الآراءُ الفقهیَّة: (ق_س_م المکاسب المحرمة 3) المجلد 3

اشارة

بطاقة تعريف: النجفي، هادي، 1342 -

عنوان واسم المؤلف: الاراء الفقهیة/ تالیف هادي النجفي.

تفاصيل المنشور: اصفهان: مهر قائم، 1387.

مواصفات المظهر: 3 ج.

شابک : 0 20000 ریال: دوره: 978-964-7331-77-7 ؛ ج. 1: 978-964-7331-74-6 ؛ ج. 2: 978-964-7331-75-2 ؛ ج. 3: 978-964-7331-85-2

حالة الاستماع: فاپا/الاستعانة بمصادر خارجية.

لسان: العربية.

ملحوظة: ج. 2 و 3 ( الطبعة الأولى: 1429ق. = 1387).

ملحوظة: فهرس.

موضوع : المعاملات (فقه)

موضوع : أعمال الهرم

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

ترتيب الكونجرس: BP190/1/ن3آ4 1387

تصنيف ديوي: 297/372

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1245417

ص: 1

اشارة

ص: 2

الاراء الفقهیه قسم المکاسب المحرمه

تالیف هادی النجفی

ص: 3

ص: 4

تتمة النوع الرابع: الاکتساب بما هو حرام فی نفسه

القِمار

اشارة

یقع الکلام فیه فی مقامات :

المقام الأوّل : ما هو القِمار ؟

قبل الورود فی البحث لابدّ من ملاحظة کلمات اللغویین فی القمار :

قال أحمد بن فارس : « القاف والمیم والراء أصلٌ صحیحٌ یدلّ علی بیاض فی شیءٍ ثمّ یفرّع منه . من ذلک القَمَر : قَمَر السماء ، سمِّی قمراً لبیاضه ، وحمارٌ أقمر : أی أبیض ... .

فأمّا قولُهم : قَمَر یَقْمِرُ قَمْرَاً ، والقِمار من المقامرة ، فقال قوم : هو شاذّ عن الأصل الذی ذکرناه ، وقال آخرون : بل هو منه . وذلک أنّ المُقامِرَ یزید ماله وینْقُص ولا یبقی علی حالٍ . وهذا شیءٌ قد سمعناه . واللّه أعلم بصحته . قال ابن درید : تَقَمَّرَ الرجل : إذا طلب من یقامره ، ویقال : قَمَرْتُ الرجلَ أقْمُره وأقْمِرُه»(1) .

وقال الزمخشری : « ومن المجاز : تَقَمَّره : خَدَعَه ، ومنه القِمار لأنّه خِدَاع ، تقول : قَامَرْتُهُ فَقَمَرتُه أقْمُرُه : غلبته ... »(2) .

وقال ابن منظور : « وقامَرَ الرجلَ مُقامَرَةً وقِمارَاً : راهنه ، وهو التقامر . والقِمارُ : المُقامَرَةُ : وتَقَامَرُوا : لعبوا القِمارَ . وقَمیرُکَ : الذی یُقامِرُک عن ابن جنی ، وجمعه أقْمارٌ ، عنه أیضاً وهو شاذٌ کنصیر وأنصار ، وقد قَمَره یَقْمِرُه قَمْراً . وفی حدیث أبی هریرة : مَنْ قال تَعالَ أُقامِرْکَ فلیتصدَّق بقدر ما أراد أن یجعله خَطَراً فی القِمار . الجوهری : قَمَرْتُ الرجل أقْمِرُه بالکسر ، قَمْرا : إذا لاعبتُهُ فیه فَغَلَبْتُهُ . وقامَرْتُه فَقَمَرْتُه أقْمُرُه ، بالضم ، قَمْراً : إذا فاخرته فیه فغلبته . وتَقَمَّر

ص: 5


1- (1) معجم مقاییس اللغة 5 / 26 .
2- (2) أساس البلاغة / 377 .

الرجلُ : غلب مَنْ یُقامِرُه ... »(1) .

وقال الفیومی : « قَامَرْتُهُ قِمَاراً : مِنْ باب قَاتَلَ ، فَقَمَرْتُهُ قَمْرَاً ، من بابی قَتَل وضَرَبَ ؛ غَلَبْتُهُ فی القِمارِ»(2) .

وقال الفیروزآبادی : « قامَرَهُ مُقامَرَةً وقِمارَاً فَقَمَرهُ کنَصَرَهُ وتَقَمَّرَه : راهَنَه فَغَلَبَهُ وهو التَّقَامُرُ ، وقَمیرُک : مَقامِرُک ، جمعه : أقْمارٌ»(3) .

وقال الطریحی : « القِمار بالکسر : المقامرة ، وتقامروا : لعبوا بالقمار واللعب بالآلات المعدّة له علی اختلاف أنواعها نحو الشطرنج والنرد وغیر ذلک ، وأصل القمار : الرهن علی اللعب بشیءٍ من هذه الأشیاء ، وربّما أطلق علی اللعب بالخاتم والجوز وعود»(4) .

أقول : قد نَطقت کلمات اللغویین علی أنّ القمار لابدّ له من رهان ولا یصدق علی صِرْفِ اللعب بلا رهان . ولکن هل یصدق القمار علی اللعب بالآلات المُعَدِّة له فقط ؟ أو یصدق علی اللعب بکلِّ شیءٍ سواءٌ عُدّ للقمار أم لا ولکن مع الرهان ؟ الظاهر هو الأخیر ، لأنّ الغلبة فی الرهن یصدق مع کلِّ آلة ، سواء فی ذلک الآلات المعدّة له وغیرها ، نحو : الجوز والبیض والکتاب والخاتم وعود وبعض الظروف ونحوها کما صرح به الطریحی فی مجمع البحرین .

ثمّ هل یُطلق القمار علی اللعب بالآلات المعدّة له ولکن مع عدم الرهان ؟ ذهب فی جامع المقاصد علی صحة إطلاق القمار مع عدم الرهان وقال : « ربّما اُطلق علی اللعب بها مطلقاً»(5) أی یصدق إطلاق القمار علی اللعب بالآلات المعدّة له مطلقاً ، أعنی مع الرهان وبدونه .

وقال فی مفتاح الکرامة : « وظاهر الصحاح والمصباح المنیر وکذلک التکملة والذیل أنّه قد یُطلق علی اللعب بهذه الأشیاء مطلقاً ، أی مع الرهن ودونه ، وبه صرّح فی جامع

ص: 6


1- (1) لسان العرب 11 / 300 .
2- (2) المصباح المنیر / 515 .
3- (3) القاموس / الطبع الحجری مادة : القمرة . (2 / 121) .
4- (4) مجمع البحرین / الطبع الحجری مادة : قمر (3 / 463) .
5- (5) جامع المقاصد 4 / 24 .

المقاصد»(1) .

وتبعه صاحب الجواهر(2) ، وقبلهما قال سید الریاض فی السبق والرمایة من کتابه : « ودعوی صدق القمار والرهانة علی بذل العوض غیر معلوم الصحة ، مع صدقهما سیما الرهانة بدونه عرفاً وعادة»(3) .

أقول : قد عرفت أنّ مقوم القمار وجود الرهن ، فمع عدمه لا یصدق القمار ، فلا یتمّ ما ذکره هؤلاء الأعلام قدس سرهم . ویظهر ما ذکرناه من الفاضل النراقی(4) حیث ذهب إلی جواز اللعب بآلات القمار مع عدم الرهان فی غیر الشطرنج والنرد . فهو لا یطلق القمار علی اللعب بالآلة بدون الرهن ، فلذا حکم بالجواز فی غیرهما . وعدم صحة اطلاق القمار صحیح ، وسیأتی حکم الفرع المذکور فی کلامه قدس سره فیما بعد إن شاء اللّه تعالی .

ووافقنا علی ذلک الشیخ الأعظم حیث یقول فی حکم اللعب بآلات القمار من دون رهن : « فی صدق القمار علیه نظر لما عرفت ... »(5) .

ووافقنا أیضاً المحقق الخمینی فی الأخیر فقط ، حیث یقول : « ولا یبعد عدم صدقهما (أی صدق القمار والمیسر) علی اللعب بالآلات بلا رهان ، کما تشهد به کلمات کثیر من اللغویین کصاحب القاموس والمجمع والمنجد ومنتهی الأرب ومحکی لسان العرب ، فإنّها طفحت بقید الرهان»(6) .

والمحقق الخوئی وافقنا فی المسألتین ، حیث یقول : « إنّ المستفاد من کلمات أهل العرف واللغة أنّ القمار وکذلک المیسر موضوع للعب بأیّ شیءٍ مع الرهان ویعبّر عنه فی لغة الفرس

ص: 7


1- (1) مفتاح الکرامة 12 / 186 .
2- (2) الجواهر 22 / 109 .
3- (3) ریاض المسائل 10 / 239 .
4- (4) مستند الشیعة 14 / 106 فما ذکره فی مصباح الفقاهة 1 / 369 من وجود عدم الخلاف فی المستند علی المسألة الثانیة غیر تام ونفی الخلاف فیه یرجع إلی المسألة الأولی .
5- (5) المکاسب المحرمة 1 / 372 .
6- (6) المکاسب المحرمة 2 / 3 .

بکلمة (برد و باخت) ، وعلیه فاللعب بالآلات بدون الرهن خارج عن المطلقات موضوعاً وتخصصاً»(1) .

وقال أیضاً فی حرمة المراهنة علی اللعب بغیر الآلات المعدّة للقمار : « الثانی : صدق مفهوم القمار علیه بغیر عنایة وعلاقة ، فقد عرفت أن الظاهر من أهل العرف واللغة أنّ القمار هو الرهن علی اللعب بأیّ شیء کان ، وتفسیره باللعب بالآلات المعدّة للقمار دور ظاهر»(2) .

أقول : یظهر من کلمات أهل اللغة أنّ القمار یصدق إذا کان فی البین رهانٌ ، بلا فرق بین أن یکون بآلات القمار وغیرها . وأمّا إذا لم یکن رهان بین الطرفین فلا یصدق القمار ، سواء کان اللعب بآلات القمار أو غیرها ، ویؤید ما استفدناه من أهل اللغة إطلاق کلمة « القمار » عند أهل العرف .

المقام الثانی : أدلة حرمة القمار

اشارة

الأدلة الأربعة تدلّ علی حرمة القمار :

1 _ من الکتاب

الف : قوله تعالی : «یَسْأَلُونَکَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ قُلْ فِیهِمَا إِثْمٌ کَبِیرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَکْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا»(3) .

المیسر هو القمار ، وقرنه اللّه تعالی بالخمر وحکم فیهما بأنهما أثم کبیر . وظهور الآیة الشریفة فی الحرمة واضحٌ .

ویدلّ علی أنّ المیسر هو القمار خبر الوشاء عن أبی الحسن علیه السلام قال : سمعته یقول : المیسر هو القمار(4) .

ورواه العیاشی فی تفسیره 2 / 72 ح 183 عن الرضا علیه السلام .

ص: 8


1- (1) مصباح الفقاهة 1 / 372 .
2- (2) مصباح الفقاهة 1 / 375 .
3- (3) سورة البقرة / 219 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 165 ح 3 . الباب 35 من أبواب ما یکتسب به .

وفی تفسیر العیاشی عن حمدویه عن محمد بن عیسی قال : سمعته یقول : کتب إلیه إبراهیم بن عَنْبَسَة _ یعنی إلی علی بن محمّد علیهماالسلام _ إن رأی سیدی ومولای أن یخبرنی عن قول اللّه تعالی : «یَسْأَلُونَکَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ» الآیة ، فما المیسر جعلت فداک ؟ فکتب : کلّ ما قُومر به فهو المیسر ، وکلّ مسکر حرام(1) .

الروایة معتبرة الإسناد .

فی خبر جابر عن أبی جعفر علیه السلام قال : لما أنزل اللّه علی رسوله صلی الله علیه و آله وسلم «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ» قیل : یا رسول اللّه ما المیسر ؟ فقال : کلّ ما تقومر به حتّی الکِعاب(2) والجوز . قیل : فما الأنصاب ؟ قال : ما ذبحوا لآلهتم . قیل : فما الأزلام ؟ قال : قداحهم التی یستقسمون بها(3) .

ب : قوله تعالی : «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا یُرِیدُ الشَّیْطَانُ أَن یُوقِعَ بَیْنَکُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِی الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ وَیَصُدَّکُمْ عَن ذِکْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ»(4) .

عُدّ فی الآیة الشریفة القمار _ وهو المیسر _ من الرجس وعمل الشیطان ، ولذا أمر باجتنابه ، وعلّل حرمته بأنّه یوجب العداوة والبغضاء بین المؤمنین ویصدّهم عن ذکر اللّه تعالی وعن الصلاة . فدلالة الآیتین علی الحرمة ظاهرة .

روی العیاشی فی ذیلها عن یاسر الخادم عن الرضا علیه السلام قال : سألته عن المیسر ؟ قال : الثّقل من کل شیءٍ . قال الحسین : والثّقل ما یخرج بین المُتَراهِنَیْن من الدراهم وغیرها(5) .

رواها الشیخ الحر ، ولکن بدّل الحسین بالخبز والثقل بالتفل ، ولکن الصحیح کما فی

ص: 9


1- (1) تفسیر العیاشی 1 / 218 ح 314 .
2- (2) الکعاب : جمع الکَعْب : یقال للعظم الذی یلعب به .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 165 ح 4 .
4- (4) سورة المائدة / 91 و 90 .
5- (5) تفسیر العیاشی 2 / 75 ح 189 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 167 ح 12 مع اختلاف .

تفسیر العیاشی « الحسین» ، ولعلّه هو من رواة الخبر قد حُذف بإسقاط السند ، ولعلّ الثّقل الموجود فی تفسیر العیاشی والتفل الموجود فیالوسائل کلاهما تصحیف الثُّفل _ بالثاء المنقوطة بثلاث والفاء _ وهو ما سفل من کلّ شیءٍ ، واُطلق هنا مجازاً علی ما یخرج بین المتراهنین .

قال الشیخ الطوسی : « المیسر : قال ابن عباس وعبد اللّه بن مسعود والحسن ومجاهد وقتادة وابن سیرین : هو القمار ، وهو الظاهر فی روایاتنا »(1) .

بدلّ الطبرسی قوله الأخیر ب_ « هو المروی عن أئمتنا» وأضاف إلیه : « حتّی قالوا : إنّ لعب الصبیان بالجوز هو قمارٌ»(2) .

وقال فی تفسیره الآخر : « أکَّدَ سبحانه تحریم الخَمر والمیسر بوجوه من التأکید :

منها : أنّه قرنهما بعبادة الأنصاب التی هی الأصنام ، ومنه قوله علیه السلام : شارب الخمر کعابد الوثن .

ومنها : أنّه جعلهما رجساً کما قال : «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الاْءَوْثَانِ»(3) .

ومنها : أنّه جعلهما من عمل الشیطان .

ومنها : أنّه أمر بالاجتناب .

ومنها : أنّه جعل الاجتناب من الفلاح ، والهاء فی « فاجتنبوه» یعود إلی عمل الشیطان أو إلی مضافٍ محذوفٍ ، کأنّه قیل : إنّما شأن الخمر والمیسر أو تعاطی الخمر والمیسر ونحو ذلک .

ومنها : أنّه ذکر نتائِجَهما من المفاسد التی هی وقوع التعادی والتباغض بین أصحاب الخمر والقَمْر وما یؤدّیان إلیه من الصَّدِّ «عَن ذِکْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ» التی هی عماد الدین .

وقوله : «فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ» نهیٌ بلیغ ، أی فهل أنتم مع ما تُل_ِیَ علیکم من هذه الصوارف منتهون»(4) .

ص: 10


1- (1) التبیان 2 / 212 .
2- (2) مجمع البیان 2 / 316 .
3- (3) سورة الحج / 30 .
4- (4) جوامع الجامع 1 / 351 .

ونحوها فی الکشاف 1 / 674 للزمخشری .

ج : قوله تعالی : «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ لاَ تَأْکُلُواْ أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَکُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنکُمْ»(1) .

الآیة الشریفة نهت عن أکل الأموال بالأسباب الباطلة ، ومنها : القمار ، ولذا ورد فی عدّة من الروایات تطبیق السبب الباطل بالقمار :

منها : صحیحة زیاد بن عیسی _ وهو أبو عبیدة الحذاء(2) _ قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن قوله عزّ وجل : «لاَ تَأْکُلُواْ أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ» فقال : کانت قریش تقامر الرجل بأهله وماله ، فنهاهم اللّه عزّ وجل عن ذلک(3) .

روی العیاشی مرسلاً عن محمد بن علی عن أبی عبد اللّه علیه السلام مثله فی تفسیره 1 / 390 ح 103 مع زیادة .

ومنها : صحیحة محمد بن عیسی قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام فی قول اللّه عزّ وجل : «لاَ تَأْکُلُواْ أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ» قال : ذلک القمار(4) .

ومنها : ما رواه العیاشی فی تفسیره مرسلاً عن أسباط بن سالم قال : کنت عند أبی عبد اللّه علیه السلام فجاءه رجلٌ فقال له : أخبرنی عن قول اللّه : «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ لاَ تَأْکُلُواْ أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ» قال : عنی بذلک القمار ، الحدیث(5) .

ومنها : ما رواه العیاشی مرسلاً عن أسباط قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن قول اللّه : «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ لاَ تَأْکُلُواْ أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ» قال : هو القمار(6) .

فالآیة الشریفة مع هذه التطبیقات فی الروایات المعتبرة تدلّ بوضوح علی

ص: 11


1- (1) سورة النساء / 29 .
2- (2) کذا فی الکافی الشریف 5 / 122 ح 1 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 164 ح 1 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 167 ح 14 .
5- (5) تفسیر العیاشی 1 / 388 ح 98 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 166 ح 8 .
6- (6) تفسیر العیاشی 1 / 389 ح 100 .

حرمة القمار .

2 _ من السنة

عدّة من الروایات المعتبرة المستفیضة تدلّ علی حرمته مضافاً إلی ما مرّ ذکره فی ذیل الآیات :

منها : صحیحة محمد بن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام قال : لا تصلح المقامرة ولا النهبة(1) .

ومنها : حسنة عبد الحمید بن سعید قال : بعث أبو الحسن علیه السلام غلاماً یشتری له بیضاً ، فأخذ الغلام بیضة أو بیضتین فقامر بها ، فلمّا أتی به أکله ، فقال له مولیً له : إنّ فیه من القمار ، قال : فدعا بطشت فتقیّأه(2) .

قال الشیخ جعفر فی شأن الروایة : « وراویه أدری به»(3) .

وقال صاحب الجواهر : « إنّه لا یخلو من بحث بالنسبة إلی منافاة العصمة التی هی الطهارة من الرجس»(4) .

وقال الشیخ الأعظم : « ولکن یشکل بأنّ ما کان تأثیره کذلک ... إلی قوله قدس سره : هذا کلّه لتطبیق فعلهم علی القواعد ، وإلاّ فلهم فی حرکاتهم من أفعالهم وأقوالهم شؤون لا یعلمها غیرهم»(5) .

وقال المحقق الخوئی : « ویمکن أن یقال : إنّ الاعتراض علی الروایة مبنی علی کون علم الأئمة بالموضوعات حاضراً عندهم من غیر توقف علی الإرادة ، وقد دلت علیه جملة من الروایات ، کما أن علمهم بالأحکام کذلک . وأمّا بناءً علی أنّ علمهم بالموضوعات تابع لإرادتهم واختیارهم - کما دلت علیه جملة اُخری من الروایات - فلا یتوجّه الإشکال علی

ص: 12


1- (1) الکافی 5 / 123 ح 5 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 165 ح 5 .
2- (2) الکافی 5 / 123 ح 3 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 165 ح 2 .
3- (3) شرح القواعد 1 / 207 .
4- (4) الجواهر 22 / 110 .
5- (5) المکاسب 1 / 379 .

الروایة ، لإمکان صدور الفعل عنهم علیهم السلام جهلاً قبل الإرادة»(1) .

وقال شیخنا الأستاذ _ مدظله _ : « إنّ الإمام علیه السلام لا یمکن غفلته أو جهله بالأحکام المجعولة فی الشریعة ، حیث أنّ ذلک ینافی کونه هادیاً ودلیلاً علی الحقِّ ومبیّناً لأحکام الشرع . وأمّا الموضوعات الخارجیة فعلمه بجمیعها مطلقاً أو عند إرادته الإطلاع علیها ، فلا سبیل لنا إلی الجزم بشیءٍ حتّی نجعله منشأ الإشکال فی مثل الروایة»(2) .

أقول : هذا البیان من شیخنا الأستاذ _ مدظله _ کلام فصل یحلّ به الإشکال فی الروایة ، وأمّا ما ذکره الفقیه السبزواری قدس سره فی المهذب(3) لا یتم لوجهین :

الأوّل : لا یمکن بیان الطرق والأمارات والأصول والأحکام الظاهریة وجعلها فی حقّ العالم بالواقع ونفس الأمر ، لأنّ اعتبار هذه الأمور یجری فی فرض الجهل بالواقع .

والثانی : بعد الأکل والإزدراد لا یبقی ملکیة الغیر للمادّة ، لأنّها یصدق علیها أنّها تلفت ، وبقاعدة الإتلاف الآکل ضامن لها .

ومنها : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : کان ینهی عن الجوز یجیء به الصبیان من القمار أن یؤکل ، وقال : هو سحتٌ(4) .

ومنها : معتبرة اسحاق بن عمار قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : یلعبون بالجوز والبیض ویقامرون ، فقال : لا تأکل منه فإنّه حرام(5) .

3 _ الاجماع

لا خلاف بین المسلمین من حرمة اللعب بالآلات المعدّة للقمار مع المراهنة ، بل یمکن أن یقال بأنّ حرمته من ضروریات الدین :

قال الشیخ فی النهایة : « عمل الأصنام والصلبان والتماثیل المجسَّمة والصور والشطرنج

ص: 13


1- (1) مصباح الفقاهة 1 / 379 .
2- (2) إرشاد الطالب 1 / 220 .
3- (3) مهذب الأحکام 16 / 144 .
4- (4) الکافی 5 / 123 ح 6 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 166 ح 6 .
5- (5) الکافی 5 / 124 ح 10 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 166 ح 7 .

والنرد وسائر أنواع القمار حتّی لعب الصبیان بالجوز ، فالتجارة فیها والتصرف والتکسب بها حرامٌ محظورٌ»(1) .

قال العلامة فی المنتهی : « القمار حرام بلا خلاف بین العلماء ، وکذا ما یؤخذ منه ... إلی أن قال : فإن جمیع أنواع القمار حرام من اللعب بالنرد والشطرنج والأربعة عشر(2) واللعب بالخاتم ، حتّی لعب الصبیان بالجوز علی ما تضمنته الأحادیث ، ذهب إلیه علماؤنا أجمع ، وقال الشافعی : یجوز اللعب بالشطرنج ، وقال أبو حنیفة بقولنا»(3) .

وقال الشهید الثانی : « مذهب الأصحاب تحریم اللعب بآلات القمار کلّها من الشطرنج والنرد والأربعة عشر وغیرها ، ووافقتهم علی ذلک جماعة من العامة منهم أبو حنیفة ومالک وبعض الشافعیة ... »(4) .

وذکر المحقق الأردبیلی کلام العلامة فی المنتهی ثمّ قال : « لعلّه یرید بقوله « بلا خلاف» فی تحریمه فی الجملة ، لا جمیع أنواعه»(5) .

وقال : « القمار هو : اللعب بالآلات المعدّة له ، کالنرد والشطرنج حتّی اللعب بالخاتم والجوز والکعاب ... ودلیل تحریم الکلّ الإجماع»(6) .

والفاضل الأصبهانی فی ذیل قول العلامة فی شهادات القواعد : « واللاعب بآلات القمار کلّها فاسق» قال : عندنا(7) .

أقول : الظاهر أنّ مراده عند الشیعة الإمامیة .

ص: 14


1- (1) النهایة / 363 .
2- (2) الأربعة عشر : قطعة من خشب حُفر فی ثلاثة أسطر ویجعل فی الحفر حصی صغار یلعب بها کذا فی المبسوط 8 / 222 ، والمسالک 14 / 177 ، وکشف اللثام 10 / 291 .
3- (3) منتهی المطلب 2 / 1012 .
4- (4) المسالک 14 / 176 .
5- (5) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 82 .
6- (6) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 41 .
7- (7) کشف اللثام 10 / 290 .

وذکر المحدث البحرانی کلام العلامة الحلی فی المنتهی من دون تعلیق(1) .

وقال الشیخ جعفر بعد تعریف القمار والحکم بحرمته : « للإجماع المنقول»(2) .

وقال سید الریاض : « والقمار بالآلات المعدّة له کالنرد والشطرنج والأربعة عشر واللعب بالخاتم والجوز والبیض بلا خلاف فی شیء من ذلک ، بل عن المنتهی وفی غیره الإجماع علیه ، وهو الحجة بعد الکتاب والسنة المستفیضة ... »(3) .

وقال الفاضل النراقی بعد تعریف القمار : « بل فی المنتهی وغیره الإجماع علیه ، وهو الحجة فی المقام وعلیه المعوّل»(4) .

وقال السید العاملی : « إنّ عمل القمار حرام ... والتحریم مذهب الأصحاب ... »(5) .

وقال فی الجواهر : « بلا خلاف أجده فیه بل الإجماع بقسمیه علیه»(6) .

وقال الشیخ الأعظم : « القمار حرام إجماعاً»(7) .

وقال المحقق الخوئی بعد ذکر عدم الخلاف بین الفقهاءمن الشیعة والسنة « بل علی حرمة القمار ضرورة مذهب الإسلام»(8) .

4 _ العقل

العقل حاکم بأنّ القمار « منشأ للفساد والإفساد وتضییع المال والعمر»(9) . فیحکم بقبحه الذی یتبع الحرمة الشرعیة .

ص: 15


1- (1) الحدائق 18 / 186 .
2- (2) شرح القواعد 1 / 205 .
3- (3) ریاض المسائل 8 / 169 .
4- (4) مستند الشیعة 14 / 103 .
5- (5) مفتاح الکرامة 12 / 184 .
6- (6) الجواهر 22 / 109 .
7- (7) المکاسب المحرمة 1 / 371 .
8- (8) مصباح الفقاهة 1 / 368 .
9- (9) کما فی مهذب الأحکام 16 / 140 .

« وأنّ أخذ المال بغیر تجارة ومشقة یوجب لإلقاء العداوة والبغضاء والاشتغال به یصدّ عن ذکر اللّه وعن امتثال الأحکام الإلهیة»(1) والعقل حاکم بقبح الجمیع .

المقام الثالث : مسائل أربع

الأُولی : اللعب بآلات القمار مع المراهنة

قد سبق أن اللعب مع المراهنة هو المصداق التام للقمار ، ولم یسشکل فیه أحدٌ ، فما ذکر من الآیات والروایات والإجماع وحکم العقل علی حرمة القمار تشمل هذه المسألة وتدلّ علی حرمتها ، بلا إشکال بل هی القدر المتیقَّن منها .

ثمّ فلیعلم أنّ هاهنا أموراً :

الأوّل : صنع الآلات المعدّة للقمار .

الثانی : أخذ الاُجرة علی صنعها .

الثالث : بیع الآلات المعدّة للقمار .

الرابع : اللعب بها مع المراهنة .

الخامس : أخذ الرهن أی المال المجعول فی البین .

وبما مرّ من الأدلة یحکم بحرمة الجمیع تکلیفاً وبحرمة الثانی والثالث والخامس وضعاً .

ومن أظهر مصادیق القمار فی زماننا هذا « الحظ والنصیب» أو « یا نصیب» أو المعبَّر عنه فی لغة الفرس ب_ « بلیط بَخت آزمائی » ، لأنّه نظیر اللعب بالأقداح فی زمن الجاهلیة وفیه الرهان وکثیراً ما یقع بآلات القمار أو ما شابهها ، فیحکم بحرمته بلا إشکال .

الثانیة : اللعب بالآلات المعدّة للقمار بدون المراهنة

بأنّ یکون الغرض من هذا اللعب مجرد الاشتغال والأنس کما هو المتداول الیوم بین بعض الشباب ، فهل هو محرّم أم لا ؟ استدلوا علی حرمته بوجوه :

الأوّل : وجود الإجماع وعدم الخلاف اللذین یشملان هذه المسألة .

ص: 16


1- (1) کما فی مصباح الفقاهة 1 / 369 .

وفیه : إن ثبت الإجماع فهو ، ولکن یمکن أنْ یناقش فیه بأنّ معقد الإجماع وعدم الخلاف فی المسألة الأولی فقط .

وقد مرّ منّا أن عدم الخلاف المذکور فی المستند یرجع إلی المسألة الأولی لا إلی الثانیة ، فما ورد فی المصباح(1) غیر تام .

نعم ، ورد التصریح بالحرمة فی القواعد(2) والدروس(3) فی شهاداتهما ، وقال المحقق الثانی : « لا ریب فی تحریم اللعب بذلک (أی بآلات القمار) وإن لم یکن رهن»(4) . وتبعهم الفاضل الأصفهانی(5) وسیأتی تفصیل کلمات الأصحاب فی هذا المجال فی المقام الخامس من البحث فانتظر .

الثانی : صدق القمار فی اللعب بها ولو لم یکن فی البین رهان .

وفیه : قد سبق عدم صدق القمار بمجرد اللعب وأنّ مقوم القمار هو الرهان فإذا لم یکن لم یصدق القمار ، ولذا قال الشیخ الأعظم : « وفی صدق القمار علیه نظر»(6) .

الثالث : قد وردت فی الروایات بأنّ کلّ ما قومر علیه فهو میسر ، ووردت عدّة من الروایات فی النهی عن اللعب بالشطرنج والنرد وسنذکر بعضها فیما بعد فی المقام الخامس من البحث إن شاء اللّه تعالی ، ولو کنّا وهذه الروایات فقط لا تفید فی المقام شیئاً ، ولذا استشکل الفاضل النراقی(7) فی حرمة اللعب بغیرهما من دون رهان وأنّ الأصل عدم الحرمة .

هذا البیان منه تام لو لم یکن فی البین صحیحة معمر بن خلاد عن أبی الحسن علیه السلام قال : النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة ، وکلّ ما قومر علیه فهو میسر(8) .

ص: 17


1- (1) مصباح الفقاهة 1 / 369 .
2- (2) قواعد الأحکام 3 / 494 .
3- (3) الدروس 2 / 126 .
4- (4) جامع المقاصد 4 / 24 .
5- (5) کشف اللثام 10 / 291 .
6- (6) المکاسب المحرمة 1 / 372 .
7- (7) مستند الشیعة 14 / 106 .
8- (8) وسائل الشیعة 17 / 323 ح 1 . الباب 104 من أبواب ما یکتسب به .

بتقریب : أن فی هذه الصحیحة أضاف الإمام علیه السلام الأربعة عشر التی لم ترد ذکرها فی غیرها من الروایات ، ثمّ حکم علیه السلام بأنهنَّ بمنزلة واحدة ، ثمّ عطف علیهنّ کلّ ما قومر علیه - أعنی کلّ ما یکون من آلات القمار - فهو میسر ، یعنی قمار . ومن الواضح أنه لو کان فی البین رهان لا یحتاج الإمام علیه السلام إلی الحکم بکونه من المیسر والقمار لوضوحه ، فما ورد فی هذه الصحیحة اللعب بآلات القمار من دون رهان وحکم الإمام علیه السلام تعبداً بأنّه من المیسر وهو القمار .

والإستدلال بهذه الصحیحة فی حرمة اللعب بآلات القمار ولو من دون رهان تام عندنا .

ویؤیدها خبر الفضیل قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن هذه الأشیاء التی یلعب بها الناس : النرد والشطرنج حتی انتهت إلی السُدَّر(1) ؟ فقال : إذا میّز اللّه الحقّ من الباطل مع أیّهما یکون ؟ قال : مع الباطل ، قال : فما لک وللباطل(2) ؟ !

رجال السند کلّهم ثقات حتّی عبد اللّه بن عاصم ، أمّا علی بن إسماعیل المیثمی حسنٌ لو لم یکن ثقة ، ولکن فیه سهل بن زیاد الآدمی القمی وفیه ما فیه ، إلاّ أن یقال - کما عن شیخنا البهائی قدس سره - بأنّ الأمر فی سهل سهلٌ . ولکن حیث أنّه لم یثبت وثاقته عندنا لذا عبرنا عن السند بالخبر .

وأمّا دلالتها : حیث عدّ السائل بعد النرد والشطرنج ، بعض آخر من آلات القمار وختمها بالسُدَّر ، وحکم الإمام علیه السلام بأنّ اللعب بها من الباطل أی حرامٌ . والسائل یسأل عن اللعب بها فقط وظهور السؤال فی عدم الرهان ، وهذه الروایة کالنص فی مسألتنا هذه ، ولکن فی سندها ضعف بسهل ، ولذا جئتُ بها علی نحو التأیید .

ویؤید ما ذکرنا اتفاق الأصحاب قدس سرهم علی الحرمة فی اللعب بآلات القمار من دون

ص: 18


1- (1) السُدَّر : لعبة یقامر به ، فارسیة معربة عن ثلاثة أبواب . قال الشیخ فی المبسوط 8 / 222 : « والقرق وقال أهل اللغة هی القرقة ویقال لها بالفارسیة سدره ، وهی دایرة مربّعة یخط فیها خطّان کالصلیب ویجعل علی رؤوس الخط حصیً یلعبون بها» .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 324 ح 3 .

الرهان ، ولم أجد مخالفاً بینهم إلاّ ما حُکی عن بعض مشایخنا طاب ثراه . نعم ، وقع الخلاف فیها بین العامة .

الثالثة : المراهنة علی اللعب بغیر الآلات المعدّة للقمار

ذهب الأصحاب إلی حرمة هذه المراهنة ، واستدلوا بوجوه :

الأوّل : عدم وجود الخلاف بین أصحابنا قدس سرهم فی حرمتها کما مرّ التصریح بذلک فی المقام الثانی من هذا البحث عن العلامة فی المنتهی(1) ، وصرح بها فی التذکرة حیث یقول : « القمار حرام وتعلّمه واستعماله وأخذ الکسب به حتی لعب الصبیان بالجوز والخاتم»(2) وهکذا فی القواعد(3) والتحریر(4) ، والمحقق الثانی فی ذیل قول العلامة « حتّی لعب الصبیان بالجوز والخاتم» قال : « ویمکن أن یکون مراد العبارة : ویحرم القمار حتّی لعب الصبیان - إلی آخره ، فتکون حتّی عاطفة علی القمار ، والعبارة علی هذا المعنی أدلّ ، إلاّ أنّ إطلاق التحریم علی هذا القسم مشکل ، لأنّ فعل الصبی لا یوصف بالحرمة ولا بغیرها من الأحکام الشرعیة ، إلاّ أن یأوّل : بأنّ تکلیف التحریم وغیره فی ذلک یتعلق بالولی»(5) .

أقول : الظاهر _ واللّه العالم _ أنّ مثالهم بلعب الصبیان بالجوز والخاتم ، یکون مثلاً لمسألتنا هذه ، أعنی المراهنة علی اللعب بغیر الآلات المعدّة للقمار وأظهر مصادیق هذه الآلات الجوز والخاتم ولذا مثّلوا بهما واللاعب بهما علی الأغلب الصبیان ، ولذا حذف الشهید الثانی من المثال الصبیان وقال : « ومنه (أی من القمار) اللعب بالخاتم والجوز»(6) .

ومن اللذین حکموا بالحرمة المحقق الأردبیلی وقال : « دلیل تحریم الکلّ : الإجماع»(7) .

ص: 19


1- (1) منتهی المطلب 2 / 1012 .
2- (2) تذکرة الفقهاء 12 / 141 المسألة 646 .
3- (3) قواعد الأحکام 2 / 8 .
4- (4) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 260 .
5- (5) جامع المقاصد 4 / 25 .
6- (6) المسالک 3 / 129 .
7- (7) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 41 .

ومنهم : المحقق السبزواری فی الکفایة(1) .

ومنهم : کاشف اللثام قال : « (والخاتم وإن قصد) اللاعب بأحدها (الحذق أو اللهو أو القمار) فلا فرق بین القصود یحکم بفسقه و(ترد شهادته) لنحو ما سمعت»(2) .

ومنهم : السید مهدی بحر العلوم الطباطبائی ، صرح بعدم الخلاف فی الحرمة والفساد(3) .

ومنهم : الشیخ جعفر فی شرحه علی القواعد ، وادعی علیه الإجماع المنقول(4) .

ومنهم : سید الریاض ، وادعی عدم الخلاف فی حرمتها(5) .

ومنهم : الفاضل النراقی فی المستند(6) .

ومنهم : صاحب الجواهر فی کتاب السبق والرمایة(7) .

ومنهم : الشیخ الأعظم الأنصاری فی المکاسب المحرمة(8) .

الظاهر أنّ الإجماع فی حرمة المراهنة علی اللعب بغیر الآلات المعدّة للقمار حاصل عند أصحابنا أعلی اللّه کلمتهم ، وأکثر العامة أیضاً یوافقونا(9) .

الثانی : صدق مفهوم القمار کما مرّ منّا فی المقام الأوّل علی هذه المراهنة بغیر مسامحة وعنایة ، بل صرح بعض الأصحاب بأنَّها قمار ، نحو : سید الریاض(10) والشیخ الأعظم(11)

ص: 20


1- (1) کفایة الأحکام 1 / 441 .
2- (2) کشف اللثام 10 / 291 .
3- (3) المصابیح / مخطوط ونقل عنه الشیخ الأنصاری فی المکاسب 1 / 357 .
4- (4) شرح القواعد 1 / 205 و 306 .
5- (5) ریاض المسائل 8 / 169 .
6- (6) مستند الشیعة 14 / 104 .
7- (7) الجواهر 28 / 218 و 219 .
8- (8) المکاسب 1 / 375 .
9- (9) کما نقل عنهم فی مصباح الفقاهة 1 / 374 .
10- (10) ریاض المسائل 10 / 238 .
11- (11) المکاسب 1 / 375 .

والمحقق الخوئی(1) ، فإذا صدق علیها القمار تشملها الأدلة المحرّمة وإطلاقاتها .

الثالث : الروایات الواردة فی حرمة هذه المراهنة :

منها : معتبرة إسحاق بن عمار الماضیة(2) ، وهی کالنص فی المقام تدلّ علی الحرمة التکلیفیة والوضعیة .

ومنها : حسنة عبد الحمید بن سعید الماضیة(3) ، فهی أیضاً تدلّ علی الحرمة التکلیفیة والوضعیة .

ومنها : صحیحة حفص عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لا سبق إلاّ فی خف أو حافر أو نصل ، یعنی النضال(4) .

والمراد بها : عدم جواز المسابقة مع الرهان فی غیر الموارد المستثناة .

ومنها : حسنة أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لیس شیءٌ تحضره الملائکة

إلاّ الرهان وملاعبة الرجل أهله(5) .

والمراد بها الرهان فی الموارد المستثناة ، والشاهد علی ذلک مرسلة الصدوق عن الصادق علیه السلام قال : « إنّ الملائکة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والخفّ والریش والنصل ، وقد سابق رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم اُسامة بن زید وأجری الخیل(6) .

وهکذا صحیحة حفص بن البختری عن أبی عبد اللّه علیه السلام إنّه کان یحضر الرمی والرهان(7) .

یعنی أنّه یحضر الرهان فی الرمی أو الرهان فی مسابقة الخیل أو الجمل .

ص: 21


1- (1) مصباح الفقاهة 1 / 375 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 166 ح 7 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 165 ح 2 .
4- (4) وسائل الشیعة 19 / 252 ح 1 . الباب 3 من أبواب کتاب السبق والرمایة .
5- (5) وسائل الشیعة 19 / 250 ح 4 ، و 19 / 251 ح 1 .
6- (6) وسائل الشیعة 19 / 251 ح 6 .
7- (7) وسائل الشیعة 19 / 252 ح 4 .

ومنها : صحیحة محمد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام قال : قضی أمیر المؤمنین علیه السلام فی رجل آکل وأصحاب له شاةً ، فقال : إن أکلتموها فهی لکم وإن لم تأکلوها فعلیکم کذا وکذا ، فقضی فیه : أنّ ذلک باطل لا شیء فی المؤاکلة من الطعام ما قلَّ منه وما کثر ومنع غرامته فیه(1) .

رجال السند کلّهم ثقات حتّی یوسف بن عقیل البجلی ، قال النجاشی فی حقه : « کوفی ثقة قلیل الحدیث یقول القمیّون : إنّ له کتاباً ، وعندی أنّ الکتاب لمحمد بن قیس»(2) .

بتقریب : أنه قضی أمیر المؤمنین علیه السلام ببطلان عقد المؤاکلة فی مثل شاة أو نحوها وهی إباحة الشاة ونحوها بشرط متأخر ، والشرط هو أکل الجمیع أو مقدار معین منها ، فإذا صار العقد باطلاً لم تتحقق الإباحة علی فرض الأکل ، وعلی فرض عدم الأکل أیضاً لم یتحقق الضمان المذکور فی العقد ، ومنع الغرامة فی ختام الحدیث یرجع إلی هذا الأخیر . ثمّ بعد بطلان العقد - حیث أنّهم أتلفوا الشاة أو غیرها من المأکولات بأکلها - کانت ذمّتهم مشغولة بالضمان . وهذا المعنی من الروایة یظهر للمتأمل فیها . وهذا العقد فی الواقع قسم من القمار ویصیر من القسم الثالث .

ومن هذا القسم الإشتراط بین الأثنین علی شیءٍ من المال علی الأمور العادیة أو العلمیة ونحوهما ، بأنه لو غلب أو صدق أحدهما فله الشیء ، وحیث کان فی البین رهان فیدخل فی عنوان القمار ویحرم ، خلافاً لعمّنا الأکرم آیة اللّه الحاج الشیخ محمد علی النجفی قدس سره المتوفی 1318 ق حیث ذهب إلی الجواز فی رسالته فی المعاصی الکبیرة(3) .

الرابعة : المسابقة بغیر رهان

هل تجوز المسابقة بغیر آلات القمار ومن دون رهان أم لا ؟ ذهب جماعة من

ص: 22


1- (1) الکافی 7 / 428 ح 11 ، التهذیب 6 / 290 ح 10 ونقل عنهما فی وسائل الشیعة 23 / 192 ح 1 . الباب 5 من أبواب کتاب الجعالة .
2- (2) رجال النجاشی / 452 الرقم 1221 .
3- (3) معاصی کبیرة / 111 .

الأصحاب قدس سرهم إلی المنع ، ولعله هو المشهور ، وذهب بعض منهم إلی الجواز :

ومن القائلین بالمنع : شیخ الطائفة ، فی مبسوطه قال : « فأمّا ما لم یرد فیه الخبر فمذهبنا أنّه لا یجوز المسابقة علیه ... »(1) .

الظاهر أنّ کلامه یحمل علی الإطلاق ، أی مع العوض وبدونه لما یظهر فیما بعده فراجع کتابه .

ومنهم : العلامة فی التذکرة حیث یقول : « لا تجوز المسابقة علی المصارعة بعوض ولا بغیر عوض عند علمائنا أجمع ، لعموم النهی إلاّ فی الثلاثة : الخفّ والحافر والنصل ، ... لا تجوز المسابقة علی رمی الحجارة بالید والمِقْلاع والمَنْجنیق ، سواء کان بعوض أو بغیر عوض عند علمائنا ... لا یجوز المسابقة علی المراکب والسفن والطیارات عند علمائنا ... لا یجوز المسابقة علی مُناطَحَة الغنم ومُهارَشة الدیک بعوض ولا بغیر عوض ، وکذلک لا یجوز المسابقة علی ما لا ینتفع به فی الحرب ... »(2) .

ومنهم : المحقق الثانی قال : « وکیف کان فظاهر المذهب التحریم ، إلاّ أنّ وجهه غیر ظاهر ، لأنّ هذه قد تراد لهواً ولعباً _ إلی أن قال : _ لم نجد إلی القول بتحریم ذلک سبیلاً . ولا ریب أنّه إن انضم إلی آخر فتعادیا کان أدخل فی مطلوبه ولیس للضمیمة أثر فی التحریم»(3) .

أقول : وأنت تری أنّه وإن نقل أن ظاهر المذهب التحریم ولکن قال : « أنّ وجهه غیر ظاهر» وذهب بنفسه إلی الجواز واستدل له . فالصحیح أن یُعد المحقق الکرکی من القائلین بالجواز لا المنع .

ومنهم : ابن فهد الحلی قال : « ولا یجوز فی غیرها (أی فی غیر الثلاثة) سواء کان بعوض أو خلت عنه ... »(4) .

ومنهم : سید الریاض یقول : « وفی جوازها بدونه إشکال (أی فی جواز المسابقة من

ص: 23


1- (1) المبسوط 6 / 291 .
2- (2) تذکرة الفقهاء 2 / 354 من الطبع الحجری .
3- (3) جامع المقاصد 8 / 326 .
4- (4) المهذب البارع 3 / 82 .

دون عوض إشکال) ینشأ من اختلاف الروایات فی فتح الباء من لفظ « سبق » وسکونه ... ولکن الأشهر خلافه ، بل ظاهر المهذب(1) والمحقق الثانی(2) وصریح المحکی عن التذکرة(3) أنّ علیه إجماع الامامیة فی جمیع الاُمور المذکورة ، فالمنع أظهر لحجیة الإجماع المنقول ، سیما مع التعدد والإعتضاد بالشهرة وبما ... »(4) .

وأما القائلون بالجواز :

قد سبق أن المحقق الثانی هو القائل بالجواز .

ومنهم : الشهید الثانی قال فی المسالک : « والمراد (أی المراد بروایة لا سبق) أنّه لا یصح بذل العوض فی هذه المعاملة إلاّ فی هذه الثلاثة ، وعلی هذا لا ینفی جواز غیرها بغیر تعویض»(5) . وأیضاً صریحاً أفتی بجوازها ولو فی غیر الثلاثة من دون عوض(6) .

ومنهم : المحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة والبرهان(7) .

ومنهم : المحقق السبزواری یقول : « وبالجملة الأصل الجواز والتحریم یحتاج إلی دلیل ، وقد ذُکر تحریم القمار سابقاً حتّی لعب الصبیان بالجوز ، وقد علم أیضاً تحریم بعض الأشیاء بآلات القمار وإن لم یکن فیه رهن وعوض مثل النرد والشطرنج ، وأمّا مثل السبق بالأقدام وغیر ذلک فلا أعلم حجة علی تحریمها إذا لم یکن فیها عوض ومراهنة»(8) .

ومنهم : صاحب الحدائق قال : « وأنت خبیر بأنّه باعتبار تعارض الاحتمالین المذکورین لا یمکن الاستدلال بالخبر علی المنع ، فتبقی أصالة الجواز خالیةً من المعارض

ص: 24


1- (1) لم أجده فی المهذب للقاضی ، نعم قد ورد فی المهذب البارع کما مرّ .
2- (2) جامع المقاصد 8 / 326 .
3- (3) وقد مرّ کلام التذکرة .
4- (4) ریاض المسائل 10 / 238 .
5- (5) المسالک 6 / 70 .
6- (6) المسالک 6 / 87 .
7- (7) مجمع الفائدة والبرهان 10 / 168 .
8- (8) کفایة الأحکام 1 / 718 .

وتخرج الأخبار المذکورة شاهداً علی ذلک ، مضافاً إلی ما ذکر من الفوائد المترتبة علیها»(1) . ومنهم : الوحید البهبهانی فی تعلیقته علی مجمع الفائدة والبرهان(2) .

ومنهم : الشیخ جعفر قال : « ... وأمّا مجرد فعله فلم یقم دلیل معتبر علی تحریمه ، فالمسابقة والمغالبة من دون رهان لا بأس بها ومعه حرام إلاّ ما استثنی ... »(3) .

ومنهم : تلمیذه صاحب الجواهر یقول : « أمّا فعله لا علی جهة کونه عقد سبق ، فالظاهر جوازه ، للأصل والسیرة المستمرة علی فعله فی جمیع الأعصار والأمصار من الأعوام والعلماء ، وما ورد من مصارعة الحسن والحسین علیهماالسلام ومکاتبتهما والتقاطهما حبّ قلادة اُمّهما بل ... »(4) .

ثمّ قد استدلوا علی الحرمة بوجوه :

الأوّل : الإجماع المدعی فی الریاض(5)

وفیه : قد عرفت عدم تمامیته ، لوجود المخالف فی المسألة وعدم کونه تعبدیّاً .

الثانی : ما ورد فی الروایات فی انحصار جواز المسابقة فی الثلاثة :

منها : صحیحة حفص بن البختری عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لا سبق إلاّ فی خفّ(6) أو حافر(7)أو نصل(8) ، یعنی النضال(9) .

بتقریب : أن الروایة وأمثالها فی المقام حصرت المسابقة فی هذه الثلاثة ، فلا یجوز

ص: 25


1- (1) الحدائق 22 / 366 .
2- (2) حاشیة مجمع الفائدة والبرهان / 534 .
3- (3) شرح القواعد 1 / 206 .
4- (4) الجواهر 28 / 220 .
5- (5) ریاض المسائل 10 / 238 .
6- (6) الخف : الإبل ، ویتناول الفیلة أیضاً لغة .
7- (7) الحافر : الفرس ، ویتناول الحمار والبغل لغةً .
8- (8) النصل : الرمی .
9- (9) وسائل الشیعة 19 / 252 ح 1 . الباب 3 من أبواب کتاب السبق والرمایة .

فی غیرها .

وفیه : أوّلاً : المراد بالمسابقة هنا ، المسابقة مع العوض والرهان ، ولذا أفتی الفقهاء بجواز أخذ الرهان فی المسابقة مع الفرس والإبل والرمی .

وثانیاً : الاستدلالُ مبنیٌ علی قراءة « السَبْق » بسکون الباء فصار حینئذ مصدر سَبَقَ یَسْبِقُ ، ولم یثبت ذلک ، لأنه من المحتمل قراءته بفتح الباء فیصیر معناه العوض والرهان ، یعنی أخذ العوض والرهان لا یجوز فی المسابقة إلاّ فی الثلاثة ، وحیث لم یثبت إحدی القراءتین فلا یمکن الاستدلال بها علی حرمة المسابقة فی غیرها من دون العوض والرهان .

الثالث : قد یقال : بأنّ مفهوم القمار صادق علی المسابقات ولو کانت من غیر رهان .

وفیه : قد مرّ أنّ مقوم القمار لغةً وعرفاً وجود العوض والرهان فی البین ، وحیث لم یکن هنا عوض ورهان لم یصدق علیه القمار .

الرابع : هذه المسابقات داخة فی عنوان اللهو واللعب المحرّمان ، ویدلّ علیه : خبر عبد اللّه بن علی عن الرضا علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن علی علیه السلام قال : کلّما ألهی عن ذکر اللّه فهو من المیسر(1) .

ومرفوعة علی بن إسماعیل رفعه قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ارکبوا وارموا ، وإن ترموا أحبّ إلیّ من أن ترکبوا . ثمّ قال : کلّ لهو المؤمن باطل إلاّ فی ثلاث : فی تأدیبه الفرس ورمیه عن قوسه وملاعبته إمرأته ، فإنهنّ حقٌّ ، ألا إنّ اللّه عزّ وجلّ لیدخل بالسهم الواحد الثلاثة الجنة : عامل الخشبة ، والمقوّی به فی سبیل اللّه ، والرامی به فی سبیل اللّه(2) .

وفیه : أوّلاً : لم تثبت حرمة مطلق اللهو واللعب ، نحو اللعب بالأحجار والأشجار والسبحة واللحیة ونحوها .

وثانیاً : النسبة بین اللهو والمسابقات العموم من وجه ، لأنّ من المسابقات ما فیها الأغراض العقلائیة من صحة البدن وتربیته ومعالجته والتنّزه والتفریح ونحوها .

ص: 26


1- (1) أمالی الطوسی . المجلس الثانی عشر ح 21 / 336 الرقم 681 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 315 ح 15 الباب 100 من أبواب ما یکتسب به .
2- (2) وسائل الشیعة 15 / 140 ح 3 . الباب 58 من أبواب جهاد العدو .

وثالثاً : قوله تعالی حکایةً عن إخوة یوسف : «أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً یَرْتَعْ وَیَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»(1) یدلّ علی إباحة بعض أقسام اللعب .

والحاصل ، لا یدلّ دلیل علی حرمة المسابقات المختلفة بغیر رهان ، فهی جائزة عندنا وأفتی به جمع من الأصحاب قدس سرهم .

ویؤید ما ذکرناه معتبرة بل صحیحة زید الشحام عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام فی حدیث : فأقبل [ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ] بهما [ بالحسن والحسین علیهماالسلام ] إلی منزل فاطمة وقد ادخرت لهما تُمیرات ، فوضعتها بین أیدیهما فأکلا وشَبِعا وفَرِحا ، فقال لهما النبی صلی الله علیه و آله وسلم : قوما الآن فاصطرعا ، فقاما لیصطرعا وقد خرجت فاطمة علیهاالسلام فی بعض حاجتها ، فدخلت فَسَمِعَت النبیَّ صلی الله علیه و آله وسلم وهو یقول : إیهٍ یا حسن ، شُدّ علی الحسین فاصْرَعْه ، فقالت له : أبه ، واعجباه ، أتُشجّع هذا علی هذا ؟ أتُشجّع الکبیر علی الصغیر ؟ ! فقال لها : یا بُنَیّة ، أما ترضین أن أقول أنا ، یا حسن شُدّ علی الحسین فاصْرَعه ، وهذا حبیبی جبرئیل یقول : یا حسین شُدّ علی الحسن فاصْرَعْه(2) .

ویؤیده أیضاً صحیحة غیاث بن إبراهیم عن الصادق علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن جده علیه السلام قال : مرّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بقوم یرفعون حجراً ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : نعرف بذاک أشدّنا وأقوانا ، فقال صلی الله علیه و آله وسلم : ألا اُخبرکم بأشدّکم وأقواکم ؟ قالوا : بلی یا رسول اللّه ، قال : أشدّکم وأقواکم الذی إذا رضی لم یدخله رضاه فی إثم ولا باطل ، وإذا سخط لم یخرجه سخطه من قول الحقِّ ، وإذا قَدَر لم یَتَعاطَ ما لیس له بحقٍّ(3) .

ویدل علیه صحیحة علی بن جعفر عن أخیه أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن ال_مُحرم یصارع هل یصلح له ؟ قال : لا یصلح له مخافة أن یصیبه جراح أو یقع بعض شعره(4) .

ص: 27


1- (1) سورة یوسف / 12 .
2- (2) أمالی الصدوق . المجلس الثامن والستون ح 8 / 530 الرقم 718 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 14/81 ح 1 .
3- (3) معانی الأخبار / 366 ونقل عنه فی بحار الأنوار 72 / 28 ح 16 (29 / 317) .
4- (4) وسائل الشیعة 12 / 563 ح 2 . الباب 94 من أبواب تروک الإحرام .

ویؤیده خبر أبی رافع قال : کنتُ اُلاعب الحسن بن علی علیه السلام وهو صبی بالمداحی(1) ، فإذا أصابت مدحاتی مدحاته قلت : احملنی ، فیقول : ویحک أترکب ظهراً حمله رسول اللّه فأترک ، فإذا أصاب مدحاته مدحاتی ، قلت : لا أحملک کما لم تحملنی ، فیقول : أو ما ترضی أن تحمل بدناً حمله رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فأحمله(2) .

ویؤیده ما رواه العامة من أنّ النبی صلی الله علیه و آله وسلم سابق عائشة بالقدم کما ذکره الشیخ فی المبسوط(3) والمحدث البحرانی فی الحدائق(4) والوحید البهبهانی فی تعلیقته علی مجمع الفائدة(5) .

ورواها أحمد فی مسنده 6 / 264 وأبو داود فی سننه 2 / 34 ح 2578 وابن ماجه فی سننه 1 / 636 ح 1979 وابن قدامة فی المغنی 9 / 368 .

ویؤیده مرسلة الشیخ قال : « روی أنّ النبی صلی الله علیه و آله وسلم خرج إلی الأبطح فرأی یزید بن رکانة یرعی أعنزاً له ، فقال للنبی : هل لک فی أن تصارعنی ؟ فقال له النبی صلی الله علیه و آله وسلم : ما تسبّق لی ؟ فقال : شاة ، فصارعه فصرعه النبی صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال للنبی : هل لک فی العود ؟ فقال النبی : ما تسبّق لی ؟ فقال : شاة ، فصارعه فصرعه ، فقال للنبی : هل لک فی العود ؟ فقال النبی صلی الله علیه و آله وسلم : ما تسبّق لی ؟ فقال شاة ، فصارعه فصرعه ، فقال للنبی أعرض علیَّ الإسلام ، فما أحد وضع جنبی علی الأرض ، فعرض علیه الإسلام فأسلم وردّ علیه غنمه»(6) .

أقول : هذه الروایة وما قبلها کلتاهما عامیتان وثانیتهما مذکورة فی سیرة ابن هشام 2/31 وسنن أبی داود 2 / 452 کتاب اللباس باب فی العمائم ح 4087 مع اختلاف ، ولم یرویا

ص: 28


1- (1) المداحی : وهی أحجار أمثال القرصة ، کانوا یحفرون حفیرة ویدحون فیها بتلک الأحجار ، فإن وقع الحجر فیها قد غلب صاحبها ، وإن لم یقع غُلب کما فی النهایة 2 / 106 ، ونحوها فی الفائق 1 / 418 .
2- (2) بشارة المصطفی صلی الله علیه و آله وسلم لشیعة المرتضی علیه السلام / 140 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 14 / 83 ح 3 .
3- (3) المبسوط 6 / 291 .
4- (4) الحدائق 22 / 364 .
5- (5) حاشیة مجمع الفائدة والبرهان / 534 .
6- (6) المبسوط 6 / 292 .

من طرقنا کما قال المحدث البحرانی : « لم یثبت شیء من ذلک فی أخبارنا»(1) .

ویمکن حمل العوض فی هذه الروایة بأنّه من قبیل استنقاذ مال الکافر ، لعدم حرمة فی حقِّ ماله ، أو علی أنّه لیس من قبیل العوض والرهان بل من قبیل الجائزة والهدیة ، والذی یسهّل الخطب خلو روایاتنا منها .

ویدلّ علیه قوله تعالی نقلاً عن إخوة یوسف : «قَالُواْ یَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَکْنَا یُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَکَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ کُنَّا صَادِقِینَ»(2) وهذه الآیة الشریفة تدلّ علی جواز المسابقة من دون رهان فی ملّة إبراهیم علیه وعلی نبینا وآله السلام وهی الحنیفیّة البیضاء ، لأنّهم أولاد حفیده وهو یعقوب بن إسحاق ابن إبراهیم علیهم السلام ، ویکونون متدینین بشریعة جدهم إبراهیم علیه السلام ، وبالإستصحاب نحکم بالجواز حتّی یثبت النسخ . وأشار إلی هذا الإستدلال الأخیر الوحید البهبهانی قدس سره فی حاشیته علی مجمع الفائدة والبرهان(3) .

المقام الرابع : حکم المال المأخوذ بالقمار

قد سبق فی المقام الثانی حرمة القمار تکلیفاً ، وأمّا حرمته وضعاً - أعنی فساد انتقال المال إلی المغالب ووجوب ردّه علی مالکه - فیدلّ علیه وجهان :

الأوّل : قوله تعالی : «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ لاَ تَأْکُلُواْ أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَکُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنکُمْ»(4) .

بتقریب : أنّها نهت عن أکل المال بالأسباب الباطلة ومنها القمار ، کما ورد فی صحیحة

ص: 29


1- (1) الحدائق 22 / 365 .
2- (2) سورة یوسف / 17 .
3- (3) حاشیة مجمع الفائدة والبرهان / 532 .
4- (4) سورة النساء / 29 .

زیاد بن عیسی أبی عبیدة الحذاء(1) وصحیحة محمد بن عیسی(2) ومرسلتی أسباط(3) الماضیة ، ومع هذه التصریحات فی الروایات المفسرة للآیة الشریفة یتضح دلالتها علی الحرمة الوضعیة للقمار ، أی أن المال المأخوذ بالقمار لم ینتقل إلی المغالب ، فلا یجوز له التصرف فیه .

الثانی : عدّة من الروایات المعتبرة دالة علی بطلان هذا الانتقال وعدم جواز تصرف المغالب فی المال ، نحو :

معتبرة إسحاق بن عمار(4) ومعتبرة السکونی(5) وحسنة عبد الحمید بن سعید(6) .

وهذان الدلیلان یدلان علی عدم صحة تملّک الأجر والجُعل والرهن بواسطة المغالب ، فإن تملکّه وتصرَّف فیه فهو ضامنٌ وعلیه الردّ إن کانت العین موجودةً ومع فرض تلفها فعلیه القیمة إن کانت قیمیّة أو المثل إن کانت مثلیّة .

هذا کلّه إن تمکن من الردّ إلی صاحبه ، وإلاّ صار فی حکم مجهول المالک إن عرف صاحبه ولکن لم یتمکن من الردّ إلیه ، أو نفس مجهول المالک إن لم یعرف صاحبه ، وهذا واضح لا غبار علیه .

المقام الخامس : حکم اللعب بالشطرنج والنرد من دون المراهنة

1 _ الأقوال فیه :

قال الصدوق : « واعلم أنّ الشطرنج قد روی فیه نهی وإطلاق ولکنّی ... فالصواب والإحتیاط فی ذلک نهی النفس عنه واللعب به ذنبٌ»(7) .

ص: 30


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 164 ح 1 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 167 ح 14 .
3- (3) تفسیر العیاشی 1 / 389 و 388 ح 98 و 100 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 166 ح 7 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 166 ح 6 .
6- (6) وسائل الشیعة 17 / 165 ح 2 .
7- (7) المقنع / 458 و 457 .

وقد مرّ کلام الشیخ فی النهایة(1) من أنّه عطف عمل الشطرنج والنرد وغیرهما من أنواع القمار علی الأصنام والصلبان والتماثیل المجسَّمة والصور .

وقال فی شهاداته : « وتُرَدُّ شهادة اللاّعب بالنَّردِ والشطرنج وغیرهما من أنواع القمار والأربعةَ عشَر والشاهین»(2) .

وقال فی الخلاف : « اللعب بالشطرنج حرام علی أیّ وجه کان ویفسق فاعله به ولا تقبل شهادته . وقال مالک وأبو حنیفة : مکروه ، إلاّ أنّ أبا حنیفة قال : هو یلحق بالحرام . وقالا جمیعاً : تُردُّ شهادته . وقال الشافعی : هو مکروه ولیس بمحظور ، ولا تُردّ شهادة اللاّعب به إلاّ ما کان فیه قماراً ، وترک الصلاة حتّی یخرج وقتها متعمّداً ، أو یتکرر ذلک منه وإن لم یتعمد ترک الصلاة حتّی یذهب وقتها ، وقال سعید بن المسیب وسعید بن جبیر : هو مباح ، دلیلنا : إجماع الفرقة وأخبارهم ... »(3) .

وقال فیه : « اللاّعب بالنرد یفسق وتُردّ شهادته ، وبه قال أبو حنیفة ومالک ، وقال الشافعی _ علی ما نص علیه أبو إسحاق فی الشرح _ : أنّه مکروه ولیس بمحظور ولا یفسق فاعله ولا تردّ شهادته وهو أشدّ کراهة من الشطرنج . وقال قوم من أصحابه : أنّه حرام ، تُردّ شهادة اللاّعب به . دلیلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ... »(4) .

قال الشیخ فی المبسوط : « اللاّعب بالشطرنج عندنا لا تقبل(5) شهادته بحال ، وکذلک النرد والأربعة عشر وغیر ذلک من أنواع القمار ، سواء کان علی وجه المقامرة أو لم یکن .

وقال بعضهم من لعب به لا یخلو من أحد أمرین : إمّا أن یلعب بعوض أو بغیره ، فإن لعب بعضو نظرت فإن کان قماراً - وهو أن یخرج کلّ واحد منهما شیئاً علی أنّ من غلب کان المخرَج کلّه له فهو - القمار وأکل المال بالباطل ، تردّ به شهادته . وإن کان العوض غیر قمار -

ص: 31


1- (1) النهایة / 363 .
2- (2) النهایة / 325 .
3- (3) الخلاف 6 / 302 مسألة 51 .
4- (4) الخلاف 6 / 304 مسألة 53 .
5- (5) ولکن فی المطبوعة « تقبل» وهو غلط مطبعی واضح .

وهو علی معنی النضال والمسابقة علی الخیل مثل أن یخرج العوض أحدهما فیقول إن غلبتنی فهو لک وإن غلبتک فلا شیء لک ولا لی - فهذا لا تردّ به شهادته .

فأمّا إن کان بغیر عوض : فإما أن یترک الصلاة أو لا یترک ، فإن ترک الصلاة حتّی یخرج وقتها ، فإن کان عامداً فقد فسق بترک الصلاة لا باللعب بالشطرنج ، لأنّ فعل هذا فسق وإن کان لتشاغله بصلاة النافلة ، وإن کان ترک الصلاة بغیر عمد مثل أن فاته وقت الصلاة لتشاغله بها ولم یعلم ذلک ، فإن کان هذا مرّة واحدة لم تردّ شهادته وإن کان الخطأ موضوعاً عنه ، وإن تکرر هذا منه فسق وردّت شهادته . وإن کان محافظاً علی صلاته مداوماً علیها فی أوقاتها وإنّما یتشاغل بها فی غیر أوقاتها لم یحرم ذلک علیه غیر أنّه مکروه ، وقال بعض التابعین وهو سعید بن المسیب وسعید بن جبیر أنّه مباح طلق ، وذکر أنّه کان یلعب به استدباراً ، ومعناه أن یولی ظهره ویقول : بماذا دفع ؟ قالوا له : دفع بکذا ، یقول : فادفع أنت بکذا»(1) .

وقال بعد صفحة : « قد بیّنا أنّ سائر أنواع القمار من النرد والأربعة عشر حکمه حکم الشطرنج یفسّق به ویردّ به شهادته»(2) .

وقال المحقق : « اللعب بآلات القمار کلّها حرامٌ کالشطرنج والنرد والأربعة عشر وغیر ذلک ، سواءٌ قصد اللهو أو الحذق أو القمار»(3) .

وقال العلامة فی القواعد : « واللاعب بآلات القمار کلّها فاسق ، کالشطرنج والنرد والأربعة عشر والخاتم وإن قصد الحذق أو اللهو أو القمار تُردّ شهادته»(4) .

وقال فی التحریر : « اللعب بآلات القمار کلّها حرامٌ کالنرد والشطرنج والأربعة عشر وغیر ذلک یفسق فاعله وتردّ شهادتُهُ إلاّ أن یتوب ، سواء قصد الحذق أو اللهو أو القمار وهو المشتمل علی العوض ، وسواء اعتقد تحریمه أو لا»(5) .

ص: 32


1- (1) المبسوط 8 / 221 .
2- (2) المبسوط 8 / 222 .
3- (3) الشرائع 4 / 117 .
4- (4) القواعد 3 / 494 .
5- (5) تحریر الأحکام الشرعیة 5 / 250 مسألة 6626 .

وقال الشهید : « ... والقمار حتّی بالجوز والبیض والخاتم والبقیری واستعمال النرد والشطرنج وإن لم یکن فیه رهان ... »(1) .

وقال الشیخ علی بن محمد بن محمد القمی السبزواری : « اللعب بالشطرنج حرام علی أیّ وجه کان یفسق فاعله ولا تقبل شهادته ... »(2) .

وقال المحقق الثانی فی تعریف القمار : « وهو اللعب بالآلات المعدة له علی اختلاف أنواعها من الشطرنج والنرد وغیر ذلک ، وأصل القمار : الرهن علی اللعب بشیءٍ من هذه الأشیاء ، ربما اُطلق علی اللعب بها مطلقاً ، ولا ریب فی تحریم اللعب بذلک وإن لم یکن رهن ، والاکتساب به وبعمل آلاته»(3) .

وقال المحقق الأردبیلی : « قد عُلِمَ أیضاً تحریم بعض اللهو بآلات القمار وإن لم یکن فیه رهن وعوض ، مثل النرد والشطرنج»(4) .

وقال المحقق السبزواری : « والأخبار الواردة فی تحریم خصوص الشطرنج کثیرة وکذا النرد ، وفی بعض الأخبار مبالغة عظیمة فی تحریم الشطرنج ، وفیه کون اللعب به کبیرة»(5) وقال أیضاً : « ... قد علم أیضاً تحریم بعض الأشیاء بآلات القمار وإن لم یکن فیه رهن وعوض مثل النرد والشطرنج ... »(6) .

والفاضل الإصفهانی ذهب إلی حرمة اللعب بالشطرنج والنرد وذکر بعض أخبار تحریمهما ، ثمّ أنکر علی الشافعی قوله فیهما بالکراهة وقال : « لم یردّ الشافعی(7) شهادة اللاّعب بالنرد أو الشطرنج ولم یحرّمهما ولکن جعل النرد أشدّ کراهیةً»(8) .

ص: 33


1- (1) الدروس 2 / 126 .
2- (2) جامع الخلاف والوفاق / 614 .
3- (3) جامع المقاصد 4 / 24 .
4- (4) مجمع الفائدة والبرهان 10 / 167 .
5- (5) الکفایة 1 / 442 .
6- (6) الکفایة 1 / 718 .
7- (7) الاُمّ 6 / 208 ، المجموع 20 / 228 .
8- (8) کشف اللثام 10 / 292 .

وقال الفاضل النراقی : « هل یحرم اللعب بالآلات المعدّة له من غیر قمار ؟ لا إشکال فی تحریم الشطرنج والنرد کما صرح به الصدوق ، بل لا خلاف فیه . ثمّ ذکر بعض الروایات الواردة فی تحریمهما ثمّ قال : وأمّا فی غیرهما فیشکل الحکم بالتحریم ، بل الأصل مع عدمه»(1) .

والفقیه الشیخ جعفر ذکر بعض الروایات الواردة فی الشطرنج ثمّ علّق علیها : « وهو معمول علیه ، غیر أنّ نجاسة الید وبطلان الصلاة بدون الغسل مبالغة کالکفر والشرک ومعصیة السلام ، والنظر والجلوس لیست علی إطلاقها»(2) .

وقال السید العاملی بعد نقل خبر مستطرفات السرائر : « ولا مانع من العمل بهذه الأخبار الموافقة للإعتبار إلاّ الأصل وعدم العامل بجمیع ما تضمّنته ، ثم أنّه لا ریب فی تحریم اللعب بذلک وإن لم یکن فیه رهان ، سواء کان قصد الحذق أو اللهو ... »(3) .

وقد ذکر صاحب الجواهر بعد نقل کلام المحقق عدّة من الروایات المستفیضة فی تحریم الشطرنج ، ثمّ أبدی استغرابه من کلام صاحب المسالک(4) من حمله النهی علی الذنوب الصغیرة وذهابه إلی عدم قدحه فی العدالة إلاّ مع الإصرار وتبعیة صاحب الریاض(5) له ، ثمّ قال : « وأغرب منه ما عن الشافعی من عدم تحریم الشطرنج والنرد وإنّما هما مکروهان والثانی أشدّ کراهة من الأوّل ، واللّه العالم»(6) .

أقول : فصاحب الجواهر ذهب إلی کون اللعب بهما من الذنوب الکبائر ویقدح فی العدالة .

2 _ وأمّا الروایات :

عدّة من الروایات المعتبرة المستفیضة تدلّ علی حرمة اللعب بالشطرنج والنرد ولو کان

ص: 34


1- (1) مستند الشیعة 14 / 106 و 105 .
2- (2) شرح القواعد 1 / 208 .
3- (3) مفتاح الکرامة 12 / 185 .
4- (4) المسالک 14 / 177 .
5- (5) ریاض المسائل 15 / 265 .
6- (6) الجواهر : 41 / (46 _ 43) .

من دون رهان ، وحکمت فیها بأنّهما من المیسر تعبداً :

منها : صحیحة زید الشحام قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الاْءَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ»(1) قال : الرجس من الأوثان : الشطرنج ، وقول الزور : الغناء(2) .

ورُوی نحوها فی الصحیح عن ابن أبی عمیر عن بعض أصحابه عن أبی عبد اللّه علیه السلام (3) .

ومنها : روایة عمر بن یزید عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّ للّه عزّ وجلّ فی کلِّ لیلة من شهر رمضان عتقاء من النار إلاّ مَنْ أفطر علی مسکر ، أو مشاحن أو صاحب شاهین . قلت : وأیّ شیءٍ صاحب الشاهین ؟ قال : الشطرنج(4) .

رجال السند کلّهم ثقات إلاّ محمد بن الحکم أخی هشام لم یرد توثیقه ولا تضعیفه ، وعلی القول بأنّ محمد بن أبی عمیر لا یروی إلاّ عن ثقة یحکم بوثاقته ، فصارت الروایة صحیحة الإسناد ، ولکنّه لا یتم عندنا . ونحوها خبر الحسین بن عمر بن یزید(5) . المُشاحِن : عدوٌّ مشاحنٌ : مباغض شدید العداوة .

ومنها : موثقة زرارة عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه سُئل عن الشطرنج وعن لعبة شبیب التی یقال لها : لعبة الأمیر وعن لعبة الثلاث ؟ فقال : أرأیتک إذا میّز اللّه الحقّ والباطل مع أیّهما تکون ؟ قال : مع الباطل ، قال : فلا خیر فیه(6) .

ومنها : معتبرة مسعدة بن زیاد عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه سئل عن الشطرنج فقال : دعوا المجوسیة لأهلها لعنها اللّه(7) .

ص: 35


1- (1) سورة الحج / 30 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 318 ح 1 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 318 ح 3 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 319 ح 4 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 319 ح 6 .
6- (6) وسائل الشیعة 17 / 319 ح 5 .
7- (7) وسائل الشیعة 17 / 319 ح 7 .

ومنها : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : نهی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن اللعب بالشطرنج والنرد(1) .

ومنها : حسنة أبی الربیع الشامی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سُئل عن الشطرنج والنرد ؟ فقال : لا تقربوهما ، الحدیث(2) .

ومنها : صحیحة بکیر قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن اللعب بالشطرنج ، قال : إنّ المؤمن لفی شغل عن اللعب(3) .

ومنها : صحیحة حماد بن عیسی قال : دخل رجل من البصریین علی أبی الحسن الأوّل علیه السلام فقال له : جعلت فداک إنّی أقعد مع قوم یلعبون بالشطرنج ولست ألعب بها ولکن أنظر ، فقال : ما لک ولمجلس لا ینظر اللّه إلی أهله(4) .

ومنها : صحیحة معمر بن خلاد الماضیة(5) .

ومنها : روایة الفضیل الماضیة(6) .

ومنها : ما فی الفقه الرضوی : « ... مثل الذی یلعب بها (أی بالنرد) _ من غیر قمار _ مثل الذی یضع یده فی الدم ولحم الخنزیر ، ومثل الذی یلعب فی شیءٍ من هذه الأشیاء کمثل الذی مصرٌ علی الفرج الحرام ... »(7) .

ومنها : مرسلة ابن إدریس نقلاً عن جامع البزنطی عن أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : بیع الشطرنج حرام ، وأکل ثمنه سحت ، واتخاذها کفر ، واللعب بها شرک ، والسلام علی اللاهی بها معصیة وکبیرة موبقة ، والخائض فیها یده کالخائض یده فی لحم الخنزیر ، لا صلاة

ص: 36


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 320 ح 9 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 320 ح 10 .
3- (3) قرب الإسناد / 174 ح 641 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 321 ذیل ح 11 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 322 ح 1 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 323 ح 1 .
6- (6) وسائل الشیعة 17 / 324 ح 3 .
7- (7) الفقه الرضوی / 284 .

له حتّی یغسل یده کما یغسلها من مسّ لحم الخنزیر ، والناظر إلیها کالناظر فی فرج اُمّه واللاهی بها والناظر إلیها فی حال ما یلهی بها ، والسلام علی اللاهی بها فی حالته تلک فی الإثم سواء ، ومن جلس علی اللعب بها فقد تبوأ مقعده من النار ، وکان عیشه ذلک حسرة علیه فی القیامة ، وإیّاک ومجالسة اللاهی والمغرور بلعبها ، فإنّها من المجالس التی باء أهلها بسخط من اللّه ، یتوقعونه فی کلِّ ساعة فیعمک معهم(1) .

ومنها : روایة علی بن جعفر عن أخیه موسی علیه السلام عن أبیه جعفر علیه السلام قال : النرد والشطرنج من المیسر(2) .

سند الروایة لا بأس بها ، لأنّ المراد بالحسین هو ابن إشکیب الثقة(3) ، وهو من مشایخ العیاشی . وموسی بن القاسم البجلی ثقة . وأمّا محمد بن علی بن جعفر العریضی من أصحاب الرضا علیه السلام کما عدّه الشیخ فی رجاله مکرراً(4) من المعاریف ، ولم یرد فیه قدح ، فالرجل ثقة عدل ، ولا أقل من حسنه . ووالده علی بن جعفر فوق حد الوثاقة . فالسند معتبرٌ عندنا .

ومنها : مرسلة الشیخ أبی الفتوح الرازی عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه مرّ بقوم یلعبون بالشطرنج ، فقال : ما هذه التماثیل التی أنتم لها عاکفون ؟ وأخذ قدراً من التراب وطرحه فیه . قال الشیخ : یقول الذین یتعاطون لعب الشطرنج : أنّه کلّما بسط نطعه وجد فیه شیئاً من التراب(5) .

ومنها : مرسلة اُخری له عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : إیّاکم وهاتین الکَعْبَتَیْن المَوْشُومتین ، فإنّهما من میسر العجم(6) .

ومنها : مرسلة ثالثة له عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : من لعب بالنرد فقد عصی اللّه َ

ص: 37


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 323 ح 4 .
2- (2) تفسیر العیاشی 1 / 218 ح 315 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 224 ح 3 .
3- (3) وله روایة فی قراءة الصحیفة السجادیة الشریفة المطبوعة أخیراً بأصبهان عام 1383 ه_ . ش .
4- (4) رجال الشیخ / 386 و 387 الرقم 5 و 19 .
5- (5) تفسیر أبی الفتوح الرازی 3 / 214 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 223 ح 6 .
6- (6) تفسیر أبی الفتوح الرازی 3 / 214 .

ورسولَهُ(1) .

ومنها : مرسلة الثعلبی عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام أنّ علیّاً علیه السلام قال فی النرد والشطرنج : هی من المیسر(2) .

وحمل هذه الروایات ونظائرها الکثیرة علی أنّ اللعب بهما مع الرهان مجازفة ، وحملها علی أنّهما من آلات القمار مکابرة . والظاهر أنّهما اُلحقا بالمیسر تعبداً فی الروایات ، کما یظهر من عدّة منها ، نحو : مرسلة عبد اللّه بن جندب(3) ومرسلة إسماعیل الجعفی(4) وخبر أبی بصیر(5) ومرسلة أبی الجارود(6) وصحیح عبد اللّه بن جندب عمّن أخبره عن أبی عبداللّه علیه السلام (7) وخبر عبد الملک القمی(8) وغیرها من الروایات المذکورة فیما مضی .

قال النجاشی فی ترجمة حفص بن البَخْتَرِی : « مولی بغدادیٌّ أصله کوفیٌّ ، ثقةٌ روی عن أبی عبد اللّه علیه السلام وأبی الحسن علیه السلام ، ذکره أبو العباس ، وإنّما کان بینه وبین آل أعْیَنِ نَبْوَةً(9) فغمزوا علیه بلعب الشطرنج»(10) .

وهذه الروایات تدلّ بوضوح علی حرمة اللعب بالشطرنج والنرد ولو کان بدون رهان وخرجا عن کونهما آله قمار وأفتی به ألاصحاب قدس سرهم ، ولذا آل أعْیَن تمکنوا من الغمز علی حفص الثقة بأنّه یلعب بالشطرنج .

ص: 38


1- (1) تفسیر أبی الفتوح الرازی 3 / 213 .
2- (2) الکشف والبیان المعروف بتفسیر الثعلبی 2 / 151 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 321 ح 14 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 322 ح 15 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 324 ح 2 .
6- (6) وسائل الشیعة 17 / 321 ح 12 .
7- (7) وسائل الشیعة 17 / 324 ح 4 .
8- (8) وسائل الشیعة 17 / 324 ح 5 .
9- (9) النبوة : الجفاء والتباعد والنفور وعدم القبول .
10- (10) رجال النجاشی / 134 الرقم 334 .

وأمّا عدّ اللعب بهما من الکبائر - کما عن صاحب الجواهر(1) غیر تام لعدم وجود الدلیل ، وفی هذه الجهة یکون الحقّ مع صاحبی المسالک(2) والریاض(3) قدس سرهم من عدّ اللعب بهما من الذنوب الصغار ، فلا یقدح فی العدالة إلاّ مع الإصرار علی مبنی المشهور بین القوم فی تعریف العدالة من أنّها ملکة نفسانیة ، وأمّا علی المبنی المختار من أنّها الإستقامة فی جادة الشریعة فینقضها کلّ معصیة ، بلا فرق بین أن تکون صغیرة أو کبیرة والتفصیل یطلب من محلّه واللّه العالم .

خاتمة : القمار من الکبائر

تدلّ علی أنّ القمار من المعاصی الکبیرة قوله تعالی : «یَسْأَلُونَکَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ قُلْ فِیهِمَا إِثْمٌ کَبِیرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَکْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا»(4) ، هذه الآیة الشریفة تدلّ بوضوح علی أنّه من الکبائر ، ولاینافی ذلک وجود منفعة ظاهریة للمغالب مع التصریح فیها بأنّ الإثم أکبر من النفع .

وهکذا تدلّ علی أنّه من الکبائر عطفه علی الخمر ، ولاریب أنّ شرب الخمر من الکبائر ، نحو قوله تعالی : «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا یُرِیدُ الشَّیْطَانُ أَن یُوقِعَ بَیْنَکُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِی الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ وَیَصُدَّکُمْ عَن ذِکْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ»(5) .

وفی مرسلة أبی الجارود عن أبی جعفر علیه السلام فی الآیة الاُولی من الآیتین قال : أمّا الخمر فکلّ مسکر من الشراب _ إلی أن قال : _ وأمّا المیسر فالنرد والشطرنج وکلّ قمار میسر ، وأمّا

ص: 39


1- (1) الجواهر 41 / 46 .
2- (2) المسالک 14 / 177 .
3- (3) ریاض المسائل 15 / 265 .
4- (4) سورة البقرة / 219 .
5- (5) سورة المائدة / 91 و 90 .

الأنصاب : فالأوثان التی کانت تعبدها المشرکون ، وأمّا الأزلام : فالأقداح التی کانت تستقسم بها المشرکون من العرب فی الجاهلیة ، کلّ هذا بیعه وشراؤه والانتفاع بشیء من هذا حرام من اللّه محرّم ، وهو رجس من عمل الشیطان ، وقرن اللّه الخمر والمیسر مع الأوثان(1) .

أقول : نفس هذا الاقتران یثبت کونه من الکبائر .

وتدلّ علی أنّ القمار من الکبائر عدّة من الروایات :

منها : معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام فی کتابه إلی المأمون قال فی عدّ الکبائر : المیسر وهو القمار ، الحدیث(2) .

ومنها : خبر الأعمش عن الصادق علیه السلام فی حدیث شرائع الدین قال فی عدّ الکبائر : المیسر ، الحدیث(3) .

ومنها : معتبرة عمر بن یزید الماضیة(4) .

بتقریب : أن عدم غفران اللعب بالشطرنج الذی مرّ منّا إنّه قمار تعبدی فی شهر رمضان تدلّ بطریق أولی علی أنّ القمار الواقعی لیس من الذنوب المتداولة بل هو من الکبائر .

ومنها : خبر الحسین بن عمر بن یزید(5) ، وهو نظیر الروایة السابقة فی الدلالة حیث ظهر منها أنّ المراد بصاحب الشاهین هو الشطرنج .

وهذه الأدلة تدلّ بوضوح علی أنّ القمار من الکبائر کما أفتی به الأصحاب أعلی اللّه کلمتهم ، واللّه العالم . وإلی هنا تمّ بحث القمار وللّه الحمد أولاً وآخراً .

ص: 40


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 321 ح 12 .
2- (2) وسائل الشیعة 15 / 329 ح 33 . الباب 46 من أبواب جهاد النفس .
3- (3) وسائل الشیعة 15 / 331 ح 36 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 319 ح 4 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 319 ح 6 .

القیادة

تعریفها

هی السعی بین شخصین لجمعهما علی الوطی المحرّم ، وقد یُعبَّر عنها بکلمة « الدیاثة » ، وهی قسم خاص منها . وحرمتها من ضروریات الإسلام وضعاً وتکلیفاً کما فی المصباح(1) .

ویمکن أن یقال بانها من الکبائر لقوله تعالی : «إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَن تَشِیعَ الْفَاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ فِی الدُّنْیَا وَالاْآخِرَةِ وَاللَّهُ یَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ»(2) .

ومن أظهر مصادیق إشاعة الفحشاء وحبّها بل العمل فی طریقها القیادة ، فهذه الآیة الشریفة تدلّ بوضوح علی أنّها من الکبائر .

وتدلّ علی حرمتها وعلی أنّها من الکبائر عدّة من الروایات :

منها : خبر آخر خطبة خطبها النبی صلی الله علیه و آله وسلم بالمدینة قال فیها : ومن قاد بین رجل وامرأة حراماً حرّم اللّه علیه الجنة ومأواه جهنم وساءت مصیراً ، ولم یزل فی سخط اللّه حتّی یموت(3) .

ومنها : خبر عبد العظیم بن عبد اللّه الحسنی عن محمد بن علی الرضا علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن علی علیه السلام عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال فی حدیث طویل : وأمّا التی کانت تحرق وجهها وبدنها وهی تجرّ أمعاءها فإنّها کانت قوّادة ، الحدیث(4) .

ومنها : معتبرة إبراهیم بن زیاد الکرخی قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : لعن

ص: 41


1- (1) مصباح الفقاهة 1 / 381 .
2- (2) سورة النور / 19 .
3- (3) عقاب الأعمال / 337 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 20 / 351 ح 2 . الباب 27 من أبواب النکاح المحرّم .
4- (4) وسائل الشیعة 20 / 213 ح 7 . الباب 117 من أبواب مقدمات النکاح .

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : الواصلة والمستوصلة ، یعنی الزانیة والقوّادة(1) .

رجال السند کلّهم ثقات إلاّ الحسین بن إبراهیم المکتب ، وهو من مشایخ الصدوق ، وإن لم یکن ثقة فهو حسنٌ . وأمّا إبراهیم بن زیاد الکرخی وإن لم یکن له توثیق خاص ولکن روی عنه ابن أبی عمیر بسند صحیح فی الکافی 2 / 292 ح 11 وصفوان بن یحیی فیه 6 / 30 ح 1 والحسن بن محبوب وغیرهم وله أکثر من أربعین روایة فی الکتب الأربعة ، فهو لا أقل من کونه من المعاریف ولم یرد فیه قدح ، فهو معتبر عندنا . ودلالتها علی الحرمة واضحة .

ومنها : معتبرة سعد الإسکاف قال : سُئل أبو جعفر علیه السلام عن القرامل(2) التی تضعها النساء فی رؤوسهنّ یصلنه بشعورهنّ ، فقال : لا بأس علی المرأة بما تزیّنت به لزوجها .

قال : فقلت : بلغنا أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لعن الواصلة والموصولة ، فقال : لیس هنالک ، إنّما لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الواصلة التی تزنی فی شبابها ، فلمّا کبرت قادت النساء إلی الرجال ، فتلک الواصلة والموصولة(3) .

ومنها : مرسلة أبی سعید قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لا یدخل الجنة عاقٌ ولا منّان ولا دیّوث ، الحدیث(4) .

ومنها : مرسلة ورام عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم عن جبرئیل علیه السلام قال : إطلعت فی النار فرأیت وادیّاً فی جهنم یغلی ، فقلتُ : یا مالک لمن هذا ؟ فقال : لثلاثة : المحتکرین ، والمدمنین الخمر ، والقوادین(5) .

ومنها : مرسلة الصدوق قال : لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الواصلة والمؤتصلة ، یعنی : الزانیة والقوادة(6) .

ص: 42


1- (1) وسائل الشیعة 20 / 351 ح 1 .
2- (2) القرامل : ما تشدّه المرأة فی شعرها من خیوط .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 132 ح 3 . الباب 19 من أبواب ما یکتسب به .
4- (4) مستدرک الوسائل 13 / 111 ح 7 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 426 ح 11 . الباب 27 من آداب التجارة .
6- (6) وسائل الشیعة 28 / 172 ح 2 . الباب 5 من أبواب حد السحق والقیادة .

وقد ورد حدّها فی بعض الروایات بخمسة وسبعین سوطاً ، وأفتی بها المشهور ، وهی خبر عبد اللّه بن سنان قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : أخبرنی عن القوّاد ما حدّه ؟ قال : لا حدّ علی القوّاد ، ألیس علی أن یعطی الأجر علی أن یقود ؟ ! قلت : جعلت فداک ، إنّما یجمع بین الذکر والاُنثی حراماً ، قال : ذاک المؤلِّف بین الذکر والاُنثی حراماً ، فقلت : هو ذاک ، قال : یضرب ثلاثة أرباع حدّ الزانی خمسة وسبعین سوطاً ، وینفی من المصر الذی هو فیه ، الحدیث(1) .

ورجال السند کلّهم ثقات إلاّ محمد بن سلیمان ، وهو البصری الدیلمی لأنّه المعروف المشهور کما فی معجم رجال الحدیث(2) ، ولکنّه ضعیف کما فی النجاشی(3) ورجال الشیخ(4) ، وقد یرمی بالغلو(5) . وبه صار السند ضعیفاً ، فالتعبیر عنها بالصحیحة(6) غیر تام .

نعم ، یمکن جبران ضعف سندها بإفتاء المشهور علی طبقها .

ویؤیدها ما ورد فی الفقه الرضوی : وإن قامت بیّنة علی قوّاد جُلد خمسة وسبعین ونفی عن المصر الذی هو فیه ، وروی أنّ النفی هو الحبس سنة أو یتوب(7) .

والحاصل ، أنّ القیادة من المحرّمات الشرعیة وضعاً وتکلیفاً ، بل هی من الکبائر الموبقة کما عدّه عمّنا الأکرم فی رسالته فی المعاصی الکبیرة(8) ، ویثبت له الحدّ خمس وسبعون جلدة ثلاثة أرباع حدّ الزانی کما هو المشهور . قال فی الجواهر : « بلا خلاف أجده فیه ، بل فی

ص: 43


1- (1) وسائل الشیعة 28 / 171 ح 1 .
2- (2) معجم رجال الحدیث 16 / 134 .
3- (3) رجال النجاشی / 365 الرقم 987 .
4- (4) رجال الشیخ / 386 الرقم 2 .
5- (5) رجال الشیخ / 359 الرقم 10 .
6- (6) کما فی المکاسب 1 / 385 للشیخ الأنصاری قدس سره .
7- (7) الفقه الرضوی / 310 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 18 / 87 ح 1 . الباب 5 من أبواب حد السحق والقیادة .
8- (8) معاصی کبیرة / 111 لآیة اللّه الشیخ محمد علی النجفی المتوفی عام 1318 .

المسالک(1) ومحکی الإنتصار(2) والغنیة(3) الإجماع علیه»(4) . بلا فرق بین أن یکون القواد رجلاً أو إمرأة ، وبلا فرق بین أن یجمع بین الرجل والمرأة للزنا أو بین رجل ورجل آخر للواط ، وقد نقل عن بعضهم(5) بین المرأة والمرأة للسحق .

وقد ناقش شیخنا الأستاذ _ مدظله _(6) فی ثبوت الحدّ ، لضعف الروایة ، وذهب إلی أنّ للحاکم تعزیره بما یراه من المصلحة ، وهذا مناسباً لتأدیبه .

وفیه : ما مرّ منّا من انجبار ضعف سندها بفتوی المشهور علی طبقها ، والشهرة ینجبر ضعفها فی الجلدة ونفی البلد ، وأمّا حلق الرأس والإشهار کما ذهب إلی الأخیر ابن إدریس(7) وعن الإنتصار(8) والغنیة(9) الإجماع کما نقل عنهم صاحب الجواهر(10) ، وکما أفتی به فی الجملة المفید(11) والشیخ(12) وأبو الصلاح(13) والسلار(14)

ص: 44


1- (1) المسالک 14 / 422 .
2- (2) الإنتصار / 515 .
3- (3) الغنیة / 427 .
4- (4) الجواهر 41 / 400 .
5- (5) کما عن الکافی / 410 لأبی الصلاح الحلبی ، ویمکن حمل عبارة یحیی بن سعید فی الجامع / 557 علیه وحمل العبارة الموجودة فیه علی الغلط المطبعی بعد الرجال والنساء ، والصحیح : النساء والنساء ، وکما عن جامع الخلاف والوفاق / 584 والغنیة / 427 والإصباح / 519 ونقل عنهم فی کشف اللثام 10 / 507 والجواهر 41 / 399 .
6- (6) إرشاد الطالب 1 / 224 .
7- (7) السرائر 3 / 471 .
8- (8) الإنتصار / 515 .
9- (9) الغنیة / 427 .
10- (10) الجواهر 41 / 400 .
11- (11) المقنعة / 791 .
12- (12) النهایة / 710 .
13- (13) الکافی فی الفقه / 410 .
14- (14) المراسم / 257 .

والبیهقی(1) وابن سعید(2) .

فإن ثبت الإجماع فی الحلق والإشهار فهو وإلا إنکار الاستاذ _ مدظله _ فی هذین الأخیرین فی محلّه .

فیثبت حدّ القیادة بثلاثة أرباع حدّ الزانی ، خمسة وسبعون سوطاً ونفی البلد بالنسبة إلی الرجل ، وأمّا الحلق والإشهار منوط بثبوت الإجماع ، والتفصیل یطلب من کتاب الحدود ، واللّه سبحانه هو العالم .

ص: 45


1- (1) إصباح الشیعة / 519 .
2- (2) الجامع للشرائع / 557 .

القیافة

اشارة

هاهنا مقامات من البحث حول القیافة :

المقام الأوّل : تعریف القیافة

لابدّ فی تعریفها من ملاحظة کلمات أهل اللغة وتعاریف الفقهاء :

قال أحمد بن فارس : « القاف والراء والفاء کلمةٌ ، وهی من باب القَلْب ولیست أصلاً ، یقولون : هو یقوف الأثَرَ ویَقْتافُه بمعنی یقفو . ویقولون : أخذ بقُوفَةِ قَفاه ، وهو الشَّعْرُ المتدلِّی فی نُقْرة(1) القَفا»(2) .

وقال ابن منظور : « القائف الذی یَعرف الآثار ، والجمع القافة ... القائف الذی یتتبع الآثار ویعرفها ویعرف شبَه الرجل بأخیه وأبیه ... ومنه قیل للذی ینظر إلی شبه الولد بأبیه : قائف ، والقیافة : المصدر ... »(3) .

وقال الفیومی : « قاف الرجلُ الأثَرَ قَوْفاً من باب قال ، تَبِعَهُ ، واقْتَافَهُ کذلک ، فهو قَائِف ، والجمع قَافَةٌ مِثْل کَافِر وکَفَرَةِ ، ومُقْتاف»(4) .

وقال ابن الأثیر : « القائف : الذی یتتبع الآثار ویعرفها ، ویعرف شبه الرجل بأخیه وأبیه ، والجمع : القافة . یقال : فلان یقوف الأثر ویقتافه قیافة ، مثل قفا الأثر واقتفاه»(5) .

وقال الجوهری : « القائف : الذی یعرف الآثار والجمع القَافَةُ ، تقول : قفتُ أثَرَه : إذا

ص: 46


1- (1) ثقب فی القفا .
2- (2) معجم مقاییس اللغة 5 / 42 .
3- (3) لسان العرب 11 / 349 .
4- (4) المصباح المنیر / 519 .
5- (5) النهایة 4 / 121 .

تبعْتَه ، مثل قفوت أثره»(1) .

قال فی القاموس : « القائف : مَنْ یَعْرِفُ الآثارَ ، جمعه قافَةٌ ... »(2) .

وقال الطریحی : « وفی الحدیث : لا آخذ بقول قائفٍ ، هو الذی یعرف الآثار ویُلحق الولد بالوالد والأخ بأخیه ، والجمع قافة ، من قولهم قفت أثره إذا تبعته مثل قفوت أثره . وقاف الرجل یقوف قوفاً من باب قال : تبعه»(3) .

وقال فی المنجد : « القائف : اسم الفاعل ، الذی یعرف النسب بفراسته ونظره إلی أعضاء المولود ، جمعه قافة ، والقَوَاف والقَوَّاف : الذی یتتبَّع الآثار ویعرفها»(4) .

أقول : قد ظهر من کلمات أهل اللغة أنّ القائف هو الذی یعرف شبه الرجل بأبیه وأخیه ویحکم بالنسب بنظره إلی أعضاء المولود .

وأمّا الفقهاء أعلی اللّه کلمتهم یقولون فی تعریفها :

قال الفاضل المقداد : « التفرّس لإلحاق الأبناء بالآباء بسبب اتفاقهم فی صفة من الصفات»(5) .

وقال المحقق الثانی : « هی إلحاق الأنساب بما یزعم أنه یعلمه من العلامات ، أو إلحاق الآثار إذا رتّب علیه محرّماً ، أو جَزْمٌ بنسبه مِنْ زَعْمِ عِلْمه بکونه أثَرَه»(6) .

