الله واحد؟ قال: فحمل الناس عليه، و قالوا: يا أعرابي، أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب؟! فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): دعوه، فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم» ثم قال: «يا أعرابي، إن القول في أن الله واحد على أربعة أقسام: فوجهان منها لا يجوزان على الله عز و جل، و وجهان يثبتان فيه فأما اللذان لا يجوزان عليه: فقول القائل: واحد، يقصد به باب الأعداد، فهذا ما لا يجوز، لأن من «3» لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، أما ترى أنه كفر من قال: ثالث ثلاثة؟! و قول القائل: هو

واحد «4» من الناس، يريد به النوع من الجنس، فهذا ما لا يجوز عليه لأنه تشبيه، و جل ربنا عن ذلك و تعالى.

و أما الوجهان اللذان يثبتان فيه: فقول القائل: هو واحد ليس له في الأشياء شبه، كذلك ربنا، و قول القائل: إنه ربنا «5» أحدي المعنى، يعني به أنه لا ينقسم في وجود، و لا عقل، و لا وهم، كذلك ربنا عز و جل».

سورة البقرة(2): الآيات 165 الي 167 ..... ص : 367

قوله تعالى:

وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً

__________________________________________________

3- الكافي 1: 92/ 12.

4- التوحيد: 83/ 3. [.....]

(1) الزّخرف 43: 87.

(2) في «س»: البزوفري، تصحيف، صوابه ما في المتن، انظر ترجمته في تاريخ بغداد 5: 310.

(3) في المصدر: ما.

(4) في «س و ط»: القائل الواحد.

(5) في المصدر: إنّه عزّ و جلّ.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 368

- إلى قوله- وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ [165- 167]

750/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن ثابت «1»، عن جابر، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ.

قال: «هم و الله أولياء فلان و فلان، اتخذوهم أئمة دون الإمام الذي جعله الله للناس إماما، فلذلك قال: وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا

لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ».

ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): «هم- و الله، يا جابر- أئمة الظلمة و أشياعهم».

و روى هذا الحديث الشيخ المفيد في كتاب (الاختصاص) «2».

751/ [2]- (أمالي الشيخ): قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد ابن علي بن الحسين بن بابويه (رحمه الله)، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش «3»: أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم النبي داود (عليه السلام)، فيأتي النداء من عند الله عز و جل:

لسنا إياك أردنا، و إن كنت لله تعالى خليفة.

ثم ينادي ثانية: أين خليفة الله في أرضه. فيقوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فيأتي النداء من قبل الله عز و جل: يا معشر الخلائق، هذا علي بن أبي طالب خليفة الله في أرضه، و حجته على عباده، فمن تعلق بحبله في دار الدنيا فليتعلق بحبله في هذا اليوم، ليستضي ء بنوره، و ليتبعه إلى الدرجات العلى من الجنات. فيقوم الناس الذين تعلقوا بحبله في الدنيا فيتبعونه إلى الجنة.

ثم يأتي النداء من عند الله جل جلاله: ألا من ائتم «4» بإمام في دار الدنيا فليتبعه إلى حيث يذهب، فحينئذ

__________________________________________________

1- الكافي 1: 305/ 11.

2- أمالي الطوسي 1: 61.

(1) في «س و ط»: عمر بن ثابت، و الصواب ما أثبتناه، و هو عمرو بن أبي المقدام ثابت بن هرمز

الحدّاد مولى بن عجل، روى عن عليّ بن الحسين و أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليهم السّلام)، راجع رجال النجاشيّ: 290/ 777، معجم رجال الحديث 13: 72.

(2) الاختصاص: 334.

(3) من بطنان العرش: أي من وسطه، و قيل: من أصله، و قيل: البطنان جمع بطن، و هو الغامض من الأرض، يريد من دواخل العرض- النهاية 1: 137.

(4) في المصدر: من تعلق.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 369

تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ».

و روى هذا الحديث الشيخ المفيد في (أماليه) «1».

752/ [3]- العياشي: عن جابر، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ.

قال: فقال: «هم أولياء فلان و فلان و فلان، اتخذوهم أئمة من دون الإمام الذي جعله الله للناس إماما، فلذلك قال الله تبارك و تعالى: وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا- إلى قوله- مِنَ النَّارِ».

قال: ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): «و الله- يا جابر- هم أئمة الظلم و أشياعهم».

753/ [4]- عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام)، في قول الله: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ قالا: «هم آل محمد (صلى الله عليه و آله)».

754/

[5]- الشيخ المفيد في (أماليه): قال: حدثني أحمد بن محمد، عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد القمي، عن محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن القاسم بن عروة، عن رجل، عن أحدهما (عليهما السلام)، في معنى قوله عز و جل: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ.

قال: «الرجل يكسب مالا فيحرم أن يعمل فيه خيرا فيموت، فيرثه غيره، فيعمل فيه عملا صالحا، فيرى الرجل ما كسب حسنات في ميزان غيره».

755/ [6]- محمد بن يعقوب: بإسناده عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ.

قال: «هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة الله بخلا، ثم يموت، فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله، أو في معصية الله فإن عمل به في طاعة الله رآه في ميزان غيره، فزاده «2» حسرة و قد كان المال له، و إن كان عمل به في معصية الله قواه بذلك المال حتى عمل به في معصية الله».

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 1: 72/ 142.

4- تفسير العيّاشي 1: 72/ 143.

5- الأمالي: 205/ 35. [.....]

6- الكافي 4: 42/ 2.

(1) أمالي المفيد: 285/ 3.

(2) في المصدر: فرآه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 370

756/ [7]- العياشي: عن عثمان بن عيسى، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ.

قال: «هو الرجل يدع المال لا ينفقه في طاعة الله بخلا، ثم يموت فيدعه لمن «1» يعمل به في طاعة الله، أو في معصيته فإن عمل به في طاعة الله رآه في ميزان غيره،

فزاده حسرة و قد كان المال له، و إن عمل به في معصية الله قواه بذلك حتى عمل به في معاصي الله».

757/ [8]- عن منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ؟

قال: «أعداء علي (عليه السلام) هم المخلدون في النار أبد الآبدين، و دهر الداهرين».

758/ [9]- أبو علي الطبرسي: في معنى الآية، قال: روى أصحابنا عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: «هو الرجل يكسب «2» المال و لا يعمل فيه خيرا، فيرثه من يعمل فيه عملا صالحا، فيرى الأول ما كسبه حسرة في ميزان غيره».

سورة البقرة(2): آية 168 ..... ص : 370

قوله تعالى:

يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [168]

759/ [1]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن أبي خالد الكوفي، رفعه، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال».

760/ [2]- و عنه: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد و فضالة «3»، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل حلف أن ينحر ولده، قال: «ذلك من خطوات الشيطان».

761/ [3]- و عنه: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن منصور بن حازم، قال: قال لي أبو

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 1: 72/ 144.

8- تفسير العيّاشي 1: 73/ 145.

9- مجمع البيان 1: 458.

1- التهذيب 6 لا 324/ 891.

2- التهذيب 8: 288/ 1063.

3- التهذيب 8: 287/ 1058.

(1) في المصدر زيادة: هو.

(2) في المصدر: يكتسب.

(3) (و فضالة) ليس في المصدر. و قد عدّ القاسم و فضالة

من الرواة عن أبان، انظر معجم رجال الحديث 1: 164.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 371

عبد الله (عليه السلام): «أما سمعت بطارق؟ إن طارقا كان نخاسا بالمدينة فأتى أبا جعفر (عليهم السلام)، فقال: يا أبا جعفر، إني هالك، إني حلفت بالطلاق و العتاق و النذر «1»، فقال له: يا طارق، إن هذه من خطوات الشيطان».

762/ [4]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله «2»، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا حلف الرجل على شي ء، و الذي حلف عليه إتيانه خير من تركه، فليأت الذي هو خير و لا كفارة عليه، و إنما ذلك من خطوات الشيطان».

763/ [5]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه سئل عن رجل يقول: علي ألف بدنة و هو محرم بألف حجة. قال (عليه السلام): «ذلك من خطوات الشيطان».

764/ [6]- العياشي: عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام): أنه سئل عن امرأة جعلت مالها هديا، و كل مملوك لها حرا، إن كلمت أختها أبدا؟ قال: «تكلمها و ليس هذا بشي ء، إنما هذا و أشباهه من خطوات الشيطان».

765/ [7]- عن محمد بن مسلم: أن امرأة من آل المختار حلفت على أختها، أو ذات قرابة لها، قالت: ادني- يا فلانة- فكلي معي، فقالت: لا. فحلفت عليها بالمشي إلى بيت الله، و عتق ما تملك، إن لم تدني فتأكلي معي، أن لا يظلني و إياك سقف بيت، أو أكلت معك على

خواني أبدا؟ قال: فقالت الاخرى مثل ذلك، فحمل عمر بن حنظلة إلى أبي جعفر (عليه السلام) مقالتهما، فقال: «أنا أقضي في ذا، قل لها: فلتأكل معها، و ليظلها و إياها سقف بيت، و لا تمشي، و لا تعتق، و لتتق الله ربها و لا تعود إلى ذلك، فإن هذا من خطوات الشيطان».

766/ [8]- عن منصور بن حازم، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «أما سمعت بطارق؟ و إن طارقا كان نخاسا بالمدينة فأتى أبا جعفر (عليه السلام)، فقال: يا أبا جعفر، إني هالك، حلفت بالطلاق و العتاق و النذر «3»، فقال له: يا طارق، إن هذه من خطوات الشيطان».

767/ [9]- عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل حلف أن ينحر ولده.

فقال: «ذلك من خطوات الشيطان».

__________________________________________________

4- الكافي 7: 443/ 1.

5- الكافي 7: 441/ 12. [.....]

6- تفسير العيّاشي 1: 73/ 146.

7- تفسير العيّاشي 1: 73/ 147.

8- تفسير العيّاشي 1: 73/ 148.

9- تفسير العيّاشي 1: 73/ 149.

(1) في المصدر: النذور.

(2) في «س» و «ط» عبد الرحمن بن الحجّاج، و الصواب ما في المتن، انظر معجم رجال الحديث 1: 163 و 9: 296، و الحديث (2).

(3) في المصدر: و النذور.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 372

768/ [10]- عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ- قال- كل يمين بغير الله فهي من خطوات الشيطان».

سورة البقرة(2): الآيات 170 الي 171 ..... ص : 372

قوله تعالى:

وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ [170] وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ

إِلَّا دُعاءً وَ نِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [171].

769/ [1]- محمد بن يعقوب: عن أبي عبد الله الأشعري، عن بعض أصحابنا، [رفعة] «1»، عن هشام بن الحكم، قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): «يا هشام، إن الله تبارك و تعالى بشر أهل العقل و الفهم في كتابه، فقال: فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ» «2» الآية.

و ذكر الحديث بطوله إلى أن قال: «و ذم «3» الذين لا يعقلون، فقال: وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ و قال: وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَ نِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ».

770/ [2]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ الآية.

قال: إن البهائم إذا زجرها صاحبها فإنها تسمع الصوت، و لا تدري ما يريد، و كذلك الكفار إذا قرأت عليهم و عرضت عليهم الإيمان لا يعلمون مثل البهائم.

سورة البقرة(2): آية 173 ..... ص : 372

قوله تعالى:

فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [173]

__________________________________________________

10- تفسير العيّاشي 1: 74/ 150.

1- الكافي 1: 10/ 12.

2- تفسير القمّي 1: 64.

(1) أثبتناه من المصدر. انظر معجم رجال الحديث 19: 412.

(2) الزّمر 39: 17 و 18.

(3) في المصدر: قال: يا هشام ثمّ ذمّ.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 373

771/ [1]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: فَمَنِ اضْطُرَّ

غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ. قال: «الباغي باغي الصيد، و العادي السارق، ليس لهما أن يأكلا الميتة، إذا اضطرا إليها، هي حرام عليهما، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين، و ليس لهما أن يقصرا في الصلاة».

772/ [2]- ابن بابويه: عن أبيه، حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن البزنطي، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ. قال: «الباغي الذي يخرج على الإمام، و العادي الذي يقطع الطريق، لا تحل لهما الميتة».

و يروى أن العادي اللص، و الباغي الذي يبغي الصيد، لا يجوز لهما التقصير في السفر، و لا أكل الميتة في حال الاضطرار.

773/ [3]- العياشي: عن محمد بن إسماعيل، رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ. قال: «الباغي الظالم، و العادي الغاصب».

774/ [4]- عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «المضطر لا يشرب الخمر، لأنها لا تزيده إلا شرا، فإن شربها قتلته، فلا يشربن منها قطرة».

775/ [5]- عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في المرأة أو الرجل يذهب بصره، فيأتيه الأطباء، فيقولون: نداويك شهرا أو أربعين ليلة مستلقيا، كذلك يصلي؟ فرجعت إليه له «1»، فقال: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ.

776/ [6]- عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ قال:

«الباغي الخارج على الإمام، و العادي اللص».

777/ [7]- عن بعض أصحابنا، قال: أتت امرأة إلى عمر، فقالت: يا أمير المؤمنين، إني فجرت، فأقم في الحد،

__________________________________________________

1- الكافي 3: 438/ 7.

[.....]

2- معاني الأخبار: 213/ 1.

3- تفسير العيّاشي 1: 74/ 151.

4- تفسير العيّاشي 1: 74/ 152.

5- تفسير العيّاشي 1: 74/ 153.

6- تفسير العيّاشي 1: 74/ 154.

7- تفسير العيّاشي 1: 74/ 155.

(1) في الكافي 3: 410/ 4: فرخّص في ذلك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 374

فأمر برجمها، و كان علي أمير المؤمنين (عليه السلام) حاضرا، قال: فقال له: «سلها كيف فجرت؟» قالت: كنت في فلاة من الأرض، أصابني عطش شديد، فرفعت لي خيمة فأتيتها، فأصبت فيها رجلا أعرابيا، فسألته الماء، فأبى علي «1» إلا أن امكنه من نفسي، فوليت عنه هاربة، فاشتد بي العطش حتى غارت «2» عيناي، و ذهب لساني، فلما بلغ ذلك مني أتيته فسقاني و وقع علي.

فقال له علي (عليه السلام): «هذه التي قال الله: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ [باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ و هذه غير] باغية و لا عادية، فخل سبيلها». فقال عمر: لولا علي لهلك عمر.

778/ [8]- عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله في قوله: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ. قال: «الباغي:

طالب الصيد، و العادي: السارق، ليس لهما أن يقصرا من الصلاة، و ليس لهما- إذا اضطرا إلى الميتة- أن يأكلاها، و لا يحل لهما ما يحل للناس إذا اضطروا».

779/ [9]- أبو علي الطبرسي: عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام): «غير باغ على إمام المسلمين، و لا عاد بالمعصية طريق المحقين».

سورة البقرة(2): آية 175 ..... ص : 374

قوله تعالى:

فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [175]

780/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و

جل: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ.

قال: «ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنه يصيرهم إلى النار!».

781/ [2]- العياشي: عن ابن مسكان، رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ. قال: «ما أصبرهم على فعل ما يعلمون «3» أنه يصيرهم إلى النار!».

782/ [3]- أبو علي الطبرسي: عن علي بن إبراهيم، بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام): «ما أجرأهم على

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 1: 75/ 156.

9- مجمع البيان 1: 467.

1- الكافي 2: 206/ 2.

2- تفسير العيّاشي 1: 75/ 157.

3- مجمع البيان 1: 470.

(1) في المصدر: فأبى على أن يسقيني.

(2) غارت عينه: دخلت في الرأس. «الصحاح- غور- 2: 774». [.....]

(3) في المصدر: يعملون.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 375

النار!».

783/ [4]- و عن أبي عبد الله (عليه السلام) «ما أعملهم بأعمال أهل النار!».

سورة البقرة(2): آية 177 ..... ص : 375

قوله تعالى:

لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ السَّائِلِينَ وَ فِي الرِّقابِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا [177] 784/ [5]- علي بن إبراهيم: شرط «1» الإيمان الذي هو التصديق بالملائكة و الكتاب و النبيين.

785/ [6]- أبو علي الطبرسي: المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) «ذوي القربى: قرابة النبي (صلى الله عليه و آله)».

786/ [7]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

قول الله عز و جل: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ «2»؟ قال: «الفقير الذي لا يسأل الناس، و المسكين أجهد منه، و البائس أجهدهم».

787/ [8]- أبو علي الطبرسي: «ابن السبيل: المنقطع به» عن أبي جعفر (عليه السلام).

788/ [9]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أبي إسحاق، عن بعض

__________________________________________________

4- مجمع البيان 1: 470.

5- تفسير القمّي 1: 64.

6- مجمع البيان 1: 477.

7- الكافي 3: 501/ 16.

8- مجمع البيان 1: 477.

9- التهذيب 8: 275/ 1002.

(1) في المصدر: شروط.

(2) التوبة 9: 60.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 376

أصحابنا، عن الصادق (عليه السلام)، قال: سئل عن مكاتب «1» عجز عن مكاتبته و قد أدى بعضها. قال: «يؤدى عنه من مال الصدقة، فإن الله عز و جل يقول: وَ فِي الرِّقابِ».

قوله تعالى:

وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [177] 789/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: في الجوع و العطش و الخوف وَ حِينَ الْبَأْسِ قال: عند القتل

سورة البقرة(2): آية 178 ..... ص : 376

قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ [178]

790/ [2]- محمد بن يعقوب: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: قلت له: قول الله عز و جل: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى ؟. قال: فقال: «لا يقتل حر بعبد، و لكن يضرب ضربا

شديدا، و يغرم ثمنه دية العبد».

791/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ «2». فقال: «يكفر عنه من ذنوبه

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 64.

2- الكافي الكافي 7: 304/ 1.

3- الكافي 7: 358/ 1.

(1) المكاتب: العبد المعتق يكاتب على نفسه بثمنه، فإذا سعى و أدّاه عتق. «مجمع البحرين- كتب- 2: 154».

(2) المائدة 5: 45. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 377

بقدر ما عفا».

و سألته عن قوله عز و جل: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ. فقال:

«ينبغي للذي له الحق أن لا يعسر أخاه إذا كان قد صالحه على دية، و ينبغي للذي عليه الحق أن لا يمطل «1» أخاه إذا قدر على ما يعطيه، و يؤدي إليه بإحسان».

و سألته عن قول الله عز و جل: فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ. فقال: «هو الرجل يقبل الدية أو يعفو أو يصالح، ثم يعتدي فيقتل: فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ كما قال الله عز و جل».

792/ [3]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ «2». قال: «يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما عفا من جراح أو غيره».

قال: و سألته عن قول الله عز و جل: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ.

قال: «هو

الرجل يقبل الدية، فينبغي للطالب أن يرفق به و لا يعسره، و ينبغي للمطلوب أن يؤدي إليه بإحسان، و لا يمطله إذا قدر».

793/ [4]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي جميلة، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ. قال:

«الرجل يعفو أو يأخذ الدية، ثم يجرح صاحبه أو يقتله فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ».

794/ [5]- و عنه: عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ما ذلك الشي ء؟ قال:

«هو الرجل يقبل الدية، فأمر الله عز و جل الرجل الذي له الحق أن يتبعه بمعروف و لا يعسره، و أمر الذي عليه الحق أن يؤدي إليه بإحسان إذا أيسر».

قلت: أ رأيت قوله عز و جل فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ؟ قال: «هو الرجل يقبل الدية أو يصالح، ثم يجي ء بعد ذلك فيمثل أو يقتل، فوعده الله عذابا أليما».

795/ [6]- العياشي: عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى . قال: «لا يقتل حر بعبد، و لكن يضرب ضربا شديدا، و يغرم دية العبد و إن قتل رجل امرأة،

__________________________________________________

3- الكافي 7: 358/ 2.

4- الكافي 7: 359/ 3.

5- الكافي 7: 359/ 4.

6- تفسير العيّاشي 1: 75/ 158.

(1) المطل: اللي و التسويف و التعلّل في أداء الحقّ، و تأخيره من وقت إلى وقت. «مجمع

البحرين- مطل- 5: 473».

(2) المائدة 5: 45.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 378

فأراد أولياء المقتول أن يقتلوا، أدوا نصف ديته إلى أهل الرجل».

796/ [7]- محمد بن خالد البرقي: عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ أ هي لجماعة المسلمين؟ قال: «هي للمؤمنين خاصة».

797/ [8]- عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ. قال: «ينبغي للذي له الحق أن لا يضر أخاه إذا كان قادرا على ديته «1»، و ينبغي للذي عليه الحق أن لا يمطل أخاه إذا قدر على ما يعطيه، و يؤدي إليه بإحسان».

قال: «يعني إذا وهب القود «2» أتبعوه بالدية إلى أولياء المقتول، لكي لا يبطل دم امرئ مسلم».

798/ [9]- عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام)، في قوله: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ ءٌ ما ذلك؟

قال: «هو الرجل يقبل الدية «3»، فأمر الله الذي له الحق أن يتبعه بمعروف و لا يعسره، و أمر الله الذي عليه الدية أن لا يمطله، و أن يؤدي إليه بإحسان إذا أيسر».

799/ [10]- عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله: فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ. قال: «هو الرجل يقبل الدية، أو يعفو، أو يصالح، ثم يعتدي فيقتل فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ».

و في نسخة أخرى: «فيلقى صاحبه بعد الصلح فيمثل به فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ»

سورة البقرة(2): آية 179 ..... ص : 378

قوله تعالى:

وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [179]

800/ [1]- (إحتجاج الطبرسي): بالإسناد عن علي بن الحسين (عليهما السلام)، في تفسير قوله تعالى: وَ لَكُمْ

فِي الْقِصاصِ حَياةٌ الآية.

قال: «وَ لَكُمْ يا امة محمد فِي الْقِصاصِ حَياةٌ لأن من هم بالقتل فعرف أنه يقتص منه، فكف

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 1: 75/ 159.

8- تفسير العيّاشي 1: 75/ 160.

9- تفسير العيّاشي 1: 76/ 161.

10- تفسير العيّاشي 1: 76/ 162.

1- الاحتجاج: 319.

(1) في المصدر: دية.

(2) القود: القصاص. «الصحاح- قود- 2: 528».

(3) في «س، ط»: هو الرجل يقتل. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 379

لذلك عن القتل، كان حياة للذي كان هم بقتله، و حياة لهذا الجاني «1» الذي أراد أن يقتل، و حياة لغيرهما من الناس، إذا علموا أن القصاص واجب لا يجسرون على القتل مخافة القصاص يا أُولِي الْأَلْبابِ أولي العقول لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».

ثم قال (عليه السلام): «عباد الله، هذا قصاص قتلكم لمن تقتلونه في الدنيا و تفنون روحه، أ و لا أنبئكم بأعظم من هذا القتل، و ما يوجب «2» الله على قاتله مما هو أعظم من هذا القصاص؟». قالوا: بلى، يا ابن رسول الله.

قال: «أعظم من هذا القتل أن يقتله قتلا لا ينجبر و لا يحيا بعده أبدا». قالوا: ما هو؟

قال: «أن يضله عن نبوة محمد، و عن ولاية علي بن أبي طالب (صلى الله عليهما)، و يسلك به غير سبيل الله، و يغريه «3» باتباع طريق أعداء علي (عليه السلام) و القول بإمامتهم، و رفع علي (عليه السلام) عن حقه، و جحد فضله، و أن لا يبالي بإعطائه واجب تعظيمه، فهذا هو القتل الذي هو تخليد المقتول في نار جهنم، خالدا مخلدا أبدا، فجزاء هذا القتل مثل ذلك الخلود في نار جهنم».

801/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: لو لا القصاص لقتل بعضكم بعضا.

سورة البقرة(2): آية 180 ..... ص : 379

قوله تعالى:

كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ

تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [180]

802/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن ابن بكير، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن الوصية للوارث، فقال: «تجوز». قال: ثم تلا هذه الآية: إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ.

الشيخ في (التهذيب) بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن أحمد بن محمد، عن ابن بكير، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله «4».

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 1: 65.

1- الكافي 7: 10/ 5.

(1) في المصدر: الجافي.

(2) في المصدر: يوحيه.

(3) في المصدر: و يغير به.

(4) التهذيب 9: 199/ 793.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 380

803/ [2]- ابن بابويه في (الفقيه): بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن عيسى، عن محمد ابن سنان، عن عمار بن مروان، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ. قال: «هو شي ء جعله الله عز و جل لصاحب هذا الأمر».

قال: قلت: فهل لذلك حد؟ قال: «نعم».

قلت: و ما هو؟ قال: «أدنى ما يكون ثلث الثلث».

804/ [3]- العياشي: عن عمار بن مروان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله: إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ. قال: «حق جعله الله في أموال الناس لصاحب هذا الأمر».

قال: قلت: لذلك حد محدود؟ قال: «نعم».

قلت: كم؟ قال: «أدناه السدس، و أكثره الثلث».

805/ [4]- عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن الوصية، تجوز للوارث؟ قال: «نعم».

ثم تلا هذه الآية: إِنْ

تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ.

806/ [5]- عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «من أوصى بوصية لغير الوارث من صغير أو كبير بالمعروف غير المنكر، فقد جازت وصيته».

807/ [6]- عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي (عليه السلام)، قال: «من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرث، فقد ختم عمله بمعصية».

808/ [7]- عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام)، في قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ. قال: «هي منسوخة، نسختها آية الفرائض التي هي المواريث فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ «1» يعني بذلك الوصي».

809/ [8]- عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ قال: «شي ء جعله الله لصاحب هذا الأمر».

__________________________________________________

2- من لا يحضره الفقيه 4: 175/ 615.

3- تفسير العيّاشي 1: 76/ 163.

4- تفسير العيّاشي 1: 76/ 164.

5- تفسير العيّاشي 1: 76/ 165.

6- تفسير العيّاشي 1: 76/ 166.

7- تفسير العيّاشي 1: 77/ 167.

8- تفسير العيّاشي 1: 77/ 168.

(1) البقرة 2: 181. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 381

قال: قلت: فهل لذلك حد؟ قال: «نعم».

قلت: و ما هو؟ قال: «أدنى ما يكون ثلث الثلث».

سورة البقرة(2): الآيات 181 الي 182 ..... ص : 381

قوله تعالى:

فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [181- 182]

810/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن

محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أوصى بماله في سبيل الله.

فقال: «أعطه لمن أوصى به له، و إن كان يهوديا أو نصرانيا، إن الله تعالى يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ».

811/ [2]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن علي بن الحكم، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام)، في رجل أوصى بماله في سبيل الله.

قال: «أعط لمن أوصى به له، و إن كان يهوديا أو نصرانيا، إن الله تبارك و تعالى يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ.

812/ [3]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن مهزيار، قال: كتب أبو جعفر (عليه السلام) إلى جعفر و موسى: «و فيما أمرتكما من الإشهاد بكذا و كذا، نجاة لكما في آخرتكما، و إنفاذا لما أوصى به أبواكما، وبرا منكما لهما، و احذرا أن «1» تكونا بدلتما وصيتهما أو «2» غيرتماها عن حالها، لأنهما قد خرجا من ذلك (رضي الله عنهما)، و صار ذلك في رقابكما، و قد قال الله تبارك و تعالى في كتابه في الوصية: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ».

813/ [4]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب: أن

__________________________________________________

1- الكافي 7: 14/ 1.

2- الكافي 7: 14/ 2.

3- الكافي 7: 14/ 3.

4- الكافي 7: 14/ 4.

(1) في المصدر زيادة: لا.

(2) في المصدر: و لا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 382

رجلا كان بهمذان، ذكر أن

أباه مات، و كان لا يعرف هذا الأمر، فأوصى بوصيته عند الموت، و أوصى أن يعطى شي ء في سبيل الله، فسئل عنه أبو عبد الله (عليه السلام)، كيف يفعل به؟ و أخبرناه أنه كان لا يعرف هذا الأمر.

فقال: «لو أن رجلا أوصى إلي أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما، إن الله عز و جل يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فانظروا إلى من يخرج إلى هذا الوجه- يعني الثغور- فابعثوا به إليه».

814/ [5]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن حجاج الخشاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن امرأة أوصت إلي بمال أن يجعل في سبيل الله، فقيل لها: نحج به؟ فقالت: اجعله في سبيل الله. فقالوا لها: نعطيه آل محمد (عليهم السلام)؟ قالت: اجعله في سبيل الله. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «اجعله في سبيل الله كما أمرت».

قلت: مرني كيف أجعله؟

قال: «اجعله كما أمرتك، إن الله تبارك و تعالى يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أ رأيتك لو أمرتك ان تعطيه يهوديا كنت تعطيه نصرانيا؟!». قال: فمكثت بعد ذلك ثلاث سنين، ثم دخلت عليه، فقلت له مثل الذي قلت أول مرة، فسكت هنيئة، ثم قال: «هاتها» قلت: من أعطيها؟

قال: «عيسى شلقان «1»».

815/ [6]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي سعيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سئل عن رجل أوصى بحجة، فجعلها وصيه في نسمة.

فقال: «يغرمها

وصيه، و يجعلها في حجة كما أوصى به، فإن الله تبارك و تعالى يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ».

816/ [7]- العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن رجل أوصى بماله في سبيل الله.

قال: «أعطه لمن أوصى له، و إن كان يهوديا أو نصرانيا، لأن الله يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ».

__________________________________________________

5- الكافي 7: 15/ 1.

6- الكافي 7: 22/ 2.

7- تفسير العيّاشي 1: 77/ 169.

(1) عيسى شلقان: و هو عيسى بن أبي منصور مولى كوفي، و قد عدّ من أصحاب الباقر و الصادق (عليهما السّلام)، و هو من الفقهاء الأفاضل الأعلام، و الرؤساء المأخوذ منهم الحلال و الحرام، و الفتيا و الأحكام، الذي لا يطعن علين، و لا طريق لذم واحد منهم. رجال الطوسي: 257، معجم رجال الحديث 13: 176.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 383

817/ [8]- عن أبي سعيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه سئل عن رجل أوصى بحجة، فجعلها وصيه في نسمة.

قال: «يغرمها وصيه، و يجعلها في حجة كما أوصى به، إن الله يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ».

818/ [9]- عن مثنى بن عبد السلام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن رجل أوصي له بوصية، فمات قبل أن يقبضها و لم يترك عقبا. قال: «اطلب له وارثا أو مولى فادفعها إليه، فإن الله يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ».

قلت: إن الرجل كان من أهل فارس، دخل في الإسلام، لم يسم، و لا يعرف له ولي؟ قال: «اجهد أن تقدر له على ولي، فإن

لم تجده و علم الله منك الجهد، تتصدق بها».

819/ [10]- عن محمد بن سوقة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ.

قال: «نسختها التي بعدها فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً يعني الموصى إليه، إن خاف جنفا «1» من الموصي إليه في ثلثه جميعا، فيما أوصى به إليه، مما لا يرضى الله به في خلاف الحق، فلا إثم على الموصى إليه أن يبدله إلى الحق، و إلى ما يرضى الله به من سبيل الخير».

820/ [11]- عن يونس، رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ. قال: «يعني إذا ما اعتدى في الوصية و زاد في الثلث».

821/ [12]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه «2»، عن رجاله، قال: «إن الله عز و جل أطلق للموصى إليه أن يغير الوصية إذا لم تكن بالمعروف، و كان فيها حيف، و يردها إلى المعروف، لقوله عز و جل:

فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ».

822/ [13]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن محمد بن سوقة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله تبارك و تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ.

__________________________________________________

8- تفسير العياشي 1: 77/ 170.

9- تفسير العياشي 1: 77/ 171.

10- تفسير العياشي 1: 78/ 172.

11- تفسير العياشي 1: 78/ 173. [.....]

12- الكافي 7: 20/ 1.

13- الكافي 7: 21/ 2.

(1) الجنف: هو الميل و العدول عن الحق. «مجمع البحرين-

جنف- 5: 33».

(2) (عن أبيه) أثبتناه من المصدر، و الظاهر صحته، انظر معجم رجال الحديث 1: 556.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 384

قال: «نسختها [الآية] التي بعدها قوله عز و جل: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ أي على «1» الموصى إليه إن خاف جنفا من الموصى فيما أوصى به إليه، مما لا يرضى الله به من خلاف الحق، فلا إثم عليه- أي على الموصى إليه- أن يبدله إلى الحق، و إلى ما يرضى الله به من سبيل الخير».

823/ [14]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أبي طالب عبد الله بن الصلت القمي، عن يونس بن عبد الرحمن، رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله عز و جل: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ. قال: يعني إذا اعتدى في الوصية، إذا ازداد على الثلث».

824/ [15]- و قال علي بن إبراهيم: قال الصادق (عليه السلام): «إذا أوصى الرجل بوصية، فلا يحل للوصي أن يغير وصية يوصيها، بل يمضيها على ما أوصى، إلا أن يوصي بغير ما أمر الله، فيعصي في الوصية و يظلم، فالموصى إليه جائز له أن يرده إلى الحق مثل رجل يكون له ورثة، فيجعل المال كله لبعض ورثته و يحرم بعضا، فالوصي جائز له أن يرده إلى الحق، و هو قوله: جَنَفاً أَوْ إِثْماً و الجنف: الميل إلى بعض ورثته دون بعض، و الإثم أن يأمر بعمارة بيوت النيران و اتخاذ المسكر، فيحل للوصي أن لا يعمل بشي ء من ذلك».

825/ [16]- أبو علي الطبرسي، قال: الجنف أن يكون على جهة الخطأ

من حيث لا يدري أنه يجوز. قال:

روي ذلك عن أبي جعفر (عليه السلام).

سورة البقرة(2): آية 183 ..... ص : 384

قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ [183- 184]

826/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبي الحسن علي بن الحسين البرقي، عن عبد الله بن جبلة، عن معاوية بن عمار، عن الحسن بن عبد الله، عن أبيه، عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، في

__________________________________________________

14- علل الشرائع: 567/ 4.

15- تفسير القمّي 1: 65.

16- مجمع البيان 1: 486.

1- أمالي الصدوق: 161/ 1.

(1) في المصدر: قال يعني.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 385

مسائل سأل عنها اليهود، منها: قال اليهودي: يا محمد، فأخبرني لأي شي ء فرض الله الصوم على أمتك بالنهار ثلاثين يوما، و فرض على الأمم أكثر من ذلك؟ قال النبي (صلى الله عليه و آله): «إن آدم (عليه السلام) لما أكل من الشجرة بقيت في بطنه ثلاثين يوما، ففرض الله على ذريته الجوع و العطش ثلاثين يوما، و الذي يأكلونه تفضل من الله عز و جل عليهم، و كذلك كان على آدم (عليه السلام)، ففرض الله عز و جل على أمتي ذلك» ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه و آله) هذه الآية: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ.

قال اليهودي: صدقت- يا محمد- فما جزاء من صامها؟

قال النبي (صلى الله عليه و آله): «ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا، إلا أوجب الله له سبع خصال: أولها:

يذوب

الحرام في جسده، و الثانية: يقرب من رحمة الله، و الثالثة: يكون قد كفر خطيئة أبيه آدم (عليه السلام)، و الرابعة:

يهون الله عليه سكرات الموت، و الخامسة: أمان من الجوع و العطش يوم القيامة، و السادسة: يعطيه الله براءة من النار، و السابعة: يطعمه الله من ثمرات الجنة».

قال: صدقت، يا محمد.

827/ [2]- و عنه، في (الفقيه): بإسناده عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث النخعي، قال:

سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على أحد من الأمم قبلنا».

فقلت له: فقول الله عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ؟

قال: «إنما فرض الله عز و جل صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأمم، ففضل الله به هذه الامة، و جعل صيامه فرضا على رسول الله (صلى الله عليه و آله) و على أمته».

828/ [3]- العياشي: عن البرقي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ قال: «هي للمؤمنين خاصة».

829/ [4]- عن جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ «1» و يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ.

قال: فقال: «هذه كلها تجمع الضلال و المنافقين، و كل من أقر بالدعوة الظاهرة».

__________________________________________________

2- من لا يحضره الفقيه 2: 61/ 267.

3- تفسير العيّاشي 1: 78/ 174.

4- تفسير العيّاشي 1: 78/ 175.

(1) البقرة 2: 246.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 386

سورة البقرة(2): آية 184 ..... ص : 386

قوله تعالى:

فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ

وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [184]

830/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد الجوهري، عن سليمان بن داود، عن سفيان بن داود، عن سفيان بن عيينة «1»، عن الزهري، عن علي بن الحسين (عليهما السلام)، قال: «فأما صوم السفر و المرض، فإن العامة قد اختلفت في ذلك فقال قوم: يصوم، و قال آخرون: لا يصوم، و قال قوم: إن شاء صام، و إن شاء أفطر، و أما نحن فنقول يفطر في الحالين جميعا فإن صام في السفر أو في حال المرض فعليه القضاء، فإن الله عز و جل يقول: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ».

831/ [2]- العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لم يكن رسول الله (صلى الله عليه و آله) يصوم في السفر تطوعا و لا فريضة، يكذبون على رسول الله (صلى الله عليه و آله)، نزلت هذه الآية و رسول الله (صلى الله عليه و آله) بكراع الغميم «2» عند صلاة الفجر، فدعا رسول الله (صلى الله عليه و آله) بإناء فشرب، و أمر الناس أن يفطروا، فقال قوم: قد توجه النهار، و لو صمنا يومنا هذا؟ فسماهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) العصاة، فلم يزالوا يسمون بذلك الاسم حتى قبض رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

832/ [3]- و عن الصباح بن سيابة، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن ابن أبي يعفور أمرني أن أسألك عن مسائل، فقال: «و ما هي؟». قال: يقول لك: إذا دخل شهر رمضان و أنا في منزلي، ألي أن أسافر؟

قال: «إن الله

يقول: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «3» فمن دخل عليه شهر رمضان و هو في أهله، فليس له أن يسافر إلا لحج، أو عمرة، أو في طلب مال يخاف تلفه».

833/ [4]- و عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «4».

__________________________________________________

1- الكافي 4: 86/ 1. [.....]

2- تفسير العيّاشي 1: 81/ 190.

3- تفسير العيّاشي ك 1: 80/ 186.

4- تفسير العيّاشي 1: 81/ 187.

(1) في «س»: سفيان عن عتيبة و في «ط»: سفيان عن عيينة، تصحيف صوابه ما في المتن، و هو سفيان بن عيينة الهلالي الكوفي، من أتقن أصحاب الزّهري، و أثبت الناس في حديثه، انظر ترجمته في تهذيب الكمال 11: 177 و معجم رجال الحديث 8: 157.

(2) كراع الغميم: موضع بناحية الحجاز بين مكّة و المدينة. «معجم البلدان 4: 443».

(3) البقرة 2: 185.

(4) البقرة 2: 185.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 387

قال: فقال: «ما أبينها لمن عقلها!- قال- من شهد رمضان فليصمه، و من سافر فيه فليفطر».

834/ [5]- و عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن حد المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار، كما يجب عليه في السفر [في ] قوله: وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ «1».

قال: «هو مؤتمن عليه، مفوض إليه، فإن وجد ضعفا فليفطر، و إن وجد قوة فليصم، كان المريض على ما كان».

835/ [6]- و عن الزهري، عن علي بن الحسين (عليهما السلام)، قال: «صوم السفر و المرض، إن العامة اختلفت في ذلك فقال قوم: يصوم، و قال قوم: لا يصوم، و قال قوم: إن شاء صام، و إن شاء أفطر، و أما نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعا فإن

صام في السفر أو حال المرض فعليه قضاء ذلك، فإن الله يقول: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، و قوله: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ «2»».

836/ [7]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن عبيد بن زرارة، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قوله عز و جل: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «3»؟

قال: «ما أبينها! من شهد فليصمه، و من سافر فلا يصمه».

837/ [8]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ.

قال: «الشيخ الكبير، و الذي يأخذه العطاش».

و عن قوله عز و جل: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً «4» قال: « [من ] مرض أو عطاش».

838/ [9]- و عنه: عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ.

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 1: 81/ 189.

6- تفسير العيّاشي 1: 82/ 192.

7- الكافي 4: 126/ 1.

8- الكافي 4: 116/ 1.

9- الكافي 4: 116/ 5.

(1) البقرة 2: 185.

(2) البقرة 2: 185. [.....]

(3) البقرة 2: 185.

(4) المجادلة 58: 4.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 388

قال: «الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك، فعليهم لكل يوم مد «1»».

839/ [10]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن

العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ. قال: «الشيخ الكبير، و الذي يأخذه العطاش».

و عن قوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً «2» قال: «من مرض أو عطاش».

840/ [11]- ابن بابويه: بإسناده عن ابن بكير، أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ.

قال: «على الذين كانوا يطيقون الصوم ثم أصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك، فعليهم لكل يوم مد».

841/ [12]- أبو علي الطبرسي، قال: روى علي بن إبراهيم بإسناده عن الصادق (عليه السلام)، قال: «وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ من مرض في شهر رمضان فأفطر، ثم صح فلم يقض ما فاته حتى جاء شهر رمضان آخر، فعليه أن يقضي و يتصدق لكل يوم مدا من طعام».

842/ [13]- العياشي: عن سماعة، عن أبي بصير، قال: سألته عن قول الله: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ.

قال: «هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع، و المريض».

843/ [14]- و عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ.

قال: «الشيخ الكبير، و الذي يأخذه العطاش».

844/ [15]- و عن أبي بصير، قال: سألته عن رجل مرض من رمضان إلى رمضان قابل، و لم يصح بينهما، و لم يطق الصوم.

قال: «تصدق مكان كل يوم أفطر على مسكين مدا من طعام، و إن لم يكن حنطة فمد من تمر، و هو قول الله:

فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فإن استطاع أن يصوم رمضان الذي يستقبل، و إلا فليتربص إلى رمضان قابل فيقضيه، فإن

__________________________________________________

10- التهذيب 4: 237/ 695.

11- من لا

يحضره الفقيه 2: 84/ 377.

12- مجمع البيان 2: 494.

13- تفسير العيّاشي 1: 78/ 177.

14- تفسير العيّاشي 1: 78/ 176.

15- تفسير العيّاشي 1 لا 79/ 178.

(1) المدّ: مقدّر بأن يمدّ يديه فيملأ كفّيه طعاما، و هو ربع الصاع. «مجمع البحرين- مدد- 3: 144».

(2) المجادلة 58: 4.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 389

لم يصح حتى جاء رمضان قابل، فليتصدق- كما تصدق- مكان كل يوم أفطر مدا، و إن صح فيما بين الرمضانين فتوانى أن يقضيه حتى جاء الرمضان الآخر، فإن عليه الصوم و الصدقة جميعا يقضي الصوم و يتصدق، من أجل أنه ضيع ذلك الصيام».

845/ [16]- و عن العلاء، عن محمد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ.

قال: «الشيخ الكبير، و الذي يأخذه العطاش».

846/ [17]- و عن رفاعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ.

قال: «المرأة تخاف على ولدها، و الشيخ الكبير».

847/ [18]- و عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: « [الشيخ ] الكبير، و الذي به العطاش، لا حرج عليهما أن يفطرا في رمضان، و تصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد «1» من طعام، و لا قضاء عليهما، فإن لم يقدرا فلا شي ء عليهما»

سورة البقرة(2): آية 185 ..... ص : 389

قوله تعالى:

شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَ الْفُرْقانِ [185]

848/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عمرو الشامي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات و الأرض فغرة الشهور

شهر الله عز ذكره و هو شهر رمضان، و قلب شهر رمضان ليلة القدر، و نزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان، فاستقبل الشهر بالقرآن».

849/ [2]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه و علي بن محمد، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن

__________________________________________________

16- تفسير العيّاشي 1: 79/ 179.

17- تفسير العيّاشي 1: 79/ 180.

18- تفسير العيّاشي 1: 79/ 181.

1- الكافي 4: 65/ 1. [.....]

2- الكافي 2: 460/ 6.

(1) في المصدر و «ط» نسخة بدل: بمدّين.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 390

داود «1»، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ و إنما انزل في عشرين سنة بين أوله و آخره.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثم نزل في طول عشرين سنة».

ثم قال: «قال النبي (صلى الله عليه و آله): نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان، و أنزلت التوراة لست مضين من شهر رمضان، و أنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، و انزل الزبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان، و انزل القرآن في ثلاث و عشرين من شهر رمضان».

850/ [3]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن هشام بن سالم، عن سعد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: كنا عنده ثمانية رجال، فذكرنا رمضان، فقال: «لا تقولوا: هذا رمضان، و لا ذهب رمضان، و لا جاء رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله عز و جل لا يجي ء و لا

يذهب، و إنما يجي ء و يذهب الزائل، و لكن قولوا: شهر رمضان، فالشهر مضاف إلى الاسم، و الاسم اسم الله عز ذكره، و هو الشهر الذي انزل فيه القرآن جعله مثلا وعيدا».

851/ [4]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن سنان- أو عن غيره «2»- عمن ذكره، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القرآن و الفرقان، أ هما شيئان، أو شي ء واحد؟

فقال (عليه السلام): «القرآن: جملة الكتاب، و الفرقان: المحكم الواجب العمل به».

852/ [5]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «نزلت التوراة في ست مضين من شهر رمضان، و نزل الإنجيل في اثنتي عشرة مضت من شهر رمضان، و نزل الزبور في ثماني عشرة مضت من شهر رمضان، و نزل القرآن في ليلة القدر».

853/ [6]- و عنه: بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن خالد الأصم، عن ثعلبة بن ميمون، عن معمر بن يحيى، أنه سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «لا يسأل الله عز و جل عبدا عن صلاة بعد الفريضة، و لا عن صدقة بعد الزكاة، و لا عن صوم بعد شهر رمضان».

__________________________________________________

3- الكافي 4: 69/ 2.

4- الكافي 2: 461/ 11.

5- التهذيب 4: 193/ 552.

6- التهذيب 4: 153/ 242.

(1) في المصدر: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن القاسم، عن محمّد بن سليمان، عن داود، و الصواب ما في المتن، لعدم رواية الكليني أو إبراهيم بن هاشم عن محمّد بن القاسم، بل روى الكليني عن عليّ بن محمّد، و روى هو عن القاسم، و روى الأخير

عن سليمان راجع معجم رجال الحديث 14: 37 و 17: 154 و 18: 54.

(2) في «س و ط»: عليّ بن إبراهيم، عن ابن سنان و غيره، و الصواب ما أثبتناه، كما أورده السيد الخوئي في تفصيل طبقات الرواة. انظر معجم رجال الحديث 1: 319 و 22: 404.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 391

854/ [7]- و عنه: بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن أحمد بن صبيح، عن الحسين بن علوان، عن عبد الله بن الحسن، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «شهر رمضان نسخ كل صوم، و النحر نسخ كل ذبيحة، و الزكاة نسخت كل صدقة، و غسل الجنابة نسخ كل غسل».

855/ [8]- العياشي: عن الحارث البصري «1»، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال في آخر شعبان: «إن هذا الشهر المبارك الذي أنزلت فيه القرآن، و جعلته هدى للناس، و بينات من الهدى و الفرقان، قد حضر، فسلمنا فيه، و سلمه لنا، و سلمه منا في يسر منك و عافية».

856/ [9]- عن عبدوس العطار، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا حضر شهر رمضان، فقل:

اللهم قد حضر شهر رمضان، و قد افترضت علينا صيامه، و أنزلت فيه القرآن هدى للناس، و بينات من الهدى و الفرقان، اللهم أعنا على صيامه و تقبله منا، و سلمنا فيه، و سلمه منا، و سلمنا له في يسر منك و عافية، إنك على كل شي ء قدير، يا أرحم الراحمين».

857/ [10]- عن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قوله: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ كيف انزل فيه القرآن، و إنما انزل القرآن في طول عشرين

سنة من أوله إلى آخره؟

فقال (عليه السلام): «نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثم انزل من البيت المعمور في طول عشرين سنة».

ثم قال: «قال النبي (صلى الله عليه و آله): نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان، و أنزلت التوراة لست مضين من شهر رمضان، و انزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، و انزل الزبور لثماني عشرة من رمضان، و انزل القرآن لأربع و عشرين من رمضان».

858/ [11]- عن ابن سنان، عمن ذكره، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القرآن و الفرقان، أ هما شيئان، أو شي ء واحد؟

قال: فقال: «القرآن: جملة الكتاب، و الفرقان: المحكم الواجب العمل به».

859/ [12]- أبو علي الطبرسي، قال: روى الثعلبي، بإسناده عن أبي ذر، عن النبي (صلى الله عليه و آله)، أنه قال:

__________________________________________________

7- التهذيب 4: 153/ 425.

8- تفسير العيّاشي 1: 80/ 182.

9- تفسير العيّاشي 1: 80/ 183.

10- تفسير العيّاشي 1: 80/ 185.

11- تفسير العيّاشي 1: 80/ 185.

12- مجمع البيان 2: 497. [.....]

(1) في المصدر: النصري، و كلاهما صحيح، و هو الحارث بن المغيرة النصري، من نصر بن معاوية. انظر رجال النجاشي: 139/ 361 و معجم رجال الحديث 4: 204.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 392

«أنزلت صحف إبراهيم (عليه السلام) لثلاث مضين من شهر رمضان- و في رواية الواحدي: في أول ليلة منه- و أنزلت توراة موسى (عليه السلام) لست مضين من رمضان، و انزل إنجيل عيسى لثلاث عشرة خلت من رمضان، و انزل زبور داود لثماني عشرة ليلة خلت من رمضان، و انزل الفرقان على محمد لأربع و عشرين من شهر رمضان».

ثم قال أبو علي: و هذا بعينه رواه

العياشي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «1».

860/ [13]- و روى علي بن إبراهيم في (تفسيره)، قال: روي عن العالم (عليه السلام) أنه قال: «نزلت صحف إبراهيم (عليه السلام) أول شهر رمضان، و نزلت التوراة لست خلون من شهر رمضان، و نزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، و نزل القرآن لأربع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان».

861/ [14]- و قال علي بن إبراهيم: أول ما فرض الله الصوم، لم يفرضه الله في شهر رمضان، قال: و

قال العالم (عليه السلام): فرض الله شهر رمضان «2» على الأنبياء و لم يفرضه على الأمم، فلما بعث الله نبيه (صلى الله عليه و آله) خصه بفضل شهر رمضان هو و أمته، و كان الصوم قبل أن ينزل شهر رمضان يصوم الناس أياما».

قوله تعالى:

فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [185]

862/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن عبيد بن زرارة، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قوله عز و جل: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ؟ قال: «ما أبينها! من شهد فليصمه، و من سافر فلا يصمه».

863/ [2]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا دخل شهر رمضان فلله فيه شرط قال الله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فليس للرجل- إذا دخل شهر رمضان- أن يخرج إلا في حج أو عمرة، أو مال يخاف تلفه، أو أخ يخاف هلاكه، و ليس

له أن يخرج في إتلاف مال أخيه، فإذا مضت ليلة ثلاث و عشرين فليخرج حيث

__________________________________________________

13- تفسير القمّي (النسخة المخطوطة): 12.

14- تفسر القمّي 1: 65.

1- الكافي 4: 126/ 1.

2- التهذيب 4: 216/ 626.

(1) تقدم في الحديث (10) من تفسير هذه الآيات.

(2) (قال و قال ... شهر رمضان) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 393

شاء».

864/ [3]- و عنه: بإسناده عن هارون بن الحسن بن جبلة، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: جعلت فداك، يدخل علي شهر رمضان فأصوم بعضه، فتحضرني نية زيارة قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، فأزوره و أفطر ذاهبا و جائيا، أو أقيم حتى أفطر، و أزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين. فقال:

«أقم حتى تفطر».

قلت له: جعلت فداك، فهو أفضل. قال: «نعم، أما تقرأ في كتاب الله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ».

865/ [4]- العياشي: عن الصباح بن سيابة، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن ابن أبي يعفور أمرني أن أسألك عن مسائل، فقال: «و ما هي؟». قال: يقول لك: إذا دخل شهر رمضان و أنا في منزلي ألي أن أسافر؟

قال: «إن الله يقول: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فمن دخل عليه شهر رمضان و هو في أهله، فليس له أن يسافر إلا لحج أو عمرة، أو في طلب مال يخاف تلفه».

866/ [5]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ. قال: فقال: «ما أبينها لمن عقلها!- قال- من شهد رمضان فليصمه، و من سافر فيه فليفطر».

867/ [6]- و عنه: قال أبو عبد الله (عليه السلام) فَلْيَصُمْهُ قال: «الصوم فوه لا يتكلم إلا بالخير».

قوله تعالى:

يُرِيدُ

اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [185]

868/ [1]- ابن شهر آشوب: عن الباقر (عليه السلام)، في قوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.

قال: «اليسر: أمير المؤمنين، و العسر: فلان و فلان».

869/ [2]- العياشي: عن الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ

__________________________________________________

3- التهذيب 4: 316/ 961.

4- تفسير العياشي 1: 80/ 186.

5- تفسير العياشي 1: 81/ 187.

6- تفسير العياشي 1: 81/ 188.

1- المناقب 3: 103.

2- تفسير العياشي 1: 82/ 191.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 394

. قال: «اليسر: علي (عليه السلام)، و فلان و فلان العسر، فمن كان من ولد آدم (عليه السلام) لم يدخل في ولاية فلان و فلان».

870/ [3]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي: عن بعض أصحابه، رفعه، في قول الله عز و جل: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ «اليسر: الولاية، و العسر: الخلاف، و موالاة أعداء الله».

871/ [4]- و عنه: عن بعض أصحابنا، رفعه، في قول الله عز و جل: وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ.

قال: «التكبير: التعظيم «1»، و الهداية: الولاية».

872/ [5]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن أحمد بن أبي عبد الله، [عن أبيه ] «2»، عن خلف بن حماد، عن سعيد النقاش، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لي: «أما إن في ليلة الفطر تكبيرا، و لكنه مسنون «3»».

قال: قلت: و أين هو؟ قال: «في ليلة الفطر في المغرب و العشاء الآخرة، و في صلاة الفجر، و في صلاة العيد، ثم يقطع».

قال: قلت: كيف أقول؟

قال: «تقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، و الله أكبر، الله أكبر، و لله الحمد، الله أكبر على ما هدانا و هو قول الله عز و جل: وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ يعني الصيام وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ».

873/ [6]- العياشي: عن سعيد النقاش، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن في الفطر لتكبيرا، و لكنه مسنون، كبر في المغرب ليلة الفطر، و في العتمة، و الفجر، و في صلاة العيد، و هو قول الله تعالى: وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ و التكبير أن تقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، و الله أكبر، الله أكبر «4»، و لله الحمد».

قال: و في رواية أبي عمرو: التكبير الأخير أربع مرات.

874/ [7]- عن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: جعلت فداك، ما يتحدث به عندنا أن النبي (صلى الله عليه و آله) صام تسعة و عشرين أكثر مما صام ثلاثين، أحق هذا؟

قال: «ما خلق الله من هذا حرفا، ما صامه النبي (صلى الله عليه و آله) إلا ثلاثين، لأن الله يقول: وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ فكان رسول الله (صلى الله عليه و آله) ينقصه؟!».

__________________________________________________

3- المحاسن: 186/ 199. [.....]

4- المحاسن: 142/ 36.

5- الكافي 4: 166/ 1.

6- تفسير العيّاشي 1: 82/ 193.

7- تفسير العيّاشي 1: 82/ 194.

(1) في المصدر زيادة: للّه.

(2) أثبتناه من المصدر، و هو الصواب، انظر مجمع الرجال 2: 271، معجم رجال الحديث 7: 63.

(3) في المصدر: مستور.

(4) (اللّه أكبر) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 395

875/ [8]- عن سعيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن في الفطر تكبيرا».

قال: قلت:

ما التكبير إلا في يوم النحر.

قال: «فيه تكبير و لكنه مسنون: في المغرب و العشاء و الفجر و الظهر و العصر و ركعتي العيد».

سورة البقرة(2): آية 186 ..... ص : 395

قوله تعالى:

وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [186]

876/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري «1»، عن حماد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أشغل نفسي بالدعاء لإخواني و لأهل الولاية، فما ترى في ذلك؟

قال: «إن الله تبارك و تعالى يستجيب دعاء غائب لغائب، و من دعا للمؤمنين و المؤمنات و لأهل مودتنا، رد الله عليه من آدم إلى أن تقوم الساعة، لكل مؤمن حسنة».

ثم قال: «إن الله فرض الصلوات في أفضل الساعات، فعليكم بالدعاء في أدبار الصلوات» ثم دعا لي «2» و لمن حضره.

877/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك، إني قد سألت الله حاجة منذ كذا و كذا سنة، و قد دخل قلبي من إبطائها شي ء.

فقال: «يا أحمد، إياك و الشيطان أن يكون له عليك سبيل حتى يقنطك، إن أبا جعفر (صلوات الله عليه) كان يقول:

إن المؤمن يسأل الله عز و جل حاجة، فيؤخر عنه تعجيل إجابتها، حبا لصوته و استماع نحيبه».

ثم قال: «و الله، ما أخر الله عز و جل عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا، خير لهم مما عجل لهم فيها، و أي شي ء الدنيا! إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه، في الرخاء نحوا

من دعائه في الشدة، ليس إذا أعطي فتر، فلا تمل الدعاء، فإنه من الله عز و جل بمكان.

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 1: 82/ 195.

1- تفسير القمّي 1: 67.

2- الكافي 2: 354/ 1.

(1) في «س و ط»: داود بن سليمان المنقريّ، و الصواب ما في المتن، انظر رجال النجاشيّ: 184/ 488، و فهرست الطوسيّ: 77/ 316.

(2) في «ط»: له.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 396

و عليك بالصبر، و طلب الحلال، و صلة الرحم، و إياك و مكاشفة الناس، فإنا أهل بيت نصل من قطعنا، و نحسن إلى من أساء إلينا، فنرى- و الله- في ذلك العاقبة «1» الحسنة.

إن صاحب النعمة في الدنيا إذا سأل فاعطي طلب غير الذي سأل، و صغرت النعمة في عينه، فلا يشبع من شي ء، و إن كثرت النعم كان المسلم من ذلك على خطر للحقوق التي تجب عليه، و ما يخاف من الفتنة فيها، أخبرني عنك لو أني قلت لك قولا أ كنت تثق به مني؟».

فقلت: جعلت فداك، إذا لم أثق بقولك فبمن أثق و أنت حجة الله على خلقه؟

قال: «فكن بالله أوثق، فإنك على موعد من الله عز و جل، أليس الله عز و جل يقول: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ و قال: لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ «2» و قال: وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلًا «3» فكن بالله عز و جل أوثق منك بغيره، و لا تجعلوا في أنفسكم إلا خيرا، فإنه يغفر لكم» «4».

878/ [3]- عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: آيتان في كتاب الله

عز و جل أطلبهما فلا أجدهما. قال: «و ما هما؟» قلت: قول الله عز و جل:

ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ «5» فندعوه و لا نرى إجابة! قال: «أفترى الله عز و جل أخلف وعده؟» قلت: لا. قال: «فمم ذلك؟» فقلت: لا أدري.

قال: «لكني أخبرك: من أطاع الله عز و جل فيما أمره ثم دعاه من جهة الدعاء أجابه».

قلت: و ما جهة الدعاء؟

قال: «تبدأ فتحمد الله، و تذكر نعمه عندك، ثم تشكره، ثم تصلي على النبي (صلى الله عليه و آله)، ثم تذكر ذنوبك فتقر بها، ثم تستعيذ منها، فهذا جهة الدعاء».

ثم قال: «و ما الآية الاخرى؟».

قلت: قول الله عز و جل: وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ «6» فإني أنفق و لا أرى خلفا! قال: «افترى الله عز و جل أخلف وعده؟ قلت: لا. قال: «مم ذلك؟» قلت: لا أدري.

قال: «لو أن أحدكم اكتسب المال من حله، و أنفقه في ذلك، لم ينفق درهما إلا اخلف عليه».

__________________________________________________

3- الكافي 2: 352/ 8. [.....]

(1) في «ط»: العافية.

(2) الزّمر 39: 53.

(3) البقرة 2: 268.

(4) في المصدر: فإنّه مغفور لكم.

(5) غافر 40: 60.

(6) سبأ 34: 39.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 397

879/ [4]- العياشي: عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي.

قال: «يعلمون أني أقدر على أن أعطيهم ما يسألون».

880/ [5]- أبو علي الطبرسي: روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: «أعجز الناس من عجز عن الدعاء، و أبخل الناس من بخل بالسلام».

881/ [6]- و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: «وَ لْيُؤْمِنُوا بِي أي و ليتحققوا أني قادر على إعطائهم

ما سألوه لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ أي لعلهم يصيبون الحق، أي يهتدون إليه».

سورة البقرة(2): آية 187 ..... ص : 397

قوله تعالى:

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [187]

882/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، و أحمد بن إدريس، عن محمد ابن عبد الجبار، جميعا، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام)، في قول الله عز و جل: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ.

قال: «نزلت في خوات بن جبير الأنصاري «1»، و كان مع النبي (صلى الله عليه و آله) في الخندق و هو صائم، فأمسى و هو على تلك الحال، و كانوا قبل أن تنزل هذه الآية، إذا نام أحدهم حرم عليه الطعام و الشراب، فجاء خوات إلى

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 1: 83/ 196.

5- مجمع البيان 2: 500.

6- مجمع البيان 2: 500.

1- الكافي 4: 98/ 4.

(1) خوّات بن جبير بن النّعمان، كان أحد فرسان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله)، شهد بدرا هو و أخوه عبد اللّه بن جبر، و هو من صحابة الإمام عليّ (عليه السّلام)، توفّي سنة 40 ه، و قيل 42 ه، و عمره أربع و سبعون سنة. انظر رجال الطوسي: 40، اسد الغابة 2: 125، الخلاصة: 66، الإصابة 1: 457.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 398

أهله حين أمسوا «1»، فقال: هل عندكم طعام؟ فقالوا: لا، لا تنم حتى نصلح لك

طعاما فاتكأ فنام، فقالوا له: قد فعلت، قال: نعم.

فبات على تلك الحال فأصبح، ثم غدا إلى الخندق فجعل يغشى «2» عليه، فمر به رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فلما رأى الذي به أخبره كيف كان أمره، فأنزل الله عز و جل فيه الآية: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ».

883/ [2]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى: الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ.

فقال: «بياض النهار من سواد الليل».

884/ [3]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام): أن عليا (صلوات الله عليه) قال: يستحب للرجل أن يأتي أهله أول ليلة من شهر رمضان، لقول الله عز و جل: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ و الرفث: المجامعة».

885/ [4]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال: سألته عن قوم صاموا شهر رمضان، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس، فظنوا أنه ليل فأفطروا، ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس.

فقال: «على الذي أفطر قضاء «3» ذلك اليوم، إن الله عز و جل يقول: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ.

886/ [5]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن أبي بصير، و سماعة، عن أبي عبد الله (عليهم

السلام)، في قوم صاموا شهر رمضان، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس، فرأوا أنه الليل، فأفطر بعضهم، ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس.

قال: «على الذي أفطر صيام ذلك اليوم، إن الله عز و جل يقول: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ، فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه، لأنه أكل متعمدا».

__________________________________________________

2- الكافي 4: 98/ 3.

3- الكافي 4: 180/ 3.

4- الكافي 4: 100/ 1. [.....]

5- الكافي 4: 100/ 2.

(1) في المصدر: أمسى.

(2) غشيّ عليه: أغمي عليه. «لسان العرب- غشا- 15: 127».

(3) في المصدر: صيام.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 399

887/ [6]- الشيخ في (الʙǘЙʘȩ: بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن الحصين بن أبي الحصين، قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك، اختلف مواليك في صلاة الفجر فمنهم من يصلي إذا طلع الفجر الأول المستطيل في السماء، و منهم من يصلي إذا اعترض في أسفل الأرض و استȘǙƮ

و ذكر الحديث إلى أن قال: فكتب بخطه (عليه السلام): «الفجر- رحمك الله- الخيط الأبيض، و ليس هو الأبيض صعداء، و لا تصل في سفر و لا «1» حضر حتى تتبينه- رحمك الله- فإن الله لم يجعل خلقه في شبهة من هذا، فقال:

كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ فالخيط الأبيض هو الفجر الذي يحرم به الأكل و الشرب في الصيام، و كذلك هو الذي يوجب الصلاة».

888/ [7]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، رفعه، قال: قال الصادق (عليه السلام): «كان الأكل و النكاح محرمين في شهر رمضان بالليل بعد النوم، يعني كل من صلى العشاء و نام و لم يفطر ثم انتبه، حرم عليه الإفطار،

و كان النكاح حراما في الليل و النهار في شهر رمضان.

و كان رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقال له: خوات بن جبير الأنصاري، أخو عبد الله بن جبير، الذي كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) و كله بفم الشعب يوم احد مع خمسين من الرماة، ففارقه أصحابه و بقي في أثني عشر رجلا، فقتل على باب الشعب.

و كان أخوه هذا خوات بن جبير شيخا كبيرا ضعيفا، و كان صائما مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) في الخندق، فجاء إلى أهله حين أمسى، فقال: عندكم طعام؟ فقالوا: لا تنم حتى نصنع لك طعاما فأبطأت عليه أهله بالطعام، فنام قبل أن يفطر، فلما انتبه قال لأهله: قد حرم «2» علي الأكل في هذه الليلة. فلما أصبح حضر حفر الخندق، فأغمي عليه، فرآه رسول الله (صلى الله عليه و آله) فرق له.

و كان قوم من الشباب ينكحون بالليل سرا في شهر رمضان، فأنزل الله عز و جل: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ الآية، فأحل الله تبارك و تعالى النكاح بالليل في شهر رمضان، و الأكل بعد النوم إلى طلوع الفجر، لقوله: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ- قال-: هو بياض النهار من سواد الليل».

889/ [8]- العياشي: عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قوله الله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ إلى قوله: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا.

__________________________________________________

6- التهذيب 2: 36/ 115.

7- تفسير القمّي 1: 66.

8- تفسير العيّاشي 1: 83/ 197.

(1) في المصدر زيادة: في.

(2) في المصدر: حرّم اللّه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 400

قال: «نزلت في خوات بن

جبير، و كان مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) في الخندق و هو صائم، فأمسى على ذلك، و كانوا من قبل أن تنزل هذه الآية، إذا نام أحدهم حرم عليه الطعام، فرجع خوات إلى أهله حين أمسى، فقال:

عندكم طعام؟ فقالوا: ألا تنام حتى نصنع لك طعاما، فاتكأ فنام، فقالوا: قد فعلت؟ قال: نعم. فبات على ذلك و أصبح، فغدا إلى الخندق، فجعل يغشى عليه، فمر به رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فلما رأى الذي به، سأله، و أخبره كيف كان أمره، فنزلت هذه الآية: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ إلى قوله: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ».

890/ [9]- عن سعد، عن بعض أصحابه، عنهما، في رجل تسحر و هو يشك «1» في الفجر.

قال: «لا بأس وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ و أرى أن يستظهر «2» في شهر رمضان و يتسحر قبل ذلك».

891/ [10]- عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين قاما في شهر رمضان، فقال أحدهما:

هذا الفجر، و قال الآخر: ما أرى شيئا.

قال «ليأكل الذي لم يستيقن الفجر، و قد حرم الأكل على الذي زعم قد رأى، إن الله يقول: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ».

892/ [11]- عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أناس صاموا في شهر رمضان، فغشيهم سحاب أسود عند مغرب الشمس، فظنوا أنه الليل، فأفطروا، أو أفطر بعضهم، ثم إن السحاب فصل عن السماء، فإذا الشمس

لم تغب.

قال: «على الذي أفطر قضاء ذلك اليوم، إن الله يقول: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه، لأنه أكل متعمدا».

893/ [12]- عن القاسم بن سليمان، عن جراح، عن الصادق (عليه السلام)، قال: «قال الله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ يعني صوم شهر رمضان، فمن رأى هلالا «3» بالنهار فليتم صيامه».

894/ [13]- عن سماعة، قال: «على الذي أفطر القضاء لأن الله يقول: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ، فمن

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 1: 83/ 198.

10- تفسير العيّاشي 1: 83/ 199.

11- تفسير العيّاشي 1: 84/ 200.

12- تفسير العيّاشي 1: 84/ 201.

13- تفسير العيّاشي 1: 84/ 202. [.....]

(1) في المصدر: شاكّ.

(2) الاستظهار: طلب الاحتياط بالشي ء. «مجمع البحرين- ظهر- 3: 392».

(3) في المصدر: هلال شوّال.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 401

أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه، لأنه أكل متعمدا».

895/ [14]- عن عبيد الله الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن الخيط الأبيض، و عن «1» الخيط الأسود؟ فقال: «بياض النهار من سواد الليل»

سورة البقرة(2): آية 188 ..... ص : 401

قوله تعالى:

وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [188]

896/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن زياد بن عيسى «2»، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ. فقال: «كانت قريش تقامر الرجل بأهله و ماله، فنهاهم الله عز و جل عن ذلك».

897/ [2]- عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن

عبد الله بن بحر، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله عز و جل في كتابه: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ.

فقال: «يا أبا بصير، إن الله عز و جل قد علم أن في الامة حكاما يجورون، أما إنه لم يعن حكام أهل العدل، و لكنه عنى حكام أهل الجور.

يا أبا محمد، إنه لو كان [لك ] على رجل حق، فدعوته إلى حكام أهل العدل، فأبى عليك إلا أن يرافعك إلى حكام أهل الجور ليقضوا له، لكان ممن حاكم إلى الطاغوت، و هو قول الله عز و جل: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ «3»».

898/ [3]- الشيخ، بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن

__________________________________________________

14- تفسير العيّاشي 1: 84/ 203.

1- الكافي 5: 122/ 1.

2- الكافي 7: 411/ 3.

3- التهذيب 6: 219/ 518.

(1) في المصدر: من.

(2) في المصدر زيادة: و هو أبو عبيدة الحذّاء.

(3) النّساء 4: 60.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 402

فضال، قال: قرأت في كتاب أبي الأسد إلى أبي الحسن الثاني (عليه السلام) و قرأته بخطه «1»: ما تفسير قوله: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ؟

قال: فكتب إليه بخطه: «الحكام: القضاة» ثم كتب تحته: «هو أن يعلم الرجل أنه ظالم فيحكم له القاضي، فهو غير معذور في أخذه ذلك الذي يحكم له به إذ «2» قد علم أنه ظالم».

899/ [4]- العياشي: عن زياد بن عيسى، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)

عن قول الله: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ. قال: «كانت قريش تقامر الرجل في أهله و ماله، فنهاهم الله عن ذلك».

900/ [5]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: قول الله: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ؟

فقال: «يا أبا بصير، إن الله قد علم أن في الأمة حكاما يجورون، أما إنه لم يعن حكام أهل العدل، و لكنه عنى حكام أهل الجور.

يا أبا محمد، أما إنه لو كان لك على رجل حق، فدعوته إلى حكام أهل العدل، فأبى عليك إلا أن يرافعك إلى حكام أهل الجور ليقضوا له، كان ممن يحاكم إلى الطاغوت».

901/ [6]- عن الحسن بن علي، قال: قرأت في كتاب أبي الأسد إلى أبي الحسن الثاني (عليه السلام) و جوابه بخطه، سأل ما تفسير قوله: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ؟

قال: فكتب إليه: «الحكام: القضاة». قال: ثم كتب تحته: «هو أن يعلم الرجل أنه ظالم عاص، [و هو] غير معذور في أخذه ذلك الذي حكم له به، إذا كان قد علم أنه ظالم».

902/ [7]- عن سماعة، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يكون عنده الشي ء يتبلغ به «3» و عليه الدين، أ يطعمه عياله حتى يأتيه الله بميسرة فيقضي دينه، أو يستقرض على ظهره؟

فقال: «يقضي بما عنده دينه، و لا يأكل أموال الناس إلا و عنده ما يؤدي إليهم حقوقهم، إن الله يقول: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ».

903/ [8]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و أحمد بن محمد، عن ابن محبوب،

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 1: 84/ 204.

5- تفسير العيّاشي

1: 85/ 205.

6- تفسير العيّاشي 1: 85/ 206.

7- تفسير العيّاشي 1: 85/ 207. [.....]

8- الكافي 5: 95/ 2.

(1) في المصدر زيادة: سأله.

(2) في المصدر: الذي حكم له، إذا كان.

(3) يتبلّغ به: يكتفي به، و في المصدر: تبلّغ به.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 403

عن أبي أيوب، عن سماعة، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل منا يكون عنده الشي ء يتبلغ به و عليه دين، أ يطعمه عياله حتى يأتي الله عز و جل بميسرة فيقضي دينه، أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان و شدة المكاسب، أو يقبل الصدقة.

قال: «يقضي بما عنده دينه، و لا يأكل أموال الناس [إلا و عنده ما يؤدي إليهم حقوقهم، إن الله عز و جل يقول: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ] إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ «1».

و لا يستقرض على ظهره إلا و عنده وفاء، و لو طاف على أبواب الناس فردوه باللقمة و اللقمتين و التمرة و التمرتين، إلا أن يكون له ولي يقضي عنه، فيقضي دينه و عدته «2»، ليس منا من ميت إلا جعل الله له وليا يقوم في عدته و دينه من بعده» «3».

904/ [9]- علي بن إبراهيم: قال العالم (عليه السلام): «قد علم الله أنه يكون حكام يحكمون بغير الحق، فنهي أن يتحاكموا إليهم، لأنهم لا يحكمون بالحق، فتبطل الأموال».

905/ [10]- أبو علي الطبرسي، قال: روي عن أبي جعفر (عليه السلام): أنه يعني بالباطل: اليمين الكاذبة تقتطع بها الأموال.

سورة البقرة(2): آية 189 ..... ص : 403

اشارة

قوله تعالى:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ [189]

906/ [1]- الشيخ، بإسناده عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، عن الحسن بن القاسم

«4»، عن علي بن إبراهيم، قال: حدثني أحمد بن عيسى بن عبد الله، عن عبد الله بن علي بن الحسين «5»، عن أبيه، عن جعفر بن محمد (عليه السلام)، في قوله عز و جل: قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ.

قال: «لصومهم و فطرهم و حجهم».

__________________________________________________

9- تفسير القمّي 1: 67.

10- مجمع البيان 2: 506.

1- التهذيب 4: 166/ 472.

(1) النّساء 4: 29.

(2) في المصدر: دينه من بعده.

(3) في المصدر: و دينه فيقضي عدته و دينه.

(4) في «س»: أحمد بن محمّد بن سعيد بن القاسم، و في المصدر: أحمد بن محمّد بن سعيد، عن أبي الحسن بن القاسم، و قد ذكره في معجم رجال الحديث 5: 82 و 21: 113 مرّة موافقا لما أثبتناه من «ط» و أخرى موافقا للمصدر.

(5) في المصدر: الحسن، و كلاهما وارد، انظر جامع الرواة 1: 498 و معجم رجال الحديث 10: 263.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 404

907/ [2]- العياشي: عن زيد بن أبي أسامة، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الأهلة. قال: «هي الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر».

قلت: أ رأيت إن كان الشهر تسعة و عشرين، أ يقضى ذلك اليوم؟. قال: «لا، إلا أن يشهد ثلاثة عدول، فإنهم إن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك، فإنه يقضى ذلك اليوم».

908/ [3]- عن زياد بن المنذر، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «صم حين يصوم الناس، و أفطر حين يفطر الناس، فإن الله جعل الأهلة مواقيت».

909/ [4]- علي بن إبراهيم: إن المواقيت منها معروفة مشهورة «1»، و منها مبهمة.

فاما المواقيت المعروفة المشهورة فأربعة: الأشهر الحرم التي ذكرها الله في قوله: مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ «2».

و الاثنا عشر شهرا

التي خلقها الله تعرف بالهلال أولها المحرم، و أخرها ذو الحجة.

و الأربعة الحرم: رجب مفرد، و ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم متصلة، حرم الله فيها القتال، و يضاعف فيها الذنوب، و كذلك الحسنات.

و أشهر السياحة معروفة: و هي عشرون من ذي الحجة، و المحرم، و صفر، و ربيع الأول، و عشر من ربيع الآخر و هي التي أجل الله فيها قتال المشركين في قوله: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ «3».

و أشهر الحج معروفة: و هي شوال، و ذو القعدة و ذو الحجة [و إنما صارت أشهر الحج، لأنه من اعتمر في هذه الأشهر في شوال أو في ذي القعدة أو في ذي الحجة، و نوى أن يقيم بمكة حتى يحج، فقد تمتع بالعمرة إلى الحج ] و من اعتمر في غير هذه الأشهر، ثم نوى أن يقيم إلى الحج أو لم ينو، فهو ليس ممن تمتع بالعمرة إلى الحج، لأنه لم يدخل مكة في أشهر الحج، فسميت هذه: أشهر الحج، قال الله تبارك و تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ «4»، و شهر رمضان معروف.

و أما المواقيت المبهمة التي إذا حدث الأمر وجب فيها انتظار تلك الأشهر: فعدة النساء في الطلاق، و المتوفى عنها زوجها، فإذا طلقها زوجها، إن كانت تحيض تعتد بالأقراء «5» التي قال الله عز و جل و إن كانت

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 1: 85/ 208.

3- تفسير العيّاشي 1: 86/ 209. [.....]

4- تفسير القمّي 1: 67.

(1) في المصدر زيادة: في أوقات معروفة.

(2) التّوبة 9: 36.

(3) التّوبة 9: 2.

(4) البقرة 2: 197.

(5) الأقراء: جمع قرء، و هو الطهر عند أهل الحجاز، و الحيض عند أهل العراق، و قيل: القرء: الوقت، و منه قوله تعالى: ثَلاثَةَ

قُرُوءٍ سورة البقرة 2: 228.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 405

لا تحيض فعدتها ثلاثة «1» أشهر بيض لا دم فيها، و عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر و عشر، و عدة المطلقة الحبلى أن تضع ما في بطنها، و عدة الإيلاء «2» أربعة أشهر.

و كذلك في الديون إلى الأجل الذي يكون بينهم، و شهران متتابعان في الظهار «3»، و شهران متتابعان في كفارة قتل الخطأ، و أيام الصوم «4» في الحج لمن لم يجد الهدي، و صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب، فهذه المواقيت المعروفة و المبهمة التي ذكرها الله عز و جل في كتابه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ.

فائدة ..... ص : 405

في معرفة الهلال، بقواعد ذكرها السيد الأجل أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاوس في كتاب (الإقبال) القاعدة الاولى:

910/ [1]- قال بعضهم «5»: دخلت على الحسن العسكري (عليه السلام) في أول شهر رمضان و الناس بين شاك و متيقن، فلما نظر إلي، قال: «تحب أن أعطيك شيئا تعرف به شهر رمضان، لم تشك فيه «6» أبدا؟».

فقلت: بلى- يا مولاي- من علي بذلك.

فقال: «تعرف أي يوم دخل المحرم به، فإنك إذا عرفت ذلك كفيت الشك في «7» هلال رمضان».

قلت: و كيف تجزئ معرفة هلال المحرم عن طلب هلال رمضان؟

قال: «إنه يدلك عليه، فتستغني عن ذلك».

قلت: يا سيدي، بين لي كيف ذلك؟

__________________________________________________

1- إقبال الأعمال: 14.

(1) في المصدر: تعتد بثلاثة.

(2) الإيلاء: الحلف على ترك وطء الزوجة الدائمة المدخول بها أبدا أو مطلقا. «مجمع البحرين- ولا-- 1: 463».

(3) الظّهار: تحريم الزوجة كتحريم ظهر الأمّ.

(4) في المصدر: الخطأ و عشرة أيام للصوم.

(5) في المصدر: فمن ذلك ما وجدته مرويا عن جدّي

أبي جعفر الطوسي باسناده، قال: أخبر أبو أحمد (أيّده اللّه تعالى)، قال: حدثنا أبو الهيثم محمّد بن إبراهيم المعروف بابن رمثة من أهل كفرتوثا بنصيبين، قال: حدّثني أبي، قال.

(6) في المصدر:

فلمّا بصر بي، قال لي: «يا أبا إبراهيم، في أيّ الحزبين أنت في يومك؟» قلت: جعلت فداك يا سيّدي، إنّي في هذا قصدت. قال:

فانّي أعطيك أصلا إذا ضبطته لم تشكّ بعد هذا.

(7) في المصدر: كفيت طلب. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 406

فقال لي: «انظر «1» أي يوم يدخل المحرم به فإن كان أوله الأحد فخذ واحدا، و إن كان أوله الاثنين فخذ اثنين، و إن كان الثلاثاء فخذ ثلاثة، و إن كان الأربعاء فخذ أربعة، و إن كان الخميس فخذ خمسة، و إن كان الجمعة فخذ ستة، و إن كان السبت فخذ سبعة. ثم احفظ ما يكون، و زد عليه عدد أئمتك- و هو اثنا عشر- ثم اطرح مما معك سبعة سبعة، فما بقي مما لا يتم سبعة، فانظركم هو فإن كان سبعة فالصوم السبت، و إن كان ستة فالصوم الجمعة، و إن كان خمسة فالصوم الخميس، و إن كان أربعة فالصوم الأربعاء، و إن كان ثلاثة فالصوم الثلاثاء، و إن كان اثنين فالصوم الاثنين و إن كان واحدا فالصوم الأحد، و على هذا فإن حسابك تصبه، وفقك الله للحق، إن شاء الله تعالى».

القاعدة الثانية:

911/ [2]- قال أيضا: وجدنا تعليقة غريبة على ظهر كتاب عتيق، وصل إلينا رابع عشر من صفر، سنة ستين و ستمائة، و نحن ذاكروها حسب ما رأيناها قريبة من الصواب، و هذا لفظها:

إذا أردت أن تعرف الوقفة، و أول شهر رمضان من كل شهر في السنة، فارتقب هلال محرم، فإذا

رأيته فعد منه أربعة أيام، خامسه الوقفة، و سادسه أول شهر رمضان.

فإذا استتر عنك هلال محرم، فارتقب هلال صفر، و عد منه يومين، و ثالثه الوقفة، و رابعه أول شهر رمضان.

فإذا استتر عنك هلال صفر، فارتقب هلال شهر ربيع الأول، فإذا رأيته فعد منه يوما واحدا، و ثانيه الوقفة، و ثالثه أول شهر رمضان.

فإذا استتر عنك هلال شهر ربيع الأول، فارتقب شهر ربيع الآخر، فإذا رأيته فعد منه ستة أيام، و سابعه الوقفة، و ثامنه أول شهر رمضان.

فإذا استتر عنك شهر ربيع الآخر، فارتقب هلال جمادى الاولي، فإذا رأيته فعد منه خمسة أيام، و سادسه الوقفة، و سابعه أول شهر رمضان.

فإذا استتر عنك هلال جمادى الاولى، فارتقب هلال جمادى الاخرى، فإذا رأيته فعد منه ثلاثة أيام، و رابعه الوقفة، و خامسة أول شهر رمضان.

فإذا استتر عنك هلال جمادى الاخرى، فارتقب هلال رجب، فعد منه يومين، و ثالثه الوقفة، و رابعه أول شهر رمضان.

فإذا استتر عنك هلال رجب، فارتقب هلال شعبان، أوله الوقفة، و ثانيه أول شهر رمضان.

فإذا استتر عنك هلال شعبان، فارتقب هلال شهر رمضان، فإذا رأيته فعد منه ستة أيام و سابعه الوقفة،

__________________________________________________

2- إقبال الأعمال: 15.

(1) في المصدر: فانتظر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 407

و ثامنه شهر رمضان.

فإذا استتر عنك هلال شهر رمضان، فارتقب هلال شوال، فإذا رأيته فعد منه أربعة أيام، و خامسه الوقفة و سادسه أول شهر رمضان.

فإذا استتر عنك هلال شوال، فارتقب هلال ذي القعدة، فإذا رأيته فعد منه ثلاثة أيام، و رابعه الوقفة، و خامسه أول شهر رمضان.

فإذا استتر عنك هلال ذي القعدة، فارتقب هلال ذي الحجة، فعد منه ثمانية أيام و تاسعه الوقفة و عاشره أول شهر رمضان.

هذا آخر

ما وجدنا فصنه إلا عمن يستحق التحديث «1».

القاعدة الثالثة:

912/ [3]- ثم قال ابن طاوس: و من ذلك ما سمعناه، و لم نقف على إسناده عن أحدهم (عليهم السلام): «يوم صومكم يوم نحركم».

انتهى كلام ابن طاوس (رحمه الله تعالى).

قوله تعالى:

وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها [189]

913/ [1]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها.

قال: «يعني أن يأتي الأمر من وجهه، أي الأمور كان».

914/ [2]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى، عن محمد بن جمهور، عن سليمان بن سماعة، عن عبد الله بن القاسم، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «الأوصياء هم أبواب الله عز و جل التي يؤتى منها، و لولاهم ما عرف الله عز و جل، و بهم احتج الله تبارك و تعالى على خلقه».

__________________________________________________

3- إقبال الأعمال: 16.

1- المحاسن: 224/ 143.

2- الكافي 1: 149/ 2.

(1) في المصدر: يستحقّ التعريف بمعناه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 408

915/ [3]- محمد بن الحسن الصفار: عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن محمد بن حمران، عن أسود بن سعيد، قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام)، فأنشأ يقول ابتداء من غير أن أسأله: «نحن حجة الله، و نحن باب الله، و نحن لسان الله، و نحن وجه الله، و نحن عين الله [في خلقه ]، و نحن ولاة أمر الله في عباده».

916/ [4]- الطبرسي في (الاحتجاج): عن الأصبغ

بن نباتة، قال: كنت جالسا عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فجاءه ابن الكواء، فقال: يا أمير المؤمنين، [من البيوت في ] قول الله عز و جل وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها؟

فقال (عليه السلام): «نحن البيوت التي أمر الله بها أن تؤتى من أبوابها، نحن باب الله و بيوته التي يؤتى منها، فمن بايعنا «1» و أقر بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها، و من خالفنا و فضل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها».

917/ [5]- العياشي: عن سعد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن هذه الآية: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها.

فقال: «آل محمد (صلى الله عليه و آله) أبواب الله و سبيله، و الدعاة إلى الجنة، و القادة إليها، و الأدلاء عليها إلى يوم القيامة».

918/ [6]- عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها الآية. قال: «يعني أن يأتي الأمور عن وجهها، في أي الأمور كان».

919/ [7]- و عنه، قال: و روى سعيد بن منخل، في حديث له رفعه، قال: «البيوت الأئمة (عليهم السلام)، و الأبواب أبوابها».

920/ [8]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها قال: «ائتوا الأمور من وجهها».

921/ [9]- أبو علي الطبرسي: كان المحرمون لا يدخلون بيوتهم من أبوابها، و لكن كانوا ينقبون «2» في ظهور بيوتهم- أي في مؤخرها- نقبا «3» يدخلون و يخرجون منه، فنهوا عن التدين بذلك. قال: و رواه أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام).

__________________________________________________

3-

بصائر الدرجات: 81/ 1.

4- الاحتجاج: 227.

5- تفسير العيّاشي 1: 86/ 210.

6- تفسير العيّاشي 1: 86/ 211.

7- تفسير العيّاشي 1: 86/ 212.

8- تفسير العيّاشي 1: 86/ 213.

9- مجمع البيان 2: 508.

(1) في المصدر: تابعنا. [.....]

(2) في «س»: يثقبون.

(3) في «س»: ثقبا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 409

922/ [10]- و عنه، قال: و قال أبو جعفر (عليه السلام): «آل محمد أبواب الله و سبله «1»، و الدعاة إلى الجنة، و القادة إليها، و الأدلاء عليها إلى يوم القيامة».

923/ [11]- علي بن إبراهيم، قال: نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام)

لقول رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أنا مدينة العلم، و علي بابها و لا تأتوا «2» المدينة إلا من بابها».

924/ [12]- سعد بن عبد الله: عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم الحضرمي، عن بعض أصحابه، عن ظريف «3»، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال: «من أتى آل محمد (صلوات الله عليهم) أتى عينا صافية، تجري بعلم الله، ليس لها نفاد و لا انقطاع، ذلك بأن الله لو شاء لأراهم شخصه حتى يأتوه من بابه، و لكن جعل آل محمد (صلوات الله عليهم) أبوابه «4» التي يؤتى منها، و ذلك قوله عز و جل: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها»

سورة البقرة(2): آية 193 ..... ص : 409

قوله تعالى:

وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ [193]

925/ [1]- أبو علي الطبرسي: وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ أي شرك. قال: و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام).

926/ [2]- أبو القاسم جعفر بن

محمد بن قولويه: عن محمد بن جعفر الرزاز «5»، عن محمد بن الحسين، عن

__________________________________________________

10- مجمع البيان 2: 509.

11- تفسير القمّي 1: 6.

12- مختصر بصائر الدرجات: 54.

1- مجمع البيان 2: 513.

2- كامل الزيارات: 63/ 6.

(1) في «س»: و سبيله.

(2) في المصدر: لا تدخلوا.

(3) في المصدر: سعد بن طريف، و كلاهما صحيح، لروايتهما عن الباقر (عليه السّلام)، و لعلّ ما في المصدر هو الأرجح لكثرة رواية سعد عن أبي جعفر (عليه السّلام). انظر معجم رجال الحديث 8: 67 و 9: 173.

(4) في المصدر: جعل محمّدا و آل محمّد (عليهم السّلام) الأبواب.

(5) في «س و ط»: قال حدّثني أبي (رحمه اللّه)، عن جعفر بن محمّد الرزّاز، و الصواب ما في المتن، لرواية ابن قولويه عن محمّد بن جعفر الرزّاز، راجع معجم رجال الحديث 15: 171- 173.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 410

عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ.

قال: «أولاد قتلة الحسين (عليه السلام)».

927/ [3]- العياشي: عن الحسن بياع الهروي، يرفعه، عن أحدهما (عليهما السلام)، في قوله: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ. قال: «إلا على ذرية قتلة الحسين (عليه السلام)».

928/ [4]- عن إبراهيم، قال: أخبرني من رواه عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: قلت: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ؟ قال: «لا يعتدي الله سبحانه على أحد، إلا على نسل قتلة «1» الحسين (عليه السلام)».

929/ [5]- ابن بابويه محمد بن علي، قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمذاني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام): يا ابن

رسول الله، ما تقول في حديث روي عن الصادق (عليه السلام)، أنه قال: «إذا قام «2» القائم (عليه السلام) قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائها؟» فقال (عليه السلام): «هو كذلك».

قلت: فقول الله عز و جل: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى «3» ما معناه؟ فقال: «صدق الله في جميع أقواله، لكن ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) يرضون أفعال آبائهم، و يفتخرون بها، و من رضي شيئا كان كمن أتاه، و لو أن رجلا قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب، لكان الراضي عند الله عز و جل شريك القاتل، و إنما يقتلهم بالقائم (عليه السلام) «4» إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم».

قال: فقلت له: بأي شي ء يبدأ القائم (عليه السلام) فيهم إذا قام (عليه السلام) «5»؟ قال: «يبدأ ببني شيبة و يقطع أيديهم، لأنهم سراق بيت الله عز و جل»

سورة البقرة(2): آية 194 ..... ص : 410

قوله تعالى:

الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [194]

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 1: 86/ 214.

4- تفسير العيّاشي 1: 87/ 216. [.....]

5- علل الشرائع: 229/ 1، عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 273/ 5.

(1) زاد في «س»: ولد.

(2) في المصدر: إذا خرج.

(3) الأنعام 6: 164، الإسراء 17: 15، فاطر 35: 18، الزمر 39: 7.

(4) في المصدر: القائم.

(5) في «ط»: القائم فيكم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 411

930/ [1]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن العلاء بن الفضيل، قال: سألته عن المشركين، أ يبتدئهم المسلمون بالقتال في الشهر الحرام؟

فقال: «إذا كان المشركون يبتدئونهم باستحلاله، ثم رأى المسلمون أنهم يظهرون

عليهم فيه، و ذلك قول الله عز و جل: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ و الروم في هذه بمنزلة المشركين، لأنهم لم يعرفوا للشهر الحرام حرمة و لا حقا، فهم يبتدءون بالقتال فيه، و كان المشركون يرون له حقا و حرمة فاستحلوه، فاستحل منهم، و أهل البغي يبتدءون بالقتال».

931/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قتل رجلا في الحل، ثم دخل الحرم. فقال: «لا يقتل و لا يطعم و لا يسقى و لا يبايع و لا يؤوى حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد».

قال: قلت: فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق؟ قال: «يقام عليه الحد في الحرم، لأنه «1» لم ير للحرم حرمة، و قد قال الله عز و جل: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ- فقال-: هذا هو في الحرم- فقال- فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ» «2».

932/ [3]- العياشي: عن العلاء بن الفضيل، قال: سألته عن المشركين، أ يبتدئ بهم المسلمون بالقتال في الشهر الحرام؟

فقال: «إذا كان المشركون ابتدءوهم باستحلالهم، و رأى المسلمون أنهم يظهرون عليهم فيه، و ذلك قوله تعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ».

933/ [4]- أبو علي الطبرسي الْحُرُماتُ قِصاصٌ بالمراغمة «3» بدخول البيت في الشهر الحرام.

قال مجاهد: لأن قريشا فخرت بردها رسول الله (صلى الله عليه و آله) عام الحديبية محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام، فأدخله الله تعالى مكة في العام المقبل في ذي القعدة و قضى عمرته، و

أقصه بما حيل بينه و بينه و هو معنى قول قتادة و الضحاك و الربيع و عبد الرحمن بن يزيد، و روي عن ابن عباس و أبي جعفر (عليه السلام)، مثله.

__________________________________________________

1- التهذيب 6: 142/ 243.

2- الكافي 4: 227/ 4.

3- تفسير العيّاشي 1: 86/ 215.

4- مجمع البيان 2: 514.

(1) في المصدر: الحرم صاغرا أنّه.

(2) البقرة 2: 193.

(3) المراغمة: الهجران و التباعد و المغاضبة. «مجمع البحرين- رغم- 6 لا 74».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 412

سورة البقرة(2): آية 195 ..... ص : 412

قوله تعالى:

وَ أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [195]

934/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، و سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن يونس بن يعقوب، عن حماد اللحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لو أن رجلا أنفق ما في يديه في سبيل من سبل الله ما كان أحسن و لا وفق، أليس يقول الله تعالى: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ يعني المقتصدين».

935/ [2]- العياشي: عن حماد اللحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لو أن رجلا أنفق ما في يديه في سبيل من سبل الله ما كان أحسن و لا وفق، أ ليس الله يقول: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ يعني المقتصدين».

936/ [3]- عن حذيفة، قال: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ قال: هذا في النفقة «1».

937/ [4]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن علي بن بشار (رضي الله عنه)، قال: حدثنا علي بن إبراهيم القطان، قال:

حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، قال: حدثنا أحمد بن بكر،

قال: حدثنا محمد «2» بن مصعب، قال: حدثنا حماد ابن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «طاعة السلطان واجبة، و من ترك طاعة السلطان فقد ترك طاعة الله عز و جل، و دخل في نهيه، إن الله عز و جل يقول: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ».

سورة البقرة(2): آية 196 ..... ص : 412

قوله تعالى:

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ

__________________________________________________

1- الكافي 4 لا 53/ 7. [.....]

2- تفسير العيّاشي 1 لا 87/ 217.

3- تفسير العيّاشي 1 لا 87/ 218.

4- الأمالي: 277/ 20.

(1) في المصدر، و «ط» نسخة بدل: التقىّ-.

(2) في «س و ط»: أحمد، تصحيف صوابه ما في المتن، انظر تهذيب التهذيب 9: 458.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 413

بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [196]

938/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن حماد بن عيسى، عن حماد بن عثمان «1»، عمن أخبره، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: لم سمي الحج حجا؟ قال: «حج فلان: أي أفلح فلان».

939/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، قال: كتبت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) مسائل بعضها مع ابن بكير، و بعضها مع أبي العباس، فجاء الجواب بإملائه: «سألت عن قول الله عز و جل: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «2»

يعني به الحج و العمرة جميعا، لأنهما مفروضان».

و سألته عن قول الله عز و جل: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ. قال: «يعني بتمامهما: أدائهما، و اتقاء ما يتقي المحرم فيهما».

و سألته عن قوله تعالى: الْحَجِّ الْأَكْبَرِ «3» ما يعني بالحج الأكبر؟ قال: «الحج الأكبر: الوقوف بعرفة و رمي الجمار، و الحج الأصغر: العمرة».

940/ [3]- عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان، في قول الله عز و جل: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ. قال: «إتمامهما أن لا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج».

941/ [4]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن أحمد بن محمد، عن الحسين، عن فضالة، عن أبان، عن الفضل أبي العباس، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ. قال: «هما مفروضان».

942/ [5]- عنه: بإسناده عن موسى بن القاسم، عن حماد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن زرارة بن أعين، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما الذي يلي الحج في الفضل؟ قال: «العمرة المفردة، ثم يذهب حيث شاء».

__________________________________________________

1- علل الشرائع: 411/ 1.

2- الكافي 4: 264/ 1.

3- الكافي 4: 337/ 2.

4- التهذيب 5: 459/ 1593.

5- التهذيب 5: 433/ 1502.

(1) في المصدر: أبان بن عثمان. و كلاهما صحيح، لرواية حمّاد بن عيسى عنهما، انظر معجم رجال الحديث 6: 217 و 231.

(2) آل عمران 3: 97.

(3) التّوبة 9: 3.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 414

و قال: «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، لأن الله تعالى يقول: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ و إنما نزلت العمرة

بالمدينة، فأفضل العمرة عمرة رجب».

و قال: «المفرد للعمرة إذا اعتمر في رجب ثم أقام للحج «1» بمكة، كانت عمرته تامة، و حجته ناقصة» «2».

943/ [6]- و عنه: بإسناده عن موسى بن القاسم، عن صفوان بن يحيى، و ابن أبي عمير، عن يعقوب بن شعيب، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ: يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان «3» العمرة المفردة؟ قال: «كذلك أمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) أصحابه».

944/ [7]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، و حماد، و صفوان بن يحيى، و فضالة بن أيوب، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، من استطاع، لأن الله عز و جل يقول: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ و إنما نزلت العمرة بالمدينة، و أفضل العمرة عمرة رجب».

945/ [8]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن معاوية بن عمار، قال:

سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «المحصور غير المصدود».

و قال: «المحصور: هو المريض، و المصدود: هو الذي يرده المشركون، كما ردوا رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و إنه «4» ليس من مرض، و المصدود تحل له النساء، و المحصور لا تحل له النساء».

946/ [9]- عنه: بإسناده عن موسى بن القاسم، عن عبد الرحمن، عن مثنى، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إذا

حصر الرجل فبعث بهديه، و آذاه رأسه قبل أن ينحر فحلق رأسه فإنه يذبح في المكان الذي أحصر فيه، أو يصوم، أو يطعم ستة مساكين».

947/ [10]- و عنه: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن الحسن، عن زرعة، قال: سألته عن رجل أحصر في الحج.

قال: «فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه، و محله أن يبلغ الهدي محله، و محله منى يوم النحر إذا كان في

__________________________________________________

6- التهذيب 5: 433/ 1504. [.....]

7- علل الشرائع: 408/ 1.

8- التهذيب 5: 423/ 1467.

9- التهذيب 5: 423/ 1469.

10- التهذيب 5: 423/ 1470.

(1) في المصدر: إلى الحجّ.

(2) في المصدر زيادة: مكية.

(3) في المصدر زيادة: تلك.

(4) (و إنّه) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 415

الحج، و إن كان في عمرة نحر بمكة، و إنما عليه أن يعدهم لذلك يوما، فإذا كان ذلك اليوم فقد و فى، و إن اختلفوا في الميعاد لم يضره، إن شاء الله تعالى».

948/ [11]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) حين حج حجة الإسلام، خرج في أربع بقين من ذي القعدة، حتى أتى الشجرة «1» و صلى بها، ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء «2» فأحرم منها، و أهل بالحج و ساق مائة بدنة، و أحرم الناس كلهم بالحج، لا ينوون «3» عمرة، و لا يدرون ما المتعة، حتى إذا قدم رسول الله (صلى الله عليه و آله) مكة طاف بالبيت، و طاف الناس معه، ثم صلى ركعتين عند المقام، و استلم الحجر.

ثم قال: ابدءوا «4» بما بدأ الله عز و جل به فأتى الصفا فبدأ بها، ثم طاف بين الصفا و المروة سبعا، فلما قضى طوافه عند المروة قام خطيبا، و أمرهم أن يحلوا و يجعلوها عمرة، و هو شي ء أمر الله عز و جل به، فأحل الناس.

و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت، لفعلت كما أمرتكم و لم يكن يستطيع أن يحل من أجل الهدي الذي كان معه، إن الله عز و جل يقول: وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ.

فقال سراقة بن مالك بن جعشم الكناني «5»: يا رسول الله، علمنا كأنا خلقنا اليوم، أ رأيت هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا، أو لكل عام؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا، بل للأبد «6».

و إن رجلا قام فقال: يا رسول الله، نخرج حجاجا و رؤوسنا تقطر؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) إنك لن تؤمن بها «7» أبدا».

قال: «و أقبل علي (عليه السلام) من اليمن حتى وافى الحج، فوجد فاطمة (عليها السلام) قد أحلت، و وجد ريح الطيب، فانطلق إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) مستفتيا، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا علي، بأي شي ء أهللت، فقال: أهللت

__________________________________________________

11- الكافي 4: 248/ 6.

(1) الشجرة: و هي السّمرة التي كان النبي (صلى اللّه عليه و آله) ينزلها من المدينة و يحرم منها، و هي على ستّة أميال من المدينة. «معجم البلدان 3:

325».

(2) البيداء: اسم لأرض ملساء بين مكّة و المدينة، و هي إلى مكّة أقرب. «معجم البلدان 1: 523».

(3) في «ط» نسخة بدل: لا يريدون.

(4) في

المصدر: أبدأ.

(5) سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي الكناني، أبو سفيان: صحابي، له شعر، كان ينزل قديدا. كان في الجاهلية قائفا يقتصّ الأثر، أخرجه أبو سفيان ليقتاف أير رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) حين خرج إلى الغار، و أسلم بعد غزوة الطائف سنة 8 ه، و توفّي في 24 ه. اسد الغابة 2: 264، تقريب التهذيب 1: 284/ 60، الاصابة 2: 19/ 3115. [.....]

(6) في المصدر زيادة: الأبد.

(7) في المصدر: بهذا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 416

بما أهل به النبي (صلى الله عليه و آله). فقال: لا تحل أنت فأشركه في الهدي، و جعل له سبعا و ثلاثين، و نحر رسول الله (صلى الله عليه و آله) ثلاثا و ستين، فنحرها بيديه، ثم أخذ من كل بدنة بضعة، فجعلها في قدر واحد، ثم أمر به فطبخ، فأكل منه و حسا «1» من المرق، و قال: قد أكلنا الآن منها جميعا، و المتعة خير من القارن السائق، و خير من الحاج المفرد «2»».

قال: و سألته أ ليلا أحرم رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) أم نهارا، فقال: «نهارا».

فقلت: أية ساعة، قال: «صلاة الظهر».

949/ [12]- عنه: عن علي، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عمن أخبره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «مر رسول الله (صلى الله عليه و آله) على كعب بن عجرة «3» و القمل يتناثر من رأسه و هو محرم، فقاله: أ تؤذيك هوامك؟ فقال:

نعم، فأنزلت هذه الآية: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ «4» فأمره رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يحلق، و جعل الصيام

ثلاثة أيام، و الصدقة على ستة مساكين، لكل مسكين مدان، و النسك شاة».

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «و كل شي ء من القرآن (أو) فصاحبه بالخيار و يختار ما شاء، و كل شي ء في «5» القرآن (فمن لم يجد كذا [فعليه كذا]) فالأولى الخيار».

الشيخ، بإسناده عن موسى بن القاسم، عن عبد الرحمن، [عن حماد] «6»، عن حريز، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و ذكر الحديث بعينه «7».

950/ [13]- عنه: بإسناده عن موسى بن القاسم، عن محمد بن عمر بن يزيد، عن محمد بن عذافر، عن عمر ابن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال الله تعالى في كتابه: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فمن عرض له أذى أو وجع، فتعاطى ما لا نبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام: ثلاثة أيام، و الصدقة: على عشرة مساكين، شبعهم «8» من الطعام، و النسك: شاة يذبحها فيأكل و يطعم،

__________________________________________________

12- الكافي 4: 358/ 2.

13- التهذيب 5: 333/ 1148.

(1) أي شرب منه شيئا بعد شي ء. «مجمع البحرين- حسا- 1: 99».

(2) القارن في الحجّ و المفرد صفتهما واحدة إلّا أن القارن يفضل المفرد بسياق الهدي، «مجمع البحرين- قرن- 6: 300».

(3) كعب بن عجرة بن اميّة بن عديّ البلويّ، حليف الأنصار: صحابي، يكنّى أبا محمّد، شهد المشاهد كلّها، و سكن الكوفة، و توفّي بالمدينة في 51 ه، أسد الغابة 4: 243، الكامل في التاريخ 3: 191، 492، تقريب التهذيب 2: 135/ 48، الإصابة 3: 297/ 7419.

(4) أسباب النزول للواحدي: 35.

(5) في المصدر: من.

(6) أثبتناه من المصدر، و هو الصواب. راجع معجم رجال الحديث 6: 189 و 190، و

9: 289 و 508.

(7) التهذيب 5: 333/ 1147.

(8) في المصدر: يشبعهم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 417

و إنما عليه واحد من ذلك».

951/ [14]- العياشي: عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن العمرة واجبة بمنزلة الحج، لأن الله يقول:

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ هي واجبة مثل الحج، و من تمتع أجزأته، و العمرة في أشهر الحج متعة».

952/ [15]- عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ.

قال: «إتمامهما: إذا أداهما، يتقي ما يتقي المحرم فيهما».

953/ [16]- عن أبي عبيدة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ.

قال: «الحج: جميع المناسك، [و العمرة]: لا يجاوز بها مكة».

954/ [17]- عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ قلت: يكتفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان ذلك العمرة المفردة؟ قال: «نعم، كذلك أمر رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

955/ [18]- عن معاوية بن عمار الدهني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، لأن الله تعالى يقول: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ و إنما نزلت العمرة بالمدينة، و أفضل العمرة عمرة رجب».

956/ [19]- عن أبان، عن الفضل أبي العباس «1»

، في قول الله: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ. قال: «هما مفروضان».