وعرّفها الشهید الثانی بقوله : « هی الإستناد إلی علامات ومقادیر یترتب علیها إلحاق بعض الناس ببعض ونحوه ، إنّما یحرم إذا جزم به ، أو رتّب علیه محرّماً»(7) .

ص: 47


1- (1) الصحاح 2 / 1084 .
2- (2) قاموس اللغة / الطبع الحجری مادة قوف ، (3 / 188) .
3- (3) مجمع البحرین / 420 الطبع الحجری ، مادة قوف ، (5 / 110) .
4- (4) المنجد / 702 .
5- (5) التنقیح الرائع 2 / 13 .
6- (6) جامع المقاصد 4 / 33 .
7- (7) المسالک 3 / 129 .

أقول : قد عرّفها فی الروضة البهیة(1) بنحو هذا التعریف أو قریباً منه .

وقال المحقق الأردبیلی : « قیل : القیافة هی الإستناد إلی علامات یترتب علیها إلحاق بعض الناس ببعض ونحوهم ، وإنّما تحرم إذا جزم أو رتب علیه محرّماً . والظاهر أنّ ترتب الأحول من الحفظ والذکاء والبلاهة وغیرها علی علامات - مثل علو الجبهة وعلوّ القفا ومؤخر الرأس - داخل فیها»(2) .

وقد نقل أصحاب الکفایة(3) والحدائق(4) وشرح القواعد(5) وریاض المسائل(6) والمستند(7) والجواهر(8) فی تعریفها ما ذکره ثانی الشهیدین فی المسالک .

أقول : القیافة کما یظهر من تعاریفهم هی الإلحاق فی النسب بالإستناد إلی علامات وتقادیر وصفات وآثار ، وقد قیّد الشهید فی الدروس(9) بماذا إذا ترتب علیها محرّم ، وزید فی المیسیة(10) وجامع المقاصد(11) والمسالک(12) والروضة(13) والمفاتیح(14) بما إذا جزم بها . والتقیید فی محلّه .

ص: 48


1- (1) الروضة البهیة 3 / 215 .
2- (2) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 80 .
3- (3) کفایة الأحکام 1 / 441 .
4- (4) الحدائق 18 / 182 .
5- (5) شرح القواعد 1 / 261 .
6- (6) ریاض المسائل 8 / 168 .
7- (7) مستند الشیعة 14 / 117 .
8- (8) الجواهر 22 / 92 .
9- (9) الدروس 3 / 165 .
10- (10) المیسیة مخطوطة کما نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12 / 271 .
11- (11) جامع المقاصد 4 / 33 .
12- (12) المسالک 3 / 129 .
13- (13) الروضة البهیة 3 / 215 .
14- (14) مفاتیح الشرائع 2 / 24 .

وبالجملة ، الحرام فی الشریعة المقدسة بالنسبة إلیها حرمة العمل بقول القافة وترتیب الأثر المحرَّم علیه .

المقام الثانی : أدلة حرمتها

1 _ الإجماع وعدم وجود المخالف فی حرمتها :

قد أفتی بالحرمة الشیخ فی النهایة(1) وابن إدریس فی السرائر(2) والمحقق فی النافع(3) والشرائع(4) والعلامة فی التذکرة قال : « والقیافة حرام عندنا»(5) . وقال فی النهایة : « القیافة حرام عند علمائنا کافة ، لأنّ النسب عندنا لا یثبت بها بل بالقرعة ، فلا یجوز سلوک هذا الطریق»(6) . وقد أفتی بالتحریم فی القواعد(7) والتحریر(8) ، وفی المنتهی(9) ذهب إلی وجود الإجماع علی حرمتها . وقال الشهید : « ویحرم القیافة والتکسّب بها ، سواء استعمل فی إلحاق الأنساب أو فی قفو الآثار إذا ترتب علیها حرام»(10) . وقال الفاضل المقداد : « القیافة حرام عندنا»(11) . وقال الأردبیلی : « ولعلّ دلیل التحریم الإجماع المذکور فی المنتهی»(12) . وقال

ص: 49


1- (1) النهایة / 366 .
2- (2) السرائر 2 / 218 .
3- (3) المختصر النافع / 117 .
4- (4) الشرائع 2 / 4 .
5- (5) تذکرة الفقهاء 12 / 145 مسألة 650 .
6- (6) نهایة الإحکام 2 / 472 .
7- (7) القواعد 2 / 9 .
8- (8) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 261 .
9- (9) منتهی المطلب 2 / 1014 من الطبع الحجری .
10- (10) الدروس الشرعیة 3 / 165 .
11- (11) التنقیح الرائع 2 / 13 .
12- (12) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 80 .

السبزواری : « لا أعلم خلافاً بینهم أیضاً فی تحریم القیافة»(1) . وقال صاحب الحدائق : « المسألة السابعة فی السحر ونحوه من القیافة والکهانة والشعبذة ، ولا خلاف فی تحریم الجمیع وأخذ الاُجرة علیه»(2) . وقال الشیخ جعفر بعد الحکم بالحرمة : « لصریح نقل الإجماع فیه من بعض وظهوره من آخرین»(3) . وقال فی الریاض : « بلا خلاف»(4) . وقال فی الجواهر : « وکأنّه لا خلاف فی تحریمها نحو الکهانة بل لعلّها فرد منها فتندرج تحت ما دلّ علی حرمتها»(5) .

وقال فی برهان الفقه بعد نقل عدم الخلاف والإجماع عن الأصحاب « وهو الحجة»(6) .

ولکن مع ذلک وسوس صاحب الحدائق فی أصل الحرمة(7) وقال : « وبالجملة فالدلیل من الأخبار علی التحریم غیر ظاهر ولیس إلاّ ما یدعی من الإجماع»(8) .

وتبعه الفاضل النراقی وقال : « فإن ثبت الإجماع فهو المتّبع وإلاّ ففیه نظر»(9) .

أقول : الظاهر أنّ الإجماع علی الحرمة ثابت عند أصحابنا قدس سرهم ، وقد حکی الفاضل المقداد(10) الخلاف فیه عن بعض المخالفین لبعض روایاتهم ، وقال فی المصباح : « خلافاً لأکثر العامة ، فإنّهم جوّزوا العمل بقول القافة استناداً إلی جملة من الروایات الواردة من طرقهم »(11) .

ص: 50


1- (1) کفایة الأحکام 1 / 441 .
2- (2) الحدائق 18 / 171 .
3- (3) شرح القواعد 1 / 261 .
4- (4) ریاض المسائل 8 / 168 .
5- (5) الجواهر 22 / 92 .
6- (6) برهان الفقه / کتاب التجارة ، 32 الطبع الحجری .
7- (7) کما عبر هکذا صاحب الجواهر 22 / 92 .
8- (8) الحدائق 18 / 184 .
9- (9) مستند الشیعة 14 / 117 .
10- (10) التنقیح الرائع 2 / 13 .
11- (11) مصباح الفقاهة 1 / 382 .
2 _ النسب لا یثبت إلاّ بالأدلة الشرعیة

من المعلوم أن الأصل النافی والاستصحاب یقتضیان نفی النسب ، وطریق ثبوته منحصر بالإقرار أو الولادة علی الفراش ونحوهما ممّا ورد فی الشریعة المقدسة ، وأمّا الإعتماد علی الاستحسانات الحاصلة من ملاحظة أعضاء البدن علی الوجه الذی قرّر فی علم القیافة یوجب نقض أحکام الإرث والنکاح والدیات وغیرها ، ویوجب الفضیحة علی المسلمین حیث یرون أنّ أولادهم یلحقون بغیرهم بحکم القافة ، بل نفس مشروعیة اللعان أوضح شیء علی عدم اعتبار هذا العلم حیث انحصر نفی النسب الثابت به .

مضافاً إلی أنّ قول القافة لا یحصل به إلاّ الظن ، والآیات الواردة فی النهی عن اتباع الظن والروایات الکثیرة الناهیة عن العمل بالظن تشملانه ، ولم یدل دلیل علی اعتبار الظن الحاصل من قولهم ، بل روایاتنا تدلّ علی عدم العبرة بقولهم کما سیأتی إن شاء اللّه تعالی .

قال الفقیه المتتبع السید جواد العاملی قدس سره فی بطلان القیافة وحرمتها : « وهو الموافق لأصول المذهب والإعتبار ، لأنّه یلزم منها إلحاق شخص بآخر الموجب لترتب الأحکام الکثیرة بممجرد ظن لا دلیل علیه شرعاً بل الدلیل علی خلافه ، وذلک ممّا تأباه أصول المذهب ومحاسن الشریعة ، بل یحکم أهل العقول بطیش عقل الملحق به أو أنّه أحمق»(1) .

3 _ الروایات تنهی عن اتباع قول القافة

بعض الروایات تنفی اعتبار علم القیافة :

منها : صحیحة محمد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام قال : کان أمیر المؤمنین علیه السلام یقول : لا آخذ بقول عرّاف(2) ولا قائف ولا لصّ ، ولا أقبل شهادة فاسق إلاّ علی نفسه(3) .

ومنها : خبر أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : من تکّهن أو تکّهن له فقد بریء من دین محمد صلی الله علیه و آله وسلم . قال : قلت : فالقیافة ؟ قال : ما اُحبّ أن تأتیهم ، وقیل : ما یقولون شیئاً إلاّ کان قریباً ممّا یقولون ، فقال : القیافة فضلة من النبوة ذهبت فی الناس حین بعث

ص: 51


1- (1) مفتاح الکرامة 12 / 269 .
2- (2) قال صاحب الوسائل 17 / 149 : « فسّر بعض أهل اللغة العرّاف بالکاهن وبعضهم بالمنجم» .
3- (3) وسائل الشیعة 11 / 370 ح 2 . الباب 14 من أبواب آداب السفر .

النبی صلی الله علیه و آله وسلم (1) .

ومنها : خبر الجعفریات بسنده المتصل إلی أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال : من السحت ثمن المیتة . إلی أن قال : وأجر القافی(2) .

ومنها : مرسلة الطریحی قال : فی الحدیث : لا آخذ بقول قائفٍ(3) .

وأمّا قضیة عرض مولانا وإمامنا محمد بن علی الجواد علیه السلام فی زمن والده مولانا وإمامنا علی بن موسی الرضا علیه السلام ، التی وردت فیها روایتان :

الأولی : ما رواه أبو جعفر محمد بن جریر بن رستم الطبری الصغیر فی کتابه دلائل الإمامة بسنده إلی الإمام العسکری علیه السلام أنّه قال فی حدیث : وإنّهم أخذوه والرضا علیه السلام عند المأمون ، فحملوه إلی القافة وهو طفل بمکة فی مجمع من الناس بالمسجد الحرام فعرضوه علیهم ، فلمّا نظروا إلیه وزرقوه بأعینهم خرّوا لوجوههم سجداً ، ثمّ قاموا وقالوا لهم : یا ویحکم مثل هذا الکوکب الدری والنور المنیر یعرض علی أمثالنا ، وهذا واللّه الحسب الزکی والنسب المهذّب الطاهر ، واللّه ما تردّد إلاّ فی أصلاب زاکیة وأرحام طاهرة ، واللّه ما هو إلاّ من ذریة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام ورسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فارجعوا واستقیلوا اللّه واستغفروه ولا تشکّوا فی مثله . إلی أن قال : وبلغ الخبر الرضا علی بن موسی علیه السلام وما صُنع بابنه محمد علیه السلام ، فقال : الحمد للّه . ثمّ التفت إلی بعض مَنْ بحضرته من شیعته فقال : هل علمتم ما قد رُمِیَتْ به ماریة القِبطیّة وما ادُّعِی علیها من ولادتها إبراهیم ابن رسول اللّه ؟ _ ثم بیّن علیه السلام قضیة إفک ماریة وقال فی ختام الحدیث : الحمد للّه الذی جعل فیَّ وفی ابنی محمد اُسوةً برسول اللّه وابنه إبراهیم ، الحدیث(4) .

وعلی هذه الروایة العرض علی القافة لم یکن بمحضر الرضا علیه السلام ورضایته ، بل عُرض

ص: 52


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 149 ح 2 . الباب 26 من أبواب ما یکتسب به .
2- (2) مستدرک الوسائل 13 / 110 ح 1 . الباب 23 من أبواب ما یکتسب به ، و 13 / 69 ح 1 . الباب 5 من أبواب ما یکتسب به .
3- (3) مجمع البحرین / 420 الطبع الحجری مادة قوف ، (5 / 110) .
4- (4) دلائل الإمامة / (388 _ 384) .

الإمام الجواد علیه السلام بمکة فی المسجد الحرام علی القافة ، ومن الواضح أنّه من کید المأمون وسیاسة سلطة الوقت .

فهذا النقل لا یدل علی اعتبار علم القیافة بوجه . مضافاً إلی ضعف سنده بأبی المفضل محمد بن عبد اللّه وهو ضعیف ، ومحمد بن إسماعیل الحسنی وهو إمامیٌ مجهول .

الثانیة : ما رواه الکلینی بسند لا یبعد حسنه ، وفیه : قالوا : فإن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قد قضی بالقافة فبیننا وبینک القافة ، قال : ابعثوا أنتم إلیهم فأمّا أنا فلا ، ولا تُعلموهم لما دعوتموهم ولتکونوا فی بیوتکم ... ثمّ جاؤوا بأبی جعفر علیه السلام فقالوا : ألحقوا هذا الغلام بأبیه ، فقالوا : لیس له ههنا أبٌ ولکن هذا عمّ أبیه وهذا عمّ أبیه وهذا عمّه وهذه عمته وإن یکن له ههنا أبٌ فهو صاحب البستان ، فإنّ قدمیه وقدمیه واحدة ، فلما رجع أبو الحسن علیه السلام قالوا : هذا أبوه ، الحدیث(1) .

وقد یُستشکل علی الروایة بوجوهٍ :

أوّلاً : بضعف السند ، لأنّ زکریا بن یحیی الصیرفی مجهولٌ .

وثانیاً : أنّها مشتملة علی تقریر الإمام علیه السلام بأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قد قضی بالقافة .

وثالثاً : اشتملت علی عرض أخوات الإمام علیه السلام وعمّاته علی القافة ، وهو حرام بلا ریب لا یصدر منه علیه السلام .

ویمکن أن یجاب :

عن الأوّل : بأنّ الروایة متلقاة بالقبول من جانب الأصحاب قدس سرهم ، مضافاً إلی قول المامقانی فی حقِّ زکریا بأنّه إمامیٌّ لا یبعد حسنه ، وبعد قبول هذا القول صار السند حسناً .

وعن الثانی : بأنّه یؤید الإمام علیه السلام قضاء رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بالقافة ، بل بعد أن أجبر بواسطة إخوته وعمومته قال : « ابعثوا أنتم إلیهم فأمّا أنا فلا» وهذه الفقرة تدلّ بوضوح إلی عدم اعتبار قول القافة عند الإمام وعدم جواز تبعیتهم .

وعن الثالث : بأنّ الضرورات تبیح المحذورات ، وضرورة إثبات الإمامة تکون أهمّ

ص: 53


1- (1) الکافی 1 / 322 ح 14 .

من ستر أخوات الإمام وعمّاته .

ویمکن أن یقال : بأنّ عرضهنَّ وقع من جانب إخوة الإمام وعمومته ولم یأمر الإمام بها بل ولم یرض بها .

وبالجملة ، عرض مولانا وإمامنا أبی جعفر محمد بن علی الجواد علیه السلام علی القافة أمرٌ قطعیٌّ وقع فی تلک الأعصار لکن دون إثبات أنّ العرض کان بأمر الإمام علی بن موسی الرضا علیه آلاف التحیة والثناء أو بأمر ابنه الإمام الجواد علیه السلام أو برضایتهما أو رضایة أحدهما خرط القتاد . فلا یدلّ هذا العرض علی حجیة قول القافة ولا یثبت صحة أو تأیید علم القیافة . واللّه سبحانه هو العالم .

ص: 54

الکذب

اشارة

یقع الکلام فیه فی ضمن فصول :

الفصل الأوّل : تعریفه

الکلام إمّا إنشاءٌ وإمّا إخبارٌ ، والإخبار إمّا مطابقٌ للواقع فیُسمی صدقاً وإمّا غیر مطابقٍ للواقع فیسمی کذباً .

وهذا التعریف یؤیده الوجدان ویقرّ به الناس علی مختلف طبقاتهم وأعصارهم وأمصارهم .

الفصل الثانی : أدلة حرمة الکذب

اشارة

الأدلة الأربعة تدلّ علی حرمته :

1 _ الکتاب :

آیات کثیرة من الکتاب تدلّ علی حرمته :

منها : قوله تعالی : «وَیَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَی مَکَانَتِکُمْ إِنِّی عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن یَأْتِیهِ عَذَابٌ یُخْزِیهِ وَمَنْ هُوَ کَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّی مَعَکُمْ رَقِیبٌ»(1) .

ومنها : قوله تعالی : «وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ یَکْتُمُ إِیمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن یَقُولَ رَبِّیَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءکُم بِالْبَیِّنَاتِ مِن رَّبِّکُمْ وَإِن یَکُ کَاذِباً فَعَلَیْهِ کَذِبُهُ وَإِن یَکُ صَادِقاً یُصِبْکُم بَعْضُ الَّذِی یَعِدُکُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ یَهْدِی مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ کَذَّابٌ»(2) .

ص: 55


1- (1) سورة هود / 93 .
2- (2) سورة غافر / 28 .

ومنها : قوله تعالی : «وَیَجْعَلُونَ لِلّهِ مَا یَکْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْکَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَی لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ الْنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ»(1) .

2 _ السنة الشریفة :

عدّة من الروایات المعتبرة المتواترة تدلّ علی حرمة الکذب :

منها : معتبرة فضیل بن یسار بل موثقته عن أبی جعفر علیه السلام قال : إنّ أوّل مَنْ یُکَذِّبُ الکذّابَ اللّه عزّ وجلّ ، ثمّ الملکان اللذان معه ، ثمّ هو یعلم أنّه کاذب(2) .

ومنها : صحیحة عمر بن یزید قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : إنّ الکذّاب یهلک بالبینات ویهلک أتباعه بالشبهات(3) .

ومنها : موثقة أو صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال : إنّ اللّه عزّ وجلّ جعل للشرّ أقفالاً وجعل مفاتیح تلک الأقفال الشراب ، والکذب شرّ من الشراب(4) .

ومنها : موثقة عبید بن زرارة قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : إنّ ممّا أعان اللّه به علی الکذّابین النسیان(5) .

ومنها : صحیحة معمر بن خلاد عن الرضا علیه السلام قال : سُئل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : یکون المؤمن جباناً ؟ قال : نعم ، قیل : ویکون بخیلاً ؟ قال : نعم ، قیل : ویکون کذّاباً ؟ قال : لا(6) .

ومنها : حسنة عبد اللّه بن عجلان قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : إنّ العبد إذا صدق کان أوّل من یصدّقه اللّه ونفسه تعلم أنّه صادق ، وإذا کذب کان أوّل من یکذّبه اللّه ونفسه تعلم أنّه کاذب(7) .

ص: 56


1- (1) سورة النحل / 62 .
2- (2) وسائل الشیعة 12 / 243 ح 1 . الباب 138 من أبواب أحکام العشرة .
3- (3) وسائل الشیعة 12 / 243 ح 2 .
4- (4) وسائل الشیعة 12 / 244 ح 3 .
5- (5) وسائل الشیعة 12 / 245 ح 7 .
6- (6) المحاسن 1 / 209 ح 154 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 12 / 245 ح 11 .
7- (7) وسائل الشیعة 12 / 247 ح 15 .

ومنها : صحیحة ابن رئاب قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : إنّ المؤمن لا یکون سجیته الکذب والبخل والفجور ، وربّما ألمّ من ذلک شیئاً لا یدوم علیه . قیل : فیزنی ؟ قال : نعم ، ولکن لا یولد له من تلک النطفة(1) .

ومنها : صحیحة معاویة بن وهب قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : إنّ آیة الکذّاب بأن یخبرک خبر السماء والأرض والمشرق والمغرب ، فإذا سألته عن حرام اللّه وحلاله لم یکن عنده شیءٌ(2) .

ومنها : صحیحة أبی الصباح الکنانی عن الصادق علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فی حدیث : شرّ الروایة الکَذِبَ ، الحدیث(3) .

ومنها : صحیحة هشام بن سالم عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّ فی من ینتحل هذا الأمر لمن یکذب حتّی یحتاج الشیطان إلی کذبه(4) .

تلک عشرة کاملة من الروایات المعتبرة حول حرمة الکذب وقبحه ، فإن شئت أکثر ممّا تلوناه علیک فراجع الکافی 2 / 338 وعقاب الأعمال / 318 وجامع الأخبار / 417 والوافی 5 / 927 وبحار الأنوار 69 / 232 ووسائل الشیعة 12 / 243 ومستدرک الوسائل 9 / 83 وجامع أحادیث الشیعة 17 / 143 وکتابی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 9 / 305 .

3 _ الإجماع :

الإجماع من المؤمنین بل من المسلمین قائم علی حرمة الکذب ، بل حرمته من ضروریات المذهب ، بل الدین ، بل جمیع الأدیان الإلهیة .

ص: 57


1- (1) الکافی 2 / 442 ح 6 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 9 / 307 ح 11 .
2- (2) الکافی 2 / 340 ح 8 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 9 / 308 ح 14 .
3- (3) أمالی الصدوق . المجلس الرابع والسبعون ح 1 / 576 الرقم 788 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 9 / 311 ح 27 .
4- (4) أمالی الطوسی . المجلس الرابع عشر ح 81 / 414 الرقم 933 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 9 / 312 ح 33 .

ولکن من المعلوم أنّ هذا الإجماع مستند إلی ما مرّ من أدلة الکتاب والسنة ، فهو إجماع مدرکیٌّ ولیس بتعبدی .

4 _ العقل :

العقل یحکم بقبح الکذب فطرةً ، سواء ترتب علیه المفسدة والمضرة أم لا ! وإذا ترتب علیه المفاسد والمضرات دنیویة کانت أو اُخرویة والحکم بقبحه وحرمته واضح ، ولکنه حینئذ لا یختص بالکذب فقط ، بل یجری فی کلِّ ما استلزم شیئاً من هذه الاُمور ولو کان صدقاً .

فحکم العقل بقبح الکذب لا یختص بترتب المفسدة والمضرة حتّی یستلزم هذا الإشکال ، خلافاً للمحقق الخوئی قدس سره فی مصباحه(1) حیث قیّد حکم العقل بقبح الکذب بترتب المفسدة والمضرة علیه .

الفصل الثالث : هل الکذب مطلقاً من الکبائر ؟

یمکن أن یُستدل بأنّ الکذب من الکبائر مطلقاً بعدّة من الروایات :

منها : معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام فی کتابه إلی المأمون : عدّ الکذب من الکبائر(2) .

ومنها : خبر الأعمش عن الصادق علیه السلام فی حدیث شرائع الدین : عدّ الکذب من الکبائر(3) .

ومنها : موثقة أو صحیحة محمد بن مسلم(4) الماضیة .

ومنها : خبر أنس قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : المؤمن إذا کذب بغیر عذر ، لعنه سبعون ألف ملک ، وخرج من قلبه نتن حتّی یبلغ العرش فیلعنه حملة العرش ، وکتب اللّه علیه بتلک

ص: 58


1- (1) مصباح الفقاهة 1 / 385 .
2- (2) وسائل الشیعة 15 / 329 ح 33 . الباب 46 من أبواب جهاد النفس .
3- (3) وسائل الشیعة 15 / 331 ح 36 .
4- (4) وسائل الشیعة 12 / 244 ح 3 .

الکذبة سبعین زنیة ، أهونها کمن یزنی مع اُمّه(1) .

ومنها : مرسلة الشهید الثانی عن الإمام العسکری علیه السلام أنّه قال : جعلت الخبائث فی بیت وجُعل مفتاحه الکذب(2) .

ومنها : خبر وصیة النبی صلی الله علیه و آله وسلم لأبی ذر قال فیها : یا أبا ذر ویلٌ للذی یحدّث فیکذب لیُضحک به القوم ، ویل له ، ویل له ، الحدیث(3) .

ویمکن أن یُستدل بأنّ الکذب من الکبائر بقوله تعالی : «إِنَّمَا یَفْتَرِی الْکَذِبَ الَّذِینَ لاَ یُؤْمِنُونَ بِآیَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِکَ هُمُ الْکَاذِبُونَ»(4) .

بتقریب : أن الآیة جعلت الکاذب غیر مؤمن بآیات اللّه ، کافراً بها : ویؤید هذا التقریب تطبیق الإمام الرضا علیه السلام الآیة الشریفة علی الکذّاب فی مرسلة العباس بن هلال عن أبی الحسن الرضا علیه السلام أنّه ذکر رجلاً کذّاباً ، ثم قال : قال اللّه : «إِنَّمَا یَفْتَرِی الْکَذِبَ الَّذِینَ لاَ یُؤْمِنُونَ»(5) .

ولکن وردت فی قبالها عدّة من الروایات یظهر منها بأنّه لیس بإطلاقه من الکبیرة :

منها : حسنة أبی خدیجة سالم بن مکرم عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : الکذب علی اللّه وعلی رسوله من الکبائر(6) .

ومنها : خبر آخر له عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : الکذب علی اللّه وعلی رسوله وعلی الأوصیاء علیهم السلام من الکبائر(7) .

ومنها : مرسلة الصدوق قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من قال علیَّ ما لم أقل فلیتبّوأ

ص: 59


1- (1) مستدرک الوسائل 9 / 86 ح 15 .
2- (2) الدرة الباهرة / 43 .
3- (3) وسائل الشیعة 12 / 251 ح 4 .
4- (4) سورة النحل / 105 .
5- (5) تفسیر العیاشی 3 / 24 ح 70 ونقل عنه فی البرهان 3 / 456 ح 1 .
6- (6) وسائل الشیعة 12 / 248 ح 3 .
7- (7) وسائل الشیعة 15 / 327 ح 25 . الباب 46 من أبواب جهاد النفس .

مقعده من النار(1) .

ومنها : صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : الکذّاب هو الذی یکذب فی الشیء ؟ قال : لا ، ما من أحد إلاّ یکون ذاک منه ، ولکن المطبوع علی الکذب(2) .

ومنها : ما رواه سیف بن عمیرة فی الصحیح عمّن حدثه عن أبی جعفر علیه السلام قال : کان علی بن الحسین علیه السلام یقول لولده : اتقوا الکذب الصغیر منه والکبیر فی کلِّ جدٍّ وهزل ، فإنّ الرجل إذا کذب فی الصغیر اجترأ علی الکبیر ، أما علمتم أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : ما یزال العبد یصدق حتّی یکتبه اللّه صدّیقاً وما یزال العبد یکذب حتّی یکتبه اللّه کذّاباً(3) .

وأنت تری بأنّ ضعف أسناد بعضها وضعف دلالة بعضها الاُخر یوجب عدم تقیید المطلقات الماضیة بها ، فالکذب مطلقاً یکون من الکبائر ، لإطلاق ما ورد فی معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام (4) وغیرها وعدم ثبوت مقید لها .

واللّه سبحانه هو العالم .

الفصل الرابع : هل یحرم الکذب فی الهزل أم لا ؟

الکلام ینقسم إلی الجدّ والهزل ، ولا ریب فی حرمة الکذب فی الأوّل وأمّا الثانی فظاهر بعض الروایات حرمته فی الهزل أیضاً :

منها : صحیح سیف بن عمیرة عمّن حدثه عن أبی جعفر علیه السلام الماضیة آنفاً(5) .

ومنها : خبر وصیة النبی صلی الله علیه و آله وسلم لأبی ذر الماضی(6) .

ص: 60


1- (1) وسائل الشیعة 15 / 327 ح 26 .
2- (2) وسائل الشیعة 12 / 245 ح 9 .
3- (3) وسائل الشیعة 12 / 250 ح 1 الباب 140 من أبواب أحکام العشرة .
4- (4) وسائل الشیعة 15 / 329 ح 33 .
5- (5) وسائل الشیعة 12 / 250 ح 1 .
6- (6) وسائل الشیعة 12 / 251 ح 4 .

ومنها : معتبرة الأصبغ بن نباتة قال : قال أمیر المؤمنین علیه السلام : لا یجد عبد طعم الإیمان حتّی یترک الکذب هزله وجدّه(1) .

رجال السند کلّهم ثقات حتّی قاسم بن عروة ، لأنّه من المعاریف وله أکثر من 125 روایة ، وصرح المفید بوثاقته فی المسائل الصاغانیة ، فالرجل أیضاً ثقة ولا أقل من اعتباره .

ومنها : خبر الحارث عن علی علیه السلام قال : لا یصلح من الکذب جدّ ولا هزل ، ولا أن یَعِدَ أحدکم صبیّه ثمّ لا یفی له ، إنّ الکذب یهدی إلی الفجور والفجور یهدی إلی النار ، وما یزال أحدکم یکذب حتّی یقال : کذب وفجر ، وما یزال أحدکم یکذب حتّی لا یبقی فی قلبه موضع إبرة صدق ، فیسمّی عند اللّه کذّاباً(2) .

ومنها : خبر جبلة الأفریقی أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : أنا زعیم ببیت فی رَبَض الجنة وبیت فی وسط الجنة وبیت فی أعلی الجنة لمن ترک المراء وإن کان حقّاً ولمن ترک الکذب وإن کان هازلاً ولمن حسن خُلقه(3) .

ومنها : الإطلاقات الواردة فی حرمة الکذب التی مرّ بعضها ، وهی تشمل الکذب فی الهزل أیضاً .

ولکن الکل یحمل علی الهزل الذی یکون إخباراً عن الواقع ، کأن یخبر بحدوث حادث أو قدوم مسافر ونحوهما ، وهذا الذی یکون حراماً بدلالة الروایات .

وأمّا الهزل الذی یکون إنشاءً فهو خارج عن الکذب موضوعاً وحکماً ، فلا یصیر حراماً بأدلته ، نحو أن ینشیء وصفاً لأحد بداعی الهزل ، کإطلاق العالم الکبیر علی الجاهل أو الأسد علی الجبان ، والفطن الذکی علی الأبله ونحوها . وهذا الهزل الإنشائی لا یدخل فی عنوان الکذب ، فلا یکون حراماً من جهته . نعم یمکن أن یصیر حراماً لانطباق بعض عناوین اُخری علیه ، نحو : الغیبة أو التهمة أو إیذاء المؤمن أو السخریة به أو غیرها .

ص: 61


1- (1) وسائل الشیعة 12 / 250 ح 2 .
2- (2) وسائل الشیعة 12 / 250 ح 3 .
3- (3) الخصال 1 / 144 ح 170 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 12 / 237 ح 8 . الباب 135 من أبواب أحکام العشرة ، ونقلت عنه أیضاً فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 9 / 310 ح 24 .

الفصل الخامس : هل خلف الوعد یدخل فی عنوان الکذب أم لا ؟

الوعد عبارة : أن یخبر المتکلِّم عن عزمه علی الوفاء بشیءٍ لِشخص آخر ، کأن یقول : إنّی عازم علی طبع کتابک ، أو إنّی ملتزم بالمجیء إلی زیارتک أو إکرامک . هذا الفرد یدخل فی عنوان الخبر فیصدق علیه الصدق والکذب ، غایة الأمر أنّه إخبارٌ عن الاُمور النفسانیة فإنّ کان صادقاً فی هذا الإخبار فهو من الصادقین وإلاّ فلا .

ثمّ بعد عزمه الأوّل علی الوفاء بحیث یکون صادقاً فیه ، یجب علیه الوفاء فی المستقبل والإتیان بما وعد أم لا ؟ یعنی هل یجب علیه تنجز وعده وتحقق عزمه فی الخارج بحیث لا یصیر کلامه ووعده کذباً أم لا ؟

ظهور بعض الروایات علی وجوب الوفاء بالوعد :

منها : خبر الحارث الأعور عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال : لا یصلح من الکذب جدّ ولا هزل ولا أن یَعِدَ أحدکم صبیه ثمّ لا یفی له ، الحدیث(1) .

ومنها : صحیحة شعیب العقرقوفی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من کان یؤمن باللّه والیوم الآخر فلیفِ إذا وعد(2) .

ومنها : صحیحة هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : عِدَةُ المؤمن أخاه نذر لا کفارة له ، فمن أخلف فبخلف اللّه بدأ ، ولمقته تعرّض ، وذلک قوله : «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * کَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ»(3)(4) .

ومنها : ما رواه الرضی عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه کتب فی عهده إلی مالک الأشتر النخعی : وإیّاک والمنّ علی رعیتک بإحسانک ، أو التَّزَیُّدَ فیما کان من فعلک ، أو أن یَقِدَهم فَتُتْبِ_عَ موعدک بخُلفک ، فإنّ المَنَّ یُبطل الإحسان ، والتزیّد یذهب بنور الحقّ ، والخلف یوجب المقت

ص: 62


1- (1) وسائل الشیعة 12 / 250 ح 3 .
2- (2) وسائل الشیعة 12 / 165 ح 2 . الباب 109 من أبواب أحکام العشرة .
3- (3) سورة الصف / 2 و 3 .
4- (4) وسائل الشیعة 12 / 165 ح 3 .

عند اللّه والناس . قال اللّه تعالی : «کَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ»(1) .

قد سبق أنّ لهذا العهد الشریف سنداً معتبراً . التزید : إظهار الزیادة فی الأعمال عن الواقع منها فی معرض الإفتخار .

ومنها : خبر أنس بن مالک قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : تقبّلوا لی بستٍّ أتَقبّل لکم بالجنة : إذا حدّثتم فلا تَکْذِبوا ، وإذا وَعَدْتُم فلا تُخْلِفوا ، وإذا إئتُمِنْتُم فلا تَخُونوا ، وغُضّوا أبصارکم ، واحْفَظُوا فُرُوجکم ، وکفّوا أیدیکم وألسنتکم(2) .

والروایات الواردة حول الصدق فی الوعد متعددة ، فإن شئت راجع وسائل الشیعة 12 / 164 ومستدرک الوسائل 8 / 458 وجامع أحادیث الشیعة 17 / 172 وکتابَیَّ ألف حدیث فی المؤمن / 333 وموسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 12 / 199 .

نعم ، ورد فی بعض الروایات أنّ الوعد بالنسبة إلی الزوجة والأهل یحسن وإن لم یف به ، نحو : خبر وصیة النبی صلی الله علیه و آله وسلم لعلیٍّ علیه السلام (3) وخبر المحاربی(4) وخبر عیسی بن حسان(5) وخبری الجعفریات(6) ، فإن ظاهر هذه الروایات وجوب الوفاء بالوعد إلاّ بالنسبة إلی الزوجة والأهل . ولکن الأصحاب أعرضوا عن الوجوب وحکموا فیه بالإستحباب ، والسیرة القطعیة بین المتشرعة أیضاً تدلّ علی جواز خلف الوعد ، فلو کان حراماً لاشتهر وبان . وإن کان الاحتیاط فی الوفاء به موافق للروایات ، والوفاء موجب لعدم سقوط الفرد عن الاعتبار فی المجتمع ، والعقل والعقلاء أیضاً یحکمون بلزوم الوفاء به .

وأمّا الوعید : فالروایات والعقل والعقلاء والإعتبارات الأخری کلّها غیر حاکمة

ص: 63


1- (1) نهج البلاغة / الکتاب 53 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 8 / 459 ح 6 .
2- (2) أمالی الصدوق . المجلس العشرون ح 2 / 150 الرقم 147 _ الخصال 1 / 321 ح 5 ونقل عنهما فی جامع أحادیث الشیعة 17 / 173 ح 5 .
3- (3) وسائل الشیعة 12 / 252 ح 1 .
4- (4) وسائل الشیعة 12 / 252 ح 2 .
5- (5) وسائل الشیعة 12 / 253 ح 5 .
6- (6) الجعفریات / 171 و 176 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 9 / 94 ح 1 و 4 .

بلزوم الوفاء به ، بل تحسّن العفو والإغماض . وقد یحرم الوفاء به إذا کان الوعید یدخل فی الظلم والعدوان ، واللّه سبحانه هو العالم .

الفصل السادس : هل المبالغة ونظائرها من الکذب أم لا ؟

المبالغة ونظیرها من الکنایة والتشبیه والاستعارة والمجاز إذا اُرید بها الإخبار عن الواقع تتصف بالصدق والکذب أعنی أنه لابدّ من وجود أصل الشیء ثمّ التعبیر به علی هذه الوجوه من نصب القرینة علیه فحینئذ تتصف بالصدق . وأمّا إذا لم یکن أصل الشیء ثمّ عبر عنه بهذه الوجوه - نظیر استعمال الأسد فی الجبان والقمر فی الکریهة المنظر وکثیر الرماد وهزال الفصیل فی الخسیس ونحوها - فیصیر کذباً بلا فرق بین المبالغة ونظائرها .

وإمّا إذا کانت المبالغة ونظائرها استعملت فی إنشاء المدح أو الذم فإنّها لا تتصف بالصدق والکذب ، لأنّها إنشاء ، والإنشائیات کما مرّ لا تتصف بهما بخلاف الإخباریات . ولعلّ إلی هذا القسم ینظر مَنْ رأی خروج المبالغة عن الکذب موضوعاً . واللّه العالم .

وهذا البیان یجری فی النظم والنثر والهزل والجدّ ، فالمبالغة ونظائرها فی النظم والهزل الإخباری یمکن أنْ یتصف بالکذب ، ولذا قال المحقق فی شهادات الشرائع : « یحرم من الشعر ما تضمّن کذباً»(1) . وأمّا إذا کانت المبالغة ونظائرها فی النظم والهزل الإنشائی دون الإخباری زادت فی حسنه ، بل قیل : أکذبه أعذبه . ویخرج عن الاتصاف بالصدق والکذب .

الفصل السابع : التوریة

وهی استعمال اللفظ فی معنیین أحدهما قریب والآخر بعید ، فیقصد المتکلّم المعنی البعید ویوهم السامع المعنی القریب . ویسمّها العرب بالملاحن والمعاریض وتقول فیها : إنّ فی المعاریض مندوحة عن الکذب . واختلف الفقهاء فی وجوبها لدی الإضطرار إلی الکذب ، قال العلامة فی مسألة الودیعة إذا طالبها ظالم : « ویجوز الحلف کاذباً للمصلحة ، ویجب التوریة علی

ص: 64


1- (1) الشرائع 4 / 128 .

العارف»(1) . وقال المحقق الکرکی : « ولو اقتضت المصلحة الکذب وجبت التوریة»(2) . وناقش کلام العلامة بقوله : « حیث تقتضی ثبوت الکذب مع التوریة ومعلوم أن لا کذب معها»(3)(4) .

وقال الفقیه العاملی بعد نقل کلام المحقق الکرکی الأوّل منهما : « فتأمّل ، لأنّ ظواهر الأدلة علی خلاف ذلک»(5) . وذهب إلی عدم وجوبها فی الجواهر(6) تبعاً لأستاذهما فی شرح القواعد(7) .

والتوریة نحو قولک : « ما رأیتُ زیداً ولا کلّمته» ، فإنّک تُفهِم السامع عدم رؤیتک له وتکلّمک معه ، وتضمر فی نفسک أنّک ما ضربتَ ریته ولا جرحتَه .

والفرض فی هذه التوریة إغفال السامع عن المراد وإخفاء الواقع علیه وتمویه الأمر علیه ، فلزم فیها اختلاف المعنیین ظهوراً وخفاءً وکون المراد هو الخفی منهما ولکن السامع ینتقل إلی المعنی القریب والظاهر . هذه هی التوریة العرفیة ، ولکن التوریة البدیعیة غیرها ، وهی التی یقصد المتکلّم إفهام المعنیین معاً ، وربّما لم یکن بینهما خفاء فی الظهور بل یکونان متکافئین فی ظهور . وإذا کانا کذلک ، کانت أبدع فی الصنعة وأملح فی الذوق ، ومع اختلافهما فی الظهور فکثیراً ما یرشّح البعید بما یقرّبه إلی المعنی الآخر احتیالاً من المتکلّم فی جعلهما فی مرتبة واحدة أو فی درجتین متقاربتین .

ص: 65


1- (1) قواعد الأحکام 2 / 188 .
2- (2) جامع المقاصد 4 / 27 .
3- (3) جامع المقاصد 6 / 38 .
4- (4) ومن القائلین بوجوب التوریة : المفید فی المقنعة / 556 وابن زهرة فی الغنیة / 283 مدعیاً علیه الإجماع وابن إدریس فی السرائر 3 / 43 والمحقق فی الشرائع 2 / 163 و 3 / 32 والعلامة فی التحریر 3 / 193 و 4 / 79 والشهیدین فی اللمعة وشرحها راجع الروضة 1 / 358 . وقد ذکر بعضهم الشیخ الأعظم فی المکاسب 2 / 22 و 23 .
5- (5) مفتاح الکرامة 12 / 221 .
6- (6) الجواهر 22 / 73 .
7- (7) شرح القواعد 1 / 233 .

والحاصل ، أنّ بین التوریتین بون بعید ، فراجع لمعرفة التفصیل بینهما رسالة « سمطا اللآل فی مسألتی الوضع والإستعمال»(1) وکتاب « السیف الصنیع لرقاب منکری علم البدیع»(2) وکلاهما للعلامة الجد آیة اللّه أبی المجد الشیخ محمد الرضا النجفی الإصفهانی المتوفی عام 1362 طاب اللّه ثراه وجعل الجنة مثواه .

ثمّ فلیعلم أنّ کلامنا فی التوریة العرفیة لا البدیعیة ، ومن الواضح أنّها إذا کانت فی مقام الإخبار لا الإنشاء ، حیث أنّ ظاهر الألفاظ یکون حجة ولم یقم المتکلّم قرینة علی خلافه وإلاّ التفت السامع إلی المعنی البعید ، فالتوریة العرفیة بظاهرها داخلة فی عنوان الکذب ویترتب علیها حکمه ، ولذا حکم جمع من الأصحاب بأنّ التوریة من غیر قرینة تدخل فی اسم الکذب أو حکمه کما فی شرح القواعد(3) ومفتاح الکرامة(4) والجواهر(5) . ولعلّ الوجه فی ذلک ما ذکره المحقق القمی من « أنّ المعتبر فی اتصاف الخبر بالصدق والکذب هو ما یفهم من ظاهر الکلام لا ما هو المراد منه»(6) .

ثمّ یبقی الکلام فی روایة عبد اللّه بن بکیر بن أعین عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی الرجل یستأذن علیه فیقول للجاریة قولی : لیس هو هاهنا ، قال : لا بأس لیس بکذب(7) .

ویمکن أن یستشکل علیها : أوّلاً : بإرسالها ، لأنّ ابن إدریس لم ینقل سنده إلی عبد اللّه ، فصارت الروایة مرسلة سنداً .

وثانیاً : یمکن حملها علی جواز الکذب لدفع الضرر والخطر ، کما سیأتی بیانه فی

ص: 66


1- (1) سمطا الّلآل فی مسألتی الوضع والإستعمال / (97 _ 88) .
2- (2) السیف الصنیع لرقاب منکری علم البدیع / 97 وما بعدها .
3- (3) شرح القواعد 1 / 232 .
4- (4) مفتاح الکرامة 12 / 220 .
5- (5) الجواهر 22 / 72 .
6- (6) القوانین 1 / 419 .
7- (7) وسائل الشیعة 12 / 254 ح 8 .

مسوغات الکذب ، وعلیه تحمل مرسلة الشیخ فی المبسوط(1) والخلاف(2) ، قال : روی سوید بن حنظلة قال : خرجنا ومعنا وائل بن حجر نرید النبی صلی الله علیه و آله وسلم ، فأخذه أعداء له ، وتحرّج القوم أن یحلفوا فَحَلَفْتُ باللّه أنّه أخی ، فخلی عنه العدو ، فذکرتُ ذلک للنبی صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال : صدقت المسلم أخو المسلم .

تنبیهٌ

وأمّا الآیات التی وردت فیها نسبة غیر الصدق إلی بعض الأنبیاء بظاهرها نظیر ، قوله تعالی نقلاً عن إبراهیم علی نبینا وآله وعلیه السلام : «إِنِّی سَقِیمٌ»(3) وقوله تعالی نقلاً عنه أیضاً : «بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن کَانُوا یَنطِقُونَ»(4) وقوله تعالی نقلاً عن مؤذن یوسف أنّه قال بأمره : «أَیَّتُهَا الْعِیرُ إِنَّکُمْ لَسَارِقُونَ»(5) أحسن تأویل فیها ما ورد فی الإحتجاج مرسلاً عن الصادق علیه السلام أنّه سُئل عن قول اللّه عزّ وجلّ فی قصة إبراهیم علیه السلام : «بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن کَانُوا یَنطِقُونَ»قال : ما فعله کبیرهم وما کذب إبراهیم علیه السلام . قیل : وکیف ذلک ؟ فقال : إنّما قال إبراهیم : «فَاسْأَلُوهُمْ إِن کَانُوا یَنطِقُونَ» فإن نطقوا فکبیرهم فعل وإن لم ینطقوا فکبیرهم لم یفعل شیئاً ، فما نطقوا ، وما کذب إبراهیم علیه السلام .

فسئل عن قوله فی سورة یوسف : «أَیَّتُهَا الْعِیرُ إِنَّکُمْ لَسَارِقُونَ» ، قال : إنّهم سرقوا یوسف من أبیه ، ألاتری أنّه قال لهم : «قَالُواْ ... مَّاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِکِ»(6) ، ولم یقل سرقتم صواع الملک ، إنّما سرقوا یوسف من أبیه .

ص: 67


1- (1) المبسوط 5 / 95 .
2- (2) الخلاف 4 / 490 مسألة 60 .
3- (3) سورة الصافات / 89 .
4- (4) سورة الأنبیاء / 63 .
5- (5) سورة یوسف / 70 .
6- (6) سورة یوسف / 72 و 71 .

فسئل عن قول إبراهیم : «فَنَظَرَ نَظْرَةً فِی النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّی سَقِیمٌ»(1) قال : ما کان إبراهیم سقیماً وما کذب ، إنّما عنی سقیماً فی دینه ، أی مرتاداً(2) .

الإرتیاد : أی الطلب والمیل ، أی إنّی طالب ومُجِدٌّ فی دینی لتحصیل الإعتقاد الصحیح بالمبدأ والمعاد .

ورویت نظیرها مختصراً فی خبر عطاء(3) وفی حسنة الحسن الصیقل(4) الآتیة ، المحمولة علی ارادة الإصلاح .

الفصل الثامن : مسوّغات الکذب :

1 _ جواز الکذب لدفع الضرر
اشارة

إطلاق حرمة الکذب یمکن أن یقیّد ، ومن مقیّداته دفع الضرر أو الضرورة إلیه ،

واستدلوا علیه بالأدلة الأربعة :
الف : الکتاب

تدلّ علی جواز الکذب لدفع الضرر قوله تعالی : «مَن کَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إیمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُکْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِیمَانِ وَلَکِن مَّن شَرَحَ بِالْکُفْرِ صَدْراً فَعَلَیْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِیمٌ * ذَلِکَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَیَاةَ الْدُّنْیَا عَلَی الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ یَهْدِی الْقَوْمَ الْکَافِرِینَ»(5) .

بتقریب : أن الآیة الشریفة تدلّ علی جواز الإرتداد والتکلم بالکفر ظاهراً _ مع الإیمان الواقعی والعقد القلبی علیه _ عند الإکراه والإضطرار ، فإذا جاز إظهار الکفر والإرتداد کذباً لدفع الضرر وعند الضرورة ، جاز الکذب بطریق أولی حینئذ .

ص: 68


1- (1) سورة الصافات / 89 و 88 .
2- (2) الإحتجاج 2 / 354 .
3- (3) وسائل الشیعة 12 / 254 ح 7 .
4- (4) وسائل الشیعة 12 / 253 ح 4 .
5- (5) سورة النحل 107 و 106 .

ویدلّ علیه أیضاً قوله تعالی : «لاَّ یَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْکَافِرِینَ أَوْلِیَاءَ مِنْ دُوْنِ الْمُؤْمِنِینَ وَمَنْ یَفْعَلْ ذَلِکَ فَلَیْسَ مِنَ اللّهِ فِی شَیْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَیُحَذِّرُکُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَی اللّهِ الْمَصِیرُ»(1) .

بتقریب : أنه لا یجوز للمؤمنین أنْ یتخذوا الکافرین أولیاء لأنفسهم ویظهروا المحبّة لهم ویلتجؤوا إلیهم ویستعینوا بهم ، إلاّ أنْ یخافوا منهم ویتقوا منهم تقاةً ، فحینئذ یجوز إظهار المودة والمحبّة لهم کذباً وغیرها تقیّة منهم ، فثبت جواز الکذب تقیةً لدفع الضرر أو الضرورة إلیه .

ب : الروایات

عدّة من الروایات المستفیضة بل المتواترة إجمالاً تدلّ علی جواز الکذب لدفع الضرر :

منها : صحیحة إسماعیل بن سعد الأشعری عن أبی الحسن الرضا علیه السلام _ فی حدیث _ قال : سألته عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق أو غیر ذلک فحلف ، قال : لا جناح علیه ، وعن رجل یخاف علی ماله من السلطان ، فیحلف لینجو به منه ، قال : لا جناح علیه ، وسألته : هل یحلف الرجل علی مال أخیه کما یحلف علی ماله ؟ قال : نعم(2) .

ومنها : صحیحة أبی الصباح الکنانی قال : واللّه قال لی جعفر بن محمد علیه السلام : إنّ اللّه علّم نبیّه التنزیل والتأویل ، فعلّمه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم علیاً علیه السلام ، قال : وعلّمنا واللّه ، ثمّ قال : ما صنعتم من شیءٍ ، أو حلفتم علیه من یمین فی تقیّة فأنتم منه فی سعة(3) .

ومنها : معتبرة السکونی عن جعفر علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن علی علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : احلف باللّه کاذباً ونجّ أخاک من القتل(4) .

ومنها : موثقة زرارة قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : نمرّ بالمال علی العشّار ، فیطلبون منّا أن نحلف لهم ویخلّون سبیلنا ، ولا یرضون منّا إلاّ بذلک ، قال : فاحلف لهم ، فهو أحلّ (أحلی ،

ص: 69


1- (1) سورة آل عمران / 28 .
2- (2) وسائل الشیعة 23 / 224 ح 1 . الباب 12 من أبواب کتاب الأیمان .
3- (3) وسائل الشیعة 23 / 224 ح 2 . الباب 12 من أبواب کتاب الأیمان .
4- (4) وسائل الشیعة 23 / 225 ح 4 .

ن ل) من التمر والزبد(1) .

ومنها : صحیحة الحلبی أنّه سأل أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یحلف لصاحب العشور ، یحرز بذلک ماله ، قال : نعم(2) .

ومنها : معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام فی کتابه إلی المأمون قال : والتقیة فی دار التقیة واجبة ، ولا حنث علی من حلف تقیّةً ، یدفع بها ظلماً عن نفسه(3) .

ومنها : صحیحة أبی بکر الحضرمی قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام رجل حلف السلطان بالطلاق والعتاق ، فقال : إذا خشی سیفه وسطوته فلیس علیه شیءٌ ، یا أبا بکر إنّ اللّه عزّ وجلّ یعفو والناس لا یعفون(4) .

ومنها : صحیحة صفوان بن یحیی وأحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی کلاهما عن أبی الحسن علیه السلام فی الرجل یستکره علی الیمین ، فیحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما یملک ، أیلزمه ذلک ؟ فقال : لا ، قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : وضع عن اُمّتی ما اُکرهوا علیه ، وما لم یطیقوا ، وما أخطأوا(5) .

ومنها : معتبرة بل صحیحة معاذ بیّاع الأکسیة قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : إنّا نستحلف بالطلاق والعتاق ، فماتری أحلف لهم ؟ فقال : أحلف لهم بما أرادوا إذا خفت(6) .

معاذ بن کثیر بیّاع الأکسیة لاأقل من اعتباره بل وثقه المفید فی الإرشاد وذکره فی ضمن شیوخ أصحاب أبی عبد اللّه علیه السلام وخاصّته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحین رضوان اللّه علیهم(7) .

ص: 70


1- (1) وسائل الشیعة 23 / 225 ح 6 .
2- (2) وسائل الشیعة 23 / 225 ح 8 .
3- (3) وسائل الشیعة 23 / 226 ح 10 .
4- (4) وسائل الشیعة 23 / 226 ح 11 .
5- (5) وسائل الشیعة 23 / 226 ح 12 .
6- (6) وسائل الشیعة 23 / 227 ح 13 .
7- (7) الإرشاد 2 / 216 .

ومنها : موثقة اُخری لزرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : قلت له : إنّا نمرّ علی هؤلاء القوم فیستحلفونا علی أموالنا وقد أدّینا زکاتها ، فقال : یا زرارة إذا خفتَ فاحلف لهم ما شاؤوا ، قلت : جعلت فداک بالطلاق والعتاق ؟ قال : بما شاؤوا(1) .

ومنها : صحیحة معمر بن یحیی قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : إنّ معی بضائع للناس ونحن نمرّ بها علی هؤلاء العشار ، فیحلّفونا علیها فنحلف لهم ، فقال : وددتُ أنّی أقدر علی أن اُجیز أموال المسلمین کلّها وأحلف علیها ، کلّما خاف المؤمن علی نفسه فیه ضرورة فله فیه التقیة(2) .

ومنها : صحیحة إسماعیل الجعفی قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : أمرُّ بالعشار ومعی المال ، فیستحلفونی ، فإن حَلفتُ ترکونی ، وإن لم أحلف فتّشونی وظلمونی ، فقال : أحلف لهم ، قلت : إن حلّفونی بالطلاق ؟ قال : فاحلف لهم ، قلت فإنّ المال لا یکون لی ، قال : تتّقی مال أخیک(3) .

ومنها : موثقة سماعة عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إذا حلف الرجل تقیّة لم یضرّه إذا هو اُکره واضطرَّ إلیه ، وقال : لیس شیءٌ ممّا حرّم اللّه إلاّ أحلّه لِمَنْ اضطرّ إلیه(4) .

ومنها : صحیحة أبی بکر الحضرمی قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : نحلف باللّه لصاحب العشور نجیز بذلک مالنا ؟ قال : نعم ، الحدیث(5) .

ومنها : مرسلة الصدوق عن الرضا علیه السلام قال : إنّ الرجل لیصدق علی أخیه فیناله عنت من صدقه فیکون کذّاباً عند اللّه ، وإنّ الرجل لیکذب علی أخیه یرید به نفعه فیکون عند اللّه صادقاً(6) .

قد یتوهم معارضة هذه الروایات بروایة اُخری ، وهی مرسلة الشریف الرضی عن

ص: 71


1- (1) وسائل الشیعة 23 / 227 ح 14 .
2- (2) وسائل الشیعة 23 / 227 ح 16 .
3- (3) وسائل الشیعة 23 / 227 ح 17 .
4- (4) وسائل الشیعة 23 / 228 ح 18 .
5- (5) وسائل الشیعة 23 / 228 ح 19 .
6- (6) وسائل الشیعة 12 / 255 ح 10 . الباب 141 من أبواب أحکام العشرة .

أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال : علامة الإیمان أن توثر الصدق حیث یضرّک علی الکذب حیث ینفعک ، وألاّ یکون فی حدیثک فضلٌ عن علمک ، وأن تتقی اللّه فی حدیث غیرک(1) .

یمکن أن تعالج المعارضة بوجوه :

الأوّل : هذه الروایة مرسلة فلا یمکن أخذها فی قبال الروایات الصحاح الماضیة ، وعلی فرض التعارض الترجیح معهنّ .

الثانی : یمکن حمل المرسلة علی جلب المنفعة مع الکذب لا دفع الضرر معه ، فلا یجوز جلب النفع مع الکذب .

الثالث : ویمکن حمل المرسلة علی استحباب تحمل الضرر المالی الغیر المعتدّ به کما حملها الشیخ الأعظم(2) . وحملهنَّ علی جواز الکذب عند الضرر النفسانی والعرضی والمالی المعتدّ به .

وکذا تحمل معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من أجلّ اللّه أن یحلف به أعطاه اللّه خیراً ممّا ذهب منه(3) .

وهذه المعتبرة لسانها فی الاستحباب أظهر من المرسلة .

ثم ظاهر بعض الأعلام وجوب التوریة عند الإضطرار إلی الکذب ، ولکن الأدلة الماضیة مطلقة بالنسبة إلی هذا التقیید ، فلا یمکن الأخذ به ، مضافاً إلی ما سبق فی الفصل السابع من أنّ التوریة أیضاً داخلة فی عنوان الکذب فلا یفید شیئاً فی المقام .

ج : الإجماع

الإجماع بین الأصحاب قدس سرهم بالنسبة إلی جواز الکذب فی صورة الإضطرار ودفع الضرر موجود ، ولکنّه إجماع مدرکیٌ لا تعبدیٌّ ، فلا یستفاد منه شیئاً .

د : العقل

قد مرّ فی الفصل الثانی بأنّ العقل یحکم بقبح الکذب فطرةً ، سواء ترتب علیها المفسدة

ص: 72


1- (1) نهج البلاغة . الحکمة 458 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 12 / 255 ح 11 .
2- (2) المکاسب 2 / 29 .
3- (3) وسائل الشیعة 23 / 198 ح 3 . الباب 1 من أبواب کتاب الأیمان .

والمضرة أم لا ، ولکن العقل نفسه یحکم بحُسن الکذب إذا کان هناک ضرر یجب التحفظ منه ، کحفظ النفس المحترمة أو عرض المؤمن أو ماله المعتدّ به . لأنّ العقل حینئذٍ یحکم بأخذ أقل المحظورین أو أقل القبیحین لدفع الضرر الأکثر أو القبح الأعظم أو الخطر الأتم أو الإضطرار .

2 _ جواز الکذب فی الإصلاح

عدّة من الروایات المعتبرة المستفیضة تدلّ علی جواز الکذب عند إرادة الإصلاح :

منها : صحیحة معاویة بن عمار عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : المصلح لیس بکذّاب(1) .

ومنها : صحیحة معاویة بن وهب أو معاویة بن عمار عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال : أبلغ عنّی کذا وکذا _ فی أشیاء أمر بها _ قلت : فاُبلّغهم عنک وأقول عنّی ما قلت لی وغیر الذی قلت ؟ قال : نعم ، إنّ المصلح لیس بکذّاب [ إنّما هو الصلح لیس بکذب (2)] .

ومنها : حسنة الحسن الصیقل قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : إنّا قد روینا عن أبی جعفر علیه السلام (3) فی قول یوسف علیه السلام : «أَیَّتُهَا الْعِیرُ إِنَّکُمْ لَسَارِقُونَ»(4) فقال : واللّه ما سرقوا وما کذب ، وقال إبراهیم علیه السلام : «بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن کَانُوا یَنطِقُونَ»(5) ، فقال : واللّه ما فعلوا وما کذب . فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : ما عندکم فیها یاصیقل ؟ قلت : ما عندنا فیها إلاّ التسلیم . قال فقال : إنّ اللّه أحبّ اثنین وأبغض اثنین ، أحبّ الخطر فیما بین الصفّین وأحبّ الکذب فی الإصلاح ، وأبغض الخطر فی الطرقات وأبغض الکذب فی غیر الإصلاح ، إنّ إبراهیم علیه السلام إنّما قال : «بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هَذَا» إرادة الإصلاح ودلالة علی أنّهم لا یفعلون ، وقال یوسف علیه السلام إرادة الإصلاح(6) .

ص: 73


1- (1) وسائل الشیعة 12 / 252 ح 3 . الباب 141 من أبواب أحکام العشرة .
2- (2) الکافی 2 / 210 ح 7 ونقلتُ عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 9 / 310 ح 22 .
3- (3) وقد رویت فی الکافی 2 / 343 ح 22 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 12 / 254 ح 7 ، وفی تفسیر العیاشی 2 / 353 ح 49 ونحوها ح 47 و 48 وروی الأوّل منها فی مستدرک الوسائل 9 / 95 ح 6 .
4- (4) سورة یوسف / 70 .
5- (5) سورة الأنبیاء / 63 .
6- (6) وسائل الشیعة 12 / 253 ح 4 .

ومنها : خبر عیسی بن حسان قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : کلّ کذب مسؤول عنه صاحبه یوماً إلاّ کذباً فی ثلاثة : رجل کائد فی حربه فهو موضوع عنه ، أو رجل أصلح بین اثنین یَلقی هذا بغیر ما یلقی به هذا یرید بذلک الإصلاح ما بینهما ، أو رجل وعد أهله شیئاً وهو لا یرید أن یتمّ لهم(1) .

ونحوها فی الجعفریات / 176 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 9 / 94 ح 4 .

ومنها : خبر وصیة النبی صلی الله علیه و آله وسلم لعلیٍّ علیه السلام أنّه قال صلی الله علیه و آله وسلم : یا علی إنّ اللّه أحبّ الکذب فی الصلاح وأبغض الصدق فی الفساد . إلی أن قال : یا علی ثلاث یحسن فیهنّ الکذب : المکیدة فی یالحرب ، وعدتک زوجتک ، والإصلاح بین الناس(2) .

ومنها : خبر المحاربی عن جعفر بن محمد علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن النبی علیه السلام قال : ثلاثة یحسن فیهنّ الکذب : المکیدة فی الحرب ، وعدتک زوجتک ، والإصلاح بین الناس ، وثلاثة یقبح فیهنّ الصدق : النمیمة ، وإخبارک الرجل عن أهله بما یکرهه ، وتکذیبک الرجل عن الخبر ، الحدیث(3) .

ومنها : خبر أبی یحیی الواسطی عن بعض أصحابنا عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : الکلام ثلاثة : صدق وکذب وإصلاح بین الناس . قال : قیل له : جعلتُ فداک ما الإصلاح بین الناس ؟ قال : تسمع من الرجل کلاماً یبلغه فتخبث نفسه [ فتلقاه [فتقول : سمعتُ من فلان قال فیک من الخیر کذا وکذا ، خلاف ما سمعت منه(4) .

ومنها : خبر معاویة بن عمار عن أبی عبد اللّه علیه السلام _ فی حدیث _ انّه قال له : أبلغ أصحابی کذا وکذا ، وأبلغهم کذا وکذا . قال : قلتُ : فإنّی لا أحفظ هذا فأقول ما حفظتُ ولم أحفظ أحسن ما یحضرنی ؟ قال : نعم ، المصلح لیس بکذّاب(5) .

ص: 74


1- (1) وسائل الشیعة 12 / 253 ح 5 .
2- (2) وسائل الشیعة 12 / 252 ح 1 .
3- (3) وسائل الشیعة 12 / 252 ح 2 .
4- (4) وسائل الشیعة 12 / 254 ح 6 .
5- (5) وسائل الشیعة 12 / 254 ح 9 .

ومنها : خبر ابن الأشعث بإسناده عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن جده علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن علی بن أبی طالب علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لا یصلح الکذب إلاّ فی ثلاثة مواطن : کذب الرجل لامرأته ، وکذب الرجل یمشی بین الرجلین لیصلح بینهما ، وکذب الإمام عدوّه فإنّما الحرب خدعة(1) .

ومنها : مرسلة صاحب جامع الأخبار عن الصادق علیه السلام قال : الکذب مذموم إلاّ فی أمرین : دفع شرّ الظلمة ، وإصلاح ذات البین(2) .

تلک عشرة کاملة من الروایات تدلّ علی جواز الکذب فی الإصلاح وظاهرها عدم لزوم التوریة کما التزمنا به فی الإستثناء السابق .

إلی هنا تمّ بحث الکذب والحمد للّه أولاً وآخراً .

ص: 75


1- (1) الجعفریات / 171 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 9 / 94 ح 1 .
2- (2) جامع الأخبار / 417 ح 5 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 9 / 96 ح 8 .

الکِهانَةُ

اشارة

قبل الخوض فی الحکم لابدّ من تعریف الکهانة موضوعاً ، فلا محیص من مراجعة کلمات اللغویین والفقهاء فی هذا المقام :

تعریفها

قال ابن الأثیر فی نهایته : « الکاهن : الذی یَتَعاطَی الخبر عن الکائنات فی مستقبل الزمان ویَدَّعی معرفة الأسرار ، وقد کان فی العرب کَهَنة کِشقّ وسَطِیح وغیرهما ، فمنهم من کان یَزْعُم أنّ له تابعاً من الجنّ ورئِیّاً یُلْقی إلیه الأخبار ، ومنهم من کان یزعم أنّه یعرف الاُمور بمقدمات أسباب یَسْتَدِلُّ بها علی مواقعها مِنْ کلام مَنْ یسأله أو فعله أو حاله ، وهذا یَخُصُّونه باسم العَرّاف ، کالذی یدَّعی معرفة الشیءِ المسروق ومکان الضَّالّة ونحوهما ... والعرب تُسَمِّی کلّ من یتعاطی عِلْماً دقیقاً : کاهناً . ومنهم من کان یُسَمّی المنجم والطبیب کاهناً»(1) .

وزاد ابن منظور : « قال الأزهری : وکانت الکهانة فی العرب قبل مبعث سیدنا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فلما بعث نبیّاً وحُرِسَتْ السماء بالشُّهُب ومُنِعَت الجّنُ والشیاطین من استراق السمع وإلقائه إلی الکَهَنة بطل علم الکهانة ، وأزهق اللّه أباطیلَ الکُهّان بالفرقان الذی فَرَق اللّه عزّ وجلّ به بین الحقِّ والباطل ، وأطلع اللّه سبحانه نبیَّه صلی الله علیه و آله وسلم بالوحی علی ما شاء من علم الغیوب التی عجزت الکهنة عن الإحاطة به ، فلا کهانة الیوم بحمد اللّه ومنّه وإغنائه بالتنزیل عنها ... »(2) .

قال أحمد بن فارس : « کهن : الکاف والهاء والنون کلمةٌ واحدة وهی الکاهن ، وقد تکهَّنَ یَتَکهَّنُ . واللّه العالم»(3) .

وقال الزمخشری : « ک_ ه_ ن _ هو کاهِنٌ بیّن الکَهانة وقد کَهَنَ وکَهُنَ . وعن ابن عباس :

ص: 76


1- (1) النهایة فی غریب الحدیث والأثر 4 / 214 .
2- (2) لسان العرب 13 / 363 .
3- (3) معجم مقاییس اللغة 5 / 145 .

لا تتّبع النجوم فإنّها تؤدی إلی الکِهانة ، وتکهّن : قال ما یُشْبه قول الکَهَنَة»(1) .

وقال الفیّومی : « کَهَنَ یَکْهُنُ من باب قَتَلَ ، کَهَانَةً بالفتح ، فهو کاهنٌ والجمع کَهَنَةٌ وکُهّانٌ مثل کافِرٍ وکَفَرةٍ وکُفّارٍ ، وتَکَهَّنَ مثله ، فإذا صارت الکَهانَةُ له طبیعة وغریزة ، قیل : کَهُنَ بالضم والکِهانة بالکسر الصَناعة»(2) .

وقال فی الصحاح : « کهن یکهن کهانةً مثل کتب کتابة إذا تکهّن ، وإذا أردت أنّه صار کاهناً قلت : کَهُنَ بالضم _ کَهانة _ بالفتح _ »(3) .

وفی القاموس : « کَهَنَ له کمَنَعَ ونَصَرَ وکرُم ، کَهانةً بالفتح وتکَهَّنَ تَکَهُّناً قضی له بالغیب فهو کاهن جمعه کَهَنَةٌ وکُهّان ، وحرفَتُه الکِهانة بالکسر»(4) .

وقال الطریحی : « قال بعض الشارحین : الکهانة عمل یوجب طاعة بعض الجانّ له فیما یأمره به ، وهو قریب من السحر وأخص منه ، والکاهن : الساحر»(5) .

وقال ابن الأثیر فی معنی رَئِیٍّ : « یقال للتابع من الجن رَئیٌّ بوزن کَمِیٍّ ، وهو فَعیل أو فَعُول ، سُمِّی به لأنّه یتراءَی لِمَتْبوعه ، أو هو من الرّأی من قولهم فلانٌ رَئِیُّ قومه ، إذا کان صاحب رأیهم ، وقد تُکْسَرُ راؤُه لإتباعها ما بعدها»(6) .

وقال الفیروز آبادی : « رَئِیَ کَغَنِیَ ، جنٌّی یُری فیحبّ»(7) .

هذه کلمات أهل اللغة فی المقام ، وأمّا الکهانة فی تعاریف الفقهاء :

قال الشیخ فی تفسیره : « الکاهن الذی یزعم أنّ له خَدَمة مِن الجن تأتیه بضربٍ مِنْ الوحی»(8) .

ص: 77


1- (1) أساس البلاغة / 400 .
2- (2) المصباح المنیر / 534 .
3- (3) الصحاح 6 / 2191 .
4- (4) قاموس اللغة . مادة کهن من الطبع الحجری (4 / 264) .
5- (5) مجمع البحرین / 569 من الطبع الحجری (6 / 306) .
6- (6) النهایة 2 / 178 .
7- (7) القاموس ، مادة الرؤیة من الطبع الحجری (4 / 331) .
8- (8) التبیان 10 / 109 .

وقال العلامة فی التذکرة : « یحرم تعلّم الکهانة وتعلیمها ، والکاهن هو الذی رَئیٌّ من الجن یأتیه بالأخبار ، یُقْتَلُ ما لم یتب»(1) وذکر نحوها فی نهایته(2) وقواعده(3) ، وفی بعض نسخ التحریر(4) نسب التعریف إلی القیل وحکم بحرمة أخذ الاُجرة علیها(5) .

وقال الفاضل المقداد : « المشهور أنّ الکاهن هو الذی له رَئِیٌّ _ أی صاحب مِن الجن _ یأتیه بالأخبار بالمغیبات ، کما کان لعمرو بن لحی رَئِیٌّ من الجن _ وهو أوّل مَنْ بَحَر(6) البحائر(7) وسیّب(8) السوائب(9) وغیّر دین إسماعیل علیه السلام ، وعند الحکماء : أنّ النفوس ما یقوی علی الإطلاع علی ما سیکون من الاُمور ، فإن کانت خیّرة فاضلة فتلک نفوس الأنبیاء والأولیاء ، وإن کانت شریرة فهی نفوس الکَهنة»(10) .

قال المحقق الثانی : « رئیّ بوزن کَمِیّ ، وهو التابع للإنسان یتراءی له ، أی هو موضع رأیه ، وقد تکسر راؤه اتباعاً لما بعدها . ثمّ نقل کلام ابن الأثیر الّذی سبق عن النهایة ثمّ قال : ومثله فی الفائق(11)»(12) .

ص: 78


1- (1) تذکرة الفقهاء 12 / 145 .
2- (2) نهایة الإحکام 2 / 472 .
3- (3) القواعد 2 / 9 .
4- (4) تحریرالأحکام الشرعیة 2 / 261 .
5- (5) التحریر 2 / 260 .
6- (6) بَحَرَ : أی شَقّ .
7- (7) البحائر جمع البحیرة : فهی الناقة شقّ اُذُنها .
8- (8) سیّبه : ترکه یسیب وأهمله .
9- (9) السوائب والسُّیَّب جمع السائبة : وهی الناقة التی کانت تُسَیِّب فی الجاهلیة لنذر ونحوه أو لأنّها ولدت عشرة أبطن کلّها اُناث ، فکانت لا تُرکب ولا یُشرب لبنها إلاّ ولدها أو الضیف ولا تمنع عن ماءٍ ولا کِلاءٍ حتّی تموت .
10- (10) التنقیح الرائع 2 / 13 .
11- (11) الفائق 2 / 22 .
12- (12) جامع المقاصد 4 / 31 .

وقال الشهید الثانی : « الکهانة : هی _ بکسر الکاف _ عمل یوجب طاعة بعض الجانّ له واتباعه له ، بحیث یأتیه بالأخبار الغائبة . وهو قریب من السحر»(1) .

ونحوها فی الروضة البهیة(2) .

وقال المحقق الأردبیلی : « قیل : الکِهانة _ بالکسر _ قریب من السحر ، قال فیه أیضاً : الکاهن : هو الذی له رَئِیٌّ من الجن یأتیه بالأخبار ، یقتل أیضاً إلاّ أن یتوب ویحرم علیه أخذ الاُجرة ... ثمّ قال : لعلّه یرید قتل المستحلّ والذی لم یتب ... »(3) .

وقال الشیخ جعفر : « (الکاهن هو الذی له رئیّ) _ ککمیّ _ تابع للإنسان یترائی له أو متبوع له یتبع رأیه (من الجن یأتیه بالأخبار) أو مَنْ تنکشف له بعض الاُمور لشرارة نفسه کما تنکشف لبعض الاُولیاء لطهارة ذاته ، والأوّل أظهر وأشهر . وأما ملائکة اللّه فلا ربط معهم لغیر أولیاء اللّه»(4) .

وقال سید الریاض : « الکِهانة _ بکسر الکاف _ قالوا : هی عمل یوجب طاعة بعض الجانّ له فیما یأمره به ، وهو قریب من السحر أو أخص منه»(5) .

أقول : قد استعملت لفظة « کاهن» فی القرآن الکریم مرّتین فی قوله تعالی : «فَذَکِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّکَ بِکَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ»(6) وفی قوله تعالی : «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ کَرِیمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِیلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ کَاهِنٍ قَلِیلاً مَا تَذَکَّرُونَ * تَنزِیلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِینَ»(7) .

والوجه فی هذا الاستعمال أنّ الکهنة فی کلامهم لجهة انجذاب الناس البسطاء استعملوا

ص: 79


1- (1) المسالک 3 / 128 .
2- (2) الروضة البهیة 3 / 215 .
3- (3) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 79 .
4- (4) شرح القواعد 1 / (254 _ 252) .
5- (5) ریاض المسائل 8 / 167 .
6- (6) سورة الطور / 29 .
7- (7) سورة الحاقة / (43 _ 40) .

السجع کثیراً ، بل کانوا یستعملون السجع فی الألفاظ بلا وجود معنی فیها ، کما یظهر من بعض أهل اللغة(1) . ولذا قال اللّه سبحانه فی الآیتین بأنّ القرآن الکریم لیس بقول کاهن ولیس رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بکاهن أیضاً .

وأمّا أصل الکِهانة وأنّها ما هی ؟ فأحسن بیان فیها هو کلام مولانا الصادق علیه السلام حیث یقول _ علی ما روی أبو منصور الطبرسی مرسلاً فی الإحتجاج _ فی جواب الزندیق حیث سأل : فمن أین أصل الکهانة ومن أین یخبر الناس بما یحدث ؟ قال : إنّ الکهانة کانت فی الجاهلیة فی کلّ حین فترة من الرسل ، کان الکاهن بمنزلة الحاکم یحتکمون إلیه فیما یشتبه علیهم من الاُمور بینهم فیخبرهم عن أشیاء تحدث وذلک من وجوه شتی : فراسة العین ، وذُکاء القلب ، ووسوسة النفس ، وفتنة الروح مع قذف فی قلبه ، لأنّ ما یحدث فی الأرض من الحوادث الظاهرة ، فذلک یعلم الشیطان ویؤدیه إلی الکاهن ویخبره بما یحدث فی المنازل والأطراف .

وأمّا أخبار السماء : فإنّ الشیاطین کانت تعقد مقاعد استراق السمع إذ ذاک ، وهی لا تحجب ولا ترجم بالنجوم ، وإنّما منعت من استراق السمع لئلا یقع فی الأرض سبب تشاکل الوحی من خبر السماء ، فیلبس علی أهل الأرض ما جاءَهم عن اللّه ، لإثبات الحجة ونفی الشبهة ، وکان الشیطان یسترق الکلمة الواحدة من خبر السماء بما یحدث من اللّه فی خلقه فیختطفها ، ثمّ یهبط بها إلی الأرض فیقذفها إلی الکاهن فإذاً قد زاد کلمات من عنده فیخلط الحقّ بالباطل ، فما أصاب الکاهن من خبر ممّا کان یخبر به فهو ما أداه إلیه الشیطان لما سمعه وما أخطأ فیه فهو من باطل ما زاد فیه ، فمنذ منعت الشیاطین عن استراق السمع انقطعت الکهانة ، والیوم إنّما تؤدی الشیاطین إلی کهانها أخباراً للناس بما یتحدثون به وما یحدثونه ، والشیاطین تؤدی إلی الشیاطین ما یحدث فی البُعد من الحوادث من سارق سرق ومن قاتل قتل ومن غائب غاب ، وهم بمنزلة الناس أیضاً ، صدوق وکذوب ، الحدیث(2) .

ص: 80


1- (1) نحو ابن الأثیر فی النهایة 4 / 215 وابن منظور فی لسان العرب 13 / 363 .
2- (2) الاحتجاج 2 / 339 .

ویؤید هذا الحدیث الشریف القرآن الکریم فی آیات سورة الجن حیث ورد فیه : «وَأَنَّهُ کَانَ رِجَالٌ مِّنَ الاْءِنسِ یَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً * وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا کَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن یَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً * وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِیداً وَشُهُباً * وَأَنَّا کُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن یَسْتَمِعِ الاْآنَ یَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً * وَأَنَّا لاَ نَدْرِی أَشَرٌّ أُرِیدَ بِمَن فِی الاْءَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً * وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِکَ کُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً»(1) .

وورد فی تفسیرها معتبرة بل صحیحة زرارة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن قول اللّه : «وَأَنَّهُ کَانَ رِجَالٌ مِّنَ الاْءِنسِ یَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً» قال : کان الجن ینزلون علی قوم من الإنس یعوذون برجال من الجن . فزادوهم رَهَقاً ، قال : کان الرجل ینطلق إلی الکاهن الذی یوحی إلیه الشیطان ، فیقول : قل لشیطانک : فلان قد عاذ بک(2) .

ویثبت وجود الکهنة فی العرب خبر أبی جهم عن أبی طالب عن عبد المطلب قال : بینا أنا نائم فی الحِجر إذ رأیت رؤیا هالتنی فأتیتُ کاهنة قریش ، الحدیث(3) .

وخبر ابن عباس عن والده أنّه أتی کاهنة بنی مخزوم فی رؤیاه فی حقِّ أخیه عبد اللّه والد النبی صلی الله علیه و آله وسلم (4) .

وقد ورد فی خبر أبی حازم أنّه قال : قدم کاهن مکة ورسول اللّه ابن خمس سنین ... فقال : یا معشر قریش اقتلوا هذا الصبی ...(5) .

ولا یضر بإثبات وجود الکهنة ضعف سند الروایات ، لأنّ متنها لیس من الأحکام الشرعیة .

وورد فی خبر أبان بل معتبرته عن الصادق علیه السلام فی ذکر عجائب لیلة ولادة

ص: 81


1- (1) سورة الجن / (11 _ 6) .
2- (2) تفسیر القمی 2 / 389 ونقل عنه فی البرهان فی تفسیر القرآن 5 / 507 ح 1 .
3- (3) أمالی الصدوق . المجلس الخامس والأربعون ح 1 / 334 الرقم 391 .
4- (4) أمالی الصدوق . المجلس الخامس والأربعون ح 2 / 335 الرقم 392 .
5- (5) بحار الأنوار 15 / 402 .

النبی صلی الله علیه و آله وسلم قال فی حدیث : وانْتُزِعَ علمُ الکهنة ، وبطل سحر السَّحَرة ، ولم تَبْقَ کاهنة فی العرب إلاّ حُجِبَتْ عن صاحبها ، الحدیث(1) .

وظاهر هذه الروایة أنّ أخبار السماء انقطعت عن الکهنة ورئیهم بولادة النبی صلی الله علیه و آله وسلم ، ولکن قبل ولادة النبی کان یمکن استراق سمع أخبار السماء لبعض الشیاطین ، ومن الواضح أنّهم من الأجنة ، ویدلّ علیه قوله تعالی : «وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِی السَّمَاء بُرُوجاً وَزَیَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِینَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن کُلِّ شَیْطَانٍ رَّجِیمٍ * إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِینٌ»(2) .

وعن ابن عباس فی تفسیر قوله تعالی : «إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ» کان فی الجاهلیة کهنة ومع کلّ واحد شیطان ، وکان یعقد من السماء مقاعد للسمع ، فیستمع من الملائکة ما هو کائن فی الأرض ، فینزل ویخبر به الکاهن ، فیفشیه الکاهن إلی الناس(3) .

وفی مرسلة القاضی نعمان المصری عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال : کنّا مع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ذات لیلة إذ رمی نجمٌ فاستنار ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم للقوم : ما کنتم تقولون فی الجاهلیة إذا رأیتم مثل هذا ؟ قالوا : کنّا نقول : مات عظیم وولد عظیم . قال : فإنّه لا یرمی لموت أحد ولا لحیاة أحد ، ولکن ربّنا إذا قضی أمراً سبّح حملة العرش وقالوا : قضی ربّنا بکذا ، فتسمع ذلک أهل السماء التی تلیهم فیقولون ذلک ، حتّی یبلغ ذلک إلی السماء الدنیا فیسرق الشیاطین السمع ، فربّما اعتقلوا شیئاً فأتوا به الکهنة فیزیدون وینقصون فتخطیء الکهنة وتصیب ، ثمّ إنّ اللّه عزّ وجلّ منع السماء بهذه النجوم فانقطعت الکهانة فلا کهانة ، وتلا جعفر بن محمد علیه السلام : «إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِینٌ»(4) وقوله عزّ وجلّ : «وَأَنَّا کُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن یَسْتَمِعِ الاْآنَ یَجِدْ لَهُ شِهَاباً

ص: 82


1- (1) أمالی الصدوق . المجلس الثامن والأربعون ح 1 / 361 الرقم 444 .
2- (2) سورة الحِجْر / (18 _ 16) .
3- (3) مجمع البیان 3 / 332 .
4- (4) سورة الحجر / 18 .

رَّصَداً»(1)(2) .

والحاصل ، أنّ الکهانة کانت موجودة فی جاهلیة العرب ویخبر الشیطانُ الذی من الجن _ الرئی _ الکاهن وهو یخبر الناس بالأخبار الغیبیّة ، ولکن لما ولد النبی صلی الله علیه و آله وسلم منع الشیاطین عن استراق سمع أخبار السماءِ تمهیداً لمبعثه صلی الله علیه و آله وسلم .

والعجب من الشریف المرتضی قدس سره حیث أنکر الکهانة ووجود الکهان وقال : « إنّما وردت به أخبار شاذه ضعیفة سخیفة لا توجب علماً ولا ظناً ، وما یرد هذا المورد لا یلتفت علیه ، فضلاً عن أن یصدق به والکهانة غیر مستندة إلی أصل ولا لها طریق فی مثله شبهة ... إلی أن قال : ولو کانت الکهانة صحیحة ، إما باستراق السمع الذی قیل أو بغیره من التخمین والترجیم لما کان الخبر عن الغیوب معجزاً ولاخارقاً للعادة ولا دالاً علی نبوة وقد علمنا خلاف ذلک»(3) .

وقد قسّم المحقق الخوئی قدس سره الکهانة علی قسمین :

« الأوّل : أن یخبر الکاهن عن الحوادث المستقبلة لاتصاله بالشیاطین القاعدین مقاعد استراق السمع من السماء ، فیطلعون علی أسرارها ثمّ یرجعون إلی اُولیائهم لکی یؤدوها إلیهم .

الثانی : أن یخبر الکاهن عن الکائنات الأرضیة والحوادث السفلیة لاتصاله بطائفة من الجن والشیاطین التی تلقی إلیه الأخبار الراجعة إلی الحوادث الأرضیة فقط ، لأنّ الشیاطین قد منعت عن الإطلاع إلی السماء وأخبارها بعد بعثة النبی صلی الله علیه و آله وسلم »(4) .

وبالجملة ، الکهانة بالمعنی الأوّل قد انقطعت لعدم إمکان استراق سمع أخبار السماء بعد ولادة النبی صلی الله علیه و آله وسلم توطئة للبعثة وأمّا الکهانة بالمعنی الثانی باقیة ، ویمکن أن یُعبَّر عنها بنحو

ص: 83


1- (1) سورة الجن / 9 .
2- (2) دعائم الإسلام 2 / 142 ح 498 ونقلا عنه فی بحار الأنوار 60 / 280 ح 168 (24 / 408) ومستدرک الوسائل 13 / 110 ح 4 .
3- (3) رسائل الشریف المرتضی 1 / 471 فی جوابات المسائل الطرابلسیات الثالثة .
4- (4) مصباح الفقاهة 1 / 416 .

ارتباط مع الأجنة للکاهن بحیث یخبرونه عمّا وقع فی الأرض من الحوادث والوقائع فیما مضی . وأمّا الإخبار عمّا یأتی من الحوادث والاُمور المستقبلة فلا یتمکن منها الجان لانسداد أبواب السماء بالنسبة إلیهم بعد مولد النبی صلی الله علیه و آله وسلم تمهیداً لبعثته صلی الله علیه و آله وسلم ، فلا یخبر الکاهن الیوم بالنسبة إلی المستقبل ولکن یمکن له أن یخبر عمّا مضی . ولابدّ أن یحمل کلام الشریف المرتضی قدس سره علی القسم الأوّل من الکهانة أی بالنسبة إلی الاُمور المستقبلة بعد بعثة النبی صلی الله علیه و آله وسلم ، وإن کان ظاهر کلامه لایوافقه ، حملاً لکلام الأعاظم علی الصحة مهما أمکن .

هذا تمام الکلام بالنسبة إلی موضوع الکهانة ، واللّه سبحانه هو العالم .

أدلة حرمة الکهانة

قد أفتی الأصحاب رضوان اللّه تعالی علیهم بحرمتها :

منهم : الشیخ فی النهایة(1) والعلامة فی کتبه القواعد(2) والتحریر(3) والتذکرة(4) والنهایة(5) والإرشاد(6) والفاضل المقداد فی التنقیح(7) والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد(8) وثانی الشهیدین فی المسالک(9) والروضة(10) ، ونفی الخلاف عن حرمتها الأردبیلی فی مجمع الفائدة(11) والسبزواری فی الکفایة(12) ، وادعی الإجماع علی حرمته الفاضل القطیفی فی إیضاح

ص: 84


1- (1) النهایة / 366 .
2- (2) القواعد 2 / 9 .
3- (3) التحریر 2 / 261 .
4- (4) التذکرة 12 / 145 .
5- (5) نهایة الأحکام 2 / 472 .
6- (6) إرشاد الأذهان 1 / 357 .
7- (7) التنقیح الرائع 2 / 13 .
8- (8) جامع المقاصد 4 / 31 .
9- (9) المسالک 3 / 128 .
10- (10) الروضة البهیة 3 / 215 .
11- (11) مجمع الفائدة 8 / 79 .
12- (12) کفایة الأحکام 1 / 440 .

النافع(1) والشیخ جعفر فی شرح القواعد(2) وسید الریاض(3) والفاضل النراقی فی المستند(4) ، ونفی صاحب الجواهر(5) الریب فی حرمتها ، والشیخ الأعظم قال : « فلا خلاف فی حرمة الکهانة»(6) .

وتدلّ علی حرمتها عدّة من الروایات :

منها : خبر أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : من تکهَّن أو تُکُهِّن له فقد بریء من دین محمد صلی الله علیه و آله وسلم ، الحدیث(7) .

ومنها : خبر مناهی النبی أنّه صلی الله علیه و آله وسلم نهی عن إتیان العرّاف وقال : من أتاه صدّقه فقد بریء ممّا أنزل اللّه عزّ وجلّ علی محمد صلی الله علیه و آله وسلم (8) .

أقول : قد مضی نقل کلام ابن الأثیر حیث یقول : « ومنهم (أی من الکهنة) من کان یزعم أنّه یعرف الاُمور بمقدمات أسباب یَسْتَدِلُّ بها علی مواقعها من کلام من یسأله أو فعله أو حاله ، وهذا یَخُصُّونه باسم العرّاف ، کالذی یدّعی معرفة الشیء المسروق ومکان الضّالّة ونحوهما ... »(9) .

وقال الراغب فی مفرداته : « العّراف کالکاهن إلاّ أنّ العَرّافَ یختصُّ بمَنْ یُخْبِرُ بالأحوال المستقبلة والکاهن بمن یخبر عن الأحوال الماضیة»(10) .

ص: 85


1- (1) إیضاح النافع / ونقل عنه فی شرح القواعد 1 / 252 .
2- (2) شرح القواعد 1 / 251 .
3- (3) ریاض المسائل 8 / 167 .
4- (4) مستند الشیعة 14 / 116 .
5- (5) الجواهر 22 / 91 .
6- (6) المکاسب 2 / 37 .
7- (7) وسائل الشیعة 17 / 149 ح 2 . الباب 26 من أبواب ما یکتسب به .
8- (8) وسائل الشیعة 17 / 149 ح 1 .
9- (9) النهایة 4 / 214 .
10- (10) مفردات القرآن / 343 .

وذکر ابن منظور فی لسان العرب(1) کلام ابن الأثیر فی النهایة .

ومنها : مرسلة القاضی نعمان المصری عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال : من جاء عرّافاً فسأله وصدّقه بما قال ، فقد کفر بما أنزل اللّه علی محمد صلی الله علیه و آله وسلم ، الحدیث(2) .

ومنها : مرسلة جعفر بن أحمد القمی عن عطاء عن عبد اللّه بن عباس قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لا یدخل الجنة عاقّ ، ولا قاطع رحم ، ولامدمن خمر ، ولامؤمن بسحر ، ولاقتّات ، ولامنّان ، ولادیوث ولاکاهن ، ومَنْ مشی إلی کاهن فصدّقه بما یقول ، فقد بریء ممّا أنزل اللّه علی محمد صلی الله علیه و آله وسلم .

فقال عطاء : سألته عن القتّات والدیوث ، فقال : أمّا القتّات : فالذی یسعی بصاحبه إلی السلطان ، فیهلک نفسه وأخاه وسلطانه ، والدیُّوث . الذی یجلب علی حلیلته الرجال(3) .

ومنها : خبر أبی سعید هاشم عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : أربعة لا یدخلون الجنة : الکاهن ، والمنافق ، ومُدْمِن ، الخمر ، والقتّات وهو النمّام(4) .

والروایة ضعیفة السند بأبی سعید المُکاری ، وهو هاشم بن حیّان ، قال النجاشی فی شأنه : « أبو سعید المکاری روی عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، له کتاب یرویه جماعة»(5) وقال فی ترجمة ابنه الحسین : إنّه « کان هو وأبوه وجهین فی الواقفة ، وکان الحسین ثقة فی حدیثه ، ذکره أبو عمرو الکشی فی جملة الواقفة وذکر فیه ذموماً »(6) وضعّفه المامقانی فی نتائج التنقیح وقال : « ضعیف علی الأقوی »(7) .

ص: 86


1- (1) لسان العرب 13 / 363 .
2- (2) دعائم الإسلام 2 / 483 ح 1737 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 110 ح 3 .
3- (3) الأعمال المانعة من الجنة المطبوع ضمن جامع الأحادیث / 282 ونقل عنه باختلاف فی مستدرک الوسائل 13 / 111 ح 7 .
4- (4) وسائل الشیعة 12 / 309 ح 11 . الباب 164 من أبواب أحکام العشرة .
5- (5) رجال النجاشی / 436 الرقم 1169 وذکره فی / 460 الرقم 1260 .
6- (6) رجال النجاشی / 38 الرقم 78 .
7- (7) نتائج التنقیح / 162 الرقم 12771 .

ومنها : مرسلة القطب الراوندی عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم قال : من صدّق کاهناً فقد کفر بما اُنزل علی محمد صلی الله علیه و آله وسلم (1) .

ومنها : خبر عقبة بن بشیر الأسدی قال : دخلت علی أبی جعفر علیه السلام فقلت له : إنّی فی الحسب الضخم من قومی ، وإنّ قومی کان لهم عرّیف فهلک فأرادوا أن یعرّفونی علیهم ، فماتری لی ؟ فقال أبو جعفر علیه السلام : تمّن علینا بحسبک ! إنّ اللّه رفع بالإیمان من کان الناس یسمّونه وضیعاً إذا کان مؤمناً ، ووضع بالکفر من کان یسمّونه شریفاً إذا کان کافراً ، ولیس لأحد علی أحد فضل إلاّ بتقوی اللّه ، وأمّا قولک : إنّ قومی کان لهم عرّیف فهلک فأرادوا أن یعرّفونی علیهم ، فإن کنت تکره الجنة وتبغضها فتعرّف علی قومک ، ویأخذ السلطان جائر بأمری ء مسلم یسفک دمه فتشرکهم فی دمه وعسی أن لا تنال من دنیاهم شیئاً(2) .

ومنها : خبر نوف البکالی عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال : یا نوف إقبل وصیتی : لا تکونن نقیباً ولا عرّیفاً ولا عشّاراً ولا بریداً(3) .

ومنها : مرسلة الرضی عن نوف البکالی قال : رأیت أمیر المؤمنین علیه السلام ذات لیلة وقد خرج من فراشه فنظر فی النجوم فقال : یا نوف إنّ داود علیه السلام قام فی مثل هذه الساعة من اللیل فقال : إنّها ساعة لا یدعو فیها عبد إلاّ استجیب له إلاّ أن یکون عشّاراً أو عرّیفاً أو شرطیّاً ، الحدیث(4) .

ومنها : خبر أبی خالد الکابلی عن علی بن الحسین علیه السلام أنّه قال فی حدیث : والذنوب التی تظلم الهواء : السحر ، والکهانة ، والإیمان ، بالنجوم والتکذیب بالقدر ، وعقوق الوالدین ، الحدیث(5) .

ومنها : مرسلة ابن إدریس نقلاً عن کتاب المشیخة للحسن بن محبوب عن الهیثم قال :

ص: 87


1- (1) مستدرک الوسائل 13 / 112 ح 8 .
2- (2) مستدرک الوسائل 13 / 112 ح 11 .
3- (3) مستدرک الوسائل 13 / 112 ح 10 .
4- (4) مستدرک الوسائل 13 / 112 ح 9 .
5- (5) وسائل الشیعة 16 / 281 ح 8 . الباب 41 من أبواب الأمر والنهی .

قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : إنّ عندنا بالجزیرة رجلاً ربّما أخبر من یأتیه یسأله عن الشیء یسرق أو شبه ذلک فنسأله ، فقال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من مشی إلی ساحر أو کاهن أو کذّاب یصدّقه بما یقول فقد کفر بما أنزل اللّه من کتاب(1) .

والعجب من الشیخ الأعظم حیث عبّر عنها بالصحیحة(2) مع أنّ ابن إدریس لم یذکر سنده إلی کتاب المشیخة للحسن بن محبوب ، فلذا صارت الروایة مرسلة سنداً .

ومنها : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : السحت ثمن المیتة ، وثمن الکلب ، وثمن الخمر ، ومهر البغی ، والرشوة فی الحکم ، وأجر الکاهن(3) .

ومنها : مرسلة المحقق والعلامة والشهیدین عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم : من صدّق کاهناً أو منجّماً فهو کافر بما اُنزل علی محمد صلی الله علیه و آله وسلم (4) .

وقد ورد بأنّ أجر الکاهن من السحت فی عدّة من الروایات الاُخر ، نحو : مرسلة الصدوق أو مضمرته(5) وخبر وصیة النبی صلی الله علیه و آله وسلم لعلیِّ علیه السلام (6) وخبر ابن الأشعث فی الجعفریات(7) وخبر کتاب جعفر بن محمد بن شریح الحضرمی عن عبد اللّه بن طلحة(8) .

ودلالة هذه الروایات علی حرمة عمل الکاهن والرجوع إلیه والعمل علی طبق قوله وأخذه الاُجرة علی الکهانة واضحة . والنسبة بینها وبین التسخیر بالنسبة إلی الأجنة عموم وخصوص مطلق یعنی کلّ کهانةٍ تسخیر ولیس کلّ تسخیرٍ بکهانة ، والکهانة قسم خاص من التسخیر ، فالکهانة حرام بدلیل الروایات الماضیة ، ولکن التسخیر الذی یکون غیر الکهانة فلا بأس به کما مرّ منّا فی بحث السحر ، واللّه سبحانه هو العالم .

ص: 88


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 150 ح 3 .
2- (2) المکاسب 2 / 38 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 93 ح 5 . الباب 5 من أبواب ما یکتسب به .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 144 ح 11 . الباب 24 من أبواب ما یکتسب به .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 94 ح 8 .
6- (6) وسائل الشیعة 17 / 94 ح 9 .
7- (7) مستدرک الوسائل 13 / 110 ح 1 ، و 13 / 69 ح 1 .
8- (8) مستدرک الوسائل 13 / 111 ح 6 ، و 13 / 71 ح 6 .

أمّا حکم الإخبار عن الاُمور المستقبلة

عدّ الفیض فی المفاتیح من المعاصی المنصوص علیها « الإخبار عن الغائبات عن البتّ لغیر نبیٍّ أو وصی نبیٍّ سواء کان بالتنجیم أو الکهانة أو القیافة أو غیر ذلک _ ثمّ ذکر أخباراً دالة علی تحریم الکهانة والتنجیم ، ثمّ قال : وإن کان الإخبار علی سبیل التفاؤُل من دون جزم فالظاهر جوازه ، لأنّ أصل هذه العلوم حقّ ولکن الإحاطة بها لا یتیسّر لکل أحدٍ والحکم بها لا یوافق المصلحة»(1) .

أقول : الإخبار عن الاُمور المستقبلة ، إن کان الُمخْبِر شاکاً فی وقوعها ولکن أخبر بها علی سبیل الجزم والبتّ بوقوع المخبر به فی الخارج فهو کاذب فی إخباره ، وإنّ صادف الواقع اتفاقاً یکون المخبر متجریّاً .

وأمّا إذا کان المخبر جازماً فی وقوع مایخبر به فلا وجه لحرمته ، لخروجه عن الکذب والقول بغیر علم موضوعاً وحکماً . بلا فرق فیما ذکرنا بین سبب الإخبار من الکهانة والتنجیم والقیافة والرمل والجفر والفال ونحوها .

والروایات لا تنافی ما ذکرناه ، ظاهراً واللّه سبحانه هو العالم .

خاتمةٌ : حدّ الکهانة

قال العلامة : « یُقتل ما لم یتب»(2) .

وقال الأردبیلی : « لعلّه یرید قتل المستحلّ والذی لم یتب ، وإنّه لا خلاف فیه أیضاً فلا یضر أیضاً ، عدم صحة السند»(3) .

وقال الشیخ جعفر : « وهو (أی الکاهن) کالساحر (یُقتل ما لم یتب) بل أشدّ منه ، حیث أنّ حدّه لا یتوقف علی الاستحلال کما یظهر من کلامه ، وظاهر الأخبار تشبیهه

ص: 89


1- (1) مفاتیح الشرائع 2 / 24 و 23 .
2- (2) تذکرة الفقهاء 12 / 145 _ القواعد 2 / 9 _ التحریر 2 / 261 .
3- (3) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 79 .

بالساحر والساحر کافر ، ومساواتهما فی الحکم بردّ حکم السحر إلیه أو ردّ حکمه إلی السحر أقرب إلی التحقیق وعدم اشتراط الاستحلال فی استحقاق القتل بهما أوفق بالدلیل»(1) .

وقال السید العاملی : « وأمّا أنّه یقتل ما لم یتب ففی مجمع البرهان لا خلاف فیه ، وکذا المستحلّ ، بل هو اُولی ، والحکم معلومٌ وإن کان المصرَّح به قلیلاً»(2) .

أقول : قدّ مرّ منّا أنّ حدّ ساحر المسلمین هو القتل ، والروایة المعتبرة شبّهت الکاهن بالساحر ، فصار حدّ کاهن المسلمین قتلاً أیضاً . بلا فرق بین المستحِل وغیره کما مرّ عن الشیخ جعفر قدس سره ، وأمّا الروایة :

فهی معتبرة أو صحیحة نصر بن قابوس قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : المنجم ملعون ، والکاهن ملعون ، والساحر ملعون ، والمغنّیة ملعونة ، ومن آواها وأکل کسبها ملعون . وقال علیه السلام : المنجم کالکاهن ، والکاهن کالساحر ، والساحر کالکافر ، والکافر فی النار(3) .

وقال الصدوق فی ذیلها : المنجم الملعون هو الذی یقول بقدم الفلک ، ولا یقول بمفلِّکه وخالقه عزّ وجلّ(4) .

سند الروایة معتبر بل صحیح ، لأنّ المراد بالحسن بن علی الکوفی هو الحسن بن علی النعمانی الکوفی الثقة الثبت . وأمّا إسحاق بن إبراهیم ونصر بن قابوس فکلاهما ثقتان علی الأقوی ، فالسند صحیح .

وأمّا دلالتها علی تشابه حدّ الکاهن والساحر فواضحة ، وأمّا المنجم مع توضیح الصدوق أیضاً فمشترک معهما فی الحدّ .

نعم ، حیث أنّ الأصحاب قیدوا الحکم بعدم ورود التوبة ، ولکن الدلیل مطلق ، نأخذ بالقید . لأنّ الحدود تدرءُ بالشبهات(5) .

ص: 90


1- (1) شرح القواعد 1 / 255 .
2- (2) مفتاح الکرامة 12 / 242 .
3- (3) الخصال 1 / 297 ح 67 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 143 ح 7 و 8 . الباب 24 من أبواب ما یکتسب به .
4- (4) الخصال 1 / 298 .
5- (5) وسائل الشیعة 28 / 47 ح 4 . الباب 24 من أبواب مقدمات الحدود .

وتدلّ علی حدّ القتل للساحر معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ساحر المسلمین یُقتل وساحر الکفار لا یُقتل ، فقیل : یا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ولم لا یقتل ساحر الکفار ؟ قال : لأنّ الکفر أعظم من السحر ولأنّ السحر والشرک مقرونان(1) .

فعلیه حد القتل مختص بساحر المسلمین وکاهنهم ، واللّه سبحانه هو العالم .

ص: 91


1- (1) وسائل الشیعة 28 / 365 ح 1 . الباب 1 من أبواب بقیة الحدود .

اللهو

هل اللهو مطلقاً حرام ؟

تعاریف اللهو واللعب واللغو

قبل الورود فی البحث عن اللهو لابدّ من التنبیه علی معانی لغات ثلاث لتعیین الموضوع ، وهی : اللهو ، واللعب ، واللغو .

أمّا اللّهو فقد قال ابن الأثیر « اللهو : اللَّعب ، یقال : لَهَوْت بالشیء ألْهُو لَهْواً ، وتَلَهَّیْتُ به إذا لَعِبْتَ به وتشاغَلتَ وغَفَلْتَ به عن غیره . وألهاه عن کذا أی شَغَله»(1) .

وقال ابن منظور : « اللّهو : ما لَهَوْتَ به ولعبت به وشغلک من هویً وطربٍ ونحوهما»(2) . ثم ذکر کلام ابن الأثیر فی طیّ کلامه .

وقال الراغب : « اللّهو : ما یشغلُ الإنسانَ عمّا یَعْنِیهِ ویَهِمُّهُ ، یقال : لهوتُ بکذا ولهیتُ عن کذا : اشتغلتُ عنه بلهو ... »(3) .

وقال الفیومی : « أصل اللهو : الترْویحُ عن النفس بما لا تقتضیه الحکمة»(4) .

وأمّا اللعب فقد قال ابن منظور : « اللَّعِبُ واللَّعْبُ : ضد الجِدِّ»(5) .

وقال الراغب : « لعب : أصل الکلمة اللُّعابُ وهو البزاقُ السائل ، وقد لَعَبَ یَلْعَبُ لَعْباً : سأل لُعَابُهُ ، ولَعِبَ فلانٌ إذا کان فِعْلُه غیرَ قاصِد به مَقْصداً صحیحاً یَلْعَبُ لَعِباً ... »(6) .

وأمّا اللغو فقد قال أحمد بن فارس : « لغو : اللام والغین والحرف المعتلّ أصلان

ص: 92


1- (1) النهایة 4 / 282 .
2- (2) لسان العرب 15 / 258 .
3- (3) مفردات القرآن / 475 .
4- (4) المصباح المنیر / 559 .
5- (5) لسان العرب 1 / 739 .
6- (6) مفردات القرآن / 471 .

صحیحان أحدهما : یدلّ علی الشیء لا یعتدّ به ، والآخر علی اللَّهَج بالشیء _ إلی أن قال _ ویقال : إنّ اشتقاق اللغة منه ، أی یَلْهَجُ صاحبُها بها»(1) .

وقال فی النهایة : « یُقال : لغا الإنسان یَلْغُو ولَغَی یَلْغَی ولَغِیَ یَلْغَی : إذا تکَلَّم بالمُطْرَح من القول ومالا یَعْنی ، وألْغی : إذا أسْقَطَ»(2) .

وقال فی لسان العرب : « اللَّغو واللَّغا : السَّقَط وما لا یُعتدّ به من کلام وغیره ولا یُحصَل منه علی فائدة ولا نفع»(3) .

وقال فی المفردات : « اللّغو من الکلام ما لا یُعْتَدُّ به ، وهو الذی یُورَدُ لاعن رَویَّةٍ وفِکْرٍ ، فیجری مجری اللَّغا ، وهو صوت العصافیر ونحوها من الطیور ... وقد یُسَمَّی کلُّ کلامٍ قبیحٍ لَغْواً»(4) .

قال السید نور الدین بن نعمة اللّه الجزائری فی فروق اللغات : « اللهو : ما یُشغل الإنسان عما یعنیه ویهمّه . واللعب : طلب المزح بما لا یحسن أن یطلب به ، قیل : واشتقاقه اللعاب ، وهو المرور علی غیر استواء ، کلعاب الطفل»(5) .

وقال المحقق الإیروانی فی الفرق بینها : « ثمّ الظاهر أنّ بین اللهو واللعب واللغو عموم من وجه ، فاللهو فعل النفس واشتغالها باللذائذ الشهویة بلا قصد غایة ، وإن کانت الغایة حاصلة سواء صدرت حرکة جوارحیّة من الشخص أو لا ، کما فی إستماع آلات الأغانّی ، قال اللّه تعالی : «وَهُمْ» فی خوضهم «یَلْعَبُونَ * لاَهِیَةً قُلُوبُهُمْ»(6) .

واللعب : هو العمد إلی حرکات جوارحیّة لغایة الالتذاذ بها بلا قصد غایة اُخری ، وإن کانت الغایة الاُخری حاصلة کأکثر أفراد اللعب المترتب علیه غایات عقلائیة من فطانة

ص: 93


1- (1) معجم مقاییس اللغة 5 / 255 .
2- (2) النهایة 4 / 257 .
3- (3) لسان العرب 15 / 250 .
4- (4) مفردات القرآن / 472 .
5- (5) فروق اللغات / 205 .
6- (6) سورة الأنبیاء / 2 و 3 .

النفس وجودتها وجولان الفکر وقوة الأعصاب والعضلات .

واللغو : الحرکات الخارجیة الخالیة عن الغایات»(1) .

أقول : تبعه الفقیه السبزواری فی الجملة(2) ، ولکن الظاهر عدم تمامیة التعریفات الثلاثة ، لأنّها غیر مستندة إلی العرف واللغة کما یظهر هذا الإشکال من المحقق الأردکانی(3) أیضاً .

ثمّ الظاهر من اللغة والعرف أنّ اللهو هو من الأفعال الإختیاریة للإنسان یشغله عمّا یعنیه ویَهِمُّهُ ، ویوجب ترویح نفسه ولذّته ، وهذان غایتان له . ولذا یُطلق علی اللذائذ الشهویة أیضاً . وقد یُعبَّر عنه بالفارسیة ب_ « کیف کردن» .

وأمّا اللعب : فهو من الأفعال الاختیاریة بحیث لا یکون بجدٍّ ، والغرض منه نفس الفعل ولا یقصد به مقصداً وإن کان یمکن أن یترتب علیه اُمور اتفاقاً أو غالباً ولکن لا یُقصد ، وهو الذی یُعبَّر عنه فی الفارسیة ب_ « سرگرمی» أو « بازی کردن» . ولعله أشار إلی ما ذکرناه الشیخ الأعظم(4) وتبعه شیخناالأستاذ _ مدظله _(5) .

وأمّا اللغو : هو کلّ فعل أو قول لم یترتب علیه فائدة فی الخارج ولا نفع . ویُعبَّر عنه بالفارسیة ب_ « بیهوده» .

ومن هنا ظهر أنّ النسبة بین اللغو وصاحبیه التباین ، وأمّا النسبة بین اللهو واللعب عموم وخصوص مطلق ، فإنّ کل لهو لعبٌ ولکن لیس کل لعب بلهوٍ .

ویؤید ما ذکرناه ما روی عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال : أوّل اللهو لعبٌ وآخره حربٌ(6) .

ص: 94


1- (1) الحاشیة علی المکاسب 1 / 241 .
2- (2) مهذب الأحکام 16 / 159 .
3- (3) غنیة الطالب 1 / 182 .
4- (4) المکاسب 2 / 48 .
5- (5) إرشاد الطالب 1 / 249 .
6- (6) غرر الحکم ح 3132 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل الیبت علیهم السلام 10 / 81 ح 22 .

وهذا الذی یظهر لی بالتأمل فی کلمات أهل اللغة وموارد استعمالها عند العرف .

ثمّ إنّ الأصحاب قدس سرهم تعرضوا لحکم اللهو واللعب فی فروع عدیدة نذکر لک بعضها لمزید البصیرة :

قال الشیخ فی المبسوط : « السفر علی أربعة أقسام : واجب مثل الحجّ والعمرة ، وندب مثل الزیارات وما أشبهها ، ومباح مثل تجارة وطلب معیشة وقوت وما أشبهها ، فهذه الأنواع الثلاثة کلّها یجب فیها التقصیر فی الصوم والصلاة . والرابع سفر معصیة مثل باغٍ أو عادٍ أو سعایةٍ أو قطع طریق وما أشبه ذلک من أتباع سلطان جائر فی طاعته مختاراً أو طلب صید اللهو والبطر ، فإنّ جمیع ذلک لا یجوز فیه التقصیر لا فی الصوم ولا فی الصلاة»(1) .

وقد أفتی فی النهایة بقبول شهادة من یلعب بالحمام ، وقال : « تُقبل شهادةُ من یلعب بالحَمام إذا لم یُعرف منه فسق»(2) .

وعدّ القاضی ابن البراج مِن السفر القبیح (أی الحرام) مَنْ طلب الصید للّهو والبطر(3) .

وقال ابن إدریس : « ... فصار سفر الصید علی ثلاثة أضرب ، وکلّ ضرب منها یخالف الآخر ویباینه ، فصید اللهو والبطر یجب فیه تمام الصلاة والصوم ، وصید القوت للعیال والنفس یجب فیه تقصیر الصلاة والصوم بالعکس من الأوّل ، وصید التجارة یجب فیه تمام الصلاة وتقصیر الصوم»(4) .

وقال : « یُقبل شهادة المتخذ للحمام غیر اللاعب بها والمسابق والمراهن علیها إذا لم یعرف منه فسق» . ثم واستشکل علی کلام الشیخ فی نهایته وقال : « وقول شیخنا فی نهایته « وتقبل شهادة من یلعب بالحمام » غیر و [ ا ] ضح ، لأنّه سمّاه لاعباً واللعب بجمیع الأشیاء قبیح ، فقد صار فاسقاً بلعبه ، فکیف تقبل شهادته»(5) .

ص: 95


1- (1) المبسوط 1 / 136 .
2- (2) النهایة / 327 .
3- (3) المهذب 1 / 107 .
4- (4) السرائر 1 / 327 .
5- (5) السرائر 2 / 124 .

وقال المحقق : « مسألة : قال علماؤنا اللاهی بسفره کالمتنزه بصیده بطراً لا یترخص فی صلاته ولا فی صومه ، وقال الشافعی وأبو حنیفة : یترخص . لنا : أنّ اللهو حرام فالسفر له معصیة ، ولأنّ الرخصة لِتسهیل الوصول إلی المصلحة ولا مصلحة فی اللهو ، ویؤید ذلک روایة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام ... »(1) .

قال العلامة فی القواعد : « الخامس (من شرائط تقصیر الصلاة) : إباحة السفر ، فلا یقصِّر العاصی به کتابع الجائر والمتصید لهواً دون المتصید للقوت أو التجارة _ علی رأی _ ... »(2) .

وقال فی النهایة فی حرمة بیع الجاریة المغنیة : « أما التی یطلب بها اللهو فإنّه یحرم بیعها ، لأنّ الرضا علیه السلام ... »(3) .

وقال فی المختلف : « قال أبو الصلاح(4) : ومن المحرمات الرمی عن قوس الجلاهق ، و الإطلاق لیس بجیّد ، بل ینبغی التقیید بطلب اللهو والبطر ، أمّا لو قصد به الصید للقوت أو للتجارة أو فعل لدفع الخصم أو لغیر ذلک ممّا هو مباح فالوجه الإباحة»(5) .

وقال الشهید : « والصید لهواً وبطراً معصیة ، فلا ترخص فیه ، ورواه زرارة عن الباقر علیه السلام »(6) .

وابن فهد الحلی بعد حکمه بعدم جواز المسابقة فی غیر الثلاثة - سواء کان بعوض أو غیره - قال : « عملاً بعموم النهی عن الرهان فی غیر الثلاثة ولأنّها لهو وقداح إلاّ ما خرج بالنص ... »(7) .

ص: 96


1- (1) المعتبر 2 / 471 .
2- (2) قواعد الأحکام 1 / 325 .
3- (3) نهایة الإحکام 2 / 469 .
4- (4) الکافی / 282 .
5- (5) مختلف الشیعة 5 / 18 .
6- (6) ذکری الشیعة 4 / 314 .
7- (7) المهذب البارع 3 / 82 .

والمحقق الثانی قال فی شرائط السفر : « الرابع : کون السفر سائغاً ، فالآبق والناشز وتارک وقوف عرفة أو الجمعة مع الوجوب وسالک ما یظن فیه العطب والمتصید لهواً وتابع الجائر وذو الغایة المحرمة لا یترخصون»(1) .

قال سید الریاض فی حرمة المسابقة فی غیر الثلاثة ولو کانت بغیر رهان : « فالمنع أظهر ، لحجّیة الإجماع المنقول ، سیما مع التعدد والاعتضاد بالشهرة وبما دلّ علی حرمة اللهو واللعب ، لکون المسابقة فی المذکورات منهما بلا تأمل ... »(2) .

وفی کتاب الشهادات قوّی قول ابن إدریس فی عدم مقبولیة شهادة اللاعب بالحمام بقوله : « فلأنّ ما دلّ علی قبحه (أی قبح اللعب) وورد بذمّه من الآیات والروایات أظهر من أن تخفی ، فإذا ثبت القبح والذمّ ثبت النهی ، إذ لا ذمّ علی ما لم ینه عنه اتفاقاً ، ولولا شذوذه بحیث کاد أن یعدّ للإجماع مخالفاً لکان المصیر إلی قوله لیس بذلک البعید جدّاً»(3) .

وقد أفتی بوجوب التمام والصیام لمن کان غرضه من الصید اللهو جدُّنا العلامة التقی صاحب الهدایة فی کتاب فتواه(4) . المطبوع أخیراً .

وأنت تجد بعض هذه العبائر صریحة فی حرمة اللهو أو اللعب ، نحو : کلام ابن إدریس حیث یقول : « واللعب بجمیع الأشیاء قبیحٌ ، فقد صار فاسقاً بلعبه»(5) .

وکلام المحقق حیث یقول : « أنّ اللهو حرامٌ»(6) . وبیان العلامة فی المختلف(7) الذی ذکرته آنفاً ، وما ذکره ابن فهد الحلی(8) ، ویظهر من استدلال سید الریاض أیضاً حرمة اللهو

ص: 97


1- (1) الرسالة الجعفریة المطبوعة ضمن رسائل المحقق الکرکی 1 / 123 .
2- (2) ریاض المسائل 10 / 238 .
3- (3) ریاض المسائل 15 / 263 .
4- (4) رساله صلاتیه / 411 .
5- (5) السرائر 2 / 124 .
6- (6) المعتبر 2 / 471 .
7- (7) راجع مختلف الشیعة 5 / 18 .
8- (8) المهذب البارع 3 / 82 .

واللعب عنده(1) .

نعم ، حرمة الصید اللهوی ووجوب التمام والصیام فی سفره لا تدلّ علی حرمة مطلق اللهو ، وکذا حرمة بیع الجواری المغنیات لهواً المذکورة فی کلام العلامة فی نهایته(2) .

ومن هنا ظهر عدم تمامیة کلام المحقق الإیروانی قدس سره ، حیث یقول : « لیس فی شیء ممّا نقله من العبائر دلالة علی حرمة اللهو بقول مطلق عدا عبارة المعتبر ... »(3) .

والوجه فیه عدم مراجعته لکلمات الأصحاب فی کتبهم واکتفی بما نقل عنهم الشیخ الأعظم فی مکاسبه کما یظهر ذلک من قوله « ممّا نقله» .

والعمدة فی المقام ملاحظة الأدلة الواردة فی حرمة اللهو أوّلاً ثمّ اللعب ثانیاً ثمّ اللغو ثالثاً :

روایات حرمة اللهو
أربع طوائف من الروایات

قد یقال بأنّ ظهور الروایات علی حرمة اللهو علی طوائف أربع :

الأولی : الطائفة الدالة علی أنّ السفر للصید اللهوی وجب فیه التمام ، نحو موثقة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : سألته عمّن یخرج عن أهله بالصقورة والبزاة والکلاب یتنزّه اللیلتین والثلاثة ، هل یقصّر من صلاته أم لا یقصّر ؟ قال : إنّما خرج فی لهو ، لا یقصّر(4) .

وفیه : غایة ما یُستفاد من الروایة وجوب التمام فی السفر للصید اللهوی ، وهذا الدلیل أعم من المدعی وهو حرمة اللهو ، وقد نُقل هذا البیان عن المحقق البغدادی(5) .

ص: 98


1- (1) ریاض المسائل 10 / 238 و 15 / 263 .
2- (2) نهایة الإحکام 2 / 469 .
3- (3) الحاشیة علی المکاسب 1 / 239 .
4- (4) وسائل الشیعة 8 / 478 ح 1 . الباب 9 من أبواب صلاة المسافر .
5- (5) نقل عنه المحقق الخوئی فی مصباح الفقاهة 1 / 421 ، والمحقق البغدادی هو السید محسن الأعرجی المقدس الکاظمی (1227 _ 1130) صاحب المحصول فی علم الاصول ووسائل الشیعة إلی أحکام الشریعة فی الفقه الإستدلالی .

والثانیة : الطائفة الدالة علی أنّ الإشتغال بالملاهی من الکبائر ، نحو : معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام فی کتابه إلی المأمون عدّ فیه من الکبائر : الإشتغال بالملاهی والإصرار علی الذنوب(1) .

وخبر الأعمش عن الصادق علیه السلام فی حدیث شرائع الدین عدّ من الکبائر : والملاهی التی تصدّ عن ذکر اللّه عزّ وجلّ مکروهة ، کالغناء وضرب الاُوتار والإصرار علی صغائر الذنوب(2) .

بتقریب : أنّ الملاهی جمع الملهی مصدراً أو وصفاً ، لا الملهاة آلة ، لأنّه لا یناسب التمثیل بالغناء کما عن الشیخ الأعظم(3) . فتدلّ علی أنّ اللهو مطلقاً من المحرّمات بل من الکبائر .

وفیه : الملاهی جمع الملهاة ، وهی اسم آلة ، والشاهد علی ذلک تمثیله بضرب الاُوتار . وأمّا الغناء فَمِن أظهر طرق اللهو أیضاً ، ولو لم یکن هذا متعیّناً فلا أقل من کونه من المحتمل ، وإذا جاء الاحتمال بطل الإستدلال ، فتصیر الروایة مجملة .

مضافاً إلی زیادة « الملاهی التی تصدّ عن ذکر اللّه عزّ وجلّ» فی روایة الأعمش ، فلو فرض عدم وجود هذا القید فلم یمکن عدّها من الکبائر . مضافاً إلی ضعف سندها .

والثالثة : الطائفة الدالة علی حرمة استعمال الملاهی والمعازف وآلات الموسیقی وهی روایات متواترة قد سبق ذکرها فی بحث الغناء ، فلا نعیدها فراجعها هناک .

وفیه : إن حرمة الغناء والموسیقی وهذا القسم من اللهو من ضروریات الدین ، وقال المحقق الخوئی : « بحیث یعدّ منکرها خارجاً عن زمرة المسلمین»(4) ، ولکن لا تدلّ علی حرمة اللهو مطلقاً .

والرابعة : الطائفة الدالة علی حرمة اللهو علی نحو الإطلاق ، نحو : خبر عبد اللّه بن علی عن علی بن موسی علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن علی علیه السلام قال : کلّ ما ألهی عن ذکر اللّه فهو

ص: 99


1- (1) وسائل الشیعة 15 / 329 ح 33 .
2- (2) وسائل الشیعة 15 / 331 ح 36 .
3- (3) المکاسب 2 / 44 .
4- (4) مصباح الفقاهة 1 / 422 .

من المیسر(1) .

ومنها : خبر موسی المروزی عن أبی الحسن الأوّل علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أربعة یفسدن القلب وینبتن النفاق فی القلب کما ینبت الماء الشجر : اللهو ، والبذاء ، وإتیان باب السلطان ، وطلب الصید(2) .

ومنها : مرفوعة علی بن إسماعیل قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إرکبوا وارموا وأن ترموا أحبّ إلیَّ من أن ترکبوا . ثم قال : کلّ لهو المؤمن باطل إلاّ فی ثلاث : فی تأدیبه الفرس ، ورمیه عن قوسه ، وملاعبته امرأته ، فإنهنَّ حقٌّ ، الحدیث(3) .

ومنها : ما رواه الکلینی بإسناده عنهم علیهم السلام فیما وعظ اللّه عزّ وجلّ به عیسی علیه السلام فی حدیث : یا عیسی ... ولا تَلْهِ فإنّ اللهو یفسد صاحبه ، الحدیث(4) .

ومنها : معتبرة حماد بن عیسی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال لقمان لابنه فی حدیث : وللغافل ثلاث علامات : السهو واللهو والنسیان ، الحدیث(5) .

ومنها : خبر زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : لهو المؤمن فی ثلاثة أشیاء : التمتع بالنساء ومفاکهة الإخوان والصلاة باللیل(6) .

ومنها : مرسلة علی بن ابراهیم رفعه إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : سیکون قوم یبیتون وهم علی اللهو وشرب الخمر والغناء فبیناهم کذلک إذ مسخوا من لیلتهم وأصبحوا قردة وخنازیر(7) .

ص: 100


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 315 ح 15 . الباب 100 من أبواب ما یکتسب به .
2- (2) وسائل الشیعة 8 / 481 ح 9 . الباب 9 من أبواب صلاة المسافر .
3- (3) الکافی 5 / 50 ح 13 ونقلتُ عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10 / 76 ح 2 ، ونقل عن الکافی فی وسائل الشیعة 19 / 250 ح 5 مختصراً مع إیراد سند لیس فی المصدر .
4- (4) الکافی 8 / 134 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10 / 77 ح 5 .
5- (5) الخصال 1 / 121 ح 113 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10 / 78 ح 8 .
6- (6) الخصال 1 / 161 ح 210 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10 / 78 ح 9 .
7- (7) تفسیر القمی 1 / 181 ونقل عنه فی بحار الأنوار 76 / 240 ح 1 (31 / 503) ونقلت عن البحار فی موسوعتی 10 / 82 ح 30 .

ظاهر هذه الروایات حرمة اللهو مطلقاً ، ولکن الضرورة تقتضی جواز اللهو فی کثیر من الموارد ، نحو : المسافرة للتفرج ، وبعض الریاضات لأهلها ، ومطالعة بعض القصص والحکایات لأهلها ومثلها . فلا یمکن الأخذ بإطلاق هذه الروایات ، مضافاً إلی ضعف إسناد جمیعها . نعم بعض أقسام اللهو حرام قطعاً کما مرّ منّا قسماً منه فی بحث الغناء . هذا تمام الکلام فی اللهو .

أمّا اللعب

قد مضی تعریفه ولم یفتِ بحرمته إلاّ ابن إدریس الحلی فی السرائر(1) وتبعه العلامة وأفتی بحرمة المسابقة علی جمیع الملاعب(2) .

وقال سید الریاض : « فلأنّ ما دلّ علی قبحه (أی قبح اللعب) وورد بذمّه من الآیات والروایات أظهر من أن تخفی ، فإذا ثبت القبح والذمّ ثبت النهی ... »(3) .

وقد ادعی علی تحریمه بعض الروایات :

منها : صحیحة علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن اللعب بأربعة عشر وشبهها ؟ قال : لا یستحب شیئاً من اللعب غیر الرهان والرمی(4) .

وأنت تری أنّ دلالتها علی الحرمة ممنوعة . قال المحقق الإیروانی : « هی تدلّ علی الکراهة»(5) .

ومنها : معتبرة بل صحیحة بکیر بن أعین عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن اللعب بالشطرنج ، فقال : إنّ المؤمن لمشغول عن اللعب(6) .

ص: 101


1- (1) السرائر 2 / 124 .
2- (2) تذکرة الفقهاء 2 / 354 من الطبع الحجری .
3- (3) ریاض المسائل 15 / 263 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 315 ح 14 . الباب 100 من أبواب ما یکتسب به .
5- (5) الحاشیة علی المکاسب 1 / 241 .
6- (6) وسائل الشیعة 17 / 320 ح 11 ، الباب 102 من أبواب ما یکتسب به .

دلالة هذه الروایة أیضاً علی الحرمة ممنوعة .

وعلی هذا لم یثبت حرمة اللعب ، مضافاً إلی ورود بعض الروایات بجوازها :

نحو : معتبرة غیاث بن إبراهیم عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لا بأس أن ینام الرجل بین أمتین والحرّتین ، إنّما نساؤکم بمنزلة اللعب(1) .

وخبر العلاء بن سیّابة قال : سألت أبا عبد اللّه عن شهادة من یلعب بالحمام ، فقال : لا بأس إذا کان لا یُعرف بفسق(2) .

ورواه الصدوق بسنده الصحیح إلی العلاء(3) ولکنّه إمامی مجهول ، فسنده ضعیف به .

وقد أفتی به الشیخ فی النهایة(4) والأصحاب یتبعونه بحیث کاد أن یکون إجماعاً(5) .

وعلی هذا لا یمکن القول بحرمة اللعب مطلقاً ، وفی مورد خاص إذا ثبتت حرمة اللعب نحو اللعب بالشطرنج والنرد وآلات القمار أخذنا به ، وفی غیره نرجع إلی أصل البراءة من الحرمة .

وأمّا اللغو

قد مرّ منّا تعریفه وربما استعمل فی معنی اللهو أیضاً ، وغایة ما یُستدل علی حرمته ظهور بعض الآیات والروایات :

فمن الکتاب قوله تعالی : «وَالَّذِینَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ»(6) .

وقوله تعالی : «وَالَّذِینَ لاَ یَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا کِرَاماً»(7) .

ص: 102


1- (1) الکافی 5 / 560 ح 16 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10 / 50 ح 1 .
2- (2) وسائل الشیعة 27 / 412 ح 1 . الباب 54 من أبواب کتاب الشهادات .
3- (3) وسائل الشیعة 27 / 413 ح 3 . الباب 54 من أبواب کتاب الشهادات .
4- (4) النهایة / 327 .
5- (5) کما یظهر من صاحب الریاض فی کتابه 15 / 263 .
6- (6) سورة المؤمنون / 3 .
7- (7) سورة الفرقان / 72 .

وقوله تعالی : «وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَکُمْ أَعْمَالُکُمْ سَلاَمٌ عَلَیْکُمْ لاَ نَبْتَغِی الْجَاهِلِینَ»(1) .

وقد ورد تطبیق اللغو علی الغناء فی روایتی محمد بن أبی عباد(2) وأبی أیوب الخرّاز(3) ، وهو من موارد استعمال اللغو فی معنی اللهو ، وقد مرّ ذکر حرمة بعض أقسام اللهو نحو الغنا والموسیقی .

مضافاً إلی ضعف سندیهما ، فلا یثبت بهما حرمة مطلق اللغو .

وقد استدل علی حرمة مطلق اللغو بعدّة من الروایات :

منها : خبر أبی خالد الکابلی عن زین العابدین علی بن الحسین علیه السلام فی حدیث : والذنوب التی تهتک العصم : شرب الخمر ، واللعب بالقمار ، وتعاطی ما یضحک الناس من اللغو ، والمزاح ، وذکر عیوب الناس ، ومجالسة أهل الریب ، الحدیث(4) .

والروایة ضعیفة الإسناد بعدّة من المجاهیل ، ولا تدلّ علی حرمة اللغو والمزاح مطلقاً ، بل ما کان فیها من السخریة والإستهزاء والغیبة وإدخال الإذی علی المؤمن وتعییره وهجائه . وأمّا إضحاک الناس بغیر هذه الاُمور التی هی من المعاصی ، فلا بأس به قطعاً ، بل یدخل فی عنوان إدخال السرور علی المؤمنین ، کما تدلّ علیه خبر یونس الشیبانی قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : کیف مداعبة بعضکم بعضاً ؟ قلت : قلیل ، قال : فلا تفعلوا ، فإنّ المداعبة من حسن الخلق وإنّک لتدخل بها السرور علی أخیک ، ولقد کان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم یداعب الرجل یرید أن یسّره(5) .

وتحمل علی ما ذکرنا وصیة النبی صلی الله علیه و آله وسلم لأبی ذر(6) رضی اللّه عنه ، بل هی قرینة علیه .

ص: 103


1- (1) سورة القصص / 55 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 308 ح 19 . الباب 99 من أبواب ما یکتسب به .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 316 ح 2 . الباب 102 من أبواب ما یکتسب به .
4- (4) وسائل الشیعة 16 / 282 ح 8 . الباب 41 من أبواب الأمر والنهی .
5- (5) الکافی 2 / 663 ح 3 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 3 / 444 ح 2 .
6- (6) وسائل الشیعة 12 / 251 ح 4 . الباب 140 من أبواب أحکام العشرة .

وأمّا صحیحة سلیمان بن خالد عن الصادق علیه السلام فی حدیث أنّه قال : وکلّ کلام لیس فیه ذکر فهو لغو ، الحدیث(1) .

تحمل علی أحسن الإستفادة من التکلّم وقدرة البیان فی ذکر اللّه تعالی وذکر أولیائه وکتابه ودینه ، ففی الحقیقیة إرشاد إلی ما ذکرناه ولا تحمل علی المولویة ، فلا تدلّ علی حرمة مطلق اللغو .

ونحوها مرفوعة المفید عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال کلّ قول لیس للّه فیه ذکر فلغوٌ ، الحدیث(2) .

وأمّا مرفوعة نجل الطبرسی عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : لأبی ذر فی وصیته له : ... فاترک اللغو ما دمت فیها (أی فی المساجد) ، فإن لم تفعل فلا تلومنّ یوم القیامة إلاّ نفسک ... یا أبا ذر کل جلوس فی المسجد لغو إلاّ ثلاث : قراء مصلّ ، أو ذکر اللّه ، أو سائل عن علم(3) .

تحمل هذه المرفوعة أیضاً علی الإرشاد بحسن الإستفادة من المساجد والأوقات ، فلا تدلّ علی المولویة وحرمة اللغو مطلقاً .

والحاصل إثبات حرمة مطلق اللغو مشکل جداً بل ممنوع .

إلی هنا انتهی البحث عن اللهو واللعب واللغو والحمد للّه أوّلاً وآخراً .

ص: 104


1- (1) أمالی الصدوق . المجلس الثامن ح 2 / 79 الرقم 47 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10 / 61 ح 2 .
2- (2) الإرشاد 1 / 297 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10 / 63 ح 5 .
3- (3) مکارم الأخلاق / 467 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10 / 65 ح 9 .

مدح مَنْ یستحق الذَّمّ أو عکسه

اشارة

قد أفتی العلامة فی کتبه بحرمة هذا المدح أو عکسه ، أی ذم مَنْ یستحق المدح ، بل ادعی عدم الخلاف فیه ، قال فی التذکرة : « ویحرم سبّ المؤمنین والکذب علیهم والنمیمة ومدح مَنْ یستحق الذمّ وبالعکس والتشبیب بالمرأة المعروفة المؤمنة بلا خلاف فی ذلک کلّه»(1) . وفی القواعد(2) والنهایة(3) عدَّ مِن المحرّمات مدح مَنْ یستحق الذَّم وبالعکس . وزاد فی التحریر(4) أنّ الأمر به أیضاً من المحرّمات ، وکذا أخذ الاُجرة علیه .

والشهید فی الدروس عدَّ من المحرّمات : « الذَّم لغیر أهله والمدح فی غیر موضعه»(5) .

وقال المحقق الکرکی فی تعیین المراد فی المقام : « المراد مدح مَنْ یستحق الذم مِن الوجه الذی یستحق به الذَّم ، وکذا عکسه . أمّا إعطاء الشخص الواحد حقّه من المدح والذم باعتبار مقتضاهما فإنّه یحسن ، ولا یبعد أن یقال بتحریم مدح من یستحق الذم وإن لم یکن من الوجه الذی یستحق به الذم إذا فهم السامع منه کونه ممدوحاً ، لما فیه من إیهام الباطل ، وإنّما ذکر هذا بخصوصه وإن کان نوعاً من الکذب لأنّه أغلظ من غیره ، ولما فی ذمّ من یستحق المدح من زیادة إیذائِه»(6) .

وکیف ما کان فقد استدل للحرمة بوجوهٍ :

الاستدلال لحرمته بوجوه

الأوّل : حکم العقل بقبح مدح مَنْ یستحق الذَّم أو عکسه .

ص: 105


1- (1) تذکرة الفقهاء 12 / 144 وذکر نحوها فی المنتهی 2 / 1013 من طبع الحجری .
2- (2) قواعد الأحکام 2 / 8 .
3- (3) نهایة الإحکام 2 / 471 .
4- (4) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 260 .
5- (5) الدروس الشرعیة 3 / 163 .
6- (6) جامع المقاصد 4 / 27 .

بتقریب : أنّ العقل مستقل بقبح ذلک وبمقتضی قاعدة التلازم بین حکمی العقل والشرع یحکم بحرمته .

وفیه : أن العقل لا یحکم بقبحه ما لم ینطبق علیه عنوان آخر ممّا یستقل العقل بقبحه ، نحو : الکذب ، أو زیادة قوة الضالمین وسلطانهم ، أو إهانة المظلوم ، أو الإغراء بالجهل .

الثانی : قوله تعالی : «وَلاَ تَرْکَنُواْ إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّکُمُ النَّارُ وَمَا لَکُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِیَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ»(1) .

بتقریب : أن إنّ مدح الظالم یدخل فی الرکون إلیه ، وهو من « رکونِ مودَّةٍ ونصیحةٍ وطاعةٍ»(2) المنهی عنه ، فیحرم . وکذا قارن بین المدح والرکون فی حدیث مناهی النبی صلی الله علیه و آله وسلم (3) الآتی .

وفیه : أن الدلیل أخصٌ من المدعی ، حرمة الرکون إلی الظالمین ومعونتهم واضحة ، وبعض مِن المدایح یدخل فیه أیضاً مِن الواضحات ، ولکن مدح مَنْ یستحق الذَّم أو عکسه بإطلاقهما لا یدخلان فی الرکون ، کما هو واضح لِمَنْ تأمل .

الثالث : ما ورد فی خبر آخر خطبة خطبها النبی صلی الله علیه و آله وسلم بالمدینة ، وفیها : من عظّم صاحب دنیا وأحبّه لطمع فی دنیاه سخط اللّه علیه وکان فی درجته مع قارون فی التابوت الأسفل من النار(4) .

بتقریب : أنّ المادح یکون من المعظمین لصاحب الدنیا والمحبّین له طمعاً فی دنیاه .

وفیه : أوّلاً : أنّها ضعیفة الإسناد .

وثانیاً : بعض أقسام مدح من لا یستحق یدخل فی الروایة ، ولکن بعضها الآخر لم یندرج تحتها .

الرابع : ما ورد فی خبر مناهی النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : من مدح سلطاناً جائراً وتحفّف

ص: 106


1- (1) سورة هود / 113 .
2- (2) کذا فی تفسیر القمی 1 / 338 وفی مجمع البیان 5 / 306 روی عنهم علیهم السلام .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 184 ح 1 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 181 ح 14 . الباب 42 من أبواب ما یکتسب به .

وتضعضع له طمعاً فیه کان قرینه فی النار . قال : وقال صلی الله علیه و آله وسلم : قال اللّه عزّ وجلّ : «وَلاَ تَرْکَنُواْ إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّکُمُ النَّارُ» ، الحدیث(1) .

حَفَّف القوم حوله وحَفَّفوه : أحدقوا به . تَضَعْضَع : خَضَع وذلَّ .

وفیه : أوّلاً : الروایة ضعیفة الإسناد .

وثانیاً : أنّها تشمل مدح السلطان الجائر طمعاً فی دنیاه ، وأما غیره فیخرج من مدلولها ، فالدلیل أخصٌ من المدعی .

الخامس : خبر هشام بن سالم عن الصادق علیه السلام قال : من جالس لنا عائباً ، أو مدح لنا قالیاً ، أو واصل لنا قاطعاً ، أو قطع لنا واصلاً ، أو والی لنا عدواً ، أو عادی لنا ولیّاً ، فقد کفر بالذی أنزل السبع المثانی والقرآن العظیم(2) .

القالی : هو المُبْغِض .

وفیه : أوّلاً : أنّها ضعیفة الإسناد ، لأنّ أبا أیوب سلیمان بن مقبل المدینی مجهول حاله . وثانیاً : تدلّ علی حرمة مدح مبغض أهل البیت لا غیره .

والحاصل ، هذه الأدلة لا تدلّ علی حرمة مطلق مدح من لا یستحق المدح أو عکسه . نعم إذا کانا یدخلان فی عنوان الکذب أو الإغراء بالجهل أو تقویة الظالم وشوکته أو إهانة المؤمن والمظلوم أو الغیبة أو السبّ ونحوها یحکم بحرمتهما ، لوضوح حرمة هذه العناوین .

ولعلّ أحسن مقال فی هذا المجال هو قول جدنا الشیخ جعفر حیث یقول : « وتفصیل الحال بعد الإجمال : أنّه ینبغی إعطاء کلّ ذی حقٍّ حقّه ، فمَنْ سلم من أسباب الذم فهو ممدوح لا یذمّ ، وبالعکس العکس . ولو کان ذا جهتین کان الإنسان معه ذا حالتین قد یمدح ویبالغ وقد یذمّ محافظاً علی الوجه السائغ . ومَنْ نقل الإجماع فی المنع علی الإطلاق مردود إلاّ أن یکون جاریاً علی هذا المذاق »(3) .

ص: 107


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 183 ح 1 . الباب 43 من أبواب ما یکتسب به .
2- (2) أمالی الصدوق . المجلس الثالث عشر ح 7 / 111 الرقم 87 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10 / 184 ح 6 .
3- (3) شرح القواعد 1 / 236 .

وتبعه تلمیذاه صاحبا المفتاح(1) والجواهر(2) ، وکذا تلمیذ تلمیذه صاحب برهان الفقه(3) .

قال فی الجواهر : « فإنّ الذی ینبغی إعطاء کلّ ذی حقٍّ حقّه ، فمن لم یکن فیه صفة للذم فلیس له إلاّ المدح وبالعکس ، فذو الجهتین یستحق الأمرین . ودعوی أنّ مستحق الذم یحرم مدحه ومستحق المدح یحرم ذمّه کذلک ، ممنوعة بالسیرة القاطعة وغیرها فضلاً عن دعوی الإجماع علیها ، واللّه أعلم»(4) .

والمدح الحرام قد یکون سائغاً إذا رفع عن المادح أو غیره الضرر أو الظلم أو المفسدة أو کان لابدّ منه تقیة(5) ، قال شارح القواعد : « وهذه عادة العلماء مع الاُمراء ، خصوصاً مَنْ کانوا مِنْ أهل الحقّ ولو أنّهم من شرار الخلق»(6) .

وقال صاحب الغنیة : « قال بعض الأعلام رحمه الله : عمل ذلک بالنسبة إلی السلاطین الغیر الغاصبین لحقوق الأئمة الطاهرین علیهم السلام الموالین ما لم یکن إعانة لهم فی شیء من ظلمهم لا بأس به أیضاً»(7) .

وإذا صار المدح حراماً فأخذ الجائزة والاُجرة والفائدة علیه أیضاً حرام ، کما أفتی به العلامة فی التحریر(8) والشیخ جعفر فی شرح القواعد(9) .

ص: 108


1- (1) مفتاح الکرامة 12 / 222 .
2- (2) الجواهر 22 / 74 .
3- (3) برهان الفقه . کتاب التجارة / 24 الطبع الحجری .
4- (4) الجواهر 22 / 75 .
5- (5) کما تدل علیه عمومات التقیة وخبر درست عن أبی الحسن موسی علیه السلام ، راجع مستدرک الوسائل 13 / 127 ح 1 .
6- (6) شرح القواعد 1 / 236 للشیخ جعفر قدس سره .
7- (7) غنیة الطالب 1 / 184 .
8- (8) التحریر 2 / 260 .
9- (9) شرح القواعد 1 / 236 .

وظیفة المادح والممدوح فی الروایات

وفی ختام البحث نجلب أنظار القراء الکرام إلی بعض الروایات فی المقام حیث یعلم منها المادح والممدوح وظیفتهما :

منها : حدیث مناهی النبی صلی الله علیه و آله وسلم ، قد ورد فیه أنّه نهی عن المدح وقال : أحثوا وجوه المداحین التراب(1) .

وعن علی أمیر المؤمنین علیه السلام : الثناء بأکثر من الإستحقاق مَلَق والتقصیر عن الإستحقاق عیٌّ أو حسدٌ(2) .

وعنه علیه السلام : ربّ مفتون بحسن القول فیه(3) .

وعنه علیه السلام : أجهل الناس المغتر بقول مادح متملق یحسّن له القبیح ویبغّض إلیه النصیح(4) .

وعنه علیه السلام : مادحک بما لیس فیک مستهزءٌ بک ، فإن لم تُسعِفهُ بنوالک بالغ فی ذمّک وهجائک(5) .

وعنه علیه السلام : من مدحک فقد ذبحک(6) .

وعنه علیه السلام فی حدیث : طلبتُ المدح فما وجدت إلاّ بالسخاوة ، کونوا أسخیاء تمدحوا ، الحدیث(7) .

وعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : إذا مدح الفاجر اهتزّ العرش وغضب الربّ(8) .

ص: 109


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 183 ح 1 .
2- (2) نهج البلاغة . الخطبة 347 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10/185 ح9 .
3- (3) نهج البلاغة ، الحکمة 462 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10/185 ح10 .
4- (4) غ_رر الح_ک_م ح 3262 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10 / 185 ح 13 .
5- (5) غ_رر الح_ک_م ح 9838 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10 / 186 ح 19 .
6- (6) غ_رر الح_ک_م ح 7766 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10 / 186 ح 15 .
7- (7) جامع الاخبار/341 ح1ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10 / 185 ح12 .
8- (8) بحار الأنوار 74 / 150 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10 / 186 ح20 .

وعن أبی محمد الحسن العسکری علیه السلام أنّه قال : من مدح غیر المستحق فقد قام مقام المتهم(1) .

وعن أمیر المؤمنین أنّه مدحه قوم فی وجهه ، فقال : اللهم إنّک أعلم بی من نفسی وأنا أعلم بنفسی منهم ، اللهم اجعلنا خیراً ممّا یظُنُّون واغفر لنا ما لا یعلمون(2) .

والحمد للّه ربّ العالمین .

ص: 110


1- (1) أعلام الدین / 313 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10 / 185 ح 11 .
2- (2) نهج البلاغة . الحکمة 100 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10 / 185 ح 8 .

معونة الظالمین

اشارة

قد أفتی الأصحاب قدس سرهم بحرمة معونة الظالمین فی الجملة ، نحو : المفید فی المقنعة(1) والشیخ فی النهایة(2) وسالار بن عبد العزیز الدیلمی فی المراسم(3) وابن إدریس فی السرائر(4) والمحقق فی الشرائع(5) والنافع(6) والعلامة فی التذکرة(7) والقواعد(8) والتحریر(9) والنهایة(10) والإرشاد(11) والشهید فی الدروس(12) واللمعة(13) والکرکی فی جامع المقاصد(14) وثانی الشهیدین فی المسالک(15) والروضة(16) والأردبیلی فی مجمع الفائدة(17) والسبزواری فی

ص: 111


1- (1) المقنعة / 589 .
2- (2) النهایة / 365 .
3- (3) المراسم / 170 .
4- (4) السرائر 2 / 222 .
5- (5) الشرائع 2 / 4 .
6- (6) المختصر النافع / 117 .
7- (7) تذکرة الفقهاء 12 / 143 مسألة 648 .
8- (8) قواعد الأحکام 2 / 8 .
9- (9) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 260 .
10- (10) نهایة الإحکام 2 / 470 .
11- (11) ارشاد الأذهان 1 / 357 .
12- (12) الدروس الشرعیة 3 / 163 .
13- (13) اللمعة الدمشقیة / 108 .
14- (14) جامع المقاصد 4 / 26 .
15- (15) مسالک الأفهام 3 / 127 .
16- (16) الروضة البهیة 3 / 213 .
17- (17) مجمع الفائدة 8 / 64 .

الکفایة(1) والشیخ یوسف فی الحدائق(2) والشیخ جعفر فی شرح القواعد(3) وسید الریاض(4) وأصحاب المفتاح(5) والمستند(6) والجواهر(7) وبرهان الفقه(8) والوسیلة(9) .

وأمّا أدلتها :

1 _ الإجماع

قد عرفت أنّ الحکم بالحرمة فی معونة الظالمین فی الجملة إجماعیٌّ بین أصحابنا أعلی اللّه کلمتهم ، وقد اعترف بوجود هذا الإجماع جمع منهم ، نحو : المحقق الأردبیلی(10) وسید الریاض(11) والفاضل النراقی(12) والشیخ الأعظم(13) ، وعن المحقق الخوئی فی معونتهم فی ظلمهم قال : « إنّها غیر جائزة بلا خلاف بین المسلمین قاطبة»(14) وعن الفقیه السبزواری فیه : « إجماع المسلمین بل الضرورة من الدین»(15) .

ص: 112


1- (1) الکفایة 1 / 435 .
2- (2) الحدائق 18 / 119 .
3- (3) شرح القواعد 1 / 214 .
4- (4) ریاض المسائل 8 / 176 .
5- (5) مفتاح الکرامة 12 / 200 .
6- (6) مستند الشیعة 14 / 152 .
7- (7) الجواهر 22 / 51 .
8- (8) برهان الفقه / کتاب التجارة / 41 من الطبع الحجری .
9- (9) وسیلة النجاة 2 / 5 الطبع الحجری .
10- (10) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 64 .
11- (11) ریاض المسائل 8 / 176 .
12- (12) مستند الشیعة 14 / 152 : قال فیه « بالثلاثة» ومراده دلالة الکتاب والسنة والإجماع علی حرمتها .
13- (13) المکاسب المحرمة 2 / 53 .
14- (14) مصباح الفقاهة 1 / 426 .
15- (15) مهذب الأحکام 16 / 161 .

وقال قبلهما صاحب برهان الفقه فیه : « وبالجملة لا خلاف نصاً وفتوی فی حرمة ما یتحقق به الإعانة علی الإثم والظلم أو کان الفعل محرَّماً فی نفسه ولو لغیر الإعانة ... »(1) .

أقول : الإجماع بقسمیه علی الحرمة فی الجملة حاصل فی المقام ، ولکن العمدة أنّه مدرکیٌّ ولیس بتعبدیٍّ حتّی یفیدنا شیئاً .

2 _ حکم العقل

العقل یحکم مستقلاً بقبح إبقاء مادة الفساد وإشاعته وترویجه ومعونتهم منها ، فالعقل یحکم بقبحه ، وبقاعدة الملازمة یترتب علیه الحکم الشرعی ، أی الحرمة .

وقد ذکر دلالة العقل علی الحرمة هنا جمع من الأصحاب ، نحو : المحقق الأردبیلی(2) والشیخ الأعظم(3) والسیدان الخوئی(4) والسبزواری(5) .

3 _ الکتاب

تدلّ علی حرمتها من الکتاب قوله تعالی فی سورة هود : «وَلاَ تَرْکَنُواْ إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّکُمُ النَّارُ وَمَا لَکُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِیَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ»(6) .

بتقریب : أنّ معونتهم فی ظلمهم وکون الرجل من أتباعهم وممّن یُعرف بهم من أظهر مصادیق الرکون المنهی عنه فی الآیة الشریفة .

قال الزمخشری : « رَکَنَ إلیه رُکوناً وهو راکن إلی فلان وساکن إلیه»(7) .

وقال الفیومی : « رَکِنْتُ إلی زیدٍ : اعتمدتُ علیه ... »(8) .

ص: 113


1- (1) برهان الفقه . کتاب التجارة / 41 الطبع الحجری .
2- (2) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 64 .
3- (3) المکاسب المحرمة 2 / 53 .
4- (4) مصباح الفقاهة 1 / 427 .
5- (5) مهذب الأحکام 16 / 161 .
6- (6) سورة هود / 113 .
7- (7) أساس البلاغة / 177 .
8- (8) المصباح المنیر / 237 .

وقال الفیروزآبادی : « رَکَنَ إلیه ... رُکوناً : مال وسَکَنَ ... »(1) .

وقال ابن منظور : « رَکَنَ إلی الشیء ... : أی مال إلیه وسکن ... وفی التنزیل العزیز «وَلاَ تَرْکَنُواْ إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُواْ» قُری ء بفتح الکاف من رَکِنَ یَرْکَنُ رُکوناً : إذا مال إلی الشیء واطمأنَّ إلیه ... »(2) .

وفی مجمع البحرین بعد الآیة الشریفة : «أی لا تطمئنوا إلیهم وتسکنوا إلی قولهم وتظهروا الرضا بفعلهم ومصاحبتهم ومصادقتهم ومداهنتم ... »(3) .

أقول : فالرکون فی اللغة المیل والسکون والاعتماد والإطمئنان ، ومن الواضح أنّ الرکون یحصل غالباً إلی أرباب الحکم والقدرة والسلطة والثروة بحیث یمکن أنْ یعتمد علیهم عند أعین الناس الذین یعلمون ظاهراً من الدنیا وهم عن الآخرة غافلون .

والآیة الشریفة نهت عن هذا الرکون إلی الظلمة وساوت الرکون إلیهم بالدخول إلی النار واشتعال الراکن .

ومن الواضح بأنّ معونتهم من أتم مصادیق الرکون إلیهم ، فتحرم بالآیة الشریفة .

4 _ السنة المتواترة القطعیة

الروایات المتواترة(4) تدلّ علی حرمة معونتهم ، ویأتی ذکر بعضها فانتظر .

ثمّ یقع الکلام فی ثلاث مقامات :

الأوّل : إعانة الظالمین علی ظلمهم .

الثانی : کون الإنسان من أعوانهم وفی جملتهم .

الثالث : معونتهم علی المباحات .

ص: 114


1- (1) القاموس : مادة رکن من الطبع الحجری .
2- (2) لسان العرب 5 / 305 طبع بیروت عام 1408 .
3- (3) مجمع البحرین / 558 الطبع الحجری .
4- (4) راجع وسائل الشیعة 17 / 177 . الباب 42 من أبواب ما یکتسب به ، وبحار الأنوار 72 / 367 ومستدرک الوسائل 13 / 122 وجامع أحادیث الشیعة 22 / 327 وکتابی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 4 / 258 .

المقام الأوّل : حرمة إعانتهم علی ظلمهم

تدلّ علیها مضافاً إلی الآیة الشریفة عدّة من الروایات نتبرک بذکر بعضها :

منها : صحیحة أبی حمزة عن علی بن الحسین علیه السلام فی حدیث قال : إیّاکم وصحبة العاصین ومعونة الظالمین(1) .

ومنها : صحیحة أبی بصیر قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن أعمالهم ؟ فقال لی : یا أبا محمد لا ولا مَدّة قلم ، إنّ أحدهم لا یصیب من دنیاهم شیئاً إلاّ أصابوا من دینه مثله ، أو حتّی یصیبوا من دینه مثله(2) .

ومنها : حسنة جهم بن حمید الرواسی قال : قال لی أبو عبد اللّه علیه السلام : أما تغشی سلطان هؤلاء ؟ قلت : لا ، قال : ولم ؟ قلت : فراراً بدینی ، قال : وعزمت علی ذلک ؟ قلت : نعم ، قال لی : الآن سلم لک دینک(3) .

ومنها : معتبرة السکونی عن جعفر بن محمد علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إذا کان یوم القیامة نادی مناد : أین أعوان الظلمة ومن لاق لهم دواةً أو ربط کیساً أو مَدّ لهم مَدّة قلم فاحشروهم معهم(4) .

رواها السید فضل اللّه الرواندی فی النوادر / 158 ح 234 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 123 ح 7 .

ومنها : معتبرة اُخری له عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ما اقترب عبد من سلطان جائر إلاّ تباعد من اللّه ، ولا کثر ماله إلاّ اشتدّ حسابه ، ولا کثر تبعه إلاّ کثرت شیاطینه(5) .

ص: 115


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 177 ح 1 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 179 ح 5 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 180 ح 7 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 180 ح 11 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 181 ح 12 .

ومنها : معتبرة ثالثة له عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إیّاکم وأبواب السلطان وحواشیها ، فإنّ أقربکم من أبواب السلطان وحواشیها أبعدکم من اللّه عزّ وجلّ ، ومن آثر السلطان علی اللّه أذهب اللّه عنه الورع وجعله حیراناً(1) .

ومنها : خبر آخر خطبة خطبها النبی صلی الله علیه و آله وسلم بالمدینة حیث قال صلی الله علیه و آله وسلم فیها : من تولّی خصومة ظالم أو أعانه علیها نزل به ملک الموت بالبشری بلعنه ونار جهنم وبئس المصیر ، الحدیث(2) .

الروایة ضعیفة سنداً وتامة الدلالة . ویمکن تصحیف « معونة » بخصومة فی متنها کما کتبته قریباً من عشر سنین حین ألقیت هذه الخطبة الشریفة محاضرة لجماعة من المؤمنین علی هوامش کتاب عقاب الأعمال(3) لشیخنا الصدوق قدس سره .

ومنها : صحیحة عبد اللّه بن سنان قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : من أعان ظالماً علی مظلوم لم یزل اللّه علیه ساخطاً حتّی ینزع عن معونته(4) .

ومنها : خبر طلحة بن زید عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : العامل بالظلم والمعین له والراضی به شرکاء ثلاثتهم(5) .

ومنها : مرسلة ابن أبی فراس عن اوس بن شرحبیل رفعه : من مشی مع ظالم لیعینه وهو یعلم أنّه ظالم فقد خرج من الإسلام(6) .

رواها صاحب جامع الأخبار / 436 ح 10 مرفوعاً عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم ، ونقلت عنه فی الموسوعة 4 / 263 ح 18 .

ومنها : مرسلة اُخری له قال : قال بعضهم لمّا أراده ابن هبیرة للقضاء قال : ما کنتُ

ص: 116


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 181 ح 13 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 181 ح 14 .
3- (3) عقاب الأعمال / 331 .
4- (4) وسائل الشیعة 16 / 57 ح 5 . الباب 80 من أبواب جهاد النفس .
5- (5) وسائل الشیعة 16 / 155 ح 1 _ و _ 17 / 177 ح 2 .
6- (6) تنبیه الخواطر / 62 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 182 ح 15 .

لألی لک بعد ما حدّثنی إبراهیم . قال : وما حدّثک ؟ قال : حدّثنی عن علقمة عن ابن مسعود قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إذا کان یوم القیامة نادی منادٍ : أین الظلمة وأعوان الظلمة وأشباه الظلمة حتّی مَنْ بری لهم قلماً أو لاق لهم دواة ، فیجعلون فی تابوت حدید ثمّ یرمی بهم فی نار جهنم(1) .

ومنها : خبر ابن بنت الولید بن صبیح الکاهلی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : من سوّد اسمه فی دیوان ولد سابع حشره اللّه یوم القیامة خنزیراً(2) .

ومنها : خبر مناهی النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : ألا ومن علق سوطاً بین یدی سلطان جعل اللّه ذلک السوط یوم القیامة ثعباناً من النار طوله سبعون ذراعاً ، یسلّطه اللّه علیه فی نار جهنم وبئس المصیر(3) .

وهذه الروایات المتواترة تدلّ علی حرمة إعانة الظالمین علی ظلمهم بوضوح .

المقام الثانی : حرمة کون الانسان من أعوانهم وفی جملتهم

بحیث یعدّ منهم ومِن المنسوبین إلیهم ، بأن یقال له : هذا من خدمه أو عماله أو مرتزقته أو أنّه معماره أو طباخه أو خیاطه ونحوها .

تدلّ علی حرمة ذلک مضافاً إلی الآیة الشریفة ، الروایات الماضیة فی المقام السابق ، لعدم تقییدها بالحرام ، کما نص علی ذلک المحقق الإیروانی(4) قدس سره .

ویدلّ علیها أیضاً : خبر کتاب مسائل الرجال عن أبی الحسن علی بن محمد الهادی علیه السلام : أنّ محمد بن علی بن عیسی کتب إلیه یسأله عن العمل لبنی العباس وأخذ ما یتمکن من أموالهم هل فیه رخصة ؟ فقال : ما کان المدخل فیه بالجبر والقهر فاللّه قابل العذر ، وما خلا ذلک فمکروه ، ولا محالة قلیله خیر من کثیره ، وما یکفر به ما یلزمه فیه من یرزقه

ص: 117


1- (1) تنبیه الخواطر / 62 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 182 ح 16 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 180 ح 9 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 180 ح 10 .
4- (4) الحاشیة علی المکاسب 1 / 243 .

ویسبب علی یدیه ما یسرّک فینا وفی موالینا ، الحدیث(1) .

إطلاق العمل یشمل المقام لو لم نقل بأنّه ظاهر فیه . ولکن السند مرسل ، لأنّ ابن إدریس لم یذکر سنده إلی کتاب المسائل .

المقام الثالث : حکم إعانة الظالم علی الأفعال المباحة

هل یجوز إعانة الظالم علی الفعل المباح أم یحرم ؟ یظهر من بعض الروایات حرمتها :

منها : خبر عذافر قال : قال لی أبو عبد اللّه علیه السلام : یا عذافر نُبئتُ أنّک تعامل أبا یوب والربیع ، فما حالک إذا نُودی بک فی أعوان الظلمة ؟ قال : فوجم أبی ، فقال له أبو عبد اللّه لما رأی ما أصابه : أی عذافر إنّی إنّما خوّفتُک بما خوّفنی اللّه عزّ وجلّ به . قال محمد ابنه : فقدم أبی فما زال مغموماً مکروباً حتّی مات(2) .

والروایة ضعیفة سنداً بسهل وعذافر ، وأمّا دلالتها أیضاً فیمکن المناقشة فیها بأنّه یعامل معهم دائماً کما یدلّ علیه فعل المضارع ، فیدخل فی أدلة المقام الثانی ، أی کون الرجل من المنسوبین إلیهم وفی جملتهم .

ومنها : حسنة ابن أبی یعفور قال : کنتُ عند أبی عبد اللّه علیه السلام إذ دخل علیه رجل من أصحابنا فقال له : جعلت فداک إنّه ربّما أصاب الرجل منّا الضیق أو الشدّة فیدعی إلی البناء یبنیه أو النهر یکریه أو المسناة یصلحها فما تقول فی ذلک ؟

فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : فما اُحبُّ أنّی عقدتُ لهم عقدة أو وکیتُ لهم وکاءً ، وإن لی ما بین لابتیها ، لا ولا مَدّة بقلم ، إنّ أعوان الظلمة یوم القیامة فی سرادق من نار حتّی یحکم اللّه بین العباد(3) .

رجال السند کلّهم ثقات إلاّ بشیر وهو بشیر بن عاصم البجلی الکوفی(4) ، ولا یبعد

ص: 118


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 190 ح 9 . الباب 45 من أبواب ما یکتسب به .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 178 ح 3 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 179 ح 6 .
4- (4) جامع الرواة 1 / 124 .

حسنه(1) ، فالسند حسنٌ به .

المسناة : السَّد وما یبنی علی وجه السیل . الوکاء : ما یسُدّ به رأس القُربة . والواو فی « وإن لی ما بین لابتیها » أی وإن کان لی ما بین لابتی المدینة . واللابتان تثنیة اللابة ، وهی أرض ذات أحجار سود ، وکأن المراد بهما الجبلان فی ناحیتی المدینة . والسرادق : الخیمة ، کما ذکره شیخنا الأستاذ _ مدظله _(2) .

وأمّا دلالتها علی الحرمة أیضاً فغیر واضحة لظهور « ما اُحبُّ أنّی » فی الکراهة . والحکم بأنّ أعوانهم فی سرادق من نار یدلّ علی حرمة المقام الأوّل ونهایة المقام الثانی .

قال المحقق الخوئی : « فقوله علیه السلام « ما اُحبُّ أنّی عقدت لهم عقدة الخ » لو لم یکن ظاهراً فی الکراهة فلا ظهور له فی الحرمة ، فتکون الروایة مجملة»(3) .

ومنها : صحیحة یونس بن یعقوب قال : قال لی أبو عبد اللّه علیه السلام : لا تعنهم علی بناء مسجد(4) .

سندها صحیح ، ودلالتها علی الحرمة أیضاً واضحة .

ومنها : صحیحة سلیمان الجعفری قال : قلت لأبی الحسن الرضا علیه السلام : ما تقول فی أعمال السلطان ؟ فقال : یا سلیمان الدخول فی أعمالهم والعون لهم والسعی فی حوائجهم عدیل الکفر ، والنظر إلیهم علی العمد من الکبائر التی یُستحق بها النار(5) .

دلالتها تامة ، وسندها صحیح ، لأنّ العیاشی أدرک الجعفری فنقل الروایة عنه بلا واسطة .

ومنها : موثقة صفوان بن مهران الجمال قال : دخلت علی أبی الحسن الأوّل علیه السلام فقال لی : یا صفوان کلّ شیءٍ منک حسن جمیل ما خلا شیئاً واحداً ، قلت : جعلت فداک أیّ شیءٍ ؟

ص: 119


1- (1) نتائج التنقیح / 21 الرقم 1252 .
2- (2) إرشاد الطالب 1 / 252 .
3- (3) مصباح الفقاهة 1 / 438 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 180 ح 8 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 191 ح 12 . الباب 45 من أبواب ما یکتسب به .

قال : إکراؤک جمالک من هذا الرجل _ یعنی هارون _ قلت : واللّه ما أکریته أشراً ولا بطراً ولا للصید ولا للهو ، ولکنّی أکریته لهذا الطریق _ یعنی طریق مکة _ ولا أتولاّه بنفسی ولکنّی أبعث معه غلمانی .

فقال لی : یا صفوان أیقع کراؤک علیهم ؟ قلت : نعم ، جعلت فداک ، قال : فقال لی : أتحبّ بقاءهم حتّی یخرج کراؤک ؟ قلت : نعم ، قال : من أحبّ بقاءهم فهو منهم ، ومن کان منهم کان ورد النار .

قال صفوان : فذهبت فبعت جمالی عن آخرها ، فبلغ ذلک إلی هارون ، فدعانی فقال لی : یا صفوان بلغنی أنّک بعتَ جمالک ، قلت : نعم ، قال : ولم ؟ قلت : أنا شیخ کبیر وإنّ الغلمان لا یفون بالأعمال ! فقال : هیهات هیهات إنّی لأعلم من أشار علیک بهذا ، أشار علیک بهذا موسی بن جعفر علیه السلام ، قلت : ما لی ولموسی بن جعفر ؟ فقال : دع هذا عنک ، فو اللّه لو لا حسن صحبتک لقتلتک(1) .

سند الروایة صحیح ، لأنّ الکشی من الثقات وحَمْدُوَیه بن نصیر ثقة ، والمراد بمحمد بن إسماعیل الرازی هو البرمکی الثقة ، والشاهد علی ذلک روایة الکلینی فی الکافی(2) عن محمد بن جعفر الأسدی عن محمد بن إسماعیل البرمکی الرازی ، وذهب إلی اتحادهما المحقق الخوئی(3) قدس سره ، وابن فضال موثق ، وصفوان بن مهران الجمال أیضاً من الثقات ، فالسند موثق ، ولذا نفی البعد عن کونها موثقة فی الإرشاد(4) .

ودلالتها علی الحرمة واضحة .

وبالجملة ، دلالة بعض هذه الروایات - مع اعتبار سند بعضها - علی الحرمة معلومة ، ولذا قال صاحب الحدائق : « وهی (أی الأخبار) صریحة فی تحریم معونة الظالمین بالاُمور

ص: 120


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 182 ح 17 .
2- (2) الکافی 1 / 78 ح 3 .
3- (3) معجم رجال الحدیث 15 / 108 .
4- (4) إرشاد الطالب 1 / 252 .

المحلَّلة علی أبلغ وجه وآکده ... »(1) .

ولکن العمدة فی المقام إعراض المشهور عن هذه الروایات ، لأنّ أکثرهم قیّدوا الحکم بالحرمة فی معونتهم بالحرام کما فی الشرائع(2) والنافع(3) والإرشاد(4) وشرحه(5) والکفایة(6) ، أو قیّدوا الحکم بالظلم کما فی السرائر(7) والتذکرة(8) والتحریر(9) والدروس(10) واللمعة(11) ، بل صرّح بعضهم بجواز معونتهم فی غیر الظلم من المباحات منهم أصحاب جامع المقاصد(12) والمسالک(13) والروضة(14) ومجمع الفائدة(15) والکفایة(16) .

وقال سید الریاض : « وإن کان ظاهر الأصحاب بغیر خلاف یُعرف اختصاص التحریم بالإعانة فی المحرَّم»(17) .

ص: 121


1- (1) الحدائق 18 / 121 .
2- (2) الشرائع 2 / 4 .
3- (3) المختصر النافع / 117 .
4- (4) إرشاد الأذهان 1 / 357 .
5- (5) مجمع الفائدة 8 / 63 .
6- (6) کفایة الأحکام 1 / 435 .
7- (7) السرائر 2 / 222 .
8- (8) تذکرة الفقهاء 12 / 143 .
9- (9) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 260 .
10- (10) الدروس 3 / 163 .
11- (11) اللمعة الدمشقیة / 108 .
12- (12) جامع المقاصد 4 / 26 .
13- (13) مسالک الأفهام 3 / 127 .
14- (14) الروضة البهیة 3 / 213 .
15- (15) مجمع الفائدة 8 / 63 .
16- (16) الکفایة 1 / 435 .
17- (17) ریاض المسائل 8 / 177 .

وقال بحر العلوم فی المصابیح « إنّه مشهور»(1) .

ومنهم : الفاضل النراقی(2) والشیخ جعفر(3) وتلمیذاه صاحبا المفتاح(4) والجواهر(5) والشیخ الأعظم(6) وصاحب برهان الفقه(7) .

فهذا الإعراض وقیام السیرة القطعیة علی خلاف ذلک یدلّنا علی حمل الروایات إمّا علی الکراهة أو علی المقام الثانی الذی قد مرّ منّا .

ثمّ إنّ هاهنا تنبیهات :

الأوّل : هل الظالم یختص بمن ادعی الإمامة من العامة

الأوّل : هل الظالم یختص بمن ادعی الإمامة من العامة وانحرف عن مذهب الحقّ ، أو أنّه یشمل سلاطین الشیعة ورؤساءهم أیضاً ؟

الظاهر أنّ عنوان الظالم مطلق یشمل جمیعهم بلا فرق بین مدعی الإمامة وغیره ، وإن کان الأوّل أظلم ، وأنّ المدعین فی عصر صدور الأخبار ظلمة ولکن لا یوجب الإنحصار .

فما ورد فی بعض العبارات(8) من تخصیص کراهة معونتهم فی المباحات بأنّهم من العامة ولا یشمل سلاطین الشیعة ، غیر تام .

الثانی : هل الظالم هنا ینحصر بالظالم للغیر

الثانی : هل الظالم هنا ینحصر بالظالم للغیر من أرباب الحکم والقدرة والسلطة أو یشمل العاصین الذین یظلمون أنفسهم ؟ الظاهر - بقرینة الحکم والموضوع والصدق العرفی -

ص: 122


1- (1) کما نقل عنه حفیده السید علی آل بحر العلوم فی برهان الفقه . کتاب التجارة / 41 الطبع الحجری .
2- (2) مستند الشیعة 14 / 156 .
3- (3) شرح القواعد 1 / 215 .
4- (4) مفتاح الکرامة 12 / 202 و 203 .
5- (5) الجواهر 22 / 53 .
6- (6) المکاسب 2 / 59 .
7- (7) برهان الفقه . کتاب التجارة / 42 الطبع الحجری .
8- (8) نحو ریاض المسائل 8 / 179 و شرح القواعد 1 / 216 ومفتاح الکرامة 12 / 203 والجواهر 22 / 54 والمکاسب المحرمة 2 / 103 للسید الخمینی قدس سرهم .

أنّه یختص بالظالم للغیر من السلاطین ونحوهم ولا یشمل العاصین والآثمین . مضافاً إلی ظهور بعض الروایات ونص بعضها الاُخری بالإختصاص ، فما یظهر من سید الریاض من شمول الحکم « حتّی للظالم لنفسه بعصیانه مع حرمانه عن الرئاسة وخذلانه»(1) وتبعه الفاضل النراقی(2) غیر تام عندنا .

الثالث : هل تجوز المعاملة معهم ؟

تجوز المعاملة معهم بنحو البیع والشراء ، وقیام السیرة القطعیة المتصلة إلی زمن المعصومین علیهم السلام علی المعاملة معهم ، ولو لم یکن ذلک لم یقم للمسلمین سوق .

الرابع : یجوز معونتهم للإضطرار .

معونتهم المحرَّمة ترتفع حرمتها لأجل الإضطرار والتقیة ، لإطلاق أدلتهما . وقد اعترف بالجواز بعض الأصحاب فی صورتی الضرورة والتقیة ، نحو صاحبی المفتاح(3) والجواهر ، والأخیر ذهب إلی کراهة معونتهم فی المباحات ثمّ قال : « وإن کان هو لا یخلو من کراهة ، ما لم تدع الضرورة من تقیة ونحوها إلیه ... »(4) .

الخامس : إنّ معونتهم من الکبائر .

تدلّ علی کون معونتهم من الکبائر - مضافاً إلی الآیة الناهیة عن الرکون إلیهم - معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام حیث عدّ فیها من الکبائر : معونة الظالمین(5) .

وخبر الأعمش عن الصادق علیه السلام عدّ من الکبائر فیه : وترک معاونة المظلومین والرکون إلی الظالمین ، الحدیث(6) .

ص: 123


1- (1) ریاض المسائل 8 / 179 .
2- (2) مستند الشیعة 14 / 156 .
3- (3) مفتاح الکرامة 12 / 203 .
4- (4) الجواهر 22 / 54 .
5- (5) وسائل الشیعة 15 / 329 ح 33 .
6- (6) وسائل الشیعة 15 / 331 ح 36 .

وصحیحة سلیمان الجعفری عن الرضا علیه السلام (1) وحسنة ابن أبی یعفور(2) وخبر مناهی النبی صلی الله علیه و آله وسلم (3) وخبر آخر خطبة خطبها النبی صلی الله علیه و آله وسلم بالمدینة(4) ومرسلتی ابن أبی فراس(5) الماضیة کلّها تدلّ بوضوح علی کون معونتهم من الکبائر ، ولذا صرّح بکونها من الکبائر الشیخ الأعظم(6) . وعمّنا الأکرم آیة اللّه الشیخ محمد علی النجفی المعروف بثقة الإسلام المتوفی عام 1318 فی رسالته الخاصة بالمعاصی الکبیرة(7) .

إلی هنا تمّ بحث معونة الظالمین ، والحمد للّه الذی یقطع دابرهم وهو قاصمهم ومبیرهم ومهلکهم بظهور حجته عجّل اللّه تعالی فرجه الشریف .

ص: 124


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 191 ح 12 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 179 ح 6 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 180 ح 10 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 181 ح 14 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 182 ح 15 و 16 .
6- (6) المکاسب 2 / 53 .
7- (7) معاصی کبیرة / 37 .

النَّجَْش

اشارة

بالنون المفتوحة والجیم الساکنة کما فی جامع المقاصد(1) ، أو بفتحتین ویُسَکّن کما فی شرح القواعد(2) أی بالنون المفتوحة والجیم الساکنة أو المفتوحة کما فی المکاسب المحرمة(3) ، ولابدّ من تعریفه أوّلاً ثمّ بیان حکمه :

المقام الأوّل : تعریفه

قال الزمخشری : « نهی عن النجش ، وروی « لا تناجشوا » وهو أن تستام السِلعة بأزید من ثمنها لیراک الآخر فیقع فیها ، وکذلک فی النکاح وغیره ... »(4) .

وقال الفیومی : « نجش الرجل نجشاً من باب قتل : إذا زاد فی سلعةٍ أکثر من ثمنها ولیس قصده أن یشتریها ، بل لِیَغُرَّ غیره فیوقعه فیه ، وکذلک فی النکاح وغیره والإسم النَجَش ... »(5) .

وقال الفیروزآبادی : « النجش : أن تُواطِیءَ رجلاً إذا أراد بیعاً أن تمدحه ، أو أن یرید الإنسان أن یبیع بِیاعه فتساومه فیها بثمن کثیر لینظر إلیک ناظر فیقع فیها ... »(6) .

وقال الجوهری : « النجش : أن تزاید فی المبیع لیقع غیرک ولیس من حاجتک»(7) .

ص: 125


1- (1) جامع المقاصد 4 / 39 .
2- (2) شرح القواعد 1 / 306 .
3- (3) المکاسب المحرمة 2 / 61 للشیخ الأنصاری .
4- (4) أساس البلاغة / 447 .
5- (5) المصباح المنیر / 594 .
6- (6) القاموس . مادة نجش من الطبع الحجری (2 / 289) .
7- (7) الصحاح 3 / 1021 .

وقال الطریحی : « فی الحدیث أنّه صلی الله علیه و آله وسلم نهی عن النجش ، النَجَش بفتحتین هو : أن یمدح السلعة فی البیع لینفقها ویروّجها أو یزید فی ثمنها وهو لا یرید شراءها لیقع غیره فیها ، یقال : نجش الرجل نجشاً من باب قتل ، والإسم النجش ، والفاعل ناجشٌ ونجّاش مبالغة ... »(1) .

وفی المنجد : « نَجَشَ فی البیع : واطأ رجلاً یرید بیعاً أن یَمَدحه . وقیل : النجش : أن یرید رجل بیع بیاعة فیساومه الآخر فیها بثمن کثیر ینظر إلیه الناظر فیقع فیها ، أو أن ینفر الناسَ عن الشیء إلی غیره ... »(2) .

هذه کلمات اللغویین وأمّا الفقهاء فقد قالوا فی تعریفه :

قال الشیخ الطوسی : « النجش حرام ، وهو أن یزید رجل فی ثمن سلعة زیادة لا تسوی بها وهو لا یرید شراءها وإنّما یزید لیقتدی به المستام ، فهذا هو النجش ... »(3) .

وقال ابن إدریس الحلی : « ونهی عن النجش _ بالنون والجیم والشین المعجمة _ وحقیقته الاستثارة ، وهی أن یزید رجل فی ثمن سلعة ، زیادة لا تساوی بها وهو لایرید شراءها وإنّما یرید لیقتدی به المستام ، فهذا هو النجش الحرام»(4) .

وقال ابن زهرة الحلبی : « ونهی عن النجش فی البیع ، وهو أن یزید فی الثمن من لا رغبة له فی الشراء لیخدع المشتری ... »(5) .

وورد نظیر هذا التعریف فی جامع الخلاف والوفاق(6) .

وقال المحقق : « ... النجش وهو أن یزید لزیادة مَنْ واطأهُ البائعُ »(7) .

ص: 126


1- (1) مجمع البحرین / 343 .
2- (2) المنجد / 857 .
3- (3) المبسوط 2 / 159 .
4- (4) السرائر 2 / 240 .
5- (5) غنیة النزوع / 216 .
6- (6) جامع الخلاف والوفاق / 254 .
7- (7) الشرائع 2 / 15 .

وقال فی النافع : « ... والزیادة فی السلعة مواطأة للبائع وهو النجش»(1) .

وقال یحیی بن سعید الحلی : « یحرم النجش ، وهو أن یزید فی الثمن لیغرّ غیره ولا خیار للمشتری فیه»(2) .

وعدّ العلامة تبعاً لأستاذه وخاله المحقق فی مکروهات البیع النجش وقال : « النجش : وهو الزیادة لمن واطأه البائع»(3) .

ونحوها من التعریف فی القواعد(4) والمختلف(5) ، ولکن ذهب فیهما إلی حرمته .

وقال فی التذکرة : « ومعناه أن یزید الرجل فی ثمن سلعة لا یرید شراءها لیقتدی به المشترون بمواطأة البائع»(6) .

وقال فی التحریر : « هو الزیادة لا للشراء بل لیغرّ المشتری فیزید»(7) .

وقال فی النهایة : « وصورته : أن یزید فی ثمن السلعة المعروضة للبیع وهو غیر راغب فیها لیخدع الناس ویرغّبهم فیها»(8) .

وقال ابن فهد الحلی فی تعریفه : « ومعناه أن یزید الإنسان فی سلعة البائع ولا یرید شراءها ، قصداً لتغریر الغیر ببذل الزیادة ، وتسمیه العامة التحریص»(9) .

وقال الشهید : « النجش وهو رفع السعر ممّن لا یرید الشراء للحضّ علیه»(10) .

وقال المحقق الثانی بعد تعریف العلامة فی القواعد : « بل التعریف الصحیح : أنّه الزیادة

ص: 127


1- (1) المختصر النافع / 120 .
2- (2) الجامع للشرائع / 257 .
3- (3) ارشاد الأذهان 1 / 359 .
4- (4) قواعد الأحکام 2 / 10 .
5- (5) مختلف الشیعة 5 / 44 .
6- (6) تذکرة الفقهاء 12 / 157 .
7- (7) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 252 .
8- (8) نهایة الإحکام 2 / 520 .
9- (9) المهذب البارع 2 / 366 .
10- (10) الدروس 3 / 178 .

فی السلعة ممّن لا یرید شراءها بمواطأة البائع له علی ذلک لإیقاع غیره»(1) .

وقال الشهید الثانی : بعد نقد تعریف المحقق فی الشرائع : « فالأجود فی تعریفه أنّه الزیادة فی السلعة ممّن لا یرید شراءها لیحضّ غیره علیه وإن لم یکن بمواطأة البائع»(2) .

وزاد علی هذا التعریف فی تعالیقه علی قواعد العلامة : « وکلام أهل اللغة موافق لما ذکرناه ، قال الهروی : أصل النجش مدح الشیء وإطراؤه . قال : ومعناه لا یمدح أحدکم السِلْعَة ویزید فی ثمنها وهو لا یرید شراءها لیسمعه غیره فیزید»(3)(4) .

وقال المحقق الأردبیلی بعد نقل کلام الجوهری فی الصحاح : « والمراد أنّه یکره أن یزید شخص علی ثمن بذل المبیع لیرغب الناس فی بیع ذلک المبیع من غیر قصد للشراء»(5) .

أقول : بعد نقل تعاریف الفقهاء أعلی اللّه کلماتهم فی ألف سنة یظهر لک تعریف النجش ، ولعلّ أحسن التعاریف تعریفی الشهیدین قدس سرهما .

ومنه یظهر أنّ للنجش ثلاث إطلاقات :

الأوّل : مدح سلعة الغیر لتحریض المشتری علی شرائه بالزیادة ، ویُعبِّر عنه فی زماننا هذا بالإعلانات التجاریة . کما مرّ هذا التعریف من الفیروز آبادی والطریحی والهروی وصاحب المنجد من اللغویین .

الثانی : الزیادة فی ثمن السلعة لمن لا یرید شراءها لیخدع المشتری ویرغبه فیها ، سواء کانت بمواطأة البائع أم عدمها ، والفقهاء یطلق علی هذا القسم عنوان النجش غالباً .

الثالث : ما مرّ من صاحب المنجد أنّ نفور الناس من الشیء إلی غیره أیضاً یطلق علیه النجش .

وستأتی آنفاً أحکام الصور الثلاث مع زیادة إن شاء اللّه تعالی ، فانتظر .

ص: 128


1- (1) جامع المقاصد 4 / 39 .
2- (2) مسالک الأفهام 3 / 190 .
3- (3) غریب الحدیث 2 / 10 و 3 / 36 .
4- (4) فوائد القواعد / 521 .
5- (5) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 137 .

المقام الثانی : حکمه

اشارة

یقع الکلام فی هذا المقام فی الحکمین التکلیفی والوضعی :

أمّا الحکم التکلیفی

لا أشکال فی حرمته التکلیفیة ، لأنّه خیانة وخدعة وتلبیس وتدلیس وظلم وإضرار ، والعقل حاکم بقبحه . وقد ورد إدعاء الإجماع علی حرمته فی بعض العبائر نحو منتهی المطلب(1) وجامع المقاصد(2) ، وقال ابن فهد الحلی : « ولا أعلم فی تحریمه خلافاً بین الأصحاب»(3) . ومال إلی قبول الإجماع فی الریاض وقال : « وهو الحجة»(4) .

ولکن الصحیح أنّ الأکثر یقولون بحرمته کما فی المستند(5) ، وأمّا المحقق فی الشرائع(6) والنافع(7) والعلامة فی الإرشاد(8) ، والفاضل الآبی فی کشف الرموز(9) نقل عن شیخه المحقق القول بالکراهة ، والفاضل المقداد فی التنقیح(10) یذهبون إلی کراهته ، وقال الشهید فی الدروس : « وکرهه قوم والأقرب التحریم»(11) . فالإجماع غیر ثابت .

وقد ورد فی حرمته روایة عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول

ص: 129


1- (1) منتهی المطلب 2 / 1004 من الطبع الحجری .
2- (2) جامع المقاصد 4 / 39 .
3- (3) المهذب البارع 2 / 366 .
4- (4) ریاض المسائل 8 / 282 .
5- (5) مستند الشیعة 14 / 43 .
6- (6) الشرائع 2 / 15 .
7- (7) المختصر النافع / 120 .
8- (8) إرشاد الأذهان 1 / 359 .
9- (9) کشف الرموز 1 / 455 .
10- (10) التنقیح الرائع 2 / 40 .
11- (11) الدروس 3 / 178 .

اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : الواشمة والمتوشمة ، والناجش والمنجوش ملعونون علی لسان محمد صلی الله علیه و آله وسلم (1) .

وَشَمَ الیدَ : غرزها بالإبرة ثمّ ذرّ علیها النیلج فصار فیها رسوم وخطوط ، ویقال له بالفارسیة : « خالکوبی » .

وفی خبر أبی عبید القاسم بن سلام بأسانید متصلة إلی النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : لا تناجشوا ولا تدابروا . معناه أن یزید الرجل فی ثمن السلعة وهو لا یرید شراءها ولکن لیسمعه غیره فیزید لزیادته . والناجش : الخائن . وأمّا التدابر فالمصارعة والهجران مأخوذ من أن یولّی الرجل صاحبه دبره ویعرض عنه بوجهه(2) .

الظاهر أن التفسیر من الصدوق أو مِنْ أحد الرواة .

وقال الشیخ الطوسی : رُوی عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه نهی عن النجش(3) .

وقال أیضاً : روی عنه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : لا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ، وکونوا عباد اللّه إخواناً(4) .

وروی العلامة الأخیر فی التذکرة(5) مرسلاً .

وقد ورد فی مرسلة القاضی نعمان المصری أنّه صلی الله علیه و آله وسلم نهی عن النجش(6) .

ونحوها مرسلة ابن أبی جمهور الأحسائی(7) .

دلالة هذه الروایات علی حرمة النجش واضحة ، وإنّما الاشکال فی سندها ، وبعد ذهاب المشهور إلی الحرمة ینجبر ضعف أسنادها ، کما قال صاحب الحدائق : « المشهور فی کلام الأصحاب : تحریمه»(8) . وقد مرّ نقل القول بعدم الخلاف فی تحریمه بین الأصحاب عن

ص: 130


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 458 ح 2 .
2- (2) معانی الأخبار / 284 . ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 459 ح 4 .
3- (3) المبسوط 2 / 159 .
4- (4) المبسوط 2 / 159 .
5- (5) تذکرة الفقهاء 12 / 157 .
6- (6) دعائم الإسلام 2 / 30 ح 62 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 286 ح 2 .
7- (7) عوالی اللآلی 1 / 147 ح 87 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 286 ذیل ح 4 .
8- (8) الحدائق 18 / 46 .

ابن فهد(1) والإجماع علیه عن العلامة(2) والمحقق الثانی(3) وسید الریاض(4) .

فالشهرة تجبر ضعف أسناد الروایات ، ویمکن الإستناد إلیها فی الحرمة .

فإذا کان النجش حراماً ، فأخذ الأجرة فی قباله من المنجوش أیضاً یصیر حراماً .

وأمّا الحکم الوضعی

(5)

أعنی حکم المعاملة التی وقع فیها النجش وحکم أخذ الزیادة التی یأخذه البائع ، فهاهنا أقوال :

الأوّل : البیع یکون صحیح ولا خیار للمشتری ، وهو مختار الشیخ الطوسی فی المبسوط(6) ، وقواه فی الخلاف(7) ، ونقل فیه أنّه قول ابن أبی هریرة ، وظاهر قول الشافعی وبعض أصحابه من العامة ، ونسبه العلامة فی التذکرة(8) إلی الشافعی ، وهو مختار یحیی بن سعید الحلی من أصحابنا(9) .

الثانی : یصح البیع وللمشتری الخیار مطلقاً ، وهو مختار الشیخ فی الخلاف(10) ، ونسبه العلامة فی المختلف(11) إلی القاضی ابن البراج ، ونسبه الشیخ فی الخلاف(12) إلی أبی إسحاق

ص: 131


1- (1) المهذب البارع 2 / 366 .
2- (2) منتهی المطلب 2 / 1004 طبع الحجری .
3- (3) جامع المقاصد 4 / 39 .
4- (4) ریاض المسائل 8 / 282 .
5- (5) لم یتعرض الشیخ الأعظم قدس سره لهذا الحکم الوضعی فی الموردین اللذین تعرّض فیهما البحث عن النجش لا فی المکاسب المحرمة 2 / 61 ولا فی أواخر البیع 4 / 355 .
6- (6) المبسوط 2 / 159 .
7- (7) الخلاف 3 / 172 مسألة 280 .
8- (8) تذکرة الفقهاء 12 / 158 .
9- (9) الجامع للشرائع / 257 .
10- (10) الخلاف 3 / 171 مسألة 280 .
11- (11) مختلف الشیعة 5 / 45 .
12- (12) الخلاف 3 / 171 .

المروزی من أصحاب الشافعی .

الثالث : یصح البیع وللمشتری الخیار مع الغبن ، ذهب إلیه المحقق فی الشرائع(1) والنافع(2) والعلامة فی المنتهی(3) والتذکرة(4) والمختلف(5) والقواعد(6) والتحریر(7) والنهایة(8) والمحقق الثانی فی جامع المقاصد(9) والشهید الثانی فی المسالک(10) والمقدس الأردبیلی فی مجمع الفائدة(11) وسید الریاض(12) والشیخ جعفر(13) والفاضل النراقی(14) وصاحب الجواهر(15) .

الرابع : بطلان البیع إذا کان النجش من البائع ، نسبه العلامة فی المختلف(16) إلی أبی علی ابن الجنید الإسکافی وفی التذکرة(17) إلی مالک من العامة .

أقول : المختار هو القول الثالث ، أی صحة البیع وثبوت الخیار للمشتری مع الغبن

ص: 132


1- (1) الشرائع 2 / 15 .
2- (2) المختصر النافع / 120 .
3- (3) منتهی المطلب 2 / 1004 الطبع الحجری .
4- (4) تذکرة الفقهاء 12 / 158 .
5- (5) مختلف الشیعة 5 / 45 .
6- (6) قواعد الأحکام 2 / 11 .
7- (7) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 252 .
8- (8) نهایة الإحکام 2 / 520 .
9- (9) جامع المقاصد 4 / 39 .
10- (10) المسالک 3 / 191 .
11- (11) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 137 .
12- (12) ریاض المسائل 8 / 282 .
13- (13) شرح القواعد 1 / 309 .
14- (14) مستند الشیعة 14 / 44 .
15- (15) الجواهر 22 / 477 .
16- (16) مختلف الشیعة 5 / 44 .
17- (17) تذکرة الفقهاء 12 / 158 .

فقط ، لأنّ البیع وقع صحیحاً وتشمله العمومات الواردة فی صحة البیع ، والنجش وإن ذهبنا إلی حرمته التکلیفیة ولکن لا تسری الحرمة إلی البیع . نعم لو کان المشتری مغبوناً فله خیار الغبن لعموم أدلته .

ولو لم یکن للمشتری غبن فلیس له خیار أصلاً . ولا فرق فیما ذکرنا أنّ یکون النجش بمواطأة البائع وعلمه أم لا . هذا ما تقتضیه قواعد الفقاهة .

ثم إنّ هاهنا فروعاً :

الأوّل : حکم النجش فی غیر البیع من المعاملات .

ممّا ذکرنا ظهر حکمه فی غیر البیع من المعاوضات من الإجارة والمصالحة والهبة والمضاربة والمزارعة والمساقاة ونحوها ، فی الجمیع یکون النجش حراماً تکلیفاً ویوجب الخیار للمشتری إن بلغ إلی حد الغبن فقط .

وذهب إلی التعدی من البیع إلی غیره من المعاملات والمعاوضات الشیخ جعفر(1) والفاضل النراقی(2) والسید العاملی(3) قدس سرهم .

الثانی : قال العلامة فی التذکرة : « ولو قال البائع : أعطیتُ فی هذه السلعة کذا وکذا ، فصدّقه المشتری فاشتراها بذلک ، ثمّ ظهر له کذبه ، فإن البیع صحیح ، والخیار علی هذین الوجهین . والأقرب عندی انتفاء الخیار هنا ، لأنّ التفریط من المشتری»(4) .

أقول : أمّا الوجهان المذکوران فی کلامه قدس سره ثبوت الخیار لأنّه تدلیس من جهة البائع ونفی الخیار لأنّ المشتری أفرط حیث اشتری ما لا یعرف قیمته .

فقد ذهب المحقق الثانی فی هذا الفرع إلی ثبوت الخیار للمشتری مع الغبن وقال : « ولا یأثم البائع إلاّ أن یکون کاذباً»(5) .

ص: 133


1- (1) شرح القواعد 1 / 308 .
2- (2) مستند الشیعة 14 / 44 .
3- (3) مفتاح الکرامة 12 / 351 .
4- (4) تذکرة الفقهاء 12 / 158 .
5- (5) جامع المقاصد 4 / 39 .

وقال الشهید الثانی فیه : « فإنّه یتخیر لو ظهر الغبن وإن کان البائع صادقاً ، ولو کان کاذباً فکالنجش فی التحریم ویزید عنه بالکذب»(1) .

والصحیح عندنا ثبوت الخیار للمشتری حینئذ مع الغبن وفاقاً للثانیین وخلافاً للعلامة ، لأنّ الغبن إذا ثبت یجیء خیاره بلا إشکال . ولذا قال صاحب الجواهر : « ولعلّ فی حکم النجش قول البائع کذباً « أعطیتُ فی هذه السلعة کذا » وصدّقه المشتری فی الحرمة والخیار مع الغبن ، ولو کان صادقاً فله الخیار خاصة معه ولا أثم»(2) .

الثالث : لو استعمل الناجش النجش لتقلیل الثمن وترک الزیادة لیشتریها بالثمن القلیل بلا فرق بین أن یکون بمواطأة المشتری وعدمه ، فهل یجری علیه أحکام النجش أم لا ؟

قال المحقق الثانی : « وهل المواطأة علی ترک الزیادة فی السلعة لیشتریها بالثمن القلیل مثلها ؟ لا أعلم فیه شیئاً ، والأصل العدم ، نعم یثبت الخیار لو ظهر غبن»(3) .

وتبعه ثانی الشهیدین وقال : « ولا یلحق به ترک الزیادة فی السلعة لیشتریها بالثمن القلیل للأصل»(4) .

وتبعهما صاحب الجواهر وقال : « ولا یلحق بالنجش ترک الزیادة فی السلعة لیشتریها بالثمن القلیل وإن کان هو محرّماً فی بعض الأحوال المشتملة علی المواطأة مع المشتری لإرادة خدعة البائع وإضراره وإغرائه بالجهل ونحو ذلک»(5) .

أقول : الظاهر أنّ الفرع یلحق بالنجش فی الحرمة التکلیفیة وثبوت الخیار مع الغبن للبائع ، لاشتراکه مع النجش فی الدلیل ولو لم یصدق علیه النجش فی مصطلح الفقهاء . خلافاً للأعلام الثلاثة ووفاقاً لجدنا الشیخ جعفر حیث یقول فی شرح القواعد : « ومثله فی الحکم أن یواطئه المشتری فی دفع الناقص لیرغب البائع فی بیعه بأقل ثمن»(6) . وتبعه تلمیذه فی

ص: 134


1- (1) مسالک الأفهام 3 / 191 .
2- (2) الجواهر 22 / 477 .
3- (3) جامع المقاصد 4 / 39 .
4- (4) مسالک الأفهام 3 / 191 .
5- (5) الجواهر 22 / 477 .
6- (6) شرح القواعد 1 / 308 .

المفتاح(1) .

الرابع : لو أعطی أحد المشترین مبلغاً من المال لرفع یدهم عن الشراء وبعد ذهابهم إشتری هو بثمن بخس دراهم معدودة ، فهل یحرم هذا العمل تکلیفاً أم لا ؟ وهل یوجب بطلان البیع أم لا ؟

قال الشیخ جعفر قدس سره : « ونحوه (أی نحو الفرع السابق) مواطأة المشتری فی دفع الزائد إلیه والذهاب عنه لیمتنع عن بیعه برجاء الزیادة ، حتّی یتفرّق الطالبون ویبقی حیراناً ، فیشتریه بأقلّ ثمن إلی غیر ذلک من أسباب الحیل والخدع والمکر»(2) .

وتبعه تلمیذه صاحب المفتاح(3) .

أقول : نفس أعطاء المال لغیره من المشترین لا بأس به ، ولا یمکن الذهاب فیه إلی الحرمة التکلیفیة ، لعدم وجود دلیل علیه ، فافترق من العلامة الجد قدس سره من هذه الناحیة .

وأمّا الحرمة الوضعیة وبطلان البیع فهو قدس سره ونحن نقول معاً بصحة البیع حتّی لو اشتراه بثمن بخس . نعم ، للبائع خیار الغبن مع حصول التفاوت الفاحش . کما فی غیره من موارد الغبن ومع عدم الغبن ، صح البیع بلا إشکال ، واللّه العالم .