957/ [20]- عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام)، قالوا: سألناهما عن قوله تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ قالا: «فإن تمام الحج و العمرة أن لا يرفث و لا يفسق و لا

يجادل».

958/ [21]- عن عبد الله بن فرقد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «الهدي: من الإبل و البقر و الغنم، و لا يجب حتى يعلق عليه، يعني إذا قلده فقد وجب- قال- و ما استيسر من الهدي: شاة».

959/ [22]- عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ.

قال: «يجزيه شاة، و البدنة و البقرة أفضل».

__________________________________________________

14- تفسير العيّاشي 1: 87/ 219.

15- تفسير العيّاشي 1: 87/ 220. [.....]

16- تفسير العيّاشي 1: 87/ 221.

17- تفسير العيّاشي 1: 88/ 222.

18- تفسير العيّاشي 1: 88/ 223.

19- تفسير العيّاشي 1: 88/ 224.

20- تفسير العيّاشي 1: 88/ 225.

21- تفسير العيّاشي 1: 88/ 226.

22- تفسير العيّاشي 1: 89/ 227.

(1) في المصدر: الفضل بن أبي العبّاس، و الصواب ما في المتن، لأن أبا العبّاس كنية الفضل، انظر معجم رجال الحديث 13: 278 و الحديث (4).

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 418

960/ [23]- عن زيد بن أبي اسامة، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل بعث يهدي مع قوم يساق فواعدهم يوم يقلدون فيه هديهم و يحرمون فيه؟ قال: «يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم حتى يبلغ الهدي محله».

قلت: أ رأيت إن اختلفوا في ميعادهم، أو أبطئوا في السير، عليه جناح أن يحل في اليوم الذي واعدهم؟

قال: «لا».

961/ [24]- عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «خرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) حين حج حجة الوداع، خرج في أربع بقين من ذي القعدة حتى أتى الشجرة فصلى، ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء فأحرم منها، و أهل بالحج و ساق مائة بدنة، و أحرم الناس كلهم بالحج لا

يريدون عمرة، و لا يدرون ما المتعة حتى إذا قدم رسول الله (صلى الله عليه و آله) مكة طاف بالبيت، و طاف الناس معه، ثم صلى عند مقام إبراهيم (عليه السلام) فاستلم الحجر، ثم قال:

ابدأ بما بدأ الله به. ثم أتى الصفا فبدأ بها، ثم طاف بين الصفا و المروة، فلما قضى طوافه ختم بالمروة، قام يخطب أصحابه، و أمرهم أن يحلوا و يجعلوها عمرة و هي شي ء أمر الله به، فأحل الناس.

و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت، لفعلت ما أمرتكم و لم يكن يستطيع أن يحل من أجل الهدي الذي كان معه، لأن الله يقول: وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ.

فقال سراقة بن جعشم الكناني: يا رسول الله، علمنا ديننا كما «1» خلقنا اليوم، أ رأيت لهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أول لكل عام؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا، بل للأبد» «2».

962/ [25]- عن حريز، عمن رواه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ.

قال: «مر رسول الله (صلى الله عليه و آله) على كعب بن عجرة و القمل يتناثر من رأسه و هو محرم، فقال له: أ تؤذيك هو أمك؟ قال: نعم، فأنزل الله هذه الآية: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فأمره رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يحلق رأسه، و جعل الصيام ثلاثة أيام، و الصدقة على ستة مساكين، مدان لكل مسكين، و النسك شاة».

قال: و قال أبو عبد الله (عليه السلام):

«كل شي ء في القرآن (أو) فصاحبه بالخيار، يختار ما شاء، و كل شي ء في القرآن (فإن لم يجد) فعليه ذلك» «3».

__________________________________________________

23- تفسير العيّاشي 1: 89/ 228.

24- تفسير العيّاشي 1: 89/ 229 و 230.

25- تفسير العيّاشي 1: 90/ 231 و 232.

(1) في المصدر: علّمتنا ديننا كأنما.

(2) في «ط»: للأبد الأبد.

(3) في الحديث (12) المروي عن الكافي: فمن لم يجد كذا فعليه كذا، فالأولى الخيار. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 419

قوله تعالى:

فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ [196]

963/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الكريم بن عمرو، عن سعيد الأعرج، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «ليس لأهل سرف «1» و لا لأهل مر «2»، و لا لأهل مكة متعة، لقول الله تعالى: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ».

964/ [2]- عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت: لأهل مكة متعة؟ قال: «لا، و لا لأهل بستان «3»، و لا لأهل ذات عرق «4»، و لا لأهل عسفان «5» و نحوها».

965/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: ذلِكَ لِمَنْ

لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ.

قال: «من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها، و ثمانية عشر ميلا من خلفها، و ثمانية عشر ميلا عن يمينها، و ثمانية عشر ميلا عن يسارها، فلا متعة له، مثل مر و أشباهه».

966/ [4]- الشيخ: بإسناده عن موسى بن القاسم، عن صفوان بن يحيى، و ابن أبي عمير، عن عبد الله بن

__________________________________________________

1- الكافي 4: 299/ 1.

2- الكافي 4: 299/ 2.

3- الكافي 4: 300/ 3.

4- التهذيب 5: 32/ 96.

(1) سرف: موضع على ستّة أميال من مكّة. «معجم البلدان 3: 212».

(2) مرّ: موضع على مرحلة من مكّة. «معجم البلدان 5: 104».

(3) المراد به بستان ابن معمر: و هو مجمع النخلتين: النخلة اليمانية و النخلة الشامية، و هما واديان، قرب مكّة. «معجم البلدان 1: 414»، «القاموس المحيط- بسن- 4: 203».

(4) عرق: جبل بطريق مكّة، و منه ذات عرق. «معجم البلدان 4: 107».

(5) عسفان: تطلق على عدّة مواضع، فيها موضع على مرحلتين من مكّة عل طريق المدينة، أو منهل من مناهل الطريق بين الجحفة و مكّة.

«معجم البلدان 4: 121».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 420

مسكان، عن عبيد الله بن علي الحلبي، و سليمان بن خالد، و أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «ليس لأهل مكة، و لا لأهل مر، و لا لأهل سرف متعة، و ذلك لقول الله عز و جل: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ».

967/ [5]- و عنه: بإسناده عن موسى بن القاسم، عن علي بن جعفر، قال: قلت لأخي موسى بن جعفر (عليه السلام): لأهل مكة أن يتمتعوا بالعمرة إلى الحج؟

فقال: «لا يصلح أن يتمتعوا لقول الله عز و جل: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ

يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ».

968/ [6]- و عنه: بإسناده عن موسى بن القاسم، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قول الله عز و جل في كتابه: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ؟

قال: «يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلا: ذات عرق و عسفان، كما «1» يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية، و كل من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة».

969/ [7]- و عنه: بإسناده عن موسى بن القاسم، عن أبي الحسن النخعي، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ.

قال: «ما دون المواقيت إلى مكة فهو حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ و ليس له متعة».

970/ [8]- و عن: بإسناده عن موسى بن القاسم، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: «لما فرغ رسول الله (صلى الله عليه و آله) من سعيه بين الصفا و المروة، أتاه جبرئيل (عليه السلام) عند فراغه من السعي، و هو على المروة، فقال: إن الله يأمرك أن تأمر الناس أن يحلوا إلا من ساق الهدي.

فأقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله) على الناس بوجهه، فقال: يا أيها الناس، هذا جبرئيل- و أشار بيده إلى خلفه- يأمرني عن الله عز و جل أن آمر الناس أن يحلوا إلا من ساق الهدي.

فأمرهم بما أمر الله به، فقام إليه رجل، و قال: يا رسول الله، نخرج إلى

منى و رؤوسنا تقطر من النساء؟ و قال آخرون: يأمر بالشي ء «2» و يصنع هو غيره؟!

__________________________________________________

5- التهذيب 5: 32/ 97.

6- التهذيب 5: 33/ 98.

7- التهذيب 5: 33/ 99.

8- التهذيب 5: 25/ 74.

(1) كذا و الظاهر: و كلّما. [.....]

(2) في المصدر: يأمرنا بشي ء.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 421

فقال: يا أيها الناس، لو استقبلت من أمري ما استدبرت، صنعت كما يصنع «1» الناس، و لكني سقت الهدي، فلا يحل لمن ساق الهدي حتى يبلغ الهدي محله، فقصر الناس و أحلوا و جعلوها عمرة.

فقام إليه سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، فقال: يا رسول الله، هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم للأبد؟

فقال: بل للأبد إلى يوم القيامة- و شبك بين أصابعه- و أنزل الله في ذلك قرآنا: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ».

971/ [9]- و عنه: بإسناده عن موسى بن القاسم، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، لأن الله تعالى يقول: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فليس لأحد إلا أن يتمتع، لأن الله أنزل ذلك في كتابه، و جرت به السنة من رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

972/ [10]- و عنه: بإسناده عن أحمد بن محمد، عن الحسين، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في: حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. قال: ما دون الأوقات [إلى مكة]».

973/ [11]- ابن بابويه، قال: حدثني أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عبيد الله بن علي

الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن الحج متصل بالعمرة، لأن الله عز و جل يقول: فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فليس ينبغي لأحد أن لا «2» يتمتع، لأن الله عز و جل أنزل ذلك في كتابه و سنة رسوله (صلى الله عليه و آله)».

974/ [12]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، و سهل بن زياد، جميعا «3»، عن رفاعة بن موسى، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المتمتع لا يجد الهدي، قال: «يصوم قبل يوم التروية بيوم، و يوم التروية، و يوم عرفة».

قلت: فإن «4» قدم يوم التروية؟ قال: «يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق».

قلت: فإن لم يقم عليه جماله؟ قال: «يصوم يوم الحصبة و بعده يومين».

__________________________________________________

9- التهذيب 5: 25/ 75.

10- التهذيب 5: 476/ 1683.

11- علل الشرائع: 411/ 1 باب 149.

12- الكافي 4: 506/ 1.

(1) في المصدر: صنع.

(2) في المصدر: إلّا أن.

(3) الظاهر وجود سقط هنا، لأنّ أحمد بن محمّد، و سهل بن زياد، لا يرويان عن رفاعة بدون واسطة أو أكثر، و يؤيّد ما ذكرنا أنّ الشيخ رواها بعينها بسنده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان و فضالة، عن رفاعة في التهذيب 5: 232/ 785، الاستبصار 2: 280/ 995. كذا في معجم رجال الحديث 7: 199.

(4) في المصدر: فإنّه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 422

قال: قلت: و ما الحصبة؟ قال: «يوم نفره» «1».

قلت: يصوم و هو مسافر؟ قال: «نعم، أليس [هو] يوم عرفة مسافرا؟ إنا أهل بيت نقول ذلك لقول الله عز و جل: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ يقول: في ذي الحجة».

975/ [13]- عنه: عن علي بن إبراهيم،

عن أبيه، رفعه، في قوله عز و جل: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ. قال: «كمالها كمال الاضحية».

976/ [14]- الشيخ: بإسناده عن موسى بن القاسم، عن أبي الحسين النخعي، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: كنت قائما اصلي، و أبو الحسن (عليه السلام) قاعدا قدامي، و أنا لا أعلم، فجاءه عباد البصري، قال: فسلم ثم جلس، فقال له: يا أبا الحسن، ما تقول في رجل تمتع و لم يكن له هدي؟ قال: «يصوم الأيام التي قال الله تعالى».

قال: فجعلت اصغي إليهما، فقال له عباد: و أي الأيام هي؟ قال: «قبل يوم التروية بيوم، و يوم التروية، و يوم عرفة».

قال: فإن فاته ذلك؟ قال: «يصوم صبيحة الحصبة، و يومين بعد ذلك».

قال: أ فلا تقول كما قال عبد الله بن الحسن؟ قال: «فأي شي ء قال؟». قال: قال: يصوم أيام التشريق.

قال: «إن جعفرا كان يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أمر بديلا «2» أن ينادي: أن هذه أيام أكل و شرب، فلا يصومن أحد».

قال: يا أبا الحسن، إن الله قال: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ؟ قال: «كان جعفر (عليه السلام) يقول: ذو الحجة كله من أشهر الحج».

977/ [15]- عنه: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان و فضالة، عن رفاعة بن موسى، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع لا يجد هديا؟ قال: «يصوم يوما قبل يوم التروية، و يوم التروية، و يوم عرفة».

قلت: فإنه قدم يوم التروية، فخرج إلى عرفات؟ قال: «يصوم ثلاثة أيام بعد النفر».

قلت: فإن جماله لم يقم عليه؟ قال: «يصوم يوم الحصبة،

و بعده يومين «3»».

قلت: يصوم و هو مسافر؟ قال: «نعم، أ ليس هو يوم عرفة مسافرا؟ و الله تعالى يقول: ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ».

__________________________________________________

13- الكافي 4: 510/ 15.

14- التهذيب 5: 230/ 779.

15- التهذيب 5: 232/ 785.

(1) يو النفر: و هو اليوم الذي ينفر فيه الناس من منى، فالنفر الأول من منى هو اليوم الثاني من أيام العشر، و النفر الثاني هو اليوم الثالث منها. «مجمع البحرين- نفر- 3: 500».

(2) يأتي في الحديث (20): أمر بلالا. [.....]

(3) في المصدر: بيومين.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 423

قال: قلت: قول الله فِي الْحَجِّ؟ قال أبو عبد الله (عليه السلام): «و نحن أهل البيت نقول في ذي الحجة».

978/ [16]- و عنه: بإسناده عن موسى بن القاسم، عن محمد، عن زكريا المؤمن «1»، عن عبد الرحمن بن عتبة، عن عبد الله بن سليمان الصيرفي، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لسفيان الثوري «2»: «ما تقول في قول الله عز و جل:

فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ أي شي ء يعني بكاملة؟». قال: سبعة و ثلاثة. قال: «و يخفى «3» ذا على ذي حجا «4»، إن سبعة و ثلاثة عشرة؟!».

قال: فأي شي ء هو، أصلحك الله. قال: [ «انظر» قال: لا علم لي، فأي شي ء هو، أصلحك الله؟ قال ]: «الكامل كمالها كمال الاضحية، سواء أتيت بها أو أتيت بالاضحية، تمامها كمال الاضحية».

979/ [17]- العياشي: عن أبي بصير، عنه (عليه السلام)، قال: «إن استمتعت بالعمرة إلى الحج فإن عليك الهدي، ما «5» استيسر من الهدي، إما جزور «6»، و إما بقرة، و إما شاة، فإن

لم تقدر فعليك الصيام، كما قال الله».

980/ [18]- و ذكر أبو بصير، عنه (عليه السلام)، قال: «نزلت على رسول الله (صلى الله عليه و آله) المتعة و هو على المروة بعد فراغه من السعي».

981/ [19]- عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ.

قال: «ليكن كبشا سمينا، فإن لم يجد فعجلا من البقر، و الكبش أفضل، فإن لم يجد «7» فموجوءا «8» من

__________________________________________________

16- التهذيب 5: 40/ 120.

17- تفسير العيّاشي 1: 90/ 233.

18- تفسير العيّاشي 1: 91/ 234.

19- تفسير العيّاشي 1: 91/ 235.

(1) في «س و ط»: محمّد، عن ابن زكريّا المؤمن، و الصواب ما أثبتناه لرواية زكريّا عن عبد الرحمن بن عتبة كما في معجم رجال الحديث 9:

337، و لرواية محمّد عن زكريا، كما في معجم رجال الحديث 7: 292.

(2) سفيان بن سعيد بن مسروق الثّوريّ: كان حافظا للحديث و عارفا في علوم الدين، ولد و نشأ في الكوفة و خرج منها سنة 144 ه، فسكن مكّة و المدينة، و انتقل إلى البصرة فمات فيها مستخفيا بعد أن طلبه المهدي العبّاسيّ، و له «الجامع الكبير» و «الجامع الصغير» في الحديث، توفّي في 161 ه، حلية الأولياء 6: 356، تاريخ بغداد 9: 151/ 4763، وفيات الأعيان 2: 386/ 266، سير أعلام النبلاء 7: 229/ 82، تهذيب التهذيب 4: 111/ 199.

(3) في المصدر: و يختل.

(4) الحجا: العقل. «الصحاح- حجا- 6: 2309».

(5) في المصدر: فما.

(6) الجزور: من الإبل خاصّة، ما كمل خمس سنين و دخل في السادسة يقع على الذكر و الأنثى. «مجمع البحرين- جزر- 3: 245».

(7) زاد في المصدر: جذع. و في البحار 99: 278/

5: فإن لم يجد فهو جذع من الضأن.

(8) الموجوء: الخصيّ. «النهاية 5: 152».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 424

الضأن، و إلا ما استيسر من الهدي شاة».

982/ [20]- عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: كنت قاعدا «1» اصلي، و أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) قاعدا قدامي، و أنا لا أعلم، قال: فجاءه عباد البصري، فسلم عليه و جلس، و قال: يا أبا الحسن، ما تقول في رجل تمتع و لم يكن له هدي؟ قال: «يصوم الأيام التي قال الله».

قال: فجعلت سمعي إليهما، قال عباد: و أي أيام هي؟ قال: «قبل التروية، و يوم التروية، و يوم عرفة».

قال: فإن فاته؟ قال: «يصوم الحصبة، و يومين بعده».

قال: أ فلا تقول كما قال عبد الله بن الحسن؟ قال: «و أي شي ء قال؟». قال: قال: يصوم أيام التشريق.

قال: «إن جعفرا (عليه السلام) كان يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أمر بلالا ينادي: أن هذه أيام أكل و شرب، فلا يصومن أحد».

فقال: يا أبا الحسن، إن الله قال: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ؟ قال: «كان جعفر (عليه السلام) يقول: ذو القعدة و ذو الحجة كلتان «2» أشهر الحج».

983/ [21]- عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا تمتع بالعمرة إلى الحج و لم يكن معه هدي، صام قبل يوم التروية بيوم «3»، و يوم التروية، و يوم عرفة فإن لم يصم هذه الأيام صام بمكة، فإن أعجلوا صام في الطريق، و إن أقام بمكة قدر مسيره إلى بلده «4»، فشاء أن يصوم السبعة أيام فعل».

984/ [22]- عن ربعي بن عبد الله بن الجارود «5»، عن أبي الحسن (عليه

السلام)، قال: سألته عن قول الله: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ.

قال: «قبل التروية يصوم، و يوم التروية، و يوم عرفة، فمن فاته ذلك فليقض ذلك في بقية ذي الحجة، فإن الله يقول في كتابه: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ «6»».

985/ [23]- عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ

__________________________________________________

20- تفسير العياشي 1: 91/ 236. [.....]

21- تفسير العياشي 1: 92/ 237.

22- تفسير العياشي 1: 29/ 238.

23- تفسير العياشي 1: 92/ 239.

(1) في المصدر: قائما.

(2) في «س»: كلان.

(3) (بيوم) ليس في المصدر.

(4) في المصدر: إلى منزله.

(5) في «س و ط»: ربعي بن عبد الله الجارود، و الصواب ما في المتن، راجع رجال النجاشي: 167/ 441، معجم رجال الحديث 7: 161.

(6) البقرة 2: 197.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 425

قال: «إذا رجعت إلى أهلك».

986/ [24]- عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، فيمن لم يصم الثلاثة أيام في ذي الحجة حتى يهل الهلال؟ قال: «عليه دم، لأن الله يقول: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ في ذي الحجة».

قال ابن أبي عمير: و سقط عنه السبعة أيام.

987/ [25]- عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال: سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج، و السبعة، أ يصومها متوالية أم يفرق بينهما؟

قال: «يصوم الثلاثة لا يفرق بينها، و السبعة لا يفرق بينها «1»، و لا يجمع الثلاثة و السبعة جميعا».

988/ [26]- عن علي بن جعفر، عن أخيه (عليه السلام)، قال: سألته عن صوم الثلاثة أيام في الحج، و السبعة، أ يصومها متوالية أو يفرق بينها؟ «2» قال: «يصوم الثلاثة و السبعة لا

يفرق بينها، و لا يجمع السبعة و الثلاثة جميعا».

989/ [27]- عن عبد الرحمن بن محمد العرزمي، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام)، في صيام ثلاثة أيام في الحج. قال: «قبل التروية بيوم، و يوم التروية، و يوم عرفة، فإن فاته ذلك تسحر ليلة الحصبة».

990/ [28]- عن غياث بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي (عليه السلام)، قال «3»: «صيام ثلاثة أيام في الحج: قبل التروية بيوم، و يوم التروية، و يوم عرفة، فإن فاته ذلك تسحر ليلة الحصبة، فصيام ثلاثة أيام و سبعة إذا رجع».

و قال علي (عليه السلام): «إذا فات الرجل الصيام فليبدأ صيامه من ليلة النفر».

991/ [29]- عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام)، قال: «يصوم المتمتع قبل التروية بيوم، و يوم التروية، و يوم عرفة، فإن فاته أن يصوم ثلاثة أيام في الحج و لم يكن عنده دم، صام إذا انقضت أيام التشريق، تسحر «4» ليلة الحصبة ثم يصبح صائما».

992/ [30]- عن حريز، عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. قال: «هو لأهل مكة، ليست لهم متعة و لا عليهم عمرة».

__________________________________________________

24- تفسير العيّاشي 1: 92/ 240.

25- تفسير العيّاشي 1: 92/ 241.

26- تفسير العيّاشي 1: 63/ 242.

27- تفسير العيّاشي 1: 93/ 243.

28- تفسير العيّاشي 1: 93/ 244 و 245. [.....]

29- تفسير العيّاشي 1: 93/ 246.

30- تفسير العيّاشي 1: 93/ 247.

(1) (و السبعة لا يفرق بينها) ليس في المصدر.

(2) في المصدر: بينهما.

(3) في «س و ط»: عن عليّ (عليه السّلام).

(4) في المصدر: فيتسحّر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص:

426

قلت: فما حد ذلك؟ قال: «ثمانية و أربعين ميلا من نواحي مكة، كل شي ء دون عسفان و دون ذات عرق فهو من حاضري المسجد الحرام».

993/ [31]- عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في: حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ.

قال: «دون المواقيت إلى مكة فهم من حاضري المسجد الحرام، و ليس لهم متعة».

994/ [32]- عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن أهل مكة، هل يصلح لهم أن يتمتعوا في العمرة إلى الحج؟

قال: «لا يصلح لأهل مكة المتعة، و ذلك قول الله: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ».

995/ [33]- عن سعيد الأعرج، عنه (عليه السلام)، قال: «ليس لأهل سرف، و لا لأهل مر، و لا لأهل مكة متعة، يقول الله تعالى: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ»

سورة البقرة(2): آية 197 ..... ص : 426

قوله تعالى:

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ [197]

996/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن مثنى الحناط، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ: شوال، و ذو القعدة، و ذو الحجة، ليس لأحد أن يحج فيما سواهن».

997/ [2]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ.: «و الفرض: التلبية و الإشعار و التقليد، فأي «1» ذلك فعل فقد فرض الحج، و لا يفرض الحج

إلا في هذه الشهور التي قال الله عز و جل: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ: و هو شوال، و ذو القعدة، و ذو الحجة».

__________________________________________________

31- تفسير العيّاشي 1: 94/ 248.

32- تفسير العيّاشي 1: 94/ 249.

33- تفسير العيّاشي 1: 94/ 250.

1- الكافي 4: 289/ 1.

2- الكافي 4: 289/ 2.

(1) في «ط»: فإن.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 427

998/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، بإسناده، قال: «أشهر الحج: شوال، و ذو القعدة، و عشر من ذي الحجة و أشهر السياحة: عشرون من ذي الحجة، و المحرم، و صفر، و شهر ربيع الأول، و عشر من شهر ربيع الثاني».

999/ [4]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ. فقال: «إن الله عز و جل اشترط على الناس شرطا، و شرط لهم شرطا».

قلت: فما الذي اشترط عليهم، و ما الذي شرط «1» لهم؟

قال: فأما الذي اشترط عليهم، فإنه قال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ، و أما الذي شرط لهم، فإنه قال: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى «2»- قال- يرجع لا ذنب له» «3».

قلت: أ رأيت من ابتلي بالفسوق ما عليه؟ قال: «لم يجعل له حد «4»، يستغفر الله و يلبي».

قلت: فمن ابتلي بالجدال ما عليه؟ قال: «إذا جادل فوق مرتين فعلى المصيب دم يهريقه، و على المخطئ بقرة».

1000/ [5]-

و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، و محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، و ابن أبي عمير «5»، عن معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا أحرمت فعليك بتقوى الله، و ذكر الله كثيرا، و قلة الكلام إلا بخير، فإن من تمام الحج و العمرة أن يحفظ المرء لسانه إلا من خير، كما قال الله عز و جل، فإن الله عز و جل يقول: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ. و الرفث: الجماع، و الفسوق: الكذب و السباب، و الجدال: قول الرجل: لا و الله، و بلى و الله، و اعلم أن الرجل إذا حلف ثلاث «6» أيمان ولاء «7» في مقام واحد و هو محرم، فقد جادل، فعليه دم يهريقه، و ليتصدق به، [و إذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل، و عليه دم يهريقه و يتصدق به ]».

__________________________________________________

3- الكافي 4: 290/ 3.

4- الكافي 4: 337/ 1. [.....]

5- الكافي 4: 337/ 3.

(1) في المصدر: اشترط.

(2) البقرة 2: 203.

(3) في المصدر زيادة: قال.

(4) في المصدر: يجعل اللّه له حدّا.

(5) في المصدر زيادة: جميعا.

(6) في المصدر: بثلاث.

(7) الولاء: التتابع، و ولاء عنها: مصدر في موضع الحال، أي: متوالية.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 428

و قال: «اتق المفاخرة، و عليك بورع يحجزك عن معاصي الله، فإن الله عز و جل يقول: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ «1» وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ «2»».- قال أبو عبد الله (عليه السلام): «من التفث أن تتكلم في إحرامك بكلام قبيح، فإذا دخلت مكة و طفت بالبيت و تكلمت

بكلام طيب فكان ذلك كفارة».

قال: و سألته عن الرجل يقول: لا لعمري، و بلى لعمري؟ قال: «ليس هو «3» من الجدال، إنما الجدال: لا و الله، و بلى و الله».

1001/ [6]- الشيخ: بإسناده عن موسى بن القاسم، عن علي بن جعفر، قال: سألت أخي موسى (عليه السلام) عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو، و ما على من فعله؟

قال: «الرفث: جماع النساء، و الفسوق: الكذب و المفاخرة، و الجدال: قول الرجل: لا و الله، و بلى و الله. فمن رفث فعليه بدنة ينحرها، و إن لم يجد فشاة، و كفارة الفسوق يتصدق به «4» إذا فعله و هو محرم».

1002/ [7]- ابن بابويه في (الفقيه): بإسناده عن أبان، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ. قال: «شوال، و ذو القعدة، و ذو الحجة، ليس لأحد أن يحرم بالحج فيما سواهن».

1003/ [8]- عنه: بإسناده عن محمد بن مسلم [و الحلبي، جميعا] «5»، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ.

فقال: «إن الله عز و جل اشترط على الناس شرطا، و شرط لهم شرطا، فمن وفى لله «6» وفى الله له».

فقالا له: فما «7» اشترط عليهم، و ما اشترط «8» لهم؟

فقال: «أما الذي اشترط عليهم، فإنه قال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ و أما الذي «9» شرط لهم، فإنه قال:

__________________________________________________

6- التهذيب 5: 297/ 1005.

7- من لا يحضره الفقيه 2: 277/ 1357.

8- من لا يحضره الفقيه 2: 212/

968.

(1) التفث: هو التنظيف من الوسخ، و قيل: ما يفعله المحرم عند إحلاله كقص الشارب و الظفر و نتف الإبط و حلق العانة، و قيل: هو ذهاب الشعث و الدرن و الوسخ مطلقا. «مجمع البحرين- تفث- 2: 238».

(2) الحج 22: 29.

(3) في المصدر: ليس هذا. [.....]

(4) في قرب الاسناد ص 104: و كفارة الفسوق شي ء يتصدق به.

(5) أثبتناه من المصدر، و هو الصواب، انظر معجم رجال الحديث 17: 233 و 23: 82.

(6) في المصدر: فمن و فى له.

(7) في المصدر زيادة: الذي.

(8) في المصدر: و ما الذي شرط.

(9) في المصدر: و أما ما.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 429

فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى «1»- قال-: يرجع لا ذنب له».

قالا: أ رأيت من ابتلي بالفسوق ما عليه؟ قال: «لم يحد «2» الله عز و جل له حدا، يستغفر الله و يلبي».

فقالا: من ابتلي بالجدال فما عليه. فقال: «إذا جادل فوق مرتين فعلى المصيب دم شاة يهريقه، و على المخطئ بقرة».

1004/ [9]- و عنه، قال: حدثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي جميلة المفضل بن صالح، عن زيد الشحام، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرفث و الفسوق و الجدال.

قال: «أما الرفث: فالجماع، و أما الفسوق: فهو الكذب، ألا تسمع قول الله عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ «3» و الجدال: هو قول الرجل: لا و الله، و بلى و الله» «4».

1005/ [10]- و عنه: قال: حدثنا أبي

(رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن المثنى، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ. قال: «شوال، و ذو القعدة، و ذو الحجة».

و

في حديث آخر: «و شهر مفرد العمرة رجب».

1006/ [11]- العياشي: عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ، قال: «هو شوال، و ذو القعدة، و ذو الحجة».

1007/ [12]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ- قال- شوال، و ذو القعدة، و ذو الحجة، و ليس لأحد أن يحرم بالحج فيما سواهن».

1008/ [13]- عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ، قال: «الأهلة».

1009/ [14]- عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ.

__________________________________________________

9- معاني الأخبار: 294/ 1.

10- معاني الأخبار: 293/ 1.

11- تفسير العياشي 1: 94/ 251.

12- تفسير العياشي 1: 94/ 253.

13- تفسير العياشي 1: 94/ 253.

14- تفسير العياشي 1: 94/ 254.

(1) البقرة 2: 203.

(2) في المصدر: لم يجعل. [.....]

(3) الحجرات 49: 6.

(4) في المصدر زيادة: و سباب الرجل الرجل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 430

قال: «و الفرض فرض الحج: التلبية، و الإشعار، و التقليد، فأي ذلك فعل فقد فرض الحج، و لا يفرض الحج إلا في هذه الشهور التي قال الله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ و هي: شوال، و ذو القعدة و ذو الحجة».

1010/ [15]- عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: «من جادل في الحج فعليه

إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، إن كان صادقا أو كاذبا، فإن عاد مرتين فعلى الصادق شاة، و على الكاذب بقرة، لأن الله عز و جل يقول: فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ و الرفث: الجماع، و الفسوق: الكذب، و الجدال: قول الرجل: لا و الله، و بلى و الله. و المفاخرة».

1011/ [16]- عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قول الله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ و الرفث هو الجماع، و الفسوق: الكذب و السباب، و الجدال: قول الرجل: لا و الله، و بلى و الله».

1012/ [17]- عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ.

قال: «يا محمد، إن الله اشترط على الناس شرطا، و شرط لهم شرطا، و من وفى لله وفى الله له».

قلت: فما الذي اشترط عليهم، و ما الذي شرط لهم؟

قال: «أما الذي اشترط عليهم، فإنه قال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ و أما ما شرط لهم، فإنه قال: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى «1»- قال-: يرجع لا ذنب له».

1013/ [18]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا حلف ثلاث أيمان متتابعات صادقا فقد جادل، فعليه دم، و إذا حلف بواحدة كاذبا فقد جادل، فعليه دم».

1014/ [19]- عن محمد بن مسلم، عن أحدهما، عن رجل محرم

قال لرجل: لا، لعمري؟

قال: «ليس ذلك بجدال، إنما الجدال: لا و الله، و بلى و الله».

1015/ [20]- عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله:

__________________________________________________

15- تفسير العياشي 1: 95/ 255.

16- تفسير العياشي 1: 95/ 256.

17- تفسير العياشي 1: 95/ 257.

18- تفسير العياشي 1: 95/ 258.

19- تفسير العياشي 1: 95/ 259.

20- تفسير العياشي 1: 96/ 260.

(1) البقرة 2: 203.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 431

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ.

فقال: «يا محمد، إن الله اشترط على الناس، و شرط لهم، فمن وفى لله وفى الله له».

قال: قلت: ما الذي اشترط عليهم، و شرط لهم؟

قال: «أما الذي اشترط في الحج، فإنه قال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ و أما الذي شرط لهم، فإنه قال: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى «1» يرجع لا ذنب له».

قلت: أ رأيت من ابتلي بالرفث- و الرفث: هو الجماع- ما عليه؟ قال: «يسوق الهدي، و يفرق ما بينه و بين أهله حتى يقضيا المناسك، و حتى يعودا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا».

قلت: أ رأيت إن أرادا أن يرجعا في غير ذلك الطريق الذي ابتليا فيه؟ قال: «فليجتمعا، إذا قضيا المناسك».

قلت: فمن ابتلي بالفسوق- و الفسوق: الكذب- و لم يجعل له حد؟ قال: «يستغفر الله، و يلبي».

قلت: فمن ابتلي بالجدال- و الجدال: قول الرجل: لا و الله، و بلى و الله- ما عليه؟ قال: «إذا جادل قوما مرتين فعلى المصيب دم شاة، و على

المخطئ دم بقرة».

1016/ [21]- عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن الرجل المحرم قال لأخيه: لا، لعمري.

قال: «ليس هذا بجدال، إنما الجدال: لا و الله و بلى و الله».

سورة البقرة(2): آية 198 ..... ص : 431

قوله تعالى:

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [198]

1017/ [1]- العياشي: عن عمر بن يزيد بياع السابري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ: «يعني الرزق، إذا أحل الرجل من إحرامه و قضى نسكه، فليشتر و ليبع في الموسم».

1018/ [2]- أبو علي الطبرسي: قيل: كانوا يتأثمون بالتجارة في الحج، فرفع الله سبحانه بهذه اللفظة [الإثم ] عمن يتجر في الحج» و في هذا تصريح بالإذن في التجارة، قال: و هو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام).

و قال: و قيل: معناه لا جناح عليكم أن تطلبوا المغفرة من ربكم. قال: و رواه جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام).

__________________________________________________

21- تفسير العيّاشي 1: 96/ 261.

1- تفسير العيّاشي 1: 96/ 262.

2- مجمع البيان 2: 527.

(1) البقرة 2: 203.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 432

سورة البقرة(2): آية 199 ..... ص : 432

قوله تعالى:

ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [199]

1019/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله)- و ذكر (عليه السلام) حج النبي (صلى الله عليه و آله)، إلى أن قال-: و كانت قريش تفيض من المزدلفة و هي جمع، و يمنعون الناس أن يفيضوا منها، فأقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و قريش ترجو أن تكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون، فأنزل الله عز و جل عليه: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ يعني إبراهيم و إسماعيل و إسحاق في

إفاضتهم منها، و من كان بعدهم».

1020/ [2]- عنه: بإسناده عن ابن محبوب، عن عبد الله بن غالب، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، قال:

سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: «إن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: أخبرني- إن كنت عالما- عن الناس، و أشباه الناس، و عن النسناس.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا حسين، أجب الرجل، فقال الحسين (عليه السلام): أما قولك: أخبرني عن الناس. فنحن الناس، فلذلك قال الله تبارك و تعالى ذكره في الكتاب: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ فرسول الله (صلى الله عليه و آله) الذي أفاض بالناس.

و أما قولك: أشباه الناس. فهم شيعتنا و موالينا، و هم منا، و لذلك قال إبراهيم (عليه السلام): فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي «1».

و أما قولك: النسناس. فهم السواد الأعظم- و أشار بيده إلى جماعة الناس، ثم قال-: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا «2»».

1021/ [3]- العياشي: عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله: أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ.

قال: «أولئك قريش، كانوا يقولون: نحن أولى الناس بالبيت، و لا يفيضون إلا من المزدلفة، فأمرهم الله أن

__________________________________________________

1- الكافي 4: 247/ 4. [.....]

2- الكافي 8: 244/ 339.

3- تفسير العيّاشي 1: 96/ 263.

(1) إبراهيم 14: 36.

(2) الفرقان 25: 44.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 433

يفيضوا من عرفة».

1022/ [4]- عن رفاعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ.

قال: «إن أهل الحرم كانوا يقفون على المشعر الحرام، و يقف الناس بعرفة، و لا يفيضون حتى يطلع عليهم أهل عرفة، و كان رجل يكنى أبا سيار، و كان

له حمار فاره «1»، و كان يسبق أهل عرفة، فإذا طلع عليهم، قالوا: هذا أبو سيار ثم أفاضوا، فأمرهم الله أن يقفوا بعرفة، و أن يفيضوا منه».

1023/ [5]- عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ.

قال: «يعني إبراهيم و إسماعيل».

1024/ [6]- عن علي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ.

قال: «كانت قريش تفيض من المزدلفة في الجاهلية، يقولون: نحن أولى بالبيت من الناس، فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس، من عرفة».

1025/ [7]- و في رواية حريز «2»، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن قريشا كانت تفيض من جمع «3»، و مضر و ربيعة من عرفات».

1026/ [8]- عن أبي الصباح، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن إبراهيم أخرج إسماعيل إلى الموقف فأفاضا منه، ثم إن الناس كانوا يفيضون منه، حتى إذا كثرت قريش، قالوا: لا نفيض من حيث أفاض الناس، و كانت قريش تفيض من المزدلفة، و منعوا الناس أن يفيضوا معهم إلا من عرفات، فلما بعث الله محمدا (صلى الله عليه و آله) أمره أن يفيض من حيث أفاض الناس، و عنى بذلك إبراهيم و إسماعيل (عليهما السلام)».

1027/ [9]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ.

قال: «هم أهل اليمن» «4».

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 1: 97/ 264.

5- تفسير العيّاشي 1: 97/ 265.

6- تفسير العيّاشي 1: 97/ 266.

7- تفسير العيّاشي 1: 97/ 267.

8- تفسير العيّاشي 1: 97/ 268.

9- تفسير العيّاشي 1: 98/ 269.

(1) الحمار الفاره: النشيط، السّيور. «لسان العرب- فره- 13: 521».

(2) في المصدر: و

في رواية اخرى.

(3) جمع: هو المزدلفة، و هو قزّح، و هو المشعر، سمّي جمعا لاجتماع الناس به، و الظاهر أنّ المراد هنا الأوّل، «معجم البلدان 2: 163».

(4) في «ط»: اليمين. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 434

سورة البقرة(2): الآيات 200 الي 202 ..... ص : 334

قوله تعالى:

فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ- إلى قوله- الْحِسابِ [202]

1028/ [1]- محمد بن يعقوب: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ «1».

قال: «هي أيام التشريق، و كانوا إذا قاموا بمنى بعد النحر تفاخروا، فقال الرجل منهم: كان أبي يفعل كذا و كذا، فقال الله جل ثناؤه: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ «2» فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً».

قال: «و التكبير: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، و الله أكبر «3»، و لله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام».

1029/ [2]- عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً.

قال: «رضوان الله و الجنة في الآخرة، و المعاش و حسن الخلق في الدنيا».

1030/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و علي بن محمد القاشاني،

جميعا، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن سفيان بن عيينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «سأل رجل أبي بعد منصرفه من الموقف فقال: أ ترى الله يجيب «4» هذا الخلق كله؟

فقال أبي: ما وقف بهذا الموقف أحد إلا غفر الله له مؤمنا كان أو كافرا، إلا أنهم في مغفرتهم على ثلاث منازل: مؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر، و أعتقه من النار و ذلك قوله عز و جل:

__________________________________________________

1- الكافي 4: 516/ 3.

2- الكافي 5: 71/ 2.

3- الكافي 4: 521/ 10.

(1) البقرة 2: 203.

(2) البقرة 2: 198.

(3) في المصدر زيادة: الله أكبر.

(4) في المصدر: أ ترى يخيب الله.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 435

رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَ اللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ.

و منهم من غفر الله له ما تقدم من ذنبه، و قيل له: أحسن فيما بقي من عمرك و ذلك قوله عز و جل: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ «1» يعنى من مات قبل أن يمضي فلا إثم عليه، و من تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى الكبائر.

و أما العامة، فيقولون: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ يعني في النفر الأول: وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ «2» يعني لمن اتقى الصيد، أ فترى أن الصيد يحرمه الله بعد ما أحله في قوله عز و جل: وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا و في تفسير العامة معناه: فإذا حللتم فاتقوا الصيد.

و كافر وقف هذا الموقف يريد زينة الحياة الدنيا، فغفر الله له ما تقدم

من ذنبه إن تاب من الشرك فيما بقي من عمره، و إن لم يتب وافاه أجره و لم يحرمه أجر هذا الموقف و ذلك قوله عز و جل: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ «3»».

1031/ [4]- العياشي: عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) في قول الله: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً. قال: «كان الرجل في الجاهلية يقول: كان أبي، و كان أبي، فأنزلت هذه الآية في ذلك».

1032/ [5]- عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام). و الحسين، عن فضالة بن أيوب، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله، مثله سواء: «أي كانوا يفتخرون بآبائهم، يقولون: أبي الذي حمل الديات̠و الذي قاتل كذا و كذا. إذا قاموا بمنى بعد النحر، و كانوا يقولون أيضا- يحلفون بآبائهم-: لا و أبي، لا و أبي».

1033/ [6]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن قوله: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً. قال: «إن أهل الجاهلية كان من قولهم: كلا و أبيك، بلى و أبيك. فأمروا أن يقولوا: لا و الله، و بلى و الله».

1034/ [7]- و روى عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً. قال: «كان الرجل يقول: كان أبي، و كان أبي. فنزلت عليهم في ذلك».

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 1: 98/ 270.

5- تفسير العيّاشي 1: 98/ 271.

6- تفسير العيّاشي 1: 98/

272.

7- تفسير العيّاشي 1: 98/ 273.

(1) البقرة 2: 203.

(2) المائدة 5: 2.

(3) هود 11: 15- 16. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 436

1035/ [8]- عن عبد الأعلى، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ. قال: «رضوان الله و الجنة في الآخرة، و السعة في المعيشة و حسن الخلق في الدنيا».

1036/ [9]- عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «رضوان الله، و التوسعة في المعيشة، و حسن الصحبة، و في الآخرة الجنة».

1037/ [10]- أبو علي الطبرسي: في قوله تعالى: أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَ اللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «معناه أنه يحاسب الخلق دفعة، كما يرزقهم دفعة».

سورة البقرة(2): آية 203 ..... ص : 436

قوله تعالى:

وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [203]

1038/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ.

قال: «التكبير في أيام التشريق، من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث، و في الأمصار عشر صلوات، فإذا نفر بعد الاولى أمسك أهل الأمصار، و من أقام بمنى فصلى بها الظهر و العصر فليكبر».

1039/ [2]- عنه: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول

الله عز و جل: وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ.

قال: «هي أيام التشريق- و ساق الحديث إلى أن قال-: و التكبير: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، و الله أكبر، الله أكبر، و لله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام».

1040/ [3]- عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن داود بن النعمان، عن

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 1: 98/ 274.

9- تفسير العيّاشي 1: 99/ 275.

10- مجمع البيان 2: 531.

1- الكافي 4: 516/ 1.

2- الكافي 4: 516/ 3.

3- الكافي 4: 519/ 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 437

أبي أيوب، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا نريد أن نتعجل السير- و كانت ليلة النفر حين سألته- فأي ساعة ننفر؟

فقال لي: «أما اليوم الثاني، فلا تنفر حتى تزول الشمس، و كانت ليلة النفر، و أما اليوم الثالث، فإذا ابيضت الشمس فانفر على بركة الله فإن الله جل ثناؤه يقول: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ فلو سكت لم يبق أحد إلا تعجل، و لكنه قال: وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ».

1041/ [4]- و عنه: عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن معاوية بن وهب، عن إسماعيل بن نجيح الرماح، قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) بمنى ليلة من الليالي، فقال: «ما يقول هؤلاء [في ]: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ؟». قلنا: ما ندري.

قال: «بلى، يقولون: فمن تعجل من أهل البادية فلا إثم عليه، و من تأخر من أهل الحضر فلا إثم عليه و ليس كما يقولون، قال الله جل

ثناؤه: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ «1» وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ألا لا إثم عليه لمن اتقى، إنما هي لكم، و الناس سواد، و أنتم الحاج».

1042/ [5]- ابن بابويه في (الفقيه): بإسناده عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك «2» حتى تزول الشمس، فإن تأخرت إلى آخر أيام التشريق- و هو يوم النفر الأخير- فلا عليك أي ساعة نفرت، و رميت قبل الزوال أو بعده».

قال: و سمعته يقول في قول الله عز و جل: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى قال: «يتقي الصيد حتى ينفر أهل منى» «3».

1043/ [6]- ثم قال ابن بابويه: و في رواية ابن محبوب، عن أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنه قال: «لمن اتقى الرفث و الفسوق و الجدال و ما حرم الله [عليه ] في إحرامه».

1044/ [7]- و قال: في رواية علي بن عطية، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام): «لمن اتقى الله عز و جل».

1045/ [8]- و قال: في رواية سليمان بن داود المنقري، عن سفيان بن عيينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ: «يعني من مات فلا إثم عليه وَ مَنْ تَأَخَّرَ «4» فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ

__________________________________________________

4- الكافي 4: 523/ 12.

5- من لا يحضره الفقيه 2: 287/ 1414 و 1415.

6- من لا يحضره الفقيه 2: 288/ 1416.

7- من لا يحضره الفقيه 2: 288/ 1417.

8- من لا يحضره الفقيه 2: 288/ 1420.

(1) في المصدر زيادة:

ألا لا إثم عليه.

(2) في المصدر زيادة: أن تنفر.

(3) في المصدر زيادة: في النفر الأخير. [.....]

(4) في المصدر زيادة: أجله.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 438

لمن اتقى الكبائر».

1046/ [9]- و قال: و سئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ قال: «ليس هو على أن ذلك واسع إن شاء صنع ذا، [و إن شاء صنع ذا]، لكنه يرجع مغفورا له لا إثم عليه و لا ذنب له».

1047/ [10]- و عنه، قال: حدثني أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن علي بن أحمد بن علي بن الصلت، عن عبد الله بن الصلت، عن يونس بن عبد الرحمن، عن المفضل بن صالح، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله تبارك و تعالى: وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ.

قال: «المعلومات و المعدودات واحدة، و هي أيام التشريق».

1048/ [11]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف ابن عميرة، عن عبد الأعلى، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «كان أبي يقول: من أم هذا البيت حاجا أو معتمرا مبرءا من الكبر، رجع من ذنوبه كيوم «1» ولدته امه» ثم قرأ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى .

قلت: ما الكبر؟ قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن أعظم الكبر غمص الخلق، و سفه الحق».

قلت: ما غمص الخلق و سفه الحق؟ قال: «يجهل الحق، و يطعن على أهله، و من فعل ذلك نازع الله رداءه».

1049/ [12]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن العباس، و علي بن السندي،

جميعا، عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول في قول الله عز و جل: وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ «2» قال: «أيام العشر». و قوله: وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ قال: «أيام التشريق».

1050/ [13]- عنه: بإسناده عن محمد بن الحسين، عن يعقوب بن يزيد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله «3» بن جبلة، عن محمد بن يحيى الصيرفي، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى : «الصيد، يعني في إحرامه، فإن أصابه لم يكن له أن ينفر في النفر الأول».

__________________________________________________

9- من لا يحضره الفقيه 2: 289/ 1427.

10- معاني الأخبار: 297/ 3.

11- الكافي 4: 252/ 2.

12- التهذيب 5: 487/ 1736.

13- التهذيب 5: 273/ 933.

(1) في المصدر: كهيئة يوم.

(2) الحج 22: 28.

(3) في «س و ط»: عبد الرحمن، و هو سهو صوابه ما في المتن، انظر معجم رجال الحديث 10: 133.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 439

1051/ [14]- و عنه: بإسناده عن محمد بن عيسى، عن محمد بن يحيى، عن حماد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول، و من نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس و هو قول الله: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى - قال-: اتقى الصيد».

1052/ [15]- العياشي: عن رفاعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن الأيام المعدودات، قال: «هي أيام التشريق».

1053/

[16]- عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «المعدودات و المعلومات هي واحدة، أيام التشريق».

1054/ [17]- عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ. قال: «التكبير في أيام التشريق في دبر الصلوات» «1».

1055/ [18]- عن حماد بن عيسى، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «قال علي (عليه السلام) في قول الله:

وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ قال: «أيام التشريق» «2».

1056/ [19]- عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى : «منهم الصيد، و اتقى الرفث و الفسوق و الجدال، و ما حرم الله عليه في إحرامه».

1057/ [20]- عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ. قال: «يرجع مغفورا له، لا ذنب له».

1058/ [21]- عن أبي أيوب الخزاز، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا نريد أن نتعجل؟

فقال: «تنفروا في اليوم الثاني حتى تزول الشمس، فأما اليوم الثالث، فإذا انتصف فانفروا فإن الله يقول:

فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ فلو سكت لم يبق أحد إلا تعجل، و لكنه قال جل و عز: وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ».

__________________________________________________

14- التهذيب 5: 490/ 1758.

15- تفسير العياشي 1: 99/ 276.

16- تفسير العياشي 1: 99/ 277.

17- تفسير العياشي 1: 99/ 279.

18- تفسير العياشي 1: 99/ 278. [.....]

19- تفسير العياشي 1: 99/ 281.

20- تفسير العياشي 1: 99/ 281.

21- تفسير العياشي 1: 99/ 282.

(1) في المصدر: الصلاة.

(2) في

«س و ط»: قال: التكبير في أيام التشريق في دبر الصلوات. و هو تكرار للحديث السابق.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 440

1059/ [22]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن العبد المؤمن حين يخرج من بيته حاجا لا يخطو خطوة و لا تخطو به راحلته إلا كتب الله له بها حسنة، و محا عنه سيئة، و رفع له بها درجة، فإذا وقف بعرفات، فلو كانت له ذنوب عدد الثرى، رجع كما ولدته أمه، يقال «1» له: استأنف العمل، يقول الله: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى ».

1060/ [23]- عن أبي بصير، في رواية اخرى: نحوه، و زاد فيه: «فإذا حلق رأسه لم تسقط شعرة إلا جعل الله له بها نورا يوم القيامة، و ما أنفق من نفقة كتبت له، فإذا طاف بالبيت رجع كما ولدته امه».

1061/ [24]- عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى الآية.

قال: «أنتم- و الله- هم، إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: لا يثبت على ولاية علي إلا المتقون».

1062/ [25]- عن حماد، عنه، في قوله: لِمَنِ اتَّقى : «الصيد، فإن ابتلي بشي ء من الصيد ففداه، فليس له أن ينفر في يومين».

سورة البقرة(2): الآيات 204 الي 205 ..... ص : 340

قوله تعالى:

وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ وَ إِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ [204- 205]

1063/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من

أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن محمد بن سليمان الأزدي، عن أبي الجارود، عن أبي إسحاق، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): وَ إِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ بظلمه و سوء سيرته وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ.

__________________________________________________

22- تفسير العيّاشي 1: 100/ 283.

23- تفسير العيّاشي 1: 100/ 284.

24- تفسير العيّاشي 1: 100/ 285.

25- تفسير العيّاشي 1: 100/ 286.

1- الكافي 8: 289/ 435.

(1) في المصدر: فقال.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 441

1064/ [2]- العياشي: عن الحسين بن بشار، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قول الله: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا. قال: «فلان و فلان». وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ: «النسل: هم الذرية، و الحرث: الزرع».

1065/ [3]- عن زرارة، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام)، قال: سألتهما عن قوله: وَ إِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ إلى آخر الآية. فقالا: «النسل: الولد، و الحرث: الأرض».

1066/ [4]- و عنه: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «الحرث: الذرية».

1067/ [5]- عن أبي إسحاق السبيعي، عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، في قوله: وَ إِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ بظلمه و سوء سيرته وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ.

1068/ [6]- عن سعد الإسكاف، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن الله يقول في كتابه: وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ بل هم يختصمون «1»».

قال: قلت: ما ألد؟ قال: «شديد الخصومة».

1069/ [7]- أبو علي الطبرسي: قال ابن عباس: نزلت الآيات الثلاث في المرائي، لأنه يظهر خلاف ما يبطن قال: و هو المروي عن الصادق (عليه السلام).

1070/ [8]- و عنه: قال: و روي

عن الصادق (عليه السلام): «أن الحرث في هذا الموضع: الدين، و النسل: الناس».

1071/ [9]- و ذكر علي بن إبراهيم ذلك، ثم قال: و نزلت في الثاني، و يقال: في معاوية.

سورة البقرة(2): آية 207 ..... ص : 441

قوله تعالى:

وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ [207]

1072/ [1]- الشيخ في (أماليه)، قال: حدثنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 1: 100/ 287.

3- تفسير العيّاشي 1: 100/ 288.

4- تفسير العيّاشي 1: 100/ 289. [.....]

5- تفسير العيّاشي 1: 101/ 290.

6- تفسير العيّاشي 1: 101/ 291.

7- مجمع البيان 2: 534.

8- مجمع البيان 2: 534.

9- تفسير القمّي 1: 71.

1- الأمالي 2: 61.

(1) في «ط»: يخصمون.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 442

ابن صفوان «1» الإمام بأنطاكية، قال: حدثنا محفوظ بن بحر، قال: حدثنا الهيثم بن جميل، قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن حكيم بن جبير، عن علي بن الحسين (صلوات الله عليه)، في قول الله عز و جل: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ. قال: «نزلت في علي (عليه السلام) حين بات على فراش رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

1073/ [2]- الشيخ في (مجالسه)، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا الحسن بن علي بن زكريا العاصي «2»، قال: حدثنا أحمد بن عبيد الله الغداني «3»، قال: حدثنا الربيع بن سيار «4»، قال: حدثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، يرفعه إلى أبي ذر (رضي الله عنه): أن عليا (عليه السلام) و عثمان و طلحة و الزبير و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقاص، أمرهم عمر بن الخطاب أن يدخلوا بيتا و يغلق عليهم بابه، و يتشاوروا

في أمرهم، و أجلهم ثلاثة أيام، فإن توافق خمسة على قول واحد و أبى رجل منهم، قتل ذلك الرجل، و إن توافق أربعة و أبى اثنان، قتل الاثنان.

فلما توافقوا جميعا على رأي واحد، قال لهم علي بن أبي طالب (عليه السلام): «إني أحب أن تسمعوا مني ما أقول لكم، فإن يكن حقا فاقبلوه، و إن يكن باطلا فأنكروه» قالوا: قل. فذكر فضائله (عليه السلام)، و يقولون بالموافقة، و ذكر علي (عليه السلام) في ذلك: «فهل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ لما وقيت رسول الله (صلى الله عليه و آله) ليلة الفراش غيري» قالوا: لا.

1074/ [3]- و عنه في (أماليه)، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي، قال: حدثنا محمد بن الصباح الجرجرائي «5»، قال: حدثني محمد بن كثير الملائي «6»، عن عوف الأعرابي من أهل البصرة «7»، عن الحسن بن أبي الحسن، عن أنس بن مالك، قال: لما توجه رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى الغار و معه أبو بكر، أمر النبي (صلى الله عليه و آله) عليا (عليه السلام) أن ينام على فراشه، و يتغشى «8»

__________________________________________________

2- الأمالي 2: 159 و 165.

3- الأمالي 2: 61.

(1) في المصدر: محمد بن يحيى بن الصفّار، و الظاهر صحّة ما في المتن، ترجم له السمعاني في الأنساب 1: 221 و قال: كان إمام الجامع بأنطاكية.

(2) في المصدر: العاصمي، ترجم له في تاريخ بغداد 7: 381 و لسان الميزان 2: 228 و لقباه بالعدوي البصري الذئب.

(3) في المصدر: العدلي، تصحيف صوابه ما في المتن نسبة إلى غدانة بن يربوع، انظر ترجمته

في تهذيب الكمال 1: 400 و تهذيب التهذيب 1: 59.

(4) في المصدر: يسار، لم نعثر عليه بهذا الضبط، و الظاهر أنّه الربيع بن بدر بن عمرو بن جراد شيخ الغداني و الراوي عن الأعمش، انظر تهذيب الكمال 9: 63.

(5) في «س و ط»: و المصدر: الجرجاني، و الصحيح أنّه منسوب إلى جرجرايا قرية بين واسط و بغداد، عدّه الذهبي في السير 14: 383 من مشايخ الباغندي، و ترجم له في 10: 672. [.....]

(6) في المصدر: المدائني، ترجم له في تاريخ بغداد 3: 191 و الجرح و التعديل 8: 70 و غيرهما و لم يذكروا لقبه هذا.

(7) في «س و ط»: عون الأعرابي من أهل البصرة، و في المصدر: عرف الأعرابيّ عن أهل البصرة، و الصواب ما أثبتناه، و هو: عرف بن أبي جميلة البصري المعروف بالأعرابيّ من أهل البصرة يروي عن الحسن بن أبي الحسن البصريّ، راجع سير أعلام النبلاء 6: 383، تهذيب التهذيب 8: 166.

(8) في المصدر: و يتوشّح.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 443

ببردته، فبات علي (عليه السلام) موطنا نفسه على القتل، و جاءت رجال من قريش، من بطونها، يريدون قتل رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فلما أرادوا أن يضعوا عليه أسيافهم، لا يشكون أنه محمد (صلى الله عليه و آله)، فقالوا: أيقظوه، ليجد ألم القتل، و يرى السيوف تأخذه فلما أيقظوه و رأوه عليا تركوه، و تفرقوا في طلب رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فأنزل الله عز و جل: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ.

1075/ [4]- و عنه: بإسناده، قال: أخبرنا أبو عمر، قال: أخبرنا أحمد، قال: حدثنا الحسن «1» بن

عبد الرحمن ابن محمد الأزدي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عبد النور بن عبد الله بن المغيرة القرشي، عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد «2»، عن ابن عباس، قال: بات علي (عليه السلام) ليلة خرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن «3» المشركين على فراشه ليعمي على قريش، و فيه نزلت هذه: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ.

1076/ [5]- ابن الفارسي في (الروضة)، قال: قال ابن عباس: إن النبي (صلى الله عليه و آله) أمر عليا (عليه السلام) أن ينام على فراشه، فانطلق النبي (صلى الله عليه و آله) و قريش يختلفون، فينظرون إلى علي (عليه السلام) نائما على فراش رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و عليه برد أخضر لرسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال بعضهم: شدوا عليه، فقالوا: الرجل نائم، و لو كان يريد [أن ] يهرب لفعل. فلما أصبح قام علي (عليه السلام) فأخذوه، فقالوا: أين صاحبك؟ فقال: «ما أدري» فأنزل الله تعالى في علي (عليه السلام) حين نام على الفراش: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ.

1077/ [6]- العياشي: عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «و أما قوله: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ فإنها نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) حين بذل نفسه لله و لرسوله، ليلة اضطجع على فراش رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما طلبته كفار قريش».

1078/ [7]- عن ابن عباس، قال: شرى علي (عليه السلام) نفسه، فلبس ثوب النبي (صلى الله عليه و آله)، ثم نام مكانه، فكان المشركون يرمون رسول الله (صلى الله

عليه و آله). قال: فجاء أبو بكر و علي (عليه السلام) نائم، و أبو بكر يحسب أنه نبي الله، فقال: أين نبي الله؟ فقال علي (عليه السلام): «إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون «4»، فأدرك» قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار. و جعل (عليه السلام) يرمى بالحجارة كما كان يرمى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و هو يتضور «5»، قد لف

__________________________________________________

4- الأمالي 1: 258.

5- روضة الواعظين: 106.

6- تفسير العيّاشي 1: 101/ 292.

7- تفسير العيّاشي 1: 101/ 293.

(1) في المصدر في عدّة مواضع: الحسين.

(2) في «س و ط»: سعيد، و هو تصحيف صوابه ما في المتن، انظر تهذيب الكمال 2: 130، و تهذيب التهذيب 1: 137.

(3) في المصدر: إلى.

(4) بئر ميمون: بمكّة، منسوبة إلى ميمون بن خالد بن عامر بن الحضرمي. «معجم البلدان 1: 302 و 5: 245».

(5) يتضوّر: يتلوى و يصيح. «مجمع البحرين- ضور- 3: 375».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 444

رأسه، فقالوا: إنك «1»! لكنه كان صاحبك لا يتضور، قد استنكرنا «2» ذلك؟! و روى هذا الحديث من طريق المخالفين موفق بن أحمد، بإسناده عن ابن عباس، و ذكر الحديث بعينه «3».

1079/ [8]- ابن شهر آشوب في (المناقب)، قال: نزل قوله: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، في علي (عليه السلام) حين بات على فراش رسول الله (صلى الله عليه و آله).

و رواه إبراهيم الثقفي، و الفلكي الطوسي، بالإسناد عن الحكم «4»، عن السدي، و عن أبي مالك، عن ابن عباس.

و رواه أبو المفضل الشيباني بإسناده عن زين العابدين (عليه السلام) و عن الحسن البصري، عن أنس و عن أبي زيد الأنصاري، عن أبي عمرو بن

العلاء.

و رواه الثعلبي عن ابن عباس، و السدي، و معبد: أنها نزلت في علي (عليه السلام)، بين مكة و المدينة، لما بات علي (عليه السلام) على فراش رسول الله (صلى الله عليه و آله).

1080/ [9]- (فضائل الصحابة): عن عبد الملك العكبري، و عن أبي المظفر السمعاني «5»، بإسنادهما عن علي ابن الحسين (عليه السلام)، قال: «أول من شرى نفسه علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان المشركون يطلبون رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقام من فراشه و انطلق هو و أبو بكر، و اضطجع علي (عليه السلام) على فراش رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فجاء المشركون فوجدوا عليا (عليه السلام)، و لم يجدوا رسول الله (صلى الله عليه و آله).

1081/ [10]- الثعلبي في (تفسيره)، و ابن عقب «6» في (ملحمته)، و أبو السعادات (في فضائل العشرة)، و الغزالي في (الإحياء) «7» برواياتهم عن أبي اليقظان.

و جماعة من أصحابنا «8»، نحو: ابن بابويه، و ابن شاذان، و الكليني، و الطوسي، و ابن عقدة، و البرقي، و ابن فياض، و العبدكي، و الصفواني، و الثقفي، بأسانيدهم عن ابن عباس، و أبي رافع، و هند بن أبي هالة: أنه قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أوحى الله إلى جبرئيل و ميكائيل: أني آخيت بينكما، و جعلت عمر أحدكما أطول من عمر

__________________________________________________

8- المناقب 2: 64.

9- مناقب ابن شهر آشوب 2: 64. [.....]

10- مناقب ابن شهر آشوب 2: 64، شواهد التنزيل 1: 96/ 133، كفاية الطالب: 239، الفصول المهمة: 48.

(1) في مسند أحمد و مناقب الخوارزمي: «إنّك للئيم» و اللئيم هنا: الشبيه، يقال: هو لئيمه: أي مثله و شبهه.

(2) في «ط»: استكثرنا.

(3) مناقب الخوارزمي:

73، مسند أحمد بن حنبل 1: 331، تذكره الخواص: 34.

(4) في «س و ط»: الحاكم، و هو تصحيف صوابه ما في المتن. انظر تهذيب الكمال 3: 133، تهذيب التهذيب 2: 427.

(5) في «س»: ابن المظفّر الشفاني، و في «ط»: ابن المظفّر السمنانيّ، و الصواب ما أثبتناه، راجع ترجمته في سير أعلام النبلاء 19: 114.

(6) في «س و ط»: ابن عقبة، و هو تصحيف، ذكر ملحمته في كشف الظنون 2: 1818 و الذريعة 22: 200.

(7) في المصدر زيادة: و في كيمياء السعادة أيضا.

(8) في المصدر زيادة: و من ينتمي إلينا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 445

صاحبه، فأيكما يؤثر أخاه؟ فكلاهما كرها الموت. فأوحى الله إليهما: ألا كنتما مثل ولي علي بن أبي طالب، آخيت بينه و بين محمد نبيي، فآثره بالحياة على نفسه، ثم ظل راقدا على فراشه، يقيه بمهجته، اهبطا إلى الأرض جميعا و احفظاه من عدوه. فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه، و ميكائيل عند رجليه، و جعل جبرئيل يقول: بخ بخ، من مثلك يا ابن أبي طالب، و الله يباهي بك الملائكة! فأنزل الله: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ» الآية.

1082/ [11]- و قال علي بن إبراهيم، في معنى الآية، قال: ذاك أمير المؤمنين، و معنى يَشْرِي نَفْسَهُ: أي يبذل.

1083/ [12]- و في (نهج البيان): نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حين بات على فراش رسول الله (صلى الله عليه و آله) و ذلك أن قريشا تحالفوا على قتله ليلا، و أجمعوا أمرهم بينهم، أن ينتدب له من كل قبيلة شاب، فيكبسوا عليه «1» ليلا و هو نائم، فيضربوه ضربة رجل واحد، فلا يؤخذ بثأره من حيث إن

قاتله لا يعرف بعينه، و لا يقوم أحد منهم بذلك من حيث إن له في ذلك مماسة.

فنزل جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه و آله) فأخبره بذلك و أمره أن يبيت ابن عمه عليا (عليه السلام) على فراشه، و يخرج هو مهاجرا إلى المدينة، ففعل ذلك، و جاءت الفتية- لما تعاهدوا عليه و تعاقدوا- يطلبونه، فكبسوا عليه البيت، فوجدوا عليا (عليه السلام) نائما على فراشه، فتنحنح فعرفوه، فرجعوا خائبين خاسرين، و نجى الله نبيه (صلى الله عليه و آله) من كيدهم.

روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام).

1084/ [13]- الموفق بن أحمد الخوارزمي في (المناقب): بإسناده عن حكيم بن جبير، عن علي بن الحسين (عليه السلام)، قال: «إن أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

سورة البقرة(2): آية 208 ..... ص : 445

قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [208]

1085/ [1]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن

__________________________________________________

11- تفسير القمّي 1: 71.

12- ... نهج البيان (مخطوط) 1: 50.

13- مناقب الخوارزمي: 74.

1- الكافي 1: 345/ 29.

(1) كبسوا عليه: أغاروا عليه. «الصحاح- كبس- 3: 969». [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 446

مثنى الحناط، عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. قال: «في ولايتنا».

1086/ [2]- الشيخ في (أماليه): عن أبي محمد الفحام، قال: حدثني محمد بن عيسى بن هارون، قال:

حدثني أبو عبد الصمد إبراهيم، عن أبيه، عن

جده محمد بن إبراهيم، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول في قوله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً، قال: «في ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ قال: «لا تتبعوا غيره».

1087/ [3]- سعد بن عبد الله القمي: عن علي بن إسماعيل بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن علي بن النعمان، عن محمد بن مروان، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً. قال: «هي ولايتنا».

1088/ [4]- العياشي: عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ قال: «أ تدري ما السلم؟» قال: قلت: أنت أعلم.

قال: «ولاية علي و الأئمة الأوصياء من بعده- قال- و خطوات الشيطان- و الله- ولاية فلان و فلان».

1089/ [5]- عن زرارة، و حمران، و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر، و أبي عبد الله (عليهما السلام)، قالوا: سألناهما عن قول الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً؟ قالا: أمروا بمعرفتنا».

1090/ [6]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً.

قال: «السلم: هم آل محمد (صلى الله عليه و آله)، أمر الله بالدخول فيه».

1091/ [7]- عن أبي بكر الكلبي، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام)، في قوله: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً: «هو ولايتنا».

1092/ [8]- و روى جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «السلم: هو آل محمد، أمر الله بالدخول فيه، و هم حبل الله الذي أمر بالاعتصام به، قال الله: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا «1»».

__________________________________________________

2- الأمالي

1: 306، ينابيع المودة: 250.

3- مختصر بصائر الدرجات: 64، ينابيع المودة: 111.

4- تفسير العيّاشي 1: 102/ 294.

5- تفسير العيّاشي 1: 102/ 295.

6- تفسير العيّاشي 1: 102/ 296.

7- تفسير العيّاشي 1: 102/ 297.

8- تفسير العيّاشي 1: 102/ 298.

(1) آل عمران 3: 103.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 447

1093/ [9]- و في رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ.

قال: «هي ولاية الثاني و الأول».

1094/ [10]- عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ألا إن العلم الذي هبط به آدم، و جميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين و المرسلين في عترة خاتم النبيين و المرسلين، فأين يتاه بكم؟ و أين تذهبون، يا معاشر من فسخ من أصلاب أصحاب السفينة؟

فهذا مثل ما فيكم، فكما نجا في هاتيك منهم من نجا، فكذلك ينجو في هذه منكم من نجا، و رهن ذمتي، و ويل لمن تخلف عنهم، إنهم فيكم كأصحاب الكهف، و مثلهم باب حطة، و هم باب السلم، فادخلوا في السلم كافة و لا تتبعوا خطوات الشيطان».

1095/ [11]- ابن شهر آشوب: عن زين العابدين، و جعفر الصادق (عليهما السلام)، قالا: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً: «في ولاية علي (عليه السلام)» وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ قالا: «لا تتبعوا غيره».

1096/ [12]- عن أبي جعفر (عليه السلام) ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً: «في ولايتنا».

سورة البقرة(2): آية 210 ..... ص : 447

قوله تعالى:

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ [210]

1097/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعادي «1»، قال: حدثنا

أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرضا علي بن موسى (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ. قال:

«يقول: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام، و هكذا نزلت».

و عن قول الله عز و جل: وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا «2». فقال: «إن الله عز و جل لا يوصف بالمجي ء و الذهاب، تعالى عن الانتقال، و إنما يعني بذلك: و جاء أمر ربك و الملك صفا صفا».

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 1: 102/ 299.

10- تفسير العيّاشي 1: 102/ 300، ينابيع المودة: 111.

11- مناقب ابن شهر آشوب 3: 96.

12- مناقب ابن شهر آشوب 3: 96، ينابيع المودة: 111.

1- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 125/ 19، بتقديم و تأخير.

(1) في «س و ط»: المعالي، تصحيف، و في المصدر: محمّد بن أحمد بن إبراهيم المعاذي، و هما متّحدان، راجع معجم رجال الحديث 14: 219 و 312. [.....]

(2) الفجر 89: 22.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 448

1098/ [2]- سعد بن عبد الله: عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم الحضرمي، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن إبليس قال:

أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ «1» فأبى الله ذلك عليه، فقال: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ «2» فإذا كان يوم [الوقت ] المعلوم ظهر إبليس (لعنه الله) في جميع أشياعه، منذ خلق الله آدم (عليه السلام) إلى يوم الوقت المعلوم، و هي آخر كرة «3»

يكرها أمير المؤمنين (عليه السلام)».

فقلت: و إنها لكرات؟

قال: «نعم، إنها لكرات و كرات، ما من إمام في قرن «4»، إلا و يكر في قرنه، يكر معه البر و الفاجر في دهره، حتى يديل «5» الله عز و جل المؤمن من الكافر، فإذا كان يوم الوقت المعلوم كر أمير المؤمنين (عليه السلام) في أصحابه، و جاء إبليس و أصحابه، و يكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات، يقال لها: روحاء، قريب من كوفتكم، فيقتتلون قتالا لم يقتتل مثله منذ خلق الله عز و جل العالمين.

فكأني أنظر إلى أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) قد رجعوا إلى خلفهم القهقرى «6» مائة قدم، و كأني أنظر إليهم و قد وقعت بعض أرجلهم في الفرات، فعند ذلك يهبط الجبار عز و جل «7» في ظلل من الغمام و الملائكة و قضي الأمر، و رسول الله (صلى الله عليه و آله) «8» بيده حربة من نور، فإذا نظر إليها «9» إبليس رجع القهقرى، ناكصا على عقبيه، فيقول له أصحابه: أين تريد و قد ظفرت؟ فيقول: إني أرى ما لا ترون، إنى أخاف الله رب العالمين «10» فيلحقه النبي (صلى الله عليه و آله) فيطعنه طعنة بين كتفيه، فيكون هلاكه و هلاك جميع أشياعه، فعند ذلك يعبد الله عز و جل، و لا يشرك به شيئا، و يملك أمير المؤمنين (عليه السلام) أربعا و أربعين ألف سنة، حتى يلد الرجل من شيعة علي (عليه السلام) ألف ولد من صلبه ذكرا، في كل سنة ذكر، و عند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة و ما حوله بما شاء الله».

__________________________________________________

2- مختصر بصائر الدرجات: 26.

(1) الأعراف 7: 14.

(2) الحجر 15: 37- 38.

(3) الكرّة: الرجعة،

و هي المرّة. «مجمع البحرين- كرر- 3: 471».

(4) القرن: أهل زمان واحد. «مجمع البحرين- قرن- 6: 298».

(5) أدالنا اللّه من عدونا: نصرنا، و جعل الغلبة لنا.

(6) القهقرى: الرجوع إلى خلف «الصحاح- قهر- 2: 801».

(7) هبوط الجبّار تعالى كناية عن نزول آيات عذابه.

(8) في «ط» زيادة: أمامه.

(9) في المصدر: إليه.

(10) تضمين من سورة الأنفال 8: 48.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 449

1099/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن عمرو بن أبي شيبة «1»، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سمعته يقول ابتداء منه: «إن الله إذا بدا له أن يبين خلقه و يجمعهم لما لا بد منه، أمر مناديا ينادي فتجتمع الإنس و الجن في أسرع من طرفة عين، ثم أذن للسماء الدنيا فتنزل، و كانت من وراء الناس، و أذن للسماء الثانية فتنزل، و هي ضعف التي تليها، فإذا رآها أهل السماء الدنيا، قالوا: جاء ربنا «2»، و هو آت، يعني أمره، حتى تنزل كل سماء، تكون كل واحدة منها من وراء الاخرى، و هي ضعف التي تليها، ثم ينزل أمر الله:

فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ».

و للحديث تتمة، تأتي- إنشاء الله تعالى- في قوله: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ من سورة الأنبياء «3».

1100/ [4]- العياشي: عن جابر، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ. قال: «ينزل في سبع قباب من نور، لا يعلم في أيها هو، حين ينزل في ظهر الكوفة، فهذا حين ينزل».

1101/ [5]- عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «يا أبا

حمزة، كأني بقائم أهل بيتي قد علا نجفكم، فإذا علا فوق نجفكم، نشر «4» راية رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فإذا نشرها انحطت عليه ملائكة بدر». و قال أبو جعفر (عليه السلام): «إنه نازل في قباب من نور، حين ينزل بظهر الكوفة على الفاروق، فهذا حين ينزل، و أما قُضِيَ الْأَمْرُ: فهو الوسم على الخرطوم يوم يوسم الكافر».

سورة البقرة(2): آية 211 ..... ص : 449

قوله تعالى:

سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَ مَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ [211]

1102/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط، عن علي بن أبي حمزة،

__________________________________________________

3- تفسير القمّي 2: 77.

4- تفسير العيّاشي 1: 103/ 301. [.....]

5- تفسير العيّاشي 1: 103/ 301.

1- الكافي 8: 290/ 400.

(1) في «س»: منصور بن يونس بن عمرو بن أبي شيبة. و الصواب ما في المتن. كما في معجم الثقات و ترتيب الطبقات: 221/ 165.

(2) في المصدر زيادة: قالوا لا.

(3) يأتي في الحديث (8) من تفسر الآية (103) من سورة الأنبياء.

(4) في «ط»: نشرت.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 450

عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ بولاية الشياطين عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ «1».

و يقرأ أيضا: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ فمنهم من آمن، و منهم من جحد، و منهم من أقر، و منهم من بدل وَ مَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.

1103/ [1]- العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ: «فمنهم من آمن، و منهم من جحد،

و منهم من أقر، و منهم من أنكر، و منهم من يبدل نعمة الله».

سورة البقرة(2): آية 213 ..... ص : 450

قوله تعالى:

كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ [213]

1104/ [2]- محمد بن يعقوب: عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد الكندي، عن أحمد بن عديس، عن أبان بن عثمان، عن يعقوب بن شعيب، أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً.

فقال: «كان [الناس ] قبل نوح (عليه السلام) امة ضلال، فبدا لله فبعث المرسلين، و ليس كما يقولون: لم يزل «2».

و كذبوا، يفرق الله في كل ليلة قدر ما كان من شدة أو رخاء أو مطر بقدر ما يشاء الله عز و جل أن يقدر إلى مثلها من قابل».

1105/ [3]- العياشي: عن زرارة، و حمران، و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر، و أبي عبد الله (عليهما السلام)، عن قوله: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ.

قال: «كانوا ضلالا، فبعث الله فيهم أنبياء، و لو سألت الناس لقالوا: قد فرغ من الأمر».

1106/ [4]- عن يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً.

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1: 103/ 304.

2- الكافي 8: 82/ 40.

3- تفسير العيّاشي 1: 104/ 305.

4- تفسير العيّاشي 1: 104/ 306.

(1) البقرة 2: 102.

(2)

قوله (عليه السّلام): «ليس كما يقولون: لم يزل»

أي ليس الأمر كما يقولون إنّ اللّه تعالى قدّر الأمور في الأزل، و قد فرغ منها، فلا تتغيّر تقديراته تعالى، بل اللّه البداء فيما كتب في لوح المحو و الإثبات، كما قال تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ، الرعد 13: 39. مرآة العقول 25: 189.

البرهان

في تفسير القرآن، ج 1، ص: 451

قال: «كان هذا قبل نوح امة واحدة، فبدا لله فأرسل الرسل قبل نوح».

قلت: أعلى هدى كانوا أم على ضلالة؟ قال: «بل كانوا ضلالا، كانوا لا مؤمنين، و لا كافرين، و لا مشركين».

1107/ [4]- عن يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الآية: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً.

قال: «قبل آدم و بعد نوح «1» (عليهما السلام) ضلالا فبدا لله، فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين أما أنك لو لقيت هؤلاء قالوا: إن ذلك لم يزل، و كذبوا، إنما هو شي ء بدا لله فيه».

1108/ [5]- عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ.

فقال: «كان هذا قبل نوح (عليه السلام) كانوا ضلالا، فبدا لله، فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين».

1109/ [6]- عن مسعدة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ. فقال: «كان ذلك قبل نوح».

فقيل: فعلى هدى كانوا؟

قال: «بل كانوا ضلالا، و ذلك أنه لما انقرض آدم (عليه السلام) و صالح ذريته، بقي شيث وصيه لا يقدر على إظهار دين الله الذي كان عليه آدم (عليه السلام) و صالح ذريته، و ذلك أن قابيل توعده بالقتل، كما قتل أخاه هابيل، فسار فيهم بالتقية و الكتمان، فازدادوا كل يوم ضلالة حتى لم يبق على الأرض معهم إلا من هو سلف، و لحق الوصي بجزيرة في البحر يعبد الله، فبدا لله تبارك و تعالى أن يبعث الرسل، و لو سئل هؤلاء الجهال لقالوا: قد فرغ من الأمر، و كذبوا، إنما شي ء يحكم به الله في

كل عام».

ثم قرأ: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ «2» «فيحكم الله تبارك و تعالى ما يكون في تلك السنة من شدة أو رخاء أو مطر أو غير ذلك».

قلت: أ فضلالا كانوا قبل النبيين أم على هدى؟

قال: «لم يكونوا على هدى، كانوا على فطرة الله التي فطرهم عليها، لا تبديل لخلق الله، و لم يكونوا ليهتدوا حتى يديهم الله، أ ما تسمع يقول إبراهيم: لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ «3» أي ناسيا للميثاق».

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 1: 104/ 307.

5- تفسير العيّاشي 1: 104/ 308. [.....]

6- تفسير العيّاشي 1: 104/ 309.

(1) هكذا في جميع النسخ، و الصواب: «بعد آدم و قبل نوح» كما في الأحاديث السابقة و الأحاديث اللاحقة.

(2) الدخان 44: 4.

(3) الأنعام 6: 77.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 452

1110/ [7]- أبو علي الطبرسي: روى أصحابنا، عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنه قال: «كان قبل نوح (عليه السلام) أمة واحدة على فطرة الله لا مهتدين، و لا ضلالا، فبعث الله النبيين.

و روى ذلك أيضا، عن أبي جعفر (عليه السلام)، محمد الشيباني في (نهج البيان)، إلا أن فيه زيادة: (بل في حيرة) بعد قوله: لا مهتدين و لا ضلالا «1».

سورة البقرة(2): آية 214 ..... ص : 452

قوله تعالى:

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [214]

1111/ [1]- العياشي: عن محمد بن سنان، قال: حدثني المعافى بن إسماعيل، قال: لما قتل الوليد، خرج من هذه العصابة نفر بحيث أحدث القوم، قال: فدخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: «ما الذي أخرجكم عن غير الحج و

العمرة؟» قال: فقال القائل منهم: الذي شتت الله من كلمة أهل الشام، و قتل «2» خليفتهم، و اختلافهم فيما بينهم.

قال: «ما تجدون أعينكم إليهم؟- فأقبل يذكر حالاتهم- أليس الرجل منكم يخرج من بيته إلى سوقه فيقضي حوائجه، ثم يرجع و لم تختلف «3»، إن كان لمن كان قبلكم أتى هو على مثل ما أنتم عليه، ليأخذ الرجل منهم فيقطع يديه و رجليه، و ينشره بالمناشير، و يصلب على جذع النخلة، و لا يدع ما كان عليه».

ثم ترك هذا الكلام، ثم انصرف إلى آية من كتاب الله: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ

__________________________________________________

7- مجمع البيان 2: 543.

1- تفسير العيّاشي 1: 105/ 310.

(1) نهج البيان (مخطوط) 1: 52.

(2) في المصدر: و قتلهم.

(3) في المصدر: يختلف.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 453

سورة البقرة(2): آية 217 ..... ص : 453

قوله تعالى:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ كُفْرٌ بِهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ إِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [217]

1112/ [1]- علي بن إبراهيم: إنه كان سبب نزولها: أنه لما هاجر رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى المدينة، بعث السرايا إلى الطرقات التي تدخل مكة، تتعرض لعير «1» قريش، حتى بعث عبد الله بن جحش «2» في نفر من أصحابه إلى نخلة- و هي بستان بني عامر- ليأخذوا عير قريش [حين ] أقبلت من الطائف. عليها الزبيب و الأدم و الطعام، فوافوها و قد نزلت العير، و فيها عمرو بن عبد الله

الحضرمي، و كان حليفا لعتبة بن ربيعة. فلما نظر الحضرمي إلى عبد الله بن جحش و أصحابه، فزعوا و تهيئوا للحرب، و قالوا: هؤلاء أصحاب محمد، و أمر عبد الله بن جحش أصحابه أن ينزلوا و يحلقوا رؤوسهم، فنزلوا و حلقوا رؤوسهم.

فقال ابن الحضرمي: هؤلاء قوم عباد ليس علينا منهم [بأس ]، فلما اطمأنوا و وضعوا السلاح، حمل عليهم عبد الله بن جحش، فقتل ابن الحضرمي، و قتل «3» أصحابه، و أخذوا العير بما فيها، و ساقوها إلى المدينة، و كان ذلك في أول يوم من رجب من أشهر الحرم، فعزلوا العير و ما كان عليها، و لم ينالوا منها شيئا.

فكتبت قريش إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) إنك استحللت الشهر الحرام، و سفكت فيه الدم، و أخذت المال، و كثر القول في هذا، و جاء أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالوا: يا رسول الله، أ يحل القتل في الشهر الحرام؟

فأنزل الله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ كُفْرٌ بِهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ إِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ. قال: القتال في الشهر الحرام عظيم، و لكن الذي فعلت بك قريش- يا محمد- من الصد عن المسجد الحرام، و الكفر بالله، و إخراجك منه «4» أكبر عند الله، و الفتنة- يعني الكفر بالله- أكبر من القتل.

ثم أنزلت عليه: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ

__________________________________________________

1- تفسير القمي 1: 71.

(1) العير: القافلة. «مجمع البحرين- عير- 3: 418».

(2) عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر الأسدي: صحابي، قديم الإسلام، هاجر إلى

بلاد الحبشة، ثم إلى المدينة، و كان من أمراء السرايا، و هو صهر الرسول (صلى الله عليه و آله) و ابن عمته، أخو زينب ام المؤمنين، قتل يوم أحد شهيدا في 3 ه، فدفن هو و الحمزة في قبر واحد. حلية الأولياء 1: 108/ 13، الاصابة 2: 286/ 4583.

(3) في المصدر: و أفلت.

(4) في المصدر: و إخراجك منها هو. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 454

بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ «1».

1113/ [2]- و في (نهج البيان) عن أبي جعفر (عليه السلام): «الفتنة هنا هنا: الشرك».

1114/ [3]- محمد بن يعقوب: بإسناده عن أبان، عن عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن المغيرية «2» يزعمون أن هذا اليوم لهذه الليلة المستقبلة.

فقال: «كذبوا، هذا اليوم لليلة الماضية لأن أهل بطن نخلة حيث رأوا الهلال، قالوا: قد دخل الشهر الحرام».

سورة البقرة(2): آية 219 ..... ص : 454

قوله تعالى:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما [219]

1115/ [1]- محمد بن يعقوب: عن أبي علي الأشعري، عن بعض أصحابنا، و علي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة «3»، عن أبيه، عن علي بن يقطين، قال: سأل المهدي أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمر، قال: هل هي محرمة في كتاب الله عز و جل، فإن الناس إنما يعرفون النهي عنها، و لا يعرفون التحريم لها؟

فقال له أبو الحسن (عليه السلام): «بل هي محرمة في كتاب الله» «4».

فقال: في أي موضع [هي ] محرمة في كتاب الله جل اسمه، يا أبا الحسن؟

فقال: «قول الله جل و عز: إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ

الْحَقِّ «5».

__________________________________________________

2- نهج البيان (مخطوط) 1: 52.

3- الكافي 8: 332/ 517.

1- الكافي 6: 406/ 1.

(1) البقرة 2: 194.

(2) المغيرية: و هم أتباع المغيرة بن سعيد، الذين قالوا: لا إمامة في بني عليّ (عليه السّلام) بعد أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السّلام)، و إنّ الإمامة في المغيرة بن سعيد إلى خروج المهدي، و هو عندهم محمّد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ- كما هو في أغلب المصادر- و في الأنوار النعمانية للسيّد الجزائري (قدس سره) قال: هو عندهم زكريا بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ (عليه السّلام). فرق الشيعة: 63، مقالات الاسلاميين 1: 68، المقالات و الفرق: 50 و 74، الفرق بين الفرق، 238، الملل و النحل 1: 157، الأنوار النعمانية 2: 236.

(3) في «س و ط»: عن عليّ بن أبي حمزة، و الصواب ما في المتن، لرواية إبراهيم بن هاشم عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، دون أبيه، كما في معجم رجال الحديث 1: 319، و عليّ بن أبي حمزة يروي عن عليّ بن يقطين. كما في معجم رجال الحديث 12: 237.

(4) في المصدر زيادة: يا أمير المؤمنين.

(5) الأعراف 7: 33.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 455

فأما قوله: ما ظَهَرَ مِنْها يعني الزنا المعلن، و نصب الرايات التي كانت تعرف بها الفواحش «1» في الجاهلية.

و أما قوله تعالى: ما بَطَنَ يعني ما نكح آباؤكم «2» لأن الناس كانوا قبل أن يبعث النبي (صلى الله عليه و آله) إذا كان للرجل زوجة و مات عنها، تزوج بها «3» ابنه من بعده، إذا لم تكن امه، فحرم الله عز و جل ذلك.

و أما الإثم: فإنها الخمرة بعينها، و قد

قال الله عز و جل في موضع آخر: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ فأما الإثم في كتاب الله عز و جل فهي الخمرة و الميسر و إثمهما أكبر، كما قال الله تعالى».

فقال المهدي: يا علي بن يقطين، هذه و الله فتوى هاشمية.

قال: قلت له: صدقت- و الله- يا أمير المؤمنين، الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت.

قال: فو الله، ما صبر المهدي أن قال لي: صدقت، يا رافضي.

1116/ [2]- و عنه: عن بعض أصحابنا، مرسلا، قال: «إن أول ما نزل في تحريم الخمر، قول الله جل و عز:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ فلما نزلت هذه الآية أحس القوم بتحريمها و تحريم الميسر و الأنصاب و الأزلام «4»، و علموا أن الإثم مما ينبغي اجتنابه، و لا يحمل الله عز و جل عليهم من كل طريق لأنه قال: وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ.

ثم أنزل الله عز و جل: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «5» فكانت هذه الآية أشد من الاولى و أغلظ في التحريم.

ثم ثلث بآية اخرى، فكانت أغلظ من الأولى و الثانية [و أشد]، فقال الله عز و جل: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ «6» فأمر الله عز و جل باجتنابها، و فسر عللها التي لها و من أجلها حرمها.

ثم بين الله عز و جل تحريمها و كشفه في الآية الرابعة مع «7» ما دل عليه في هذه الآي المذكورة المتقدمة،

بقوله عز و جل: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ «8».

و قال الله عز و جل في الآية الاولى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ

__________________________________________________

2- الكافي 6: 406/ 2.

(1) في المصدر: كانت ترفعها الفواجر للفواحش.

(2) في المصدر: من الآباء.

(3) في المصدر: تزوجها.

(4) (و الأنصاب و الأزلام) ليس في المصدر.

(5) المائدة 5: 90. [.....]

(6) المائدة 5: 91.

(7) في «ط»: و كشف في الآية الرابعة منع.

(8) الأعراف 7: 33.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 456

ثم قال في الآية الرابعة: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ. فخبر عز و جل أن الإثم في الخمر و غيرها، و أنه حرام، و ذلك أن الله عز و جل إذا أراد أن يفترض فريضة، أنزلها شيئا بعد شي ء حتى يوطن الناس أنفسهم عليها، و يسكنوا إلى أمر الله جل و عز و نهيه فيها، و كان ذلك من [فعل ] الله عز و جل على وجه التدبير فيهم أصوب و أقرب لهم إلى الأخذ بها، و أقل لنفارهم عنها».

1117/ [3]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الوشاء، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال:

سمعته يقول: «الميسر: هو القمار».

1118/ [4]- و عنه: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «لما نزل قول الله عز و جل على رسوله (صلى الله عليه و آله): إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ «1»

قيل: يا رسول الله، ما الميسر؟ قال: كل ما تقومر به حتى الكعاب و الجوز.

قيل: فما الأنصاب؟ قال: ما ذبحوا «2» لآلهتهم.

قيل: فما الأزلام؟ قال: قداحهم التي يستقسمون بها».

1119/ [5]- العياشي: عن حمدويه: عن محمد بن عيسى، قال: سمعته يقول: كتب إليه إبراهيم بن عنبسة- يعني إلى علي بن محمد (عليه السلام)-: إن رأى سيدي و مولاي أن يخبرني عن قول الله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ الآية، فما الميسر «3»، جعلت فداك؟ فكتب: «كل ما قومر به فهو الميسر، و كل مسكر حرام».

1120/ [6]- الحسين، عن موسى بن القاسم البجلي، عن محمد بن علي بن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن أخيه موسى، عن أبيه جعفر (عليهم السلام)، قال: «النرد و الشطرنج من الميسر».

1121/ [7]- عن عامر بن السمط، عن علي بن الحسين (عليه السلام)، قال: «الخمر من ستة «4»: التمر، و الزبيب، و الحنطة، و الشعير، و العسل، و الذرة».

__________________________________________________

3- الكافي 5: 124/ 9.

4- الكافي 5: 122/ 2.

5- تفسير العيّاشي 1: 105/ 311.

6- تفسير العيّاشي 1: 106/ 312.

7- تفسير العيّاشي 1: 106/ 313.

(1) المائدة 5: 90.

(2) في المصدر: ما ذبحوه.

(3) في «ط»: فما المنفعة.

(4) في المصدر زيادة: أشياء.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 457

قوله تعالى:

وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ [219]

1122/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رجل «1»، عن أبي عبد الله (عليه السلام). في قوله عز و جل: وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ. قال: «العفو: الوسط».

1123/ [2]- العياشي: عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قوله: وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ.

قال: «العفو: الوسط».

1124/ [3]- عن عبد الرحمن، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله: وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ.

قال: «الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً «2»- قال-: نزلت هذه بعد هذه، هي الوسط».

1125/ [4]- عن يوسف، عن أبي عبد الله، أو أبي جعفر «3» (عليهما السلام)، في قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ. قال: «الكفاف».

و في رواية أبي بصير: «القصد».

1126/ [5]- أبو علي الطبرسي: العفو: الوسط، من غير إسراف و لا إقتار. قال: و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام).

1127/ [6]- و عنه، قال: و عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): «العفو: ما فضل عن قوت السنة».

سورة البقرة(2): آية 220 ..... ص : 457

قوله تعالى:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ

__________________________________________________

1- الكافي 4: 52/ 3.

2- تفسير العيّاشي 1: 106/ 314. [.....]

3- تفسير العيّاشي 1: 106/ 315.

4- تفسير العيّاشي 1: 106/ 316 و 317.

5- مجمع البيان 2: 558.

6- مجمع البيان 2: 558.

(1) في المصدر: عن بعض أصحابه.

(2) الفرقان 25: 67.

(3) في «ط»: و أبي جعفر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 458

فَإِخْوانُكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ- إلى قوله- لَأَعْنَتَكُمْ [220]

1128/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير. قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «سألني عيسى بن موسى عن القيم للأيتام في الإبل و ما يحل له منها؟ فقلت «1»: إذا لاط حوضها «2»، و طلب ضالتها، و هنأ «3» جرابها، فله أن يصيب من لبنها في غير نهك «4» لضرع «5»، و لا فساد لنسل».

1129/ [2]- أحمد

بن محمد: عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ «6». قال: «ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة، فلا بأس أن يأكل بالمعروف، إذا كان يصلح لهم أموالهم فإن كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا».

قال: قلت: أ رأيت قول الله عز و جل: وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ؟ قال: «تخرج من أموالهم قدر ما يكفيهم، و تخرج من مالك قدر ما يكفيك، ثم تنفقه».

قلت: أ رأيت إن كانوا يتامى صغارا و كبارا، و بعضهم أعلى كسوة من بعض، و بعضهم آكل من بعض، و مالهم جميعا؟ فقال: «أما الكسوة، فعلى كل إنسان منهم ثمن كسوته، و أما الطعام فاجعلوه جميعا، فإن الصغير يوشك أن يأكل مثل الكبير».

1130/ [3]- الشيخ: بإسناده عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ.

قال: «يعني اليتامى، إذا كان الرجل يلي الأيتام في حجره فليخرج من ماله على قدر ما يحتاج إليه، على قدر ما يخرجه لكل إنسان منهم، فيخالطوهم، و يأكلون جميعا، و لا يرزأن «7» من أموالهم شيئا، إنما هي النار».

__________________________________________________

1- الكافي 5: 130/ 4.

2- الكافي 5: 130/ 5.

3- التهذيب 6: 340/ 949.

(1) في «س و ط»: فقال.

(2) لاط الحوض: ملطه و طينته. «مجمع البحرين- لوط- 4: 272».

(3) هنا البعير: طلاه بالهناء، و هو القطران. «الصحاح- هنأ- 1: 84».

(4) نهكت الناقة حلبا، إذا لم تبق في ضرعها لبنا. «النهاية 5: 137». [.....]

(5) في المصدر: لبنها من غير نهك بضرع.

(6) النساء 4: 6.

(7) ما

رزأ منه شيئا: أي ما نقص و لا أخذ منه شيئا. «النهاية 2: 218».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 459

1131/ [4]- عنه: بإسناده عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي، قال: قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام، و معهم خادم لهم، فنقعد على بساطهم، و نشرب من مائهم، و يخدمنا خادمهم، و ربما طعمنا من «1» الطعام من عند صاحبنا و فيه من طعامهم، فما ترى في ذلك؟

فقال: إن كان دخولكم عليهم منفعة لهم «2» فلا بأس، و إن كان فيه ضرر «3» فلا- و قال-: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ

«4» و أنتم لا يخفى عليكم، و قد قال الله عز و جل: وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ».

1132/ [5]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن صفوان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أنه لما نزلت: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «5» خرج كل من كان عنده يتيم، و سألوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) في إخراجهم، فأنزل الله تعالى:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ».

1133/ [6]- و قال علي بن إبراهيم: و قال الصادق (عليه السلام): «لا بأس بأن تخلط طعامك بطعام اليتيم، فإن الصغير يوشك أن يأكل كما يأكل الكبير «6»، و أما الكسوة و غيرها فيحسب على كل رأس صغير و كبير كما يحتاج إليه».

1134/ [7]- العياشي: عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال:

سألته عن قول الله تبارك و تعالى: وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ. قال: «تخرج من أموالهم قدر ما يكفيهم، و خرج من مالك قدر ما يكفيك».

قلت: أ رأيت أيتاما صغارا و كبارا، و بعضهم أعلى في الكسوة من بعض؟ فقال: «أما الكسوة فعلى كل إنسان من كسوته، و أما الطعام فاجعله جميعا، فأما الصغير فإنه أوشك أن يأكل كما يأكل الكبير».

1135/ [8]- عن سماعة، عن أبي عبد الله، أو أبي الحسن «7» (عليهما السلام)، قال: سألته عن قول الله:

__________________________________________________

4- التهذيب 6: 339/ 947.

5- تفسير القمي 1: 72.

6- تفسير القمي 1: 72.

7- تفسير العياشي 1: 107/ 318.

8- تفسير العياشي 1: 107/ 319.

(1) في المصدر: فيه.

(2) في «ط»: دخولكم منفعة عليهم.

(3) في المصدر زيادة: لهم.

(4) القيامة 75: 14.

(5) النساء 4: 10.

(6) في المصدر: يوشك أن يأكل الكبير معه. [.....]

(7) في «ط»: و أبي الحسن.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 460

وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ.

قال: «يعني اليتامى، يقول: إذا كان الرجل يلي يتامى و هو في حجره، فليخرج من ماله على قدر ما يخرج لكل إنسان منهم، فيخالطهم، فيأكلون جميعا، و لا يرزأن من أموالهم شيئا، فإنما هو نار».

1136/ [9]- عن الكاهلي، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فسأله رجل ضرير البصر، فقال: إنا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام معهم خادم لهم، فنقعد على بساطهم، و نشرب من مائهم، و يخدمنا خادمهم، و ربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا و فيه من طعامهم، فما ترى، أصلحك الله؟

فقال: «قد قال الله: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ «1» فأنتم لا يخفى عليكم، و قد قال الله: وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ إلى لَأَعْنَتَكُمْ». ثم قال: «إن يكن دخولكم عليهم

فيه منفعة لهم فلا بأس، و إن كان فيه ضرر فلا».

1137/ [10]- عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه و آله)، فقال: يا رسول الله، إن أخي هلك، و ترك أيتاما و لهم ماشية، فما يحل لي منها؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن كنت تليط حوضها، و ترد نادتها «2»، و تقوم على رعيتها، فاشرب من ألبانها غير مجتهد للحلب، و لا ضار بالولد وَ اللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ».

1138/ [11]- عن محمد بن مسلم، قال: سألته عن رجل بيده الماشية لابن أخ له يتيم في حجره، أ يخلط أمرها بأمر ماشيته؟

قال: «فإن كان يليط حوضها، و يقوم على هنائها، و يرد نادتها، فليشرب من ألبانها غير مجتهد للحلاب، و لا مضر بالولد». ثم قال: وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ «3»، وَ اللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ.

1139/ [12]- عن محمد الحلبي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله: وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ.؟ قال: «تخرج من أموالهم قدر ما يكفيهم، و تخرج من مالك قدر ما يكفيك، ثم تنفقه».

عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، مثله.

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 1: 107/ 320.

10- تفسير العيّاشي 1: 107/ 321.

11- تفسير العيّاشي 1: 108/ 322.

12- تفسير العيّاشي 1: 108/ 323.

(1) القيامة 75: 14.

(2) ندّ البعير: شرد و ذهب على وجهه. «النهاية 5: 35».

(3) النّساء 4: 6.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 461

1140/ [13]- عن علي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله في اليتامى: وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ.

قال:

«يكون لهم التمر و اللبن، و يكون لك مثله، على قدر ما يكفيك و يكفيهم، و لا يخفى على الله المفسد من المصلح».

1141/ [14]- عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، قال: قلت له: يكون لليتيم عندي الشي ء و هو في حجري أنفق عليه منه، و ربما أصبت مما يكون له من الطعام، و ما يكون مني إليه أكثر؟

فقال: «لا بأس بذلك، إن الله يعلم المفسد من المصلح».

سورة البقرة(2): آية 221 ..... ص : 461

قوله تعالى:

وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [221]

1142/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن الحسن بن الجهم، قال: قال لي أبو الحسن الرضا (عليه السلام): «يا أبا محمد، ما تقول في رجل يتزوج نصرانية على مسلمة؟» قلت: جعلت فداك، و ما قولي بين يديك؟! قال: «لتقولن فإن ذلك تعلم به قولي».

قلت: لا يجوز تزوج نصرانية على مسلمة، و لا على غير مسلمة. قال: «و لم؟». قلت: لقول الله عز و جل:

وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ.

قال: «فما تقول في هذه الآية: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ «1». قلت: فقوله: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ نسخت هذه الآية. فتبسم ثم سكت.

سورة البقرة(2): الآيات 222 الي 223 ..... ص : 461

قوله تعالى:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ

__________________________________________________

13- تفسير العيّاشي 1: 108/ 324.

14- تفسير العيّاشي 1: 108/ 325.

1- الكافي 5: 357/ 6.

(1) المائدة 5: 5.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 462

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [222- 223]

1143/ [1]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن أحمد بن محمد، عن البرقي، عن عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما للرجل من الحائض؟ قال: «ما بين أليتيها، و لا يوقب».

1144/ [2]- ابن بابويه، في (الفقيه): بإسناده، قال: سأل عبيد الله بن علي الحلبي أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحائض، ما يحل لزوجها منها؟ قال: «تتزر بإزار إلى الركبتين و تخرج سرتها، ثم له ما فوق الإزار».

1145/ [3]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن

محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيامها.

قال: «إذا أصاب زوجها شبق، فليأمرها فلتغسل فرجها ثم يمسها- إن شاء- قبل أن تغتسل».

1146/ [4]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن أسباط، عن محمد ابن حمران، عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأتي المرأة في دبرها. قال: «لا بأس، إذا رضيت».

قلت: فأين قول الله: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ؟ قال: «هذا في طلب الولد، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله، إن الله تعالى يقول: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ».

1147/ [5]- عنه: بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى «1»، عن معمر بن خلاد، قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): «أي شي ء يقولون في إتيان النساء في أعجازهن؟». قلت: إنه بلغني أن أهل المدينة لا يرون به بأسا.

فقال: «إن اليهود كانت تقول: إذا أتى الرجل المرأة من «2» خلفها خرج الولد أحول، فأنزل الله عز و جل:

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ من خلف أو قدام، خلافا لقول اليهود، و لم يعن في أدبارهن».

1148/ [6]- علي بن إبراهيم، قال: قال الصادق (عليه السلام): «أَنَّى شِئْتُمْ أي متى شئتم في الفرج».

__________________________________________________

1- التهذيب 1: 55/ 443.

2- من لا يحضره الفقيه 1: 54/ 204. [.....]

3- الكافي 5: 539/ 1.

4- التهذيب 1: 414/ 1657.

5- التهذيب 7: 415/ 1660.

6- تفسير القمّي 1: 73.

(1) في المصدر: أحمد بن عيسى. و هو تصحيف أشار له في معجم رجال الحديث 18: 263.

(2) في المصدر: في.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1،

ص: 463

1149/ [7]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه و عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد و محمد ابن يحيى، عن أحمد بن محمد، جميعا، عن ابن محبوب، عن محمد بن النعمان الأحول، عن سلام بن المستنير، قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فدخل عليه حمران بن أعين، و سأله عن أشياء، فلما هم حمران بالقيام، قال لأبي جعفر (عليه السلام): أخبرك- أطال الله بقاءك لنا، و أمتعنا بك- أنا نأتيك فما نخرج من عندك حتى ترق قلوبنا، و تسلو أنفسنا عن الدنيا، و يهون علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال، ثم نخرج من عندك، فإذا صرنا مع الناس و التجار أحببنا الدنيا. قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): «إنما هي القلوب مرة تصعب، و مرة تسهل».

ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): «أما إن أصحاب محمد (صلى الله عليه و آله) قالوا: يا رسول الله، نخاف علينا من النفاق- قال-: فقال: و لم تخافون ذلك؟

قالوا: إذا كنا عندك فذكرتنا و رغبتنا، وجلنا «1» و نسينا الدنيا، و زهدنا حتى كأنا نعاين الآخرة و الجنة و النار و نحن عندك، فإذا خرجنا من عندك، و دخلنا هذه البيوت، و شممنا الأولاد، و رأينا العيال و الأهل، يكاد أن نحول عن الحالة «2» التي كنا عليها عندك، و حتى كأنا لم نكن على شي ء، أ فتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقا؟

فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه و آله): كلا، إن هذه خطوات الشيطان فيرغبكم في الدنيا، و الله لو تدومون على الحالة التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة، و مشيتم على الماء، و لولا أنكم تذنبون فتستغفرون الله تعالى،

لخلق الله خلقا حتى يذنبوا ثم يستغفروا الله فيغفر لهم، إن المؤمن مفتن «3» تواب، أ ما سمعت قول الله عز و جل: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ و قال تعالى: وَ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ «4»؟».

1150/ [8]- عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، رفعه، قال: «إن الله عز و جل أعطى التوابين «5» ثلاث خصال، لو أعطى خصلة منها جميع أهل السماوات و الأرض لنجوا بها، قوله عز و جل: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ فمن أحبه الله تعالى لم يعذبه» الحديث. و ذكر فيه الثلاث، و سيأتي- إن شاء الله تعالى- تمامه في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ من سورة الفرقان «6».

__________________________________________________

7- الكافي 2: 309/ 1.

8- الكافي 2: 315/ 5.

(1) وجل: خاف. «مجمع البحرين- وجل- 5: 490».

(2) في المصدر: الحال.

(3) المفتن: الممتحن، يمتحنه اللّه بالذنب ثمّ يتوب، ثمّ يعود يتوب. «النهاية 3: 410».

(4) هود 11: 90.

(5) في المصدر: التائبين.