الخامس : حکم مدح السلعة فی البیع لینفقها ویروّجها (الإعلانات التجاریة) .

قد فُسر النجش بأن یمدح السلعة فی البیع لینفقها ویروّجها لمواطأة بینه وبین البائع کما فی أقرب الموارد(4) أو بدونها کما فی النهایة(5) والمجمع(6) .

ذکر العلامة الجد الشیخ جعفر قدس سره هذا التفسیر ثم أتبعه بقوله : « وتحریم القسم الثانی من المعنی الثانی لا یخلو من بُعد »(7) .

ص: 135


1- (1) مفتاح الکرامة 12 / 351 .
2- (2) شرح القواعد 1 / 308 .
3- (3) مفتاح الکرامة 12 / 351 .
4- (4) أقرب الموارد 2 / 1274 .
5- (5) النهایة 5 / 21 .
6- (6) مجمع البحرین 4 / 154 .
7- (7) شرح القواعد 1 / 307 .

وقال تلمیذه صاحب الجواهر : « وعن آخر تفسیره بأن یمدح السلعة فی البیع لینفقها ویروّجها لمواطأة بینه وبین البائع أو بدونها علی اختلاف فی تعریفهم ، ولعلّ اعتبار المواطأة فیه غیر بعید ، وإن کان حرمة الثانی لا تخلو من قوة ، لکونه خدعاً وإغراءً وإضراراً وخیانة للمسلم»(1) .

أقول : الأستاذ لایذهب هنا إلی حرمة مدح السلعة مع عدم مواطأه البائع ویری أن حرمته لا یخلو من بُعد ، ولکن تلمیذه ذهب إلی قوة حرمة هذا المدح مطلقاً .

وقال الشیخُ الأعظم تبعاً للشیخ جعفر : « وحرمته بالتفسیر الثانی _ خصوصاً لامع المواطأة _ یحتاج إلی دلیل ، وحُکی الکراهة عن بعض»(2) .

وبالجملة ، مدح السلعة فی البیع لینفقها ویروّجها أو قبل البیع سواء کان مع مواطأة البائع أو بدونها _ ومنه یظهر حکم الإعلانات التجاریة فی زماننا هذا _ فإن کان المدح بما لیس فیها من الأوصاف والمختصات کان حراماً من جهة الکذب ، وأمّا إن مدحها بما فیها من الأوصاف والمختصات فلا بأس به .

وإن مدح السلعة ولکن بالغ فی المدح مع قیام القرینة علی إرادة المبالغة فلا بأس به إن کان فی مقام الإنشاء لعدم صدق الکذب حینئذٍ ، وإن کان فی مقام الإخبار فیصدق علیه عنوان الکذب فیصیر حراماً به .

وفی موارد یصیر حراماً للکذب ، فأخذ الأجرة علی هذا المدح والإعلان أیضاً یصیر حراماً وإلاّ فلا .

وأمّا ثبوت هذه الحرمة فی مواردها فلا ینتقل إلی الحرمة الوضعیة ولا یحکم ببطلان المعاملة التی وقعت علی هذا المدح والإعلان والتحریص ، إلاّ فی موارد ثبوت الخیارات المعینة من الغبن والعیب وعدم الوصف ونحوها . هذا تمام الکلام فی النجش واللّه سبحانه هو العالم وله الحمد .

ص: 136


1- (1) الجواهر 22 / 476 .
2- (2) المکاسب المحرمة 2 / 62 .

النمیمة

اشارة

یقع الکلام فیها فی مقامین :

المقام الأوّل : تعریفها

قال الزمخشری : « ن م م : هو نمّام بیّن النمیم والنمیمة ، وهو یمشی بالنمائم ، نم الحدیث یَنُمُّهُ ، نمّ علی الرجُل ، وسمعت نمیمة القانص : هَمْس کلامه ... »(1) .

وقال الفیومی : « نمّ الرجلُ الحدیث نَمّاً ، من بابی قتل وضرب ، سعی به لیُوقِعَ فتنةً أو وحشةً ، فالرجل نمٌّ ، تسمیةً بالمصدر ، ونمّام مبالغةٌ والإسم النمیمة والنمیمُ أیضاً»(2) .

وقال ابن الأثیر : « النمیمة : وهی نقل الحدیث من قوم إلی قوم علی جهة الإفساد والشَّرّ . وقد نَمَّ الحدیث یَنِمُّه ویَنُمُّه نَمّاً فهو نَمَّام ، والإسم النمیمة ، ونمّ الحدیث إذا ظهر ، فهو مُتَعَدٍّ ولازم»(3) .

وقال ابن منظور : « النَّمُّ : التوریش والإغراء ، رفع الحدیث علی وجه الإشاعة والإفساد ، وقیل : تزیین الکلام بالکذب ... ثمّ ذکر فی تعریف النمیمة ما ذکره ابن الأثیر»(4) .

وقال الراغب فی مادة نمّ : « النَّمُّ : إظهار الحدیث بالوشایة ، النمیمة : الوشایة»(5) .

وقال فی مادة وشی : « الواشی یُکنی به عن الّنمام»(6) .

ص: 137


1- (1) أساس البلاغة / 473 .
2- (2) المصباح المنیر / 626 .
3- (3) النهایة 5 / 120 .
4- (4) لسان العرب 12 / 592 .
5- (5) مفردات القرآن / 527 .
6- (6) مفردات القرآن / 561 .

وقال الفیروزآبادی : « النَّم : التَوْریش والإغراء ورفع الحدیث إشاعة له وإفساداً ، وتزیین الکلام بالکذب ... »(1) .

وقال الطریحی : « نمم : قوله تعالی : «مَّشَّاء بِنَمِیمٍ»(2) أی قتات نقّال للحدیث من قوم إلی قوم علی وجه السعایة والإفساد ، یقال : نمّ الحدیث ینمّه من باب ضرب وقتل : سعی به لیوقع فتنةً أو وحشةً ، فالرجل نمٌّ تسمیة بالمصدر ، ونمّام مبالغة والإسم النمیمة والنمیم . ونمّ الحدیث : إذا ظهر ، وهو متعد ولازم ... »(3) .

وفی المنجد : « نمَّ ِ ُ نَمّاً : الحدیث : أظهره بالوشایة ورفعه علی وجه الإشاعة والإفساد . _ الحدیثُ : ظهر _ بین الناس : ورَّش وأغری _ الکلامَ : زیّنهُ بالکذب ... .

الَنمَّام : الذی یتحدَّث مع القوم فینمُّ علیهم فیکشف ما یُکْرَهُ کَشْفُهُ»(4) .

قال الشهید الثانی : « واعلم أنّ النمیمة تُطلق فی الأکثر علی من ینمّ قول الغیر إلی المقول فیه ، کما یقول : « فلان کان یتکلّم فیک بکذا وکذا» ، ولیست مخصوصة به ، بل تطلق علی ما هو أعمّ من القول کما مرّ فی الغیبة . وحدّها بالمعنی الأعم : کشف ما یکره کشفه ، سواء کرهه المنقول عنه أم المنقول إلیه أم کرهه ثالث ، وسواء کان الکشف بالقول أم بالکتابة أم الرمز أم الإیماء ، وسواء کان المنقول من الأعمال أم من الأقوال ، وسواء کان ذلک عیباً ونقصاناً علی المنقول عنه أم لم یکن ، بل حقیقة النمیمة : إفشاء السرّ وهتک السّتر عمّا یکره کشفه ، بل کلّما رآه الإنسان فی أحوال الإنسان فینبغی أن یسکت عنه إلاّ ما کان فی حکایته فائدة لمسلم أو دفع لمعصیة ، کما إذا رأی من یتناول مال غیره فعلیه أن یشهد به مراعاةً لحقِّ المشهود علیه ، فأمّا إذا رآه یخفی مالاً لنفسه فذکره نمیمة وإفشاء للسرّ ، فإن کان ما ینمّ به نقصاناً أو عیباً فی المحکی عنه کان قد جمع بین الغیبة والنمیمة»(5) .

ص: 138


1- (1) قاموس اللغة / الطبع الحجری مادة النُمّ .
2- (2) سورة القلم / 11 .
3- (3) مجمع البحرین / 541 .
4- (4) المنجد / 916 .
5- (5) کشف الریبة / 58 المطبوع ضمن المصنفات الأربعة .

ونقل الفیض الکاشانی هذا التعریف فی کتابه المحجة البیضاء(1) من دون ذکر صاحبه ، وهکذا نقله الشیخ الأعظم فی المکاسب المحرمة(2) بعنوان القیل .

قال الشیخ جعفر : « والنمیمة علیهم (أی علی المؤمنین) فیزداد إثمها بنسبتها إلیهم ، کالکذب علیهم _ أو مطلقها (مطلقاً ن ل) من قولهم : نمَّ الحدیث _ من باب ضرب وقتل : سعی به لإیقاع فتنة أو وحشة»(3) .

وقال تلمیذه السید العاملی : « أمّا النمیمة فهی نقل الحدیث من قوم إلی قوم علی وجه السعایة والإفساد ، یقال : نمّ الحدیث وینمّه من باب ضرب وقتل ، سعی به لیوقع فتنة أو وحشة»(4) .

وقال تلمیذه الآخر صاحب الجواهر : « فالمراد بها (أی بالنمیمة) السعایة بنقل حدیث کلٌّ إلی الآخر أو ما کان بمنزلته لإیقاع فتنة أو وحشة»(5) .

وقال الشیخ الأعظم : « هی نقل قول الغیر إلی المقول فیه ، کأن یقول : تکلّم فلان فیک بکذا وکذا»(6) .

وعلّق المحقق الإیروانی علی کلام الشیخ بقوله : « بشرط أن یکون سوءً مِنْ شتمٍ أو غیبةٍ ، وأمّا لو نقل مدحه فصدق النمیمة علیه ممنوع وإنْ أوجب النفورة والکدورة ، کما أنّ إطلاق حرمة النمیمة لما إذا لم توجب التوحّش والتنفر ممنوع»(7) .

أقول : ظهر مما ذکرناه أنّ المراد بالنمیمة نقل کلام شخص إلی المقول فیه لإیقاع الفتنة والإفساد ، ولا عبرة فی صدقها بکراهة الکشف مطلقاً ، سواء کانت الکراهة من المنقول عنه أم

ص: 139


1- (1) المحجة البیضاء 5 / 277 .
2- (2) المکاسب المحرمة 2 / 64 .
3- (3) شرح القواعد 1 / 234 .
4- (4) مفتاح الکرامة 12 / 221 .
5- (5) الجواهر 22 / 73 .
6- (6) المکاسب 2 / 63 .
7- (7) الحاشیة علی المکاسب 1 / 248 .

المنقول إلیه أم ثالث ، بل المعیار فی صدقها نقل ما یکون وقیعة بینهما .

المقام الثانی : حکمها

اشارة

قال العلامة : « ویحرم سبّ المؤمنین والکذب علیهم والنمیمة ... بلا خلاف فی ذلک کلّه»(1) .

وأفتی بحرمتها فی القواعد(2) والتحریر(3) وظاهر کلامه قدس سره فی کتبه الثلاثة اختصاص التحریم بالنمیمة بین المؤمنین .

وتبعه الأصحاب أعلی اللّه کلمتهم فی الحکم بالتحریم واستدلوا علیه بالأدلة الأربعة :

الاستدلال علیها بالادلة الأربعة
1 _ حکم العقل

العقل مستقلٌ بقبحها ، لأنّها منشأ فساد و إفساد ، بل ربّما یترتب علیها آلاف من المفاسد ومنها : القتل . ولذا العقل یستقل بقبحها وبعد حکم العقل فبقاعدة الملازمة یترتب الحکم الشرعی علی حرمتها .

2 _ الإجماع

الإجماع بقسمیه قائم علی حرمتها کما مرّ نقل عدم الخلاف فی تذکرة العلامة . وقال المحقق الخوئی : « لا خلاف بین المسلمین فی حرمتها ، بل هی من ضروریات الإسلام ، وهی من الکبائر المهلکة ... »(4) .

وأدعی الفقیه السبزواری : « إجماع المسلمین علی حرمتها»(5) .

أقول : الإجماع بین المسلمین قائم علی حرمتها ، ولکنّه إجماع مدرکیٌّ فلا یفید شیئاً فی المقام .

ص: 140


1- (1) تذکرة الفقهاء 12 / 144 .
2- (2) قواعد الأحکام 2 / 8 .
3- (3) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 260 مسألة 3018 .
4- (4) مصباح الفقاهة 1 / 432 .
5- (5) مهذب الأحکام 16 / 168 .
3 _ الکتاب

قد استدلوا علی حرمتها بعدّة من الآیات الشریفة :

منها : قوله تعالی : «وَالْفِتْنَةُ أَکْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ»(1) .

قال الشیخ جعفر : « وهی المعنیّة بقوله تعالی : «وَالْفِتْنَةُ أَکْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ» »(2) .

وتبعه تلمیذه فی الجواهر وقال : « ولعلّها المراد بقوله تعالی : «وَالْفِتْنَةُ أَکْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ» »(3) .

والظاهر من الشیخ الأعظم(4) قبوله ، لأنّه ذکره بعنوان القیل ولم یستشکل علیه .

ولکن قال الشیخ الطوسی : « قوله «وَالْفِتْنَةُ أَکْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ» معناه الفتنة فی الدین - وهی الکفر - أعظم من القتل فی الشهر الحرام»(5) .

وتبعه الطبرسی فی مجمع البیان(6) ، وقال فی جوامع الجامع : « الفتنة : الإخراج أو الشرک»(7) .

وفی تفسیر القمی : « والفتنة _ یعنی الکفر باللّه _ أکبر من القتل»(8) .

وفی نهج البیان : « عن أبی جعفر علیه السلام : الفتنة هیهنا : الشرک»(9) .

فعلی ما ذکرناه من أعلام المفسرین الفتنة فی الآیة الشریفة هی الکفر والشرک فلا تشمل النمیمة . فالاستدلال بها علی حرمتها غیر تام .

ص: 141


1- (1) سورة البقرة / 217 .
2- (2) شرح القواعد 1 / 234 .
3- (3) الجواهر 22 / 73 .
4- (4) المکاسب 2 / 63 .
5- (5) التبیان 2 / 207 .
6- (6) مجمع البیان 2 / 312 .
7- (7) جوامع الجامع 1 / 119 .
8- (8) تفسیر القمی 1 / 71 .
9- (9) نهج البیان 1 / 52 ونقل عنه فی البرهان 1 / 454 ح 2 .

ومنها : قوله تعالی : «وَالَّذِینَ یَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِیثَاقِهِ وَیَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن یُوصَلَ وَیُفْسِدُونَ فِی الأَرْضِ أُوْلَئِکَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ»(1) .

بتقریب : أنّ النمام قاطع لما أمر اللّه به أن یوصل من بسط المحبة فیما بین المؤمنین وتألیف قلوبهم ، ویفسد فی الأرض فساداً کبیراً فتلحق به اللعنة وسوء الدار .

وبعبارة اُخری وأوجز : النمام قاطع أمر اللّه بصلته ، مضافاً إلی إفساده وأنّه مفسدٌ .

وفیه : أن الآیة الشریفة أجنبیة عن النمیمة ، لأنّها بقرینة الآیات الواردة قبلها من قوله تعالی : «الَّذِینَ یُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ یَنقُضُونَ الْمِیثَاقَ» إلی قوله : «فَنِعْمَ عُقْبَی الدَّارِ»(2) وردت فی شأن ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام وأولاده المعصومین علیهم السلام وعبر عنها بعهد اللّه والمیثاق وما أمر اللّه به أن یوصل ، وهی رحم آل محمد علیهم السلام کما ورد ذلک فی خبر محمد بن الفضیل عن أبی الحسن علیه السلام قال : إنّ رحم آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم معلّقة بالعرش تقول : اللهم صِلْ من وَصَلَنی واقْطَع من قطعنی ، وهی تجری فی کلِّ رحم ، ونزلت هذه الآیة فی آل محمد وما عاهدهم علیه وما أخذ علیهم من المیثاق فی الذّر من ولایة أمیر المؤمنین والأئمة علیهم السلام ، وهو قوله : «الَّذِینَ یُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ یَنقُضُونَ الْمِیثَاقَ» الآیة ، ثمّ ذکر أعداءهم فقال: «الَّذِینَ یَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِیثَاقِهِ»یعنی فی أمیر المؤمنین علیه السلام ، وهو الذی أخذ علیهم فی الذّر وأخذ علیهم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بغدیر خم ، ثمّ قال : «أُوْلَئِکَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ» »(3) .

نعم ، یمکن التعدی من رحم آل محمد علیهم السلام إلی کلِّ رحم ، کما ورد فی خبر محمد بن مسلم أو أبی حمزة عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن أبیه علیه السلام قال : قال لی علی بن الحسین علیه السلام : یا بنیّ أنظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم فی طریق ، فقلت : یا أبه مَنْ هم ؟ قال : إیّاک ومصاحبة الکذّاب ... وإیّاک ومصاحبة الفاسق ... وإیّاک ومصاحبة البخیل ... وإیّاک ومصاحبة الأحمق ... إلی أن قال : إیّاک ومصاحبة القاطع لرحمه فإنّه وجدته ملعوناً فی کتاب اللّه عزّ وجلّ فی ثلاث مواضع ، قال اللّه عزّ وجلّ ... وقال : «الَّذِینَ یَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ

ص: 142


1- (1) سورة الرعد / 25 .
2- (2) سورة الرعد / (24 _ 20) .
3- (3) تفسیر القمی 1 / 363 ونقل عنه فی البرهان 3 / 246 ح 7 .

مِیثَاقِهِ وَیَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن یُوصَلَ وَیُفْسِدُونَ فِی الأَرْضِ أُوْلَئِکَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ» ...(1) .

ومن المعلوم أنّ ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام وأولاده ورحمه بل کلّ رحم ، غیر النمیمة التی نبحث عنها . فالآیة الشریفة أجنبیة عنها .

وأما الاستدلال علی حرمتها بقوله تعالی فی آخر الآیة : «وَیُفْسِدُونَ فِی الأَرْضِ» بأنّ النمیمة یوجب الفساد والّنمام مفسد أیضاً ، غیر تام . لأنّ الآیة الشریفة تدلّ علی حرمة الفساد والإفساد ولاتدلّ علی حرمة النمیمة . وغایة ما یمکن أن یقال : أنّ الآیة الشریفة تحرم النمیمة التی توجب قطع الرحم أو الفساد والإفساد ، ولکن حرمة قطع الرحم والفساد والإفساد فی الآیة واضحة ولکن النمیمة یمکن أن لا یترتب علیها شیء من الأمور المذکورة ، فحینئذ حرمتها لا تُستفاد من الآیة الشریفة .

ومنها : قوله تعالی «هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِیمٍ»(2) .

بتقریب : أنّه تعالی نهی عن طاعة جماعة منهم : النمیم ، فنفس النهی عن إطاعتهم یدلّ علی حرمة فعلهم . بل عدّ اللّه تعالی فی الآیة الشریفة النمیمة من الصفات الرذیلة القبیحة ، وما شأنها کذلک لابدّ من حرمتها .

ولکن نقل شیخنا الأستاذ _ مدظله _ عن أستاذه المحقق الخوئی قدس سره « بأنّ مدلولها حرمة المبالغة فی النمیمة ، ولا تدلّ علی حرمة أصلها»(3) .

ثمّ اُورد علیه بقوله : « لا دلالة لها علی حرمتها أصلاً لا مع المبالغة ولا بدونها ، بل هی واردة فی بیان حکم آخر ، وهو عدم جواز الإتباع والطاعة للحلاّف الهمّاز المشّاء بنمیم مناع للخیر معتد أثیم»(4) .

ولکن لا یبعد أن یقال : بأنّ ما یوجب حرمة طاعتهم وإتباعهم هو أفعالهم ، فما ورد فی

ص: 143


1- (1) الکافی 2 / 376 ح 7 .
2- (2) سورة القلم / 11 .
3- (3) إرشاد الطالب 1 / 256 .
4- (4) إرشاد الطالب 1 / 256 .

الآیات الشریفة وهو من قبیل فعل یُستفاد حرمتها ، قال اللّه تعالی : «وَلاَ تُطِعْ کُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِینٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِیمٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَیْرِ مُعْتَدٍ أَثِیمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِکَ زَنِیمٍ»(1) . فعلی ما ذکرنا الآیات تدلّ علی حرمة فعل الحلاّف والهمّاز(2) والمشّاء بنمیمة ومنّاع الخیر والإعتداء والأثیم . والعتل : العظیم الکفر المستهزیء بکفره . والزنیم : الدعی ، وهو الذی لا أصل له ، وهذا الأخیر لم یکن بفعل . وأمّا کلّ ما کان من قبیل الفعل فالآیة أشارت إلی حرمتها . وما یکون حراماً یکون المبالغة فیه أیضاً بطریق أولی حراماً . فتأمّل .

4 _ السنة

قد وردت الروایات المستفیضة بل المتواترة علی حرمتها :

منها : صحیحة عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ألا اُنبّئکم بشرارکم ؟ قالوا : بلی یا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، قال : المشاؤون بالنمیمة ، المفرّقون بین الأحبّة ، الباغون للبراء المعایب(3) .

ومنها : صحیحة محمد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام قال : الجنة محرّمة علی القتّاتین المشّائین بالنمیمة(4) .

القتّات : الّنمام .

ومنها : موثقة عمرو بن خالد عن زید بن علی عن آبائه علیهم السلام قال : قال علی علیه السلام : تحرم الجنة علی ثلاثة : علی المنّان ، وعلی القتّات ، وعلی مدمن الخمر(5) .

ومنها : صحیحة علی بن جعفر عن أبی الحسن موسی علیه السلام قال : حرمت الجنة علی ثلاثة : ال_نّمام ، ومدمن الخمر ، والدیوث وهو الفاجر(6) .

ص: 144


1- (1) سورة القلم / (13 _ 10) .
2- (2) الهُمَزَةُ : الکثیر الطعن علی غیره بغیر حقٍّ ، العائب له بما لیس بعیب ، راجع مجمع البیان 10 / 537 .
3- (3) وسائل الشیعة 12 / 306 ح 1 . الباب 164 من أبواب أحکام العشرة .
4- (4) وسائل الشیعة 12 / 306 ح 2 .
5- (5) وسائل الشیعة 12 / 308 ح 8 .
6- (6) وسائل الشیعة 12 / 308 ح 9 .

والروایات الواردة فی هذا المجال متواترة ، فإن شئت راجع الکافی 2 / 369 وعقاب الأعمال / 262 والوافی 5 / 981 وبحار الأنوار 72 / 263 ووسائل الشیعة 12 / 306 ومستدرک الوسائل 9 / 149 وجامع أحادیث الشیعة 20 / 566 وکتابی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 11 / 426 وغیرها من کتب الأخبار .

ثم إنّ هاهنا فروعاً لابدّ من التنبیه علیها :
الأوّل : هل النمیمة مطلقاً تکون حراماً

الأوّل : هل النمیمة مطلقاً تکون حراماً أم إذا کانت بین المسلمین فقط أو بین المؤمنین فقط . ثلاث احتمالات ، ولکن الروایات الواردة فی المقام مطلقة ، فلا وجه لتخصیصها بالمسلمین والمؤمنین فقط .

نعم ، قد یجوز بل یستحب بل یجب إیقاع الفتنة بین المشرکین وتفریق کلمتهم وکسر شوکتهم وتقویة المحقّین علی المبطلین ، ولکن هذا فی مقام الحرب والدفاع ودفع الضرر عن نفسه أو غیره من المؤمنین ، فتجوز أو تجب للضرورة وجریان قواعد باب التزاحم .

الثانی : النسبة بینها وبین الغیبة وبینها وبین الکذب وبینها وبین ذی اللسانین والوجهین

الثانی : النسبة بینها وبین الغیبة وبینها وبین الکذب وبینها وبین ذی اللسانین والوجهین عموم وخصوص من وجه ، یشتدّ العقاب والإثم فی مورد الإجتماع ولکلِّ حکمه فی مورد الإفتراق .

الثالث: استماع النمیمة

الثالث : قال الشیخ جعفر قدس سره : « وفی الأخبار ما یدلّ علی حرمة استماعها»(1) .

وتبعه تلمیذه صاحب الجواهر وقال : « بل فی بعض الأخبار ما یدلّ علی حرمة استماعها أیضاً»(2) .

أقول : لم أجد ما ذکراه فی روایاتنا ، ولعلّهما وجدا ذلک ولم یصل إلینا ، واللّه العالم .

الرابع: لا تختص بالأقوال والأفعال

الرابع : قال صاحب الجواهر : « الظاهر عدم اختصاصها بالأقوال کما أومأنا إلیه سابقاً ، بل تکون بالکتابة والرمز والغمز»(3) .

ص: 145


1- (1) شرح القواعد 1 / 234 .
2- (2) الجواهر 22 / 73 .
3- (3) الجواهر 22 / 73 .

أقول : هذا البیان منه قدس سره متین جدّاً ، وتبع الشهید الثانی(1) فی هذا ، المجال لعدم اختصاص النمیمة بالقول ، بل یمکن أن تکون بالکتابة وغیرها . للعموم الوارد فی بعض الروایات وتشملها إطلاقات حرمة النمیمة .

الخامس: لا تختص بکون المنقول قولاً أو عیباً أو

الخامس : قال صاحب الجواهر : « وعدم اختصاصها بکون المنقول قولاً أو عیباً أو ما یقتضی نقصاً ، ضرورة کون حقیقتها إفشاء السِّر وهتک الستر عمّا یکره کشفه»(2) .

أقول : ما ذکره قدس سره من عدم الاختصاص تامٌّ وأمّا تعلیله فلیس بتام عندنا ، لأنّ حقیقتها ما یکون وقیعة بین المنقول والمنقول إلیه(3) لا ما ذکره صاحب الجواهر قدس سره من إفشاء السِّر وهتک الستر عمّا یکره کشفه .

السادس : هل هی من الکبائر ؟

ذهب الشیخ الأعظم(4) قدس سره إلی أنّها من الکبائر ، وتبعه عمّنا الأکرم آیة اللّه الحاج الشیخ محمد علی النجفی المتوفی عام 1318 فی رسالته فی المعاصی الکبیرة(5) والمحقق الخوئی(6) والفقیه السبزواری(7) . ویمکن تأیید الأعلام بما ورد فی بعض الروایات :

منها : خبر وصیة النبی صلی الله علیه و آله وسلم لأبی ذر رضی الله عنه (8) .

ومنها : خبر حفص بن غیاث(9) .

ومنها : خبر آخر خطبة خطبها النبی صلی الله علیه و آله وسلم بالمدینة(10) .

ص: 146


1- (1) کشف الریبة / 58 .
2- (2) الجواهر 22 / 73 .
3- (3) کما عن شیخنا الأستاذ مدظله فی إرشاد الطالب 1 / 256 .
4- (4) المکاسب المحرمة 2 / 63 .
5- (5) معاصی کبیرة / 80 .
6- (6) مصباح الفقاهة 1 / 432 .
7- (7) مهذب الأحکام 16 / 168 .
8- (8) وسائل الشیعة 12 / 307 ح 4 .
9- (9) وسائل الشیعة 12 / 307 ح 5 .
10- (10) وسائل الشیعة 12 / 308 ح 6 .

ومنها : خبر الربیع صاحب المنصور(1) .

ومنها : مرسلة أبی منصور الطبرسی فی الإحتجاج(2) .

ومنها : مرسلة القطب الراوندی(3) .

ومنها : خبر عبد العظیم الحسنی عن أبی جعفر محمد بن علی الجواد علیه السلام (4) .

ومنها : مرسلة الطبرسی عن البراء بن عازب(5) .

فیمکن من هذه الروایات المستفیضة استفادة کونها من الکبائر ، واللّه سبحانه هو العالم .

ص: 147


1- (1) وسائل الشیعة 12 / 309 ح 10 .
2- (2) الإحتجاج 2 / 340 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 9 / 151 ح 7 .
3- (3) مستدرک الوسائل 9 / 151 ح 8 .
4- (4) عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 / 10 ح 24 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 11 / 249 ح12 .
5- (5) مجمع البیان 5 / 423 ونقل عنه فی جامع أحادیث الشیعة 20 / 527 ح 23 .

النِّیاحة

تعریفها :

قال الزمخشری : « ن و ح _ ناحت علی المیت نوحاً ونیاحةً ، وهی نَوّاحة بنی فلان ، ونساءٌ نوائحٌ ونوحٌ وأنواحٌ ، واجتمعن فی المناحة والمناحات والمناوح ، والطیر تَنُوحُ وتَتَناوحُ»(1) .

وقال الفیومی : « ناحت المرأةُ علی المیت نوحاً من باب قال ، والاسم : النُّوَاحُ وزان غُرابٍ ، وربّما قیل النِّیاحُ بالکسر ، فهی نائِحَةٌ ، والنیاحة بالکسر اسم منه ، والمناحةُ بفتح المیم موضع النوح ... »(2) .

وقال الفیروزآبادی : « التناوح : التقابل ، وناحت المرأة زوجها وعلیه نوحاً ونواحاً بالضم ونیاحاً ونیاحةً بکسرهما ومَناحاً ، والاسم : النیاحة ، ونساءٌ نوحٌ وأنواحٌ ونَوَّح ونوائحٌ ونائحات ، وکنّا فی مناحة فلان ... »(3) .

وقال الطریحی : « وناحت المرأة تنوح نوحاً ونیاحاً ، والاسم النیاحة بالکسر ، ونساء نوائح ونائحات ، والتّناوح : التقابل ، ومنه سمیت النوائح لأنّ بعضهنَّ یقابلن بعضاً ... »(4) .

وقال ابن منظور : « نوح ، النّوحُ مصدر ناحَ یَنُوحُ نوحاً ، ویقال : نائحة ذات نیاحة ، ونَوّاحةٌ ذات مَناحةٍ . والمَناحةُ : الاسم ویجمع علی المناحات والمناوح . والنوائح : اسم یقع علی النساء یجتمعن فی مناحة ویُجمع علی الأنْواح ، قال لبید :

قوماً تَنُوحان مع الأنواح

ص: 148


1- (1) أساس البلاغة / 476 .
2- (2) المصباح المنیر / 629 .
3- (3) قاموس اللغة / الطبع الحجری مادة التناوح .
4- (4) مجمع البحرین / 191 الطبع الحجری .

نساء نَوْحٌ وأنواحٌ ونَوَّحُّ ونائحاتٌ ... والمَناحةُ والنّوْحُ : النساء یجتمعن للحزن ... »(1) .

الأقوال فی النیاحة

ذهب الأصحاب قدس سرهم إلی أقوال مختلفة فی المقام :

1 _ حرمة النوح مطلقاً ، کما ذهب إلیه الشیخ فی المبسوط(2) وأدعی علیه الإجماع ، وابن حمزة فی الوسیلة(3) .

2 _ کراهة النوح مطلقاً ، وهو ظاهر الشیخ فی التهذیب(4) ، وقال سید الریاض : « نعم ، الکراهة علی الإطلاق غیر بعیدة»(5) ، ومال إلیه الشیخ جعفر(6) وتبعهما السید العاملی فقال : « والقول بالکراهة مطلقاً غیر بعید»(7) ، وتبعهم فی الجواهر فقال : « نعم ، لا یبعد الحکم بکراهة للخبر بل لا یبعد شدّتها مع الشرط ... »(8) .

3 _ التفصیل بین النوح بالباطل فیحرم والنوح بالحقِّ فیجوز ، وذهب إلیه المشهور : منهم المفید فی المقنعة(9) والشیخ فی النهایة(10) وسالار فی المراسم(11) وابن إدریس فی

ص: 149


1- (1) لسان العرب 2 / 627 .
2- (2) المبسوط 1 / 189 .
3- (3) الوسیلة / 69 .
4- (4) التهذیب 6 / 359 ذیل ح 149 .
5- (5) ریاض المسائل 8 / 161 .
6- (6) شرح القواعد 1 / 203 .
7- (7) مفتاح الکرامة 12 / 183 .
8- (8) الجواهر 22 / 55 .
9- (9) المقنعة / 588 .
10- (10) النهایة / 365 .
11- (11) المراسم / 170 .

السرائر(1) والمحقق فی الشرائع(2) والنافع(3) والعلامة فی المنتهی(4) _ وأدعی فیه علی طرفی التفصیل الإجماع _ والتذکرة(5) والقواعد(6) والتحریر(7) والإرشاد(8) والنهایة(9) والشهید فی الدروس(10) واللمعة(11) والمحقق الثانی فی جامع المقاصد(12) وثانی الشهیدین فی الروضة(13) والمسالک(14) والأردبیلی فی مجمع الفائدة(15) والمحقق السبزواری فی الکفایة(16) والشیخ یوسف فی الحدائق(17) .

والمراد بالنیاحة بالحقِّ ذکر أوصاف المیت الموجودة فیه والمستحسن شرعاً أو عرفاً نحو وا رجلاه ، وا کریماه ، وا أبا الأیتام ، وازوج الأرامل .

والمراد بالنیاحة بالباطل ذکر الاُوصاف التی لم یستحسن شرعاً أو عرفاً ، نحو : وا

ص: 150


1- (1) السرائر 2 / 222 .
2- (2) الشرائع 2 / 4 .
3- (3) المختصر النافع / 117 .
4- (4) منتهی المطلب 7 / 423 .
5- (5) تذکرة الفقهاء 12 / 134 مسألة 640 .
6- (6) القواعد 2 / 8 .
7- (7) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 259 .
8- (8) إرشاد الأذهان 1 / 357 .
9- (9) نهایة الإحکام 2 / 469 .
10- (10) الدروس 3 / 162 .
11- (11) اللمعة / 108 .
12- (12) جامع المقاصد 4 / 24 .
13- (13) الروضة البهیة 3 / 213 .
14- (14) المسالک 3 / 127 .
15- (15) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 75 .
16- (16) الکفایة 1 / 435 .
17- (17) الحدائق 18 / 136 .

شارب خمراه ، وا قاتلاه ، وا ظالماه ، وا زانیاه ، وا آکل المال بباطلاه .

وأمّا الکذب والتغنی واستعمال آلات اللهو واختلاط الرجال والنساء فی النیاحة وتحریک الرجال بتلطیف صوتها ونحوها محرّمات اُخری ولکنها غیر داخلة فی النوح بالباطل ، وان اختلط الأمر علی بعض ، واللّه العاصم .

والقائلون بالتفصیل وجواز النوح بالحقِّ ذهبوا إلی أقوال ثلاثة :

الف : ذهب بعضهم إلی جواز النوح بالحقِّ من دون کراهة ، وهو ظاهر ثانی الشهیدین(1) والأردبیلی(2) وصاحب الحدائق ، وحمل الأخیر روایات الکراهة علی التقیة(3) .

ب : وذهب بعضهم إلی الجواز مع کراهة ، کما نسبه المحقق الخوئی(4) إلیهم .

ج : وذهب بعضهم إلی أنّ النوح بالحق إذا اشترطت فیه الاُجرة کان مکروهاً وإلاّ فلا بأس به ، کما نص علیه العلامة فی التذکرة(5) والنهایة(6) والتحریر(7) .

ولتحقیق الأقوال فلابدّ من المراجعة إلی الروایات والجمع بینها ، ولذا نقول :

الروایات

اشارة

الواردة فی النیاحة علی طوائف :

الطائفة الأولی:

الطائفة الأولی : ما دلّ علی المنع من النیاحة مطلقاً ، سواء کانت بالباطل أم بالحقّ :

منها : خبر عمران بن إسحاق الزعفرانی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : مَنْ أنعم اللّه علیه بنعمة فجاء عند تلک النعمة بمزمار فقد کفرها ، ومن اُصیب بمصیبة فجاء عند تلک المصیبة

ص: 151


1- (1) المسالک 3 / 126 .
2- (2) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 75 .
3- (3) الحدائق 4 / 168 .
4- (4) مصباح الفقاهة 1 / 434 .
5- (5) تذکرة الفقهاء 12 / 134 .
6- (6) نهایة الإحکام 2 / 469 .
7- (7) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 260 .

بنائحة فقد کفرها(1) .

ومنها : خبر مناهی النبی صلی الله علیه و آله وسلم : أنّه نهی عن الرنّة عند المصیبة ، ونهی عن النیاحة والاستماع إلیها ، ونهی عن تصفیق الوجه(2) .

رنَّ : رفع صوتَهُ بالبکاء .

ومنها : خبر الحسین بن زید بن علی عن أبیه عن جعفر بن محمد علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن علی علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أربعة لا تزال فی اُمتی إلی یوم القیامة : الفخر بالأحساب ، والطعن فی الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، وإنّ النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم یوم القیامة وعلیها سربال من قَطْران ودرع من جَرِب(3) .

القَطْران والقِطْران والقَطِران : سیالٌ دهنی یتّخذ من بعض الأشجار کالصنوبر والاُرز . الجَرَب : وهو داء یُحدث فی الجلد بثوراً صغاراً لها حکّة شدیدة .

ونحوها مختصراً مرسلة القاضی نعمان المصری فی الدعائم(4) .

ومنها : مرسلة اُخری للقاضی نعمان عن علی علیه السلام أنّه کتب إلی رفاعة بن شدّاد قاضیه علی الأهواز : « وإیّاک والنوح علی المیت ببلد یکون لک به سلطان»(5) .

ومنها : مرسلة ثالثة له عن علی علیه السلام عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : صوتان ملعونان یبغضها اللّه : إعوال عند مصیبة ، وصوت عند نغمة ، یعنی النوح والغناء(6) .

ومنها : خبر جابر فی حدیث وفاة إبراهیم ابن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : فقال عبد الرحمن : أتبکی یا رسول اللّه ! أو لم تنه عن البکاء ؟ قال : لا ولکن نهیتُ عن النوح ، الحدیث(7) .

ص: 152


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 127 ح 5 . الباب 17 من أبواب ما یکتسب به .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 128 ح 11 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 128 ح 12 .
4- (4) دعائم الإسلام 1 / 226 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 93 ح 2 .
5- (5) دعائم الإسلام 1 / 227 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 93 ح 3 .
6- (6) دعائم الإسلام 1 / 227 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 93 ح 4 .
7- (7) کتاب التعازی / 9 ح 8 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 94 ح 5 .

ومنها : مرسلة القطب الراوندی أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لعن أربعة : امرأة تخون زوجها فی ماله أو فی نفسها ، والنائحة ، والعاصیة لزوجها ، والعاقّ(1) .

وأنت تجد ضعف أسناد هذه الطائفة وإرسالها .

الطائفة الثانیة:

الطائفة الثانیة : ما دلّ علی الکراهة مطلقاً :

منها : موثقة سماعة قال : سألته عن کسب المغنیة والنائحة ، فکرهه(2) .

ومنها : صحیحة علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن النوح علی المیت أیصلح ؟ قال : یکره(3) .

ومنها : خبر علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن النوح فکرهه(4) .

وحمل الکراهة فی هذه الروایات الثلاث علی الکراهة المصطلحة مشکلٌ ولذا تحمل علی التحریم والمنع مطلقاً ، فتلحق بالطائفة الاُولی .

الطائفة الثالثة:

الطائفة الثالثة : ما دلّ علی جواز النیاحة وجواز أخذ الاُجرة علیها مطلقاً :

منها : موثقة بل صحیحة یونس بن یعقوب عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال لی أبی : یا جعفر اُوقف لی من مالی کذا وکذا لنوادب تندبننی عشر سنین بمنی أیام منی(5) .

قال العلامة الحلی : « الندب لا بأس به ، وهو عبارة عن تعدید محاسن المیت وما یلقون بفقده بلفظة النداء ب_ « وا » ، مثل قولهم : وا رجلاه ، وا کریماه ، وا انقطاع ظهراه ، وا مصیبتاه ... »(6) .

وقال فی الحدائق : « قیل : الندب أن تذکر النائحة المیت بأحسن أوصافه وأفعاله

ص: 153


1- (1) مستدرک الوسائل 13 / 94 ح 6 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 128 ح 8 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 129 ح 13 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 129 ح 14 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 125 ح 1 .
6- (6) منتهی المطلب 7 / 422 .

والبکاء علیه ، الاسم : النُدبة _ بالضم _ . قال بعض مشایخنا : یدلّ الخبر علی رجحان الندبة علیهم وإقامة مأتم لهم ، لما فیه من تشیید حبّهم وبغض ظالمیهم فی القلوب ، وهما العمدة فی الإیمان ، فالظاهر : اختصاصه بهم علیهم السلام ، لما ذکرنا . انتهی»(1) .

أقول : لا وجه للاختصاص ، لاسیما إذا کان المجلس مجلس ذکر وموعظة ونصیحة وتوسل وتوبة ودعاء وقراءة القرآن ونحوها ، وإیصال ثوابها إلی روح المیت .

ومنها : صحیحة أبی حمزة عن أبی جعفر علیه السلام قال : مات الولید بن المغیرة ، فقالت اُمّ سلمة للنبی صلی الله علیه و آله وسلم : إنّ آل المغیرة قد أقاموا مناحة فأذهب إلیهم ؟ فأذن لها فلبست ثیابها وتهیّات وکانت من حسنها کأنّها جانٌّ وکانت إذا قامت فأرخت شعرها جلل جسدها وعقدت بطرفیه خلخالها ، فندبت ابن عمّها بین یدی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقالت :

أنعی الولید بن الولید أبا الولید فتی العشیرة

حامی الحقیقة ماجد یسمو إلی طلب الوتیرة

قد کان غیثاً فی السنین وجعفراً غَدِقاً ومیرَة

فما عاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ذلک ولا قال شیئاً(2) .

الجعفر : النهر الواسع والملآن . والغدق : الماء الکثیر ، ومنه الآیة «مَّاء غَدَقاً»(3) . والمیرة : الطعام . کذا فی الحدائق(4) .

ومنها : خبر عذافر قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام وسُئل عن کسب النائحة ؟ فقال : تستحلّه بضرب إحدی یدیها علی الاُخری(5) .

الروایة ضعیفة الإسناد بروایة الکلینی ، لأنّ فیها عذافر بن عیسی الخزاعی الصیرفی

ص: 154


1- (1) الحدائق 18 / 137 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 125 ح 2 .
3- (3) سورة الجن / 16 .
4- (4) الحدائق 18 / 137 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 126 ح 4 .

الکوفی ، وهو إمامی مجهول(1) . ورواها الصدوق(2) مرسلاً . والظاهر أنّ المراد بالروایة تصحیح أخذ الاُجرة بما فعلت النائحة من ضرب إحدی یدیها علی الاُخری .

ومنها : صحیحة أبی بصیر قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : لا بأس بأجر النائحة التی تنوح علی المیت(3) .

ورواها الصدوق بسنده الصحیح فی الفقیه(4) .

ومنها : مرسلة الصدوق أنّه سئل الصادق علیه السلام عن أجر النائحة ؟ فقال : لا بأس به ، وقد نیح علی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم (5) .

الطائفة الرابعة:

الطائفة الرابعة : ما دلّ علی جواز کسبها إذا قالت صدقاً وعدمه إذا قالت کذباً :

منها : خبر خدیجة بنت عمر بن علی بن الحسین _ فی حدیث _ قالت : سمعت عمّی محمد بن علی علیه السلام یقول : إنّما تحتاج المرأة إلی النوح لتسیل دمعتها ، ولا ینبغی لها أن تقول هُجراً ، فإذا جاء اللیل فلا تؤذی الملائکة بالنوح(6) .

الهُجر : الإفحاش والخنا کما فی الصحاح(7) والقبیح من الکلام والإفحاش فی النطق کما فی المنجد(8) .

قال فی الجواهر : « فیراد به (أی بالهُجر) حینئذ تعداد أفعاله القبیحة وصفاته المذمومة شرعاً ، نحو النیاحة علی بعض الناس بذکر تهتکهم فی المحرّمات من الزنا واللواط وقتل النفوس والسرقة والنهب ونحو ذلک ، ما لا یشمل المبالغة فی المدح ... »(9) .

ص: 155


1- (1) نتائج التنقیح / 101 .
2- (2) الفقیه 3 / 162 ح 3592 و1 / 183 ح 552 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 127 ح 7 .
4- (4) الفقیه 3 / 161 ح 3589 .
5- (5) الفقیه 1 / 183 ح 551 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 128 ح 10 .
6- (6) وسائل الشیعة 17 / 127 ح 6 .
7- (7) الصحاح 2 / 851 .
8- (8) المنجد / 938 .
9- (9) الجواهر 22 / 55 .

الظاهر أنّ ما ذکره صاحب الجواهر فی معنی الهُجر ، هو معنی النیاحة بالباطل کما سبق ، وأمّا معنی الهُجر هو الذی مرّ منّا آنفاً من الصحاح والمنجد .

ومنها : مرسلة الصدوق عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : ولا بأس بکسب النائحة إذا قالت صدقاً(1) .

ورواها فی الفقه الرضوی / 252 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 93 ح1 .

الطائفة الخامسة:

الطائفة الخامسة : ما دلّ علی منع المشارطة :

وهی موثقة حنان بن سدیر قال : کانت امرأة معنا فی الحی ولها جاریة نائحة ، فجاءت إلی أبی فقالت : یا عمّ أنت تعلم أن معیشتی من اللّه ثمّ مِنْ هذه الجاریة ، فأحبّ أن تسأل أبا عبد اللّه علیه السلام عن ذلک ، فإن کان حلالاً وإلاّ بعتُها وأکلتُ من ثمنها حتّی یأتی اللّه بالفرج ، فقال لها أبی : واللّه إنّی لأعظم أبا عبد اللّه علیه السلام أن أسأله عن هذه المسألة . قال : فلما قدمنا علیه أخبرته أنا بذلک ، فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : أتشارط ؟ فقلت : واللّه ما أدری تشارط أم لا ، فقال : قل لها لا تشارط وتقبل ما أعطیت(2) .

رواها الشیخ بسنده الموثق فی التهذیب 6 / 358 والاستبصار 3 / 60 ، وکذا رواها الحمیری فی قرب الإسناد / 123 ح 434 .

أقول : الطائفتان الأولیان تدلان علی المنع والحرمة بوضوح ، والطائفة الثالثة تدلّ علی الجواز بوضوح ، فلذا لابدّ من حمل الأوّلیین إمّا علی التقیة کما ذهب إلیه صاحب الحدائق(3) أو علی الکراهة المصطلحة کما مال إلیه أصحاب الریاض(4) وشرح القواعد(5) والمفتاح(6) والجواهر(7) .

ص: 156


1- (1) الفقیه 3 / 162 ح 3591 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 128 ح 9 .
2- (2) وسائل الشیعة 7 / 126 ح 3 .
3- (3) الحدائق 18 / 140 .
4- (4) ریاض المسائل 8 / 161 .
5- (5) شرح القواعد 1 / 203 .
6- (6) مفتاح الکرامة 12 / 183 .
7- (7) الجواهر 22 / 55 .

وعلی الحملین یجوز أخذ الاُجرة علیها . وأمّا الخامسة من الطوائف فتدلّ علی کراهة أخذ الاُجرة مع المشارطة فنحملها علی التقیة أو نذهب إلی شدّة الکراهة علی حمل الکراهة المصطلحة .

وأمّا الطائفة الرابعة : أیضاً نأخذ بها ، لأنّ الکذب من المحرّمات الشرعیة ، فأخذ الاُجرة فی قباله أیضاً من المحرّمات . وکذلک لا یجوز التغنی واستعمال آلات الملاهی والموسیقی وإسماع صوتها الأجانب إذا کان فیه کیفیة توجب الریبة لهم ، ولکن کلّ ذلک خارج عن موضوع النیاحة .

والحاصل ، أنّ النیاحة لکل أحدٍ إمّا تجوز مطلقاً بناءً علی حمل الروایات المانعة علی التقیة کما هو الظاهر ، وإمّا تکره بالکراهة المصطلحة بناءً علی حملها علیها . وفی الصورتین یجوز أخذ الاُجرة علیها ویکره فی الأخیر ، ویکره الأخذ مع الشرط أو هو أشدّ کراهة مع المشارطة . هذا حکم النیاحة بالنسبة إلی عموم الناس .

النیاحة علی المعصومین علیهم السلام

وأمّا النیاحة بالنسبة إلی المعصومین علیهم السلام - نحو النیاحة علی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وبنته سیدة نساء العالمین فاطمة الزهراء الشهیدة علیهاالسلام وأمیرالمؤمنین علیه السلام والأئمة من ولده سلام اللّه علیهم أجمعین - فإنّها تدخل فی ترویج الشعائر الإسلامیة ویحکم باستحبابها بلاخلاف ، بل یمکن القول بوجوبها الکفائی فی بعض الأحیان ، وتدلّ علیه مضافاً إلی إطلاق قوله تعالی : «وَمَن یُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَی الْقُلُوبِ»(1) ، المتواتر من الروایات :

منها : معتبرة بکر بن محمد الأزدی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : تجلسون وتتحدَّثون ؟ قال : قلت : جعلت فداک ، نعم . قال : إنّ تلک المجالس اُحبّها فأحیوا أمرنا إنّه مَنْ ذکرنا أو ذُکرنا عنده فخرج من عینه مثل جناح الذباب غفر اللّه له ذنوبه ولو کانت أکثر من زبد البحر(2) .

ص: 157


1- (1) سورة الحج / 32 .
2- (2) ثواب الأعمال / 223 ح 1 ونقلها فی وسائل الشیعة 14 / 501 ح 2 ، ونقلت عنه أیضاً فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 2 / 74 ح 1 .

ومنها : صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال : کان علی بن الحسین علیه السلام یقول : أیّما مؤمن دمعت عیناه لقتل الحسین علیه السلام حتّی تسیل علی خدّه بوّأه اللّه تعالی بها فی الجنة غرفاً یسکنها أحقاباً ، وأیّما مؤمن دمعت عیناه حتّی تسیل علی خدّه فیما مسّنا من الأذی من عدوّنا فی الدنیا بوّأه اللّه فی الجنة مبوَّأ صدق ، وأیّما مؤمن مسّه أذیً فینا فدمعت عیناه حتّی تسیل علی خدّه من مضاضة ما اُوذی فینا صرف اللّه عن وجهه الأذی وآمنه یوم القیامة من سخطه والنار(1) .

ورواها ابن قولویه بسنده الصحیح فی کامل الزیارات / 100 ح 1 وکذا علی ابن إبراهیم القمی فی تفسیره 2 / 291 .

بَوَّأ المکان : حلّ فیه ، بوّأ له منزلاً : هیّأ له .

ومنها : معتبرة الریان بن شبیب عن الرضا علیه السلام _ فی حدیث _ قال : یا بن شبیب إن بکیت علی الحسین حتّی تصیر دموعک علی خدیک غفر اللّه لک کلّ ذنب أذنبتَه صغیراً کان أو کبیراً ، قلیلاً کان أو کثیراً ، یابن شبیب إن سرّک أن تلقی اللّه عزّ وجلّ ولا ذنب علیک فزر الحسین علیه السلام . یابن شبیب إن سرّک أن تسکن الغرف المبنیة فی الجنة مع النبی صلی الله علیه و آله وسلم فالعن قتلة الحسین . یا بن شبیب إنّ سرّک أن یکون لک من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسین بن علی علیه السلام فقل متی ذکرته : « یا لیتنی کنتُ معهم فأفوزَ فوزاً عظیماً» . یا بن شبیب إنّ سرّک أن تکون معنا فی الدرجات العُلی من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا وعلیک بولایتنا ، فلو أنّ رجلاً أحبّ حجراً لحشر اللّه عزّ وجلّ معه یوم القیامة(2) .

ومنها : معتبرة معاویة بن وهب عن جعفر بن محمد علیه السلام أنّه قال فی حدیث : یا شیخ ذاک دم یطلب اللّه تعالی به ، ما اُصیب ولد فاطمة ولا یصابون بمثل الحسین علیه السلام ولقد قُتل فی

ص: 158


1- (1) ثواب الأعمال / 108 ح 1 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 14 / 501 ح 3 ، ونقلت عنه أیضاً فی موسوعة أحادیث أهل البیت 2 / 77 ح 2 .
2- (2) عیون أخبار الرضا علیه السلام 1 / 299 ح 58 _ أمالی الصدوق . المجلس السابع والعشرون ح 5 / 192 الرقم 202 _ ونقل عنهما فی وسائل الشیعة 14 / 502 ح 5 ونقلت عنهما أیضاً فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 2 / 77 ح 3 .

سبعة عشر من أهل بیته نصحوا للّه وصبروا فی جنب اللّه ، فجزاهم اللّه أحسن جزاء الصابرین . إنّه إذا کان یوم القیامة أقبل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ومعه الحسین علیه السلام ویده علی رأسه یقطر دماً ، فیقول : یا ربّ سل اُمّتی فیم قتلوا ولدی . وقال علیه السلام : کلّ الجزع والبکاء مکروه سوی الجزع والبکاء علی الحسین علیه السلام (1) .

ومنها : معتبرة بل صحیحة معاویة بن وهب عن أبی عبداللّه علیه السلام فی حدیث قال : وارحم تلک الخدود التی تقلّبت علی حفرة أبی عبداللّه [ الحسین ] علیه السلام ، وارحم تلک الأعین التی جرت دموعها رحمةً لنا ، وارحم تلک القلوب التی جزعت واحترقت لنا ، وارحم الصرخة التی کانت لنا ، اللهم إنّی أستودعک تلک الأنفس وتلک الأبدان حتّی نوافیهم علی الحوض یوم العطش ، الحدیث(2) .

أقول : سندا الکلینی للروایة ضعیفان وکذا أسناد ابن قولویه فی کامل الزیارات/116 ومابعدها ، ولکنّه رواها فی إحدیها عن ابن أبی عمیر عن معاویة بن وهب(3) وللشیخ فی الفهرست(4) ثلاثة أسانید صحاح إلی جمیع کتب ابن أبی عمیر وروایاته وبعملیّة تبدیل السند صار سندها معتبراً بل صحیحاً ، ولذا عبّرنا عنها بالمعتبرة بل الصحیحة .

ومنها : صحیحة فضیل بن یسار عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : مَنْ ذُکرنا عنده ففاضت عیناه ولو مثل جناح الذباب غفر اللّه ذنوبه ولو کانت مثل زبد البحر(5) .

ورواها ابن قولویه بإسناده فی کامل الزیارات / 103 ح 8 .

ومنها : موثقة الحسن بن علی بن فضال عن الرضا علیه السلام أنّه قال : من تَذَکّر مُصابنا فبکی وأبکی لم تبک عینه یوم تبکی العیون ، ومن جلس مجلساً یُحیی فیه أمرنا لم یمت قلبه یوم

ص: 159


1- (1) أمالی الطوسی . المجلس السادس ح 20 / 161 الرقم 268 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 14 / 505 ح 10 ونقلت عنه أیضاً فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 2 / 78 ح 4 .
2- (2) الکافی 4 / 582 ح 11 ونقل عنه فی جامع أحادیث الشیعة 15 / 196 ح 1 .
3- (3) کامل الزیارات / 118 .
4- (4) الفهرست / 405 الرقم 618 .
5- (5) المحاسن 1 / 136 ح 123 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 14 / 500 ح 1 .

تموت القلوب ، الحدیث(1) .

ومنها : خبر علی بن محمد الهرمزانی عن أبی عبد اللّه الحسین بن علی علیهماالسلام قال : لما قبضت فاطمة علیهاالسلام دفنها أمیر المؤمنین علیه السلام سرّاً وعفا علی موضع قبرها ، ثمّ قام فحوّل وجهه إلی قبر رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، ثمّ قال : السلام علیک یا رسول اللّه عنّی ، والسلام علیک عن ابنتک وزائرتک والبائتة فی الثری ببقعتک والمختار اللّه لها سرعة اللحاق بک ... إلی أن قال : أمّا حزنی فسرمد ، وأمّا لیلی فمسهّد ، وهمٌّ لا یبرح فی قلبی أو یختار اللّه لی دارک التی أنت فیها مقیم ، کمدٌ مقیِّحٌ ، وهمٌّ مهیِّجٌ ، سرعان ما فُرّق بیننا ، وإلی اللّه أشکو ... إلی أن قال : واه واهاً ، والصبر أیمن وأجمل ، ولولا غلبة المستولین لجعلت المُقام واللبث لزاماً معکوفاً ، ولأعولت إعوال الثکلی علی جلیل الرزیة . فبعین اللّه تدفن ابنتک سرّاً ، وتهضم حقّها ، وتمنع إرثها ، ولم یتباعد العهد ، ولم یخلق منک الذکر . وإلی اللّه یا رسول اللّه المشتکی ، وفیک یا رسول اللّه أحسن العزاء ، صلی اللّه علیک وعلیها السلام والرضوان(2) .

السهود : قلة النوم . الکَمَد : الحزن الشدید .

ومنها : ما روی العلامة الحلی عن الجمهور عن فاطمة علیهاالسلام أنّها قالت : یا أبتاه من ربّه ما أدناه ، یا أبتاه إلی جبرئیل أنعاه ، یا أبتاه أجاب ربّاً دعاه(3) .

ومنها : ما رواه أیضاً عن الجمهور عن علی علیه السلام : إنّ فاطمة علیهاالسلام أخذت قبضة من تراب قبر النبی صلی الله علیه و آله وسلم فوضعتها علی عینیها ثمّ قالت :

ما ذا علی مَنْ شمّ تُربة أحمدٍ أن لا یشمّ مَدیَ الزمان غوالیاً

صُبَّت علیَّ مصائبٌ لو أنّها صُبَّت الأیام عدن لیالیاً(4)

ص: 160


1- (1) عیون أخبار الرضا علیه السلام 1 / 294 ح 48 ، ونحوها فی أمالی الصدوق . المجلس السابع عشر ح 4 / 131 الرقم 119 ونقل عنهما فی وسائل الشیعة 14 / 502 ح 4 .
2- (2) الکافی 1 / 458 ح 3 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 8/ 250 ح 4 .
3- (3) منتهی المطلب 7 / 432 _ صحیح البخاری 6 / 18 ، سنن ابن ماجه 1 / 552 ، سنن النسائی 4 / 13 . مسند أحمد 3 / 197 . سنن البیهقی 4 / 71 .
4- (4) منتهی المطلب 7 / 423 . المغنی 2 / 411 . الشرح الکبیر بهامشه 2 / 429 .

وکذلک یجوز البکاء علی موتی المؤمنین والعلماء وأبناء الأئمة علیهم السلام ونحوهم ، تدلّ علیه بعض الروایات :

منها : صحیحة علی بن رئاب قال : سمعت أبا الحسن الأوّل علیه السلام یقول : إذا مات المؤمن بکت علیه الملائکة وبقاع الأرض التی کان یعبد اللّه علیها وأبواب السماء التی کان یصعد أعماله ، فیها وثلم ثلمة فی الإسلام لا یسدّها شیء ، لأنّ المؤمنین حصون الإسلام کحصون سور المدینة لها(1) .

ومنها : معتبرة أبی بصیر عن أحدهما قال : لما ماتت رقیة ابنة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إلحقی بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون وأصحابه . قال : وفاطمة علیهاالسلام علی شفیر القبر تنحدر دموعها فی القبر ، الحدیث(2) .

ومنها : خبر ابن القداح عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث : قال لمّا مات إبراهیم ابن رسول اللّه هملت عین رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بالدموع ، ثمّ قال النبی صلی الله علیه و آله وسلم : تدمع العین ویحزن القلب ولا نقول ما یُسخط الربّ ، وإنّا بک یا إبراهیم لمحزونون ، الحدیث(3) .

ومنها : مرسلة الصدوق عن الصادق علیه السلام أنّه قال : لما مات إبراهیم ابن رسول اللّه ، قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : حزناً علیک یا إبراهیم وإنّا لصابرون ، ویحزن القلب وتدمع العین ولا نقول ما یسخط الربّ(4) .

ومنها : مرسلة اُخری له عن الصادق علیه السلام أنّه قال : إنّ النبی صلی الله علیه و آله وسلم حین جاءته وفاة

ص: 161


1- (1) الکافی 3 / 254 ح 13 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 3 / 283 ح 1 ونقلت عنه أیضاً فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 2 / 73 ح 1 .
2- (2) الکافی 3 / 241 ح 18 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 3 / 279 ح 1 ونقلت عنه أیضاً فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 2 / 71 ح 1 .
3- (3) الکافی 3 / 262 ح 45 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 3 / 280 ح 3 ونقلت عنه أیضاً فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 2 / 71 ح 3 .
4- (4) الفقیه 1 / 177 ح 526 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 3 / 280 ح 4 ونقلت عنه أیضاً فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 2 / 72 ح 4 .

جعفر بن أبی طالب وزید بن حارثة کان إذا دخل بیته کثر بکاؤه علیهما جدّاً ویقول : کانا یحدّثانی ویؤانسانی فذهبا جمیعاً(1) .

ومنها : قال الصدوق : ولما انصرف رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم من وقعة اُحد إلی المدینة سمع کلّ دار قُتل مِنْ أهلها قتیل نوحاً وبکاءً ولم یسمع من دار حمزة عمّه ، فقال صلی الله علیه و آله وسلم : لکن حمزة لا بواکی له ، فآلی أهل المدینة أن لا ینوحوا علی میت ولا یبکوه حتّی یبدؤا بحمزة فینوحوا علیه ویبکوه ، فهم إلی الیوم علی ذلک(2) .

آلی یؤلی إیلاءً : أی حلف .

ومنها : خبر هشام بن محمد فی حدیث طویل قال : ولما بلغ أمیر المؤمنین علیه السلام وفاة الأشتر جعل یتلهَّف ویتأسّف علیه ویقول : للّه درّ مالک ، لو کان من جبل لکان أعظم أرکانه ، ولو کان من حجر لکان صلداً ، أما واللّه لیهدَّنَّ موتک عالَماً ، فعلی مثلک فلتبک البواکی . ثمّ قال : إنا للّه وإنّا إلیه راجعون ، والحمد للّه ربّ العالمین ، إنّی أحتسبه عندک ، فإنّ موته من مصائب الدهر ، فرحم اللّه مالکاً فقد وفی بعهده وقضی نحبه ولقی ربّه ، مع أنّا قد وطنّا أنفسنا أن نصبر علی کلِّ مصیبة بعد مصابنا برسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فإنّها أعظم المصیبة(3) .

والروایات فی هذا المجال متواترة ، فإن شئت راجع کامل الزیارات / 100 ووسائل الشیعة 14 / 500 ومستدرک الوسائل 10 / 311 وجامع أحادیث الشیعة 15 / 430 وکتابی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 2 / 74 . والحمد للّه أوّلاً وآخراً .

ص: 162


1- (1) الفقیه 1 / 177 ح 527 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 3 / 280 ح 6 ونقلت عنه أیضاً فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 2 / 72 ح 6 .
2- (2) الفقیه 1 / 183 ح 553 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 2 / 74 ح 2 .
3- (3) أمالی المفید . المجلس التاسع ح 4 / 83 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 2 / 74 ح 3 .

الولایة من قبل الجائر

ما المراد من الولایة والجائر ؟

المراد من « الولایة » هنا تارة یُقصد بها المعنی العام ، نحو : ولایة القضاء أو السیاسة أو تدبیر نظام أو جبایة الضرائب والخراج ، وتارة یقصد بها المعنی الخاص نحو : الولایة علی القاصرین من الأطفال والمجانین أو القیمومیة علی مال غائبٍ أو التولیة لوقفٍ .

فالولایة هنا تشمل المعینین ، فما ذکره السید العاملی(1) من أنّها تشمل المعنی الأوّل فقط غیر تام .

ثمّ یظهر معنی الجائر بعد ظهور معنی العادل الذی هو فی قباله ، والمراد بالعادل فی جملة « الولایة من قبل العادل» هو الإمام المعصوم علیه السلام أو نائبه الخاص أو العام ، فالفقیه المستجمع لشرائط الإفتاء فی زمن الغیبة یدخل فی عنوان العادل .

ولذا قال فی الجواهر : « وقد یلحق به نائبه العام فی هذا الزمان إذا فُرض بسط یده فی بعض الأقالیم»(2) .

وقال أستاده الشیخ جعفر فی المنصوبین علی أیدی ظلمة سلاطین الشیعة قضاة أو شیوخ إسلام أو نوّاباً أو نحوهم أنّهم علی أقسام ، ومنهم : « وأمّا مَنْ لم یداخله الإعتقاد الفاسد مع قابلیته ، فلیس من ولاة الجائرین وعمّالهم ، لأنّ الولایة لهم من قبل اللّه وإنّما أدخلوا أنفسهم تحت هذا الإسم لینالوا بعض منصبهم ولیستوفوا بعض حقّهم ، کما یُستعان بالظالم لاستنقاذ الحقوق ، فمَنْ کانت ولایته من الأئمة علیهم السلام بإذن خاصة کابنی یقطین وابن بزیع والنجاشی ونحوهم ، أو عامّة کعَلَم الهدی والخواجة نصیر الدین والمحقق الثانی والبهائی والمجلسی

ص: 163


1- (1) مفتاح الکرامة 12 / 373 .
2- (2) الجواهر 22 / 156 .

ونحوهم یدخلون فی ولاة إمام العدل»(1) .

وقال أیضاً : « ولو نصب الفقیه المنصوب من الإمام بالإذن العام سلطاناً أو حاکماً لأهل الإسلام ، لم یکن من حکّام الجور ، کما کان ذلک فی بنی إسرائیل ، فإنّ حاکم الشرع والعرف کلیهما منصوبان من الشرع»(2) .

أقول : الکلام الأوّل من الجد الفقیه تام ، و قد وجدناه قبله عند الشیخ فی النهایة(3) والعلامة فی التحریر(4) والشهید فی الدروس(5) ، ویأتی نص کلام الأخیرین فی مطاوی البحث ، وتبعهم ثانی الشهیدین(6) فی ظاهر کلامه . وأمّا کلامه الأخیر ففیه تأمل ، لأنّ الحاکم المنصوب المأذون من قبل الفقیه یجوز تصرفاته فی ما أذن له الفقیه وحدوده المأذونة ، کما أذن هو قدس سره لفتحعلی شاه القاجاری بالنسبة إلی الحرب مع الروس ودفع فتنتهم من بلاد المسلمین(7) ، فتصرفات الشاه القاجاری بالنسبة إلی ذاک الحرب المأذون فیه من قبل الفقیه جائزة لا جمیع تصرفاته ، ولم یصر الشاه القاجاری مع هذا الإذن عادلاً ولم یخرجه الإذن الخاص عن عنوان الظلمة . فکلامه الأخیر بإطلاقه غیر تام ، ولعله إلی ما ذکرنا أشار تلمیذه صاحب الجواهر بعد نقل کلامه الأخیر بقوله : « وإن کان فیه ما فیه»(8) .

والحاصل ، أن المراد بالجائر کلّ من ادعی الإمامة والرئاسة العامة ولیس بإمام معصوم أو لیس بفقیه فی زمن الغیبة ، سواء کان مسلماً أو کافراً ، مؤمناً أو مخالفاً . هذا کلّه بالنسبة إلی المراد من ألفاظ العنوان .

ص: 164


1- (1) شرح القواعد 1 / 331 .
2- (2) شرح القواعد 1 / 335 .
3- (3) النهایة / 302 .
4- (4) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 270 .
5- (5) الدروس الشرعیة 3 / 174 .
6- (6) المسالک 3 / 111 .
7- (7) راجع فی هذا المجال کشف الغطاء 4 / 333 .
8- (8) الجواهر 22 / 156 .

تطور البحث فی کلمات الفقهاء

جعل الشیخ فی أوّل کتاب المکاسب من النهایة « باب عمل السلطان وأخذ جوائزهم » ، وقال فیه : « تَوَلِّی الأَمرِ من قِبَل السّلطان العادل الآمر بالمعروف والنَّاهی عن المنکر الواضع الأشیاء مواضعها ، جائزٌ مَرَغَّبٌ فیه . ورُبَّما بلغ حدَّ الوجوب ، لما فی ذلک من التمکُّن من الأَمر بالمعروف والنَّهی عن المنکر ، ووضعِ الأشیاء مواضعها .

وأمّا سلطان الجور ، فمتی علم الإنسان أو غلب علی ظنِّه : أنَّه متی تولّی الأمر من قبله ، أمکنه التَّوصّل إلی إقامة الحدود والأمر بالمعروف والنَّهی عن المنکر وقَسْم الأَخماس والصّدقات فی أربابها وصلة الإخوان ، ولا یکون فی جمیع ذلک مُخِلاًّ بواجبٍ ولا فاعلاً لقبیح ؛ فإنّه یستحبُّ له أن یتعرّض لتولِّی الأمر من قبلهم .

ومتی علم أو غلب علی ظنِّه : أنّه لا یتمکَّنُ من جمیع ذلک ، وأنّه لابدّ من أن یلحَقَهُ ضربٌ من التَّفریط فی القیام بالواجبات أو یحتاج إلی ارتکاب شیءٍ من المقبَّحات ؛ فلا یجوز له التعرُّضُ له علی حال . فإن أُلزِمَ الولایة إلزاماً لا یبلغُ ترکه إلی الخوف علی النَّفس وسلب الأموال ، غیر أنَّه یلحقه بعض الضّرر وتَحَمُّل بعض الأَثقال ؛ فالأولی له أن یتحمَّل ذلک ولا یتعرّض لعمل السّلطان .

فإن خاف من الإمتناع من ذلک علی النَّفس أو علی الأَهل أو علی المال أو علی بعض المؤمنین فی ذلک ، جاز له أن یتولّی الأَمر ، ویجتهد أن یضع الأشیاءَ مواضعها . فإن لم یتمکَّن من الجمیع ، فما یتمکَّن منه یجتهدُ فی القیام به . وإن لم یُمکنهُ ذلک ظاهراً فَعَلَه سرّاً وإخفاتاً ، وخاصةً ما یتعلَّقُ بقضاءِ حقوق الإخوان والتّخفیف عنهم فیما یَلْزِمُهُم مِنْ جهة السّلاطین الَجَورةِ مِنْ الخراج وغیره . فإن لم یتمکَّن مِنْ إقامة حقٍّ علی وجه ، والحالُ وصفناه فی التَّقیّة ؛ جاز له أن یتَّقی فی جمیع الأحکام والأمور ، ما لم یَبْلُغ ذلک إلی سفک الدِّماء المحرَّمة ، فإنّه لا تقیّةَ له فی سفکها علی حال .

ومتی ما تولّی شیئاً من أمور السّلطان من الإمارة والجبایة والقضاءِ وغیر ذلک من أَنواع الولایات ، فلا بأسَ أن یَقْبَلَ علی ذلک الأرزاق والجوائز والصِّلات . فإن کان ذلک من

ص: 165

جهة سلطان عادل ، کان ذلک حلالاً له طِلْقاً ، وإن کان من جهة سلطان الجَوْر ؛ فقد رُخِّصَ له فی قبول ذلک من جهتهم ، لأن له حظّاً فی بیت المال .

ویجتهِدُ أن یُخرج من جمیع ما یَحصُلُ له من جهتهم الخمس ویَضَعَه فی أربابه ، والباقی یواسی منه إخوانه مِن المؤمنین ویصلهم ببعضه وینتفع هو بالبعض . ولا یجوز له أن یَقْبَلَ مِنْ جوائزهم وصلاتهم ما یَعْلَمُهُ ظلماً وغصباً ویتعیّنُ له ، فإن لم یتعیّن له ذلک ، وإن عَلِم أنّ الُمجیزَ له ظالم لم یکنْ به بأسٌ بقبول جوائِزه ویکون مباحاً له والإثم علی ظالمه»(1) .

وقال القاضی عبد العزیز بن البراج : « السلطان علی ضربین : أحدهما سلطان الإسلام والآخر السلطان الجائر ، فأمّا سلطان الإسلام العادل فهو مندوب إلی خدمته ومُرَغَّبٌ فیها ، وربّما وجب ذلک علی المکلَّف طائفة لما فیه من وجوب إتباعه وطاعته فی أمره ونهیه .

فإذا ولّی السلطانُ إنساناً إمارة وحکماً أو غیر ذلک مِن الولاة علیه وجب علیه طاعته فی ذلک وترک الخلاف له فیه ، وجاز قبول جوائزه وصلاته والتصرف فی الجمیع علی کلِّ حال .

وأمّا السلطان الجائر : فلا یجوز لأحدٍ أن یتولّی شیئاً من الاُمور مِنْ قِبَلِه إلاّ أن یعلم أو یغلب علی ظنِّه أنّه إذا تولّی ولایة من جهته ، تمکَّن من الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، وقسمة الأخماس والصدقات علی مستحقّها وصلة الإخوان ، ولا یکون فی شیءٍ من ذلک تارکاً لواجب ولا مخلاً به ولا فاعلاً بشیءٍ من القبائح ، فإنّه حینئذ مستحب له التعرض لتولّی الاُمور من جهته . وإن علم أو غَلَب علی ظنِّه أنّه لا یتمکَّن مِنْ ذلک وأنّه لا یخلو من تفریط یلحقه فی الواجبات ویحتاج إلی ارتکاب بعض المقبَّحات ، لم یجز له تولّی ذلک . فإن ألزمه السلطان الجائر بالولایة إلزاماً لا یبلغ ترکه الإجابة إلی ذلک الخوف علی النفس وسلب المال وإن کان ربّما لحقه بعض الضرر أو لحقه فی ذلک مشقة فالاُولی أن یتحمَّل تلک المشقة ویتکلّف مضرتها ، ولا یتعرَّض للولایة من جهته .

ص: 166


1- (1) النهایة / (358 _ 356) .

وإن خاف علی نفسه أو علی أحدٍ مِنْ أهله أو بعض المؤمنین أو علی ماله جاز له أن یتولّی ذلک ویجری علی وضع الأمور فی مواضعها ، وإن لم یتمکن من فعل ذلک اجتهد فیما یتمکَّن منه ، وإن لم یتمکن من فعل ذلک ظاهراً فَعَلَه سرّاً ، لا سیما حقوق الإخوان والتخفیف عنهم من جور السلاطین الجور من خراج أو غیره .

وإذا لم یتمکن من القیام بحقٍّ من الحقوق والحال فی التقیة علی ما ذکرناه جاز له أنْ یتقی فی سائر الاُمور والأحکام التی لا یبلغ إلی سفک دمٍ محرّمٍ ، لأنّ هذا الدم لیس فی سفکه تقیة . وإذا تولّی إنسانٌ من قبل السلطان الجائر ولایةً ، جاز له علی جهة الرخصة قبول الأرزاق والجوائز منه ، لأنّ له قسطاً مِنْ بیت مال المسلمین»(1) .

وقال قطب الدین الراوندی فی فقه القرآن : « اعلم أن تقلّد الأمر من قبل السلطان الجائر إذا تمکن من إیصال الحقِّ إلی مستحقه جائز .

یدلّ علیه _ بعد الإجماع المتردّد والسنة الصحیحة _ قول اللّه تعالی حکایة عن یوسف علیه السلام «قَالَ اجْعَلْنِی عَلَی خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّی حَفِیظٌ عَلِیمٌ»(2) طلب ذلک إلیه لیحفظه عمّن لا یستحقه ویوصله إلی الوجوه التی یجب صرف الأموال إلیها ولذلک رغب إلی الملک فیه ، لأنّ الأنبیاء لا یجوز أن یرغبوا فی جمع أموال الدنیا إلاّ لما قلناه . فقوله : «حَفِیظٌ» أی حافظ للمال عمّن لا یستحقه علیهم بالوجوه التی یجب صرفه إلیها . ومتی علم الإنسان أو غلب علی ظنه أنّه لا یتمکن مع جمیع ذلک فلا یجوز له التعرض له علی حال ... »(3) .

وقال ابن إدریس الحلی : « السلطان علی ضربین ، أحدهما سلطان الحقّ العادل والآخر سلطان الجور الظالم المتقلب ، فأمّا الأوّل فمندوب إلی خدمته ومعاونته ومرغب فیها ، وربّما وجب ذلک علی المکلف ، بأن یدعوه فیجب امتثال أمره ، فإذا ولّی هذا السلطان إنساناً إمارةً أو حکماً أو غیر ذلک من ضروب الولایات وجب علیه طاعته فی ذلک وترک الخلاف له فیه ، وجائز قبول جوائزه وصلاته وأرزاقه وسائغ التصرف فی ذلک علی کلِّ حالٍ .

ص: 167


1- (1) المهذب 1 / 347 و 346 .
2- (2) سورة یوسف / 55 .
3- (3) فقه القرآن 2 / 24 .

وأمّا السلطان الجائر فلا یجوز لأحدٍ أن یتولّی شیئاً من الاُمور مختاراً من قبله ، إلاّ من یعلم أو یغلب علی ظنه أنّه إذا تولّی ولایةً من جهته ، تمکن من الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وقسمة الأخماس والصدقات إلی مستحقیها وصلة الإخوان ، ولا یکون فی شیءٍ من ذلک تارکاً لواجب ولا مخلاًّ به ولا فاعلاً لقبیح ، فإنّه حینئذ مستحبٌ له التعرض لتولی الأمر من جهته . فإن عَلِم أو ظنّ أنّه لا یتمکن من ذلک وأنّه لابدّ من الإخلال بواجب ، أو أن یفعل قبیحاً لم یجز له تولّی ذلک ، فإن ألزمه السلطان الجائر بالولایة إلزاماً لا یبلغ ترکه الإجابة إلی ذلک ، الخوف علی النفس وسلب المال . وإن کان ربّما کان لحقه بعض الضرر أو لحقته فی ذلک مشقة ، فالاُولی أن یتحمّل تلک المشقة ویتکلّف مضرّتها ، ولا یتعرّض للولایة من جهته ، فإن خاف علی نفسه أو علی أحد من أهله أو المؤمنین أو علی ماله جاز أن یتولّی ذلک ، وساغ له عند هذا الخوف الدخول فیه بعد إلزامه له وخوفه المذکور منه ، ویجتهد ویحرص بعد هذا کلّه علی وضع الاُمور الشرعیة مواضعها ، وإقرار الحقّ مقره ، فإن لم یتمکن من ذلک اجتهد فیما یتمکن منه . فإن لم یتمکن من فعل شیءٍ ظاهراً فعله سرّاً ، لا سیما فیما یتعلق بحقوق الإخوان فی الدین والتخفیف عنهم من ظلم السلاطین الجورة ، من خراج وغیره . فإن لم یتمکن من القیام بحقٍّ من الحقوق والحال فی التقیة علی ما ذکرناه جاز له أن یتقی فی جمیع الأشیاء وسائر الاُمور والأحکام التی لا تبلغ إلی قتل النفوس وسفک الدماء المحرّمة ، لأنّ ذلک لیس فیه تقیة عند أصحابنا ، لاخلاف بینهم أن لا تقیة فی قتل النفس وسفک الدماء . فإذا کان الأمر فی التقیة ما ذکرناه جاز له قبول جوائزه وصلاته ما لم یعلم أن ذلک ظلم بعینه ، فإذا لم یعلم أنّه بعینه ظلم فلا بأس بقبوله وإن کان المجیز له ظالماً . وینبغی له أن یخرج الخمس من کلِّ ما یحصل من ذلک ویوصله إلی أربابه ومستحقیه ، وینبغی له أن یصل إخوانه من الباقی بشیءٍ ویتصرف هو فی منافعه بالبعض الذی یبقی من ذلک»(1) .

وقال المحقق فی الشرائع : « الرابعة : الولایة من قبل السلطان العادل جائزةٌ وربّما وجبت کما إذا عیَّنه إمام الأصل ، أو لا یمکن دفع المنکر أو الأمر بالمعروف إلاّ بها . وتحرم من

ص: 168


1- (1) السرائر 2 / 203 و 202 .

قبل الجائر إذا لم یأمن اعتماد ما یحرم ، ولو أمِنَ ذلک وقدر علی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر استُحِبَّت . ولو أکره جاز له الدخول دفعاً للضرر الیسیر علی کراهیة وتزول الکراهیة ، لدفع الضرر الکثیر ، کالنفس أو المال أو الخوف علی بعض المؤمنین .

الخامسة : إذا أکرهه الجائر علی الولایة جاز له الدخول والعمل بما یأمره مع عدم القدرة علی التفصِّی ، إلاّ فی الدماء المحرّمة فإنّه لا تقیة فیها»(1) .

وقال فی النافع : « السادسة : الولایة من العادل جائزة وربما وجبت وعن الجائر محرّمة إلاّ مع الخوف . نعم لو تَیَقَّن التخلص من المآثم والتمکن من الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر استحبت . ولو أکره لا مع ذلک أجاب دفعاً للضرر ، وینفذ أمره ولو کان محرّماً إلاّ فی قتل المسلم»(2) .

وقال العلامة فی التذکرة : « الولایة من قبل العادل مستحبة ، وقد تجب إذا ألزمه بها أو کان الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر لا یتمّ إلاّ بولایته .

وتحرم من الجائر إلاّ مع التمکن من الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر أو مع الإکراه بالخوف علی النفس أو المال أو الأهل أو بعض المؤمنین ، فیجوز حینئذ اعتماد ما یأمره إلاّ القتل الظلم ، فإنّه له فعله وإن قُتل .

ولو خاف ضرراً یسیراً بترک الولایة ، استحبّ له تحمّله وکرهت له الولایة»(3) .

وقال فی نهایة الإحکام : « ویحرم الولایة من قبل الجائر لما فیه من المساعدة علی الظلم ، لقول الصادق علیه السلام : « لا تعنهم علی بناء مسجد(4) » ، ولو عرف أنّه یتمکن من الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر والتحرز عن المظالم ، جاز بل استحب ، ولو لم یأمن الدخول فی الظلم حرم . فإن أکره علی الدخول جاز دفعاً للضرر الیسیر علی کراهیة ، ولو کان الضرر کثیراً کالنفس أو المال أو الخوف علی بعض المؤمنین جاز وزالت الکراهیة ، فإن تعذّر جاز مع

ص: 169


1- (1) الشرائع 2 / 6 .
2- (2) المختصر النافع / 118 .
3- (3) تذکرة الفقهاء 12 / 149 مسألة 657 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 180 ح 8 وهی صحیحة یونس بن یعقوب .

الإلزام اعتماد ما لا یسوغ من الظلم ، إلاّ أن یبلغ حد القتل فلا یجوز ، وإن خاف علی نفسه القتل ، فإنّه لا تقیة فی الدماء .

أما الولایة من قبل العادل فإنّها جائزة ، وربما وجبت ، کما لو عیّنه أو لم یکن الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر إلاّ بولایته»(1) .

وقال فی التحریر : « سلطان الحقّ یُستحب خدمته والعمل من قبله ویجب مع الإلزام ویجوز أخذ جوائزه . أمّا الجائر فلا تجوز الولایة منه اختیاراً إلاّ مع العلم بالمکنة من الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، ومع انتفاء العلم والظن بذلک تحرم الولایة من قبله ، ومع العلم بالتمکن من الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، ووضع الأشیاء من الصدقات والمواریث وغیرها مواضعها ، تجوز الولایة من قبل الجائر معتقداً أنّه یفعل ذلک من قبل سلطان الحقّ علی سبیل النیابة .

ولو قهره علی الولایة مع عدم العلم جازت الولایة ولا یعمل بغیر الحقّ ما أمکن ، فإنْ اضطرّ إلی ظلم جاز للضرورة ما لم یبلغ الدماء ، فلا یجوز التقیة فیها علی حالٍ . ولو أمکنه دفع الجائر فی عدم الولایة وجب ، ویُستحبّ مع تحمل الضرر الیسیر . ولو خاف علی نفسه أو ماله أجمع أو علی بعض المؤمنین جازت الولایة»(2) .

وقال فی القواعد : « الولایة من قبل العدل مستحبَّة ، وقد تجب إنْ اُلزم أو افتقر فی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر إلیها ، وتحرم من الجائر إلاّ مع التمکن من الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، أو مع الإکراه بالخوف علی النفس أو المال أو الأهل أو بعض المؤمنین ، فیجوز _ حینئذٍ _ اعتماد ما یأمره إلاّ القتل الظلم ، ولو خاف ضرراً یسیراً بترک الولایة کره له الولایة حینئذ»(3) .

وقال فی الإرشاد : « ولا بأس ... والولایة من قبل العادل ، ومن الجائر مع علمه بالقیام بالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر أو بدونه مع الإکراه ... »(4) .

ص: 170


1- (1) نهایة الإحکام 2 / 525 .
2- (2) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 270 مسألة 3057 .
3- (3) القواعد 2 / 11 .
4- (4) إرشاد الأذهان 1 / 358 .

وقال الشهید : « والولایة عن العادل جائزة بل مستحبة ، وتجب مع الإلزام أو عدم وجود غیره . ویحرم عن الجائر إلاّ مع الإکراه فینفذ ما أکره علیه إلاّ الدماء المحرّمة ... ولو ظنَّ القیام بالحقِّ والاحتساب المشروع لم یحرم . ویجوز له إذا کان مجتهداً إقامة الحدود معتقداً أنّه عن العادل . ویُستحبّ له تحمل الضرر الیسیر فی ترک الولایة ، ولا یجوز تحمّل الضرر الکثیر فی نفسه أو بدنه أو من یجری مجراه من قریب ومؤمن . ویجوز تحمّله فی المال ولا یجب»(1) .

وقال الشیخ شمس الدین محمد بن شجاع القطان الحلّی : « وتجوز الولایة من قبل الإمام ، وقد تجب إذا تعیّن أو توقف الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر علیها . وتحرم من قبل الجائر ، فإن أمِنَ من ارتکاب المحرّم وتمکّن من الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر استحبّت . ولو أکرهه علیها جازت لدفع الضرر الکثیر کالقتل أو الیسیر علی کراهیة ، ویمتثل ما یؤمر به إلاّ القتل ظلماً»(2) .

وعلّق المحقق الثانی علی قول العلامة فی القواعد : « وتحرم من الجائر إلاّ مع التمکن من الأمر بالمعروف ... » بقوله : « إذا علم ذلک علماً یقینیّاً کما صرح به فی المنتهی(3) ، وأمن إدخال الجائر له فیما لا یجوز ، وبدون ذلک یحرم»(4) .

وعلّق المقدس الأردبیلی علی قوله فی الإرشاد : « والولایة من قبل الظالم ... » بقوله : « الظاهر أنّ المراد بالولایة : السلطنة والغلبة علی بعض الناس والبلاد أو کونه حاکماً علیهم من قبله أو کونه عاملاً له ووکیلاً له ونائباً عنه . وقد مرّ ما یدلّ علی تحریمها من تحریم معاونة الظالمین ، والدلیل علیه أکثر من أن یحصی»(5) .

وقال المحقق السبزواری : « لا یجوز التولّی من قبل الجائر إذا لم یأمن الحرام ، ولو أمن

ص: 171


1- (1) الدروس الشرعیة 3 / 174 .
2- (2) معالم الدین فی فقه آل یاسین 1 / 333 .
3- (3) منتهی المطلب 2 / 1024 من الطبع الحجری .
4- (4) جامع المقاصد 4 / 44 .
5- (5) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 68 .

ذلک وتمکّن من الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر جاز ، وعبّر بعضهم بالإستحباب(1) . وقال بعضهم : مقتضی هذا الشرط الوجوب ، لأنّ القادر علی الأمر بالمعروف یجب علیه وإن لم یولّه الظالم(2) . وهو متّجه إن ثبت أنّ الأمر بالمعروف بالقیاس إلی القدرة لیس واجباً مشروطاً ، بل مطلق حتّی یجب علیه تحصیل القدرة إن أمکنه .

ولو أکرهه الجائر علی الولایة جاز القبول بل وجب . وفی المسالک : ضابط الإکراه المسوِّغ للولایة الخوف علی النفس أو المال أو العرض علیه أو علی بعض المؤمنین علی وجه لا ینبغی تحمّله عادةً ، بحسب حال المکرَه فی الرفعة والضعة بالنسبة إلی الإهانة(3) .

وقال جماعة(4) : ولو اُکره جاز له الدخول دفعاً للضرر الیسیر علی کراهیة وتزول الکراهة لدفع الضرر الکثیر . ولو اُکره علی الولایة واُمر بمحرَّم جاز إذا اُکره علیه إلاّ الدماء کما مرّ تحقیق ذلک»(5) .

وقال المحدث البحرانی : « والتحقیق إنّ هنا مقامات ثلاثة :

الأوّل : أن یدخل فی أعمالهم لحبّ الدنیا وتحصیل لذّة الرئاسة والأمر والنهی ، وهو الذی یُحمل علیه أخبار المنع .

الثانی : أن یکون کذلک ، ولکن یمزجه بفعل الطاعات وقضاء حوائج المؤمنین وفعل الخیرات . وهذا هو الذی اُشیر إلیه فی الأخبار المتقدمة ، کما عرفت من قوله علیه السلام : ذابذا(6) . وقوله علیه السلام : واحدة بواحدة(7) . وقوله علیه السلام : وهو أقلّهم حظاً(8) . ونحو ذلک .

ص: 172


1- (1) منهم : الشهید الثانی فی المسالک 3 / 140 .
2- (2) المسالک 3 / 111 .
3- (3) المسالک 3 / 139 .
4- (4) منهم : المحقق فی الشرائع 2 / 6 والعلامة فی المنتهی 2 / 1025 من الطبع الحجری .
5- (5) الکفایة 1 / 447 .
6- (6) وسائل الشیعة 17 / 201 ح 1 صحیحة حسن بن حسین الأنباری .
7- (7) وسائل الشیعة 17 / 194 ح 9 حسنة زیاد بن أبی سلمة .
8- (8) وسائل الشیعة 17 / 186 ح 4 ، خبر مهران بن محمد بن أبی نصر .

الثالث : أن یکون قصده من الدخول فیها إنّما هو محض فعل الخیر ودفع الأذی عن المؤمنین واصطناع المعروف إلیهم ، وهو الفرد النادر وأقل قلیل ، حتّی قیل إنّه من قبیل إخراج اللبن الخالص من بین فرث دم»(1) .

ثمّ یحمل علی هذا القسم دخول أجلاء الشیعة علی السلاطین الظلمة .

وتبعه السید العاملی فی مفتاح الکرامة(2) .

أقول : هذا تطور البحث فی کلماتهم أعلی اللّه مقامهم .

هل الولایة من قبل الجائر محرّم ذاتیٌّ أم لا ؟

اشارة

قد یظهر من بعض أعلام الطائفة أنّ الولایة من قبل الجائر ، نفسها من المحرّمات ، سواء انجرت إلی محرّم خارجی أم لا . نحو العلامة فی کتبه الثلاثة التذکرة(3) والقواعد(4) والتحریر(5) والشهید فی الدروس(6) والمحقق الثانی فی جامع المقاصد(7) والمقدس الأردبیلی فی مجمع الفائدة(8) والمحقق السبزواری فی الکفایة(9) والسید مهدی بحر العلوم فی المصابیح کما نقل عنه فی الجواهر(10) والشیخ جعفر فی شرح القواعد(11) والسید الطباطبائی فی الریاض(12)

ص: 173


1- (1) الحدائق 18 / 132 .
2- (2) مفتاح الکرامة 12 / 374 .
3- (3) تذکرة الفقهاء 12 / 149 .
4- (4) القواعد 2 / 11 .
5- (5) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 270 .
6- (6) الدروس 3 / 174 .
7- (7) جامع المقاصد 4 / 44 .
8- (8) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 86 .
9- (9) الکفایة 1 / 447 .
10- (10) الجواهر 22 / 159 .
11- (11) شرح القواعد 1 / 331 .
12- (12) ریاض المسائل 8 / 207 .

والشیخ الأعظم(1) وعمّنا آیة اللّه الشیخ محمد علی النجفی(2) والمؤسس الحائری(3) والمحققان الخمینی(4) والخوئی(5) .

وقد یظهر من بعضهم أنّ حرمتها عرضیة ، یعنی إذا ارتکب الوالی من قبلهم المحرَّمات یکون فعله حراماً وإذا لم یرتکب الحرام فلیس علیه شیءٌ . کما هو الظاهر من الشیخ فی النهایة(6) والقاضی ابن البراج فی المهذب(7) وقطب الدین الراوندی فی فقه القرآن(8) وابن إدریس فی السرائر(9) والمحقق فی الشرائع(10) والنافع(11) والعلامة فی نهایته(12) وابن قطان الحلی فی معالم الدین(13) وثانی الشهیدین فی المسالک(14) والإیروانی فی حاشیته علی المکاسب(15) والأردکانی فی الغنیة(16) .

هذان القولان الرئیسیان فی المقام ، وهناک أقوال اُخری :

ص: 174


1- (1) المکاسب 2 / 70 .
2- (2) معاصی کبیرة / 116 .
3- (3) المکاسب المحرمة / 82 من تقریر تلمیذه آیة اللّه الشیخ محمد علی الأراکی .
4- (4) المکاسب المحرمة 2 / 115 .
5- (5) مصباح الفقاهة 1 / 436 .
6- (6) النهایة / 356 .
7- (7) المهذب 1 / 346 .
8- (8) فقه القرآن 2 / 24 .
9- (9) السرائر 2 / 202 .
10- (10) الشرائع 2 / 6 .
11- (11) المختصر النافع / 118 .
12- (12) نهایة الإحکام 2 / 525 .
13- (13) معالم الدین فی فقه آل یس 1 / 333 .
14- (14) المسالک 3 / 140 .
15- (15) حاشیة المکاسب 1 / 252 .
16- (16) غنیة الطالب 1 / 192 .

نحو : قول صاحب المستند حیث یقول : « فالقول الفصل أن یقال : إنّ الکلام فی التولیة عنهم (أی عن سلاطین عهد الأئمة المعصومین علیهم السلام من أبناء اُمیّة والعباس لعنهم اللّه تعالی) أو عن غیرهم من سلاطین الجور ، أمّا الأوّل فالأصل فیه الحرمة وإن إنفکّ عن العمل وارتکاب المآثم لإطلاق المستفیضة و ... .

وأمّا الثانی : فلا تحرم نفس التولیة إلاّ إذا کانت إعانة علی محرَّم آخر ، للأصل وقد تُستحب وقد تجب ... »(1) .

وقول صاحب الجواهر حیث یقول : « والأحسن منه الجمع بحمل نصوص المنع علی الولایة علی المحرّمات أو الممزوجة بالحرام والحلال ونصوص الجواز علی الولایة علی المباح کجبایة الخراج ونحوه ممّا جوّز الشارع معاملة الجائر فیه معاملة العادل ... »(2) .

ومستند الکلّ هو الروایات ، فلابدّ من ملاحظتها وهی علی طوائف :

طوائف من الروایات
الطائفة الأولی : ما دلّ علی حرمتها الذاتیة .

منها : مرسلة الحسن بن علی بن شعبة عن الصادق علیه السلام فقال فی حدیث : فإحدی الجهتین من الولایة ولایة ولاة العدل الذین أمر اللّه بولایتهم علی الناس والجهة الاُخری ولایة ولاة الجور ، فوجه الحلال من الولایة ولایة الوالی العادل وولایة ولاته بجهة ما أمر به الوالی العادل بلا زیادة ولا نقصان ، فالولایة له والعمل معه ومعونته وتقویته حلال محلّل . وأما وجه الحرام من الولایة فولایة الوالی الجائر وولایة ولاته ، فالعمل لهم والکسب معهم بجهة الولایة لهم حرام محرّم معذب فاعل ذلک علی قلیل من فعله أو کثیر ، لأنّ کلّ شیءٍ من جهة المؤونة له معصیة کبیرة من الکبائر ، وذلک أنّ فی ولایة الوالی الجائر دروس الحقّ کلّه ، فلذلک حرّم العمل معهم ومعونتهم والکسب معهم إلاّ بجهة الضرورة ، نظیر الضرورة إلی الدم والمیتة ، الحدیث(3) .

ص: 175


1- (1) مستند الشیعة 14 / 198 .
2- (2) الجواهر 22 / 161 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 83 ح 1 . الباب 2 من أبواب ما یکتسب به .

أقول : قد مرّ البحث حول هذه المرسلة الشریفة مفصلاً فی أوائل المجلد الأوّل من الکتاب فلا نعیده ، فراجعه إن شئت(1) .

ومنها : صحیحة الولید بن صبیح الأسدی قال : دخلت علی أبی عبد اللّه علیه السلام فاستقبلنی زرارة خارجاً من عنده ، فقال لی أبو عبد اللّه علیه السلام : یا ولید أما تعجب من زرارة ؟ سألنی عن أعمال هؤلاء أیّ شیءٍ کان یرید ؟ أیرید أن أقول له : « لا» فیروی ذاک علیَّ . ثمّ قال : یاولید متی کانت الشیعة تسأل عن أعمالهم ؟ إنّما کانت الشیعة تقول : یؤکل من طعامهم ویشرب من شرابهم ویستظل بظلّهم ، متی کانت الشیعة تسأل عن هذا(2) ؟

ومنها : صحیحة محمد بن مسلم قال : کنّا عند أبی جعفر علیه السلام علی باب داره بالمدینة فنظر إلی الناس یمرون أفواجاً فقال لبعض من عنده : حدث بالمدینة ، أمرٌ ؟ فقال : أصلحک اللّه ولّی المدینة والٍ فغدا الناس یهنّؤونه ، فقال : إنّ الرجل لیفدی علیه بالأمر یهنّیء به ، وإنّه لباب من أبواب النار(3) .

ومنها : صحیحة حُمید قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : إنّی ولیت عملاً فهل لی من ذلک مخرجٌ ؟ فقال : ما أکثر مَنْ طلب المخرج مِنْ ذلک فعسر علیه ! ، قلت : فماتری ؟ قال : أری أنْ تتقی اللّه عزّ وجلّ ولا تعد(4) .

الظاهر أنّ المراد بحمید هو « ابن المثنی العِجْلِیّ أبو المغراء مولاهم روی عن أبی عبداللّه علیه السلام وأبی الحسن علیه السلام ، کوفیٌّ ثقة ثقة»(5) .

ومنها : موثقة مسعدة بن صدقة قال : سأل رجل أبا عبد اللّه علیه السلام عن قوم من الشیعة یدخلون فی أعمال السلطان یعملون لهم ویحبّون لهم ویوالونهم ، قال : لیس هم من الشیعة ولکنّهم من أولئک ، ثمّ قرأ أبو عبد اللّه علیه السلام هذه الآیة : «لُعِنَ الَّذِینَ کَفَرُواْ مِن بَنِی إِسْرَائِیلَ

ص: 176


1- (1) راجع هذا الکتاب 1 / 16 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 187 ح 1 . الباب 45 من أبواب ما یکتسب به .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 188 ح 2 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 189 ح 5 .
5- (5) رجال النجاشی / 133 الرقم 340 .

عَلَی لِسَانِ دَاوُودَ وَعِیسَی ابْنِ مَرْیَمَ» إلی قوله «وَلَکِنَّ کَثِیراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ»(1) قال : الخنازیر علی لسان داود والقردة علی لسان عیسی «کَانُواْ لاَ یَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنکَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا کَانُواْ یَفْعَلُونَ»(2) . قال : کانوا یأکلون لحم الخنزیر ویشربون الخمور ، ویأتون النساء أیام حیضهنَّ ، ثمّ احتج اللّه علی المؤمنین الموالین للکفّار ، فقال : «تَرَی کَثِیراً مِّنْهُمْ یَتَوَلَّوْنَ الَّذِینَ کَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ» إلی قوله «وَلَکِنَّ کَثِیراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ»(3) فنهی اللّه عزّ وجلّ أن یوالی المؤمنُ الکافرَ إلاّ عند التقیة(4) .

ومنها : صحیحة سلیمان بن الجعفری قال : قلت لأبی الحسن الرضا علیه السلام : ما تقول فی أعمال السلطان ؟ فقال : یا سلیمان الدخول فی أعمالهم والعون لهم والسعی فی حوائجهم عدیل الکفر ، والنظر إلیهم إلی العمد من الکبائر التی یستحق بها النار(5) .

قد مرّ فی بحث معونة الظالمین(6) أنّ هذه الروایة صحیحة الإسناد ، لأنّ العیاشی نقل عن الجعفری بلا واسطة ، وهو ینقل عن الرضا علیه السلام ، فالروایة صارت صحیحة الإسناد .

ومنها : جمیع ما دلّ من الروایات علی تحریم معونة الظالمین(7) الّتی مرّت منّا بعضها(8) .

ومنها : الروایات التی دلّت علی تحریم صحبة الظالمین ومحبة بقائهم(9) .

ص: 177


1- (1) سورة المائدة / (81 _ 78) .
2- (2) سورة المائدة / 79 .
3- (3) سورة المائدة / 80 و 81 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 190 ح 10 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 191 ح 12 .
6- (6) راجع هذا المجلد ، صفحة 119 .
7- (7) راجع وسائل الشیعة 17 / 177 الباب 42 من أبواب ما یکتسب به ، ومستدرک الوسائل 13 / 122 الباب 35 من أبواب ما یکتسب به .
8- (8) راجع هذا المجلد ، صفحة 114 ومابعدها .
9- (9) راجع وسائل الشیعة 17 / 185 . الباب 44 من أبواب ما یکتسب به ومستدرک الوسائل 13 / 128 . الباب 37 من أبواب ما یکتسب به .
الطائفة الثانیة : ما دلّ علی حرمتها العرضیة .

منها : صحیحة داود بن زُرْبی قال : أخبرنی مولی لعلّی بن الحسین علیه السلام قال : کنت بالکوفة فقدم أبو عبد اللّه علیه السلام الحیرة فأتیته ، فقلت : جعلت فداک لو کلّمت داود بن علی أو بعض هؤلاء فأدخل فی بعض هذه الولایات ، فقال : ما کنت لأفعل . إلی أن قال : جعلت فداک ظننت أنّک إنّما کرهت ذلک مخافة أن أجور أو أظلم ، وإنّ کلّ إمرأة لی طالق وکلّ مملوک لی حرٌّ وعلیَّ وعلیَّ إن ظلمتُ أحداً أو جرتُ علیه ، وإن لم أعدل . قال : کیف قلت ؟ فأعدت علیه الأیمان ، فرفع رأسه إلی السماء ، فقال : تناول السماء أیسر علیک من ذلک ! !(1) .

الروایة ضعیفة الإسناد ، لأن المولی لعلی بن الحسین علیه السلام المذکور فی الروایة لم یعیّن شخصه ، فهو کالمجهول عندنا من حیث الوثاقة . ولکن السند إلی داود صحیح وداود بن زُرْبی ثقة علی الأظهر ، فالتعبیر عنها بالصحیحة کما عن الشیخ الأعظم(2) قدس سره غیر تام .

وأمّا دلالتها علی الحرمة العرضیة ، قال الشیخ الأعظم بعد نقلها : « بناءً علی أنّ المشار إلیه هو العدل وترک الظلم ، ویحتمل أن یکون هو الترخّص فی الدخول»(3) .

ثمّ استشکل علیه المحقق الإیروانی بقوله : « لا دلالة فی الروایة علی الجواز حتّی علی هذا البناء ، غایتها الإشعار ، بل لا إشعار أیضاً بعد ملاحظة أنّ السائل من العامة ، کما یظهر من حلفه بالطلاق والعتاق ، فإن التخلّص منه حینئذ ینحصر بما صنعه علیه السلام بعد عدم تیسّر التصریح بحکم الکبری ، وأنّ الدخول فی أعمالهم حرام علی کلّ حالٍ»(4) .

وأجابه شیخنا الأستاذ _ مدظله _ ب_ « أنّ حمل الکلام علی رعایة التقیة خلاف الأصل ، والحلف بالطلاق والعتاق لا تکون قرینة علی ذلک ، کما یظهر ذلک لمن راجع الروایات الواردة فی ذلک الحلف ، حیث یظهر منها أن بطلانه لم یکن فی ذلک الزمان ظاهراً کظهوره فی زماننا ، والحاصل أنّ مجرد الحلف فی ذلک الزمان لم یکن قرینة علی کون الحالف

ص: 178


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 188 ح 4 الباب 45 من أبواب ما یکتسب به .
2- (2) المکاسب 2 / 70 .
3- (3) المکاسب 2 / 71 .
4- (4) الحاشیة علی المکاسب 1 / 253 .

عامیّاً»(1) .

أقول : الحقّ مع شیخنا الأستاذ _ مدظله _ من عدم ظهور الفرع فی ذاک الزمان ، ویظهر لک بعد ملاحظة الروایات الواردة فی الباب 14 من أبواب کتاب الأیمان من وسائل الشیعة 23/230 ، ولکن دلالة الروایة علی الحرمة العرضیة غیر تامة ، لأنّها مستفادة من کلام الراوی لا الإمام علیه السلام ، ولم یرد فی کلامه علیه السلام ما یدلّ علیها إلاّ اسم الإشارة ، والمشار إلیه کما یمکن أن یکون ما ذکره شیخنا الأنصاری ، یمکن أن یکون أداء الأیمان أو الدخول فی الحکم والولایة أو الدخول فیها والعمل علی العدالة أو غیر ذلک ، وإذا جاء الإحتمال بطل الإستدلال . واللّه سبحانه هوالعالم .

ومنها : خبر مناهی النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : من تولّی عرافة قوم اُتی به یوم القیامة ویداه مغلولتان إلی عنقه ، فإن قام فیهم بأمر اللّه عزّ وجلّ أطلقه اللّه وإن کان ظالماً هوی به فی نار جهنم وبئس المصیر(2) .

ومنها : خبر آخر خطبة خطبها النبی صلی الله علیه و آله وسلم بالمدینة أنّه قال فیها : من تولّی عرافة قوم حُبس علی شفیر جهنم بکلّ یوم ألف سنة وحُشر ویده مغلولة إلی عنقه ، فإن قام فیهم بأمر اللّه أطلقها اللّه ، وإن کان ظالماً هوی به فی نار جهنم سبعین خریفاً(3) .

ومنها : صحیحة علی بن یقطین قال : قال لی أبو الحسن موسی بن جعفر علیه السلام : إنّ للّه تبارک وتعالی مع السلطان أولیاء یدفع بهم عن أولیائه(4) .

ومنها : حسنة عبید بن زرارة أنّه قال : بعث أبو عبد اللّه علیه السلام رجلاً إلی زیاد بن عبید اللّه فقال : وأدِ نقص عملک(5) .

ومنها : حسنة زید الشحام قال : سمعت الصادق جعفر بن محمد علیه السلام یقول : مَنْ تولّی

ص: 179


1- (1) إرشاد الطالب 1 / 259 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 189 ح 6 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 189 ح 7 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 192 ح 1 . الباب 46 من أبواب ما یکتسب به .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 193 ح 4 .

أمراً من اُمور الناس فعدل وفتح بابه ورفع ستره ونظر فی اُمور الناس کان حقّاً علی اللّه عزّ وجلّ أن یؤمن روعته یوم القیامة ویدخله الجنة(1) .

ومنها : صحیحة الحلبی قال : سُئل أبو عبد اللّه علیه السلام عن رجل مسلم وهو فی دیوان هؤلاء وهو یحب آل محمد علیهم السلام ویخرج مع هؤلاء فی بعثهم فیقتل تحت رأیتهم ؟

قال : یبعثه اللّه علی نیته .

قال : وسألته عن رجل مسکین خدمهم رجاء أن یصیب معهم شیئاً فیعنیه اللّه به فمات فی بعثهم ؟ قال : هو بمنزلة الأجیر ، إنّه إنّما یعطی اللّه العباد علی نیّاتهم(2) .

ومنها : جمیع ما ورد من الروایات فی جواز قبول الولایة من الجائر لنفع المؤمنین والدفع عنهم(3) .

الطائفة الثالثة : ما دلّ علی حرمة العمل لبنی أمیّة والعباس المعاصرین للأئمّة .

بعض الروایات تدلّ حرمة العمل للخلفاء المعاصرین لأئمتنا المعصومین علیهم السلام :

منها : مرسلة ابن إدریس نقلاً عن کتاب مسائل الرجال عن أبی الحسن علی بن محمد علیه السلام : إنّ محمد بن علی بن عیسی کتب إلیه یسأله عن العمل لبنی العباس وأخذ ما یتمکن من أموالهم هل فیه رخصة ؟ فقال : ما کان المدخل فیه بالجبر والقهر فاللّه قابل العذر ، وما خلا ذلک فمکروه ، ولا محالة قلیله خیر من کثیره ، وما یکفر به ما یلزمه فیه من یرزقه ویسبب علی یدیه ما یسرّک فینا وفی موالینا . قال : فکتبت إلیه فی جواب ذلک أعلمه أنّ مذهبی فی الدخول فی أمرهم وجود السبیل إلی إدخال المکروه علی عدوه ، وانبساط الید فی التشفی منهم بشیءٍ أن نقرّب به إلیهم ، فأجاب : من فعل ذلک فلیس مدخله فی العمل حراماً بل أجراً وثواباً(4) .

أقول : دلالة ذیل الحدیث علی الحرمة العرضیة واضحة ، وإن کان صدرها یدلّ علی

ص: 180


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 193 ح 7 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 201 ح 2 . الباب 48 من أبواب ما یکتسب به .
3- (3) راجع فی هذا المجال وسائل الشیعة 17 / 192 الباب 46 من أبواب ما یکتسب به ، ومستدرک الوسائل 13 / 130 الباب 39 من أبواب ما یکتسب به .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 190 ح 9 . الباب 45 من أبواب ما یکتسب به .

الحرمة الذاتیة .

ومنها : خبر ابن بنت الولید بن صبیح الکاهلی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : من سوّد اسمه فی دیوان ولد سابع حشره اللّه یوم القیامة خنزیراً(1) .

« سابع » قلب « عباس » ورواها الصدوق بإسناده عنه : من سوّد اسمه فی دیوان الجبارین من ولد فلان - الخ(2) .

ومنها : خبر الولید بن صبیح الکاهلی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : من سوّد اسمه فی دیوان بنی شیصبان حشره اللّه یوم القیامة مسوداً وجهه ، إلاّ من دخل فی أمرهم علی معرفة وبصیرة وینوی الإحسان إلی أهل ولایته(3) .

الشیصبان : اسم للشیطان ، وقیل : أبو قبیلة من الجن ، وهو کنایة عن ولاة الجور والطواغیت فی تلک الأیام .

ومنها : موثقة مسعدة بن صدقة(4) الماضیة فی الطائفة الاُولی من الروایات ، لأنّ المراد بالسلطان المذکور فیها هو سلطان الوقت ، أعنی خلفاء الجور کما هو الظاهر .

ومنها : صحیحة سلیمان الجعفری(5) الماضیة بعین الاستدلال الوارد فی الروایة السابقة .

ومنها : خبر علی بن أبی حمزة البطائنی قال : کان لی صدیق من کتّاب بنی أمیّة ، فقال لی : استأذن لی علی أبی عبد اللّه علیه السلام ، فاستأذنت له فأذن له ، فلمّا دخل سلّم وجلس ثمّ قال : جعلت فداک إنّی کنتُ فی دیوان هؤلاء القوم فأصبت من دنیاهم مالاً کثیراً وأغمضت فی مطالبه ، فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : لو لا أنّ بنی أمیّة وجدوا لهم من یکتب ویجبی لهم الفیء ویقاتل عنهم ویشهد جماعتهم لما سلبونا حقّنا ، ولو ترکهم الناس وما فی أیدیهم ما وجدوا شیئاً إلاّ ما

ص: 181


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 180 ح 9 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 186 ح 6 .
3- (3) مستدرک الوسائل 13 / 131 ح 6 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 190 ح 10 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 191 ح 12 .

وقع فی أیدیهم ، الحدیث(1) .

رواها الکلینی فی الکافی 5 / 106 ح 4 والشیخ فی التهذیب 6 / 332 ح 41 وروی الکلینی نظیرها فی خبر أبی بصیر فراجع الکافی 1 / 474 ح 5 .

ومنها : صحیح وهب بن عبد ربه وعبید اللّه الطویل عن شیخ من النخع قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : إنّی لم أزل والیاً منذ زمن الحجاج إلی یومی هذا ، فهل لی من توبة ؟ قال : فسکت ، ثمّ أعدت علیه ، فقال : لا حتّی تؤدّی إلی کلّ ذی حقٍّ حقّه(2) .

أقول : حرمة الدخول فی ولایة بنی أمیّة مفروغ عنها فی الروایات الأخیرة ، أعنی خبر علی بن أبی حمزة البطائنی وخبر أبی بصیر وخبر شیخ من النخع ، أی الدخول أمرٌ محرَّم ویعلمه حتّی الداخلین .

الطائفة الرابعة : ما دلّ علی معاملة الجائر فی الخراج والمقاسمة معاملة العادل

الطائفة الرابعة : ما دلّ علی معاملة الجائر فی الخراج والمقاسمة معاملة العادل عدة من الروایات تدلّ علی جواز المعاملة مع الجائر وعماله فی غلات المقاسمة وأموال الخراج وأنعام الزکاة ، وأنّ المعاملة معه کالمعاملة مع العادل :

منها : صحیحة زرارة قال : إشتری ضریس بن عبد الملک وأخوه هبیرة اُرزاً بثلاثمائة ألف . قال : فقلت له : ویلک أو ویحک أنظر إلی خمس هذا المال ، فابعث به إلیه ، واحتبس الباقی ، فأبی علیَّ . قال : فأدّی المال وقدم هؤلاء . فذهب أمر بنی اُمیّة ، قال : فقلت ذلک لأبی عبداللّه علیه السلام ، فقال مبادراً للجواب : هوله هوله ، فقلت له : إنّه قد أدّاها ، فعضّ علی إصبعه(3) .

ومنها : صحیحة معاویة بن وهب قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : أشتری من العامل الشیء وأنا أعلم أنّه یظلم ؟ فقال : إشتر منه(4) .

ومنها : صحیحة أبی عبیدة عن أبی جعفر علیه السلام قال : سألته عن الرجل منّا یشتری من السلطان من إبل الصدقة وغنم الصدقة وهو یعلم أنّهم یأخذون منهم أکثر من الحقّ الذی

ص: 182


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 199 ح 1 . الباب 47 من أبواب ما یکتسب به .
2- (2) وسائل الشیعة 16 / 52 ح 3 . الباب 78 من أبواب جهاد النفس .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 218 ح 2 . الباب 52 من أبواب ما یکتسب به .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 219 ح 4 .

یجب علیهم ؟ قال : فقال : ما الإبل إلاّ مثل الحنظة والشعیر وغیر ذلک ، لا بأس به حتّی تعرف الحرام بعینه . قیل له : فما تری فی مصدّق یجیئنا فیأخذ منّا صدقات أغنامنا فنقول : بعنا فیبیعناها ، فما تقول فی شرائها منه ؟ فقال : إن کان قد أخذها وعزلها فلا بأس . قیل له : فما تری فی الحنطة والشعیر یجیئنا القاسم فیقسم لنا حظّنا ، ویأخذ حظّه فیعزله بکیل فما تری فی شراء الطعام منه ؟ فقال : إن کان قبضه بکیل وأنتم حضور ذلک فلا بأس بشرائه منه من غیر کیل(1) .

ومنها : صحیحة جمیل بن صالح قال : أرادوا بیع تمر عین أبی ابن زیاد فأردت أن أشتریه ، فقلت : حتّی أستأذن أبا عبد اللّه علیه السلام ، فأمرت مصادف فسأله ؟ فقال له : قل له : فلیشتره ، فإنّه إن لم یشتره إشتراه غیره(2) .

ومنها : معتبرة عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن الرجل أیشتری من العامل وهو یظلم ؟ فقال : یشتری منه(3) .

وجه الجمع بین الطوائف الأربع

اشارة

الطائفة الاُولی هی مستند القول الأوّل بأنّ الولایة من قبل الجائر نفسها من المحرّمات الخارجیة .

والطائفة الثانیة هی مستند القول الثانی بأنّ حرمتها عرضیة ، أی إذا ارتکب الوالی من قبلهم المحرَّمات یکون فعله حراماً .

والطائفة الثالثة هی مستند قول صاحب المستند بأنّ الولایة فی زمن خلفاء بنی أمیّة وبنی العباس المعاصرین للأئمّة المعصومین حرام ذاتاً ، وأمّا غیرهم من سلاطین فلا بأس قبول الولایة منهم إلاّ إذا ارتکب محرّم خارجی أو أعانة علیه ، کما یُستفاد هذا الأخیر من الروایات المجوّزة .

والطائفة الرابعة هی مستند قول صاحب الجواهر ، وهی شاهد جمع بین الطائفتین من

ص: 183


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 219 ح 5 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 220 ح 1 . الباب 53 من أبواب ما یکتسب به .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 221 ح 3 .

حمل الروایات المجوِّزة علی الولایات المحلّلة من جبایة الخراج وجمع الزکاة ونحوهما ، وحمل الروایات المانعة علی الولایات المحرّمة نحو غیرهما من الولایات .

فذلکة القول فی المقام

وأقول : آخذ بجمیع الطوائف الأربع ، لأنّها کلّها من المثبتات ولا تنافی بینهنَّ ، ولذا آخذ بالطائفة الاُولی وأقول بأنّ الولایة من قبل الجائر من المحرّمات الذاتیة فنفس قبولها حرام شرعاً .

وآخذ بالطائفة الثانیة وأقول : بأنّ مَن ارتکب فی ولایته الجائرة بعض معاصی اللّه یکتب علیه .

وآخذ بالطائفة الثالثة وأقول : بأنّ قبول الولایة من قبل خلفاء بنی أمیّة والعباس محرَّم شرعاً ، کما أنّ قبولها من غیرهم أیضاً من المحرّمات الشرعیة .

وآخذ بالطائفة الرابعة لا بعنوان شاهد جمع بین الطائفتین بل بأنّ المعاملة مع الخلفاء وعمّالهم فی الخراج والمقاسمة ونحوها لا بأس بها .

فذلکة القول فی المقام : نحن نذهب إلی أنّ الولایة من قبل الجائر من المحرّمات الذاتیة ، ونأخذ أیضاً بمفاد جمیع الطوائف الأربع لأنّها من المثبتات ولا تنافی بینهنَّ کما مرّ ، واللّه سبحانه هو العالم .

ثمّ یسوّغ الولایة المذکورة أمران :

یسوّغ الولایة المذکورة أمران
الأوّل : القیام بمصالح العباد
اشارة

الولایة المحرَّمة یجوّزها الشارع لأجل القیام بمصالح العباد وإیصال النفع إلی المؤمنین ودفع المضارّ عنهم ، وتدلّ علیه قبل الإجماع المحکی(1) عدّة من الروایات المستفیضة :

منها : صحیحة علی بن یقطین الماضیة(2) .

ومنها : حسنة زید الشحام الماضیة(3) .

ومنها : حسنة زیاد بن أبی سلمة قال : دخلت علی أبی الحسن موسی علیه السلام فقال لی : یا

ص: 184


1- (1) الحاکی هو الشیخ الأعظم فی المکاسب 2 / 72 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 192 ح 1 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 193 ح 7 .

زیاد إنّک لتعمل عمل السلطان ؟ قال : قلت : أجل ، قال لی : ولم ؟ قلت : أنا رجل لی مروءة وعلیّ عیال ولیس وارء ظهری شیء ، فقال لی : یا زیاد لئن أسقط من حالق فأتقطع قطعة أحبّ إلیّ من أن أتولّی لأحد منهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم إلاّ لماذا ؟ قلت : لا أدری جعلت فداک ، قال : إلاّ لتفریج کربة عن مؤمن أو فکّ أسره أو قضاء دینه ، الحدیث(1) .

ومنها : معتبرة أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : ذکر عنده رجل من هذه العصابة قد ولّی ولایة ، فقال : کیف صنیعه إلی إخوانه ؟ قال : قلت : لیس عنده خیر ، قال : اُفّ یدخلون فیما لا ینبغی لهم ولا یصنعون إلی إخوانهم خیراً(2) .

رجال السند کلّهم ثقات ، لأنّ المراد بالحبیب هو ابن یسار الکندی الکوفی ثقة(3) ، إلاّ ابن سنان وهو محمد والمشهور علی تضعیفه والبعض علی توثیقه ، وعلی قول البعض _ کما هو المختار _ صار سند الروایة معتبراً .

ومنها : صحیحة محمد بن عیسی العبیدی قال : کتب أبوعمرالحذاء إلی أبی الحسن علیه السلام وقرأت الکتاب والجواب بخطه ، یعلمه أنّه کان یختلف إلی بعض قضاة هؤلاء وأنّه صیر إلیه وقوفاً ومواریث بعض ولد العباس أحیاءً وأمواتاً ، وأجری علیه الأرزاق ، وأنّه کان یؤدی الأمانة إلیهم ، ثمّ إنّه بعد عاهد اللّه أن لا یدخل لهم فی عمل وعلیه مؤونة وقد تلف أکثر ما کان فی یده وأخاف أن ینکشف عنه ما لا یجب أن ینکشف من الحال ، فإنّه منتظر أمرک فی ذلک فما تأمر به ؟ فکتب علیه السلام إلیه : لا علیک وإن دخلت معهم ونحن ما أنت علیه(4) .

الروایة صحیحة الإسناد ، لأن سند الشیخ إلی محمد بن علی بن محبوب صحیح وهو ثقة ، ومحمد بن عیسی العبیدی ثقة علی الأقوی ، وهو شهد بخط الإمام علیه السلام ، فلا یضرّ جهالة أبی عمر الحذاء ، لأنّه لم یدخل فی السند .

ص: 185


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 194 ح 9 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 195 ح 10 .
3- (3) جامع الرواة 1 / 179 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 197 ح 14 .

وتدلّ علی جواز الدخول فی أمرهم وقبول الولایة منهم لأجل تحصیل المعاش والأرزاق مع أداء الأمانة ، حتّی عدم مراعاة العهد فی ترکه . کما تدلّ علی جواز الدخول معهم لتحصیل المعاش صحیحة الحلبی الماضیة(1) ، ولکن الصحیحة الأخیرة یضاف إلیها عدم لزوم مراعاة العهد فی اللّه فی ترکها ، لأنّ تحصیل المعاش یکون أهمّ واُوجب . والحاصل هاتان الصحیحتان تدلان علی جواز قبول الولایة منهم والدخول فی اُمورهم لأجل تحصیل المعاش والمؤونة ، ولکن الجواز مختص بمن لا یقدر علی تحصیل مؤونته إلاّ بذای عادةً وعرفاً لا عقلاً ، کما تدلّ علیه موثقة عمار بن موسی الساباطی عن أبی عبد اللّه علیه السلام سُئل عن أعمال السلطان یخرج فیه الرجل ؟ قال : لا إلاّ أن لا یقدر علی شیءٍ یأکل ولا یشرب ولا یقدر علی حیلة ، فإن فعل فصار فی یده شیءٌ فلیبعث بخمسه إلی أهل البیت(2) .

ولعلّ تقیید الإمام علیه السلام الجواز فی مَنْ لا یقدر علی حیلة علی معاشه عادة وعرفاً یوجب سرّ انصراف الأصحاب رضوان اللّه تعالی علیهم أجمعین عن الإفتاء علی طبق هذه الروایات الثلاث ، لأنّ الغالب بل الأغلب عادةً وعرفاً یمکن تحصیل المعاش والحیلة علیه من طرق اُخری . نعم : فی فرض انحصار الطریق وطرو الإضطرار أیضاً الأمر واضح لإباحته بالإضطرار وبأنّ الضرورات تبیح المحظورات .

ومنها : صحیحة علی بن یقطین أنّه کتب إلی أبی الحسن موسی علیه السلام : إنّ قلبی یضیق ممّا أنا علیه من عمل السلطان _ وکان وزیراً لهارون _ فإن أذنتَ لی _ جعلنی اللّه فداکَ _ هربتُ منه . فرجع الجواب : لا آذن لکَ بالخروج من عملهم واتق اللّه ، أو کما قال(3) .

رجال السند کلّهم ثقات ، ولایضر دخول زید بأو علی محمد بن عیسی العبیدی الیقطینی ، لأنّ المراد به هو زید بن یونس اُبو اُسامة الشحام الکوفی ، روی عن أبی عبد اللّه وأبی الحسن علیهماالسلام ثقة(4) .

ص: 186


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 201 ح 2 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 202 ح 3 . الباب 48 من أبواب ما یکتسب به .
3- (3) قرب الإسناد / 305 ح 1198 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 198 ح 16 .
4- (4) جامع الرواة 1 / 344 .

ومنها : خبر یونس بن حماد قال : وصفتُ لأبی عبد اللّه علیه السلام من یقول بهذا الأمر ممّن یعمل عمل السلطان ، فقال : إذا ولّوکم یدخلون علیکم المرفق وینفعونکم فی حوائجکم ؟ قال : قلت : منهم من یفعل ومنهم من لا یفعل ، قال : من لم یفعل ذلک منهم فابرأوا منه بریء اللّه منه(1) .

دلالة الروایة علی الجواز بالمفهوم واضحة ، ولکن فی سندها ضعف .

ومنها : مرسلة الصدوق عن الصادق علیه السلام أنّه قال : کفارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان(2) .

ومنها : مرسلة العیاشی عن مفضل بن مریم الکاتب قال : دخلت علی أبی عبد اللّه علیه السلام وقد أمرت أن أخرج لبنی هاشم فلم أعلم إلاّ وهو علی رأسی ، فوثبت إلیه ، فسألنی عمّا اُمر لهم ، فناولته الکتاب ، فقال : ما أری لإسماعیل هاهنا شیئاً ؟ فقلت : هذا الذی خرج إلینا . ثمّ قلت : جعلت فداک قد تری مکانی مِنْ هؤلاء القوم ، فقال : أنظر ما أصبت فعد به علی أصحابک ، فإنّ اللّه تعالی یقول : «إِنَّ الْحَسَنَاتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئَاتِ»(3)(4) .

ومنها : غیر ذلک من الروایات الواردة فی الباب 46 من أبواب ما یکتسب به من وسائل الشیعة 17 / 192 ، والباب 39 من أبواب ما یکتسب به من مستدرک الوسائل 13 / 130 وتعددها وکثرتها یغنینا عن ملاحظة أسنادها .

کیفیة الجمع بین هذه الروایات والطوائف الأربع الماضیة

الشارع الذی حرّم قبول الولایة والدخول فی أعمال الظلمة جوّزها بهذه الروایات لِمَنْ یقصد وینوی من الدخول إیصال النفع إلی المؤمنین ودفع الشرّ عنهم ، فیعمل بهذه المهمّة بقدر

ص: 187


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 196 ح 12 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 192 ح 3 وفی بحار الأنوار 75 / 206 ح 57 : کفارة عمل السلطان الإحسان إلی الإخوان .
3- (3) سورة هود / 114 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 198 ح 17 .

وُسعه وطاقته وإمکانیّاته . فمع هذه النیّة وذاک العمل یجوز الدخول فی أعمالهم .

فإذا کان هذا النفع کثیراً أو ذاک الدفع مهمّاً یکون الدخول مستحباً ، وإذا کان النفع أکثراً أو الدفع أهم بحیث لا یجوز ترکه یکون الدخول واجباً .

فالجواز المستفاد من الروایات یکون بالمعنی الأعم ، فیشمل الاستحباب ، بل یشمل الوجوب هنا بالمعنی الذی مرّ آنفاً .

بهذا البیان یرتفع غائلة معرکة الآراء بین الأصحاب رضوان اللّه تعالی علیهم أجمعین : من أنّ المحرّم کیف یکون جائزاً أو صار مستحباً أو انقلب واجباً ؟ ! فظهر ممّا ذکرنا جوابه ، واللّه سبحانه هو العالم .

هل الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر یجوّز الدخول فی أعمالهم ؟

الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر فریضة عظیمة بها تقام الفرائض وهما أسمی الفرائض ، وأشرفها(1) ، بل هما من أفضل فرائض الإسلام(2) ، وأنّهما خلقان من خلق اللّه ، فمن نصرهما أعزّه اللّه ومن خذلهما خذله اللّه(3) . وحیث یهتم الشارع بهذا الاهتمام ولعلّهما یکونان أنفع بحال المجتمع الإسلامی من المصالح الفردیة ومنافعها ، فیمکن القول تبعاً لبعض الأصحاب قدس سرهم بجواز الدخول فی أعمال الظلمة وولایتهم إذا تمکن الداخل من الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، بل إذا کانا مهمّین فالدخول یکون مستحباً ، وإذا کانا أشد أهمیة فالدخول یکون واجباً .

وهذا البیان جارٍ حتّی علی القول بأنّهما مشروطان بالقدرة کما هو الصحیح ، ولا یجب تحصیل هذه القدرة لو لم یکن المکلَّف واجداً لها کما هو الأصح ، ومع ذلک یجوَّز الدخول لأهمیتهما فی الشریعة المقدسة ، أهمیتها بالنسبة إلی المنافع الفردیة للمؤمنین ومصالحهم ، والشارع الذی یجوّز الدخول للأخیر کما مرّ آنفاً فبطریق اُولی یجوّز الدخول لهما . واللّه سبحانه هو العالم .

ص: 188


1- (1) کما فی خبر جابر ، راجع وسائل الشیعة 16 / 119 ح 6 . الباب 1 من أبواب الأمر والنهی .
2- (2) کما فی خبر عبد اللّه بن محمد ، راجع وسائل الشیعة 16 / 121 ح 11 .
3- (3) کما فی مرفوعة یعقوب بن یزید ، راجع وسائل الشیعة 16 / 124 ح 20 .
الثانی : الإکراه والخوف

الثانی من مسوغات قبول الولایة من قبل الجائر الإکراه علیه بالتوعید علی ترکه بما یوجب ضرراً علی نفسه أو عرضه أو ماله أو ضرراً بمَنْ یعدّ ضرره ضرراً علیه کالأب والولد ومن یجری مجراهما .

تدلّ علیه مضافاً إلی حدیث الرفع(1) وعمومات التقیة(2) والإضطرار(3) عدّة من الروایات المستفیضة المعتبرة :

منها : صحیحة الحسن بن الحسین الأنباری عن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال : کتبت إلیه أربع عشرة سنة أستأذنه فی عمل السلطان ، فلمّا کان فی آخر کتاب کتبته إلیه أذکر أنّی أخاف علی خیط عنقی ، وأنّ السلطان یقول لی إنّک رافضیٌ ، ولسنا نشک فی إنّک ترکت العمل للسلطان للرفض . فکتب إلیَّ أبو الحسن علیه السلام : فهمتُ کتابک وما ذکرت من الخوف علی نفسک ، فإن کنت تعلم أنّک إذا ولیت عملت فی عملک بما أمر به رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ثمّ تصیر أعوانک وکتّابک أهل ملتک وإذا صار إلیک شیءٌ واسیت به فقراء المؤمنین حتّی تکون واحداً منهم کان ذابذا وإلاّ فلا(4) .

وهذه الصحیحة تدلّ علی کلی مسوغی قبول الولایة من قبل الجائر .

ومنها : حسنة الحسن بن موسی الخشاب قال : روی أصحابنا عن الرضا علیه السلام أنّه قال له رجل : أصلحک اللّه کیف صرت إلی ما صرت إلیه من المأمون ؟ فکأنّه أنکر ذلک علیه .

فقال له أبو الحسن الرضا علیه السلام : یا هذا أیّما أفضل النبی أو الوصی ؟ فقال : لا بل النبی ، فقال : أیّما أفضل مسلم أو مشرک ؟ فقال : لا بل مسلم ، قال : فإنّ العزیز عزیز مصر کان مشرکاً وکان یوسف نبیّاً ، وإنّ المأمون مسلم وأنا وصی ، ویوسف سأل العزیز أن یولیه حین

ص: 189


1- (1) وهو صحیحة حریز بن عبد اللّه ، راجع وسائل الشیعة 15 / 369 ح 1 . الباب 56 من أبواب جهاد النفس .
2- (2) نحو صحیحة زرارة ، راجع وسائل الشیعة 16 / 214 ح 1 . الباب 25 من أبواب الأمر والنهی .
3- (3) نحو موثقتی سماعة ، راجع وسائل الشیعة 5 / 482 و 483 ح 6 و 7 . الباب 1 من أبواب القیام .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 201 ح 1 . الباب 48 من أبواب ما یکتسب به .

قال : «اجْعَلْنِی عَلَی خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّی حَفِیظٌ عَلِیمٌ»(1) واُجبرت علی ذلک ، الحدیث(2) .

ومنها : صحیحة الریان بن الصلت قال : دخلت علی علی بن موسی الرضا علیه السلام فقلت له : یا ابن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إنّ الناس یقولون : إنّک قبلت ولایة العهد مع إظهارک الزهد فی الدنیا ، فقال علیه السلام : قد علم اللّه کراهتی لذلک ، فلما خیّرتُ بین قبول ذلک وبین القتل اخترت القبول علی القتل ، ویحهم أما علموا أنّ یوسف علیه السلام کان نبیّاً رسولاً ، فلما دفعته الضرورة إلی تولّی خزائن العزیز قال له : «اجْعَلْنِی عَلَی خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّی حَفِیظٌ عَلِیمٌ» ، ودفعتنی الضرورة إلی قبول ذلک علی إکراه وإجبار بعد الإشراف علی الهلاک ، علی أنّی ما دخلت فی هذا الأمر إلاّ دخول خارج منه ، فإلی اللّه المشتکی وهو المستعان(3) .

ومنها : حسنة أو معتبرة أبی الصلت الهروی فی حدیث طویل للرضا علیه السلام مع المأمون ، قال المأمون فیه : فباللّه اُقسم لئن قبلت ولایة العهد وإلاّ أجبرتک علی ذلک ، فإن فعلت وإلاّ ضربت عنقک .

فقال الرضا علیه السلام : قد نهانی اللّه أن ألقی بیدی إلی التهلکة ، فإن کان الأمر علی هذا فافعل ما بدالک ، وأنا أقبل ذلک علی أن لا اُولّی أحداً ولا أعزل أحداً ولا أنقض رسماً ولا سنةً ، وأکون فی الأمر من بعید مشیراً ، فرضی بذلک منه وجعله ولی عهده علی کراهیة منه علیه السلام لذلک(4) .

ومنها : خبر محمد بن عرفة(5) .

ومنها : خبر عبد السلام بن صالح الهروی(6) .

ومنها : خبر الفضل بن سهل(7) .

ص: 190


1- (1) سورة یوسف / 55 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 202 ح 4 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 203 ح 5 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 203 ح 6 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 205 ح 7 .
6- (6) وسائل الشیعة 17 / 205 ح 8 .
7- (7) وسائل الشیعة 17 / 205 ح 9 .

ومنها : مرسلة محمد بن زید الرزامی(1) .

ومنها : خبر الفضل عن موسی بن جعفر علیه السلام فی حدیث طویل قال : لو لا أنّی سمعت فی خبر عن جدی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أنّ طاعة السلطان للتقیة واجبة إذاً ما أجبت(2) .

فهذه الروایات تدلّ علی جواز قبول الولایة من الجائر فی صورة الجبر والإکراه والإضطرار والخوف علی النفس والمال والعرض ، واللّه سبحانه هو العالم .

وینبغی التنبیه علی اُمور :
الأول : الإکراه یسوّغ الدخول فی الولایة فکذلک یباح به ما یلزمها من المحرّمات الاُخری

الأول : الإکراه یسوّغ الدخول فی الولایة من قبل الجائر فکذلک یباح به ما یلزمها من المحرّمات الاُخری وما یتفق من خلالها ممّا یصدر الأمر به من الجائر ، عدا إراقة الدم ، فإنّ التقیة إنّما شرعت لیحقن بها الدماء فإذا بلغت الدم فلا تقیة فیه ، کما تدلّ علیه صحیحة محمد بن مسلم(3) وموثقة أبی حمزة الثمالی(4) ، وتدلّ علی إباحة المحرّمات بالإکراه عموم أدلة التقیة نحو : صحیحة الفضلاء(5) وصحیحة زرارة(6) ، وعموم أدلة نفی الإکراه نحو : صحیحة حریز بن عبد اللّه(7) وأنّ الضرورات تبیح المحظورات . فما اُلزم من المحرّمات فلا بأس بالاتیان بها بعد جواز الدخول فی الولایة ، وهذا ممّا لا إشکال فیه .

إنّما الإشکال فی أنّه هل یجوز الإضرار بالناس إذا اُکره الشخص علی الإضرار بهم ، کنهب أموالهم وهتک أعراضهم وجرح أبدانهم ما لم یصل إلی حدّ النفس أم لا ؟ أو أنّ الإکراه یرفع المحرّمات التی هی حقّ اللّه خاصةً دون ما کان حقّاً للناس دماً کان أو عرضاً أو مالاً ؟

ص: 191


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 206 ح 10 .
2- (2) وسائل الشیعة 16 / 221 ح 3 . الباب 27 من أبواب الأمر والنهی .
3- (3) وسائل الشیعة 16 / 234 ح 1 . الباب 31 من أبواب الأمر والنهی .
4- (4) وسائل الشیعة 16 / 234 ح 2 . الباب 31 من أبواب الأمر والنهی .
5- (5) وسائل الشیعة 16 / 214 ح 1 . الباب 25 من أبواب الأمر والنهی .
6- (6) وسائل الشیعة 16 / 214 ح 2 . الباب 25 من أبواب الأمر والنهی .
7- (7) وسائل الشیعة 15 / 369 ح 1 . الباب 56 من أبواب جهاد النفس .

ففیه وجوه ثلاثة :

الأوّل : الجواز مطلقاً ، لإطلاق أدلة الإکراه والإضطرار .

والثانی : لابدّ من إعمال قواعد باب التزاحم ودفع الضرر الأکثر بالضرر الأقل . یعنی لابدّ من الأخذ بأقل الضررین ، سواء کان علی نفسه أو غیره .

الثالث : اختصاص المرفوع بالإکراه بالمحرّمات التی هی حقّ اللّه خاصة دون ما کان حقّاً للناس ، دماً کان أو عرضاً أو مالاً(1) .

واستدل الشیخ الأعظم علی الأوّل بوجوه :

الف : عموم دلیل نفی الإکراه یعم الجمیع من المحرَّمات حتّی الإضرار بالغیر ما لم یبلغ الدم .

ب : عموم أدلة نفی الحرج ، لأنّ إلزام الغیر بتحمل الضرر وترک ما اُکره علیه حرج .

ج : قوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم وموثقة أبی حمزة الثمالی الماضیتان(2) : « إنّما جعلت التقیة لیحقن بها الدم ، فإذا بلغ الدم فلیس تقیة» . حیث دلتا علی أنّ حد التقیة بلوغ الدم فتشرع ما عداه(3) .

وفیه : دلیلی نفی الإکراه والحرج فی الشریعة المقدسة إمتنانیٌّ ، ولذا لا یجریان فی فرض خلاف الإمتنان ، وحیث کان الإضرار بالغیر خلافاً للإمتنان به ولذا لا یجریان .

وأمّا أدلة التقیة عامة والتی تجری فی کلِّ شیءٍ إلاّ الدم لأنّها إنّما شرعت لیحقن بها الدم وهو التحفظ علی النفس من التلف ، فیوجب جواز کلّ محرّم حتّی الإضرار بالغیر مالاً أو عرضاً ولکن لا یجوز به إراقة الدم وتلف النفس . وأمّا التحفظ علی الضرر المالی ونحوه فخارج عن مدلول أدلة التقیة ، فما ذکره الشیخ الأعظم فی المقام من الأدلة الثلاثة غیر تام .

وأمّا التفصیل الذی ذکره المحقق الإیروانی قدس سره واختاره فلم یدلّ علیه دلیل . فیبقی الوجه الثانی ، وهو إعمال قواعد باب التزاحم ودفع ضرر الأکثر بالضرر الأقل ، ومن

ص: 192


1- (1) أضاف هذا الوجه المحقق الإیروانی قدس سره واختاره فی الحاشیة علی المکاسب 1 / 262 .
2- (2) وسائل الشیعة 16 / 234 ح 1 و 2 .
3- (3) المکاسب 2 / 87 .

الاستدلال علیه یظهر بطلان التفصیل بین حقی اللّه والناس .

تقریب الاستدلال : لو أجبر الجائر شخصاً وخیّره بین قتله أو أخذ أموال الغیر فکیف یعمل ؟ هل یجوز له أخذ أموال الغیر مع الضمان لو أتلفه ومع عدم الإتلاف إرجاعها إلیه ، أم لا یجوز له الأخذ فی_ُقتل ؟ ! الجواب واضح : یجوز له أخذ أموال الغیر ونجاة نفسه ویدفع القتل عن نفسه .

ثمّ لو أجبر الجائر شخصاً وخیّره بین القتل وبین التعرض إلی عِرض غیره فما وظیفته ؟ فمن الواضح نجاة نفسه ودفع القتل عنه ، ویجوز له حینئذ التعرض لعِرض غیره أیضاً .

ثمّ لو أجبر الجائر شخصاً بین القتل وبین إیجاد الجرح الذی لم یبلغ إلی حدِّ القتل أو قطع عضو الغیر الذی لم یبلغ إلی حدِّ القتل أو إسقاط الجنین فی الحمل قبل حلول الروح فما تکلیفه ؟ یجوز حینئذ إیجاد الجرح وقطع العضو وإسقاط الجنین قبل حلول الروح فراراً من القتل ونجاة لنفسه . ولکن هذا بالنسبة إلی الحکم التکلیفی ، وأمّا الحکم الوضعی - أی الدیة فی الموارد الثلاثة - فتکون علی الجارح والقاطع والمُسْقِط .

وأمّا لو أجبره بین القتل وبین قتل غیره بأنّه لو لم یقتل الغیر لقتله الجائر ، فلا یجوز له قتل غیره ، لأنّ التقیة شرعت لیحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فلیس تقیة .

إلاّ أن أجبره بین قتله وبین قتل غیره الذی لیس بمحقون الدم - نحو : الکافر الحربی أو الناصب الذی یظهر العداوة والبغضاء لآل محمد علیهم السلام أو الساب للنبی صلی الله علیه و آله وسلم أو الأئمة علیهم السلام أو فاطمة الزهراء علیهاالسلام - فحینئذ حیث إنّهم لم یکونوا بمحقونی الدم بل هم یکونون مهدوری الدم بالنسبة إلی جمیع الناس فیجوز قتله ونجاة نفسه .

وأمّا لو أجبره بین قتله وبین قتل غیره الذی قد حُکم بقتله إمّا قصاصاً أو حدّاً ، فلا یجوز له الإقدام علی قتله ، لأنّ إجراء الحدّ منوط بإذن الحاکم الشرعی وهو الفقیه وإجراء القصاص منوط بإذن أولیاء الدم ، فلا یجوز له قتل ذاک الغیر نجاةً لنفسه إلاّ بعد الإستیذان من الفقیه فی الحدِّ الشرعی أو من أولیاء الدم للقصاص .

وأمّا لو أجبر بین قتله وبین قتل الذمی والمعاهد والمخالف ، یجوز له قتلهم ، لأنّ الفرض من التقیة حفظ دماء الشیعة وأدلتها ساکت عن قتل غیر الشیعة ، فإذا تزاحم حفظ نفوس

ص: 193

الشیعة وغیرهم ، یُقدم حفظ نفوس الشیعة وصار قتلهم من المحرّمات التی ترتفع حکمها بالإکراه والإضطرار والتقیة ، ولکن مع ثبوت الدیة لکلٍّ منهم .

والحاصل ، لابدّ للمجبور والمکرَه من ملاحظة الضرر الذی یتوجّه إلی نفسه والضرر الذی یتوجه إلی غیره ، فیأخذ بأقل الضررین وأدون الضررین مع وجود الضمان بالنسبة إلی الغیر ، لأنّ الأدلة النافیة ینفی الحکم التکلیفی فقط لا الحکم الوضعی ، فالضمان باقٍ علی کلِّ حال . هذا ما یخطر بالبال مع تشتت الأحوال والحمد للّه علی کلِّ حالٍ .

الثانی : الاکراه یتحقق بماذا ؟

الإکراه یتحقق بتوعد الضرر علی المکرَه نفساً أو عِرضاً أو مالاً ، وفی الأخیر بحیث لا یتحمله عادةً أو یحسب فی العرف أنّه کثیر لا الضرر المالی القلیل . علی نفس المکره أو ما یتعلق به من والده أو ولده أو غیرهما ممن یعدّ الضرر علیهم ضرراً علی نفسه .

وألحق الأصحاب قدس سرهم دفع الضرر عن المؤمنین الأجانب بالضرر علی المکرَه أو ما یتعلق به . کما نقلت کلماتهم فی عنوان تطور البحث ، فمنهم : الشیخ فی النهایة(1) والقاضی فی المهذب(2) وابن إدریس فی السرائر(3) والمحقق فی الشرائع(4) والعلامة فی التذکرة(5) والتحریر(6) والقواعد(7) والنهایة(8) والشهید فی الدروس(9) .

ص: 194


1- (1) النهایة / 357 .
2- (2) المهذب 1 / 347 .
3- (3) السرائر 2 / 203 .
4- (4) الشرائع 2 / 6 .
5- (5) تذکرة الفقهاء 12 / 149 .
6- (6) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 270 .
7- (7) القواعد 2 / 11 .
8- (8) نهایة الإحکام 2 / 525 .
9- (9) الدروس 3 / 174 .

قال ثانی الشهیدین فی تحقق الإکراه : « ویتحقّق بالخوف من المخالفة علی نفسه أو ماله أو عرضه ، ویختلف ذلک بحسب اختلاف أحوال الناس فی احتمال الإهانة وعدمها»(1) .

وقال أیضاً : « قد تقدّم فی باب الأمر بالمعروف أنّ ضابط الإکراه المسوِّغ للولایة الخوف علی النفس أو المال أو العرض علیه أو علی بعض المؤمنین علی وجه لا ینبغی تحمله عادةً بحسب حال المکرَه فی الرفعة والضعة بالنسبة إلی الإهانة »(2) .

وتبعه المحقق السبزواری فی الکفایة(3) .

ومنهم : سید الریاض(4) والشیخ جعفر(5) والفاضل النراقی(6) والشیخ الأعظم(7) .

أقول : الحقّ موافقة الأعلام قدس سرهم ، لأننا قد ذکرنا أنّ إیصال النفع إلی المؤمنین ودفع المضار یکون من مسوّغات قبول الولایة المحرَّمة . فإذا تمکن مع قبول الولایة المحرَّمة مِنْ دفع الضرر علی المؤمنین مالاً أو عرضاً أو نفساً یجوز له الدخول والدفع عنهم بل ربّما وجب .

ولکن هل یجوز له الإضرار بالغیر دفعاً للضرر عن غیره ، بأنّ نهب مال زید لئلا ینهب مال عمرو أو تعرّض لعِرْض بکر لئلا یتعرض لعرض خالد أم لا ؟

یظهر ممّا ذکرنا فی التنبیه السابق حکم هذا الفرع : بأنّه یلاحظ فیه أحکام باب التزاحم ، فیجوز أخذ مال الغیر دفعاً للضرر المتوجِّه إلی غیره عرضاً أو نفساً ، أو التعرض إلی عرض الغیر دفعاً للضرر المتوجِّه إلی نفس غیره ونحوها مع ثبوت الضمان علی المباشر للفعل کما مرّ منّا سابقاً . واللّه العالم .

ص: 195


1- (1) المسالک 3 / 111 .
2- (2) المسالک 3 / 139 .
3- (3) الکفایة 1 / 447 .
4- (4) ریاض المسائل 8 / 207 .
5- (5) شرح القواعد 1 / 333 .
6- (6) مستند الشیعة 14 / 192 .
7- (7) المکاسب 2 / 90 .
الثالث : هل یعتبر العجز عن التفصی فی الإکراه أم لا ؟

قال المحقق فی الشرائع : « إذا أکره الجائر علی الولایة جاز له الدخول والعمل بما یأمره مع عدم القدرة علی التفصِّی ، إلاّ فی الدماء المحرَّمة فإنّه لا تقیة فیها»(1) .

قال ثانی الشهیدین : « قد ذکر المصنف رحمه الله فی هذه المسألة شرطین : أحدهما الإکراه ، والثانی : عدم قدرة المأمور علی التفصّی ، وهما متغایران ، فإنّ الإکراه یجوز أن یجتمع مع القدرة _ کما عرفت من تعریفه _ فالثانی أخص من الأوّل ، والظاهر أنّ مشروطهما مختلف ، فالأوّل شرط لأصل قبول الولایة والثانی شرط للعمل بما یأمره من المظالم ، وهما متغایران أیضاً ... »(2) .

أقول : الظاهر - واللّه العالم - أنّ عدم القدرة علی التفصِّی هو من مقوّمات الإکراه ، بحیث لو تمکن من التفصی لم یصدق أنّه مکرَهٌ . وعلی هذا ما ذکره الشهید ثانی من إرجاعه إلی الشرطین غیر تام . بلا فرق فی ذلک بین قبول الولایة والعمل فیها ، وفی کلیهما إذا أمکن التفصی لم یصدق الإکراه فلا یجوز الدخول فی ولایة الظالم ، وهکذا لا یجوز العمل علی طبق أوامره الدالة علی معاصی اللّه تعالی أو الإضرار بالغیر ، لأنّه مع إمکان التفصی یصدق علیه أنّه غیر مُکرَه بالفعل ، فلا یشمله أدلة الجواز .

الرابع : قبول الولایة عن الجائر مع الضرر المالی رخصة

إذا أجبر الظالم أحداً بین قبول الولایة من طرفه أو إعطاء مبلغاً من المال ، یجوز له قبول الولایة وعدم الإعطاء .

نعم ، لو کان المال قلیلاً یستحب له الإعطاء وعدم القبول .

ولو کان المال کثیراً بحیث یضرّ بحاله لو أعطاه مع ذلک یجوز له الإعطاء وعدم القبول .

ص: 196


1- (1) الشرائع 2 / 6 .
2- (2) المسالک 3 / 139 .

والوجه فی ذلک : أدلة نفی الإکراه والضرر ترفع الإلزام فقط عن موردهما ولم تثبت شیئاً ، فهما یرفعان حرمة قبول الولایة ولکنّهما لم یثبتا وجوب قبولها .

فما یظهر من الشیخ الأعظم من التفصیل بین الضرر المالی الذی لایضرّ بالحال وغیره فی غیر محلّه ، واللّه العالم .

الخامس : حرمة قتل المؤمن بالإکراه أو التقیة

قتل المؤمن حرام ولا یسوّغه الإکراه أو التقیة ، لأنّ أدلة نفی الإکراه إمتنانیة ولا إمتنان علی الغیر فی قتله ، وأدلة التقیة مقیِّدة بعدم بلوغها مرتبة الدم ، فلا یجوز قتل المؤمن بهما .

مضافاً إلی قوله : «وَکَتَبْنَا عَلَیْهِمْ فِیهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»(1) حیث تدلّ علی التکافؤ بین الدماء المحترمة .

وتدلّ علیه أیضاً صحیحة عبد اللّه بن أبی یعفور عن أبی عبد اللّه علیه السلام : أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم خطب الناس فی مسجد الخیف فقال : نضّر اللّه عبداً سمع مقالتی فوعاها وحفظها وبلّغها من لم یسمعها ، فربّ حامل فقه غیر فقیه وربّ حامل فقه إلی من هو أفقه منه ، ثلاث لا یغلُّ علیهنَّ قلب امریء مسلم : إخلاص العمل للّه ، والنصیحة لأئمة المسلمین ، واللزوم لجماعتهم ، فإنّ دعوتهم محیطةٌ من ورائهم ، المسلمون إخوة تتکافیء دماؤهم ویسعی بذمّتهم أدناهم(2) .

وعلی هذا لا یجوز لأحد قتل المؤمن ولو توجّه القتل إلیه ، وأمّا غیرهم قد مرّ الکلام فی ذلک فلا نعیده .

إلی هنا تمّ بحث الولایة من قبل الجائر فی یوم الجمعة 29 جمادی الثانیة 1426 ببلدة إصبهان صانها اللّه تعالی عن الحدثان علی ید مؤلفه الفقیر إلی اللّه الغنی هادی النجفی کان اللّه له ویکون .

والحمد للّه أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلّی اللّه علی سیدنا محمد وآله أجمعین .

ص: 197


1- (1) سورة المائدة / 45 .
2- (2) الکافی 1 / 403 ح 1 .

هجاء المؤمن

موضوعه :

لابدّ أوّلاً من مراجعة أهل اللغة لتعیین موضوع الهجاء فنقول :

قال الزمخشری : « ومن المجاز : فلان یهجو فلاناً هِجاءً : یعدِّد معایبه ، وهو هجَّاء ، وله أهاجِیُّ ، وهاجاه مهاجاةً ، وتهاجِیا ، وبینهما تهاجٍ ، والمرأة تهجو زوجَها هجاءً قبیحاً : إذا ذمّت صحبته وعدّدت عیوبه»(1) .

قال الفیومی : « هَِجَاهُ یَهْجُوهُ هَجْواً : وقع فیه بالشعر وسَبَّهُ وعابه ، والاسمُ الهِجاءُ مثل کِتَابٍ»(2) .

قال ابن الأثیر : « هجا ، فیه : « اللهم إنّ عمرو بن العاص هجانی وهو یعلم أنّی لست بشاعر فاهْجُه ، اللهم والعنه عدد ما هجانی أو مکان ما هجانی» ، أی جازه علی الهِجاء جزاء الهجاء ، وهذا کقوله « من یُرائی یُرائی اللّه به» أی یُجازیه علی مُراآته »(3) .

قال ابن منظور : « هَجاه یَهْجُوه هَجْواً وهِجاء وتَهْجاء ، ممدود : شتمه بالشعر وهو خلاف المدح . قال اللیث : هو الوقیعة فی الأشعار . وروی عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : اللهم إنّ فلاناً هجانی فاهْجُه اللهم مکان ما هَجانی ، معنی قوله اهْجُه أی جازه علی هجائه إیّای جزاء هِجائه ... والمهاجاة بین الشاعرین : یتهاجیان ... »(4) .

وقال الفیروزآبادی : « هَجاهُ هَجْواً وهِجاءً : شَتَمَهُ بالشعر ... »(5) .

وقال الطریحی : « الهِجاء : خلاف المدح ، وهجی القوم ذکر معایبهم ، والمرأة تهجو

ص: 198


1- (1) أساس البلاغة / 480 .
2- (2) المصباح المنیر / 635 .
3- (3) النهایة 5 / 248 .
4- (4) لسان العرب 15 / 353 .
5- (5) القاموس المحیط / مادة هجاه من الطبع الحجری و 4 / 402 من الطبع الحروفی .

زوجها أی تذمّ صحبته»(1) .

أقول :قد عرفت بأنّ بعض اللغویین خصص الهجو بالشعر کالفیومی وابن منظور والفیروزآبادی ، وبعضهم أطلق کالزمخشری والطریحی وصاحب الصحاح(2) . وهذا الخلاف بین اللغویین سری إلی کلمات الفقهاء أیضاً ، فبعضهم خصص الهجو بالشعر کالمحقق الثانی قال فی تعریف الهجاء : « هو بکسر الهاء والمدّ : ذکر المعایب بالشعر»(3) ، وتبعه الشهید الثانی فی المسالک(4) والروضة(5) والمحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة والبرهان(6) والمحقق السبزواری فی الکفایة(7) والشیخ یوسف فی الحدائق(8) وسید الریاض(9) والفاضل النراقی فی المستند(10) .

وبعضهم صرح بالإطلاق ، کالعلامة فی شهادات القواعد(11) والشیخ جعفر فی شرحه(12) وتلمیذیه صاحبی المفتاح(13) والجواهر(14) ، والشیخ الأعظم(15) وصاحبی برهان

ص: 199


1- (1) مجمع البحرین / 99 من الطبع الحجری .
2- (2) الصحاح 2 / 1834 .
3- (3) جامع المقاصد 4 / 26 .
4- (4) المسالک 3 / 127 .
5- (5) الروضة البهیة 3 / 213 .
6- (6) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 76 .
7- (7) الکفایة 1 / 436 .
8- (8) الحدائق 18 / 146 .
9- (9) ریاض المسائل 8 / 162 .
10- (10) مستند الشیعة 14 / 158 .
11- (11) القواعد 3 / 495 .
12- (12) شرح القواعد 1 / 219 .
13- (13) مفتاح الکرامة 12 / 212 .
14- (14) الجواهر 22 / 60 .
15- (15) المکاسب 2 / 118 .

الفقه(1) ومعاصی کبیرة(2) .

وغیرهم أطلق حرمة الهِجاء ولم یخصه بالشعر ، کما فی المقنعة(3) والنهایة(4) والمراسم(5) والسرائر(6) والشرائع(7) والنافع(8) ومکاسب القواعد(9) والتحریر(10) والتذکرة(11) والمنتهی(12) ، وفی الأخیرین ادعی عدم الخلاف فیه .

والحاصل ، لا وجه لاختصاص الحرمة بالهجاء الشعری ، بل الأدلة عامة تشمل غیره أیضاً . بل لا وجه لاختصاص تعریف الهجو بالشعر فقط ، والهجاء کما یمکن أن یکون به یمکن أن یکون بالنثر أیضاً ، فما ورد فی کلمات بعض اللغویین لم یرد علی سبیل التخصیص بل هو ذکر إحدی المصادیق .

وعلی هذا ما ورد من اختصاصه بالشعر فی کلمات بعض الفقهاء أعلی اللّه مقامهم غیر تام عندنا .

فالهجو : هو ذکر معایب الشخص وشتمه وفحشه والوقیعة فیه ، سواء کان بالشعر أو النثر أو غیرهما .

ثم الأدلة الأربعة تدلّ علی حرمة الهجاء :

اشارة

ص: 200


1- (1) برهان الفقه ، کتاب التجارة / 20 من الطبع الحجری .
2- (2) معاصی کبیرة / 82 .
3- (3) المقنعة / 589 .
4- (4) النهایة / 365 .
5- (5) المراسم / 170 .
6- (6) السرائر 2 / 215 .
7- (7) الشرائع 2 / 4 .
8- (8) المختصر النافع / 117 .
9- (9) القواعد 2 / 8 .
10- (10) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 260 مسألة 3018 .
11- (11) تذکرة الفقهاء 12 / 144 .
12- (12) منتهی المطلب 2 / 1013 من الطبع الحجری .
1 _ فمن الکتاب

قوله تعالی : «إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَن تَشِیعَ الْفَاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ»(1) .

بتقریب : أنّ هجو المؤمن من أظهر مصادیق إشاعة الفاحشة فی الذین آمنوا ، فیحرم بدلالة الآیة الشریفة . وقد ورد عدّة من الروایات(2) فی ذیلها یمکن تطبیقها علیه ، فسیأتی بعضها فی عنوان السنة .

وقوله تعالی : «وَیْلٌ لِّکُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ»(3) .

حیث فُسرت « الهمزة » ب_ « الکثیر الطعن علی غیره بغیر حقّ ، والعائب له بما لیس بعیب»(4) ، فیدخل بعض مصادیق الهجو تحت عنوان الهَمْز واللمز فیحرم .

أمّا الفرق بین اللُّمزة والهمزة : «قیل هما بمعنی [ واحد ] ، وقیل بینهما فرقٌ ، فإنّ الهمزة : الذی یعکس بظهر الغیب ، واللمزة : الذی یعکس فی وجهک .

وقیل : الهمزة : الذی یؤذی جلیسه بسوء لفظه ، اللمزة : الذی یکثر عیبه علی جلیسه ویشیر برأسه ویؤمیء بعینه» . کذا فی فروق اللغات(5) .

وقال الشیخ یحیی بن حسین بن عشیرة البحرانی فی الفرق بین الهمّاز واللمّاز : « أنّ الأوّل هو الذی یعیب فی الوجه ، والثانی هو الذی یعیب مع الغیبة ، کقوله تعالی : «وَیْلٌ لِّکُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ» .

الهَمْز : الطعن فی الوجه بالعین ، واللَّمْز الذی یغتاب الناس عند الغیبة . وقیل : الهمز : الذی همز الناس بیده ویضربهم ، واللمز الذی یلمزهم بلسانه ویعیبهم»(6) .

وقوله تعالی : «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ یَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَی أَن یَکُونُوا خَیْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَی أَن یَکُنَّ خَیْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَکُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالاْءَلْقَابِ

ص: 201


1- (1) سورة النور / 19 .
2- (2) راجع البرهان فی تفسیر القرآن 4 / 55 .
3- (3) سورة الهمزة / 1 .
4- (4) مجمع البیان 10 / 537 .
5- (5) فروق اللغات / 205 للسید نور الدین بن نعمة اللّه الجزائری .
6- (6) بَهْجَةُ الخاطر ونُزْهَةُ الناظر / 84 الرقم 161 .

بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الاْءِیمَانِ وَمَن لَّمْ یَتُبْ فَأُوْلَئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ»(1) .

بتقریب : أنّ بعض أقسام الهجاء یدخل فی عنوان السخ_ریة وال_لُّمزة والتنابز بالألقاب فتحرم بالآیة الشریفة .

وقوله تعالی : «لاَ یَغْتَب بَّعْضُکُم بَعْضاً»(2) .

بتقریب : أن بعض أقسام الهجو یدخل فی عنوان الغیبة بلا ریب فیحرم بالآیة الشریفة .

2 _ ومن السنة

عدّة من الروایات تدلّ علی حرمة الهجاء لأنّه یدخل فی عنوان الظلم(3) والقذف(4) والفحش(5) والبذاء(6) وإیذاء المؤمن(7) وإهانته(8) واحتقاره(9) واستخفافه(10) وإحصاء عثراته(11) وعوراته(12) ، وتعییره(13) وتأنیبه(14)(15) وبهتانه(16) وغیبته(17) ، والروایات الواردة

ص: 202


1- (1) سورة الحجرات / 11 .
2- (2) سورة الحجرات / 12 .
3- (3) راجع وسائل الشیعة 16 / 46 .
4- (4) راجع وسائل الشیعة 16 / 36 .
5- (5) راجع وسائل الشیعة 16 / 31 .
6- (6) راجع وسائل الشیعة 16 / 35 .
7- (7) راجع وسائل الشیعة 12 / 264 .
8- (8) راجع وسائل الشیعة 12 / 265 .
9- (9) راجع وسائل الشیعة 12 / 269 .
10- (10) راجع وسائل الشیعة 12 / 272 .
11- (11) راجع وسائل الشیعة 12 / 274 .
12- (12) راجع وسائل الشیعة 12 / 274 .
13- (13) راجع وسائل الشیعة 12 / 276 .
14- (14) راجع وسائل الشیعة 12 / 276 .
15- (15) نّبه : عنّفه ولامه .
16- (16) راجع وسائل الشیعة 12 / 287 .
17- (17) راجع وسائل الشیعة 12 / 278 .

حول حرمة جمیعها تدلّ علی حرمتها أیضاً :

معتبرة محمد بن حُمران عن الصادق علیه السلام قال : من قال فی أخیه المؤمن ما رأته عیناه وسَمِعته اُذناه فهو ممّن قال اللّه عزّ وجلّ : «إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَن تَشِیعَ الْفَاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ فِی الدُّنْیَا وَالاْآخِرَةِ»(1)(2) .

ونحوها صحیحة هشام عن أبی عبداللّه علیه السلام المرویة فی تفسیر القمی 2 / 100.

ومنها : موثقة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : إنّ أقرب ما یکون العبد إلی الکفر أن یؤاخی الرجلُ الرجلَ علی الدین فیحصی علیه زلاّته لیعنفه بها یوماًما(3) .

ومنها : صحیحة عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : من عیّر مؤمناً بذنب لم یمت حتّی یرکبه(4) .

ومنها : موثقة إسحاق بن عمار عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من أذاع فاحشةً کان کمبتدئها ، ومن عیّر مؤمنّاً بشیءٍ لم یمت حتّی یرکبه(5) .

ومنها : صحیحة عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : من خاف الناس لسانه فهو فی النار(6) .

ومنها : صحیحة هشام بن سالم عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : یقول اللّه عزّ وجلّ : لیأذن بحرب منّی من آذی عبدی المؤمن ، الحدیث(7) .

ص: 203


1- (1) سورة النور / 19 .
2- (2) أمالی الصدوق . المجلس الرابع والخمسون ح 16 / 417 الرقم 549 .
3- (3) وسائل الشیعة 12 / 274 ح 2 . الباب 150 من أبواب أحکام العشرة .
4- (4) وسائل الشیعة 12 / 276 ح 1 . الباب 151 من أبواب أحکام العشرة .
5- (5) وسائل الشیعة 12 / 277 ح 2 .
6- (6) وسائل الشیعة 16 / 31 ح 9. الباب 70 من أبواب جهاد النفس.
7- (7) وسائل الشیعة 12 / 264 ح 1 . الباب 145 من أبواب أحکام العشرة .
3 _ أمّا الإجماع

فقد مرّ منّا ادعاء عدم الخلاف من المنتهی(1) والتذکرة(2) وصرّح بوجود الإجماع فی المسألة أصحاب مجمع الفائدة والبرهان(3) وکشف اللثام(4) وشرح القواعد(5) ومفتاح الکرامة(6) وریاض المسائل(7) ومستند الشیعة(8) والجواهر(9) والمکاسب حیث قال : « هجاء المؤمن حرام بالأدلة الأربعة»(10) .

وقال المحقق الخوئی قدس سره : « لا خلاف بین المسلمین فی حرمة هجاء المؤمن»(11) .

4 _ أمّا حکم العقل

هجاء المؤمن ظلم فی حقّه ، والعقل مستقل بقبح الظلم ، ومع ضم قاعدة الملازمة بین حکمی العقل والشرع ینتج حکم الشرع بحرمة هجاء المؤمن .

هذا کلّه بالنسبة إلی حرمة هجو المؤمن .

ثمّ إنّ هاهنا فروعاً :

الأوّل : هل الحرمة تختص بالمؤمن ؟

نعم ، الحرمة من مختصات المؤمن ، فلا بأس بهجو غیره ، ولذا الأصحاب قدس اللّه

ص: 204


1- (1) منتهی المطلب 2 / 1013 من الطبع الحجری .
2- (2) تذکرة الفقهاء 12 / 144 .
3- (3) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 76 .
4- (4) کشف اللثام 10 / 294 .
5- (5) شرح القواعد 1 / 220 للشیخ جعفر قدس سره .
6- (6) مفتاح الکرامة 12 / 210 .
7- (7) ریاض المسائل 8 / 162 .
8- (8) مستند الشیعة 14 / 158 .
9- (9) الجواهر 22 / 60 .
10- (10) المکاسب 2 / 117 .
11- (11) مصباح الفقاهة 1 / 456 .

أسرارهم قیدوا الموضوع بالمؤمن أو المؤمنین ، وهذا التقیید أدلّ دلیل علی الاختصاص .

مضافاً إلی ظهور الأدلة فی التخصیص کما مرّ فی بحث الغیبة .

قال الشیخ جعفر قدس سره : « یَعْلَمُ مَنْ تتّبع الأدلة أنّ کلاًّ من الکافرین الإسلامی والإیمانی علی حدّ سواء فی جواز لعنهم وهجوهم وسبّهم وشتمهم ما لم یکن قذفاً مع عدم شرطه أو فحشاً ، بل الظاهر منها أنّ هجاءَهم علی روؤس الأشهاد من أفضل عبادة العباد ، وقد أمر علّة الإیجاد وسید العباد حسّاناً بهجو المشرکین معلّلاً بأنّه أشدّ علیهم من رشق السهام(1) ...»(2) .

أقول : وتبعه تلمیذه صاحب الجواهر(3) ، أنت تری أنّ الشیخ الأکبر استثنی القذف والفحش، والاستثناء فی محله .

ولکن قد مرّ منّا عدم جواز سبّهم فی بحث السبّ ، فراجعه إن شئت .

الثانی : هل یجوز هجاء الفاسق المعلن ؟

لا یجوز هجو الفاسق غیر المعلن لإطلاقات الأدلة ولوجود الحرمة له ، وأمّا المتجاهر بالفسق فیشمله إطلاقات الأدلة أیضاً فلا یجوز هجوه .

قال ثانی الشهیدین : « لا فرق فی المؤمن هنا بین الفاسق وغیره ، اللهم إلاّ أن یدخل هجاء الفاسق فی مراتب النهی عن المنکر ، بحیث یتوقف ردعه علیه ، فیمکن جوازه حینئذ إن فرض»(4) .

وقال قریباً من هذا المضمون فی الروضة(5) ، وتبعه المحقق السبزواری فی الکفایة(6) .

وقال الشیخ جعفر : « ولو کان لمصلحة عظیمة أو دفع مفسدة عن المهجو دنیویة کدفع الهلکة عن نفسه ، أو المؤاخذة بعد الحلول فی رمسه بالنهی عن الفساد حَسُنَ ولو بالهجو علی

ص: 205


1- (1) سنن البیهقی 10 / 238 .
2- (2) شرح القواعد 1 / 220 .
3- (3) الجواهر 22 / 62 .
4- (4) المسالک 3 / 127 .
5- (5) الروضة البهیة 3 / 213 .
6- (6) الکفایة 1 / 436 .

روؤس الأشهاد»(1) .

أقول : لو کان الهجو لدفع القتل والهلکة فلا بأس به ، وأمّا بالنسبة إلی النهی عن المنکر لا سیما بالنسبة إلی بعض أفراده ومراتبه ، فجواز الهجو محل تأمل بل منع ، کما ذهب إلیه صاحب الجواهر(2) .

وأمّا ما ورد فی الخبر من قوله « محّصوا ذنوبکم بغیبة الفاسقین»(3) - مضافاً إلی عدم وروده فی مجامیع حدیثنا بل نقله صاحب مفتاح الکرامة(4) عن حواشی الشهید علی القواعد - فإنّها روایة مرسلة .

مضافاً إلی أنّه مختص بالغیبة فلا یشمل الهجو ، وعلی فرض الشمول فلابدَّ من حمله علی الخارجین من الإیمان کما عن الشیخ الأعظم(5) ، أو تذکّر أحوالهم وعاقبة أمرهم فی یوم القیامة وأن مصیرهم إلی النار کی یتّعظوا بذلک ویرتدعوا عن القبائح کما عن المحقق الإیروانی(6) .

وأمّا حمل الخبر علی الفاسق المتجاهر بفسقه کما عن الشیخ الأعظم(7) أیضاً غیر تام .

الثالث : حرمة استماع الهجو ثابت أم لا ؟

قال السید العاملی فی المفتاح : « کما یحرم الهجاء یحرم استماعه کما ستسمع»(8) .

أقول : نکلت حوالته ولم یأت بدلیل علی ماأفتی ، وحیث أنّ الدلیل علی حرمة استماع الهجاء مفقودٌ والملازمة بین الحرمتین ممنوعة ، فلابدَّ من جریان البراءة عن الحرمة

ص: 206


1- (1) شرح القواعد 1 / 221 .
2- (2) الجواهر 22 / 61 .
3- (3) لم یرد فی مجامیع حدیثنا .
4- (4) مفتاح الکرامة 12 / 211 .
5- (5) المکاسب 2 / 118 .
6- (6) الحاشیة علی المکاسب 1 / 272 .
7- (7) المکاسب 2 / 118 .
8- (8) مفتاح الکرامة 12 / 211 .

عقلاً وشرعاً .

نعم ، إذا کان الهجو یدخل فی عنوان الغیبة _ کما ربّما یدخل _ یحرم استماعه ، لأنّ استماع الغیبة من المحرَّمات الشرعیة .

الرابع : یجوز هجو المبدع فی الدین .

الدلیل علیه صحیحة داود بن سرحان عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إذا رأیتم أهل الریب والبدع من بعدی فأظهروا البراءة منهم ، وأکثروا من سبّهم ، والقول فیهم ، والوقیعة ، وباهتوهم کیلا یطمعوا فی الفساد فی الإسلام ، ویحذرهم الناس ولا یتعلّمون من بدعهم ، یکتب اللّه لکم بذلک الحسنات ویرفع لکم به الدرجات فی الآخرة(1) .

وهذه الصحیحة صریحة فی جواز هجو أهل البدع ، والتعلیل الوارد فیها بأن «لا یتعلّمون الناس من بدعهم» یجری بالنسبة إلی الهجو أیضاً .

وأمّا خبر أبی حمزة عن أبی جعفر علیه السلام قال : قلت له : إنّ بعض أصحابنا یفترون ویقذفون من خالفهم ، فقال : الکفّ عنهم أجمل . ثمّ قال : یا أبا حمزة واللّه إنّ الناس کلّهم أولاد بغایا ما خلا شیعتنا . ثمّ قال : نحن أصحاب الخمس والفیء ، وقد حرّمناه علی جمیع الناس ما خلا شیعتنا ، الحدیث(2) .

هذه الروایة لا تعارض صحیحة داود بن سرحان لما فیها :

أولاً : من ضعف إسنادها لمجهولیة الحسن بن عبد الرحمن وضعف علی بن العباس .

ثانیاً : موضوعها المخالفین وقذفهم ، وقد مرّ منّا تبعاً للشیخ الأکبر الشیخ جعفر قدس سره عدم جواز قذفهم وفحشهم ، ولم یکن موضوعها أهل البدع والقول فیهم .

ثالثاً : تحمل « الکف عنهم أجمل» علی موارد التقیة ، وفی غیر مواردها یجوز قذفهم کما قال علیه السلام فی نفس الروایة : « واللّه إنّ الناس کلّهم أولاد بغایا ما خلا شیعتنا» ، فهل هذا إلاّ القذف ؟ فلابدّ من حملها علی التقیة وإلاّ یتنافی صدرها وذیلها .

ص: 207


1- (1) وسائل الشیعة 16 / 267 ح 1 . الباب 39 من أبواب الأمر والنهی .
2- (2) وسائل الشیعة 16 / 37 ح 3 . الباب 73 من أبواب جهاد النفس .

فحینئذ یجوز هجو المبدع فی الدین بما فیه من المعایب وما لیس فیه لئلا یتعلّم الناس منهم البدع والآراء الفاسدة ، بشرط أن لا تترتب علی هذا الهجو مفسدة أو فتنة وإلاّ فیحرم لترتبهما . ویمکن حمل خبر أبی حمزة أیضاً علی فرض ترتب المفسدة أو الخوف من الفتنة ، واللّه سبحانه هو العالم .

الخامس : هل یجب إمحاءِ الهجو کفایة ؟ !

قال الشیخ جعفر قدس سره : « ومن کتب هجو المؤمن فی دیوانه وجب علیه کفایةً محوه ، ووجب علی الناس ردعه ... »(1) .

وتبعه تلمیذه السید العاملی فقال فی المفتاح : « ولیعلم أنّه لا تجوز المقاصّة فیه ویجب علیه هجره کفایةً ویجب علی الناس ردعه ... »(2) .

ولکن قال صاحب الجواهر بعد نقل هذا الکلام من أستاذه : « وإن کان لا یخلو من إشکال فی الجملة»(3) .

أقول : الحقُّ مع صاحب الجواهر ، لأنّ الدلیل ورد علی حرمة الهجو ولم یرد علی إمحائه کفایة ، وأمّا ردعه بتوسط الناس واجب علی نحو وجوب النهی عن المنکر وبشرائطه ، وأمّا ثبوت وجوب آخر غیر النهی عن المنکر فمحل تأمل بل منع .

نعم ، یحرم المقاصة فی الهجو والتهاجی والمهاجاة کما عن المفتاح ، لأنّ الإتیان بالحرام لا یسوّغه لآخر ، واللّه العالم وله الحمد .

ص: 208


1- (1) شرح القواعد 1 / 221 .
2- (2) مفتاح الکرامة 12 / 212 .
3- (3) الجواهر 22 / 61 .

الهُجْر

موضوعه :

لابدّ فی تعیین موضوع الهجر من مراجعة کلمات اللغویین :

قال أحمد بن فارس : « هجر : الهاء والجیم والراء أصلان یدلُّ أحدهما علی قطیعةٍ وقَطْعٍ ، والآخر علی شَدِّ شیءٍ وربطه . فالأوّل الهَجْر : ضد الوصل وکذلک الهِجْران _ إلی أن قال : _ الهُجْر : الإفحاش فی المنطق ، یقال : أهجر الرجل فی منطقه . قال :

کما جدةِ الأعراق قال ابنُ ضَرَّةٍ علیها کلاماً جارَ فیه وأهْجَرا

ورماه بالهاجراتِ وهی الفضائح ، سمّی هذا کلُّه لأنّه من المهجور الذی لاخیر فیه ... »(1) .

وقال الزمخشری : « أهْجَرَ : نطق بالهُجْر ، بالضم وهو الفحش»(2) .

وقال الفیومی : « الهُجْرُ : بالضم الفُحْشُ ، وهو اسمٌ من هَجَرَ یَهْجُرُ من باب قَتَلَ ، وفیه لغة اُخری»(3) .

وقال الفیروزآبادی : « الهَجْر ... وبالضم ، القبیح من الکلام کالهَجْراءِ ... »(4) .

وقال الطریحی : « قوله : «سَامِراً تَهْجُرُونَ»(5) هو من الهَجْر : وهو الهذیان ، وتهجرون من الهُجْر أیضاً ، وهو الإفحاش من المنطق»(6) .

أقول : الحاصل مما قالوه : أنّ الهُجْر : بالضم الفحش ، وهو أخص من البَذاء ، وهی

ص: 209


1- (1) معجم مقاییس اللغة 6 / 34 .
2- (2) أساس البلاغة / 479 .
3- (3) المصباح المنیر / 634 .
4- (4) القاموس / مادة هجر الطبع الحجری .
5- (5) سورة المؤمنون / 67 .
6- (6) مجمع البحرین / 310 من الطبع الحجری .

خروج الشیء عن طریقة الإحماد ، تقول : هو بذیء اللسان کما قاله أحمد بن فارس(1) . وقال الزمخشری : « فلان بَذِی ءُ اللسان»(2) ، وقال الفیومی : « بَذَا : علی القوم یَبْذُو وبَذَاءً بالفتح والمَدِّ : سَفُِهُ وأفحش فی منطقه وإن کان کلامه صدقاً فهو بَذِیٍّ علی فعیلٍ وامرأة بَذِیَّةٌ کذلک ... »(3) . فمرادف البذاء بالفارسیة « بد زبانی» وهو أعم من الفحش . وعلی هذا کلّ فحش بذاء ولیست کلّ بذاء بفحش . ولذا قد بحثنا عن البذاء فی أوّل الکتاب فی حرف الباء وعن الهُجْر أی الفحش هنا .

وقد تدلّ علی حرمته عدّة من الروایات المستفیضة :

منها : صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إنّ الفحش لو کان مثالاً لکان مثال سوءٍ(4) .

ومنها : موثقة أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّ من علامات شَرَک الشیطان الذی لا یشک فیه أن یکون فحّاشاً ، لا یبالی ما قال ولا ما قیل فیه(5) .

ومنها : معتبرة سلیم بن قیس عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إنّ اللّه حرّم الجنة علی کلّ فحّاش بذیء قلیل الحیاء ، لا یبالی ما قال وما قیل له ، فإنک إن فتّشته لم تجده إلاّ لَغیَّة أو شَرَک شیطان . قیل : یا رسول اللّه وفی الناس شَرَک شیطان ؟ فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أما تقرأ قول اللّه عزّ وجلّ : «وَشَارِکْهُمْ فِی الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ»(6) ، الحدیث(7) .

ولد غیّة : أی ولد زنا .

ومنها : موثقة سماعة عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إنّ من شرّ

ص: 210


1- (1) معجم مقاییس اللغة 1 / 217 .
2- (2) أساس البلاغة / 18 .
3- (3) المصباح المنیر / 41 .
4- (4) الکافی 2 / 324 ح 6 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 8 / 323 ح 1 .
5- (5) وسائل الشیعة 16 / 31 ح 1 . الباب 71 من أبواب جهاد النفس .
6- (6) سورة الإسراء / 64 .
7- (7) وسائل الشیعة 16 / 35 ح 2 . الباب 72 من أبواب جهاد النفس .

عباداللّه من تکره مجالسته لفحشه(1) .

ومنها : موثقة أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّ النبی صلی الله علیه و آله وسلم بینا هو ذات یوم عند عائشة إذ استأذن علیه رجل فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : بئس أخو العشیرة ، فقامت عائشة فدخلت البیت ، وأذن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم للرجل ، فلما دخل أقبل علیه بوجهه وبُشْره إلیه یحدثه حتّی إذا فرغ وخرج من عنده ، قالت عائشة : یا رسول اللّه بینا أنت تذکر هذا الرجل بما ذکرته به إذ أقبلت علیه بوجهک وبُشرک ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عند ذلک : إنّ من شرّ عباد اللّه من تکره مجالسته لفحشه(2) .

ومنها : صحیحة جابر الأنصاری عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فی حدیث أنّه قال : أفلا اُخبرکم بشرّ رجالکم ؟ فقلنا : بلی ، قال : إنّ من شرّ رجالکم البهّات الفاحش ، الآکل وحده ، المانع رفده ، الضارب أهله وعبده ، البخیل ، الملجیء عیاله إلی غیره، العاق بوالدیه(3) .

ومنها : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام : إنّ أمیر المؤمنین علیه السلام کان لا یقبل شهادة فحّاش ولا ذی مخزیة فی الدین(4) .

ومنها : خبر الحسن الصیقل قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : إنّ الفحش والبذاء والسلاطة من النفاق(5) .

علی القول بوثاقة محمد بن سنان کما لا یبعد صار سند الروایة معتبراً .

ومنها : خبر جابر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إنّ اللّه یحبّ الحیی الحلیم الغنی المتعفّف ، ألا وإنّ اللّه یبغض الفاحش البذیء السائل المُلْحِف(6) .

ومنها : صحیحة یونس عن بعض أصحابه عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول

ص: 211


1- (1) الکافی 2 / 325 ح 8 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 8 / 325 ح 11 .
2- (2) الکافی 2 / 326 ح 1 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 8 / 325 ح 12 .
3- (3) التهذیب 7/400 ح6 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 8 / 328 ح 23 .
4- (4) الکافی 7 / 396 ح 7 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 8 / 324 ح 7 .
5- (5) وسائل الشیعة 16 / 32 ح 3 .
6- (6) وسائل الشیعة 16 / 33 ح 9 .

اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ألا اُخبرکم بأبعدکم منّی شبهاً ؟ قالوا : بلی یا رسول اللّه ، قال : الفاحش المتفحش البذیء البخیل المختال الحقود الحسود ، القاسی القلب ، البعید من کلِّ خیر یُرجی ، غیر المأمون من کلّ شرٍّ یُتّقی(1) .

تلک عشرة کاملة من الروایات المستفیضة تدلّ بوضوح علی حرمة الهُجْر والفحش وأکثرها معتبرة الإسناد ، وإن شئت أکثر من هذا فراجع الکافی 2 / 323 باب البذاء ووسائل الشیعة 16 / 31 ومستدرک الوسائل 12 / 80 وجامع أحادیث الشیعة 16 / 559 وکتابی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 8 / 323 .

تنبیهٌ

نقل صاحب غنیة الطالب(2) أنّ بعض المحققین ذهب إلی حرمة الفحش من حیث نفسه ، لا من حیث أنّه إیذاء وهتک وتوهین ، ولا فرق بین کون المخاطب مؤمناً أو مسلماً أو فاسقاً أو کافراً ، ذکراً أو اُنثی ، حُرّاً أو مملوکاً صغیراً أو کبیراً ، وهو مقتضی إطلاق کلماتهم ، بل قال رحمه الله : یمکن دعوی شموله لما إذا کان المقول له غیر الممیز من الأطفال ، بل والبهائم ، ویُشعر به ممّا ورد فی لعن المرکوب والتوبیخ علیه .

أقول : قد استظهرنا فی بحث السبّ هذا البیان بإطلاقه ، فراجعه إن شئت . وهذا المحقق الجلیل الذی لا نعلم اسمه ولا نعرف شخصه موافق لنا والحمد للّه .

تبصرةٌ

إنّ الفحش یختلف باختلاف البلدان والأشخاص والأقوام والعادات ، ففی کلِّ مورد یصدق أنّه فحش عندهم یحکم بحرمته ، وفی مورد الشک فی الشبهات الموضوعیة أو المفهومیة تجری البراءة العقلیة والشرعیة من الحرمة ویحکم بالجواز ، مع أنّ حُسن الاحتیاط باقٍ علی حاله(3) ، والحمد للّه العالم بأحکامه .

ص: 212


1- (1) الکافی 2 / 291 ح 9 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 8 / 325 ح 8 .
2- (2) غنیة الطالب 1 / 203 .
3- (3) وردت هذه التبصرة بغیر هذه الالفاظ فی مهذب الاحکام 16 / 182 للفقیه السبزواری قدس سره .

هِجْران المؤمن

اشارة

(1)

لابدّ أولاً من معرفة تعیین موضوع الهجران بمراجعة کلمات اللغویین ثمّ البحث عن حکمه :

موضوعه

اشارة

قد مرّ فی العنوان السابق کلام أحمد بن فارس حیث قال : « هجر : ... أصلان یدلُّ أحدهما علی قطیعةٍ وقَطْعٍ ... فالأوّل الهَجْر : ضد الوصل وکذلک الهجران ... »(2) .

وقال الفیومی : « هَجَرتُهُ هَجْراً من باب قَتَل : قَطَعْتُهُ ، والإسم الهِجْران ، وفی التنزیل «وَاهْجُرُوهُنَّ فِی الْمَضَاجِعِ»(3) أی فی المنام توصّلاً إلی طاعتهنَّ ، وإنْ رَغِبَتْ عن صُحْبَتِهِ ودامتْ علی النشوز ارتقی الزوج إلی تأدیبها بالضرب ، فإن رجعتْ صَلَحَتِ العشرةُ ، وإن دامت علی النشوز اسْتُحِبَّ الفراقُ ... »(4) .

وقال الفیروزآبادی : « هَجَرَه هَجْراً بالفتح وهِجْراناً بالکسر : صَرَمَه والشیء تَرَکَه ... »(5) .

وقال الطریحی : « وهَجَرْتُه هَجْراً بالفتح وهِجْراً بالکسر من باب قَتَلَ تَرَکْتُهُ ورفضته ، وفی الحدیث : « لا هجرة فوق ثلاث» الهَجْر : ضد الوصل ، یعنی فیما یکون بین المسلمین من عتب وموجدة أو تقصیر یقع فی حقوق العشرة والصحبة دون ما کان فی جانب الدین ، فإنّ هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة علی ممرّ الاُوقات ما لم تظهر التوبة»(6) .

ص: 213


1- (1) لم یذکره الشیخ الأعظم ولکن ذکرناه لکثرة الإبتلاء به .
2- (2) معجم مقاییس اللغة 6 / 34 .
3- (3) سورة النساء / 34 .
4- (4) المصباح المنیر / 634 .
5- (5) القاموس / مادة هجر من الطبع الحجری .
6- (6) مجمع البحرین / 311 .

أقول : فالمراد بالهجران بین المؤمنین هو التقاطع وعدم المواصلة فی العشرة بینهم ، وتدلّ علی حرمتها عدّة من الروایات المستفیضة :

تدل علی حرمته عدة من الروایات

منها : صحیحة هشام بن الحکم عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لا هجرة فوق ثلاث(1) .

ومنها : صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : إنّ الشیطان یغری بین المؤمنین ما لم یرجع أحدهم عن دینه ، فإذا فعلوا ذلک استلقی علی قفاه وتمدَّد ، ثمّ قال : فزتُ ، فرحم اللّه امرءاً ألّف بین ولیّین لنا ، یا معشر المؤمنین تألّفوا وتعاطفوا(2) .

أغری بینهم العداوة : ألقاها . التمدّد : الاستراحة وإظهار الفراغ من العمل .

ومنها : خبر أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لا یزال إبلیس فرحاً ما اهتجر المسلمان ، فإذا التقیا اصطکّت رکبتاه ، وتخلّعت أوصاله ونادی : یا ویله ما لقی من الثبور(3) . اصطکاک الرکبتین : اضطرابهما . التخلّع : التفکک . الأوصال : المفاصل . الثبور : الهلاک . ومنها : خبر مرازم قال : کان عند أبی عبد اللّه علیه السلام رجل من أصحابنا یلقب شَلْقان وکان قد صیّره فی نفقته وکان سیّیء الخُلْق فهجره ، فقال لی یوماً : یا مرازم [ و ] تُکلّم عیسی ؟ فقلت : نعم ، فقال : أصبتَ لاخیر فی المهاجرة(4) .

شَلْقان : لقب عیسی بن أبی منصور ، قیل : لقّب بذلک لسوء خُلقه ، من الشلق : وهو الضرب بالسوط وغیره ، وقد وردت أخبار کثیرة فی مدحه وأنّه ثقة من أصحابنا روی عن أبی عبد اللّه علیه السلام .

ومنها : فی خبر وصیة المفضل قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : لا یفترق رجلان

ص: 214


1- (1) وسائل 12 / 260 ح 1 . الباب 144 من أبواب أحکام العشرة .
2- (2) الکافی 2 / 345 ح 6 ونقلت عنه فی کتابَیْ موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 12 / 14 ح 6 _ و _ ألف حدیث فی المؤمن / 334 .
3- (3) وسائل الشیعة 12 / 262 ح 6 .
4- (4) الکافی 2 / 344 ح 4 ونقلت عنه فی کتابَیْ موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 12 / 14 ح 4 وألف حدیث فی المؤمن / 334 ، ونقل عن الکافی مختصراً فی وسائل الشیعة 12 / 261 ح 2 .

علی الهجران إلاّ استوجب أحدهما البراءة واللعنة ، وربّما استحقَّ ذلک کلاهما . فقال له معتّب : جعلنی اللّه فداک هذا الظالم فما بال المظلوم ؟ قال : لأنّه یدعو أخاه إلی صلته ولا یتغامس له عن کلامه ، سمعت أبی یقول : إذا تنازع اثنان فعازَّ أحدهما الآخر فلیرجع المظلوم إلی صاحبه حتّی یقول لصاحبه : أی أخی أنا الظالم ، حتّی یقطع الهجران بینه وبین صاحبه ، فإنّ اللّه تعالی حکمٌ عدلٌ یأخذ للمظلوم من الظالم(1) .

ومنها : خبر داود بن کثیر قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : قال أبی علیه السلام : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أیّما مسلِمَیْن تهاجرا فمکثا ثلاثاً لا یصطلحان إلاّ کانا خارجین من الإسلام ولم تکن بینهما ولایة ، فأیّهما سبق إلی کلام أخیه کان السابق إلی الجنة یوم الحساب(2) .

ومنها : خبر مناهی النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : ونهی عن الهجران ، فمن کان لابدّ فاعلاً فلا یهجر أخاه أکثر من ثلاثة أیّام ، فمن کان مهاجراً لأخیه أکثر من ذلک کانت النار أولی به ، الحدیث(3) .

ومنها : خبر أبی هریرة قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لا یحلّ لمسلم أن یهجر أخاه فوق ثلاثة أیّام ، والسابق یسبق إلی الجنة(4) .

ومنها : خبر وصیة النبی صلی الله علیه و آله وسلم لأبی ذر فی حدیث : یا أباذر إیّاک والهجران لأخیک المؤمن ، فإنّ العمل لا یتقبّل مع الهجران ، الحدیث(5) .

ومنها : خبر الشیخ جعفر بن أحمد القمی بإسناده إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : هجر الرجل أخاه سنة کسفک دمه(6) .

تلک عشرة کاملة من الروایات المستفیضة تدلّ علی حرمة هجران المؤمن ، فإن شئت

ص: 215


1- (1) وسائل الشیعة 12 / 261 ح 3 .
2- (2) وسائل الشیعة 12 / 262 ح 5 .
3- (3) وسائل الشیعة 12 / 262 ح 8 .
4- (4) وسائل الشیعة 12 / 263 ح 11 .
5- (5) وسائل الشیعة 12 / 264 ح 12 .
6- (6) جامع الأحادیث / 131 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 12 / 16 ح 13 .

أکثر من هذا فراجع الکافی 2 / 344 والوافی 5 / 919 وبحار الأنوار 72 / 184 ووسائل الشیعة 20 / 496 وکتابَیْ موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 12 / 13 وألف حدیث فی المؤمن / 334 لهذا العبد .

ص: 216

النوع الخامس ممّا یحرم التکسب به

اشارة

ص: 217

ص: 218

أخذ الاُجرة علی الواجب

قبل الورود فی البحث عن أخذ الأجرة علی الواجب لابدّ من ملاحظة کلمات الأصحاب قدس اللّه أسرارهم فی المقام :

کلمات الأصحاب فیه

قال المفید : « والتکسب بتغسیل الأموات وحملهم ودفنهم حرام ، لأنّ ذلک فرض علی الکفایة أوجبه اللّه تعالی علی أهل الاسلام .

ولا بأس بالأجر علی تعلیم القرآن والحکم کلّها ، والتنزّه عن التکسب بذلک أفضل .

والأجر علی الأذان والصلاة بالناس حرام .

ولا بأس بالأجر علی الحکم والقضاء بین الناس ، والتبرع بذلک أفضل وأقرب إلی اللّه تعالی .

والأجر علی کَتْب المصاحف وجمیع علوم الدین والدنیا جائز»(1) .

قال أبو الصلاح الحلبی : « وأجر تعلیم المعارف والشرائع وکیفیة العبادة من النظر فیها والفتیا بها وتنفیذ الأحکام وتلقین القرآن وعَقْد الجُمَع والجماعات والأذان والإقامة وتغسیل الأموات وتجهیزهم وحملهم والصلاة علیهم ومواراتهم وجهاد الکفار والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وسائر العبادات والمعونة علی ذلک محرَّمٌ»(2) .

وقال الشیخ الطوسی : « وأخذ الاُجرة علی غُسْل الأموات وحملهم ومواراتهم حرام ، لأنّ ذلک فرضٌ علی الکفایة علی أهل الإسلام . وأخذ الأجْرِ علی الأذان والصلاة بالناس حرام »(3) .

ص: 219


1- (1) المقنعة / 588 .
2- (2) الکافی / 283 .
3- (3) النهایة / 365 .

وقال القاضی ابن البراج : « إعلم أنّ غسل المیت فرض علی الکفایة وکذلک الصلاة علیه ، ودفنه ولا یجوز أخذ الأجر علی غسله ، وهو مذهب شیخنا أبی جعفر محمد بن الحسن الطوسی رحمه الله وغیره من علماء الطائفة ، وقد کان شیخنا المرتضی رحمه الله أجازه ، یقول : یجوز أخذ الأجر علی ذلک بشرط أن تتکفل مأمور الناس بعض الناس ، قال : فإذا تکفل هذا مأموره سقط الفرض عن غیره وجاز للغیر أخذ الأجر علی ذلک ، والظاهر من المذهب والأحوط هو ما قدمناه»(1) .

عدّ ابن البراج من المکاسب المحرَّمة أیضاً : « والأذان والإقامة لأجل الأجر علیهما والصلاة بالناس لمثل ذلک وتغسیل الموتی وتکفینهم وحملهم والصلاة علیهم ودفنهم»(2) .

وقال ابن إدریس الحلی : «ولا یجوز أخذ الاُجرة علی الأذان والاقامة ولا علی الصلاة بالناس وتغسیل الأموات وتکفینهم وحملهم ودفنهم والصلاة علیهم ، والاُجرة المحرّمة علی حملهم هی إلی المواضع التی یجب علی مَنْ حضرهم الحمل إلیها ، وهی ظواهر البلدان والجبانة المعروفة بذلک ، فأمّا ما بعد عن ذلک من المواضع المعظمة والأمکنة الشریفة المقدسة فلا یجب حمل المؤمن إلیها علی مَنْ حضرهم ، ولا تحرم الاُجرة علی مَنْ استؤجر للحمل إلی المواضع المذکورة النائیة »(3) .