(6) يأتي في الحديث (1) من تفسير الآية (68) من سورة الفرقان. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 464

1151/ [9]- العياشي: عن جميل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «كان الناس يستنجون بالحجارة و الكرسف «1»، ثم أحدث الوضوء، و هو خلق حسن، فأمر به رسول الله (صلى الله عليه و آله) و صنعه، و أنزل «2» الله في كتاب: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ».

1152/ [10]- عن سلام، قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فدخل عليه حمران بن أعين، و سأله عن أشياء، فلما هم حمران بالقيام، قال لأبي جعفر (عليه

السلام): أخبرك- أطال الله بقاءك، و أمتعنا بك- أنا نأتيك فما نخرج من عندك حتى ترق قلوبنا، و تسلو أنفسنا عن الدنيا، و يهون علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال، ثم نخرج من عندك فإذا صرنا مع الناس و التجار أحببنا الدنيا. قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): «إنما هي القلوب مرة يصعب عليها الأمر، و مرة يسهل».

ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): «أما إن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) قالوا: يا رسول الله، نخاف علينا النفاق- قال-: فقال لهم: و لم تخافون ذلك؟ قالوا: إنا إذا كنا عندك فذكرتنا، روعنا «3» و وجلنا، و نسينا الدنيا، و زهدنا فيها حتى كأنا نعاين الآخرة و الجنة و النار و نحن عندك، فإذا خرجنا من عندك، و دخلنا هذه البيوت، و شممنا الأولاد، و رأينا العيال و الأهل و المال، يكاد أن نحول عن الحال التي كنا عليها عندك، حتى كأنا لم نكن على شي ء، أ فتخاف علينا أن يكون هذا النفاق؟

فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه و آله): كلا، هذا من خطوات الشيطان ليرغبكم في الدنيا، و الله لو أنكم تدومون على الحال التي تكونون عليها و أنتم عندي، في الحال التي وصفتم أنفسكم بها، لصافحتكم الملائكة، و مشيتم على الماء، و لولا أنكم تذنبون فتستغفرون الله، لخلق الله خلقا لكي يذنبوا ثم يستغفروا فيغفر لهم، إن المؤمن مفتن تواب، أما تسمع لقوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ، وَ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ «4»؟».

1153/ [11]- عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كانوا يستنجون بثلاثة أحجار، لأنهم كانوا يأكلون البسر، و كانوا يبعرون بعرا، فأكل رجل

من الأنصار الدباء «5»، فلان بطنه و استنجى بالماء، فبعث إليه النبي (صلى الله عليه و آله)- قال-: فجاء الرجل و هو خائف أن يكون قد نزل فيه أمر يسوء في استنجائه بالماء- قال-: فقال

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 1: 109/ 326.

10- تفسير العيّاشي 1: 109/ 327.

11- تفسير العيّاشي 1: 109/ 328.

(1) الكرسف: القطن. «لسان العرب- كرسف- 9: 297».

(2) في المصدر: و أنزله.

(3) الروع: الفزع. «مجمع البحرين- روع- 4: 340».

(4) هود 11: 90.

(5) الدبّاه: القرع. «الصحاح- دبا- 6: 2334».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 465

رسول الله (صلى الله عليه و آله): هل عملت في يومك هذا شيئا؟

فقال: نعم- يا رسول الله- إني و الله ما حملني على الاستنجاء بالماء إلا أني أكلت طعاما فلان بطني، فلم تغنني الحجارة، فاستنجيت بالماء.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): هنيئا لك، فإن الله عز و جل قد أنزل فيك آية: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ فكنت أول من صنع ذا، و أول التوابين، و أول المتطهرين».

1154/ [12]- عن عيسى بن عبد الله، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «المرأة تحيض تحرم على زوجها أن يأتيها في فرجها، لقول الله تعالى: وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ، فيستقيم للرجل أن يأتي امرأته و هي حائض فيما دون الفرج».

1155/ [13]- عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إتيان النساء في أعجازهن. قال:

«لا بأس» ثم تلا هذه الآية: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.

1156/ [14]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ. قال: «حيث شاء».

1157/ [15]- عن صفوان بن يحيى، عن

بعض أصحابنا، قال: سالت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ. فقال: «من قدامها و من خلفها، في القبل».

1158/ [16]- عن معمر بن خلاد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، أنه قال: «أي شي ء يقولون في إتيان النساء في أعجازهن؟». قلت: بلغني أن أهل المدينة لا يرون به بأسا.

قال: «إن اليهود كانت تقول إذا أتى الرجل من خلفها خرج ولده أحول، فأنزل الله: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ يعني من خلف أو قدام، خلافا لقول اليهود، و لم يعن في أدبارهن».

و عن الحسن بن علي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، مثله.

1159/ [17]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ. قال: «من قبل».

__________________________________________________

12- تفسير العيّاشي 1: 220/ 329.

13- تفسير العيّاشي 1: 110/ 330.

14- تفسير العيّاشي 1: 111/ 331.

15- تفسير العيّاشي 1: 111/ 332.

16- تفسير العيّاشي 1: 111/ 333.

17- تفسير العيّاشي 1: 111/ 334. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 466

1160/ [18]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن الرجل يأتي أهله في دبرها، فكره ذلك، و قال: «و إياكم و محاشي «1» النساء». و قال: «إنما معنى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ أي ساعة شئتم».

1161/ [19]- عن الفتح بن يزيد الجرجاني، قال: كتبت إلى الرضا (عليه السلام) في مثله، فورد الجواب: «سألت عمن أتى جاريته في دبرها، و المرأة لعبة الرجل فلا تؤذى، و هي حرث كما قال الله تعالى».

1162/ [20]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان،

و علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ.

قال: «كان الناس يستنجون بالكرسف و الأحجار، ثم أحدث الوضوء، و هو خلق كريم، فأمر به رسول الله (صلى الله عليه و آله) و صنعه، فأنزل الله في كتابه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ».

سورة البقرة(2): آية 224 ..... ص : 466

قوله تعالى:

وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [224]

1163/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي بن إسماعيل، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ. قال: «إذا دعيت لتصلح بين اثنين، فلا تقل: علي يمين أن لا أفعل».

1164/ [2]- عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيوب الخزاز، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «لا تحلفوا بالله صادقين و لا كاذبين، فإنه عز و جل يقول: وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ».

__________________________________________________

18- تفسير العيّاشي 1: 111/ 335.

19- تفسير العيّاشي 1: 111/ 336.

20- الكافي 1: 18/ 13.

1- الكافي 2: 167/ 6.

2- الكافي 7: 434/ 1.

(1) المحاشي: جمع محشاة، و هي أسفل مواضع الطعام من الأمعاء، فكنّى بها عن الأدبار. «النهاية 1: 392».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 467

1165/ [3]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن يحيى بن إبراهيم، عن أبيه،

عن أبي سلام المتعبد، أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لسدير: «يا سدير، من حلف بالله كاذبا كفر، و من حلف بالله صادقا أثم، إن الله عز و جل يقول: وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ».

و روى هذا الحديث الشيخ المفيد في (الاختصاص) عن الصادق (عليه السلام) «1».

1166/ [4]- العياشي: عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك و تعالى و لا إله غيره: وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ. قال:

«هو قول الرجل: لا و الله، و بلى و الله».

1167/ [5]- عن زرارة، و حمران، و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام): وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ. قالا: «هو الرجل يصلح بين الرجلين، فيحمل ما بينهما من الإثم».

1168/ [6]- عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ. قال: «يعني الرجل يحلف أن لا يكلم أخاه، و ما أشبه ذلك، أولا يكلم امه».

1169/ [7]- عن أيوب، قال: سمعته يقول: «لا تحلفوا بالله صادقين و لا كاذبين، فإن الله يقول: وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ- قال-: إذا استعان رجل برجل على صلح بينه و بين رجل، فلا يقولن: إن علي يمينا أن لا أفعل و هو قول الله: وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ».

سورة البقرة(2): آية 225 ..... ص : 467

قوله تعالى:

لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ

[225]

1170/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي

__________________________________________________

3- الكافي 7: 434/ 4.

4- تفسير العيّاشي 1: 111/ 337.

5- تفسير العيّاشي 1: 112/ 338.

6- تفسير العيّاشي 1: 112/ 339.

7- تفسير العيّاشي 1: 112/ 340.

1- الكافي 7: 443/ 1.

(1) الاختصاص: 25.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 468

عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول في قول الله عز و جل: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ. قال: «اللغو:

قول الرجل: لا و الله، و بلى و الله، و لا يعقد على شي ء».

1171/ [2]- العياشي: عن أبي الصباح، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ. قال: «هو لا و الله، و بلى و الله، و كلا و الله، و لا يعقد عليها، أولا يعقد على شي ء».

1172/ [3]- أبو علي الطبرسي، قال: اختلفوا في يمين اللغو، فقيل: ما يجري على عادة الناس، من قول: لا و الله، و بلى و الله، من غير عقد على يمين يقتطع بها مال، و لا يظلم بها أحد.

قال: و هو المروي عن أبي جعفر، و أبي عبد الله (عليهما السلام).

سورة البقرة(2): الآيات 226 الي 227 ..... ص : 468

قوله تعالى:

لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [226]

1173/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن سيف، عن محمد بن سليمان، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، قال: قلت له: جعلت فداك، كيف صارت عدة المطلقة ثلاث حيض، أو ثلاثة أشهر، و صارت عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر و عشرا؟

فقال: «أما عدة المطلقة ثلاثة قروء فلاستبراء الرحم من الولد، و أما عدة المتوفى

عنها زوجها، فإن الله عز و جل شرط للنساء شرطا، و شرط عليهن شرطا، فلم يحابهن فيما شرط لهن، و لم يجر فيما شرط عليهن فأما ما شرط لهن في الإيلاء أربعة أشهر إن الله عز و جل يقول: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فلم يجوز لأحد أكثر من أربعة أشهر في الإيلاء، لعلمه تبارك و تعالى أنه غاية صبر المرأة عن الرجل، و أما ما شرط عليهن، فإنه أمرها أن تعتد إذا مات عنها زوجها أربعة أشهر و عشرا، فأخذ منها له عند موته ما أخذلها منه في حياته عند إيلائه قال الله تبارك و تعالى: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً «1» و لم يذكر العشرة أيام في العدة إلا مع الأربعة أشهر، و علم أن غاية صبر المرأة الأربعة أشهر في ترك الجماع، فمن ثم أوجبه لها و عليها» «2».

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 1: 112/ 341. [.....]

3- مجمع البيان 2: 568.

1- الكافي 6: 113/ 1.

(1) البقرة 2: 234.

(2) في المصدر: أوجبه عليها و لها.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 469

1174/ [2]- عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يهجر امرأته من غير طلاق و لا يمين سنة لم يقرب فراشها. قال: «ليأت أهله».

و قال: «أيما رجل آلى من امرأته- و الإيلاء: أن يقول: لا و الله لا أجامعك كذا و كذا، و يقول: و الله، لأغيظنك.

ثم يغاضبها «1»- فإنه يتربص بها أربعة أشهر، ثم يؤخذ بعد الأربعة أشهر فيوقف، فإن فاء- و الإيفاء: أن يصالح أهله- فإن الله غفور رحيم، فإن لم يفئ جبر

على أن يطلق، و لا يقع بينهما طلاق حتى يوقف، و إن كان أيضا بعد الأربعة أشهر يجبر على أن يفي ء أو يطلق».

1175/ [3]- و عنه: عن علي، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن بكير بن أعين، و بريد بن معاوية، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) أنهما قالا: «إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته، فليس لها قول و لا حق في الأربعة أشهر، و لا إثم عليه في كفه عنها في الأربعة أشهر، فإن مضت الأربعة أشهر قبل أن يمسها، فما سكتت و رضيت فهو في حل وسعة، فإن رفعت أمرها، قيل له: إما أن تفي ء فتمسها، و إما أن تطلق، و عزم الطلاق أن يخلي عنها، فإذا حاضت و طهرت طلقها، و هو أحق برجعتها ما لم تمض ثلاثة قروء، فهذا الإيلاء الذي أنزل الله تبارك و تعالى في كتابه و سنة رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

1176/ [4]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل آلى من امرأته بعد ما دخل بها.

فقال: «إذا مضت أربعة أشهر وقف، و إن كان بعد حين، فإن فاء فليس بشي ء و هي امرأته، و إن عزم الطلاق فقد عزم».

و قال: «الإيلاء ان يقول الرجل لا مرأته: و الله، لأغيظنك و لأسوءنك، ثم يهجرها و لا يجامعها حتى تمضي أربعة أشهر، فإذا مضت أربعة أشهر فقد وقع الإيلاء، و ينبغي للإمام أن يجبره «2» على أن يفي ء أو يطلق، فإن فاء فإن الله

غفور رحيم، و إن عزم الطلاق فإن الله سميع عليم، و هو قول الله عز و جل في كتابه».

1177/ [5]- و عنه: عن أبي علي الأشعري، و محمد بن عبد الجبار، و أبي العباس محمد بن جعفر، عن أيوب ابن نوح، و محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، و حميد بن زياد، عن ابن سماعة، جميعا، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الإيلاء، ما هو؟

__________________________________________________

2- الكافي 6: 130/ 2.

3- الكافي 6: 131/ 7.

4- الكافي 6: 132/ 7.

5- الكافي 6: 132/ 9.

(1) في «ط»: يغاظها.

(2) في «ط»: يخيّره.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 470

فقال: «هو أن يقول الرجل لامرأته: و الله، لا أجامعك كذا و كذا. و يقول: و الله، لأغيظنك. فيتربص بها أربعة أشهر، ثم يؤخذ فيوقف بعد الأربعة أشهر، فإن فاء- و هو أن يصالح الرجل أهله- فإن الله غفور رحيم، و إن لم يفئ جبر على أن يطلق، و لا يقع طلاق فيما بينهما، و لو كان بعد الأربعة أشهر، ما لم ترفعه إلى الإمام».

1178/ [6]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)- في حديث طويل- قال فيه: «فما رجع إلى مكانه من قول أو فعل فقد فاء مثل قول الله عز و جل: فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي رجعوا، ثم قال: وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «1»».

1179/ [7]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله

(عليه السلام)، قال: «الإيلاء: هو أن يحلف الرجل على امرأته أن لا يجامعها، فإن صبرت عليه فلها أن تصبر، و إن رافعته إلى الإمام أنظره أربعة أشهر، ثم يقول له بعد ذلك: إما أن ترجع إلى المناكحة، و إما أن تطلق، و إلا حبستك أبدا».

1180/ [8]- قال: «و روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه بنى حظيرة من قصب، و جعل فيها رجلا آلى من امرأته بعد أربعة أشهر، فقال له: إما أن ترجع إلى المناكحة، و إما «2» أن تطلق و إلا أحرقت عليك الحظيرة».

1181/ [9]- الشيخ: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال: سألته عن رجل آلى من امرأته.

فقال: «الإيلاء: أن يقول الرجل: و الله، لا أجامعك كذا و كذا. فإنه يتربص أربعة أشهر، فإن فاء- و الإيفاء أن يصالح أهله- فإن الله غفور رحيم، و إن لم يفئ بعد الأربعة أشهر حبس حتى يصالح أهله أو يطلق، جبر على ذلك، و لا يقع طلاق فيما بينهما حتى يوقف، و إن كان بعد الأربعة أشهر، فإن أبى فرق بينهما الإمام».

1182/ [10]- العياشي: عن بريد بن معاوية، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في الإيلاء: «إذا آلى الرجل من امرأته، لا يقربها و لا يمسها و لا يجمع رأسه و رأسها، فهو في سعة ما لم يمض الأربعة أشهر، فإذ مضى «3» الأربعة أشهر فهو في حل ما سكتت عنه، فإذا طلبت حقها بعد الأربعة أشهر وقف فإما أن يفي ء فيمسها، و إما أن

__________________________________________________

6- الكافي 5: 16/ 1.

7- تفسير القمّي 1: 73.

8- تفسير القمّي 1: 73.

9- التهذيب 8: 8/ 24. [.....]

10- تفسير العيّاشي 1: 113/ 342.

(1) البقرة

2: 227.

(2) في المصدر: أو.

(3) في «ط»: أمضى.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 471

يعزم على الطلاق فيخلي عنها، حتى إذا حاضت و تطهرت من محيضها، طلقها تطليقة من قبل أن يجامعها بشهادة عدلين، ثم هو أحق برجعتها ما لم يمض الثلاثة أقراء».

1183/ [11]- عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «أيما رجل آلى من امرأته- و الإيلاء: أن يقول الرجل: و الله، لا أجامعك كذا و كذا. و يقول: و الله، لأغيظنك. ثم يغايظها، و لأسوءنك. ثم يهجرها فلا يجامعها- فإنه يتربص بها أربعة أشهر، فإن فاء- و الإيفاء: أن يصالح- فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ و إن لم يفئ جبر على الطلاق، و لا يقع بينهما طلاق حتى توقف، و إن عزم الطلاق فهي تطليقة».

1184/ [12]- عن أبي بصير، في رجل آلى من امرأته حتى مضت أربعة أشهر. قال: «يوقف، فإن عزم الطلاق اعتدت امرأته كما تعتد المطلقة، و إن أمسك فلا بأس».

1185/ [13]- عن منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل آلى من امرأته، فمضت أربعɠأشهر. قال: «يوقف، فإن عزم الطلاق بانت منه، و عليها عدة المطلقة، و إلا كفر يمينه و أمسكها».

1186/ [14]- عن العباس بن هلال، عن الرضا (عليه السلام)، قال: ذكر لنا: «أن أجل الإيلاء أربعة أشهر بعد ما يأتيان السلطان، فإذا مضت الأربعة أشهر فإن شاء أمسك، و إن شاء طلق، و الإمساك: المسيس».

1187/ [15]- سئل أبو عبد الله (عليه السلام): إذا بانت المرأة من الرجل، هل يخطبها مع الخطاب؟ قال: «يخطبها على تطليقتين، و لا يقربها حتى يكفر عن يمينه».

1188/ [16]- عن صفوان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)،

في المؤلي إذا أبى أن يطلق. قال:

«كان علي (عليه السلام) يجعل له حظيرة من قصب، و يحبسه فيها، و يمنعه من الطعام و الشراب حتى يطلق».

1189/ [17]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في الرجل إذا آلى من امرأته، فمضت أربعة أشهر و لم يفئ، فهي مطلقة، ثم يوقف فإن فاء فهي عنده على تطليقتين، و إن عزم فهي بائنة منه».

سورة البقرة(2): آية 228 ..... ص : 471

قوله تعالى:

وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ

__________________________________________________

11- تفسير العيّاشي 1: 113/ 343.

12- تفسير العيّاشي 1: 113/ 344.

13- تفسير العيّاشي 1: 113/ 345.

14- تفسير العيّاشي 1: 113/ 346.

15- تفسير العيّاشي 1: 113/ 347.

16- تفسير العيّاشي 1: 114/ 348.

17- تفسير العيّاشي 1: 114/ 349.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 472

ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ [228] 1190/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، قال: سمعت ربيعة الرأي «1» يقول: من رأيي الإقراء التي سمى الله عز و جل في القرآن: إنما هو الطهر ما بين الحيضتين «2». فقال: «كذب لم يقله برأيه، و إنما بلغه عن علي (صلوات الله عليه)».

قلت: أصلحك الله، أ كان علي (عليه السلام) يقول ذلك؟ فقال: «نعم، إنما القرء الطهر، يقري فيه الدم فيجمعه، و إذا جاء المحيض دفعه» «3».

1191/ [2]- عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير و عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر، جميعا، عن جميل بن دراج، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «القرء ما بين الحيضتين».

1192/ [3]- و

عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «القرء ما بين الحيضتين».

1193/ [4]- و عنه عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحجال، عن ثعلبة، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «الأقراء: الأطهار».

1194/ [5]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: أصلحك الله، رجل طلق «4» امرأته على طهر من غير جماع بشهادة عدلين؟ فقال: «إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها، و حلت للأزواج».

قلت له: أصلحك الله، إن أهل العراق يروون عن علي (صلوات الله عليه)، [أنه ] قال: هو أحق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة؟ فقال: «كذبوا».

__________________________________________________

1- الكافي 6: 89/ 1.

2- الكافي 6: 89/ 2.

3- الكافي 6: 89/ 3. [.....]

4- الكافي 6: 89/ 4.

5- الكافي 6: 86/ 1.

(1) ربيعة الرأي: و هو ربيعة بن فرّوخ التيميّ بالولاء، المدني، أبو عثمان، كان يأخذ بالرأي و القياس فلقّب ربيعة الرأي، و كان صاحب فتوى في المدينة، و به تفقّه مالك بن أنس، و توفّي بالهاشميّة من أرض الأنبار في 136 ه. تاريخ بغداد 8: 420/ 4531، صفوة الصفوة 2: 148/ 183، وفيات الأعيان 2: 288/ 232، تذكرة الحفاظ 1: 157/ 153، تهذيب التهذيب 3: 258/ 491.

(2) بعد كلمة (الحيضتين) سقط، هو: [فدخلت على أبي جعفر (عليه السّلام) فحدّثته بما قال ربيعة] بدليل الحديث (10) من تفسير هذه الآية.

(3) في المصدر: دفقه.

(4) في «ط»: يطلق.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 473

1195/ [6]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده

عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «عدة التي تحيض و يستقيم حيضها ثلاثة أقراء، و هي ثلاث حيض».

قال الشيخ: فالوجه في هذين الخبرين «1» التقية لأنهما يتضمنان تفسير الأقراء بأنها الحيض، و قد بينا نحن أن الأقراء هي الأطهار.

على أن قوله: «ثلاث حيض» يحتمل أن يكون إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة لأنه يكون قد مضى لها حيضتان، و ترى الدم من «2» الثالثة، فتصير ثلاثة قروء، و ليس في الخبر أنها تستوفي الحيضة الثالثة، انتهى كلامه.

1196/ [7]- عنه: بإسناده عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن جميل بن دراج، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «العدة و الحيض للنساء».

1197/ [8]- و عنه: بإسناده عن أحمد بن محمد، عن محمد بن عيسى، عن عبد الله بن المغيرة، عن إسماعيل ابن أبي زياد، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام)، أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في امرأة ادعت أنها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض. فقال: «كلفوا نسوة من بطانتها، إن حيضها كان فيما مضى على ما ادعت، فإن شهدن صدقت، و إلا فهي كاذبة».

قال الشيخ في (التهذيب): الوجه في الجمع أن المرأة إذا كانت مأمونة قبل قولها في العدة و الحيض، و إذا كانت متهمة كلفت نسوة غيرها.

1198/ [9]- العياشي: عن محمد بن مسلم، و عن زرارة، قالا: قال أبو جعفر (عليه السلام): «القرء: ما بين الحيضتين».

1199/ [10]- عن زرارة، قال: سمعت ربيعة الرأي و هو يقول: إن من رأيي أن الإقراء التي سمى الله في القرآن إنما هي الطهر فيما بين الحيضتين، و ليس بالحيض.

قال: فدخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فحدثته بما قال ربيعة، فقال: «كذب، و لم يقل برأيه، و إنما بلغه عن علي (عليه السلام)».

فقلت: أصلحك الله، أ كان علي (عليه السلام) يقول ذلك؟ قال: «نعم، كان يقول: إنما القرء الطهر، تقرأ فيه الدم فتجمعه، فإذا جاءت دفعته» «3».

__________________________________________________

6- التهذيب 8: 126/ 434.

7- التهذيب 1: 398/ 1243.

8- التهذيب 1: 398/ 1242.

9- تفسير العيّاشي 1: 114/ 350.

10- تفسير العيّاشي 1: 114/ 351، 352.

(1) أي هذا الخبر و الذي بعده في التهذيب 8: 126/ 435، بنفس اللفظ، و بالإسناد عن سعد بن عبد اللّه، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي بصير: الحديث.

(2) في المصدر زيادة: الحيضة.

(3) في المصدر: فإذا حاضت قذفته. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 474

قلت: أصلحك الله، رجل طلق امرأته، طاهرا من غير جماع، بشهادة عدلين؟ قال: «إذا دخلت في الحيضة الثالثة، فقد انتقضت عدتها، و حلت للأزواج».

قال: قلت: إن أهل العراق يروون عن علي (عليه السلام) أنه كان يقول: هو أحق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة؟ فقال: «كذبوا، و كان يقول علي (عليه السلام): إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها».

و

في رواية ربيعة الرأي: «و لا سبيل له عليها، و إنما القرء ما بين الحيضتين، و ليس لها أن تتزوج حتى تغتسل من الحيضة الثالثة، فإنك إذا نظرت في ذلك لم تجد الأقراء إلا ثلاثة أشهر، فإذا كانت لا تستقيم مما تحيض في الشهر مرارا و في الشهر مرة، كانت عدتها عدة المستحاضة ثلاثة أشهر، و إن كانت تحيض حيضا مستقيما، فهو في كل شهر حيضة، بين كل حيضتين «1» شهر، و ذلك

القرء».

1200/ [11]- عن ابن مسكان، عن أبي بصير، قال: عدة التي تحيض و تستقيم حيضها ثلاثة أقراء، و هي ثلاث حيض.

1201/ [12]- و عنه، قال: أحمد بن محمد: القرء: و هو الطهر، إنما تقرأ فيه الدم حتى إذا جاء الحيض دفعتها.

1202/ [13]- عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) في رجل طلق امرأته، متى تبين منه؟

قال: «حين يطلع الدم من الحيضة الثالثة».

1203/ [14]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ: «يعني لا يحل لها أن تكتم الحمل إذا طلقت و هي حبلى، و الزوج لا يعلم بالحمل، فلا يحل لها أن تكتم حملها، و هو أحق بها في ذلك الحمل ما لم تضع».

1204/ [15]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «المطلقة تبين عند أول قطرة من الحيضة الثالثة».

1205/ [16]- عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في المرأة إذا طلقها زوجها، متى تكون أملك بنفسها؟ قال: «إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد بانت».

1206/ [17]- قال زرارة: قال أبو جعفر (عليه السلام): «الأقراء: هي الأطهار» و قال: «القرء: ما بين حيضتين».

__________________________________________________

11- تفسير العيّاشي 1: 115/ 353.

12- تفسير العيّاشي 1: 115/ 354.

13- تفسير العيّاشي 1: 115/ 355.

14- تفسير العيّاشي 1: 115/ 356.

15- تفسير العيّاشي 1: 115/ 357.

16- تفسير العيّاشي 1: 115/ 358.

17- تفسير العيّاشي 1: 115/ 359.

(1) في المصدر: حيضة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 475

قوله تعالى:

وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [228]

1207/ [1]- ابن بابويه

في (الفقيه): بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «جاءت امرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقالت: يا رسول الله، ما حق الزوج على المرأة؟

فقال لها: تطيعه و لا تعصيه، و لا تتصدق من بيتها شيئا إلا بإذنه، و لا تصوم تطوعا إلا بإذنه، و لا تمنعه نفسها، و إن كانت على ظهر قتب «1»، و لا تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء و ملائكة الأرض و ملائكة الغضب و ملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها.

فقالت: يا رسول الله، من أعظم الناس حقا على الرجل؟ قال: والداه «2».

قالت: فمن أعظم الناس حقا على المرأة؟ قال: زوجها.

قالت: فما لي من الحق عليه مثل ما له علي؟ قال: لا، و لا من كل مائة واحدة.

فقالت: و الذي بعثك بالحق نبيا لا يملك رقبتي رجل أبدا».

1208/ [2]- و في (تفسير علي بن إبراهيم) قال: حق الرجال على النساء أفضل من حق النساء على الرجال.

سورة البقرة(2): آية 229 ..... ص : 475

قوله تعالى:

الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ [229]

1209/ [3]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن محمد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، و محمد بن جعفر، و أبي العباس الرزاز، عن أيوب بن نوح و علي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن ابن أبي نجران، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «طلاق

__________________________________________________

1- من لا يحضر الفقيه 3: 276/ 1314.

2- تفسير القمّي 1: 74.

3- التهذيب 8: 25/ 82.

(1) القتب: رحل صغير على قدر السّنام. «الصحاح- قتب- 1: 198».

(2)

في «ط»: والده.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 476

السنة يطلقها تطليقة- يعني على طهر، من غير جماع، بشهادة شاهدين- ثم يدعها حتى تمضي أقراؤها، فإذا مضت أقراؤها فقد بانت منه، و هو خاطب من الخطاب، إن شاءت نكحته، و إن شاءت فلا. و إن أراد أن يراجعها، أشهد على رجعتها قبل أن تمضي أقراؤها، فتكون عنده على التطليقة الماضية».

1210/ [2]- قال: و قال أبو بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «هو قول الله عز و جل: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ التطليقة الثالثة تسريح بإحسان».

1211/ [3]- ابن بابويه في (الفقيه): بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن العلة التي من أجلها لا تحل المطلقة للعدة لزوجها حتى تنكح زوجا غيره.

فقال: «إن الله عز و جل إنما أذن في الطلاق مرتين، فقال عز و جل: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ يعني في التطليقة الثالثة، و لدخوله فيما كره الله عز و جل له من الطلاق الثالث حرمها عليه، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، لئلا يوقع الناس في الاستخفاف بالطلاق، و لا تضار «1» النساء، فالمطلقة للعدة إذا رأت أول قطرة من الدم الثالث بانت به من زوجها، و لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره».

1212/ [4]- العياشي: عن عبد الرحمن، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في الرجل إذا تزوج المرأة.

قال: «أقرت بالميثاق الذي أخذ الله: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ».

1213/ [5]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «المرأة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره: التي تطلق، ثم تراجع، ثم تطلق، ثم تراجع، ثم

تطلق الثالثة، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره إن الله جل و عز يقول: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ و التسريح: هو التطليقة الثالثة».

1214/ [6]- قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قوله: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ «2»: «هي هنا التطليقة الثالثة، فإن طلقها الأخير فلا جناح عليهما أن يتراجعا بتزويج جديد».

1215/ [7]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن الله يقول: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ و التسريح بالإحسان: التطليقة الثالثة».

1216/ [8]- عن سماعة بن مهران، قال سألته عن المرأة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره.

__________________________________________________

2- التهذيب 8: 25 ذيل الحديث 82. [.....]

3- من لا يحضره الفقيه 3: 324/ 1570.

4- تفسير العيّاشي 1: 115/ 360.

5- تفسير العيّاشي 1: 116/ 361.

6- تفسير العيّاشي 1: 116/ 362.

7- تفسير العيّاشي 1: 116/ 363.

8- تفسير العيّاشي 1: 116/ 364.

(1) في المصدر: و لا يضارّوا.

(2) البقرة 2: 230.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 477

قال: «هي التي تطلق، ثم تراجع، ثم تطلق، ثم تراجع، ثم تطلق الثالثة، فهي التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره، و تذوق عسيلته «1»، و يذوق عسيلتها و هو قول الله: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ التسريح بالإحسان: التطليقة الثالثة».

1217/ [9]- عن أبي القاسم الفارسي، قال: قلت للرضا (عليه السلام): جعلت فداك، إن الله يقول في كتابه:

فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ما يعني بذلك؟

قال: «أما الإمساك بالمعروف فكف الأذى و إحباء «2» النفقة، و أما التسريح بإحسان فالطلاق على ما نزل به الكتاب».

قوله تعالى:

وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ

يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ- إلى قوله تعالى- افْتَدَتْ بِهِ [229] 1218/ [1]- علي بن إبراهيم: هذه الآية نزلت في الخلع.

1219/ [2]- و عنه، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «الخلع لا يكون إلا أن تقول المرأة لزوجها: لا أبر لك قسما «3»، و لأخرجن بغير إذنك، و لأوطئن فراشك غيرك، و لا أغتسل لك من جنابة، أو تقول: لا أطيع لك أمرا أو تطلقني. فإذا قالت ذلك، فقد حل له أن يأخذ منها جميع ما أعطاها، و كل ما قدر عليه مما تعطيه من مالها، فإذا تراضيا على ذلك طلقها على طهر بشهود، فقد بانت منه بواحدة، و هو خاطب من الخطاب، فإن شاءت زوجته نفسها، و إن شاءت لم تفعل، فإن تزوجها فهي عنده على اثنتين باقيتين، و ينبغي له أن يشترط عليها كما اشترط صاحب المباراة: إذا ارتجعت في شي ء مما أعطيتني فأنا أملك ببضعك».

و قال: «لا خلع و لا مباراة و لا تخيير إلا على طهر، من غير جماع، بشهادة شاهدين عدلين، و المختلعة إذا تزوجت زوجا آخر ثم طلقها، تحل للأول أن يتزوج بها».

و قال: «لا رجعة للزوج على المختلعة و لا على المباراة، إلا أن يبدو للمرأة فيرد عليها ما أخذ منها».

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 1: 117/ 365.

1- تفسير القمّي 1: 75.

2- تفسير القمّي 1: 75.

(1) العسيلة: تصغير العسلة، و هي القطعة من العسل، فشبّه لذّة الجماع بذوق العسل. «مجمع البحرين- عسل- 5: 423».

(2) الإحباء: إعطاء الشي ء بغير عوض. «مجمع البحرين- حبا 1: 94».

(3) لا أبرّ لك قسما: لا أصدّقك. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 478

1220/ [3]- ابن

بابويه في (الفقيه): بإسناده عن محمد بن حمران، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إذا قالت المرأة لزوجها جملة: لا أطيع لك أمرا. مفسرة أو غير مفسرة، حل له أن يأخذ «1» منها، و ليس له عليها رجعة».

1221/ [4]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لا يرجع الرجل فيما يهب لامرأته، و لا المرأة فيما تهب لزوجها، حيز أو لم يحز «2»، أليس الله تعالى يقول: وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً، و قال: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً «3»؟ و هذا يدخل في الصداق و الهبة».

1222/ [5]- العياشي: عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «لا ينبغي لمن أعطى الله شيئا أن يرجع فيه، و ما لم يعط لله و في الله فله أن يرجع فيه، نحلة كانت أو هبة، حيزت أ و لم تحز «4»، و لا يرجع الرجل فيما يهب لا مرأته، و لا المرأة فيما تهب لزوجها. حيزت أ و لم تحز، أليس الله يقول: وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً، و قال: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً «5»».

1223/ [6]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن المختلعة، كيف يكون خلعها؟

فقال: «لا يحل خلعها حتى تقول: و الله لا أبر لك قسما، و لا أطيع لك أمرا، و لأوطئن فراشك، و لأدخلن عليك بغير إذنك فإذا هي قالت ذلك حل خلعها، و أحل «6» له ما

أخذ منها من مهرها، و ما زاد، و هو قول الله: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ و إذا فعل ذلك فقد بانت منه بتطليقة، و هي أملك بنفسها، إن شاءت نكحته، و إن شاءت فلا، فإن نكحته فهي عنده على ثنتين».

قوله تعالى:

تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [229]

__________________________________________________

3- من لا يحضره الفقيه 3: 339/ 1633.

4- التهذيب 9: 152/ 624.

5- تفسير العيّاشي 1: 117/ 366.

6- تفسير العيّاشي 1: 117/ 367.

(1) في المصدر: حلّ له ما أخذ.

(2) في «ط»: جيز أو لم يجز.

(3) النساء 4: 4.

(4) في «ط»: «جيزت أو لم تجز» في الموضعين.

(5) النساء 4: 4.

(6) في المصدر: و حلّ.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 479

1224/ [1]- العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله تبارك و تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.

فقال: «إن الله غضب على الزاني فجعل له مائة جلدة، فمن غضب عليه فزاد، فأنا إلى الله منه بري ء فذلك قوله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها».

سورة البقرة(2): آية 230 ..... ص : 479

قوله تعالى:

فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا- إلى قوله- إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ [230]

1225/ [2]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن المثنى، عن عبد الكريم، عن الحسن الصيقل، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، و تزوجها «1» رجل متعة، أ يحل له أن ينكحها؟ قال: «لا،

حتى تدخل في مثل ما خرجت منه».

1226/ [3]- أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن المثنى، عن إسحاق بن عمار، قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فتزوجها عبد ثم طلقها، هل يهدم الطلاق؟ قال:

«نعم، لقول الله عز و جل في كتابه: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ «2»».

1227/ [4]- و عنه: عن الرزاز، عن أيوب بن نوح و أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، و محمد بن إسماعيل «3»، عن الفضل بن شاذان و حميد بن زياد، عن ابن سماعة، كلهم عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1: 117/ 368.

2- الكافي 5: 425/ 2.

3- الكافي 5: 425/ 3.

4- الكافي 6: 76/ 3. [.....]

(1) في المصدر: و يزوجها.

(2) في المصدر زيادة: و قال: «هو أحد الأزواج».

(3) في «ط»: عن محمّد بن إسماعيل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 480

بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المرأة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره؟ قال: «هي التي تطلق، ثم تراجع، ثم تطلق، ثم تراجع، ثم تطلق الثالثة، و هي التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره و يذوق عسيلتها».

1228/ [4]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن عبد الله بن زرارة، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في رجل تزوج امرأة ثم طلقها فبانت، ثم تزوجها رجل آخر متعة، هل تحل لزوجها الأول؟ قال: «لا، حتى تدخل فيما خرجت منه».

1229/ [5]- عنه: بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن أيوب بن نوح، عن صفوان

بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن الحسن الصيقل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: رجل طلق امرأته، طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فتزوجها و جل متعة، أ تحل للأول؟ قال: «لا، لأن الله تعالى يقول: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا و المتعة ليس فيها طلاق».

1230/ [6]- و عنه: بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن صفوان، عن محمد بن مضارب، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن الخصي يحلل؟ قال: «لا يحلل».

1231/ [7]- أبو علي الطبرسي، قال: بين سبحانه حكم التطليقة الثالثة، فقال: فَإِنْ طَلَّقَها يعني التطليقة الثالثة، على ما روي عن أبي جعفر (عليه السلام).

1232/ [8]- العياشي: عن عبد الله بن فضالة، عن العبد الصالح (عليه السلام)، قال: سألته عن رجل طلق امرأته عند قرئها تطليقة، ثم لم يراجعها، ثم طلقها عند قرئها الثالثة، فبانت منه، أله أن يراجعها؟ قال: «نعم».

قلت: قبل أن تتزوج زوجا غيره؟ قال: «نعم».

قلت: فرجل طلق امرأته تطليقة، ثم راجعها، ثم طلقها، ثم راجعها، ثم طلقها؟ قال: «لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره».

1233/ [9]- عن أبي بصير، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن طلاق التي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره؟

قال لي: «أخبرك بما صنعت أنا بامرأة كانت عندي، فأردت أن أطلقها، فتركتها حتى إذا طمثت ثم طهرت، طلقتها من غير جماع بشاهدين، ثم تركتها حتى إذا كادت أن تنقضي عدتها، راجعتها و دخلت بها و مسستها، و تركتها حتى طمثت و طهرت، ثم طلقتها من غير جماع بشاهدين، ثم تركتها حتى

إذا كادت أن تنقضي عدتها،

__________________________________________________

4- التهذيب 8: 33/ 102.

5- التهذيب 8: 34/ 103.

6- التهذيب 8: 34/ 104.

7- مجمع البيان 2: 580.

8- تفسير العيّاشي 1: 117/ 369.

9- تفسير العيّاشي 1: 118/ 370.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 481

راجعتها و دخلت بها و مسستها، ثم تركتها حتى طمثت و طهرت، ثم طلقتها بشهود من غير جماع، و إنما فعلت ذلك بها لأنه لم يكن لي فيها حاجة».

1234/ [10]- عن الحسن بن زياد، قال: سألته عن رجل طلق امرأته فتزوجت بالمتعة، أ تحل لزوجها الأول؟

قال: «لا، لا تحل له حتى تدخل في مثل الذي خرجت من عنده و ذلك قوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ و المتعة ليس فيها طلاق».

1235/ [11]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن طلاق التي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. قال: «هو الذي يطلق، ثم يراجع- و الرجعة: هي الجماع- [ثم يطلق، ثم يراجع، ثم يطلق الثالثة، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ] و إلا فهي واحدة».

1236/ [12]- عن عمر بن حنظلة، عنه (عليه السلام)، قال: «إذا قال الرجل لا مرأته: أنت طالقة. ثم راجعها، ثم قال:

أنت طالقة، ثم راجعها، ثم قال: أنت طالقة. لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فإن طلقها و لم يشهد فهو يتزوجها إذا شاء».

1237/ [13]- محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في رجل طلق امرأته، ثم تركها حتى انقضت عدتها، ثم تزوجها، ثم طلقها من غير أن يدخل بها، حتى فعل ذلك بها ثلاثا. قال: «لا

تحل له حتى تنكح زوجا غيره».

1238/ [14]- عن إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فتزوجها عبد، ثم طلقها، هل يهدم الطلاق؟ قال: «نعم لقول الله: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ و هو أحد الأزواج».

1239/ [15]- عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «إذا أراد الرجل الطلاق طلقها من قبل عدتها في غير جماع، فانه إذا طلقها واحدة ثم تركها حتى يخلو أجلها، و شاء أن يخطب مع الخطاب فعل، فإن راجعها قبل أن يخلو الأجل أو العدة فهي عنده على تطليقة، فإن طلقها الثانية، فشاء أيضا أن يخطب مع الخطاب، إن كان تركها حتى يخلو أجلها، و إن شاء راجعها قبل أن ينقضي أجلها، فإن فعل فهي عنده على تطليقتين، فإن طلقها ثلاثا فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، و هي ترث و تورث ما كانت في الدم في

__________________________________________________

10- تفسير العيّاشي 1: 118/ 371.

11- تفسير العيّاشي 1: 118/ 372.

12- تفسير العيّاشي 1: 118/ 373.

13- تفسير العيّاشي 1: 119/ 374.

14- تفسير العيّاشي 1: 119/ 375. [.....]

15- تفسير العيّاشي 1: 119/ 376.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 482

التطليقتين الأولتين».

سورة البقرة(2): آية 231 ..... ص : 482

قوله تعالى:

وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [231]

1240/ [1]- ابن بابويه في (الفقيه): بإسناده عن المفضل بن صالح، [عن الحلبي ]، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله تعالى: وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا. قال: «الرجل يطلق، حتى إذا كاد أن يخلو

أجلها راجعها، ثم طلقها، يفعل ذلك ثلاث مرات [فنهى الله عز و جل عن ذلك ]».

1241/ [2]- عنه: بإسناده عن البزنطي، عن عبد الكريم بن عمرو، عن الحسن بن زياد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لا ينبغي للرجل أن يطلق امرأته ثم يراجعها، و ليس له فيها حاجة، ثم يطلقها، فهذا الضرار الذي نهى الله عز و جل عنه، إلا أن يطلق ثم يراجع و هو ينوي الإمساك».

1242/ [3]- (تفسير علي بن إبراهيم)، في معنى الآية، قال: إذا طلقها لم يجز له أن يراجعها إن لم يردها.

1243/ [4]- العياشي: عن زرارة و حمران ابني أعين، و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام)، قالوا: سألناهما عن قوله: وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا. فقالا: «هو الرجل يطلق المرأة تطليقة واحدة، ثم يدعها حتى إذا كان آخر عدتها راجعها، ثم يطلقها اخرى، فيتركها مثل ذلك، فنهى عن ذلك».

1244/ [5]- عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله: وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا. قال: «الرجل يطلق، حتى إذا كادت أن يخلو أجلها راجعها، ثم طلقها، ثم راجعها، يفعل ذلك ثلاث مرات، فنهى الله عنه».

__________________________________________________

1- من لا يحضره الفقيه 3: 323/ 1567.

2- من لا يحضره الفقيه 3: 3: 323/ 1567.

3- تفسير القمّي 1: 76.

4- تفسير العيّاشي 1: 119/ 377.

5- تفسير العيّاشي 1: 119/ 378.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 483

قوله تعالى:

وَ لا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً [231]

1245/ [1]- العياشي: عن عمرو بن جميع، رفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «مكتوب في التوراة: من أصبح على الدنيا حزينا، فقد أصبح لقضاء الله ساخطا، و من أصبح يشكو مصيبة

نزلت به، فقد أصبح يشكو الله، و من أتى غنيا فتواضع لغناه، ذهب الله بثلثي دينه، و من قرأ القرآن من هذه الامة ثم دخل النار، فهو ممن كان يتخذ آيات الله هزوا. و من لم يستشر يندم، و الفقر الموت الأكبر».

سورة البقرة(2): آية 232 ..... ص : 483

قوله تعالى:

وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [232] 1246/ [2]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ: أي لا تحبسوهن: أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ يعني إذا رضيت المرأة بالتزويج الحلال.

قوله تعالى:

سورة البقرة(2): آية 233 ..... ص : 483

وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَ تَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما [233]

1247/ [3]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر،

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1: 120/ 379.

2- تفسير القمّي 1: 76.

3- الكافي 5: 443/ 3.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 484

عن حماد بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «لا رضاع بعد فطام».

قال: قلت: جعلت فداك، و ما الفطام؟ قال: «الحولان اللذان قال الله عز و جل».

1248/ [2]- عنه: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «الحبلى المطلقة ينفق عليها حتى تضع حملها، و هي أحق بولدها إن ترضعه بما تقبله امرأة اخرى إن الله عز و جل يقول: لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ». قال: «كانت امرأة منا ترفع يدها إلى زوجها، إذا أراد مجامعتها، تقول: لا أدعك، لأني أخاف أن أحمل على ولدي. و يقول الرجل: لا أجامعك، إني أخاف أن تعلقي «1»

فأقتل ولدي. فنهى الله عز و جل أن تضار المرأة الرجل، و أن يضار الرجل المرأة».

و أما قوله: وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فإنه نهى أن يضار بالصبي، أو يضار امه في الرضاعة، و ليس لها أن تأخذ في رضاعه فوق حولين كاملين، و إن أرادا فصالا عن تراض منهما قبل ذلك، كان حسنا، و الفصال: هو الفطام».

1249/ [3]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل و الحسين بن سعيد، جميعا، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ.

فقال: «كانت المراضع مما تدفع إحداهن الرجل إذا أراد الجماع، تقول: لا أدعك، إني أخاف أن أحبل، فأقتل ولدي هذا الذي أرضعه. و كان الرجل تدعوه المرأة، فيقول: أخاف أن أجامعك، فأقتل ولدي. فيدعها و لم يجامعها، فنهى الله عز و جل عن ذلك، أن يضار الرجل المرأة، و المرأة الرجل».

1250/ [4]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، نحوه، [و زاد]: و أما قوله: وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فإنه نهى أن يضار بالصبي، أو يضار امه في رضاعه، و ليس لها أن تأخذ في رضاعه فوق حولين كاملين، فإن أرادا فصالا عن تراض منهما و تشاور قبل ذلك، كان حسنا، و الفصال هو الفطام.

1251/ [5]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في رجل

مات و ترك امرأته و معها منه ولد، فألقته على خادم لها، فأرضعته، ثم جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصي. فقال: «لها أجر مثلها، و ليس للوصي أن يخرجه من حجرها حتى يدرك، و يدفع إليه ماله».

__________________________________________________

2- الكافي 6: 103/ 3.

3- الكافي 6: 41/ 6.

4- الكافي 6: 41/ 6.

5- الكافي 6: 41/ 7، التهذيب 8: 106/ 356.

(1) علقت المرأة: حبلت. «الصحاح- علق- 4: 1529». [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 485

1252/ [6]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا ينبغي للرجل أن يمتنع من جماع المرأة فيضارها «1»، إذا كان لها ولد مرضع، و يقول لها: لا أقربك، فإني أخاف عليك الحبل فتقتلين ولدي، و كذلك المرأة لا يحل لها أن تمتنع على الرجل، فتقول: إني أخاف أن أحبل فأقتل ولدي فهذه المضارة في الجماع على الرجل و المرأة».

1253/ [7]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله: وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ، قال: لا تضار المرأة التي لها ولد و قد توفي زوجها، فلا يحل للوارث أن يضار أم الولد في النفقة، فيضيق عليها.

1254/ [8]- و قال علي بن إبراهيم أيضا: وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، قال: يعني إذا مات الرجل و ترك ولدا رضيعا، لا ينبغي للوارث أن يضر بنفقة المولود الرضيع، و على الولي للمولود «2» أن يجري عليه بالمعروف.

1255/ [9]- العياشي: عن داود بن الحصين، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ.

قال: «ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية، فإذا فطم فالوالد أحق به [من الام،

فإذا مات الأب فالام أحق به ] من العصبة. و إن وجد الأب من يرضعه بأربعة دراهم، و قالت الأم: لا أرضعه إلا بخمسة دراهم. فإن له أن ينزعه منها، إلا أن ذلك أجبر «3» له و أقدم و أرفق به أن يترك مع امه».

1256/ [10]- عن جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله: لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ. قال: «الجماع».

1257/ [11]- عن الحلبي، قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ.

قال: «كانت المرأة ممن ترفع يدها إلى الرجل، إذا أراد مجامعتها، فتقول: لا أدعك، إني أخاف أن أحمل على ولدي و يقول الرجل للمرأة: لا أجامعك، أني أخاف أن تعلقي، فأقتل ولدي فنهى الله عن أن يضار الرجل المرأة و المرأة الرجل».

__________________________________________________

6- تفسير القمّي 1: 76.

7- تفسير القمّي 1: 77.

8- تفسير القمّي 1: 76.

9- تفسير العيّاشي 1: 120/ 380.

10- تفسير العيّاشي 1: 120/ 381.

11- تفسير العيّاشي 1: 120/ 382.

(1) في المصدر: فيضارّ بها.

(2) في المصدر: بنفقة المولود بل ينبغي له.

(3) في المصدر: أخير، و نسخة بدل: أجير.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 486

1258/ [12]- عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما، قال: سألته عن قوله: وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ. قال: «هو في النفقة، على الوارث مثل ما على الولد».

و عن جميل، عن سورة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، مثله.

1259/ [13]- عن أبي الصباح، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ.

قال: «لا ينبغي للوارث أيضا أن يضار المرأة، فيقول: لا أدع ولدها يأتيها، و يضار ولدها إن كان لهم عنده شي ء،

و لا ينبغي له أن يقتر عليه».

1260/ [14]- عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «المطلقة ينفق عليها حتى تضع حملها، و هي أحق بولدها أن ترضعه مما تقبله امرأة اخرى، إن الله يقول: لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ إنه نهى أن يضار بالصبي، أو يضار بامه في رضاعه، و ليس لها أن تأخذ في رضاعه فوق حولين كاملين، فإن أرادا الفصال قبل ذلك عن تراض منهما، كان حسنا، و الفصال: هو الفطام».

سورة البقرة(2): آية 234 ..... ص : 486

قوله تعالى:

وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً [234]

1261/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن سيف، عن محمد بن سليمان، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، قال: قلت له: جعلت فداك، كيف صارت عدة المطلقة ثلاث حيض، أو ثلاثة أشهر، و عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر و عشرا؟

فقال: «أما عدة المطلقة ثلاثة قروء فلاستبراء الرحم من الولد، و أما عدة المتوفى عنها زوجها فإن الله عز و جل شرط للنساء شرطا، و شرط عليهن شرطا، فلم يحابهن «1» في ما شرط لهن، و لم يجر في ما شرط «2» عليهن فأما ما شرط لهن في الإيلاء أربعة أشهر، إذ يقول الله عز و جل:

__________________________________________________

12- تفسير العياشي 1: 121/ 383.

13- تفسير العياشي 1: 121/ 384.

14- تفسير العياشي 1: 121/ 385.

1- الكافي 6: 113/ 1.

(1) في المصدر: فلم يجأبهم. [.....]

(2) في المصدر: اشترط.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 487

لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ «1» فلم يجوز لأحد أكثر من أربعة أشهر في الإيلاء، لعلمه تبارك و تعالى

أنه غاية صبر المرأة من الرجل.

و أما ما شرط عليهن، فإنه أمرها أن تعتد- إذا مات عنها زوجها- أربعة أشهر و عشرا، فأخذ منها له عند موته ما أخذ منه لها في حياته عند الإيلاء، قال الله تبارك و تعالى: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً و لم يذكر العشرة أيام في العدة إلا مع الأربعة أشهر، و علم أن غاية صبر المرأة الأربعة أشهر في ترك الجماع، فمن ثم أوجبه عليها و لها».

1262/ [2]- عنه: عن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن محمد بن أبي حمزة، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، قال: جاءت امرأة إلى أبي عبد الله (عليه السلام) تستفتيه في المبيت «2» في غير بيتها، و قد مات زوجها.

فقال: «إن أهل الجاهلية كان إذا مات زوج المرأة أحدت «3» عليه امرأته اثني عشر شهرا، فلما بعث الله محمدا (صلى الله عليه و آله) رحم ضعفهن، فجعل عدتهن أربعة أشهر و عشرا، و أنتن لا تصبرن على هذا!».

1263/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة يتوفى عنها زوجها، و تكون في عدتها، أ تخرج في حق؟

فقال: «إن بعض نساء النبي (صلى الله عليه و آله) سألته، فقالت: إن فلانة توفي عنها زوجها، فتخرج في حق ينوبها؟

فقال لها رسول الله (صلى الله عليه و آله): أف لكن، قد كنتن قبل أن ابعث فيكن، و إن المرأة منكن إذا توفي عنها زوجها، أخذت بعرة فرمت بها خلف ظهرها، ثم قالت: لا أمتشط و لا اكتحل و لا اختضب حولا كاملا، و

إنما أمرتكن بأربعة أشهر و عشر ثم لا تصبرن! لا تمتشط، و لا تكتحل، و لا تختضب، و لا تخرج من بيتها نهارا، و لا تبيت عن بيتها.

فقالت: يا رسول الله، فكيف تصنع إن عرض لها حق؟ فقال: تخرج بعد زوال الشمس «4»، و ترجع عند المساء، فتكون لم تبت عن بيتها».

قلت له: فتحج؟ قال: «نعم».

1264/ [4]- العياشي: عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لما نزلت هذه الآية: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً جئن النساء يخاصمن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و قلن: لا نصبر. فقال لهن رسول الله (صلى الله عليه و آله): كانت إحداكن إذا مات زوجها، أخذت بعرة فألقتها خلفها في دويرتها، في خدرها، ثم قعدت، فإذا كان مثل ذلك اليوم من الحول، أخذتها ففتتها، ثم اكتحلت

__________________________________________________

2- الكافي 6: 117/ 10.

3- الكافي 6: 117/ 13.

4- تفسير العيّاشي 1: 121/ 386.

(1) البقرة 2: 226.

(2) في «ط» نسخة بدل: التبييت.

(3) أحدّت المرأة: امتنعت عن الزّينة و الخضاب بعد وفاة زوجها. «الصحاح- حدد- 2: 463».

(4) في المصدر: زوال الليل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 488

بها، ثم تزوجت، فوضع الله عنكن ثمانية أشهر».

1265/ [5]- عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول في امرأة توفي عنها زوجها لم يمسها. قال: «لا تنكح حتى تعتد أربعة أشهر و عشرا، عدة المتوفى عنها زوجها».

1266/ [6]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن قوله: مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ «1».

قال: «منسوخة، نسختها: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً، و نسختها آية الميراث».

1267/ [7]- عن

محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: جعلت فداك، كيف صارت عدة المطلقة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر، و صارت عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر و عشرا؟

فقال: «أما عدة المطلقة ثلاثة قروء، فلأجل استبراء الرحم من الولد، و أما عدة المتوفى عنها زوجها، فإن الله شرط للنساء شرطا و شرط عليهن شرطا فلم يحابهن «2» فيما شرط لهن، و لم يجر فيما شرط عليهن أما ما شرط لهن ففي الإيلاء أربعة أشهر إذ يقول: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ «3» فلن يجوز لأحد أكثر من أربعة أشهر في الإيلاء، لعلمه تبارك و تعالى أنها غاية صبر المرأة عن الرجل.

و أما ما شرط عليهن فإنه أمرها أن تعتد إذا مات زوجها أربعة أشهر و عشرا، فأخذ له منها عند موته، ما أخذ لها منه في حياته».

سورة البقرة(2): آية 235 ..... ص : 488

قوله تعالى:

وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ [235]

1268/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 1: 122/ 387.

6- تفسير العيّاشي 1: 122/ 388.

7- تفسير العيّاشي 1: 122/ 389.

1- الكافي 5: 434/ 1.

(1) البقرة 2: 240.

(2) في المصدر: فلم يجر. [.....]

(3) البقرة 2: 226.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 489

أبي عبد الله (عليه السلام)، عن قول الله عز و جل: وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً.

قال: «هو الرجل يقول للمرأة قبل أن تنقضي عدتها: أواعدك

بيت آل فلان. ليعرض لها بالخطبة. و يعني بقوله: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً التعريض بالخطبة «1»، و لا يعزم عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله».

1269/ [2]- عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ.

فقال: «السر أن يقول الرجل: موعدك بيت آل فلان، ثم يطلب إليها أن لا تسبقه بنفسها، إذا انقضت عدتها».

قلت: فقوله: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً؟ قال: «هو طلب الحلال في غير أن يعزم عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله».

1270/ [3]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا.

قال: «يقول الرجل: أواعدك بيت آل فلان. يعرض لها بالرفث و يرفث يقول الله عز و جل: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً و القول المعروف: التعريض بالخطبة على وجهها و حلها وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ».

1271/ [4]- و عنه: عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد، عن غير واحد، عن أبان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً.

قال: «يلقاها فيقول: إني فيك لراغب، و إني للنساء لمكرم، فلا تسبقيني

بنفسك. و السر: لا يخلو معها حيث وعدها».

1272/ [5]- العياشي: عن عبد الله بن سنان، عن أبيه، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل:

وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً.

قال: «هو طلب الحلال: وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ أليس الرجل يقول للمرأة قبل أن تنقضي عدتها: موعدك بيت فلان. ثم طلب إليها ألا تسبقه بنفسها، إذا انقضت عدتها؟».

__________________________________________________

2- الكافي 5: 434/ 2.

3- الكافي 5: 435/ 3.

4- الكافي 5: 435/ 4.

5- تفسير العيّاشي 1: 122/ 390.

(1) في «س»: التعرّض للنكاح.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 490

قلت: فقوله: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً؟ قال: «هو طلب الحلال في غير أن يعزم عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله».

1273/ [6]- و في خبر رفاعة، عنه (عليه السلام)، قَوْلًا مَعْرُوفاً، قال: «يقول خيرا».

1274/ [7]- و في رواية أبي بصير، عنه (عليه السلام) لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا. قال: «هو قول الرجل للمرأة قبل أن تنقضي عدتها: أواعدك بيت آل فلان، أو أعدك بيت فلان. لترفث و يرفث معها».

1275/ [8]- و في رواية عبد الله بن سنان، قال: أبو عبد الله (عليه السلام): «هو الرجل يقول للمرأة قبل أن تنقضي عدتها: موعدك بيت آل فلان. ثم يطلب إليها أن لا تسبقه بنفسها، إذا انقضت عدتها».

1276/ [9]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً. قال: «المرأة في عدتها تقول لها قولا جميلا ترغبها في نفسك، و لا تقول: إني أصنع كذا، و أصنع كذا.

القبيح من الأمر في البضع، و كل أمر قبيح».

1277/ [10]- عن مسعدة بن صدقة، عن

أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً.

قال: «يقول الرجل للمرأة و هي في عدتها: يا هذه، لا أحب إلا ما أسرك، و لو قد مضى عدتك لا تفوتيني إن شاء الله، فلا تسبقيني بنفسك. و هذا كله من غير أن يعزموا عقدة النكاح».

سورة البقرة(2): آية 236 ..... ص : 490

قوله تعالى:

لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [236]

1278/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في الرجل يطلق امرأته، أ يمتعها؟ قال: «نعم، أما يحب أن يكون من المحسنين، أما يحب أن يكون من المتقين؟».

__________________________________________________

6- تفسير العيّاشي 1: 123/ 391.

7- تفسير العيّاشي 1: 123/ 392.

8- تفسير العيّاشي 1: 123/ 393.

9- تفسير العيّاشي 1: 123/ 394.

10- تفسير العيّاشي 1: 123/ 395.

1- الكافي 6: 104/ 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 491

1279/ [2]- عنه: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها. قال: «عليه نصف المهر، إن كان فرض لها شيئا، و إن لم يكن فرض لها شيئا فليمتعها على نحو ما يمتع مثلها من النساء».

1280/ [3]- الشيخ: بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن رجل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن الرجل يريد أن يطلق امرأته قبل أن يدخل. قال: «يمتعها قبل أن يطلقها، فإن الله تعالى قال: وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى

الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ».

1281/ [4]- عنه: بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يطلق امرأته. قال: «يمتعها قبل أن يطلق فإن الله سبحانه و تعالى يقول:

وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ».

1282/ [5]- العياشي: عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في الرجل يطلق امرأته، أ يمتعها؟

فقال: «نعم، أما تحب أن تكون من المحسنين أما تحب أن تكون من المتقين؟!».

1283/ [6]- عن أبي الصباح، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا طلق الرجل امرأته قبل ان يدخل بها، فلها نصف مهرها، و إن لم يكن سمى لها مهرا فمتاع بالمعروف على الموسع قدره، و على المقتر قدره، و ليس لها عدة، و تتزوج من شاءت من ساعتها».

1284/ [7]- عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «الموسع يمتع بالعبد و الأمة، و المعسر يمتع بالحنطة و الزبيب و الثوب و الدراهم- قال-: إن الحسن بن علي (عليهما السلام) متع امرأة طلقها أمة، و لم يكن يطلق امرأة إلا متعها بشي ء».

1285/ [8]- عن ابن بكير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى: وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ما قدر الموسع و المقتر؟ قال: «كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يمتع براحلته» يعني حملها الذي عليها.

1286/ [9]- عن محمد بن مسلم، قال: سألته عن الرجل يريد أن يطلق امرأته. قال: «يمتعها قبل أن يطلقها

__________________________________________________

2- الكافي 6: 106/ 3.

3- التهذيب 8: 141/ 489. [.....]

4- التهذيب 8: 142/ 492.

5- تفسير العيّاشي 1: 124/ 396.

6- تفسير العيّاشي 1: 124/

397.

7- تفسير العيّاشي 1: 124/ 398 و 399.

8- تفسير العيّاشي 1: 124/ 400.

9- تفسير العيّاشي 1: 124/ 401.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 492

قال الله في كتابه وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ».

و سيأتي إن شاء الله تعالى في ما على الموسع و المقتر زيادة على ذلك في قوله تعالى: وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ «1».

سورة البقرة(2): آية 237 ..... ص : 492

قوله تعالى:

وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [237]

1287/ [1]- محمد بن يعقوب: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار و أبي العباس محمد بن جعفر الرزاز، [عن أيوب بن نوح ] «2» عن ابن سماعة، جميعا، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فقد بانت منه، و تتزوج إن شاءت من ساعتها، و إن كان فرض لها مهرا فلها نصف المهر، و إن لم يكن فرض لها مهرا فليمتعها».

1288/ [2]- صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، و علي بن إبراهيم، عن أبيه و عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عثمان بن عيسى، عن سماعة، جميعا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل:

وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ.

قال: «هو الأب أو الأخ أو الرجل يوصى إليه، و الذي يجوز أمره في

مال المرأة، فيبتاع لها فتجيز، فإذا عفا فقد جاز».

1289/ [3]- عنه: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها. قال: «عليه نصف المهر، إن كان فرض لها شيئا، و إن لم يكن فرض لها، فليمتعها على نحو ما يمتع مثلها من النساء».

قال: و قال في قول الله عز و جل: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ، قال: «هو الأب و الأخ و الرجل

__________________________________________________

1- الكافي 6: 106/ 1.

2- الكافي 6: 106/ 2.

3- الكافي 6: 106/ 3.

(1) يأتي في الأحاديث (1- 10) من تفسير الآية (241) من سورة البقرة.

(2) أثبتناه من المصدر، و هو الصواب، انظر معجم رجال الحديث 3: 263.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 493

يوصى إليه، و الرجل يجوز أمره في مال المرأة، فيبيع لها و يشتري، فإذا عفا فقد جاز».

1290/ [4]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها. قال: «عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا، و إن لم يكن فرض لها شيئا فليمتعها على نحو ما يمتع مثلها من النساء».

1291/ [5]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «يأتي على الناس زمان عضوض «1»، يعض كل امرئ على ما في يديه، و ينسى الفضل و قد قال الله عز و جل: وَ لا

تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ينبري في ذلك الزمان أقوام «2» يعاملون المضطرين، هم شرار الخلق».

1292/ [6]- الشيخ بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن معاوية بن وهب، عن أبي أيوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يأتي على الناس زمان عضوض، يعض كل امرئ على ما في يده، و ينسى الفضل، و قد قال الله عز و جل: وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ و لا ينبري في ذلك الزمان أقوام، يبايعون المضطرين، أولئك هم شرار الناس».

1293/ [7]- عنه: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الذي بيده عقدة النكاح هو ولي أمرها».

1294/ [8]- و عنه: بإسناده عن فضالة، عن رفاعة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الذي بيده عقدة النكاح. قال: «الولي الذي يأخذ بعضا و يترك بعضا، و ليس له ان يدع كله».

1295/ [9]- و عنه: بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن البرقي، أو غيره، عن صفوان، عن عبد الله، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن الذي بيده عقدة النكاح. قال: «هو الأب و الأخ و الرجل يوصى إليه، و الذي يجوز أمره في مال المرأة، فيبتاع لها و يشتري، فأي هؤلاء عفا فقد جاز».

1296/ [10]- و عنه: بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي بصير، و علاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، كليهما عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الذي بيده عقدة النكاح. قال:

__________________________________________________

4- الكافي 6: 108/ 11.

5- الكافي 5: 310/ 28.

6-

التهذيب 7: 18/ 80. [.....]

7- التهذيب 7: 392/ 1570.

8- التهذيب 7: 392/ 1572.

9- التهذيب 7: 393/ 1573.

10- التهذيب 7: 484/ 1946.

(1) أي يصيب الرعية فيه عسف و ظلم، كأنّهم يعضّون فيه عضّا. «النهاية 3: 253».

(2) في المصدر: قوم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 494

«هو الأب و الأخ و الموصى إليه، و الذي يجوز أمره في مال المرأة من قرابتها، فيبيع لها و يشتري- قال-: فأي هؤلاء عفا، فهو «1» جائز في المهر، إذا عفا عنه».

1297/ [11]- و عنه: بإسناده عن محمد بن أبي عمير، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في رجل قبض صداق ابنته من زوجها، ثم مات، هل لها أن تطالب زوجها بصداقها أو قبض أبيها قبضها؟

فقال (عليه السلام): «إن كانت و كلته يقبض صداقها من زوجها، فليس لها أن تطالبه، و إن لم تكن وكلته فلها ذلك، و يرجع الزوج على ورثة أبيها بذلك، إلا أن تكون صبية في حجره، فيجوز لأبيها أن يقبض عنها، و متى طلقها قبل الدخول بها، فلأبيها أن يعفو عن بعض الصداق، و يأخذ بعضا، و ليس له أن يدع ذلك كله، و ذلك قول الله عز و جل:

إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ يعني الأب و الذي توكله المرأة و توليه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرهما».

1298/ [12]- العياشي: عن اسامة بن حفص، عن موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: سله عن رجل يتزوج المرأة و لم يسم لها مهرا. قال: لها الميراث، و عليها العدة، و لا مهر لها- و قال-: أ ما تقرأ ما قال الله في كتابه:

وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ

تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ».

1299/ [13]- عن منصور بن حازم، قال: قلت له: رجل تزوج امرأة و سمى لها صداقا ثم مات عنها و لم يدخل بها؟ قال: «لها المهر كاملا، و لها الميراث».

قلت: فإنهم رووا عنك أن لها نصف المهر؟ قال: «لا يحفظون عني، إنما ذلك للمطلقة».

1300/ [14]- عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «الذي بيده عقدة النكاح هو ولي أمره».

1301/ [15]- عن زرارة، و حمران، و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) في قوله: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ. قال: «هو الولي و الذين يعفون عن «2» الصداق أو يحطون منه «3» بعضه أو كله».

1302/ [16]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ.

__________________________________________________

11- التهذيب 6: 215/ 507.

12- تفسير العيّاشي 1: 124/ 402.

13- تفسير العيّاشي 1: 125/ 403.

14- تفسير العيّاشي 1: 125/ 404.

15- تفسير العيّاشي 1: 125/ 405.

16- تفسير العيّاشي 1: 125/ 406.

(1) في المصدر: فعفوه.

(2) في المصدر: عند. [.....]

(3) في المصدر: عنه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 495

قال: «هو الأب و الأخ الموصى إليه «1»، و الذي يجوز أمره في مال المرأة، فيبتاع لها و يشتري، فأي هؤلاء عفا فقد جاز».

1303/ [17]- عن رفاعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الذي بيده عقدة النكاح هو الولي الذي أنكح، يأخذ بعضا و يدع بعضا، و ليس له أن يدع كله».

1304/ [18]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ.

قال: «هو الأخ و الأب

و الرجل يوصى إليه، و الذي يجوز أمره في مال بقيمته «2»».

قلت له: أ رأيت إن قالت: لا أجيز. ما يصنع؟ قال: «ليس ذلك لها، أ تجيز بيعه في مالها، و لا تجيز هذا؟!».

1305/ [19]- عن رفاعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن الذي بيده عقدة النكاح. فقال: «هو الذي يزوج، يأخذ بعضا و يترك بعضا، و ليس له أن يترك كله».

1306/ [20]- عن إسحاق بن عمار، قال: سألت جعفر بن محمد (عليه السلام) عن قول الله: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ.

قال: المرأة تعفو عن نصف الصداق».

قلت: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ؟ قال: «أبوها إذا عفا جاز له، و أخوها إذا كان يقيم بها، و هو القائم عليها، و هو بمنزلة الأب يجوز له، و إذا كان الأخ لا يقيم بها، و لا يقوم عليها، لم يجز عليها أمره».

1307/ [21]- عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ. قال: «الذي يعفو عن الصداق أو يحط بعضه أو كله».

1308/ [22]- عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ. قال: «هو الأب و الأخ و الرجل الذي يوصى إليه، و الذي يجوز أمره في مال المرأة، فيبتاع لها و يشتري، فأي هؤلاء عفا فقد جاز».

قلت: أ رأيت إن قالت: لا أجيز. ما يصنع؟ قال: «ليس لها ذلك، أ تجيز بيعه في مالها، و لا تجيز هذا؟!».

1309/ [23]- عن بعض بني عطية، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في مال اليتيم يعمل به الرجل. قال: «ينيله من الربح شيئا إن الله يقول: وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ».

__________________________________________________

17- تفسير

العيّاشي 1: 125/ 407.

18- تفسير العيّاشي 1: 125/ 408.

19- تفسير العيّاشي 1: 126/ 409.

20- تفسير العيّاشي 1: 126/ ه 41.

21- تفسير العيّاشي 1: 126/ 411.

22- تفسير العيّاشي 1: 126/ 412.

23- تفسير العيّاشي 1: 126/ 413.

(1) في «ط» نسخة بدل: و الذي يوصى إليه.

(2) في المصدر: بقيمة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 496

1310/ [24]- عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يأتي على الناس زمان عضوض، يعض كل امرئ على ما في يديه، و ينسون الفضل بينهم قال الله: وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ»

سورة البقرة(2): آية 238 ..... ص : 496

قوله تعالى:

حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ [238]

1311/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى و محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، و محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عما فرض الله عز و جل من الصلاة. فقال: خمس صلوات في الليل و النهار».

فقلت: فهل سماهن الله و بينهن في كتابه؟

قال: «نعم، قال الله تبارك و تعالى لنبيه (صلى الله عليه و آله): أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ «1»، و دلوكها: زوالها، ففي ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سماهن و بينهن و وقتهن، و غسق الليل: هو انتصافه، ثم قال تبارك و تعالى: وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً «2»، فهذه الخامسة.

و قال الله تعالى في ذلك: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ، و طرفاه: المغرب و الغداة وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ «3»، و هي

صلاة العشاء الآخرة، و قال الله تعالى: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى ، و هي صلاة الظهر، و هي أول صلاة صلاها رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و هي وسط النهار، و وسط صلاتين بالنهار: صلاة الغداة، و صلاة العصر».

و في بعض القراءات: «حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى صلاة العصر و قوموا لله قانتين».

قال: «و نزلت هذه الآية يوم الجمعة، و رسول الله (صلى الله عليه و آله) في سفره، فقنت فيها رسول الله (صلى الله عليه و آله) و تركها على حالها في السفر و الحضر، و أضاف للمقيم ركعتين، و إنما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي (صلى الله عليه و آله) يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام، فمن صلى يوم الجمعة في غير

__________________________________________________

24- تفسير العيّاشي 1: 126/ 414.

1- الكافي 3: 271/ 1.

(1) الإسراء 17: 78.

(2) الإسراء 17: 78. [.....]

(3) هود 11: 114.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 497

جماعة، فليصلها أربع ركعات كصلاة الظهر في سائر الأيام».

1312/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثني أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي المغرا حميد بن المثنى العجلي، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «صلاة الوسطى صلاة الظهر، و هي أول صلاة أنزل الله على نبيه (صلى الله عليه و آله)».

1313/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قرأ: «حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى صلاة العصر و قوموا لله قانتين».

1314/ [4]- العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)،

قال: قلت له: الصلاة الوسطى؟

فقال: «حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى و صلاة العصر و قوموا لله قانتين. و الوسطى: هي الظهر، و كذلك كان يقرأها رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

1315/ [5]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى و الوسطى: هي أول صلاة صلاها رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و هي وسط صلاتين بالنهار: صلاة الغداة، و صلاة العصر، و قوموا لله قانتين في الصلاة الوسطى».

و قال: «نزلت هذه الآية يوم الجمعة، و رسول الله (صلى الله عليه و آله) في سفر فقنت فيها و تركها على حالها في السفر و الحضر، و أضاف لمقامه ركعتين، و إنما وضعت الركعتان اللتان أضافهما يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام، فمن صلى الجمعة في غير الجماعة، فليصلها أربعا كصلاة الظهر في سائر الأيام».

قال: قوله: وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ قال: «مطيعين راغبين».

1316/ [6]- عن زرارة، و محمد بن مسلم، أنهما سألا أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى . قال: «صلاة الظهر و فيها فرض الله الجمعة، و فيها الساعة التي لا يوافقها عبد مسلم فيسأل خيرا إلا أعطاه الله إياه».

1317/ [7]- عن عبد الله بن سنان: عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «الصلاة الوسطى: الظهر وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ إقبال الرجل على صلاته، و محافظته على وقتها حتى لا يلهيه عنها و لا يشغله شي ء».

1318/ [8]- عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «الصلاة الوسطى: هي الوسطى من صلاة

__________________________________________________

2- معاني الأخبار: 331/ 1.

3- تفسير القمّي 1: 79.

4- تفسير العيّاشي 1: 127/ 415.

5- تفسير العيّاشي

1: 127/ 416.

6- تفسير العيّاشي 1: 127/ 417.

7- تفسير العيّاشي 1: 127/ 418.

8- تفسير العيّاشي 1: 128/ 419.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 498

النهار، و هي الظهر، و إنما يحافظ أصحابنا على الزوال من أجلها».

1319/ [9]- و في رواية سماعة: وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ قال: «هو الدعاء».

1320/ [10]- عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ. قال: «الصلوات: رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين (سلام الله عليهم)، و الوسطى: أمير المؤمنين وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ طائعين للأئمة».

1321/ [11]- أبو علي الطبرسي، قال: القنوت: هو الدعاء في الصلاة حال القيام. و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام).

سورة البقرة(2): آية 239 ..... ص : 498

قوله تعالى:

فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً [239]

1322/ [1]- محمد بن يعقوب: بإسناده، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً كيف يصلي، و ما يقول إذا خاف من سبع أو لص، كيف يصلي؟ قال: «يكبر و يومئ إيماء برأسه».

1323/ [2]- العياشي: عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: أخبرني عن صلاة الموافقة «1».

فقال: «فإذا لم يكن النصف «2» من عدوك صليت إيماء، راجلا كنت أو راكبا، فإن الله يقول: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً تقول في الركوع: لك ركعت و أنت ربي. و في السجود: لك سجدت و أنت ربي. أينما توجهت بك دابتك، غير أنك توجه حين تكبر

أول تكبيرة».

1324/ [3]- عن أبان بن منصور، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «فات أمير المؤمنين (عليه السلام) و الناس يوما [بصفين ]- يعني صلاة الظهر و العصر و المغرب و العشاء- فأمرهم أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يسبحوا و يكبروا و يهللوا قال: و قال الله: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فأمرهم علي (عليه السلام) فصنعوا ذلك ركبانا و رجالا».

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 1: 128/ 420.

10- تفسير العيّاشي 1: 128/ 421.

11- مجمع البيان 2: 600.

1- الكافي 3: 457/ 6.

2- تفسير العيّاشي 1: 128/ 422.

3- تفسير العيّاشي 1: 128/ 423. [.....]

(1) المواقفة: المحاربة. «مجمع البحرين- وقف- 5: 130».

(2) أي الإنصاف.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 499

و رواه الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «فات الناس الصلاة مع علي (عليه السلام) يوم صفين» إلى آخره.

1325/ [1]- عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً كيف يفعل، و ما يقول، و من يخاف سبعا أو لصا، كيف يصلي؟ قال: «يكبر و يومئ إيماء برأسه».

1326/ [2]- عن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في صلاة الزحف، قال: «يكبر و يهلل يقول: الله أكبر.

يقول الله: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً»

سورة البقرة(2): آية 240 ..... ص : 499

قوله تعالى:

وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ [240]

1327/ [3]- العياشي: عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، قال: سألته عن قول الله: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ. قال: «منسوخة، نسختها آية: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً «1»، و نسختها آية الميراث».

1328/ [4]-

عن أبي بصير، قال: سألته عن قول الله: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ. قال: «هي منسوخة».

قلت: و كيف كانت؟ قال: «كان الرجل إذا مات أنفق على امرأته من صلب المال حولا، ثم أخرجت بلا ميراث، ثم نسختها آية الربع و الثمن، فالمرأة ينفق عليها من نصيبها».

سورة البقرة(2): آية 241 ..... ص : 499

قوله تعالى:

وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [241]

1329/ [5]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1: 128/ 424.

2- تفسير العيّاشي 1: 129/ 425.

3- تفسير العيّاشي 1: 129/ 426.

4- تفسير العيّاشي 1: 129/ 427.

5- الكافي 6: 104/ 1.

(1) البقرة 2: 234.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 500

أبي عبد الله (عليه السلام)، في الرجل يطلق امرأته، أ يمتعها؟ قال: «نعم، أما يحب أن يكون من المحسنين، أما يحب أن يكون من المتقين».

1330/ [2]- عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه و عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن البزنطي، قال: ذكر بعض أصحابنا: أن متعة المطلقة فريضة.

1331/ [3]- أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن عبد الكريم، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ. قال: «متاعها بعد ما تنقضي عدتها، على الموسع قدره، و على المقتر قدره، و كيف يمتعها و هي في عدتها، ترجوه و يرجوها، و يحدث الله بينهما ما يشاء؟!».

قال: «إذا كان الرجل موسعا عليه، متع امرأته بالعبد و الأمة، و المقتر يمتع بالحنطة «1» و الزبيب و الثوب و الدرهم، و إن الحسن بن علي (عليهما السلام)

متع امرأة بأمة، و لم يطلق امرأة إلا متعها».

1332/ [4]- عنه: عن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن محمد بن زياد، عن عبد الله بن سنان، و علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، جميعا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل:

وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ.

قال: «متاعها بعد ما تنقضي عدتها، على الموسع قدره، و على المقتر قدره- و قال-: كيف يمتعها في عدتها، و هي ترجوه و يرجوها، و يحدث الله ما يشاء؟ أما إن الرجل الموسع يمتع المرأة بالعبد و الأمة، و يمتع الفقير بالحنطة «2» و الزبيب و الثوب و الدراهم، و إن الحسن بن علي (عليهما السلام) متع امرأة طلقها بأمة، و لم يكن يطلق امرأة إلا متعها».

و عنه، عن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن محمد بن زياد، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، مثله، إلا أنه قال: «و كان الحسن بن علي (عليهما السلام) يمتع نساءه بالأمة».

1333/ [5]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أخبرني عن قول الله عز و جل: وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ما أدنى ذلك المتاع، إذا كان معسرا لا يجد؟

قال: خمار، أو شبهه».

__________________________________________________

2- الكافي 6: 105/ 2.

3- الكافي 6: 105/ 3.

4- الكافي 6: 105/ 4.

5- الكافي 6: 105/ 5.

(1) في المصدر زيادة: و الشعير.

(2) في المصدر نسخة بدل: بالتمر. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 501

1334/ [6]- الشيخ: بإسناده عن صفوان بن يحيى، عن عبد

الله، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) «1»: وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ما أدنى ذلك المتاع، إذا كان الرجل معسرا لا يجد؟

قال: «الخمار و شبهه».

1335/ [7]- العياشي: عن أبي بصير، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله: وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ: ما أدنى ذلك المتاع، إذا كان الرجل معسرا لا يجد؟

قال: «الخمار و شبهه».

1336/ [8]- و عنه: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ. قال: «متاعها بعد ما تنقضي عدتها، على الموسع قدره، و على المقتر قدره، أما في عدتها، فكيف يمتعها و هي ترجوه و يرجوها، و يجري الله بينهما ما يشاء؟! أما و إن الرجل الموسر يمتع المرأة العبد و الأمة، و يمتع الفقير الحنطة و الزبيب و الثوب و الدراهم، و إن الحسن بن علي (عليهما السلام) متع امرأة كانت له بأمة، و لم يطلق امرأة إلا متعها».

1337/ [9]- و عنه، قال: و قال الحلبي: متاعها بعد ما تنقضي عدتها، على الموسع قدره، و على المقتر قدره.

1338/ [10]- و عنه: عن أبي عبد الله و أبي الحسن موسى (عليهما السلام)، [قال: سألت أحدهما] عن المطلقة مالها من المتعة؟ قال: «على قدر مال زوجها».

1339/ [11]- و عنه: عن الحسن بن زياد، عن أبي عبد الله «2» (عليه السلام)، عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها.

قال: فقال: «إن كان سمى لها مهرا، فلها نصف المهر، و لا عدة عليها، و إن لم يكن سمى لها مهرا، فلا مهر لها و لكن يمتعها فإن الله يقول في كتابه: وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ

بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ».

__________________________________________________

6- التهذيب 8: 140/ 486.

7- تفسير العيّاشي 1: 129/ 427.

8- تفسير العيّاشي 1: 129/ 429.

9- تفسير العيّاشي 1: 130/ 430.

10- تفسير العيّاشي 1: 130/ 431.

11- تفسير العيّاشي 1: 130/ 432.

(1) في «س»: عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام)، و هو يروي عن كليهما، كما في معجم رجال الحديث 21: 45، لكن الظاهر صحّة ما في المصدر و «ط»، بقرينة الحديثين (5) و (7).

(2) في «ط» و «س» عن أبي الحسن (عليه السّلام)، و ما أثبتناه من المصدر، و لم تذكّر للحسن بن زياد رواية عن أبي الحسن (عليه السّلام)، انظر معجم رجال الحديث 4: 330.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 502

1340/ [12]- و عنه: قال أحمد بن محمد، عن بعض أصحابنا «1»: إن متعة المطلقة فريضة

سورة البقرة(2): آية 243 ..... ص : 502

قوله تعالى:

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [243] 1341/ [1]

- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عمر بن يزيد، و غيره، عن بعضهم، [عن أبي عبد الله (عليه السلام)] «2»، و بعضهم عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل:

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ.

فقال: «إن هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشام، و كانوا سبعين ألف بيت، و كان الطاعون يقع فيهم في كل أوان، فكانوا إذا أحسوا به خرج من المدينة الأغنياء لقوتهم، و بقي فيها الفقراء لضعفهم، فكان الموت يكثر في

الذين أقاموا، و يقل في الذين خرجوا. فيقول الذين خرجوا: لو كنا أقمنا لكثر فينا الموت، و يقول الذين أقاموا: لو كنا خرجنا لقل فينا الموت».

قال: «فاجتمع رأيهم جميعا، أنه إذا وقع الطاعون فيهم و أحسوا به خرجوا كلهم من المدينة، فلما أحسوا بالطاعون خرجوا جميعا، و تنحوا عن الطاعون، حذر الموت، فساروا في البلاد ما شاء الله، ثم إنهم مروا بمدينة خربة قد جلا عنها أهلها و أفناهم الطاعون، فنزلوا بها، فلما حطوا رحالهم و اطمأنوا بها، قال الله عز و جل: موتوا جميعا. فماتوا من ساعتهم، و صاروا رميما يلوح. و كانوا على طريق المارة، فكنستهم المارة، فنحوهم، و جمعوهم في موضع، فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل، يقال له: حزقيل، فلما رأى تلك العظام بكى و استعبر، و قال: يا رب، لو شئت لأحييتهم الساعة، كما أمتهم، فعمروا بلادك، و ولدوا عبادك، و عبدوك مع من يعبدك من خلقك.

فأوحى الله تعالى إليه أ فتحب ذلك؟ قال: نعم- يا رب- فأحيهم».

قال: «فأوحى الله عز و جل إليه، أن قل كذا و كذا. فقال الذي أمره الله عز و جل أن يقوله- فقال أبو عبد الله (عليه السلام): و هو الاسم الأعظم- فلما قال حزقيل ذلك الكلام، نظر إلى العظام يطير بعضها إلى بعض، فعادوا

__________________________________________________

12- تفسير العيّاشي 1: 130 ذيل الحديث 432، التهذيب 8: 141/ 490.

1- الكافي 8: 198/ 237.

(1) في التهذيب زيادة: عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام)، قال.

(2) أثبتناه من المصدر، و ذكر السيد الخوئي في (تفصيل طبقات الرواة): أنى عمر بن يزيد روى عن بعضهم، عن أبي عبد اللّه، و أبي جعفر (عليهما السّلام)، و روى عنه ابن محبوب. معجم

رجال الحديث 13: 384.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 503

أحياء ينظر بعضهم إلى بعض، يسبحون الله عز و جل، و يكبرونه، و يهللونه. فقال حزقيل عند ذلك: أشهد أن الله على كل شي ء قدير».

قال عمر بن يزيد: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «فيهم نزلت هذه الآية».

1342/ [2]- العياشي: عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: حدثني عن قول الله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ قلت: أحياهم حتى نظر الناس إليهم، ثم أماتهم من يومهم، أو ردهم إلى الدنيا حتى سكنوا الدور، و أكلوا الطعام، و نكحوا النساء؟

قال: بل ردهم الله حتى سكنوا الدور، و أكلوا الطعام، و نكحوا النساء، و لبثوا بذلك ما شاء الله، ثم ماتوا بآجالهم».

و روى هذا الحديث سعد بن عبد الله، بإسناده عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) «1».

1343/ [3]- الطبرسي في (الاحتجاج) في حديث عن الصادق (عليه السلام) قال: أحيا الله قوما خرجوا من أوطانهم هاربين من الطاعون، لا يحصى عددهم، فأماتهم الله دهرا طويلا حتى بليت عظامهم، و تقطعت أوصالهم، و صاروا ترابا، فبعث الله- في وقت أحب أن يري خلقه قدرته- نبيا، يقال له: حزقيل فدعاهم فاجتمعت أبدانهم، و رجعت فيها أرواحهم، و قاموا كهيئة يوم ماتوا، لا يفتقدون من أعدادهم رجلا، فعاشوا بعد ذلك دهرا طويلا».

سورة البقرة(2): آية 245 ..... ص : 503

قوله تعالى:

مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً [245]

1344/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الوشاء، عن عيسى بن سليمان النحاس، عن المفضل بن عمر، عن الخيبري و يونس

بن ظبيان، قالا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «ما من شي ء أحب إلى الله من إخراج الدراهم إلى الإمام، و إن الله ليجعل له الدرهم في الجنة مثل جبل احد- ثم قال-:

إن الله تعالى يقول في كتابه: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً- قال-: هو- و الله- في صلة الإمام».

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 1: 130/ 433.

3- الاحتجاج: 344. [.....]

1- الكافي 1: 45/ 2.

(1) مختصر بصائر الدرجات: 23.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 504

1345/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (رحمه الله)، قال حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيوب الخزاز، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «لما نزلت هذه الآية على النبي (صلى الله عليه و آله): مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها «1» قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): اللهم زدني، فأنزل اللّه و تعالى عليه: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها «2»، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله):

اللهم زدني. فأنزل الله تبارك و تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً فعلم رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن الكثير من الله عز و جل لا يحصى، و ليس له منتهى».

1346/ [3]- العياشي: عن علي بن عمار، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لما نزلت هذه الآية: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها «3» قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): رب زدني. فأنزل الله: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها «4»، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): رب

زدني. فأنزل الله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً و الكثيرة عند الله لا تحصى».

1347/ [4]- عن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً؟

قال: «هي صلة الإمام».

1348/ [5]- عن محمد بن عيسى بن زياد، قال: كنت في ديوان ابن عباد، فرأيت كتابا ينسخ فسألت عنه، فقالوا: كتاب الرضا إلى ابنه (عليهما السلام) من خراسان فسألتهم أن يدفعوه إلي، فإذا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، أبقاك الله طويلا، و أعاذك من عدوك- يا ولدي، فداك أبوك- قد فسرت «5» لك ما لي و أنا حي سوي، رجاء أن ينميك «6» الله بالصلة لقرابتك، و لموالي موسى و جعفر (رضي الله عنهما)، فأما سعيدة «7» فإنها امرأة قوية الجزم في النحل، و الصواب في دقة النظر «8»، و ليس ذلك كذلك: قال الله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً،

__________________________________________________

2- معاني الأخبار: 397/ 54.

3- تفسير العياشي 1: 131/ 434.

4- تفسير العياشي 1: 131/ 435.

5- تفسير العياشي 1: 131/ 436.

(1) النمل 27: 89، القصص 28: 84.

(2) الأنعام 6: 160.

(3) النمل 27: 89، القصص 28: 84.

(4) الأنعام 6: 160.

(5) كذا في «س، ط» و المصدر، و لعلها تصحيف، قسمت، أو خيرت، أي: فوضت.

(6) في المصدر: يمنك.

(7) سعيدة: كانت من ثقات الامام الكاظم (عليه السلام). أعلام النساء 2: 195، معجم رجال الحديث 23: 192.

(8) في المصدر: في رقة الفطر. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 505

و قال: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ «1» و قد أوسع الله عليك كثيرا- يا بني، فداك أبوك-

لا تستر دوني الأمور لحبها «2» فتخطئ حظك، و السلام».

قوله تعالى:

وَ اللَّهُ يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [245]

1349/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي (رحمه الله)، قال: حدثنا أحمد بن يحيى ابن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن أبي الحسن العبدي، عن سليمان بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ اللَّهُ يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ:

«يعني يعطي و يمنع» «3».

سورة البقرة(2): الآيات 246 الي 250 ..... ص : 505

قوله تعالى:

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- إلى قوله تعالى- وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ [246- 250]

1350/ [2]- ابن بابويه، عن أبيه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ. قال: «كان القليل ستين ألفا».

1351/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام): «أن بني إسرائيل من بعد موسى (عليه السلام) عملوا بالمعاصي،

__________________________________________________

1- التوحيد: 161/ 2.

2- معاني الأخبار: 151/ 1.

3- تفسير القمّي 1: 81، و الزيادة التي في آخر الحديث وردت في الطبعة الحجرية: 403.

(1) الطّلاق 65: 7.

(2) في «ط» و المصدر: لا يستر في الأمور بحسبها.

(3) في المصدر: يعني يعطي و يوسع و يمنع و يضيق.

البرهان في تفسير القرآن،

ج 1، ص: 506

و غيروا دين الله، و عتوا عن أمر ربهم، و كان فيهم نبي يأمرهم و ينهاهم فلم يطيعوه، و روي أنه إرميا النبي (عليه السلام)، فسلط الله عليهم جالوت، و هو من القبط، فأذلهم، و قتل رجالهم، و أخرجهم من ديارهم و أموالهم، و استعبد نساءهم، ففزعوا إلى نبيهم، و قالوا: سل الله ان يبعث لنا ملكا، نقاتل في سبيل الله.

و كانت النبوة في بني إسرائيل في بيت، و الملك و السلطان في بيت آخر، لم يجمع الله تعالى لهم النبوة و الملك في بيت واحد، فمن ذلك قالوا لنبي لهم: ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله.

فقال لهم نبيهم: هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَ ما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَ أَبْنائِنا و كان كما قال الله: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ.

فقال لهم نبيهم: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً. فغضبوا من ذلك: و قالوا: أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ و كانت النبوة في ولد لاوي، و الملك في ولد يوسف، و كان طالوت من ولد بنيامين أخي يوسف لامه، لم يكن من بيت النبوة، و لا من بيت المملكة.

فقال لهم نبيهم: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ و كان أعظمهم جسما، و كان شجاعا قويا، و كان أعلمهم، إلا أنه كان فقيرا، فعابوه بالفقر، فقالوا: لم يؤت سعة من المال، وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ

مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ.

و كان التابوت الذي أنزل الله على موسى، فوضعته فيه امه و ألقته في اليم، فكان في بني إسرائيل معظما، يتبركون به، فلما حضرت موسى الوفاة وضع فيه الألواح، و درعه، و ما كان عنده من آيات النبوة، و أودعه يوشع وصيه، فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به، و كان الصبيان يلعبون به في الطرقات.

فلم يزل بنو إسرائيل في عز و شرف ما دام التابوت عندهم، فلما عملوا بالمعاصي، و استخفوا بالتابوت، رفعه الله عنهم، فلما سألوا النبي بعث الله تعالى طالوت عليهم ملكا، يقاتل معهم، فرد الله عليهم التابوت كما قال:

إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ- قال-: البقية ذرية الأنبياء».

1352/ [3]- قال علي بن إبراهيم: و قوله: فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فإن التابوت كان يوضع بين يدي العدو و بين المسلمين، فتخرج منه ريح طيبة، لها وجه كوجه الإنسان.

1353/ [4]- و قال علي بن إبراهيم: و حدثني أبي، عن الحسين بن خالد، عن الرضا (عليه السلام)، قال: «السكينة ريح من الجنة، لها وجه كوجه الإنسان، فكان إذا وضع التابوت بين يدي المسلمين و الكفار فإن تقدم التابوت

__________________________________________________

3- تفسير القمّي 1: 82.

4- تفسير القمّي 1: 82.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 507

رجل لا يرجع حتى يقتل أو يغلب، و من رجع عن التابوت كفر، و قتله الإمام.

فأوحى الله إلى نبيهم: أن جالوت يقتله من تستوي عليه درع موسى، و هو رجل من ولد لاوي بن يعقوب (عليه السلام) اسمه داود بن

آسي «1»، و كان آسي راعيا، و كان له عشرة بنين أصغرهم داود. فلما بعث طالوت إلى بني إسرائيل، و جمعهم لحرب جالوت، بعث إلى آسي: أن أحضر ولدك، فلما حضروا دعا واحدا واحدا من ولده، فألبسه الدرع، درع موسى (عليه السلام)، فمنهم من طالت عليه، و منهم من قصرت عنه. فقال لآسي: هل خلفت من ولدك أحدا؟ قال: نعم، أصغرهم تركته في الغنم راعيا «2»، فبعث إليه [ابنه ] فجاء به، فلما دعي أقبل و معه مقلاع «3»- قال- فنادته ثلاث صخرات في طريقه، قالت: يا داود، خذنا. فأخذها في مخلاته، و كان شديد البطش، قويا في بدنه، شجاعا.

فلما جاء إلى طالوت ألبسه درع موسى فاستوت عليه، ففصل طالوت بالجنود، و قال لهم نبيهم: يا بني إسرائيل، إن الله مبتليكم بنهر، في هذه المفازة، فمن شرب منه فليس من حزب الله، و من لم يشرب فإنه من حزب الله إلا من اغترف غرفة بيده. فلما وردوا النهر، أطلق الله لهم أن يغرف كل واحد منهم غرفة بيده، فشربوا منه إلا قليلا منهم، فالذين شربوا منه كانوا ستين ألفا، و هذا امتحان امتحنوا به، كما قال الله».

1354/ [5]- و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «القليل الذين لم يشربوا و لم يغترفوا ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا، فلما جاوزوا النهر و نظروا إلى جنود جالوت قال الذين شربوا منه: لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ و قال الذين لم يشربوا: رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ «4».

فجاء داود حتى وقف بحذاء جالوت، و كان جالوت على الفيل، و على رأسه التاج، و في جبهته «5» ياقوتة،

يلمع نورها، و جنوده بين يديه. فأخذ داود من تلك الأحجار حجرا، فرمى به في ميمنة جالوت، فمر في الهواء و وقع عليهم فانهزموا، و أخذ حجرا آخر، فرمى به في ميسرة جالوت، فوقع عليهم فانهزموا، و رمى جالوت بحجر ثالث فصك الياقوتة في جبهته، و وصل إلى دماغه، و وقع إلى الأرض ميتا».

1355/ [6]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، و الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز و جل: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ.

__________________________________________________

5- تفسير القمّي 1: 83.

6- الكافي 8: 316/ 498.

(1) كذا، و في أغلب المصادر: إيشا.

(2) في المصدر: يرعاها.

(3) المقلاع: الذي يرمى به الحجر. «الصحاح- قلع- 3: 1271».

(4) ما يأتي من بقيّة هذا الحديث هو تتمّة للحديث المتقدّم آنفا. [.....]

(5) في نسخة م «ط»: و في وجهه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 508

قال: «لم يكن من سبط النبوة، و لا من سبط المملكة، قال: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ، و قال: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وΠبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ، فجاءت به الملائكة تحمله.

و قال الله عز ذكره: إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إلا ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا منهم من اژʘљX̠و منهم من لم يشرب. فلما برزوا، قال الذين اغترفوا: لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ

بِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ، و قال الذين لم يغترفوا: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ».

1356/ [7]- و عنه: بإسناده عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن يحيى الحلبي، عن عبد الله بن سليمان، عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنه قال: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ- قال-: كانت تحمله في صورة البقرة».

1357/ [8]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عمن أخبره، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله تبارك و تعالى: يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ. قال: «رضراض «1» الألواح فيها العلم و الحكمة».

1358/ [9]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أسباط، و محمد بن أحمد، عن موسى بن القاسم البجلي، عن علي بن أسباط، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: قلنا: أصلحك الله، ما السكينة؟

قال: «ريح تخرج من الجنة، لها صورة كصورة الإنسان، و رائحة طيبة، و هي التي نزلت على إبراهيم (عليه السلام)، فأقبلت تدور حول أركان الكعبة «2»، و هو يضع الأساطين» «3».

فقيل له: هي «4» التي قال الله عز و جل: فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ؟

قال: «تلك السكينة في التابوت، و كانت فيه طست تغسل فيها قلوب الأنبياء، و كان التابوت يدور في بني إسرائيل مع الأنبياء». ثم أقبل علينا، فقال: «ما تابوتكم؟» قلنا: السلاح، قال: «صدقتم، هو

تابوتكم».

__________________________________________________

7- الكافي 8: 317/ 499.

8- الكافي 8: 317/ 500.

9- الكافي 3: 471/ 5.

(1) الرضراض: ما دقّ من الحصى، و المراد هنا فتات الألواح. «الصحاح- رضض- 3: 1077».

(2) في المصدر: أركان البيت.

(3) الأساطين: جمع اسطوانة: العمود أو السارية.

(4) في المصدر زيادة: من.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 509

1359/ [10]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: سألته فقلت: جعلت فداك، ما كان تابوت موسى (عليه السلام)، و كم كانت سعته؟ قال: «ثلاثة أذرع في ذراعين».

قلت: ما كان فيه؟ قال: «عصا موسى و السكينة».

قلت: و ما السكينة؟ قال: «روح الله يتكلم، كانوا إذا اختلفوا في شي ء كلمهم و أخبرهم ببيان ما يريدون».

1360/ [11]- العياشي: عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

قال: «و كان الملك في ذلك الزمان هو الذي يسير بالجنود، و النبي يقيم له أمره و ينبئه بالخبر من عند ربه، فلما قالوا ذلك لنبيهم، قال لهم: إنه ليس عندكم وفاء و لا صدق و لا رغبة في الجهاد. فقالوا: إنا كنا نهاب الجهاد، فإذا أخرجنا من ديارنا و أبنائنا، فلا بد لنا من الجهاد، و نطيع ربنا في جهاد عدونا.

قال: فإن الله قد بعث لكم طالوت ملكا. فقالت عظماء بني إسرائيل: و ما شأن طالوت يملك علينا، و ليس في بيت النبوة و المملكة. و قد عرفت أن النبوة و المملكة في

آل لاوي و يهودا، و طالوت من سبط بنيامين بن يعقوب.

فقال لهم: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ و الملك بيد الله يجعله حيث يشاء، ليس لكم أن تختاروا، و إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ من قبل الله تحمله الملائكة فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ و هو الذي كنتم تهزمون به من لقيتم. فقالوا: إن جاء التابوت رضينا و سلمنا».

1361/ [12]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ.

قال: «كان القليل ستين ألفا».

1362/ [13]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ.

قال: «لم يكن من سبط النبوة، و لا من سبط المملكة، قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ، قال: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ، فجاءت به الملائكة تحمله».

__________________________________________________

10- معاني الأخبار: 284/ 2.

11- تفسير العيّاشي 1: 132/ 437.

12- تفسير العيّاشي 1: 132/ 438.

13- تفسير العيّاشي 1: 133/ 439.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 510

1363/ [14]- عن حريز، عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله الله: أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ.

قال: «رضراض «1» الألواح فيها العلم و الحكمة، العلم جاء من السماء، فكتب في الألواح، و جعل في التابوت».

1364/ [15]- عن أبي الحسن «2»، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه سئل

عن قول الله: وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ. فقال: «ذرية الأنبياء».

1365/ [16]- عن العباس بن هلال، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: سمعته و هو يقول للحسن: «أي شي ء السكينة عندكم؟» و قرأ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ «3». فقال له الحسن: جعلت فداك، لا أدري، فأي شي ء هي؟

قال: «ريح تخرج من الجنة طيبة، لها صورة كصورة وجه الإنسان- قال-: فتكون مع الأنبياء».

فقال له علي بن أسباط: تنزل على الأنبياء و الأوصياء؟ فقال: «تنزل على الأنبياء». قال: «و هي التي نزلت على إبراهيم (عليه السلام) حيث بنى الكعبة، فجعلت تأخذ كذا و كذا، و بنى الأساس عليها».

فقال له محمد بن علي: قول الله: فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ. قال: «هي من هذا».

ثم أقبل على الحسن، فقال: «أي شي ء التابوت فيكم؟». فقال: السلاح. فقال: «نعم هو تابوتكم».

قال: فأي شي ء [في ] التابوت الذي كان في بني إسرائيل؟ قال: «كان فيه ألواح موسى التي تكسرت، و الطست التي تغسل فيها قلوب الأنبياء».

1366/ [17]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله: إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي: «فشربوا منه إلا ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا، منهم من اغترف، و منهم من لم يشرب، فلما برزوا قال الذين اغترفوا: لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ، و قال الذين لم يغترفوا: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ.

1367/ [18]- عن حماد بن عثمان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا يخرج القائم (عليه السلام) في أقل من الفئة،

__________________________________________________

14- تفسير العيّاشي 1: 133/ 440.

15- تفسير العيّاشي 1: 133/ 441. [.....]

16- تفسير

العيّاشي 1: 133/ 442.

17- تفسير العيّاشي 1: 134/ 443.

18- تفسير العيّاشي 1: 134/ 444.

(1) في المصدر: رضاض.

(2) في المصدر: عن أبي المحسن.

(3) الفتح 48: 26.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 511

و لا تكون الفئة أقل من عشرة آلاف».

1368/ [19]- عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كان داود (عليه السلام) و إخوة له أربعة و معهم أبوهم شيخ كبير، و تخلف داود في غنم لأبيه، ففصل طالوت بالجنود، فدعا أبوهم داود (عليه السلام)، و هو أصغرهم، فقال: يا بني، اذهب إلى إخوتك بهذا الذي قد صنعناه لهم، يتقوون به على عدوهم. و كان رجلا قصيرا أزرق، قليل الشعر، طاهر القلب، فخرج و قد تقارب القوم بعضهم من بعض- فذكر عن أبي بصير، قال: سمعته يقول-: فمر داود (عليه السلام) على حجر، فقال: الحجر: يا داود، خذني فاقتل بي جالوت، فإني إنما خلقت لقتله. فأخذه فوضعه في مخلاته التي تكون فيها حجارته، التي كان يرمي بها عن غنمه بمقذافه «1».

فلما دخل العسكر سمعهم يتعظمون أمر جالوت، فقال لهم داود: ما تعظمون من أمره؟! فو الله، لئن عاينته لأقتلنه. فتحدثوا بخبره حتى ادخل على طالوت، فقال: يا فتى، و ما عندك من القوة، و ما جربت من نفسك؟ قال:

كان الأسد يعدو على الشاة من غنمي، فأدركه فآخذه برأسه، فأفك لحييه عنها، فآخذها من فيه- قال-: فقال: ادع لي بدرع سابغة «2». فأتي بدرع فقذفها في عنقه، فتملأ «3» منها حتى راع طالوت و من حضره من بني إسرائيل. فقال طالوت: و الله لعسى الله أن يقتله به».

قال: «فلما أن أصبحوا و رجعوا إلى طالوت و التقى الناس، قال داود: أروني جالوت. فلما رآه أخذ

الحجر فجعله في مقذافه فرماه فصك به بين عينيه فدمغه و نكس عن دابته. فقال الناس: قتل داود جالوت. و ملكه الناس حتى لم يكن يسمع لطالوت ذكر، و اجتمعت بنو إسرائيل على داود (عليه السلام)، و أنزل الله عليه الزبور، و علمه صنعة الحديد فلينه له، و أمر الجبال و الطير يسبحن معه- قال-: و لم يعط أحد مثل صوته، فأقام داود في بني إسرائيل مستخفيا، و اعطي قوة في عبادته».

1369/ [20]- الطبرسي في (الاحتجاج): عن أبي بصير، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، و قد سأله طاوس اليماني، قال: فأخبرني عن شي ء قليله حلال و كثيره حرام، ذكره الله عز و جل في كتابه؟ قال: «نهر طالوت قال الله عز و جل: إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ».

1370/ [21]- الطبرسي أبو علي، قيل: إن النبي هو إشموئيل، و هو بالعربية إسماعيل عن أكثر المفسرين. قال:

و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام).

__________________________________________________

19- تفسير العيّاشي 1: 134/ 445.

20- الاحتجاج: 329.

21- مجمع البيان 2: 610.

(1) المقذاف: أداة للقذف، يرمى بها الشي ء فيبعد مداه.

(2) سابغة: واسعة. «الصحاح- سبغ- 4: 1321».

(3) تملّأ: امتلأ. «الصحاح- ملأ- 1: 73».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 512

1371/ [22]- و عنه، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «كان الملك في ذلك الزمان هو الذي يسير بالجنود، و النبي يقيم له أمره و ينبئه بالخبر من عند ربه».

1372/ [23]- و عنه، قال: قيل: إن السكينة التي كانت فيه ريح هفافة من الجنة، لها وجه كوجه الإنسان. عن علي (عليه السلام).

سورة البقرة(2): آية 251 ..... ص : 512

قوله تعالى:

وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَ لكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ [251]

1373/ [1]- علي بن إبراهيم،

قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن الله يدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا، و لو اجتمعوا على ترك الصلاة لهلكوا. و إن الله ليدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن لا يزكي من شيعتنا، و لو اجتمعوا على ترك الزكاة لهلكوا. و إن الله ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمن لا يحج «1»، و لو اجتمعوا على ترك الحج لهلكوا و هو قول الله عز و جل: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَ لكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ».

1374/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن عبد الله بن القاسم، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن الله ليدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا، و لو اجتمعوا على ترك الصلاة لهلكوا. و إن الله ليدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن لا يزكي، و لو اجتمعوا على ترك الزكاة لهلكوا. و إن الله ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمن لا يحج، و لو اجتمعوا على ترك الحج لهلكوا و هو قول الله عز و جل: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَ لكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ، فو الله ما نزلت إلا فيكم، و لا عنى بها غيركم».

1375/ [3]- العياشي: عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن الله يدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا، و لو اجتمعوا على ترك الصلاة لهلكوا. و إن الله ليدفع بمن

يصوم منهم عمن لا

__________________________________________________

22- مجمع البيان 2: 611.

23- مجمع البيان 2: 614. [.....]

1- تفسير القمّي 1: 83.

2- الكافي 2: 326/ 1.

3- تفسير العيّاشي 1: 135/ 446.

(1) في المصدر زيادة: من شيعتنا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 513

يصوم من شيعتنا، و لو اجتمعوا على ترك الصيام لهلكوا. و إن الله يدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن لا يزكي «1»، و لو اجتمعوا على ترك الزكاة لهلكوا. و إن الله يدفع بمن يحج من شيعتنا عمن لا يحج منهم، و لو اجتمعوا على ترك الحج لهلكوا و هو قول الله تعالى: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَ لكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ، فو الله ما نزلت إلا فيكم، و لا عنى بها غيركم».

1376/ [4]- الزمخشري في (ربيع الأبرار): عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: «إن الله ليدفع بالمسلم الصالح نحو مائة ألف بيت من جيرانه البلاء» ثم قرأ: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ الآية.

سورة البقرة(2): آية 253 ..... ص : 513

قوله تعالى:

تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ- إلى قوله تعالى- وَ لكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ [253]

1377/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، رفعه، عن محمد بن داود الغنوي، عن الأصبغ بن نباتة، قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: يا أمير المؤمنين، إن أناسا زعموا أن العبد لا يزني و هو مؤمن، و لا يسرق و هو مؤمن، و لا يشرب الخمر و هو مؤمن، و لا يأكل الربا و هو مؤمن، و لا يسفك الدم الحرام و

هو مؤمن. فقد ثقل علي هذا، و حرج منه صدري حين أزعم أن العبد يصلي صلاتي، و يدعو دعائي، و يناكحني و أناكحه، و يوارثني و أوارثه، و قد خرج من الإيمان لأجل ذنب يسير أصابه.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «صدقت، سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقوله، و الدليل عليه كتاب الله جل و عز: خلق الله الناس على ثلاث طبقات، و أنزلهم ثلاث منازل و ذلك قول الله عز و جل: فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ «2». فأما ما ذكر من أمر السابقين، فإنهم أنبياء مرسلون و غير مرسلين، جعل الله فيهم خمسة أرواح: روح القدس، و روح الإيمان، و روح القوة، و روح الشهوة، و روح البدن، فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين و غير مرسلين، و بها علموا الأشياء، و بروح الإيمان عبدوا الله، و لم يشركوا به شيئا، و بروح القوة جاهدوا عدوهم، و عالجوا معاشهم، و بروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام، و نكحوا الحلال من شباب النساء، و بروح البدن دبوا و درجوا فيها، فهؤلاء مغفور لهم، مصفوح عن ذنوبهم».

__________________________________________________

4- ربيع الأبرار 1: 804.

1- الكافي 2: 214/ 16.

(1) في المصدر زيادة: من شيعتنا.

(2) الواقعة 56: 8- 10.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 514

ثم قال: «قال الله عز و جل: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ثم قال في جماعتهم: وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ «1» يقول: أكرمهم بها، و فضلهم على من سواهم، فهؤلاء مغفور لهم، مصفوح عن ذنوبهم».

1378/ [2]- الشيخ في

(أماليه): قال: أخبرنا محمد بن محمد- يعني المفيد- قال: حدثنا أبو الحسن علي بن بلال، [قال: حدثنا محمد بن الحسين بن حميد بن الربيع اللخمي، قال: حدثنا سليمان بن الربيع النهدي، قال:

حدثنا نصر بن مزاحم المنقري قال أبو الحسن علي بن بلال:] «2» و حدثني علي بن عبد الله بن أسد بن منصور الأصفهاني، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن هلال الثقفي، قال: حدثني محمد بن علي، قال: حدثنا نصر بن مزاحم، عن يحيى بن يعلى الأسلمي، عن علي بن الحزور، عن الأصبغ بن نباتة، قال: جاء رجل إلى علي (عليه السلام)، فقال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء القوم الذين نقاتلهم «3» الدعوة واحدة، و الرسول واحد، و الصلاة واحدة، و الحج واحد، فبم نسميهم؟ فقال: «بما سماهم «4» الله تعالى في كتابه». فقال: ما كل ما في كتاب الله أعلمه.

قال: «أما سمعت الله تعالى يقول في كتابه: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ، فلما وقع الاختلاف كنا نحن أولى بالله عز و جل، و بالنبي (صلى الله عليه و آله)، و بالكتاب، و بالحق، فنحن الذين آمنوا، و هم الذين كفروا، و شاء الله قتالهم بمشيئته و إرادته».

و روى هذا الحديث الشيخ المفيد في (أماليه) بإسناده عن علي بن الحزور، قال: جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، و ذكر الحديث بعينه «5».

1379/ [3]- العياشي: عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه

السلام)، قال: «بالزيادة بالإيمان يتفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله».

قلت: و إن للإيمان درجات و منازل يتفاضل بها المؤمنون عند الله؟ قال: «نعم».

قلت: صف لي ذلك- رحمك الله- حتى أفهمه.

قال: «ما فضل الله به أولياءه بعضهم على بعض فقال: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ،

__________________________________________________

2- الأمالي 1: 200، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 5: 258.

3- تفسير العياشي 1: 135/ 447.

(1) المجادلة 58: 22.

(2) أثبتناه من المصدر، و هو الطريق الأول لروآية هذا الحديث.

(3) في المصدر: تقاتلهم.

(4) في المصدر: سمهم بما سماهم. [.....]

(5) أمالي المفيد: 101/ 3.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 515

الآية، و قال: وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ «1»، و قال: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ «2»، و قال: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ «3»، فهذا ذكر درجات الإيمان و منازله عند الله».

1380/ [4]- عن الأصبغ بن نباتة، قال: كنت واقفا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم الجمل، فجاء رجل حتى وقف بين يديه، فقال: يا أمير المؤمنين، كبر القوم و كبرنا، و هلل القوم و هللنا، و صلى القوم و صلينا، فعلام نقاتلهم؟

فقال: «على هذه الآية: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، فنحن الذين من بعدهم مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَ لكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ فنحن الذين آمنا، و هم

الذين كفروا».

فقال الرجل: كفر القوم، و رب الكعبة، ثم حمل فقاتل حتى قتل (رحمه الله).

1381/ [5]- علي بن إبراهيم، قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الجمل، فقال: يا علي، علام تقاتل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) و من شهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله؟ قال: «على آية في كتاب الله، أباحت لي قتالهم». فقال: و ما هي؟

قال: «قوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَ لكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ».

فقال الرجل: كفر- و الله- القوم.

سورة البقرة(2): آية 254 ..... ص : 515

قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خُلَّةٌ وَ لا شَفاعَةٌ [254] 1382/ [1]- علي بن إبراهيم: أي صداقة.

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 1: 136/ 448.

5- تفسير القمّي 1: 84.

1- تفسير القمّي 1: 84.

(1) الإسراء 17: 55.

(2) الإسراء 17: 21.

(3) آل عمران 3: 163.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 516

سورة البقرة(2): آية 255 ..... ص : 515

قوله تعالى:

اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ- إلى قوله تعالى- وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [255]

1383/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن الحسين بن خالد: أنه قرأ أبو الحسن الرضا (عليه السلام) «1»:

«الله لا إله إلا هو الحي القيوم، لا تأخذه سنة- أي نعاس- و لا نوم، له ما في السماوات و ما في الأرض، و ما بينهما و ما تحت الثرى، عالم الغيب و الشهادة، هو الرحمن الرحيم، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، يعلم ما بين أيديهم و ما خلفهم».

قال: «ما بين أيديهم: فأمور الأنبياء، و ما كان، و ما خلفهم: أي ما لم يكن بعد، إلا بما شاء، أي بما يوحى إليهم، و لا يؤده حفظهما، أي لا يثقل عليه حفظ ما في السماوات و الأرض».

1384/ [2]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي، بإسناده، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ «2»؟ قال: «نحن أولئك الشافعون».

1385/ [3]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن الفضيل، قال: سألت أبا عبد الله

(عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فقال: «يا فضيل، كل شي ء في الكرسي السماوات و الأرض، و كل شي ء في الكرسي».

1386/ [4]- عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة بن أعين، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله جل و عز: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ السماوات و الأرض وسعن الكرسي، أم الكرسي وسع السماوات و الأرض؟ فقال: «بل الكرسي وسع السماوات و الأرض و العرش، و كل شي وسع الكرسي».

1387/ [5]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب،

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 84.

2- المحاسن: 183/ 184.

3- الكافي 1: 102/ 3.

4- الكافي 1: 102/ 4.

5- الكافي 1: 102/ 5.

(1) في المصدر زيادة: الم.

(2) في المصدر زيادة: أي من هم؟ [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 517

عن عبد الله بن بكير، عن زرارة بن أعين، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ السماوات و الأرض وسعن الكرسي، أو الكرسي وسع السماوات و الأرض؟ فقال: «إن كل شي ء في الكرسي».

1388/ [6]- ابن بابويه: قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسني «1»، قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن عيسى بن أبي مريم العجلي، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الله بن زياد العرزمي، قال: حدثنا علي بن حاتم المنقري، عن المفضل بن عمر، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العرش و الكرسي، ما هما؟

فقال: «العرش في

وجه: هو جملة الخلق، و الكرسي وعاؤه، و في وجه آخر: العرش هو العلم الذي أطلع الله عليه أنبياءه و رسله و حججه. و الكرسي: هو العلم الذي لم يطلع الله عليه أحدا من أنبيائه و رسله «2» و حججه (عليهم السلام)».

1389/ [7]- و عنه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ. قال: «علمه».

1390/ [8]- و عنه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، [عن أبيه، عن ابن أبي عمير] «3»، عن عبد الله ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ.

فقال: «السماوات و الأرض و ما بينهما في الكرسي، و العرش: هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره».

1391/ [9]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ سألته أيما أوسع، الكرسي أو السماوات و الأرض؟

قال: «بل «4» الكرسي وسع السماوات و الأرض، و كل شي ء خلق الله في الكرسي».

1392/ [10]- و عنه، قال: حدثنا أبي، عن إسحاق بن الهيثم، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة: أن

__________________________________________________

6- معاني الأخبار: 29/ 1.

7- معاني الأخبار: 30/ 2، التوحيد: 327/ 1.

8- التوحيد: 327/ 2.

9- تفسير القمّي 1: 85.

10- تفسير القمّي 1: 85.

(1) في «ط» و المصدر: الحسيني، انظر معجم رجال الحديث 9: 350.

(2) في المصدر: و رسوله.

(3) أثبتناه من المصدر،

و هو الصواب، انظر معجم رجال الحديث 1: 316 و 10: 203.

(4) في المصدر: لا، بل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 518

عليا (عليه السلام) سئل عن قول الله عز و جل: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ.

فقال: «السماوات و الأرض و ما فيهما من مخلوق، في جوف الكرسي، و له أربعة أملاك يحملونه بإذن الله:

فأما ملك منهم «1» ففي صورة الآدميين، و هي أكرم الصور على الله، و هو يدعو الله و يتضرع إليه، و يطلب الشفاعة و الرزق لبني آدم. و الملك الثاني في صورة الثور، و هو سيد البهائم، و هو يطلب الرزق من «2» الله و يتضرع إليه، و يطلب الشفاعة لجميع البهائم. و الملك الثالث في صورة النسر، و هو سيد الطير، و هو يتضرع إلى الله «3» و يطلب الشفاعة و الرزق لجميع الطير. و الملك الرابع في صورة الأسد، و هو سيد السباع، و هو يرغب إلى الله و يتضرع إليه «4»، و يطلب من الله «5» الشفاعة و الرزق لجميع السباع.

و لم يكن في هذه الصور أحسن من الثور، و لا أشد انتصابا منه، حتى اتخذ الملأ من بني إسرائيل العجل [إلها]، فلما عكفوا عليه و عبدوه من دون الله، خفض الملك الذي في صورة الثور رأسه، استحياء من الله أن عبد من دون الله شي ء يشبهه، و تخوف أن ينزل به العذاب».

ثم قال (عليه السلام): «إن الشجر لم يزل حصيدا كله حتى دعي للرحمن ولد- عز الرحمن و جل أن يكون له ولد- فكادت السماوات أن يتفطرن منه، و تنشق الأرض، و تخر الجبال هدا، فعند ذلك اقشعر الشجر، و صار له شوك، حذار أن ينزل به العذاب،

فما بال قوم غيروا سنة رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و عدلوا عن وصيته في حق علي و الأئمة، و لا يخافون أن ينزل بهم العذاب؟!» ثم تلا هذه الآية: الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ «6» ثم قال: «نحن- و الله- نعمة الله التي أنعم «7» بها على عباده، و بنا فاز من فاز».

1393/ [11]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن «8» عبد الرحمن بن أبي نجران، عن صفوان، عن خلف بن حماد، عن الحسين بن زيد الهاشمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «جاءت زينب العطارة الحولاء «9» إلى نساء النبي (صلى الله عليه و آله) و بناته، و كانت تبيع منهن العطر، فجاء النبي (صلى الله عليه و آله) و هي عندهن، فقال: إذا أتيتنا طابت بيوتنا. فقالت: بيوتك بريحك أطيب، يا رسول الله. قال: فإذا بعت فأحسني،

__________________________________________________

11- الكافي 8: 153/ 143.

(1) في المصدر: فأمّا الملك الأوّل.

(2) في المصدر: إلى.

(3) في المصدر: و هو يطلب إلى اللّه و يتضرّع إليه.

(4) (و يتضرع إليه) ليس في المصدر. [.....]

(5) (من اللّه) ليس في المصدر.

(6) إبراهيم 14: 28- 29.

(7) في المصدر زيادة: اللّه.

(8) في «س و ط»: بن، و هو تصحيف، انظر معجم رجال الحديث 9: 301.

(9) صحابية، عدّها البرقي ممّن روى عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله)، تراجم أعلام النساء 2: 164، معجم رجال الحديث 23: 191.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 519

و لا تغشي، فإنه أتقى، و أبقى للمال.

فقالت: يا رسول الله، ما أتيت بشي ء من بيعي، و إنما أتيت أن أسألك عن

عظمة الله عز و جل.

فقال: جل جلال الله، سأحدثك عن بعض ذلك. ثم قال: إن هذه الأرض بمن عليها عند التي تحتها كحلقة ملقاة في فلاة قي «1»، و هاتان بمن فيهما و من عليهما عند التي تحتها كحلقة ملقاة في فلاة قي، و الثالثة، حتى انتهى إلى السابعة، و تلا هذه الآية: خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ «2». و السبع الأرضين بمن فيهن و من عليهن على ظهر الديك كحلقة ملقاة في فلاة قي، و الديك له جناحان: جناح في المشرق، و جناح في المغرب، و رجلاه في التخوم «3»، و السبع و الديك بمن فيه و من عليه على الصخرة كحلقة ملقاة في فلاة قي، و الصخرة بمن فيها و من عليها على ظهر الحوت كحلقة ملقاة في فلاة قي، و السبع و الديك و الصخرة و الحوت بمن فيه و من عليه على البحر المظلم كحلقة ملقاة في فلاة قي، و السبع و الديك و الصخرة و الحوت و البحر المظلم على الهواء الذاهب كحلقة ملقاة في فلاة قي، و السبع و الديك و الصخرة و الحوت و البحر المظلم و الهواء على الثرى كحلقة ملقاة في فلاة قي. ثم تلا هذه الآية: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى «4».

ثم انقطع الخبر عند الثرى و السبع و الديك و الصخرة و الحوت و البحر المظلم و الهواء، و الثرى و من «5» فيه و من عليه عند السماء الاولى كحلقة في فلاة قي، [و هذا كله و سماء الدنيا بمن عليها و من فيها عند التي فوقها كحلقة في فلاة قي ]

و هاتان السماءان و من فيهما و من عليهما عند التي فوقهما كحلقة في فلاة قي، و هذه الثلاث بمن فيهن و من عليهن عند الرابعة كحلقة في فلاة قي، حتى انتهى إلى السابعة. و هن و من فيهن و من عليهن عند البحر المكفوف عن أهل الأرض كحلقة في فلاة قي، و هذه السبع و البحر المكفوف عند جبال البرد «6» كحلقة في فلاة قي، و تلا هذه الآية: وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ «7».

و هذه السبع و البحر المكفوف و جبال البرد عند الهواء الذي تحار فيه القلوب كحلقة في فلاة قي، و هذه السبع و البحر المكفوف و جبال البرد عند حجب النور كحلقة في فلاة قي، و هذه السبع و البحر المكفوف و جبال البرد و الهواء و حجب النور عند الكرسي كحلقة في فلاة قي. ثم تلا هذه الآية: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

و هذه السبع و البحر المكفوف و جبال البرد و الهواء و حجب النور و الكرسي عند العرش كحلقة في فلاة قي،

__________________________________________________

(1) القيّ: القفر. «الصحاح- قوا- 6: 2469».

(2) الطّلاق 65: 12.

(3) التخوم: جمع تخم، و هو المنتهى أو الحدّ. «الصحاح- تخم- 5: 1877».

(4) طه 20: 6.

(5) في المصدر: بمن.

(6) البرد: شي ء ينزل من السماء يشبه الحصى. «مجمع البحرين- برد- 3: 11».

(7) النور 24: 43.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 520

و تلا هذه الآية: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى «1»».

و

في رواية الحسن: الحجب قبل الهواء الذي تحار فيه القلوب.

1394/ [12]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبيد الله، عن محمد

ابن عبد الله، و موسى بن عمر، و الحسن بن علي بن أبي عثمان، عن محمد بن سنان، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: سألته: هل كان الله عز و جل عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟ قال: «نعم».

قلت: يراها و يسمعها؟

قال: «ما كان محتاجا إلى ذلك، لأنه لم يكن يسألها، و لا يطلب منها، هو نفسه، و نفسه هو، قدرته نافذة، فليس يحتاج أن يسمي نفسه، و لكنه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها، لأنه إذا لم يدع باسمه لم يعرف، فأول ما اختار لنفسه العلي العظيم، لأنها أعلى الأشياء كلها، فمعناه الله، و اسمه العلي العظيم، و هذا أول أسمائه، لأنه على كل شي ء قدير».

1395/ [13]- العياشي: عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ؟ قال: «نحن أولئك الشافعون».

1396/ [14]- عن حماد، عنه (عليه السلام)، قال: رأيته جالسا متوركا برجله على فخذه، فقال له رجل عنده:

جعلت فداك، هذه جلسة مكروهة؟ فقال: «لا، إن اليهود قالت: إن الرب لما فرغ من خلق السماوات و الأرض جلس على الكرسي هذه الجلسة ليستريح، فأنزل الله: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ لم يكن متوركا كما كان».

1397/ [15]- عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ.

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «السماوات و الأرض و جميع ما خلق الله في الكرسي».

1398/ [16]- عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أوسع الكرسي السماوات و الأرض، أم السماوات و الأرض وسعن الكرسي؟

فقال: «إن كل شي ء في الكرسي».

1399/ [17]- عن الحسن المثنى «2»، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال أبو ذر: يا رسول الله، ما

__________________________________________________

12- التوحيد 191/ 4.

13- تفسير العيّاشي 1: 136/ 450. [.....]

14- تفسير العيّاشي 1: 137/ 452.

15- تفسير العيّاشي 1: 137/ 453.

16- تفسير العيّاشي 1: 137/ 454.

17- تفسير العيّاشي 1: 137/ 455.

(1) طه 20: 5.

(2) في المصدر: محسن المثنى و الظاهر أنّه تصحيف: الحسن- أو المحسن- الميثمي. انظر معجم رجال الحديث 5: 166 و 14: 196.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 521

أفضل ما أنزل عليك؟

قال: آية الكرسي، ما السماوات السبع و الأرضون السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، ثم و إن فضل العرش على الكرسي «1» كفضل الفلاة على الحلقة».

1400/ [18]- عن زرارة، قال: سألت أحدهما (عليهما السلام) عن قوله: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أيهما وسع الآخر؟

قال: «الأرضون كلها، و السماوات كلها، و جميع ما خلق الله في الكرسي».

1401/ [19]- عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السماوات و الأرض و سعن الكرسي، أو الكرسي وسع السماوات و الأرض؟

قال: «لا، بل الكرسي وسع السماوات و الأرض و العرش، و كل شي ء خلق الله في الكرسي».

1402/ [20]- عن الأصبع بن نباتة، قال: «سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن قول الله: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ. فقال: «إن السماء و الأرض و ما فيهما من خلق مخلوق في جوف الكرسي، و له أربعة أملاك يحملونه بإذن الله».

1403/ [21]- (احتجاج الطبرسي): في حديث عن الصادق (عليه السلام) و قد سأله رجل، قال له: الكرسي أكبر أم العرش؟

قال (عليه السلام): «كل شي ء خلق «2» الله

في جوف الكرسي ما خلا عرشه، فإنه أعظم من أن يحيط به الكرسي».

قال: فخلق النهار قبل الليل؟

قال: «نعم، خلق النهار قبل الليل، و الشمس قبل القمر، و الأرض قبل السماء، و وضع الأرض على الحوت [و الحوت في الماء، و الماء] في صخرة مخرمة «3»، و الصخرة على عاتق ملك، و الملك على الثرى، و الثرى على الريح العقيم، و الريح على الهواء، و الهواء تمسكه القدرة، و ليس تحت الريح العقيم إلا الهواء و الظلمات، و لا وراء ذلك سعة و لا ضيق، و لا شي ء يتوهم، ثم خلق الكرسي فحشاه السماوات و الأرض، و الكرسي أكبر من كل شي ء خلق «4»، ثم خلق العرش فجعله أكبر من الكرسي».

__________________________________________________

18- تفسير العيّاشي 1: 137/ 456.

19- تفسير العيّاشي 1: 137/ 457.

20- تفسير العيّاشي 1: 137/ 458.

21- الاحتجاج: 352.

(1) في المصدر: بأرض بلاقع، و انّ فضله على العرش.

(2) في المصدر: خلقه.

(3) في المصدر: مجوّفة.

(4) في المصدر: خلقه اللّه. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 522

سورة البقرة(2): الآيات 256 الي 257 ..... ص : 522

اشارة

قوله تعالى:

لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [256] فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [256- 257] 1404/ [1]- علي بن إبراهيم: أي لا يكره أحد على دينه إلا بعد أن قد تبين له الرشد من الغي.

1405/ [2]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز، عن عبد الله بن أبي يعفور، قال:

قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أخالط الناس، فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم، و يتولون فلانا و فلانا، لهم أمانة و صدق و وفاء، و أقوام يتولونكم، و ليس لهم تلك الأمانة، و لا الوفاء، و لا الصدق! قال: فاستوى أبو عبد الله (عليه السلام) جالسا، فأقبل علي كالغضبان، ثم قال: «لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر ليس من الله، و لا عتب على من دان بولاية إمام عادل من الله».

قلت: لا دين لأولئك، و لا عتب على هؤلاء؟

قال: «نعم، لا دين لأولئك و لا عتب على هؤلاء- ثم قال-: ألا تسمع لقول الله عز و جل: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ يعني من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة و المغفرة، بولايتهم كل إمام عادل من الله. و قال: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ إنما عنى بهذا أنهم كانوا على نور الإسلام، فلما تولوا كل إمام جائر ليس من الله عز و جل، خرجوا بولايتهم إياه من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر، فأوجب الله لهم النار مع الكفار، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 84.

2- الكافي 1: 307/ 3.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 523

1406/ [2]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، جميعا، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى .

قال: «هي الإيمان بالله وحده لا شريك له».

1407/ [3]- و عنه: عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن غير

واحد، عن أبان، عن محمد ابن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام)، في قول الله عز و جل: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى . قال: «هي الإيمان».

1408/ [4]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن علي ما جيلويه، قال: حدثني عمي محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن خلف بن حماد الأسدي، عن أبي الحسن العبدي، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي، عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «من أحب أن يستمسك «1» بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، فليستمسك «2» بولاية أخي و وصيي علي بن أبي طالب، فانه لا يهلك من أحبه و تولاه، و لا ينجو من أبغضه و عاداه».

1409/ [5]- و عنه، بإسناده عن حذيفة بن أسيد، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «يا حذيفة، إن حجة الله عليكم بعدي علي بن أبي طالب، الكفر به كفر بالله، و الشرك به شرك بالله، و الشك فيه شك في الله، و الإلحاد فيه إلحاد في الله، و الإنكار له إنكار لله، و الإيمان به إيمان بالله، لأنه أخو رسول الله و وصيه، و إمام أمته، و هو حبل الله المتين، و عروته الوثقى لا انفصام لها، و سيهلك فيه اثنان و لا ذنب له: غال، و مقصر.

يا حذيفة، لا تفارقن عليا فتفارقني، و لا تخالفن عليا فتخالفني، إن عليا مني، و أنا منه، من أسخطه فقد أسخطني، و من أرضاه فقد أرضاني».

1410/ [6]- و عنه: بإسناده، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «الأئمة من ولد الحسين، من أطاعهم فقد

أطاع الله، و من عصاهم فقد عصى الله، هم العروة الوثقى، و هم الوسيلة إلى الله تعالى».

1411/ [7]- و عنه: بإسناده، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «من أحب أن يستمسك بالعروة الوثقى فليستمسك

__________________________________________________

2- الكافي 2: 12/ 1.

3- الكافي 2: 12/ 3.

4- معاني الأخبار: 368/ 1.

5- أمالي الصدوق: 165/ 2.

6- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 2: 58/ 217، ينابيع المودة: 259 و 445.

7- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 2: 58/ 216.

(1) في المصدر: يتمسّك.

(2) في المصدر: فليتمسّك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 524

بحب علي و أهل بيته».

1412/ [8]- سعد بن عبد الله القمي، بإسناده عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال في خطبة طويلة له: «مضى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و خلف في أمته كتاب الله و وصيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) أمير المؤمنين، و إمام المتقين، و حبل الله المتين، و العروة الوثقى لا انفصام لها، و عهده المؤكد، صاحبان مؤتلفان، يشهد كل واحد منهما لصاحبه بالتصديق».

1413/ [9]- و من طريق المخالفين، ما رواه موفق بن أحمد، بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام): «أنت العروة الوثقى».

1414/ [10]- و روى الحسين بن جبير في (نخب المناقب): بإسناده إلى الرضا (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من أحب أن يستمسك بالعروة الوثقى فليستمسك بحب علي بن أبي طالب».

1415/ [11]- ابن شاذان: عن الرضا (عليه السلام) «1»، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ستكون بعدي فتنة مظلمة، الناجي منها من استمسك

«2» بالعروة الوثقى. فقيل: يا رسول الله، و ما العروة الوثقى؟

قال: ولاية سيد الوصيين. قيل: يا رسول الله، و من سيد الوصيين؟ قال: أمير المؤمنين.

قيل: يا رسول الله، و من أمير المؤمنين؟ قال: مولى المسلمين، و إمامهم بعدي.

قيل: يا رسول الله، من مولى المسلمين و إمامهم بعدك؟ قال: أخي علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

1416/ [12]- العياشي: عن زرارة، و حمران، و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) و أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى . قال: «هي الإيمان بالله، يؤمن بالله وحده».

1417/ [13]- عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أخالط الناس، فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم، فيتولون فلانا و فلانا، لهم أمانة و صدق و وفاء، و أقوام يتولونكم، ليس لهم تلك الأمانة، و لا الوفاء، و لا الصدق! قال: فاستوى أبو عبد الله (عليه السلام) جالسا، و أقبل علي كالغضبان، ثم قال: «لا دين لمن دان بولاية إمام جائر ليس من الله، و لا عتب على من دان بولاية إمام عدل من الله».

قال: قلت: لا دين لأولئك، و لا عتب على هؤلاء؟

__________________________________________________

8- مختصر بصائر الدرجات: 89.

9- مناقب الخوارزمي: 24.

10- ... مناقب ابن شهر آشوب 3: 76.

11- مائة منقبة: 149/ 81. [.....]

12- تفسير العيّاشي 1: 138/ 459.

13- تفسير العيّاشي 1: 138/ 460.

(1) رواه في المصدر بهذا السند: حدّثنى قاضي القضاة أبو عبد اللّه الحسين بن هارون الضّبّي (رحمه اللّه)، قال: حدّثني أحمد بن محمّد، قال: حدّثني عليّ بن الحسن، عن أبيه، قال حدثني عليّ بن موسى (عليه السّلام).

(2) في المصدر: من تمسّك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 525

فقال: «نعم، لا

دين لأولئك، و لا عتب على هؤلاء- ثم قال-: أما تسمع لقول الله: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ يخرجهم من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة و المغفرة، لولايتهم كل إمام عادل من الله، قال الله تعالى: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ».

قال: قلت: أليس الله عنى بها الكفار حين قال: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا؟

قال: قال: «و أي نور للكافر و هو كافر، فاخرج منه إلى الظلمات؟! إنما عنى الله بهذا أنهم كانوا على نور الإسلام، فلما أن تولوا كل إمام جائر ليس من الله، خرجوا بولايتهم إياهم من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر، فأوجب لهم النار مع الكفار، فقال: أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ».

1418/ [14]- عن مسعدة بن صدقة، قال: قص أبو عبد الله قصة الفريقين جميعا في الميثاق، حتى بلغ الاستثناء من الله في الفريقين، فقال: «إن الخير و الشر خلقان من خلق الله، له فيهما المشيئة في تحويل ما يشاء فيما قدر فيها حال عن حال، و المشيئة فيما خلق لها من خلقه في منتهى ما قسم لهم من الخير و الشر، و ذلك أن الله قال في كتابه: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ فالنور هم آل محمد (صلوات الله عليهم)، و الظلمات عدوهم».

1419/ [15]- عن مهزم الأسدي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «قال الله تبارك و تعالى: لأعذبن كل رعية دانت بإمام ليس من الله، و إن كانت الرعية في أعمالها برة تقية، و لأغفرن عن كل رعية دانت بكل إمام من الله، و إن كانت الرعية

في أعمالها سيئة».

قلت: فيعفو عن هؤلاء، و يعذب هؤلاء؟ قال: «نعم، إن الله يقول: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ».

ثم ذكر الحديث الأول- حديث ابن أبي يعفور، برواية محمد بن الحسين- و زاد فيه: «فأعداء علي أمير المؤمنين (عليه السلام) هم الخالدون في النار، و إن كانوا في أديانهم على غاية الورع و الزهد و العبادة، و المؤمنون بعلي (عليه السلام) هم الخالدون في الجنة، و إن كانوا في أعمالهم على ضد ذلك».

1420/ [16]- ابن شهر آشوب: عن الباقر (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ نزلت في أعدائه و من تبعهم، أخرجوا الناس من النور- و النور: ولاية علي- فصاروا إلى ظلمة ولاية أعدائه.

1421/ [17]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كل راية ترفع قبل قيام

__________________________________________________

14- تفسير العيّاشي 1: 138/ 461.

15- تفسير العيّاشي 1: 139/ 462.

16- المناقب 3: 81.

17- الكافي 8: 295/ 452.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 526

القائم فصاحبها طاغوت، يعبد من دون الله عز و جل».

باب فضل آية الكرسي ..... ص : 526

1422/ [1]- محمد بن يعقوب: عن حميد بن زياد، عن الخشاب، عن ابن بقاح، عن معاذ، عن عمرو بن جميع، رفعه إلى علي بن الحسين (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من قرأ أربع آيات من أول البقرة، و آية الكرسي، و آيتين بعدها، و ثلاث آيات من آخرها، لم ير في نفسه و ماله شيئا يكرهه، و لا يقربه شيطان،

و لا ينسى القرآن».

1423/ [2]- عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن الحسن بن الجهم، عن إبراهيم بن مهزم، عن رجل سمع أبا الحسن (عليه السلام) يقول: «من قرأ آية الكرسي عند منامه، لم يخف الفالج إن شاء الله، و من قرأها في دبر كل فريضة، لم يضره ذو حمة» «1».

1424/ [3]- و عنه: عن حميد بن زياد، عن الحسن «2» بن محمد، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن يعقوب ابن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لما أمر الله عز و جل هذه الآيات أن يهبطن إلى الأرض، تعلقن بالعرش، و قلن: أي رب، إلى أين تهبطنا، إلى أهل الخطايا و الذنوب؟

فأوحى الله عز و جل إليهن: أن اهبطن، فوعزتي و جلالي لا يقولكن «3» أحد من آل محمد و شيعتهم في دبر ما افترضت عليه [من المكتوبة في كل يوم ] إلا نظرت إليه بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة، أقضي له في كل نظرة سبعين حاجة، و قبلته على ما فيه من المعاصي، و هي أم الكتاب، شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ «4» و آية الكرسي، و آية الملك».

1425/ [4]- ابن بابويه، قال: حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس، قال: حدثنا أبي، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر الأزدي، عن عمرو بن أبي المقدام، قال: سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: «من قرأ آية الكرسي مرة، صرف الله عنه ألف مكروه من مكروه الدنيا، و ألف مكروه من مكروه الآخرة، أيسر مكروه الدنيا الفقر، و أيسر مكروه الآخرة عذاب القبر».

__________________________________________________

1- الكافي 2: 454/ 5.

2- الكافي 2: 455/

8.

3- الكافي 2: 454/ 2.

4- الأمالي: 88/ 6.

(1) الحمة: السمّ أو الضرر، و المراد بذي حمة: ما كان من الدوابّ سامّا أو ضارا.

(2) في المصدر: الحسين، و هو تصحيف أشار له في معجم رجال الحديث 6: 291. [.....]

(3) في المصدر: لا يتلوكنّ.

(4) آل عمران 3: 18، و في المصدر زيادة: و الملائكة و أولو العلم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 527

1426/ [5]- عنه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن موسى (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال: «سمع بعض آبائي [رجلا] يقرأ ام الكتاب، فقال: شكر و اجر. ثم سمعه يقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ «1». فقال: آمن و أمن. و سمعه يقرأ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ «2». فقال: صدق و غفر له. ثم سمعه يقرأ آية الكرسي، فقال: بخ بخ، نزلت براءة هذا من النار».

1427/ [6]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن محمد بن مروان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ألا أخبركم بما كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول إذا أوى إلى فراشه؟» قلت: بلى. قال: «كان يقرأ آية الكرسي، و يقول: بسم الله آمنت بالله، و كفرت بالطاغوت، اللهم احفظني في منامي و في يقظتي».

1428/ [7]- العياشي: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن لكل شي ء ذروة، و ذروة القرآن آية الكرسي من قرأها مرة صرف الله عنه ألف مكروه من مكاره الدنيا، و ألف مكروه من مكاره

الآخرة، أيسر مكروه الدنيا الفقر، و أيسر مكروه الآخرة عذاب القبر، و إني لأستعين بها على صعود الدرجة».

1429/ [8]- (أمالي الشيخ): بإسناده عن أبي امامة الباهلي، أنه سمع علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) يقول: «ما أرى رجلا أدرك عقله الإسلام و دله في الإسلام يبيت ليلة [في ] سوادها- قلت: و ما سوادها؟ قال: جميعها- حتى يقرأ هذه الآية: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، فقرأ الآية إلى قوله: وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، ثم قال: «فلو تعلمون ما هي- أو قال: ما فيها- ما تركتموها على حال. إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال:

أعطيت آية الكرسي من كنز تحت العرش، و لم يؤتها نبي كان قبلي». قال علي (عليه السلام): «فما بت ليلة قط منذ سمعتها من رسول الله (صلى الله عليه و آله) حتى أقرأها». ثم قال: يا أبا امامة، إني أقرأها ثلاث مرات في ثلاثة أحايين من كل ليلة».

قلت: و كيف تصنع في قراءتك لها، يا بن عم محمد؟ قال: «أقرأها قبل الركعتين بعد صلاة العشاء الآخرة، فو الله ما تركتها منذ سمعت هذا الخبر من نبيكم حتى أخبرتك به».

قال أبو امامة: و الله، ما تركت قراءتها منذ سمعت الخبر من علي بن أبي طالب (عليه السلام).

__________________________________________________

5- الأمالي: 485/ 10.

6- الكافي 2: 389/ 4.

7- تفسير العيّاشي 1: 136/ 451.

8- الأمالي 2: 122.

(1) الإخلاص 112: 1.

(2) القدر 97: 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 528

1430/ [9]- و عن الرضا (عليه السلام)، عن آبائه، قال: «قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): إذا أراد أحدكم الحاجة فليباكر في طلبها يوم الخميس، و ليقرأ إذا خرج من منزله

آخر سورة آل عمران و آية الكرسي و إِنَّا أَنْزَلْناهُ «1» و أم الكتاب، فإن فيها حوائج الدنيا و الآخرة».

سورة البقرة(2): آية 258 ..... ص : 528

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ- إلى قوله تعالى- وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [258]

1431/ [1]- العياشي: عن أبان، عن حجر «2»، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «خالف إبراهيم (عليه السلام) قومه، و عاب آلهتهم حتى ادخل على نمرود فخاصمهم. فقال إبراهيم: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ. قال: أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ، قال إبراهيم: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ».

1432/ [2]- عن أبي بصير، قال: لما دخل يوسف على الملك، قال له: كيف أنت يا إبراهيم؟ قال: «إني لست بإبراهيم، أنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم».

قال: و هو صاحب إبراهيم الذي حاج إبراهيم في ربه. قال: و كان أربع مائة سنة شابا.

1433/ [3]- عن حنان بن سدير، عن رجل من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «إن أشد الناس عذابا يوم القيامة سبعة نفر: أولهم ابن آدم الذي قتل أخاه، و نمرود بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه».

1434/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: إنه لما ألقى نمرود إبراهيم (عليه السلام) في النار، و جعلها الله عليه بردا و سلاما، قال: نمرود: يا إبراهيم، من ربك؟ قال: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ. قال له نمرود: أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ.

__________________________________________________

9- الخصال: 623/ 10.

1- تفسير العيّاشي 1: 139/ 464.

2- تفسير العيّاشي 1: 139/ 463.

3- تفسير العيّاشي

1: 140/ 465.

4- تفسير القمّي 1: 86.

(1) القدر 97: 1. [.....]

(2) في «س، ط»: و المصدر: عن أبان بن حجر، تصحيف، صحيحه ما أثبتناه، انظر روضة الكافي: 368/ 559، معجم رجال الحديث 1: 163.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 529

فقال له إبراهيم (عليه السلام): «كيف تحيي و تميت؟». قال: أعمد إلى رجلين ممن قد وجب عليهما القتل فأطلق عن واحد، و أقتل واحدا، فأكون «1» قد أحييت و أمت.

قال إبراهيم (عليه السلام): «إن كنت صادقا فأحيى الذي قتلته» ثم قال: «دع هذا، فإن ربي يأتي بالشمس من المشرق، فأت بها من المغرب» فكان كما قال الله عز و جل: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أي انقطع، و ذلك أنه علم أن الشمس أقدم منه.

1435/ [5]- أبو علي الطبرسي، قال: اختلف في وقت هذه المحاجة: فقيل: عند كسر الأصنام، قبل إلقائه في النار عن مقاتل. و قيل بعد إلقائه في النار «2» و جعلها عليه بردا و سلاما. عن الصادق (عليه السلام).

و

قال: و روي عن الصادق (عليه السلام): «أن إبراهيم (عليه السلام) قال له: أحيى من قتلته إن كنت صادقا».

سورة البقرة(2): آية 259 ..... ص : 529

أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها- إلى قوله تعالى- قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ [259]

1436/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لما عملت بنو إسرائيل المعاصي و عتوا عن أمر ربهم، أراد الله أن يسلط عليهم من يذلهم و يقتلهم، فأوحى الله تعالى إلى إرميا: يا إرميا، ما بلد انتجبته «3» من بين البلدان، فغرست

فيه من كرائم الشجر، فأخلف فأنبت خرنوبا؟ «4» فأخبر إرميا أحبار «5» بني إسرائيل، فقالوا له: راجع ربك، ليخبرنا ما معنى هذا المثل.

فصام إرميا سبعا، فأوحى الله إليه: يا إرميا، أما البلد فبيت المقدس، و أما ما أنبت فيه فبنو إسرائيل الذين

__________________________________________________

5- مجمع البيان 2: 635.

1- تفسير القمّي 1: 86.

(1) في «س، ط»: فيكون.

(2) (عن مقاتل، و قيل بعد إلقائه في النار) ليس في المصدر.

(3) في المصدر: انتخبته.

(4) الخرنوب: شجر برّيّ من الفصيلة القرنية، ذو شو و حمل كالتّفاح لكنّه بشع. «القاموس المحيط- خرب- 1: 63، المعجم الوسيط- خرب- 1: 223».

(5) في المصدر: أخيار علماء.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 530

أسكنتهم فيها، فعملوا بالمعاصي، و غيروا ديني، و بدلوا نعمتي كفرا، فبي حلفت، لأمتحننهم بفتنة يظل الحليم فيها حيرانا، و لا سلطن عليهم شر عبادي ولادة، و شرهم طعاما، فيسلطن عليهم بالجبرية فيقتل مقاتليهم، و يسبي حريمهم، و يخرب ديارهم التي يغترون بها، و يلقي حجرهم الذي يفتخرون به على الناس في المزابل مائة سنة.

فأخبر إرميا أحبار بني إسرائيل، فقالوا له: راجع ربك، فقل له: ما ذنب الفقراء و المساكين و الضعفاء؟

فصام إرميا سبعا، ثم أكل أكلة فلم يوح إليه شي ء، ثم صام سبعا «1»، فأوحى الله إليه: يا إرميا، لتكفن عن هذا، أو لأردن وجهك إلى «2» قفاك». قال: «ثم أوحى الله تعالى إليه: قل لهم لأنكم رأيتم المنكر فلم تنكروه.

فقال أرميا: رب، أعلمني من هو حتى آتيه، فآخذ لنفسي و أهل بيتي منه أمانا؟ قال: ائت موضع كذا و كذا، فانظر إلى غلام أشدهم زمانة «3»، و أخبثهم ولادة، و أضعفهم جسما، و شرهم غذاء، فهو ذلك.

فأتى إرميا ذلك البلد فإذا هو بغلام

في خان، زمن «4»، ملقى على مزبلة وسط الخان، و إذا له أم ترمي بالكسر، و تفت الكسر في القصعة، و تحلب عليه خنزيرة لها، ثم تدنيه من ذلك الغلام فيأكله.

فقال إرميا: إن كان في الدنيا الذي وصفه الله فهو هذا. فدنا منه، فقال له: ما اسمك؟ قال: بخت نصر. فعرف أنه هو، فعالجه حتى برئ. ثم قال له: تعرفني؟ قال: لا، أنت رجل صالح. قال: أنا إرميا نبي بني إسرائيل، أخبرني الله أنه سيسلطك على بني إسرائيل فتقتل رجالهم، و تفعل بهم كذا و كذا- قال-: فتاه «5» الغلام في نفسه في ذلك الوقت، ثم قال إرميا: اكتب لي كتابا بأمان منك. فكتب له كتابا، و كان يخرج إلى الجبل و يحتطب، و يدخله المدينة و يبيعه، فدعا إلى حرب بني إسرائيل فأجابوه، و كان مسكنهم في بيت المقدس، و أقبل بخت نصر و من أجابه نحو بيت المقدس، و قد اجتمع إليه بشر كثير، فلما بلغ إرميا إقباله نحو بيت المقدس، استقبله على حمار له و معه الأمان الذي كتبه له بخت نصر، فلم يصل إليه إرميا من كثرة جنوده و أصحابه، فصير الأمان على قصبة أو خشبة و رفعها، فقال: من أنت؟ فقال: أنا أرميا النبي الذي بشرتك بأنك سيسلطك الله على بني إسرائيل، و هذا أمانك لي.

فقال: أما أنت فقد أمنتك، و أما أهل بيتك فإني أرمي من هاهنا إلى بيت المقدس، فإن وصلت رميتي إلى بيت المقدس فلا أمان لهم عندي، و إن لم تصل فهم آمنون. و انتزع قوسه و رمى نحو بيت المقدس، فحملت الريح النشابة حتى علقتها في بيت المقدس، فقال: لا أمان لهم عندي.

فلما وافى نظر

إلى جبل من تراب وسط المدينة، و إذا دم يغلي وسطه، كلما ألقي عليه التراب خرج و هو يغلي، فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا [دم ] نبي كان لله، فقتله ملوك بني إسرائيل و دمه يغلي، و كلما ألقينا عليه التراب خرج يغلي.

__________________________________________________

(1) في المصدر زيادة: و أكل أكلة، و لم يوح إليه شي ء، ثمّ صام سبعا.

(2) في المصدر: في.

(3) الزّمانة: مرض يدوم. «المعجم الوسط- زمن- 1: 401».

(4) الزّمن: وصف من الزّمانة، أي مريض.

(5) تاه: تحيّر أو تكبّر. «الصحاح- تيه- 6: 2229».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 531

فقال بخت نصر: لأقتلن بني إسرائيل أبدا حتى يسكن هذا الدم. و كان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا (عليه السلام)، و كان في زمانه ملك جبار يزني بنساء بني إسرائيل، و كان يمر بيحيى بن زكريا، فقال له يحيى: اتق الله- أيها الملك- لا يحل لك هذا. فقالت له امرأة من اللواتي كان يزني بهن حين سكر: أيها الملك اقتل يحيى. فأمر أن يؤتى برأسه، فأتي «1» برأس يحيى (عليه السلام) في طست، و كان الرأس يكلمه، و يقول له: يا هذا، اتق الله، لا يحل لك هذا. ثم غلى الدم في الطست حتى فاض إلى الأرض، فخرج يغلي و لا يسكن، و كان بين قتل يحيى و بين خروج بخت نصر مائة سنة.

و لم يزل بخت نصر يقتلهم، و كان يدخل قرية قرية، فيقتل الرجال و النساء و الصبيان، و كل حيوان، و الدم يغلي حتى أفناهم، فقال: بقي أحد في هذه البلاد؟ فقالوا: عجوز في موضع كذا و كذا. فبعث إليها فضرب عنقها على الدم فسكن، و كانت آخر من بقي.

ثم أتى بابل فبنى بها مدينة،

و أقام و حفر بئرا، فألقى فيها دانيال، و ألقى معه اللبوة، فجعلت اللبوة تأكل «2» طين البئر، و يشرب دانيال لبنها، فلبث بذلك زمانا. فأوحى الله إلى النبي الذي كان في بيت المقدس: أن اذهب بهذا الطعام و الشراب إلى دانيال، و أقرئه مني السلام. قال: و أين دانيال، يا رب؟ قال: في بئر ببابل في موضع كذا و كذا.

فأتاه فاطلع في البئر، فقال: يا دانيال؟ فقال: لبيك، صوت غريب «3». قال: إن ربك يقرئك السلام، و قد بعث إليك بالطعام و الشراب. فدلاه إليه- قال- فقال دانيال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، الحمد لله الذي لا يخيب من دعاه، الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه، الحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره، الحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا، الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة، الحمد لله الذي يكشف ضرنا عند كربتنا، الحمد لله الذي هو ثقتنا حين تنقطع الحيل منا، الحمد لله الذي هو رجاؤنا حين ساء ظننا بأعمالنا».

قال: «فرأى بخت نصر في منامه «4» كأن رأسه من حديد، و رجليه من نحاس، و صدره من ذهب- قال-:

فدعا المنجمين، فقال لهم: ما رأيت في المنام؟ قالوا: ما ندري، و لكن قص علينا ما رأيت. فقال: أنا اجري عليكم الأرزاق منذ كذا و كذا، و لا تدرون ما رأيت في المنام؟! و أمر بهم فقتلوا».

قال: «فقال له بعض من كان عنده: إن كان عند أحد شي ء فعند صاحب الجب، فإن اللبوة لم تتعرض له، و هي تأكل الطين و ترضعه، فبعث إلى دانيال، فقال: ما رأيت في المنام؟ قال: رأيت كأن رأسك من حديد، و رجليك من نحاس،

و صدرك من ذهب.

فقال: هكذا رأيت، فما ذاك؟ قال: قد ذهب ملكك، و أنت مقتول إلى ثلاثة أيام، يقتلك رجل من ولد فارس».

__________________________________________________

(1) في المصدر: فأتوا. [.....]

(2) في المصدر زيادة: من.

(3) في «ط» نسخة بدل: بصوت غريب.

(4) في المصدر: نومه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 532

قال: «فقال: إن علي سبع مدائن، على باب كل مدينة حرس، و ما رضيت بذلك حتى وضعت بطة من نحاس على باب كل مدينة، لا يدخل غريب إلا صاحت عليه، حتى يؤخذ- قال- فقال له: إن الأمر كما قلت لك».

قال: «فبث الخيل، و قال: لا تلقون أحدا من الخلق إلا قتلتموه كائنا من كان. و كان دانيال جالسا عنده، و قال:

لا تفارقني هذه الثلاثة أيام، فإن مضت هذه الثلاثة أيام و أنا سالم قتلتك.

فلما كان في اليوم الثالث ممسيا أخذه الغم، فخرج فتلقاه غلام كان يخدم ابنا له، من أهل فارس، و هو لا يعلم أنه من أهل فارس، فدفع إليه سيفه، و قال: يا غلام، لا تلقى أحدا من الخلق إلا و قتلته، و إن لقيتني أنا فاقتلني.

فأخذ الغلام سيفه فضرب به بخت نصر ضربة فقتله.

فخرج إرميا على حمار و معه تين قد تزوده، و شي ء من عصير، فنظر إلى سباع البر و سباع البحر و سباع الجو تأكل الجيف، ففكر في نفسه ساعة، ثم قال: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها و قد أكلتهم السباع، فأماته الله مكانه و هو قول الله تبارك و تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ أي أحياه.

فلما رحم الله بني إسرائيل، و أهلك بخت نصر،

رد بني إسرائيل إلى الدنيا، و كان عزير لما سلط الله بخت نصر على بني إسرائيل، هرب و دخل في عين و غاب فيها، و بقي إرميا «1» ميتا مائة سنة، ثم أحياه الله تعالى، فأول ما أحيا منه عيناه في مثل غرقئ «2» البيض، فنظر، فأوحى الله تعالى إليه: كم لبثت؟ قال لبثت يوما. ثم نظر إلى الشمس و قد ارتفعت فقال: أو بعض يوم.

فقال الله تعالى: بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ أي لم يتغير وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فجعل ينظر إلى العظام البالية المنفطرة تجتمع إليه و إلى اللحم الذي قد أكلته السباع يتألف إلى العظام من هاهنا و هاهنا، و يلتزق بها حتى قام، و قام حماره، فقال: أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ».

1437/ [1]- العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها.

فقال: «إن الله بعث إلى بني إسرائيل نبيا يقال له إرميا، فقال: قل لهم: ما بلد تنقيته من كرائم البلدان، و غرست فيه من كرائم الغرس، و نقيته من كل غريبة، فأخلف فأنبت خرنوبا؟- قال- فضحكوا و استهزءوا به، فشكاهم إلى الله- قال-: فأوحى الله إليه: أن قل لهم: إن البلد بيت المقدس، و الغرس بنو إسرائيل تنقيته من كل غريبة، و نحيت عنهم كل جبار، فأخلفوا فعملوا بمعاصي الله، فلا سلطن عليهم في بلدهم من يسفك دماءهم،

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1: 140/ 466.

(1) في «ط» نسخة بدل:

دانيال.

(2) الغرقى: القشرة الرقيقة الملتزقة ببياض البيض. «المعجم الوسيط- غرقأ- 2: 650».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 533

و يأخذ أموالهم، فإن بكوا إلي فلم أرحم بكاءهم، و إن دعوا لم أستجب دعاءهم «1» ثم لأخربنها مائة عام، ثم لا عمرنها.

فلما حدثهم جزعت العلماء، فقالوا: يا رسول الله، ما ذنبنا نحن، و لم نكن نعمل بعملهم، فعاود لنا ربك.

فصام سبعا، فلم يوح إليه شي ء، فأكل أكلة ثم صام سبعا فلم يوح إليه شي ء، فأكل أكلة، ثم صام سبعا. فلما كان يوم الواحد و العشرين أوحى الله إليه: لترجعن عما تصنع، أ تراجعني في أمر قضيته، أو لأردن وجهك على دبرك. ثم أوحى إليه: قل لهم: لأنكم رأيتم المنكر فلم تنكروه. فسلط الله عليهم بخت نصر، فصنع بها ما قد بلغك، ثم بعث بخت نصر إلى النبي (عليه السلام)، فقال: إنك قد نبئت عن ربك، و حدثتهم بما أصنع بهم، فإن شئت فأقم عندي فيمن شئت، و إن شئت فاخرج.

فقال: لا بل أخرج، فتزود عصيرا و تينا و خرج. فلما أن كان «2» مد البصر التفت إليها، فقال: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ، أماته غدوة، و بعثه عشية قبل أن تغيب الشمس، و كان أول شي ء خلق منه عينيه في مثل غرقئ البيض، ثم قيل له: كم لبثت؟ قال: لبثت يوما. فلما نظر إلى الشمس لم تغب، قال: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً».

قال: «فجعل ينظر إلى عظامه، كيف يصل بعضها إلى بعض، و يرى العروق

كيف تجري، فلما استوى قائما، قال: أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ».

و في رواية هارون: فتزود عصيرا و لبنا.

1438/ [3]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه و آله) هكذا: ألم تر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له- قال: ما تبين لرسول الله (صلى الله عليه و آله) أنها في السماوات- قال الرسول: أعلم أن الله على كل شي ء قدير. سلم رسول الله (صلى الله عليه و آله) للرب، و آمن بقول الله: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ».

1439/ [4]- أبو طاهر العلوي، عن علي بن محمد العلوي، عن علي بن مرزوق، عن إبراهيم بن محمد، قال: ذكر جماعة من أهل العلم أن ابن الكواء قال لعلي (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، ما ولد أكبر من أبيه من أهل الدنيا؟

قال: «نعم، أولئك ولد عزيز، حين مر على قرية خربة و قد جاء من ضيعة له، تحته حمار، و معه شنة «3» فيها تين، و كوز فيه عصير، فمر على قرية خربة، فقال: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ فتوالد

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 1: 141/ 467.

4- تفسير العيّاشي 1: 141/ 468.

(1) زاد في «ط»: فشّلتهم و فشّلت.

(2) في المصدر: أن غاب.

(3) الشّنّ: القربة الخلق، و هي الشّنّة أيضا. «الصحاح- شنن- 5: 2146».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 534

ولده و تناسلوا، ثم بعث الله إليه فأحياه في المولد الذي أماته فيه، فأولئك ولده أكبر من أبيهم».

1440/ [5]- الطبرسي في (الاحتجاج): في حديث عن الصادق (عليه السلام) و قد سأله زنديق، فقال: فلو أن الله

رد إلينا من الأموات في كل مائة عام [واحدا]، لنسأله عمن مضى منا إلى ما صاروا و كيف حالهم، و ماذا لقوا بعد الموت، أي شي ء صنع بهم، لعمل الناس على اليقين، و اضمحل الشك، و ذهب الغل عن القلوب.

قال (عليه السلام): «إن هذه مقالة من أنكر الرسل و كذبهم [و لم يصدق ] بما جاءوا به من عند الله، [إذ] أخبروا و قالوا: إن الله عز و جل أخبر في كتابه على لسان الأنبياء (عليهم السلام) حال من مات منا، أ فيكون أحدا أصدق من الله قولا و من رسله، و قد رجع إلى الدنيا ممن مات خلق كثير، منهم: أصحاب الكهف، أماتهم الله ثلاث مائة عام و تسعة، ثم بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث، ليقطع حجتهم، و ليريهم قدرته، و ليعلموا أن البعث حق.

و أمات الله إرميا النبي (عليه السلام) الذي نظر إلى خراب بيت المقدس و ما حوله حين غزاهم بخت نصر، فقال:

أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثم أحياه و نظر إلى أعضائه كيف تلتئم، و كيف تلبس اللحم، و إلى مفاصله و عروقه كيف توصل، فلما استوى قائما «1»، قال: أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ».

1441/ [6]- أبو علي الطبرسي، قال: الذي مر على قرية هو عزير. قال: و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام).

قال: و قيل:

هو إرميا. و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام).

1442/ [7]- عنه، قال: و روي عن علي (عليه السلام): «أن عزيرا خرج من أهله، و امرأته حامل، و له خمسون سنة، فأماته الله مائة سنة، ثم بعثه فرجع إلى أهله ابن خمسين سنة، و له ابن له

مائة سنة، فكان ابنه أكبر منه، فذلك من آيات الله».

1443/ [8]- قلت: و روى سعد بن عبد الله القمي في (بصائر الدرجات) عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أن الآية في عزير و عزرة «2»».

سورة البقرة(2): آية 260 ..... ص : 534

قوله تعالى:

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ

__________________________________________________

5- الاحتجاج: 343.

6- مجمع البيان 2: 639.

7- مجمع البيان 2: 641. [.....]

8- مختصر بصائر الدرجات: 23.

(1) في المصدر: قاعدا.

(2) (و عزرة) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 535

ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [260]

1444/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق «1» (رضي الله عنه)، قال: حدثنا حمزة بن القاسم العلوي العباسي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الكوفي الفزاري، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن زيد الزيات، قال: حدثنا محمد بن زياد الأزدي، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: «استجاب الله عز و جل دعوة إبراهيم (عليه السلام) حين قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى و هذه آية متشابهة، و معناها: أنه سأل عن الكيفية، و الكيفية من فعل الله عز و جل، متى لم يعلمها العالم لم يلحقه عيب، و لا عرض في توحيده نقص. فقال الله عز و جل: أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى هذا شرط عام، من آمن به متى سئل واحد منهم: أ و لم تؤمن. وجب أن يقول: بلى كما قال إبراهيم، و لما قال الله عز و جل لجميع أرواح

بني آدم: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى «2» كان أول من قال: بلى محمد (صلى الله عليه و آله)، فصار بسبقه إلى (بلى) سيد الأولين و الآخرين، و أفضل النبيين و المرسلين. فمن لم يجب عن هذه المسألة بجواب إبراهيم فقد رغب عن ملته قال الله عز و جل: وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ «3» ثم اصطفاه الله عز و جل في الدنيا».

1445/ [2]- عنه، قال: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي، قال: حدثني أبي، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا علي بن موسى (عليه السلام)، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله، أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ قال: «بلى».

فسأله عن آيات من القرآن، فكان فيما سأله أن قال له: فأخبرني عن قول الله: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.

قال الرضا (عليه السلام): «إن الله تبارك و تعالى كان أوحى إلى إبراهيم (عليه السلام): أني متخذ من عبادي خليلا، إن سألني إحياء الموتى أجبته، فوقع في نفس إبراهيم (عليه السلام) أنه ذلك الخليل، فقال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي على الخلة قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. فأخذ إبراهيم (عليه السلام) نسرا و بطا و طاوسا و ديكا فقطعهن و خلطهن، ثم جعل على كل جبل من الجبال التي كانت حوله- و كانت عشرة-

__________________________________________________

1- الخصال: 308/

84.

2- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 198/ 1.

(1) في المصدر: عليّ بن أحمد بن موسى، و كلاهما من مشايخ الصدوق، و لا يبعد اتحادهما، انظر معجم رجال الحديث 11: 254 و 255.

(2) الأعراف 7: 172.

(3) البقرة 2: 130.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 536

منهن جزءا، و جعل مناقيرهن بين أصابعه، ثم دعاهن بأسمائهن، و وضع عنده حبا و ماء، فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان، و جاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته و رأسه، فخلى إبراهيم (عليه السلام) عن مناقيرهن فطرن، ثم وقعن و شربن من ذلك الماء، و التقطن من ذلك الحب، و قلن: يا نبي الله، أحييتنا أحياك الله.

فقال إبراهيم (عليه السلام): بل الله يحيي و يميت، و هو على كل شي ء قدير».

قال المأمون: بارك الله فيك يا أبا الحسن.

1446/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن إبراهيم (عليه السلام) نظر إلى جيفة على ساحل البحر تأكلها سباع البر و سباع البحر، ثم تثب «1» السباع بعضها على بعض، فيأكل بعضها بعضا، فتعجب إبراهيم (عليه السلام)، فقال: يا رب، أرني كيف تحيي الموتى؟ فقال الله تعالى: أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ؟ قال: بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. قال: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. فأخذ إبراهيم (عليه السلام) الطاوس و الديك و الحمام و الغراب، فقال الله عز و جل: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ أي قطعهن، ثم اخلط لحمهن و فرقهن على عشرة جبال، ثم خذ

مناقيرهن و ادعهن يأتينك سعيا. ففعل إبراهيم (عليه السلام) ذلك، و فرقهن على عشرة جبال، ثم دعاهن، فقال: أجيبيني بإذن الله تعالى. فكانت تجتمع و تتألف لحم كل واحد و عظمه إلى رأسه، فطارت إلى إبراهيم (عليه السلام)، فعند ذلك قال إبراهيم (عليه السلام): إن الله عزيز حكيم».

1447/ [4]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن الحسين بن الحكم، قال: كتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام) أخبره أني شاك، و قد قال إبراهيم (عليه السلام): رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى فإني أحب أن تريني شيئا من ذلك.

فكتب (عليه السلام) إليه: «إن إبراهيم كان مؤمنا و أحب أن يزداد إيمانا، و أنت شاك و الشاك لا خير فيه».

و كتب إليه: «إنما الشك ما لم يأت اليقين، فإذا جاء اليقين لم يجز الشك».

و كتب: «إن الله عز و جل يقول: ما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَ إِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ «2»- قال- نزلت في الشاك».

1448/ [5]- عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن نصر بن قابوس، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا أحببت أحدا من إخوانك فأعلمه ذلك، فإن إبراهيم (عليه السلام) قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي».

__________________________________________________

3- تفسير القمّي 1: 91.

4- الكافي 2: 293/ 1.

5- الكافي 2: 470/ 1.

(1) في المصدر: تحمل.

(2) الأعراف 7: 102.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 537

1449/ [6]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي: عن محمد بن عبد الحميد، عن صفوان بن يحيى، قال: سألت أبا الحسن

الرضا (عليه السلام) عن قول الله لإبراهيم: أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أ كان في قلبه شك؟

قال: «لا، كان على يقين، و لكنه أراد من الله الزيادة في يقينه».

1450/ [7]- العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول إبراهيم (عليه السلام): رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى .

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لما رأى «1» إبراهيم (عليه السلام) ملكوت السماوات و الأرض، رأى رجلا يزني، فدعا عليه فمات، ثم رأى آخر، فدعا عليه فمات، حتى رأى ثلاثة، فدعا عليهم فماتوا. فأوحى الله إليه: أن- يا إبراهيم- إن دعوتك مجابة، فلا تدع على عبادي، فإني لو شئت لم أخلقهم، إني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف: عبدا يعبدني و لا يشرك بي شيئا فأثيبه، و عبدا يعبد «2» غيري فلن يفوتني، و عبدا يعبد غيري فاخرج من صلبه من يعبدني.

ثم التفت فرأى جيفة على ساحل، بعضها في الماء، و بعضها في البر «3»، تجي ء سباع البحر فتأكل ما في الماء، ثم ترجع فيشد بعضها على بعض، و يأكل بعضها بعضا، و تجي ء سباع البر فتأكل منها، فيشد بعضها على بعض و يأكل بعضها بعضا. فعند ذلك تعجب مما رأى، و قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قال: كيف تخرج ما تناسخ! هذه أمم أكل بعضها بعضا. قال: أو لم تؤمن؟ قال: بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي يعني حتى أرى هذا كما أراني «4» الله الأشياء كلها. قال: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ تقطعهن و تخلطهن، كما اخلطت هذه الجيفة في هذه السباع التي أكلت بعضها بعضا ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً، فلما

دعاهن أجبنه، و كانت الجبال عشرة».

1451/ [8]- و روى أبو بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كانت الجبال عشرة، و كانت الطيور: الديك، و الحمامة، و الطاوس، و الغراب. و قال: فخذ أربعة من الطير فصرهن و قطعهن بلحمهن و عظامهن و ريشهن ثم أمسك رؤوسهن، ثم فرقهن على عشرة جبال، على كل جبل منهن جزء. فجعل ما كان في هذا الجبل يذهب إلى هذا الجبل بريشه و لحمه و دمه، ثم يأتيه حتى يضع رأسه في عنقه حتى فرغ من أربعتهن».

__________________________________________________

6- المحاسن: 247/ 249. [.....]

7- تفسير العيّاشي 1: 142/ 469.

8- تفسير العيّاشي 1: 142/ 470.

(1) في المصدر: أري.

(2) في «ط»: عبد.

(3) في «ط»: نسخة بدل: نصفها في الماء، نصفها في البرّ.

(4) في المصدر: رأى.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 538

1452/ [9]- عن معروف بن خربوذ، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «إن الله لما أوحى إلى إبراهيم (عليه السلام): أن خذ أربعة من الطير، عمد إبراهيم فأخذ النعامة و الطاوس و الوزة و الديك، فنتف ريشهن بعد الذبح، ثم جمعهن في مهراسة «1» فهرسهن، ثم فرقهن على جبال الأردن، و كانت يومئذ عشرة جبال، فوضع على كل جبل منهن جزءا، ثم دعاهن بأسمائهن، فأقبلن إليه سعيا- يعني مسرعات- فقال إبراهيم عند ذلك: أعلم أن الله على كل شي ء قدير».

1453/ [10]- عن علي بن أسباط: أن أبا الحسن الرضا (عليه السلام) سئل عن قول الله: قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أ كان في قلبه شك؟ قال: «لا، و لكن أراد من الله الزيادة في يقينه». قال: و الجزء واحد من عشرة «2».

1454/ [11]- عن عبد الصمد بن بشير، قال: جمع لأبي

جعفر المنصور القضاة، فقال لهم: رجل أوصى بجزء من ماله، فكم الجزء؟ فلم يعلموا كم الجزء و اشتكوا إليه فيه، فأبرد بريدا إلى صاحب المدينة أن يسأل جعفر بن محمد (عليه السلام): رجل أوصى بجزء من ماله فكم الجزء؟ و قد أشكل ذلك على القضاة، فلم يعلموا كم الجزء. فإن هو أخبرك به و إلا فاحمله على البريد و وجهه إلي.

فأتى صاحب المدينة أبا عبد الله (عليه السلام) فقال له: إن أبا جعفر بعث إلي أن أسألك عن رجل أوصى بجزء من ماله، و سأل من قبله من القضاة فلم يخبروه ما هو، و قد كتب إلي إن فسرت ذلك له و إلا حملتك على البريد إليه.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «هذا في كتاب الله بين، إن الله يقول لما قال إبراهيم: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى إلى قوله تعالى: ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً فكانت الطير أربعة و الجبال عشرة، يخرج الرجل من كل عشرة أجزاء جزءا واحدا.

و إن إبراهيم (عليه السلام) دعا بمهراس فدق فيه الطيور جميعا، و حبس الرؤوس عنده، ثم إنه دعا بالذي امر به، فجعل ينظر إلى الريش كيف يخرج، و إلى العروق عرقا عرقا حتى تم جناحه مستويا، فأهوى نحو إبراهيم (عليه السلام) فأخذ «3» إبراهيم ببعض الرؤوس فاستقبله به، فلم يكن الرأس الذي استقبله به لذلك البدن حتى انتقل إليه غيره، فكان موافقا للرأس، فتمت العدة، و تمت الأبدان».

1455/ [12]- عن عبد الرحمن بن سيابة، قال: إن امرأة أوصت إلي، و قالت لي: ثلثي تقضي به دين ابن أخي،

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 1: 143/ 471.

10- تفسير العيّاشي 1: 143/ 472.

11- تفسير العيّاشي 1: 143/ 473.

12- تفسير

العيّاشي 1: 144/ 474.

(1) المهراسة: الآلة المهروس بها. «لسان العرب- هرس- 6: 247».

(2) هذه الجملة توضيح

لقوله في الحديث السابق «فوضع على كلّ جبل منهن جزءا»

أو للأحاديث الآتية.

(3) في «س»: فقال، و المراد فأشار، و في المصدر: فمال.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 539

و جزء منه لفلانة «1». فسألت عن ذلك ابن أبي ليلى، فقال: ما أرى لها شيئا، و ما أدري ما الجزء.

فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) و أخبرته كيف قالت المرأة، و ما قال ابن أبي ليلى. فقال: «كذب ابن ليلى، لها عشر الثلث، إن الله أمر إبراهيم (عليه السلام)، فقال: اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً و كانت الجبال يومئذ عشرة، و هو العشر من الشي ء».

1456/ [13]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل أوصى بجزء من ماله. فقال: «جزء من عشرة، كانت الجبال عشرة، و كانت الطير: الطاوس، و الحمامة، و الديك، و الهدهد، فأمره الله أن يقطعهن، و أن يضع على كل جبل منهن جزءا، و أن يأخذ رأس كل طير منها بيده- قال-: فكان إذا أخذ رأس الطير منها بيده، تطاير إليه ما كان منه حتى يعود كما كان».

1457/ [14]- عن محمد بن إسماعيل، عن عبد الله بن عبد الله، قال: جاءني أبو جعفر بن سليمان الخراساني، و قال: نزل بي رجل من خراسان من الحجاج فتذاكرنا الحديث، فقال: مات لنا أخ بمرو، و أوصى إلي بمائة ألف درهم، و أمرني أن اعطي أبا حنيفة منها جزءا، و لم أعرف الجزء كم هو مما ترك؟ فلما قدمت الكوفة أتيت أبا حنيفة، فسألته عن الجزء، فقال لي: الربع. فأبى قلبي ذلك، فقلت: لا أفعل حتى أحج

و استقصي المسألة. فلما رأيت أهل الكوفة قد أجمعوا على الربع، قلت لأبي حنيفة: لا سوءة بذلك، لك أوصى بها يا أبا حنيفة، و لكن أحج و استقصي المسألة. فقال أبو حنيفة: و أنا أريد الحج.

فلما أتينا مكة، و كنا في الطواف فإذا نحن برجل شيخ قاعد، قد فرغ من طوافه، و هو يدعو و يسبح، إذ التفت أبو حنيفة، فلما رآه قال: إن أردت أن تسأل غاية الناس فسل هذا، فلا أحد بعده. قلت: و من هذا؟ قال: جعفر بن محمد.

فلما قعدت و استمكنت، إذ استدار أبو حنيفة خلف ظهر جعفر بن محمد (عليه السلام)، فقعد قريبا مني فسلم عليه و عظمه، و جاء غير واحد مزدلفين مسلمين عليه و قعدوا. فلما رأيت ذلك من تعظيمهم له اشتد ظهري، فغمزني أبو حنيفة أن تكلم. فقلت: جعلت فداك، إني رجل من أهل خراسان، و إن رجلا مات و أوصى إلي بمائة ألف درهم، و أمرني أن أعطي منها جزءا، و سمى لي الرجل، فكم الجزء، جعلت فداك؟

فقال جعفر بن محمد (عليهما السلام): «يا أبا حنيفة، لك أوصى، قل فيها» فقال: الربع، فقال لابن أبي ليلي: «قل فيها» فقال: الربع.

فقال جعفر (عليه السلام): «من أين قلتم الربع؟».

قال: لقول الله: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام) لهم، و أنا أسمع هذا: «قد علمت أن الطير أربعة، فكم كانت الجبال، إنما الأجزاء

__________________________________________________

13- تفسير العيّاشي 1: 144/ 475. [.....]

14- تفسير العيّاشي 1: 144/ 476.

(1) في «ط»: لفلان.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 540

للجبال ليس للطير؟» فقالوا: ظننا أنها أربعة. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «و لكن

الجبال عشرة».

1458/ [15]- عن صالح بن سهل الهمداني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً.

فقال: «أخذ الهدهد و الصرد «1» و الطاوس، و الغراب، فذبحهن و عزل رؤوسهن، ثم نحز «2» أبدانهم بالمنحاز «3» بريشهن، و لحومهن، و عظامهن حتى اختلطت، ثم جزأهن عشرة أجزاء على عشرة جبال، ثم وضع عنده حبا و ماء «4»، ثم جعل مناقيرهن بين أصابعه، ثم قال: ائتيني سعيا بإذن الله، فتطايرت بعض «5» إلى بعض، اللحوم و الريش و العظام حتى استوت الأبدان «6» كما كانت، و جاء كل بدن حتى التزق برقبته التي فيها المنقار، فخلى إبراهيم (عليه السلام) عن مناقيرها، فرفعن و شربن من ذلك الماء، و التقطن من ذلك الحب، ثم قلن: يا نبي الله، أحييتنا أحياك الله. فقال: بل الله يحيي و يميت.

فهذا تفسيره في الظاهر، و أما تفسيره في باطن القرآن، قال: خذ أربعة «7» ممن يحتمل الكلام فاستودعهم علمك، ثم ابعثهم في أطراف الأرض حججا لك على الناس، فإذا أردت أن يأتوك دعوتهم بالاسم الأكبر يأتونك سعيا، بإذن الله تعالى».

سورة البقرة(2): آية 261 ..... ص : 540

قوله تعالى:

مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ [261]

1459/ [1]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي: عن ابن محبوب، عن عمر بن يزيد، قال: سمعت أبا

__________________________________________________

15- تفسير العيّاشي 1: 145/ 477.

1- المحاسن: 254/ 283.

(1) الصّرد: طائر أكبر من العصفور، ضخم الرأس و المنقار يصيد صغار الحشرات، و ربما صاد العصفور، و كانوا يتشاءمون به. «المعجم الوسيط- صرد- 1: 512».

(2) نحز

الشي ء: دقّه و سحقه بالمنحاز. و في المصدر: نخر.

(3) المنحاز: الهاون. «لسان العرب- نحز- 5: 414»، و في المصدر: بالمنخار.

(4) في «س و ط»: عنده أكبادها.

(5) في المصدر: بعضهن.

(6) في المصدر: بالأبدان.

(7) في المصدر زيادة: من الطير.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 541

عبد الله (عليه السلام) يقول: «إذا أحسن العبد المؤمن عمله ضاعف الله تعالى عمله، لكل حسنة سبع مائة، و ذلك قول الله: وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ فأحسنوا أعمالكم التي تعملونها لثواب الله». فقلت له: و ما الإحسان؟

قال: فقال: «إذا صليت فأحسن ركوعك و سجودك، و إذا صمت فتوق كل ما فيه فساد صومك، و إذا حججت فتوق ما يحرم عليك في حجك و عمرتك- قال-: و كل عمل تعمله لله فليكن نقيا من الدنس».

1460/ [2]- الشيخ في (أماليه): قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن الحسن بن محبوب، عن أبي محمد الوابشي، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: «إذا أحسن العبد المؤمن عمله ضاعف الله عمله بكل حسنة سبع مائة ضعف و ذلك قوله عز و جل: وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ».

1461/ [3]- العياشي: عن عمر بن يونس، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إذا أحسن المؤمن عمله ضاعف الله تعالى «1» عمله بكل حسنة سبع مائة ضعف فذلك قول الله عز و جل: وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ فأحسنوا أعمالكم التي تعملونها لثواب الله». قلت: و ما الإحسان؟

قال: إذا صليت فأحسن ركوعك و سجودك، و إذا صمت فتوق «2»

ما فيه فساد صومك، و إذا حججت فتوق كل ما يحرم عليك في حجتك و عمرتك- قال- و كل عمل تعمله فليكن نقيا من الدنس».

1462/ [4]- عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: أ رأيت المؤمن له فضل على المسلم في شي ء من المواريث و القضايا و الأحكام حتى يكون للمؤمن أكثر مما يكون للمسلم في المواريث أو غير ذلك؟

قال: «لا، هما يجريان في ذلك مجرى واحدا إذا حكم الإمام عليهما، و لكن للمؤمن فضلا على المسلم في أعمالهما، و ما يتقربان به إلى الله تعالى».

قال: فقلت: أ ليس الله يقول: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها «3»، و زعمت أنهم مجتمعون على الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج من المؤمن؟

قال: فقال: «أليس الله قد قال: وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ أضعافا كثيرة؟ فالمؤمنون هم الذين يضاعف الله لهم الحسنات، لكل حسنة سبعين ضعفا، فهذا من فضلهم، و يزيد الله المؤمن في حسناته على قدر صحة إيمانه أضعافا مضاعفة كثيرة، و يفعل الله بالمؤمن ما يشاء».

__________________________________________________

2- الأمالي 1: 227.

3- تفسير العيّاشي 1: 146/ 478.

4- تفسير العيّاشي 1: 146/ 479. [.....]

(1) في المصدر زيادة: له.

(2) في المصدر زيادة: كلّ.

(3) الأنعام 6: 160.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 542

1463/ [5]- عن محمد الوابشي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا أحسن العبد المؤمن ضاعف الله له عمله بكل حسنة سبع مائة ضعف، و ذلك قول الله تبارك و تعالى: وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ».

1464/ [6]- عن المفضل بن محمد الجعفي «1»، قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ. قال: «الحبة: فاطمة (صلى الله عليها)، و السبع

سنابل: سبعة من ولدها، سابعهم قائمهم».

قلت: الحسن (عليه السلام)؟ قال: «الحسن إمام من الله مفترض طاعته، و لكن ليس من السنابل السبعة، أولهم الحسين (عليه السلام)، و آخرهم القائم» «2».

فقلت: قوله: فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ. قال: يولد الرجل منهم في الكوفة مائة من صلبه، و ليس ذلك إلا هؤلاء السبعة».

1465/ [7]- أبو علي الطبرسي: الآية عامة في النفقة في جميع ذلك. و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام).

و قال: و قيل: هي خاصة بالجهاد، فأما غيره من الطاعات فإنما يجزي بالواحد عشر أمثالها.

1466/ [8]- و عنه: قال: و روي عن ابن عمر أنه قال: لما نزلت هذه الآية، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «رب زد أمتي» فنزل قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً «3» قال: «رب زد أمتي» فنزل:

إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ «4».

سورة البقرة(2): الآيات 262 الي 266 ..... ص : 542

قوله تعالى:

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَ لا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ- إلى قوله تعالى- لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [262- 266]

1467/ [1]- علي بن إبراهيم: قال: الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من أسدى إلى مؤمن

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 1: 147/ 481.

6- تفسير العيّاشي 1: 147/ 480.

7- مجمع البيان 2: 646.

8- مجمع البيان 2: 646.

1- تفسير القمّي 1: 91.

(1) كذا في «س و ط»: و المصدر، و الظاهر أنّه: الضبي، الذي عدّه الشيخ الطوسي في رجاله: 315/ 556 من أصحاب الإمام الصادق (عليه السّلام).

(2) قال الحرّ العاملي في (إثبات الهداة 7: 95/ 550): هؤلاء السبعة من جملة الاثني عشر، و ليس فيه إشعار بالحصر كما هو واضح، و

لعلّ المراد السابع من الصادق (عليه السّلام)، لأنّه هو المتكلّم بهذا الكلام، انتهى.

و الحديث مجهول و فيه اضطراب بيّن، إذا إنّ ظاهره لا ينسجم مع مسلّمات المذهب، إلّا على تأويل التوسعة في العدد (سبعة)، لأنّ العرب تستخدمه كثيرا و لا تريد به حصر العدد، بل تريد التكثير و التضعيف.

(3) البقرة 2: 245.

(4) الزّمر 39: 10.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 543

معروفا، ثم آذاه بالكلام أو من عليه، فقد أبطل الله صدقته، ثم ضرب فيه مثلا، فقال: كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْ ءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ.

و قال: من كثر امتنانه «1» و أذاه لمن يتصدق عليه بطلت صدقته، كما يبطل التراب الذي يكون على الصفوان».

و الصفوان: الصخرة الكبيرة التي تكون في المفازة «2» فيجي ء المطر فيغسل التراب عنها و يذهب به، فضرب الله هذا المثل لمن اصطنع معروفا ثم اتبعه بالمن و الأذى.

1468/ [2]- و عنه: قال الصادق (عليه السلام): «ما شي ء أحب إلي من رجل سلفت مني إليه يد أتبعتها «3» أختها و أحسنت بها له، لأني رأيت منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل».

ثم ضرب مثل المؤمنين الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله، و تثبيتا من أنفسهم عن المن و الأذى، فقال:

وَ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ قال: مثلهم كمثل جنة: أي بستان، في موضع مرتفع، أصابها وابل: أي مطر، فآتت أكلها ضعفين: أي يتضاعف ثمرها كما

يتضاعف أجر من أنفق ماله ابتغاء مرضاة الله، و الطل: ما يقع بالليل على الشجر و النبات.

1469/ [3]- و عنه: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «و الله يضاعف لمن يشاء: لمن أنفق ماله ابتغاء مرضاة الله- قال- فمن أنفق ماله ابتغاء مرضاة الله ثم امتن على من تصدق عليه، كان كما قال الله: أَ يَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَ أَصابَهُ الْكِبَرُ وَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ- قال-: الإعصار: الرياح، فمن امتن على من تصدق عليه، كان كمن له جنة كثيرة الثمار، و هو شيخ ضعيف و له أولاد «4» ضعفاء فتجي ء ريح أو نار فتحرق ماله كله».

1470/ [4]- العياشي: عن المفضل بن صالح، عن بعض أصحابه، عن جعفر بن محمد، أو أبي جعفر (عليهما السلام)، في قول الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى إلى آخر الآية. قال:

«نزلت في عثمان، و جرت في معاوية و أتباعهما».

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 1: 91.

3- تفسير القمّي 1: 91. [.....]

4- تفسير العيّاشي 1: 147/ 482.

(1) في المصدر: أكثر منّه.

(2) في المصدر: على مفازة.

(3) في المصدر: أتبعته.

(4) في المصدر زيادة: صغار.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 544

1471/ [5]- عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى : «لمحمد و آل محمد (عليه الصلاة و السلام)، هذا تأويل. قال: أنزلت في عثمان».

1472/ [6]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى إلى

قوله: لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْ ءٍ مِمَّا كَسَبُوا. قال: «صفوان: أي حجر، و الذين ينفقون أموالهم رياء الناس: فلان، و فلان، و فلان، و معاوية، و أشياعهم».

1473/ [7]- عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ.

قال: «نزلت في علي (عليه السلام)».

1474/ [8]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، قال: «علي أمير المؤمنين (عليه السلام) أفضلهم، و هو ممن ينفق ماله ابتغاء مرضاة الله».

1475/ [9]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام): إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ، قال: «ريح».

سورة البقرة(2): آية 267 ..... ص : 544

قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [267]

1476/ [1]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ.

قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا أمر بالنخل أن يزكى، يجي ء قوم بألوان من التمر، و هو من أردأ التمر

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 1: 147/ 483.

6- تفسير العيّاشي 1: 148/ 484.

7- تفسير العيّاشي 1: 148/ 485، شواهد التنزيل 1: 104/ 144.

8- تفسير العيّاشي 1: 148/ 486.

9- تفسير العيّاشي 1: 148/ 4987.

1- الكافي 4: 48/ 9.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 545

يؤدونه عن زكاتهم تمرا، يقال له: الجعرور و المعافارة، قليلة اللحاء «1»، عظيمة

النوى، و كان بعضهم يجي ء بها عن التمر الجيد، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا تخرصوا «2» هاتين النخلتين، و لا تجيئوا منها بشي ء، و في ذلك نزل:

وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ و الإغماض: أن تأخذ هاتين التمرتين».

1477/ [2]- و في رواية اخرى: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ.

قال: «كان القوم قد كسبوا مكاسب سوء في الجاهلية، فلما أسلموا أرادوا أن يخرجوها من أموالهم ليتصدقوا بها، فأبى الله تبارك و تعالى إلا أن يخرجوا من أطيب ما كسبوا».

1478/ [3]- عنه: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن داود، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إذا زنى الزاني «3» فارقه روح الإيمان».

قال: فقال: «هو مثل قول الله عز و جل: وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ- ثم قال- غير هذا أبين منه، ذلك قول الله عز و جل: وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ «4» هو الذي فارقه».

1479/ [4]- العياشي: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ.

قال: «كان أناس على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) يتصدقون بشر ما عندهم من التمر الرقيق القشر، الكبير النوى، يقال له: المعافارة، ففي ذلك أنزل الله: وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ».

1480/ [5]- عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): وَ مِمَّا

أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ؟

قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا أمر بالنخل أن يزكى، يجي ء قوم بألوان من التمر، هو من أردأ التمر يؤدونه عن زكاتهم تمرا، يقال له: الجعرور و المعافارة، قليلة اللحاء، عظيمة النوى، فكان بعضهم يجي ء بها عن التمر الجيد، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا تخرصوا هاتين، و لا تجيئوا منها بشي ء، و في ذلك أنزل الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ- إلى قوله:- إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ و الإغماض: أن يأخذ هاتين التمرتين من التمر».

__________________________________________________

2- الكافي 4: 48/ 10.

3- الكافي 2: 216/ 17.

4- تفسير العيّاشي 1: 148/ 488. [.....]

5- تفسير العيّاشي 1: 148/ 489.

(1) في «س»: اللحم.

(2) خرص النخلة: حزر ما عليها من الرّطب. «مجمع البحرين- خرص- 4: 167».

(3) في المصدر: الرجل.

(4) المجادلة 58/ 22.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 546

و قال: «لا يصل إلى الله صدقة من كسب حرام».

1481/ [6]- عن رفاعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ.

قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) بعث عبد الله بن رواحة، فقال: لا تخرصوا جعرورا و لا معافارة، و كان أناس يجيئون بتمر سوء، فأنزل الله جل ذكره: وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ، و ذكر أن عبد الله خرص عليهم تمر سوء، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): يا عبد الله، لا تخرصوا «1» جعرورا و لا معافارة».

1482/ [7]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله: وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ.

قال: «كانت بقايا في أموال الناس أصابوها من الربا، [من المكاسب ] الخبيثة قبل ذلك، فكان

أحدهم يتيممها «2» فينفقها و يتصدق بها، فنهاهم الله عن ذلك».

1483/ [8]- عن أبي الصباح، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله: وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ.

قال: «كان الناس حين أسلموا عندهم مكاسب من الربا و من أموال خبيثة، فكان الرجل يتعمدها من بين ماله فيتصدق بها، فنهاهم الله عن ذلك، و إن الصدقة لا تصلح إلا من كسب طيب».

1484/ [9]- عن إسحاق بن عمار، عن جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: «كان أهل المدينة يأتون بصدقة الفطر إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله) و فيه عذق يسمى الجعرور، و يسمى معافارة، كانا عظيم نواهما، رقيق لحاؤهما، في طعمهما مرارة، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) للخارص: لا تخرص عليهم هذين اللونين، لعلهم يستحيون لا يأتون بهما، فأنزل الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ- إلى قوله تعالى:- تُنْفِقُونَ».

1485/ [10]- عن محمد بن خالد الضبي، قال: مر إبراهيم النخعي على امرأة و هي جالسة على باب دارها بكرة، و كان يقال لها: ام بكر، و في يدها مغزل تغزل به، فقال: يا أم بكر، أما كبرت، ألم يأن لك أن تضعي هذا المغزل؟ فقالت: و كيف أضعه، و سمعت علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «هو من طيبات الكسب».

__________________________________________________

6- تفسير العيّاشي 1: 149/ 490.

7- تفسير العيّاشي 1: 149/ 491.

8- تفسير العيّاشي 1: 149/ 492.

9- تفسير العيّاشي 1: 150/ 493.

10- تفسير العيّاشي 1: 150/ 494.

(1) في المصدر: لا تخرص.

(2) في «ط»: تيمّمها.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 547

سورة البقرة(2): آية 268 ..... ص : 547

قوله تعالى:

الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ

فَضْلًا وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ [268]

1486/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثني أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا محمد ابن أحمد بن يحيى، قال: حدثنا الحسن بن علي، عن عباس، عن أسباط «1»، عن أبي عبد الرحمن، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني ربما حزنت فلا أعرف في أهل و لا مال و لا ولد، و ربما فرحت فلا أعرف في أهل و لا مال و لا ولد.

فقال: «إنه ليس من أحد إلا و معه ملك و شيطان، فإذا كان فرحه كان من دنو الملك منه، و إذا كان حزنه كان من دنو الشيطان منه، و ذلك قول الله تبارك و تعالى: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلًا وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ».

1487/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: إن الشيطان يقول: لا تنفقوا فإنكم تفتقرون «2» وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ أي يغفر لكم إن أنفقتم لله وَ فَضْلًا، قال: يخلف عليكم.

1488/ [3]- العياشي: عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: إني أفرح من غير فرح أراه في نفسي، و لا في مالي، و لا في صديقي، و أحزن من غير حزن أراه في نفسي، و لا في مالي، و لا في صديقي.

قال: نعم، إن الشيطان يلم بالقلب، فيقول: لو كان ذلك عند الله خيرا ما أدال عليك عدوك «3»، و لا جعل بك إليه حاجة، هل تنتظر إلا مثل الذي انتظر الذين من قبلك، فهل قالوا شيئا؟ فذلك الذي يحزن من غير حزن.

و أما عن الفرح، فإن الملك يلم بالقلب فيقول: إن كان الله أدال

عليك عدوك، و جعل بك إليه حاجة، فإنما هي أيام قلائل، أبشر بمغفرة من الله و فضل، و هو قول الله: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلًا».

__________________________________________________

1- علل الشرائع: 93/ 1.

2- تفسير القمّي 1: 92. [.....]

3- تفسير العيّاشي 1: 150/ 495.

(1) في «س»: و أسباط، و لعله الصواب لرواية الحسن بن علي عنه، انظر معجم رجال الحديث 3: 27.

(2) في المصدر: لا تنفق فانّك تفتقر.

(3) أدال عليك عدوّك: جعله يغلبك و ينتصر عليك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 548

سورة البقرة(2): آية 269 ..... ص : 548

قوله تعالى:

يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ [269]

1489/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أيوب بن الحر، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً.

فقال: طاعة الله، و معرفة الإمام».

1490/ [2]- عنه: بإسناده، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً. قال: «معرفة الإمام، و اجتناب الكبائر التي أوجب الله عليها النار».

1491/ [3]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي: عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن الحلبي، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله عز و جل: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً. قال: «هي طاعة الله، و معرفة الإمام «1» (عليه السلام)».

1492/ [4]- العياشي: عن أبي بصير، قال: سألته عن قول الله تعالى: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ

خَيْراً كَثِيراً. قال: «هي طاعة الله، و معرفة الإمام».

1493/ [5]- عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً قال: «المعرفة».

1494/ [6]- عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً قال: «معرفة الإمام و اجتناب الكبائر التي أوجب الله عليها النار».

1495/ [7]- عن سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً.

__________________________________________________

1- الكافي 1: 142/ 11.

2- الكافي 2: 216/ 20.

3- المحاسن: 148/ 40.

4- تفسير العياشي 1: 151/ 496.

5- هذا الحديث ساقط من تفسير العياشي المطبوع، و مثبت في نسخه المخطوطة.

6- تفسير العياشي 1: 151/ 497.

7- تفسير العياشي 1: 151/ 498.

(1) في «س»: و معرفة الإسلام.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 549

فقال: «إن الحكمة: المعرفة و التفقه في الدين، فمن فقه منكم فهو حكيم، و ما من أحد يموت من المؤمنين أحب إلى إبليس من موت فقيه».

1496/ [8]- علي بن إبراهيم، قال: الخير الكثير: معرفة أمير المؤمنين (عليه السلام)، و الأئمة (عليهم السلام).

1497/ [9]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابه، رفعه، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما قسم الله للعباد شيئا أفضل من العقل، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، و إقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل، و لا بعث الله نبيا و لا رسولا حتى يستكمل العقل، و يكون عقله أفضل من جميع عقول أمته، و ما يضمر النبي في نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين، و ما أدى العبد فرائض

الله حتى عقل عنه، و لا بلغ جميع العابدين في فضل عباداتهم ما بلغ العاقل، و العقلاء هم اولوا الألباب، قال الله تبارك و تعالى: وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ».

1498/ [10]- و عن الصادق (عليه السلام) قال: «الحكمة ضياء المعرفة، و ميزان «1» التقوى، و ثمرة الصدق، و ما أنعم الله على عباده بنعمة أعظم و أنعم و أرفع و أجزل و أبهى من الحكمة للقلب قال الله عز و جل: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ».

سورة البقرة(2): آية 271 ..... ص : 549

قوله تعالى:

إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [271]

1499/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله عز و جل: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ. قال: «يعني الزكاة المفروضة».

قال: قلت: وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ. قال: «يعني النافلة، إنهم يستحبون إظهار الفرائض، و كتمان النوافل».

1500/ [2]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبي المغرا،

__________________________________________________

8- تفسير القمّي 1: 92.

9- الكافي 1: 10/ 11. [.....]

10- مصباح الشريعة: 198.

1- الكافي 4: 60/ 1.

2- الكافي 3: 499/ 9.

(1) في «ط»: و ميراث.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 550

عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. قال: «ليس من الزكاة، و صلتك قرابتك ليس من الزكاة».

1501/ [1]- و عنه: عن علي بن إبراهيم،

عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. فقال: «هي سوى الزكاة، إن الزكاة علانية غير سر».

1502/ [2]- العياشي: عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله: وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. قال: «ليس تلك الزكاة، و لكن الرجل يتصدق لنفسه، و الزكاة علانية ليس بسر».

سورة البقرة(2): آية 273 ..... ص : 550

قوله تعالى:

لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً [273] 1503/ [3]- قال علي بن إبراهيم: هم الذين لا يسألون الناس إلحافا من الراضين، و المتجملين في الدين الذين لا يسألون الناس إلحافا، و لا يقدرون أن يضربوا في الأرض فيكسبوا، فيحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف عن السؤال».

1504/ [4]- أبو علي الطبرسي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «نزلت الآية في أصحاب الصفة».

قال: و كذلك رواه الكلبي عن ابن عباس، و هم نحو من أربع مائة رجل لم يكن لهم مساكن بالمدينة و لا عشائر يأوون إليهم فجعلوا أنفسهم في المسجد، و قالوا: نخرج في كل سرية «1» يبعثها رسول الله (صلى الله عليه و آله). فحث الله الناس عليهم، فكان الرجل إذا أكل و عنده فضل أتاهم به إذا أمسى.

1505/ [5]- العياشي: عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن الله يبغض الملحف» «2».

__________________________________________________

1- الكافي 3: 502/ 17.

2- تفسير العيّاشي 1: 151/ 499.

3- تفسير القمّي 1: 93.

4- مجمع البيان 2: 666.

5- تفسير العيّاشي 1: 151/ 500.

(1) السريّة: القطعة من الجيش.

«مجمع البحرين- سرا- 1: 216».

(2) الملحف: أي الملح بالسؤال. «مجمع البحرين- لحف- 5: 119».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 551

سورة البقرة(2): آية 274 ..... ص : 555

قوله تعالى:

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ [274]

1506/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبي المغرا، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت: قوله عز و جل: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً؟ قال: «ليس من الزكاة».

1507/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن عمر بن محمد الجعابي، قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن عبد الله بن محمد بن العباس الرازي التميمي، قال: حدثني أبي «1»، قال: حدثني سيدي علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)- و ذكر عدة أحاديث، ثم قال:- قال: «نزلت: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً في علي».

1508/ [3]- العياشي عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قوله: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً؟ قال: «ليس من الزكاة».

1509/ [4]- عن أبي إسحاق، قال: كان لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أربعة دراهم، لم يملك غيرها، فتصدق بدرهم ليلا، و بدرهم نهارا، و بدرهم سرا، و بدرهم علانية، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه و آله)، فقال: «يا علي، ما حملك على ما صنعت»؟ قال: «إنجاز موعود الله» فأنزل الله: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً إلى آخر

الآيات.

1510/ [5]- الشيخ المفيد في (الاختصاص): بإسناده، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «يا علي ما عملت في ليلتك»؟ قال: «و لم يا رسول الله؟». قال: «نزلت فيك أربعة معان».

قال: «بأبي أنت و أمي، كانت معي أربعة دراهم، فتصدقت بدرهم ليلا، و بدرهم نهارا، و بدرهم سرا، و بدرهم علانية».

قال: «فإن الله أنزل فيك: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ».

__________________________________________________

1- الكافي 3: 499/ 9.

2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 62/ 255.

3- تفسير العياشي 1: 151/ 501. [.....]

4- تفسير العياشي 1: 151/ 502، شواهد التنزيل 1: 109/ 155، أسباب النزول للواحدي: 52.

5- الاختصاص: 150.

(1) (قال: حدثني أبي) ليس في المصدر، و هو سهو، راجع رجال النجاشي: 228/ 603.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 552

1511/ [6]- و من طريق المخالفين، ما رواه موفق بن أحمد في كتاب (المناقب): بإسناده عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، قال: كان لعلي (عليه السلام) أربعة دراهم فأنفقها، واحدا ليلا، و واحدا نهارا، و واحدا سرا، و واحدا علانية، فنزل قوله تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ».

1512/ [7]- و من طريقهم ما رواه ابن المغازلي، يرفعه إلى ابن عباس، في قوله تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً. قال: هو علي بن أبي طالب، كان له أربعة دراهم، فأنفق درهما سرا، و درهما علانية، و درهما بالليل، و درهما بالنهار.

و من (تفسير الثعلبي) «1» مثل هذا.

1513/ [8]- ابن شهر آشوب في (المناقب): عن

ابن عباس، و السدي، و مجاهد، و الكلبي، و أبي صالح، و الواحدي، و الطوسي، و الثعلبي، و الطبرسي، و الماوردي، و القشيري، و الثمالي، و النقاش، و الفتال، و عبد الله «2» بن الحسين، و علي بن حرب الطائي في تفاسيرهم: أنه كان عند علي بن أبي طالب (عليه السلام) أربعة دراهم فضة، فتصدق بواحد ليلا، و بواحد نهارا، و بواحد سرا، و بواحد علانية، فنزل: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً فسمى كل درهم مالا، و بشره بالقبول.

رواه النطنزي في (الخصائص).

1514/ [9]- أبو علي الطبرسي (رحمه الله)، قال: سبب النزول، عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في علي (عليه السلام)، كانت معه أربعة دراهم فتصدق بواحد ليلا، و بواحد نهارا، و بواحد سرا، و بواحد علانية. قال أبو علي الطبرسي:

و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام).

سورة البقرة(2): الآيات 275 الي 276 ..... ص : 552

قوله تعالى:

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ [275]

__________________________________________________

6- مناقب الخوارزمي: 198، مجمع الزوائد 6: 324، ينابيع المودة: 92.

7- مناقب ابن المغازلي: 280/ 325، فرائد السمطين 1: 356/ 282، ينابيع المودة: 290.

8- المناقب 2: 71.

9- مجمع البيان 2: 667.

(1) تحفة الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار: 111 «مخطوط».

(2) في المصدر: و عبيد اللّه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 553

1515/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:

«قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لما أسري بي إلى السماء رأيت قوما يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر أن يقوم من عظم بطنه، فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟». قال هؤلاء: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا

لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ «1» و إذا هم بسبيل آل فرعون، يعرضون على النار غدوا و عشيا، و يقولون: ربنا متى تقوم الساعة؟».

1516/ [2]- العياشي: عن شهاب بن عبد ربه، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «آكل الربا لا يخرج من الدنيا حتى يتخبطه الشيطان».

قوله تعالى:

ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَ مَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [275- 276]

1517/ [3]- ابن بابويه في (الفقيه): بإسناده عن عمر بن يزيد بياع السابري، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

جعلت فداك، إن الناس يزعمون أن الربح على المضطر حرام و هو من الربا؟ فقال: «و هل رأيت أحدا اشترى- غنيا أو فقيرا- إلا من ضرورة؟ يا عمر، قد أحل الله البيع و حرم الربا، فاربح و لا ترب».

قلت: و ما الربا؟ قال: «دراهم بدراهم، مثلان بمثل».

و روى هذا الحديث الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن عمر بن يزيد بياع السابري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و ذكر مثله، إلا أن في آخره: قلت: و ما الربا؟ قال: «دراهم بدراهم، مثلين بمثل، و حنطة بحنطة،

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 93.

2- تفسير العيّاشي 1: 152/ 503.

3- من لا يحضره الفقيه 3: 176/ 793.

(1) ما بعد الآية ليس في المصدر المطبوع، و مثبت في الطبعة الحجرية: 50.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 554

مثلين بمثل» «1».

1518/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن

ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام)، في قول الله عز و جل: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ.

قال: «الموعظة: التوبة».

1519/ [3]- عنه: بإسناده عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن».

1520/ [4]- الشيخ: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، قال: دخل رجل على أبي جعفر (عليه السلام)، من أهل خراسان، قد عمل بالربا حتى كثر ماله، ثم أنه سأل الفقهاء، فقالوا: ليس يقبل منك شي ء إلا أن ترده إلى أصحابه، فجاء إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقص عليه قصته، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): «مخرجك من كتاب الله عز و جل: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ و الموعظة: التوبة».

1521/ [5]- العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ. قال: «الموعظة: التوبة».

1522/ [6]- عن زرارة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن».

1523/ [7]- عن محمد بن مسلم: أن رجلا سأل أبا جعفر (عليه السلام)، و قد عمل بالربا حتى كثر ماله، بعد أن سأل غيره من الفقهاء، فقالوا له: ليس يقبل «2» منك شي ء إلا أن ترده إلى أصحابه. فلما قص على أبي جعفر «3» (عليه السلام)، قال له أبو جعفر (عليه السلام): «مخرجك في كتاب الله تعالى قوله: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما

سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ و الموعظة: التوبة».

1524/ [8]- الشيخ: بإسناده عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)

__________________________________________________

2- الكافي 2: 314/ 2. [.....]

3- الكافي 5: 146/ 10.

4- التهذيب 7: 15/ 68.

5- تفسير العيّاشي 1: 152/ 505.

6- تفسير العيّاشي 1: 152/ 504.

7- تفسير العيّاشي 1: 152/ 506.

8- التهذيب 7: 15/ 65.

(1) التهذيب 7: 18/ 78.

(2) في المصدر: يقيك.

(3) في «ط»: قصّ أبا جعفر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 555

قال: قلت له: سمعت الله يقول: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ، و قد أرى من يأكل الربا يربو ماله! فقال: «أي محق أمحق من درهم الربا، يمحق الدين، و إن تاب منه ذهب ماله و افتقر».

1525/ [9]- عنه: بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى، عن سماعة بن مهران، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): سمعت الله عز و جل يقول في كتابه: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ، و قد أرى من يأكل الربا يربو ماله! فقال: «فأي محق أمحق من درهم الربا، يمحق الدين، و إن تاب ذهب ماله و افتقر».

1526/ [10]- العياشي: عن سالم بن أبي حفصة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن الله يقول: ليس من شي ء إلا وكلت به من يقبضه غيري، إلا الصدقة فإني أتلقفها بيدي تلقفا، حتى إن الرجل و المرأة يتصدق بالتمرة و بشق تمرة، فأربيها له كما يربي الرجل فلوه «1» و فصيله «2»، فيلقاني يوم القيامة و هي مثل احد، و أعظم من احد».

1527/ [11]- عن محمد القمام، عن علي بن الحسين (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه و آله)، قال:

«إن الله ليربي لأحدكم الصدقة كما يربي أحدكم ولده، حتى يلقاها يوم القيامة و هي مثل احد».

1528/ [12]- عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قال الله تبارك و تعالى: أنا خالق كل شي ء، و كلت بالأشياء غيري إلا الصدقة، فإني أقبضها بيدي، حتى أن الرجل و المرأة يتصدق بشق التمرة، فأربيها له كما يربي الرجل منكم فصيله و فلوه، حتى أتركها يوم القيامة أعظم من احد».

1529/ [13]- عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إنه ليس شي ء إلا و قد وكل به ملك، غير الصدقة، فإن الله يأخذها بيده و يربيها، كما يربي أحدكم ولده، حتى يلقاها يوم القيامة و هي مثل احد».

1530/ [14]- الشيخ في (أماليه): بإسناده عن علي (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه و آله: أنه تلا هذه الآية:

فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ قيل: يا رسول الله من أصحاب النار؟ قال: «من قاتل عليا بعدي فأولئك أصحاب النار مع الكفار، فقد كفروا بالحق لما جاءهم، و إن عليا بضعة «3» مني، فمن حاربه فقد حاربني، و أسخط ربي».

__________________________________________________

9- التهذيب 7: 19/ 83.

10- تفسير العيّاشي 1: 152/ 507.

11- تفسير العيّاشي 1: 153/ 508.

12- تفسير العيّاشي 1: 153/ 509.

13- تفسير العيّاشي 1: 153/ 510. [.....]

14- الأمالي 1: 374، مناقب ابن المغازلي: 50/ 73 «قطعة منه».