وقال المحقق فی المکاسب المحرّمة من الشرائع : « الخامس ما یجب علی الإنسان فعله کتغسیل الموتی وتکفینهم ودفنهم ، وقد یُحرم الاکتساب بأشیاء اُخر تأتی فی أماکنها إن شاء اللّه .

مسألة : أخذ الأجرة علی الأذان حرام ولا بأس بالرزق من بیت المال ، وکذا الصلاة بالناس والقضاء علی تفصیل سیأتی ، ولا بأس بأخذ الاُجرة علی عقد النکاح»(4) .

وقال أیضاً فی النافع : « السادس : الاُجرة علی قدر الواجب من تغسیل الموتی

ص: 220


1- (1) شرح جمل العلم والعمل / 148 .
2- (2) المهذب 1 / 345 .
3- (3) السرائر 2 / 217 .
4- (4) الشرائع 2 / 5 .

وتکفینهم وحملهم ودفنهم ، والرُّشا فی الحکم ، والاُجرة علی الصلاة بالناس والقضاء . ولا بأس بالرزق من بیت المال ، وکذا علی الأذان»(1) .

وقال فی المعتبر : « قال(2) : یجوز أن یعطی المؤذّن من بیت المال ومن خاص الإمام ، وقال فی الخلاف(3) : لا یجوز أخذ الاُجرة علی الأذان ... وقال علم الهدی فی المصباح : یکره أخذ الاُجرة علی الأذان»(4) .

قال العلامة فی القواعد : « ما یجب علی الإنسان فعله یحرم الاُجرة علیه : کتغسیل الموتی وتکفینهم ودفنهم ، وتحرم الاُجرة علی الأذان وعلی القضاء . ویجوز أخذ الرزق علیهما من بیت المال . ویجوز أخذ الاُجرة علی عقد النکاح والخطبة فی الإملاک(5) . وتحرم الاُجرة علی الإمامة والشهادة وأدائها»(6) .

وقال فی التحریر : « یحرم أخذ الاُجرة علی تغسیل الأموات وتکفینهم ودفنهم والصلاة علیهم وعلی کلّ ما یجب علیه فعله ، وأخذ الاُجرة علی الأذان . ویجوز أخذ الرزق فیه من بیت المال . وکذا یحرم أخذ الاُجرة علی القضاء ، ویجوز أخذ الرزق فیه من بیت المال ، وکذا الصلاة بالناس ، ویجوز أخذ الاُجرة علی عقد النکاح والخطبة فی الإملاک»(7) .

وقال فی نهایته : « السادس عشر : ما یجب علی الإنسان فعله یحرم أخذ الاُجرة فیه . أمّا لو أخذ الاُجرة علی المستحب کما لو أخذ اُجرةً علی تکرار کلّ غسلة ثلاثاً أو توصیة المیت أو تکفینه بالمستحب أو دفنه فی اللحد ، فالأقرب الجواز ، لأنّه عمل مقصود محلّل ، فجاز أخذ الاُجرة علیه کغیره ، وکذا یجوز أخذ ثمن الکفن وماء تغسیل المیت .

ص: 221


1- (1) المختصر النافع / 117 .
2- (2) القائل هو الشیخ فی المبسوط 1 / 98 .
3- (3) الخلاف 1 / 290 مسألة 36 .
4- (4) المعتبر 2 / 133 .
5- (5) الإملاک : التزویج .
6- (6) القواعد 2 / 10 .
7- (7) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 265 .

السابع عشر : یحرم أخذ الاُجرة علی الأذان للروایة(1) ، ولأنه من أعظم شعائر الإسلام .

الثامن عشر : یحرم أخذ الاُجرة علی القضاء وسیأتی تفصیله ، ویجوز أخذ الرزق علیه وعلی الأذان من بیت المال . وکذا یجوز أخذ الاُجرة علی عقد النکاح والخطبة فی الإملاک . ویحرم أخذ الاُجرة علی الإمامة فی الصلاة والشهادة وأدائها .

التاسع عشر : الأقرب تحریم أخذ الاُجرة علی تعلیم القرآن ، لأنّه مِنْ أعظم المعجزات التی تجب تداولها ونقلها بالتواتر ، فلا یجوز أخذ الاُجرة علیه ویجوز قبول الهدیّة علیه _ ثمّ ذکر روایتین فی المقام _ »(2) .

وقال فی المنتهی : « یحرم أخذ الاُجرة علی تغسیل الموتی وتکفینهم ودفنهم والصلاة علیهم ، لأنّ ذلک واجب علیهم ، فلا یجوز لهم أخذ الاُجرة علی فعله کالفرائض»(3) .

وقال فی التذکرة : « یحرم أخذ الاُجرة علی الأذان ، وبه قال أبوحنیفة وأحمد والاُوزاعی _ ثم ذکر روایتین بطریقی العامة والخاصة ، ثمّ قال : _ وقال المرتضی : یکره عملاً بالأصل ، وقال الشافعی ومالک بالجواز ، لأنّه عمل معلوم یجوز أخذ الرزق علیه فجاز أخذ الاُجرة علیه والملازمة ممنوعة»(4) .

وقال فیه أیضاً : « الخامس : ما یجب علی الإنسان فعله یحرم أخذ الأجر علیه کتغسیل الموتی وتکفینهم ودفنهم . نعم ، لو أخذ الأجر علی المستحب منها فالأقرب الجواز . وتحرم الاُجرة علی الأذان وقد سبق ، وعلی القضاء لأنّه واجب ، ویجوز أخذ الرزق علیهما من بیت المال . ویجوز أخذ الاُجرة علی عقد النکاح والخطبة فی الإملاک . ویحرم الأجر علی الإمامة والشهادة وقیامها»(5) .

ص: 222


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 157 ح 1 . الباب 30 من أبواب ما یکتسب به . موثقة عمرو بن خالد .
2- (2) نهایة الإحکام 2 / 475 و 474 .
3- (3) منتهی المطلب 2 / 1018 (الطبع الحجری) .
4- (4) تذکرة الفقهاء 3 / 81 .
5- (5) تذکرة الفقهاء 12 / 148 .

وقال فی المختلف : « قال الشیخ فی النهایة : یکره أخذ الاُجرة علی تعلیم شیءٍ من القرآن ونسخ المصاحف ولیس بمحظور ، وإنّما یکره إذا کان هناک شرط ، فإن لم یکن هناک شرط لم یکن به بأس(1) . وکذا قال ابن البراج(2) .

والمفید قال : لا بأس بالاُجرة علی تعلیم القرآن والحِکَم کلِّها ، والتنزّه عن التکسّب بذلک أفضل(3) .

وقال أبو الصلاح : یحرم أجر تعلیم المعارف والشرائع وکیفیة العبادة عن النظر فیها والفتیابها وتنفیذ الأحکام وتلقین القرآن(4) .

وقال الشیخ فی الإستبصار : یحرم مع الشرط ویکره بدونه(5) .

وقال ابن إدریس : یکره مع الشرط ولا بأس بدونه(6) .

والأقرب إباحته علی کراهیة ، لنا : الأصل الإباحة ، لأنّ فیه منفعة تعلیم القرآن وتعمیم إشاعة معجزة النبی صلی الله علیه و آله وسلم . ولأنّه یجوز جعله مَهْراً فجاز أخذ الاُجرة علیه ، إذ لو حرمت الاُجرة لحرم جعله مهراً»(7) . ثمّ ذکر بعض الروایات فی المقام وحملها علی الکراهة ، فراجعه .

وقال فیه : « قال ابن البراج فی أقسام المحرّمات : الأذان والإقامة لا یحلّ الأجر علیهما ، وکذا الصلاة بالناس وتغسیل الموتی وتکفینهم وحملهم ودفنهم(8) .

والأقرب تحریم الأجر أمّا الفعل فلا ، ویحتمل أن یقال : الفعل إنّما کان طاعة لو وقع

ص: 223


1- (1) النهایة / 367 .
2- (2) المهذب 1 / 346 .
3- (3) المقنعة / 588 .
4- (4) الکافی / 283 .
5- (5) الاستبصار 3 / 66 و 65 ذیل ح 219 و 216 .
6- (6) السرائر 2 / 223 .
7- (7) مختلف الشیعة 5 / 16 و 15 .
8- (8) المهذب 1 / 345 .

علی الوجه المأمور به شرعاً ، ووقوعه علی هذا الوجه لیس بشرعیٍّ فیکون بدعةً فیکون حراماً»(1) .

فخر المحققین فی ذیل قول والده فی القواعد : « وهل یجوز (أی الاستیجار) علی تعلیم الفقه المنع مع الوجوب والجواز معه» ، قال : « البحث هنا فی موضعین :

الف : من حیث الفریضة ووجه القرب أنّه إذا تعیّن التعلیم علیه کان من الواجبات المعینة ، فلا یجوز أنْ یأخذ الأجر علیها ، ولأنّ کلّما هو فی مقابله عوض لم یلزمه فعله عند عدم وصول العوض إلیه ، وإلاّ لم یکن معاوضة ولم یکن العوض عوضاً ، ویلزمه کلّما یلزمه فعله علی تقدیر عدم وصول العوض ، فلا یکون فی مقابلة عوض . لکن هنا ، کذلک ، لأنّه قد تعیّن علیه فلا تصح الإجارة ، ومع عدمه یجوز لوجود المقتضی وانتفاء المانع : أمّا الأوّل فلأنّه فعل مقصود ، وأمّا الثانی فلأنّه لا مانع إلاّ وجوبه علی الکفایة ، ولا یصلح للمانعیة ،ّلأنّ جمیع الصنائع واجبة علی الکفایة ، فإنّ کلّما ینتظم به أمر النوع واجب علی الکفایة . والحقّ عندی أنّ کلّ واجب علی شخص معین لا یجوز للمکلف به أخذ الاُجرة علیه ، والذی علی الکفایة ، فإنّ کان لو أوقعه بغیر نیّة لم یصح ولم یترک الوجوب به لا یجوز أخذ الاُجرة علیه ، لأنّه عبادة محضة وقال تعالی : «وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِیَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ»(2) حصر غرض الآمر فی انحصار غایة الفعل فی الإخلاص ، وما یفعل بالعوض لا لذلک فلا یصح ، وغیر ذلک یجوز أخذ الأجر علیه إلاّ ما نص الشارع علی تحریمه کالدفن .

ب : فی العمل وضبطه فنقول : الفقه هوالعلم بالأحکام الشرعیة الفرعیة المکتسبة عن أدلتها التفصیلیة بالاستدلال ، فإمّا أن یستأجره للتدریس فیه بتعیین المدّة لا مَنْ یتعلّم وما یتعلّم فالأصح الصحة وجازت الجهالة للحاجة کالجهاد ، ویحتمل العدم لعدم الضبط ، وإمّا أن یستأجره مع تعیین من یتعلّم أو ما یتعلّم فلابدَّ مِنْ ضبط المسائل التی یتعلّمها »(3) .

وقال الشهید فی عداد المکاسب المحرّمة : « ما یجب علی المکلّف فعله إمّا عیناً کالصلاة

ص: 224


1- (1) مختلف الشیعة 5 / 18 .
2- (2) سورة البینة / 5.
3- (3) إیضاح الفوائد 2 / 264 و 263 .

الیومیة أو کفایة کتغسیل المیت وتکفینه والصلاة علیه ودفنه ، وفی فتاوی المرتضی هذا واجب علی الولی ، فإذا استأجر علیه جاز ، والوجه التحریم ، أمّا ثمن الکفن والماء والکافور فلیس بحرام .

ولو استؤجر علی مازاد علی الواجب من هذه جاز کالغسلات المندوبة والزیادة فی الکفن وتعمیق القبر والحمل إلی المشاهد الشریفة ، فلو بذل له اُجرة تزید علیه لم تحرم إذا کان هو المقصود .

ومن الواجب الذی یحرم أخذ الاُجرة علیه تعلیم الواجب عیناً أو کفایةً من القرآن العزیز والفقه والإرشاد إلی المعارف الإلهیّة بطریق التنبیه . ...وکذا تحرم الاُجرة علی وظیفة الإمامة وإقامة الشهادة وتحمّلها وإن قام غیره مقامه . ولو أخذ الاُجرة علی مازاد علی الواجب من الفقه والقرآن جاز علی کراهیّة ، ویتأکّد مع الشرط ولا یحرم ... ولو دفع إلیه بغیر شرط فلا کراهیة ... ویجوز الإستئجار علی عقد النکاح وغیره من العقود ، وأمّا علی تعلیم الصیغة وإلقائها علی المتعاقدین فلا . وکذا لا تجوز الاُجرة علی الخطبة والخطبة فی الإملاک»(1) .

وعلّق المحقق الثانی علی قول العلامة فی القواعد : « نعم لو أخذ الاُجرة علی المستحب منها فالأقرب جوازه» بقوله : « أی : من هذه الاُمور کتکفین القدر المندوب ، وحفر مازاد علی الواجب للأصل ، ولأنّه فعل سائغ ، فجاز أخذ الاُجرة علیه کالحج والصلاة . وقال ابن البراج : لا یجوز لإطلاق النهی(2) وعن المرتضی : جواز الاُجرة علی الواجب بناءً علی اختصاص الوجوب بولی»(3)(4) .

وعلّق علی قوله : « ویجوز أخذ الاُجرة علی عقد النکاح» بقوله : « إنّما یجوز إذا کان وکیلاً لأحد الزوجین أولهما ، فیتولّی الصیغة ویکون وکیلاً بجُعْل ، أما إلقاء الصیغة علی

ص: 225


1- (1) الدروس 3 / 173 و 172 .
2- (2) المهذب 1 / 345 .
3- (3) شرح جمل العلم والعمل / 148 .
4- (4) جامع المقاصد 4 / 35 .

المتعاقدین فلا یجوز أخذ الاُجرة علیه إجماعاً ، لأنّه من الواجبات الکفائیة ، وکذا باقی العقود»(1) .

وعلّق علی قوله : « والخُطبة فی الإملاک» بقوله : « الخُطْبة بالضم : ما اشتمل علی حمد اللّه والصلاة علی رسوله وآله صلوات اللّه علیهم ، والإملاک بکسر الهمزة : التزویج ، والزوج مملَکٌ بفتح اللاّم . وأما الخِطبة بکسر الخاء : فهو طلب المرأة من ولیّها ونحوه»(2) .

وعلّق علی قوله : « وتحرم الاُجرة علی الإمامة والشهادة» بقوله : « المراد إمامة الناس فی الصلوات من غیر فرق بین الواجبة والمندوبة ، ویجوز الإرتزاق من بیت المال . وأمّا الشهادة تحمّلاً وإقامةً فلأن_ّها من الواجبات إمّا العینیة أو الکفائیة»(3) .

وعلّق الشهید الثانی علی قول المحقق فی الشرائع : « ما یجب علی الإنسان فعله» . بقوله : « هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وعلیه الفتوی . وذهب المرتضی إلی جواز أخذ الاُجرة علی ذلک لغیر الولیِّ ، بناءً علی اختصاص الوجوب به . وهو ممنوع ، فإنّ الوجوب الکفائی لا یختصّ به . وإنّما فائدة الولایة توقف الفعل علی إذنه ، فیبطل منه ما وقع بغیره ممّا یتوقف علی النّیة .

وخرج ب_ « ما یجب فعله» من ذلک ما یستحبّ ، کتغسیله بالغسلات المسنونة من تثلیث الغُسل وغَسْل یدیه وفرجه ووَضوئه _ علی القول بندبه _ وتکفینه بالقطع المندوبة ، وحفر قبره قامة مع تأدّی الفرض بدونها ، ونقله إلی ما یدفن فیه مع إمکان دفنه فی القریب ، فإنّ أخذ الاُجرة علی ذلک کلّه جائز للأصل وعدم المانع ، خلافاً لبعض الأصحاب محتجّاً بإطلاق النهی»(4) .

وعلّق علی قوله : « أخذ الاُجرة علی الأذان حرام» بقوله : « هذا هو المشهور بین الأصحاب وعلیه العمل . وذهب المرتضی إلی جواز أخذ الاُجرة علیه ، تسویة بینها وبین

ص: 226


1- (1) جامع المقاصد 4 / 37 .
2- (2) جامع المقاصد 4 / 37 .
3- (3) جامع المقاصد 4 / 37 .
4- (4) المسالک 3 / 130 .

الإرتزاق . وهو متروک . والفرق بینهما أنّ الاُجرة تفتقر إلی تقدیر العمل والعوض وضبط المدّة والصیغة الخاصة ، وأمّا الإرتزاق فمنوط بنظر الحاکم ، لا یقدّر بقدر . ومحلّه من بیت المال ما اُعدّ للمصالح من خراج الأرض ومقاسمتها ونحوها . ولا فرق فی تحریم أخذ الاُجرة بین کونها من معیّن ومن أهل البلد والمحلّة وبیت المال .

وهل یوصف أذان آخذ الاُجرة بالتحریم فلا یعتدّ به ، أم یکون أخذ الاُجرة خاصة محرّماً ؟ نص بعض الأصحاب علی الأوّل ، ووجّهه العلامة فی المختلف بأنّ الأذان علی هذا الوجه لا یکون مشروعاً فیکون محرّماً ، وهو متجه . لکن یُشکل بأنّ النیة غیر معتبرة فیه ، والمحرّم هو أخذ المال لا نفس الأذان ، فإنّه عبادة أو شعار . وأمّا أخذ ما یعدّ للمؤذنین من أوقاف مصالح المساجد ونحوها فلیس باُجرة ، وإن کان مقدّراً وکان هو الباعث علی الأذان . نعم لا یثاب فاعله علیه إلاّ مع تمحّض إرادة القربة إلی اللّه تعالی به»(1) .

وعلّق علی قول المحقق « ولا بأس بأخذ الاُجرة علی عقد النکاح» بقوله : « أی علی مباشرة الصیغة من أحد الجانبین أو منهما ، فإنّ ذلک غیر واجب ، أمّا تعلیم الصیغة وإلقاؤها علی المتعاقدین فهو من باب تعلیم الواجب ، فلا یجوز أخذ الاُجرة علیه . وکذا غیره من العقود . وأمّا الخُطبة _ بالضم _ بمعنی حمد اللّه تعالی والصلاة علی رسوله وذکر ما یناسب مقام العقد عنده ، و _ بالکسر _ بمعنی طلب الزوجة من نفسها أو ولیّها أو أقاربها ومحاورتهم فی ذلک ، فیجوز أخذ الاُجرة علیه أیضاً ، لأنّه لیس بواجب»(2) .

وقال المحقق الأردبیلی فی المقام : « الظاهر أنّه لا خلاف فی عدم جواز أخذ الاُجرة علی فعل واجب علی الأجیر ، سواء کان عینیّاً أم کفائیّاً ، فکأنّ الإجماع دلیله . وأیضاً إنّه لما استحقّ فعله للّه لغیر غرض آخر ، یحرم علیه فعله لذلک الغرض ویحرم الأجر علیه . هذا ظاهرٌ .

ولکن یرد علیه إشکال ، وهو : أنّ أکثر الصناعات واجب کفائیٌّ علی ما صرّحوا ،

ص: 227


1- (1) المسالک 3 / 131 .
2- (2) المسالک 3 / 132 .

فیلزم عدم جواز الأجر ، وکذا یحرم علی الطبیب أخذ الأجر لوجوب الطبابة کفائیّاً کالفقه ... فالتحقیق بحیث یستحقّ ببعضه الاُجرة دون البعض یحتاج إلی التأمل والدلیل .

ویمکن أن یقال : بعضها خارج بنصٍّ أو إجماع ، فکلّ ما دلّ علیه أحدهما یخرج ویبقی الباقی تحت التحریم ... »(1) .

وقال المحقق السبزواری : « ومن ذلک : (أی من المکاسب المحرّمة) ما یجب علی الإنسان فعله کتغسیل الموتی ودفنهم علی المشهور بین الأصحاب خلافاً للمرتضی ، حیث ذهب إلی جواز أخذ الاُجرة علی ذلک لغیر الولیّ ، بناءً علی اختصاص الوجوب بالولیّ ، وهذا لا یستقیم علی القول بالوجوب الکفائی . وأخذ الاُجرة علی المندوبات جائز علی المشهور خلافاً لبعض الأصحاب .

... المشهور بین الأصحاب حرمة أخذ الاُجرة علی الأذان ولا بأس بالرزق من بیت المال ، وذهب المرتضی إلی جوازها ولعلّ الأقرب الأوّل ... وهل یوصف أذان آخذ الاُجرة بالتحریم ؟ فیه قولان ، والقول بالتحریم إذا کان غرضه من الأذان منحصراً فی الاُجرة متّجه ، والظاهر أنّ أخذ ما یعدّ للمؤذنین من أوقاف مصالح المساجد ونحوها جائز لیس باُجرة ، ولا یثاب فاعله علیه إلاّ مع تمحّض إرادة القربة فی فعله .

... یجوز أخذ الاُجرة علی النکاح أی علی مباشرة الصیغة وکذا الخطبة»(2) .

قال الشیخ یوسف البحرانی : « المشهور فی کلام الأصحاب _ من غیر خلاف یُعرف _ أنّ تغسیل الموتی وتکفینهم ودفنهم والصلاة علیهم من الواجبات الکفائیة علی مَن علم بالموت مِنْ المسلمین ، فلا یجوز أخذ الاُجرة علی شیءٍ من ذلک ... ونحن ... ذکرنا أنّ الخطابات الواردة من الشارع فی هذه المواضع إنّما توجهت إلی الولی بأن یفعل ذلک أو یأمر مَنْ یفعله ، إلاّ أن لا یکون للمیت ولیٌّ ، وعلی ما ذکرنا لا یتجه تحریم أخذ الاُجرة علی الإطلاق کما ذکروه ، وإن کان ظاهرهم الإتفاق علی ما نقلناه عنهم .

ص: 228


1- (1) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 89 .
2- (2) الکفایة 1 / 444 و 443 .

إلاّ أنْ یقال : إنّه إذا أذن الولی وجب علیه حینئذ . وهو بعید ، لعدم الدلیل علیه ، فإنّا لم نقف لهم فی دعوی الوجوب الکفائی فی هذا المقام علی دلیل یُعتمد علیه من الأخبار ، ولیس إلاّ ظاهر اتفاقهم علیه»(1) .

وقال الوحید البهبهانی معلِّقاً علی قول الأردبیلی « وأیضاً لمّا استحقّ فعله للّه لغیر غرض آخر» بقوله : « ولأنّه إذا خوطب بفعل شیءٍ بعنوان الوجوب ، فالقول بأنّی لا أفعله إلاّ أن تعطونی أجراً عصیان ، کما لو قال : لا اُصلّی الظهر إلاّ کذلک . مع أنّه لا یصیر عمله ملکاً والأخذ حتّی یأخذ عوضه منه ، بل لا یخرج عن ملکه ، فکیف یأخذ العوض ، ویجمع بین العوض والمعوّض ؟ ! فلا معنی لکون ما یأخذ عوضاً ولا اُجرةً وأجراً وملکاً والأخذ تملّکاً .

... والحاصل أنّه لا فرق بین وجوب إعطاء الأعیان ووجوب إعطاء المنافع ، ولا بین الوجوب العینی والوجوب الکفائی ، ولا بین العبادات _ وهی التی لا تصحّ إلاّ بالنیّة _ وبین غیر العبادات _ وهی التی تصحّ بغیر النیّة _ فی أنّه إذا خوطب بفعله وثبت وجوب تحقّقه لا یجوز توقیفه علی أخذ الاُجرة ، فیکون الأخذ حراماً أیضاً لما عرفت ... »(2) .

قال سید الریاض معلّقاً علی قول المحقق فی المختصر « أخذ الاُجرة علی القدر الواجب من تغسیل الأموات وتکفینهم وحملهم ودفنهم» بقوله : « ونحوها الواجبات الاُخری التی تجب علی الأجیر عیناً أو کفایةً ، وجوباً ذاتیّاً ، بلا خلاف بل علیه الإجماع فی کلام جماعة ، وهو الحجة مع منافاته الإخلاص المأمور به کتاباً ، وأخرج بالذاتی التوصلی کأکثر الصناعات الواجبة کفایةً توصّلاً إلی ما هو المقصود من الأمر بها ، وهو انتظام أمر المعاش والمعاد ... »(3) .

قال الشیخ جعفر : « الخامس : ما یجب علی الإنسان فعله وجوباً مطلقاً أو مشروطاً بغیر العوض وقد تحقق شرطه ، لتعلّق ملک أو حقٍّ مخلوقی أو خالقی تحرم الاُجرة والجعل وسائر الأعواض علیه ، عینیّاً کان کصلاة الفریضة وصوم شهر رمضان أو کفائیّاً کتغسیل الموتی وتکفینهم وتحنیطهم والصلاة علیهم وحفر قبورهم ودفنهم وحملهم إلی محالّها ،

ص: 229


1- (1) الحدائق 18 / 212 و 211 .
2- (2) حاشیة مجمع الفائدة والبرهان / 36 و 37 .
3- (3) ریاض المسائل 8 / 180 .

ونحوها ... »(1) .

أقوالهم فیه بلغ إلی أحد عشر قولاً

أقول : هذا مجمل کلمات القوم فی المقام ، وأنت تری أنّ أقوالهم فی التکسب بالواجبات بلغ إلی أحد عشر قولاً . فیظهر من الأقوال عدم وجود الإجماع فی المسألة .

الأوّل : المنع مطلقاً ، وقد مرّ عن الشهید الثانی أنّه هو المشهور بین الأصحاب وعلیه الفتوی(2) ، وعن المحقق الأردبیلی کأنّه إجماعیٌّ(3) .

الثانی : التفصیل المذکور عن فخر المحققین(4) بین التعبدیات والتوصلیات التی تکون بالنیة فلا یجوز أخذ الاُجرة بها ، وأما التوصلیات التی تکون بغیر النیة فیجوز أخذ الاُجرة علیها إلاّ ما نص الشارع علی تحریمه کالدفن .

الثالث : التفصیل الذی مرّ عن صاحب الریاض(5) بین الواجبات التی تجب علی الأجیر عیناً أو کفایةً وجوباً ذاتیّاً فلا یجوز ، وبین الواجبات الکفائیة التوصلیة کالواجبات النظامیة فیجوز .

الرابع : التفصیل المذکور عن صاحب مفتاح الکرامة(6) بین کلّ ما کان الغرض الأهمّ منه الآخرة إمّا بجلب نفع فیها أو دفع ضرر لا یجوز أخذ الاُجرة علیه ، وکلّ ما کان الغرض الأهمّ منه الدنیا سواء کان بجلب النفع أو دفع الضرر فإنّه یجوز أخذ الاُجرة علیه وإن کان قد یرجع بالأخرة إلی المهمات الدینیة باعتبار کونه وسیلة إلیها .

الخامس : ما حکاه فی البلغة عن جده فی المصابیح من التفصیل بین التعبدی منه والتوصلی ، فمنع فی الأوّل مطلقاً ، وفصّل فی الثانی بین الکفائی منه والعینی ، فجوّز فی الأوّل مطلقاً ، وفصّل فی الثانی بین ما کان وجوبه للضرورة أو لحفظ النظام ، فجوّز فی الأوّل ومنع فی

ص: 230


1- (1) شرح القواعد 1 / 279 .
2- (2) المسالک 3 / 130 .
3- (3) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 89 .
4- (4) إیضاح الفوائد 2 / 263 .
5- (5) ریاض المسائل 8 / 180 .
6- (6) مفتاح الکرامة 12 / 305 .

الثانی مطلقاً ، سواء کان الواجب ذاتیّاً أم غیریّاً(1) .

السادس : ما نسب إلی السید المرتضی من الجواز فی الواجب الکفائی کتجهیز المیت ، وإن کان تعبدیّاً .

وفیه : الشریف المرتضی(2) مخالف فی الموضوع لا الحکم ، لأنّه ذهب إلی وجوب التجهیز علی الولی فقط ، ومع فقده یجب علی الغیر ، فإذا أمر الولیُّ الغیرَ یجوز له أخذ الأجرة لعدم وجوبه علیه . وتبعه صاحب الحدائق(3) وآیة اللّه السید علی البهبهانی الرامهرمزی المتوفی عام 1395 فی تعلیقته الفتوائیة علی الوسیلة(4) .

فانتساب القول إلی الشریف المرتضی غیر تام .

السابع : ما حکاه الشیخ الأعظم(5) من المصابیح عن فخر المحققین وجماعة من التفصیل بین العبادات والتوصلیات ، فلا یجوز فی الأوّل ویجوز فی الثانی .

الثامن : ما ذکره السید الیزدی(6) رحمه الله عن بعضهم من التفصیل بین الواجب الأصلی فلا یجوز والمقدِّمی فیجوز .

التاسع : ما یظهر من الشیخ الأعظم(7) من التفصیل بین العینی التعینی والکفائی التعبدی فلا یجوز ، وبین الکفائی التوصلی والتخییری التوصلی فیجوز ، والتردد فی التخییری التعبدی .

العاشر : جواز أخذ الاُجرة علی الواجب مطلقاً ، وهو مختار المحقق الخوئی(8) .

ص: 231


1- (1) نقل عن البلغة فی مصباح الفقاهة 1 / 460 .
2- (2) کما مر کلامه عن تلمیذه القاضی ابن البراج فی شرح جمل العلم والعمل / 148 .
3- (3) الحدائق 18 / 212 .
4- (4) الوسیلة 2 / 7 طبعت تعلیقته فی الهامش من منشورات مکتبة الصدر فی طهران .
5- (5) المکاسب 2 / 132 .
6- (6) حاشیة کتاب المکاسب 1 / 131 .
7- (7) المکاسب 2 / (137 _ 134) .
8- (8) مصباح الفقاهة 1 / 460 .

الحادی عشر : قول السید الیزدی ، وهو « أنّ الوجوب بما هو وجوب لا یقتضی عدم جواز أخذ الاُجرة وإن کان تعبدیّاً عینیّاً ، نعم لو فرض استفادة المجانیّة من دلیله لا یجوز أخذ الاُجرة علیه ، ولا یبعد دعوی ذلک فی مثل تجهیز المیت ونحوه»(1) .

أقول : ونحو وجوب الإفتاء علی الفقیه مجانیّاً والقضاء علیه کذلک علی القول المختار . ویمکن إرجاع القولین الأخیرین إلی قول واحد ، ومع نفی ما نسب إلی المرتضی صار عدد الأقوال تسعة .

تبیین موضوع البحث وحکمه

الإجارة هی تملیک منافع العین المستأجرة للمستأجر بالعوض فی المدّة المعلومة . والکلام هنا _ بعد الفراغ من الاُمور المعتبرة فی عقد الإجارة وما یلحق بها من الجعالة وإباحة المنفعة بالعوض ونحوهما _ هل جهتی العبادة أو الوجوب مانعتان عن صحة عقد الإجارة أو ما شابهها ؟

قد یقال : إنّ حقیقة الإجارة هی تبدیل منفعة معلومة بعوض معلوم ، فلابدَّ من وصول المنفعة إلی المستأجر ، لأنّه الدافع للعوض المعلوم وإلاّ انتفت حقیقة الإجارة . وفی البلغة(2) : إنّ الإجارة بدون هذا الشرط سفهیة وأکل للمال بالباطل .

ولکن نقول : الإجارة لا تقتضی إلاّ دخول العمل فی ملک المستأجر ، وأمّا کون المنفعة راجعة إلیه فلا موجب له ، ألا تری أنّه یصح الإستیجار لکنس باب صدیق لصدیقه الآخر لمجرد وجود الصداقة بینهما . ومنعنا بطلان المعاملة السفهیة ، والصحیح بطلان معاملة السفیه ، لأنّه محجور عن التصرف فی أمواله . ومنعنا أیضاً سفهیة الإجارة فی جمیع الموارد ، فیمکن تعلق غرض صحیح فی بعض الموارد ، نحو : إظهار عظمة الإسلام وإخضاع العاصین والمتمردین . فعلی ما ذکرنا یصح عقد الإجارة ونحوها من الجعالة وغیرها علی الواجبات

ص: 232


1- (1) حاشیة کتاب المکاسب 1 / 131 .
2- (2) نقل عنه فی مصباح الفقاهة 1 / 461 .

والعبادات إذا تمت سائر الشروط المعتبرة فیهما ، والوجوب والعبادة لا تنافیان عقد الإجارة أو الجعالة فتشملهما عموماتهما .

نعم ، قد اُورد علیه بإشکال یظهر فی بادئ النظر ، وهو : أخذ الاُجرة ینافی قصد القربة والإخلاص المعتبر فی العبادات .

بتقریب : أنّ عقد الإجارة یوجب تغییر داعی الإخلاص فی العمل إلی داعی أخذ الاُجرة ، فیلزم من صحة الإجارة فساد العبادة .

وفیه : أولاً : إنّ هذا الإشکال لا یثبت دعوی عدم جواز أخذ الاُجرة علی مطلق الواجبات ، لأنّ الإشکال یجری فی العبادات فقط ، فیصح أخذ الاُجرة فی التوصلیات . وهکذا لا یختص بالواجبات العبادیة ، بل یجری فی المستحبات منها .

وثانیاً : لا تنافی بین قصد القربة والإخلاص وأخذ الأجرة ، والنسبة بینهما عموم وخصوص من وجه ، لأنّه یمکن أن یقصد القربة ویأتی بالعمل بداعی الإخلاص من دون أخذ الاُجرة ، ویمکن أن یأخذ الاُجرة ولم یأت بالعمل أصلاً أو لم یأت بالعمل مع قصد القربة والإخلاص ویمکن أن یجمع بینهما بأن یأتی بالعمل مع قصد القربة ویأخذ الأجرة أیضاً .

وثالثاً : لا تنافی بین وجوب الفعل علی المکلف ابتداءً وتعلق الوجوب به ثانیاً بعنوان وجوب الوفاء بالعقد ، وتعلق الوجوب الثانی یؤکد الإخلاص ولا ینافیه .

کما أشار إلی هذا الشیخ الأکبر فی شرحه علی القواعد(1) وتلمیذه فی الجواهر(2) ، ولکن یناقشه الشیخ الأعظم بالمناقشات الثلاث الآتیة .

ورابعاً : الإخلاص وقصد القربة لا تنافی مع المنافع الدنیویة والاُخرویة ، لأنّ جلّ الناس لو لا کلّهم یقصدون تلک المنافع والأغراض ومع ذلک تکون عبادتهم صحیحة عند المشهور المختار(3) ، وتدل علیه صحیحة هارون بن خارجة عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : [ إنّ [

ص: 233


1- (1) شرح القواعد 1 / 279 .
2- (2) الجواهر 22 / 117 .
3- (3) خلافاً لشیخنا البهائی فی أربعینه / 225 حیث ذهب إلی بطلان العبادة إذا قصد بفعلها تحصیل الثواب أو الخلاص من العقاب . ونقل الفخر الرازی اتفاق المتکلّمین علی أنّ من عبد اللّه لأجل الخوف من العقاب أو الطمع فی الثواب لم تصح عبادته ، أورده عند تفسیر قوله تعالی : «ادْعُواْ رَبَّکُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْیَةً»[ سورة الأعراف / 55 ] راجع التفسیر الکبیر 14 / 134 . وجزم الفخر فی أوائل تفسیر الفاتحة 1 / 250 بأنّه لو قال : اُصلّی لثواب اللّه أو للهرب من عقابه فسدت صلاته . راجع فی هذا المجال حاشیة المکاسب / 53 و 54 لآیة اللّه المیرزا أبی الفضل النجم آبادی المتوفی عام 1385 ق .

العبّاد ثلاثة(1) : قوم عبدوا اللّه عزّ وجل خوفاً فتلک عبادة العبید ، وقوم عبدوا اللّه تبارک وتعالی طلباً للثواب فتلک عبادة الاُجراء ، وقوم عبدوا اللّه عزّ وجلّ حبّاً له فتلک عبادة الأحرار ، وهی أفضل العبادة(2) .

ومن تلک المنافع الدنیویّة ، أخذ الاُجرة ، فلا ینافی صحة العبادة .

الاشکالات الثلاثة من الشیخ الأعظم علی ما ذکره صاحبا شرح القواعد والجواهر وأجوبتها

الاشکال الأوّل : علی فرض تضاعف الوجوب بعقد الإجارة فی الواجبات فیصح بعنوان الاجارة ولکن لا یتضاعف بعقد الجعالة ، لإنّه لا یجب فیها العمل ، فحینئذ الأخذ فیها یکون منافیّاً للإخلاص المعتبر(3) .

وفیه : لو صح تضاعف الوجوب ولو بعنوان الوفاء بعقد الإجارة وتأکیده للإخلاص المعتبر فی العبادات ، فلازمه عدم منافاة الأخذ مع الإخلاص ، فحینئذ یکون أخذه بعنوان الجعالة أیضاً صحیحاً ولا تنافی بینه وبین الإخلاص .

نعم ، فی عقد الجعالة لا یتأکد الوجوب ، وعدم تأکده لا یضرّ بالإخلاص .

ص: 234


1- (1) وفی بعض النسخ : العبادة ثلاث .
2- (2) الکافی 2 / 84 ح 5 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 7 / 41 ح 9 .
3- (3) راجع المکاسب 2 / 127 للشیخ الأعظم قدس سره .

الاشکال الثانی : حدیث تضاعف الوجوب فی الإجارة کیف یصحح قصد القربة ؟ لأنّ وجوب الوفاء بالعقد وغیرها من المعاملات توصلیّ فکیف یوجب تأکد اشتراط قصد القربة فی العمل .

وإن ذهبت إلی أنّ تعدد الوجوب ولو مع الاختلاف فی التوصلیة والتعبدیة یؤکد الإخلاص فهو خلاف الوجدان ، لأنّه یقضی بأنّ العمل بدون الاُجرة تکون القربة فیه أخلص(1) .

وفیه : یظهر جوابه ممّا مرّ فی الجواب عن الإشکال الأوّل من أنّ حدیث تضاعف الوجوب یلزم عدم منافاة أخذ الاُجرة مع الإخلاص بالوجدان ، مضافاً إلی عدم الذهاب إلی تأکید الإخلاص ولو مع الاختلاف فی التوصلیة والتعبدیة ، وهذا الاحتمال ممّا یقطع بعدم إرادته کما عن السید الیزدی(2) قدس سره .

الإشکال الثالث : وجوب الوفاء بعقد الإجارة توصلیٌّ یسقط بالإتیان بذات العمل . نعم ترتب الثواب موقوف علی قصد القربة فیه ، وقصد أمر الشارع بالوفاء به بأنّه ملک للغیر . ولکن قصد القربة فی العبادات هی الإتیان بالفعل بما أنّه حقُّ للّه تعالی ، فلا یجتمع قصد القربة فی التوصلیّات مع قصد القربة فی التعبدیّات ، لأنّ الأوّل بما أنّه ملک للغیر وحقّ له ، والثانی بما أنّه ملک للّه وحقٌّ له . وهذه الإشکالات الثلاثة من الشیخ الأعظم(3) قدس سره .

وفیه : نعم ، وجوب الوفاء بالعقود فی المعاملات توصلیٌّ ولکن لا تنافی بین هذا الوجوب وقصد القربة ، هذا أولاً .

وثانیاً : ترتب الثواب علی الإتیان بالعمل فی التوصلیات منوط بقصد القربة وقصد أمر الشارع ولا یقیّد بأنّه ملک للغیر ، بحیث لو أتی به مع قصد القربة وقصد أمر الشارع بدون تقییده بأنّه ملک للغیر لکان مثوباً .

وثالثاً : یمکن اجتماع قصدی القربة فی التوصلیات بعد إلغاء ملکیة الغیر فیها ، وفی

ص: 235


1- (1) راجع المکاسب 2 / 127 للشیخ الاعظم قدس سره .
2- (2) راجع حاشیته علی المکاسب 1 / 134 .
3- (3) راجع المکاسب 2 / 127 .

التعبدیات أیضاً بعد إلغاء ملکیة اللّه له ، بل یکفی فی التعبدیات إضافة العمل إلی اللّه تعالی، أعنی یقصد المکلَّف أمر الشارع فی الوفاء بالمعاملة ویأتی بالعبادة مضافاً إلی اللّه تعالی . فلعمری لا أدری لماذا لا یجتمعان ؟ ! فلا تضرّ المعاملة بصحة العبادة . واللّه سبحانه هو العالم .

تصحیح العبادة المستأجرة

الوجه فی العبادة المستأجرة أمران :

أحدهما : النیابة ، وهی تنزیل الأجیر نفسه منزلة المنوب عنه . ونفس النیابة عن الغیر فی العبادات تعدّ من المستحبات النفسیّة التوصلیة ، لأنّها إحسان فی حقِّ المنوب عنه ، ویکون أخذ الاُجرة علی هذه النیابة والتنزیل .

ثانیهما : نفس العبادة وعمل النائب .

وعلی هذا یأخذ الأجیر الاُجرة فی قبال النیابة ویأتی بالعمل العبادی مع قصد القربة ، فتصح العبادة المستأجرة .

وقد ناقش شیخنا الاُستاذ _ مدظله _ فی هذا الاستدلال بقوله : « إن أراد أنّ تنزیل نفسه منزلة المنوب عنه فعل خارجی ، والصلاة مثلاً فعل آخر ولا یرتبط أحدهما بالآخر أصلاً ، وأنّ الإجارة فی موارد الاستیجار علی العبادة تقع علی الأوّل . فیردّه أنّ لازم ذلک فراغ ذمة الأجیر واستحقاقه المطالبة بالاُجرة بمجرد قصده النیابة ، أی اعتبار نفسه منزلة المنوب عنه ... .

وإن أراد أنّ الموجود خارجاً شیءٌ واحد ، غایة الأمر أنّ فیه جهتان وعنوانان :

أحدهما : متعلق الإجارة ولم یؤخذ فیه قصد القربة ، ثانیهما : ما اُخذ فیه قصدها ولکن لم تتعلق به الإجارة ... .

فلا یمکن المساعدة علیه :

أمّا أولاً : فلأنّ الاستیجار علی العبادة صحیح حتّی فیما إذا لم یقصد الأجیر النیابة بالمعنی المتقدم ، کمن یقضی ما علی المیت ویأتی بالعبادة إفراغاً لذمّته ... .

وأمّا ثانیاً : فلأنّ تعدد العنوان مع الإتحاد بحسب الوجود لا یفید فی رفع المنافاة

ص: 236

الموهومة بین أخذ الاُجرة علی العمل والإخلاص فیه ، وذلک فإنّ المطلوب فی العبادات والغرض منها لا یحصل إلاّ بکون الداعی إلی إیجادها أمر الشارع وطلبه ، فلابدَّ من تحقق العبادة بداعی أمر الشارع بها ، وإذا فرض الإتحاد خارجاً فکیف یکون ذلک الوجود مع أخذ الاُجرة علیه بداعی القربة»(1) .

أقول : أصل هذا الإشکال مأخوذ من السید الیزدی رحمه الله فی حاشیته علی المکاسب(2) . وحیث کان أصل الاستدلال من الشیخ الأعظم الأنصاری قدس سره فی مکاسبه(3) استجوده المحقق النائینی طاب ثراه فی تقریرات بحثه(4) ، وتعجّب من السید وأجاب عن إشکاله بقوله : « لم یدّعِ شیخنا الأنصاری أنّ الاُجرة بإزاء نفس قصد النیابة من دون العمل ، ولا أنّ الفعل من جهة واحدة قربی ویجوز أخذ الاُجرة علیها ، لما عرفت أنّ له جهتین ، والحامل علی العمل علی جهة النیابة وإن کان هو الاُجرة ، إلاّ أنّ الحامل له علی جهة المنوب عنه التی هی عبارة عن کونه بدلاً تنزیلیّاً له هو أمر اللّه سبحانه المتوجه إلی المنوب عنه .

وملخص الکلام : أنّه لو وقعت الاُجرة بإزاء إتیان ذات العمل ، أو بإزاء إتیان العمل بقصد القربة ، فهذا ینافی العبادیّة ، مضافاً إلی أنّه لا یسقط بهذا النحو من الإجارة ما هو الواجب علی المستأجر ، لأنّه لم یأت بداعی الأمر المتوجه إلی المنوب عنه ، بل بداعی الأمر الإجاری .

وأمّا لو وقعت الاُجرة بازاء إتیان العمل بأمره المتوجه إلی المنوب عنه بالأمر الأعمّ من المباشرة والاستنابة فهذا لا ینافی القربة المعتبرة فی العبادة ، لأنّه لم یُعتبر فی الأمر الإجاری القربة ، ولا وقعت الاُجرة فی طول داعی نفس العمل ... .

وبعبارة اُخری : الفعل إذا اعتبر فیه المباشرة فمعناه أنّه یجب أن تصدر هذه النتیجة من نفس الفاعل الذی تعلّق به التکلیف . وأمّا إذا لم یُعتبر فیه المباشرة فمعناه أنّ الجامع بین إیجاد

ص: 237


1- (1) ارشاد الطالب 1 / 285 و 284 .
2- (2) حاشیة المکاسب 1 / 135 .
3- (3) المکاسب 2 / 128 .
4- (4) منیة الطالب 1 / 54 .

غیره نائباً تبرعیّاً أو إجاریّاً وإیجاد نفسه متعلّق للتکلیف ، فإذا کان الجامع متعلّقاً للتکلیف ولم یجب علی الغیر الجهة الإصداریّة فله أن یؤجر نفسه بازاء اُجرةٍ لتحصیل ما هو واجب علی الغیر ، فلابدّ أن یقصد فی إیجاده نتیجة الفعل بفعله ، وقوعه عن الغیر لیستحقّ الاُجرة ولیسقط عنه ، فیترتب علی فعله أمران متغایران :

أحدهما : وقوع متعلّق الإجارة عنه ، وهذا لا یُعتبر فیه القربة ، لأنّ إیجاده العمل من حیث فعل نفسه لا یُعتبر فیه القربة .

وثانیهما : وقوع العمل عن الغیر ، لکونه فرداً من أفراد الجامع ، وبه یحصل فراغ ذمّته ، وبه یحصل التقرّب له ، وهذا معتبر فیه القربة ولکنّه للمنوب عنه لا للنائب»(1) . إنتهی کلامه .

أقول : وأنت خبیر بأنّ ما ذکره المحقق النائینی قدس سره مع تمامیته لا یندفع به الإشکال ، وهو أنّ الفعل الواحد - ولو مع تعدد العنوان - لا یخرج عن وحدته ، ومع الوحدة کیف یمکن أنْ یؤتی به مع قصد القربة وأخذ الاُجرة ، وإذا جاءت الاُجرة إرتفعت القربة . فالإشکال علی الشیخ الأعظم قدس سره وارد .

ثم استشکل الشیخ علی استدلال عدم جواز أخذ الاُجرة علی الواجبات العبادیة لأنها تنافی مع قصد القربة المعتبرة فیها بقوله : « فإن قلت : یمکن للأجیر أن یأتی بالفعل مخلصاً للّه تعالی ، بحیث لا یکون للإجارة دخل فی إتیانه فیستحقّ الاُجرة ، فالإجارة غیر مانعة عن قصد الإخلاص»(2) .

وبعبارة اُخری : یمکن أن یکون داعی الأجیر إلی العبادة أمر الشارع بها ، بحیث لو لا أمر الشارع وطلبه لم یأت بها أصلاً ، حتّی مع بذل الاُجرة علیها ، وإذا فُرض الإتیان بها والداعی إلیها أمرُ الشارع یحصل قصد القربة ویستحق الاُجرة ، ولا تنافی بین أخذ الاُجرة وقصد القربة .

وأجاب الشیخ عنه بقوله : « قلتُ : الکلام فی أنّ مورد الإجارة لابدّ أن یکون عملاً

ص: 238


1- (1) منیة الطالب 1 / 56 و 55 .
2- (2) المکاسب 2 / 128 .

قابلاً لأنْ یوفّی به بعقد الإجارة ، ویؤتی به لأجل استحقاق المستأجر إیّاه ومن باب تسلیم مال الغیر إلیه ، وما کان من قبیل العبادة غیر قابل لذلک»(1) .

وحاصل جوابه بتوضیح منّا : أنّ الإجارة لابدّ أن تتعلّق بما أمکن أنْ تدعو إلیه وتُبعث نحوه ، أی لابدّ من القدرة علی عنوان الوفاء بعنوان أنّه مال الغیر ، والعبادة لا تکون کذلک .

وبعبارة اُخری : الإجارة تستلزم أن یکون العمل بحیث یمکن الإتیان به بداعی أنّه ملک للمستأجر ، وفی العبادة لا تجری هذه الملازمة .

أقول : یمکن أن یناقش فی هذا الجواب بعدم اعتبار ذلک فی عقد الإجارة ، أعنی أنه لا یُعتبر فی عقد الإجارة أن یکون العمل بحیث أن یؤتی به لأجل استحقاق المستأجر إیّاه ومن باب تسلیم مال الغیر إلیه ، بل یکفی فیه أن یأتی الأجیر بذات العمل من دون أیُّ تقییدٍ أو قصدٍ ، ألا تری لو أتی الخیاط بالخیاطة المستأجرة ذاتها من دون تقیید بأنّ المستأجر یستحقه أو من باب تسلیم مال الغیر إلیه أو أنّه ملک للمستأجر ، ومن دون قصد هذه الاُمور - بمعنی أنّها یکون الداعی له نحو العمل وتحرّکه بالإتیان به ، بل یکفی الإتیان بذات العمل مع توصیفه بأنّه هو العمل المستأجر علیه . هذا أولاً .

وثانیاً : حتّی علی القول باعتبار هذه الحیثیّة أو القید فی عقد الإجارة یمکن أن یأتی به الأجیر فی العبادات ، لأنّه قد مرّ منّا عدم التنافی بین قصد القربة والإخلاص وأخذ الاُجرة واستحقاقها ، وعلی هذا یمکن للأجیر أن یأتی بالعمل المستأجر علیه والوفاء به .

وثالثاً : لو تنزّلنا مرّتین وقبلنا من الشیخ الأعظم قدس سره اعتبار هذا القید فی عقد الإجارة ، وعدم إمکان الإتیان به فی العبادات ، مع ذلک کلّه یمکن القول بصحة الإجارة ، لأنّ دلیل صحتها لا ینحصر بعموم «أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ»(2) حتّی یستلزم عنوان الوفاء ذلک التقیید ، بل یکفی للحکم بالصحة عموم قوله تعالی : «تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ»(3) کما نبّه علیه المحقق

ص: 239


1- (1) المکاسب 2 / 129 .
2- (2) سورة المائدة / 1 .
3- (3) سورة النساء / 29 .

الإیروانی رحمه الله (1) .

ثمّ استشکل الشیخ ثانیاً علی استدلال عدم جواز أخذ الاُجرة علی العبادات للمنافاة بینها وبین قصد القربة المعتبرة فیها بقوله : « فإن قلت : یمکن أن یکون غایة الفعل التقرّب ، والمقصود من إتیان هذا الفعل المتقرَّب به استحقاق الاُجرة ، کما یؤتی بالفعل تقرّباً إلی اللّه ویُقصد منه حصول المطالب الدنیویة : کأداء الدین وسعة الرزق وغیرهما من الحاجات الدنیویة»(2) .

توضیحه : کما یمکن أن تکون الحوائج الدنیویة هی الباعث والمحرّک إلی الإتیان ببعض العبادات نحو : صلة الرحم والصدقة وصلاة اللیل والحج والعمرة ، کذلک أخذ الاُجرة یکون باعثاً علی الإتیان بالعمل العبادی مع قصد القربة .

وأجاب عنه بقوله : « قلت : فرق بین الغرض الدنیوی المطلوب من الخالق الذی یُتقرّب إلیه بالعمل ، وبین الغرض الحاصل من غیره وهو استحقاق الاُجرة ، فإن طلب الحاجة من اللّه تعالی سبحانه - ولو کانت دنیویّة - محبوب عند اللّه ، فلا یقدح فی العبادة ، بل ربّما یؤکّدها»(3) .

توضیح الجواب : الحاجة والغرض والاُجرة إذا کانت مطلوبةً من الشارع بلا فرق بین أن تکون دنیوّیةً أو اُخرویّةً ، لا تضرّ بالقربة والإخلاص ، وأمّا إذا کانت مطلوبة من غیره نحو استحقاق الاُجرة للأجیر فلا تجتمع مع قصد القربة .

أقول : یمکن أن یناقش فی الجواب : بأنّ غرض الأجیر من عمله العبادی هو استحقاق الاُجرة فی الشریعة وحکم الشارع به ، ولذا یأتی بالعبادة فی غیاب المستأجر أو بعد أخذ الاُجرة منه ، ولا یکون غرضه مجرد أخذ المال واستخلاصه من المستأجر لکی ینافی مع قصد القربة کما ذکره شیخنا الاُستاذ _ مدظله(4) _ وأضاف : « فتحصل ممّا ذکرنا أنّه لا منافاة بین

ص: 240


1- (1) راجع حاشیته علی المکاسب 1 / 281 .
2- (2) المکاسب 2 / 129 .
3- (3) المکاسب 2 / 129 .
4- (4) راجع إرشاد الطالب 1 / 287 .

العمل [ العبادی ] للآخر بالإستیجار ، وبین قصد القربة فی ذلک العمل ، سواء کان واجباً تعبدیّاً أو مستحبّاً کذلک ، ... بل بناءً علی ما ذکرناه فی الاُصول من أن قصد التقرب المعتبر فی العبادة لیس خصوص الفعل بداعی الأمر المتعلّق به ، بل مطلق إضافة العمل إلی اللّه سبحانه ، فتکون الصلاة علی میت بداعی استحقاق الاُجرة المقرَّرة بإزائها شرعاً عبادة ، لحصول القربة المعتبرة فیها بغرض [ وجود ] الداعی وهو استحقاق الاُجرة شرعاً . وعلی ذلک فلو لم یلتفت الأجیر إلی استحباب الصوم أو الصلاة عن المیت ، بل صام أو صلی بغرض استحقاقه شرعاً الاُجرة المقرَّرة لهما ، حکم بصحة عمله ووقوعها عبادة ، بلا حاجة إلی حدیث الداعی إلی الداعی لیقال أنّه لا یجری فی صورة الغفلة عن استحباب نفس العمل أو وجوبه کما لا یخفی »(1) .

استدلال الشیخ الأکبر فی عدم جواز أخذ الاُجرة علی الواجبات ونقده

قال الشیخ جعفر قدس سره : « لأنّ المملوک والمستَحَق لا یُمْلَک ولا یُسْتَحَق ثانیاً ، ولأنّ الإجارة لو تعلّقت به کان للمستأجر سلطان علیه فی الإیجاد والعدم علی نحو سلطان المُلاّک ، وکان له الإبراء والإقالة والتأجیل ، وکان للأجیر قدرة علی التسلیم . وفی الواجب یمتنع ذلک ، وهو فی العینی بالأصل أو بالعارض واضح .

وأمّا الکفائی : فلأ نّه بفعله یتعیّن له ، فلا یدخل فی ملک آخر ، ولعدم نفع المستأجر فیما یملکه أو یستحقّه غیره ، لأنّه بمنزلة قوله : « استأجرک لتملّک منفعتک المملوکة لک أو لغیرک » ، ولأنّ الظاهر عدم الدخول فی عمومات المعاملات فی الکتاب والسنة ، فیبقی علی أصل عدم الانتقال عن الحالة الأولی .

وأمّا ما کان واجباً مشروطاً فلیس بواجب قبل حصول الشرط ، فتعلّق الإجارة به قبله لا مانع منه ، ولو کانت هی الشرط فی وجوبه ، فکلّ ما وجب کفایة من حِرَف وصناعات لم یجب إلاّ بشرط العوض بإجارة أو جعالة أو نحوهما . فلا فرق بین وجوبها العینی للإنحصار

ص: 241


1- (1) إرشاد الطالب 1 / 287 .

ووجوبها الکفائی ، لتأخر الوجوب عنها وعدمه قبلها ، کما أنّ بذل الطعام والشراب للمضطر إن بقی علی الکفایة أو تعیّن یستحقّ فیه أخذ العوض علی الأصح ، لأنّ وجوبه مشروط بخلاف ما وجب مطلقاً ، بالإصالة کالنفقات أو بالعارض کالمنذورات ونحوها»(1) .

قال الشیخ الأعظم فی توضیح استدلاله فی الواجبات العینیة : « إنّ الذی یقابل المال لابدّ أنْ یکون کنفس المال ممّا یَمْلِکُهُ المؤجر حتی یُمَلِّکُه المستأجر فی مقابل تملیکه المال إیّاه ، فإذا فرض العمل واجباً للّه لیس للمکلف ترکه ، فیصیر نظیر العمل المملوک للغیر...»(2) .

ثمّ استشکل علیه تلمیذه صاحب الجواهر علی اُستاذه الشیخ الأکبر بقوله : « لا مانع من تعدد أسباب الوجوب ، کما یقضی به صحة نذر الواجب والحلف علیه وأمر الوالد والسید به . نعم هو کذلک بالنسبة إلی أسباب المِلْک ، ولا تعدد فیها هنا . والسلطان من حیث الإجارة بالإبراء والإقالة ونحوها متحقِّقٌ هنا ، والأجیر له قدرة علی التسلیم فی الواجبات التی تعتبر فیها النیّة ونفعها حاصل للغیر کأحکام الأموات ونذر خیاطة الثوب لزیدٍ مثلاً ونحو ذلک ، بل جواز أخذ الاُمّ الاُجرة علی إرضاع الولد اللّباء مع وجوبه علیها ، کاستحقاق أخذ العوض عمّا یدفعه للمضطر من المال وما یأخذه الوصی عوضاً عن عمله ، أوضح شاهد علی عدم منافاة صفة الوجوب للتکسب ، بل هو مقتضی القواعد والضوابط ... »(3) .

أقول : قوله قدس سره : « لا مانع من تعدد أسباب الوجوب» مأخوذ من اُستاده فی نفس الکتاب ، لأنّه ذهب إلی تأکّد القربة بتضاعف الوجوب(4) . ومنه یظهر القول بجواز تعدّد أسباب الوجوب أیضاً .

بل استدلال الشیخ جعفر یرجع إلی أنّ المعتبر فی المعاملات نحو الإجارة لابدّ للمؤجر أن یَمْلک مورد الإجارة حتّی یُمَلِّکه المستأجر ، إذا کان العمل واجباً للّه تعالی فلیس مملوکاً للمؤجر ، لأنّه لا یقدر علی ترکه شرعاً فلا تصح الإجارة کما یظهر هذا البیان من الشیخ

ص: 242


1- (1) شرح القواعد 1 / 279 الی 282 .
2- (2) المکاسب 2 / 130 .
3- (3) الجواهر 22 / 117 .
4- (4) شرح القواعد 1 / 279 .

جعفر ، فما ذکره صاحب الجواهر - وإن کان صحیحاً فی نفسه - ولکن لم یردّ علی الاستدلال .

نعم ، یردّ علی الاستدلال ما ذکره الشیخ الأعظم بقوله : « لإمکان منع المنافاة بین الوجوب الذی هو طلب الشارع الفعل ، وبین استحقاق المستأجر له ، ولیس استحقاق الشارع للفعل وتملّکه المنتزع من طلبه من قبیل استحقاق الآدمی وتملّکه الذی ینافی تملّک الغیر واستحقاقه»(1) .

أقول فی توضیح کلام الشیخ : إنّ ملکیة المستأجر فی طول طلب الشارع واستحقاقه ، لأنّه استأجره للعمل الواجب علیه من اللّه بأن یأتی به للّه تعالی ، فهو _ أی الأجیر _ یأتی بالعمل الواجب للّه تعالی ثمّ یجعل ذلک العمل الذی یأتی به قربةً إلی اللّه تعالی للمستأجر ویملِّکه له حتّی یستحقَّ الاُجرة شرعاً ، فالإتیان بالفعل الواجب للّه تعالی أوّلاً ثمَّ تملیکه للمستأجر لا یتنافیان ، لأنّ الثانی فی طول الأوّل .

نعم ، إذا کانا فی عرض واحد لا یمکن اجتماعهما فی بعض الفروض ، نحو : إیجاد فعل واحد لشخصین أو نیابة عنهما فی زمان واحد . ولتفصیل هذا البحث راجع إلی حاشیة الفقیه الیزدی قدس سره علی المکاسب(2) .

وأمّا مناقشة المحقق الإیروانی فی کلام الشیخ الأعظم _ وکذلک یردّ علی استدلال الشیخ الأکبر أیضاً _ من نفی الکبری ، وهی أنّ المملوک لا یملک ثانیاً قال : « وأمّا نحن ننکر الأصل وننکر أن المملوک لا یملک ثانیاً ، بل یمکن أن تجتمع ملکیّتان عرضیّتان مستقلّتان علی مال واحد ، کما تجتمع أوصیاء متعدّدون ووکلاء متعدّدون علی مالٍ واحدٍ ، کلٌّ مستقل فی وصیته ووکالته»(3) .

غیر تام ، فتکون الکبری تامة ، لأنّ المملوک لا یملک ثانیاً . وما ذکره قدس سره بعنوان المثال لیس من قبیل المِلْک بل من قبیل السُلطة علی نحو الوکالة أو الوصایة علی مِلْکٍ واحدٍ . والملکیّة مرکبة من عقدین : إثباتی وسلبی :

ص: 243


1- (1) المکاسب 2 / 131 .
2- (2) حاشیته علی المکاسب 1 / 141 .
3- (3) الحاشیة علی المکاسب 1 / 283 للمحقق الإیروانی .

أمّا الإثباتی : فهو السلطنة علی التصرفات بلا مراجعة أحد ، وأمّا السلبی : فهو السلطنة علی منع الغیر من التصرف .

ونفی العقد السلبی من الإیروانی تحکّم ولم یدل علی کلامه دلیل(1) . مضافاً إلی أنّ المراد بالعقد الإثباتی هنا هو العقد الإثباتی الأصلی لا غیر الأصیل مثل الوکالة والوصایة ونحوهما .

والحاصل ، أنّ ما ذکره قدس سره فی نفی الکبری غیر تامّ.

وکذا لا ینقض علی استدلال الشیخ الأکبر قدس سره ببیع الکلّی فی الذمة ، لأنّ فیه - وإن یمکن عدم مالکیة البائع حین إنشاء العقد - ولکن له القدرة علی التسلیم وفاءً بالعقد بعد تملیک المبیع .

وکذا لایردّ علیه : بأنّ الحرّ یؤجر نفسه مع أنّه لا یملک عمله . لأنّ الحرّ له القدرة علی تسلیم العمل فی مدّة الإجارة ، ونفس القدرة تکفی فی صحة الإجارة أو المعاملة .

فالإشکال منحصر بما ذکره الشیخ الأعظم علی القسم الأوّل من الاستدلال .

وأمّا ما ذکره الشیخ جعفر فی الواجب الکفائی : فیرجع إلی أنّ المکلف إذا اشتغل بالواجب الکفائی یتعیّن له ، أی ترجع مصالحه وثوابه إلیه ، فتصیر منافعه إلیه . وما هذا شأنه من الإختصاص لا ینتقل إلی الغیر ، فلا تجوز الإجارة علیه .

وقد ناقش الشیخ الأعظم فیه بقوله : « منع وقوع الفعل له بعد إجارة نفسه للعمل للغیر ، فإنّ آثار الفعل حینئذ ترجع إلی الغیر ، فإذا وجب إنقاذ غریق کفایةً ، أو إزالة النجاسة عن المسجد ، فاستأجر واحدٌ غیره ، فثواب الإنقاذ والإزالة یقع للمستأجر دون الأجیر المباشر لهما .

نعم ، یسقط الفعل عنه ، لقیام المستأجر به ولو بالاستنابة ، ومن هذا القبیل الاستئجار للجهاد مع وجوبه کفایةً علی الأجیر والمستأجر »(2) .

والمناقشة فی محلّها .

ص: 244


1- (1) راجع حاشیته علی المکاسب 1 / 284 .
2- (2) المکاسب 2 / 131 .

وقد ناقش المحقق المیرزا محمد تقی الشیرازی قدس سره فی حاشیته علی استدلال الشیخ الأکبر بقوله : « إن اُرید بذلک (أی بأنّ الفعل متعیّن له) أّن الواجب الکفائی ممّا لا ینتفع به الغیر أصلاً انتفاعاً یصح باعتباره استیجاره فهو واضح المنع ، فإنّ من أوضح الفوائد سقوطه عن المؤجر إذا کان واجباً کفائیاً علیهما جمیعاً إلی غیر ذلک من الفوائد الکثیرة . وإن کان اُرید بذلک عدم إنتفاع الغیر بخصوص ثوابه فهو غیر مضرٍّ مع فرض ثبوت غیره من الفوائد التی یصح باعتباره الإجارة ... »(1) .

أقول : والحاصل ، الإشکال علی الشیخ جعفر قدس سره بأنّ الواجب الکفائی مع الإتیان به لا یتعیّن ولا یصیر واجباً عینیّاً ولا ینقلب من الکفائیة إلی العینیّة ، کما هو الواضح لمن راجع مصادیقه ، هذا أولاً .

وثانیاً : ترجع الفائدة إلی المستأجر فی الواجبات الکفائیة بسقوطه مِنْ ذمّته وإیصال الثواب إلیه .

وأمّا ما ذکره الشیخ الأکبر فی الواجب المشروط ، ذکره الشیخ الأعظم رحمهما اللّه بعنوان الوجه السادس من وجوه التفصّی عن إشکال الواجبات النظامیّة ویردّ علیه ب_ : « أنّ وجوب الصناعات لیس مشروطاً ببذل العوض ، لأنّه لإقامة النظام التی هی من الواجبات المطلقة ، فإنّ الطبابة والفصد والحجامة وغیرها _ ممّا یتوقف علیه بقاء الحیاة فی بعض الأوقات _ واجبةٌ بُذل له العوض أم لم یبذل»(2) .

وحاصل إیراده : أنّ بعض الواجبات النظامیة واجبٌ مطلقاً ولو لم یبذل العوض فی مقابله ، فلا یصح أخذه بعنوان الواجب المشروط ، والإیراد فی محلّه إلاّ أن یحمل کلام الشیخ الأکبر « لم یجب إلاّ بشرط العوض»(3) علی الغالب ، فیدفع به الإیراد ، ولکنه خلاف ظاهر کلامه قدس سره ، واللّه العالم .

ص: 245


1- (1) حاشیته علی المکاسب 1 / 149 .
2- (2) المکاسب 2 / 140 .
3- (3) شرح القواعد 1 / 281 .

بیان المحقق النائینی ونقده

ذکر المحقق النائینی فی مقدمة بحثه أمرین : الأوّل منهما _ وهو مورد المناقشة _ قال : « أن یکون العمل الذی یأخذ الأجیر أو العامل بإزائه الاُجرة والجُعل ملکاً له بأنْ لا یکون مسلوب الاختیار بإیجابٍ أو تحریمٍ شرعیٍّ علیه ، لأنّه إذا کان واجباً علیه فلا یقدر علی ترکه ، وإذا کان محرَّماً علیه فلا یقدر علی فعله . ویُعتبر فی صحة المعاملة علی العمل کون فعله وترکه تحت سلطنته واختیاره»(1) .

أقول : یمکن أن یناقش فی ما ذکره بأنّ المعتبر فی صحة المعاملة علی العمل تمکن الأجیر من تسلیم العمل الذی هو مورد المعاملة ، وإیجاب الفعل لا ینافی تسلیم العمل . نعم مع تحریم الفعل لا یمکن تسلیمه شرعاً ، وتمّ ما ذکره النائینی بالنسبة إلی التحریم فقط لا الوجوب ، وقد نبّه علی هذه المناقشة شیخنا الاُستاذ _ مدظله(2) _ .

والحاصل ، ظهر لک إلی هنا عدم التنافی بین وجوب شیءٍ وأخذ الاُجرة علیه ، کما تدلّ علیه أیضاً صحیحة هشام بن الحکم قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عمّن تولّی مال الیتیم ما له أن یأکل منه ؟ فقال : ینظر إلی ما کان غیره یقوم به من الأجر لهم ، فلیأکل بقدر ذلک(3) .

وظاهر هذه الصحیحة أنّ الأکل أو الأخذ یصح بعنوان اُجرة المثل ، ولیس فقط مجرد تجویز الأکل من مال الیتیم .

وهکذا ظهر عدم التنافی بین قصد القربة وأخذ الاُجرة ، کما تدل علیه الروایات الکثیرة فی الحج النیابی ، منها : موثقة عمار بن موسی الساباطی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن الرجل یأخذ الدراهم لیحجّ بها عن رجل ، هل یجوز له أن ینفق منها فی غیر الحج ؟ قال : إذا ضمن الحجّة فالدراهم له یصنع بها ما أحبّ وعلیه حجّة(4) .

ص: 246


1- (1) منیة الطالب 1 / 45 .
2- (2) إرشاد الطالب 1 / 289 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 251 ح 5 . الباب 72 من أبواب ما یکتسب به .
4- (4) وسائل الشیعة 11 / 180 ح 3 . الباب 10 من أبواب النیابة فی الحج .

فراجع فی هذا المجال وسائل الشیعة 10 / 180 الباب 10 و 11 و 12 و 13 و 14 وغیرها من أبواب النیابة فی الحج .

وبالجملة ، حیث ذهبنا إلی جواز أخذ الاُجرة حتّی فی الواجبات العینیّة التعبدیّة لعدم تنافی قصد القربة مع أخذ الاُجرة کما مرّ مفصلاً ، فنحن فی فسحة من الإشکال المشهور فی الواجبات النظامیة حتّی إذا بلغت إلی حدِّ الوجوب العینی لجواز اُخذ الاُجرة علیها .

نعم ، لو ثبت فی مورد مجانیّة العمل فی الشرع الأقدس - نحو : وجوب الإفتاء أو القضاء علی الفقیه مجاناً - نأخذ به ، فلا یجوز حینئذ أخذ الاُجرة علیه .

هذا کلّه فی أخذ الاُجرة فی الواجبات .

أمّا المحرَّمات : فقد مرّ منّا عدم جواز أخذ الاُجرة علیها .

وأمّا المباحات والمکروهات والمستحبات فیجوز أخذ الاُجرة علیها ، وجوازها فی الاُولیین ظاهر وأمّا الأخیر حیث قد مرّ منّا عدم تنافی قصد القربة مع أخذ الاُجرة فی الواجبات فالأمر فی المستحبات سهلٌ .

وأمّا النیابة والإستیجار فی العبادات

الروایات المتواترة إجمالاً تدلّ علی أنّ النیابة عن المیت فی العبادات من المستحبات الشرعیة لجمیع الناس :

منها : صحیحة عمر بن یزید قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام [ أ ] یصلّی عن المیت ؟ فقال : نعم حتّی أنّه لیکون فی ضیق فیوسّع اللّه علیه ذلک الضیق ، ثم یؤتی فیقال له : خُفّف عنک هذا الضیق بصلاة فلان أخیک عنک . قال : فقلت له : فأُشرکُ بین رجلین فی رکعتین ، قال : نعم ، فقال علیه السلام : إنّ المیت لیفرح بالترحّم علیه والاستغفار له کما یفرح الحیُّ بالهدیّة تهدی إلیه(1) .

سند الصدوق إلی عمر بن یزید صحیح والرجل ثقة ، فالروایة صحیحة الإسناد ودلالتها علی استحباب النیابة عن المیت فی العبادات واضحة .

ص: 247


1- (1) الفقیه 1 / 183 ح 554 ونقل عنه فی جامع أحادیث الشیعة 6 / 399 ح 4 .

ومنها : معتبرة بل صحیحة معاویة بن عمار الدهنی قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : أیّ شیءٍ یلحق الرجل بعد موته ؟ قال : یلحقه الحج عنه والصدقة عنه والصوم عنه(1) .

رجال السند کلّهم ثقات من البرقی وأبیه ، وأبان بن عثمان الأحمر التمیمی إن لم یکن ثقة کان صحیح الروایة ، ومعاویة بن عمار الدهنی ثقة ، فالسند باعتبار صحة روایة أبان یکون معتبراً وباعتبار وثاقته یکون صحیحاً .

ومنها : صحیحة علی بن جعفر سأل عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام : عن الرجل هل یصلح له أن یصلی أو یصوم عن بعض موتاه ؟ قال : نعم ، فیصلی ما أحبّ ویجعل ذلک للمیت ، فهو للمیت إذا جعل ذلک له(2) .

ومنها : صحیحة عبد اللّه بن جندب قال : کتبت إلی أبی الحسن موسی علیه السلام أساله عن الرجل یرید أن یجعل أعماله من الصلاة والبرّ والخیر أثلاثاً : ثلثاً له وثلثین لأبویه ، أو یفردهما من أعماله بشیءٍ ممّا یتطوع به بشیءٍ معلوم ، وإن کان أحدهما حیّاً والآخر میتاً . فکتب إلیَّ : أمّا للمیت فحسنٌ جائزٌ ، وأمّا للحی فلا إلاّ البرِّ والصلة(3) .

رجال السند کلّهم ثقات من الحمیری وأحمد بن محمد وابن محبوب وعبد اللّه بن جندب .

ومنها : خبر عمر بن یزید قال : کان أبو عبد اللّه علیه السلام یصلی عن ولده فی کلّ لیلة رکعتین ، وعن والدیه فی کلّ یوم(4) رکعتین ، قلت له : جعلت فداک وکیف صار للولد اللیل ؟ قال : لأنّ الفراش للولد . قال : وکان یقرأ فیهما إنا أنزلناه فی لیلة القدر ، وإنا أعطیناک الکوثر(5) .

ص: 248


1- (1) المحاسن 1 / 150 ح 166 ونقل عنه فی جامع أحادیث الشیعة 6 / 399 ح 3 .
2- (2) مسائل علی بن جعفر / 199 ح 429 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 8 / 277 ح 2 .
3- (3) قرب الاسناد / 311 ح 1212 ونقل عنه فی جامع أحادیث الشیعة 6 / 402 ح 22 .
4- (4) کذا فی جامع أحادیث الشیعة وهو الصحیح ، ولکن فی المطبوع من التهذیب لیلة وفی الجامع أشار بأنّ « لیلة » نسخة بدل .
5- (5) التهذیب 1 / 467 ح 178 ونقل عنه فی جامع أحادیث الشیعة 6 / 399 ح 5 .

الشیخ لم یذکر سنده إلی محمد بن عبد الحمید فی مشیخة التهذیب ، والسند المذکور فی الفهرست(1) ضعیف ، فالروایة من حیث السند ضعیفة .

والروایات فی هذا المجال متواترة إجمالاً کما مرّ ، فإنْ شئت راجع وسائل الشیعة 8 / 276 ومستدرک الوسائل 6 / 437 وجامع أحادیث الشیعة 6 / 398 .

وحیث ثبت بالروایات استحباب النیابة فی العبادات عن المیت ، بل عن الحیِّ فی بعض الموارد ، یجوز أخذ الاُجرة للإتیان بهذا الأمر الإستحبابی . نعم بعد عقد الإجارة یصیر واجباً علی الأجیر . وهذا أحسن الطرق لتصحیح العبادات المستأجرة . وله طرق اُخَر أغمضنا عن ذکرها روماً للاختصار(2) .

ثم إنّ هاهنا فروعاً لابدّ من التنبیه علیها :

الفرع الأوّل : لو استؤجر لإطافة غیره هل یجوز احتساب الطواف لنفسه أم لا ؟

فی المسألة خمسة أقوال :

1 _ القول بجواز الاحتساب مطلقاً ، وقد نُسب إلی الشرائع(3) والقواعد(4) علی إشکال فی الثانی ، وجم غفیر من الأصحاب(5) .

2 _ عدم جواز الاحتساب مطلقاً ، وقد نسب إلی بعض الشافعیة(6) .

3 _ عدم جواز الاحتساب عن نفسه إذا استؤجر للإطافة بغیره أو لحمله فی الطواف ، وقد نسبه الشیخ الأعظم إلی جماعة منهم الإسکافی(7) .

ص: 249


1- (1) الفهرست / 435 الرقم 690 .
2- (2) راجع فی هذا المجال مصباح الفقاهة 1 / 473 .
3- (3) الشرائع 1 / 233 .
4- (4) القواعد 1 / 411 .
5- (5) نسبه إلیهم المحقق الخوئی فی المصباح 1 / 477 وفی الثانی حکایة عن بعض الأعاظم .
6- (6) نسبه إلیهم المحقق الخوئی فی المصباح 1 / 477 .
7- (7) المکاسب 2 / 147 وأنت تجد قول الإسکافی فی المختلف 4 / 185 .

4 _ التفصیل بین الاستیجار للطواف به وبین الاستیجار لحمله فی الطواف ، فلا یجوز الاحتساب فی الأوّل ویجوز فی الثانی . وهو مختار العلامة فی المختلف(1) .

5 _ التفصیل بین ما إذا کان الحامل متبرعاً أو حاملاً بجعالة أو کان مستأجَراً للحمل فی طوافه أمکن أن یحتسب الطواف لنفسه أیضاً ، وأمّا لو کان مستأجراً للحمل مطلقاً فلم یحتسب ، لأنّ الحرکة المخصوصة قد صارت مستحقة علیه لغیره فلا یجوز صرفها إلی نفسه . وهذا التفصیل من الشهید الثانی فی المسالک(2) .

أقول : حیث أنّ الإطافة والحمل فی الطواف - ولو کانت بالإجارة أو الجعالة أو نحوهما - تکون غیر النیابة ، فلذا صح احتساب الطواف لنفسه مطلقاً فی صورة الإطافة ، سواء کانت بالإجارة أو الجعالة أو التبرع .

والمستأجر بعد عقد الإجارة یملک الإطافة أو الحمل فی الطواف فقط ، وقد حمله الأجیر ووفی بعقد الإجارة ، وأمّا الحامل والأجیر لو نوی الطواف وله شرائطه فقد تمّ طوافه ، ولیس للمستأجِر منعه بعقد الإجارة .

نعم ، لو آجره علی منع الإتیان بالطواف من قبله ، لو أتی بالطواف حینئذ صح طوافه أیضاً ولکن حیث لم یعمل بعقد الإجارة مع شرائطه لم یستحق اُجرة المسمی ولکن له اُجرة المثل .

فصحة الطواف واحتسابه لنفسه علی جمیع الفروض جاریة.

وتدلّ علی جواز الاحتساب فی صورة التبرع _ الذی لا فرق بینه وبین صورتی الإجارة والجعالة کما صرح بعدم الفرق الفقیه الیزدی(3) وباطلاق الروایات حتّی تشمل الإجارة المحقق الخوئی(4) _ عدّة من الروایات :

منها : صحیحة حفص بن البختری عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی المرأة تطوف بالصبی

ص: 250


1- (1) مختلف الشیعة 4 / 186 .
2- (2) المسالک 2 / 177 .
3- (3) حاشیة المکاسب 1 / 155 .
4- (4) مصباح الفقاهة 1 / 478 .

وتسعی به ، هل یجزی ذلک عنها وعن الصبی ؟ فقال: نعم(1) .

ومنها : صحیحة هیثم بن عروة التمیمی قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : رجل کانت معه صاحبة لا تستطیع القیام علی رجلها فحملها زوجها فی محمل فطاف بها طواف الفریضة بالبیت وبالصفا والمروة ، أیجزیه ذلک الطواف عن نفسه طوافه بها ؟ فقال : إیها اللّه إذا(2) .

قال صاحب الوسائل : معناه : أی واللّه یکون ذا ، فالهاء عوض عن واو القسم ، ذکره جماعة من النحویین واللغویین ، « وإیها » کلمة تصدیق وارتضاء ذکره جماعة أیضا ، وعلی تقدیر ثبوت واو القسم فالأمر أوضح(3) .

ومنها : صحیحة اُخری لهیثم بن عروة التمیمی(4) .

ومنها : صحیحة ثالثة لهیثم التمیمی(5) .

الفرع الثانی : هل یجوز أخذ الاُجرة علی الأذان أم لا ؟

اشارة

المشهور بین الأصحاب عدم الجواز ، وادعی الشیخ فی الخلاف(6) والمحقق الثانی فی جامع المقاصد(7) الإجماع علیه . ولکن حکی(8) عن المرتضی القول بالکراهة ، وتبعه الشهید فی الذکری(9) والسید محمد العاملی فی المدارک(10) والأردبیلی فی مجمع الفائدة(11) والمجلسی فی

ص: 251


1- (1) وسائل الشعیة 13 / 395 ح 3 ، الباب 50 من أبواب الطواف .
2- (2) وسائل الشیعة 13 / 396 ح 4 .
3- (3) وسائل الشیعة 13 / 396 ذیل ح 4 .
4- (4) وسائل الشیعة 13 / 395 ح 2 .
5- (5) وسائل الشیعة 13 / 395 ح 1 .
6- (6) الخلاف 1 / 290 .
7- (7) جامع المقاصد 4 / 36 .
8- (8) الحاکی هو المحقق فی المعتبر 2 / 133 والعلامة فی التذکرة 3 / 81 ، ولکن ثانی الشهیدین فی المسالک 3 / 131 حکی عنه القول بالجواز وتبعه السبزواری فی الکفایة 1 / 443 .
9- (9) ذکری الشیعة 3 / 223 .
10- (10) مدارک الأحکام 3 / 276 .
11- (11) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 92 .

بحار الأنوار(1) .

وأمّا العامة فقد ذهب أبو حنیفة وأحمد والأوزاعی إلی حرمة أخذ الاُجرة ، وأمّا الشافعی ومالک فقد ذهبا إلی الجواز کما نقل عنهم العلامة فی التذکرة(2) . فلابدَّ فی المقام من ملاحظة الروایات :

منها : معتبرة السکونی عن جعفر علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن علی علیه السلام قال : آخر ما فارقت علیه حبیب قلبی أن قال : یا علی ، إذا صلّیت فصلِّ صلاة أضعف مَنْ خلفک ، ولا تتّخذنَّ مؤذّناً یأخذ علی أذانه أجراً(3) .

ومنها : موثقة زید بن علی عن أبیه علیه السلام عن آبائه(4) علیهم السلام عن علی علیه السلام أنّه أتاه رجلٌ فقال : یا أمیر المؤمنین واللّه إنّی اُحبّک للّه ، فقال له : لکنّی أبغضک للّه ، قال : ولم ؟ قال : لأنّک تبغی فی الأذان ، وتأخذ علی تعلیم القرآن أجراً ، وسمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم یقول : مَنْ أخذ علی تعلیم القرآن أجراً کان حظّه یوم القیامة(5) .

ولکن فی نقل الصدوق : لأنّک تبغی فی الأذان کسباً وتأخذ علی تعلیم القرآن أجراً(6) .

أقول : قد عبّرنا عن هذه الروایة بالموثقة ولکن فی السند عبد اللّه بن المنبه فی مطبوعات التهذیب(7) والإستبصار(8) والوسائل(9) وهو مجهول ، فلابدَّ من القول بضعف

ص: 252


1- (1) بحار الانوار 81 / 161 .
2- (2) تذکرة الفقهاء 3 / 81 .
3- (3) وسائل الشیعة 5 / 447 ح 1 . الباب 38 من أبواب الأذان والاقامة .
4- (4) الظاهر عن أبیه علیه السلام .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 157 ح 1 . الباب 30 من أبواب ما یکتسب به .
6- (6) وسائل الشیعة 5 / 447 ح 2 .
7- (7) التهذیب 6 / 376 ح 220 .
8- (8) الاستبصار 3 / 65 ح 2 .
9- (9) وسائل الشیعة 17 / 157 ح 1 .

السند به . ولکن الصحیح أنّ الوارد فی السند هو منبه بن عبد اللّه أبو الجوزاء الثقة بقرینة روایة الصفار عنه وهو عن الحسین بن علوان ، وعلی هذا صار سند الروایة موثقاً کما ذکرنا . وأوّل من تنبّه علی هذا التصحیح هو الشیخ محمد بن علی الأردبیلی رحمه الله صاحب جامع الرواة(1) وتبعه شیخنا الاُستاذ _ مدظله _(2) .

ویؤید ما ذکرنا أنّ المحقق الأردبیلی یستشکل فی السند وقال : « الخبر لیس بصحیح لکون عمروبن خالد بتریّا ولمجهولیّة الحسین بن علوان»(3) ولم یتعرض لضعف الروایة بواسطة مجهولیّة عبد اللّه بن المنبه ، وهو الذی یتفق الکلّ علی أنّه مجهول ، وهذا البیان منه قدس سره یؤید الواقع فی سند الروایة فی النسخة الموجودة عنده هو منبه بن عبد اللّه . هذا کلّه فی السند .

وأمّا دلالتها بضمیمة نقل الصدوق الوارد فیه لفظة « الکسب » وما ورد فی صحیحة سیف التمار عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث : لم یکن علی علیه السلام یکره الحلال(4) . علی الحرمة ، واضحة .

وحیث کان الأصل فی الروایة عدم الزیادة فلابدَّ من الأخذ بنقل الصدوق ومضافاً إلی صحیحة سیف التمار نستنتج الحرمة من الروایة .

ومنها : خبر العلاء بن سیّابة عن أبی جعفر علیه السلام قال : لا یصلّی خلف من یبتغی علی الأذان والصلاة الأجر ، ولا تقبل شهادته(5) .

فی طریق الصدوق إلی محمد بن مسلم راویان مجهولان ، وهما : علی بن أحمد بن عبد اللّه ابن أحمد بن أبی عبد اللّه ، وأبوه ، فالتعبیر بالصحیحة عن هذه الروایة - کما فی الریاض(6)

ص: 253


1- (1) جامع الرواة 1 / 513 .
2- (2) إرشاد الطالب 1 / 301 .
3- (3) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 91 .
4- (4) وسائل الشیعة 18 / 151 ح 1 . الباب 15 من أبواب الربا .
5- (5) وسائل الشیعة 27 / 377 ح 2 . الباب 32 من أبواب الشهادات .
6- (6) ریاض المسائل 8 / 183 .

والمستند(1) - غیر تامٍّ ، ولعلّ سرّ تعبیرهما بالصحیحة عن الروایة لأنّهما وغیرهما یأخذون بظاهر کلام الصدوق فی أوّل الفقیه بأنّ کتابه « مستخرج من کتب مشهورة علیها المعوَّل وإلیها المرجع»(2) ، فذکر المشیخة والأسناد فی آخر الفقیه أشبه شی ءٍ بالتشریفات والتیمن والتبرک ، لأنّ الکتب المشهورة لا تحتاج إلی السند ، لاسیّما إذا کان لها سنداً صحیحاً عند الآخرین ، کما هو الأمر بالنسبة إلی الروایات أو کتاب محمد بن مسلم الثقفی .

وفیه : ما لا یخفی .

ومنها : معتبرة حمران عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث طویل : ورأیتُ الأذان بالأجر والصلاة بالأجر ، الحدیث(3) .

ومنها : خبر الجعفریات بسنده عن علیّ علیه السلام أنّه قال : من السحت ثمن المیتة _ إلی أن قال _ : وأجر المؤذن ، إلاّ مؤذن یجری علیه من بیت المال(4) .

ومنها : مرسلة دعائم الإسلام عن علیّ علیه السلام أنّه قال : من السحت أجر المؤذن _ یعنی إذا استأجره القوم یؤذن لهم _ وقال : لا بأس بأن یجری علیه من بیت المال(5) .

هذه الروایات وإن کان سند بعضها ضعیفاً ولکن ینجبر ضعفها بعمل المشهور کما قال الشیخ جعفر : « والسند منجبر»(6) وقال سید الریاض : « المنجبر قصور سنده لو کان بالشهرة بین الأعیان»(7) ، فلابدَّ من الأخذ بها والإفتاء علی طبق المشهور بأنّ أخذ الاُجرة علی الأذان حرام .

ص: 254


1- (1) مستند الشیعة 14 / 183 .
2- (2) الفقیه 1 / 3 .
3- (3) وسائل الشیعة 16 / 279 ح 6 .
4- (4) الجعفریات / 180 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 4 / 51 ح 1 و 13 / 117 ح 1 .
5- (5) دعائم الإسلام 1 / 147 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 4 / 51 ح 2 .
6- (6) شرح القواعد 1 / 286 .
7- (7) ریاض المسائل 8 / 185 .
تنبیهٌ

لو عصی المؤذن وأخذ الاُجرة علی الأذان أثم ولکن یؤخذ بأذانه الإعلامی أو الصلاتی ، ویمکن الإکتفاء بها فی الصلاة فرادی کانت أم جماعة ، لعدم تنافی قصد القربة مع أخذ الاُجرة کما مرّ ، والحرمة الوضیعة لا تسری إلی نفس الأذان حتّی تبطله ، فصح أذانه . وهذا هو المختار الأوّل للعلامة فی المختلف(1) ، ومال إلیه ثانی الشهیدین فی المسالک(2) ، وهو صریح جدنا الشیخ جعفر(3) قدس سره .

الفرع الثالث : حکم أخذ الأجرة علی الإمامة فی الصلاة

هل یجوز أخذ الاُجرة علی إمامة الصلوات التی تُعتبر فیها الجماعة نحو الجمعة أو الإستقساء ، أو لا تُعتبر فیها الجماعة نحو الصلوات الیومیة أو العیدین فی زمن الغیبة أم لا ؟

المشهور بین الأصحاب عدم جواز أخذ الاُجرة علی الإمامة ، کما علیه المفید فی المقنعة(4) وأبو الصلاح الحلبی فی الکافی(5) والشیخ فی النهایة(6) وابن البراج فی المهذب(7) وابن إدریس فی السرائر(8) والمحقق فی الشرائع(9) والنافع(10) ، والعلامة فی القواعد(11)

ص: 255


1- (1) مختلف الشیعة 5 / 18 .
2- (2) المسالک 3 / 132 .
3- (3) شرح القواعد 1 / 288 .
4- (4) المقنعة / 588 .
5- (5) الکافی / 283 .
6- (6) النهایة / 365 .
7- (7) المهذب 1 / 345 .
8- (8) السرائر 2 / 217 .
9- (9) الشرائع 2 / 5 .
10- (10) المختصر النافع / 117 .
11- (11) قواعد الأحکام 2 / 10 .

والتحریر(1) والنهایة(2) والتذکرة(3) ، والشهید فی الدروس(4) والمحقق الثانی فی جامع المقاصد(5) وغیرهم فی غیرها .

ولکن ناقش المحقق الأردبیلی فی الحکم ب_ « عدم ورود نصّ هنا علی ما رأیتُ»(6) .

وتبعه صاحب الحدائق وقال : « ولم یحضرنی الآن خبر فی هذا الحکم ، ومِنْ جملة مَنْ صرّح بذلک صاحب الوسائل ، مع أنّه لم یورد فی الباب ما یدلّ علیه ، وإنّما أحال علی ما قدّمه من أحادیث التظاهر بالمنکرات واختتال الدنیا بالدین وجهاد النفس . وفی استفادة الدلالة علی ذلک منها نظر ، لا سیما مع ورود الاستیجار علی العبادات ومشروعیته ، وکیف کان فالإحتیاط فیما ذکروه»(7) .

أقول : مراده من تصریح صاحب الوسائل عدم ذکره من الروایات ما یدلّ علی الحکم فی الباب الذی عقده تحت عنوانه ، وهو الباب 30 من أبواب ما یکتسب به فی وسائل الشیعة 17 / 157 ، ولکنّه قدس سره وإن لم یذکر ما یدلّ علی الحکم هناک ولکن أحاله بما تقدّم ویأتی کما هو دأبه فی کثیر من الأبواب .

وتدلّ علی الحکم عدّة من الروایات الماضیة :

منها : خبر العلاء بن سیّابة(8) وخبر محمد بن مسلم(9) ومعتبرة حمران(10) المذکورة فیما سبق .

وتدلّ علیه أیضاً أولویة عدم جواز أخذ الاُجرة علی الإمامة بالنسبة إلی عدم جواز

ص: 256


1- (1) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 265 .
2- (2) نهایة الإحکام 2 / 474 .
3- (3) تذکرة الفقهاء 12 / 148 .
4- (4) الدروس 3 / 173 .
5- (5) جامع المقاصد 4 / 37 .
6- (6) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 93 .
7- (7) الحدائق 18 / 218 .
8- (8) وسائل الشیعة 27 / 377 ح 2 .
9- (9) وسائل الشیعة 27 / 378 ح 6 .
10- (10) وسائل الشیعة 16 / 279 ح 6 .

أخذ الاُجرة علی الأذان ، بحیث ما دلّ علی عدم جواز أخذ الاُجرة علی الأذان من الروایات نحو : معتبرة السکونی(1) وموثقة زید بن علی(2) الماضیتین وغیرهما تدلّ علیه أیضاً بطریق أولی ، لأنّ الأذان مقدمة للصلاة فإذا لم یجز أخذ الأجرة علی المقدمة کذلک الأمر بطریق أولی علی ذی المقدمة .

وقد اعترف جماعة من الأصحاب بدلالة الروایات الثلاث الاُوَل علی عدم جواز أخذ الاُجرة علی الإمامة ، نحو : الشیخ جعفر(3) وصاحب الریاض حیث یقول فی شأن روایة محمد بن مسلم : « وهو نص فی التحریم»(4) . والفاضل النراقی(5) ، وصاحب الجواهر(6) والفقیه الیزدی(7) .

وعلی هذا ینجبر ضعف سند الروایات بفتوی المشهور ودلالتها أیضاً تامة ، فینتج منها القول بعدم جواز أخذ الأجرة علی الإمامة .

وأمّا الذهاب إلی عدم جواز أخذ الاُجرة علی الإمامة لأجل التنافی بین قصد القربة وأخذ الاُجرة ، فقد مرّ منّا الإشکال فیه وعدم التنافی بینهما ، فلا یتمّ فی المقام ما ذکره الشیخ الأعظم(8) من التنافی بینهما ، والقاعدة التی ذکرها من أنّ « شرط العمل المستأجر علیه قابلیة إیقاعه لأجل المستأجر له حتّی یکون وفاءً بالعقد وما کان من قبیل العبادة غیر قابل لذلک »(9) .

ص: 257


1- (1) وسائل الشیعة 5 / 447 ح 1 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 157 ح 1 .
3- (3) شرح القواعد 1 / 293 .
4- (4) ریاض المسائل 8 / 183 .
5- (5) مستند الشیعة 14 / 186 .
6- (6) الجواهر 22 / 122 .
7- (7) حاشیة المکاسب 1 / 159 .
8- (8) المکاسب 2 / 151 .
9- (9) المکاسب 2 / 151 .

کلاهما غیر تامین عندنا ، وظهر ممّا مرّ المناقشة فیهما فلا نعیدها ، والحمد للّه .

الفرع الرابع : أخذ الاُجرة علی تحمّل الشهادة

تحمّل الشهادة من الواجبات عند المشهور من أصحابنا رضوان اللّه تعالی علیهم ،رفقد ذهب جماعة منهم إلی وجوبه العینی نحو : المفید(1) وأبی الصلاح الحلبی(2) وسلاّر الدیلمی(3) وابنی البراج(4) وزهرة(5) .

وذهب آخرون إلی الوجوب الکفائی نحو : الشیخ فی النهایة(6) والمبسوط(7) وابن الجنید(8) والمحقق(9) والعلاّمة(10) وولده(11) والشهید(12) .

ولکن ابن إدریس الحلی(13) ذهب إلی نفی الوجوب فی تحمّل الشهادة عیناً وکفایةً .

ویدلّ علی الوجوب عیناً قوله تعالی : «وَلاَ یَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ»(14) بضمیمة الروایات المفسّرة فی ذیلها :

ص: 258


1- (1) المقنعة / 728 .
2- (2) الکافی / 436 .
3- (3) المراسم / 234 .
4- (4) المهذب 2 / 560 .
5- (5) غنیة النزوع 2 / 441 .
6- (6) النهایة / 328 .
7- (7) المبسوط 8 / 186 .
8- (8) نقل عنه العلامة فی المختلف الشیعة 8 / 508 .
9- (9) شرائع الإسلام 4 / 138 .
10- (10) قواعد الأحکام 3 / 502 .
11- (11) إیضاح الفوائد 4 / 442 .
12- (12) الدروس 2 / 123 .
13- (13) السرائر 2 / 126 .
14- (14) سورة البقرة / 282 .

منها : صحیحة هشام بن سالم عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی قول اللّه عزّ وجلّ : «وَلاَ یَأْبَ الشُّهَدَاء» قال : قبل الشهادة ، وقوله : «وَمَن یَکْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ»(1) قال : بعد الشهادة(2) .

ومنها : صحیحة أبی الصباح عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی قوله تعالی : «وَلاَ یَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ» قال : لا ینبغی لأحدٍ إذا دُعی إلی شهادة لیشهد علیها أن یقول : لا أشهد لکم علیها(3) .

عبّرنا عن الروایة بالصحیحة مع ما فی سندها من محمد بن الفضیل المشترک بین الصیرفی الضعیف ومحمد بن قاسم بن الفضیل الثقة حیث نُسب إلی جده مع اشتراکهما فی الطبقة والمشایخ والراوی ، لأنّ الذی ینقل عنه کثیراً ما مشایخ الطائفة أمثال : الحسین بن سعید ومحمد بن إسماعیل بن بزیع وأحمد بن محمد بن عیسی ، هو محمد بن قاسم بن الفضیل الثقة کما نبّه علی هذا صاحب جامع الرواة(4) .

فلذا سند الروایة صار صحیحاً . مضافاً إلی أنّ الکلینی یذکر الروایة بسنده الصحیح وهی صحیحة الحلبی(5) .

ومنها : موثقة سماعة عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی قول اللّه عزّ وجلّ : «وَلاَ یَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ» فقال : لا ینبغی لأحد إذا دُعی إلی شهادة لیشهد علیها أن یقول : لا أشهد لکم(6) .