(1) الفلو: المهر يفطم أو يبلغ السّنة. «المعجم الوسيط- فلا- 2: 702».

(2) الفصيل: ولد الناقة إذا فصل عن امّه. «مجمع البحرين- فصل- 5: 442».

(3) (بضعة) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 556

ثم دعا عليا (عليه السلام)، فقال: «يا

علي حربك حربي، و سلمك سلمي، و أنت العلم فيما بيني و بين أمتي بعدي»

سورة البقرة(2): الآيات 277 الي 279 ..... ص : 556

قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ [278- 279]

1531/ [1]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) و ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنهما قالا في الرجل يكون عليه الدين إلى أجل مسمى، فيأتيه غريمه، فيقول له: أنقد لي من الذي لي كذا و كذا، و أضع عنك بقيته، أو يقول: أنقد لي بعضا، و أمد لك في الأجل فيما بقي.

قال: «لا أرى به بأسا، ما لم يزد على رأس ماله شيئا، يقول الله: فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ».

ابن بابويه في (الفقيه): بإسناده عن أبان، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، مثله «1».

1532/ [2]- العياشي: عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن الرجل يكون عليه الدين إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه، فيقول: أنقد لي.

فقال: «لا أرى به بأسا، لأنه لم يزد على رأس ماله، و قال الله: فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ».

1533/ [3]- عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن التوبة مطهرة من دنس الخطيئة، قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ- إلى قوله:- تَظْلِمُونَ فهذا ما دعا الله إليه عباده من التوبة،

و وعد عليها من ثوابه، فمن خالف ما أمر الله به من التوبة سخط الله عليه، و كانت النار أولى به و أحق».

__________________________________________________

1- التهذيب 6: 207/ 475.

2- تفسير العيّاشي 1: 153/ 511.

3- تفسير العيّاشي 1: 153/ 512.

(1) من لا يحضره الفقيه 3: 21/ 55.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 557

1534/ [4]- أبو علي الطبرسي، قال: روي عن الباقر (عليه السلام): «أن الوليد بن المغيرة كان يربي في الجاهلية، و قد بقي له بقايا على ثقيف، فأراد خالد بن الوليد المطالبة بعد أن أسلم، فنزلت الآية».

1535/ [5]- علي بن إبراهيم: سبب نزولها أنه لما أنزل الله: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ «1» قام خالد بن الوليد إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و قال: يا رسول الله أربى أبي في ثقيف، و قد أوصاني عند موته بأخذه. فأنزل الله تبارك و تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ. فقال: «من أخذ من «2» الربا وجب عليه القتل، و كل من أربى وجب عليه القتل».

1536/ [6]- علي بن إبراهيم، قال: أخبرني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «درهم من ربا أعظم عند الله من سبعين زنية بذات محرم في بيت الله الحرام».

1537/ [7]- الشيخ: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، قال:

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «كل الربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا، فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة».

و قال: «لو

أن رجلا ورث من أبيه مالا، و قد عرف أن في ذلك المال ربا، و لكن اختلط في التجارة بغيره، فإنه له حلال طيب فليأكله، و إن عرف منه شيئا معزولا أنه ربا، فليأخذ رأس ماله و ليرد الزيادة».

1538/ [8]- عنه: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: أتى رجل إلى أبي (عليه السلام)، فقال: إني ورثت مالا، و قد علمت أن صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي، و قد عرفت أن فيه ربا و أستيقن ذلك، و ليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه، و قد سألت فقهاء من أهل العراق، و أهل الحجاز، فقالوا: لا يحل لك أكله من أجل ما فيه.

فقال له أبو جعفر (عليه السلام): «إن كنت تعرف أن فيه مالا معروفا ربا، و تعرف أهله فخذ رأس مالك و رد ما سوى ذلك، و إن كان مختلطا فكله هنيئا مريئا، فإن المال مالك، و اجتنب ما كان يصنع صاحبه، فإن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد وضع ما مضى من الربا، و حرم عليهم ما بقي، فمن جهله وسع له جهله حتى يعرفه، فإذا عرف تحريمه حرم عليه، و وجب عليه فيه العقوبة إذا ركبه، كما يجب على من يأكل الربا».

__________________________________________________

4- مجمع البيان 2: 673.

5- تفسير القمّي 1: 93.

6- تفسير القمّي 1: 93.

7- التهذيب 7: 16/ 69.

8- التهذيب 7: 16/ 70.

(1) البقرة 2: 275. [.....]

(2) (من) ليس في «ط» و المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 558

سورة البقرة(2): آية 280 ..... ص : 558

قوله تعالى:

وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ

[280]

1539/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن يحيى ابن عبد الله، عن الحسن بن الحسن، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «صعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) المنبر ذات يوم، فحمد الله و أثنى عليه و صلى على أنبيائه (صلى الله عليهم)، ثم قال: أيها الناس ليبلغ الشاهد منكم الغائب، ألا و من أنظر معسرا، كان له على الله عز و جل في كل يوم صدقة بمثل ماله حتى يستوفيه».

ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنه معسر، فتصدقوا عليه بمالكم فهو خير لكم».

1540/ [2]- عنه: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سليمان، عن رجل من أهل الجزيرة يكنى أبا محمد، قال: سأل الرضا (صلوات الله عليه) رجل و أنا أسمع، فقال له: جعلت فداك، إن الله تبارك و تعالى يقول: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ أخبرني عن هذه النظرة التي ذكرها الله تعالى في كتابه، لها حد يعرف إذا صار هذا المعسر [إليه ] لا بد له من أن ينظر، و قد أخذ مال هذا الرجل و أنفقه على عياله، و ليس له غلة ينتظر إدراكها، و لا دين ينتظر محله، و لا مال غائب ينتظر قدومه؟

قال: «نعم، ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام، فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عز و جل، فإن كان أنفقه في معصية الله فلا شي ء له على الإمام».

قلت: فما لهذا الرجل الذي ائتمنه

و هو لا يعلم فما أنفقه، في طاعة الله أم في معصية الله؟ قال: «يسعى له في ماله فيرده و هو صاغر».

1541/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن السكوني، عن مالك بن المغيرة، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان «1»، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة، أنها قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: «ما من غريم ذهب بغريمه إلى وال من ولاة المسلمين و استبان للوالي عسرته إلا برى ء هذا المعسر من دينه، و صار دينه على والي المسلمين فيما في يديه من أموال المسلمين».

__________________________________________________

1- الكافي 4: 35/ 4.

2- الكافي 5: 93/ 5.

3- تفسير القمّي 1: 94.

(1) في «س و ط»: عن جرعان، و في المصدر: عن جذعان، و الصواب ما أثبتناه، روى عن سعيد، و روى عنه حمّاد، أنظر تهذيب الكمال 7: 255 و 11: 69، و تهذيب التهذيب 7: 322.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 559

و قال (عليه السلام): «و من كان له على رجل مال أخذه و لم ينفقه في إسراف أو معصية فعسر عليه أن يقضيه، فعلى من له المال أن ينظره حتى يرزقه الله فيقضيه، و إن كان الإمام العادل قائما فعليه أن يقضي عنه دينه، لقول رسول الله (صلى الله عليه و آله): من ترك مالا فلورثته، و من ترك دينا أو ضياعا فعلى الإمام ما ضمنه الرسول، و إن كان صاحب المال موسرا و تصدق بماله عليه، أو تركه فهو خير له وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ».

1542/ [4]- العياشي: عن معاوية بن عمار الدهني، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «قال رسول الله

(صلى الله عليه و آله): من أراد أن يظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، فلينظر معسرا، أو ليدع له من حقه».

1543/ [5]- عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من سره أن يقيه الله من نفحات جهنم، فلينظر معسرا، أو ليدع له من حقه».

1544/ [6]- عن القاسم بن سليمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن أبا اليسر رجل من الأنصار من بني سلمة «1»، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أيكم يحب أن ينفصل من فور «2» جهنم؟» فقال القوم: نحن يا رسول الله. فقال: «من أنظر غريما أو وضع لمعسر».

1545/ [7]- عن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما للرجل أن يبلغ من غريمه؟

قال: «لا يبلغ به شيئا الله أنظره».

1546/ [8]- عن أبان، عمن أخبره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) في يوم حار: من سره أن يظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، فلينظر غريما أو ليدع لمعسر».

1547/ [9]- عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «يبعث الله أقواما من تحت العرش يوم القيامة، وجوههم من نور، و لباسهم من نور، و رياشهم من نور، جلوسا على كراسي من نور».

قال: «فيشرف الله لهم الخلق فيقولون: هؤلاء الأنبياء فينادي مناد من تحت العرش: هؤلاء ليسوا بأنبياء».

قال: «فيقولون: هؤلاء شهداء؟» قال: «فينادي مناد من تحت العرش: ليس هؤلاء شهداء، و لكن هؤلاء قوم

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 1: 153/ 513.

5- تفسير العيّاشي 1: 154/ 514.

6- تفسير العيّاشي 1: 154/

515.

7- تفسير العيّاشي 1: 154/ 516.

8- تفسير العيّاشي 1: 154/ 517.

9- تفسير العيّاشي 1: 154/ 518.

(1) في الحديث سقط واضح، تجده كاملا في أمالي المفيد: 315/ 7، و أمالي الطوسي 1: 81 و 2: 74، و اسد الغابة 4: 245 و في سنده: غانم بن سليمان عن عون بن عبد اللّه.

و أبو اليسر هو كعب بن عمرو الأنصاري السّلمي، هو الذي أسر العبّاس بن عبد المطلب، و شهد صفّين مع عليّ (عليه السّلام). أنظر ترجمته في مستدرك الحاكم 3: 505، و سير أعلام النبلاء 2: 537.

(2) في «ط»: فوج.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 560

ييسرون على المؤمنين، و ينظرون المعسر حتى ييسر».

1548/ [10]- عن ابن سنان، عن أبي حمزة، قال: ثلاثة يظلهم الله يوم القيامة [يوم ] لا ظل إلا ظله: رجل دعته امرأة ذات حسن إلى نفسها فتركها، و قال: إني أخاف الله رب العالمين. و رجل أنظر معسرا أو ترك له من حقه و رجل معلق قلبه بحب المساجد، وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ يعني أن تصدقوا بمالكم عليه فهو خير لكم، فليدع [معسرا] أو ليدع له من حقه نظرا.

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من أنظر معسرا كان له على الله في كل يوم صدقة، بمثل ما له عليه، حتى يستوفي حقه».

1549/ [11]- عن عمر بن سليمان، عن رجل من أهل الجزيرة، قال: سأل الرضا (عليه السلام) رجل، فقال له:

جعلت فداك، إن الله تبارك و تعالى يقول: فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ، فأخبرني عن هذه النظرة التي ذكرها الله، لها حد يعرف إذا صار هذا المعسر لا بد له من أن ينتظر، و قد أخذ مال هذا

الرجل و أنفق على عياله، و ليس له غلة ينتظر إدراكها، و لا دين ينتظر محله، و لا مال غائب ينتظر قدومه؟

قال: «ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام، فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله، فإن كان أنفقه في معصية الله فلا شي ء له على الإمام».

قلت: فما لهذا الرجل الذي ائتمنه، و هو لا يعلم فيم أنفقه في طاعة الله أو في معصية؟ قال: «يسعى له في ماله فيرده و هو صاغر».

سورة البقرة(2): آية 281 ..... ص : 560

قوله تعالى:

وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ [281]

1550/ [1]- ابن شهر آشوب، قال: في (أسباب النزول) عن الواحدي، أنه روى عكرمة، عن ابن عباس، قال:

لما أقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله) من غزوة حنين، و أنزل الله سورة الفتح، قال: يا علي بن أبي طالب، و يا فاطمة إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ ... «1» إلى آخر السورة.

__________________________________________________

10- تفسير العيّاشي 1: 154/ 519. [.....]

11- تفسير العيّاشي 1: 155/ 520.

1- المناقب 1: 234.

(1) النصر 110/ 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 561

و قال السدي و ابن عباس: ثم نزل لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ «1» الآية، فعاش بعدها ستة أشهر، فلما خرج إلى حجة الوداع نزلت عليه في الطريق يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ «2» الآية، فسميت آية الصيف، ثم نزل عليه و هو واقف بعرفة الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ «3» فعاش بعدها واحدا و ثمانين يوما، ثم نزلت عليه آيات الربا، ثم نزل بعدها وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ و هي آخر آية نزلت من السماء، فعاش بعدها واحدا

و عشرين يوما.

سورة البقرة(2): آية 282 ..... ص : 561

قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ- إلى قوله تعالى- بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ [282] 1551/ [1]- قال علي بن إبراهيم: أما قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ

فقد روي في الخبر: أن في البقرة خمس مائة حكم

، و في هذه الآية خمسة عشر حكما، و هو قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَ لا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ ثلاثة أحكام فَلْيَكْتُبْ أربعة أحكام وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ خمسة أحكام، و هو إقراره إذا أملاه.

وَ لْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَ لا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً و لا يخونه ستة أحكام فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ أي لا يحسن أن يمل فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ يعني ولي المال سبعة أحكام وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ثمانية أحكام فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى يعني أن تنسى إحداهما فتذكر الاخرى تسعة أحكام وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا عشرة أحكام.

وَ لا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ أي لا تضجروا أن تكتبوه صغير السن أو كبيرا أحد عشر حكما ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَ أَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَ أَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا أي لا تشكوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها اثنا عشر حكما وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ثلاثة عشر حكما وَ لا يُضَارَّ كاتِبٌ وَ لا شَهِيدٌ أربعة عشر حكما وَ إِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ

فُسُوقٌ بِكُمْ خمسة عشر حكما

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 94.

(1) التوبة 9: 128.

(2) النساء 4: 176.

(3) المائدة 5: 3.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 562

وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ.

1552/ [2]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن محمد و أحمد ابني الحسن، عن أبيهما، عن أحمد بن عمر، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سأله أبي و أنا حاضر عن قول الله عز و جل: حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ «1» قال: «الاحتلام». قال: فقال: «يحتلم في ست عشرة و سبع عشرة سنة و نحوها».

قال: إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة و نحوها؟ فقال: «لا، إذا أتت ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات، و كتبت عليه السيئات، و جاز أمره إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا».

فقال: و ما السفيه؟ فقال: «الذي يشتري الدرهم بأضعافه».

فقال: و ما الضعيف؟ قال: «الأبله».

1553/ [3]- العياشي: عن ابن سنان، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) متى يدفع إلى الغلام ماله؟ قال: «إذا بلغ و أونس منه رشد، و لم يكن سفيها أو ضعيفا».

قال: قلت: فإن منهم من يبلغ خمس عشرة سنة و ست عشرة سنة، و لم يبلغ؟ قال: «إذا بلغ ثلاث عشرة سنة جاز أمره، إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا».

قال: قلت: و ما السفيه و الضعيف؟ قال: «السفيه: شارب الخمر، و الضعيف: الذي يأخذ واحدا باثنين».

1554/ [4]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد و علي بن حديد، عن علي بن النعمان، عن داود بن الحصين، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في

قوله تعالى: فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ.

فقال: «ذلك في الدين إذا لم يكن رجلان فرجل و امرأتان، و رجل واحد و يمين المدعي إذا لم يكن امرأتان، قضى بذلك رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أمير المؤمنين (عليه السلام)».

1555/ [5]- و قال الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام) في قوله عز و جل: وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ قال: «قال: أمير المؤمنين (عليه السلام) شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ قال: من أحراركم من المسلمين العدول قال (عليه السلام): استشهدوهم لتحوطوا بهم «2» أديانكم و أموالكم، و لتستعملوا أدب الله و وصيته، و إن فيها «3» النفع

__________________________________________________

2- التهذيب 9: 182/ 731.

3- تفسير العيّاشي 1: 155/ 521.

4- التهذيب 6: 281/ 774.

5- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 651/ 372.

(1) الأحقاف 46: 15.

(2) في «ط»: استشهدوا بهم لتحوطوا به.

(3) في المصدر: فيهما. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 563

و البركة، و لا تخالفوها «1» فيلحقكم الندم حيث لا ينفعكم الندم.

ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله)، يقول: ثلاثة لا يستجيب الله دعاءهم، بل يعذلهم «2» و يوبخهم:

أما أحدهم: فرجل ابتلي بامرأة سوء فهي تؤذيه و تضاره، و تعيب عليه دنياه فتنغصها و تكدرها «3»، و تفسد عليه آخرته، فهو يقول: اللهم يا رب خلصني منها. يقول الله تعالى: يا أيها الجاهل قد خلصتك منها و جعلت بيدك طلاقها، و التخلص «4» منها طلاقها «5».

و الثاني: رجل مقيم في بلد قد استوبله «6» و لا يحضر له فيه كل ما يريده، و كل ما التمسه حرمه، يقول: اللهم خلصني من هذا [البلد] الذي استوبلته. يقول الله عز و جل: يا عبدي، قد خلصتك

من هذا البلد، و قد أوضحت لك طرق الخروج، و مكنتك من ذلك، فاخرج منه إلى غيره تجتلب عافيتي و تسترزقني.

و الثالث: رجل أوصاه الله تعالى بأن يحتاط لدينه بشهود، و كتاب، فلم يفعل، و دفع ماله إلى غير ثقة، بغير وثيقة فجحده أو بخسه، و هو يقول: اللهم يا رب، رد علي مالي. يقول الله عز و جل: يا عبدي، قد علمتك كيف تستوثق لمالك فيكون محفوظا لئلا يتعرض للتلف فأبيت، فأنت الآن تدعوني، و قد ضيعت مالك و أتلفته، و غيرت وصيتي، فلا أستجيب لك.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ألا فاستعملوا وصية الله تفلحوا و تنجحوا «7»، و لا تخالفوها فتندموا».

1556/ [6]- و قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله عز و جل: فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ قال: عدلت امرأتان في الشهادة برجل واحد، فإذا كان رجلان أو رجل و امرأتان أقاموا الشهادة قضي بشهادتهم.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): و بينا نحن مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) و هو يذاكرنا بقوله تعالى: وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ قال: أحراركم دون عبيدكم، فإن الله عز و جل قد شغل بخدمة مواليهم عن تحمل الشهادات، و عن أدائها، و ليكونوا من المسلمين منكم، فإن الله عز و جل إنما شرف المسلمين العدول بقبول شهادتهم، و جعل ذلك من الشرف العاجل لهم، و من ثواب دنياهم قبل أن ينقلوا «8» إلى الآخرة. إذ جاءت امرأة

__________________________________________________

6- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 656/ 374.

(1) في المصدر: و لا تخالفوهما.

(2) العذل: الملامة. «مجمع البحرين- عذل- 5: 422»، و في المصدر: يعذبهم.

(3) في

«ط» فيبغضها و يكدّرها.

(4) في المصدر: و التفصّي.

(5) في المصدر: طلّقها، و فيه زيادة: و انبذها عنك نبذ الجورب الخلق الممزّق.

(6) استوبلوا المدينة: أي استوخموها و لم توافق أبدانهم، يقال: هذه أرض وبلة: أي وبئة وخمة. «النهاية 5: 146».

(7) في المصدر: و تنجوا.

(8) في المصدر: يصلوا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 564

فوقفت قبالة رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قالت: بأبي أنت و أمي، يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، فما من امرأة يبلغها مسيري هذا إليك إلا سرها ذلك، يا رسول الله، إن الله عز و جل رب الرجال و النساء، و إنك رسول الله.

للرجال و النساء، فما بال المرأتين برجل في الشهادة و في الميراث؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا أيتها المرأة، ذلك قضاء من عدل حكيم لا يجور و لا يحيف و لا يتحامل، لا ينفعه ما منعكن، و لا ينقصه ما بذله لكن، يدبر الأمر بعلمه. يا أيتها المرأة، لأنكن ناقصات الدين و العقل.

قالت: يا رسول الله، و ما نقصان ديننا؟ قال: إن إحداكن تقعد نصف دهرها لا تصلي بحيضة عن الصلاة لله تعالى، و إنكن تكثرن اللعن و تكفرن بالعشرة، تمكث إحداكن عند الرجل عشر سنين فصاعدا، يحسن إليها و ينعم عليها، فإذا ضاقت يده يوما أو خاصمها، قالت له: ما رأيت منك خيرا قط. و من لم يكن من النساء هذه خلقها فالذي يصيبها من هذا النقصان محنة عليها، لتصبر فيعظم الله تعالى ثوابها، فأبشري.

ثم قال لها رسول الله (صلى الله عليه و آله): إنه ما من رجل ردي ء إلا و المرأة الرديئة أردأ منه، و لا من امرأة صالحة إلا و

الرجل الصالح أفضل منها، و ما ساوى الله قط امرأة برجل إلا ما كان من تسوية الله فاطمة بعلي (عليهما السلام) أي في الشهادة».

1557/ [7]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا، قال: «قبل الشهادة».

و قوله: وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ «1» قال: «بعد الشهادة».

1558/ [8]- عنه: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا. قال: «لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة يشهد عليها أن يقول: لا أشهد لكم عليها».

1559/ [9]- و عنه: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن النضر، عن القاسم بن سليمان، عن جراح المدائني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا دعيت إلى الشهادة فأجب».

1560/ [10]- و عنه: بإسناده عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا. فقال: «لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة يشهد عليها أن يقول: لا أشهد لكم».

__________________________________________________

7- التهذيب 6: 275/ 750.

8- التهذيب 6: 275/ 751.

9- التهذيب 6: 275/ 752.

10- التهذيب 6: 275/ 753.

(1) البقرة 2: 283. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 565

1561/ [11]- و عنه: بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في قول الله عز و جل وَ

لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا. فقال: «إذا دعاك الرجل لتشهد له [على دين، أو حق ] لم ينبغ لك أن تتقاعس عنها» «1».

1562/ [12]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا.

قال: «لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى الشهادة «2» أن يقول. لا أشهد لكم».

1563/ [13]- عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، مثله، و قال: «فذلك قبل الكتاب».

1564/ [14]- العياشي: عن زيد أبي اسامة «3»، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله: وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا. قال: «لا ينبغي لأحد إذا ما دعي إلى الشهادة ليشهد عليها، أن يقول: لا أشهد لكم».

1565/ [15]- عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، في قول الله: وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا. قال: «إذا دعاك «4» الرجل لتشهد على دين أو حق لا ينبغي لأحد أن يتقاعس عنه «5»».

1566/ [16]- عن أبي الصباح، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا.

قال: «قبل الشهادة- قال-: لا ينبغي لأحد إذا ما دعي للشهادة أن يشهد عليها، أن يقول: لا أشهد لكم. و ذلك قبل الكتاب».

1567/ [17]- عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا.

__________________________________________________

11- التهذيب 6: 276/ 754.

12- الكافي 7: 379/ 2.

13-

الكافي 7: 280/ 2.

14- تفسير العيّاشي 1: 155/ 522.

15- تفسير العيّاشي 1: 156/ 523.

16- تفسير العيّاشي 1: 156/ 524.

17- تفسير العيّاشي 1: 156/ 527.

(1) في المصدر: تقاعس عنه.

(2) في المصدر: إلى شهادة يشهد عليها.

(3) في المصدر: يزيد بن اسامة، و في «ط»: زيد بن أبي اسامة، و الصواب ما في المتن، لأنّ أبا اسامة كنيته، و هو زيد بن يونس أبو أسامة الشحّام، المعروف بزيد الشحّام، روى عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن (عليهما السّلام)، راجع رجال النجاشيّ: 175/ 462، معجم رجال الحديث 7: 367.

(4) «ط»: دعاكم.

(5) في المصدر: عنها.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 566

قال: «قبل الشهادة».

سورة البقرة(2): آية 283 ..... ص : 566

قوله تعالى:

وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ- إلى قوله- أَمانَتَهُ [283]

1568/ [1]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد و علي بن حديد، عن علي بن النعمان، عن داود بن الحصين، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ: «أي يأخذ منه رهنا، فإن أمنه و لم يأخذ منه رهنا فليتق الله ربه، الذي يأخذ المال».

1569/ [2]- العياشي: عن محمد بن عيسى، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «لا رهن إلا مقبوضا».

قوله تعالى:

وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [283]

1570/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله عز و جل: وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ. قال: «بعد الشهادة».

1571/ [4]-

ابن بابويه في (الفقيه): بإسناده عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من كتم الشهادة أو شهد بها ليهدر بها دم امرئ مسلم، أو ليتوي «1» بها مال امرئ مسلم أتى يوم القيامة و لوجهه ظلمة مد البصر، و في وجهه كدوح «2» تعرفه الخلائق باسمه و نسبه، و من شهد شهادة حق ليحيي بها مال امرئ مسلم أتى يوم القيامة و لوجهه نور مد البصر، تعرفه الخلائق باسمه و نسبه» ثم قال أبو

__________________________________________________

1- ......

2- تفسير العيّاشي 1: 156/ 525. [.....]

3- الكافي 7: 381/ 2.

4- من لا يحضره الفقيه 3: 35/ 114.

(1) التوى: مقصور و يمد، و هو هلاك المال. «مجمع البحرين- توا- 1: 71».

(2) الكدوح: الخدوش، و كلّ أثر من خدش أو عضّ فهو كدح. «النهاية 4: 155».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 567

جعفر (عليه السلام): «ألا ترى أن الله عز و جل يقول: وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ «1»».

1572/ [3]- و عنه: و قال (عليه السلام)، في قوله عز و جل: وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ، قال: «كافر قلبه».

1573/ [4]- العياشي: عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت: وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ؟

قال: «بعد الشهادة».

سورة البقرة(2): الآيات 284 الي 286 ..... ص : 567

قوله تعالى:

لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ- إلى قوله تعالى:- فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ [284-

286]

1574/ [1]- (الاحتجاج): عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام)- في حديث طويل مع يهودي يسأله «2» عن فضائل الأنبياء، و يأتيه أمير المؤمنين (عليه السلام) بما لرسول الله (صلى الله عليه و آله) بما هو أفضل مما اوتي الأنبياء (عليهم السلام)، فكان فيما سأله «3» اليهودي، أنه قال له: فإن هذا سليمان قد سخرت له الرياح، فسارت به في بلاده غدوها شهر و رواحها شهر؟

فقال له علي (عليه السلام): «لقد كان كذلك، و محمد (صلى الله عليه و آله) أعطي ما هو أفضل من هذا: إنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر، و عرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام في أقل من ثلث ليلة، حتى انتهى إلى ساق العرش، فدنا بالعلم فتدلى من الجنة رفرف «4» أخضر، و غشي النور بصره،

__________________________________________________

3- من لا يحضره الفقيه 3: 35/ 115.

4- تفسير العيّاشي 1: 156/ 526.

1- الاحتجاج: 220.

(1) الطّلاق 65: 2.

(2) في «س» نسخة بدل: يخبره.

(3) في «س» نسخة بدل: أخبره.

(4 الرّفرف: البساط. «النهاية 2: 242».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 568

فرأى عظمة ربه عز و جل بفؤاده، و لم يرها بعينه، فكان كقاب قوسين بينها و بينه أو أدنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى «1» فكان فيما أوحى إليه الآية التي في سورة البقرة، قوله تعالى: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.

و كانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن

آدم (عليه السلام) إلى أن بعث الله تبارك اسمه محمدا (صلى الله عليه و آله)، و عرضت على الأمم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها، و قبلها رسول الله (صلى الله عليه و آله) و عرضها على أمته فقبلوها، فلما رأى الله تبارك و تعالى منهم القبول علم أنهم لا يطيقونها، فلما أن سار إلى ساق العرش كرر عليه الكلام ليفهمه، فقال: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، فأجاب (صلى الله عليه و آله) مجيبا عنه و عن أمته، فقال:

وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ فقال جل ذكره: لهم الجنة و المغفرة علي إن فعلوا ذلك، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): أما إذا فعلت بنا ذلك غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ يعني المرجع في الآخرة.

قال: فأجابه الله جل ثناؤه: و قد فعلت ذلك بك و بأمتك. ثم قال عز و جل: أما إذا قبلت الآية بتشديدها و عظم ما فيها، و قد عرضتها على الأمم فأبوا أن يقبلوها، و قبلتها أمتك، فحق علي أن أرفعها عن أمتك. و قال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ من خير وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ من شر.

فقال النبي (صلى الله عليه و آله) لما سمع ذلك: أما فعلت ذلك بي و بأمتي فزدني. قال: سل. قال: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا، قال الله عز و جل: لست او آخذ أمتك بالنسيان و الخطأ لكرامتك علي، و كانت الأمم السالفة إذا نسوا ما ذكروا به فتحت عليهم أبواب العذاب، و قد رفعت «2» ذلك عن أمتك، و كانت الأمم السالفة إذا أخطأوا

أخذوا بالخطإ و عوقبوا عليه، و قد رفعت ذلك عن أمتك لكرامتك علي.

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): اللهم إذا أعطيتني ذلك فزدني. فقال الله تعالى له: سل. قال: رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا، يعني بالإصر: الشدائد التي كانت على من كان من قبلنا. فأجابه الله عز و جل إلى ذلك، فقال تبارك اسمه: قد رفعت عن أمتك الآصار التي كانت على من كان من قبلنا. فأجابه الله عز و جل إلى ذلك، فقال تبارك اسمه: قد رفعت عن أمتك الآصار التي كانت على الأمم السالفة: كنت لا أقبل صلاتهم إلا في بقاع من الأرض معلومة «3» اخترتها لهم و إن بعدت، و قد جعلت الأرض كلها لامتك مسجدا و ترابها طهورا، فهذه من الآصار التي كانت على الأمم قبلك، فرفعتها عن أمتك كرامة لك.

و كانت الأمم السالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوه من أجسادهم، و قد جعلت الماء لامتك طهورا، فهذه من الآصار التي كانت عليهم، فرفعتها عن أمتك.

و كانت الأمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس، فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه نارا

__________________________________________________

(1) النجم 53: 10.

(2) في المصدر: دفعت.

(3) في المصدر: بقاع معلومة من الأرض. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 569

فأكلته فرجع مسرورا، و من لم أقبل ذلك منه رجع مثبورا، و قد جعلت قربان أمتك في بطون فقرائها و مساكينها، فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافا مضاعفة، و من لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا، و قد رفعت ذلك عن أمتك، و هي من الآصار التي كانت على الأمم من قبلك «1».

و كانت الأمم السالفة صلاتها

مفروضة [عليها] في ظلم الليل و أنصاف النهار، و هي من الشدائد التي كانت عليهم، فرفعتها عن أمتك و فرضت صلاتهم في أطراف الليل و النهار، و في أوقات نشاطهم.

و كانت الأمم السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتا، و هي من الآصار التي كانت عليهم، فرفعتها عن أمتك و جعلتها خمسا في خمسة أوقات، و هي إحدى و خمسون ركعة، و جعلت لهم أجر خمسين صلاة.

و كانت الأمم السالفة حسنتهم بحسنة، و سيئتهم بسيئة، و هي من الآصار التي كانت عليهم، فرفعتها عن أمتك، و جعلت الحسنة بعشرة و السيئة بواحدة.

و كانت الأمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة ثم لم يعملها لم تكتب له، و إن عملها كتبت له حسنة، و إن أمتك إذا نوى «2» أحدهم حسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة و إن لم يعملها، و إن عملها كتبت له عشرة، و هي من الآصار التي كانت عليهم، فرفعتها عن أمتك.

و كانت الأمم السالفة إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها لم تكتب عليه، و إن عملها كتبت عليه سيئة، و إن أمتك إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها كتبت له حسنة، و هذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك.

و كانت الأمم السالفة إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم، و جعلت توبتهم من الذنوب: أن حرمت عليهم بعد التوبة أحب الطعام إليهم، و قد رفعت ذلك عن أمتك، و جعلت ذنوبهم فيما بيني و بينهم، و جعلت عليهم ستورا كثيفة، و قبلت توبتهم بلا عقوبة، و لا أعاقبهم بأن احرم عليهم أحب الطعام إليهم.

و كانت الأمم السالفة يتوب أحدهم «3» من الذنب الواحد مائة سنة، أو

ثمانين سنة أو خمسين سنة، ثم لا أقبل توبتهم دون أن أعاقبه في الدنيا بعقوبة، و هي من الآصار التي كانت عليهم، فرفعتها عن أمتك، و إن الرجل من أمتك ليذنب عشرين سنة، أو ثلاثين سنة، أو أربعين سنة، أو مائة سنة، ثم يتوب و يندم طرفة عين، فأغفر له ذلك كله.

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): اللهم إذا أعطيتني ذلك كله فزدني. قال: سل. قال: رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ، فقال تبارك اسمه: قد فعلت ذلك بأمتك، و قد رفعت عنهم جميع «4» بلايا الأمم، و ذلك حكمي في جميع الأمم: أن لا اكلف خلقا فوق طاقتهم.

__________________________________________________

(1) في المصدر: من كان من قبلك.

(2) في المصدر: إذا همّ.

(3) في المصدر زيادة: إلى اللّه.

(4) في المصدر: عظم، و في «ط»: جميع عظيم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 570

قال (صلى الله عليه و آله): وَ اعْفُ عَنَّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا، قال الله عز و جل: قد فعلت ذلك بتائبي أمتك.

ثم قال (صلى الله عليه و آله): فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ قال الله عز اسمه: إن أمتك في الأرض كالشامة البيضاء في الثور الأسود، هم القادرون، و هم القاهرون، يستخدمون و لا يستخدمون لكرامتك علي، و حق علي أن اظهر دينك على الأديان حتى لا يبقى في شرق الأرض و غربها دين إلا دينك، و يؤدون إلى أهل دينك الجزية».

1575/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أن هذه الآية مشافهة الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه و آله) ليلة أسري به إلى السماء، قال النبي (صلى

الله عليه و آله): لما انتهيت إلى محل سدرة المنتهى، فإذا الورقة منها تظل أمة من الأمم، فكنت من ربي قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى «1»، كما حكى الله عز و جل، فناداني ربي تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ. فقلت: أنا مجيب عني و عن أمتي:

وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ، فقال الله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ.

فقلت: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا، و قال الله: لا او آخذك.

فقلت: رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا فقال الله: لا أحملك.

فقلت: رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَ اعْفُ عَنَّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ فقال الله تعالى: قد أعطيتك ذلك لك و لامتك».

فقال الصادق (عليه السلام): «ما وفد إلى الله تعالى أحد أكرم من رسول الله (صلى الله عليه و آله) حيث سأل لأمته هذه الخصال».

1576/ [3]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أبي داود المسترق، قال:

حدثني عمرو بن مروان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): رفع عن امتي أربع خصال: خطأها، و نسيانها، و ما اكرهوا عليه، و ما لم يطيقوا و ذلك قول الله عز و جل: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا

ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ، و قوله:

إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ «2»».

1577/ [4]- و روى صاحب كتاب (المقتضب في إمامة الاثني عشر): [عن أبي الحسن علي بن سنان

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 1: 95.

3- الكافي 2: 335/ 1.

4- مقتضب الأثر: 10، فرائد السمطين 2: 319/ 571.

(1) النجم 53: 9.

(2) النّحل 16: 106.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 571

الموصلي المعدل ] «1»، عن أحمد بن [محمد الخليلي الآملي، عن ] «2» محمد بن صالح، عن سليمان بن محمد «3»، عن زياد «4» بن مسلم، عن عبد الرحمن بن «5» يزيد بن جابر، عن سلام بن أبي عمرة «6»، عن أبي سلمى راعي رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله): يقول: «ليلة أسري بي إلى السماء، قال لي الجليل جل جلاله:

آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ. فقلت: و المؤمنون. فقال تعالى: صدقت- يا محمد- من خلفت في أمتك؟

قلت: خيرها. قال الله تعالى علي بن أبي طالب؟ قلت: نعم.

قال: يا محمد، إني اطلعت على الأرض اطلاعة فاخترتك منها، فشققت لك اسما من أسمائي، فلا اذكر في موضع إلا و ذكرت معي، فأنا المحمود و أنت محمد، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا، و شققت له اسما من أسمائى، فأنا الأعلى و هو علي.

يا محمد، إني خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولده «7» من [سنخ ] «8» نوري، و عرضت ولايتكم على أهل السماوات و الأرض «9»، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، و من جحدها كان عندي من الكافرين.

يا محمد، لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي «10»،

ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم.

يا محمد، تحب أن تراهم؟ قلت: نعم. فقال لي: التفت عن يمين العرش. فالتفت فإذا بعلي، و فاطمة، و الحسن، و الحسين، و علي بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد، و موسى بن جعفر، و علي بن موسى، و محمد بن علي، و علي بن محمد، و الحسن بن علي، و المهدي، في ضحضاح «11» من نور، قيام يصلون، و هو في

__________________________________________________

(1) من المصادر، و هو شيخ الجوهري صاحب المقتضب.

(2) أثبتناه من المصادر، و محمّد بن صالح هو الهمداني كما في المصدر و غيبة الطوسي 147/ 109، و لعلّه أبو إسماعيل الواسطي البطيخي الراوي عن سليمان بن محمّد كما في الجرح و التعديل 7: 288 و تاريخ بغداد 5: 355.

(3) في المصدر: سليمان بن أحمد، راجع التعليقة السابقة.

(4) في المصدر: الريان.

(5) في «س و ط»: عن، و الظاهر أنّه تصحيف، و لعلّه الأزدي الشامي الداراني، وثّقه غير واحد، في الطبقة الثانية من فقهاء أهل الشام بعد الصحابة، انظر طبقات ابن سعد 7: 466 و تهذيب التهذيب 6: 297، و انظر التعليقة الآتية. [.....]

(6) في «س و ط»: عن سلامة، و الظاهر أنّه تصحيف، انظر الجرح و التعديل 4: 258، و معجم رجال الحديث 8: 170.

و لعلّه أبو سلام ممطور الحبشي الراوي عن أبي سلمى، و روى عنه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، انظر تهذيب التهذيب 10: 296.

(7) (و الأئمة من ولده) ليس في المصدر.

(8) السّنخ: الأصل.

(9) في المصدر: و الأرضين.

(10) أي القربة الخلق.

(11) الضّحضاح في الأصل: ما رقّ من الماء على وجه الأرض، و استعير هنا للنور. «النهاية 3: 75».

البرهان في

تفسير القرآن، ج 1، ص: 572

وسطهم- يعني المهدي- كأنه كوكب دري.

فقال: يا محمد، هؤلاء الحجج، و هو الثائر من عترتك، و عزتي و جلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي، و المنتقم من أعدائي».

و روى هذا الحديث من طريق المخالفين موفق بن أحمد بإسناد حذفناه للاختصار، عن أبي سلمى «1» راعي رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و ذكر الحديث بعينه «2».

و رواه الشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة) بإسناده عن أبي سلمى راعي رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و ذكر الحديث «3».

1578/ [5]- محمد بن إبراهيم النعماني: بإسناده عن أبي أيوب المؤدب، عن أبيه، و كان مؤدبا لبعض ولد جعفر بن محمد (عليهما السلام)، قال: قال: «لما توفي رسول الله (صلى الله عليه و آله) دخل المدينة يهودي- و ذكر مسائل مع علي (عليه السلام)- و كان فيما سأله اليهودي أن قال له: ما أول حرف كلم به نبيكم لما أسري به و رجع من عند ربه؟

فقال له علي (عليه السلام): أما أول ما كلم به نبينا (عليه و آله السلام)، قول الله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ قال: ليس هذا أردت.

قال: فقول رسول الله (صلى الله عليه و آله): وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ قال: ليس هذا أردت.

فقال: اترك الأمر مستورا. قال: لتخبرني، أو لست أنت هو؟

فقال: أما إذا أبيت فإن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما رجع من عند ربه، و الحجب ترفع له قبل أن يصير إلى موضع جبرئيل، ناداه ملك: يا أحمد قال: لبيك، فقال «4»: إن الله يقرأ عليك السلام، و يقول لك: اقرأ على السيد الولي السلام. فقال رسول الله (صلى الله عليه و

آله): من السيد الولي؟ قال الملك: علي بن أبي طالب.

قال اليهودي: صدقت و الله، إنى لأجده في كتاب أبي، و اليهودي من ولد داود».

1579/ [6]- العياشي: عن سعدان، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ. قال: «حقيق على الله أن لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من حبهما».

1580/ [7]- عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن الله فرض الإيمان على جوارح بني

__________________________________________________

5- الغيبة للنعماني: 100/ 30.

6- تفسير العيّاشي 1: 156/ 528.

7- تفسير العيّاشي 1: 157/ 529.

(1) في «س و ط»: أبي سليمان، و هو تصحيف، صوابه ما في المتن من الغيبة و المقتل و أسد الغابة 5: 219 و تهذيب التهذيب 12: 115.

(2) مقتل الحسين (عليه السّلام) للخوارزمي 1: 95.

(3) الغيبة: 147/ 109.

(4) (لبيك، فقال) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 573

آدم و قسمه عليها و فرقه فيها، فليس من جوارحه جارحة إلا و قد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها، فمنها قلبه الذي به يعقل و يفقه و يفهم، و هو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح و لا تصدر إلا عن رأيه و أمره.

و أما ما فرض على القلب من الإيمان: فالإقرار، و المعرفة، و العقد، و الرضا، و التسليم بأن لا إله إلا هو وحده لا شريك له إلها واحدا لم يتخذ صاحبة و لا ولدا، و أن محمدا عبده و رسوله، و الإقرار بما جاء من عند الله من نبي أو كتاب. فذلك ما فرض

الله على القلب من الإقرار و المعرفة، و هو عمله، و هو قول الله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً «1»، و قال: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ «2»، و قال: الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ «3»، و قال: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ، فذلك ما فرض الله على القلب من الإقرار و المعرفة، و هو عمله، و هو رأس الإيمان».

1581/ [8]- عن عبد الصمد بن بشير «4»، قال: ذكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) بدء الأذان، فقال: إن رجلا من الأنصار رأى في منامه الأذان، فقصه على رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و أمره رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يعلمه بلالا «5».

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «كذبوا، إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان نائما في ظل الكعبة، فأتاه جبرئيل (عليه السلام) و معه طاس فيه ماء من الجنة، فأيقظه و أمره أن يغتسل، ثم وضع في محمل له ألف ألف لون من نور، ثم صعد به حتى انتهى إلى أبواب السماء، فلما رأته الملائكة نفرت عن أبواب السماء، و قالت: إليهن: إله في الأرض، و إله في السماء؟! فأمر الله جبرئيل (عليه السلام)، فقال: الله أكبر، الله أكبر. فتراجعت الملائكة نحو أبواب السماء و علمت أنه مخلوق، ففتحت الباب، فدخل رسول الله (صلى الله عليه و آله) حتى انتهى إلى السماء الثانية، فنفرت الملائكة عن أبواب السماء، فقالت: إلهين: إله في الأرض، و إله في السماء؟! فقال جبرئيل: أشهد أن

لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، فتراجعت الملائكة و علمت أنه مخلوق، ثم فتح الباب، فدخل (صلى الله عليه و آله)، و مر حتى انتهى إلى السماء الثالثة، فنفرت الملائكة عن أبواب السماء، فقال جبرئيل: أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، فتراجعت الملائكة، و فتح الباب.

و مر النبي (صلى الله عليه و آله) حتى انتهى إلى السماء الرابعة، فإذا هو بملك متكى و هو على سرير، تحت يده ثلاث مائة ألف ملك، تحت كل ملك ثلاث مائة ألف ملك، فهم النبي (صلى الله عليه و آله): بالسجود، و ظن أنه هو، فنودي: أن قم- قال- فقام الملك على رجليه- قال- فعلم النبي (صلى الله عليه و آله) أنه عبد مخلوق- قال- فلا يزال قائما

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 1: 157/ 530. [.....]

(1) النّحل 16: 106.

(2) الرّعد 13: 28.

(3) المائدة 5: 41.

(4) في «س و ط»: شبية، تصحيف صواب ما في المتن، انظر رجال النجاشي: 248/ 654 و معجم رجال الحديث 10: 22 و الحديث الآتي.

(5) زاد في «ط، س»: قال محمّد بن الحسن في حديثه: نفرت عن أبواب السماء، إلهنا. و لم ترد هذه الزيادة في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 574

إلى يوم القيامة».

قال: «و فتح الباب، و مر النبي (صلى الله عليه و آله) حتى انتهى إلى السماء السابعة- قال- و انتهى إلى سدرة المنتهى- قال- فقالت السدرة: ما جاوزني مخلوق قبلك ثم مضى فتدانى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله إلى عبده ما أوحى «1»- قال- فدفع إليه كتابين: كتاب أصحاب اليمين بيمينه، و [كتاب ] أصحاب الشمال بشماله، فأخذ كتاب أصحاب اليمين بيمينه، و

فتحه و نظر فيه، فإذا فيه أسماء أهل الجنة، و أسماء آبائهم و قبائلهم- قال- فقال الله: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، فقال الله: وَ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا، فقال النبي (صلى الله عليه و آله) غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ، قال الله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ.

قال النبي (صلى الله عليه و آله): رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا،- قال- فقال الله: قد فعلت.

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا، قال: قد فعلت.

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَ اعْفُ عَنَّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ، كل ذلك يقول الله: قد فعلت.

ثم طوى الصحيفة فأمسكها بيمينه، و فتح الاخرى، صحيفة أصحاب الشمال، فإذا فيها أسماء أهل النار، و أسماء آبائهم و قبائلهم،- قال- فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن هؤلاء قوم لا يؤمنون. فقال الله: يا محمد، فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ «2»».

قال: «فلما فرغ من مناجاة ربه، رد إلى البيت المعمور، و هو في السماء السابعة بحذاء الكعبة- قال- فجمع له النبيين و المرسلين و الملائكة، ثم أمر جبرئيل فأتم الأذان، و أقام الصلاة، و تقدم رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فصلى بهم، فلما فرغ التفت إليهم، فقال الله له: فَسْئَلِ الَّذِينَ

يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ «3» فسألهم يومئذ النبي (صلى الله عليه و آله)، ثم نزل و معه صحيفتان، فدفعهما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)».

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «فهذا كان بدء الأذان».

1582/ [9]- عن عبد الصمد بن بشير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه و آله) و هو بالأبطح بالبراق، أصغر من البغل، و أكبر من الحمار، عليه ألف ألف محفة «4» من نور،

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 1: 159/ 531.

(1) تضمين من سورة النجم 53: 8- 10.

(2) الزخرف 43: 89.

(3) يونس 10: 94.

(4) المحفّة: هودج لا قبّة له.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 575

فشمس» البراق حين أدناه منه ليركبه، فلطمه جبرئيل (عليه السلام) لطمة عرق البراق منها، ثم قال: اسكن، فإنه محمد. ثم زف به- أي أسرع به- من بيت المقدس إلى السماء، فتطايرت الملائكة من أبواب السماء، فقال جبرئيل: الله أكبر. فقالت الملائكة: عبد مخلوق- قال-: ثم لقوا جبرئيل، فقالوا: يا جبرئيل، من هذا؟ قال: هذا محمد. فسلموا عليه.

ثم زف به إلى السماء الثانية، فتطايرت الملائكة، فقال جبرئيل: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله.

فقالت الملائكة: عبد مخلوق. فلقوا جبرئيل، فقالوا: من هذا؟ فقال: هذا محمد. فسلموا عليه.

و لم يزل كذلك في سماء سماء، ثم أتم الأذان، ثم صلى بهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) في السماء السابعة، و أمهم رسول الله (صلى الله عليه و آله)، ثم مضى به جبرئيل (عليه السلام) حتى انتهى به إلى موضع، فوضع إصبعه على منكبه ثم رفعه «2»، فقال له: امض، يا

محمد. فقال له: يا جبرئيل، تدعني في هذا الموضع؟- قال-: فقال له: يا محمد، ليس لي أن أجوز هذا المقام، و لقد وطئت موضعا ما وطئه أحد قبلك، و لا يطؤه أحد بعدك».

قال: «ففتح الله له من العظيم ما شاء الله- قال- فكلمه الله: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، قال:

نعم، يا رب وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ، قال الله تبارك و تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ، قال محمد (صلى الله عليه و آله): رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَ اعْفُ عَنَّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ».

قال: «قال الله: يا محمد، من لامتك بعدك؟ فقال: الله أعلم. قال: علي أمير المؤمنين».

قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «و الله، ما كانت ولايته إلا من الله مشافهة لمحمد (صلى الله عليه و آله)».

1583/ [10]- عن قتادة، قال: كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا قرأ هذه الآية: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ حتى يختمها، قال: «و حق الله، إن لله كتابا قبل أن يخلق السماوات و الأرض بألفي سنة، فوضعه عنده فوق العرش، فأنزل آيتين فختم بهما البقرة، فأيما بيت قرئتا فيه لم يدخله الشيطان».

1584/ [11]- عن زرارة، و حمران، و محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام)، في آخر البقرة،

قال: «لما دعوا أجيبوا لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها- قال-: ما افترض الله عليها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ، و قوله: لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا».

__________________________________________________

10- تفسير العيّاشي 1: 160/ 532.

11- تفسير العيّاشي 1: 160/ 533.

(1) شمست الدابّة: نفرت.

(2) في «ط»: دفعه. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 576

1585/ [12]- عن عمرو بن مروان الخزاز، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) رفعت عن امتي أربع خصال: ما أخطأوا، و ما نسوا، و ما أكرهوا عليه، و ما لم يطيقوا، و ذلك في كتاب الله، قول تبارك و تعالى: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ، و قوله: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ «1»».

__________________________________________________

12- تفسير العيّاشي 1: 160/ 534.

(1) النّحل 16: 106.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 577

المستدرك (سورة البقرة)

سورة البقرة(2): آية 82 ..... ص : 577

قوله تعالى:

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [82]

[1]- (مناقب ابن شهر آشوب): عن الباقر (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ نزلت في علي (عليه السلام)، و هو أول مؤمن، و أول مصل.

رواه الفلكي في (إبانة ما في التنزيل) عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس.

[2]- و عنه: عن المرزباني، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ نزلت في علي (عليه السلام) خاصة، و

هو أول مؤمن و أول مصل بعد النبي (صلى الله عليه و آله).

سورة البقرة(2): آية 140..... ص : 577

قوله تعالى:

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [140]

__________________________________________________

1- المناقب 2: 9.

2- المناقب 2: 13.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 578

[1]- محمد بن يعقوب: عن أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن أبي الحكم الأرمني، قال: حدثني عبد الله بن إبراهيم بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عن يزيد بن سليط الزيدي.

قال أبو الحكم: و أخبرني عبد الله بن محمد بن عمارة الجرمي عن يزيد بن سليط، عن الإمام الكاظم (عليه السلام)- في حديث طويل ذكر فيه النص و الإشارة على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)- قال: «يا يزيد، إنها وديعة عندك فلا تخبر بها إلا عاقلا، أو عبدا تعرفه صادقا، و إن سئلت عن الشهادة فاشهد بها، و هو قول الله عز و جل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها «1» و قال لنا أيضا: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ».

[2]- (إرشاد القلوب): في خبر حذيفة بن اليمان- في حديث طويل يذكر فيه حال المنافقين بعد خطبة النبي (صلى الله عليه و آله) بغدير خم منصرفه من حجة الوداع- قال: فلما أراد رسول الله (صلى الله عليه و آله) المسير أتوه، فقال لهم: «فيم كنتم تتناجون في يومكم هذا، و قد نهيتكم عن النجوى»؟

فقالوا: يا رسول الله ما التقينا غير وقتنا هذا فنظر إليهم النبي (صلى الله عليه و آله) مليا، ثم قال لهم: «أنتم أعلم أم الله، وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ».

سورة البقرة(2): آية 154..... ص : 578

قوله تعالى:

وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ

لكِنْ لا تَشْعُرُونَ [154]

[3]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد، عن القاسم بن محمد، عن الحسين بن أحمد، عن يونس بن ظبيان، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: «ما يقول الناس في أرواح المؤمنين؟». فقلت: يقولون: تكون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «سبحان الله! المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير. يا يونس، إذا كان ذلك أتاه محمد (صلى الله عليه و آله) و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام) و الملائكة المقربون (عليهم السلام)،

__________________________________________________

1- الكافي 1: 252/ 14.

2- إرشاد القلوب: 333.

3- الكافي 3: 245/ 6.

(1) النساء: 58.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 579

فإذا قبضه الله عز و جل صير تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا، فيأكلون و يشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا».

و روى الشيخ الطوسي في (التهذيب): عن علي بن مهزيار، عن الحسن، عن القاسم بن محمد، مثله «1».

[1]- و في (التهذيب): عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أرواح المؤمنين؟ فقال: «في الجنة على صور أبدانهم، لو رأيته لقلت فلان».

[2]- و أخرج أحمد و مسلم و النسائي و الحاكم و صححه، عن أنس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول الله عز و جل له: يا ابن آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب خير منزل. فيقول:

سل و تمن. فيقول: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك

عشر مرات. لما رأى من فضل الشهادة.

قال: «و يؤتى بالرجل من أهل النار فيقول الله: يا ابن آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب، شر منزل.

فيقول: فتفتدي منه بطلاع الأرض ذهبا؟ فيقول: نعم. فيقول: كذبت، قد سألتك دون ذلك فلم تفعل».

سورة البقرة(2): آية 160..... ص : 579

قوله تعالى:

إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [160]

[3]- (التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا من كتمانه وَ أَصْلَحُوا أعمالهم، و أصلحوا ما كانوا أفسدوه بسوء التأويل، فجحدوا به فضل الفاضل و استحقاق المحق، وَ بَيَّنُوا ما ذكره الله تعالى من نعت محمد (صلى الله عليه و آله) و صفته، و من ذكر علي (عليه السلام) و حليته، و ما ذكره رسول الله (صلى الله عليه و آله) فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ أقبل توبتهم وَ أَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».

سورة البقرة(2): الآيات 161 الي 162 ..... ص : 579

قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ [161- 162]

__________________________________________________

1- التهذيب 1: 466/ 1527، عنه مجمع البيان 1: 434.

2- مسند أحمد 3: 131 و 239، سنن النسائي 6: 36، مستدرك الحاكم 2: 75، الدر المنثور 1: 276 و 2: 377.

3- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 571/ 333.

(1) التهذيب 1: 466/ 1526، عنه مجمع البيان 1: 434.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 580

[1]- (التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): قال الإمام (عليه السلام): «قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالله في ردهم نبوة محمد (صلى الله عليه و آله) و ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ على كفرهم أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ يوجب الله تعالى لهم البعد من الرحمة، و السحق «1» من الثواب وَ الْمَلائِكَةِ و عليهم لعنة الملائكة يلعنونهم وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ و لعنة الناس أجمعين كل يلعنهم، لأن كل المأمورين المنهيين

يلعنون الكافرين، و الكافرين أيضا يقولون: لعن الله الكافرين، فهم في لعن أنفسهم أيضا خالِدِينَ فِيها في اللعنة، في نار جهنم لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ يوما و لا ساعة وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ لا يؤخرون ساعة، إلا يحل بهم العذاب».

[2]- و عنه: «قال الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن هؤلاء الكاتمين لصفة محمد رسول الله، و الجاحدين لحلية علي ولي الله، إذا أتاهم ملك الموت ليقبض أرواحهم، أتاهم بأفظع المناظر، و أقبح الوجوه، فيحيط بهم عند نزع أرواحهم مردة شياطينهم الذين كانوا يعرفونهم، ثم يقول ملك الموت: أبشري أيتها النفس الخبيثة، الكافرة بربها بجحد نبوة نبيه، و إمامة علي وصيه، بلعنة من الله و غضبه. ثم يقول: ارفع رأسك و طرفك و انظر. فينظر فيرى دون العرش محمدا (صلى الله عليه و آله) على سرير بين يدي عرش الرحمن، و يرى عليا (عليه السلام) على كرسي بين يديه، و سائر الأئمة (عليهم السلام) على مراتبهم الشريفة بحضرته، ثم يرى الجنان قد فتحت أبوابها، و يرى القصور و الدرجات و المنازل التي تقصر عنها أماني المتمنين، فيقول له: لو كنت لأولئك مواليا كانت روحك يعرج بها إلى حضرتهم، و كان يكون مأواك في تلك الجنان، و كانت تكون منازلك فيها و إن كنت على مخالفتهم، فقد حرمت [من ] حضرتهم، و منعت مجاورتهم، و تلك منازلك، و أولئك مجاوروك و مقاربوك، فانظر. فيرفع له عن حجب الهاوية، فيراها بما فيها من بلاياها و دواهيها و عقاربها و حياتها و أفاعيها و ضروب عذابها و أنكالها، فيقال له: فتلك إذن منازلك. ثم تمثل له شياطينه، هؤلاء الذين كانوا يغوونه

و يقبل منهم، مقرنين معه هناك في تلك الأصفاد و الأغلال، فيكون موته بأشد حسرة و أعظم أسف».

سورة البقرة(2): آية 169..... ص : 580

قوله تعالى:

إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَ الْفَحْشاءِ وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ [169]

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 572/ 334.

2- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 572/ 335. [.....]

(1) السّحق: البعد.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 581

[1]- (التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): «إِنَّما يَأْمُرُكُمْ الشيطان بِالسُّوءِ بسوء المذهب و الاعتقاد في خير خلق الله محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله) و جحود ولاية أفضل أولياء الله بعد محمد رسول الله وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ بإمامة من لم يجعل الله له في الإمامة حظا، و من جعله من أراذل أعدائه و أعظمهم كفرا به»

سورة البقرة(2): آية 172..... ص : 581

قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ اشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [172]

[2]- (التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بتوحيد الله، و نبوة محمد رسول الله، و بإمامة علي ولي الله كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ اشْكُرُوا لِلَّهِ على ما رزقكم منها بالمقام على ولاية محمد و علي ليقيكم الله تعالى بذلك شرور الشياطين المتمردة على ربها عز و جل، فإنكم كلما جددتم على أنفسكم ولاية محمد و علي (عليهما السلام) تجدد على مردة الشياطين لعائن الله، و أعاذكم الله من نفخاتهم و نفثاتهم. فلما قاله رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قيل: يا رسول الله و ما نفخاتهم؟

قال: هي ما ينفخون به عند الغضب في الإنسان الذي يحملونه على هلاكه في دينه و دنياه، و قد ينفخون في غير حال الغضب بما يهلكون به.

أ تدرون ما أشد ما ينفخون به؟ هو

ما ينفخون بأن يوهموه أن أحدا من هذه الامة فاضل علينا، أو عدل لنا أهل البيت، كلا- و الله- بل جعل الله تعالى محمدا ثم آل محمد فوق جميع هذه الامة، كما جعل الله تعالى السماء فوق الأرض، و كما زاد نور الشمس و القمر على السها.

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): و أما نفثاته: فأن يرى أحدكم أن شيئا بعد القرآن أشفى له من ذكرنا أهل البيت و من الصلاة علينا، فإن الله عز و جل جعل ذكرنا أهل البيت شفاء للصدور، و جعل الصلوات علينا ماحية للأوزار و الذنوب، و مطهرة من العيوب و مضاعفة للحسنات».

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 581/ 342.

2- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 584/ 348.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 582

[2]- و عنه: «قال الله عز و جل: إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ أي إن كنتم إياه تعبدون فاشكروا نعمة الله بطاعة من أمركم بطاعته من محمد و علي و خلفائهم الطيبين».

[3]- (شرح نهج البلاغة): قال: و اعلم أن الذي رويته عن الشيوخ و رأيته بخط عبد الله بن أحمد بن الخشاب (رحمه الله): أن الربيع بن زياد الحارثي أصابته نشابة في جبينه فكانت تنتقض عليه في كل عام، فأتاه علي (عليه السلام) عائدا، فقال: «كيف تجدك أبا عبد الرحمن؟» قال: أجدني- يا أمير المؤمنين- لو كان لا يذهب ما بي إلا بذهاب بصري لتمنيت ذهابه.

قال: «و ما قيمة بصرك عندك؟» قال: لو كانت لي الدنيا لفديته بها.

قال: «لا جرم ليعطينك الله على قدر ذلك، إن الله يعطي على قدر الألم و المصيبة، و عنده تضعيف كثير».

قال الربيع: يا أمير المؤمنين، ألا أشكوا

إليك عاصم بن زياد أخي؟ قال: «ما له»؟ قال: لبس العباء و ترك الملاء «1»، و غم أهله و حزن ولده.

فقال (عليه السلام): «ادعوا لي عاصما» فلما أتاه عبس في وجهه، و قال: «ويحك- يا عاصم- أ ترى الله أباح لك اللذات، و هو يكره ما أخذت منها؟ لأنت أهون على الله من ذلك، أو ما سمعته يقول: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ «2» ثم قال: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ «3» و قال: وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها «4».

أما و الله ابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال، و قد سمعتم الله يقول: وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ «5»، و قوله: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ «6».

إن الله خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ و قال: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً «7»، و قال رسول (صلى الله عليه و آله) لبعض نسائه: مالي أراك شعثاء «8» مرهاء «9» سلتاء «10»؟».

__________________________________________________

2- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 585/ 349.

3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11: 35.

(1) الملاء و الملاءة: ثوب رقيق ذو شقّين.

(2) الرحمن 55: 19.

(3) الرحمن 55: 22.

(4) فاطر 35: 12.

(5) الضحى 93: 11.

(6) الأعراف 7: 32.

(7) المؤمنون 23: 51.

(8) الشّعثاء: التي أغبر رأسها و تلبّد شعرها و انتشر لبعد عهده بالدّهن.

(9) المرهاء: التي تركت الاكتحال حتّى تبيضّ بواطن أجفانها. [.....]

(10) السلتاء: التي لا تختضب.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 583

قال عاصم: فلم اقتصرت- يا أمير المؤمنين- على لبس الخشن، و أكل الجشب؟

قال: «إن الله تعالى

افترض على أئمة العدل أن يقدروا لأنفسهم بالقوام «1» كيلا يتبيغ «2» بالفقير فقره» فما قام علي (عليه السلام) حتى نزع عاصم العباءة و لبس ملاءة.

سورة البقرة(2): آية 174..... ص : 581

قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [174]

[1]- (تفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل في صفة الكاتمين لفضلنا أهل البيت: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ المشتمل على ذكر فضل محمد (صلى الله عليه و آله) على جميع النبيين و فضل علي (عليه السلام) على جميع الوصيين.

وَ يَشْتَرُونَ بِهِ بالكتمان ثَمَناً قَلِيلًا يكتمونه ليأخذوا عليه عرضا من الدنيا يسيرا، و ينالوا به في الدنيا عند جهال عباد الله رئاسة، قال الله تعالى: أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ يوم القيامة إِلَّا النَّارَ بدلا من إصابتهم اليسير من الدنيا لكتمانهم الحق وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ بكلام خير، بل يكلمهم بأن يلعنهم و يخزيهم و يقول: بئس العباد أنتم، غيرتم ترتيبي، و أخرتم من قدمته، و قدمتم من أخرته، و واليتم من عاديته، و عاديتم من واليته.

وَ لا يُزَكِّيهِمْ من ذنوبهم، لأن الذنوب إنما تذوب و تضمحل إذا قرن بها موالاة محمد و علي و آلهما الطيبين (عليهم السلام). فأما ما يقرن بها الزوال عن موالاة محمد و آله (عليهم السلام)، فتلك ذنوب تتضاعف، و أجرام تتزايد، و عقوباتها تتعاظم، وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ موجع في النار».

]- (دعائم الإسلام): عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، أنه قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة

و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم: الشيخ الزاني، و الديوث- و هو الذي لا يغار، و يجتمع الناس في بيته على الفجور- و المرأة توطئ فراش زوجها».

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 585/ 352.

2- دعائم الإسلام 2: 448/ 1570.

(1) القوام: ما يقيم الإنسان من القوت.

(2) تبيّغ به الفقر: غلب عليه و تجاوز الحدّ.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 584

سورة البقرة(2): آية 176..... ص : 584

قوله تعالى:

ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ [176]

[1]- (التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): «ذلِكَ يعني ذلك العذاب الذي وجب على هؤلاء بآثامهم و إجرامهم لمخالفتهم لإمامهم، و زوالهم عن موالاة سيد خلق الله بعد محمد نبيه، أخيه و صفيه، بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ نزل الكتاب الذي توعد فيه من خالف المحقين و جانب الصادقين، و شرع في طاعة الفاسقين، نزل الكتاب بالحق أن ما يوعدون به يصيبهم و لا يخطئهم.

وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ فلم يؤمنوا به، قال بعضهم: إنه سحر. و بعضهم: إنه شعر. و بعضهم: إنه كهانة لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ مخالفة بعيدة عن الحق، كأن الحق في شق و هم في شق غيره يخالفه.

قال علي بن الحسين (عليهما السلام): هذه أحوال من كتم فضائلنا، و جحد حقوقنا، و سمى بأسمائنا، و لقب بألقابنا، و أعان ظالمنا على غصب حقوقنا، و مالأ علينا أعداءنا، و التقية عليكم لا تزعجه، و المخالفة على نفسه و ماله و حاله لا تبعثه.

فاتقوا الله معاشر شيعتنا، لا تستعملوا الهوينا و لا تقية عليكم، و لا تستعملوا المهاجرة و التقية تمنعكم، و سأحدثكم في ذلك بما يردعكم و يعظكم:

دخل على أمير المؤمنين (عليه السلام)

رجلان من أصحابه، فوطئ أحدهما على حية فلدغته، و وقع على الآخر في طريقه من حائط عقرب فلسعته و سقطا جميعا فكأنهما لما بهما يتضرعان و يبكيان، فقيل لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: دعوهما، فانه لم يحن حينهما، و لم تتم محنتهما، فحملا إلى منزليهما، فبقيا عليلين أليمين في عذاب شديد شهرين.

ثم إن أمير المؤمنين (عليه السلام) بعث إليهما، فحملا إليه، و الناس يقولون: سيموتان على أيدي الحاملين لهما.

فقال لهما: كيف حالكما؟ قالا: نحن بألم عظيم، و في عذاب شديد. قال لهما: استغفر الله من كل ذنب أداكما إلى هذا، و تعوذا بالله مما يحبط أجركما، و يعظم وزركما.

قالا: و كيف ذلك يا أمير المؤمنين؟

فقال علي (عليه السلام): ما أصيب واحد منكما إلا بذنبه، أما أنت يا فلان- و أقبل على أحدهما- فتذكر يوم غمز على سلمان الفارسي (رحمه الله) فلان و طعن عليه لموالاته لنا، فلم يمنعك من الرد و الاستخفاف به خوف على نفسك و لا على أهلك و لا على ولدك و مالك، أكثر من أنك استحييته، فلذلك أصابك، فإن أردت أن يزيل الله ما

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 586/ 352.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 585

بك، فاعتقد أن لا ترى مزريا على ولي لنا تقدر على نصرته بظهر الغيب إلا نصرته، إلا أن تخاف على نفسك أو أهلك أو ولدك أو مالك.

و قال للآخر: فأنت، أ فتدري لما أصابك ما أصابك؟ قال: لا. قال: أما تذكر حيث أقبل قنبر خادمي و أنت بحضرة فلان العاتي، فقمت إجلالا له لإجلالك لي؟ فقال لك: و تقوم لهذا بحضرتي؟! فقلت له: و ما بالي لا أقوم و ملائكة الله تضع له

أجنحتها في طريقه، فعليها يمشي. فلما قلت هذا له، قام إلى قنبر و ضربه، و شتمه، و آذاه، و تهدده و تهددني، و ألزمني الإغضاء على قذى، فلهذا سقطت عليك هذه الحية، فإن أردت أن يعافيك الله تعالى من هذا، فاعتقد أن لا تفعل بنا، و لا بأحد من موالينا بحضرة أعدائنا ما يخاف علينا و عليهم منه.

أما إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان مع تفضيله لي لم يكن يقوم لي عن مجلسه إذا حضرته، كما كان يفعله ببعض من لا يعشر معشار جزء من مائة ألف جزء من إيجابه لي، لأنه علم أن ذلك يحمل بعض أعداء الله على ما يغمه، و يغمني، و يغم المؤمنين، و قد كان يقوم لقوم لا يخاف على نفسه و لا عليهم مثل ما خاف علي لو فعل ذلك بي»

سورة البقرة(2): آية 190..... ص : 585

قوله تعالى:

وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [190]

[1]- (مناقب الخوارزمي): أنبأني مهذب الأئمة أبو المظفر عبد الملك بن علي بن محمد الهمداني نزيل بغداد، حدثنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن عبد الله، أخبرنا الحسن بن علي بن الحسن، أخبرني محمد بن العباس بن محمد بن زكريا، قال: قرأ علي ابن أبي الحسن ابن معروف، حدثني الحسن بن الفهم، حدثني محمد بن إسماعيل بن سعد، أخبرني خالد بن مخلد و محمد بن الصلت، قالا: أخبرنا الربيع بن المنذر، عن أبيه، عن محمد بن الحنفية، قال: دخل علينا ابن الملجم (لعنة الله) الحمام، و أنا و الحسن و الحسين جلوس في الحمام، فلما دخل، كأنهما اشمأزا منه، فقالا: «ما أجرأك تدخل علينا؟» قال: فقلت لهما: دعاه عنكما، فلعمري ما يريد بكما إثما من

هذا. فلما كان يوم أتي به أسيرا، قال ابن الحنفية: ما أنا اليوم بأعرف به من يوم دخل علينا الحمام.

فقال علي (عليه السلام): «إنه أسير، فأحسنوا إليه و أكرموا مثواه، فإن بقيت قتلت أو عفوت، و إن مت فاقتلوه قتلتي وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ».

__________________________________________________

1- مناقب الخوارزمي: 282.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 586

سورة البقرة(2): آية 206..... ص : 586

قوله تعالى:

وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ [206]

[1]- (التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): «وَ إِذا قِيلَ لَهُ لهذا الذي يعجبك قوله اتَّقِ اللَّهَ و دع سوء صنيعك أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ الذي هو محتقبه «1»، فيزداد إلى شره شرا، و يضيف إلى ظلمه ظلما فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ جزاء له على سوء فعله، و عذابا وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ يمهدها و يكون دائما فيها».

[2]- و عنه: قال علي بن الحسين (عليهما السلام): «ذم الله تعالى هذا الظالم المعتدي من المخالفين و هو على خلاف ما يقول منطو، و الإساءة إلى المؤمنين مضمر. فاتقوا الله عباد الله المنتحلين لمحبتنا، و إياكم و الذنوب التي قلما أصر عليها صاحبها إلا أداه إلى الخذلان المؤدي إلى الخروج عن ولاية محمد و علي (عليهما السلام) و الطيبين من آلهما، و الدخول في موالاة أعدائهما، فإن من أصر على ذلك فأدى خذلانه إلى الشقاء الأشقى من مفارقة ولاية سيد اولي النهى، فهو من أخسر الخاسرين.

قالوا: يا ابن رسول الله، و ما الذنوب المؤدية إلى الخذلان العظيم؟

قال: ظلمكم لإخوانكم الذين هم لكم في تفضيل علي (عليه السلام)، و القول بإمامته، و إمامة من انتجبه الله من ذريته موافقون، و معاونتكم الناصبين عليهم، و لا تغتروا بحلم الله عنكم،

و طول إمهاله لكم، فتكونوا كمن قال الله عز و جل: كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ «2» كان هذا رجل فيمن كان قبلكم في زمان بني إسرائيل، يتعاطى الزهد و العبادة، و قد كان قيل له: إن أفضل الزهد، الزهد في ظلم إخوانك المؤمنين بمحمد و علي (عليهما السلام) و الطيبين من آلهما، و إن أشرف العبادة خدمتك إخوانك المؤمنين، الموافقين لك على تفضيل سادة الورى محمد المصطفى، و علي المرتضى، و المنتجبين المختارين للقيام بسياسة الورى.

فعرف الرجل لما كان يظهر من الزهد، فكان إخوانه المؤمنون يودعونه فيدعي أنها سرقت، و يفوز بها، و إذا لم يمكنه دعوى السرقة جحدها و ذهب بها.

و ما زال هكذا و الدعاوى لا تقبل فيه، و الظنون تحسن به، و يقتصر منه على أيمانه الفاجرة إلى أن خذله الله تعالى، فوضعت عنده جارية من أجمل النساء قد جنت ليرقيها برقية فتبرأ، أو يعالجها بدواء، فحمله الخذلان

__________________________________________________

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 617/ 362.

2- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 618/ 363.

(1) أي جامعه.

(2) الحشر 59: 16.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 587

عند غلبة الجنون عليها على وطئها، فأحبلها. فلما اقترب وضعها جاءه الشيطان، فأخطر بباله أنها تلد و تعرف بالزنا بها فتقتل، فاقتلها و ادفنها تحت مصلاك. فقتلها و دفنها، و طلبها أهلها، فقال: زاد بها جنونها فماتت. فاتهموه و حفروا تحت مصلاه، فوجدوها مقتولة مدفونة حبلى مقربة. فأخذوه و انضاف إلى هذه الخطيئة دعاوى القوم الكثيرة الذين جحدهم، فقويت عليه التهمة، و ضويق عليه الطريق فاعترف على نفسه بالخطيئة بالزنا بها، و قتلها،

فملئ بطنه و ظهره سياطا، و صلب على شجرة.

فجاءه بعض شياطين الإنس و قال له: ما الذي أغنى عنك عبادة من كنت تعبده، و موالاة من كنت تواليه، من محمد و علي و الطيبين من آلهما الذين زعموا أنهم في الشدائد أنصارك، و في الملمات أعوانك، و ذهب ما كنت تأمل هباء منثورا، و انكشفت أحاديثهم لك، و إطماعهم إياك من أعظم الغرور، و أبطل الأباطيل، و أنا الإمام الذي كنت تدعي إليه، و صاحب الحق الذي كنت تدل عليه، و قد كنت باعتقاد إمامة غيري من قبل مغرورا، فإن أردت أن أخلصك من هؤلاء، و أذهب بك إلى بلاد نازحة، و أجعلك هناك رئيسا سيدا، فاسجد لي على خشبتك هذه سجدة معترف بأني أنا الملك لإنقاذك، لأنقذك. فغلب عليه الشقاء و الخذلان، و اعتقد قوله و سجد له، ثم قال:

أنقذني. فقال له: إني بري ء منك، إني أخاف الله رب العالمين. و جعل يسخر و يطنز «1» به، و تحير المصلوب، و اضطرب عليه اعتقاده، و مات بأسوأ عاقبة، فذلك الذي أداه إلى هذا الخذلان».

[3]- (مكارم الأخلاق): عن عبد الله بن مسعود- في حديث طويل- قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «يا بن مسعود، إذا قيل لك: اتق الله فلا تغضب، فإنه يقول: وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ».

سورة البقرة(2): آية 209..... ص : 587

قوله تعالى:

فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [209]

[1]- (التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام):- في حديث طويل- قال: «فَإِنْ زَلَلْتُمْ عن السلم و الإسلام الذي تمامه باعتقاد ولاية علي (عليه السلام)، و لا ينفع الإقرار بالنبوة مع جحد إمامة علي (عليه

السلام)، كما لا ينفع الإقرار بالتوحيد مع جحد النبوة، إن زللتم مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ من قول رسول الله (صلى الله عليه و آله) و فضيلته، و أتتكم الدلالات الواضحات الباهرات على أن محمدا (صلى الله عليه و آله) الدال على إمامة علي (عليه السلام) نبي صدق، و دينه دين حق فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ قادر على معاقبة المخالفين لدينه و المكذبين لنبيه، لا

__________________________________________________

3- مكارم الأخلاق: 452.

1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 627/ 366.

(1) أي يستهزئ. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 588

يقدر أحد على صرف انتقامه من مخالفيه، و قادر على إثابة الموافقين لدينه و المصدقين لنبيه (صلى الله عليه و آله) لا يقدر أحد على صرف ثوابه عن مطيعيه، حكيم فيما يفعل من ذلك، غير مسرف على من أطاعه و إن أكثر له الخيرات، و لا واضع لها في غير موضعها و إن أتم له الكرامات، و لا ظالم لمن عصاه و إن شدد عليه العقوبات.

قال علي بن الحسين (عليهما السلام): و بهذه الآية و غيرها احتج علي (عليه السلام) يوم الشورى على من دافعه عن حقه، و أخره عن رتبته، و إن كان ما ضر الدافع إلا نفسه، فإن عليا (عليه السلام) كالكعبة التي أمر الله باستقبالها للصلاة، جعله الله ليؤتم به في امور الدين و الدنيا، كما لا ينقص الكعبة، و لا يقدح في شي ء من شرفها و فضلها أن ولى عنها الكافرون، فكذلك لا يقدح في علي (عليه السلام) أن أخره عن حقه المقصرون، و دافعه عن واجبه الظالمون.

قال لهم علي (عليه السلام) يوم الشورى في بعض مقاله بعد أن أعذر و أنذر، و بالغ و

أوضح: معاشر الأولياء العقلاء، ألم ينه الله تعالى عن أن تجعلوا له أندادا ممن لا يعقل و لا يسمع و لا يبصر و لا يفهم؟ أو لم يجعلني رسول الله (صلى الله عليه و آله) لدينكم و دنياكم قواما؟ أو لم يجعل إلي مفزعكم؟ أو لم يقل لكم: علي مع الحق و الحق معه؟ أو لم يقل: أنا مدينة العلم و علي بابها؟ أ و لا تروني غنيا عن علومكم و أنتم إلى علمي محتاجون؟ أ فأمر الله تعالى العلماء باتباع من لا يعلم، أم من لا يعلم باتباع من يعلم؟

يا أيها الناس، لم تنقضون ترتيب الألباب، لم تؤخرون من قدمه الكريم الوهاب؟ أو ليس رسول الله (صلى الله عليه و آله) أجابني إلى ما رد عنه أفضلكم فاطمة لما خطبها؟ أ و ليس قد جعلني أحب خلق الله إلى الله لما أطعمني معه من الطائر؟ أ و ليس جعلني أقرب الخلق شبها بمحمد نبيه (صلى الله عليه و آله)؟ أ فأقرب الناس به شبها تؤخرون، و أبعد الناس به شبها تقدمون، ما لكم لا تتفكرون و لا تعقلون»؟! قال: «فما زال يحتج بهذا و نحوه عليهم و هم لا يغفلون عما دبروه، و لا يرضون إلا بما آثروه»!

سورة البقرة(2): آية 216..... ص : 588

قوله تعالى:

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ [216]

[1]- (دعائم الإسلام): عن علي (عليه السلام) أنه قال: «الجهاد فرض على جميع المسلمين لقول الله تعالى:

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ فإن قامت بالجهاد طائفة من المسلمين وسع سائرهم التخلف عنه ما لم يحتج الذين يلون الجهاد إلى المدد، فإن احتاجوا لزم الجميع أن يمدوهم حتى يكتفوا، قال الله تعالى: وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً «1» فإن دهم أمر يحتاج فيه إلى جماعتهم

نفروا كلهم، قال الله عز و جل:

__________________________________________________

1- دعائم الإسلام 1: 341.

(1) التوبة 9: 122.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 589

انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ «1»»

سورة البقرة(2): آية 218..... ص : 589

قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هاجَرُوا- إلى قوله تعالى- رَحْمَتَ اللَّهِ [218]

[1]- (إعلام الورى)- في ذكر مغازي الرسول (صلى الله عليه و آله)- قال: ثم رجع رسول الله (صلى الله عليه و آله) من العشيرة «2» إلى المدينة، فلم يقم بها عشر ليال حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) في طلبه حتى بلغ واديا يقال له سفوان من ناحية بدر، و هي غزوة بدر الأولى، و حامل لوائه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و استخلف على المدينة زيد بن حارثة، و فاته كرز فلم يدركه.

فرجع رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أقام جمادى و رجب و شعبان، و كان بعث بين ذلك سعد بن أبي وقاص في ثمانية رهط، فرجع و لم يلق كيدا، ثم بعث رسول الله (صلى الله عليه و آله) عبد الله بن جحش إلى نخلة و قال: «كن بها حتى تأتينا بخبر من أخبار قريش» و لم يأمره بقتال، و ذلك في الشهر الحرام، و كتب له كتابا، و قال: «اخرج أنت و أصحابك حتى إذا سرت يومين فافتح كتابك و انظر ما فيه، و امض لما أمرتك».

فلما سار يومين و فتح الكتاب فإذا فيه: «أن امض حتى تنزل نخلة فتأتينا من أخبار قريش بما يصل إليك منهم».

فقال لأصحابه حين قرأ الكتاب: سمعا و طاعة، من كان له رغبة في الشهادة فلينطلق معي. فمضى

معه القوم حتى نزلوا النخلة، فمر بهم عمرو بن الحضرمي، و الحكم بن كيسان، و عثمان و المغيرة ابنا عبد الله، معهم تجارة قدموا بها من الطائف أدم و زبيب، فلما رآهم القوم أشرف لهم واقد بن عبد الله، و كان قد حلق رأسه، فقالوا: عمار «3» ليس عليكم منهم بأس. و ائتمر أصحاب رسول الله، و هو آخر يوم من رجب، فقالوا: لئن قتلتموهم إنكم لتقتلونهم في الشهر الحرام، و لئن تركتموهم ليدخلن هذه الليلة مكة فليمنعن منكم، فأجمع القوم على قتلهم، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، و استأمن «4» عثمان بن عبد الله و الحكم بن كيسان، و هرب المغيرة فأعجزهم، و استاقوا العير، فقدموا بها على رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال لهم: «و الله ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام» و أوقف الأسيرين، و العير و لم يأخذ منها شيئا، و أسقط في أيدي القوم، و ظنوا أنهم قد هلكوا،

__________________________________________________

1- إعلام الورى: 73.

(1) التوبة 9: 41.

(2) العشيرة: موضع بناحية ينبع.

(3) أي معتمرون يريدون زيارة البيت الحرام.

(4) كذا في المصدر، و الظاهر استؤسر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 590

و قالت قريش: استحل محمد الشهر الحرام فأنزل الله سبحانه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ الآية «1»، فلما نزل ذلك أخذ رسول الله (صلى الله عليه و آله) المال و فداء الأسيرين، و قال المسلمون: نطمع لنا أن يكون غزاة، فأنزل الله فيهم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هاجَرُوا إلى قوله: أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ و كانت هذه قبل بدر بشهرين.

سورة البقرة(2): آية 252..... ص : 590

قوله تعالى:

تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ [252]

[1]- فرات بن إبراهيم: عن محمد بن

موسى صاحب الأكسية، قال: سمعت زيد بن علي يقول في هذه الآية:

تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ و ما يعقلها إلا العالمون، قال زيد: نحن هم. ثم تلا: بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ «2».

__________________________________________________

1- تفسير فرات بن إبراهيم: 319/ 432.

(1) البقرة 2: 217.

(2) العنكبوت 29: 49.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 591

سورة آل عمران مدنية ..... ص : 591

اشارة

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 593

فضلها: ..... ص : 593

1586/ [1]- ابن بابويه و العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من قرأ سورة البقرة و آل عمران جاءتا يوم القيامة تظلانه على رأسه، مثل الغمامتين، أو مثل العباءتين» «1».

1587/ [2]- و روي عن النبي (صلى الله عليه و آله)، أنه قال: «من قرأ هذه السورة أعطاه الله بكل حرف أمانا من حر جهنم، و إن كتبت بزعفران و علقت على امرأة لم تحمل، حملت بإذن الله تعالى، و إن علقت على نخل أو شجر يرمي ثمره أو ورقه، أمسك بإذن الله تعالى».

1588/ [3]- عن الصادق (عليه السلام)، قال: «إن كتبت بزعفران و علقت على امرأة تريد الحمل، حملت بإذن الله تعالى، و إن علقها معسر، يسر الله أمره، و رزقه الله تعالى».

__________________________________________________

1- ثواب الأعمال: 104، تفسير العيّاشي 1: 25/ 2 و: 161/ 535.

2- .... مجمع البيان 2: 693 «قطعة منه».

3- خواص القرآن: 1.

(1) في المصدرين: الغيابتين، و غيابة كلّ شي ء: ما سترك. «تاج العروس- غيب- 1: 416»، و الذي

في النهاية: «تجي ء البقرة و آل عمران كأنّهما غمامتان أو غيايتان»

، الغياية: كلّ شي ء أضلّ الإنسان فوق رأسه كالسّحابة و غيرها. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 595

سورة آل عمران(3): الآيات 1 الي 4 ..... ص : 595

قوله تعالى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ- إلى قوله تعالى- وَ أَنْزَلَ الْفُرْقانَ [1- 4]

1589/ [1]- ابن بابويه، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن هارون الزنجاني، فيما كتب إلي على يدي علي بن أحمد البغدادي الوراق، قال: حدثنا معاذ بن المثنى العنبري، قال: حدثنا عبد الله بن أسماء، قال: حدثنا جويرية، عن سفيان بن سعيد الثوري، قال: قلت لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي

بن أبي طالب (عليهم السلام): ما معنى قول الله عز و جل الم؟

قال (عليه السلام): «أما الم في أول البقرة فمعناه: أنا الله الملك، و أما في أول آل عمران فمعناه: أنا الله المجيد».

1590/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله تبارك و تعالى: الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ أَنْزَلَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ أَنْزَلَ الْفُرْقانَ.

قال: «الفرقان: هو كل أمر محكم، و الكتاب: هو جملة القرآن، الذي يصدقه من كان قبله من الأنبياء».

1591/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن سنان أو عن غيره، عمن ذكره، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القرآن و الفرقان، أ هما شيئان، أو شي ء واحد؟

__________________________________________________

1- معاني الأخبار: 22/ 1.

2- تفسير القمّي 1: 96.

3- الكافي 1: 461/ 11.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 596

فقال (عليه السلام): «القرآن: جملة الكتاب، و الفرقان: المحكم الواجب العمل به».

1592/ [4]- العياشي: عن عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القرآن و الفرقان.

قال: «القرآن: جملة الكتاب و أخبار ما يكون، و الفرقان: المحكم الذي يعمل به و كل محكم فهو فرقان».

1593/ [5]- عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله تعالى: الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ أَنْزَلَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ أَنْزَلَ الْفُرْقانَ.

قال: «هو كل

أمر محكم، و الكتاب هو جملة القرآن الذي يصدق فيه من كان «1» قبله من الأنبياء».

1594/ [6]- أبو علي الطبرسي، قال: روي عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: «الفرقان هو كل آية محكمة في الكتاب، و هو الذي يصدق فيه من كان قبله من الأنبياء»

سورة آل عمران(3):آية 6 ..... ص : 596

قوله تعالى:

هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ [6] 1595/ [1]- علي بن إبراهيم: يعني ذكرا و أنثى، و أسود و أبيض و أحمر، و صحيحا و سقيما.

سورة آل عمران(3):آية 7 ..... ص : 596

قوله تعالى:

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ [7]

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 1: 9/ 2.

5- تفسير العيّاشي 1: 162/ 1.

6- مجمع البيان 2: 697.

1- تفسير القمّي 1: 96.

(1) في المصدر: من كتاب.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 597

1596/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرزاق ابن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمد بن سالم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن أناسا تكلموا في القرآن بغير علم، و ذلك أن الله تبارك و تعالى يقول: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ الآية، فالمنسوخات من المتشابهات، و المحكمات من الناسخات».

1597/ [2]- عنه: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد بن اورمة، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ قال: «أمير المؤمنين و الأئمة (عليهم السلام)». وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ قال:

«فلان و فلان».

فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ: «أصحابهم و أهل ولايتهم». فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ: «أمير المؤمنين و الأئمة (عليهم السلام)».

1598/ [3]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن أيوب بن الحر و عمران بن علي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «نحن الراسخون في العلم، و نحن نعلم تأويله».

1599/ [4]- و عنه: عن علي بن محمد، عن عبد الله بن علي، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حماد، عن بريد بن معاوية، عن أحدهما (عليهما السلام) في قول الله عز و جل: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ: «فرسول الله أفضل الراسخين في العلم، قد علمه الله عز و جل جميع ما أنزل عليه من التنزيل و التأويل، و ما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله، و أوصياؤه من بعده يعلمونه كله، و الذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم بعلم، فأجابهم الله بقوله: يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا و القرآن خاص و عام، و محكم و متشابه، و ناسخ و منسوخ، فالراسخون في العلم يعلمونه».

1600/ [5]- و عنه: بإسناده عن أحمد بن محمد، عن محمد بن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح الكناني، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «نحن قوم فرض الله عز و جل طاعتنا، لنا الأنفال و لنا صفو المال، و نحن الراسخون في العلم».

__________________________________________________

1- الكافي 2: 24/ 1.

2- الكافي 1: 343/ 14.

3- الكافي

1: 166/ 1.

4- الكافي 1: 166/ 2.

5- الكافي 1: 143/ 6.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 598

1601/ [6]- سليم بن قيس الهلالي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام)- في حديث له مع معاوية- قال (عليه السلام): «يا معاوية، إن القرآن، حق، و نور و هدى، و رحمة و شفاء للمؤمنين الذين آمنوا «1» وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى «2».

يا معاوية، إن الله عز و جل لم يدع صنفا من أصناف الضلالة و الدعاة إلى النار إلا و قد رد عليهم و احتج في القرآن، و نهى عن اتباعهم، و أنزل فيهم قرآنا ناطقا عليهم، علمه من علمه، و جهله من جهله، و إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: ليس من القرآن آية إلا و لها ظهر و بطن، و لا منه حرف إلا و له حد، و لكل حد مطلع على ظهر القرآن و بطنه و تأويله، و ما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم، و أمر الله عز و جل سائر الأمة أن يقولوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا و أن يسلموا لنا، و أن يردوا علمه إلينا، و قال الله عز و جل: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ «3» و يطلبونه».

1602/ [7]- علي بن إبراهيم: قال: حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سماعة، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «إن القرآن زاجر و آمر، يأمر بالجنة و يزجر عن النار، و فيه محكم و متشابه: فأما

المحكم فيؤمن به و يعمل به و يعتبر به، و أما المتشابه فيؤمن به و لا يعمل به، و هو قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا- قال-: آل محمد (عليهم السلام) الراسخون في العلم».

1603/ [8]- عنه، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أفضل الراسخين في العلم، فقد علم جميع ما أنزل الله عليه من التنزيل و التأويل، و ما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه التأويل، و أوصياؤه من بعده يعلمونه كله».

قال: قلت: جعلت فداك، إن أبا الخطاب كان يقول فيكم قولا عظيما، قال: «و ما كان يقول»؟

قلت: إنه يقول: إنكم تعلمون علم الحلال و الحرام و القرآن، قال: «إن علم الحلال و الحرام و القرآن يسير في جنب العلم الذي يحدث في الليل و النهار».

1604/ [9]- العياشي: عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله:

__________________________________________________

6- كتاب سليم بن قيس الهلالي: 156. [.....]

7- تفسير القمي 2: 451.

8- تفسير القمي 1: 96.

9- تفسير العياشي 1: 162/ 2.

(1) (الذين آمنوا) ليس في المصدر.

(2) فصلت 41: 44.

(3) النساء 4: 83.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 599

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ قال: «أمير المؤمنين و الأئمة (عليهم السلام) وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فلان و فلان فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ أصحابهم و أهل ولايتهم فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ

وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ».

1605/ [10]- و سئل أبو عبد الله (عليه السلام)، عن المحكم و المتشابه، فقال: «المحكم ما يعمل به، و المتشابه ما اشتبه على جاهله».

1606/ [11]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن القرآن محكم و متشابه، فأما المحكم فنؤمن به و نعمل به و ندين به، و أما المتشابه فنؤمن به و لا نعمل به، و هو قول الله عز و جل: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا و الراسخون في العلم هو آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)».

1607/ [12]- عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن رجلا قال لأمير المؤمنين (عليه السلام):

هل تصف ربنا نزداد له حبا و به معرفة؟ فغضب (عليه السلام) و خطب الناس، فقال فيما قال: «عليك- يا عبد الله- بما ذلك عليه القرآن من صفته، و تقدمك فيه الرسول من معرفته، فائتم به و استضى ء بنور هدايته، فإنما هي نعمة و حكمة أوتيتها، فخذ ما أوتيت و كن من الشاكرين، و ما كلفك الشيطان عليه مما ليس عليك في الكتاب فرضه، و لا في سنة الرسول و الأئمة الهداة أثره، فكل علمه إلى الله، و لا تقدر عظمة الله [على قدر عقلك فتكون من الهالكين ].

و اعلم- يا عبد الله- أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام على السدد المضروبة دون الغيوب، و أقروا بجهل ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فقالوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا و قد مدح الله اعترافهم

بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما، و سمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عنه [رسوخا]».

1608/ [13]- عن بريد بن معاوية، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قول الله: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ؟

قال: «يعني تأويل القرآن كله إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فرسول الله أفضل الراسخين، قد علمه الله جميع ما أنزل عليه من التنزيل و التأويل، و ما كان الله منزلا عليه شيئا لم يعلمه تأويله، و أوصياؤه من بعده يعلمونه كله، فقال الذين لا يعلمون: ما نقول إذا لم نعلم تأويله؟ فأجابهم الله يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا و القرآن له خاص و عام، و ناسخ و منسوخ، و محكم و متشابه، فالراسخون في العلم يعلمونه».

1609/ [14]- عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ

__________________________________________________

10- تفسير العياشي 1: 162/ 3.

11- تفسير العياشي 1: 162/ 4.

12- تفسير العياشي 1: 163/ 5.

13- تفسير العياشي 1: 164/ 6.

14- تفسير العياشي 1: 164/ 7.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 600

نحن نعلمه».

1610/ [15]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «نحن الراسخون في العلم، فنحن نعلم تأويله».

1611/ [16]- علي بن إبراهيم في قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ: أي شك.

سورة آل عمران(3):آية 8 ..... ص : 600

قوله تعالى:

رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [8] 1612/ [17]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا: أي لا نشك.

1613/ [18]- محمد بن يعقوب: عن أبي عبد الله الأشعري، عن بعض أصحابنا، رفعه، عن هشام

بن الحكم، قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)، و ذكر الحديث إلى أن قال: «يا هشام، إن الله حكى عن قوم صالحين: أنهم قالوا: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ حين علموا أن القلوب تزيغ و تعود إلى عماها و رداها، إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، و من لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة ينظرها و يجد حقيقتها في قلبه، و لا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقا، و سره لعلانيته موافقا، لأن الله تعالى اسمه لم يدل على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه و ناطق عنه».

1614/ [19]- العياشي: عن سماعة بن مهران، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «أكثروا من أن تقولوا: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا و لا تأمنوا الزيغ»

سورة آل عمران(3): الآيات 10 الي 13 ..... ص : 600

قوله تعالى:

وَ أُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ- إلى قوله- لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ [10- 13] 1615/ [20]- علي بن إبراهيم، قوله: وَ أُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ: يعني حطب النار. و قال: قوله تعالى:

__________________________________________________

15- تفسير العيّاشي 1: 164/ 8.

16- تفسير القمّي 1: 96.

17- تفسير القمّي 1: 97. [.....]

18- الكافي 1: 14/ 12.

19- تفسير العيّاشي 1: 164/ 9.

20- تفسير القمّي 1: 97.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 601

كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ: أي فعل آل فرعون.

و

قال: قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ: إنها نزلت بعد بدر، لما رجع رسول الله (صلى الله عليه و آله) من بدر أتى بني قينقاع و هو يناديهم، و كان بها سوق يسمى بسوق النبط، فأتاهم رسول

الله (صلى الله عليه و آله) فقال: «يا معشر اليهود، قد علمتم ما نزل بقريش و هم أكثر عددا و سلاحا و كراعا منكم، فادخلوا في الإسلام».

فقالوا: يا محمد، إنك تحسب حربنا مثل حرب قومك، و الله لو لقيتنا للقيت رجالا. فنزل عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ أُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ أي لو كانوا مثل المسلمين وَ اللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ يعني رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوم بدر إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ.

سورة آل عمران(3):آية 14 ..... ص : 601

قوله تعالى:

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [14]

1616/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن الحسن بن أبي قتادة، عن رجل، عن جميل بن دراج، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ما تلذذ الناس في الدنيا و الآخرة بلذة أكثر لهم من لذة النساء، و هو قول الله عز و جل: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ إلى آخر الآية- ثم قال-: و إن أهل الجنة ما يتلذذون بشي ء من الجنة أشهى عندهم من النكاح، لا طعام و لا شراب».

العياشي: عن جميل بن دراج، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ما تلذذ الناس ...» و ذكر الحديث بعينه «1».

1617/ [2]- أبو علي الطبرسي: القنطار: مل ء مسك ثور ذهبا. و هو المروي

عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام).

1618/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: القناطير: جلود الثيران مملوءة ذهبا وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ يعني الراعية

__________________________________________________

1- الكافي 5: 321/ 10.

2- مجمع البيان 2: 712.

3- تفسير القمّي 1: 97.

(1) تفسير العيّاشي 1: 164/ 10.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 602

وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ يعني الزرع وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ أي حسن المرجع إليه.

سورة آل عمران(3): الآيات 15 الي 17 ..... ص : 602

قوله تعالى:

قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ- إلى قوله تعالى- وَ الْقانِتِينَ وَ الْمُنْفِقِينَ وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ [15- 17] 1619/ [1]- من طريق المخالفين، عن ابن عباس، في قوله تعالى: قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ الآيات:

نزلت في علي و حمزة و عبيدة بن الحارث.

1620/ [2]- علي بن إبراهيم: قال: أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ثم أخبر أن هذا للذين يقولون: رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ قِنا عَذابَ النَّارِ- إلى قوله- وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ ثم أخبر أن هؤلاء هم الصَّابِرِينَ وَ الصَّادِقِينَ وَ الْقانِتِينَ وَ الْمُنْفِقِينَ وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ و هم الدعاءون.

1621/ [3]- الشيخ: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حسين بن عثمان، عن سماعة، عن أبي بصير، قال: قلت له: المستغفرين بالأسحار؟ فقال: «استغفر رسول الله (صلى الله عليه و آله) في وتره سبعين مرة».

1622/ [4]- ابن بابويه: بإسناده عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من قال في وتره إذا أوتر:

أستغفر الله و أتوب إليه، سبعين مرة، و واظب «1» على ذلك حتى تمضي سنة، كتبه الله من المستغفرين بالأسحار، و وجبت المغفرة له من الله عز و جل».

1623/

[5]- العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: فِيها وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ «2».

قال: «لا يحضن و لا يحدثن».

1624/ [6]- عن زرارة، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «من داوم على صلاة الليل و الوتر، و استغفر الله في كل

__________________________________________________

1- تفسير الحبري: 245/ 11.

2- تفسير القمّي 1: 97.

3- التهذيب 2: 130/ 501.

4- الخصال: 581/ 3.

5- تفسير العيّاشي 1: 164/ 11.

6- تفسير العيّاشي 1: 165/ 12.

(1) في المصدر: مرة و هو قائم، فواظب. [.....]

(2) البقرة 2: 25، النّساء 4: 57.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 603

وتر سبعين مرة، ثم واظب على ذلك سنة، كتب من المستغفرين بالأسحار».

1625/ [7]- عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله تبارك و تعالى: وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ؟

قال: «استغفر رسول الله (صلى الله عليه و آله) في وتره سبعين مرة».

1626/ [8]- عن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «من قال في آخر الوتر في السحر: أستغفر الله و أتوب إليه سبعين مرة و دام على ذلك سنة، كتبه الله من المستغفرين بالأسحار».

و

في رواية اخرى، عنه (عليه السلام): «وجبت له المغفرة».

1627/ [9]- عن عمر بن يزيد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «من استغفر الله سبعين مرة في الوتر بعد الركوع، فدام على ذلك سنة، كان من المستغفرين بالأسحار».

1628/ [10]- عن المفضل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك، تفوتني صلاة الليل فأصلي الفجر، فلي أن اصلي بعد صلاة الفجر ما فاتني من صلاة و أنا في صلاة قبل طلوع الشمس؟

قال: «نعم، و لكن لا تعلم به أهلك فتتخذه سنة، فتبطل قول الله عز و جل:

وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ»

سورة آل عمران(3):آية 18 ..... ص : 603

قوله تعالى:

شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [18]

1629/ [1]- محمد بن الحسن الصفار: عن عبد الله بن جعفر، عن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: على الأئمة من الفرائض ما ليس على شيعتهم، و على شيعتنا ما أمرهم الله ما ليس علينا، إن عليهم أن يسألونا وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ الإمام «1».

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 1: 165/ 13.

8- تفسير العيّاشي 1: 165/ 14، 15.

9- تفسير العيّاشي 1: 165/ 16.

10- تفسير العيّاشي 1: 165/ 17.

1- بصائر الدرجات: 63/ 28.

(1) لم نجد في بصائر الدرجات المطبوع و المخطوط، بل روى فيه حديثا نحوه ص 63/ 28 دون ذكر ذيل الحديث، و روى في نور الثقلين 1:

323/ 69 و كنز الدقائق 3: 55 الحديث عن بصائر الدرجات بنفس الإسناد، و متنه هكذا «قال: قلت: وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ قال:

الإمام».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 604

1630/ [2]- العياشي: عن جابر، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الآية: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

قال أبو جعفر (عليه السلام): «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فإن الله تبارك و تعالى يشهد بها لنفسه، و هو كما قال.

فأما قوله: وَ الْمَلائِكَةُ فإنه أكرم الملائكة بالتسليم لربهم، و صدقوا و شهدوا كما شهد لنفسه. و أما قوله:

وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ فإن اولي العلم الأنبياء و الأوصياء، و هم قيام بالقسط، و القسط: العدل في الظاهر، و العدل في الباطن:

أمير المؤمنين (عليه السلام)».

1631/ [3]- عن مرزبان القمي، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قول الله: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ قال: «هو الإمام».

1632/ [4]- عن إسماعيل، رفعه إلى سعيد بن جبير، قال: كان على الكعبة ثلاث مائة و ستون صنما، لكل حي من أحياء العرب الواحد و الاثنان، فلما نزلت هذه الآية: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إلى قوله الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ خرت الأصنام في الكعبة سجدا.

1633/ [5]- سعد بن عبد الله القمي: عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن النضر بن سويد و جعفر بن بشير البجلي، عن هارون بن خارجة، عن عبد الملك بن عطاء، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «نحن أولو الذكر، و نحن أولو العلم، و عندنا الحرام و الحلال»

سورة آل عمران(3):آية 19 ..... ص : 604

قوله تعالى:

إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [19]

1634/ [6]- روى العياشي: عن محمد بن مسلم، قال: سألته عن قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ فقال: «الذي فيه الإيمان».

1635/ [7]- عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ- قال- يعني الدين فيه الإيمان «1»».

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 1: 165/ 18.

3- تفسير العيّاشي 1: 166/ 19.

4- تفسير العيّاشي 1: 166/ 20.

5- مختصر بصائر الدرجات: 67.

6- تفسير العيّاشي 1: 166/ 21.

7- تفسير العيّاشي 1: 166/ 22.

(1) في «ط»: الإمام. [.....]

رهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 605

1636/ [3]- ابن شهر آشوب: عن الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ. قال:

«التسليم لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) بالولاية».

1637/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن

رئاب، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن الله فضل الإيمان على الإسلام بدرجة، كما فضل الكعبة على المسجد الحرام بدرجة».

1638/ [5]- و عنه، قال: و حدثني محمد بن يحيى البغدادي، رفع الحديث إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «لأنسبن الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي، و لا ينسبها أحد بعدي، الإسلام هو التسليم، و التسليم هو اليقين، و اليقين هو التصديق، و التصديق هو الإقرار، و الإقرار هو الأداء، و الأداء هو العمل، و المؤمن من أخذ دينه عن ربه، إن المؤمن يعرف إيمانه في عمله، و إن الكافر يعرف كفره بإنكاره، يا أيها الناس دينكم دينكم، فإن السيئة فيه خير من الحسنة في غيره، إن السيئة فيه تغفر، و إن الحسنة في غيره لا تقبل».

سورة آل عمران(3):آية 21 ..... ص : 605

قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [21]

1639/ [1]- سليم بن قيس الهلالي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام)- في حديث له مع معاوية- قال له: «يا معاوية، إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، و لم يرض لنا بالدنيا ثوابا. يا معاوية، إن نبي الله زكريا قد نشر بالمناشير، و يحيى بن زكريا قتله «1» قومه و هو يدعوهم إلى الله عز و جل [و ذلك لهوان الدنيا على الله ]. إن أولياء الشيطان قد حاربوا أولياء الرحمن، و قد قال الله عز و جل في كتابه: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ».

1640/ [2]- أبو علي الطبرسي: روى أبو عبيدة بن الجراح، قال: قلت:

يا رسول الله، أي الناس أشد عذابا يوم القيامة؟

__________________________________________________

3- المناقب 3: 95.

4- تفسير القمّي 1: 99.

5- تفسير القمّي 1: 99.

1- كتاب سليم بن قيس: 158.

2- مجمع البيان 2: 720.

(1) في المصدر: و يحيى ذبح و قتله.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 606

قال: «رجل قتل نبيا أو رجلا أمر بمعروف أو نهى عن منكر» ثم قرأ (عليه السلام): وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ ثم قال (عليه السلام): «يا أبا عبيدة، قتلت بنو إسرائيل ثلاثة و أربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مائة رجل و اثنا عشر رجلا من عباد بني إسرائيل، فأمروا من قتلهم بالمعروف و نهوهم عن المنكر، فقتلوا جميعا في آخر النهار في ذلك اليوم، و هو الذي ذكره الله».

1641/ [3]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن يونس بن ظبيان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن الله عز و جل يقول: ويل للذين يختلون الدنيا بالدين، و ويل للذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، و ويل للذين يسير المؤمن فيهم بالتقية، أبي يغترون «1»، أم علي يجترءون «2»؟ فبي حلفت لأمتحننهم بفتنة «3» تترك الحكيم منهم حيرانا».

سورة آل عمران(3):آية 26 ..... ص : 606

قوله تعالى:

قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ [26]

1642/ [1]- محمد بن يعقوب: بإسناده عن إبراهيم بن أبي بكر بن أبي سمال «4»، عن داود بن فرقد، عن عبد الأعلى مولى آل سام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ

الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ أليس قد آتى الله عز و جل بني امية الملك؟

قال: «ليس حيث تذهب، إن الله عز و جل آتانا الملك و أخذته بنو امية، بمنزلة الرجل يكون له الثوب فيأخذه الآخر، فليس هو للذي أخذه».

1643/ [2]- العياشي: عن داود بن فرقد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ فقد آتى الله بني أمية الملك!

__________________________________________________

3- الكافي 2: 226/ 1.

1- الكافي 8: 266/ 389.

2- تفسير العيّاشي 1: 166/ 23.

(1) في «ط»: يفترون.

(2) في «س»: تتجبّرون.

(3) في المصدر: لأتيحن لهم فتنة.

(4) في المصدر: سماك. أنظر رجال النجاشي: 21/ 30.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 607

فقال: «ليس حيث يذهب الناس إليه، إن الله آتانا الملك و أخذه بنو امية، بمنزلة الرجل يكون له الثوب و يأخذه الآخر، فليس هو للذي أخذه».

سورة آل عمران(3):آية 27 ..... ص : 607

قوله تعالى:

وَ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [27]

1644/]- ابن بابويه، قال: سئل الحسن بن علي بن محمد (عليهم السلام) عن الموت، ما هو؟

قال: «هو التصديق بما لا يكون، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده الصادق (عليه السلام) قال: إن المؤمن إذا مات لم يكن ميتا، و إن الميت هو الكافر، إن الله عز و جل يقول: تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ يعني المؤمن من الكافر، و الكافر من المؤمن».

1645/ [2]- أبو علي الطبرسي قيل: معناه يخرج المؤمن من الكافر، و الكافر من المؤمن. قال: و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام).

سورة آل عمران(3):آية 28 ..... ص : 607

قوله تعالى:

لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ ءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً [28]

1646/ [3]- العياشي: عن الحسين بن زيد بن علي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليه السلام) قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: لا إيمان لمن لا تقية له، و يقول: قال الله: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً».

1647/ [4]- علي بن إبراهيم: إن هذه الآية رخصة، ظاهرها خلاف باطنها، يدان بظاهرها و لا يدان بباطنها إلا عند التقية، لأن التقية رخصة للمؤمن يدين بدين الكافر، و يصلي «1» بصلاته، و يصوم بصيامه إذا اتقاه في الظاهر، و في الباطن يدين الله بخلاف ذلك.

__________________________________________________

1- معاني الأخبار: 290/ 10. [.....]

2- مجمع البيان 2: 728.

3- تفسير العيّاشي 1: 166/ 24.

4- تفسير القمّي 1: 100.

(1) في المصدر: للمؤمن أن يراه الكافر، فيصلي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 608

سورة آل عمران(3):آية 30 ..... ص : 608

قوله تعالى:

يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ [30]

1648/ [1]- محمد بن يعقوب: قال: حدثني محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، و علي بن إبراهيم، [عن أبيه ] «1» جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن غالب، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، قال: كان علي بن الحسين (عليه السلام) يعظ الناس، و يزهدهم في الدنيا، و يرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كل جمعة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و حفظ عنه و كتب، كان يقول: «أيها الناس، اتقوا الله، و اعلموا أنكم إليه ترجعون، فتجد كل نفس ما عملت في هذه الدنيا من خير محضرا، و

ما عملت من سوء تود لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا، و يحذركم الله نفسه، و يحك يا بن آدم، الغافل و ليس بمغفول عنه.

يا بن آدم، إن أجلك أسرع شي ء إليك، قد أقبل نحوك حثيثا «2»، يطلبك و يوشك أن يدركك، و كأن قد أوفيت أجلك و قبض الملك روحك، و صرت إلى قبرك وحيدا، فرد إليك فيه روحك، و اقتحم عليك فيه ملكان:

نكير، و ناكر لمساءلتك، و شديد امتحانك.

ألا و إن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده، و عن نبيك الذي أرسل إليك، و عن دينك الذي كنت تدين به، و عن كتابك الذي كنت تتلوه، و عن إمامك الذي كنت تتولاه، ثم عن عمرك فيما كنت أفنيته، و مالك من أين اكتسبته، و فيما أنفقته.

فخذ حذرك، و انظر لنفسك، و أعد الجواب قبل الامتحان و المساءلة و الاختبار، فإن تك مؤمنا عارفا بدينك، متبعا للصادقين مواليا لأولياء الله لقاك الله حجتك، و أنطق لسانك بالصواب، و أحسنت الجواب، و بشرت بالرضوان و الجنة من الله عز و جل، و استقبلتك الملائكة بالروح و الريحان. و إن لم تكن كذلك تلجلج لسانك، و دحضت حجتك، و عييت عن الجواب، و بشرت بالنار، و استقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم، و تصلية جحيم.

و اعلم يا ابن آدم، إن من وراء هذا أعظم و أفظع و أوجع للقلوب يوم القيامة ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ «3» يجمع الله عز و جل فيه الأولين و الآخرين، ذلك يوم ينفخ في الصور، و يبعثر فيه من في

__________________________________________________

1- الكافي 8: 72/ 29.

(1) أثبتناه من المصدر و هو الصواب لعدم ثبوت رواية

عليّ بن إبراهيم عن الحسن بن محبوب مباشرة و دون واسطة، و قد روى إبراهيم عن الحسن كثيرا، انظر معجم رجال الحديث 1: 319، و 5: 94.

(2) حثيثا: أي سريعا! «مجمع البحرين- حثث- 2: 244».

(3) هود 11: 103.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 609

القبور، و ذلك يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ «1» و ذلك يوم لا تقال فيه عثرة، و لا يؤخذ من أحد فدية، و لا تقبل من أحد معذرة، و لا لأحد فيه مستقبل توبة، ليس إلا الجزاء بالحسنات، و الجزاء بالسيئات.

فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده، و من كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده»

سورة آل عمران(3):آية 31 ..... ص : 609

قوله تعالى:

قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [31]

1649/ [1]- محمد بن يعقوب: بإسناده عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): قال الله في محكم كتابه: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَ مَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً «2» فقرن طاعته بطاعته، و معصيته بمعصيته، فكان ذلك دليلا على ما فوض إليه، و شاهدا له على من اتبعه و عصاه، و بين ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم، فقال تبارك و تعالى في التحريض على اتباعه، و الترغيب في تصديقه، و القبول لدعوته: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ فاتباعه (صلى الله عليه و آله) محبة الله، و رضاه غفران الذنوب، و كمال الفوز، و وجوب الجنة، و في التولي عنه و الاعراض محادة الله و غضبه و

سخطه، و البعد منه مسكن النار، و ذلك قوله: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ «3» يعني الجحود به و العصيان له».

1650/ [2]- عنه، قال: حدثني علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن حفص المؤذن، عن أبي عبد الله (عليه السلام). و عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في صحيفة أخرجها لأصحابه: «و اعلموا أن الله إذا أراد بعبد خيرا شرح صدره للإسلام، فإذا أعطاه ذلك نطق لسانه بالحق، و عقد قلبه عليه و عمل به، فإذا جمع الله له ذلك تم له إسلامه، و كان عند الله إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقا.

و إذا لم يرد الله بعبد خيرا وكله إلى نفسه، و كان صدره ضيقا حرجا، فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه

__________________________________________________

1- الكافي 8: 26/ 4.

2- الكافي 8: 13/ 1.

(1) غافر 40: 18.

(2) النّساء 4: 80.

(3) هود 11: 17.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 610

عليه، و إذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه الله العمل به، فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت و هو على تلك الحال كان عند الله من المنافقين، و صار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه الله أن يعقد قلبه عليه، و لم يعطه العمل به حجة عليه يوم القيامة.

فاتقوا الله و اسألوه أن يشرح صدوركم للإسلام، و أن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفاكم و أنتم على ذلك، و أن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم، و لا قوة إلا بالله، و الحمد لله رب العالمين.

و من سره أن يعلم أن الله يحبه فليعمل

بطاعة الله و ليتبعنا، ألم يسمع قول الله عز و جل لنبيه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ؟

و الله لا يطيع الله عبد أبدا إلا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا، و لا و الله لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبه الله، و لا و الله لا يدع أحد اتباعنا أبدا إلا أبغضنا، و لا و الله لا يبغضنا أحد أبدا إلا عصى الله، و من مات عاصيا لله أخزاه الله و أكبه على وجهه في النار، و الحمد لله رب العالمين».

1651/ [3]- عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إني لأرجو النجاة لمن عرف حقنا من هذه الأمة، إلا لأحد ثلاثة:

صاحب سلطان جائر، و صاحب هوى، و الفاسق المعلن» ثم تلا: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ.

1652/ [4]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي: عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن صفوان الجمال، عن أبي عبيدة زياد الحذاء، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث له، قال (عليه السلام): «يا زياد، و يحك، و هل الدين إلا الحب، ألا ترى إلى قول الله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ».

1653/ [5]- ابن بابويه: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حمران «1»، عن سعيد بن يسار، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «هل الدين إلا الحب، إن الله عز و جل يقول: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي

يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ».

1654/ [6]- عنه: عن محمد بن موسى بن المتوكل، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، قال: حدثني حمران، عمن سمع «2» أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «ما أحب الله عز و جل من

__________________________________________________

3- الكافي 8: 128/ 98. [.....]

4- المحاسن: 262/ 327.

5- الخصال: 21: 74.

6- أمالي الصدوق: 396/ 3.

(1) في «س و ط»: مروان، و الظاهر أنّه تصحيف، إذ روى ابن أبي عمير عن محمّد بن حمران في عدّة موارد، و لم تثبت روايته عن محمّد بن مروان، انظر معجم رجال الحديث 14: 287، و 22: 104.

(2) في المصدر: حدّثني من سمع. و المذكور رواية ابن أبي عمير عن حمران بواسطة ولده حمزة بن حمران، انظر معجم رجال الحديث 6: 267.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 611

عصاه» ثم تمثل فقال:

«تعصي إلا له و أنت تظهر حبه هذا محال في الفعال بديع!

لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع»

1655/ [7]- العياشي: عن زياد، عن أبي عبيدة الحذاء، قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام)، فقلت: بأبي أنت و أمي، ربما خلا بي الشيطان فخبثت نفسي، ثم ذكرت حبي إياكم، و انقطاعي إليكم فطابت نفسي، فقال (عليه السلام): «يا زياد، و يحك، و ما الدين إلا الحب، ألا ترى إلى قول الله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ».

1656/ [8]- عن بشير الدهان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قد عرفتم في منكرين كثيرا، و أحببتم في مبغضين كثيرا، و قد يكون حبا لله في الله و رسوله، و حبا في الدنيا، فما كان في الله و رسوله فثوابه على الله تعالى، و ما

كان في الدنيا فليس في شي ء» ثم نفض يده، ثم قال: «إن هذه المرجئة، و هذه القدرية، و هذه الخوارج ليس منهم أحد إلا يرى أنه على الحق، و إنكم إنما أحببتمونا في الله». ثم تلا: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «1»، وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «2» و مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ «3»، إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ».

1657/ [9]- عن بريد بن معاوية العجلي، قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) إذ دخل عليه قادم من خراسان ماشيا، فأخرج رجليه و قد تغلفتا، و قال: أما و الله ما جاء بي من حيث جئت إلا حبكم أهل البيت.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «و الله لو أحبنا حجر حشره الله معنا، و هل الدين إلا الحب، إن الله يقول: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ و قال: يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ «4» و هل الدين إلا الحب».

1658/ [10]- عن ربعي بن عبد الله، قال: قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك، إنا نسمي بأسمائكم و أسماء آبائكم، فينفعنا ذلك؟

فقال: «إي و الله، و هل الدين إلا الحب، قال الله: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ».

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 1: 167/ 25.

8- تفسير العيّاشي 1: 167/ 26.

9- تفسير العيّاشي 1: 167/ 27.

10- تفسير العيّاشي 1: 167/ 28.

(1) النّساء 4: 59.

(2) الحشر 59: 7.

(3) النساء 4: 80.

(4) الحشر 59: 9.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 612

سورة آل عمران(3): الآيات 33 الي 34 ..... ص : 612

قوله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ

سَمِيعٌ عَلِيمٌ [33- 34]

1659/ [1]- الشيخ في (أماليه): عن أبي محمد الفحام، قال: حدثني محمد بن عيسى، عن هارون، قال:

حدثني أبو عبد الصمد إبراهيم، عن أبيه، عن جده- و هو إبراهيم بن عبد الصمد بن محمد بن إبراهيم- قال:

سمعت جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقرأ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ- و آل محمد- عَلَى الْعالَمِينَ قال: «هكذا أنزلت».

1660/ [2]- علي بن إبراهيم: قال العالم (عليه السلام): «نزل آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ- و آل محمد- عَلَى الْعالَمِينَ فأسقطوا (آل محمد) من الكتاب».

1661/ [3]- و قال الطبرسي في (مجمع البيان): و في قراءة أهل البيت: «و آل محمد على العالمين».

1662/ [4]- ابن بابويه: قال: حدثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب، و جعفر بن محمد بن مسرور (رضي الله عنهما)، قالا: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، قال: حضر الرضا (عليه السلام) مجلس المأمون، و قد اجتمع إليه في مجلسه جماعة من أهل العراق و خراسان، و ذكر الحديث إلى أن قال فيه: قال المأمون: هل فضل الله العترة على سائر الامة؟

فقال أبو الحسن (عليه السلام): «إن الله عز و جل أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه».

فقال المأمون: و أين ذلك من كتاب الله؟

فقال له الرضا (عليه السلام): «في قوله عز و جل: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ- قال-: يعني أن العترة داخلون في آل إبراهيم، لأن رسول الله (صلى الله عليه و آله) من ولد إبراهيم (عليه السلام)»، و هو دعوة إبراهيم على ما

تقدم الحديث فيه عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) «1»، و عترته منه (صلى الله عليه و آله).

1663/]- محمد بن إبراهيم المعروف بابن زينب النعماني: عن أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، قال:

__________________________________________________

1- الأمالي 1: 306. [.....]

2- تفسير القمّي 1: 100.

3- مجمع البيان 2: 735.

4- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 230/ 1.

5- الغيبة: 281/ 67.

(1) تقدّم في الحديث (13) من تفسير الآيات (126- 129) من سورة البقرة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 613

حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم، عنه أبيه، و حدثني محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، و حدثني علي بن محمد و غيره، عن سهل بن زياد جميعا، عن الحسن بن محبوب، و حدثنا عبد الواحد بن عبد الله الموصلي، عن أبي علي أحمد بن محمد بن أبي ناشر، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام): «يا جابر الزم الأرض و لا تحرك يدا و لا رجلا حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها» و ذكر علامات القائم (عليه السلام) إلى أن قال في الحديث:

«فينادي- يعني القائم (عليه السلام)-: يا أيها الناس، إنا نستنصر الله، فمن أجابنا من الناس فإنا أهل بيت نبيكم، و نحن أولى الناس بالله و بمحمد (صلى الله عليه و آله)، فمن حاجني في آدم (عليه السلام) فأنا أولى الناس بآدم (عليه السلام)، و من حاجني في نوح (عليه السلام) فأنا أولى الناس بنوح (عليه السلام)، و من حاجني في إبراهيم (عليه السلام) فأنا أولى الناس بإبراهيم (عليه السلام)، و من حاجني

في محمد (صلى الله عليه و آله) فأنا أولى الناس بمحمد (صلى الله عليه و آله)، و من حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين، أليس الله يقول في محكم كتابه: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فأنا بقية من آدم، و ذخيرة من نوح، و مصطفى من إبراهيم، و صفوة من محمد (صلى الله عليهم أجمعين)».

1664/ [6]- محمد بن الحسن الصفار: عن إبراهيم بن هاشم، عن أبي عبد الله البرقي، عن خلف بن حماد، عن محمد بن القبطي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «الناس غفلوا قول رسول الله (صلى الله عليه و آله) في علي (عليه السلام) يوم غدير خم، كما غفلوا يوم مشربة «1» ام إبراهيم. أتاه الناس يعودونه فجاء علي (عليه السلام) ليدنو من رسول الله (صلى الله عليه و آله) فلم يجد مكانا، فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنهم لا يوسعون لعلي (عليه السلام) نادى: يا معشر الناس، أفرجوا لعلي. ثم أخذ بيده و أقعده معه على فراشه ثم قال: يا معشر الناس، هؤلاء أهل بيتي تستخفون بهم و أنا حي بين ظهرانيكم، أما و الله لئن غبت عنكم فإن الله لا يغيب عنكم، إن الروح و الراحة، و الرضوان و البشر و البشارة، و الحب و المحبة لمن ائتم بعلي و ولايته، و سلم له و للأوصياء من بعده حقا لأدخلنهم في شفاعتي لأنهم أتباعي، و من تبعني فإنه مني، مثل جرى فيمن اتبع إبراهيم، [لأني من إبراهيم ] و إبراهيم مني، و دينه ديني و ديني دينه،

و سنته سنتي، و فضله من فضلي، و أنا أفضل منه، و فضلي من فضله «2»، و تصديق «3» قولي قوله تعالى: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) في مشربة أم إبراهيم حين عاده الناس في مرضه، قال هذا».

__________________________________________________

6- بصائر الدرجات: 73/ 1.

(1) المشربة: الغرفة «أقرب الموارد- شرب- 1: 580».

(2) زاد في «ط»: و فضله من فضلي.

(3) في المصدر: و فضلي له فضل تصديق.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 614

1665/ [7]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي: عن علي بن الحكم، عن سعد بن خلف، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): الروح و الراحة، و الفلج «1» و الفلاح، و النجاح و البركة، و العفو و العافية و المعافاة، و البشر و النضرة و الرضا، و القرب و القرابة، و النصر و الظفر، و التمكين و السرور، و المحبة من الله تبارك و تعالى على من أحب علي بن أبي طالب و والاه و ائتم به و أقر بفضله و تولى الأوصياء من بعده «2»، حق علي أن أدخلهم في شفاعتي، و حق على ربي أن يستجيب لي فيهم و إنهم أتباعي، و من تبعني فإنه مني.

جرى في مثل إبراهيم (عليه السلام) و في الأوصياء من بعدي، لأني من إبراهيم و إبراهيم مني، و دينه ديني، و سنته سنتي، و أنا أفضل منه، و فضلي من فضله، و فضله من فضلي، و تصديق قولي قول ربي: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ».

1666/ [8]- العياشي: عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر

(عليه السلام) قال: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ قال: «نحن منهم، و نحن بقية تلك العترة».

1667/ [9]- عن هشام بن سالم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ. فقال: «هو: آل إبراهيم و آل محمد على العالمين. فوضعوا اسما مكان اسم».

1668/ [10]- عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لما قضى محمد (صلى الله عليه و آله) نبوته و استكملت أيامه، أوحى الله: يا محمد، قد قضيت نبوتك، و استكملت أيامك، فاجعل العلم الذي عندك من الإيمان، و الاسم الأكبر، و ميراث العلم، و آثار علم النبوة في العقب من ذريتك، فإني لم أقطع العلم و لا الإيمان و الاسم الأكبر و ميراث العلم و آثار علم النبوة من العقب من ذريتك، كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك و بين أبيك آدم. و ذلك قول الله: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

و إن الله جل و تعالى لم يجعل العلم جهلا، و لم يكل أمره إلى أحد من خلقه، لا إلى ملك مقرب، و لا إلى نبي مرسل، و لكنه أرسل رسلا من ملائكته، فقال له: كذا و كذا. فأمرهم بما يحب، و نهاهم عما يكره، فقص عليه أمر خلقه بعلم، فعلم ذلك العلم، و علم أنبياءه و أصفياءه من الأنبياء و الأعوان و الذرية التي بعضها من بعض، فذلك

__________________________________________________

7- المحاسن: 152/ 74.

8- تفسير العيّاشي 1: 168/ 29.

9- تفسير

العيّاشي 1: 168/ 30.

10- تفسير العيّاشي 1: 168/ 31.

(1) الفلج: الظّفر و الفوز. «لسان العرب- فلج- 2: 347». [.....]

(2) (و والاه و ائتم به و أقرّ بفضله و تولى الأوصياء من بعده) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 615

قول الله: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً «1» فأما الكتاب فهو النبوة، و أما الحكمة فهم الحكماء من الأنبياء في الصفوة، و أما الملك العظيم فهم الأئمة الهداة في الصفوة، و كل هؤلاء من الذرية التي بعضها من بعض التي جعل فيهم البقية و فيهم العاقبة، و حفظ الميثاق حتى تنقضي الدنيا، و للعلماء و لولاة «2» الأمر الاستنباط للعلم و الهداية».

1669/ [11]- عن أحمد بن محمد، عن الرضا (عليه السلام)، عن أبي جعفر (عليه السلام): «من زعم أنه قد فرغ من الأمر فقد كذب، لأن المشيئة لله في خلقه، يريد ما يشاء، و يفعل ما يريد، قال الله: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ آخرها من أولها، و أولها من آخرها، فإذا أخبرتم بشي ء منها بعينه أنه كائن و كان في غيره منه، فقد وقع الخبر على ما أخبرتم عنه».

1670/ [12]- عن أبي عبد الرحمن، عن أبي كلدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): الروح و الراحة، و الرحمة و النضرة «3»، و اليسر و اليسار، و الرضا و الرضوان، و المخرج و الفلج، و القرب و المحبة من الله و من رسوله لمن أحب عليا و ائتم بالأوصياء من بعده، حق علي أن أدخلهم في شفاعتي، و حق على ربي أن يستجيب لي فيهم، لأنهم أتباعي، و

من تبعني فإنه مني، مثل إبراهيم جرى في، لأنه «4» مني، و أنا منه، دينه ديني، و ديني دينه، و سنته سنتي، و سنتي سنته، و فضلي فضله، و أنا أفضل منه، و فضلي له فضل، و ذلك تصديق قول ربي: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ».

1671/ [13]- عن أيوب، قال: سمعني أبو عبد الله (عليه السلام) و أنا أقرأ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ فقال لي: «و آل محمد. كانت فمحوها، و تركوا آل إبراهيم و آل عمران».

1672/ [14]- عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ما الحجة في كتاب الله أن آل محمد هم أهل بيته؟

قال: «قول الله تبارك و تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ و آل محمد. هكذا نزلت عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ و لا تكون الذرية من القوم إلا نسلهم من أصلابهم».

__________________________________________________

11- تفسير العيّاشي 1: 169/ 32.

12- تفسير العيّاشي 1: 169/ 33.

13- تفسير العيّاشي 1: 169/ 34.

14- تفسير العيّاشي 1: 169/ 35.

(1) النّساء 4: 54.

(2) في «ط» و المصدر: و بولاة.

(3) في المصدر: و النصرة.

(4) في «ط» و المصدر: في ولايته.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 616

و قال: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ «1» و آل عمران و آل محمد.

رواية أبي خالد القماط، عنه.

1673/ [15]- و عن الشيخ الطوسي قدس سره، قال: روى أبو جعفر القلانسي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثنا عمرو بن أبي المقدام، عن يونس بن حباب، عن أبي جعفر محمد بن

علي الباقر، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما بال أقوام إذا ذكروا آل إبراهيم و آل عمران استبشروا، و إذا ذكروا آل محمد اشمأزت قلوبهم؟! و الذي نفس محمد بيده، لو أن أحدهم وافى بعمل سبعين نبيا يوم القيامة ما قبل الله منه حتى يوافي بولايتي و ولاية علي بن أبي طالب».

1674/ [16]- و قال أيضا: روى روح بن روح، عن رجاله، عن إبراهيم النخعي، عن ابن عباس (رضي الله عنه)، قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقلت: يا أبا الحәƘ̠أخبرنا بما أوصى إليك رسول الله (صلى الله عليه و آله).

فقال: «سأخبركم، إن الله اصطفى لكم الدين و ارتضاه لكم، و أتم عليكم نعمته، و كنتم أحق بها و أهلها، و إن الله أوحى إلى نبيه أن يوصي إلي، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): يا علي، احفظ وصيتي، و ارفع ذمامي، و أوف بعهدي، و أنجز عداتي، و اقض ديني و قومها، و أحيي سنتي، و ادع إلى ملتي، لأن الله تعالى اصطفاني و اختارني، فذكرت دعوة أخʠموسى (عليه السلام)، فقلت: اللهم اجعل لي وزيرا من أهلي كما جعلت هارون من موسى، فأوحى الله عز و جل إلي: أن عليا وزيرك و ناصرك و الخليفة من بعدك.

ثم- يا علي- أنت من أئمة الهدى و أولادك منك، فأنتم قادة الهدى و التقى، و الشجرة التي أنا أصلها، و أنتم فرعها، فمن تمسك بها فقد نجا، و من تخلف عنها فقد هلك، الذين أوجب الله تعالى مودتهم و ولايتهم «2» و الذين ذكرهم الله في

كتابه و وصفهم لعباده، فقال عز و جل: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فأنتم صفوة الله من آدم و نوح و آل إبراهيم و آل عمران، و أنتم الاسرة من إسماعيل، و العترة الهادية من محمد».

1675/ [17]- و من طريق المخالفين، من (تفسير الثعلبي) رفعه إلى أبي وائل، قال: قرأت في مصحف ابن مسعود: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ و آل محمد عَلَى الْعالَمِينَ.

__________________________________________________

15- مصباح الأنوار: 158. «مخطوط».

16- مصباح الأنوار: 156. «مخطوط».

17- أخرجه في إحقاق الحقّ 14: 384 عن تفسير الثعلبي، شواهد التنزيل 1: 118/ 165.

(1) سبأ 34: 13.

(2) في «ط»: مودتكم و ولايتكم. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 617

سورة آل عمران(3): الآيات 35 الي 44 ..... ص : 617

قوله تعالى:

إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ- إلى قوله تعالى:- وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ [35- 42]

1676/ [1]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن إسماعيل الجعفي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن المغيرة بن سعيد «1» روى عنك أنك قلت له: إن الحائض تقضي الصلاة.

فقال: «ما له. لا وفقه الله، إن امرأة عمران نذرت ما في بطنها محررا، و المحرر للمسجد يدخله ثم لا يخرج منه أبدا فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى فلما وضعتها أدخلتها المسجد، فساهمت عليها الأنبياء، فأصابت القرعة زكريا، فكفلها زكريا، فلم تخرج من المسجد حتى بلغت، فلما بلغت ما تبلغ النساء خرجت، فهل

كانت تقدر على أن تقضي تلك الأيام التي خرجت، و هي عليها أن تكون الدهر في المسجد؟».

1677/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن قلنا لكم في الرجل منا قولا فلم يكن فيه، فكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك، إن الله أوحى إلى عمران أني واهب لك ذكرا مباركا يبرئ الأكمه و الأبرص، و يحيي الموتى بإذني، و جاعله رسولا إلى بني إسرائيل فحدث امرأته حنة بذلك و هي ام مريم، فلما حملت بها كان حملها عند نفسها غلاما ذكرا، فلما وضعتها أنثى قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى ، وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى لأن البنت لا تكون رسولا، يقول الله: وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ.

فلما وهب الله لمريم عيسى (عليه السلام) كان هو الذي بشر الله به عمران و وعده إياه، فإذا قلنا لكم في الرجل منا شيئا فكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك.

فلما بلغت مريم صارت في المحراب و أرخت على نفسها سترا و كان لا يراها أحد، و كان يدخل عليها زكريا المحراب فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، و فاكهة الشتاء في الصيف، فكان يقول: أَنَّى لَكِ هذا فتقول:

__________________________________________________

1- الكافي 3: 105/ 4.

2- تفسير القمّي 1: 101.

(1) في «س و ط»: شعبة، و هو تصحيف صوابه ما في المتن، انظر رجال الكشي: 223 و معجم رجال الحديث 18: 275، و المغيرة بن شعبة صحابي معروف.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 618

هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ

لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً وَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ. و الحصور: الذي لا يأتي النساء. قال: رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ و العاقر: التي قد يئست من المحيض كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ. قال زكريا:

رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً و ذلك أن زكريا ظن أن الذين بشروه هم الشياطين، فقال: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً فخرس ثلاثة أيام».

1678/ [3]- ابن بابويه: قال: حدثني محمد بن علي ما جيلويه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الريان بن شبيب، قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) في أول يوم من المحرم. فقال لي: «يا بن شبيب، أ صائم أنت»؟

فقلت: لا. فقال: «هذا اليوم الذي دعا فيه زكريا (عليه السلام) ربه عز و جل، فقال: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ فاستجاب الله له و أمر الملائكة، فنادت زكريا: وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله عز و جل، استجاب له كما استجاب لزكريا (عليه السلام)».

1679/ [4]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ قال: اصطفاها مرتين: أما الاولى: فاصطفاها أي اختارها، و أما الثانية: فإنها حملت من غير فحل، فاصطفاها بذلك على نساء العالمين.

1680/ [5]- أبو علي الطبرسي: قال أبو جعفر (عليه السلام): «معنى الآية

اصطفاك من ذرية الأنبياء، و طهرك من السفاح، و اصطفاك لولادة عيسى (عليه السلام) من غير فحل».

1681/ [6]- و قال الطبرسي أيضا: وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ أي على نساء عالمي زمانك لأن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليها و على أبيها و بعلها و بنيها) سيدة نساء العالمين. قال: و هو قول أبي جعفر (عليه السلام).

1682/]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رحمه الله)، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن قول رسول الله (صلى الله عليه و آله) في فاطمة: «إنها سيدة نساء العالمين» أ هي سيدة نساء عالمها؟

قال: «ذاك لمريم كانت سيدة نساء عالمها، و فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين».

1683/ [8]- الشيخ في (مجالسه): قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا عبد الرزاق بن سليمان

__________________________________________________

3- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 299/ 58.

4- تفسير القمّي 1: 102.

5- مجمع البيان 2: 746.

6- مجمع البيان 2: 746.

7- معاني الأخبار: 107/ 1.

8- الأمالي 2: 227.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 619

ابن غالب الأزدي بأرتاج «1»، قال: حدثنا أبو عبد الغني الحسن بن علي الأزدي المعاني، قال: حدثنا عبد الرزاق بن همام الحميري، قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي البصري- قدم علينا من اليمن- قال: حدثنا أبو هارون العبدي، عن ربيعة السعدي، قال: حدثني حذيفة بن اليمان، قال: لما خرج جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة إلى النبي (صلى الله عليه و آله) قدم جعفر (رحمه الله) و النبي (عليه السلام) بأرض خيبر، فأتاه بالقدح من الغالية

«2» و القطيفة، فقال (صلى الله عليه و آله): «لأدفعن هذه القطيفة إلى رجل يحب الله و رسوله، و يحبه الله و رسوله» فمد أصحاب النبي (صلى الله عليه و آله) أعناقهم إليها، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «أين علي»؟ فوثب عمار بن ياسر (رضي الله عنه)، فدعا عليا (عليه السلام)، فلما جاء قال له النبي (صلى الله عليه و آله): «يا علي، خذ هذه القطيفة إليك»، فأخذها علي (عليه السلام)، و أمهل حتى قدم المدينة، و انطلق إلى البقيع- و هو سوق المدينة- فأمر صائغا ففصل القطيفة سلكا سلكا، فباع الذهب و كان ألف مثقال، ففرقه علي (عليه السلام) في فقراء المهاجرين و الأنصار، ثم رجع إلى منزله و لم يترك من الذهب قليلا و لا كثيرا، فلقيه النبي (صلى الله عليه و آله) من غد في نفر من أصحابه فيهم حذيفة و عمار، فقال: «يا علي أخذت بالأمس ألف مثقال، فاجعل غدائي اليوم و أصحابي هؤلاء عندك» و لم يكن علي (عليه السلام) يرجع يومئذ إلى شي ء من العروض ذهب أو فضة، فقال حياء منه و تكرما: «نعم، يا رسول الله، و في الرحب و السعة، ادخل- يا نبي الله- أنت و من معك»، قال: فدخل النبي (صلى الله عليه و آله) ثم قال لنا: ادخلوا».

قال حذيفة: و كنا خمسة نفر: أنا و عمار و سلمان و أبو ذر و المقداد (رضي الله عنهم) فدخلنا، و دخل علي (عليه السلام) على فاطمة (عليهما السلام) يبتغي شيئا من الزاد، فوجد في وسط البيت جفنة من ثريد تفور و عليها عراق كثير، و كأن رائحتها المسك، فحملها علي (عليه السلام) حتى وضعها بين

يدي رسول الله (صلى الله عليه و آله) و من حضر معه، فأكلنا منها حتى تملأنا، و لا ينقص منها قليل و لا كثير.

و قام النبي حتى دخل على فاطمة (عليها السلام)، و قال: «أنى لك هذا، يا فاطمة»؟ فردت عليه، و نحن نسمع قولهما، فقالت: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ فخرج النبي (صلى الله عليه و آله) مستعبرا و هو يقول: «الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيت لا بنتي ما رأى زكريا لمريم، كان إذا دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا، فيقول: يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا فتقول: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ».

قلت: و من هذا كثير تركناه مخافة الإطالة.

1684/ [9]- ابن بابويه: قال: حدثنا محمد بن أحمد السناني «3» (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا سهل بن زياد، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: سمعت أبا الحسن علي بن محمد

__________________________________________________

9- معاني الأخبار: 139/ 1.

(1) كذا، و الظاهر انّها تصحيف بأرتاح، اسم حصن منيع، كان من العواصم، من أعمال حلب. «معجم البلدان 1: 140».

(2) الغالية: نوع من الطيّب مركّب من مسك و عنبر و عود و دهن. «لسان العرب- غلا- 15: 134».

(3) في المصدر: الشيباني، و كلاهما من مشايخ الصدوق، و السّناني هنا أرجح لروايته عن محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفي، انظر معجم رجال الحديث 15: 20 و 53 و 54.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 620

العسكري (عليه السلام) يقل: «معنى الرجيم أنه مرجوم باللعن، مطرود من مواضع الخير، لا يذكره مؤمن إلا لعنه، و إن في علم الله السابق أنه

إذا خرج القائم (عليه السلام) لا يبقى مؤمن في زمانه إلا رجمه بالحجارة، كما كان قبل ذلك مرجوما باللعن».

قوله تعالى:

يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [43- 44] 1685/ [1]- قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى: يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ إنما هو و اركعي و اسجدي، ثم قال الله لنبيه (عليه و آله السلام): ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ يا محمد وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ.

1686/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: لما ولدت اختصموا آل عمران فيها، فكلهم قالوا: نحن نكفلها. فخرجوا و ضربوا «1» بالسهام بينهم، فخرج سهم زكريا، فكفلها زكريا.

1687/ [3]- ابن بابويه: قال: روي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «أول من سوهم عليه مريم بنت عمران، و هو قول الله عز و جل: وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ و السهام ستة» «2».

1688/ [4]- العياشي: عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: «إن امرأة عمران لما نذرت ما في بطنها محررا- قال-: و المحرر للمسجد إذا وضعته دخل المسجد فلم يخرج أبدا، فلما ولدت مريم قالت:

رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَ إِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَ إِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَ ذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ «3» فساهم عليها النبيون فأصاب القرعة زكريا، و هو زوج أختها، و كفلها و أدخلها المسجد، فلما بلغت ما

تبلغ النساء من الطمث و كانت أجمل النساء، فكانت تصلي فيضي ء المحراب لنورها،

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 102. [.....]

2- تفسير القمّي 1: 102.

3- الخصال 156/ 198.

4- تفسير العيّاشي 1: 170/ 36.

(1) في المصدر: و قارعوا.

(2) زاد في «ط»: في ستّة.

(3) آل عمران 3: 36.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 621

فدخل عليها زكريا فإذا عندها فاكهة الشتاء في الصيف، و فاكهة الصيف في الشتاء، فقال: أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ «1» فهنا لك دعا زكريا ربه، قال: إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي «2» إلى ما ذكر الله من قصة يحيى و زكريا».

1689/ [5]- عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً «3»: «المحرر: يكون في الكنيسة و لا يخرج منها، فلما وضعتها أنثى قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى «4» إن الأنثى تحيض و تخرج من المسجد، و المحرر لا يخرج من المسجد».

1690/ [6]- و في رواية حريز، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «نذرت ما في بطنها للكنيسة أن تخدم العباد، و ليس الذكر كالأنثى في الخدمة- قال-: فشبت و كانت تخدمهم و تناولهم حتى بلغت، فأمر زكريا أن تتخذ لها حجابا دون العباد، فكان يدخل عليها فيرى عندها ثمرة الشتاء في الصيف، و ثمرة الصيف في الشتاء، فهنالك دعا و سأل ربه أن يهب له ذكرا، فوهب له يحيى».

1691/ [7]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «أوحى الله إلى عمران: أني واهب لك ذكرا مباركا يبرئ الأكمه و الأبرص، و يحيي الموتى بإذن الله، و رسولا إلى بني إسرائيل،

فأخبر بذلك امرأته حنة، فحملت فوضعت مريم قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى «5» و الأنثى لا تكون رسولا. فقال لها عمران: إنه ذكر يكون منها نبيا. فلما رأت ذلك قالت ما قالت، فقال الله و قوله الحق: وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ «6»».

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «فكان ذلك عيسى بن مريم (عليه السلام)، فإن قلنا لكم: إن الأمر يكون في أحدنا، فكان «7» في ابنه، أو ابن ابنه، أو ابن ابن ابنه، فقد كان فيه، فلا تنكروا ذلك».

1692/ [8]- عن سعد الإسكاف، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لقي إبليس عيسى بن مريم (عليه السلام)، فقال:

هل نالني من حبائلك شي ء؟ قال: جدتك التي قالت: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى إلى قوله:

__________________________________________________

5- تفسير العياشي 1: 170/ 37.

6- تفسير العياشي 1: 170/ 38.

7- تفسير العياشي 1: 171/ 39.

8- تفسير العياشي 1: 171/ 40.

(1) آل عمران 3: 37.

(2) مريم 19: 5.

(3) آل عمران 3: 35.

(4) آل عمران 3: 36. [.....]

(5، 6) آل عمران 3: 36.

(7) زاد في «ط»: الأمر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 622

الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ» «1».

1693/ [9]- عن سيف، عن نجم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن فاطمة (عليها السلام) ضمنت لعلي (عليه السلام) عمل البيت و العجين و الخبز و قم البيت، و ضمن لها علي (عليه السلام) ما كان خلف الباب نقل الحطب، و أن يجي ء بالطعام، فقال لها يوما: يا فاطمة، هل عندك شي ء؟

قالت: لا، و الذي عظم حقك، ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شي ء نقريك به.

قال: أ فلا أخبرتني؟

قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) نهاني أن أسألك شيئا، فقال: لا تسألي ابن عمك شيئا، إن جاءك بشي ء عفوا،

و إلا فلا تسأليه».

قال: «فخرج (صلوات الله عليه) فلقي رجلا فاستقرض منه دينارا، ثم أقبل به و قد أمسى، فلقي المقداد بن الأسود، فقال للمقداد: ما أخرجك في هذه الساعة؟ قال: الجوع، و الذي عظم حقك، يا أمير المؤمنين- قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): و رسول الله (صلى الله عليه و آله) حي؟ قال: و رسول الله (صلى الله عليه و آله) حي- قال (عليه السلام): فهو أخرجني و قد استقرضت دينارا و سأوثرك به فدفعه إليه فأقبل فوجد رسول الله (صلى الله عليه و آله) جالسا و فاطمة تصلي و بينهما شي ء مغطى، فلما فرغت أحضرت ذلك الشي ء فإذا جفنة من خبز و لحم قال: يا فاطمة، أنى لك هذا؟ قالت: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ألا أحدثك بمثلك و مثلها؟ قال: بلى، قال: مثل زكريا إذ دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ «2» فأكلوا منها شهرا، و هي الجفنة التي يأكل منها القائم (عليه السلام) و هي عندنا».

1694/ [10]- عن إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المغيرة يزعم «3» أن الحائض تقضي الصلاة كما تقضي الصوم، فقال: «ماله! لا وفقه الله، إن امرأة عمران نذرت ما في بطنها محررا، و المحرر للمسجد لا يخرج منه أبدا، فلما وضعت مريم قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى «4» فلما وضعتها أدخلتها «5» المسجد، فلما بلغت مبلغ النساء أخرجت

من المسجد، أنى

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 1: 171/ 41.

10- تفسير العيّاشي 1: 172/ 42.

(1) قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه): يعني كيف ينالك من حبائلي وجدّتك دعت حين ولدت والدتك أن يعيذها اللّه و ذريّتها من شر الشيطان الرجيم و أنت من ذرّيتها؟ «بحار الأنوار 14: 271»، و الآية من سورة آل عمران 3: 36.

(2) آل عمران: 3: 37.

(3) تفسير العيّاشي يقول المغيرة بن عمر، تصحيف، و الصواب: المغيرة بن سعيد، الذي كان يكّذب على الامام الباقر (عليه السّلام). انظر رجال الكشي: 223.

(4) آل عمران 3: 36.

(5) في «س» و «ط» نسخة بدل: أدخلت.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 623

كانت تجد أياما تقضيها «1» و هي عليها أن تكون الدهر في المسجد؟».

1695/ [11]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن زكريا لما دعا ربه أن يهب له ذكرا فنادته الملائكة بما نادته به، فأحب أن يعلم أن ذلك الصوت من الله، أوحى إليه أن آية ذلك أن يمسك لسانه عن الكلام ثلاثة أيام- قال-: فلما أمسك لسانه و لم يتكلم علم أنه لا يقدر على ذلك إلا الله، و ذلك قول الله: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً «2»».

1696/ [12]- عن حماد، عمن حدثه، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: «لما سأل زكريا ربه أن يهب له ذكرا، فوهب الله تعالى له يحيى، فدخله من ذلك، فقال: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً «3» فكان يومئ برأسه، و هو الرمز».

1697/1]- عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام): «وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً و الحصور: الذي لا يأتي «4» النساء وَ

نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ «5»».

1698/ [14]- عن حسين بن أحمد، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «إن طاعة الله خدمته في الأرض، فليس شي ء من خدمته تعدل الصلاة، فمن ثم نادت الملائكة زكريا و هو قائم يصلي في المحراب».

1699/ [15]- عن الحكم بن عيينة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله في الكتاب: وَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ «6» اصطفاها مرتين، و الاصطفاء إنما هو مرة واحدة؟ قال: فقال لي: «يا حكم، إن لهذا تأويلا و تفسيرا».

فقلت له: فسره لنا، أبقاك الله. قال: «يعني اصطفاها «7» أولا من ذرية الأنبياء المصطفين المرسلين، و طهرها من أن يكون في ولادتها من آبائها و أمهاتها سفاح، و اصطفاها بهذا في القرآن يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي

__________________________________________________

11- تفسير العياشي 1: 172/ 43.

12- تفسير العياشي 1 لا 172/ 44.

13- تفسير العياشي 1 لا 172/ 45.

14- تفسير العياشي 1 لا 173/ 46.

15- تفسير العياشي 1 لا 173/ 47. [.....]

(1) في «س» و «ط» نسخة بدل و المصدر: فما تجد أياما تقضيه.

(2) آل عمران 3: 41.

(3) آل عمران 3: 41.

(4) في المصدر: الذي يأبى.

(5) آل عمران 3: 39.

(6) آل عمران 3: 42.

(7) في «ط»: اصطفيه لها، و في المصدر: اصطفاها إياها.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 624

شكرا لله.

ثم قال لنبيه محمد (صلى الله عليه و آله) يخبره بما غاب عنه من خبر مريم و عيسى: يا محمد ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ في مريم و ابنها و بما خصهما الله به و فضلهما و أكرمهما حيث قال: وَ ما كُنْتَ

لَدَيْهِمْ يا محمد، يعني بذلك لرب الملائكة إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ حين أيتمت من أبيها».

1700/ [16]- و في رواية ابن خرزاد: أيهم يكفل مريم حين أيتمت من أبويها وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ يا محمد إِذْ يَخْتَصِمُونَ في مريم عند ولادتها بعيسى أيهم يكفلها و يكفل ولدها، قال: فقلت له: أبقاك الله فمن كفلها؟

فقال: «أما تسمع لقوله: وَ كَفَّلَها زَكَرِيَّا «1» الآية».

و زاد علي بن مهزيار في حديثه: فلما وضعتها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَ إِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَ إِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَ ذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ «2».

قال: قلت: أ كان يصيب مريم ما يصيب النساء من الطمث؟ قال: «نعم، ما كانت إلا امرأة من النساء».

1701/ [17]- و في رواية اخرى: إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ قال: قال: «استهموا عليها فخرج سهم زكريا فكفل بها».

قال زيد بن ركانة: اختصموا في بنت حمزة كما اختصموا في مريم، قال: قلت له: جعلت فداك، حمزة استن السنن و الأمثال، كما اختصموا في مريم اختصموا في بنت حمزة؟ قال: «نعم».

وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ «3» قال: «نساء عالميها- قال-: و كانت فاطمة (عليها السلام) سيدة نساء العالمين»

سورة آل عمران(3):آية 45 ..... ص : 624

قوله تعالى:

وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ [45] 1702/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ أي ذا وجه و جاه.

__________________________________________________

16- تفسير العيّاشي 1: 73/ 48.

17- تفسير العيّاشي 1: 174، ذيل الحديث (48).

1- تفسير القمّي 1: 102.

(1) آل عمران: 3: 37.

(2) آل عمران: 3: 36.

(3) الظاهر أنّ في الحديث سقطا، و أشار لذلك أيضا المجلسي في البحار 14: 193.

البرهان في

تفسير القرآن، ج 1، ص: 625

سورة آل عمران(3): الآيات 49 الي 50 ..... ص : 625

قوله تعالى:

أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ- إلى قوله تعالى- وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [49- 50] 1703/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ أي أقدر، و هو خلق تقدير.

1704/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني، قال: حدثني جعفر بن عبد الله، قال:

حدثني كثير بن عياش، عن زياد بن المنذر أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، في قوله تعالى:

وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ.

قال: «فإن عيسى (عليه السلام) كان يقول لبني إسرائيل: إني رسول الله إليكم أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ الأكمه هو الأعمى، قالوا: ما نرى الذي تصنع إلا سحرا فأرنا آية نعلم أنك صادق؟ قال: أرأيتم إن أخبرتكم بما تأكلون و ما تدخرون في بيوتكم «1»، يقول: ما أكلتم في بيوتكم قبل أن تخرجوا، و ما ادخرتم إلى الليل، تعلمون أني صادق؟ قالوا: نعم. فكان يقول للرجل: أكلت كذا و كذا، و شربت كذا و كذا، و رفعت كذا و كذا. فمنهم من يقبل منه فيؤمن، و منهم من ينكر فيكفر، و كان لهم في ذلك آية إن كانوا مؤمنين».

1705/ [3]- و قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى: وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ و هو السبت و الشحوم و الطير الذي حرم الله على بني إسرائيل.

1706/ [4]- قال: و روى ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى

مِنْهُمُ الْكُفْرَ «2»: «أي لما سمع و رأى أنهم يكفرون. و الحواس الخمس التي قدرها الله في الناس:

السمع للصوت، و البصر للألوان و تمييزها، و الشم لمعرفة الروائح الطيبة و النتنة «3»، و الذوق للطعوم و تمييزها، و اللمس لمعرفة الحار و البارد و اللين و الخشن».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 102. [.....]

2- تفسير القمّي 1: 102.

3- تفسير القمّي 1: 103.

4- تفسير القمّي 1: 103.

(1) (في بيوتكم) ليس في المصدر.

(2) آل عمران: 3: 52.

(3) في المصدر: الخبيثة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 626

1707/ [5]- العياشي: عن الهذلي، عن رجل، قال: «مكث عيسى (عليه السلام) حتى بلغ سبع سنين أو ثمان سنين، فجعل يخبرهم بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم، فأقام بين أظهرهم يحيي الموتى و يبرئ الأكمه و الأبرص، و يعلمهم التوراة، و أنزل الله عليهم الإنجيل لما أراد الله عليهم حجة».

1708/ [6]- عن محمد بن أبي عمير، عمن ذكره، رفعه، قال: «إن أصحاب عيسى (عليه السلام) سألوه أن يحيي لهم ميتا، قال: فأتى بهم إلى قبر سام بن نوح، فقال له: قم بإذن الله، يا سام بن نوح. قال: فانشق القبر، ثم أعاد الكلام فتحرك، ثم أعاد الكلام فخرج سام بن نوح، فقال له عيسى: أيهما أحب إليك تبقى أو تعود؟ قال: فقال: يا روح الله، بل أعود، إني لأجد حرقة الموت- أو قال: لذعة «1» الموت- في جوفي إلى يومي هذا».

1709/ [7]- عن أبان بن تغلب، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام): هل كان عيسى بن مريم أحيى أحدا بعد موته حتى كان له أكل و رزق و مدة و ولد؟

فقال: «نعم، إنه كان له صديق مؤاخ له في الله، و كان

عيسى يمر به فينزل عليه، و إن عيسى غاب عنه حينا ثم مر به ليسلم عليه، فخرجت إليه أمه لتسلم عليه، فسألها عنه، فقالت أمه: مات، يا رسول الله. فقال لها: أ تحبين أن تريه، قالت: نعم، قال لها: إذا كان غدا أتيتك حتى أحييه لك بإذن الله تعالى. فلما كان من الغد أتاها، فقال لها:

انطلقي معي إلى قبره، فانطلقا حتى أتيا قبره، فوقف عيسى (عليه السلام) ثم دعا الله فانفرج القبر، و خرج ابنها حيا، فلما رأته امه و رآها بكيا فرحمهما عيسى (عليه السلام) فقال له: أ تحب أن تبقى مع أمك في الدنيا؟ قال: يا رسول الله، بأكل و برزق و مدة، أو بغير مدة و لا رزق و لا أكل؟ فقال له عيسى: بل برزق و أكل و مدة، تعمر عشرين سنة، و تزوج و يولد لك قال: فنعم إذن. فدفعه عيسى (عليه السلام) إلى أمه، فعاش عشرين سنة و ولد له».

1710/ [8]- عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان بين داود و عيسى بن مريم أربع مائة سنة، و كانت شريعة عيسى أنه بعث بالتوحيد و الإخلاص، و بما أوصى به نوح و إبراهيم و موسى، و أنزل عليه الإنجيل، و أخذ عليه الميثاق الذي أخذ على النبيين، و شرع له في الكتاب إقام الصلاة مع الدين و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و تحريم الحرام و تحليل الحلال.

و أنزل عليه في الإنجيل مواعظ و أمثال و حدود، و ليس فيها قصاص و لا أحكام حدود، و لا فرض مواريث، و أنزل عليه تخفيف ما كان نزل على موسى (عليه السلام) في التوراة، و هو

قول الله تعالى في الذي قال عيسى بن مريم لبني إسرائيل: وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ و أمر عيسى من معه ممن اتبعه من المؤمنين أن يؤمنوا بشريعة التوراة و الإنجيل».

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 1: 174/ 49.

6- تفسير العيّاشي 1: 174/ 50.

7- تفسير العيّاشي 1: 174/ 51.

8- تفسير العيّاشي 1: 175/ 52.

(1) في «ط» نسخة بدل: لدغة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 627

سورة آل عمران(3):آية 52 ..... ص : 627

قوله تعالى:

قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ [52]

1711/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي، قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، قال: قلت: لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): لم سمي الحواريون حواريين؟

قال: «أما عند الناس فإنهم سموا حواريين لأنهم كانوا قصارين يخلصون الثياب من الوسخ بالغسل، و هو اسم مشتق من الخبز الحوارى «1»، و أما عندنا فسمي الحواريون حواريين لأنهم كانوا مخلصين في أنفسهم و مخلصين لغيرهم من أوساخ الذنوب بالوعظ و التذكر».

سورة آل عمران(3):آية 54 ..... ص : 627

قوله تعالى:

وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [54]

1712/ [2]- ابن بابويه: عن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي»، قال: حدثني أحمد بن محمد ابن سعيد الكوفي الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قوله:

وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّهُ. فقال: «إن الله تبارك و تعالى لا يمكر، و لكنه عز و جل يجازيهم جزاء المكر».

سورة آل عمران(3):آية 55 ..... ص : 627

قوله تعالى:

إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَّ وَ مُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ جاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ [55]

1713/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن صالح، عن حمران بن

__________________________________________________

1- علل الشرائع: 80/ 1 باب 72.

2- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 126/ 19، التوحيد: 163/ 1.

3- تفسير القمّي 1: 103. [.....]

(1) الحوّارى: الدقيق الأبيض، و هو لباب الدقيق. و الخبر الحوّارى: الخبز المعمول من هذا الدقيق.

(2) في العيون: محمّد بن أحمد بن إبراهيم المعاذي، و كلاهما واحد، انظر معجم رجال الحديث 14: 219 و 312.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 628

أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن عيسى (عليه السلام) وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه فاجتمعوا إليه عند المساء، و هم اثنا عشر رجلا، فأدخلهم بيتا ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت، و هو ينفض رأسه من الماء فقال: إن الله أوحى إلي أنه رافعي إليه الساعة، و مطهري من اليهود، فأيكم يلقى عليه شبحي فيقتل، و يصلب، و يكون معي في درجتي؟ فقال شاب منهم: أنا يا روح الله. قال: فأنت هوذا.

فقال لهم عيسى (عليه السلام):

إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة. فقال له رجل منهم: أنا هو يا نبي الله. فقال عيسى (عليه السلام): أ تحس بذلك في نفسك؟ فلتكن هو.

ثم قال لهم عيسى (عليه السلام): إنكم ستفترقون بعدي على ثلاث فرق فرقتين مفتريتين على الله في النار، و فرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة. ثم رفع الله تعالى عيسى (عليه السلام) إليه من زاوية البيت و هم ينظرون إليه».

ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): «إن اليهود جاءت في طلب عيسى (عليه السلام) من ليلتهم، فأخذوا الرجل الذي قال له عيسى: إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة، و أخذوا الشاب الذي القي عليه شبح عيسى (عليه السلام)، فقتل و صلب، و كفر الذي قال له عيسى: تكفر قبل أن تصبح اثنتي عشرة كفرة».

1714/ [2]- العياشي: عن ابن عمر، عن بعض أصحابنا، عن رجل حدثه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «رفع عيسى بن مريم (عليه السلام) بمدرعة صوف من غزل مريم، و من نسج مريم، و من خياطة مريم، فلما انتهى إلى السماء نودي: يا عيسى، ألق عنك زينة الدنيا».

1715/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الكوفي، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن علي بن موسى (عليه السلام)، قال: «إنه ما شبه أمر أحد من أنبياء الله و حججه للناس إلا أمر عيسى (عليه السلام) وحده، لأنه رفع من الأرض حيا و قبض روحه بين السماء و الأرض، ثم رفع إلى السماء

و رد عليه روحه، و ذلك قوله عز و جل: إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَّ وَ مُطَهِّرُكَ و قال الله تعالى حكاية لقول عيسى يوم القيامة: وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَ أَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ «1»».

سورة آل عمران(3):آية 59 ..... ص : 628

قوله تعالى:

إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [59]

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 1: 175/ 53.

3- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 215/ 2.

(1) المائدة 5: 117.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 629

1716/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أن نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله (صلى الله عليه و آله) و كان سيدهم الأهتم و العاقب و السيد، و حضرت صلاتهم فأقبلوا يضربون بالناقوس، و صلوا، فقال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا رسول الله، هذا في مسجدك؟ فقال: دعوهم.

فلما فرغوا دنوا من رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقالوا له: إلى ما تدعونا؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، و أني رسول الله، و أن عيسى عبد مخلوق، يأكل و يشرب و يحدث.

قالوا: فمن أبوه؟ فنزل الوحي على رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال: قل لهم: ما تقولون في آدم أ كان عبدا مخلوقا يأكل و يشرب و يحدث و ينكح؟ فسألهم النبي (صلى الله عليه و آله)، فقالوا: نعم. فقال: فمن أبوه؟ فبهتوا و بقوا ساكتين، فأنزل الله: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ

فَيَكُونُ إلى قوله:

فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ «1».

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): فباهلوني، فإن كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم، و إن كنت كاذبا نزلت علي.

فقالوا: أنصفت. فتواعدوا للمباهلة، فلما رجعوا إلى منازلهم، قال رؤساؤهم السيد و العاقب و الأهتم: إن باهلنا بقومه باهلناه، فإنه ليس بنبي، و إن باهلنا بأهل بيته خاصة فلا نباهله فإنه لا يقدم على أهل بيته إلا و هو صادق، فلما أصبحوا جاءوا إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) و معه أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين (صلوات الله عليهم)، فقال النصارى: من هؤلاء؟ فقيل لهم: هذا ابن عمه و وصيه و ختنه علي بن أبي طالب، و هذه ابنته فاطمة، و هذان ابناه الحسن و الحسين. ففرقوا، فقالوا «2» لرسول الله: نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة.

فصالحهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) على الجزية و انصرفوا».

سورة آل عمران(3):آية 61 ..... ص : 629

قوله تعالى:

فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ [61]

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 104.

(1) آل عمران 3: 61.

(2) في المصدر: فعرفوا و قالوا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 630

1717/ [1]- الشيخ في (أماليه) بإسناده، قال: حدثنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس، قال: أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد الصائغ، قال: حدثنا محمد بن إسحاق السراج، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا حاتم، عن بكير بن مسمار «1»، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول لعلي ثلاثا، لأن تكون لي واحدة منهن

أحب إلي من حمر النعم «2»:

سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول لعلي و خلفه في بعض مغازيه، فقال: «يا رسول الله، تخلفني مع النساء و الصبيان»؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي!».

و سمعته يقول يوم خيبر: «لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله، و يحبه الله و رسوله» قال: فتطاولنا لهذا، قال: «ادعوا لي عليا». فأتى علي (عليه السلام) أرمد العينين، فبصق في عينيه و دفع إليه الراية ففتح الله عليه.

و لما نزلت هذه الآية: نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ دعا رسول الله (صلى الله عليه و آله) عليا و فاطمة و حسنا و حسينا (عليهم السلام)، و قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي».

1718/ [2]- عنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثني أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ابن عبد الرحمن الهمداني بالكوفة، قال: حدثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس الأشعري، قال: حدثني علي بن حسان الواسطي، قال: حدثني عبد الرحمن بن كثير، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين (عليهم السلام)، عن عمه الحسن (عليه السلام)، قال: «قال الحسن: قال الله تعالى لمحمد (صلى الله عليه و آله) حين جحده كفرة الكتاب و حاجوه: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فأخرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) من الأنفس معه أبي، و من البنين أنا و أخي، و من النساء فاطمة أمي من

الناس جميعا، فنحن أهله و لحمه و دمه و نفسه، و نحن منه و هو منا».

1719/ [3]- الشيخ المفيد في (الاختصاص): عن محمد بن الحسن بن أحمد- يعني ابن الوليد- عن أحمد ابن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن إسماعيل العلوي، قال: حدثني محمد بن الزبرقان الدامغاني الشيخ، قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): «اجتمعت الامة برها و فاجرها أن حديث النجراني حين

__________________________________________________

1- الأمالي 1: 313، صحيح مسلم 4: 1871/ 32، مسند أحمد بن حنبل 1: 185.

2- الأمالي 2: 177.

3- الاختصاص: 56.

(1) في «س» و «ط»: حاتم بن بكير بن يسار، و في المصدر: حاتم عن بكير بن يسار، و الصواب ما أثبتناه، حيث روى قتيبة، عن حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر. راجع تهذيب الكمال 4: 251 و 5: 187، تهذيب التهذيب 1: 495 و 2: 128.

(2) هي الإبل الحمر، و هي أنفس أموال النّعم و أقومها و أجلدها، فجعلت كناية عن خير الدنيا كلّه. «مجمع البحرين- حمر- 3: 276».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 631

دعاه النبي (صلى الله عليه و آله) إلى المباهلة لم يكن في الكساء إلا النبي (صلى الله عليه و آله) و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام)، فقال الله تبارك و تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ فكان تأويل أبنائنا الحسن و الحسين، و نسائنا فاطمة، و أنفسنا علي بن أبي طالب (عليهم السلام)».

1720/ [4]- الشيخ في (مجالسه) قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا الحسن بن علي بن

زكريا العاصمي، قال: حدثنا أحمد بن عبيد الله الغداني «1»، قال: حدثنا الربيع بن سيار، قال: حدثنا الأعمش، عن سالم ابن أبي الجعد، يرفعه إلى أبي ذر (رضي الله عنه): أن عليا (عليه السلام) و عثمان و طلحة و الزبير و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقاص أمرهم عمر بن الخطاب أن يدخلوا بيتا و يغلقوا عليهم بابه، و يتشاوروا في أمرهم، و أجلهم ثلاثة أيام، فإن توافق خمسة على قول واحد و أبى رجل منهم قتل ذلك الرجل، و إن توافق أربعة و أبى اثنان قتل الاثنان.

فلما توافقوا جميعا على رأي واحد، قال لهم علي بن أبي طالب (عليه السلام): «إني أحب أن تسمعوا مني ما أقول لكم، فإن يكن حقا فاقبلوه، و إن يكن باطلا فأنكروه» قالوا: قل. و ذكر فضائله عليهم و هم يعترفون به. فمما قال لهم: «فهل فيكم أحد أنزل الله عز و جل فيه و في زوجته و ولديه آية المباهلة، و جعل الله عز و جل نفسه نفس رسوله غيري؟» قالوا: لا.

1721/ [5]- و من طريق المخالفين ما رواه موفق بن أحمد- و هو من عظماء علمائهم- قال: أخبرنا قتيبة، قال:

حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار «2»، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا، فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟

قال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لأن تكون لي واحدة أحب إلي من حمر النعم:

سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول لعلي و خلفه في بعض مغازيه: «تكون أنت في بيتي إلى أن أعود» «3»

فقال له علي: «يا رسول الله، تخلفني مع النساء و الصبيان»؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوة بعدي!».

و سمعته يقول يوم خيبر: «لأعطين الراية رجلا يحب الله و رسوله، و يحبه الله و رسوله». قال: فتطاولنا لها، فقال: «ادعوا لي عليا» قال: فأتى علي (عليه السلام) و به رمد، فبصق في عينيه، و دفع الراية إليه، ففتح الله عليه.

__________________________________________________

4- الأمالي 2: 163. [.....]

5- مناقب الخوارزمي 59، صحيح مسلم 4: 1871/ 32، مسند أحمد بن حنبل 1: 185.

(1) في المصدر: أحمد بن عبيد اللّه العدلي، و الصواب ما في المتن، كما في تهذيب التهذيب 1: 59.

(2) في «س و ط»: بكير بن يسار، و في المصدر: بكير بن عمّار، تصحيف، و الصواب ما أثبتناه، روى عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، و عنه حاتم بن إسماعيل، كذا في تهذيب الكمال 4: 251 و 5: 187، و تهذيب التهذيب 1: 495 و 2: 128.

(3) (تكون أنت ... أعود) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 632

و أنزلت هذه الآية: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ الآية، و دعا رسول الله (صلى الله عليه و آله) في المباهلة عليا و فاطمة و حسنا و حسينا (عليهم السلام)، ثم قال: «اللهم هؤلاء أهلي».

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه.

قال (رضي الله عنه): قوله (صلى الله عليه و آله) «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» أخرجه الشيخان في صحيحيهما بطرق كثيرة.

انتهى كلام موفق بن أحمد.

1722/ [6]- الشيخ المفيد في كتاب (الاختصاص) قال:

حدثني أبو بكر محمد بن إبراهيم العلاف الهمداني بهمدان، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر بن شاذان البزاز «1»، قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن سعيد البزاز- المعروف بابن المطبقي- و جعفر الدقاق، قالا: حدثنا أبو الحسن محمد بن الفيض بن فياض الدمشقي بدمشق، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن أخي عبد الرزاق، قال: حدثنا عبد الرزاق بن همام الصنعاني، قال: حدثنا معمر بن راشد، قال: حدثنا محمد بن المنكدر، عن أبيه، عن جده، قال: لما قدم السيد و العاقب أسقفا نجران في سبعين راكبا و فدا على النبي (صلى الله عليه و آله) كنت معهم، فبينا كزز يسير- و كزز صاحب نفقاتهم- إذ عثرت بغلته، فقال: تعس من تأتيه- يعني النبي (صلى الله عليه و آله)- فقال له صاحبه، و هو العاقب: [بل تعست و انتكست ]، فقال: و لم ذلك؟

قال: لأنك أتعست النبي الأمي أحمد.

قال: و ما علمك بذلك؟

قال: أما تقرأ من المفتاح «2» الرابع من الوحي إلى المسيح: أن قل لبني إسرائيل: ما أجهلكم، تتطيبون بالطيب لتطيبوا به في الدنيا عند أهلها و أهلكم، و أجوافكم عندي كجيفة الميتة «3»؟! يا بني إسرائيل، آمنوا برسولي النبي الأمي الذي يكون في آخر الزمان، صاحب الوجه الأقمر، و الجمل و الأحمر، المشرب بالنور، ذي الجناب «4» الحسن، و الثياب الخشن، سيد الماضين عندي و أكرم الباقين علي، المستن بسنتي، و الصائر في دار جنتي، و المجاهد بيده المشركين من أجلي، فبشر به بني إسرائيل، و مر بني إسرائيل أن يعزروه، و أن ينصروه.

قال عيسى (صلى الله عليه و آله): قدوس قدوس، من هذا العبد الصالح الذي قد أحبه قلبي

و لم تره عيني؟

قال: هو منك و أنت منه، و هو صهرك على أمك، قليل الأولاد كثير الأزواج، يسكن مكة من موضع أساس وطئ «5» إبراهيم، نسله من مباركة، و هي ضرة أمك في الجنة، له شأن من الشأن، تنام عيناه و لا ينام قلبه، يأكل

__________________________________________________

6- الاختصاص: 112.

(1) في المصدر: عبد اللّه بن محمّد بن جعفر بن موسى بن شاذان البزّاز، كلاهما صحيح، كما في تاريخ بغداد 10: 128.

(2) في نسخة من المصدر: المصباح.

(3) في المصدر: كالجيفة المنتنة.

(4) في «ط»: ذي الثياب.

(5) في «ط»: أساس من وطن.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 633

الهدية و لا يقبل الصدقة، له حوض من شفير زمزم إلى مغيب الشمس، يدفق فيه ميزابان «1» من الرحيق و التسنيم فيه أكاويب عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، و ذلك بتفضيلي إياه على سائر المرسلين «2»، يوافق قوله فعله، و سريرته علانيته، فطوبى له و طوبى لامته الذين على ملته يحيون، و على سنته يموتون، و مع أهل بيته يميلون، آمنين مؤمنين، مطمئنين مباركين، يظهر في زمن قحط و جدب، فيدعوني فترخي السماء عزاليها «3» حتى يرى أثر بركاتها في أكنافها، و أبارك فيما يضع فيه يده.

قال: إلهي سمه؟ قال: نعم، هو أحمد، و هو محمد، رسولي إلى الخلق كافة، و أقربهم مني منزلة، و أخصصهم «4» عندي شفاعة، لا يأمر إلا بما أحب و ينهى لما أكره.

قال له صاحبه: فأنى تقدم بنا «5» على من هذه صفته؟ قال: نشهد أحواله و ننظر آياته «6»، فإن يكن هو ساعدناه بالمسألة، و نكفه بأموالنا عن أهل ديننا من حيث لا يشعر بنا، و إن يك كاذبا كفيناه بكذبه

على الله عز و جل.

قال: و لم- إذا رأيت العلامة- لا تتبعه؟ قال: أما رأيت ما فعل بنا هؤلاء القوم؟ أكرمونا و مولونا، و نصبوا لنا الكنائس و أعلوا فيها ذكرنا، فكيف تطيب النفس بالدخول في دين يستوي فيه الشريف و الوضيع؟

فلما قدموا المدينة، قال من رآهم من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما رأينا و فدا من وفود العرب كانوا أجمل منهم، لهم شعور و عليهم ثياب الحبر، و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) متناء عن المسجد، و حضرت صلاتهم، فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله) تلقاء المشرق، فهم بهم رجال من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) تمنعهم، فأقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال: «دعوهم» فلما قضوا صلاتهم جلسوا إليه و ناظروه، فقالوا: يا أبا القاسم، حاجنا في عيسى؟ قال: «هو عبد الله، و رسوله، و كلمته ألقاها إلى مريم، و روح منه».

فقال أحدهم: بل هو ولده و ثاني اثنين. و قال آخر: بل هو ثالث ثلاثة، أب و ابن و روح القدس، و قد سمعناه في قرآن نزل عليك يقول: فعلنا و جعلنا و خلقنا، و لو كان واحدا لقال: خلقت و جعلت و فعلت. فتغشى النبي (صلى الله عليه و آله) الوحي فنزل عليه صدر سورة آل عمران إلى قوله رأس الستين منها: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ إلى آخر الآية.

فقص عليهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) [القصة و تلا] القرآن، فقال بعضهم لبعض: قد-

و الله- أتاكم بالفصل من خبر صاحبكم. فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إن الله عز و جل قد أمرني بمباهلتكم».

__________________________________________________

(1) في المصدر: الشمس حيث يغرب فيه شرابام

(2) في «ط» نسخة بدل: المسلمين.

(3) عزاليها: مطرها. «لسان العرب- عزل- 11: 443».

(4) في «ط» و المصدر: و أحضرهم. [.....]

(5) في «ط»: فأين تعدّينا.

(6) في «ط»: أيامه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 634

فقالوا: إذا كان غدا باهلناك، فقال القوم بعضهم لبعض: حتى ننظر بما يباهلنا غدا بكثرة أتباعه من أوباش الناس، أم بالقلة «1» من أهل الصفوة و الطهارة، فإنهم وشيج «2» الأنبياء، و موضع نهلهم.

فلما كان من الغد غدا النبي (صلى الله عليه و آله) بيمينه علي، و بيساره الحسن و الحسين، و من ورائهم فاطمة (صلى الله عليهم)، عليهم النمار النجرانية «3»، و على كتف رسول الله (صلى الله عليه و آله) كساء قطواني»

رقيق خشن ليس بكثيف و لا لين، فأمر بشجرتين فكسح ما بينهما، و نشر الكساء عليهما، و أدخلهم تحت الكساء، و أدخل منكبه الأيسر معهم تحت الكساء معتمدا على قوسه النبع، و رفع يده اليمنى إلى السماء للمباهلة، و أشرف «5» الناس ينظرون و اصفر لون السيد و العاقب و زلزلا «6» حتى كادا أن تطيش عقولهما.

فقال أحدهما لصاحبه: أ نباهله؟ قال: أو ما علمت أنه ما باهل قوم قط نبيا فنشأ صغيرهم أو بقي كبيرهم؟

و لكن أره أنك غير مكترث، و أعطه من المال و السلاح ما أراد، فإن الرجل محارب، و قل له: أ بهؤلاء تباهلنا؟ لئلا يرى أنه قد تقدمت معرفتنا بفضله و فضل أهل بيته.

فلما رفع النبي (صلى الله عليه و آله) يده إلى السماء للمباهلة،

قال أحدهما لصاحبه: و أي رهبانية؟ دارك الرجل، فإنه إن فاه ببهلة لم نرجع إلى أهل و لا مال. فقالا: يا أبا القاسم، أ فبهؤلاء تباهلنا؟ قال: «نعم، هؤلاء أوجه من على وجه الأرض بعدي إلى الله عز و جل وجيهة، و أقربهم إليه وسيلة».

قال: فبصبصا- يعني ارتعدا و كرا- و قالا له: يا أبا القاسم، نعطيك ألف سيف، و ألف درع، و ألف حجفة «7» و ألف دينار كل عام، على أن الدرع و السيف و الحجفة عندك إعارة حتى يأتي من ورائنا من قومنا فنعلمهم بالذي رأينا و شاهدنا، فيكون الأمر على ملأ منهم، فإما الإسلام، و إما الجزية، و إما المقاطعة في كل عام.

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «قد قبلت ذلك منكما، أما و الذي بعثني بالكرامة، لو باهلتموني بمن تحت الكساء لأضرم الله عز و جل عليكم الوادي نارا تأجج تأججا، حتى يساقها إلى من ورائكم في أسرع من طرفة عين فأحرقتهم تأججا».

فهبط عليه جبرئيل الروح الأمين (عليه السلام)، فقال: يا محمد، إن الله يقرئك السلام، و يقول لك: و عزتي و جلالي و ارتفاع مكاني لو باهلت بمن تحت الكساء أهل السماوات و أهل الأرض لتساقطت السماء كسفا متهافتة،

__________________________________________________

(1) في المصدر: بأهله.

(2) الوشيجة: عرق الشجرة. و استعير هنا لاشتباك القرابة و الصّلة.

(3) النّمار: جمع نمرة: كساء مخطط. «مجمع البحرين- نمر- 3: 503».

(4) في «ط»: قرقف، و لعلّه تصحيف قرطف: القطيفة، و القطواني: نوع من الأكسية منسوبة إلى موضع في الكوفة، و القطوانيّة: عباءة بيضاء قصيرة الخمل. «القاموس المحيط- قطا- 4: 381»، «لسان العرب- قطا- 15: 191».

(5) في المصدر: و اشرأبّ: أي رفع رأسه لينظر إليه.

(6) في «ط» و

المصدر: و كرّا.

(7) الحجفة: الترس، و ذلك إن كانت من جلود و ليس فيها خشب، و تسمى درقة أيضا. «مجمع البحرين- حجف- 5: 35».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 635

و لتقطعت الأرضون زبرا سابحة «1»، فلم يستقر عليها بعد ذلك، فرفع النبي (صلى الله عليه و آله) يديه حتى رؤي بياض إبطيه. ثم قال: «و على من ظلمكم حقكم، و بخسني «2» الأجر الذي افترضه الله فيكم عليهم، بهلة الله تتابع إلى يوم القيامة».

1723/ [7]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب، و جعفر بن محمد بن مسرور (رضي الله عنه)، عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، في حديثه (عليه السلام) مع المأمون و العلماء، في الفرق بين العترة و الامة، و فضل العترة على الامة، و اصطفاء العترة- و ذكر الحديث بطوله- و في الحديث: قالت العلماء: فأخبرنا هل فسر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب؟

فقال الرضا (عليه السلام): «فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن، في اثني عشر موضعا- و ذكر المواضع من القرآن و قال (عليه السلام) فيها- و أما الثالثة: حين ميز الله تعالى الطاهرين من خلقه، و أمر نبيه (صلى الله عليه و آله) بالمباهلة بهم في آية الابتهال، فقال عز و جل: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ».

قالت العلماء: عنى به نفسه.

قال أبو الحسن (عليه السلام): «غلطتم، إنما عنى به علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و مما يدل على ذلك قول النبي (صلى الله عليه و

آله) حين قال: لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلا كنفسي- يعني علي بن أبي طالب (عليه السلام)- و عنى بالأبناء الحسن و الحسين، و عنى بالنساء فاطمة (عليها السلام)، فهذه خصوصية لا يتقدم فيها أحد، و فضل لا يلحقهم فيه بشر، و شرف لا يسبقهم إليه خلق، إذ جعل نفس علي (عليه السلام) كنفسه (صلوات الله عليه و على آله)، فهذه الثالثة، و أما الرابعة» و ذكرها و ما بعدها إلى آخر الحديث.

1724/ [8]- عنه، قال: حدثنا أبو أحمد هانئ بن أبي محمد بن محمود العبدي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبي بإسناده، رفعه إلى موسى بن جعفر (عليهما السلام) في حديث له مع الرشيد، قال الرشيد له: كيف قلتم: إنا ذرية النبي، و النبي (صلى الله عليه و آله) لم يعقب، و إنما العقب للذكر لا للأنثى، و أنتم ولد البنت و لا يكون لها عقب؟

فقلت: «أسألك بحق القرابة و القبر و من فيه إلا ما عفيتني عن هذه المسألة».

فقال: تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي، و أنت- يا موسى- يعسوبهم و إمام زمانهم كذا أنهي إلي، و لست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله، و أنتم تدعون- معشر ولد علي- أنه لا يسقط عنكم منه شي ء لا ألف و لا واو إلا و تأويله عندكم، و احتججتم بقوله عز و جل:

__________________________________________________

7- أمالي الصدوق: 423/ 1.

8- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 84/ 9.

(1) في «ط» و المصدر: سائحة.

(2) في «ط»: و بخس.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 636

ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ «1» و قد استغنيتم عن رأي العلماء و قياسهم.

فقلت: «تأذن لي في

الجواب»؟ قال: هات.

قلت: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَ زَكَرِيَّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ «2» من أبو عيسى، يا أمير المؤمنين؟».

فقال: ليس له أب.

فقلت: «إنما ألحقه الله «3» بذراري الأنبياء (عليهم السلام) من طريق مريم، و كذلك ألحقنا الله تعالى بذراري النبي (صلى الله عليه و آله) من قبل امنا فاطمة (عليها السلام) أزيدك يا أمير المؤمنين»؟ قال: هات.

قلت: «قول الله عز و جل: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ و لم يدع أحد أنه إذ أدخل النبي (صلى الله عليه و آله) تحت الكساء عند المباهلة مع النصارى إلا علي بن أبي طالب، و فاطمة، و الحسن، و الحسين (عليهم السلام)، فكان تأويل قوله عز و جل: أَبْناءَنا الحسن و الحسين وَ نِساءَنا فاطمة وَ أَنْفُسَنا علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

1725/ [9]- العياشي: عن حريز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن فضائله فذكر بعضها، ثم قالوا له: زدنا. فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أتاه حبران من أحبار النصارى من أهل نجران، فتكلما في أمر عيسى، فأنزل الله هذه الآية: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ إلى آخر الآية، فدخل رسول الله (صلى الله عليه و آله) فأخذ بيد علي و الحسن و الحسين و فاطمة، ثم خرج و رفع كفه إلى السماء،

و فرج بين أصابعه، و دعاهم إلى المباهلة- قال: و قال أبو جعفر (عليه السلام): و كذلك المباهلة يشبك يده في يده يرفعهما إلى السماء- فلما رآه الحبران، قال أحدهما لصاحبه: و الله لئن كان نبيا لنهلكن، و إن كان غير نبي كفانا قومه. فكفا و انصرفا».

1726/ [10]- عن محمد بن سعيد الأردني «4»، عن موسى بن محمد بن الرضا، عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام): «أنه قال في هذه الآية فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ و لو قال: تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم، لم يكونوا يجيبون للمباهلة، و قد علم أن نبيه مؤد عنه رسالاته، و ما هو من الكاذبين».

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 1: 175/ 54. [.....]

10- تفسير العيّاشي 1: 176/ 55.

(1) الأنعام 6: 38.

(2) الأنعام 6: 84- 85.

(3) في المصدر: إنّما ألحقناه.

(4) في المصدر: الأزدي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 637

17271727/ [11]- عن أبي جعفر الأحول، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ما تقول قريش في الخمس»؟

قال: قلت: تزعم أنه لها.

قال: «ما أنصفونا، و الله لو كان مباهلة ليباهلن بنا، و لئن كان مبارزة ليبارزن بنا، ثم نكون و هم على سواء!».

1728/ [12]- عن الأحول، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له شيئا مما أنكرته الناس، فقال: «قل لهم: إن قريشا قالوا: نحن أولو القربى الذين هم لهم الغنيمة. فقل لهم: كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) لم يدع للبراز يوم بدر غير أهل بيته، و عند المباهلة جاء بعلي و الحسن و الحسين و فاطمة (عليهم السلام)، أ فيكون لنا المر،

و لهم الحلو؟!».

1729/ [13]- عن المنذر، قال: حدثنا علي (عليه السلام) قال: «لما نزلت هذه الآية فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ الآية، قال: أخذ بيد علي و فاطمة و ابنيهما (عليهم السلام)، فقال رجل من النصارى: لا تفعلوا فيصيبكم عنت «1». فلم يدعوه».

1730/ [14]- عن عامر بن سعد، قال: قال معاوية لأبي: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟

قال: لثلاث رويتهن عن النبي (صلى الله عليه و آله): لما نزلت آية المباهلة تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ الآية، أخذ رسول الله (صلى الله عليه و آله) بيد علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام) قال: «هؤلاء أهلي».

1731/ [15]- و روي من طريق المخالفين كثير في معنى ذلك، منها: ما رواه مسلم في (صحيحه) من طرق، منها: في الجزء الرابع، في باب فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، في تفسير قوله تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فرفع مسلم الحديث إلى النبي (صلى الله عليه و آله) و هو طويل يتضمن عدة فضائل لعلي (عليه السلام) خاصة يقول في آخره: لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله (صلى الله عليه و آله) عليا و فاطمة و حسنا و حسينا، و قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي» «2».

و رواه مسلم أيضا في آخر الجزء المذكور «3».

و رواه الحميدي في (الجمع بين الصحيحين) في مسند سعد بن أبي وقاص، في الحديث الثالث من أفراد مسلم «4».

__________________________________________________

11- تفسير العيّاشي 1: 176/ 56.

12- تفسير العيّاشي 1: 176/ 57.

13- تفسير العيّاشي 1:

177/ 58.

14- تفسير العيّاشي 1: 77/ 59.

15- صحيح مسلم 4: 1871 ذيل الحديث 32.

(1) العنت: دخول المشقّة على الإنسان و لقاء الشدّة. «لسان العرب- عنت- 2: 61».

(2) في المصدر: أهلي.

(3) عنه في العمدة لابن البطريق: 188/ 289.

(4) عنه في جامع الأصول 9: 469/ 6479. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 638

1732/ [16]- و رواه الثعلبي في تفسير هذه الآية، عن مقاتل و الكلبي، قال: لما قرأ رسول الله (صلى الله عليه و آله) هذه الآية على وفد نجران و دعاهم إلى المباهلة، فقالوا: نرجع و ننظر في أمرنا و نأتيك غدا. فخلا بعضهم إلى بعض، فقالوا للعاقب و كان ديانهم و ذا رأيهم: يا عبد المسيح، ما ترى؟

فقال: و الله لقد عرفتم- يا معاشر النصارى- أن محمدا نبي مرسل، و لقد جاءكم بالفضل من أمر صاحبكم، و الله ما لاعن قوم قط نبيا فعاش كبيرهم، و لا نبت صغيرهم، و لئن فعلتم ذلك لتهلكن، و إن أبيتم إلا دينكم و الإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم، فوادعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم.

فأتوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قد غدا محتضنا للحسن و آخذا بيد الحسين و فاطمة تمشي خلفه و علي يمشي خلفها، و هو يقول لهم: «إذا أنا دعوت فأمنوا» فقال اسقف نجران: يا معاشر النصارى، إني لأرى وجوها لو أقسموا على الله أن يزيل جبلا لأزاله، فلا تباهلوا فتهلكوا، و لا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.

فقالوا: يا أبا القاسم، لقد رأينا أننا لا نباهلك، و أن نتركك على دينك و نثبت على ديننا.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «فإن أبيتم المباهلة فأسلموا،

يكن لكم ما للمسلمين و عليكم ما عليهم». فأبوا، فقال: «إني أنابذكم للحرب» فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، و لكن نصالحك على أن لا تغزونا، و لا تخيفنا، و لا تردنا عن ديننا، على أن نؤدي إليك في كل عام ألفي حلة: ألفا في صفر، و ألفا في رجب. فصالحهم النبي (صلى الله عليه و آله) على ذلك.

و رواه أيضا أبو بكر بن مردويه بأكمل من هذه الألفاظ و هذه المعاني، عن ابن عباس و الحسن و الشعبي و السدي.

و في رواية الثعلبي زيادة، و هي: قال: «و الذي نفسي بيده إن العذاب قد تدلى على أهل نجران، و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير، و لاضطرم الوادي عليهم نارا، و لاستأصل الله نجران و أهله حتى الطير على رؤوس الشجر، و ما حال الحول على النصارى حتى هلكوا». فأنزل الله تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ «1» الآية.

1733/ [17]- و رواه الشافعي ابن المغازلي في كتاب (المناقب) عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله، قال: قدم أهل نجران على رسول الله (صلى الله عليه و آله)، العاقب و السيد «2»، فدعاهما إلى الإسلام، فقالا: أسلمنا- يا محمد- قبلك. قال: «كذبتما، إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام؟». قالا: هات «3».

قال: «حب الصليب، و شرب الخمر، و أكل الخنزير» فدعاهما إلى الملاعنة، فوعداه أن يغادياه بالغداة،

__________________________________________________

16- عنه في العمدة لابن البطرق: 189/ 290، و عنه في غاية المرام: 300/ 3، و عنه في إحقاق الحق 3: 49.

17- مناقب المغازلي: 263/ 310، شواهد التنزيل 1: 122/ 170، النور المشتعل: 49/ 3.

(1) آل عمران 3: 62.

(2) في المصدر: الطيّب.

(3) في

المصدر: فهات أنبئنا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 639

فغدا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فأخذ بيد علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام)، ثم أرسل إليهما، فأبيا أن يجيباه، فأقر الخراج عليهما «1»، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «و الذي بعثني بالحق نبيا لو فعلا لأمطر الله عليهما الوادي نارا».

قال جابر: نزلت فيهم هذه الآية فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ.

قال الشعبي: أَبْناءَنا الحسن و الحسين وَ نِساءَنا فاطمة وَ أَنْفُسَنا علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهم).

قلت: الأخبار بذلك من الفريقين متضافرة، اقتصرنا على هذا اليسير مخافة الإطالة، و الله الموفق.

سورة آل عمران(3):آية 64 ..... ص : 639

قوله تعالى:

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [64]

1734/ [1]- محمد بن الحسن الشيباني: روي عن جعفر بن محمد (عليهما السلام): «أن الكلمة هاهنا هي شهادة أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و أن عيسى عبد الله، و أنه مخلوق كآدم».

سورة آل عمران(3): الآيات 65 الي 67 ..... ص : 639

قوله تعالى:

يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَ ما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَ الْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ- إلى قوله تعالى:- حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [65- 67] 1735/ [2]- قال علي بن إبراهيم: قوله: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَ ما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ

__________________________________________________

1- نهج البيان 1: 70 (مخطوط).

2- تفسير القمي 1: 105.

(1) في المصدر: و اقرا بالخراج.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 640

وَ الْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ ثم قال: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ أي أنتم يا هؤلاء حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ يعني بما في التوراة و الإنجيل فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ يعني بما في صحف إبراهيم وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ثم قال: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

1736/ [2]- العياشي: عن عبيد الله الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا لا يهوديا يصلي إلى المغرب، و لا نصرانيا يصلي إلى المشرق وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً يقول: كان على دين محمد (صلى الله

عليه و آله)».

سورة آل عمران(3): الآيات 68 الي 72 ..... ص : 640

قوله تعالى:

إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ- إلى قوله تعالى- لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [68- 72]

1737/]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن عمر بن يزيد، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «أنتم و الله من آل محمد».

فقلت: من أنفسهم، جعلت فداك؟ قال: «نعم و الله من أنفسهم» ثلاثا. ثم نظر إلي و نظرت إليه، فقال: «يا عمر، إن الله يقول في كتابه: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ».

1738/ [4]- أحمد بن محمد بن خالد: عن ابن فضال، عن حماد بن عثمان، عن عبد الله بن سليمان الصيرفي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا» ثم قال: «أنتم و الله على دين إبراهيم (عليه السلام) و منهاجه، و أنتم أولى الناس به».

1739/ [5]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن مثنى، عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا قال: «هم الأئمة (عليهم السلام) و من اتبعهم».

1740/ [6]- الشيخ في (أماليه)، قال: أخبرني محمد بن محمد- يعني المفيد- قال: أخبرني أبو عبد الله

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 1: 177/ 60.

3- تفسير القمّي 1: 105.

4- المحاسن: 147/ 57.

5- الكافي 1: 344/ 20.

6- الأمالي 1: 44.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 641

الحسين بن أحمد بن المغيرة، قال: أخبرني حيدر بن محمد السمرقندي، قال:

حدثني محمد بن عمر الكشي، قال حدثني محمد بن مسعود العياشي، قال: حدثني جعفر بن معروف، قال: حدثني يعقوب بن يزيد، عن محمد ابن عذافر، عن عمر بن يزيد، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا ابن يزيد، أنت و الله منا أهل البيت».

قلت: جعلت فداك، من آل محمد؟ قال: «إي و الله».

قلت: من أنفسهم، جعلت فداك؟ قال: «إي و الله من أنفسهم- يا عمر- أما تقرأ كتاب الله عز و جل إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ؟! أو ما تقرأ قول الله عز اسمه:

فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَ مَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1»؟!».

1741/ [5]- العياشي: عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال: «أنتم و الله من آل محمد».

قال: فقلت: جعلت فداك، من أنفسهم؟ قال: «من أنفسهم و الله» قالها ثلاثا. ثم نظر إلي فقال لي: «يا عمر، إن الله يقول: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ».

1742/ [6]- عن علي بن النعمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ قال: «هم الأئمة و أتباعهم».

1743/ [7]- عن أبي الصباح الكناني، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قول الله: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ- ثم قال:- علي و الله على دين إبراهيم و منهاجه، و أنتم أولى الناس به».

1744/ [8]- و روى الشيخ الطبرسي، قال: قال علي (عليه السلام):

«إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به» ثم تلا (عليه السلام): إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ الآية، ثم قال: «إن ولي محمد (صلى الله عليه و آله) من أطاع الله و إن بعدت لحمته، و إن عدو محمد (صلى الله عليه و آله) من عصى الله و إن قربت قرابته».

1745/ [9]- الزمخشري فى (ربيع الأبرار): قال على عليه السلام «ان اولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به» ثم تلى إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ الآية، ثم قال: «ان ولى محمد (صلى الله عليه و آله) من أطاع الله و ان بعدت لحمته، و ان عدو محمد (صلى الله عليه و آله) من عصى الله و ان قربت قرابته».

1746/ [10]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ: أي تعلمون ما في التوراة من صفة رسول الله (صلى الله عليه و آله) و تكتمونه.

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 1: 177/ 61. [.....]

6- تفسير العيّاشي 1: 177/ 62.

7- تفسير العيّاشي 1: 178/ 63.

8- مجمع البيان 2: 770.

9- ربيع الأبرار 3: 560.

10- تفسير القمّي 1: 105.

(1) إبراهيم 14: 36.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 642

1747/ [1]- و

قال علي بن إبراهيم: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى:

وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ: «أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما قدم المدينة و هو يصلي نحو بيت المقدس، أعجب ذلك اليهود، فلما صرفه الله عن بيت المقدس إلى البيت الحرام وجدت «1» اليهود من

ذلك، و كان صرف القبلة صلاة الظهر، فقالوا:

صلى محمد الغداة و استقبل قبلتنا، فآمنوا بالذي انزل على محمد وجه النهار، و اكفروا آخره، يعنون القبلة حين استقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله) المسجد الحرام: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ إلى قبلتنا».

سورة آل عمران(3):آية 75 ..... ص : 642

وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ- إلى قوله تعالى- وَ يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ [75] 1748/ [2]- قال علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ: فإن اليهود قالوا: يحل لنا أن نأخذ مال الأميين. و الأميون: الذين ليس معهم كتاب، فرد الله عليهم فقال: وَ يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ.

سورة آل عمران(3):آية 77 ..... ص : 642

قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [77]

1749/ [3]- الشيخ في (أماليه): عن الحفار، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد، قال: حدثنا أبو قلابة، قال: حدثنا

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 105.

2- تفسير القمّي 1: 106.

3- الأمالي 1: 368.

(1) وجدت: غضبت. «لسان العرب- وجد- 3: 446».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 643

وهب بن جرير و أبو زيد- يعني الهروي- قالا: حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله، عن النبي (صلى الله عليه و آله)، قال: «من حلف على يمين «1» يقتطع بها مال أخيه لقي الله عز و جل و هو عليه غضبان» فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا قال: فبرز الأشعث بن قيس، فقال:

في نزلت، خاصمت إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقضى علي باليمين.

1750/ [2]- عنه: عن الحفار، قال: حدثنا عثمان بن أحمد، قال: حدثنا أبو قلابة، قال:

حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثني أبي، قال: سمعت عدي بن عدي يحدث عن رجاء بن حيوة، و العرس بن عميرة، و قال: حدثنا عدي ابن عدي، عن أبيه، قال: اختصم امرؤ القيس و رجل من حضر موت إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) في أرض، فقال:

«أ لك بينة؟» قال: لا. قال: «فبيمينه» قال: إذن و الله يذهب بأرضي قال: «إن ذهب بأرضك بيمينه كان ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة، و لا يزكيه، و له عذاب أليم» قال: ففزع الرجل و ردها إليه.

1751/ [3]- و عنه: عن الحفار، قال: حدثنا عثمان بن أحمد، قال: حدثنا أبو قلابة، قال: حدثنا أبو الوليد، قال:

حدثنا أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، قال: اختصم رجل من حضرموت و امرؤ القيس إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) في أرض، فقال: إن هذا ابتز «2» أرضي في الجاهلية. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أ لك بينة؟» قال: لا. قال: «فبيمينه» فقال: يذهب- و الله يا رسول الله- بأرضي. فقال: «إن ذهب بأرضك كان ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة، و لا يزكيه، و له عذاب أليم».

1752/ [4]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرزاق ابن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمد بن سالم «3»، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «أنزل في العهد إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ

عَذابٌ أَلِيمٌ و الخلاق: النصيب، فمن لم يكن له نصيب في الآخرة فبأي شي ء يدخل الجنة؟!».

1753/ [5]- العياشي: عن علي بن ميمون الصائغ أبي الأكراد، عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، و لا يزكيهم، و لهم عذاب أليم: من أدعى إمامة من الله ليست له، و من جحد إماما من الله، و من قال: إن لفلان و فلان في الإسلام نصيبا».

__________________________________________________

2- الأمالي 1: 368.

3- الأمالي 1: 368.

4- الكافي 2: 27/ 1.

5- تفسير العيّاشي 1: 178/ 64. [.....]

(1) في المصدر: حلف يمينا.

(2) بزّه: غلبه و غصبه. «لسان العرب- بزز- 5: 312».

(3) في «ط»: محمّد بن مسلم، راجع معجم رجال الحديث 16: 101 و 17: 233.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 644

1754/ [6]- عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (عليهما السلام)، قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، و لا ينظر إليهم، و لا يزكيهم، و لهم عذاب أليم: من جحد إماما من الله، أو ادعى إماما من غير الله، أو زعم أن لفلان و فلان في الإسلام نصيبا».

1755/ [7]- عن إسحاق بن أبي هلال، قال: قال علي (عليه السلام): «ألا أخبركم بأكبر الزنا؟» قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

قال: «هي المرأة تفجر و لها زوج، فتأتي بولد فتلزمه زوجها، فتلك التي لا يكلمها الله، و لا ينظر إليها، و لا يزكيها، و لها عذاب أليم».

1756/ [8]- عن محمد الحلبي، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، و لا يزكيهم، و لهم عذاب أليم: الديوث من الرجال، و الفاحش المتفحش، و الذي يسأل الناس

و في يده ظهر غنى».

1757/ [9]- عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، و لا ينظر إليهم، و لا يزكيهم، و لهم عذاب أليم: شيخ زان، و مقل مختال، و ملك جبار».

1758/ [10]- عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، و لا يزكيهم، و لهم عذاب أليم: المرخي ذيله من العظمة، و المزكي سلعته بالكذب، و رجل استقبلك بود صدره فيواري و قلبه ممتلئ غشا».

1759/ [11]- عن أبي ذر، عن النبي (صلى الله عليه و آله)، قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، و لا يزكيهم، و لهم عذاب أليم». قلت: من هم، خابوا و خسروا؟

قال: «المسبل «1»، و المنان، و المنفق سلعته بالحلف الكاذب». أعادها ثلاثا.

1760/ [12]- عن سلمان، قال: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: الأشمط «2» الزاني، و رجل مفلس مرح «3» مختال، و رجل اتخذ يمينه بضاعة فلا يشتري إلا بيمين، و لا يبيع إلا بيمين.

__________________________________________________

6- تفسير العيّاشي 1: 178/ 65.

7- تفسير العيّاشي 1: 178/ 66.

8- تفسير العيّاشي 1: 178/ 67.

9- تفسير العيّاشي 1: 179/ 68.

10- تفسير العيّاشي 1: 179/ 69.

11- تفسير العيّاشي 1: 179/ 70.

12- تفسير العيّاشي 1: 179/ 71.

(1) المسبل: هو المرسل ذيله تكبّرا.

(2) الشّمط: بياض شعر الرأس يخالط سواده. «مجمع البحرين- شمط- 4: 258». و هي كناية عن كبير السنّ.

(3) في «س»: مرخ.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 645

1761/]- عن أبي معمر السعدي، قال: قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) في قوله: وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ» يعني

لا ينظر إليهم بخير، أي لا يرحمهم، و قد يقول العرب للرجل السيد أو الملك: لا تنظر إلينا. يعني أنك لا تصيبنا بخير، و ذلك النظر من الله إلى خلقه».

سورة آل عمران(3): الآيات 78 الي 79 ..... ص : 645

قوله تعالى:

وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَ ما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ ما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ- إلى قوله تعالى- وَ لكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ [78- 79] 1762/ [2]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ- إلى قوله تعالى- هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قال: كان اليهود يقولون شيئا ليس في التوراة، و يقولون هو في التوراة فكذبهم الله.

1763/ [3]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ: إن عيسى لم يقل للناس: إني خلقتكم فكونوا عبادا لي من دون الله، و لكن قال لهم: كونوا ربانيين، أي علماء.

سورة آل عمران(3):آية 80 ..... ص : 645

قوله تعالى:

وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْباباً [80] 1764/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: كان قوم يعبدون الملائكة، و قوم من النصارى زعموا أن عيسى (عليه السلام) رب، و اليهود قالوا: عزير ابن الله. فقال الله: وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْباباً.

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1: 180/ 72. [.....]

2- تفسير القمّي 1: 106.

3- تفسير القمّي 1: 106.

4- تفسير القمّي 1: 106.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 646

سورة آل عمران(3):آية 81 ..... ص : 646

قوله تعالى:

وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ- إلى قوله- مِنَ الشَّاهِدِينَ [81] 1765/ [1]- علي بن إبراهيم: إن الله أخذ ميثاق نبيه (صلى الله عليه و آله) على الأنبياء أن يؤمنوا به و ينصروه و يخبروا أممهم بخبره.

1766/ [2]- و قال علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «ما بعث الله نبيا من لدن آدم (عليه السلام) فهلم جرا إلا و يرجع إلى الدنيا و ينصر أمير المؤمنين (عليه السلام)، و هو قوله: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ يعني رسول الله وَ لَتَنْصُرُنَّهُ يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم قال لهم في الذر: أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي أي عهدي: قالُوا أَقْرَرْنا قالَ الله للملائكة:

فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ». و هذه مع الآية التي في سورة الأحزاب في قوله: وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ «1» الآية، و الآية التي في سورة الأعراف في قوله: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ «2» قد كتبت هذه الثلاث

آيات في ثلاث سور.

1767/ [3]- سعد بن عبد الله: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن عبد الله بن مسكان، عن فيض بن أبي شيبة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول، و تلا هذه الآية: وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ الآية: «لتؤمنن برسول الله (صلى الله عليه و آله)، و لتنصرن عليا أمير المؤمنين (عليه السلام)- قال-: نعم و الله من لدن آدم و هلم جرا، فلم يبعث الله نبيا و لا رسولا إلا رد جميعهم إلى الدنيا حتى يقاتلوا بين يدي علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

1768/ [4]- و روى صاحب كتاب (الواحدة) قال: روى أبو محمد الحسن بن عبد الله الأطروش الكوفي، قال:

حدثنا عبد الله بن جعفر بن محمد البجلي «3»، قال: حدثني أحمد بن محمد بن خالد البرقي، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: «قال

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 106.

2- تفسير القمّي 1: 106.

3- مختصر بصائر الدرجات: 25.

4- .... مختصر بصائر الدرجات: 32، تأويل الآيات 1: 116/ 30.

(1) الأحزاب 33: 7.

(2) الأعراف 7: 172.

(3) في المصدرين: أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد البجلي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 647

أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الله تبارك و تعالى أحد واحد، تفرد في وحدانيته، ثم تكلم بكلمة فصارت نورا، ثم خلق من ذلك النور محمدا (صلى الله عليه و آله)، و خلقني و ذريتي، ثم تكلم بكلمة فصارت روحا فأسكنها الله تعالى في ذلك النور، و أسكنه في أبداننا، فنحن روح الله، و كلماته، و بنا احتج على خلقه، فما زلنا في

ظلة خضراء حيث لا شمس و لا قمر، و لا ليل و لا نهار، و لا عين تطرف نعبده و نقدسه و نسبحه قبل أن يخلق خلقه، و أخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان و النصرة لنا، و ذلك قوله عز و جل: وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ يعني لَتُؤْمِنُنَّ بمحمد (صلى الله عليه و آله) و لتنصرن وصيه، فقد آمنوا بمحمد (صلى الله عليه و آله) و لم ينصروا وصيه، و سينصرونه جميعا. و إن الله أخذ ميثاقي مع ميثاق محمد (صلى الله عليه و آله) بالنصرة بعضنا لبعض، فقد نصرت محمدا (صلى الله عليه و آله) و جاهدت بين يديه، و قتلت عدوه، و وفيت الله بما أخذ علي من الميثاق و العهد و النصرة لمحمد (صلى الله عليه و آله)، و لم ينصرني أحد من أنبيائه و رسله، و ذلك لما قبضهم الله إليه، و سوف ينصرونني».

1769/ [5]- الحسن بن أبي الحسن الديلمي، في (كتابه) بإسناده عن فرج بن أبي شيبة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول و قد تلا هذه الآية: وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ: «يعني رسول الله (صلى الله عليه و آله) وَ لَتَنْصُرُنَّهُ يعني وصيه أمير المؤمنين، و لم يبعث الله نبيا و لا رسولا إلا و أخذ عليه الميثاق لمحمد (صلى الله عليه و آله) بالنبوة و لعلي (عليه السلام) بالإمامة».

1770/ [6]- العياشي: عن حبيب السجستاني، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله:

وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ فكيف يؤمن موسى بعيسى (عليهما السلام) و ينصره و لم يدركه؟ و كيف يؤمن عيسى بمحمد (عليهما السلام) و ينصره و لم يدركه؟

فقال: «يا حبيب، إن القرآن قد طرح منه آي كثيرة، و لم يزد فيه إلا حروف أخطأت بها الكتبة «1»، و توهمتها الرجال، و هذا وهم، فاقرأها: «وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ- امم- النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ هكذا أنزلها- يا حبيب- فو الله ما وفت امة من الأمم التي كانت قبل موسى (عليه السلام) بما أخذ الله عليها من الميثاق لكل نبي بعثه الله بعد نبيها، و لقد كذبت الامة التي جاءها موسى (عليه السلام)، لما جاءها موسى (عليه السلام)، و لم يؤمنوا به و لا نصروه إلا القليل منهم، و لقد كذبت امة عيسى (عليه السلام) بمحمد (صلى الله عليه و آله) و لم يؤمنوا به و لا نصروه لما جاء إلا القليل منهم.

و لقد جحدت هذه الأمة بما أخذ عليها رسول الله (صلى الله عليه و آله) من الميثاق لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، يوم أقامه للناس و نصبه لهم، و دعاهم إلى ولايته و طاعته في حياته، و أشهدهم بذلك على أنفسهم، فأي ميثاق

__________________________________________________

5- ... تأويل الآيات 1: 116/ 29.

6- تفسير العيّاشي 1: 180/ 73.

(1) لم يصرّح أحد من أصحاب الرجال بوثاقة حبيب السجستاني، و الحديث مرسل، معارض لما عليه إجماع الأمّة و علماء الطائفة من أنّ القرآن الكريم هو ما بين الدفّتين، لم

يزد فيه و لم ينقص عنه، و هو باق إلى قيام الساعة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 648

أوكد من قول رسول الله (صلى الله عليه و آله) في علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟! فو الله ما وفوا، بل جحدوا و كذبوا».

1771/ [7]- عن بكير، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «إن الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا و هم ذر يوم أخذ الميثاق على الذر بالإقرار له بالربوبية، و لمحمد (صلى الله عليه و آله) بالنبوة، و عرض الله على محمد (صلى الله عليه و آله) أئمته الطيبين و هم أظلة- قال-: خلقهم من الطينة التي خلق منها آدم- قال-: و خلق أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام، و عرض عليهم و عرفهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) عليا (عليه السلام)، و نحن نعرفهم في لحن القول».

1772/ [8]- عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أ رأيت حين أخذ الله الميثاق على الذر في صلب آدم (عليه السلام)، فعرضهم على نفسه، كانت معاينة منهم له؟

قال: «نعم، يا زرارة، و هم ذر بين يديه، و أخذ عليهم بذلك الميثاق بالربوبية له، و لمحمد (صلى الله عليه و آله) بالنبوة، ثم كفل لهم بالأرزاق و أنساهم رؤيته، و أثبت في قلوبهم معرفته، فلا بد من أن يخرج الله إلى الدنيا كل من أخذ عليه الميثاق، فمن جحد ما «1» أخذ عليه [من ] الميثاق لمحمد (صلى الله عليه و آله) لم ينفعه إقراره لربه بالميثاق، و من لم يجحد ميثاق محمد نفعه الميثاق لربه».

1773/ [9]- عن فيض بن أبي شيبة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول، و تلا هذه الآية: وَ إِذْ

أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ إلى آخر الآية. قال: «لتؤمنن برسول الله (صلى الله عليه و آله)، و لتنصرن أمير المؤمنين (عليه السلام)».

قلت: و لتنصرن أمير المؤمنين؟! قال: «نعم، من آدم فهلم جرا، و لا يبعث الله نبيا و لا رسولا إلا رد إلى الدنيا حتى يقاتل بين يدي أمير المؤمنين (عليه السلام)».

1774/ [10]- عن سلام بن المستنير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لقد تسموا باسم ما سمى الله به أحدا إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و ما جاء تأويله».

قلت: جعلت فداك متى يجي ء تأويله؟

قال: «إذا جاء جمع الله أمامه النبيين و المؤمنين حتى ينصروه، و هو قول الله: وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ إلى قوله تعالى: وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فيومئذ «2» يدفع رسول الله (صلى الله عليه و آله) اللواء إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فيكون أمير الخلائق كلهم أجمعين، يكون الخلائق كلهم تحت لوائه، و يكون هو أميرهم، فهذا تأويله».

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 1: 180/ 74. [.....]

8- تفسير العيّاشي 1: 181/ 75.

9- تفسير العيّاشي 1: 181/ 76.

10- تفسير العيّاشي 1: 181/ 77.

(1) في «ط»: ممّا.