رواها العیاشی فی تفسیره(7) مرسلاً عن زید بن یونس أبی أسامة الشحام المعروف

ص: 259


1- (1) سورة البقرة / 283 .
2- (2) وسائل الشیعة 27 / 309 ح 1 . الباب 1 من أبواب الشهادات .
3- (3) وسائل الشیعة 27 / 309 ح 2 .
4- (4) جامع الرواة 2 / 183 .
5- (5) وسائل الشیعة 27 / 310 ح 4 .
6- (6) وسائل الشیعة 27 / 310 ح 5 .
7- (7) تفسیر العیاشی 1 / 282 ح 526 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 27 / 311 ح 10 عن یزید ابن أبی اُسامة ولکن الصحیح ما ضبطناه .

بزید الشحام .

ومنها : صحیحة محمد بن الفضیل عن أبی الحسن علیه السلام فی قول اللّه عزّ وجلّ : «وَلاَ یَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ» فقال : إذا دعاک الرجل لتشهد له علی دَیْن أو حقٍّ لم ینبغ لک أن تقاعس عنه(1) .

تقاعس عن الأمر : تأخر .

وحیث أنّ الروایات تدلّ علی وجوب الإجابة عیناً إذا دُعی ، تعلیق الإجابة علی أخذ الاُجرة یعدّ نوعاً من الإباء المحرَّم ، فتحمّل الشهادة تکون من الواجبات المجانیّة .

وأمّا إقامتها : فواجبٌ کفائیٌ إجماعاً کما ذکره المحقق(2) والعلاّمة(3) والشهید(4) ، ویدلّ علیه قوله تعالی : «وَلاَ تَکْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن یَکْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِیمٌ»(5) وقوله تعالی : «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن کَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ»(6) وعدّة من الروایات :

منها : صحیحة هشام بن سالم عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی قول اللّه عزّ وجلّ : «وَمَن یَکْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» قال : بعد الشهادة(7) .

ومنها : خبر جابر عن أبی جعفر علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من کتم شهادة أو شهد بها لیهدر بها دم امری ء مسلم ، أو لیزوی بها مال امری ء مسلم ، اُتی یوم القیامة ولوجهه ظلمة مدّ البصر ، وفی وجهه کُدوح ، تعرفه الخلائق باسمه ونسبه ، ومن شهد شهادةً حقّ لیحیی بها حقّ امری ء مسلم ، اُتی یوم القیامة ولوجهه نور مدّ البصر تعرفه الخلائق باسمه

ص: 260


1- (1) وسائل الشیعة 27 / 310 ح 7 .
2- (2) شرائع الإسلام 4 / 138 .
3- (3) قواعد الأحکام 3 / 503 .
4- (4) الدروس 2 / 123 .
5- (5) سورة البقرة / 283 .
6- (6) سورة البقرة / 140 .
7- (7) وسائل الشیعة 27 / 312 ح 1 . الباب 2 من أبواب الشهادات .

ونسبه . ثمّ قال أبو جعفر علیه السلام : ألا تری أنّ اللّه عزّ وجلّ یقول : «وَأَقِیمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ»(1)(2) .

الکُدوح : الخدوش ، وقیل : هی أکبر من الخدوش .

رجال السند کلّهم ثقات إلاّ أبو جمیلة ، وهو مفضل بن صالح ، ولم یثبت توثیقه ولکن إن ذهبنا إلی حُسن حاله واعتباره - کما مال إلیه الوحید قدس سره علی ما فی منتهی المقال 6 / 308 - صار السند معتبراً .

ومنها : خبر مناهی النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه نهی فیه عن کتمان الشهادة وقال : مَنْ کتمها أطعمه اللّه لحمه علی روؤس الخلائق ، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : «وَلاَ تَکْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن یَکْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ»(3) .

هذه الآیات الشریفة والروایات تدلّ علی وجوب إقامة الشهادة ، وحیث أنّ وجوبها مغیی بإقامة الحقّ فیصیر وجوبها کفائیاً ، وبعد إقامة الحقّ یسقط الوجوب . وهذا سرّ ذهاب الأصحاب إلی وجوبها الکفائی .

ویمکن القول بأنّ الشاهد إذا دُعی إلی التحمّل فأجاب یجب علیه الإقامة ، وأمّا إذا لم یدع إلی التحمّل ولکن اتفق له الشهادة فلا یجب علیه الإقامة ، إلاّ إذا کانت إقامة الحقّ منوطة بإقامته للشهادة فیجب علیه حینئذ . وتدلّ علی هذا التفصیل عدّة من الروایات :

منها : صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم یشهد علیها فهو بالخیار إن شاء شهد وإن شاء سکت(4) .

ومنها : صحیحة هشام بن سالم عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم یشهد علیها فهو بالخیار ، إن شاء شهد وإن شاء سکت . وقال : إذا أشهد لم یکن له إلاّ أن یشهد(5) .

ص: 261


1- (1) سورة الطلاق / 2 .
2- (2) وسائل الشیعة 27 / 312 ح 2 .
3- (3) وسائل الشیعة 27 / 313 ح 4 .
4- (4) وسائل الشیعة 27 / 317 ح 1 . الباب 5 من أبواب الشهادات .
5- (5) وسائل الشیعة 27 / 318 ح 2 .

ومنها : صحیحة اُخری لمحمد بن مسلم أو موثقته عن أبی جعفر علیه السلام قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم یشهد علیها فهو بالخیار إن شاء شهد وإن شاء سکت ، إلاّ إذا علم مَن الظالم فلیشهد ، ولا یحلّ له إلاّ أن یشهد(1) .

وعلی ما ذکرنا حیث وجبت إقامة الشهادة تجب مجانّا ، لأنّ فی أخذ الاُجرة نوعاً من الکتمان أو لا أقل ینتهی فی بعض الموارد _ وهی عدم إعطائه الاُجرة _ إلی الکتمان المحرَّم ، فلذا أخذ الشارع المجانیّة فیها ، فلا یجوز أخذ الاُجرة علیها .

ولذا أفتی جماعة من الأصحاب وصرحوا بمجانیّة الشهادة _ تحمّلها وإقامتها _ وعدم جواز أخذ الاُجرة علیها ، منهم : العلامة فی القواعد(2) والنهایة(3) والتذکرة(4) والشهید فی الدروس(5) والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد(6) وغیرهم فی غیرها .

الفرع الخامس : ما المراد من الإرتزاق من بیت المال ؟

قد مرّ منّا کلام ثانی الشهیدین فی الفرق بین الاُجرة والإرتزاق من بیت المال ، قال قدس سره : « والفرق بینهما أنّ الاُجرة تفتقر إلی تقدیر العمل والعوض وضبط المدّة والصیغة الخاصة ، وأمّا الارتزاق فمنوط بنظر الحاکم ، لا یقدَّر بقدر ، ومحلّه من بیت المال ما اُعدّ للمصالح من خراج الأرض ومقاسمتها ونحوهما . ولا فرق فی تحریم أخذ الاُجرة بین کونها من معیّن ومن أهل البلد والمحلّة وبیت المال»(7) .

والمقدس الأردبیلی ذکر کلامه ثمّ اعترض علیه بقوله : « هذا یُشعر بأنّ کلّما لم یشتمل

ص: 262


1- (1) وسائل الشیعة 27 / 318 ح 4 .
2- (2) القواعد 2 / 10 .
3- (3) نهایة الإحکام 2 / 474 .
4- (4) تذکرة الفقهاء 12 / 148 .
5- (5) الدروس الشرعیة 3 / 173 .
6- (6) جامع المقاصد 4 / 37 .
7- (7) المسالک 3 / 131 .

علی القیود المذکورة فی الاُجرة لا یکون حراماً ویکون ارتزاقاً وأنّها لا تکون عن بیت المال .

وفیه تأمل : لأنّ الظاهر أنّ المراد من الأجر هاهنا ما یؤخذ من غیر ما ذکرناه لفعله الأذان بحیث لو لم یکن ، لم یفعل ، بأن قیل له : نعطیک کذا وکذا لتؤذّن ، وهو یؤذّن لذلک ، سواء عیّن المدّة والاُجرة بحیث لا یقبل الزیادة والنقیصة أصلاً أم لا ، وسواء وقع الصیغة المخصوصة العربیّة أم لا ، وسواء کان من بیت المال وغیره ومن شخص معیّن أو قریة أو بلد أم لا . لأنّ الظاهر أنّه یُسمّی ذلک أجراً حینئذ فیشمله دلیله . ولأنّ المتبادر من الأجر فی أمثال هذا المقام ذلک . ولأنّ الظاهر أنّ الحکم هنا لا یتغیّر بالصیغة والتعیین وعدمهما ، بل بالشرط والقصد مع عدم تعیّنه فی نفس الأمر للمؤذنین وعدم حصوله إلاّ بالأذان وعدمهما ، فتأمل»(1) .

وتبع صاحب الحدائق(2) الأردبیلیَّ فی المقام .

ذکر سید الریاض أوّلاً تعریف الأردبیلی ثمّ تعریف الشهید الثانی فی الفرق بینهما ثمّ قال : « وفی هذا الفرق نظر ، بل الأوّل أولی وأظهر ، والأمر سهلٌ لمَنْ تدبّر»(3) .

وقال فاضل النراقی : « المراد بالإرتزاق منه : أن یعطیه الحاکم منه وإن کان لکونه مؤذّناً ، بل وإن ارتزق منه للأذان ویکون ذلک من جهة أذانه ، ولکن لا یجوز الأذان لذلک بأن یوقفه علیه ویؤذّن لذلک ، لصدق الأجر المحرَّم بالأخبار علیه لغةً وعرفاً وإن لم یکن فیه ولا فی المدّة والعمل تقدیر ولم یجر صیغة .

فالتفرقة بین الارتزاق والأجر بعدم التقدیر والصیغة فی الأوّل _ کما فی المسالک _ غیر صحیح ، بل الصحیح فی الفرق ما ذکرنا»(4) .

أقول : الاُجرة لغة وعرفاً ما یقابل العمل وتوقف العمل علیها کما فی الریاض(5) ، وغالباً _ لا دائماً _ تحتاج إلی تقدیر العمل والعوض وضبط المدّة والصیغة الخاصة کما فی

ص: 263


1- (1) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 92 .
2- (2) الحدائق 18 / 215 .
3- (3) ریاض المسائل 8 / 185 .
4- (4) مستند الشیعة 14 / 185 .
5- (5) ریاض المسائل 8 / 184 .

المسالک(1) ، بحیث لو لم یعمل لم تعط له الاُجرة ولو أتی بالعمل تعطی له الاُجرة .

وأمّا الارتزاق : أن یعطی الحاکمُ العاملَ مصارفه ومخارجه بقدر الکفاف والعفاف أو الأکثر ، ولا یقدّر بالفقر وعدم إمکان الاکتساب ، بل أنّ « المتصدین لهذه الأعمال من جملة مصارف بیت المال فی عرض الفقیر» کما نبّه علیه المحقق الإیروانی(2) .

هذا هو الفارق بین الارتزاق والاُجرة ، وقد عرفتَ عدم اعتبار قصد العامل والتعیین وعدمه ، فی الفرق بینهما .

ص: 264


1- (1) المسالک 3 / 131 .
2- (2) حاشیة المکاسب 1 / 301 .

خاتمةٌ: تشتمل علی مسائل

اشارة

ص: 265

ص: 266

الأولی : بیع المصحف

اشارة

(1)

المشهور بین أصحابنا حرمة بیع المصحف ، وإلیک نصوص کلماتهم :

نصوص کلمات الأصحاب

1 _ قال الشیخ الطوسی : « ولا بأس بشراء المصاحف وبیعها والتکسّب بها ، غیر أنّه لا یجوز أن یبیع المکتوب ، بل ینبغی له أن یبیع الجلد والورق . وأمّا غیرها من الکتب فلا بأس ببیعها وشرائها بالإطلاق»(2) .

2 _ وعدّ ابن إدریس الحلّی فی المکاسب المحرّمة : « بیع المصاحف إذا کان ذلک فی المکتوب»(3) .

3 _ وقال العلامة فی القواعد : « ویحرم بیع المصحف ، بل یباع الجلد والورق ، ولو اشتراه الکافر فالأقرب البطلان ، ویجوز أخذ الاُجرة علی کتابة القرآن»(4) .

4 _ وقال فی التحریر : « یحرم بیع المصحف ویجوز بیع الجلد والورق ، لا بیع کلام اللّه تعالی ، ولو اشتری المصحف وعقد البیع علی الجلد والورق جاز وإلاّ حرم کالبیع ، ولو اشتری الکافر مصحفاً لم ینعقد البیع . وقال بعض أصحابنا : یجوز ویجبر علی بیعه . ویجوز أخذ الاُجرة علی کتابة القرآن »(5) .

ص: 267


1- (1) وفی القاموس 3 / 161 أنّه مثلث المیم ، وفی المصباح المنیر / 334 ومجمع البحرین 5 / 78 أنّ الضم أشهر ، ونقل الصغانی عن تغلب أنّ الفتح لغة صحیحة فَصِیحَة ، کذا فی مفتاح الکرامة 12 / 275 . وفیه أیضاً : المصحف جمع صحیفة ، والصحیفة قطعة من جلد أو قرطاس کتب فیها .
2- (2) النهایة / 368 .
3- (3) السرائر 2 / 218 .
4- (4) قواعد الاحکام 2 / 9 .
5- (5) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 261 مسألة 3022 .

5 _ وقال فی التذکرة : « یحرم بیع المصحف ، لما فیه من الإبتذال له وانتفاء التعظیم ، بل ینبغی أن یبیع الجلد والورق . ثمّ ذکر الحدیثین فی المقام وقال : ولا بأس بأخذ الاُجرة علی کِتْبة القرآن ... »(1) .

6 _ وقال فی نهایته : « بیع المصحف وشراؤه حرام ، بل یباع الجلد والورق ، لمنع الصحابة منه ولم یعلم لهم مخالف ، ولأنّه یشتمل علی کلام اللّه فیجب صیانته عن البیع والإبتذال . ثمّ ذکر حدیثاً وقال : والشراء أسهل من البیع ، لأنّه استنقاذ للمصحف وبذل ماله فیه . ویجوز أخذ الاُجرة علی کتابة القرآن لأنّها منفعة مباحة ، فجاز أخذ العوض علیها . نعم یحرم نقشه بالذهب»(2) .

7 _ وقال الشهید فی الدروس : « ویحرم بیع خط المصحف دون الآلة ، ولا یحرم بیع کتب الحدیث والعلم المباح »(3) .

8 _ وذیّل المحقق الثانی قول العلامة فی القواعد « ویحرم بیع المصحف» بقوله : « للنصوص فی الکتاب والسنة »(4) .

9 _ وقال صاحب الحدائق : « صرح جملة من الأصحاب بأنّه لا یجوز بیع المصحف ، وإنّما یباع الورق والجلد ونحوهما من الآلات التی اشتمل علیها ذلک الکتاب . وعلیه تدلّ الأخبار المکثرة ... »(5) .

10 _ وقال الشیخ جعفر علیه السلام : «ویحرم بیع ما دخل فی رسم المصحف _ مثلّث المیم _ وکتابته ، جوهریّة أو عرضیة من کلمات وحروف ومدّات وشدّات ، مجتمعات أو متفرّقات ، ولو فی ورقات متفردات للدخول تحت الإسم أو القطع بشمول الحکم من کلّ ما یُسمّی کتابة قرآن والمعاوضة علیها ، مستقلاّت أو منضمّات إلی جلد أو ورق أو نحوهما . وکذا رسم أسماء

ص: 268


1- (1) تذکرة الفقهاء 12 / 145 مسألة 651 .
2- (2) نهایة الإحکام 2 / 472 .
3- (3) الدروس الشرعیة 3 / 165 .
4- (4) جامع المقاصد 4 / 33 .
5- (5) الحدائق 18 / 218 .

اللّه وصفاته الخاصة فی وجه قویّ . وما دخل من الآیات فی بعض الکتب ، وباقی الکتب السماویة ، وکتب الحدیث وغیرها ، لا یجری فیه الحکم»(1) .

وفی قبال هذا القول ، قول بالکراهة ، وقد ذهب إلیه المحقق السبزواری فی الکفایة حیث یقول : « ... فإذن غایة ما یُستفاد من الأخبار الکراهة»(2) .

وتبعه العلامة السید مهدی بحر العلوم الطباطبائی فی مصابیحه کما نقل عنه صاحب الجواهر(3) واختاره ، وتبعهم تلمیذ صاحب الجواهر الفقیه السید علی آل بحر العلوم(4) ، والمحققون الإیروانی(5) والخوئی(6) والأردکانی(7) وشیخنا الاُستاذ(8) _ مدظله _ .

والعمدة فی المقام ملاحظة الأدلة ، وهی الروایات وهنّ علی الطائفتین :

الطائفتان من الروایات

الطائفة الأولی : تدل علی حرمة بیعه

منها : موثقة سماعة عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن بیع المصاحف وشرائها ؟ فقال : لا تشتر کتاب اللّه ، ولکن اشتر الحدید والورق والدفتین ، وقل : أشتری منک هذا بکذا وکذا(9) .

ومنها : معتبرة عبد الرحمن بن سیابة عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سمعته یقول : إنّ المصاحف لن تشتری ، فإذا اشتریت فقل : إنّما اشتری منک الورق ، وما فیه من الأدیم وحلیته

ص: 269


1- (1) شرح القواعد 1 / 264 .
2- (2) الکفایة 1 / 445 .
3- (3) الجواهر 22 / 128 .
4- (4) برهان الفقه _ کتاب التجارة / 52 .
5- (5) حاشیة المکاسب 1 / 304 .
6- (6) مصباح الفقاهة 1 / 485 .
7- (7) غنیة الطالب 1 / 245 .
8- (8) إرشاد الطالب 1 / 307 .
9- (9) وسائل الشیعة 17 / 158 ح 2 . الباب 31 من أبواب ما یکتسب به .

وما فیه من عمل یدک بکذا وکذا(1) .

الأدیم : الجلد المدبوغ . وفی نسخة الأدم : وهو باطن الجلد وظاهره .

ولکن فی المطبوع من الکافی 5 / 121 ح 1 عبد الرحمن بن سلیمان بدل عبد الرحمن بن سیابة وهو (ابن سلیمان) مجهول ، ولذا صار السند به ضعیفاً .

ومنها : موثقة بل صحیحة عثمان بن عیسی قال : سألته عن بیع المصاحف وشرائها ؟ فقال : لا تشتر کلام اللّه ، ولکن اشتر الحدید والجلود والدفتر ، وقل : أشتری هذا منک بکذا وکذا(2) .

الروایة مضمرة ، ولکن لا بأس بإضمارها لأنّ مضمره عثمان بن عیسی وهو من الفقهاء وأصحاب الإجماع الذین لا یروون إلاّ من الإمام المعصوم علیه السلام . مضافاً إلی أنّ الکلینی رواها فی الکافی الشریف 5 / 121 ح 2 عن العدة عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عیسی عن سماعة عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، فالسند موثق ولیس فیه إضمارٌ .

ومنها : خبر عبد اللّه بن سلیمان ومضمرته قال : سألته عن شراء المصاحف ؟ فقال : إذا أردت أن تشتری فقل : أشتری منک ورقة وأدیمه وعمل یدک بکذا وکذا(3) .

ومنها : حسنة جراح المدائنی عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی بیع المصاحف ، قال : لا تبع الکتاب ولا تشتره ، وبع الورق والأدیم والجلد(4) .

ومنها : خبر سماعة بن مهران قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : لا تبیعوا المصاحف فإنّ بیعها حرام . قلت : فما تقول فی شرائها ؟ قال : اشتر منه الدفتین والحدید والغلاف ، وإیّاک أن تشتری منه الورق وفیه القرآن مکتوب فیکون علیک حراماً وعلی من باعه حراماً(5) .

والسند ضعیف بأبی عبد اللّه الرازی ، وهو محمد بن أحمد الجامورانی ، ضعّفه القمیون

ص: 270


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 158 ح 1 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 158 ح 3 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 159 ح 6 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 159 ح 7 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 160 ح 11 .

واستثنوه من کتاب نوادر الحکمة ، وفیه الحسن بن علی ابن أبی حمزة وهو واقف ابن واقف وضعیف . وإن کان فی السند أبوه کما فی المطبوع من التهذیب 7 / 231 فضعفه ظاهر . فالتعبیر عن الروایة بالموثقة کما عن الشیخ الأعظم(1) والمحقق الإیروانی(2) ، غیر تام ، کما نبّه علیه المحققون الخوئی(3) قدس سره والروحانی(4) وشیخنا الاُستاذ(5) _ مدظلهما _ .

ومنها : مرسلة القاضی نعمان المصری عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : لا بأس أن یکتب بأجرٍ ، ولا یقع الشراء علی کتاب اللّه ، ولکن علی الجلود والدفتین ، یقول : أبیعک هذا بکذا(6) .

الطائفة الثانیة : تدل علی جواز بیعه
اشارة

منها : خبر روح بن عبد الرحیم عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن شراء المصاحف وبیعها ؟ فقال : إنّما کان یوضع الورق عند المنبر ، وکان ما بین المنبر والحائط قدر ما تمر الشاة أو رجل منحرف ، قال : فکان الرجل یأتی فیکتب من ذلک ، ثمّ إنّهم اشتروا بعد . قلت : فما تری فی ذلک ؟ فقال لی : أشتری أحبّ إلیّ من أن أبیعه ، قلت : فما تری أن أعطی علی کتابته أجراً ؟ قال : لا بأس ، ولکن هکذا کانوا یصنعون(7) .

دلالة الروایة علی جواز البیع واضحة ، ولکن فی سندها غالب بن عثمان وهو ضعیف ، فالتعبیر عن الروایة بالموثقة کما فی الإرشاد(8) غریب .

ص: 271


1- (1) المکاسب 2 / 155 .
2- (2) حاشیة المکاسب 1 / 303 .
3- (3) مصباح الفقاهة 1 / 484 .
4- (4) منهاج الفقاهة 2 / 287 .
5- (5) إرشاد الطالب 1 / 305 .
6- (6) دعائم الإسلام 2 / 19 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 118 ح 1 .
7- (7) وسائل الشیعة 17 / 158 ح 4 .
8- (8) إرشاد الطالب 1 / 306 و 307 .

ومنها : خبر عنبسة الوراق قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام فقلت : أنا رجل أبیع المصاحف ، فإن نهیتنی لم أبعها ، فقال : ألستَ تشتری ورقاً وتکتب فیه ؟ قلت : بلی واُعالجها ، قال : لا بأس بها(1) .

دلالتها علی جواز بیع المصحف واضحة ، ولکن سندها ضعیف بسابق السندی وهو مهمل ، وعنبسة الوراق وهو مجهول .

ومنها : صحیحة أبی بصیر قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن بیع المصاحف وشرائها ؟ فقال : إنّما کان یوضع عند القامة والمنبر ، قال : کان بین الحائط والمنبر قید ممرّ شاة ورجل وهو منحرف ، فکان الرجل یأتی فیکتب البقرة ویجیء آخر فیکتب السورة کذلک کانوا ، ثمّ إنّهم اشتروا بعد ذلک ، فقلت : فما تری فی ذلک ؟ فقال : أشتریه اُحبّ إلیَّ من أن أبیعه(2) .

ومنها : مرسلة القاضی نعمان المصری عن علی علیه السلام أنّه قال : لا بأس ببیع المصاحف وشرائها(3) .

مقتضی اُصول الفقاهة الجمع بین الطائفتین بحمل الروایات المانعة علی الکراهة حیث ورد الترخیص ، ولذا أفتی بالکراهة جمع من الأصحاب کما مرّ .

مضافاً إلی أنّ فی الروایات المانعة قرینة داخلیة تدلّ علی حملها علی الکراهة ، وهی الأمر الوارد فیها بالشراء بعد النهی عنه ، ونفس هذا التعبیر قرینة قطعیة علی حمل الروایات المانعة علی الکراهة .

فظهر ممّا ذکرنا عدم تمامیة إشکال الشیخ الأعظم علی دلالة روایتی أبی بصیر وروح بن عبد الرحیم علی جواز بیعه ، حیث یقول : « لکن الإنصاف أنْ لا دلالة فیها علی جواز اشتراء خط المصحف ، وإنّما تدلّ علی أنّ تحصیل المصحف فی الصدر الأوّل کان بمباشرة کتابته ، ثمّ قصرت الهمم فلم یباشروها بأنفسهم ، وحصّلوا المصاحف بأموالهم شراءً واستیجاراً ، ولا دلالة فیها علی کیفیة الشراء ، وأنّ الشراء والمعاوضة لابدّ أن لا یقع إلاّ علی ما

ص: 272


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 159 ح 5 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 160 ح 8 .
3- (3) دعائم الإسلام 2 / 19 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 118 ح 1 .

عدا الخط من القرطاس وغیره»(1) .

وفیه : نعم ورد فی الروایتین أنّ تحصیل المصحف کان بالکتابة _ لا بالمباشرة فقط کما ذکره الشیخ الأعظم _ فی الصدر الأوّل ، ولکن ورد فیهما شراء المسلمین المصاحف بعده ، والإمام علیه السلام ذهب إلی أنّ شراءه، أحبَّ إلیه من بیعه .

وهذا البیان الأخیر منه علیه السلام صریح فی جواز بیعه . وحیث کان فی مقام البیان ولم یتصدّ لکیفیة الشراء أو البیع یُعلم منه عدم اعتبار کیفیة خاصة فیه ، ولذا تحمل الروایات المانعة علی الکراهة .

ویظهر ممّا ذکرنا أخیراً المناقشة الاُخری مع الشیخ الأعظم حول الروایات المجوِّزة حیث یقول قدس سره : « وهی وإن کانت ظاهرة فی الجواز إلاّ أنّ ظهورها من حیث السکوت عن کیفیة البیع فی مقام الحاجة إلی البیان ، فلا تعارض ما تقدّم من الأخبار المتضمّنة للبیان»(2) .

مراده أنّ الأخبار المجوِّزة ساکتةٌ بالنسبة إلی کیفیة البیع ولم تتعرّض لها ، ولکن فی الأخبار المانعة تعرّض إلی کیفیة خاصة من البیع _ وهی بیع الجلد والورق والحدید ما عدا الکتابة والخط _ فلا تعارض بینهما ، فلابدّ فی بیع المصحف من مراعاة الکیفیة الآمرة بها .

وجه المناقشة فی کلامه قدس سره : أنّ الروایات المجوِّزة فی مقام البیان ولم تذکر فیها کیفیة خاصة لشراء المصحف ، فیعلم من إطلاقها عدم اعتبار کیفیة خاصة فیه .

وبعبارة اُخری : « مورد السؤال فی هذه الأخبار [ المجوّزة ] وتلک الأخبار [ المانعة [ واحدٌ ، وهو بیع المصحف الذی قوام عنوانه بالخط ، وهذا هو الذی یتوهّم المنع عنه ... ولم یکن یتوهم المنع فی الورق حتّی یسألوا عن ذلک ، مع أن قوله علیه السلام : « أشتریه أحبُّ إلیَّ من أن أبیعه» کالصریح فی أنّ المراد منه الورق مع الخط ، وإلاّ فنفس الورق لا کراهة فی بیعه» کذا قاله المحقق الإیروانی(3) قدس سره ، وهو تام . وتبعه المحقق الخوئی(4) رحمه الله .

ص: 273


1- (1) المکاسب 2 / 158 .
2- (2) المکاسب 2 / 159 .
3- (3) حاشیة المکاسب 1 / 304 .
4- (4) مصباح الفقاهة 1 / 485 .

ومن الغریب ما ذکره فی الإرشاد بقوله : « أنّ ظاهر السؤال فی مثل صحیحة أبی بصیر بقوله : « فما تری فی شرائها» هو السؤال عن جواز شراء المصاحف بالنحو المتعارف فی سائر الکتب ، فیکون جوابه علیه السلام بالجواز راجعاً إلی ذلک النحو ، وهذا من الظهور الوضعی لا الإطلاقی لیتوقف علی تمامیّة مقدماته ، وذلک فإنّ دلالة اللفظ الموضوع للکتاب علیه بالوضع وإضافة البیع إلیه ظاهرة بمقتضی وضع الإضافة ، فی تعلّقه بعنوان ذلک الکتاب کما لا یخفی»(1) .

وجه الغرابة : أنه لم یرد فی الصحیحة وغیرها من الأخبار المجوِّزة لفظ « الکتاب » حتّی یدعی _ دام ظله _ دلالته علی الخط والمکتوب والسطور بالوضع . وإن کان مراده _ دامت برکاته _ أنّ لفظة « الکتاب » تدلّ بالوضع علی أن بیعها مطلق _ لا علی کیفیة خاصة من البیع ، فهو أغرب من الأوّل ، وإن کان مراده _ دامت إفضاله _ أنّ الشراء والبیع یتعلّقان بالمصحف کما یتعلّقان بغیره من الکتب من دون کیفیة خاصة فی المصحف ، فهو صحیح تام ، ولکن إنّما یتم بالتمسک بالإطلاق لا بالوضع کما مرّ .

مؤیدات ونقدها

ثمّ یؤید ما ذکرناه من جواز بیع المصحف ما ذکره الفقهاء _ أعلی اللّه کلمتهم _ من أنّ بیع المصحف للکافر لا یجوز _ کما علیه المشهور _ فلو لم یجز بیعه للمسلم ، فهذا الفرع لا یطرح .

قال فی الجواهر : « والتحقیق الجواز لإطلاق الأدلة وإطلاق کثیر من الفتاوی فی مقام ذکر شرائط البیع وغیره ، حتّی فی مسألة بیع المصحف من الکافر ، فإنّ کلامهم هناک بإطلاقه شامل لجواز بیعه من المسلم من غیر تقیید بالآلات»(2) .

ولکن قال اُستاذه فی شرح القواعد : « ومنعهم من بیعه للکافر المؤذن بجواز بیعه مطلقاً للمسلم منزّل علی ما ذکرناه»(3) . یعنی علی کیفیة خاصة من بیعه .

ویؤید ما ذکرنا بل یدلّ علیه جریان السیرة القطعیة المتصلة إلی زمن المعصومین علیهم السلام علی معاملة المصاحف معاملة بقیة الأموال ، کما تظهر هذه السیرة من الأسئلة الواردة فی

ص: 274


1- (1) إرشاد الطالب 1 / 307 .
2- (2) الجواهر 22 / 126 .
3- (3) شرح القواعد 1 / 266 .

الروایات الماضیة .

أشار إلی ما قلناه صاحب الجواهر قال : « بل السیرة القاطعة أقوی شاهدعلی ذلک»(1) .

ویؤید ما ذکرناه أیضاً الروایات الواردة حول الحبوة التی تنتقل إلی الولد الأکبر بموت والده ، نحو : صحیحة ربعی بن عبد اللّه(2) وصحیحة اُخری له(3) وصحیحة حریز(4) . وعُدّت فیها المصحف من الحبوة ، فلو لم یکن مالاً أو ملکاً أو لم یکن قابلاً للإنتقال فیکف یرثه الولد الأکبر من والده .

ویؤیدنا أیضاً أنه لو لم یکن کذلک ، فکیف یحکم بالضمان لصاحبه لو أتلف شخص مصحف غیره أو أحدث فیه نقصاً .

ولکن یمکن أن یناقش فی هذه المؤیدات الأربعة بما ذکره جدنا الفقیه الشیخ جعفر قدس سره بقوله : « ولا مانع من تعلّق الملک والتملیک المجانی ، بل التملیک التبعی فیترتّب الضمان لمشتریه علی متلفه ، بل لو قیل بالتملیک الأصلی ، والنهی إنّما هو عن الصوری المنافی للإحترام والآداب ، لم یکن بعیداً ، غیر أنّ العمل علی ظواهر الأدلة أقوی»(5) .

بتوضیح : أنّ المصحف حیث صار ملکاً لمالکه ینتقل منه قهراً بالموت إلی ولده الأکبر ویحکم بضمان متلفه ، بل یجوز بیعه بالکیفیة الخاصة الواردة فی الروایات ، ویمکن أن تکون السیرة القطعیة علی هذه الکیفیة الخاصة . ولذا عبّرنا عن هذه الأربعة بالمؤیدات .

المراد من حرمة بیع المصحف

النهی الوارد فی الروایات تعلَّق بنفس الشراء أو البیع کما فی حسنة أو معتبرة عبد الرحمن بن سیّابة عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سمعته یقول : إنّ المصاحف لن تشتری ،

ص: 275


1- (1) الجواهر 22 / 126 .
2- (2) وسائل الشیعة 26 / 97 ح 1 . الباب 3 من أبواب میراث الأبوین والاولاد .
3- (3) وسائل الشیعة 26 / 97 ح 2 .
4- (4) وسائل الشیعة 26 / 98 ح 3 .
5- (5) شرح القواعد 1 / 265 .

الحدیث(1) .

وفی موثقة سماعة عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لا تشتر کتاب اللّه ، الحدیث(2) .

وفی صحیحة عثمان بن عیسی : لا تشتر کلام اللّه ، الحدیث(3) .

وفی حسنة جراح المدائنی عن أبی عبد اللّه علیه السلام : لا تبع الکتاب ، الحدیث(4) .

وحیث أنّ النهی تعلّق بالبیع والشراء فظهوره فی الحرمة الوضعیة واضح ، أعنی بطلان البیع لا الحرمة التکلیفیة واعترف بذلک المحقق الأردکانی(5) .

فظهوره ممّا ذکرنا فساد القول بأنّ « المراد من الحرمة ما یعمّ الفساد دون مجرد الحکم التکلیفی» أی أن المراد بالحرمة أعمّ من الحرمة الوضعیة والتکلیفیة کماعن المحقق الإیروانی(6) قدس سره ، وفساد القول بأنّ المراد بها الحرمة النفسیة _ أی التکلیفیة _ کما یظهر من الفقیه الیزدی(7) قدس سره .

والحاصل ، لو کنّا والروایات المانعة فقط کان لابدّ من الذهاب إلی بطلان بیع المصحف . ثمّ ورد فی نفس الروایات بیان الکیفیة الخاصة فی بیعه ، وهو بیعه باعتبار الورق والجلد والحدید والدفتین والأدیم والحلیة والدفتر وعمل الید .

ولکن مع ذلک حیث أنّ خط القرآن ونقوش کتابته من الاُمور التی یدور علیها التسمیة فی نظر العرف ، ولذا المصحف عندهم شیءٌ والصحیفة المبارکة السجادیة _ علی منشئها آلاف التحیة والسلام _ مثلاً شیءٌ آخر ، فکیف یمکن البیع مع عدم قصد تلک الخطوط والسطور والکتابة ؟

ص: 276


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 158 ح 1 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 158 ح 2 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 158 ح 3 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 159 ح 7 .
5- (5) غنیة الطالب 1 / 252 .
6- (6) حاشیة المکاسب 1 / 303 .
7- (7) حاشیة المکاسب 1 / 163 .

یمکن التخلص عن هذا الإشکال بأحد وجهین :

الأوّل : أنّ الخطوط والکتابة فی جمیع الکتب من المقوّمات التی تدور علیها التسمیة ، ولکن بعد نهی الشارع من بیع المصحف ، یجری المتعاملین العقد علی الورق والجلد وغیرهما الذی فیه الخطوط والنقوش ، فتدخل الأخیران تبعاً فی ملک المشتری .

وبعبارة اُخری : « لو لا النهی لکانت النقوش جزءاً للمبیع ، بل کانت هی المقصودة الأصلیة من المعاملة ، وکانت غیرها تابعةً ، ولکنّه بملاحظة النهی ینعکس الأمر ، ورعایة التبعیة أمر ممکن قصدها من المتعاوضین ... » . کما قاله المحقق النائینی(1) وتبعه تلمیذه السید الخوئی(2) قدس سرهما ، وأشار إلی هذا الإستدلال الشیخ جعفر(3) وتلمیذه صاحب الجواهر(4) أعلی اللّه مقامهما .

ولکن یمکن أن یناقش فیه : بأنّ النقوش والخطوط من المقوّمات ، وهی المقصودة الأصلیة فی بیع الکتب عموماً والمصحف خصوصاً ، والأصلیة والتبعیّة لیستا من الاُمور القصدیة حتّی یقصدهما المتعاملان ، بل هما من الاُمور المتحققة فی الخارج والمعینة عند عرف أهله ، فقصد المتعاملین لا یفید فی المقام شیئاً .

الثانی : أن یکون المبیع هو الورق والجلد وغیرهما ولکن یشترط المشتری علی البائع فی ضمن العقد أن یملّکه الخطوط والنقوش والکتابة مجاناً ، ولا یلزم التصریح بذلک الشرط ، لأنّه بعد البناء علی حرمة بیع المصحف فالقرینة القطعیة قائمة علی اعتبار ذلک الشرط فی العقد أو صار کالشروط الإرتکازیة فی العقد .

وأشار إلی هذا الإستدلال الشیخ جعفر(5) وتبعه الفقیه الیزدی(6) والمحقق

ص: 277


1- (1) منیة الطالب 1 / 57 .
2- (2) مصباح الفقاهة 1 / 488 .
3- (3) شرح القواعد 1 / 265 حیث قال : « لا مانع ... بل التملیک التبعی» .
4- (4) الجواهر 22 / 126 .
5- (5) شرح القواعد 1 / 265 : حیث قال : « لا مانع من تعلّق الملک والتملیک المجانی» .
6- (6) حاشیة المکاسب 1 / 162 .

الخوئی(1) قدس سرهم .

ثمّ إنّ هاهنا فروعاً کثیرة لابدّ من التنبیه علی بعضها

الأوّل : جواز أخذ الاُجرة علی کتابة القرآن

صرّح بجواز أخذ الاُجرة علیها سلاّر بن عبد العزیز الدیلمی فی المراسم(2) والعلامة فی التحریر(3) والنهایة(4) وتجارات القواعد(5) والتذکرة(6) وإجارتهما(7) وإجارة جامع المقاصد(8) ، وفی إجارتی التذکرة وجامع المقاصد نسبة ذلک إلی أکثر علمائنا . وقال فی الحدائق : « الظاهر أنّه لا خلاف فیه»(9) . ولکن فی النهایة(10) والنافع(11) أنّه مکروه مع الشرط .

وکذا عدّه ابن إدریس فی المکاسب المکروهة وقال : « ... ونسخ المصاحف مع الشرط فی ذلک ومع ارتفاعه فهو حلال طلق ، وهذا مذهب جمیع أصحابنا وعلیه إجماعهم منعقد »(12) .

ص: 278


1- (1) مصباح الفقاهة 1 / 488 .
2- (2) المراسم / 170 .
3- (3) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 261 .
4- (4) نهایة الإحکام 2 / 472 .
5- (5) قواعد الأحکام 2 / 9 .
6- (6) تذکرة الفقهاء 12 / 146 .
7- (7) قواعد الأحکام 2 / 294 وتذکرة الفقهاء 2 / 305 من الطبعة الحجریة .
8- (8) جامع المقاصد 7 / 177 .
9- (9) الحدائق 18 / 220 .
10- (10) النهایة / 367 .
11- (11) المختصر النافع / 117 .
12- (12) السرائر 2 / 223 .

وتدلّ علی جواز أخذ الاُجرة علی کتابة القرآن عدّة من الروایات :

منها : خبر عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّ اُمّ عبد اللّه بن الحارث أرادت أن تکتب مصحفاً ، واشترت ورقاً من عندها ودعت رجلاً فکتب لها علی غیر شرط ، فأعطته حین فرغ خمسین دیناراً ، وأنّه لم تبع المصاحف إلاّ حدیثاً(1) .

رجال السند کلّهم ثقات إلاّ القاسم بن محمد الجوهری لم یذکر لنا توثیقه الخاص وقد ضعّفه العلامة الحلّی(2) والمجلسی(3) والمامقانی(4) ، ولکن لم یرد تضعیفه من القدماء وروی عنه مشایخ الطائفة نحو محمد بن أبی عمیر وصفوان بن یحیی والحسین بن سعید وأبی عبد اللّه البرقی ، ذکره النجاشی وقال : « کوفی سکن بغداد روی عن موسی بن جعفر علیه السلام له کتاب» . ثمّ ذکر سنده المعتبر بل الصحیح إلی کتابه(5) . وذکره الشیخ بعنوان « الکوفی له کتاب» ثمّ ذکر سنده الصحیح إلیه(6) . وله أکثر من سبعین روایة فی الکتب الأربعة ، ولذا لا یبعد حسنه واعتباره عندنا ، فصار السند معتبراً به .

والروایة تدلّ علی جواز أخذ الأجرة علی کتابة القرآن من دون شرط .

ومنها : خبر روح بن عبد الرحیم عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث قال : قلت : ما تری أن أعطی علی کتابته أجراً ؟ قال : لا بأس ، الحدیث(7) .

ومنها : خبر علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن الرجل یکتب المصحف بالأجر ، قال : لا بأس(8) .

ص: 279


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 160 ح 10 .
2- (2) ترتیب خلاصة الأقوال / 341 الرقم 9 .
3- (3) الوجیزة / 141 الرقم 1464 .
4- (4) نتائج التنقیح / 123 .
5- (5) راجع رجال النجاشی / 315 الرقم 862 .
6- (6) الفهرست / 371 الرقم 576 .
7- (7) وسائل الشیعة 17 / 160 ح 9 .
8- (8) وسائل الشیعة 17 / 161 ح 12 .

ومنها : خبر آخر لعلیّ بن جعفر قال : وسألته عن الرجل هل یصلح له أن یکتب المصحف بالأجر ؟ قال : لا بأس(1) .

ومنها : مرسلة دعائم الإسلام عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : ولا بأس أن یکتب بأجر ، الحدیث(2) .

والروایات کما تری کلّها ضعاف ، ولکن ینجبر ضعف أسنادها بالشهرة . والاشتراط لم یذکر إلاّ فی خبر عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه ، ولا یمکن تقیید المطلقات به ، فالأقوی جواز أخذ الاُجرة علی کتابة القرآن مطلقاً ، ولکن الأحوط عدم الاشتراط فیها .

ثمّ فلیعلم علی القول بکراهة أخذ الاُجرة مع الشرط ، تجری فی ما تُسمّی کتابة القرآن ، فلا بأس به فی کتابة آیات التعوّذ والحرز والحفظ ونحوها .

وکذا الکراهة لا تجری بالنسبة إلی إصلاحه وتصحیفه وتجلیده . وهکذا لا تجری بالنسبة إلی غیره من الکتب السماویة أو کتب الحدیث والفقه والتفسیر وغیرها .

الثانی : حکم تعشیر المصحف

المراد به جعل العواشر فیه . وعواشر القرآن : الآی التی یتمّ بها العَشَر ، والعاشرة : حلقة التعشیر من عواشر المصحف ، والمراد بالتعشیر تزیین آخر الآیة العاشرة بالذهب وبترسیم شبهة الدائرة بعدها . کما أنّ المتداول فی زماننا هذا ترسیمها بعد کلّ آیة .

قال العلامة فی التحریر : « یکره تعشیر المصاحف بالذهب ، فیکره الاُجرة علیه»(3) .

وکذا أفتی بکراهته فی القواعد(4) ، وسیأتی کلامه فی التذکرة ، وتبعه المحقق الثانی(5)

ص: 280


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 161 ح 13 .
2- (2) مستدرک الوسائل 13 / 118 .
3- (3) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 266 .
4- (4) قواعد الأحکام 2 / 6 .
5- (5) جامع المقاصد 4 / 10 .

والفیض الکاشانی(1) وأصحاب الکفایة(2) والحدائق(3) والریاض(4) وشرح القواعد(5) والمفتاح(6) .

وقد ورد النهی عن ذلک فی بعض الروایات :

منها : موثقة سماعة قال : سألته عن رجل یعشّر المصاحف بالذهب ؟ فقال : لا یصلح ، فقال : إنّه معیشتی ، فقال : إنّک إن ترکته للّه جعل اللّه لک مخرجاً(7) .

یشمّ من الروایة کراهة تعشیر المصحف بالذهب ، والقرینة علیها قوله علیه السلام : « لا یصلح» و« إن ترکته» ولو کان حراماً فلابدَّ من ترکه .

ومنها : خبر محمّد بن الوراق قال : عرضتُ علی أبی عبد اللّه علیه السلام کتاباً فیه القرآن مختّم معشّر بالذهب وکتب فی آخر سورة بالذهب فأریته إیّاه ، فلم یَعِبْ فیه شیئاً إلاّ کتابة القرآن بالذهب ، فإنّه قال : لا یعجبنی أن یکتب القرآن إلاّ بالسواد کما کتب أوّل مرّة(8) .

ومنها : خبر داود بن سرحان عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لیس بتحلیة المصاحف والسیوف بالذهب والفضة بأس(9) .

ظهور الروایات - مع فهم الأصحاب وإفتائهم - یدلّ علی کراهة تعشیر المصحف بالذهب .

ص: 281


1- (1) مفاتیح الشرائع 3 / 14 .
2- (2) الکفایة 1 / 445 .
3- (3) الحدائق 18 / 220 .
4- (4) ریاض المسائل 8 / 175 .
5- (5) شرح القواعد 1 / 115 .
6- (6) مفتاح الکرامة 12 / 30 .
7- (7) وسائل الشیعة 17 / 162 ح 1 . الباب 32 من أبواب ما یکتسب به .
8- (8) وسائل الشیعة 17 / 162 ح 2 .
9- (9) وسائل الشیعة 5 / 105 ح 3 . الباب 64 من أبواب أحکام الملابس .

تذییلٌ :

قال الشیخ علی : « وکتابة القرآن بالذهب أشدّ کراهة ، والظاهر أنّ کتبة الأحزاب بالذهب وجدوله به ونقشه کالتعشیر»(1) .

وقال الشیخ جعفر : « وإلحاق تذهیب الأجزاء والأنصاف والأحزاب والجداول ونحوها بالتعشیر غیر بعید»(2) .

ولکن قال العلامة فی نهایته : « نعم یحرم نقشه بالذهب»(3) .

وقال فی التذکرة : « یحرم تعشیر المصاحف بالذهب وزخرفتها _ ثمّ ذکر موثقة سماعة الماضیة وقال : _ والأولی عندی الکراهة دون التحریم ، عملاً بالأصل واستضعافاً للروایة ، لأنّها غیر مستندة إلی إمام والرواة ضعفاء . ویکره کِتْبة القرآن بالذهب _ ثم ذکر خبر محمّد بن الوراق _ »(4) .

أقول : الظاهر أنّ متابعة الشیخین من حیث الأدلة تامة ، ویمکن الحکم بکراهة تعشیر المصحف وتذهیب الأجزاء والأنصاف والأحزاب وکتابته بالذهب(5) ، بل لا یبعد القول بکراهة کتابة القرآن بغیر سواد ، کما اختاره فی الحدائق(6) والمفتاح(7) واللّه العالم .

الثالث : هل یملّک الکافر للمصحف

یظهر من الشیخ الطوسی قدس سره فی فصل حکم ما یغنم ومالا یغنم من جهاد المبسوط تملّک الکافر للمصحف ، حیث یقول : « إذا وجد فی المغنم کتب نُظر فیها فإن کانت مباحة یجوز إقرار الید علیها مثل کتب الطب والشعر واللغة والمکاتبات فجمیع ذلک غنیمة ، وکذلک المصاحف

ص: 282


1- (1) جامع المقاصد 4 / 10 .
2- (2) شرح القواعد 1 / 115 .
3- (3) نهایة الإحکام 2 / 472 .
4- (4) تذکرة الفقهاء 12 / 146 مسألة 652 .
5- (5) کما ذهب إلی الأخیر المحقق السبزواری فی الکفایة 1 / 445 .
6- (6) الحدائق 18 / 220 .
7- (7) مفتاح الکرامة 12 / 30 .

وعلوم الشریعة کالفقه والحدیث ونحوه ، لأنّ هذا مالٌ یُباع ویُشتری کالثیاب ... »(1) .

ولو لم یدخل المصحف فی ملک الکافر فلا وجه لدخوله فی الغنیمة ، بل یکون من قبیل مجهول المالک ، ولکن الشیخ نظر إلیه بعنوان الغنیمة .

وإرادة غیر القرآن من المصاحف المذکور فی کلامه بعیدة ، کما نبّه علیه الشیخ الأعظم(2) قدس سره .

مضافاً إلی أنّ الأصل الأوّلی فی المقام هو الجواز ، وهو تملّک کلّ شخصٍ لأیّ مال إلاّ ما خرج بالدلیل ، والمصحف ملکٌ ومالٌ فیجوز لکلِّ شخصٍ تملّکه حتّی الکافر ، وإنّا لم نجد ما یدلّ علی حرمة تملک الکافر للمصحف کما اعترف به المحقق الخوئی(3) قدس سره .

ولکن یظهر من الشیخ جعفر قدس سره عدم تملّکه المصحف حیث یقول : « ولو تعقّب الکُفر الملک أبطله وبقی بلا مالک »(4) .

والأوّل هو الأظهر .

الرابع : بیع المصحف من الکافر

هل یصح بیع المصحف من الکافر أم لا ؟ ذهب إلی البطلان الشیخ فی المبسوط(5) والمحقق فی الشرائع(6) وابن أخته العلاّمة فی القواعد(7) والتحریر(8) والإرشاد(9) والنهایة(10)

ص: 283


1- (1) المبسوط 2 / 30 .
2- (2) المکاسب 2 / 162 .
3- (3) مصباح الفقاهة 1 / 490 .
4- (4) شرح القواعد 1 / 267 .
5- (5) المبسوط 2 / 62 .
6- (6) شرائع الإسلام 1 / 305 .
7- (7) قواعد الأحکام 2 / 9 .
8- (8) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 261 .
9- (9) إرشاد الأذهان 1 / 360 .
10- (10) نهایة الإحکام 2 / 456 .

والتذکرة(1) ، وولده فی إیضاح الفوائد(2) وابن اخته السید عمید الدین فی کنز الفوائد(3) والشهید فی الدروس(4) واللمعة(5) والمحقق الثانی فی جامع المقاصد(6) وثانی الشهیدین فی المسالک(7) والروضة(8) والأردبیلی فی مجمع الفائدة(9) والشیخ یوسف فی الحدائق(10) والشیخ جعفر فی شرح القواعد(11) .

ویمکن القول بصحة البیع کما حکاه المحقق فی الشرائع(12) والعلاّمة عن بعض أصحابنا فی التحریر وقال : « وقال بعض أصحابنا یجوز ویجبر علی بیعه»(13) . وکذا احتمله فی النهایة وقال : « ویحتمل الصحة فیقهر علی بیعه»(14) . وقال المحقق الثانی : « وقیل : یَصِحُّ ویؤمر ببیعه»(15) ونحوها فی الحدائق(16) ، ولکن قال فی المفتاح : « لم أجد القائل بصحة البیع وإجباره علی بیعه . نعم قد قیل ذلک فی العبد المسلم ، فتأمل ، ولعلّ الفرق أنّ القرآن أعظم حرمةً»(17) .

ص: 284


1- (1) تذکرة الفقهاء 10 / 23 .
2- (2) إیضاح الفوائد 1 / 407 .
3- (3) کنز الفوائد 1 / 377 .
4- (4) الدروس الشرعیة 3 / 175 .
5- (5) اللمعة الدمشقیة / 111 .
6- (6) جامع المقاصد 4 / 33 .
7- (7) المسالک 3 / 166 .
8- (8) الروضة البهیة 3 / 243 .
9- (9) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 161 .
10- (10) الحدائق 18 / 428 .
11- (11) شرح القواعد 1 / 267 و 2 / 51 .
12- (12) شرائع الإسلام 1 / 305 .
13- (13) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 261 .
14- (14) نهایة الإحکام 2 / 457 .
15- (15) جامع المقاصد 4 / 33 .
16- (16) الحدائق 18 / 428 .
17- (17) مفتاح الکرامة 12 / 277 .

وکیف ما کان فقد استدلّ علی البطلان بوجوه :

الاستدلال علی البطلان بوجوه

الأوّل : فحوی ما دلّ علی عدم تملّک الکافر للمسلم

ذهب الفقهاء إلی عدم تملّک الکافر المسلمَ ، قال الشیخ : « لا یجوز لکافر أن یشتری عبداً مسلماً ولا یثبت ملکه علیه ، وفیه خلاف لقوله تعالی : «وَلَن یَجْعَلَ اللّهُ لِلْکَافِرِینَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ سَبِیلاً»(1) »(2) .

والآیة الشریفة کافیة فی الاستدلال لعدم تملّک الکافر المسلم ، لأنّ تملّکه إیّاه ذلّ وسبیل إلیه وقد نفته الآیة الشریفة . ویؤیدها مرفوعة حماد بن عیسی عن أبی عبد اللّه علیه السلام : أنّ أمیر المؤمنین اُتی بعبد لذمّیّ وقد أسلم ، فقال : إذهبوا فبیعوه من المسلمین وادفعوا ثمنه إلی صاحبه ولا تقرّوه عنده(3) .

وحیث لا یجوز للکافر تملّک المسلم فبالطریق الأولی لا یجوز تملّک المصحف الذی هو کلام اللّه تعالی .

قرّبنا الشیخ جعفر قدس سره هذا الاستدلال بقوله : « أنّ منع تملّک الکافر لأهل الإیمان _ للزوم الإهانة بثبوت السلطان _ یتمشّی بطریق الاُولویة إلی القرآن ، مع أنّ الإهانة له عین الإهانة للإسلام والإیمان»(4) .

وفیه : تملّک الکافر المسلم ذلّ واستخفاف علیه ، ولکن تملّکه للمصحف لا یکون کذلک ، بل ربّما یزید فی احترامه کما إذا جعله فی مکان نظیف ویراجع آیاته وبراهینه وقصصه وحکایاته وأحکامه ، ولعلّ ذلک یوجب هدایته إلی الإسلام ولذا تأمّل الشیخ الأعظم فی هذا الدلیل ومنعه فی بیعه(5) .

ص: 285


1- (1) سورة النساء / 141 .
2- (2) المبسوط 2 / 167 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 380 ح 1 . الباب 28 من أبواب عقد البیع _ ووسائل الشیعة 23 / 109 ح 1 . الباب 73 من أبواب کتاب العتق .
4- (4) شرح القواعد 2 / 51 .
5- (5) المکاسب 3 / 602 .
الثانی : النبوی المشهور « الإسلام یعلو ولا یُعلی علیه »

روی الصدوق مرسلاً عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : الإسلام یعلو ولا یُعلی علیه(1) . بتقریب : أنّ تملّک الکافر للمصحف یوجب الاستعلاء علی الإسلام فلا یجوز .

ونقل الشیخ الأعظم عن الشیخ الطوسی(2) استدلاله بالنبوی علی عدم تملّک الکافر للمسلم ثم زاد علیه : « ومن المعلوم أنّ ملک الکافر للمسلم إن کان علوّاً علی الإسلام فملکه للمصحف أشدّ علوّاً علیه»(3) .

وفیه : أوّلاً : هذه الروایة مرسلة لیس لها سند .

ویمکن أن یناقش فی هذا الجواب : بأنّ شهرتها عند العامة والخاصة کافیة عن السند .

وثانیاً : لا تتمّ دلالة هذه الروایة علی المطلوب ، قال الفقیه الیزدی : « هذا الخبر یُحتمل معان خمسة : أحدها : بیان کون الإسلام أشرف المذاهب ، وهو خلاف الظاهر جداً .

الثانی : بیان أنّه یعلو من حیث الحجة والبرهان .

الثالث : أنّه یعلو بمعنی یغلب علی سائر الأدیان .

الرابع : أنّه لا ینسخ .

الخامس : ما أراده الفقهاء من إرادة بیان الحکم الشرعی الجعلی بعدم علو غیره علیه . وإذا جاء الاحتمال بطل الإستدلال فتدبّر»(4) .

وثالثاً : علی فرض تمامیة السند والدلالة فمجرد تملّک الکافر المصحف لا یکون علوّاً للکفر علی الإسلام ، کما أنّ مجرد تملّک المسلم التوراة والأنجیل لا یکون علوّاً للإسلام علی الکفر ، کما نبّه علی ذلک شیخنا الأستاذ(5) _ مدظله _ .

ص: 286


1- (1) الفقیه 4 / 334 ح 5719 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 26 / 14 ح 11 . الباب 1 من أبواب موانع الإرث .
2- (2) ذکره الشیخ الطوسی فی الخلاف 6 / 419 .
3- (3) المکاسب 2 / 162 .
4- (4) حاشیة المکاسب 1 / 164 .
5- (5) إرشاد الطالب 1 / 311 .
الثالث : بیع المصحف من الکافر یوجب هتکه واستخفافه

بتقریب : أنّ الکافر لا یبالی بهتک حرمات اللّه وبیعه المصحف یوجب تسلیطه علیه وهتکه . وهکذا من الواجبات تعظیم کلام اللّه تعالی ولکن بیعه من الکافر استخفاف ، لأنّ الظن حاصل بأنّ الکافر یستخف بالقرآن ویستهین به ، کما أشار إلی الأخیر الوحید البهبهانی(1) قدس سره .

وتبعه تلمیذه الشیخ جعفر وقال : « والأصل فی أصل هذا الحکم لزوم الإهانة ومنافاة التعظیم الباعث علی تحریم تملیکه»(2) .

وفیه : نعم لا یجوز هتک القرآن واستخفافه ، ولکن بینهما وبین بیعه من الکافر عموماً من وجه ، کما إذا اشتراه الکافر واحترمه فوق ما یحترمه نوع المسلمین وجعله فی مکتبة نظیفة . مضافاً إلی أن الهتک یتحقق بتسلیطه علی المصحف خارجاً لا علی مجرد بیعه منه ، ولذا ناقش صاحب الجواهر هذا الحکم بقوله : « لإمکان منع منافاة ملکیة الکافر للإحترام ، خصوصاً إذا اتخذه هو علی جهة التبجیل والتبرک والاحترام ، کما یصنعه بعض النصاری فی تراب الحسین علیه السلام عند الطوفان»(3) .

الرابع : بیعه من الکافر یستلزم تنجّسه

بیع المصحف من الکافر یستلزم تنجّسه ، للعلم العادی بمسّ الکافر إیّاه بالرطوبة ، فیکون حراماً من هذه الجهة .

وفیه : أوّلاً : بین تنجّس المصحف وبیعه من الکافر عموماً من وجه .

وثانیاً : علی فرض تمامیة الإستدلال إنّما یتم إذا حکمنا بحرمة الإعانة علی الإثم ، وقد مرّ منّا المناقشة فیها .

تنبیه : لو تمت هذه الأدلة الأربعة _ ولم تتم _ لا تدلّ إلاّ علی حرمة بیعه من الکافر

ص: 287


1- (1) حاشیة مجمع الفائدة والبرهان / 94 .
2- (2) شرح القواعد 2 / 51 .
3- (3) الجواهر 22 / 340 .

تکلیفاً ، وبین الحرمة التکلیفیة والحرمة الوضعیة بون بعید ، لعدم التلازم بینهما .

والحاصل ، أنّ للمناقشة فی هذا الحکم مجالاً واسعاً کما ذهب إلیه صاحب الجواهر وقال : « بل لا یخلو أصل المسألة من ذلک (أی من بحث) أیضاً »(1) .

الخامس : حکم بیع أبعاض المصحف

إذا قلنا بحرمة بیع المصحف أو کراهته فهل یختص الحکم بمجموعه أو یسری إلی الأبعاض أیضاً ؟

قال الشیخ جعفر : « مصحفاً أو أبعاضه المنفصلة أو المتصلة بما لا یغلب علیه اسمه _ وفیالغالب إشکال _ غیر منسوخة التلاوة _ وفی المنسوخ منها بحث _ منسوخة الحکم أولا ، ومع الإشتراک فالمدار علی قصد الکاتب ، ومع الشک فالعمل علی أصل الإباحة . والمحافظة علی جادّة الإحتیاط فیه _ کما فی الخالی عن القصد _ اُولی»(2) .

ونقل هذا البیان صاحب الجواهر عن اُستاده فی کتابه(3) فراجعه .

وقال صاحب المفتاح : « ولا ریب أنّ أبعاض المصحف کالمصحف عندهم ، فلا یفرّق فیها بین المجتمع والمتفرّق ، وفی إطلاق کلامهم ما یعطی أنّه یُطلق علی البعض والکلّ ، وهو الموافق لکلام أهل اللغة»(4) .

أقول : المصحف لغةً وعرفاً یُطلق علی البعض والأجزاء ، وتدلّ علیه أیضاً خبر سماعة بن مهران عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث : وإیّاک أن تشتری منه الورق وفیه القرآن مکتوب فیکون علیک حراماً وعلی من باعه حراماً(5) .

فعلیه ما یجری فی حقّ الکل یجری فی حق الأجزاء أیضاً ولکن إذا کانت مستقلة ، وأمّا

ص: 288


1- (1) الجواهر 22 / 340 .
2- (2) شرح القواعد 2 / 51 .
3- (3) الجواهر 22 / 338 .
4- (4) مفتاح الکرامة 12 / 275 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 161 ح 11 .

المتفرقة فلا یبعد عدم اللحوق کما عن الشیخ الأعظم(1) قدس سره .

السادس : هل تلحق الأحادیث بالمصحف ؟

ألحقها به الشیخ فی المبسوط(2) ، ولکن صریح المحقق فی الشرائع(3) الکراهة ونسبه الصیمری(4) إلی المشهور ، وتردّد العلاّمة فی التذکرة(5) فی الإلحاق وعدمه ، ولکن قال فی نهایته : « وهل تجری الأحادیث عن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وأهل بیته علیهم السلام مجری المصحف فی المنع من البیع ؟ إشکال ، فإن قلنا به منعنا من الکتب المشتملة علی الأخبار والآثار من کتب الفقه دون غیرها»(6) .

وذهب ولده فی « شرح الإرشاد» إلی جواز بیع الأحادیث النبویة علی الکافر(7) .

ولکن المحقق الثانی ألحقها بالمصحف فی « فوائد الشرائع» وقال : «التحریم وبطلان البیع اُولی وأحوط ، ولا تکاد الأحادیث تخلو من الآیات القرآنیة فالمنع لا یخلو من قوّة »(8) .

وقال الشیخ جعفر : « وتسریة الحکم إلی الکتب المحترمة من کتب الحدیث والفقه والدعوات ونحوها غیر بعید»(9) .

وقال أیضاً : « ویقوی إلحاق کتب الحدیث والتفسیر والفقه والمزارات والخطب والمواعظ والدعوات والتربة الحسینیة وتراب الضرائح المقدسة ورضاض الصنادیق

ص: 289


1- (1) المکاسب 2 / 163 .
2- (2) المبسوط 2 / 62 .
3- (3) الشرائع 1 / 306 .
4- (4) غایة المرام 1 / 540 ونقل عنه الشیخ الأعظم فی بیع المکاسب 3 / 602 .
5- (5) تذکرة الفقهاء 10 / 23 .
6- (6) نهایة الإحکام 2 / 457 .
7- (7) نقل عنه صاحب مفتاح الکرامة 12 / 277 .
8- (8) فوائد الشرائع ، المطبوع ضمن حیاة المحقق الکرکی وآثاره 11 / 103 .
9- (9) شرح القواعد 1 / 267 .

الشریفة وثوب الکعبة زاد اللّه شرفها»(1) .

وذهب إلی الإلحاق تلمیذه صاحب مفتاح الکرامة(2) .

ولم یختر الشیخ الأعظم(3) قدس سره فی المقام شیئاً وکذا فی بیعه(4) ولکن قال فیه : « ولا یبعد أن یکون الأحادیث المنسوبة إلی النبی صلی الله علیه و آله وسلم من طرق الآحاد حکمها حکم ما عُلم صدوره منه ، وإن کان ظاهر ما ألحقوه بالمصحف هو أقوال النبی صلی الله علیه و آله وسلم المعلوم صدورها عنه » .

أقول : ما ذکره متینٌ وحیث ذهبنا إلی جواز بیع المصحف من الکافر فالجواز فی کتب أحادیث الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وأهل بیته علیهم السلام یجری مجری المصحف بطریق أولی ، کما ذهب إلی الجواز فخر المحققین قدس سره .

نعم ، لو تمت الأدلة هناک یقوی الإلحاق کما سمعت من الشیخ جعفر . وعلی الإلحاق لا فرق بین الأحادیث النبویة وغیرها ، کما ذکره جدنا الشیخ جعفر وعمّم الحکم .

السابع : هل یلحق اسم النبی صلی الله علیه و آله وسلم وآله علیهم السلام بأحادیثهم ؟

علی فرض لحوق الأحادیث بالمصحف الشریف فهل تلحق أسماء النبی صلی الله علیه و آله وسلم والأئمة علیهم السلام واُمّهم فاطمة الزهراء علیهاالسلام بأحادیثهم أم لا ؟

استشهد الشیخ الأعظم(5) قدس سره باللحوق بطریق الاُولویة ، لأنّ اسمه صلی الله علیه و آله وسلم أعظم من کلامه . ثمّ فرّع علیه الإشکال فی تملّک الکفار الدراهم والدنانیر المکتوبة علیها اسم النبی صلی الله علیه و آله وسلم ، ثمّ أجاب عن الإشکال بأنّ الثمن أو جزءه لا یقع بازاء اسمه صلی الله علیه و آله وسلم ، فالإسم ینتقل إلی البائع تبعاً .

ثمّ استشکل فی جوابه بأن یقال : مناط الحرمة هو التسلیط الخارجی لا المعاوضة ولا

ص: 290


1- (1) شرح القواعد 2 / 51 .
2- (2) مفتاح الکرامة 12 / 277 .
3- (3) المکاسب 2 / 163 .
4- (4) المکاسب 3 / 602 .
5- (5) المکاسب 2 / 163 و 164 .

التملیک ، مضافاً إلی وجود العلم العادی بمسّ الکافر إیّاه مع الرطوبة .

وفیه : أولاً : نحن ذهبنا إلی عدم إلحاق الأحادیث النبویة وغیرها بالمصحف الشریف ، فنحن فی فسحة من هذا البحث .

وثانیاً : بمنع أعظمیة اسمه صلی الله علیه و آله وسلم علی کلامه ، ولا أقل من أنّها غیر معلومة . « ومجرد جواز مسّ المحدِّث لکلامه دون اسمه صلی الله علیه و آله وسلم لا یکون شاهداً علی الأعظمیة وإلاّ کان اسمه صلی الله علیه و آله وسلم أعظم من نفسه صلی الله علیه و آله وسلم الجائز مسّه بلا وضوء» کما نبّه علیه المحقق الإیروانی(1) قدس سره .

ثالثاً : یمکن أن یقع بإزاء أسمائهم علیهم السلام جزءٌ من الثمن ، کما یظهر ذلک من خبر دعبل بن علی الخزاعی(2) فی الدنانیر الرضویة ، حیث باع کلّ دینار منها بمائة درهم لأن اسم الإمام الهمام علی بن موسی الرضا علیه آلاف التحیة والثناء کان مضروباً علیها .

ورابعاً : علی فرض تمامیة الأعظمیة ، الحرمة تجری بالنسبة إلی التسلیط أو التنجیس الخارجیین لا المعاوضة والتملیک ، وعلی هذا لا بأس بهما .

وخامساً : السیرة المستمرة بین المسلمین تنفی هذا اللحوق من جریان المعاوضة والمبایعة علی الدراهم والدنانیر المکتوبة علیها اسم النبی صلی الله علیه و آله وسلم وأهل بیته علیهم السلام .

الثامن : هبة المصحف

علی القول بحرمة بیع المصحف فهل یجوز هبته أم لا ؟

الظاهر عدم وجود إشکال فی جواز هبة المصحف مجاناً ، وأمّا الهبة المعوّضة فیمکن الحکم بالجواز ، لأنّ الأدلة المانعة تختص بالبیع فقط ، بل یمکن أن یقال : بأنّ العوض یقابل الهبة لا المصحف . ویمکن الحکم بالمنع ، لأنّ المستفاد من الأدلة حصول الهتک بالمصحف إذا قوبل بمال سواء فی البیع أو غیره ، لأنّ العوض فی الهبة أیضاً یصدق علیه العوض عرفاً ، فلا تجوز الهبة المعوّضة بالنسبة إلی المصحف .

ص: 291


1- (1) حاشیة المکاسب 1 / 307 .
2- (2) راجع فی هذا المجال کتابنا : « الأربعون حدیثاً فی مَنْ یملأ الارض قسطاً وعدلاً» / 39 _ وکمال الدین وتمام النعمة / (376 _ 372) .

وهذا البیان یجری فی تملیک المصحف بنحو الشرط فی ضمن العقد من أنّ الشرط لا یقابل بالعوض ، ومن صدق أخذ العوض عرفاً .

ولکن ما یتمّ عندنا من الأدلة جواز الهبة المعوّضة ، لأنّ الأدلة المانعة _ لو تمت _ تجری بالنسبة إلی البیع فقط . وکذا یجوز تملیک المصحف بنحو الشرط فی ضمن العقد ، لأنّ الشروط لا تقابل بجزءٍ من الثمن .

فظهر ممّا ذکرنا جواز جعل المصحف عوضاً فی الإجارة أو الجُعالة أو جعله صِداقاً أو جزءً من الصداق . وقد أشار إلی هذا الفرع الفقیه الیزدی(1) والمحقق الأردکانی(2) قدس سرهما .

التاسع : ما المراد من الهدیّة فی معاملة المصحف ؟

المتعارف عند المتشرعة فی بیع المصحف أنّهم یسمّون ثمن القرآن هدیّة ، والمراد بها تملیک القرآن مجاناً من طرف البائع وبذل الثمن مجاناً أیضاً من طرف المشتری . لأنّهم یراعون الأدب بالنسبة إلی آیات اللّه تعالی ولا یجعلونها مورداً للبیع کسائر الأمتعة ، وهم یرون کلام اللّه أرفع من أن یقابل بالثمن ، ولذا یعبرون عن معاملة المصحف باسم الهدیّة .

وهذه المعاملة لیس بها بأس وحتّی علی القول بحرمة بیع المصحف یمکن التخلص عن الحرام بهذه الهدیّة ، کما نبّه علیه الفقیه الیزدی(3) قدس سره .

وقد مرّ منّا جواز المهاباة المعوّضة بالنسبة إلی المصحف فی الفرع السابق آنفاً ، ویمکن أن تُعد الهدیّةُ منها .

وکذا یجوز مبادلة المصحف بالمصحف وإن کان مع أحدهما شیء آخر ، لانصراف دلیل المنع عنه _ لو تمّ _ کما اعترف به الفقیه الیزدی(4) قدس سره أیضاً .

ص: 292


1- (1) حاشیة المکاسب 1 / 163 .
2- (2) غنیة الطالب 1 / 251 .
3- (3) حاشیة المکاسب 1 / 162 .
4- (4) حاشیة المکاسب 1 / 163 .
العاشر : هل یثبت الخیار بالعیب فی الخط ؟

علی القول بحرمة بیع المصحف لو ظهر عیب فی الکتابة والخط فهل یثبت خیار العیب أم لا ؟

وجهان : من أنّ الخط والکتابة والسواد علی القول بالمنع یدخل فی الملک تبعاً ، فلم یلاحظ فی البیع ، فلا یقع فی مقابله جزءٌ من الثمن ، فإذا بان معیوباً لم یثبت به الخیار .

لا یقال : یکفی فی إثبات الخیار کون الخط والکتابة والسواد هو الداعی ا¨لی البیع .

لأنّا نقول : تخلف الداعی فی البیع لا یوجب الخیار کما هو واضح .

ومن أنّ العیب فی الخط أیضاً عیب فی المصحف فیثبت به خیار العیب .

ولکن الظاهر أنه علی القول بالمنع لا یثبت الخیار ، کما ذهب إلیه الفقیه الیزدی(1) والمحقق الأردکانی(2) ، وعلی القول بالجواز یثبت الخیار .

وحیث ذهبنا إلی جواز بیع المصحف فإذا ظهر العیب فی الخط یثبت به خیار العیب للمشتری ، واللّه سبحانه هو العالم .

وإلی هنا تمّ البحث حول بیع المصحف والحمد للّه .

ص: 293


1- (1) حاشیة المکاسب 1 / 163 .
2- (2) غنیة الطالب 1 / 252 .

الثانیة : جوائز السلطان وعمّاله

اشارة

قبل الورد فی البحث لابدّ من استعراض کلمات الأصحاب قدس اللّه أسرارهم فی المقام ، فلذا نقول :

قال الشیخ : « ... وإن کان (الأرزاق والجوائز والصلات) من جهة سلطان الجور فقد رُخِّص له فی قبول ذلک من جهتِهم ، لأنّ له حظَّاً فی بیت المال ویجتهِدُ أن یُخْرِجَ من جمیع ما یَحْصُلُ له من جهتهم الخمس ، ویضعه فی أربابه ، والباقی یُواسی منه إخوانه من المؤمنین ویَصِلُهم ببعضه وینتفع هو بالبعض . ولا یجوز له أن یَقْبَلَ من جوائزهم وصلاتهم ما یَعْلُمُه ظلماً وغصباً ویتعیّنُ له ، فإن لم یتعیّن له ذلک - وإن عَلِمَ أنّ المجیز له ظالم - لم یکن به بأسٌ بقبول جوائزه ویکون مباحاً له والإثم علی ظالمه . إلی أن قال : فإن خاف من ردّ جوائزهم التی یَعْلَمُها غصباً علی نفسه وماله ، فَلْیَقْبلها فإن أمکنه أن یردّها إلی أربابها فعل ، وإن لم یتمکّن من ذلک تصدّق بها عن صاحبها»(1) .

وقال ابن إدریس الحلی : « ... فإذا کان الأمر فی التقیة ما ذکرناه جاز له قبول جوائزه وصلاته ما لم یعلم أنّ ذلک ظلم بعینه ، فإذا لم یعلم أنّه بعینه ظلم فلا بأس بقبوله وإن کان المجیز له ظالماً ، وینبغی له أن یُخرج الخمس من کلّ ما یحصل من ذلک ویوصله إلی أربابه ومستحقیه ، وینبغی له أن یصل إخوانه من الباقی بشی ءٍ ویتصرف هو فی منافعه بالبعض الذی یبقی من ذلک ... فإنْ خاف من ردّ جوائزهم وصلاتهم التی یعلمها ظلماً بأعیانها وغصباً ، علی نفسه وماله جاز له قبولها عند هذه الحال ویجب علیه ردّها علی أربابها إن عرفهم ، فإن لم یعرفهم عرّف ذلک المال واجتهد فی طلبهم . وقد روی(2) أصحابنا أنّه یتصدق به عنهم ویکون

ص: 294


1- (1) النهایة / 358 و 357 .
2- (2) نحو خبر علی بن أبی حمزة البطائنی راجع وسائل الشیعة 17 / 199 ح 1 . الباب 47 من أبواب ما یکتسب به .

ضامناً إذا لم یرضوا بما فعل . والإحتیاط حفظه والوصیة به . وقد رُوی(1) أنّه یکون بمنزلة اللقطة ، وهذا بعید من الصواب ، لأنّ إلحاق ذلک باللقطة یحتاج إلی دلیل»(2) .

وقال المحقق فی الشرائع : « جوائز الجائر إن عُلمت حراماً بعینها فهی حرام [ وإلاّ فهی حلال ] فإن قبضها أعادها علی المالک ، وإن جهله أو تعذّر الوصول إلیه تصدّق بها عنه ، ولا یجوز إعادتها علی غیر مالکها مع الإمکان»(3) .

وقال فی المختصر : « جوائز الظالم محرّمة إن علمت بعینها وإلاّ فهی حلال»(4) .

قال العلامة فی التذکرة : «جوائز الجائر إن علمت حراماً لغصبٍ وظلمٍ وشبهه حرم أخذها ، فإنْ أخذها وجب علیه ردّها علی المالک إن عرفه ، وإن لم یعرفه تصدّق بها عنه ویضمن أو احتفظها أمانةً فی یده أو دفعها إلی الحاکم . ولا یجوز له إعادتها إلی الظالم ، فإن أعادها ضمن ، إلاّ أن یقهره الظالم علی أخذها فیزول التحریم . وأمّا الضمان فإن کان قد قبضها اختیاراً لم یزل عنه بأخذ الظالم لها کرهاً ، وإن کان قد قبضها مکرهاً زال الضمان أیضاً . وإن لم یعلم تحریمها کانت حلالاً بناءً علی الأصل ... »(5) .

وقال فی النهایة : «وأمّا جوائز الجائر فإن علمت بعینها حراماً ، فهی حرام فإن قبضها أعادها علی المالک ، فإن جهله أو تعذّر الوصول إلیه تصدّق بها عنه ، ولا یجوز إعادتها علی غیر مالکها ، وإن لم یعلم حراماً جاز تناولها ... وینبغی الصدقة ببعضها وأن یواسی إخوانه المؤمنین ، والأقرب أنّه علی سبیل الإستحباب»(6) .

وقال فی التحریر : « وجوائز الجائر إن علمت حراماً وجب دفعها إلی أربابها مع

ص: 295


1- (1) نحو خبر حفص بن غیاث المروی فی وسائل الشیعة 25 / 463 ح 1 . الباب 18 من أبواب کتاب اللقطة .
2- (2) السرائر 2 / 204 و 203 .
3- (3) الشرائع 2 / 6 .
4- (4) المختصر النافع / 118 .
5- (5) تذکرة الفقهاء 12 / 152 مسألة 658 .
6- (6) نهایة الإحکام 2 / 527 و 526 .

المکنة ، ومع عدمه یتصدّق بها عنه ، ولو لم یعلم تحریمها جاز تناولها ، وینبغی إخراج الخمس منها ویصل إخوانه من الباقی»(1) .

وقال فی القواعد : « جوائز الجائر إن عُلمت غصباً حرمت ، وتُعاد علی المالک إن قبضها ، فإن جهله تصدّق بها عنه ، ولا یجوز إعادتها إلی الظالم اختیاراً»(2) .

أقول : ونحو هذه العبائر فی منتهی المطلب(3) .

وقال الشهید فی الدروس : « و[ یجوز ] تناول الجائزة منه [ أی من الظالم ] إذا لم یعلم غصبیّتها ، وإن علم ردّت علی المالک ، فإن جهله تصدّق بها عنه ، واحتاط ابن إدریس بحفظها والوصیة بها ، وروی أنّها کاللقطة ، قال [ ابن إدریس ] : وینبغی إخراج خمسها والصدقة علی إخوانه منها ، والظاهر أنّه أراد الإستحباب فی الصدقة . وترک أخذ ذلک من الظالم مع الإختیار أفضل . ولا یعارضه أخذ الحسنین علیهماالسلام جوائز معاویة ، لأنّ ذلک من حقوقهم بالأصالة»(4) .

وقال ثانی الشهیدین معلِّقاً علی عبارة الشرائع : « التقیید بالعین إشارة إلی جواز أخذها وإن علم أنّ فی ماله مظالم کما هو مقتضی حال الظالم ، ولا یکون حکمه حکم المال المختلط بالحرام فی وجوب اجتناب الجمیع للنص علی ذلک . نعم یکره أخذها حینئذٍ»(5) .

وقال المحقق الأردبیلی : « الظاهر أنّه یجوز قبول ما لم یعلم کونه حراماً علی کراهیة ، وإن علم کونه حلالاً فلا کراهة . ولا یبعد قبول قوله فی ذلک ، خصوصاً مع القرائن ، بأن یقول : هذا من زراعتی أو من تجارتی أو أنّه اقترضت من فلان ، وغیر ذلک ممّا علم حلیّة ذلک من غیر شبهة وقول وکیله المأمون حین یعطی وغیر ذلک ، والظاهر أنّ کونه زکاةً کذلک ، ولا ینبغی ردّه لما مرّ ، والظاهر أنّه کذلک سائر الواجبات . وإذا کان مشتبهاً محتملاً للأمرین فالظاهر أنّه مکروه (للشبهة ، ن . ل) ویمکن استحباب إخراج خمسه ، ومواساة الإخوان لتزول کما تدلّ

ص: 296


1- (1) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 271 .
2- (2) القواعد 2 / 12 .
3- (3) منتهی المطلب 2 / 1025 من الطبع الحجری .
4- (4) الدروس الشرعیة 3 / 170 .
5- (5) مسالک الإفهام 3 / 141 .

علیه الروایات وکلمات الأصحاب ... ولا شبهة فی أنّ الإجتناب أولی ، وهو واضح عقلاً ونقلاً ولا یحتاج إلی البحث ... إلاّ أنّه یخطر بالبال أنّه قد یکون الأخذ والقبول وصرفه فی المحاویج أولی . ویمکن الأولی منه جعله فی المحاویج من المؤمنین بإذن أهله من غیر تصرّف . ویمکن فهمه من الأخبار المتقدمة من الإهتمام بحال المؤمنین ومواساتهم بعد الأخذ ، وأنّه لیس بحرام . ویحصل به قضاء حوائج المؤمنین المحتاجین مثل سدّ خلّتهم وقضاء دیونهم وتزویج أراملهم بل یمکن أن یحصل الأذی للمعطی بالردّ ، فإذا کان مؤمناً یشکل الردّ إلاّ أن یردّ به عن عمله ، أو أنّه قد حصل له الأذی ویستأهل الإرتکاب ما ارتکب .

ولکن یخطر بالبال أنّه لو کان ذلک حسناً لکان القبول له حسناً ، مع أنّه قد علم اُولویة الإجتناب . وأیضاً کما یکره للآخذ کذا یکره لغیره ، فکیف یجعله لهم . إلاّ أنّه قد یقال : الأخذ لنفسه یکون مکروهاً لا لغیره ، وإلاّ یلزم کراهة قضاء حوائج الإخوان فی مثل هذا الزمان ، لأنّ أکثر حوائجهم إلی الحکّام للجوائز إمّا تبرّعاً أو اُجرة حج ونحوه ، وإن خلی ذلک من التحریم فقلیلاً ما یسلم من الشبهة ، إلاّ أن یکونوا مضطرّین ولا یعلموا به ... »(1) .

وقال المحقق السبزواری : « جوائز الجائر إن علمت حرمتها بعینها فهی حرام ، فإن قبضها أعادها علی المالک إن أمکنه ، ولا یجوز إعادتها إلی غیر المالک مع الإمکان إلاّ أن یأخذها الظالم قهراً . وهل یضمن حینئذٍ ؟ قیل : نعم ، وقوّی بعضهم التفصیل ، وهو أنّ القبض إن کان بعد العلم بکونها مغصوبة ضمن واستمرّ الضمان ، وإن کان قبل العلم ولم یقصّر فی إیصالها إلی من یجوز إیصالها إلیه لم یضمن . والفرق أنّ الید فی الأوّل عادیة مستصحبة للضمان وفی الثانی أمانة . وهو حسنٌ . وإن جهل المالک أو تعذّر إیصالها إلیه تصدّق بها عنه . وإن لم یعلم حرمتها بعینها جاز الأخذ وإن علم أنّ فی ماله مظالم ، للأخبار الکثیرة ، واشتهر بینهم أنّه مکروه ... »(2) .

وقال صاحب الحدائق : « لا إشکال ولا خلاف فی حلّ جوائز السلطان وجمیع الظلمة

ص: 297


1- (1) مجمع الفائدة والبرهان 8 / (88 _ 86) .
2- (2) الکفایة 1 / 447 .

علی کراهیة ما لم یخبره بأنّ ذلک من ماله ، فإنّه لا کراهة ، وما لم یعلم بکونه حراماً ، فیجب ردّه علی مالکه أو الصدقة به عنه»(1) .

وقال الشیخ جعفر : « ... ولو لم یعلم کونها غصباً جاز أخذها من الجائر مطلقاً للإجماع والأخبار ومن غیره ، ما لم یعلم إقدامه علی المشتبه المحصور لقضاء الید وإصالة الصحة فیجوز الأخذ حینئذٍ ، وإن جاء بها من دار أو دکان أو حجرة أو صندوق فیه غصب ، أو أشار إلی معیّن من جملة کذلک ، ولا یعلم حصوله فی المدفوع والمعیّن ، إلاّ أنّ التجنّب مع الانحصار من شیم الأبرار وتختلف مراتب الرجحان باختلافه ... »(2) .

وقال سید الریاض : «... وإلاّ یعلم حرمتها بعینها فهی حلال مطلقاً ، وإن علم أنّ فی ماله مظالم بلا خلاف فیه ... »(3) .

وقال الفاضل النراقی : « جوائز السلطان _ بل مطلق الظالم بل من لا یتورّع المحارم من الأموال _ محرَّمة إن علمت حرمتها بعینها ، فإن قبضها حینئذٍ أعادها علی المالک إن عرف ، ویتصدّق بها إن لم یعرف کما صرّح به فی روایة علی بن أبی حمزة ، وإن لم یعلم حرمتها کذلک فهی حلال مطلقاً ، وإن علم أنّ فی ماله مظالم ، بلا خلاف فیه للأصل والمستفیضة ... »(4) .

وقال فی الجواهر : « جوائز السلطان الجائر وعمّاله إن علمت حراماً بعینها فهی حرام بلا خلاف ولا إشکال ، لا یجوز تملّکها والتصرف بها وقبولها ، وإلاّ فهی حلال مطلقاً وإن علم أنّ فی ماله محرّماً بلا خلاف ولا إشکال أیضاً کما اعترف به فی الحدائق والریاض ، بل فی المصابیح الإجماع علیه ، للأصل والمعتبرة المستفیضة ... »(5) .

أقول : قسّم الشیخ الأعظم(6) المال المأخوذ من الجائر إلی أربعة أقسام :

ص: 298


1- (1) الحدائق 18 / 261 .
2- (2) شرح القواعد 1 / 338 .
3- (3) ریاض المسائل 8 / 205 .
4- (4) مستند الشیعة 14 / 199 .
5- (5) الجواهر 22 / 170 .
6- (6) المکاسب 2 / 165 .

المال المأخوذ من الجائر تنقسم إلی أربعة أقسام

الأوّل : الآخذ لا یعلم _ ولو إجمالاً _ أنّ فی أموال الجائر مالاً محرّماً . وفی هذا القسم لا إشکال فی جواز أخذه ، لأنّ نفس کونه الشخص ظالماً لا یوجب حرمة أخذ جوائزه أو المعاملة معه .

الثانی : الآخذ یعلم إجمالاً أنّ فی أموال الجائر محرَّماً ولکن لا یعلم _ لا تفصیلاً ولا إجمالاً _ بالحرام فی المأخوذ منه ، فحینئذ یجوز التصرف فیما أخذ منه ، بلا فرق بین أنّ یکون محل ابتلائه جمیع أمواله أو بعضه .

الثالث : الآخذ یعلم إجمالاً أنّ فی أموال الجائر محرَّماً ولکن یعلم تفصیلاً أیضاً بأنّ المأخوذ منه یکون حراماً ، فحینئذ لا یجوز له التصرف فیما أخذ منه .

الرابع : هذا القسم الأخیر ولکن مع العلم الإجمالی بوجود الحرام فی المأخوذ منه . ویأتی حکمه فیما بعد .

وهذه إجمال الأقسام ، وأمّا تفصیلها :

القسم الأوّل :

اشارة

استدل الشیخ الأعظم قدس سره لجواز الأخذ وحلیّة التصرف ب_ « الأصل والإجماع والأخبار»(1) .

المراد من الأصل فی کلام الشیخ

« قد یقال : بأنّ المراد بالأصل فی کلامه قدس سره هو أصالة الإباحة الثابتة بالأدلة العقلیة والنقلیة .

وفیه : أنّ أصالة الإباحة إنّما تجری فی الأموال إذا لم تکن مسبوقة بید اُخری ، کالمباحات الأصلیة التی ملکها الجائر بالحیازة . وأما إذا کانت مسبوقة بید اُخری فإنّ أصالة الإباحة محکومة بأصل آخر ، وهو عدم انتقال الأموال المذکورة إلی الجائر من مالکها السابق ،

ص: 299


1- (1) المکاسب 2 / 165 .

فیحرم تناول تلک الأموال من الجائر» . کذا قاله المحقق الخوئی(1) قدس سره .

وإن کان المراد بالأصل هو أصالة الصحة وهی التی تقتضی حمل فعل المسلم علی الصحة - والمفروض أنّ الجائر أیضاً یکون من المسلمین فیعامل معه معاملة بقیة المسلمین .

وفیه : الدلیل الوارد علی اعتبار أصالة الصحة - هی السیرة الجاریة علی حمل المعاملات الصادرة عن الغیر علی الصحة والسیرة من الأدلة اللبیّة ، فیؤخذ بالمقدار المتیقَّن منها ، وهو إحراز أهلیة المتصرِف للتصرف أو السلطة له ، ومن المحتمل عدم جواز التصرف فی المال للجائر لعدم کونه مالکاً له ، وحینئذ لا یمکن الحکم بجواز التصرف والأخذ منه بأصالة الصحة .

والظاهر أنّ مراد الشیخ من الأصل هو قاعدة الید ، وهی تدلّ علی أنّ الجائر یکون مالکاً لما فی یده فعلیه یکون تصرفاته نافذةً ، وحیث أعطی ماله لشخص یجوز له التصرف فیه وأخذه . وفی التعبیر عن هذه القاعدة بالأصل مسامحة واضحة .

ثمّ إنّ المراد بالأصل فی کلام الشیخ لم یکن استصحاباً ، لأنّ استصحاب عدم کون المال ملکا للجائر وکذا استصحاب عدم طیب نفس المالک بالتصرف فی ماله یمنعان من الأخذ والتصرف . وهکذا استصحاب عدم انتقال المال من مالکه وعدم دخوله فی ملک المجاز له ، وعلی هذا الاستصحاب یجری علی خلاف ما ینتجه الشیخ فلم یکن مراده .

ولکن یمکن أن یناقش فی جریان قاعدة الید فی المقام أیضاً : بأنّ الید تکون أمارة للملکیة إذا لم یعلم حالتها السابقة وحیث أنّ الجائرین فی أوّل أمرهم لیس لهم مال أو ملک غالباً ولکن حصل لهم مال کثیر فی زمن قلیل بحیث لم یحصل لغیرهم ، فعلیه الاعتماد علی جریان قاعدة الید فی المقام مشکل .

ولکن هنا شبهة اُخری غیر شبهة الغصبیة وعدم جواز الحلیّة ، وهی احتمال حرمة أخذ الجائزة والصلة وغیرهما من الجائرین ، واحتمال عدم جواز أکل أموالهم والتصرف فیها کحرمة معونتهم ومصاحبتهم والدخول علیهم بالحرمة التکلیفیة . وهذه الشبهة الأخیرة

ص: 300


1- (1) مصباح الفقاهة 1 / 493 .

مدفوعة بأصالة البراءَة وأصالة الحلیّة . ولعلّ تمسک الشیخ الأعظم بالأصل _ وهو هنا أصلی البراءَة والحلیّة _ لدفع الشبهة الأخیرة ، لا الغصبیة وعدم جواز حلیّة المال ، کما نبّه علیه المحقق الخمینی(1) قدس سره .

ولکن یمکن أن یناقش فیه : بأنّ حمل الإجماع فی کلمات القوم والروایات الواردة فی المقام علی ما ذکره مشکلٌ . ولعلّ هذا صار قرینة علی أنّ المراد بالأصل فی کلام الشیخ الأعظم قدس سره یجری فی الشبهة الاُولی فقط .

وأمّا المراد بالإجماع فی کلامه

فقد یظهر من مطاوی ما ذکرناه لک من کلمات القوم الإجماع علی هذا الحکم ، کما صرح بعدم الخلاف فی المقام أو الإجماع أصحاب الحدائق(2) والمصابیح(3) وشرح القواعد(4) والریاض(5) والمستند(6) والجواهر(7) والمکاسب(8) . ولم یظهر خلاف هذا الحکم ممّن تأخر عنهم بل یظهر موافقتهم معهم .

ولکن من المحتمل جداً أنّ مدرک المجمعین الأصول المرخِّصَة والروایات المجوِّزة فی المقام ، فحینئذ صار الإجماع مدرکیّاً لا یغنی ولا یسمن من جوع .

وأمّا المراد بالروایات

یأتی منّا تفصیلاً الروایات الواردة فی المقام وأمّا بعضها :

فمنها: صحیحة أبی ولاّد _ الحنّاط وهو حفص بن سالم وقیل ابن یونس ، ثقةٌ _ قال :

ص: 301


1- (1) المکاسب المحرّمة 2 / 223 .
2- (2) الحدائق 18 / 261 .
3- (3) المصابیح للسید بحر العلوم الطباطبائی النجفی قدس سره حیث نقل عنه فی الجواهر 22 / 170 .
4- (4) شرح القواعد 1 / 338 .
5- (5) ریاض المسائل 8 / 205 .
6- (6) مستند الشیعة 14 / 199 .
7- (7) الجواهر 22 / 170 .
8- (8) المکاسب 2 / 165 .

قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : ما تری فی رجل یلی أعمال السلطان لیس له مکسب إلاّ من أعمالهم ، وأنا أمرّ به فأنْزلُ علیه فیضیفنی ویحسن إلیَّ ، وربّما أمر لی بالدرهم والکسوة ، وقد ضاق صدری من ذلک ؟ فقال لی : کُلْ وخُذْ منه فلک المهنأ وعلیه الوزر(1) .

ومنها : صحیحة أبی المغرا _ وهو حمید بن المثنی الثقة _ قال : سأل رجل أبا عبد اللّه علیه السلام وأنا عنده ، فقال : أصلحک اللّه أمرّ بالعامل فیجیزنی بالدراهم آخذها ؟ قال : نعم ، قلت : وأحج بها ؟ قال : نعم(2) .

ومنها : حسنة أو معتبرة محمد بن مسلم وزرارة قالا : سمعناه یقول : جوائز العمال لیس بها بأس(3) .

ومنها : صحیحة أحمد بن محمد بن عیسی عن أبیه عن أبی جعفر علیه السلام قال : لا بأس بجوائز السلطان(4) .

ومنها : حسنة محمد بن هشام أو غیره قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : أمرّ بالعامل فیصلنی بالصلة أقبلها ؟ قال : نعم ، قلت : وأحجّ منها ؟ قال : نعم وحجّ منها(5) .

لا یخفی أنّ کلمة « أو غیره» یوجب الإخلال بسند الروایة ، ولکن متنها ودلالتها واضحة .

ومنها : معتبرة أبی بکر الحضرمی قال : دخلت علی أبی عبد اللّه علیه السلام وعنده إسماعیل ابنه ، فقال : ما یمنع إبن أبی السماک أن یخرج شباب الشیعة فیکفونه ما یکفیه الناس ، ویعطیهم ما یعطی الناس ؟ ثمّ قال لی : لم ترکت عطاءک ؟ قال : مخافة علی دِیْنی ، قال : ما منع إبن أبی السماک أن یبعث إلیک بعطائک ؟ أما علم أنّ لک فی بیت المال نصیباً(6) ؟ !

ص: 302


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 213 ح 1 . الباب 51 من أبواب ما یکتسب به .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 213 ح 2 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 214 ح 5 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 218 ح 16 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 214 ح 3 .
6- (6) وسائل الشیعة 17 / 214 ح 6 .

ومنها : مرسلة القاضی نعمان عن أبی جعفر علیه السلام أنّه سُئل عن جوائز المتغلبین ، فقال : قد کان الحسن والحسین علیهماالسلام یقبلان جوائز معاویة لأنّهما کانا أهل لما یصل من ذلک إلیهما ، وما فی أیدی المتغلبین علیهم حرام وهو للناس واسع إذا وصل إلیهم فی خیر وأخذوه من حقّه(1) .

وهذه الروایات المستفیضة المعتبرة تدلّ بإطلاقها علی حکم هذا القسم من جوائز الجائر بلا إشکال .

ثمّ ذکر الشیخ الأعظم قدس سره مکاتبة الحمیری(2) وقال قبلها : « ربّما یوهم بعض الأخبار أنّه یُشترط فی حلّ مال الجائر ثبوت مال حلال له»(3) ، ثمّ قال : « لکن هذه الصورة قلیلة التحقق »(4) .

أقول : مورد مکاتبة الحمیری وجود العلم بوجود الحرام فی جملة أموال الجائر ، وهو مفقود فی هذا القسم ، فعلیه المکاتبة تحمل علی القسم الثانی کما حملها الفقیه الیزدی(5) والمحققون الإیروانی(6) والأردکانی(7) والخوئی(8) قدس سرهم .

ولم یکن موردها قلیل التحقق بل کثیراً ما یتحقّق .

القسم الثانی :

اشارة

وهو أن یکون الآخذ علم إجمالاً أنّ فی أموال الجائر محرَّماً ولکن لیس له علماً _ لا

ص: 303


1- (1) دعائم الإسلام 2 / 323 ح 1223 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 181 ح 18 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 217 ح 15 .
3- (3) المکاسب 2 / 165 .
4- (4) المکاسب 2 / 167 .
5- (5) حاشیة المکاسب 1 / 165 .
6- (6) حاشیة المکاسب 1 / 310 .
7- (7) غنیة الطالب 1 / 257 .
8- (8) مصباح الفقاهة 1 / 494 .

تفصیلاً ولا إجمالاً _ بالحرام فی المأخوذ منه ، وهذا القسم ینقسم إلی صورتین :

الصورة الأولی : عدم تعارض الاُصول والأمارات فی أطراف العلم الاجمالی

ذکر الشیخ الأعظم(1) جواز التصرف فی هذه الصورة بأحد شرطین علی سبیل منع الخلو :

الأوّل : إذا کانت الشبهة فی أطراف العلم الإجمالی غیر محصورة .

الثانی : إذا کانت الشبهة محصورة بین ما لا یبتلی المکلَّف به وبین ما من شأنه الإبتلاء به ، ثمّ مثّل بما « إذا علم أنّ الواحد المردّد بین هذه الجائزة وبین اُمّ ولده المعدودة من خواصّ نسائه (أی نساء الجائر) مغصوب»(2) .