(2) زاد في «ط» و المصدر: راية.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 649

سورة آل عمران(3): الآيات 83 الي 91 ..... ص : 649

قșęǠتعالى:

أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ- إلى قوله تعالى:- وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ [83- 91]

1775/ [1]- العياشي: عن عمار بن أبي الأحوص، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إن الله تبارك و تعالى خلق في مبتدأ الخلق بحرين: أحدهما عذب فرات، و الآخر

ملح أجاج، ثم خلق تربة آدم (عليه السلام) من البحر العذب الفرات، ثم أجراه على البحر الأجاج، فجعله حمأ مسنونا، و هو خلق آدم (عليه السلام)، ثم قبض قبضة من كتف آدم الأيمن، فذرأها في صلب آدم، فقال: هؤلاء في الجنة و لا أبالي [ثم قبض من كتف آدم الأيسر فذرأها في صلب آدم، فقال:

هؤلاء في النار و لا أبالي ] و لا اسأل عما أفعل و لي في هؤلاء البداء بعد و في هؤلاء، و هؤلاء سيبتلون» «1».

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «فاحتج يومئذ أصحاب الشمال و هم ذر على خالقهم، فقالوا: يا ربنا بم أوجبت لنا النار و أنت الحكم العدل من قبل أن تحتج علينا و تبلونا بالرسل و تعلم طاعتنا لك و معصيتنا؟ فقال الله تبارك و تعالى: فأنا أخبركم بالحجة عليكم الآن في الطاعة و المعصية و الإعذار بعد الإخبار».

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «فأوحى الله إلى مالك خازن النار، أن مر النار تشهق، ثم تخرج عنقا منها، فخرجت لهم، ثم قال الله لهم: ادخلوها طائعين. فقالوا: لا ندخلها طائعين. ثم قال: ادخلوها طائعين أو لأعذبنكم بها كارهين.

قالوا: إنما هربنا إليك منها، و حاججناك فيها حيث أو جبتها علينا، و صيرتنا من أصحاب الشمال، فكيف ندخلها طائعين؟ و لكن ابدأ بأصحاب اليمين في دخولها كي تكون قد عدلت فينا و فيهم».

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «فأمر أصحاب اليمين و هم ذر بين يديه، فقال: ادخلوا هذه النار طائعين. قال:

فطفقوا يتبادرون في دخولها فولجوا فيها جميعا، فصيرها الله عليهم بردا و سلاما، ثم أخرجهم منها، ثم إن الله تبارك و تعالى نادى في أصحاب اليمين و أصحاب الشمال: أ

لست بربكم؟ فقال أصحاب اليمين: بلى يا ربنا، نحن بريتك و خلقك مقرين طائعين. و قال أصحاب الشمال: بلى يا ربنا نحن بريتك و خلقك كارهين. و ذلك قول الله: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ- قال-: توحيدهم لله».

1776/ [2]- عن عباية الأسدي: أنه سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ أ كان ذلك بعد؟». قلت: نعم، يا أمير المؤمنين.

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1: 182/ 78.

2- تفسير العيّاشي 1: 183/ 79.

(1) في «ط»: سيسألون.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 650

قال: «كلا و الذي نفسي بيده، حتى يدخل المرأة بمن عذب آمنين، لا يخاف حية و لا عقربا فما سوى ذلك» «1».

1777/ [3]- عن صالح بن ميثم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً.

قال: «ذلك حين يقول علي (عليه السلام): أنا أولى الناس بهذه الآية وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ إلى قوله: كاذِبِينَ «2»».

1778/ [4]- عن رفاعة بن موسى، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً. قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) لا تبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله».

1779/ [5]- عن ابن بكير، قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً. قال: «أنزلت في القائم

(عليه السلام) إذا خرج باليهود و النصارى و الصابئين و الزنادقة و أهل الردة و الكفار في شرق الأرض و غربها، فعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة و الزكاة و ما يؤمر به المسلم و يجب لله تعالى عليه، و من لم يسلم ضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق و المغارب أحد إلا وحد الله».

قلت له: جعلت فداك، إن الخلق أكثر من ذلك؟ فقال: «إن الله إذا أراد أمرا قلل الكثير و كثر القليل».

1780/ [6]- ابن بابويه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم و يعقوب بن يزيد جميعا، عن ابن فضال، عن ابن بكير «3»، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول في قوله عز و جل: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً. قال: «هو توحيدهم لله عز و جل».

1781/ [7]- الشيخ في (أماليه) قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري بالبصرة، قال: حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي، قال: حدثني أبي، قال: سمعت محمد بن عون ابن عبد الله بن الحارث يحدث عن أبيه، عن عبد الله بن العباس في هذه الآية: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً. قال: أسلمت الملائكة في السماء، و المؤمنون في الأرض طوعا، أولهم و سابقهم من

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 1: 183/ 80.

4- تفسير العيّاشي 1: 183/ 81، ينابيع المودة: 421.

5- تفسير العيّاشي 1: 183/ 82.

6- التوحيد: 46/ 7.

7- الأمالي 2: 117.

(1) كذا، و لا يخلو الحديث من اضطراب في ألفاظه، و الظاهر أنّه «حتّى تدخل المرأة بمن عزب آمنة، و لا تخاف

حيّة و لا عقرب ...». [.....]

(2) النّحل 16: 38- 39.

(3) في المصدر: ابن بكير، عن زرارة، و ابن بكير يروي عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام)، و عن زرارة، انظر معجم رجال الحديث 7: 248 و 22: 161.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 651

هذه الامة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و لكل امة سابق، و أسلم المنافقون كرها، و كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) أول الامة إسلاما، و أولهم من رسول الله للمشركين قتالا، و قاتل من بعده المنافقين و من أسلم كرها.

1782/ [8]- عنه: بإسناده قال أبو محمد الفحام: حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبيد الله الهاشمي المنصوري، قال: حدثني عم أبي: أبو موسى عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور، قال: حدثني الإمام علي بن محمد العسكري، قال: حدثني أبي محمد بن علي، قال: حدثني أبي علي بن موسى، قال: حدثني أبي موسى بن جعفر (عليهم السلام) قال: «كنت عند سيدنا الصادق (عليه السلام) إذ دخل عليه أشجع السلمي «1» يمدحه فوجده عليلا، فجلس و أمسك، فقال له سيدنا الصادق (عليه السلام): عد عن العلة، و اذكر ما جئت له. فقال له:

ألبسك الله منه عافية في نومك المعتري و في أرقك

يخرج من جسمك السقام كما أخرج ذل السؤال من عنقك

فقال: يا غلام، أي شي ء معك؟ قال: أربعمائة درهم. قال: أعطها للأشجع. قال: فأخذها و شكر، و ولى. فقال: ردوه.

فقال: يا سيدي، سألت فأعطيت فأغنيت، فلم رددتني؟ قال: حدثني أبي، عن آبائه، عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: خير العطاء ما أبقى نعمة باقية، و إن الذي أعطيتك لا يبقي لك نعمة باقية، و هذا خاتمي

فإن أعطيت به عشرة آلاف درهم، و إلا فعد إلي وقت كذا و كذا اوفك إياها.

قال: يا سيدي، قد أغنيتني و أنا كثير الأسفار، و أحصل في المواضع المفزعة فتعلمني ما آمن به على نفسي؟

قال: إذا خفت أمرا فاترك يمينك على ام رأسك، و اقرأ برفيع صوتك أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ.

قال أشجع: فحصلت في واد «2» تعبث فيه الجن، فسمعت قائلا يقول: خذوه. فقرأتها، فقال قائل: كيف نأخذه و قد احتجز بآية طيبة؟».

1783/]

- و قال علي بن إبراهيم: قوله تعالى: أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ قال: أغير هذا الدين «3» قلت لكم أن تقروا بمحمد و وصيه وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً أي فرقا من السيف. ثم أمر نبيه (صلى الله عليه و آله) بالإقرار بالأنبياء و الرسل و الكتب، فقال: قُلْ يا محمد آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَ ما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ ما أُوتِيَ مُوسى وَ عِيسى وَ ما أوتي

__________________________________________________

8- الأمالي 1: 287.

9- تفسير القمي 1: 107.

(1) هو أشجع بن عمرو السلمي، كان شاعرا مفلقا، مكثرا سائر الشعر، معدودا في فحول الشعراء، عده ابن شهر آشوب من شعراء أهل البيت المتكلفين. انظر ترجمته في تاريخ بغداد 7: 45، معالم العلماء: 153، أعيان الشيعة 3: 447- 459.

(2) في المصدر: دار.

(3) في المصدر: الذي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 652

النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.

1784/ [10]- العياشي: عن حنان بن سدير، عن أبيه، قال: قلت لأبي جعفر (عليه

السلام): هل كان ولد يعقوب أنبياء؟ قال: «لا، و لكنهم كانوا أسباط أولاد الأنبياء، لم يكونوا فارقوا الدنيا إلا سعداء، تابوا و تذكروا ما صنعوا».

1785/ [11]- و قال علي بن إبراهيم: و قوله: وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ فإنه محكم، ثم ذكر الله عز و جل: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ «1» في أمير المؤمنين (عليه السلام) و كفروا بعد الرسول، فقال: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَ جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْ ءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَ لَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ فهذه كلها في أعداء آل محمد (صلى الله عليه و آله).

1786/ [12]- الطبرسي في (مجمع البيان)، في قوله: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ- إلى قوله تعالى- إِلَّا الَّذِينَ تابُوا قيل: نزلت الآيات في رجل من الأنصار يقال له: الحارث بن سويد بن الصامت، و كان قتل المجذر بن زياد البلوي غدرا و هرب، و ارتد عن الإسلام، و لحق بمكة، ثم ندم فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) هل لي من توبة؟ فسألوا، فنزلت الآيات إلى قوله: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا فحملها إليه رجل من قومه،

فقال: إني لأعلم أنك لصدوق، و أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أصدق منك، و أن الله تعالى أصدق الثلاثة. و رجع إلى المدينة، و تاب و حسن إسلامه. قال الطبرسي: و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام).

سورة آل عمران(3):آية 92 ..... ص : 652

قوله تعالى:

لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [92]

1787/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمر بن عبد العزيز، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون، هكذا فاقرأها».

1788/ [2]- عنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى و علي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا،

__________________________________________________

10- تفسير العيّاشي 1: 184/ 83.

11- تفسير القمّي 1: 107.

12- مجمع البيان 2: 789.

1- الكافي 8: 183/ 209.

2- الكافي 2: 126/ 1.

(1) البقرة 2: 27.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 653

عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد الحناط، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً «1» ما هذا الإحسان؟

فقال: «الإحسان أن تحسن صحبتهما، و أن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا [مما يحتاجان إليه ]، و إن كانا مستغنيين، أليس الله عز و جل يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ».

1789/ [3]- العياشي: عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون». هكذا قرأها.

1790/ [4]- عن المفضل بن عمر، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) يوما و معي شي ء فوضعته بين يديه، فقال: «ما هذا»؟ فقلت: هذه صلة مواليك و عبيدك. قال: فقال لي: «يا مفضل، إني لا أقبل ذلك، و ما أقبله

من حاجة بي «2» إليه، و ما أقبله إلا ليزكوا به».

ثم قال: «سمعت أبي يقول: من مضت له سنة لم يصلنا من ماله، قل أو كثر، لم ينظر الله إليه يوم القيامة، إلا أن يعفو الله عنه».

ثم قال: «يا مفضل، إنها فريضة، فرضها الله على شيعتنا في كتابه إذ يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ فنحن البر و التقوى، و سبيل الهدى، و باب التقوى، و لا يحجب دعاؤنا عن الله، اقتصروا على حلالكم، و حرامكم، فسلوا عنه، و إياكم أن تسألوا أحدا من الفقهاء عما لا يعنيكم «3» و عما ستر الله عنكم».

1791/ [5]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن شعيب، عن الحسين بن الحسن، عن عاصم، عن يونس، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان يتصدق بالسكر، فقيل له:

أ تتصدق بالسكر؟ فقال: «نعم، إنه ليس شي ء أحب إلي منه، فأنا أحب أن أتصدق بأحب الأشياء إلي».

1792/ [6]- علي بن إبراهيم: أي لن تنالوا الثواب حتى تردوا إلى آل محمد (صلى الله عليه و آله) حقهم من الخمس و الأنفال و الفي ء.

1793/ [7]- أبو علي الطبرسي: يروى عن ابن عمر: أن النبي (صلى الله عليه و آله) سئل عن هذه الآية، فقال: «هو أن ينفق العبد المال و هو شحيح يأمل الدنيا، و يرجو الغنى، و يخاف الفقر».

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 1: 184/ 84. [.....]

4- تفسير العيّاشي 1: 184/ 85.

5- الكافي 4: 61/ 3.

6- تفسير القمّي 1: 107.

7- مجمع البيان 2: 793.

(1) البقرة 2: 83، النّساء 4: 36، الأنعام 6: 151، الأسراء 17: 23.

(2) في المصدر: من حاجتي.

(3) في «ط»:

لا يغنيكم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 654

سورة آل عمران(3):آية 93 ..... ص : 654

قوله تعالى:

كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ- إلى قوله تعالى- إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [93] 1794/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: إن يعقوب كان يصيبه عرق النسا، فحرم على نفسه لحم الجمل، فقالت اليهود: إن لحم الجمل محرم في التوراة. فقال الله عز و جل لهم: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إنما حرم هذا إسرائيل على نفسه، و لم يحرمه على الناس، و هذا حكاية عن اليهود و لفظه لفظ الخبر.

1795/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد أو غيره، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن إسرائيل كان إذا أكل من لحم الإبل هيج عليه وجع الخاصرة، فحرم على نفسه لحم الإبل، و ذلك قبل أن تنزل التوراة، فلما نزلت التوراة لم يحرمه و لم يأكله».

1796/ [3]- العياشي: عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ.

قال: «إن إسرائيل كان إذا أكل لحوم الإبل هيج عليه وجع الخاصرة، فحرم على نفسه لحم الإبل، و ذلك من قبل أن تنزل التوراة، فلما أنزلت التوراة لم يحرمه و لم يأكله».

1797/ [4]- عن عمر بن يزيد، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن رجل دبر مملوكه، هل له أن يبيع «1» عنقه «2»؟ قال: كتب: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ.

سورة آل عمران(3):آية 95 ..... ص : 654

قوله تعالى:

قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً

وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [95]

1798/ [5]- العياشي: عن حبابة الوالبية، قالت: سمعت الحسين بن علي (عليهما السلام) يقول: «ما أعلم أحدا

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 107.

2- الكافي 5: 306/ 9.

3- تفسير العيّاشي 1: 184/ 86.

4- تفسير العيّاشي 1: 185/ 87.

5- تفسير العيّاشي 1: 185/ 88.

(1) في «س، ط»: يتبع.

(2) في «ط» و المصدر: عتقه. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 655

على ملة إبراهيم (عليه السلام) إلا نحن و شيعتنا» قال صالح: ما أحد على ملة إبراهيم (عليه السلام) قال جابر: ما أعلم أحدا على ملة إبراهيم (عليه السلام).

سورة آل عمران(3): الآيات 96 الي 97 ..... ص : 655

قوله تعالى:

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [96- 97]

1799/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف ابن عميرة، عن أبي زرارة التميمي، عن أبي حسان، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لما أراد الله عز و جل أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربن وجه الماء حتى صار موجا، ثم أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت، ثم جعله جبلا من زبد، ثم دحا الأرض من تحته، و هو قول الله عز و جل: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً».

و روى أيضا عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، مثله.

1800/ [2]- عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن محبوب، عن ابن سنان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ

ما هذه الآيات البينات؟

قال: «مقام إبراهيم (عليه السلام) حيث قام على الحجر فأثرت فيه قدماه، و الحجر الأسود، و منزل إسماعيل».

1801/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أقوم اصلي بمكة، و المرأة بين يدي جالسة أو مارة؟

فقال: «لا بأس، إنما سميت بكة لأنها تبك فيها الرجال و النساء».

1802/ [4]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً البيت عنى أم الحرم؟

قال: «من دخل الحرم من الناس مستجيرا به فهو آمن من سخط الله، و من دخله من الوحوش و الطير كان آمنا

__________________________________________________

1- الكافي 4: 189/ 7.

2- الكافي 4: 223/ 1.

3- الكافي 4: 526/ 7.

4- الكافي 4: 226/ 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 656

من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم».

1803/ [5]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال سألته عن قول الله عز و جل: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

قال: «إذا أحدث العبد جناية في غير الحرم ثم فر إلى الحرم لم ينبغ «1» لأحد أن يأخذه في الحرم، و لكن يمنع من السوق، و لا يبايع، و لا يطعم، و لا يسقى، و لا يكلم، فإنه إذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيؤخذ، و إذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم، لأنه لم يرع للحرم حرمة» «2».

1804/

[6]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز و جل: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

قال: «إن سرق سارق بغير مكة أو جنى جناية على نفسه ففر إلى مكة، لم يؤخذ ما دام في الحرم حتى يخرج منه، و لكن يمنع من السوق، و لا يبايع، و لا يجالس حتى يخرج منه فيؤخذ، و إذا أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه».

1805/ [7]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، و الحجال، عن ثعلبة، عن أبي خالد القماط، عن عبد الخالق الصيقل، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً. فقال: «لقد سألتني عن شي ء ما سألني أحد إلا من شاء الله».

قال: «من أم هذا البيت و هو يعلم أنه البيت الذي أمره الله عز و جل به، و عرفنا أهل البيت حق معرفتنا، كان آمنا في الدنيا و الآخرة».

1806/]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه سئل عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم.

قال: «لا يمس، لأن الله عز و جل يقول: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً».

1807/ [9]- عنه: بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز و جل: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

قال: «في قائمنا أهل البيت، فمن بايعه، و دخل معه، و

مسح على يده، و دخل في عقد أصحابه، كان آمنا».

__________________________________________________

5- الكافي 4: 226/ 2.

6- الكافي 4: 227/ 3.

7- الكافي 4: 545/ 25.

8- علل الشرائع: 451/ 1 باب 206.

9- علل الشرائع: 91/ 5.

(1) في المصدر: لم يسع.

(2) في المصدر: حرمته.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 657

1808/ [10]- و عنه: عن أبيه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن العرزمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنما سميت مكة بكة لأن الناس يتباكون فيها».

1809/ [11]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (رحمه الله)، قال: حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) لم سميت الكعبة بكة؟ فقال: «لبكاء الناس حولها و فيها».

1810/ [12]- و عنه، قال: حدثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا أحمد بن إدريس «1»، قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن علي بن النعمان، عن سعيد بن عبد الله الأعرج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «موضع البيت بكة، و القرية مكة».

1811/ [13]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن فضالة، عن أبان، عن الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إنما سميت مكة بكة لأنها تبك بها الرجال و النساء، و المرأة تصلي بين يديك و عن يمينك و عن شمالك و معك، و لا بأس بذلك، إنما يكره ذلك في سائر البلدان».

1812/ [14]- و عنه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا

سعد بن عبد الله، عن أحمد و عبد الله ابني محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عبيد الله بن علي الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) لم سميت مكة بكة؟ قال: «لأن الناس يبك بعضهم بعضا فيها بالأيدي».

1813/ [15]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في الرجل يجني الجناية في غير الحرم، ثم يلجأ إلى الحرم.

قال: «لا يقام عليه الحد، و لا يكلم، و لا يسقى، و لا يطعم، و لا يباع، فإذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيقام عليه الحد، و إذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم، لأنه لم ير للحرم حرمة».

1814/ [16]- العياشي: عن عبد الصمد بن سعد، قال: طلب أبو جعفر أن يشتري من أهل مكة بيوتهم أن يزيده في المسجد، فأبوا، فأرغبهم فامتنعوا، فضاق بذلك فأتى أبا عبد الله (عليه السلام) فقال له: إني سألت هؤلاء شيئا

__________________________________________________

10- علل الشرائع: 397/ 1 باب 137.

11- علل الشرائع: 397/ 2.

12- علل الشرائع: 397/ 3. [.....]

13- علل الشرائع: 397/ 4.

14- علل الشرائع: 398/ 5.

15- تفسير القمّي 1: 108.

16- تفسير العيّاشي 1: 185/ 89.

(1) في المصدر: حدثنا إدريس، و الصواب ما في المتن، و هو من مشايخ ابن بابويه، و الراوي عن ابن عيسى كثيرا، راجع معجم رجال الحديث 2: 38.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 658

من منازلهم و أفنيتهم، لنزيد في المسجد، و قد منعوني ذلك فقد غمني غما شديدا.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «لم يغمك ذلك و حجتك عليهم فيه ظاهرة؟». فقال: و بما أحتج

عليهم؟ فقال:

«بكتاب الله».

فقال: في أي موضع؟

فقال: «قول الله: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ قد أخبرك الله تعالى أن أول بيت وضع للناس هو الذي ببكة، فإن كانوا هم تولوا قبل البيت فلهم أفنيتهم، و إن كان البيت قديما قبلهم فله فناؤه».

فدعاهم أبو جعفر فاحتج عليهم بهذا، فقالوا له: اصنع ما أحببت.

1815/ [17]- عن الحسن بن علي بن النعمان، قال: لما بنى المهدي في المسجد الحرام بقيت دار في تربيع المسجد فطلبها من أربابها فامتنعوا، فسأل عن ذلك الفقهاء، فكل قال له: أنه لا ينبغي أن يدخل شيئا في المسجد الحرام غصبا.

فقال له علي بن يقطين: يا أمير المؤمنين، لو كتبت إلى موسى بن جعفر (عليهما السلام) لأخبرك بوجه الأمر في ذلك. فكتب إلى و الي المدينة أن يسأل موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن دار أردنا أن ندخلها في المسجد الحرام، فامتنع علينا صاحبها، فكيف المخرج من ذلك؟ فقال ذلك لأبي الحسن (عليه السلام)، فقال أبو الحسن (عليه السلام):

«و لا بد من الجواب في هذا؟» فقال له: الأمر لا بد منه.

فقال له: «اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، إن كانت الكعبة هي النازلة بالناس فالناس أولى بفنائها، و إن كان الناس هم النازلون بفناء الكعبة فالكعبة أولى بفنائها» فلما أتى الكتاب المهدي أخذ الكتاب فقبله ثم أمر بهدم الدار، فأتى أهل الدار أبا الحسن (عليه السلام) فسألوه أن يكتب لهم إلى المهدي كتابا في ثمن دارهم، فكتب إليه «أن أرضخ «1» لهم شيئا». فأرضاهم.

1816/ [18]- عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان الله تبارك و تعالى كما وصف نفسه، و كان عرشه على الماء و الماء على الهواء و الهواء

لا يجري، و لم يكن غير الماء خلق، و الماء يومئذ عذب فرات، فلما أراد الله أن يخلق الأرض أمر الرياح الأربع فضربن الماء حتى صار موجا، ثم أزبد زبدة واحدة، فجمعه في موضع البيت، فأمر الله فصار جبلا من الزبد، ثم دحا الأرض من تحته، ثم قال: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ».

1817/ [19]- عن زرارة، قال: سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن البيت، أ كان يحج إليه قبل أن يبعث النبي (صلى الله عليه و آله)؟

__________________________________________________

17- تفسير العيّاشي 1: 185/ 90.

18- تفسير العيّاشي 1: 186/ 91.

19- تفسير العيّاشي 1: 186/ 92.

(1) الرّضخ: العطاء. «لسان العرب- رضخ- 3: 19».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 659

قال: «نعم، لا يعلمون أن الناس قد كانوا يحجون، و نخبركم أن آدم و نوحا و سليمان (عليهم السلام) قد حجوا البيت بالجن و الإنس و الطير، و لقد حجه موسى (عليه السلام) على جمل أحمر، يقول: لبيك لبيك، فإنه كما قال الله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ».

1818/ [20]- عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «مكة جملة القرية، و بكة موضع الحجر الذي يبك الناس بعضهم بعضا».

1819/ [21]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن بكة موضع البيت، و إن مكة الحرم، و ذلك قوله:

وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً».

1820/ [22]- عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته: لم سميت مكة ببكة؟ قال: «لأن الناس يبك بعضهم بعضا بالأيدي».

1821/ [23]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن بكة موضع البيت، و إن مكة جميع ما اكتنفه

الحرم».

1822/ [24]- عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنه وجد في حجر «1» من حجرات البيت مكتوبا:

إني أنا الله ذو بكة، خلقتها يوم خلقت السماوات و الأرض، و يوم خلقت الشمس و القمر، و خلقت الجبلين و حففتهما بسبعة أملاك حفا. و في حجر آخر: هذا بيت الله الحرام ببكة تكفل الله برزق أهله من ثلاث سبل، مبارك «2» لهم في اللحم و الماء، أول من نحله إبراهيم (عليه السلام)».

1823/ [25]- عن علي بن جعفر بن «3» محمد، عن أخيه موسى (عليهم السلام)، قال: سألته عن مكة لم سميت بكة؟ قال: «لأن الناس يبك بعضهم بعضا بالأيدي» يعني يدفع بعضهم بعضا بالأيدي في المسجد حول الكعبة.

1824/ [26]- عن ابن سنان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ فما هذه

__________________________________________________

20- تفسير العيّاشي 1: 187/ 93.

21- تفسير العيّاشي 1: 187/ 94.

22- تفسير العيّاشي 1: 187/ 95.

23- تفسير العيّاشي 1: 187/ 96.

24- تفسير العيّاشي 1: 187/ 97. [.....]

25- تفسير العيّاشي 1: 187/ 98.

26- تفسير العيّاشي 1: 187/ 99.

(1) في المصدر: حجرين.

(2) في المصدر: منازل.

(3) في «س و ط»: عن، تصحيف، و الصواب ما في المتن، و هو يروي عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) كثيرا. راجع رجال النجاشي: 251، مجمع الرجال 4: 173.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 660

الآيات البينات؟ قال: «مقام إبراهيم (عليه السلام) حين قام عليه، فأثرت قدماه فيه، و الحجر، و منزل إسماعيل (عليه السلام)».

1825/ [27]- عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قوله: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

قال: «يأمن فيه كل خائف ما لم يكن عليه حد من حدود

الله ينبغي أن يؤخذ به».

قلت: فيأمن فيه من حارب الله و رسوله و سعى في الأرض فسادا؟ قال: «هو مثل الذي يكمن» بالطريق فيأخذ الشاة أو الشي ء، فيصنع به الإمام ما شاء».

قال: و سألته عن طائر يدخل الحرم؟ قال: «لا يؤخذ و لا يمس، لأن الله يقول: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً».

1826/ [28]- عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قلت: أ رأيت قوله: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً البيت عنى أو الحرم؟

قال: «من دخل الحرم من الناس مستجيرا به فهو آمن، و من دخل البيت من المؤمنين مستجيرا به فهو آمن من سخط الله، و من دخل الحرم من الوحش و السباع و الطير فهو آمن من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم».

1827/ [29]- عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «من دخل مكة المسجد الحرام يعرف من حقنا و حرمتنا ما عرف من حقها و حرمتها غفر الله له ذنبه، و كفاه ما أهمه من أمر الدنيا و الآخرة، و هو قوله: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً».

1828/ [30]- عن المثنى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) و سألته عن قول الله: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

قال: «إذا أحدث السارق في غير الحرم ثم دخل الحرم لم ينبغ لأحد أن يأخذه، و لكن يمنع من السوق، و لا يبايع، و لا يكلم، فإنه إذا فعل ذلك به أوشك أن يخرج فيؤخذ، و إذا أخذ أقيم عليه الحد، فإن أحدث في الحرم أخذ و أقيم عليه الحد في الحرم، لأن من جنى في الحرم أقيم عليه الحد في الحرم».

1829/ [31]- و قال عبد الله بن

سنان: سمعته (عليه السلام) يقول فيما ادخل الحرم مما صيد في الحل، قال: «إذا دخل الحرم فلا يذبح، إن الله يقول: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً».

1830/ [32]- عن عمران الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

قال: «إذا أحدث العبد في غير الحرم ثم فر إلى الحرم لم ينبغ أن يؤخذ، و لكن يمنع منه السوق، و لا يبايع،

__________________________________________________

27- تفسير العيّاشي 1: 188/ 100.

28- تفسير العيّاشي 1: 189/ 101.

29- تفسير العيّاشي 1: 189/ 102.

30- تفسير العيّاشي 1: 189/ 103.

31- تفسير العيّاشي 1: 189/ 104.

32- تفسير العيّاشي 1: 189/ 105.

(1) في «ط»: يكن، و في المصدر: نكر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 661

و لا يطعم، و لا يسقى، و لا يكلم، فإنه إذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيؤخذ، و إن كان إحداثه في الحرم أخذ في الحرم».

1831/ [33]- عن عبد الخالق الصيقل، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

فقال: «لقد سألتني عن شي ء ما سألني عنه أحد، إلا ما شاء الله- ثم قال-: إن من أم هذا البيت و هو يعلم أنه البيت الذي أمر الله به، و عرفنا أهل البيت حق معرفتنا كان آمنا في الدنيا و الآخرة».

1832/ [34]- عن علي بن عبد العزيز، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك، قول الله: آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً و قد يدخله المرجئ و القدري و الحروري و الزنديق الذي لا يؤمن بالله؟

قال: «لا، و لا كرامة».

قلت: فمن جعلت فداك؟ قال: «من دخله و هو عارف بحقنا كما هو عارف له، خرج من ذنوبه

و كفي هم الدنيا و الآخرة».

1833/ [35]- المفيد في (الاختصاص): عن النبي (صلى الله عليه و آله) و قد سئل عن أول ركن وضع الله في الأرض.

قال (صلى الله عليه و آله): «الركن الذي بمكة، و ذلك قوله: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً». قال:

صدقت، يا محمد.

1834/ [36]- ابن شهر آشوب: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ فقال له رجل: أهو أول بيت؟

قال: «لا، قد كان قبله بيوت، و لكنه أول بيت وضع للناس مباركا، فيه الهدى و الرحمة و البركة، و أول من بناه إبراهيم (عليه السلام)، ثم بناه قوم من العرب من جرهم «1»، ثم هدم فبنته «2» العمالقة، ثم هدم فبنته قريش».

قوله تعالى:

وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ [97]

__________________________________________________

33- تفسير العيّاشي 1: 189/ 106.

34- تفسير العيّاشي 1: 190/ 107. [.....]

35- الاختصاص: 50.

36- المناقب 2: 43.

(1) جرهم: حيّ من اليمن، نزلوا مكّة، و تزوج فيهم إسماعيل بن إبراهيم (عليهما السلام). «لسان العرب- جرهم- 12: 7»

(2) (العمالقة ثم هدم فبنته) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 662

1835/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن موسى بن القاسم البجلي، و محمد بن يحيى، عن العمركي بن علي جميعا، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السلام)، قال: «إن الله عز و جل فرض الحج على أهل الجدة «1» في كل عام، و ذلك قوله عز و جل: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ».

قال:

قلت: فمن لم يحج منا فقد كفر؟ فقال: «لا، و لكن من قال: ليس هذا هكذا، فقد كفر».

1836/ [2]- عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير «2»، عن عمر بن أذينة، قال: كتبت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) مسائل بعضها مع ابن بكير، و بعضها مع أبي العباس، فجاء الجواب بإملائه (عليه السلام): «سألت عن قول الله عز و جل: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يعني به الحج و العمرة جميعا لأنهما مفروضان».

1837/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما السبيل؟

قال: «أن يكون له ما يحج به».

قال: قلت: من عرض عليه ما يحج به فاستحيا من ذلك، أهو ممن يستطيع إليه سبيلا؟ قال: «نعم، ما شأنه يستحيي؟ و لو يحج على حمار أجدع «3» أبتر «4»، فإن كان يطيق أن يمشي بعضا و يركب بعضا فليحج».

1838/ [4]- و عنه: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن يحيى الخثعمي، قال: سأل حفص الكناسي أبا عبد الله (عليه السلام) و أنا حاضر «5»، عن قول الله عز و جل: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعني بذلك؟

__________________________________________________

1- الكافي 4: 265/ 5.

2- الكافي 4: 264/ 1.

3- الكافي 4: 266/ 1.

4- الكافي 4: 267/ 2.

(1) الجدة: الغنى. «مجمع البحرين- وجد- 3: 155».

(2) في «ط» زيادة: عن عمر بن أذينة، و الصواب ما في المتن، لأنّ

عمر بن أذينة لا يروي عن حمّاد بن عثمان، و روى ابن أبي عمير عن حمّاد بلا واسطة في موارد كثيرة، راجع معجم رجال الحديث 6: 217 و 14: 287.

(3) الأجدع: المقطوع الاذن. «مجمع البحرين- جدع- 4: 309».

(4) الأبتر: المقطوع الذنب. «مجمع البحرين- بتر- 3: 213».

(5) في المصدر: و أنا عنده.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 663

قال: «من كان صحيحا في بدنه، مخلى سر به «1»، له زاد و راحلة، فهو ممن يستطيع الحج- أو قال-: ممن كان له مال».

قال: فقال له حفص الكناسي: فإذا كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد و راحلة، فلم يحج، فهو ممن يستطيع الحج؟ فقال: «نعم».

1839/ [5]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع الشامي، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. فقال (عليه السلام):

«ما يقول الناس؟» قال: فقيل له: الزاد، و الراحلة.

قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «قد سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن هذا فقال: هلك الناس إذن، لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقول عليا له، و يستغني به عن الناس، ينطلق إليه «2»، فيسلبهم إياه، فقد هلكوا».

فقيل له: فما السبيل؟ فقال: «السعة في المال، إذا كان يحج ببعض و يبقي بعضا يقوت به عياله، أليس قد فرض الله الزكاة، فلم يجعلها إلا على من يملك مائتي درهم؟».

1840/ [6]- و عنه: عن محمد بن أبي عبد الله، عن موسى بن عمران، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سأله رجل

من أهل القدر، فقال: يا ابن رسول الله، أخبرني عن قول الله عز و جل: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا أليس قد جعل الله لهم الاستطاعة؟ فقال:

«ويحك، إنما يعني بالاستطاعة الزاد و الراحلة، ليس استطاعة البدن».

فقال الرجل: أ فليس إذا كان الزاد و الراحلة فهو مستطيع للحج؟

فقال: «ويحك، ليس كما تظن، قد ترى الرجل عنده المال الكثير أكثر من الزاد و الراحلة فهو لا يحج حتى يأذن الله تعالى في ذلك».

1841/ [7]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال الله تعالى: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا؟

قال: «هذه لمن كان عنده مال و صحة، و إن كان سوفه «3» للتجارة فلا يسعه، فإن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام، إذ هو يجد ما يحج به، و إن كان دعاه قوم أن يحجوه فاستحيا فلم يفعل، فإنه لا يسعه إلا الخروج و لو على حمار أجدع أبتر».

__________________________________________________

5- الكافي 4: 267/ 3. [.....]

6- الكافي 4: 268/ 5.

7- التهذيب 5: 18/ 52.

(1) أي موسّع عليه غير مضيّق عليه. «أقرب الموارد- سرب- 1: 508».

(2) أي إلى الحجّ. و في «ط»: ينطلق إليهم فيسألهم.

(3) التسويف: التأخير. «مجمع البحرين- سوف- 5: 73».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 664

و عن قوله عز و جل: وَ مَنْ كَفَرَ قال: «يعني: من ترك».

1842/ [8]- عنه: بإسناده عن موسى بن القاسم، عن معاوية بن وهب، عن صفوان، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قوله تعالى: وَ لِلَّهِ عَلَى

النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا؟ قال: «إن يكون له ما يحج به».

قلت: فإن عرض عليه الحج فاستحيا؟ قال: «هو ممن يستطيع، و لم يستحيي؟! و لو على حمار أجدع أبتر- قال-: فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا و يركب بعضا فليفعل».

1843/ [9]- و عنه: بإسناده عن أحمد بن محمد، عن الحسين «1»، عن القاسم بن محمد، عن علي، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله عز و جل: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال: «يمشي إن لم يكن عنده».

قلت: لا يقدر على المشي؟ قال: «يمشي و يركب».

قلت: لا يقدر على ذلك؟ قال: «يخدم القوم و يخرج [معهم ]».

قال الشيخ: هذا الخبر محمول على الاستحباب.

1844/ [10]- العياشي: عن إبراهيم بن علي، عن عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن ابن علي بن أبي طالب، عن الحسن بن محبوب، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.

قال: «هذا لمن كان عنده مال و صحة، فإن سوفه للتجارة فلا يسعه ذلك، و إن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام، إذا ترك الحج و هو يجد ما يحج به، و إن دعاه أحد إلى أن يحمله فاستحيا فلا يفعل، فإنه لا يسعه إلا أن يخرج و لو على حمار أجدع أبتر، و هو قول الله: وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ- قال-:

و من ترك فقد كفر، و لم لا يكفر و قد ترك شريعة من شرائع الإسلام؟! يقول الله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ

فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ «2» فالفريضة: التلبية و الإشعار و التقليد، فأي ذلك فعل فقد فرض الحج، و لا فرض إلا في هذه الشهور التي قال الله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ».

1845/ [11]- عن زرارة، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، و الزكاة، و الصوم، و الحج، و الولاية».

__________________________________________________

8- التهذيب 5: 3/ 4.

9- التهذيب 5: 10/ 26، الاستبصار 2: 141.

10- تفسير العيّاشي 1: 190/ 108.

11- تفسير العيّاشي 1: 191/ 109.

(1) في المصدر: الحسين بن سعيد.

(2) البقرة 2: 197.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 665

قال: قلت: فأي ذلك أفضل؟ قال: «الولاية أفضلهن لأنها مفتاحهن، و الوالي هو الدليل عليهن».

قال: قلت: ثم الذي يلي في الفضل؟ قال: قال: «فالصلاة، إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: الصلاة عمود دينكم».

قال: قلت: الذي يليها في الفضل؟ قال: «الزكاة، لأنه قرنها بها، و بدأ بالصلاة قبلها، و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): الزكاة تذهب الذنوب».

قال: قلت: فالذي يليها في الفضل؟ قال: «الحج، لأن الله يقول: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ، و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لحجة متقبلة خير من عشرين صلاة نافلة، و من طاف بهذا البيت طوافا أحصى فيه سبوعه»

و أحسن ركعتيه غفر له. و قال يوم عرفة و يوم المزدلفة ما قال».

قال: قلت: ثم ماذا يتبعه؟ قال: «ثم الصوم».

قال: قلت: فما بال الصوم آخر ذلك أجمع؟ فقال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): الصوم جنة من النار». قال:

ثم قال:

«إن أفضل الأشياء ما إذا كان فاتك لم يكن لك منه التوبة دون أن ترجع إليه فتؤديه بعينه، إن الصلاة و الزكاة و الحج و الولاية ليس ينفع شي ء مكانها دون أدائها، و إن الصوم إذا فاتك أو أفطرت أو سافرت فيه أديت مكانه أياما غيرها، و فديت ذلك الذنب بفدية، و لا قضاء عليك، و ليس مثل تلك الأربعة شي ء يجزيك مكانها غيرها».

1846/ [12]- عن عمر بن أذينة، قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يعني به الحج دون العمرة؟ قال: «و لكنه الحج و العمرة جميعا لأنهما مفروضان».

1847/ [13]- عن عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. قال: «من كان صحيحا في بدنه، مخلي سربه، له زاد و راحلة، فهو مستطيع للحج».

1848/ [14]- و عنه: في حديث الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «و إن كان يقدر أن يمشي بعضا و يركب بعضا فليفعل وَ مَنْ كَفَرَ- قال-: ترك».

1849/ [15]- عن أبي الربيع الشامي، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. فقال: «ما يقول الناس»؟ فقيل له: الزاد و الراحلة.

قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن هذا، فقال: لقد هلك الناس إذن، لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت به عياله، و يستغني به عن الناس ينطلق إليهم فيسألهم إياه و يحج به لقد هلكوا إذن.

__________________________________________________

12- تفسير العيّاشي 1:

191/ 110.

13- تفسير العيّاشي 1: 192/ 111.

14- تفسير العيّاشي 1: 192/ 112. [.....]

15- تفسير العيّاشي 1: 192/ 113.

(1) في المصدر: أسبوعه، و كلاهما بمعنى، و الأسبوع من الطّواف: أي سبع طوافات. «مجمع البحرين- سبع- 4: 344».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 666

فقيل له: فما السبيل؟- قال- فقال: «السعة في المال، إذا كان يحج ببعض و يبقي بعضا يقوت به عياله، أليس الله قد فرض الزكاة فلم يجعلها إلا على من يملك مائتي درهم؟».

1850/ [16]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: رجل عرض عليه الحج فاستحيا أن يقبله، أهو ممن يستطيع الحج؟

قال: «نعم، مره فلا يستحيي و لو على حمار أبتر، و إن كان يستطيع أن يمشي بعضا و يركب بعضا فليفعل».

1851/ [17]- عن أبي أسامة زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال: سألته ما السبيل؟ قال: «يكون له ما يحج به».

قلت: أ رأيت إن عرض عليه مال يحج به فاستحيا من ذلك؟ قال: «هو ممن استطاع إليه سبيلا- قال-: و إن كان يطيق المشي بعضا و الركوب بعضا فليفعل».

قلت: أ رأيت قول الله وَ مَنْ كَفَرَ أهو في الحج؟ قال: «نعم- قال-: هو كفر النعم» و قال: «و من ترك» في خبر آخر.

1852/ [18]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله تعالى: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا؟ قال: «تخرج، و إذا لم يكن عندك تمشي».

قال: قلت: لا نقدر على ذلك. قال: «تمشي و تركب أحيانا».

قلت: لا نقدر على ذلك. قال: «تخدم قوما و تخرج معهم».

1853/ [19]-

عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. قال: «الصحة في بدنه، و القدرة في ماله».

و في رواية حفص الأعور، عنه، قال: «القوة في البدن، و اليسار في المال».

سورة آل عمران(3):آية 101 ..... ص : 666

قوله تعالى:

وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [101]

1854/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن الفضل بن العباس البغدادي بالري، المعروف أبي الحسن

__________________________________________________

16- تفسير العيّاشي 1: 192/ 114.

17- تفسير العيّاشي 1: 193/ 115.

18- تفسير العيّاشي 1: 193/ 116.

19- تفسير العيّاشي 1: 193/ 117، 118.

1- معاني الأخبار: 132/ 2.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 667

الخيوطي «1»، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سليمان بن الحارث، قال: حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار، قال: حدثنا الحسين الأشقر، قال: قلت لهشام بن الحكم: ما معنى قولكم: إن الإمام لا يكون إلا معصوما؟

فقال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك. فقال: «المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله، و قد قال الله تبارك و تعالى: وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ».

سورة آل عمران(3):آية 102 ..... ص : 667

قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [102]

1855/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن النضر، عن أبي الحسين، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ. قال: «يطاع و لا يعصى، و يذكر فلا ينسى، و يشكر فلا يكفر».

أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عنه أبيه، عن النضر بن سويد، عن أبي الحسين، عن أبي بصير، قال:

سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، مثله «2».

الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن أبي الحسين «3»، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، مثله.

«4»

1856/ [2]- ابن شهر آشوب:

عن (تفسير وكيع)، قال: حدثنا سفيان بن مرة الهمداني، عن عبد خير، قال: سألت علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ.

قال: «و الله ما عمل بها غير أهل بيت رسول الله، نحن ذكرنا الله فلا ننساه، و نحن شكرناه فلن نكفره، و نحن أطعناه فلم نعصه، فلما نزلت هذه الآية، قالت الصحابة: لا نطيق ذلك. فأنزل الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ». قال وكيع: ما أطقتم. ثم قال: وَ اسْمَعُوا ما تؤمرون به وَ أَطِيعُوا «5» يعني أطيعوا الله و رسوله و أهل بيته فيما يأمرونكم به.

__________________________________________________

1- معاني الأخبار: 240/ 1.

2- المناقب 2: 177.

(1) في المصدر: الحنوطيّ، و الصواب ما في المتن. راجع تاريخ بغداد 12: 48، أنساب السمعاني 2: 433.

(2) المحاسن: 204/ 50.

(3) في «س و ط»: عن حصين، و في المصدر: عن حسن، و الظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه. لروايته عن أبي بصير، و بقرينة السندين الأوّلين.

(4) كتاب الزهد: 17/ 37.

(5) التغابن 64: 16. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 668

1857/ [3]- العياشي: عن الحسين بن خالد، قال: قال أبو الحسن الأول (عليه السلام): «كيف تقرأ هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ماذا؟» قلت: مسلمون. فقال: «سبحان الله! يوقع عليهم الإيمان فيسميهم مؤمنين، ثم يسألهم الإسلام، و الإيمان فوق الإسلام!».

قلت: هكذا تقرأ في قراءة زيد. قال: «إنما هي في قراءة علي (عليه السلام)، و هي التنزيل الذي نزل به جبرئيل على محمد (صلى الله عليه و آله) (إلا و أنتم مسلمون) لرسول الله (صلى الله عليه و آله) ثم للإمام من بعده».

1858/

[4]- عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ.

قال: «يطاع فلا يعصى، و يذكر فلا ينسى و يشكر فلا يكفر».

1859/ [5]- عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ قال:

«منسوخة».

قلت: و ما نسخها؟ قال: «قول الله فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ «1»».

1860/ [6]- أبو علي الطبرسي، في الآية: اختلف فيها على قولين: أحدهما أنها منسوخة بقوله تعالى:

فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ «2». قال: و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام).

و الآخر أنها غير منسوخة، عن ابن عباس و طاوس.

سورة آل عمران(3):آية 103 ..... ص : 668

قوله تعالى:

وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [103] 1861/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً، قال: التوحيد و الولاية.

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 1: 193/ 119.

4- تفسير العيّاشي 1: 195/ 120.

5- تفسير العيّاشي 1: 194/ 121.

6- مجمع البيان 2: 805.

1- تفسير القمّي 1: 108.

(1) التغابن 64: 16.

(2) التغابن 64: 16.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 669

1862/ [2]- محمد بن إبراهيم النعماني- المعروف بابن زينب- قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن معمر الطبراني بطبرية سنة ثلاث و ثلاثين و ثلاثمائة- و كان هذا الرجل يوالي يزيد بن معاوية و من النصاب- قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا علي بن هاشم، و الحسن «1» بن السكن، قال: حدثنا عبد الرزاق بن همام، قال: أخبرني أبي، عن ميناء «2» مولى عبد الرحمن

بن عوف، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: و قد على رسول الله (صلى الله عليه و آله) أهل اليمن، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «جاءكم أهل اليمن يبسون بسيسا» «3» فلما دخلوا على رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: «قوم رقيقة قلوبهم، راسخ إيمانهم، منهم المنصور يخرج في سبعين ألفا ينصر خلفي و خلف وصيي، حمائل سيوفهم المسك» «4».

فقالوا: يا رسول الله، و من وصيك؟ فقال: «هو الذي أمركم الله بالاعتصام به، فقال عز و جل: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا».

فقالوا: يا رسول الله، بين لنا ما هذا الحبل؟ فقال: «هو قول الله: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ «5» فالحبل من الله كتابه، و الحبل من الناس وصيي».

فقالوا: يا رسول الله، و من وصيك؟ فقال: «هو الذي أنزل الله فيه: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ «6»».

فقالوا: يا رسول الله، و ما جنب الله هذا؟ فقال: «هو الذي يقول الله فيه: وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا «7» هو وصيي و السبيل إلي من بعدي».

فقالوا: يا رسول الله، بالذي بعثك بالحق نبيا، أرناه فقد اشتقنا إليه. فقال: «هو الذي جعله الله آية للمتوسمين «8»، فإن نظرتم إليه نظر من كان له قلب، أو ألقى السمع و هو شهيد، عرفتم أنه وصيي كما عرفتم أني نبيكم، فتخللوا الصفوف و تصفحوا الوجوه، فمن أهوت إليه قلوبكم فإنه هو، لأن الله عز و جل يقول في كتابه:

فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ «9» إليه و إلى ذريته».

ثم قال: فقام أبو عامر الأشعري في الأشعريين،

و أبو غرة الخولاني في الخولانيين، و ظبيان و عثمان بن قيس

__________________________________________________

2- الغيبة: 39/ 1.

(1) في المصدر: و الحسين، أنظر الجرح و التعديل 3: 17 و 54، و تاريخ بغداد 7: 323 و 8: 50.

(2) في «س و ط»: أخبرني مينا، و الصواب ما في المتن لرواية همّام عن ميناء مولى عبد الرحمن بن عوف، كما في تهذيب التهذيب 10: 397.

(3) بسست الناقة و أبسستها: إذا سقتها و زجرتها و قلت لها: بس بس بكسر الباء و فتحها. «النهاية- بسس- 1: 127».

(4) حمائل سيوفهم المسك: أي علائق سيوفهم الجلد.

(5) آل عمران 3: 112.

(6) الزّمر 39: 56. [.....]

(7) الفرقان 25: 27.

(8) في المصدر: للمؤمنين المتوسّمين.

(9) إبراهيم 14: 37.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 670

في بني قيس، و عرفة الدوسي في الدوسيين، و لا حق به علاقة، فتخللوا الصفوف، و تصفحوا الوجوه، و أخذوا بيد «1» الأصلع البطين، و قالوا: إلى هذا أهوت أفئدتنا يا رسول الله.

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «أنتم نخبة الله حين عرفتم وصي رسول الله قبل أن تعرفوه، فبم عرفتم أنه هو»؟

فرفعوا أصواتهم يبكون، و قالوا: يا رسول الله، نظرنا إلى القوم فلم تحن لهم [قلوبنا]، و لما رأيناه رجفت قلوبنا ثم اطمأنت نفوسنا، فانجاشت» أكبادنا، و هملت أعيننا، و تبلجت «3» صدورنا حتى كأنه لنا أب و نحن عنده بنون.

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ «4» أنتم منه «5» بالمنزلة التي سبقت لكم بها الحسنى، و أنتم عن النار مبعدون».

قال: فبقي هؤلاء القوم المسمون حتى شهدوا مع أمير المؤمنين الجمل و صفين فقتلوا بصفين (رحمهم الله)، و كان النبي

(صلى الله عليه و آله) بشرهم بالجنة و أخبرهم أنهم يستشهدون مع علي بن أبي طالب (عليه السلام).

1863/ [3]- عنه، قال: أخبرنا محمد بن همام بن سهيل، قال: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد الحسني، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحميري «6»، قال: حدثنا محمد بن زيد بن عبد الرحمن التميمي، عن الحسن بن الحسين الأنصاري، عن محمد بن الحسين، عن أبيه، عن جده، قال: قال علي بن الحسين (عليه السلام): «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) ذات يوم جالسا و معه أصحابه في المسجد، فقال: يطلع عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة يسأل عما يعنيه، فطلع عليه رجل، طوال شبيه برجال مضر، فتقدم فسلم على رسول الله (صلى الله عليه و آله) و جلس، فقال: يا رسول الله، إني سمعت الله عز و جل يقول فيما أنزل: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا فما هذا الحبل الذي أمرنا الله بالاعتصام به و ألا نتفرق عنه؟ فأطرق رسول الله (صلى الله عليه و آله) مليا ثم رفع رأسه و أشار بيده إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و قال: هذا حبل الله الذي من تمسك به عصم به في دنياه، و لم يضل به في آخرته. فوثب الرجل إلى علي (عليه السلام) فاحتضنه من وراء ظهره و هو يقول: اعتصمت بحبل الله و حبل رسوله، ثم قام فولى فخرج.

فقام رجل من الناس فقال: يا رسول الله، ألحقه فأسأله أن يستغفر الله لي؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إذن تجده موفقا. قال: فلحقه الرجل فسأله أن يستغفر الله له، فقال له: أ فهمت

ما قال لي رسول الله (صلى الله عليه و آله) و ما قلت له؟ قال: نعم. قال: فإن كنت متمسكا بذلك الحبل يغفر الله لك، و إلا فلا يغفر الله لك».

__________________________________________________

3- الغيبة: 41/ 2.

(1) في المصدر زيادة: الأنزع.

(2) الجأش: الاضطراب عند الفزع. «مجمع البحرين- جوش- 4: 132».

(3) في المصدر: و انثلجت.

(4) آل عمران 3: 7.

(5) في المصدر: أنتم منهم.

(6) الظاهر أنّ الصحيح في نسبته: الأحمري، كما في رجال النجاشي: 19، و فهرست الطوسي: 7، و عدّا من كتبه كتابا في الغيبة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 671

1864/ [4]- الشيخ في (أماليه): بالإسناد، قال: أخبرنا أبو عمر، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا جعفر بن علي ابن نجيح الكندي، قال: حدثنا حسن بن حسين، قال: حدثنا أبو حفص الصائغ- قال أبو العباس: هو عمر بن راشد أبو سليمان- عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، في قوله: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ «1» قال: «نحن من النعيم».

و في قوله: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً قال: «نحن الحبل».

1865/ [5]- السيد الرضي في (الخصائص): قال: حدثني هارون بن موسى، قال: حدثني أحمد بن محمد بن عمار «2»، قال: حدثنا أبو موسى عيسى الضرير البجلي، عن أبي الحسن (عليه السلام) في خطبة خطبها رسول الله (صلى الله عليه و آله) في مرضه، و في الخبر: «فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ادعوا لي عمي- يعني العباس (رحمه الله)- فدعي له، فحمله و علي (عليه السلام)، حتى أخرجاه، فصلى بالناس و إنه لقاعد، ثم حمل فوضع على المنبر بعد ذلك، فاجتمع لذلك جميع أهل المدينة من المهاجرين و الأنصار، حتى برزت العواتق «3» من خدورها، فبين باك و صائح و

مسترجع [و واجم ] «4» و النبي (صلى الله عليه و آله) يخطب ساعة و يسكت ساعة، و كان فيما ذكر من خطبته أن قال:

يا معاشر المهاجرين و الأنصار، و من حضر في يومي هذا و ساعتي هذه من الإنس و الجن، ليبلغ شاهدكم غائبكم، ألا إني قد خلفت فيكم كتاب الله فيه النور و الهدى، و البيان لما فرض الله تبارك و تعالى من شي ء، حجة الله عليكم و حجتي و حجة وليي، و خلفت فيكم العلم الأكبر، علم الدين و نور الهدى و ضياءه، و هو علي بن أبي طالب، ألا و هو حبل الله وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.

أيها الناس، هذا علي، من أحبه و تولاه اليوم و بعد اليوم فقد أوفى بما عاهد عليه الله، و من عاداه و أبغضه اليوم و بعد اليوم جاء يوم القيامة أصم و أعمى، لا حجة له عند الله».

1866/ [6]- و عنه في كتاب (المناقب): عن أبي المبارك بن مسرور، قال: حدثني علي بن محمد بن علي الأندركي بقراءتي عليه، قال: حدثنا أبو القاسم عيسى بن علي الموصلي، عن القاضي أبي طاهر محمد بن أحمد ابن عمرو النهاوندي قاضي البصرة (رحمه الله)، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن سليمان بن مطير، عن الحسين بن

__________________________________________________

4- الأمالي 1: 278، الصواعق المحرقة: 151، شواهد التنزيل 1: 131/ 180، ينابيع المودة: 274.

5- خصائص أمير المؤمنين: 74.

6- عنه في غاية المرام: 243/ 3، ينابيع المودة: 119.

(1) التكاثر

102: 8. [.....]

(2) في «س و ط»: بن عليّ، و الصواب ما في المتن، روى عنه هارون بن موسى بعض مصنّفاته، راجع فهرست الطوسي: 29، و معجم رجال الحديث 2: 293.

(3) العواتق: جمع عاتق: و هي الشابّة أوّل ما تدرك، و قيل: هي التي لم تبن من والديها و لم تزوّج و قد أدركت و شبّت. «النهاية 3: 179».

(4) الواجم: الذي اشتدّ حزنه حتّى أمسك عن الكلام. «مجمع البحرين- وجم- 6: 182».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 672

عبد الملك، عن أسباط، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس، قال: كنا عند رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذ جاء أعرابي، فقال: يا رسول الله، سمعتك تقول: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً فما حبل الله الذي أعتصم به؟ فضرب النبي (صلى الله عليه و آله) يده في يد علي (عليه السلام) و قال: «تمسكوا بهذا، فهذا هو الحبل المتين».

1867/ [7]- العياشي: عن ابن يزيد، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً.

قال: «علي بن أبي طالب حبل الله المتين».

1868/ [8]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «آل محمد (عليهم السلام) هم حبل الله الذي أمرنا «1» بالاعتصام به، فقال: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا».

1869/ [9]- ابن شهر آشوب: عن محمد بن علي العنبري، بإسناده عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه سأل أعرابي عن هذه الآية: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه و آله) بيد علي (عليه السلام)، و قال «2»: «يا أعرابي، هذا حبل الله فاعتصم به» فدار الأعرابي من خلف علي (عليه السلام)

و احتضنه، و قال «3»: اللهم إني أشهدك أني قد اعتصمت بحبلك. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا».

ثم قال ابن شهر آشوب: و روي نحو من ذلك عن الباقر و الصادق (عليهما السلام).

1870/ [10]- (تفسير الثعلبي): يرفعه بإسناده إلى جعفر بن محمد (عليهما السلام) في قوله تعالى: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا. قال: «نحن حبل الله الذي قال الله: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا».

1871/ [11]- علي بن إبراهيم، قال: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: وَ لا تَفَرَّقُوا.

قال: «إن الله تبارك و تعالى علم أنهم سيفترقون بعد نبيهم و يختلفون، فنهاهم عن التفرق كما نهى من كان قبلهم، فأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمد (عليهم الصلاة و السلام)، و لا يتفرقوا».

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 1: 194/ 122.

8- تفسير العيّاشي 1: 194/ 123.

9- المناقب 3: 76.

10- عنه في غاية المرام: 242/ 1، العمدة: 288/ 467، الصواعق المحرقة: 151، ينابيع المودة: 119!

11- تفسير القمّي 1: 108.

(1) في «ط»: أمر.

(2) في المصدر: رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) يده فوضعها على كتف عليّ فقال.

(3) في المصدر: علي (عليه السّلام) و التزمه ثمّ قال.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 673

1872/ [12]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ: فإنها نزلت في الأوس و الخزرج، كانت الحرب بينهم مائة سنة، لا يضعون السلاح لا بالليل، و لا بالنهار، حتى ولد عليه الأولاد، فلما بعث الله نبيه (صلى الله عليه و آله) أصلح

بينهم فدخلوا في الإسلام، و ذهبت العداوة من قلوبهم برسول الله (صلى الله عليه و آله) و صاروا إخوانا.

1873/ [13]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن محمد بن سليمان، عن أبيه «1»، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها- بمحمد- هكذا و الله نزل بها «2» جبرئيل على محمد (صلى الله عليه و آله)».

1874/ [14]- العياشي: عن محمد بن سليمان البصري الديلمي، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: «وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها بمحمد».

1875/ [15]- عن أبي الحسن علي بن محمد بن ميثم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «ابشروا بأعظم المنن عليكم، قول الله: وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها فالإنقاذ من الله «3» هبة، و الله لا يرجع من هبته».

1876/ [16]- عن ابن هارون، قال: كان أبو عبد الله (عليه السلام) إذا ذكر النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «بأبي و امي و نفسي و قومي و عترتي، عجب للعرب كيف لا تحملنا على رؤوسها! و الله يقول في كتابه: وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها فبرسول الله (صلى الله عليه و آله) و الله أنقذوا».

سورة آل عمران(3):آية 104 ..... ص : 673

قوله تعالى:

وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [104]

1877/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ:

__________________________________________________

12- تفسير القمي 1: 108.

13- الكافي 8: 183/ 208.

14-

تفسير العياشي 1: 194/ 124. [.....]

15- تفسير العياشي 1: 194/ 125.

16- تفسير العياشي 1: 194/ 126.

1- تفسير القمي 1: 108.

(1) (محمد بن سليمان، عن أبيه) ليس في المصدر، و الظاهر صحة ما في المتن لعدم إمكان روآية البرقي عن الصادق (عليه السلام) إلا مرسلا، راجع الحديث الآتي و رجال النجاشي: 365/ 987 و معجم رجال الحديث 16: 129.

(2) أي بهذا المعنى.

(3) في «س»: فالإنقاذ منها.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 674

«فهذه الآية لآل محمد (صلى الله عليه و آله) و من تابعهم يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ».

1878/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، قال:

سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: و سئل عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أ واجب هو على الامة جميعا؟

فقال: «لا».

فقيل له: و لم؟ قال: «إنما هو على القوي، المطاع، العالم بالمعروف و المنكر، لا على الضعيف الذي لا يهتدي سبيلا إلى أي من أي، يقول من الحق إلى الباطل، و الدليل على ذلك كتاب الله عز و جل، قوله: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ فهذا خاص غير عام، كما قال الله عز و جل: وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ»

و لم يقل على امة موسى، و لا على كل قومه، و هم يومئذ أمم مختلفة، و الامة واحد فصاعدا، كما قال الله عز و جل: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ «2» يقول:

مطيعا لله عز و جل و ليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لا

قوة له، و لا عذر، و لا طاعة».

قال مسعدة: و سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول، و سئل عن الحديث الذي جاء عن النبي (صلى الله عليه و آله): «إن أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر» ما معناه؟ قال: «هذا على أن يأمره بعد معرفته و هو مع ذلك يقبل منه و إلا فلا».

1879/ [3]- العياشي: عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال في قوله: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.

قال: «في هذه الآية تكفير أهل القبلة بالمعاصي، لأنه من لم يكن يدعوا إلى الخيرات و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر من المسلمين، فليس من الامة التي وصفها، لأنكم تزعمون أن جميع المسلمين من امة محمد (صلى الله عليه و آله)، قد بدت هذه الآية و قد وصفت امة محمد (صلى الله عليه و آله) بالدعاء إلى الخير و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و من لم يوجد فيه الصفة التي وصفت، بها، فكيف يكون من الامة و هو على خلاف ما شرطه الله على الامة و وصفها به؟!».

1880/ [4]- أبو علي الطبرسي: يروى عن أبي عبد الله (عليه السلام): «و لتكن منكم أئمة»: «و كنتم خير أئمة

__________________________________________________

2- الكافي 5: 59/ 16.

3- تفسير العيّاشي 1: 195/ 127.

4- مجمع البيان 2: 807.

(1) الأعراف 7: 159.

(2) النّحل 16: 120.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 675

أخرجت للناس».

سورة آل عمران(3): الآيات 106 الي 107 ..... ص : 675

قوله تعالى:

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ- إلى قوله تعالى:- فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [106- 107]

1881/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن صفوان بن يحيى، عن أبي الجارود، عن

عمران بن هيثم، عن مالك بن ضمرة، عن أبي ذر (رحمه الله)، قال: لما نزلت هذه الآية: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «ترد علي أمتي يوم القيامة على خمس رايات: فراية مع عجل هذه الامة، فأسألهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أما الأكبر فحرفناه و نبذناه وراء ظهورنا، و أما الأصغر فعاديناه و أبغضناه و ظلمناه.

فأقول: ردوا إلى النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم. ثم ترد علي راية مع فرعون هذه الامة، فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أما الأكبر فحرفناه و مزقناه و خالفناه، و أما الأصغر فعاديناه و قاتلناه. فأقول: ردوا إلى النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم. ثم ترد علي راية مع سامري هذه الامة، فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أما الأكبر فعصيناه و تركناه، و أما الأصغر فخذلناه و ضيعناه [و صنعنا به كل قبيح ]. فأقول: ردوا إلى النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم. ثم ترد علي راية ذي الثدية مع أول الخوارج و آخرهم، فأسألهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أما الأكبر فمزقناه فبرئنا منه، و أما الأصغر فقاتلناه و قتلناه. فأقول: ردوا إلى «1» النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم. ثم ترد علي راية مع إمام المتقين، و سيد الوصيين «2»، و قائد الغر المحجلين، و وصي رسول رب العالمين، فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أما الأكبر فاتبعناه و أطعناه، و أما الأصغر فأحببناه و واليناه و وازرناه و نصرناه حتى أهريقت فيهم دماؤنا. فأقول: ردوا إلى الجنة رواء مرويين، مبيضة وجوهكم» ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه و آله): يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ

وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

سورة آل عمران(3): الآيات 110 الي 112 ..... ص : 675

قوله تعالى:

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 109.

(1) (إلى) ليس في المصدر.

(2) في «ط»: المسلمين. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 676

- إلى قوله تعالى:- وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ [110- 112]

1882/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان، قال: قرئت عند أبي عبد الله (عليه السلام): كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ الآية، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «خير امة يقتلون أمير المؤمنين و الحسن و الحسين ابني علي (عليهم السلام)؟!».

فقال القارئ: جعلت فداك، كيف نزلت؟ قال: «نزلت (كنتم خير أئمة أخرجت للناس) ألا ترى مدح الله لهم تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ؟».

1883/ [2]- العياشي: عن حماد بن عيسى، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «في قراءة علي (عليه السلام) «كنتم خير أئمة أخرجت للناس»- قال-: هم آل محمد (صلى الله عليه و آله)».

1884/ [3]- أبو بصير، عنه (عليه السلام)، قال: قال: «إنما أنزلت هذه الآية على محمد (صلى الله عليه و آله) فيه و في الأوصياء خاصة، فقال: (كنتم «1» خير أئمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر) هكذا و الله نزل بها جبرئيل، و ما عنى بها إلا محمدا و أوصياءه (صلوات الله عليهم)».

1885/ [4]- عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.

قال: «يعني الامة

التي وجبت لها دعوة إبراهيم (عليه السلام)، فهم الامة التي بعث الله فيها و منها و إليها، و هم الامة الوسطى، و هم خير امة أخرجت للناس».

1886/ [5]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ: يعني بعهد من الله و عهد من رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و قد مر في تفسير قوله تعالى: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً «2» معنى الحبل من الله: كتابه، و الحبل من الناس: وصي رسول الله (صلى الله عليه و آله) وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ: الجوع.

1887/ [6]- ابن شهر آشوب: عن الباقر (عليه السلام) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ قال:

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 110.

2- تفسير العيّاشي 1: 195/ 128.

3- تفسير العيّاشي 1: 195/ 129.

4- تفسير العيّاشي 1: 195/ 130.

5- تفسير القمّي 1: 110.

6- المناقب 3: 75.

(1) في «ط»: أنتم.

(2) تقدم في الأحاديث (2- 10) من تفسير الآية (103) من سورة آل عمران.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 677

«حبل من الله: كتاب الله «1»، و حبل من الناس: علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

1888/ [7]- العياشي: عن يونس بن عبد الرحمن، عن عدة من أصحابنا، رفعوه إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ. قال: «الحبل من الله: كتاب الله، و الحبل من الناس: هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

قوله تعالى:

ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ- إلى قوله تعالى:- عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ

الْغَيْظِ [112- 119]

1889/ [1]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي: عن عثمان، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: وَ يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ. فقال: «أما و الله ما قتلوهم بالسيف، و لكن أذاعوا سرهم و أفشوا عليهم فقتلوا».

و رواه محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى، ببقية السند و المتن «2».

1890/ [2]- العياشي: عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و تلا هذه الآية: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ. قال: «و الله ما ضربوهم بأيديهم، و لا قتلوهم بأسيافهم و لكن سمعوا أحاديثهم و أسرارهم فأذاعوها فأخذوا عليها فقتلوا، فصار قتلا و اعتداء و معصية».

1891/ [3]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ ما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ: أي لن يجحدوه. ثم ضرب للكفار، و من ينفق «3» ماله في غير طاعة الله مثلا، فقال:ثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ

__________________________________________________

7- تفسير العياشي 1: 196/ 131.

1- المحاسن: 256/ 290.

2- تفسير العياشي 1: 196/ 132.

3- تفسير القمي 1: 110.

(1) (قال: حبل من الله كتاب الله) ليس في المصدر.

(2) الكافي 2: 275/ 7، و فيه: ما قتلوهم بأسيافهم. [.....]

(3) في المصدر: من أنفق.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 678

أي بردصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ

أي زرعهم ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَ لكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

.و قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ نزلت في اليهود لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا أي عداوة. و قوله تعالى: عَضُّوا عَلَيْكُمُ

الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قال: أطراف الأصابع.

سورة آل عمران(3):آية 121 ..... ص : 678

قوله تعالى:

وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [121]

1892/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سبب نزول هذه الآية أن قريشا خرجت من مكة تريد حرب رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فخرج يبتغي موضعا للقتال».

1893/ [2]- ابن شهر آشوب: في شوال غزاة احد- و هو يوم المهراس «1»- قال ابن عباس و مجاهد و قتادة و الربيع و السدي و ابن إسحاق، نزل قوله: وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ فيها، و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام).

1894/ [3]- و عنه: عن الصادق (عليه السلام) و ابن مسعود: لما قصد أبو سفيان في ثلاثة آلاف من قريش إلى النبي (صلى الله عليه و آله) و يقال: في ألفين. منهم مائتا فارس، و الباقون ركب، لهم سبعمائة درع».

سورة آل عمران(3):آية 122 ..... ص : 678

قوله تعالى:

إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا [122] 1895/ [4]- علي بن إبراهيم: نزلت في عبد الله بن أبي و قوم من أصحابه اتبعوا رأيه في ترك الخروج، و القعود عن نصرة رسول الله (صلى الله عليه و آله).

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 110.

2- المناقب 1: 191.

3- مناقب ابن شهر آشوب 1: 191.

4- تفسير القمّي 1: 110.

(1) المهراس: اسم ماء بأحد، و يوم المهراس: يوم أحد.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 679

سورة آل عمران(3):آية 123 ..... ص : 679

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [123]

1896/ [1]- علي بن إبراهيم: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ما كانوا أذلة و فيهم رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و إنما نزل: و لقد نصركم الله ببدر و أنتم ضعفاء».

و روى نحو ذلك الطبرسي في (مجمع البيان) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «1».

1897/ [2]- العياشي: عن أبي بصير، قال: قرأت عند أبي عبد الله (عليه السلام): وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ. فقال: «مه، ليس هكذا أنزلها الله إنما أنزلت: و أنتم قليل».

1898/ [3]- عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله أبي عن هذه الآية: وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ. قال: «ليس هكذا أنزله الله، ما أذل الله رسوله قط، إنما أنزلت: و أنتم قليل».

عيسى، عن صفوان، عن ابن سنان مثله.

1899/ [4]- عن ربعي بن حريز، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قرأ: «لقد نصركم الله ببدر و أنتم ضعفاء، و ما كانوا أذلة و رسول الله (صلى الله عليه و آله) فيهم».

1900/ [5]- القصة: علي بن إبراهيم، قال: و كان سبب غزوة احد أن قريشا لما رجعت

من بدر إلى مكة، و قد أصابهم ما أصابهم من القتل و الأسر لأنه قتل منهم سبعون و أسر منهم سبعون، فلما رجعوا إلى مكة، قال أبو سفيان: يا معشر قريش، لا تدعوا نساءكم يبكين على قتلاكم، فإن البكاء و الدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن و الحرقة «2» و العداوة لمحمد، و يشمت بنا محمد و أصحابه. فلما غزوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوم احد أذنوا لنسائهم بعد ذلك في البكاء و النوح.

فلما أرادوا أن يغزوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى احد ساروا في حلفائهم من كنانة و غيرها، فجمعوا الجموع و السلاح و خرجوا من مكة في ثلاثة آلاف فارس و ألفي راجل، و أخرجوا معهم النساء يذكرنهم و يحثنهم على حرب رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و أخرج أبو سفيان هند بنت عتبة، و خرجت معهم عمره بنت علقمة الحارثية.

فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه و آله) ذلك جمع أصحابه و أخبرهم أن الله قد أخبره أن قريشا قد تجمعت تريد

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 122.

2- تفسير العيّاشي 1: 196/ 133.

3- تفسير العيّاشي 196/ 134.

4- تفسير العيّاشي 1: 196/ 135.

5- تفسير القمّي 1: 110.

(1) مجمع البيان 2: 828.

(2) في «ط»: القرحة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 680

المدينة، و حث أصحابه على الجهاد و الخروج، فقال عبد الله بن أبي و قومه: يا رسول الله، لا تخرج من المدينة حتى نقاتل في أزقتها، فيقاتل الرجل الضعيف و المرأة و العبد و الأمة على أفواه السكك و على السطوح، فما أرادنا قوم قط فظفروا بنا و نحن في حصوننا و دورنا، و ما خرجنا إلى أعدائنا قط

إلا كان لهم الظفر علينا.

فقام سعد بن معاذ (رحمه الله) و غيره من الأوس، فقالوا: يا رسول الله، ما طمع فينا أحد من العرب و نحن مشركون نعبد الأصنام، فكيف يطمعون فينا و أنت فينا؟! لا، حتى نخرج إليهم فنقاتلهم، فمن قتل منا كان شهيدا، و من نجا منا كان قد جاهد في سبيل الله. فقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله) قوله، و خرج مع نفر من أصحابه يبتغون موضعا للقتال»، كما قال الله، وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ إلى قوله تعالى: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا «2» يعني عبد الله بن أبي و أصحابه، فضرب رسول الله (صلى الله عليه و آله) معسكره مما يلي طريق العراق، و قعد عنه عبد الله بن أبي و قومه و جماعة من الخزرج اتبعوا رأيه، و وافت قريش إلى أحد، و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) عد أصحابه، و كانوا سبعمائة رجل، فوضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب و أشفق أن يأتي كمينهم من ذلك المكان. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعبد الله بن جبير و أصحابه: «إن رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تخرجوا من هذا المكان، و إن رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا، و الزموا مراكزكم».

و وضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا، و قال لهم: إذا رأيتمونا قد اختلطنا بهم فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا من ورائهم. فلما أقبلت الخيل و اصطفوا، و عبأ «3» رسول الله (صلى الله عليه و آله) أصحابه، و دفع الراية

إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فحملت الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة، و وقع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) في سوادهم، و انحط خالد بن الوليد في مائتي فارس، فلقي عبد الله بن جبير، فاستقبلوهم بالسهام فرجعوا، و نظر أصحاب عبد الله بن جبير إلى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) ينهبون سواد القوم، فقالوا لعبد الله بن جبير: تقيمنا هاهنا و قد غنم أصحابنا و نبقى نحن بلا غنيمة! فقال لهم عبد الله: اتقوا الله، فإن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد تقدم إلينا أن لا نبرح، فلم يقبلوا منه، و أقبل ينسل رجل فرجل حتى أخلوا مراكزهم، و بقي عبد الله بن جبير في اثني عشر رجلا، و قد كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العدوي من بني عبد الدار، فبرز و نادى: يا محمد، تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار، و نجهزكم بأسيافنا إلى الجنة، فمن شاء أن يلحق بجنته فليبرز إلي. فبرز إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو يقول:

يا طلح إن كنت كما تقول لكم خيول و لنا نصول «4»

فاثبت لننظر أينا المقتول و أينا أولى بما تقول

__________________________________________________

(1) في المصدر: موضع القتال. [.....]

(2) آل عمران 3: 121/- 122.

(3) عبّأت الجيش: رتّبتهم في مواضعهم و هيأتهم للحرب. «مجمع البحرين- عبا- 1: 281».

(4) النّصل: حديدة السّهم و الرمح و السّكّين و السيف ما لم يكن له مقبض. «مجمع البحرين- نصل- 5: 484».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 681

فقد أتاك الأسد الصؤول «1» بصارم ليس به فلول «2»

ينصره القاهر و الرسول فقال طلحة: من أنت، يا غلام؟ قال: «أنا علي بن أبي طالب».

قال: قد علمت- يا قضيم «3»- أن لا يجسر علي أحد غيرك. فشد عليه طلحة فضربه، فاتقاه أمير المؤمنين (عليه السلام) بالجحفة «4»، ثم ضربه أمير المؤمنين (عليه السلام) على فخذيه فقطعهما جميعا، فسقط على ظهره و سقطت الراية، فذهب علي (عليه السلام) ليجهز عليه فحلفه بالرحم فانصرف عنه. فقال المسلمون: ألا أجهزت عليه! قال (عليه السلام): «قد ضربته ضربة لا يعيش منها أبدا».

ثم أخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة: فقتله علي (عليه السلام) و سقطت رايته إلى الأرض، فأخذها عثمان بن أبي طلحة، فقتله علي (عليه السلام) و سقطت الراية إلى الأرض، فأخذها مسافع بن أبي طلحة، فقتله علي (عليه السلام) و سقطت الراية إلى الأرض، فأخذها الحارث بن أبي طلحة، فقتله علي (عليه السلام) و سقطت الراية إلى الأرض، فأخذها أبو عزيز «5» بن عثمان، فقتله علي (عليه السلام) و سقطت الراية إلى الأرض، فأخذها عبد الله بن جميلة بن زهير، فقتله علي (عليه السلام) و سقطت الراية إلى الأرض. فقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) التاسع من بني عبد الدار و هو أرطاة بن شرحبيل مبارزة، فسقطت الراية إلى الأرض، فأخذها مولاهم صؤاب، فضربه أمير المؤمنين (عليه السلام) على يمينه فقطعها، و سقطت الراية إلى الأرض، فأخذها بشماله فضربه أمير المؤمنين (عليه السلام) على شماله فقطعها، و سقطت الراية إلى الأرض، فاحتضنها بيديه المقطوعتين، ثم قال: يا بني عبد الدار، هل أعذرت فيما بيني و بينكم؟ فضربه أمير المؤمنين (عليه السلام) على رأسه فقتله، و سقطت الراية إلى الأرض، فأخذتها عمرة بنت علقمة الحارثية، فقبضتها.

و انحط خالد بن الوليد على عبد الله بن جبير، و قد فر أصحابه و بقي في نفر

قليل، فقتلوهم على باب الشعب، فاستعقبوا المسلمين «6» فوضعوا فيهم السيف، و نظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت فلا ذوا بها، و أقبل خالد بن الوليد على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقتلهم، فانهزم أصحاب رسول الله هزيمة قبيحة، و أقبلوا يصعدون في الجبال و في كل وجه، فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه و آله) الهزيمة كشف البيضة عن رأسه، و قال: «إني أنا رسول الله، إلى أين تفرون عن الله و عن رسوله»؟.

1901/ [6]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه

__________________________________________________

6- تفسير القمّي 1: 114.

(1) الصؤول: الشديد الصّول. «المعجم الوسيط- صول- 1: 529».

(2) فلول السيف: هي كسور في حدّه. «مجمع البحرين- فلل- 5: 445».

(3) أنظر معناها في الحديث الآتي.

(4) الجحفة: بالتحريك التّرس، و ذلك إذا كانت من جلود و ليس فيها خشب. «مجمع البحرين- جحف- 5: 35».

(5) في المصدر: أبو عذير، و الظاهر أنّها تصحيف أبو عزيز بن عمير، انظر مغازي الواقدي 1: 308.

(6) في «ط» نسخة بدل: و استقفوا، ثمّ أتى المسلمين من أدبارهم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 682

سئل عن معنى قول طلحة بن أبي طلحة لما بارزه علي (عليه السلام): يا قضيم.

قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب فأغروا به الصبيان، و كانوا إذا خرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) يرمونه بالحجارة و التراب، فشكا ذلك إلى علي (عليه السلام)، فقال: بأبي أنت و أمي يا رسول الله، إذا خرجت فأخرجني معك. فخرج رسول الله (صلى الله عليه و

آله) و معه أمير المؤمنين (عليه السلام) فتعرض الصبيان لرسول الله (صلى الله عليه و آله) كعادتهم، فحمل عليهم أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، و كان يقضمهم في وجوههم و آنافهم و آذانهم، فكان الصبيان يرجعون باكين إلى آبائهم و يقولون: قضمنا علي، قضمنا علي، فسمي لذلك:

القضيم».

1902/ [7]- علي بن إبراهيم: و روي عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: كنت اماشي عمر بن الخطاب «1» إذ سمعت منه همهمة، فقلت له: مه، ماذا يا عمر؟ فقال: ويحك، أما ترى الهزبر «2» القضم بن القضم «3»، و الضارب بالبهم «4»، الشديد على من طغى و بغى بالسيفين و الراية؟ فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام). فقلت له: يا عمر، هو علي بن أبي طالب. فقال: ادن مني حتى أحدثك من شجاعته و بطولته: بايعنا النبي (صلى الله عليه و آله) يوم احد على أن لا نفر، و من فر منا فهو ضال، و من قتل منا فهو شهيد، و النبي زعيمه، إذ حمل علينا مائة صنديد تحت كل صنديد مائة رجل أو يزيدون، فأزعجونا عن طاحونتنا «5»، فرأيت علينا كالليث يتقي الذر، إذا حمل كفا من حصى فرمى به في وجوهنا، ثم قال: «شاهت الوجوه و قطعت «6» و بطت «7» و لطت «8»، إلى أين تفرون، إلى النار؟!» فلم نرجع، ثم كر علينا الثانية و بيده صفيحة «9» يقطر منها الموت، فقال: «بايعتم ثم نكثتم، فو الله لأنتم أولى بالقتل ممن أقتل» فنظرت إلى عينيه كأنهما سليطان «10» يتوقدان نارا، أو كالقدحين المملوءين دما، فما ظننت إلا و يأتي علينا كلنا، فبادرت أنا إليه من بين أصحابي، فقلت: يا أبا الحسن،

الله الله، فإن العرب تكر و تفر، فإن الكرة تنفي الفرة.

__________________________________________________

7- تفسير القمّي 1: 114.

(1) في المصدر: أماشي فلانا، و كذا في الموارد الآتية.

(2) الهزبر: من أسماء الأسد. «لسان العرب- هزر- 5: 263».

(3) في «ط»: القضيم بن القضيم، و القضم: الذي يقضم الناس فيهلكهم. «النهاية 4: 78». [.....]

(4) قال المجلسي: البهم: جمع بهمة، و هي الحيلة الشديدة، و الشجاع الذي لا يدرى من أين يؤتى، و الصخرة، و الجيش، و الأنسب هنا الأوّل و الآخر. «بحار الأنوار 20: 67».

(5) قال المجلسي: الطاحونة استعيرت هنا لمجتمع القوم و مستقرّهم. «بحار الأنوار 20: 67» و في المصدر: طحونتنا، و الطحون: الكتيبة العظيمة.

«القاموس المحيط- طحن- 4: 247».

(6) قطّت: قطعت عرضا.

(7) بطّت: شقّت.

(8) لطّت: منعت حقها.

(9) الصفيحة: السيف العريض.

(10) السّلط: ما يضاء به و من هذا قيل للزيت: سلط. «لسان العرب سلط- 7: 321».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 683

فكأنه استحيا فولى وجهه عني، فما زلت اسكن روعة فؤادي، فو الله ما خرج ذلك الرعب من قلبي حتى الساعة.

و لم يبق مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلا أبو دجانة الأنصاري سماك بن خرشة و أمير المؤمنين (عليه السلام)، و كلما حملت طائفة على رسول الله (صلى الله عليه و آله) استقبلهم أمير المؤمنين (عليه السلام) فيدفعهم عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) و يقتلهم حتى انقطع سيفه، و بقيت مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) نسيبة بنت كعب المازنية، و كانت تخرج مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) في غزواته تداوي الجرحى، و كان ابنها معها فأراد أن ينهزم و يتراجع، فحملت عليه، فقالت: يا بني، إلى أين تفر عن

الله و عن رسوله؟! فردته، فحمل عليه رجل فقتله، فأخذت سʙ`ابنها فحملت على الرجل فضربته على فخذه فقتلته، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «بارك الله عليك يا نسيبة» و كانت تقي رسول الله بصدرها و ثدييها و يديها حتى أصابتها جراحات كثيرة.

و حمل ابن قميئة على رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قال: أروني محمدا لا نجوت إن نجا. فضربه على حبل عاتقه، و نادى: قتلت محمدا و اللات و العزى. و نظر رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى رجل من المهاجرين قد ألقى ترسه خلف ظهره و هو في الهزيمة، فناداه: «يا صاحب الترس، ألق ترسك و سر «1» إلى النار» فرمى بترسه، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «يا نسيبة، خذي الترس» فأخذت الترس و كانت تقاتل المشركين، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

«لمقام نسيبة أفضل من مقام فلان و فلان و فلان».

فلما انقطع سيف أمير المؤمنين (عليه السلام) جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال: «يا رسول الله، إن الرجل يقاتل بالسلاح، و قد انقطع سيفي» فدفع إليه رسول الله (صلى الله عليه و آله) سيفه ذا الفقار، فقال: «قاتل بهذا» و لم يكن يحمل على رسول الله (صلى الله عليه و آله) أحد إلا و يستقبله أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإذا رأوه رجعوا، فانحاز رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى ناحية احد فوقف، و كان القتال من وجه واحد، و قد انهزم أصحابه، فلم يزل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يقاتلهم حتى أصابته في وجهه و رأسه و صدره و بطنه و يديه و رجليه

تسعون جراحة، فتحاموه و سمعوا مناديا ينادي من السماء:

لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي

فنزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال: هذه و الله المواساة يا محمد. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

«لأني منه و هو مني» فقال جبرئيل: و أنا منكما.

و كانت هند بنت عتبة في وسط العسكر، فكلما انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلا و مكحلة، و قالت له:

إنما أنت امرأة فاكتحل بهذا.

و كان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم فإذا رأوه انهزموا، و لم يثبت له أحد، و كانت هند بنت عتبة قد أعطت وحشيا عهدا: لئن قتلت محمدا أو عليا أو حمزة لأعطينك رضاك. و كان وحشي عبدا لجبير بن مطعم، حبشيا، فقال وحشي: أما محمد فلا أقدر عليه، و أما علي فرأيته رجلا حذرا كثير الالتفات، فلم أطمع فيه، فكمنت

__________________________________________________

(1) في المصدر: و مرّ.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 684

لحمزة، فرأيته يهد الناس هدا، فمر بي فوطئ على جرف نهر فسقط، فأخذت حربتي فهززتها، و رميته فوقعت في خاصرته، فخرجت من مثانته مغمسة بالدم، فسقط، فأتيته فشققت بطنه و أخذت كبده، و أتيت بها إلى هند، فقلت لها: هذه كبد حمزة. فأخذتها في فيها فلاكتها، فجعلها الله في فيها مثل الداغصة «1» فلفظتها و رمت بها، فبعث الله ملكا فحملها و ردها إلى موضعها- قال أبو عبد الله (عليه السلام): «أبى الله أن يدخل شيئا من بدن حمزة النار»- فجاءت إليه هند فقطعت مذاكيره، و قطعت أذنيه و جعلتهما خرصين و شدتهما في عنقها، و قطعت يديه و رجليه.

و تراجع الناس، فصارت قريش على الجبل، فقال أبو سفيان و

هو على الجبل: اعل هبل. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لأمير المؤمنين: «قل له: الله أعلى و أجل». فقال: يا علي إنه قد أنعم علينا «2». فقال علي (عليه السلام):

«بل الله أنعم علينا».

ثم قال أبو سفيان: يا علي، أسألك باللات و العزى، هل قتل محمد؟ فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): «لعنك الله، و لعن اللات و العزى معك، و الله ما قتل محمد، و هو يسمع كلامك». فقال: أنت أصدق، لعن الله ابن قميئة، زعم أنه قتل محمدا.

و كان عمرو بن قيس «3» قد تأخر إسلامه، فلما بلغه أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) في الحرب أخذ سيفه و ترسه و أقبل كالليث العادي، يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله. ثم خالط القوم فاستشهد، فمر به رجل من الأنصار فرآه صريعا بين القتلى، فقال: يا عمرو، أنت على دينك الأول؟ فقال: لا و الله «4»، إني أشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله. ثم مات، فقال رجل من أصحاب رسول الله: يا رسول الله، إن عمرو بن قيس قد أسلم و قتل، فهو شهيد؟ فقال: «إي و الله شهيد، ما رجل لم يصل لله ركعة و دخل الجنة غيره».

و كان حنظلة بن أبي عامر رجل من الخزرج، قد تزوج في تلك الليلة التي كانت صبيحتها حرب احد، بنت عبد الله بن أبي سلول، و دخل بها في تلك الليلة، و استأذن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يقيم عندها، فأنزل الله:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى

يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ «5» فأذن له رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و هذه الآية في سورة النور، و أخبار احد في سورة آل عمران، فهذا دليل على أن التأليف على خلاف ما أنزل الله.

__________________________________________________

(1) الدّاغصة: العظم المدوّر المتحرّك في رأس الرّكبة، «المعجم الوسيط- دغص- 1: 287».

(2) كان الرجل من قريش إذا أراد ابتداء أمر، عمد إلى سهمين، فكتب على أحدهما: نعم، و على الآخر: لا، ثمّ يتقدّم إلى الصّنم و يجيل سهامه، فإن خرج سهم نعم أقدم، و إن خرج سهم لا امتنع، و كان أبو سفيان لمّا أراد الخروج إلى أحد استفتى هبل، فخرج له سهم الإنعام «النهاية 3:

294» و لعلّه المراد بقوله: أنعم علينا.

(3) الظاهر أنّه عمرو بن ثابت بن وقش. انظر أسد الغابة 4: 90.

(4) في المصدر: فقال معاذ اللّه.

(5) النور 24: 62.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 685

فدخل حنظلة بأهله و واقع عليها، فأصبح و خرج و هو جنب، فحضر القتال فبعثت امرأته إلى أربعة نفر من الأنصار، لما أراد حنظلة أن يخرج من عندها، و أشهدت عليه أنه قد واقعها، فقيل لها: لم فعلت ذلك؟

قال: رأيت في هذه الليلة في نومي كأن السماء قد انفرجت فرفع فيها حنظلة، ثم انضمت، فعلمت أنها الشهادة، فكرهت أن لا اشهد عليه. فحملت منه.

فلما حضر حنظلة القتال نظر إلى أبي سفيان على فرس يجول بين الصفين «1»، فحمل عليه فضرب عرقوب «2»، فرسه، فاكتسعت «3» الفرس، و سقط أبو سفيان إلى الأرض، و صاح: يا معشر قريش، أنا أبو سفيان و هذا حنظلة يريد قتلي. و عدا

أبو سفيان، و مر حنظلة في طلبه، فعرض له رجل من المشركين فطعنه، فمشى إلى المشرك في طعنته فضربه فقتله، و سقط حنظلة إلى الأرض بين حمزة و عمرو بن الجموح و عبد الله بن حزام و جماعة من الأنصار، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «رأيت الملائكة تغسل حنظلة بين السماء و الأرض، بماء المزن في صحاف «4» من ذهب». فكان يسمى غسيل الملائكة.

1903/ [1]- أبو علي الطبرسي، قال أبو عبد الله (عليه السلام): «نظر رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى جبرئيل بين السماء و الأرض على كرسي من ذهب، و هو يقول:

لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي».

سورة آل عمران(3):آية 125 ..... ص : 685

قوله تعالى:

يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [125]

1904/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن أبي همام «5»، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: مُسَوِّمِينَ. قال: «العمائم، اعتم رسول الله (صلى الله عليه و آله) فسدلها من بين يديه و من خلفه، و أعتم جبرئيل (عليه السلام) فسدلها من بين يديه و من خلفه».

1905/ [3]- عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن جابر، عن

__________________________________________________

1- مجمع البيان 2: 826 مناقب ابن المغازلي: 197/ 234، ذخائر العقبى: 74 الرياض النضرة 3: 155 ينابيع المودة: 209. [.....]

2- الكافي 6: 460/ 2.

3- الكافي 6: 461/ 3.

(1) في المصدر: العسكرين.

(2) العرقوب: الوتر الذي خلف الكعبين بين مفصل القدم و الساق من ذوات الأربع، و هو في الإنسان فويق العقب. «النهاية 3: 221».

(3) أي سقطت من ناحية مؤخّرها رومت به. «النهاية 4: 173».

(4)

في «س»: و الأرض على كرسيّ. و الصحاف: جمع صحفة، القصعة. و في «ط» و المصدر: صحائف.

(5) و هو إسماعيل بن همّام بن عبد الرحمن البصري، مولى كندة، يكنّى أبا همّام، ثقة، راجع الحديث الرابع و رجال النجاشي: 30/ 62.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 686

أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر».

1906/ [3]- العياشي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر».

1907/ [4]- عن إسماعيل بن همام، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في قول الله: مُسَوِّمِينَ. قال: «العمائم، اعتم رسول الله (صلى الله عليه و آله) فسدلها من بين يديه و من خلفه».

1908/ [5]- عن ضريس بن عبد الملك، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن الملائكة الذين نصروا محمدا (صلى الله عليه و آله) يوم بدر في الأرض ما صعدوا بعد و لا يصعدون حتى ينصروا صاحب هذا الأمر، و هم خمسة آلاف».

سورة آل عمران(3):آية 128 ..... ص : 686

قوله تعالى:

لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ [128]

1909/ [1]- الشيخ المفيد في (الاختصاص): عن محمد بن خالد الطيالسي، و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن المنخل بن جميل، عن جابر بن يزيد، قال: تلوت على أبي جعفر (عليه السلام) هذه الآية من قول الله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ ءٌ.

قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) حرص أن يكون علي (عليه السلام) ولي الأمر من بعده، و ذلك الذي عنى الله لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ ءٌ و كيف لا يكون له من الأمر شي ء و قد فوض إليه فقال: ما أحل

النبي فهو حلالت، و ما حرم النبي فهو حرام؟».

1910/ [2]- العياشي: عن جابر الجعفي، قال: قرأت عند أبي جعفر (عليه السلام) قول الله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ ءٌ.

قال: «بلى و الله، إن له من الأمر شيئا و شيئا و شيئا، و ليس حيث ذهبت، و لكني أخبرك أن الله تبارك و تعالى لما أمر نبيه (صلى الله عليه و آله) أن يظهر ولاية علي (عليه السلام) فكر في عداوة قومه له، و معرفته بهم. و ذلك الذي فضله الله

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 1: 196/ 136.

4- تفسير العيّاشي 1: 196/ 137.

5- تفسير العيّاشي 1: 197/ 138.

1- الاختصاص: 332.

2- تفسير العيّاشي 1: 197/ 139.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 687

به عليهم في جميع خصاله: كان أول من آمن برسول الله (صلى الله عليه و آله) و بمن أرسله، و كان أنصر الناس لله تعالى و لرسوله (صلى الله عليه و آله)، و أقتلهم لعدوهما، و أشدهم بغضا لمن خالفهما، و فضل علمه الذي لم يساوره أحد، و مناقبه التي لا تحصى شرفا.

فلما فكر النبي (صلى الله عليه و آله) في عداوة قومه له في هذه الخصال، و حسدهم له عليها ضاق عن ذلك، فأخبر الله تعالى أنه ليس له من هذا الأمر شي ء، إنما الأمر فيه إلى الله أن يصير عليا (عليه السلام) وصيه و ولي الأمر بعده، فهذا عني الله، و كيف لا يكون له من الأمر شي ء، و قد فوض الله إليه أن جعل ما أحل فهو حلال، و ما حرم فهو حرام، قوله: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا؟» «1».

1911/ [3]- عن جابر، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قوله لنبيه

(صلى الله عليه و آله): لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ ءٌ فسره لي؟

قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): «لشي ء قاله الله، و لشي ء أراده الله، يا جابر، إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان حريصا على أن يكون علي (عليه السلام) من بعده على الناس، و كان عند الله خلاف ما أراد رسول الله (صلى الله عليه و آله) «2».

قال: قلت له: فما معنى ذلك؟

قال: «نعم، عنى بذلك قول الله لرسوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ ءٌ يا محمد، في علي (عليه السلام) «3» و في غيره، ألم أتل عليك يا محمد، فيما أنزلت من كتابي إليك الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ إلى قوله: فَلَيَعْلَمَنَّ «4»- قال-: فوض رسول الله (صلى الله عليه و آله) الأمر إليه».

1912/ [4]- عن الجرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قرأ: «ليس لك من الأمر شي ء أن يتوب عليهم أو يعذبهم «5» فإنهم ظالمون».

سورة آل عمران(3):آية 133 ..... ص : 687

قوله تعالى:

وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [133]

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 1: 197/ 140.

4- تفسير العيّاشي 1: 198/ 141. [.....]

(1) الحشر 59: 7.

(2) أي كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) حريصا على أن تقع خلافته بعده بلا فصل كما أمره اللّه تعالى تشريعا في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ... المائدة 5: 67، و كان عند اللّه تعالى خلاف ذلك حيث إنّه علم بأنها ستغصب منه و أنّ الامّة تفتن بعده (صلى اللّه عليه و آله) بدليل الآية الكريمة التي في ذيل الحديث.

(3) في المصدر زيادة: الأمر إليّ في عليّ.

(4) العنكبوت 29: 1- 3.

(5)

في «س»: أن تتوب عليهم أو تعذّبهم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 688

1913/ [1]- العياشي: عن داود بن سرحان، عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ. قال: «إذا وضعوها «1» كذا» و بسط يديه إحداهما مع الأخرى.

1914/ [2]- ابن شهر آشوب في (المناقب): قال في تفسير يوسف القطان، عن وكيع، عن الثوري، عن السدي، قال: كنت عند عمر بن الخطاب إذ أقبل عليه كعب بن الأشرف و مالك بن الصيف «2» و حيي بن أخطب، فقالوا: إن في كتابكم جنة عرضها السماوات و الأرض، إذا كانت سعة جنة واحدة كسبع سماوات و سبع أرضين، فالجنان كلها يوم القيامة أين تكون؟ فقال عمر: لا أدري «3».

فبينما هم في ذلك إذ دخل علي (عليه السلام) فقال: «في أي شي ء أنتم»؟ فألقى اليهودي «4» المسألة عليه.

فقال (عليه السلام) لهم: «خبروني أن النهار إذا أقبل الليل أين يكون [و الليل إذا أقبل النهار أين يكون ]؟» قالوا له: في علم الله تعالى يكون. فقال علي (عليه السلام): «كذلك الجنان تكون في علم الله تعالى» فجاء علي (عليه السلام). إلى النبي (صلى الله عليه و آله) و أخبره بذلك، فنزل فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ «5».

1915/ [3]- ابن الفارسي في (روضة الواعظين) قال: سئل أنس بن مالك، فقيل له: يا أبا حمزة، الجنة في الأرض أم في السماء؟ قال: و أي الأرض تسع الجنة، و أي سماء تسع الجنة، قيل: فأين هي؟ قال: فوق السماء السابعة تحت العرش.

سورة آل عمران(3):آية 134 ..... ص : 688

قوله تعالى:

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعافِينَ

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1:

198/ 142.

2- المناقب 2: 352.

3- روضة الواعظين: 505.

(1) في «ط»: و صفوها.

(2) في المصدر: الصيفي.

(3) في المصدر: لا أعلم.

(4) في المصدر: فالتفت اليهودي و ذكر.

(5) النّحل 16: 43، الأنبياء 21: 7.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 689

عَنِ النَّاسِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [134]

1916/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه «1»، عن بعض أصحابه، عن مالك بن حصين السكوني، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ما من عبد كظم غيظا إلا زاده الله عز و جل عزا في الدنيا و الآخرة، و قال الله عز و جل: وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [و أثابه الله مكان غيظه ذلك ]».

1917/ [2]- المفيد في (إرشاده)، قال: أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد، قال: حدثني جدي، قال:

حدثني محمد بن جعفر و غيره، قالوا: وقف على علي بن الحسين (عليهما السلام) رجل من أهل بيته، فأسمعه و شتمه، فلم يكلمه، فلما انصرف قال لجلسائه: «قد سمعتم ما قال هذا الرجل، و أنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا ردي عليه». قال: فقالوا له: نفعل، و لقد كنا نحب أن تقول له و نقول.

قال: فأخذ نعليه و مشى و هو يقول: وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فعلمنا أنه لا يقول شيئا. قال: فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ به، فقال: «قولوا له: هذا علي بن الحسين» قال:

فخرج إلينا متوثبا للشر، و هو لا يشك أنه إنما جاء مكافئا له على بعض ما كان منه، فقال له علي بن الحسين (عليهما السلام): «يا أخي، إنك كنت وقعت علي آنفا و قلت، فإن كنت قد قلت

ما في فإني استغفر الله منه، و إن كنت قلت ما ليس في فغفر الله لك» قال: فقبل الرجل بين عينيه، و قال: بل قلت فيك ما ليس فيك، و أنا أحق به.

قال الراوي للحديث: و الرجل هو الحسن بن الحسن.

1918/ [3]- عنه، قال: أخبرني الحسن بن محمد، عن جده، قال: حدثني شيخ من أهل اليمن، قد أتت عليه بضع و سبعون «2» سنة، قال: أخبرني رجل يقال له: عبد الله «3» بن محمد، قال: سمعت عبد الرزاق يقول: جعلت فداك، جارية لعلي بن الحسين (عليهما السلام)، تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة، فنعست «4» فسقط الإبريق من يد الجارية فشجه، فرفع رأسه إليها، فقالت له الجارية: إن الله تعالى يقول: وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ قال: «قد كظمت غيظي» قالت: وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ قال لها: «عفا الله عنك» قالت: وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ قال: «اذهبي فأنت حرة لوجه الله».

__________________________________________________

1- الكافي 2: 89/ 5. [.....]

2- الإرشاد: 257.

3- الإرشاد 257.

(1) (عن أبيه) ليس في المصدر. انظر معجم رجال الحديث 14: 166.

(2) في المصدر: و تسعون.

(3) في المصدر: عبيد اللّه، تصحيف، و هو الحافظ عبد اللّه بن محمّد بن عبد اللّه الجعفي المسندي، شيخ البخاري و أستاذه، روى عن عبد الرزّاق. سير أعلام النبلاء 10: 658.

(4) في المصدر: فتعبت.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 690

سورة آل عمران(3): الآيات 135 الي 136 ..... ص : 690

قوله تعالى:

وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ- إلى قوله تعالى- وَ نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ [135- 136]

1919/ [1]- محمد بن يعقوب: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن

عمرو ابن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ.

قال: «الإصرار هو أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله، و لا يحدث نفسه بتوبة، فذلك الإصرار».

1920/ [2]- عنه، قال: حدثني علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن حفص بن المؤذن، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «1»- في حديث طويل- قال يعظ أصحابه: «و إياكم و الإصرار على شي ء مما حرم الله تعالى في ظهر القرآن و بطنه، و قد قال الله تعالى: وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ «2» يعني المؤمنين قبلكم، إذا نسوا شيئا مما اشترط الله في كتابه عرفوا أنهم قد عصوا في تركهم ذلك الشي ء، فاستغفروا و لم يعودوا إلى تركه، فذلك معنى قول الله: وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ».

1921/ [3]- العياشي: عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «رحم الله عبدا لم يرض من نفسه أن يكون إبليس نظيرا له في دينه، و في كتاب الله نجاة من الردى، و بصيرة من العمى، و دليل إلى الهدى، و شفاء لما في الصدور فيما أمركم الله تعالى به من الاستغفار و التوبة، قال الله: وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ و قال:

وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ

اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً «3» فهذا ما أمر الله به من الاستغفار، و اشترط معه بالتوبة و الإقلاع عما حرم الله، فإنه يقول: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ «4»

__________________________________________________

1- الكافي 2: 219/ 2.

2- الكافي 8: 10/ 1.

3- تفسير العيّاشي 1: 198/ 143.

(1) في المصدر زيادة: قال: و حدثني الحسن بن محمّد، عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، عن القاسم بن الربيع الصّحّاف، عن إسماعيل بن مخلّد السّرّاج، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام).

(2) في المصدر زيادة: إلى ها هنا رواية القاسم بن الربيع.

(3) النّساء 4: 110.

(4) فاطر 35: 10.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 691

و هذه الآية تدل على أن الاستغفار لا يرفعه إلى الله تعالى إلا العمل الصالح و التوبة».

1922/ [4]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله: وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ.

قال: «الإصرار أن يذنب العبد و لا يستغفر الله، و لا يحدث نفسه بالتوبة، فذلك الإصرار».

الشيخ ورام: عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله تبارك و تعالى: وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ مثله «1».

1923/ [5]- ابن بابويه، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي، عن علي بن معبد، عن علي بن سليمان النوفلي، عن فطر بن خليفة، عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: «لما نزلت هذه الآية: وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ صعد إبليس جبلا بمكة، يقال له: ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه، فقالوا: يا

سيدنا، لم تدعونا «2»؟! قال: نزلت هذه الآية، فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين، فقال: أنا لها بكذا و كذا. فقال: لست لها.

فقام آخر فقال مثل ذلك، فقال: لست لها. فقال الوسواس الخناس: أنا لها. فقال: بماذا؟ قال: أعدهم و أمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار. فقال: أنت لها. فوكله بها إلى يوم القيامة».

1924/ [6]- عنه، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رحمه الله)، قال: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني، قال: أخبرنا أحمد بن صالح بن سعد التميمي، قال: حدثنا موسى بن داود، قال: حدثنا الوليد بن هشام، قال: حدثنا هشام بن حسان، عن الحسن بن أبي الحسن «3» البصري، عن عبد الرحمن بن تميم الدوسي، قال: دخل معاذ بن جبل على رسول الله (صلى الله عليه و آله) باكيا، فسلم فرد عليه السلام، ثم قال: «ما يبكيك، يا معاذ»؟

فقال: يا رسول الله، إن بالباب شابا طري الجسد، نقي اللون، حسن الصورة، يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها، يريد الدخول عليك.

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «أدخل علي الشاب، يا معاذ» فأدخله عليه، فسلم، فرد عليه السلام، فقال: «ما يبكيك، يا شاب»؟ فقال: و كيف لا أبكي و قد ركبت ذنوبا إن أخذني الله عز و جل ببعضها أدخلني نار جهنم، و لا أراني إلا سيأخذني بها، و لا يغفرها لي أبدا.

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 1: 198/ 144. [.....]

5- الأمالي: 376/ 5.

6- الأمالي: 45/ 3.

(1) مجموعة ورام 1: 18.

(2) في المصدر: دعوتنا.

(3) في «س و ط»: الحسن بن الحسن، و الصواب ما في المتن، روى عنه هشام بن حسّان، راجع تهذيب الكمال 6: 95- 126، سير أعلام النبلاء 4:

563- 588.

البرهان

في تفسير القرآن، ج 1، ص: 692

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «هل أشركت بالله شيئا»؟ قال: أعوذ بالله أن أشرك بربي شيئا.

قال: «أقتلت النفس التي حرم الله»؟ قال: لا.

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «يغفر الله لك ذنوبك، و إن كانت مثل الجبال الرواسي» قال الشاب: فإنها أعظم من الجبال الرواسي.

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «يغفر الله لك ذنوبك، و إن كانت مثل الأرضين السبع، و بحارها، و رمالها، و أشجارها، و ما فيها من الخلق» قال: فإنها أعظم من الأرضين و بحارها و رمالها و أشجارها و ما فيها من الخلق «1».

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «يغفر الله لك ذنوبك، و إن كانت مثل السماوات و نجومها، و مثل العرش و الكرسي» قال: فإنها أعظم من ذلك.

فنظر النبي (صلى الله عليه و آله) كهيئة الغضبان، ثم قال: «ويحك يا شاب، ذنوبك أعظم من ربك»؟ فخر الشاب على وجهه، و هو يقول: سبحان الله ربي، ما من شي ء أعظم من ربي، ربي أعظم يا نبي الله، الله أعظم من كل عظيم.

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم»؟ فقال الشاب: لا و الله، يا رسول الله. ثم سكت الشاب. فقال له النبي (صلى الله عليه و آله): «ويحك- يا شاب- ألا تخبرني بذنب واحد من نوبك»؟.

قال: بلى، أخبرك، أني كنت أنبش القبور سبع سنين، أخرج الأموات و أنزع الأكفان، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار، فلما حملت إلى قبرها و دفنت، و انصرف عنها أهلها، و جن عليهم الليل، أتيت قبرها فنبشتها، ثم استخرجتها و نزعت ما كان عليها من أكفانها، و

تركتها مجردة على شفير قبرها و مضيت منصرفا، فأتاني الشيطان فأقبل يزينها لي، و يقول: أما ترى بطنها و بياضها، أما ترى وركيها؟! فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها، و لم أملك نفسي حتى جامعتها و تركتها مكانها، فإذا أنا بصوت من ورائي، يقول: يا شاب، ويل لك من ديان يوم الدين، يوم يقفني و إياك كما تركتني عريانة في عسكر الموتى «2»، و نزعتني من حفرتي و سلبتني أكفاني، و تركتني أقوم جنبة إلى حسابي، فويل لشبابك من النار. فما أظن أني أشم رائحة الجنة أبدا، فما ترى لي، يا رسول الله؟

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «تنح عني يا فاسق، إني أخاف أن أحترق بنارك، فما أقربك من النار!».

ثم لم يزل (صلى الله عليه و آله) يقول و يشير إليه حتى أمعن من بين يديه فذهب، فأتى المدينة فتزود منها، ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها، و لبس مسحا، و غل يديه جميعا إلى عنقه، و نادى: يا رب، هذا عبدك بهلول، بين يديك مغلول، يا رب أنت الذي تعرفني، و زل مني ما تعلم يا سيدي، يا رب، إني أصبحت من النادمين، و أتيت نبيك تائبا فطردني و زادني خوفا، فأسألك باسمك و جلالك و عظمة سلطانك أن لا تخيب رجائي، سيدي و لا تبطل دعائي و لا تقنطني من رحمتك. فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما و ليلة، تبكي له السباع و الوحوش، فلما تم له أربعون يوما و ليلة رفع يديه إلى السماء، و قال: اللهم ما فعلت في حاجتي؟ إن كنت استجبت دعائي، و غفرت خطيئتي، فأوح

__________________________________________________

(1) (قال فإنّها أعظم من الأرضين ... الخلق) ليس في

المصدر.

(2) في المصدر: عساكر الموت.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 693

إلى نبيك، و إن لم تستجب دعائي، و لم تغفر لي خطيئتي، و أردت عقوبتي، فعجل بنار تحرقني أو عقوبة في الدنيا تهلكني، و خلصني من فضيحة يوم القيامة. فأنزل الله تبارك و تعالى على نبيه (صلى الله عليه و آله): وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً يعني الزنا أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا، و نبش القبور، و أخذ الأكفان ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ يقول: خافوا الله فعجلوا التوبة وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ يقول الله عز و جل: أتاك عبدي- يا محمد- تائبا فطردته، فأين يذهب، و إلى من يقصد، و من يسأل أن يغفر له ذنبا غيري؟! ثم قال عز و جل: وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ يقول: لم يقيموا على الزنا، و نبش القبور، و أخذ الأكفان أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ.

فلما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه و آله) خرج و هو يتلوها و يتبسم «1». فقال لأصحابه: «من يدلني على ذلك الشاب»؟ فقال معاذ: يا رسول الله، بلغنا أنه في موضع كذا و كذا. فمضى رسول الله (صلى الله عليه و آله) بأصحابه حتى انتهوا إلى ذلك الجبل، فصعدوا إليه يطلبون الشاب، فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين، مغلولة يداه إلى عنقه، قد اسود وجهه، و تساقطت أشفار عينيه من البكاء، و هو يقول: سيدي، قد أحسنت خلقي و أحسنت صورتي، فليت شعري ما ذا تريد بي، أفي النار تحرقني أم في جوارك تسكنني؟

اللهم إنك قد أكثرت

الإحسان إلي و أنعمت علي، فليت شعري ماذا يكون آخر أمري، إلى الجنة تزفني، أم إلى النار تسوقني؟ اللهم إن خطيئتي أعظم من السماوات و الأرضين، و من كرسيك الواسع، و عرشك العظيم، فليت شعري تغفر خطيئتي، أم تفضحني بها يوم القيامة؟

فلم يزل يقول نحو هذا و هو يبكي و يحثو التراب على رأسه، و قد أحاطت به السباع، و صفت فوقه الطير و هم يبكون لبكائه، فدنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فأطلق يديه من عنقه، و نفض التراب عن رأسه، و قال: «يا بهلول، أبشر فإنك عتيق الله من النار» ثم قال (عليه السلام) لأصحابه: «هكذا تداركوا الذنوب، كما تداركها بهلول» ثم تلا عليه ما أنزل الله عز و جل فيه، و بشره بالجنة.

سورة آل عمران(3):آية 140 ..... ص : 693

قوله تعالى:

إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [140]

__________________________________________________

(1) في «ط»: يتلوها في تبسّم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 694

1925/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: و تآمرت قريش على أن يرجعوا و يغيروا «1» على المدينة، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أي رجل يأتينا بخبر القوم» فلم يجبه أحد، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أنا آتيك بخبرهم» قال:

«اذهب، فإن كانوا ركبوا الخيل و جنبوا الإبل فإنهم يريدون المدينة، و الله لئن أرادوا المدينة لأنازلن «2» الله فيهم، و إن كانوا ركبوا الإبل و جنبوا الخيل فإنهم يريدون مكة».

فمضى أمير المؤمنين (عليه السلام) على ما به من الألم و الجراحات حتى كان قريبا من القوم، فرآهم قد ركبوا الإبل و جنبوا الخيل، فرجع أمير

المؤمنين (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فأخبره، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أرادوا مكة».

فلما دخل رسول الله (صلى الله عليه و آله) المدينة نزل عليه جبرئيل (عليه السلام)، فقال: يا محمد، إن الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم و لا يخرج معك إلا من كانت به جراحة. فأمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) مناديا ينادي: يا معشر المهاجرين و الأنصار، من كانت به جراحة فليخرج، و من لم يكن به جراحة فليقم. فأقبلوا يضمدون جراحاتهم و يداوونها، فأنزل الله على نبيه (صلى الله عليه و آله): وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ «3» و هذه الآية في سورة النساء، و يجب أن تكون في هذه السورة.

قال الله عز و جل: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ فخرجوا على ما بهم من الألم و الجراح، فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه و آله) بحمراء الأسد «4»، و قريش قد نزلت الروحاء، قال عكرمة بن أبي جهل، و الحارث بن هشام، و عمرو بن العاص، و خالد بن الوليد: نرجع فنغير على المدينة، فقد قتلنا سراتهم «5» و كبشهم «6»- يعنون حمزة- فوافاهم رجل خرج من المدينة فسألوه الخبر، فقال: تركت محمدا و أصحابه بحمراء الأسد يطلبونكم أجد الطلب. فقال أبو سفيان: هكذا النكد و البغي، قد ظفرنا بالقوم و بغينا، و الله ما أفلح قوم قط بغوا.

فوافاهم نعيم بن مسعود الأشجعي، فقال أبو

سفيان: أين تريد؟ قال: المدينة، لأمتار «7» لأهلي طعاما. قال:

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 124.

(1) (و يغيروا) ليس في المصدر.

(2) في المصدر: لا يأذن.

(3) النّساء 4: 104.

(4) حمراء الأسد: موضع على ثمانية أميال من المدينة. «معجم البلدان 2: 301».

(5) أي أشرافهم. «النهاية 2: 363». [.....]

(6) الكبش: سيّد القوم و قائدهم. «تاج العروس- كبش- 4: 341».

(7) الميرة: الطعام. «تاج العروس- مير- 3: 552».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 695

هل لك أن تمر بحمراء الأسد و تلقى أصحاب محمد و تعلمهم أن حلفاءنا و موالينا قد وافونا من الأحابيش «1» حتى يرجعوا عنا، و لك عندي عشرة قلائص «2» أملأها تمرا و زبيبا؟ قال: نعم.

فوافى من غد ذلك اليوم حمراء الأسد، فقال لأصحاب محمد (صلى الله عليه و آله): أين تريدون؟ قالوا: قريش.

قال: ارجعوا، فإن قريشا قد اجتمع «3» إليهم حلفاؤهم، و من كان تخلف عنهم، و ما أظن إلا و أوائل القوم قد طلعوا عليكم الساعة. فقالوا: حسبنا الله و نعم الوكيل، ما نبالي أن يطلعوا علينا.

فنزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال: ارجع- يا محمد- فإن الله قد أرعب قريشا، و مروا لا يلوون على شي ء. فرجع رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى المدينة فأنزل الله: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ يعني نعيم بن مسعود، فهذا لفظه عام و معناه خاص إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ

«4».

فلما دخلوا المدينة، قال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما هذا الذي أصابنا، و لقد كنت تعدنا النصر؟

فأنزل الله: أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ «5» و ذلك أن يوم بدر قتل من قريش سبعون، و أسر منهم سبعون، و كان الحكم في الأسارى القتل، فقامت الأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقالوا: يا رسول الله، هبهم لنا، و لا تقتلهم حتى نفاديهم. فنزل به جبرئيل، و قال: إن الله قد أباح لهم الفداء، أن يأخذوا من هؤلاء و يطلقوهم، على أن يستشهد منهم في عام قابل بقدر من يأخذون منه الفداء من هؤلاء. فأخبرهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) بهذا الشرط، فقالوا: قد رضينا به، نأخذ العام الفداء من هؤلاء و نتقوى به، و يقتل منا في عام قابل بعدد ما نأخذ منه الفداء و ندخل الجنة، فأخذوا منهم الفداء و أطلقوهم.

فلما كان في هذا اليوم- و هو يوم احد- قتل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) سبعون، فقالوا: يا رسول الله، ما هذا الذي قد أصابنا، و قد كنت تعدنا النصر؟ فأنزل الله: أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ بما اشترطتم يوم بدر.

1926/ [2]- العياشي: عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ.

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 1: 199/ 145.

(1) الأحابيش: الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة.

(2) القائص: الشوابّ من الإبل، و النوق الطويلة القوائم. «تاج العروس- قلص- 4: 426».

(3) في المصدر: أجنحت.

(4) آل

عمران 3: 172- 174.

(5) آل عمران 3: 165.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 696

قال: «ما زال منذ خلق الله تعالى آدم دولة لله و دولة لإبليس، فأين دولة الله تعالى، أما «1» هو إلا قائم واحدا؟».

سورة آل عمران(3):آية 141 ..... ص : 696

قوله تعالى:

وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ [141]

1927/ [1]- العياشي: عن الحسن بن علي الوشاء، بإسناد له يرسله إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «و الله لتمحصن، و الله لتميزن، و الله لتغربلن حتى لا يبقى منكم إلا الأندر».

قلت: و ما الأندر؟ قال: «البيدر «2»، و هو أن يدخل الرجل بيته «3» الطعام يطين عليه، ثم يخرجه قد أكل بعضه بعضا، فلا يزال ينقيه، ثم يكن عليه، ثم يخرجه، حتى يفعل ذلك ثلاث مرات، حتى يبقى ما لا يضره شي ء».

سورة آل عمران(3):آية 142 ..... ص : 696

قوله تعالى:

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [142]

1928/ [2]- العياشي: عن داود الرقي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، عن قول الله: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ.

قال: «إن الله هو أعلم بما هو مكونه قبل أن يكونه، و هم ذر، و علم من يجاهد ممن لا يجاهد، كما علم أنه يميت خلقه قبل أن يميتهم، و لم يرهم موتهم و هم أحياء».

1929/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: روي أن المغيرة بن العاص كان رجلا أعسر، فحمل في طريقه إلى احد ثلاثة أحجار، فقال: بهذه أقتل محمدا. فلما حضر القتال نظر إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) و بيده السيف، فرماه

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1: 199/ 146.

2- تفسير العيّاشي 1: 199/ 147.

3- تفسير القمّي 1: 118.

(1) في «ط»: فإنّ دولة اللّه ما.

(2) في «س، ط»: الأندر. و في القاموس المحيط- ندر. 2: 145: الأندر: البيدر، أو كدس القمح.

(3) في «س، ط»: فيه، و ما أثبتناه من نسخة من البحار 5: 216/ 1. [.....]

البرهان في تفسير

القرآن، ج 1، ص: 697

بحجر فأصاب به «1» رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فسقط السيف من يده، فقال: قتلته و اللات و العزى. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «كذبت، لعنك «2» الله» فرماه بحجر آخر فأصاب جبهته، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «اللهم حيره» فلما انكشف الناس تحير، فلحقه عمار بن ياسر فقتله. و سلط الله على ابن قميئة الشجر، و كان يمر بالشجرة فيقع وسطها فتأخذ من لحمه، فلم يزل كذلك حتى صار مثل الصر «3»، و مات لعنه الله.

و رجع المنهزمون من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فأنزل الله على رسوله: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ يعني و لما ير، لأنه عز و جل قد علم قبل ذلك من يجاهد و من لا يجاهد، فأقام العلم مقام الرؤية، لأنه يعاقب الناس بفعلهم لا بعلمه.

1930/ [3]- عبد الله بن جعفر الحميري: بإسناده عن جعفر (عليه السلام)، قال: كان يقول: «و الله [لا يكون ] الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا و تمحصوا، ثم يذهب من كل عشرة شي ء، و لا يبقى منكم إلا الأندر، ثم تلا هذه الآية: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ».

سورة آل عمران(3):آية 143 ..... ص : 697

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [143]

1931/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ الآية: «فإن المؤمنين لما أخبرهم الله بالذي فعل بشهدائهم يوم بدر و منازلهم في الجنة رغبوا في

ذلك، فقالوا: اللهم أرنا قتالا نستشهد فيه. فأراهم الله إياه يوم احد، فلم يثبتوا إلا من شاء الله منهم، فذلك قوله: وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ» الآية.

سورة آل عمران(3):آية 144 ..... ص : 697

قوله تعالى:

وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ

__________________________________________________

3- قرب الإسناد: 162.

1- تفسير القمّي 1: 119.

(1) في «ط»: يد.

(2) في المصدر: كذب لعنه.

(3) الصرّ: طائر كالعصفور أصفر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 698

انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ- إلى قوله تعالى- وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [144] 1932/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما خرج يوم احد و عهد العاهد به على تلك الحال، فجعل الرجل يقول لمن لقيه: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد، قتل النجاء النجاء «1». فلما رجعوا إلى المدينة أنزل الله: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إلى قوله تعالى: انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ يقول: إلى الكفر.

1933/ [2]- محمد بن يعقوب: بإسناده عن حنان، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «كان الناس أهل ردة بعد النبي (صلى الله عليه و آله) إلا ثلاثة».

فقلت: و من الثلاثة؟ فقال: «المقداد بن الأسود، و أبو ذر الغفاري، و سلمان الفارسي (رحمة الله و بركاته عليهم)، ثم عرف أناس بعد يسير». و قال: «هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى، و أبوا أن يبايعوا حتى جاءوا بأمير المؤمنين (عليه السلام) مكرها فبايع، و ذلك قول الله عز و جل: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ

سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ».

1934/ [3]- عنه: بإسناده عن ابن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن العامة يزعمون أن بيعة أبي بكر حيث اجتمع الناس كانت رضا لله عز ذكره، و ما كان الله تعالى ليفتن امة محمد (صلى الله عليه و آله) من بعده.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «أو ما يقرءون كتاب الله؟ أو ليس الله يقول: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ؟.

قال: فقلت له: إنهم يفسرون على وجه آخر.

فقال: «أو ليس قد أخبر الله عز و جل عن الذين من قبلهم من الأمم أنهم قد اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات، حيث قال: وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَ لكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ «2»».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 119.

2- الكافي 8: 245/ 341.

3- الكافي 8: 270/ 398.

(1) أي انجوا بأنفسكم.

(2) البقرة 2: 253.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 699

1935/ [4]- أمالي الشيخ: بإسناده عن ابن عباس (رحمه الله): أن عليا (عليه السلام) كان يقول في حياة رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إن الله عز و جل يقول: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ و الله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا

الله و لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل «1» عليه حتى أموت، و الله إني لأخوه و ابن عمه و وارثه، فمن أحق به مني؟».

1936/ [5]- ابن شهر آشوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله تعالى: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ يعني بالشاكرين «2» علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و المرتدين على أعقابهم: الذين ارتدوا عنه.

1937/ [6]- العياشي: عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان الناس أهل ردة بعد النبي (صلى الله عليه و آله) إلا ثلاثة».

فقلت: و من الثلاثة؟

قال: «المقداد، و أبو ذر، و سلمان الفارسي» ثم عرف أناس بعد يسير، فقال: «هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى، و أبوا أن يبايعوا حتى جاءوا بأمير المؤمنين (عليه السلام) مكرها فبايع، و ذلك قول الله: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ».

1938/ [7]- عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما قبض صار الناس كلهم أهل جاهلية إلا أربعة: علي (عليه السلام)، و المقداد، و سلمان، و أبو ذر» فقلت: فعمار؟ فقال: «إن كنت تريد الذين لم يدخلهم شي ء فهؤلاء الثلاثة».

1939/ [8]- عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في كلام له يوم الجمل: «يا أيها الناس، إن الله تبارك اسمه و عز جنده لم يقبض نبيا قط حتى

يكون له في أمته من يهدي بهداه، و يقصد سيرته، و يدل على معالم سبيل الحق الذي فرض الله على عباده» ثم قرأ: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ.

__________________________________________________

4- الأمالي 2: 116، ترجمة الإمام عليّ (عليه السّلام) لابن عساكر 1: 127/ 153، الرياض النضرة 3: 206، فرائد السمطين 1: 224/ 175.

5- المناقب 2: 120.

6- تفسير العيّاشي 1: 199/ 148.

7- تفسير العيّاشي 1: 199/ 149. [.....]

8- تفسير العيّاشي 1: 200/ 150.

(1) في «ط»: أو قتل قاتلت.

(2) في المصدر زيادة: صاحبك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 700

1940/ [9]- عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن العامة تزعم أن بيعة أبي بكر حيث اجتمع لها الناس كانت رضا لله، و ما كان الله ليفتن امة محمد من بعده.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «أو ما يقرءون كتاب الله؟ أليس الله يقول: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ؟» الآية.

قال: فقلت له: إنهم يفسرون هذا على وجه آخر.

قال: فقال: «أو ليس قد أخبر الله عن الذين من قبلهم من الأمم أنهم اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات، حين قال: وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ إلى قوله: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ «1» الآية، ففي هذا ما يستدل به على أن أصحاب محمد (صلى الله عليه و آله) قد اختلفوا من بعده، فمنهم من آمن، و منهم من كفر».

1941/ [10]- عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال «تدرون مات النبي (صلى الله عليه و آله) أو قتل،

إن الله يقول: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فسم قبل الموت، إنهما سقتاه» فقلنا: إنهما و أبويهما شر من خلق الله.

1942/ [11]- عن الحسين بن المنذر، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ القتل أو الموت؟ قال: «يعني أصحابه الذين فعلوا ما فعلوا».

سورة آل عمران(3): الآيات 145 الي 146 ..... ص : 700

قوله تعالى:

وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ- إلى قوله تعالى- وَ اللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [145- 146]

1943/ [1]- العياشي: عن منصور بن الصيقل، أنه سمع أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقرأ: «و كاين من نبي قتل «2» معه ربيون كثير» قال: «ألوف و ألوف- ثم قال- إي و الله يقتلون».

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 1: 200/ 151.

10- تفسير العيّاشي 1: 200/ 152.

11- تفسير العيّاشي 1: 200/ 153.

1- تفسير العيّاشي 1: 201/ 154.

(1) البقرة 2: 253.

(2) قال الطبرسيّ (رحمه اللّه): قرأ أهل البصرة و ابن كثير و نافع (قتل) بضم القاف بغير ألف، و هي قراءة ابن عبّاس، و الباقون «قاتل» بألف، و هي قراءة ابن مسعود. «مجمع البيان 2: 853».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 701

1944/ [2]- الشيخ المفيد في (الاختصاص): في حديث سبعين منقبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) دون الصحابة، بإسناده عن ابن دأب، و ذكر مناقبه إلى أن قال: ثم ترك الوهن و الاستكانة، إنه انصرف من احد و به ثمانون جراحة، تدخل الفتائل من موضع و تخرج من موضع، فدخل عليه رسول الله (صلى الله عليه و آله) عائدا و هو مثل المضغة على نطع «1»، فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه و آله) بكى و قال له: «إن رجلا يصيبه هذا

في الله تعالى لحق على الله أن يفعل به و يفعل» فقال مجيبا له و بكى: «بأبي أنت و أمي، الحمد لله الذي لم يرني وليت عنك و لا فررت، بأبي أنت و أمي كيف حرمت الشهادة» قال: «إنها من ورائك إن شاء الله».

قال: فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إن أبا سفيان قد أرسل موعده: بيننا و بينكم حمراء الأسد» فقال:

«بأبي أنت و أمي، و الله لو حملت على أيدي الرجال ما تخلفت عنك» قال: فنزل القرآن: وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا وَ اللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ و نزلت الآية فيه قبلها: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَ سَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ.

ثم ترك الشكاية من ألم الجراحات، و شكت المرأتان إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما يلقى، و قالتا: يا رسول الله، قد خشينا عليه مما تدخل الفتائل في موضع الجراحات من موضع إلى موضع، و كتمانه ما يجد من الألم. قال:

فعد ما به من أثر الجراحات عند خروجه من الدنيا، فكانت ألف جراحة من قرنه إلى قدمه (صلوات الله عليه).

1945/ [3]- قال علي بن إبراهيم: قوله تعالى: وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ إلى قوله تعالى: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ «2» يقول: كأين من نبي قبل محمد (صلى الله عليه و آله) قتل معه ربيون كثير، و الربيون: الجموع الكثيرة، و الربوة الواحدة عشرة آلاف.

1946/ [4]- أبو علي الطبرسي: الربيون

عشرة آلاف. و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام)، يقول الله تعالى:

فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ من قتل نبيهم.

1947/ [5]- و قال أبو علي الطبرسي: من أسند الضمير الذي في «قتل» إلى «نبي»، فالمعنى: كم من نبي قتل قبل ذلك النبي، و كان مع ذلك النبي جماعة كثيرة، فقاتل أصحابه بعده و ما وهنوا و ما فتروا. و قال: فعلى هذا يكون النبي المقتول و الذين معه لا يهنون، بين الله سبحانه لو كان قتل النبي (صلى الله عليه و آله) كما ارجف بذلك يوم أحد، لما أوجب ذلك أن يضعفوا و يهنوا، كما لم يهن من كان مع الأنبياء بقتلهم. قال: و هو المروي عن أبي

__________________________________________________

2- الإختصاص: 158.

3- تفسير القمّي 1: 119.

4- مجمع البيان 2: 854.

5- مجمع البيان 2: 854.

(1) النّطع: بساط من الجلد. «مجمع البحرين- نطع- 4: 397». [.....]

(2) آل عمران 3: 161.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 702

جعفر (عليه السلام).

سورة آل عمران(3):آية 147 ..... ص : 702

قوله تعالى:

وَ ما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ إِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ [147] 1948/ [1]- قال علي بن إبراهيم: قوله تعالى: وَ ما كانَ قَوْلَهُمْ إلى قوله: فِي أَمْرِنا يعنون خطاياهم.

سورة آل عمران(3): الآيات 149 الي 154 ..... ص : 702

قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا- إلى قوله تعالى- وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ [149- 154] 1949/ [2]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يعني عبد الله ابن أبي حيث خرج مع رسول الله (صلى الله عليه و آله)، ثم رجع يجبن أصحابه.

1950/ [3]- أبو علي الطبرسي: في قوله: بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَ هُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ قيل: نزلت في المنافقين إذ قالوا للمؤمنين يوم احد، يوم الهزيمة: ارجعوا إلى إخوانكم، و ارجعوا إلى دينهم، عن علي (عليه السلام).

1951/ [4]- قال علي بن إبراهيم: قوله تعالى: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ يعني قريشا بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ.

قوله تعالى: وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ يعني أن ينصركم الله عليهم إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ إذ تقتلونهم بإذن الله حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَ تَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَ عَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا يعني أصحاب عبد الله بن جبير الذين تركوا مراكزهم و فروا للغنيمة.

و قوله تعالى: وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ يعني عبد الله بن جبير و أصحابه الذين بقوا حتى قتلوا ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ أي يختبركم وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ثم ذكر المنهزمين من

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 120.

2- تفسير القمّي 1: 120.

3- مجمع البيان 2: 856.

4- تفسير القمّي 1: 120.

البرهان في تفسير

القرآن، ج 1، ص: 703

أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال: إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ إلى قوله:

وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.

1952/ [4]- و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام): فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ «فأما الغم الأول فالهزيمة و القتل، و أما الآخر فإشراف خالد بن الوليد عليهم، يقول: لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ من الغنيمة وَ لا ما أَصابَكُمْ يعني قتل إخوانهم وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ يعني الهزيمة».

1953/ [5]- و قال علي بن إبراهيم: و تراجع أصحاب رسول الله المجروحون و غيرهم، فأقبلوا يعتذرون إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فأحب الله أن يعرف رسوله من الصادق منهم و من الكاذب، فأنزل الله عليهم النعاس في تلك الحالة حتى كانوا يسقطون إلى الأرض، و كان المنافقون الذين يكذبون لا يستقرون، قد طارت عقولهم، و هم يتكلمون بكلام لا يفهم عنهم، فأنزل الله: يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ يعني المؤمنين وَ طائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْ ءٍ قال الله لمحمد (صلى الله عليه و آله): قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْ ءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا يقولون: لو كنا في بيوتنا ما أصابنا القتل، قال الله: لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَ لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَ لِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فأخبر الله رسوله ما في قلوب القوم و من كان منهم مؤمنا، و من كان

منهم منافقا كاذبا بالنعاس، فأنزل الله عليه: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ «1» يعني المنافق الكاذب من المؤمن الصادق بالنعاس الذي ميز بينهم.

1954/ [6]- العياشي: عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و ذكر يوم احد: «أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كسرت رباعيته، و إن الناس ولوا مصعدين في الوادي، و الرسول يدعوهم في أخراهم فأثابهم غما بغم، ثم انزل عليهم النعاس».

فقلت: النعاس ما هو؟ قال: «الهم، فلما استيقظوا قالوا: كفرنا. و جاء أبو سفيان، فعلا فوق الجبل بإلهه هبل، فقال: اعل هبل. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) يومئذ: الله أعلى و أجل. فكسرت رباعية رسول الله (صلى الله عليه و آله) و شكت لثته «2»، و قال: نشدتك يا رب ما وعدتني، فإنك إن شئت لم تعبد.

و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا علي، أين كنت؟ فقال: يا رسول الله، لزقت «3» بالأرض. فقال: ذاك الظن بك،

__________________________________________________

4- تفسير القمّي 1: 120.

5- تفسير القمّي 1: 120.

6- تفسير العيّاشي 1: 201/ 155.

(1) آل عمران 3: 179.

(2) في «ط» و المصدر: و اشتكت لثّته، و في «ط» نسخة بدل: و شكّت ثنيّته.

(3) أي لم أخرّ و لم أبرح مكاني.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 704

فقال: يا علي، ائتني بماء أغسل عني. فأتاه في صحفة «1»، فإذا رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد عافه. و قال: ائتني في يدك. فأتاه بماء في كفه، فغسل رسول الله عن لحيته (صلى الله عليه و آله)».

سورة آل عمران(3): الآيات 155 الي 156 ..... ص : 704

قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ

بِبَعْضِ ما كَسَبُوا- إلى قوله تعالى- وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [155- 156]

1955/ [1]- العياشي: عن زرارة، و حمران، و محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام)، في قوله: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا: «فهو في عقبة بن عثمان، و عثمان بن سعد».

1956/ [2]- عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لما انهزم الناس عن النبي (صلى الله عليه و آله) يوم احد، نادى رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن الله قد وعدني أن يظهرني على الدين كله. فقال له بعض المنافقين، و سماهما: فقد هزمنا و تسخر بنا».

1957/ [3]- عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا. قال: «هم أصحاب العقبة».

1958/ [4]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ: أي خدعهم حتى طلبوا الغنيمة بِبَعْضِ ما كَسَبُوا قال: بذنوبهم وَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ.

ثم قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا يعني عبد الله بن أبي و أصحابه الذين قعدوا عن الحرب وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَ اللَّهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.

سورة آل عمران(3): الآيات 157 الي 158 ..... ص : 704

قوله تعالى:

وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1: 201/ 156.

2- تفسير العيّاشي 1: 201/ 157.

3- تفسير العيّاشي 1: 201/ 158. [.....]

4- تفسير القمّي 1: 121.

(1) الصّحفة: القصعة الكبيرة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 705

- إلى

قوله تعالى- لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ [157- 158]

1959/ [1]- ابن بابويه: عن أبيه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن المنخل، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن هذه الآية في قول الله عز و جل: وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ. قال: فقال: «أ تدري ما سبيل الله»؟ قلت: لا و الله حتى أسمعه منك.

قال: «سبيل الله: علي (عليه السلام) و ذريته، من قتل في ولايته قتل في سبيل الله، و من مات في ولايته مات في سبيل الله».

1960/ [2]- سعد بن عبد الله القمي: عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن عبد الله بن المغيرة، عمن حدثه، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سئل عن قول الله عز و جل: وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ.

قال: «يا جابر، أ تدري ما سبيل الله»؟ قلت: لا و الله إلا إذا سمعت منك. فقال: «القتل في سبيل الله في ولاية علي (عليه السلام) و ذريته، فمن قتل في ولايته قتل في سبيل الله، و ليس من أحد يؤمن بهذه الآية إلا و له قتلة و ميتة، إنه من قتل ينشر حتى يموت، و من يموت ينشر حتى يقتل».

1961/ [3]- عنه: عن أحمد بن محمد بن عيسى، و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، و عبد الله بن محمد ابن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة، قال: كرهت أن سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجعة، فاحتلت مسألة لطيفة لأبلغ بها حاجتي منها، فقلت: أخبرني عمن قتل، مات؟

قال: «لا، الموت موت، و القتل قتل».

قلت: ما أحد يقتل إلا و قد مات؟ قال: «قد فرق بين الموت و القتل في القرآن، فقال: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ «1» و قال: وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ فليس كما قلت- يا زرارة- فالموت موت و القتل قتل، و قد قال الله عز و جل: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا «2»».

قال: قلت: إن الله عز و جل يقول: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ «3» أ فرأيت من قتل لم يذق الموت؟ فقال:

__________________________________________________

1- معاني الأخبار: 167/ 1.

2- مختصر بصائر الدرجات: 25.

3- مختصر بصائر الدرجات: 19.

(1) آل عمران 3: 144.

(2) التّوبة 9: 111.

(3) آل عمران 3: 185، الأنبياء 21: 35، العنكبوت 29: 57.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 706

«ليس من قتل بالسيف كمن مات على فراشه، إن من قتل لا بد أن يرجع إلى الدنيا حتى يذوق الموت».

1962/ [4]- العياشي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله: وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ. قال لي: «يا جابر أ تدري ما سبيل الله»؟ قال: [قلت:] لا أعلم إلا أن أسمعه منك.

قال: «سبيل الله علي و ذريته (عليهم السلام)، و من قتل في ولايتهم قتل في سبيل الله، و من مات في ولايتهم مات في سبيل الله».

1963/ [5]- عن زرارة، قال: كرهت أن أسأل أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجعة، و استخفيت ذلك، قلت: لأسألن مسألة لطيفة أبلغ فيها حاجتي، فقلت: أخبرني عمن قتل، أمات؟ قال: «لا، الموت موت، و القتل قتل».

قلت: ما أحد يقتل

إلا و قد مات؟ فقال: «قول الله أصدق من قولك، فرق بينهما في القرآن، فقال: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ «1» و قال: وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ و ليس كما قلت- يا زرارة- الموت موت، و القتل قتل».

قلت: فإن الله يقول: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ «2». قال: «من قتل لم يذق الموت- ثم قال-: لا بد من أن يرجع حتى يذوق الموت».

1964/ [6]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله: وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ، و قد قال الله: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ «3»؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «قد فرق الله بينهما- ثم قال-: أ كنت قاتلا رجلا لو قتل أخاك»؟ قلت: نعم. قال: «فلو مات موتا، أ كنت قاتلا به أحدا؟» قلت: لا. قال: «ألا ترى كيف فرق الله بينهما؟».

1965/ [7]- عن عبد الله بن المغيرة، عمن حدثه، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سئل عن قول الله:

وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ. قال: «أ تدري- يا جابر- ما سبيل الله»؟ فقلت: لا و الله، إلا أن أسمعه منك.

قال: «سبيل الله علي (عليه السلام) و ذريته، فمن قتل في ولايته قتل في سبيل الله، و من مات في ولايته مات في سبيل الله، ليس من مؤمن في «4» هذه الامة إلا و له قتلة و ميتة- قال-: إنه من قتل ينشر حتى يموت، و من مات ينشر حتى يقتل».

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 1: 202/ 159.

5- تفسير العيّاشي 1: 202/ 160.

6- تفسير العيّاشي 1: 202/ 161.

7- تفسير العيّاشي 1: 202/ 162.

(1) آل عمران 3: 144.

(2) آل عمران 3: 185، الأنبياء 21: 35،

العنكبوت 29: 57. [.....]

(3) آل عمران 3: 185، الأنبياء 21: 35، العنكبوت 29: 57.

(4) في المصدر: يؤمن من.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 707

سورة آل عمران(3): الآيات 159 الي 160 ..... ص : 707

قوله تعالى:

فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ- إلى قوله تعالى- وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [159- 160] 1966/ [1]- قال علي بن إبراهيم: ثم قال لنبيه: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ أي انهزموا و لم يقيموا معك، ثم قال تأديبا لرسوله: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.

1967/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن عبد الله الوراق، و محمد بن أحمد السناني، و علي بن أحمد بن محمد (رضي الله عنه)، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن جعفر بن سليمان البصري، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: قلت: قوله عز و جل: وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ «1» و قوله عز و جل: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ.

فقال: «إذ فعل العبد ما أمره الله عز و جل به من الطاعة كان فعله وفقا لأمر الله عز و جل و سمي العبد موفقا، و إذا أراد العبد أن يدخل في شي ء من معاصي الله فحال الله تبارك و تعالى

بينه و بين تلك المعصية فتركها كان تركه لها بتوفيق الله تعالى ذكره، و متى خلى بينه و بين المعصية، فلم يحل بينه و بينها حتى يركبها، فقد خذله و لم ينصره «2» و لم يوفقه».

1968/ [3]- العياشي: عن صفوان، قال: استأذنت لمحمد بن خالد على الرضا أبي الحسن (عليه السلام)، و أخبرته أنه ليس يقول بهذا القول، و إنه قال: و الله لا أريد بلقائه إلا لأنتهي إلى قوله، فقال: «أدخله» فدخل، فقال له: جعلت فداك، إنه كان فرط مني شي ء، و أسرفت على نفسي، و كان فيما يزعمون أنه كان يعيبه، فقال: و أنا أستغفر الله مما كان مني فأحب أن تقبل عذري و تغفر لي ما كان مني.

فقال: «نعم، أقبل، إن لم أقبل كان إبطال ما يقول هذا و أصحابه- و أشار إلي بيده- و مصداق ما يقول الآخرون- يعني المخالفين- قال الله لنبيه (صلى الله عليه و آله): فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا

__________________________________________________

1- تفسير القمي 1: 121.

2- التوحيد: 242/ 1.

3- تفسير العياشي 1: 203/ 163.

(1) هود 11: 88.

(2) في المصدر زيادة: و لم يوفقه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 708

مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ». ثم سأله عن أبيه، فأخبره أنه قد مضى، و استغفر له.

1969/ [4]- عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و عن سعد الإسكاف، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «جاء أعرابي- أحد بني عامر- فسأل عن النبي (صلى الله عليه و آله) فلم يجده، قالوا: هو يفرج «1». فطلبه فلم يجده، قالوا: هو بمنى- قال-: فطلبه فلم يجده، فقالوا: هو بعرفة.

فطلبه فلم يجده، قالوا: هو بالمشعر- قال-: فوجده في الموقف، قال: حلوا «2» لي النبي. فقال الناس: يا أعرابي، ما أنكرك، إذا وجدت النبي وسط القوم وجدته مفخما «3».

قال: بل حلوه لي حتى لا أسأل عنه أحدا.

قالوا: فإن نبي الله أطول من الربعة «4»، و أقصر من الطويل الفاحش، كأن لونه فضة و ذهب، أرجل «5» الناس جمة «6»، و أوسع الناس جبهة، بين عينيه غرة، أقنى الأنف «7»، واسع الجبين، كث اللحية، مفلح الأسنان، على شفته السفلى خال، كأن رقبته إبريق فضة، بعيد ما بين مشاشة «8» المنكبين، كأن بطنه و صدره سواء، سبط البنان، عظيم البراثن «9»، إذا مشى مشى متكفئا، و إذا التفت التفت بأجمعه، كأن يده من لينها متن أرنب، إذا قام مع إنسان لم ينفتل «10» حتى ينفتل صاحبه، و إذا جلس لم يحل حبوته «11» حتى يقوم جليسه.

فجاء الأعرابي، فلما نظر إلى النبي (صلى الله عليه و آله) عرفه، قال بمحجنه «12» على رأس ناقة رسول الله (صلى الله عليه و آله) عند ذنب ناقته، فأقبلت الناس تقول: ما أجرأك، يا أعرابي! قال النبي (صلى الله عليه و آله): دعوه فإنه أرب «13». ثم قال: ما حاجتك؟

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 1: 203/ 164.

(1) كذا، و الظاهر أنّ الصواب «هو بقزح» قال يا قوت: هو القرن الذي يقف الامام عنده بالمزدلفة، و في مجمع البحرين: قزّح: اسم جبل بالمزدلفة. معجم البلدان 4: 341، مجمع البحرين- قزح- 2: 404.

(2) أي اذكروا أوصافه.

(3) مفخّما: معظّما. «مجمع البحرين- فخم- 6: 130».

(4) أي الوسيط القامة.

(5) الشعر الرّجل: الذي بين السبوطة و الجعودة. «أقرب الموارد- رجل- 1: 393».

(6) الجمّة: مجتمع شعر الناصية. «مجمع البحرين- جمم- 6:

30». [.....]

(7) القنا في الأنف: طوله ورقّة أرتبته مع حدب في وسطه. «مجمع البحرين- قنا- 1: 351».

(8) المشاشة: واحدة المشاش، و هي رءوس العظام اللّينة. «الصحاح- مشش- 3: 1019».

(9) البراثن: جمع برثن: الكفّ مع الأصابع. «مجمع البحرين- برثن- 6: 213».

(10) انفتل: انصرف. «لسان العرب- فتل- 11: 514».

(11) قال العلامة المجلسيّ (رحمه اللّه) نقلا عن الكازروني: من عادة العرب إذا جلس أحدهم متمكنا أن يحتبي بثوبه، فإذا أراد الرجل أن يقوم حلّ حبوته، يعني إذا جلس إليه رجل لم يقم من عنده حتّى يكون الرجل هو الذي يبدأ بالقيام. «بحار الأنوار 16: 186» و الحبوة: ما يحتبى به، أي يشتمل به، من ثوب أو عمامة.

(12) المحجن: عصا معقوفة الرأس كالصّولجان «النهاية 1: 347» و لعل المعنى: مال أو أشار بمحجنه.

(13) في «ط»: أديب. و الأرب: المحتاج، أو الحادق الكامل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 709

قال: جاءتنا رسلك أن تقيموا الصلاة، و تؤتوا الزكاة، و تحجوا البيت، و تغتسلوا من الجنابة، و بعثني قومي إليك [رائدا] أبغي أن أستحلفك، و أخشى أن تغضب.

قال: لا أغضب، إني أنا الذي سماني الله في التوراة و الإنجيل محمد رسول الله، المجتبى المصطفى، ليس بفحاش و لا سخاب «1» في الأسواق، و لا يتبع السيئة السيئة، و لكن يتبع السيئة الحسنة، فسلني عما شئت، و أنا الذي سماني الله في القرآن وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فاسأل عما شئت.

قال: إن الله الذي رفع السماوات بغير عمد هو أرسلك؟ قال: نعم، هو أرسلني.

قال: بالله الذي قامت السماوات بأمره هو الذي أنزل عليك الكتاب، و أرسلك بالصلاة المفروضة و الزكاة المعقولة؟ قال: نعم.

قال: و هو أمرك بالاغتسال من الجنابة،

و بالحدود كلها؟ قال: نعم.

قال: فإنا آمنا بالله، و رسله، و كتابه، و اليوم الآخر، و البعث، و الميزان، و الموقف، و الحلال، و الحرام، صغيره و كبيره. قال: فاستغفر له النبي (صلى الله عليه و آله) و دعا له».

1970/ [5]- أحمد بن محمد، عن علي بن مهزيار، قال: كتب إلي أبو جعفر (عليه السلام) أن «سل فلانا أن يشير علي و يتخير لنفسه «2»، فهو يعلم ما يجوز في بلده، و كيف يعامل السلاطين، فإن المشورة مباركة، قال الله لنبيه في محكم كتابه: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ فإن كان ما يقول مما يجوز كنت أصوب رأيه، و إن كان غير ذلك رجوت أن أضعه على الطريق الواضح إن شاء الله وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ يعني الاستخارة»

سورة آل عمران(3):آية 161 ..... ص : 709

قوله تعالى:

وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ [161]

1971/ [1]- ابن بابويه: عن أبيه، قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن نوح بن شعيب، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن علقمة، عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)، في حديث طويل قال (عليه السلام) فيه: «ألم ينسبوا نبينا محمدا (صلى الله عليه و آله) إلى أنه يوم بدر أخذ [لنفسه ] من المغنم

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 1: 204/ 165.

1- الأمالي 92/ 3، سنن أبي داود 4: 31/ 3971، سنن الترمذي 5: 230/ 3009، تفسير الطبري 4: 102.

(1) السّخب: الصياح. «النهاية 2: 349».

(2) لعلّ المراد من قوله (عليه السّلام) (يشير عليّ) أي سله يظهر لي ما عنده من مصلحتي في

أمر كذا (و يتخيّر لنفسه) أي يتخيّر لي تخيّرا كتخيّره لنفسه، كما هو شأن الأخ المحبّ المحبوب الذي يخشى اللّه (تعالى) «من هامش بعض نسخ المصدر».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 710

قطيفة حمراء، حتى أظهره الله عز و جل على القطيفة، و برأ نبيه (صلى الله عليه و آله) من الخيانة، و أنزل في كتابه: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ؟!».

1972/ [1]- العياشي: عن سماعة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «الغلول كل شي ء غل من الإمام، و أكل مال اليتيم شبهة، و السحت شبهة».

1973/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ: «فصدق الله، لم يكن الله ليجعل نبيا غالا وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ و من غل شيئا رآه يوم القيامة في النار، ثم يكلف أن يدخل إليه فيخرجه من النار».

سورة آل عمران(3): الآيات 162 الي 167 ..... ص : 710

قوله تعالى:

أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ- إلى قوله تعالى- وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ [162- 167]

1974/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمار الساباطي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ.

فقال: «الذين اتبعوا رضوان الله هم الأئمة، و هم- و الله، يا عمار- درجات للمؤمنين، و بولايتهم و معرفتهم إيانا يضاعف الله لهم أعمالهم،

و يرفع الله لهم الدرجات العلا».

1975/ [4]- العياشي: عن عمار بن مروان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ.

فقال: «هم الأئمة، و هم- و الله، يا عمار- درجات للمؤمنين عند الله، و بموالاتهم و بمعرفتهم إيانا يضاعف الله للمؤمنين حسناتهم، و يرفع الله لهم الدرجات العلا.

و أما قوله، يا عمار: كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ إلى قوله: الْمَصِيرُ فهم و الله الذين جحدوا حق علي ابن أبي طالب (عليه السلام) و حق الأئمة منا أهل البيت، فباءوا بذلك بسخط من الله».

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1: 205/ 166.

2- تفسير القمّي 1: 122.

3- الكافي 1: 356/ 84. [.....]

4- تفسير العيّاشي 1: 205/ 167.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 711

1976/ [3]- عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه ذكر قول الله: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ قال: «الدرجة ما بين السماء إلى الأرض».

1977/ [4]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ: فهذه الآية لآل محمد (صلى الله عليه و آله).

1978/ [5]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ يقول: بمعصيتكم أصابكم ما أصابكم إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَ لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَ قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فهم ثلاث مائة منافق رجعوا مع عبد الله بن أبي سلول، فقال لهم جابر بن عبد الله: أنشدكم في نبيكم و

دينكم و دياركم، فقالوا: و الله لا يكون القتال اليوم، و لو نعلم أن يكون القتال لا تبعناكم، يقول الله: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ.

1979/ [6]- العياشي: عن محمد بن أبي حمزة، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها.

قال: «كان المسلمون قد أصابوا ببدر مائة و أربعين رجلا: قتلوا سبعين رجلا، و أسروا سبعين رجلا، فلما كان يوم احد أصيب من المسلمين سبعون رجلا، فاغتموا بذلك، فأنزل الله تبارك و تعالى: أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها».

سورة آل عمران(3): الآيات 169 الي 170 ..... ص : 711

قوله تعالى:

وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ- إلى قوله تعالى- وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ [169- 170]

1980/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «هم و الله شيعتنا، إذا دخلوا الجنة و استقبلوا الكرامة من الله استبشروا بمن لم يلحقوا بهم من إخوانهم من المؤمنين في الدنيا».

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 1: 205/ 168.

4- تفسير القمّي 1: 122.

5- تفسير القمّي 1: 122.

6- تفسير العيّاشي 1: 205/ 169.

1- تفسير القمّي 1: 127.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 712

أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ و هو رد على من يبطل الثواب و العقاب بعد الموت.

1981/ [2]- محمد بن يعقوب: بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن الحارث بن محمد بن النعمان، عن بريد العجلي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا

بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ.

قال: «هم و الله شيعتنا حين صارت أرواحهم في الجنة، و استقبلوا الكرامة من الله عز و جل، علموا و استيقنوا أنهم كانوا على الحق و على دين الله جل ذكره، فاستبشروا بمن لم يلحقوا بهم من إخوانهم من خلفهم من المؤمنين أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ».

1982/ [3]- عنه: بإسناده قال: «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأبي بكر يوما: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ و أشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله) مات شهيدا، و الله ليأتينك، فأيقن إذا جاءك، فإن الشيطان غير متخيل به، فأخذ علي (عليه السلام) بيد أبي بكر فأراه النبي (صلى الله عليه و آله)، فقال (عليه السلام): «يا أبا بكر، آمن بعلي و بأحد عشر من ولده، إنهم مثلي إلا النبوة و تب إلى الله مما في يدك فإنه لا حق لك فيه. قال: ثم ذهب فلم يره».

1983/ [4]- العياشي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «أتى رجل رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال: إني راغب نشيط في الجهاد في سبيل الله قال: فجاهد في سبيل الله، فإنك إن تقتل كنت حيا عند الله ترزق، و إن مت فقد وقع أجرك على الله، و إن رجعت خرجت من الذنوب إلى الله، هذا تفسير وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً».

سورة آل عمران(3): الآيات 172 الي 174 ..... ص : 712

قوله تعالى:

الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ- إلى قوله تعالى- وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [172- 174] تقدمت الرواية في الآية في هذه السورة «1» و

نزيد هنا:

1984/ [1]- ابن شهر آشوب، قال: ذكر الفلكي المفسر، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، و عن أبي

__________________________________________________

2- الكافي 8: 156/ 146.

3- الكافي 1: 448/ 13.

4- تفسير العيّاشي 1: 206/ 170.

1- المناقب 1: 194.

(1) تقدم في الحديث (1) من تفسير الآية (140) من سورة آل عمران.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 713

رافع: أنها نزلت في علي (عليه السلام)، و ذلك أنه نادى يوم الثاني من احد في المسلمين فأجابوه، و تقدم علي (عليه السلام) براية المهاجرين في سبعين رجلا حتى انتهى إلى حمراء الأسد ليرهب العدو، و هي سوق على ثلاثة أميال من المدينة، ثم رجع إلى المدينة يوم الجمعة و خرج أبو سفيان حتى انتهى إلى الروحاء، فلقي معبد الخزاعي، فقال: ما وراءك؟ فأنشده:

كادت تهد من الأصوات راحلتي إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل

تردي «1» بأسد كرام لا تنابلة عند اللقاء و لا خرق معازيل

فقال أبو سفيان لركب من عبد القيس: أبلغوا محمدا أني قتلت صناديدكم و أردت الرجعة لأستأصلكم.

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «حسبنا الله و نعم الوكيل».

قال أبو رافع: قال ذلك علي (عليه السلام) فنزل الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ الآية.

1985/ [2]- و ذكر ابن شهر آشوب أيضا، قال: روي عن أبي رافع بطرق كثيرة، أنه لما انصرف المشركون يوم احد بلغوا الروحاء، قالوا: لا الكواعب أردفتم، و لا محمدا قتلتم، ارجعوا. فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه و آله) فبعث في آثارهم عليا (عليه السلام) في نفر من الخزرج، فجعل لا يرتحل المشركون من منزل إلا نزله علي (عليه السلام)، فأنزل الله تعالى: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ.

و

في خبر أبي رافع: أن

النبي (صلى الله عليه و آله) تفل على جراحه و دعا له، و بعثه خلف المشركين، فنزلت فيه الآية.

1986/ [3]- و روي من طريق الجمهور: أن النبي (صلى الله عليه و آله) وجه عليا (عليه السلام) في نفر في طلب أبي سفيان، فلقيه أعرابي من خزاعة، فقال له: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم- يعني أبا سفيان و أصحابه- فقالوا: يعني عليا و أصحابه: «حسبنا الله و نعم الوكيل» فنزلت هذه الآية إلى قوله: ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ.

1987/ [4]- العياشي: عن سالم بن أبي مريم، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) بعث عليا (عليه السلام) في عشرة اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ إلى أَجْرٌ عَظِيمٌ إنما نزلت في علي (عليه السلام)».

1988/ [5]- عن جابر، عن محمد بن علي (عليهما السلام)، قال: «لما وجه النبي (صلى الله عليه و آله) أمير

__________________________________________________

2- المناقب 3: 125.

3- ... «نحوه» في كشف الغمة 1: 317 و الدر المنثور 2: 389 و انظر احقاق الحق 3: 374 و 14: 326 و 20: 43.

4- تفسير العيّاشي 1: 206/ 171، شواهد التنزيل 1: 133/ 184 و 185. [.....]

5- تفسير العيّاشي 1: 206/ 172.

(1) أي تسرع.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 714

المؤمنين (عليه السلام) و عمار بن ياسر إلى أهل مكة قالوا: بعث هذا الصبي، و لو بعث غيره إلى أهل مكة، و في مكة صناديد قريش و رجالها؟! و الله، الكفر أولى بنا مما نحن فيه فساروا، و قالوا لهما، و خوفوهما بأهل مكة و غلظوا عليهما الأمر، فقال علي (عليه السلام): «حسبنا الله و نعم الوكيل».

و مضيا، فلما دخلا

مكة أخبر الله نبيه (صلى الله عليه و آله) بقولهم لعلي (عليه السلام)، و بقول علي (عليه السلام) لهم، فأنزل الله بأسمائهم في كتابه، و ذلك قول الله: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ و إنما نزلت: ألم تر إلى فلان و فلان لقوا عليا و عمارا فقالا: إن أبا سفيان و عبد الله بن عامر و أهل مكة قد جمعوا لكم فاخشوهم. فزادهم إيمانا، و قالوا: حسبنا الله و نعم الوكيل».

سورة آل عمران(3):آية 178 ..... ص : 714

قوله تعالى:

وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ [178]

1989/ [1]- العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له أخبرني عن الكافر، الموت خير له أم الحياة؟ فقال: «الموت خير للمؤمن و الكافر».

قلت: و لم؟ قال: «لأن الله يقول: وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ «1»، و يقول: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ».

1990/ [2]- عن يونس، رفعه، قال: قلت له: زوج رسول الله (صلى الله عليه و آله) ابنته فلانا؟ قال: «نعم».

قلت: فكيف زوجه الأخرى؟ قال: «قد فعل، فأنزل الله: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إلى عَذابٌ مُهِينٌ».

سورة آل عمران(3):آية 179 ..... ص : 714

قوله تعالى:

ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [179]

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1: 206/ 173.

2- تفسير العيّاشي 1 لا 207/ 174.

(1) آل عمران 3: 198.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 715

1991/ [1]- العياشي: عن عجلان أبي صالح «1»، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «لا تمضي الأيام و الليالي حتى ينادي مناد من السماء: يا أهل الحق اعتزلوا «2». يا أهل الباطل، اعتزلوا. فيعزل هؤلاء من هؤلاء، و يعزل هؤلاء من هؤلاء».

قال: قلت: أصلحك الله، يخالط هؤلاء هؤلاء بعد ذلك النداء؟ قال: «كلا، إنه يقول في الكتاب: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ».

سورة آل عمران(3):آية 180 ..... ص : 715

قوله تعالى:

وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [180]

1992/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن مسكان، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ.

فقال: «يا محمد، ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله عز و جل ذلك يوم القيامة ثعبانا من النار مطوقا في عنقه، ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب، و هو قول الله عز و جل: سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يعني ما بخلوا به من الزكاة».

1993/ [3]- عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أيوب بن راشد، قال: سمعت أبا

عبد الله (عليه السلام) يقول: «مانع الزكاة يطوق بحية قرعاء تأكل من دماغه، و ذلك قوله عز و جل: سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ».

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1: 207/ 175.

2- الكافي 3: 502/ 1.

3- الكافي 3: 505/ 16.

(1) في «س و ط»: عجلان بن صالح، و الصواب ما في المتن، قال السيّد الخوئي: في بعض الموارد عجلان بن صالح، لكن الصواب عجلان أبي صالح بقرينة سائر الروايات، راجع معجم رجال الحديث 11: 133.

(2) (يا أهل الحقّ اعتزلوا) ليس في «ط».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 716

و روى هذا الحديث الشيخ في (مجالسه) قال: أخبرنا الحسين بن إبراهيم القزويني، قال: أخبرنا محمد بن وهبان، عن محمد بن أحمد بن زكريا، عن الحسن بن علي بن فضال، عن علي بن عقبة، عن أسباط «1»، عن أيوب ابن راشد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «مانع الزكاة» و ذكر الحديث بعينه «2».

1994/ [3]- العياشي: عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ.

قال: «ما من عبد منع زكاة ماله إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوقا في عنقه، ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب، و هو قول الله: سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ- قال-: ما بخلوا من الزكاة».

1995/ [4]- عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما من ذي زكاة مال: إبل و لا بقر و لا غنم، يمنع زكاة ماله، إلا أقيم يوم القيامة بقاع قفرة تنطحه كل ذات قرن

بقرنها، و تنهشه كل ذات ناب بأنيابها، و تطؤه كل ذات ظلف بظلفها حتى يفرغ الله من حساب خلقه، و ما من ذي زكاة مال: نخل و لا زرع و لا كرم، يمنع زكاة ماله، إلا قلدت أرضه في سبع أرضين يطوق بها إلى يوم القيامة».

1996/ [5]- عن يوسف الطاطري أن «3» ه سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول، و قد ذكر الزكاة، فقال: «الذي يمنع الزكاة يحول الله ماله يوم القيامة شجاعا «4» من نار، له زنمتان «5»، فيطوقه إياه، ثم يقال له: الزمه كما لزمك في الدنيا.

و هو قول الله: سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ» الآية.

1997/ [6]- و عنهم (عليهم السلام)، قال: «مانع الزكاة يطوق بشجاع أقرع يأكل من لحمه، و هو قوله: سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ» الآية.

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 1: 207/ 176.

4- تفسير العيّاشي 1: 207/ 177.

5- تفسير العيّاشي 1: 208/ 178.

6- تفسير العيّاشي 1: 208/ 179. [.....]

(1) في «ط»: عليّ بن أسباط، و الصواب ما في المتن، لرواية عليّ بن عقبة، عن أسباط بن سالم، و ليس عن عليّ بن أسباط. راجع معجم رجال الحديث 12: 95.

(2) الأمالي 2: 305.

(3) في المصدر: عمّن، و الطاطري معدود من أصحاب أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليه السّلام)، أنظر معجم رجال الحديث 20: 161 و 177.

(4) الشجاع، بالكسر و الضمّ: الحيّة العظيمة. «مجمع البحرين- شجع- 4: 351».

(5) في «ط» و المصدر: ريمتان، و زنمتا الاذن: هنتان تليان الشحمة، و تقابلان الوترة. «لسان العرب- زنم- 12: 275»، و لعلّها تصحيف (زبيبتان) و الزّبيبة: نكتة سوداء فوق عين الحيّة. «النهاية 2: 292».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 717

سورة آل عمران(3):آية 181 ..... ص : 717

قوله تعالى:

لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ

اللَّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ [181] 1998/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: و الله ما رأوا الله فيعلمون أنه فقير، و لكنهم رأوا أولياء الله فقراء، فقالوا: لو كان الله غنيا لأغنى أولياءه، فافتخروا على الله في الغناء «1».

سورة آل عمران(3):آية 183 ..... ص : 717

قوله تعالى:

الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ- إلى قوله تعالى- إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [183] 1999/ [2]- علي بن إبراهيم: إن قوما من اليهود قالوا لرسول الله (صلى الله عليه و آله): لن نؤمن لك حتى تأتينا بقربان تأكله النار. و كان عند بني إسرائيل طست، كانوا يقربون القربان فيضعونه في الطست، فتجي ء نار فتقع فيه فتحرقه، فقالوا لرسول الله (صلى الله عليه و آله): لن نؤمن لك حتى تأتينا بقربان تأكله النار كما كان لبني إسرائيل، فقال الله تعالى: قُلْ لهم يا محمد: قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

2000/ [3]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن مروك بن عبيد، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لعن الله القدرية، لعن الله الخوارج، لعن الله المرجئة، لعن الله المرجئة».

قال: قلت: لعنت هؤلاء مرة مرة، و لعنت هؤلاء مرتين؟

قال: «إن هؤلاء يقولون: إن قتلتنا مؤمنون، فدماؤنا متلطخة بثيابهم إلى يوم القيامة، إن الله حكى عن قوم في كتابه: أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- قال-: «كان بين القائلين و القاتلين خمسمائة عام، فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 127.

2- تفسير القمّي 1: 127.

3- الكافي

1: 300/ 1.

(1) (فافتخروا على اللّه في الغناء) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 718

2001/ [3]- العياشي: عن سماعة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قول الله: قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ: «و قد علم أن هؤلاء لم يقتلوا، و لكن فقد كان هواهم مع الذين قتلوا، فسماهم الله تعالى قاتلين لمتابعة هواهم و رضاهم لذلك الفعل».

2002/ [4]- عن عمر بن معمر، قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لعن الله القدرية، لعن الله الحرورية، لعن الله المرجئة، لعن الله المرجئة».

قال: قلت له: جعلت فداك، كيف لعنت هؤلاء مرة، و لعنت هؤلاء مرتين؟

فقال: «إن هؤلاء زعموا أن الذين قتلونا كانوا مؤمنين، فثيابهم ملطخة بدمائنا إلى يوم القيامة، أما تسمع لقول الله: الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ إلى قوله: صادِقِينَ؟- قال-: فكان بين الذين خوطبوا بهذا القول، و بين القاتلين خمس مائة سنة، فسماهم الله قاتلين برضاهم بما صنع أولئك».

2003/ [5]- محمد بن هاشم، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لما نزلت هذه الآية: قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ و قد علم أنهم قالوا: و الله ما قتلنا و لا شهدنا- قال-: و إنما «1» قيل لهم: ابرءوا من قتلتهم، فأبوا».

2004/ [6]- عن محمد بن الأرقط، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال لي: «تنزل الكوفة»؟ قلت: نعم. قال: «فترون قتلة الحسين بين أظهركم؟». قال: قلت: جعلت فداك ما رأيت منهم أحدا «2»!

قال: «فإذن أنت لا ترى القاتل إلا من قتل، أو من ولي القتل، ألم تسمع إلى قول الله: قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فأي رسول قتل «3» الذين كان محمد (صلى الله عليه و آله) بين أظهرهم، و لم يكن بينه و بين عيسى (عليهما السلام) رسول؟! إنما رضوا قتل أولئك فسموا قاتلين».

سورة آل عمران(3):آية 184 ..... ص : 718

قوله تعالى:

فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَ الزُّبُرِ وَ الْكِتابِ الْمُنِيرِ [184]

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 1: 208/ 180.

4- تفسير العيّاشي 1: 208/ 181.

5- تفسير العيّاشي 1: 209/ 182.

6- تفسير العيّاشي 1: 209/ 183.

(1) في «ط»: و إذا. [.....]

(2) في «س»: ما لبث منهم أحد.

(3) في «ط» و المصدر: قبل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 719

2005/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ هي الآيات وَ الزُّبُرِ هو كتب الأنبياء بالنبوة وَ الْكِتابِ الْمُنِيرِ الحلال و الحرام.

سورة آل عمران(3):آية 185 ..... ص : 719

قوله تعالى:

كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ [185]

2006/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن سليمان الديلمي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا كان يوم القيامة يدعى محمد (صلى الله عليه و آله) فيكسى حلة و ردية، ثم يقام على يمين العرش، ثم يدعى إبراهيم (عليه السلام) فيكسى حلة بيضاء، فيقام على يسار العرش، ثم يدعى بعلي أمير المؤمنين (عليه السلام) فيكسى حلة و ردية، فيقام على يمين النبي، ثم يدعى بإسماعيل (عليه السلام) فيكسى حلة بيضاء، فيقام على يسار إبراهيم (عليه السلام)، ثم يدعى بالحسن (عليه السلام) فيكسى حلة و ردية، فيقام على يمين أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم يدعى بالحسين (عليه السلام) فيكسى حلة و ردية، فيقام على يمين الحسن (عليه السلام)، ثم يدعى بالأئمة فيكسون حللا و ردية، فيقام كل واحد عن يمين صاحبه، ثم يدعى بالشيعة فيقومون

أمامهم، ثم يدعى بفاطمة (عليها السلام) و نسائها من ذريتها و شيعتها فيدخلون الجنة بغير حساب.

ثم ينادي مناد من بطنان العرش من قبل رب العزة و الأفق الأعلى: نعم الأب أبوك يا محمد، و هو إبراهيم، و نعم الأخ أخوك، و هو علي بن أبي طالب و نعم السبطان سبطاك، و هما الحسن و الحسين، و نعم الجنين جنينك، و هو محسن، و نعم الأئمة الراشدون ذريتك، و هم فلان و فلان إلى آخرهم، و نعم الشيعة شيعتك. ألا إن محمدا و وصيه و سبطيه و الأئمة من ذريته هم الفائزون ثم يؤمر بهم إلى الجنة، و ذلك قوله: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 127.

2- تفسير القمّي 1: 128.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 720

2007/ [2]- العياشي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن عليا (عليه السلام) لما غمض رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قال: إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ «1» يا لها من مصيبة خصت الأقربين، و عمت المؤمنين، لم يصابوا بمثلها قط، و لا عاينوا مثلها. فلما قبر رسول الله (صلى الله عليه و آله)، سمعوا مناديا ينادي من سقف البيت: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «2» و السلام عليكم أهل البيت و رحمة الله و بركاته كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ إن في الله خلفا من كل ذاهب، و عزاء من كل مصيبة، و دركا من كل ما فات، فبالله فثقوا، و عليه

فتوكلوا، و إياه فارجوا، إن المصاب من حرم الثواب».

2008/ [3]- عن الحسين، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لما قبض رسول الله جاءهم جبرئيل و النبي (صلى الله عليه و آله) مسجى، و في البيت علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام)، فقال: السلام عليكم، يا أهل بيت الرحمة كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ إلى مَتاعُ الْغُرُورِ إن في الله عزاء من كل مصيبة، و دركا من كل ما فات، و خلفا من كل هالك، فبالله فثقوا، و إياه فارجوا، إنما المصاب من حرم الثواب، و هذا آخر وطئي من الدنيا- قال- قالوا: فسمعنا صوتا، فلم نر شخصا».

2009/ [4]- عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لما قبض رسول الله (صلى الله عليه و آله) سمعوا صوتا من جانب البيت، و لم يروا شخصا، يقول: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ إلى قوله: فَقَدْ فازَ ثم قال: في الله خلفا و عزاء من كل مصيبة، و دركا لما فات، فبالله فثقوا، و إياه فارجوا، و إنما المحروم من حرم الثواب، و استروا عورة نبيكم. فلما وضعه على السرير نودي: يا علي، لا تخلع القميص- قال-: فغسله علي (عليهما السلام) في قميصه».

2010/ [5]- عن محمد بن يونس، عن بعض أصحابنا، قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): « (كل نفس ذائقة الموت و منشورة) كذا نزل بها على محمد (صلى الله عليه و آله)، أنه ليس أحد من هذه الأمة إلا سينشر، فأما المؤمنون فينشرون إلى قرة عين، و أما الفجار فينشرون إلى خزي الله إياهم».

2011/ [6]- عن زرارة، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ لم يذق الموت

من قتل».

- و قال-: «لا بد من أن يرجع حتى يذوق الموت».

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 1: 209/ 184.

3- تفسير العيّاشي 1: 209/ 185.

4- تفسير العيّاشي 1: 210/ 186.

5- تفسير العيّاشي 1: 210/ 187.

6- تفسير العيّاشي 1: 210/ 188.

(1) البقرة 2: 156.

(2) الأحزاب 33: 33.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 721

2012/ [7]- سعد بن عبد الله: قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن سنان، عن عمار ابن مروان، عن المنخل بن جميل، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «ليس من مؤمن إلا و له قتلة و موتة، إنه من قتل نشر حتى يموت، و من مات نشر حتى يقتل».

ثم تلوت على أبي جعفر (عليه السلام) هذه الآية كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ فقال: «و منشورة».

قلت: قولك: «و منشورة» ما هو؟

قال: «هكذا انزل بها جبرئيل على محمد (صلى الله عليه و آله): كل نفس ذائقة الموت و منشورة» ثم قال: «ما في هذه الامة أحد بر و لا فاجر إلا و ينشر، فأما المؤمنون فينشرون الى قرة أعينهم، و أما الفجار فينشرون إلى خزي الله إياهم، ألم تسمع إن الله تعالى يقول: وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ «1»، و قوله: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ «2» يعني بذلك محمدا (صلى الله عليه و آله) و قيامه في الرجعة ينذر فيها، و قوله: إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيراً لِلْبَشَرِ «3» يعني محمدا (صلى الله عليه و آله) نذيرا للبشر في الرجعة، و قوله: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ «4» يظهره الله عز و جل في الرجعة، و قوله:

حَتَّى إِذا

فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ «5» هو علي بن أبي طالب إذا رجع في الرجعة».

قال جابر: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله عز و جل: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ «6» قال: هو أنا، إذا خرجت أنا و شيعتي، و خرج عثمان و شيعته، و نقتل بني أمية فعندها يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ».

قلت: قد تقدمت روايات في الآية في قوله تعالى: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ «7»

سورة آل عمران(3):آية 186 ..... ص : 721

قوله تعالى:

لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [186]

__________________________________________________

7- مختصر بصائر الدرجات: 17.

(1) السجدة 32: 21.

(2) المدثّر 32: 21. [.....]

(3) المدثّر 74: 35، 36.

(4) التّوبة 9: 33.

(5) المؤمنون 23: 77.

(6) الحجر 15: 2.

(7) آل عمران 3: 144.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 722

2013/ [1]- محمد بن إبراهيم النعماني، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدثنا أحمد ابن يوسف بن يعقوب الجعفي، قال: حدثنا إسماعيل بن مهران، قال: حدثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن الحكم بن أيمن، عن ضريس الكناسي، عن أبي خالد الكابلي، قال: قال علي بن الحسين (عليهما السلام): «لوددت أني تركت فكلمت الناس ثلاثا، ثم قضى الله تعالى في ما أحب، و لكن عزمة «1» من الله أن نصبر» ثم تلا هذه الآية:

وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ «2» ثم تلا أيضا قوله تعالى: وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ

ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ.

2014/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن علي ما جيلويه (رحمه الله)، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي، عن محمد بن سنان و حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق، و محمد بن أحمد السناني، و علي بن عبد الله الوراق، و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب (رضي الله عنهم)، قالوا:

حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن العباس، قال: حدثنا القاسم بن الربيع الصحاف، عن محمد بن سنان: أن علي بن موسى (عليه السلام) كتب إليه في جواب مسائله في قوله: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ: «في أموالكم بإخراج الزكاة، و في أنفسكم بتوطين النفس «3» على الصبر».

2015/ [3]- العياشي: عن أبي خالد الكابلي، قال: قال علي بن الحسين (عليهما السلام): «لوددت أنه اذن لي فكلمت الناس ثلاثا، ثم صنع الله بي ما أحب» قال «4» بيده على صدره، ثم قال: «و لكنها عزمة من الله أن نصبر» ثم تلا هذه الآية: وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ و أقبل يرفع يده و يضعها على صدره.

سورة آل عمران(3): الآيات 187 الي 188 ..... ص : 722

قوله تعالى:

وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ

__________________________________________________

1- الغيبة: 198/ 11.

2- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 2: 89/ 1.

3- تفسير العيّاشي 1: 210/ 189.

(1) العزمة: الفرض «لسان العرب- عزم- 12: 400».

(2) سورة ص 38: 88.

(3) في المصدر: الأنفس.

(4) أي أشار.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 723

- إلى قوله تعالى- وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [187-

188]

2016/ [1]- علي بن إبراهيم، في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ: «و ذلك أن الله أخذ ميثاق الذين أوتوا الكتاب في محمد (صلى الله عليه و آله) ليبيننه للناس إذا خرج و لا يكتمونه فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ يقول: نبذوا عهد الله وراء ظهورهم وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ».

و قال: قوله تعالى: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا نزلت في المنافقين الذين يحبون أن يحمدوا على غير فعل.

2017/ [2]- و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ يقول: ببعد من العذاب وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.

سورة آل عمران(3): الآيات 190 الي 199 ..... ص : 723

قوله تعالى:

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ [190]

2018/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى «1».

قال: «من لم يدله خلق السماوات و الأرض، و اختلاف الليل و النهار، و دوران الفلك و الشمس و القمر، و الآيات العجيبات على أن وراء ذلك أمرا أعظم منه، فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلا- قال-: فهو عما لم يعاين أعمى و أضل».

2019/ [4]- محمد بن يعقوب: عن أبي عبد الله الأشعري، عن بعض أصحابنا، عن هشام بن الحكم، قال: قال

__________________________________________________

1- تفسير القمّي

1: 128.

2- تفسير القمّي 1: 129. [.....]

3- التوحيد: 455/ 6.

4- الكافي 1: 10 و 12/ 12.

(1) الإسراء 17: 72.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 724

لي أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): «يا هشام، إن الله تبارك و تعالى بشر أهل العقل و الفهم في كتابه، فقال:

فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ «1»».

و ساق الحديث بطوله، و قال (عليه السلام) فيه:

«ثم ذكر اولي الألباب بأحسن الذكر، و حلاهم بأحسن الحلية، فقال: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ «2»، و قال: وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ «3»، و قال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ و قال: أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ «4»، و قال: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ «5»، و قال: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ «6»، و قال: وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَ أَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ هُدىً وَ ذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ «7».

يا هشام، إن لكل شي ء دليلا، و دليل العقل التفكر، و دليل التفكر الصمت».

2020/ [3]- عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: نبه

بالتفكر قلبك، و جاف عن الليل جنبك، و اتق الله ربك».

2021/ [4]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبان، عن الحسن الصيقل، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عما يروي الناس: أن تفكر ساعة خير من قيام ليلة، قلت: كيف يتفكر؟

قال: «يمر بالخربة أو بالدار، فيقول: أين ساكنوك، أين بانوك، ما لك لا تتكلمين؟».

2022/ [5]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «أفضل العبادة إدمان التفكر في الله تعالى و في قدرته».

__________________________________________________

3- الكافي 2: 45/ 1.

4- الكافي 2: 45/ 2.

5- الكافي 2: 45/ 3.

(1) الزّمر 39: 17، 18.

(2) البقرة 2: 269.

(3) آل عمران 3: 7.

(4) الرّعد 13: 19.

(5) الزّمر 39: 9.

(6) سورة ص 38: 29.

(7) غافر 40: 53، 54.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 725

2023/ [6]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن معمر بن خلاد، قال: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول: «ليس العبادة كثرة الصلاة و الصوم، إنما العبادة التفكر في أمر الله عز و جل».

2024/ [7]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن إسماعيل بن سهل، عن حماد، عن ربعي، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): التفكر يدعوا إلى البر و العمل به».

2025/ [8]- قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أفضلكم منزلة عند الله تعالى أطولكم جوعا و تفكرا، و أبغضكم إلى الله كل نئوم أكول».

2026/ [9]- و قال ابن عباس: إن قوما تفكروا

في الله تعالى،

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «تفكروا في خلق الله، و لا تفكروا في الله، فإنكم لم تقدروا قدره».

2027/ [10]- خرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) ذات يوم على قوم و هم يتفكرون، فقال: «ما لكم لا تتكلمون؟» فقالوا: نتفكر في خلق الله تعالى. فقال: «و كذلك فافعلوا و تفكروا في خلقه، و لا تتفكروا فيه».

2028/ [11]- و سئل عيسى (عليه السلام): من أفضل الناس؟ فقال: «من كان منطقه ذكرا، و صمته فكرا، و نظره عبرة».

2029/ [12]- و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أعطوا أعينكم حظها من العبادة» [قالوا: و ما حظها من العبادة، يا رسول الله؟] «1» قال: «النظر في المصحف، و التفكر فيه، و الاعتبار عند عجائبه».

2030/ [13]- و قال ابن عباس: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب. و كان لقمان يطيل الجلوس وحده، فكان يمر به مولاه، فيقول: يا لقمان، إنك تديم الجلوس وحدك، فلو جلست مع الناس كان آنس لك. فيقول لقمان: إن طول الوحدة أفهم للفكر، و طول الفكر دليل على طريق الجنة.

__________________________________________________

6- الكافي 2: 45/ 4. [.....]

7- الكافي 2: 45/ 5.

8- ... المحجة البيضاء 5: 146.

9- ... الدر المنثور 2: 409، المحجة البيضاء 8: 193.

10- ... الدر المنثور 2: 408، المحجة البيضاء 8: 193.

11- ... المحجة البيضاء 8: 195.

12- ... كنز العمال 1: 510/ 6262، المحجة البيضاء 8: 195.

13- ... المحجة البيضاء 8: 195 و 196.

(1) أضفناه من المحجّة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 726

قوله تعالى:

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ- إلى قوله تعالى- خاشِعِينَ لِلَّهِ [191- 199] 2031/ [1]- و في قوله تعالى:

وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «ويل لمن قرأ هذه الآية ثم مسح بها سبلته «1»» أي تجاوز عنها من غير فكر، و ذم المعرضين عنها.

2032/ [2]- قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض خطبه: «الحمد لله الدال على وجوده بخلقه، و بمحدث خلقه على أزليته، و باشتباههم على أن لا شبيه له، لا تستلمه المشاعر «2»، و لا تحجبه السواتر، لافتراق الصانع من المصنوع، و الحاد من المحدود، و الرب من المربوب الأحد بلا تأويل عدد، و الخالق لا بمعنى حركة و نصب، و السميع لا بأداة، و البصير لا بتفريق آلة «3»، و الشاهد لا بمماسة، و البائن لا بتراخي مسافة، و الظاهر لا برؤية، و الباطن لا بلطافة، بان من الأشياء بالقهر لها، و القدرة عليها، و بانت الأشياء منه بالخضوع له و الرجوع إليه من وصفه فقد حده، و من حده فقد عده، و من عده فقد أبطل أزليته، و من قال: (كيف) فقد استوصفه، و من قال: (أين) فقد حيزه، عالم إذ لا معلوم، و رب إذ لا مربوب، و قادر إذ لا مقدور».

2033/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز و جل: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ.

قال: «الصحيح يصلي قائما و قعودا، و المريض يصلي جالسا، وَ عَلى جُنُوبِهِمْ الذي يكون الأضعف من المريض الذي يصلي جالسا».

2034/ [4]- الشيخ في (أماليه)، قال: أخبرنا محمد بن محمد- يعني المفيد- قال: أخبرنا المظفر البلخي الوراق، قال: أخبرنا أبو علي محمد بن همام الإسكافي

الكاتب، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال:

حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد ابن علي الباقر (عليهما السلام)، قال: «لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر الله، قائما أو جالسا أو مضطجعا، إن

__________________________________________________

1- المحجة البيضاء 8: 231.

2- نهج البلاغة: 211/ خطبة (152).

3- الكافي 3: 411/ 11.

4- الأمالي 1: 76.

(1) سبلة الرجل: مجتمع شاربيه، و قيل: مقدّم لحيته، و في «ط»: شبكته.

(2) أي لا تصل إليه الحواس، و في «ط»: لا تسلمه المشاعر. [.....]

(3) في المصدر: «بلا تفريق آلة».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 727

الله تعالى يقول: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ».

و روى هذا الحديث الشيخ المفيد في (أماليه) قال: أخبرنا المظفر بن محمد البلخي «1» الوراق، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام الإسكافي الكاتب، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، و ساق الحديث بباقي السند و المتن سواء «2».

2035/ [5]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رحمه الله)، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى بالبصرة، قال: حدثني المغيرة بن محمد، قال: حدثني رجاء بن سلمة، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهم السلام)، قال: «خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) بالكوفة منصرفه من النهروان،- و ذكر خطبة فيها أسماؤه من كتاب الله سبحانه، قال فيها- و أنا الذاكر، يقول الله تبارك و تعالى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ

عَلى جُنُوبِهِمْ».

2036/ [6]- و روى الشيباني في (نهج البيان): عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام): «أن هذه الآيات التي أواخر آل عمران نزلت في علي (عليه السلام) و في جماعة من أصحابه، و ذلك أن النبي (صلى الله عليه و آله) لما أمره الله تعالى بالمهاجرة إلى المدينة بعد موت عمه أبي طالب (رحمة الله عليه)، و كان قد تحالفت عليه قريش بأن يكبسوا عليه ليلا و هو نائم، فيضربوه ضربة رجل واحد، فلم يعلم من قاتله، فلا يؤخذ بثاره، فأمر الله بأن يبيت مكانه ابن عمه عليا (عليه السلام)، و يخرج ليلا إلى المدينة، ففعل ما أمره الله به، و بيت مكانه على فراشه عليا (عليه السلام)، و أوصاه أن يحمل أزواجه إلى المدينة، فجاء المشركون من قريش لما تعاقدوا عليه و تحالفوا، فوجدوا عليا (عليه السلام) مكانه فرجعوا القهقرى، و أبطل الله ما تعاقدوا عليه و تحالفوا.

ثم إن عليا (عليه السلام) حمل أهله و أزواجه إلى المدينة فعلم أبو سفيان بخروجه و سيره إلى المدينة فتبعه ليردهم، و كان معهم عبد له أسود، فيه شدة و جرأة في الحرب، فأمره سيده أن يلحقه فيمنعه عن المسير حتى يلقاه بأصحابه، فلحقه، فقال له: لا تسر بمن معك إلى أن يأتي مولاي. فقال (عليه السلام) له: ويلك، ارجع إلى مولاك و إلا قتلتك. فلم يرجع، فشال علي (عليه السلام) سيفه و ضربه، فأبان عنقه عن جسده، و سار بالنساء و الأهل، و جاء أبو سفيان فوجد عبده مقتولا، فتبع عليا (عليه السلام) و أدركه، فقال له: يا علي، تأخذ بنات عمنا من عندنا من غير إذننا، و تقتل عبدنا! فقال: أخذتهم بإذن

من له الإذن، فامض لشأنك. فلم يرجع، و حاربه على ردهم بأصحابه يومه أجمع، فلم يقدروا على رده، و عجزوا عنه هو و أصحابه، فرجعوا خائبين.

و سار علي (عليه السلام) بأصحابه و قد كلوا من الحرب و القتال، فأمرهم علي (عليه السلام) بالنزول ليستريحوا و يسير بمن

__________________________________________________

5- معاني الأخبار: 59/ 9.

6- نهج البيان 1: 79.

(1) في «س و ط»: البجلي، تصحيف صوابه ما في المتن، راجع رجال النجاشي: 422/ 1130.

(2) الأمالي: 310/ 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 728

معه، فنزلوا و صلوا على ما يتمكنون، و طرحوا أنفسهم عجزا يذكرون الله تعالى في هذه الحالات كلها إلى الصباح، و يحمدونه، و يشكرونه، و يعبد. ثم سار بهم إلى المدينة، إلى النبي (صلى الله عليه و آله)، و نزل جبرئيل (عليه السلام) قبل وصولهم، فحكى للنبي (صلى الله عليه و آله) حكايتهم، و تلا عليه الآيات من آخر آل عمران إلى قوله: إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ فلما وصل (عليه السلام) بهم إلى النبي (صلى الله عليه و آله)، قال له: إن الله سبحانه قد أنزل فيك و في أصحابك قرآنا، و تلا عليه الآيات من آخر آل عمران إلى آخرها» و الحمد لله رب العالمين.

2037/ [7]- و روى الشيخ المفيد في (الاختصاص): بإسناده إلى علي بن أسباط، عن غير واحد من أصحاب ابن دأب، و ذكر حديثا يتضمن أن لأمير المؤمنين (عليه السلام) سبعين منقبة لا يشركه فيها أحد من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله)، منها: أول خصاله المواساة. قالوا: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) له: «إن قريشا قد أجمعوا على قتلي، فنم على فراشي» فقال: «بأبي أنت و امي،

السمع و الطاعة لله و لرسوله» فنام على فراشه، و مضى رسول الله (صلى الله عليه و آله) لوجهه، و أصبح علي (عليه السلام) و قريش تحرسه، فأخذوه فقالوا: أنت الذي غدرتنا منذ الليلة؟

فقطعوا له قضبان الشجر، فضرب حتى كادوا يأتون على نفسه، ثم أفلت من بين أيديهم، و أرسل إليه رسول الله (صلى الله عليه و آله) و هو في الغار أن «اكثر ثلاثة أباعر: واحدا لي، و واحدا لأبي بكر، و واحدا للدليل، و احمل أنت بناتي إلى أن تلحق بي» ففعل.

[و منه خصاله (عليه السلام) الحفيظة و الكرم ] قال ابن دأب: فما الحفيظة و الكرم؟ قالوا: مشى على رجليه، و جعل بنات رسول الله (صلى الله عليه و آله) على الظهر، و كمن النهار و سار بهن الليل ما شيا على رجليه، فقدم على رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قد تعلقت قدماه دما و مدة، فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أ تدري ما نزل فيك»؟ فأعلمه بما لا عوض له لو بقي في الدنيا ما كانت الدنيا باقية. قال: «يا علي، نزل فيك فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى فالذكر أنت، و الإناث بنات رسول الله، يقول الله تبارك و تعالى: فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ إلى قوله: وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ».

2038/ [8]- العياشي: عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر الله، إن كان قائما أو جالسا أو مضطجعا، لأن الله يقول: الَّذِينَ

يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ» الآية.

عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله، في رواية اخرى.

2039/ [9]- و في رواية عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال سمعته يقول في قول الله: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً: «الأصحاء وَ قُعُوداً يعني المرضى وَ عَلى جُنُوبِهِمْ- قال:- اعل ممن يصلي جالسا و أوجع».

__________________________________________________

7- الإختصاص: 146.

8- تفسير العيّاشي 1: 211/ 190.

9- تفسير العيّاشي 1: 211/ 191.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 729

2040/ [10]- و في رواية اخرى عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ قال: «الصحيح يصلي قائما و قعودا، و المريض يصلي جالسا، و على جنوبهم أضعف من المريض الذي يصلي جالسا».

2041/ [11]- عن يونس بن ظبيان، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: وَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ.

قال: «ما لهم من أئمة يسمونهم «1» بأسمائهم».

2042/ [12]- عن عبد الرحمن «2» بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا.

قال: «هو «3» أمير المؤمنين (عليه السلام) نودي من السماء: أن آمن برسول الله فآمن به».

2043/ [13]- عن الأصبغ بن نباتة، عن علي (عليه السلام)، في قوله تعالى: ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ. قال: «قال رسول الله: أنت الثواب، و أصحابك «4» الأبرار».

2044/ [14]- عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «الموت خير للمؤمن، لأن الله يقول: وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ».

2045/ [15]- علي بن إبراهيم، قال: قوله تعالى: رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ يعني رسول الله (صلى

الله عليه و آله) ينادي للإيمان، إلى قوله: إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ثم ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) و أصحابه، فقال: فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)، و سلمان، و أبا ذرّ حين اخرج، و عمار، الذين أوذوا في سبيل الله «5»: وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ، ثم قال لنبيه (صلى الله عليه و آله): لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ.

__________________________________________________

10- تفسير العيّاشي 1: 211/ 192.

11- تفسير العيّاشي 1: 211/ 193.

12- تفسير العيّاشي 1: 211/ 194.

13- تفسير العيّاشي 1: 212/ 195، شواهد التّنزيل 1: 138/ 190.

14- تفسير العيّاشي 1: 212/ 196.

15- تفسير القمّي 1: 129. [.....]

(1) في «ط»: يسمّوا.

(2) في «س، ط»: و بعض نسخ المصدر: عن عمر بن عبد الرحمن، و هو تصحيف (عن عمّه عبد الرحمن) بسبب حذف أسانيد تفسير العيّاشي، و الراوي عن عبد الرحمن هو ابن أخيه علي بن حسّان. راجع رجال النجاشي: 234، معجم رجال الحديث 9: 343.

(3) في «ط»: هذا.

(4) في المصدر: و أنصارك.

(5) (و عمار ... اللّه) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 730

و أما قوله: وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ فهم قوم من اليهود و النصارى دخلوا في الإسلام، منهم النجاشي و أصحابه.

سورة آل عمران(3):آية 200 ..... ص : 730

قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [200]

2046/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن

إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا قال: «اصبروا على الفرائض».

2047/ [2]- عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن حماد بن عيسى، عن أبي السفاتج، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا قال:

«اصبروا على الفرائض، و صابروا على المصائب، و رابطوا على الأئمة».

2048/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن علي بن أسباط، عن ابن أبي حمزة «1»، عن أبي بصير، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا.

فقال: «اصبروا على المصائب، و صابروهم على التقية، و رابطوا على ما تقتدون به، وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ».

2049/ [4]- محمد بن إبراهيم النعماني، قال: أخبرنا علي بن أحمد بن البندنيجي، عن عبيد الله بن موسى العباسي، عن هارون بن مسلم، عن القاسم بن عروة، عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا.

قال: «اصبروا على أداء الفرائض، و صابروا عدوكم، و رابطوا إمامكم المنتظر».

__________________________________________________

1- الكافي 2: 66/ 2.

2- الكافي 2: 66/ 3.

3- معاني الأخبار: 369/ 1.

4- الغيبة: 199/ 13.

(1) في المصدر: عن أبي حمزة، و الصواب ما في المتن. لرواية ابن

أبي حمزة عن أبي بصير، كما أثبت ذلك في معجم رجال الحديث 21: 45.

و 58.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 731

و روى هذا الحديث الشيخ المفيد في (الغيبة) بإسناده عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، الحديث بعينه «1».

2050/ [5]- عنه، قال: أخبرنا علي بن أحمد، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر محمد ابن علي، عن أبيه علي بن الحسين (عليهم السلام): «أن ابن عباس بعث إليه من يسأله عن هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا فغضب علي بن الحسين (عليهما السلام) و قال للسائل: وددت أن الذي أمرك بهذا واجهني به- ثم قال-: نزلت في أبي وفينا، و لم يكن الرباط الذي أمرنا به بعد، و سيكون ذلك ذرية من نسلنا المرابط».

ثم قال: «أما إن في صلبه- يعني ابن عباس- وديعة ذرئت لنار جهنم، سيخرجون أقواما من دين الله أفواجا، و ستصبغ الأرض بدماء فراخ من فراخ آل محمد (عليهم السلام)، تنهض تلك الفراخ في غير وقت، و تطلب غير مدرك، و يرابط الذين آمنوا، و يصبرون و يصابرون حتى يحكم الله و هو خير الحاكمين».

و سيأتي نحو هذا الحديث في قوله تعالى: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا «2» بوجه آخر.

2051/ [6]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «اصبروا على المصائب، و صابروا على الفرائض، و رابطوا على الأئمة».

2052/

[7]- عنه، قال: حدثني أبي، عن الحسين بن خالد، عن الرضا (عليه السلام)، قال: «إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الصابرون؟ فيقوم فئام «3» من الناس، ثم ينادي: أين المتصبرون؟ فيقوم فئام من الناس».

قلت: جعلت فداك، و ما الصابرون؟ قال: «على أداء الفرائض، و المتصبرون على اجتناب المحارم».

2053/ [8]- سعد بن عبد الله: عن يعقوب بن يزيد و إبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السراج، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): تخلوا الأرض من عالم منكم حي ظاهر يفزع إليه الناس في حلالهم و حرامهم؟

فقال: «لا يا أبا يوسف، و إن ذلك لشي ء في كتاب الله عز و جل قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا

__________________________________________________

5- الغيبة: 199/ 12.

6- تفسير القمي 1: 129.

7- تفسير القمي 1: 129.

8- مختصر بصائر الدرجات: 8. [.....]

(1) انظر تأويل الآيات 1: 127/ 47.

(2) يأتي في الحديث (4) من تفسير الآية (72) من سورة الاسراء.

(3) الفئام: الجماعة الكثيرة. «النهاية 3: 406».

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 732

اصبروا على دينكم، و صابروا على «1» عدوكم، و رابطوا إمامكم فيما أمركم، و فرض عليكم».

2054/ [9]- الشيخ في (مجالسه) بإسناده، حذفناه اختصارا، في حديث أبي ذر، قال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): «يا أبا ذر، أتعلم في أي شي ء أنزلت هذه الآية اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»؟ قلت: لا، فداك أبي و أمي. قال: «في انتظار الصلاة خلف الصلاة».

2055/ [10]- العياشي: عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله تبارك و تعالى:

«اصْبِرُوا يقول: عن المعاصي وَ صابِرُوا على الفرائض وَ اتَّقُوا اللَّهَ يقول:

مروا بالمعروف و انهوا عن المنكر- ثم قال- و أي منكر أنكر من ظلم الامة لنا و قتلهم إيانا! وَ رابِطُوا يقول: في سبيل الله، و نحن السبيل فيما بين الله تعالى و خلقه، و نحن الرباط الأدنى، فمن جاهد عنا، فقد جاهد عن النبي (صلى الله عليه و آله) و ما جاء به من عند الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ يقول: لعل الجنة توجب لكم إن فعلتم ذلك، و نظيرها من قول الله: وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ قالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ «2» و لو كانت هذه الآية في المؤذنين كما فسرها المفسرون لفاز القدرية و أهل البدع معهم».

1056/ [11]- عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا. قال: «اصبروا على الفرائض، و صابروا على المصائب، و رابطوا على الأئمة».

2057/ [12]- عن يعقوب السراج، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): تبقى الأرض يوما بغير عالم منكم يفزع الناس إليه؟

قال: فقال لي: «إذن لا يعبد الله، يا أبا يوسف، لا تخلوا الأرض من عالم منا ظاهر يفزع الناس إليه في حلالهم و حرامهم، و إن ذلك لمبين في كتاب الله قال الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا اصبروا على دينكم، و صابروا على عدوكم ممن يخالفكم، و رابطوا إمامكم، و اتقوا الله فيما أمركم به، و افترض عليكم».

2058/ [13]- و في رواية اخرى عنه «اصْبِرُوا على الأذى فينا» قلت: وَ صابِرُوا؟ قال: «على عدوكم مع وليكم» قلت: وَ رابِطُوا؟ قال: «المقام مع إمامكم»، وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ قلت: تنزيل؟

قال: «نعم».

__________________________________________________

9-

ورد هذا الحديث في الأمالي 2: 138- 155، و لكن لم نجد هذه القطعة فيه، و وردت في مكارم الأخلاق: 467، الوسائل 3: 86/ 8، البحار 77:

85.

10- تفسير العيّاشي 1: 212/ 197.

11- تفسير العيّاشي 1: 212/ 198.

12- تفسير العيّاشي 1: 212/ 199!

13- تفسير العيّاشي 1: 213/ 200.

(1) (على) ليس في المصدر.

(2) فصّلت 41: 33.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 733

2059/ [14]- عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في هذه الآية، قال: «نزلت فينا، و لم يكن الرباط الذي أمرنا به بعد، و سيكون ذلك يكون من نسلنا المرابط، و من نسل ابن ناثل «1» المرابط».

2060/ [15]- عن بريد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: اصْبِرُوا يعني بذلك عن المعاصي وَ صابِرُوا يعني التقية وَ رابِطُوا يعني الأئمة (عليهم السلام)».

ثم قال: «أ تدري ما معنى البدوا ما لبدنا، فإذا تحركنا فتحركوا؟ وَ اتَّقُوا اللَّهَ ما لبدنا، ربكم لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ».

قال: قلت: جعلت فداك، إنما نقرؤها وَ اتَّقُوا اللَّهَ قال: «أنتم تقرؤنها كذا، و نحن نقرؤها هكذا» «2».

2061/ [16]- و روى الحسين بن مساعد من طريق المخالفين: أن الآية نزلت في رسول الله (صلى الله عليه و آله) و علي (عليه السلام) و حمزة (رضي الله عنه).

__________________________________________________

14- تفسير العيّاشي 1: 213/ 201.

15- تفسير العيّاشي 1: 213/ 202.

16- تحفة الأبرار: 114 «مخطوط»، تفسير الحبري: 252/ 17، شواهد التنزيل 1: 139/ 192.

(1) في «س»: ناتل، قال المجلسي (رحمه اللّه): ابن ناتل كناية عن ابن عبّاس، و الناتل: المتقدّم و الزاجر، أو بالثاء المثلثة كناية عن امّ العبّاس: نثيلة، فقد وقع في الأشعار المنشدة في ذمّهم نسبتهم إليها، و الحاصل أنّ من نسلنا من ينتظر الخلافة و من

نسلهم أيضا، و لكن دولتنا باقية، و دولتهم زائلة. «بحار الأنوار 24: 218». [.....]

(2) قال المجلسي (رحمه اللّه): و المعنى لا تستعجلوا في الخروج على المخالفين، و أقيموا في بيوتكم ما لم يظهر منا ما يوجب الحركة من النداء و الصيحة و علامات خروج القائم (عليه السّلام)، و ظاهره أن تلك الزيادات كانت داخلة في الآية، و يحتمل أن يكون تفسيرا للمرابطة و المصابرة بارتكاب تجوّز في

قوله (عليه السّلام): «نحن نقرؤها كذا»

و يحتمل أن يكون لفظ الجلالة زيد من النساخ، و يكون: و اتّقوا ما لبدنا ربّكم. كما يؤمي إليه كلام الراوي، بحار الأنوار 24: 218.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 735

المستدرك (سورة آل عمران) ..... ص : 735

سورة آل عمران(3):آية 5 ..... ص : 735

قوله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْ ءٌ [5]

[1]- (الاحتجاج) للطبرسي- في احتجاج الإمام الصادق (عليه السلام) على الزنادقة- قال: أ و ليس توزن الأعمال؟

قال (عليه السلام): «لا، إن الأعمال ليست بأجسام، و إنما هي صفة ما عملوا، و إنما يحتاج إلى وزن الشي ء من جهل عدد الأشياء، و لا يعرف ثقلها أو خفتها، و إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْ ءٌ».

سورة آل عمران(3):آية 25..... ص : 735

قوله تعالى:

فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ [25]

[2]- (مكارم الأخلاق): عن عبد الله بن مسعود- في حديث- أن النبي (صلى الله عليه و آله) قال له: «يا بن مسعود،

__________________________________________________

1- الاحتجاج: 351.

2- مكارم الأخلاق: 452.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 736

إذا تلوت كتاب الله تعالى فأتيت على آية فيها أمر و نهي، فرددها نظرا و اعتبارا فيها، و لا تسه عن ذلك، فإن نهيه يدل على ترك المعاصي، و أمره يدل على عمل البر و الصلاح، فإن الله تعالى يقول: فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ»

سورة آل عمران(3):آية 32 ..... ص : 736

قوله تعالى:

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ [32]

[1]- (تحف العقول): من خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) عند ما أنكر عليه قوم تسويته بين الناس في الفي ء:

«أما بعد- أيها الناس- فإنا نحمد ربنا و إلهنا و ولي النعمة علينا، ظاهرة و باطنة بغير حول منا و لا قوة إلا امتنانا علينا و فضلا، ليبلونا أ نشكر أم نكفر، فمن شكر زاده، و من كفر عذبه.

و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحدا صمدا، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله بعثه رحمة للعباد و البلاد و البهائم و الأنعام، نعمة أنعم بها و منا و فضلا.

فأفضل الناس- أيها الناس- عند الله منزلة، و أعظمهم عند الله خطرا، أطوعهم لأمر الله، و أعملهم بطاعة الله، و أتبعهم لسنة رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و أحياهم لكتاب الله، فليس لأحد من خلق الله عندنا فضل إلا بطاعة الله و

طاعة رسوله (صلى الله عليه و آله)، و اتباع كتابه و سنة نبيه (صلى الله عليه و آله)، هذا كتاب الله بين أظهرنا و عهد نبي الله و سيرته فينا، لا يجهلها إلا جاهل مخالف معاند، عن الله عز و جل، يقول الله: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ «1» فمن اتقى الله فهو الشريف المكرم المحب، و كذلك أهل طاعته و طاعة رسول الله، يقول الله في كتابه: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «2». و قال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ».

سورة آل عمران(3):آية 48 ..... ص : 736

قوله تعالى:

وَ يُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ [48] [2]- (مناقب ابن شهر آشوب): عن ابن جريج، في قوله تعالى: وَ يُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ، إن الله تعالى

__________________________________________________

1- تحف العقول: 183.

2- المناقب 1: 226.

(1) الحجرات 49: 13.

(2) آل عمران 3: 31.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 737

أعطى عيسى (عليه السلام) تسعة أشياء من الحظ، و لسائر الناس جزءا.

[2]- (مجمع البيان): عن أبي علي الجبائي، في قوله: وَ يُعَلِّمُهُ الْكِتابَ، قيل: أراد به بعض الكتب التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه سوى التوراة و الإنجيل، مثل: الزبور و غيره.

[3]- و عنه: عن النبي (صلى الله عليه و آله)، في قوله: وَ يُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ. قال (صلى الله عليه و آله): «أوتيت القرآن و مثليه» قالوا: أراد به السنن، و قيل: أراد به جميع ما علمه من اصول الدين.

سورة آل عمران(3):آية 53 ..... ص : 737

قوله تعالى:

فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ [53]

[4]- (مناقب ابن شهر آشوب): عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، في قوله تعالى: فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ.

قال: «نحن هم، نشهد للرسل على أممها».

سورة آل عمران(3): الآيات 73 الي 74 ..... ص : 737

قوله تعالى:

الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ- إلى قوله تعالى- وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [73- 74]

[5]- (بشارة المصطفى): عن سعيد بن زيد بن أرطاة، عن كميل بن زياد، عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)- في حديث- قال: «يا كميل، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لي قولا، و المهاجرون و الأنصار متوافرون يوما بعد العصر، يوم النصف من شهر رمضان، قائما على قدميه فوق منبره: علي و ابناي منه الطيبون مني، و أنا منهم، و هم الطيبون بعد أمهم، و هم سفينة، من ركبها نجا و من تخلف عنها هوى، الناجي في الجنة، و الهاوي في لظى.

يا كميل: الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ، وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ يا كميل: علام يحسدوننا، و الله أنشأنا من قبل أن يعرفونا، أ فتراهم بحسدهم إيانا عن ربنا يزيلوننا؟!».

__________________________________________________

2- مجمع البيان 2: 752.

3- مجمع البيان 2: 752.

4- المناقب 4: 283.

5- بشارة المصطفى: 30.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 738

سورة آل عمران(3):آية 105 ..... ص : 738

قوله تعالى:

وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [105]

[1]- (الاحتجاج) للطبرسي: عن محمد و يحيى ابني عبد الله بن الحسين، عن أبيهما، عن جدهما، عن علي ابن أبي طالب (عليه السلام)- في حديث- قال: «لما خطب أبو بكر قام إليه أبي بن كعب، و كان يوم الجمعة أول يوم من شهر رمضان، و قال: و ايم الله ما أهملتم، لقد نصب لكم علم، يحل لكم الحلال، و يحرم عليكم الحرام، و لو أطعتموه ما اختلفتم، و لا تدابرتم، و لا تقاتلتم و لا برى ء بعضكم من بعض، فو الله إنكم بعده لناقضون عهد رسول الله

(صلى الله عليه و آله)، و إنكم على عترته لمختلفون، و إن سئل هذا عن غير ما يعلم أفتى برأيه، فقد أبعدتم، و تخارستم، و زعمتم أن الخلاف رحمة، هيهات، أبى الكتاب ذلك عليكم، يقول الله تعالى جده «1»: وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.

ثم أخبرنا باختلافكم، فقال سبحانه: وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ «2» أي للرحمة، و هم آل محمد (صلى الله عليه و آله).

سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: يا علي، أنت و شيعتك على الفطرة و الناس منها براء. فهلا قبلتم من نبيكم، كيف و هو خبركم بانتكاصتكم عن وصيه علي بن أبي طالب و أمينه، و وزيره، و أخيه، و وليه دونكم أجمعين! و أطهركم قلبا، و أقدمكم سلما، و أعظمكم وعيا من رسول الله (صلى الله عليه و آله)، أعطاه تراثه، و أوصاه بعداته، فاستخلفه على أمته، و وضع عنده سره، فهو وليه دونكم أجمعين، و أحق به منكم أكتعين «3»، سيد الوصيين، و وصي خاتم المرسلين، أفضل المتقين، و أطوع الأمة لرب العالمين، سلمتم عليه بإمرة المؤمنين في حياة سيد النبيين، و خاتم المرسلين، فقد أعذر من أنذر، و أدى النصيحة من وعظ، و بصر من عمى، فقد سمعتم كما سمعنا، و رأيتم كما رأينا، و شهدتم كما شهدنا».

__________________________________________________

1- الاحتجاج: 114.

(1) الجدّ: العظمة.

(2) هود 11: 118 و 119. [.....]

(3) أي كلّكم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 739

سورة آل عمران(3):آية 138 ..... ص : 739

قوله تعالى:

هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَ هُدىً وَ مَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ [138] [1]- (مناقب ابن شهر آشوب): إن الله تعالى سمى عليا (عليه السلام)

مثل ما سمى به كتبه، قال في القرآن هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ، و لعلي (عليه السلام) أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ «1».

[2]- (دلائل الامامة): روى الحسن بن معاذ الرضوي، قال: حدثنا لوط بن يحيى الأزدي، عن عمارة بن زيد الواقدي، قال: حج هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين، و كان حج في تلك السنة محمد بن علي الباقر و ابنه جعفر (عليهم السلام)، فقال جعفر بن محمد (عليهما السلام) في بعض كلامه: «فقال له هشام: إن عليا كان يدعي علم الغيب و الله لم يطلع على غيبه أحدا، فكيف ادعى ذلك، و من أين؟

فقال أبي: إن الله أنزل على نبيه (صلى الله عليه و آله) كتابا بين فيه ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة، في قوله تعالى:

وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ «2»، وَ هُدىً وَ مَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ و في قوله تعالى: وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ «3»، و في قوله: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ «4» و في قوله: وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ «5» و أوحى إلى نبيه (عليه السلام) أن لا يبقي في غيبه و سره و مكنون علمه شيئا إلا يناجي به عليا، و أمره أن يؤلف القرآن من بعده، و يتولى غسله و تحنيطه و تكفينه من دون قومه، و قال لأهله و أصحابه: حرام أن تنظروا إلى عورتي غير أخي علي، فهو مني و أنا منه، له مالي و عليه ما علي، و هو قاضي ديني و منجز وعدي. و قال لأصحابه: علي يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله. و

لم يكن عند احد تأويل القرآن بكماله و تمامه إلا عند علي (عليه السلام)، و لذلك قال لأصحابه: أقضاكم علي. و قال عمر بن الخطاب: لو لا علي لهلك عمر. أ فيشهد له عمر و يجحد غيره؟!».

سورة آل عمران(3): الآيات 181 الي 182 ..... ص : 739

قوله تعالى:

ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [181- 182]

__________________________________________________

1- المناقب 3: 240.

2- دلائل الإمامة: 105.

(1) هود 11: 17.

(2) النحل 16: 89.

(3) يس 36: 12!

(4) الانعام 6: 38.

(5) النمل 27: 75.

البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص: 740

[1]- (الاختصاص): سعيد بن جناح، قال: حدثني عوف بن عبد الله الأزدي، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام)- في حديث صفة النار- قال: «و تقول الملائكة: يا معشر الأشقياء، ادنوا فاشربوا منها، فإذا أعرضوا عنها ضربتهم الملائكة بالمقامع، و قيل لهم: ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ».

تم بحمد الله و منه الجزء الأول من تفسير البرهان، و يتلوه الجزء الثاني، أوله تفسير سورة النساء

__________________________________________________

1- الاختصاص: 362

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.