فإذا کان بعض أطراف العلم الإجمالی خارجاً عن محل الإبتلاء فلا یتنجز .

واستدلّ علیه فی الفرائد(3) بوجوه أشار هنا إلی واحد منها ، وهی : من شرائط تنجز العلم الإجمالی کون التکلیف المتعلّق بالواقع فعلیّاً علی کلِّ تقدیر ومع عدم کونه مشروطاً بالإبتلاء فی بعض الأطراف ، وإلاّ صار فی ما هو فی معرض الإبتلاء کالشبهة البدویة ، فلا یتنجز العلم الإجمالی فیه .

أقول : بنظرنا القاصر العلم الإجمالی منجز بالنسبة إلی التکلیف الواقعی ، لتعارض الاُصول النافیة فی أطرافه ولکن إذا جری فی بعضها دون البعض کما فی الموردین اللذین ذکرهما الشیخ الأعظم قدس سره لأنه إذا کان بعض الموارد خارجاً عن محلِّ ابتلاء المکلّف فلا یجری الأصل النافی بالنسبة إلیه لعدم طرو الفائدة علیه بالنسبة إلی المکلّف ، فیصیر الأصل النافی فی الطرف الآخر بلا معارض ، فیجری وصار کالشبهة البدویة .

وهکذا مآل الشبهة غیر المحصورة ترجع إلی خروج ابتلاء المکلّف عن کثیر من أفراده فصار کالمورد الأوّل .

وما ذکره الشیخ الأعظم قدس سره بالنسبة إلی عدم تنجز العلم الاجمالی فی الموردین تام

ص: 304


1- (1) المکاسب 2 / 167 .
2- (2) المکاسب 2 / 167 .
3- (3) فرائد الأصول 2 / 233 التنبیه الثالث .

عندنا ، ولکن یختلف طریقنا وطریقه فی الاستدلال ، مع الإتحاد فی النتیجة . والتفصیل یطلب من علم الأصول .

ولعله أشار إلی ما ذکرنا المحقق الإیروانی فی ذیل قول الشیخ الأعظم : « فإن کانت الشبهة فیها غیر محصورة ... »(1) حیث یقول : « أو وإن کانت محصورةً لکن کان العلم الإجمالی بین ما بقی فی ید الجائر وما خرج من یده بغصبٍ أو إباقٍ أو نحو ذلک ، فإنّ هذا مشارک فی الحکم للصورة الاُولی»(2) .

والحاصل ، الحکم بالجواز فی هذه الصورة مبنیٌّ علی عدم تنجز العلم الإجمالی فی المقام کما مرّ ، وأمّا ابتناؤها علی قاعدة الید فمشکل بما مرّ فی القسم الأوّل ، بأنّها معتبرة بالنسبة إلی ما لا یعلم حالته السابقة ، وأمّا إذا ظهرت حالته السابقة فلا اعتبار بها ، فالتمسک بقاعدة الید فی المقام مطلقاً لا یتمّ .

خلافاً للمحقق الخوئی(3) قدس سره وشیخنا الاُستاذ(4) _ مدظله _ .

هل أخذ الجائزة من الجائر مکروه مع العلم بوجود الحرام فی أمواله ؟

ذهب إلی الکراهة جمع من الأصحاب ، منهم : العلاّمة فی المنتهی(5) والشهید فی الدروس قال : « وترک أخذ ذلک من الظالم مع الاختیار أفضل»(6) ، وثانیه فی المسالک(7) والأردبیلی فی مجمع الفائدة بعد الحکم بأنّه مکروه للشبهة قال : «ولا شبهة فی أنّ الإجتناب أولی ، وهو واضح عقلاً ونقلاً ولا یحتاج إلی البحث»(8) .

ص: 305


1- (1) المکاسب 2 / 167 .
2- (2) حاشیة المکاسب 1 / 311 .
3- (3) مصباح الفقاهة 1 / 495 .
4- (4) ارشاد الطالب 1 / 313 .
5- (5) منتهی المطلب 2 / 1026 الطبع الحجری .
6- (6) الدروس 3 / 170 .
7- (7) مسالک الأفهام 3 / 141 .
8- (8) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 88 .

والسبزواری فی الکفایة قال : « واشتهر بینهم أنّه مکروه»(1) ولکن ناقش هو فیها ، واختار الکراهة المحدث البحرانی(2) والسید بحر العلوم الطباطبائی(3) ، وقال الشیخ جعفر : « والأقوی استحباب التجنّب مطلقاً ، لما دلّ علی رجحان التعفّف وعزة النفس والتباعد عن منّة الفسّاق والفجّار ، بل التجنّب عن منّة الخلق جمیعاً اُولی»(4) ، وقال فی الریاض : « والأفضل التورّع عنها بلا خلاف إن لم یخبر المجیز بالإباحة للشبهة الموجبة للکراهة»(5) ، وقال فی المستند : « والأفضل التورع عنها فی غیر ما علم حلّه إجماعاً ، لصدق الشبهة المأمور باجتنابها ، إلاّ مع إخبار المخبر بالإباحة فلا تکره کما قیل بل نفی عنه الخلاف . وهو مشکل ، لعدم خروجه عن الشبهة إذا احتمل کذبه ... »(6) . وقال فی الجواهر : « ولا ریب فی أنّه أحوط کما أنّه لا ریب فی استحباب التنزه عن جوائزهم ... »(7) .

الاستدلال علیها بوجوه
اشارة

ثم قد استدلوا علیها بوجوه :

الأوّل : الدلیل قائم علی جواز أخذها ظاهراً

ولکن یحتمل فی الواقع أن تکون حراماً ، فلذا الإجتناب عنها اُولی ، فیکون أخذها مکروهاً . ولعلّ هذا مراد العلامة(8) فی الإستدلال علیها باحتمال الحرمة .

وفیه : کبری هذا الاستدلال هی حکم العقل برجحان الإحتیاط ، وهو تام ولکن لا تثبت الکراهة الشرعیة کما ذکره المحقق الإیروانی(9) . مضافاً إلی أنّها لو تثبتت الکراهة

ص: 306


1- (1) الکفایة 1 / 447 .
2- (2) الحدائق 18 / 261 .
3- (3) حکاه عنه السید محمد المجاهد فی المناهل / 303 ونقل الشیخ الأعظم عن المجاهد فی المکاسب 2 / 169 .
4- (4) شرح القواعد 1 / 340 .
5- (5) ریاض المسائل 8 / 206 .
6- (6) مستند الشیعة 14 / 200 .
7- (7) الجواهر 22 / 176 .
8- (8) منتهی المطلب 2 / 1026 الطبع الحجری .
9- (9) الحاشیة علی المکاسب 1 / 311 .

الشرعیة لثبتت بالنسبة إلی جمیع الناس حتّی المتورعین فی اُمورهم لوجود هذا الإحتمال فی أموالهم أیضاً ، ولکن لم یلتزم به أحدٌ .

اللهم إلاّ أنْ یقال : إنّ الدلیل « لیس مجرد الإحتمال وإلاّ لعمّت کراهة أخذ المال من کلِّ أحدٍ ، بل الموجب له کون الظالم مظنّة الظلم والغصب وغیر متورِّع عن المحارم ، نظیر کراهة سؤر مَنْ لا یتوقّی النجاسة» کما ذکره الشیخ الأعظم(1) قدس سره . فحینئذ یتم الدلیل ، ولکن دون إثبات کراهة الأخذ من غیر المتورِّع ومَنْ یکون فی مظنّة الظلم والغصب خرط القتاد .

الثانی : الروایات الواردة علی حُسن الاحتیاط ، وهی کثیرة :

منها : معتبرة عمر بن حنظلة عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال فی حدیث : فإنّ الوقوف عند الشبهات خیرٌ من الإقتحام فی الهلکات(2) .

ومنها : مرسلة الطبرسی أنّه قال : وفی الحدیث : دع ما یریبک إلی ما لا یریبک(3) .

قال الطبرسی : « الریب مصدر رابه یریبه : إذا حصل فیه الریبة ، وحقیقة الریبة قلق النفس واضطرابها . ثمّ ذکر الحدیث وقال : والمعنی أنّه من وضوح دلالته بحیث لا ینبغی أن یرتاب فیه ، إذ لا مجال للریبة فیه»(4) .

ومنها : خبر أبی هشام الجعفری عن الرضا علیه السلام أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام قال لکمیل بن زیاد : أخوک دینک فاحتط لدینک بما شئت(5) .

ومنها : خبر نعمان بن بشیر قال : سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم یقول : إنّ لکلِّ ملک حمی وإنّ حمی اللّه حلاله وحرامه والمشتبهات بین ذلک ، کما لو أنّ راعیّاً رعی إلی جانب الحمی لم تثبت غنمه أن تقع فی وسطه ، فدعوا المشتبهات(6) .

ص: 307


1- (1) المکاسب 2 / 170 .
2- (2) وسائل الشیعة 27 / 157 ح 9 . الباب 12 من أبواب صفات القاضی .
3- (3) جوامع الجامع 1 / 13 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 27 / 167 ح 43 .
4- (4) جوامع الجامع 1 / 13 .
5- (5) وسائل الشیعة 27 / 167 ح 46 .
6- (6) وسائل الشیعة 27 / 167 ح 45 .

وفیه : هذه الروایات إرشاد إلی حسن الإحتیاط شرعاً کما هو حسنٌ عقلاً ، فلا یمکن إثبات الکراهة الشرعیة بها ، مضافاً إلی عدم اختصاصها بالمقام بل هی جاریة فی جمیع الشبهات .

الثالث : أخذ المال والجائزة من الظالمین یوجب محبّتهم ومودّتهم

لأنّ القلوب مجبولة علی حبّ من أحسن إلیها ، وقد ورد النهی فی الروایات المستفیضة عن محبّتهم ومودّتهم والتقرب إلیهم ، ویترتب علیها من المفاسد ما لا یخفی .

ومن الروایات الناهیة صحیحة أبی بصیر قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن أعمالهم فقال لی : یا أبا محمد ، لا ولا مَدّة قلم ، إنّ أحدهم لا یصیب من دنیاهم شیئاً إلاّ أصابوا من دینه مثله ، أو حتّی یصیبوا من دینه مثله . الوهم من ابن أبی عمیر(1) .

ومنها : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ما اقترب عبد من سلطان جائر إلاّ تباعد من اللّه ، ولا کثر ماله إلاّ اشتدَّ حسابه ، ولا کثر تبعه إلاّ کثرت شیاطینه(2) .

ومنها : معتبرة اُخری له عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إیّاکم وأبواب السلطان وحواشیها ، فإنّ أقربکم من أبواب السلطان وحواشیها أبعدکم من اللّه عزّ وجلّ ، ومن آثر السلطان علی اللّه أذهب اللّه عنه الورع وجعله حیراناً(3) .

ومنها : مرفوعة سهل بن زیاد عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی قول اللّه عزّ وجلّ : «وَلاَ تَرْکَنُواْ إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّکُمُ النَّارُ»(4) ، قال : هو الرجل یأتی السلطان فیحبّ بقاءه إلی أن یدخل یده إلی کیسه فیعطیه(5) .

ومنها : معتبرة أو حسنة محمد بن هشام عمّن أخبره عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّ

ص: 308


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 179 ح 5 . الباب 42 من أبواب ما یکتسب به .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 181 ح 12 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 181 ح 13 .
4- (4) سورة هود / 113 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 185 ح 1 . الباب 44 من أبواب ما یکتسب به .

قوماً ممّن آمن بموسی علیه السلام قالوا : لو أتینا عسکر فرعون فکنّا فیه ونلنا من دنیاه حتّی إذا کان الذی نرجوه من ظهور موسی علیه السلام صرنا إلیه ، ففعلوا ، فلمّا توجه موسی علیه السلام ومَنْ معه هاربین من فرعون رکبوا دوابّهم وأسرعوا فی السیر لیلحقوا موسی علیه السلام وعسکره فیکونوا معهم ، فبعث اللّه ملکاً فضرب وجوه دوابّهم فردّهم إلی عسکر فرعون ، فکانوا فی من غرق مع فرعون(1) .

ومنها : موثقة أو معتبرة علی بن عقبة عن بعض أصحابنا عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : حقّ علی اللّه عزّ وجلّ أن تصیروا مع من عشتم معه فی دنیاه(2) .

ومنها : صحیحة الولید بن صبیح عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث : یا ولید متی کانت الشیعة تسأل عن أعمالهم ؟ إنّما کانت الشیعة تقول : یؤکل من طعامهم ، ویشرب من شرابهم ، ویستظل بظلِّهم ، متی کانت الشیعة تسأل عن هذا(3) ؟

بتقریب : أنّ المرتکز فی أذهان الشیعة حزازة الأکل مِنْ طعامهم والشرب مِنْ شرابهم حتّی الإستظلال بظلِّهم ، ولذا یسألون أئمتهم أئمة الهدی علیهم السلام عنها ، ونفس هذا السؤال الذی نشأ من ارتکازهم یدلّ علی الکراهة . والسؤال عن الإستظلال لا یضرّ بالمطلوب ، لعدم قرینیة السیاق ، ولأنّ الاستظلال بظلِّهم لا یتحقق إلاّ بالتقرب إلیهم وإلی قصورهم ومنازلهم « وهم النار هم النار هم النار » کما ورد فی خبر إبراهیم بن مهاجر(4) . وقد ورد فی مرسلة سلیمان الجعفری عن الرضا علیه السلام أنّ « النظر إلیهم علی العمد من الکبائر التی یستحق بها النار »(5) .

وفیه : أنه یمکن أن یناقش فی الجمیع إلاّ صحیحة الولید ، بأنّ بین أخذ الجائزة منهم ومحبّتهم عموم من وجه ، یمکن أن یأخذ الجائزة منهم ولا یحبّهم بل یبغضهم ، ویمکن أن لا یأخذ منهم شیئاً ولکن یحبّهم . وظاهر الروایات أنّ محبتهم من المحرَّمات الشرعیة دون مجرد

ص: 309


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 185 ح 2 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 185 ح 3 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 187 ح 1 . الباب 45 من أبواب ما یکتسب به .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 188 ح 3 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 191 ح 12 .

الکراهة کما اعترف به المحقق الإیروانی(1) قدس سره ، ولکن بینه وبین الأخذ عموم من وجه کما مرّ .

ولکن صحیحة الولید تامة السند والدلالة کما مرّ ، فیمکن إثبات الکراهة الشرعیة بها ، واللّه العالم .

ویؤید الکراهة خبر الفضل بن ربیع أنّ الرشید أمر بإحضار موسی بن جعفر علیه السلام یوماً فأکرمه وأتی بها بحُقَّة الغالیة ففتحها بیده فغلفه بیده ، ثمّ أمر أن یُحمل بین یدیه خلع وبدرتان دنانیر ، فقال موسی بن جعفر علیه السلام : واللّه لو لا أنّی أری مَنْ اُزوّجه مِنْ عزّاب بنی أبی طالب لئلا ینقطع نسله ما قبلتها أبداً(2) .

وخبر آخر له قال : لما اصطبح الرشید یوماً ، استدعی حاجبه فقال له : امض إلی علی بن موسی العلوی علیه السلام وأخرجه من الحبس وألقه فی برکة السباع ، إلی أن ذکر أمره بإخراجه وإدخاله علیه ، فلما حضر بین یدی الرشید عانقه ، ثمّ حمله إلی مجلسه ، ورفعه فوق سریره ، وقال : یابن العم ، إن أردت المقام عندنا ففی الرحب والسعة ، وقد أمرنا لک ولأهلک بمال وثیاب ، فقال له : لا حاجة لی فی المال ولا الثیاب ، ولکن فی قریش نفر یفرّق ذلک علیهم ، وذکر له قوماً فأمر لهم بصلة وکسوة ، الحدیث(3) .

قال ابن طاوس بعد نقل هذا الخبر : لربّما کان هذا الحدیث عن الکاظم موسی بن جعفر علیه السلام لأنّه کان محبوساً عند الرشید ، لکنّنی ذکرت هذا کما وجدته(4) .

ویؤیده أیضاً مرسلة الصدوق قال : کان الحسن والحسین علیهماالسلام یأخذان من معاویة الأموال ، فلا ینفقان من ذلک علی أنفسهما وعلی عیالهما ما تحمله الذبابة بفیها(5) .

والحاصل ، ذهبنا _ تبعاً للمشهور _ إلی کراهة أخذ جوائز الظالمین بدلالة صحیحة الولید کما مرّ ، ویؤیدها هذه الروایات المذکورة ، واللّه العالم .

ص: 310


1- (1) حاشیة المکاسب 1 / 311 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 216 ح 11 .
3- (3) مستدرک الوسائل 13 / 177 ح 8 .
4- (4) مهج الدعوات / 249 .
5- (5) مستدرک الوسائل 13 / 180 ح 16 .
اُمور ترتفع بها الکراهة
اشارة

ثمّ ذکروا لإرتفاع الکراهة اُموراً :

منها : إخبار المجیز بحلّیّتها

وأنّها من أمواله الخاصّة ، بأن یقول : هذه الجائزة من تجارتی أو زراعتی أو حدیقتی أو معملی أو نحو ذلک . ولعلّ أوّل من تعرض لها المحقق الأردبیلی(1) کما مرّ کلامه فی أوّل البحث وتبعه أصحاب الحدائق(2) والمصابیح(3) والریاض(4) والمناهل(5) والمکاسب(6) ، وقال فی الجواهر : « بل قیل : لا کراهة فی قبولها مع الإخبار بأنّها من الحلال ، والأمر فی ذلک کلّه سهلٌ»(7) .

وأمّا مستند هذا الأمر یمکن أن یکون قبول قول ذی الید الذی یرجع بالمآل إلی اعتبار قاعدة الید .

وفیه : ما قد مرّ منّا من عدم جریان قاعدة الید بإطلاقها بالنسبة إلی أموال الجائر ، أعنی بالنسبة إلی الأموال التی نعلم فیها ملکیتها السابقة ولا نعلم کیفیة انتقالها إلیه ، وفی هذه الموارد لا تقبل قوله أیضاً ، لرجوع قبول قوله إلی تصحیح یده ، وهکذا الأمر بالنسبة إلی قول وکیله المأمون .

ولکن لا ینقض علی المستند بأنّ إخبار الثقة یکون حجة عند العقلاء والمتشرعة والشریعة ، والجائر لا یکون ثقة فقوله لیس بمعتبر .

ص: 311


1- (1) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 86 .
2- (2) الحدائق 18 / 261 .
3- (3) نقل عنه السید المجاهد فی المناهل / 303 .
4- (4) ریاض المسائل 8 / 206 .
5- (5) المناهل / 303 .
6- (6) المکاسب 2 / 169 .
7- (7) الجواهر 22 / 177 .

لأنّ قول الثقة معتبر عندهم وفی الأحکام الشرعیة ، وأمّا بالنسبة إلی قول ذی الید فقوله معتبر ولو لم یکن ثقة أو لم یحرز وثاقته . نعم الإحتیاط بالنسبة إلی قول المتّهم حسنٌ لو لم نقل بعدم اعتبار قوله . فلو دخل المستشکل من هذا الوجه - وهو عدم اعتبار قول المتّهم - لکان حسناً . ومن الواضح أنّ الجائرین من أظهر مصادیق المتّهمین .

ولکن لا ینقض علی الاستدلال بما ذکره الفاضل النراقی بقوله : « وهو مشکلٌ ، لعدم خروجه عن الشبهة إذا احتمل کذبه ، ووجوب حمل قول المسلم علی الصدق إن کفی فی رفع الشبهة لکفی وجوب حمل فعله علی الصحة فی رفعها بمجرد الإعطاء أیضاً ، فلا یکون مکروهاً مطلقاً»(1) .

لعدم استناد الکراهة إلی الشبهة کما سبق وکذا لا یتمّ ما ذکره المحقق الخوئی(2) تبعاً له .

وکذا لا یتم ما ذکره شیخنا الاُستاذ(3) _ مدظله _ بأنّ أخبار الإحتیاط والتوقف عند الشبهات تجری فی المقام أیضاً ، لما مرّ منّا من عدم استناد الکراهة إلی هذه الروایات .

ومنها : إخراج الخمس .

ذهب إلی استحباب إخراج الخمس من الجوائز جماعة من الأصحاب ، منهم :

الشیخ فی النهایة(4) وابن إدریس الحلّی(5) والعلاّمة فی التحریر(6) وقال فی المنتهی : « من أنّ الخمس مطهّر للمال المختلط یقیناً بالحرام ، ما لم یعلم فیه الحرام»(7) . والأردبیلی قال : « فالظاهر أنّه مکروه (للشبهة خ) ویمکن استحباب إخراج خمسه ومواساة الإخوان

ص: 312


1- (1) مستند الشیعة 14 / 200 .
2- (2) مصباح الفقاهة 1 / 498 .
3- (3) إرشاد الطالب 1 / 315 .
4- (4) النهایة / 357 .
5- (5) السرائر 2 / 203 .
6- (6) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 271 .
7- (7) منتهی المطلب 2 / 1025 من الطبع الحجری .

لتزول »(1) . وقال الشیخ جعفر : « ولا یجب إخراج الخمس منها ولیس من قسم ما یتعلّق به لکن إخراجه لاحتمال الإختلاط لا بأس به»(2) . وقال سید الریاض فی ما یوجب انتفاء الکراهة : « ... أو إخراج الخمس لکونه مطهّراً للمال المختلط بالحرام علماً ، فلأن یطهر المختلط به ظنّاً أو احتمالاً أولی ثمّ أولی»(3) . وقال فی الجواهر : « قد یرفعها (أی یرفع الکراهة) أیضاً إخراج الخمس لمعلومیة کونها لإختلاط ماله والخمس یطهّر المختلط»(4) .

الاستدلال علیه بوجوه
اشارة

واستدلوا علی هذا الإستحباب أو هذه الرافعیة للکراهة بوجوه :

الأوّل : موثقة عمار

عن أبی عبد اللّه علیه السلام سُئل عن أعمال السلطان یخرج فیه الرجل ؟ قال : لا إلاّ أن لا یقدر علی شیءٍ یأکل ولا یشرب ولا یقدر علی حیلة ، فإن فعل فصار فی یده شیءٌ فلیبعث بخمسه إلی أهل البیت»(5) .

وفیه : أن مورد الموثقة هو الدخول فی أعمالهم وحصول شیء له من ذلک ، والفرق بینه وبین الجائزة واضح کما نبّه علیه صاحب الحدائق(6) . والأصحاب قدس سرهم لم یعملوا بالموثقة فی موردها ، وهو وجوب إعطاء الخمس لمن یدخل فی أعمال الجائرین والظلمة ، فکیف نعمل بها فی جوائزهم .

مضافاً إلی أنّ ظاهرها وجوب إعطاء الخمس لا استحبابه ، ولکن لیس ظاهرها ثبوت الخمس بعنوان ربح المکسب وفاقاً للمحقق الإیروانی(7) ، لأنّ ظاهرها ثبوت الخمس

ص: 313


1- (1) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 87 .
2- (2) شرح القواعد 1 / 341 .
3- (3) ریاض المسائل 8 / 206 .
4- (4) الجواهر 22 / 176 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 202 ح 3 و 9 / 506 ح 2 .
6- (6) الحدائق 18 / 265 .
7- (7) حاشیة المکاسب 1 / 314 ولذا قال فیها : « محتمل الموثقة وظاهر باقی الأخبار ثبوت الخمس بعنوان ربح المکسب» ولا یقول ظاهر الموثقة فقبل ظهورها فی المال المشتبه .

بعنوان المال المشتبه ، کما ورد نظیره فی صحیحة حفص بن البختری عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : خذ مال الناصب حیثما وجدته وادفع إلینا الخمس(1) .

والأصحاب أعرضوا عن الموثقة وحملوها علی خمس الأرباح ولکن عملوا بالصحیحة . وبالجملة الموثقة لا تدلّ علی ثبوت الخمس فی جوائز الجائرین .

الثانی : الروایات الواردة حول وجوب الخمس فی المال الحلال إذا اختلط بالحرام

إذا لم یتمیّز قدر المال ولم یعرف صاحبه ، فیصیر إخراج الخمس منه بدلاً واقعیاً من الحرام ، فیرتفع به أثره ، وهو وجوب الإجتناب من جمیعه ، فحینئذ صار المال حلالاً واقعیّاً . فإذا کان هذا حکم المال المختلط بالحرام واقعاً ویوجب تطهیره ، فمحتمل الحرمة اُولی بالتطهیر بالخمس ، فیصیر أداء خمسه ندباً ویوجب خروجه عن الشبهة .

وأمّا روایاتها متعددة :

فمنها : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : أتی رجل أمیر المؤمنین علیه السلام فقال : إنّی کسبت مالاً أغمضت فی مطالبه حلالاً وحراماً ، وقد أردت التوبة ولا أدری الحلال منه والحرام وقد اختلط علیَّ ، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : تصدّق بخمس مالک ، فإنّ اللّه رضی من الأشیاء بالخمس وسائر المال لک حلال(2) .

ومنها : صحیحة عمار بن مروان قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : فیما یخرج من المعادن والبحر والغنیمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم یعرف صاحبه والکنوز الخمس(3) .

ومنها : خبر الحسن بن زیاد عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّ رجلاً أتی أمیر المؤمنین علیه السلام فقال : یا أمیر المؤمنین إنّی أصبتُ مالاً لا أعرف حلاله من حرامه ، فقال له : أخرج الخمس من ذلک المال ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ قد رضی من المال بالخمس ، واجتنب ما کان صاحبه یُعلم(4) .

وفیه : أوّلاً : ما ورد فی الروایات وأفتی به الأصحاب هو إخراج الخمس من المال

ص: 314


1- (1) وسائل الشیعة 9 / 487 ح 6 .
2- (2) وسائل الشیعة 9 / 506 ح 4 وروی نظیرها فی 18 / 130 ح 5 .
3- (3) وسائل الشیعة 9 / 494 ح 6 .
4- (4) وسائل الشیعة 9 / 505 ح 1 . الباب 10 من أبواب ما یجب فیه الخمس .

المختلط بالحرام ، فیکون کالمصالحة فی نظر الشارع ، وأمّا المال المحتمل کونه حراماً کلَّها فلا معنی لتطهیره بإخراج خمسه ، فلابدَّ من الإجتناب من جمیعه .

وثانیاً : سرایة الحکم من المال المختلط إلی المال المشتبه قیاس مع الفارق ، کما نبّه علیه صاحب الحدائق(1) .

وثالثاً : لو أغمضنا وقبلنا تمامیة الاستدلال ، یصیر أداء الخمس من المال المشتبه مستحباً ، وأمّا المُدعی - وهی رافعیة الخمس لکراهة أخذ الجائزة - لم تثبت .

الثالث : الروایات الواردة حول وجوب الخمس فی مطلق الجوائز

وردت عدّة من الروایات تدلّ علی وجوب الخمس فی الجائزة مطلقاً ولکن الأصحاب لم یفتوا بمضونها وحملوها علی الاستحباب ، فیمکن الحکم باستحباب إخراج الخمس من جوائز الجائر أیضاً ، لانّها تدخل فی مطلق الجوائز . وأمّا الروایات :

فمنها : صحیحة علی بن مهزیار الطویلة عن أبی جعفر الثانی علیه السلام أنّه قال فی ما یتعلَّق به الخمس : والغنائم والفوائد یرحمک اللّه فهی الغنیمة یغنمها المرء والفائدة یفیدها والجائزة من الإنسان للإنسان التی لها خطر ، الحدیث(2) .

ومنها : خبر أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : کتبت إلیه فی الرجل یهدی إلیه مولاه والمنقطع إلیه هدیةً تبلغ ألفی درهم أو أقلّ أو أکثر هل علیه فیها الخمس ؟ فکتب علیه السلام : الخمس فی ذلک ، الحدیث(3) .

سند الروایة : ابن إدریس رواها عن خط جده الشیخ الطوسی عن نوادر محمد بن علی بن محبوب الأشعری الجوهری القمی کما صرح بذلک فی السرائر(4) وللشیخ سند صحیح إلی کتب ابن محبوب(5) ، فصار السند إلی ابن محبوب صحیحاً ، ولکن الإشکال فی أحمد بن هلال

ص: 315


1- (1) الحدائق 18 / 266 .
2- (2) وسائل الشیعة 9 / 501 ح 5 .
3- (3) وسائل الشیعة 9 / 504 ح 10 .
4- (4) السرائر 3 / 601 .
5- (5) الفهرست / 411 الرقم 624 .

العبر تأئی ، لأنّه ملعون فی لسان الأئمة(1) علیهم السلام (2) ، فلا یمکن الأخذ بروایته بمجرد قول النجاشی فی حقِّه : « صالح الروایة»(3) ، فالسند ضعیف بأحمد .

وأمّا دلالتها : علی وجوب الخمس فی الهدیة والجائزة واضحة ولا یصغی إلی ما ذُکر فی الروایة بأنّها « لا خمس فی ذلک»(4) بقرینة « حصر الخمس فی الهدیة ولم یعمل به أحد»(5) . لعدم الإعتناء بهذا الإحتمال والقرینة کما ناقشه مقرّر هذا المحتمِل(6) .

ومنها : صحیحة یزید بن إسحاق شَعَر قال : کتبت : جعلت لک الفداء ، تعلّمنی ما الفائدة وما حدّها ؟ رأیک أبقاک اللّه أن تمنّ علیَّ ببیان ذلک لکی لا أکون مقیماً علی حرام لا صلاة لی ولا صوم ، فکتب : الفائدة ممّا یفید إلیک فی تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام ، أو الجائزة(7) .

أقول : قد حملتُ « یزید » فی السند إلی ابن إسحاق شَعَر الثقة ، وهو الذی یروی عن موسی بن جعفر علیه السلام وعلی بن موسی الرضا علیه السلام ، ورجع عن القول بالوقف علی فرض ذهابه إلیه ، لأنّ أحمد بن محمد بن عیسی یروی عنه فقط ، فصار سند الروایة صحیحاً . والعجب من السید البروجردی قدس سره مع کمال تبحره فی علم الرجال قال فی مجلس درسه الشریف : « ولیعلم أنّ الراوی عن یزید فی هذه الروایة هو أحمد بن محمد بن عیسی ولم یرو عنه فی الکتب الأربعة

ص: 316


1- (1) راجع رجال الکشی / 535 ح 1020 والغیبة / 214 للشیخ الطوسی .
2- (2) ورد فی الروایة الصحیحة التی ذکرها الشیخ الصدوق فی کمال الدین / 489 هکذا : « ولما ورد نعی ابن هلال لعنه اللّه جاءنی الشیخ [ أی الحسین بن روح ] فقال لی : أخرج الکیس الذی عندک ، فأخرجته إلیه ، فأخرج إلیَّ رقعةً فیها : وأمّا ما ذکرت فی أمر الصوفی المتصنع _ یعنی الهلالی _ فبتر اللّه عمره ، ثم خرج من بعد موته : فقد قصدنا فصبرنا علیه فبتر اللّه تعالی عمره بدعوتنا» .
3- (3) رجال النجاشی / 83 الرقم 199 .
4- (4) کما ذکره المحقق البروجردی فی تقریرات بحثه الشریف / 406 من خمس تفصیل الشریعة .
5- (5) زبدة المقال فی خمس الرسول والآل / 83 .
6- (6) الخمس والانفال من تفصیل الشریعة / 131 .
7- (7) وسائل الشیعة 9 / 503 ح 7 .

إلاّ هذه الروایة ، ولا یعلم مَن یزید ولم یعلم أبوه فهو مجهول الحال رأساً»(1) .

ومنها : خبر علی بن الحسین بن عبدربّه قال : سرّح الرضا علیه السلام بصلة إلی أبی ، فکتب إلیه أبی : هل علیَّ فیما سرّحت إلیّ خمسٌ ؟ فکتب إلیه : لا خمس علیک فیما سرّح به صاحب الخمس(2) .

رجال السند کلّهم ثقات وحسان إلاّ السهل ، وعلی القول بأنّ الأمر فیه سهل تمّ السند .

وتقریب الاستدلال هو ما ذکره الشیخ الأعظم قدس سره فی کتاب الخمس(3) ، حیث وجّه الإمام علیه السلام « عدم الخمس فی المسرَّح هو کون المسرِّح صاحب الخمس لا لکونه تسریحاً» ، وأعمیّة الصلة عن مطلق الجائزة فضلاً عن جائزة الظالم ظاهرة کما نبّه علیه المحقق التقی الشیرازی(4) قدس سره .

وفیه : أوّلاً : علی فرض تمامیة الاستدلال فیستحب إخراج الخمس من مطلق الجوائز ومنها جوائز الجائر ، وأین هذا من رفع الکراهة بهذا الإخراج ؟

وثانیاً : لم یحرز إعراض الأصحاب بالنسبة إلی الروایات ، فیمکن القول بوجوب إخراج خمس الجوائز والهدایا إمّا مطلقاً أو إذا کانت لها خطراً أی ذاقیمة یعتنی بها کما علیه البعض ، وهو المختار ، فلا تتم أرکان الاستدلال .

وثالثاً : علی القول بوجوب إخراج الخمس من الجوائز إمّا مطلقاً أو إذا کان لها خطر یدخل فی خمس أرباح المکاسب ویُستثنی منه مؤنة السنة ، لأنّ المال الواحد لا یخمّس مرّتین . فالهدیة أو الجائزة إذا کانت خطیرة وذاقیمة کثیرة ولم تصرف فی مؤنة السنة یتعلَّق بها الخمس ، واللّه العالم .

ص: 317


1- (1) تقریرات بحث الخمس للمحقق البروجردی / 406 بقلم آیة اللّه الفاضل _ مدظله _ المطبوعة ضمن تفصیل الشریعة ، وزبدة المقال فی خمس الرسول والآل / 83 .
2- (2) وسائل الشیعة 9 / 508 ح 2 .
3- (3) کتاب الخمس / 86 الطبعة الحدیثة عام 1415 ق .
4- (4) حاشیة المکاسب 1 / 165 .
ومنها : الأخذ لغیره

کراهة أخذ جوائز الجائرین تختص بما إذا أخذها لنفسه وأنفقها فی حوائجه ، ولکن إذا أخذها لغیره والإنفاق علیهم وقضاء حوائجهم ، فلا یکره کما سبق ذکر کلام المحقق الأردبیلی(1) فی هذا المقام .

وتبعه الشیخ جعفر وقال : « غیر أنّه لو حصلت مرجّحات أقوی منها غلبت علیها ، کما إذا کان الغرض التوصل إلی طلب العلم وإعانة الفقراء وصلة الأرحام وغیر ذلک ، فإنّه ینقلب الرجحان»(2) .

وتلمیذاه صاحبا المفتاح والجواهر ، قال الأوّل منهما : « لو حصل مرجّحات اُخر أقوی غلبت الکراهیة ، کما إذا کان الغرض تحصیل العلم وإعانة الفقراء والأرحام المضطرین إلی غیر ذلک»(3) .

وقال ثانیهما : « کما أنّه أیضاً یرفعها أیضاً اقترانها بمرجّحات تقتضی قبولها علی حسب غیرها من المکروهات»(4) .

وقال الشیخ الأعظم : « إنّ الکراهة ترتفع بکلِّ مصلحة هی أهمّ فی نظر الشارع من الإجتناب عن الشبهة»(5) .

وقال المحقق الإیروانی : « لا إشکال فی ارتفاع الکراهة بکلِّ مصلحة هی أهمّ من اجتناب المشتبه ، بلا حاجة إلی التمسک لإثباته بهذه الروایة (أی روایة الکاظم علیه السلام ) ، وإنّما الکلام فی الصغری وأنّ کلَّ مصلحةٍ وإن کانت ضعیفةً هی أهمّ فی نظر الشارع من مفسدة إرتکاب المشتبه ، وهذه الکلّیّة غیر مستفادة من الروایة ... »(6) .

ص: 318


1- (1) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 88 .
2- (2) شرح القواعد 1 / 340 .
3- (3) مفتاح الکرامة 12 / 387 .
4- (4) الجواهر 22 / 177 .
5- (5) المکاسب 2 / 173 .
6- (6) حاشیة المکاسب 1 / 315 .

أقول : ما ذکره الأعلام فی المقام تام ، والکراهة إذا تعارضت مع مصلحة أقوی منها ترتفع بلا إشکال . ویؤیدها خبران للفضل بن ربیع(1) ومرسلة الصدوق(2) الماضیة . وخبر مفضل بن قیس بن رمانة قال : دخلت علی أبی عبد اللّه علیه السلام فذکرت له بعض حالی ، فقال : یا جاریة هاتی ذلک الکیس ، هذه أربعمائة دینار وصلنی بها أبو جعفر فخذها وتفرَّج بها .قال : فقلت : لا واللّه جعلت فداک ما هذا دهری ، ولکن أحببت أن تدعو اللّه عزّ وجلّ لی . قال فقال : إنّی سأفعل ، ولکن إیّاک أن تخبر الناس بکلِّ حالک فتهون علیهم(3) .

ومنها : الکراهة تزول بالإنتقال

قال الشیخ جعفر : « والظاهر أنّ الکراهة _ علی القول بها _ تختص بالمرتبة الاُولی ، فلو انتقل إلی الثانیة أو الثالثة زالت الکراهة»(4) .

أقول : إن کان منشأ الکراهة اجتناب الشبهة أو أخبار الإحتیاط لا تختص بالمرتبة الاُولی بل تعمّ غیرها من المراتب کما نبّه علیه المحقق الأردکانی(5) قدس سره ، ولکن إن کان منشأها حرمة محبّتهم أو صحیحة الولید بن صبیح فتختص بالمرتبة الاُولی ،

وحیث أنّ التمسک بالصحیحة کان مختارنا فإذا انتقلت الجائزة إلی الثانیة أو الثالثة فقد زالت الکراهة .

تنبیهٌ : کیف یأخذ الأئمة علیهم السلام جوائزهم مع ثبوت الکراهة فی أخذها ؟

عدّة من الروایات تدلّ علی أنّهم علیهم السلام یأخذون جوائز الجائرین کما مرّ منّا بعضها فیما سبق وأمّا غیرها :

فمنها : موثقة الحسین بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبیه علیهماالسلام : أنّ الحسن

ص: 319


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 216 ح 11 ، ومستدرک الوسائل 13 / 177 ح 8 .
2- (2) مستدرک الوسائل 13 / 180 ح 16 .
3- (3) الکافی 4 / 21 ح 7 ونقل عنه مختصره فی وسائل الشیعة 17 / 215 ح 9 .
4- (4) شرح القواعد 1 / 341 .
5- (5) غنیة الطالب 1 / 262 .

والحسین علیهماالسلام کانا یغمزان معاویة ویقعان فیه ویقبلان جوائزه(1) .

ومنها : خبر الرشید أنّ موسی بن جعفر علیه السلام دخل علیه یوماً فأکرمه ، ثم ذکر أنّه أرسل إلیه مائتی دینار(2) .

ومنها : مرسلة الطبرسی عن الحسین علیه السلام أنّه کتب کتاباً إلی معاویة وذکر الکتاب وفیه تقریع(3) عظیم وتوبیخ بلیغ ، قال : فما کتب معاویة بشیءٍ یسوؤه ، وکان یبعث إلیه فی کلِّ سنة ألف ألف درهم سوی عروض وهدایا من کلّ ضرب(4) .

ومنها : خبر محمد بن عیسی(5) وخبر الحسن بن الفضل(6) ومرسلتان للربیع(7) وخبران آخران له(8) وخبر محمد بن الزبرقان الدامغانی(9) ومرسلة الطبری(10) وغیرها من الروایات .

یمکن حملها علی وجوه :

الأوّل : أنّ الأرض وما فیها کلّها لهم ، کما ورد بذلک عدّة من الروایات المعتبرة نحو خبر أبی خالد الکابلی(11) وصحیحة عمر بن یزید(12) وصحیحة حفص بن البختری(13)

ص: 320


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 216 ح 13 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 216 ح 12 .
3- (3) تقریع : تنقیص ویعاب ، قرع صفاته : أی تنقَّصهُ وعابَهُ .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 217 ح 14 .
5- (5) مستدرک الوسائل 13 / 173 ح 1 .
6- (6) مستدرک الوسائل 13 / 174 ح 2 .
7- (7) مستدرک الوسائل 13 / 174 ح 3 ، و 13 / 175 ح 5 .
8- (8) مستدرک الوسائل 13 / 176 ح 6 و 7 .
9- (9) مستدرک الوسائل 13 / 177 ح 9 .
10- (10) مستدرک الوسائل 13 / 178 ح 10 .
11- (11) الکافی 1 / 407 ح 1 . ویأتی توضیح حول سند هذه الروایة فی هذا المجلد ، صفحة 472 .
12- (12) الکافی 1 / 408 ح 3 .
13- (13) الکافی 1 / 409 ح 8 .

وغیرها(1) .

الثانی : أنّ لهم حقّاً بل حقوقاً فی بیت المال ، فتکون الجوائز من حقوقهم الواجبة ، کما نبّه علیه الشهید وقال : « لأنّ ذلک من حقوقهم بالأصالة»(2) .

بل هم الذین یجوز لهم التصرف فی بیت المال أوّلاً وبالذات وبالأصالة .

الثالث : إنّهم علیهم السلام أخذوها ووزّعوها بین أرباب الحاجة وفقراء المؤمنین وغیرهم کما مرّ منّا أخبارها .

الرابع : یجوز لهم عقلاً وشرعاً فعل المکروه وترک المستحب إحیاناً ، لاسیما إذا کان لإظهار جواز الفعل أو ترکه کما اعترف به أصحاب روضة المتقین(3) والحدائق(4) والجواهر(5) .

نعم ، لیس لهم الاستمرار علی ذلک لمنافاتهما مع قدسیتهم وأفضلیتهم وأعلمیتهم کما لا یخفی . هذا کلّه فی الصورة الأولی من القسم الثانی .

الصورة الثانیة من القسم الثانی
اشارة

وهی فرض تعارض الأصول والأمارات فی أطراف العلم الإجمالی ویقع الکلام فیها فی مقامین :

المقام الأوّل : من حیث جریان القواعد

المقام الثانی : من حیث الروایات الواردة

فأمّا المقام الأوّل :

قد مرّ منّا أنّ العلم الإجمالی منجزٌ بالنسبة إلی التکلیف الواقعی لتعارض الأصول النافیة فی أطرافه ، وحیث تتعارض الاُصول النافیة والأمارات فی هذه الصورة الثانیة فالعلم

ص: 321


1- (1) راجع فی هذا المجال الکافی 1 / 407 باب أنّ الأرض کلَّها للإمام علیه السلام .
2- (2) الدروس 3 / 170 .
3- (3) روضة المتقین 1 / 333 .
4- (4) الحدائق 18 / 265 .
5- (5) الجواهر 22 / 176 .

الإجمالی منجّز بالنسبة إلی التکلیف الواقعی ، فلابدَّ من الإحتیاط وعدم جواز أخذ الجائزة من الظالم . هذا کلّه بناءً علی الأصل الأوّلی فی المقام .

ولکن یمکن أن یقال بإنحلال العلم الإجمالی الموجود فی موارد :

منها : إذا أجاز الجائر لشخص التصرف فی شیءٍ معین من أمواله أو یعطیه مطلقاً - أی بلا فرق بین أن یعطیه مجاناً أو مع العوض - فحینئذ ینحل العلم الإجمالی إلی شک بدویٍّ وعلم تفصیلیٍّ ، لأنّ الآخذ یعلم تفصیلاً بحرمة التصرف فی بقیة أموال الجائر ، إمّا لأنّه لم یجز التصرف فیها وإما لکونها مغصوبة . وأمّا خصوص ما أخذه فیجوز التصرف فیها لقاعدة الید .

ومنها : إذا أجاز الجائر أن یتصرف المجاز فی شیءٍ من أمواله علی نحو العموم البدلی - کما إذا أعطی الجائر کیسه للمجاز وأجاز له أن یأخذ منه دینارا والمجاز یعلم إجمالاً بأنّ فی الکیس دیناراً محرّماً - فحینئذ یجری فیه جمیع ما یجری فی المورد الأوّل ، من انحلال العلم الاجمالی ، لأنّ اختیاره دیناراً خاصاً یعیّن متعلّق الأذن فصار کالمورد الأوّل .

ومنها : إذا أجاز الجائر أن یتصرف المجاز فی جمیع أمواله علی نحو العموم الاستیعابی - کما إذا کان له أموال وأجاز له أن یتصرف فی جمیعها ویعلم المجاز إجمالاً بوجود أموال محرَّم فیها - ولکن حیث لم تکن جمیع أمواله محلّ إبتلائه وإن کان إذنه عاماً ولکن عملاً لم یتصرف المجاز إلاّ فی بعض الأموال وبعضها یخرج من تصرفاته ، فحینئذ صار تصرفه العملی کتعین متعلَّق الإذن فی المورد الثانی وکالإجازة الخاصة فی التصرف فی شی ءٍ معیّن من أمواله فی المورد الأوّل ، فالعلم الإجمالی ینحلّ - إمّا واقعاً أو حکماً - إلی شک بدویٍّ وعلم تفصیلیٍّ .

أقول : قد مرّ أنّ العلم الإجمالی منجّز بالنسبة إلی التکلیف الواقعی ، ففی جمیع الموارد الثلاثة : الإذن الخاص فی شی ءٍ من أموال الجائر أو اختیار المجاز أو التصرف العملی کلها لاتحلّ العلم الإجمالی الوارد فی المقام ، فالعلم الإجمالی منجّز ، فلا یجوز التصرف فی شیءٍ من أمواله حینئذٍ .

نعم ، لو فرض فی مورد إنحلال هذا العلم الإجمالی - کما فی المورد الأوّل - ولکن مع جریان قاعدة الید فی الجائزة بحیث لم تکن ید الجائر مسبوقة بید الغیر ، فحینئذ ینحل العلم

ص: 322

الإجمالی ویجوز الجائزة .

والمحقَّق عندنا فی علم الأصول أنّ العلم الإجمالی بالنسبة إلی المخالفة القطعیة یصیر کالعلّة التامة ، فلا یمکن مخالفته القطعیة . وأمّا بالنسبة إلی المخالفة الإحتمالیة فیصیر کالمقتضی ، فیمکن للشارع أن یتصرف فیه ویأذن بارتکاب بعض محتملاته ، ویمکن أن یکون أخذ الجائزة منها ، فیقع الکلام فی المقام الثانی فی ثبوت هذا الإذن .

المقام الثانی : الروایات
اشارة

وهی علی طوائف ثلاث :

الطائفة الأولی : الروایات الواردة حول الربا

الدالة علی حلّیّته إذا کان مالکه مجهولاً :

منها : صحیحة أبی المغرا قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : کلّ ربا أکله الناس بجهالة ثمّ تابوا فإنّه یقبل منهم إذا عرف منهم التوبة . وقال : لو أنّ رجلاً ورث من أبیه مالاً وقد عرف أنّ فی ذلک المال ربا ولکن قد اختلط _ فی التجارة _ بغیره حلال کان حلالاً طیباً فلیأکله ، وإن عرف منه شیئاً أنّه ربا فلیأخذ رأس ماله ولیردّ الربا . وأیّما رجل أفاد مالاً کثیراً قد أکثر فیه من الربا فجهل ذلک ثمّ عرفه بعد فأراد أن ینزعه فما مضی فله ویدعه فیما یستأنف(1) .

ومنها : صحیحة محمد بن مسلم قال : دخل رجل علی أبی جعفر علیه السلام من أهل خراسان قد عمل بالربا حتّی کثر ماله ، ثمّ إنّه سأل الفقهاء ؟ فقالوا : لیس یقبل منک شیءٌ إلاّ أن تردّه إلی أصحابه ، فجاء إلی أبی جعفر علیه السلام فقصّ علیه قصّته ، فقال له أبوجعفر علیه السلام : مخرجک من کتاب اللّه «فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَیَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَی اللّهِ»(2) والموعظة : التوبة(3) .

ومنها : صحیحة محمد بن عیسی قال : إنّ رجلاً أربی دهراً من الدهر فخرج قاصداً أبا

ص: 323


1- (1) وسائل الشیعة 18 / 128 ح 2 . الباب 5 من أبواب الربا .
2- (2) سورة البقرة / 275 .
3- (3) وسائل الشیعة 18 / 130 ح 7 .

جعفر الجواد علیه السلام ، فقال له : مخرجک من کتاب اللّه یقول اللّه : «فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَیَ فَلَهُ مَا سَلَفَ» والموعظة هی التوبة فجهله بتحریمه ثم معرفته به ، فما مضی فحلال وما بقی فلیتحفظ(1) .

ومنها : صحیحة اُخری له قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : لا یکون الربا إلاّ فیما یکال أو یوزن ، ومن أکله جاهلاً بتحریمه لم یکن علیه شیء(2) .

ومنها : حسنة أبی الربیع الشامی _ وهو خالد بن اُوفی _ قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل أربی بجهالة ثمّ أراد أن یترکه ، قال : أمّا ما مضی فله ، ولیترکه فیما یستقبل ، الحدیث(3) .

قد مرّ منّا فی آخر بحث الربا بأنّ جماعةً من الفقهاء أفتوا بمضمون هذه الروایات وذهبوا إلی جواز أکل الربا مع الجهل بها حکماً أو موضوعاً ومع الجهل بصاحبه والذهاب إلی التوبة من قبل آخذه أعنی الإنتهاء عن الربا ، ویدلّ علیه قوله تعالی : «فَلَهُ مَا سَلَفَ» .

ثمّ قد ذهب الفقیه الیزدی(4) إلی التمسک بهذه الروایات فی حلیّة جوائز الجائرین ولو مع وجود العلم الإجمالی باشتمالها علی الحرام .

وفیه : نعم نحن نقول بهذه الروایات فی بحث الربا کما مرّ ، ولکن تسریة حکم الربا إلی جوائز الجائرین مع الفارق وأشبه شیء بالقیاس .

الطائفة الثانیة : الروایات الدالة علی حلیّة الأشیاء ما لم یعلم حرمتها

منها : معتبرة عبد اللّه بن سلیمان قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الجبن ؟ فقال : لقد سألتنی عن طعام یعجبنی ، ثم أعطی الغلام درهماً ، فقال : یا غلام ابتع لنا جبناً ، ثم دعا بالغداء ، فتغدّینا معه فأتی بالجبن ، فأکل وأکلنا ، فلمّا فرغنا من الغداء ، قلت : ما تقول فی الجبن ؟ قال : أو لم ترنی آکله ؟ قلت : بلی ولکنّی اُحبّ أن أسمعه منک ، فقال : ساُخبرک عن الجبن وغیره ، کلّ

ص: 324


1- (1) وسائل الشیعة 18 / 131 ح 10 .
2- (2) وسائل الشیعة 18 / 131 ح 11 .
3- (3) وسائل الشیعة 18 / 130 ح 4 .
4- (4) حاشیة المکاسب 1 / 173 .

ما کان فیه حلال وحرام فهو لک حلال ، حتّی تعرف الحرام بعینه فتدعه(1) .

رجال السند ثقات إلاّ عبد اللّه بن سلیمان لم یرد توثیقه ، وهو مشترک بین أربعة لم یرد توثیق أحدهم ، وحمله الأردبیلی(2) علی النخعی الکوفی ، وهو غیر تام . ولکن بهذا العنوان ورد فی 45 روایة من الکتب الأربعة ، ونقل کثیر من مشایخ الطائفة عنه أمثال : أبان وابن أبی عمیر وصفوان بن یحیی والنضر بن سوید وابن مسکان ویونس بن عبد الرحمن ویحیی الحلبی ومحمد بن الحسن العطار وابن اُذینة وعبد اللّه بن سنان(3) ، فیکشف ذلک عن اعتبار الرجل وشهرته ، ولم یرد قدح فیه فهو معتبر ، ولذا قال الوحید : « إنّ عبد اللّه بن سلیمان حسّنه خالی لوجود طریق للصدوق رحمه الله إلیه ، ویروی عنه صفوان وابن ابی عمیر ، ولیس بمعلوم أنّه أیّهم هذا ، الظاهر أنّه الصیرفی علی تقدیر التعدد»(4) . وبالجملة السند عندنا معتبر ولو لم یظهر لنا أنّ ابن سلیمان هوالصیرفی أو العامری أو العبسی أو النخعی أو غیرهم . ولکنّه لم یضر باعتباره .

ومنها : صحیح معاویة بن عمار عن رجل من أصحابنا قال : کنت عند أبی جعفر علیه السلام فسأله رجل من أصحابنا عن الجبن ؟ فقال أبو جعفر علیه السلام : إنّه لطعام یعجبنی فسأخبرک عن الجبن وغیره ، کلّ شیءٍ فیه الحلال والحرام فهو لک حلال حتّی تعرف الحرام فتدعه بعینه(5) .

ومنها : صحیحة عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : کلّ شیءٍ یکون فیه حلال وحرام فهو لک حلال أبداً حتّی تعرف الحرام منه بعینه فتدعه(6) .

ومنها : موثقة سماعة عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث : إن کان خلط الحرام بالحلال

ص: 325


1- (1) وسائل الشیعة 25 / 117 ح 1 . الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة .
2- (2) جامع الرواة 1 / 486 .
3- (3) جامع الرواة 1 / 486 .
4- (4) نقل عنه المامقانی فی تنقیح المقال 2 / 158 من الطبع الحجری .
5- (5) وسائل الشیعة 25 / 119 ح 7 .
6- (6) وسائل الشیعة 17 / 87 ح 1 . الباب 4 من أبواب ما یکتسب به _ وسائل الشیعة 24 / 236 ح 2 الباب 64 من أبواب الأطعمة المحرمة .

فاختلطا جمیعاً فلم یُعرف الحرام من الحلال فلا بأس(1) .

ومنها : معتبرة مسعدة بن صدقة عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : کلّ شیءٍ هو لک حلال حتّی تعلم أنّه حرام بعینه فتدعه من قبل نفسک ، وذلک مثل الثوب یکون قد اشتریته وهو سرقة أو المملوک عندک ولعلّه حرّ قد باع نفسه ، أو خدع فبیع قهراً أو امرأة تحتک وهی اُختک أو رضیعتک ، والأشیاءُ کلّها علی هذا حتّی یستبین لک غیر ذلک أو تقوم به البیّنة(2) .

أقول : لا إشکال فی شمول هذه الروایات وجریان إطلاقها بالنسبة إلی محلِّ البحث ، ولکن لا یمکن الأخذ بإطلاقها ، لأنّها تقتضی الحکم بجواز ارتکاب جمیع الشبهات ، سواء کانت مقرونةً بالعلم الإجمالی أم لا ، وسواء کانت الشبهة محصورة أم لا . ومن الواضح أنّ هذا ممّا لا یمکن الالتزام به ، وعلیه فلابدَّ من حملها علی الشبهات البدویة ، وإلاّ یلزم من إطلاقها المخالفة القطعیة فی جمیع أطراف العلم الإجمالی ، ولا یقول به أحدٌ کما نبّه علیه المحقق الخوئی(3) قدس سره .

ثم قال الشیخ الأعظم قدس سره : « قد تقرر حکومة قاعدة الإحتیاط علی ذلک»(4) یعنی علی هذه الطائفة الثانیة من الروایات الدالة علی الحلّیّة .

وقد قرره الشیخ الأعظم فی فرائده(5) ، ثمّ استشکل علیه المحققون الإیروانی(6) والخوئی(7) والأردکانی(8) قدس سرهم بمنع حکومة قاعدة الإحتیاط علی أصالة الحلّیّة . ولکن الحقّ مع الشیخ الأعظم قدس سره ، لأنّ قاعدة الإحتیاط حاکمة علی أصالة الحلّیّة فی موارد العلم الإجمالی ،

ص: 326


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 88 ح 2 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 89 ح 4 .
3- (3) مصباح الفقاهة 1 / 503 .
4- (4) المکاسب 2 / 175 .
5- (5) فرائد الأصول 2 / 200 .
6- (6) حاشیة المکاسب 1 / 318 .
7- (7) مصباح الفقاهة 1 / 503 .
8- (8) غنیة الطالب 1 / 264 .

وخصوص الأموال کما نبّه علی الأوّل صاحب عمدة المطالب(1) _ مدظله _ .

الطائفة الثالثة : الروایات الخاصة التی تدلّ علی جواز أخذ الجائزة من الظالم

وقد مرّ منّا فی القسم الأوّل بعض هذه الروایات المعتبرة بل المستفیضة ، وبعضها فی التنبیه التی ذکرتُها فی آخر الصورة الاُولی من القسم الثانی ، وبعضها الاُخری أذکرها لک هنا :

فمنها : صحیحة محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحمیری أنّه کتب إلی صاحب الزمان «عجل اللّه فرجه» یسأله عن الرجل من وکلاء الوقف مستحلّ لما فی یده لا یرع عن أخذ ماله ، ربّما نزلتُ فی قریته وهو فیها ، أو أدخل منزله وقد حضر طعامه فیدعونی إلیه ، فإن لم آکل من طعامه عادانی علیه ، فهل یجوز لی أن آکل من طعامه ، وأتصدق بصدقة ، وکم مقدار الصدقة ؟ وإن أهدی هذا الوکیل هدیّة إلی رجل آخر فیدعونی إلی أن أنال منها وأنا أعلم أنّ الوکیل لا یتورع عن أخذ ما فی یده ، فهل علیَّ فیه شی ءٌ إنْ أنا نلت منها ؟

الجواب : إن کان لهذا الرجل مال أو معاش غیر ما فی یده فکُلْ طعامَهُ واقبلْ برَّه ، وإلاّ فلا(2) .

أقول : قد عبّرنا عن سند هذه الروایة بالصحیحة مع أنّها مرویّة فی احتجاج(3) الطبرسی مرسلة ، ولکن للشیخ الطوسی سنداً صحیحاً إلی مکاتبات الحمیری مع الناحیة المقدسة رواها الشیخ عن « جماعة عن أبی الحسن محمد بن أحمد بن داود القمی قال : وجدت بخط أحمد بن إبراهیم النوبختی وإملاء أبی القاسم الحسین بن روح رضی الله عنه »(4) .

وهذا السند من الشیخ صحیح ، لأنّ الجماعة لا أقل من دخول واحد من الثقات فیهم . وأمّا أبو الحسن محمد بن أحمد بن داود بن علی القمی « شیخ هذه الطائفة وعالمها وشیخ القمیین فی وقته وفقیهم ، حکی أبو عبد اللّه الحسین بن عبید اللّه [ الغضائری ] أنّه لم یرَ أحداً

ص: 327


1- (1) عمدة المطالب 1 / 474 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 217 ح 15 .
3- (3) الاحتجاج 2 / 485 .
4- (4) الغیبة / 228 وفی المطبوعة الحسین بن نوح ، وهو إمّا تصحیف روح أو غلط مطبعی ، لأنّ حسین بن نوح لم یوجد فی کتب الرجال . وکذا نقل العلامة المجلسی فی بحار الأنوار 53 / 150 الحسین بن روح .

أحفظ منه ولا أفقه ولا أعرف بالحدیث ... ومات سنة ثمان وستین وثلاثمائة ودفن بمقابر قریش [ ببغداد ] » کما ذکره النجاشی(1) .

وهذا الفقیه والحافظ والمحدِّث الجلیل شهد بأنّ هذه المکاتبات من إملاء أبی القاسم الحسین بن روح النائب ، ولذا لا یضرّ إهمال أحمد بن إبراهیم النوبختی ، لأنّه لیس فی سند الروایة بل هو کاتب فقط .

والشاهد علی ما ذکرناه سند آخر للشیخ بهذه المکاتبات والتوقیعات ، لأنّه قال : « قال ابن نوح : أوّل من حدثنا بهذا التوقیع أبو الحسن محمد بن علی بن تمام وذکر أنّه کتبه من ظهر الدَّرْج الذی عند أبی الحسن بن داود ، فلما قدم أبو الحسن بن داود قرأته علیه ، وذکر أنّ هذا الدَّرْج بعینه کتب به أهل قم إلی الشیخ أبی القاسم ، وفیه مسائل فأجابهم علی ظهره بخط أحمد بن إبراهیم النوبختی وحصل الدرج عند أبی الحسن بن داود»(2) .

والمراد بابن نوح هو أبو العباس أحمد بن علی بن محمد بن أحمد بن العباس بن نوح السیرافی البصری ، قال النجاشی فی شأنه : « کان ثقة فی حدیثه متقناً لما یرویه ، فقیهاً بصیراً بالحدیث والروایة ، هو اُستاذنا وشیخنا ومن استفدنا منه»(3) .

وأمّا أبو الحسن محمد بن علی بن تَمّام بن سُکَیْن - وکان لقّب بسُکَیْن بسبب إعظامهم له - وکان ثقة عیناً صحیح الإعتقاد جیّد التصنیف ، کما ذکره النجاشی(4) . وأمّا أبو الحسن بن داود هو نفس محمد بن أحمد بن داود القمی الذی کان فی السند السابق .

والمراد بالشیخ أبی القاسم هو الحسین بن روح النائب الخاص للناحیة المقدسة . وأنت تری التصریح فی هذا السند بأنّ النوبختی لم یکن إلاّ أنّ الدَّرْج یکون بخطه ، یعنی أنّه لیس إلاّ کاتباً ولم یدخل فی سند الروایة ، فلا یضر إهماله بالسند . هذا کلّه بالنسبة إلی اعتبار سند هذا التوقیع الشریف .

ص: 328


1- (1) رجال النجاشی / 384 الرقم 1045 .
2- (2) الغیبة / 229 .
3- (3) رجال النجاشی / 86 الرقم 209 .
4- (4) رجال النجاشی / 385 الرقم 1046 .

وأمّا دلالتها : فمورد التوقیع وإن کان فی بعض وکلاء الوقف الذی لیس له ورع ولا یرعی مصالح الوقف ولا یصرف مال الوقف فی الموقوف علیهم ولذا صار تصرفه فیه محرّماً ، وبه یصیر أمواله محل الشبهة والحرمة ، ولکن أجاز الإمام علیه السلام التصرف فی أمواله بشرط أن یکون له مال أو معاش غیر ما فی یده من الوقف . وعلی هذا جواز التصرف فی جوائز الظالمین یُستفاد من هذا التوقیع ، لأنّ الغالب وجود أموال لهم غیر الأموال المحرَّمة . مضافاً إلی أنّ الجائر یعطی غالباً من بیت المال لا من مال الوقف الخاص ، وحیث أنّ للآخذ حقٌّ فی بیت المال فیجوز له أخذه بطریق اُولی . وهذا التوقیع الشریف یدلّ علی جواز أخذ جوائز الظالمین ، وقد حملها علی القسم الثانی جماعة من المحققین نحو : السید الیزدی(1) والإیروانی(2) والأردکانی(3) والخوئی(4) قدس سرهم کما مرّ سابقاً .

ومنها : خبر عمر أخی عذافر قال : دفع إلیَّ إنسان ستمائة درهم أو سبعمائة درهم لأبی عبد اللّه علیه السلام ، فکانت فی جوالقی ، فلما انتهیت إلی الحفیرة شقَّ جوالقی وذهب بجمیع ما فیه ، ووافقت عامل المدینة بها ، فقال : أنت الذی شقت زاملتک فذهب بمتاعک ؟ فقلت : نعم ، فقال : إذا قدمنا المدینة فأتنا حتّی اُعوِّضک . قال : فلمّا انتهیت إلی المدینة دخلت علی أبی عبد اللّه علیه السلام فقال : یا عمر شقّت زاملتک وذهب بمتاعک ؟ فقلت : نعم ، فقال : ما أعطاک اللّه خیر ممّا اُخذ منک . إلی أن قال إئت عامل المدینة فتنجز منه ما وعدک ، فإنّما هو شیءٌ دعاک اللّه إلیه لم تطلبه منه(5) .

والحفیرة : موضع بالعراق . وافقت : أی صادفت . الزاملة : بعیر یستظهر به الرجل یحمل متاعه وطعامه علیه . وما أعطاک اللّه من دین الحقِّ والولایة .

وهذه الروایة نصٌّ فی جواز أخذ جوائزهم ، ولکن فی السند ضعف بعمر بن عیسی

ص: 329


1- (1) حاشیة المکاسب 1 / 165 .
2- (2) حاشیة المکاسب 1 / 310 .
3- (3) غنیة الطالب 1 / 257 .
4- (4) مصباح الفقاهة 1 / 494 .
5- (5) الکافی 8 / 221 ح 278 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 215 ح 8 .

أخی عذافر ، وهو ضعیف أو مجهول ولیس له إلاّ هذه الروایة وبغیره .

ومنها : صحیحة داود بن زُرْبی قال : قلت لأبی الحسن علیه السلام : إنّی اُخالط السلطان فتکون عندی الجاریة فیأخذونها أو الدابة الفارهة فیبعثون فیأخذونها ، ثمّ یقع لهم عندی المال فلی أن آخذه ؟ قال : خذ مثل ذلک ولا تزد علیه(1) .

والصحیحة تدلّ علی جواز المقاصّة من مال الظالم ، وماله یُحتمل فیه الحرمة ولکن أجاز الإمام التصرف فیه بقدر ماله المأخوذ لا أزید منه ، لأنّ الظالم لم یجز له ، وأمّا بالنسبة إلی جوائزه المجازة فلا بأس بها .

وهذه الروایات وما مضی منها وفیها الصحاح مطلقة بالنسبة إلی الشبهة البدویة والشبهة المقرونة بالعلم الإجمالی ، فتشمل المقام . وحیث ذهبنا إلی أنّ العلم الإجمالی یکون مقتضیّاً بالنسبة إلی المخالفة الإحتمالیة ولا یکون علّة تامة - تبعاً للشیخ الأعظم الأنصاری قدس سره وخلافاً للمحقق الخراسانی طاب ثراه - فحینئذ الروایات المجوِّزة المطلقة تثبت الإذن فی ارتکاب المخالفة الإحتمالیة لهذا العلم الإجمالی فی المقام .

مال إلی ما ذکرناه السید العاملی فی مفتاح الکرامة(2) وصرح به الفقیه الیزدی(3) والمحقق النائینی(4) . ولعلّ إلی ما ذهبنا إلیه ترجع کلمات الأصحاب قدس سرهم ، حیث أخذوا کلمة « التعین» أو « بعینها» فی حرمة جوائز الظالم نحو الشیخ فی النهایة حیث یقول : « ولا یجوز له أن یقبل من جوائزهم وصلاتهم ما یَعْلَمُهُ ظلماً وغصباً ویتعیّنُ له»(5) ، وکلمة « یتعیّن » له تفسر مراده من العلم بأنّه التفصیلی لا الإجمالی .

وکذا کلام ابن إدریس حیث یقول : « جاز له قبول جوائزه وصلاته ما لم یعلم أنّ ذلک

ص: 330


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 214 ح 7 .
2- (2) مفتاح الکرامة 12 / 384 .
3- (3) حاشیة المکاسب 1 / 174 .
4- (4) منیة الطالب 1 / 61 .
5- (5) النهایة / 385 .

ظلم بعینه ، فإذا لم یعلم أنّه بعینه ظلم فلا بأس بقبوله ... »(1) .

ونحوها عبائر المحقق فی الشرائع(2) والنافع(3) والعلامة فی النهایة(4) وثانی الشهیدین فی المسالک(5) والمحقق السبزواری فی الکفایة(6) والفاضل النراقی فی المستند(7) الماضیة .

هذا تمام الکلام فی الصورة الثانیة من القسم الثانی والحمد للّه .

القسم الثالث : الآخذ یعلم تفصیلاً بکون الجائزة محرّمة

اشارة

لا یجوز التصرف فی هذا المال بلا إشکال . ثمّ تعرّض الشیخ الأعظم(8) قدس سره لفروع لابدّ أن نقتفی أثره :

الفرع الأوّل : لو علم الآخذ بحرمة الجائزة قبل وقوعها فی یده لم یجز له أخذها

إذا کان مختاراً فی أخذها ، وإذا أخذها ارتکب محرّماً شرعیّاً وعلیه الضمان بقاعدة تعاقب الأیدی .

وأمّا إذا کان مجبوراً فی الأخذ ، فأخذها فلم یرتکب محرّماً للإضطرار من الأخذ ، وحینئذ هل یضمن أم لا ؟

یمکن أن یقال : بعدم الضمان ، لأنّه کان مجبوراً ومضطراً للأخذ ، وأخذه حینئذ کلا أخذ ، فلا یوجب الضمان .

وقد یقال : بعدم الضمان إذا کان مجبوراً فی أخذه وأخذه بقصد الردّ إلی مالکه ، فحینئذ لا

ص: 331


1- (1) السرائر 2 / 203 .
2- (2) الشرائع 2 / 6 .
3- (3) المختصر النافع / 118 .
4- (4) نهایة الإحکام 2 / 526 .
5- (5) المسالک 3 / 141 .
6- (6) الکفایة 1 / 447 .
7- (7) مستند الشیعة 14 / 199 .
8- (8) المکاسب 2 / 182 وما بعدها .

ضمان له ، لأنّه مضطرٌّ إلی أخذه من حیث الحدوث فصار کالعدم ، ومن حیث البقاء لا یقتضی الضمان مع قصده الردّ إلی المالک لأنّه محسنٌ .

ولکن الصحیح عندنا هو الضمان مطلقاً ، سواء کان مختاراً فی أخذه أو مجبوراً _ والجبر ینفی الحرمة التکلیفیة فقط لا الحکم الوضعی وهو الضمان _ وسواء کان الأخذ بقصد الردّ إلی المالک وعدمه ، وسواء کان أخذه بلا قصد أو بقصد التملّک ، وسواء کان الأخذ بقصد التملّک ترتب علیه التوبة والندم ورجع إلی قصد الردّ إلی مالکه ، أو لم یترتب . فی جمیع هذه الصور الآخذ یکون ضامناً بقاعدة تعاقب الأیدی ، فإن الآخذ جعل یده علی مال الغیر فیکون له ضامناً .

فلیعلم أنّ صرف نیة الردِّ لا یوجب عدم الضمان ولا یصیر الآخذ بها محسناً کما ادعاه الشیخ الأعظم(1) قدس سره ، لأنّ عنوان الإحسان لیس عنواناً قصدیاً ، بل هو عنوان واقعی ینطبق علی ردّ المال إلی مالکه فی الخارج ، وبعد تحققه فلا ینطبق علی الأخذ من ید الغاصب والجائر ولو کان الأخذ بنیّة الردّ کما نبّه علیه المحقق الإیروانی(2) .

نعم ، یمکن أن یقال فی الأخذ أنّه مقدمة للردِّ خارجاً الذی هو من مصادیق الإحسان ، ومن المعلوم أن اشتراط صفة المحبوبیة للمقدمة إذا ترتب التوصل بها إلی ذیها أو فی حال الوصول أو علی فرض الإیصال خارجاً ولکن المحبوبیة تغایر مع ترتب حکم ذی المقدمة علی المقدمة . والتفصیل یُطلب من بحث مقدمة الواجب فی علم الأصول .

الفرع الثانی : لو لم یعلم الآخذ بحرمة الجائزة ولکن علمها بعد وقوعها فی یده

من المعلوم أنّ الحرمة التکلیفیة منتفیة بالجهل بالحرمة حین الأخذ ، وأمّا بعد العلم بها لو نوی إبقاء یده علیه وأکل المال فیرتکب الحرمة ، ولوی نوی الردّ إلی صاحبه وقام به فلم یرتکب الحرام التکلیفی .

وأمّا حکمه الوضعی من الضمان وعدمه : فقد مرّ منّا أنّ الضمان أثر وضع الید علی مال

ص: 332


1- (1) المکاسب 2 / 183 .
2- (2) الحاشیة علی المکاسب 1 / 327 .

الغیر أو إتلافه ، وحیث أنّ الآخذ وضع یده علی مال الغیر بلا رضی صاحبه فیکون ضامناً مطلقاً . بلا فرق بین أنّ یکون الآخذ نوی التملّک أوّلاً ، لأنّه یکون جاهلاً بالحرمة ، وسواءً أدامت هذه النیة بعد العلم بالحرمة أم ترجع إلی نیة الردِّ بعده ، أو أنّه لم ینو التملّک أوّلاً بل أخذه حتّی یظهر له مالکیة الجائزة وجواز تصرفه فیها أم لا ؟

فی جمیع هذه الصور کان علی الآخذ الضمان ، لأنّه وضع الید علی مال الغیر ، وبقانون تعاقب الأیدی کان علیه الضمان ولو مع الجهل . غایة الأمر المغرور یرجع إلی مَنْ غرّ ، وحیث لم یمکن رجوعه إلی الظالم عادّةً یستقر الضمان علی ذمّته ویخرج عنه بإرجاع المال إلی صاحبه . ووافقنا علی الضمان مطلقاً فی هذا الفرع المحقق الإیروانی(1) قدس سره وتبعه الأردکانی(2) .

فلا یصغی إلی ما ذکره فی المسالک(3) من عدم الضمان مع الأخذ جهلاً مستدّلاً علیه بأنّ یده ید أمانة ، لأن الفرض عدم علمه بالغصب حتّی قبضها فتستصحب ، ووافقه علی ذلک السید بحر العلوم فی مصابیحه(4) .

لأنّ الآخذ جعل یده علی مال الغیر فهو ضامن ، مضافاً إلی عدم وجود الید الأمانی من أوّل الأمر حتّی تستصحب .

وکذا لا یصغی إلی ما ذکره الفقیه الیزدی(5) من أنّ الضمان یرتفع بنیة الردِّ إلی المالک ، لأنّه یدخل تحت عنوان الإحسان الموجب لعدم الضمان . لأنّه قد مرّ منّا من أنّ الأحسان لیس من العناوین القصدیة ، بل یتحقق بإیصال المال إلی صاحبه خارجاً وأدائه واقعاً . فالنیّة والقصد لا یُدخل الآخذ فی عنوان المحسن ، فلا یرتفع عنه الضمان . مضافاً إلی أنّ الآخذ بجعل الید علی مال الغیر یکون ضامناً ولا یخرج من هذا الضمان إلاّ بالأداء خارجاً ، وتعویض النیة والقصد لا یخرجه من الضمان ما لم یتحقق الأداء خارجاً .

ص: 333


1- (1) حاشیة المکاسب 1 / 328 .
2- (2) غنیة الطالب 1 / 272 .
3- (3) المسالک 3 / 142 .
4- (4) نقل عنه صاحب الجواهر فی کتابه 22 / 179 .
5- (5) حاشیة المکاسب 1 / 181 .
الفرع الثالث : وجوب الردّ هل یکون فوریّاً ؟

لأنّ جعل الید علی مال الغیر محرّم ابتداءً واستدامةً ، فالتأخیر فی الأداء یساوق بقاء الید علی مال الغیر بلا رضی صاحبه ، فیکون من المحرّمات الشرعیة . فالأداء یکون واجباً فوریّاً عرفیّاً ولا یکون واجباً فوریّاً عقلیّاً ، لأنّ الأحکام الشرعیة تنزل علی العرف .

الفرع الرابع : هل یتحقق الردّ بمجرد التخلیة بین المال وصاحبه أو یجب الإقباض ؟

الظاهر أنّ الأداء والردّ یتحقق بکلیهما ، وإن کان مجرد التخلیة بین المال وصاحبه ورفع الید والسلطة عن المال وإعلام المالک بأنّ المال تحت سلطته وتصرفه کافٍ فی الأداء والردّ وعلی المالک الأخذ خارجاً .

وإمّا إقباض المال توسط المالک هو الأداء والرد الخارجی أو الجوانحی کما اعترف به المحقق الإیروانی(1) قدس سره وتبعه الأردکانی(2) .

ونفقة حمل المال علی الرادّ ، وکذا لو تلف فی النقل فهو ضامن إلاّ إذا کان بأمر المالک .

الفرع الخامس : وجوب الفحص عن المالک

قد استدلوا علی وجوب الفحص إذا کان المالک مجهولاً مع الإمکان بقوله تعالی : «إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُکُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَی أَهْلِهَا»(3) .

بتقریب : أنّ اللّه یأمر بأداء الأمانة إلی أهلها ومالکها ، والأداء یقتضی وجوب الفحص عن المالک إذا کان مجهولاً ، وحیث أنّ المال فی ید المجاز فی مسألتنا أمانة حتّی یؤدیه إلی مالکه المجهول فعلاً فیجب علیه الفحص حتّی یعرفه ویؤدی ماله إلیه .

وبعدّةٍ من الروایات :

منها : خبر حفص بن غیاث قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل من المسلمین أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعاً واللصّ مسلم ، هل یردّ علیه ؟ فقال : لا یردّه ، فإن أمکنه أن یردّه إلی أصحابه فعل ، وإلاّ کان فی یده بمنزلة اللقطة یصیبها ، فیعرّفها حولاً فإن

ص: 334


1- (1) حاشیة المکاسب 1 / 330 .
2- (2) غنیة الطالب 1 / 273 .
3- (3) سورة النساء / 58 .

أصاب صاحبها ردّها علیه وإلاّ تصدق بها ، فإن جاء طالبها بعد ذلک خیّره بین الأجر والغرم ، فإن اختار الأجر فله الأجر وإن اختار الغرم غرم له وکان الأجر له(1) .

ومنها : صحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام _ فی حدیث _ قال : واللقطة یجدها الرجل ویأخذها ، قال : یعرّفها سنة ، فإن جاء لها طالب وإلاّ فهی کسبیل ماله(2) .

یمکن أن یناقش فی دلالة هذه الصحیحة ونظائرها من الروایات الواردة فی باب اللقطة بأنّها مختصة ببابها ولا تعمّ غیرها کما نبّه علیه المحقق الخوئی(3) قدس سره .

ومنها : معتبرة یونس بن عبد الرحمن قال : سئل أبو الحسن الرضا علیه السلام _ وأنا حاضر _ إلی أن قال : فقال : رفیق کان لنا بمکة فرحل منها إلی منزله ورحلنا إلی منازلنا ، فلمّا أن صرنا فی الطریق أصبنا بعض متاعه معنا ، فأیّ شیءٍ نصنع به ؟ قال : تحملونه حتّی تحملوه إلی الکوفة . قال : لسنا نعرفه ، ولا نعرف بلده ، ولا نعرف کیف نصنع ؟ قال : إذا کان کذا فبعه وتصدّق بثمنه ، قال له : علی من جعلت فداک ؟ قال : علی أهل الولایة(4) .

ظاهر السند صحیح إلاّ أنّ الشیخ الصدوق نقل عن اُستاده ابن الولید أنّه قال : « ما تفرّد به محمد بن عیسی من کتب یونس وحدیثه لا أعتمد علیه»(5) . ثمّ قال النجاشی : « ورأیت أصحابنا ینکرون هذا القول ویقولون مَنْ مِثْلِ أبی جعفر محمد بن عیسی»(6) .

وأنت تری أن الأصحاب قدس سرهم لم یقبلوا هذا القول من ابن الولید ولذا نقل النجاشی إنکارهم علیه .

وقد نقل المولی الأردبیلی صاحب جامع الرواة بیان معاصره الفاضل السراب فی کتابه وقال : « ذکر الفاضل الکامل مولانا محمد الجیلانی الملقب بالسراب _ مدظله العالی _ ما یتعلق

ص: 335


1- (1) وسائل الشیعة 25 / 463 ح 1 . الباب 18 من أبواب اللقطة .
2- (2) وسائل الشیعة 25 / 441 ح 1 . الباب 2 من أبواب اللقطة .
3- (3) مصباح الفقاهة 1 / 513 .
4- (4) وسائل الشیعة 25 / 450 ح 2 . الباب 7 من أبواب اللقطة .
5- (5) رجال النجاشی / 333 الرقم 896 .
6- (6) رجال النجاشی / 333 الرقم 896 .

بتوثیق محمد بن عیسی وبیان عدم صلاحیة ما یتوهم کونه جرحاً له عن المعارضه بکلام مشبع بتقریب بیان اعتبار سند حدیث فننقل کلامه بلفظه وهو قوله»(1) فراجعه إن شئت .

والحقّ عندنا أیضاً عدم تمامیة قول ابن الولید . هذا کلّه بالنسبة إلی السند .

وأمّا دلالتها : فالروایة وإن کانت واردة فی حکم المال المعلوم مالکه ولکنّه مع تعذر تسلیم المال إلیه صار حکمه حکم مجهول المالک ، فإنّهما فی الحکم مشترکان . وأخذ الإمام علیه السلام الجملة الشرطیة فی جواب السائل فقال : « إذا کان کذا فبعه وتصدّق بثمنه» أی إذا لم تتمکن من إیصال المال إلی مالکه فبعه وتصدّق بثمنه ، وهذه الجملة الشرطیة بالمفهوم تدلّ علی أنّه إذا تمکن من إیصال المال إلی صاحبه ولو بالفحص وجب ذلک ، فالروایة دالّة علی المطلوب کما نبّه علیه شیخنا الاُستاذ(2) _ مدظله _ .

ومنها : معتبرة بل صحیحة هشام بن سالم قال : سأل خطاب الأعور أبا إبراهیم علیه السلام وأنا جالس _ فقال : إنّه کان عند أبی أجیر یعمل عنده بالاُجرة ، ففقدناه وبقی من أجره شیء ، ولا یُعرف له وارث ؟ قال : فاطلبوه ، قال : قد طلبناه فلم نجده ، قال : فقال : مساکین _ وحرّک یده _ قال : فأعاد علیه ، قال : أطلب واجهد ، فإن قدرت علیه وإلاّ فهو کسبیل مالک حتّی یجیء له طالب ، فإن حدث بک حدث فأوصِ به : إن جاء له أن یدفع إلیه(3) .

دلالة الروایة علی وجوب الفحص واضحة ، حیث یقول الإمام علیه السلام فیها : « أطلب واجهد» .

ومنها : صحیحة معاویة بن وهب قال : سُئل أبو عبد اللّه علیه السلام عن رجل کان له علی رجل حقٌّ ففقد ولا یدری أحیُّ هو أم میّت ؟ ولا یعرف له وارث ولا نسب ولا بلد ؟ قال : أطلبه ، قال : إنّ ذلک قد طال فأصدّق به ؟ قال : أطلبه(4) .

ص: 336


1- (1) جامع الرواة 2 / 166 .
2- (2) إرشاد الطالب 1 / 327 .
3- (3) وسائل الشیعة 26 / 296 ح 1 . الباب 6 من أبواب میراث الخنثی والمال المجهول المالک .
4- (4) التهذیب 6 / 188 ح 21 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 18 / 362 ح 2 . الباب 22 من أبواب الدین والقرض .

هذه الروایة دلالتها علی وجوب الفحص واضحة وسندها أیضاً صحیح ، لأن سند الشیخ بأحمد بن محمد تامٌ وحماد ومعاویة ثقتان ، فالروایة صحیحة الإسناد .

ولکن روی نحوها المشایخ الثلاثة فی الکتب الأربعة(1) وفی سندها أبی (ابن) ثابت وابن عون أو أحدهما فی طبقة واحدة ، وهما مهملان ، فالتعبیر عن هذا السند بالصحیحة ، کما عن الفقیه الیزدی(2) والنائینی(3) والأردکانی(4) وشیخنا الاُستاذ(5) _ مدظله _ ، غیر تام إلاّ علی القول بأنّ السند إذا وصل إلی أصحاب الإجماع _ وهو یونس هنا _ لا ینظر إلی ما بعده ، ولکن هذا المبنی عندنا ولعلّ عند کثیر منهم فاسد .

وقد نبّه علی الخدشة فی هذا السند وتمامیة سندها الآخر الفقیه القمی(6) _ مدظله _ . وکذا نبّه أستاذه السید الخوئی(7) علی صحة سندها الأوّل .

هذه الروایات تدلّ علی وجوب الفحص عن المالک ، ولکن قال الشیخ الأعظم قدس سره : « ویُحتمل غیر بعید عدم وجوب الفحص ، لإطلاق غیر واحد من الأخبار»(8) .

لعلّ مراد الشیخ الأعظم قدس سره الأخبار التی ستذکر فتأمل بدقَّة فیها حتّی تعرف هل تدلّ علی عدم وجوب الفحص أم لا ؟ وهل لها إطلاق بحیث تعارض الروایات الماضیة أم لا ؟

ومن الروایات المشار إلیها بها صحیحة محمد بن مسلم عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی رجل ترک غلاماً له فی کرم له یبیعه عنباً أو عصیراً ، فانطلق الغلام فعصر خمراً ثمّ باعه ، قال : لا

ص: 337


1- (1) الکافی 7 / 153 ح 2 _ الفقیه 4 / 331 ح 5710 _ التهذیب 9 / 389 ح 5 _ الاستبصار 4 / 196 ح 737 ونقل عنهم فی وسائل الشیعة 26 / 297 ح 2 .
2- (2) حاشیة المکاسب 1 / 184 .
3- (3) منیة الطالب 1 / 64 .
4- (4) غنیة الطالب 1 / 275 .
5- (5) إرشاد الطالب 1 / 327 .
6- (6) عمدة المطالب 1 / 486 .
7- (7) مصباح الفقاهة 1 / 512 .
8- (8) المکاسب 2 / 185 .

یصلح ثمنه . إلی أن قال : إنّ أفضل خصال هذه التی باعها الغلام أن یتصدق بثمنها(1) .

ومنها : صحیحة أبی علی [ الحسن ] بن راشد قال : سألت أبا الحسن علیه السلام قلت : جعلت فداک اشتریت أرضاً إلی جنب ضیعتی بألفی درهم ، فلمّا وفیت المال خُبّرت أنّ الأرض وقف ، فقال : لا یجوز شراء الوقف ولا تدخل الغلّة فیمالک وادفعها إلی من وقفت علیه ، قلت : لا أعرف لها ربّاً ، قال : تصدّق بغلّتها(2) .

ومنها : حسنة علی الصائغ قال : سألته عن تراب الصوّاغین وإنّا نبیعه ؟ قال : أما تستطیع أن تستحله من صاحبه ؟ قال : قلت : لا ، إذا أخبرته اتّهمنی . قال : بعه ، قلت : بأیّ شیءٍ نبیعه ؟ قال : بطعام ، قلت : فأیّ شیءٍ أصنع به ؟ قال : تصدّق به إمّالک وإمّا لأهله ، قلت : إن کان ذا قرابة محتاجاً أصِلْه ؟ قال : نعم(3) .

قد عبّرنا عن الروایة بالحسنة لأنّ المراد بعمران هو ابن موسی الزیتونی القمی الثقة ظاهراً ، والمراد بأیوب الذی یروی عنه عمران هو أیوب بن نوح بن دراج الثقة ، والمراد بعلی الصائغ هو علی بن میمون حسنٌ ، فصار السند به حسناً ولکن الروایة مضمرة .

ومنها : خبر آخر لعلی بن میمون الصائغ(4) نظیر الذی مرّ ذکره ، ولکن سنده ضعیف بعلی بن حدید .

ومنها : خبر علی بن حمزة البطائنی(5) .

وهذه الروایات ونظائرها تُحمل علی صورة عدم إمکان إیصال المال إلی المالک ، أو الجهل به ولو بعد الفحص . فلیس فیها إطلاق حتّی تعارض الروایات الدالة علی وجوب الفحص .

وعلی فرض التعارض یُرجع إلی روایات حرمة التصرف فی مال الغیر بدون إذنه ،

ص: 338


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 223 ح 1 . الباب 55 من أبواب ما یکتسب به .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 364 ح 1 . الباب 17 من أبواب عقد البیع وشروطه .
3- (3) وسائل الشیعة 18 / 202 ح 2 . الباب 16 من أبواب الصرف .
4- (4) وسائل الشیعة 18 / 202 ح 1 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 199 ح 1 . الباب 47 من أبواب ما یکتسب به .

ونتیجتها عدم جواز التصدق بالمال قبل الفحص عن صاحبه والیأس عنه .

الفرع السادس : هل یسمع قول من یدّعیه ؟
وجوه ثلاثة
اشارة

قال الشیخ الأعظم : « ثم لو ادّعاه مدّع ففی سماع قول من یدّعیه مطلقاً لأنّه لا معارض له ، أو مع الوصف تنزیلاً له منزلة اللقطة ، أو یُعتبر الثبوت شرعاً للأصل ، وجوه»(1) .

الوجه الأول

أقول: دلیل الوجه الأوّل: _ وهو سماع قول مَنْ یدّعیه مطلقا لأنّه لیس له معارض _ بعض الروایات:

منها : صحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام _ فی حدیث _ قال : واللقطة یجدها الرجل ویأخذها ؟ قال : یعرّفها سنة ، فإن جاء لها طالب وإلاّ فهی کسبیل ماله(2) .

ومنها : خبر کثیر قال : سأل رجل أمیر المؤمنین علیه السلام عن اللقطة ؟ فقال : یعرّفها ، فإن جاء صاحبها دفعها إلیه وإلاّ حبسها حولاً ، فإن لم یجی ء صاحبها أو من یطلبها تصدَّق بها ، الحدیث(3) .

ومنها : صحیحة محمد بن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام قال : سألته عن اللقطة ؟ قال : لا ترفعوها ، فإن ابتلیت فعرّفها سنة ، فإن جاء طالبها وإلاّ فاجعلها فی عَرْض مالک ، یجری علیها ما یجری علی مالک إلی أن یجیء طالب ، الحدیث(4) .

ومنها : صحیحة البزنطی قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن الرجل یصید الطیر الذی یسوی دراهم کثیرة ، وهو مستوی الجناحین وهو یعرف صاحبه ، أیحلّ له إمساکه ؟ فقال : إذا عرف صاحبه ردّه علیه ، وإن لم یکن یعرفه ملک جناحه فهو له ، وإن جاءک طالب لا تتّهمه ردّه علیه(5) .

ومنها : صحیحة منصور بن حازم عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قلت : عشرة کانوا

ص: 339


1- (1) المکاسب 2 / 185 .
2- (2) وسائل الشیعة 25 / 441 ح 1 . الباب 2 من أبواب اللقطة .
3- (3) وسائل الشیعة 25 / 441 ح 2 .
4- (4) وسائل الشیعة 25 / 442 ح 3 .
5- (5) وسائل الشیعة 25 / 461 ح 1 . الباب 15 من أبواب اللقطة .

جلوساً ووسطهم کیس ، فیه ألف درهم ، فسأل بعضهم بعضاً : ألکم هذا الکیس ؟ فقالوا کلّهم : لا ، وقال واحد منهم : هو لی ، فلمن هو ؟ قال : للّذی ادّعاه(1) .

الروایة صحیحة الإسناد بسند الشیخ ، والمراد بمحمد بن الولید هو البجلی الثقة بقرینة روایته عن یونس . وأمّا سند الکلینی فمرسل .

هذه الروایات تدلّ علی قبول قول مَنْ یدعیه ، ولکنّها إمّا مختصَّة باللقطة أو مختصَّة بعدم ثبوت الید علی المال ، کما فی صحیحة منصور بن حازم . وفی الصورتین مختصَّة بحصول العلم العادی وهو الإطمئنان بالملکیّة فی الدعوی .

وأمّا الوجه الثانی :

فلیس له دلیل أصلاً ، إلاّ أنّ بالتوصیف یحصل العلم العادی وهو الإطمئنان بالملکیّة غالباً وهو حجة . وأمّا إذا لم یحصل الإطمئنان فالتوصیف لیس له وجه واعتبار .

وأمّا الوجه الثالث :

وهو الثبوت شرعاً بالبیّنة الشرعیة أو حکم الحاکم له أو حصول العلم العادی ونحوها ، فیعتبر عند الشرع و« هو الموافق للتحقیق لاشتغال ذمّة ذی الید بمجرد وضع یده علی مال الغیر ، فلا تبرأ ذمّته إلاّ بإیصاله إلی مالکه الواقعی أو الشرعی» کما فی مصباح الفقاهة(2) .

تنبیهٌ :

من هنا أنه ظهر لو أدی المال إلی غیر مالکه إمّا بمجرد الإدعاء أو الطلب أو معهما بقید التوصیف أو بالبینّة الشرعیة أو العلم العادی ونحوها ، فهل هو ضامن بالنسبة إلی مالکه الأصلی أم لا ؟

الظاهر هو الضمان مطلقاً ، لأنّه وضع یده علی مال الغیر ، فلا تبرأ ذمّته إلاّ بإیصال المال إلی مالکه الواقعی ، فإذا أداه إلی غیره لم یخرج من الضمان مطلقاً . ومن هنا ظهر أن ما ذکره الفقیه الیزدی قدس سره من الوجوه الستة(3) فی المقام غیر تام . والعجب من المحقق الأردکانی(4)

ص: 340


1- (1) وسائل الشیعة 27 / 273 ح 1 . الباب 17 من أبواب کیفیة الحکم .
2- (2) مصباح الفقاهة 1 / 515 .
3- (3) حاشیة المکاسب 1 / 187 .
4- (4) غنیة الطالب 1 / 276 .

حیث ذهب إلی عدم الضمان مطلقاً .

فرعٌ :

إذا دخل الحیوان داره أو اُرسل شیءٌ فیه أو جاء به الریح ، فلا یبعد القول بعدم لزوم الفحص عن مالکه بل عدم الضمان . نعم یجب علیه الردّ إذا عرفه . ویمکن أن یستأنس لهذا الفرع بذیل صحیحة البزنطی(1) الماضیة ، کما نبّه علیه شیخنا الاُستاذ(2) _ مدظله _ وقال فی الجواهر : « لو أطارته الریح منه إلیه اتجه عدم ضمانه لأنّه حینئذ بمنزلة الأمانة فی یده لا یضمنه إلاّ بالتعدی أو التفریط»(3) .

أقول : وفی کونه أمانة إشکال .

الفرع السابع : مقدار الفحص وکیفیته

هل المال الذی لم یُعرف مالکه یلحق باللقطة فیجب الفحص عن مالکه سنة کاملة ؟ کما علیه عدّة من الروایات المستفیضة فی اللقطة نحو : صحیحة الحلبی(4) الماضیة وصحیحة محمد بن مسلم(5) ومعتبرة حنان(6) وصحیحة اُخری لمحمد بن مسلم(7) التی یمکن إتحادها مع الأولی وغیرها من الروایات(8) .

بلا فرق بین أن یکون تقیید الأمر بوجوب الفحص فی اللقطة بالسنة أمراً تعبدیاً أو أنّه مشروط بعدم الیأس عن الظفر بالمالک ، ولکن إذا یئس عن الظفر - ولو کان فی أقل من السنة - فلا یجب الفحص من بعده ، ولکن غایة الفحص عن المالک هی سنة کاملة فإذا تمت فلا یجب الفحص بعدها .

ص: 341


1- (1) وسائل الشیعة 25 / 461 ح 1 .
2- (2) ارشاد الطالب 1 / 329 .
3- (3) الجواهر 22 / 178 .
4- (4) وسائل الشیعة 25 / 441 ح 1 . الباب 2 من أبواب اللقطة .
5- (5) وسائل الشیعة 25 / 442 ح 3 .
6- (6) وسائل الشیعة 25 / 442 ح 6 .
7- (7) وسائل الشیعة 25 / 444 ح 10 .
8- (8) راجع الباب 2 من أبواب اللقطة فی وسائل الشیعة 25 / 441 .

یحتمل أن تکون السنة هی التی یظهر الیأس فیها عادةً ، وأمّا خبر أبان بن تغلب(1) الذی ورد فی تقیید الفحص بثلاثة أیام یُرمی بضعف الإسناد ، لأنّ محمد بن موسی الهمدانی ضعیف أو مجهول ، ویحمل علی حصول الیأس من معرفة صاحبه بعد ثلاثة أیّام کما فی الوسائل . وبالجملة الأصحاب أعرضوا عن التقیید بثلاثة أیام . هذا کلّه فی اللقطة .

وأمّا المال المجهول مالکه فلا یلحق باللقطة فی وجوب التعریف سنة _ علی القول بهذا التحدید فیها _ لعدم دلیل علی الإلحاق ، والأمر فی مقدار الفحص فیه یدور مدار الیأس ، فیجب علیه الفحص عن مالکه ما لم ییأس ولو صار أزید من سنة أو سنوات ولم یحصل له الیأس . وإذا حصل الیأس فی أقل من سنة أو أکثر فقد تمّ تکلیفه بالیأس .

وخبر حفص بن غیاث(2) الماضی لا یدلّ علی الإلحاق لضعف سنده وعدم إمکان التعدی من اللص إلی غیره من الغاصبین بل الظالمین ومنهم إلی المال المجهول مالکه .

وما ذکرناه هو مقتضی أصل البراءة فی المقام أیضاً ، واختاره جمع من الأصحاب ، منهم : صاحب الجواهر(3) والشیخ الأعظم(4) والفقیه الیزدی(5) والمحقق النائینی(6) والسید الخوئی(7) وشیخنا الاُستاذ(8) _ مدظله _ . هذا کلّه فی مقدار الفحص .

وأمّا کیفیة الفحص : فتدور مدار العرف ، وتختلف فی الأعصار والأمصار ، فکلّما یصدق الفحص عرفاً فهو عامل بوظیفته إنْ عمل علیه ، ولم تتقدر کیفیته شرعاً ، فیرجع ذلک کله إلی العرف ، واللّه العالم .

ص: 342


1- (1) وسائل الشیعة 25 / 443 ح 7 .
2- (2) وسائل الشیعة 25 / 463 ح 1 . الباب 18 من أبواب اللقطة .
3- (3) الجواهر 22 / 177 .
4- (4) المکاسب 2 / 186 و 188 .
5- (5) حاشیة المکاسب 1 / 188 .
6- (6) منیة الطالب 1 / 65 .
7- (7) مصباح الفقاهة 1 / 515 .
8- (8) إرشاد الطالب 1 / 330 .
الفرع الثامن : اُجرة الفحص علی مَنْ ؟

لو احتاج الفحص علی بذل مال ، فهل هو علی الآخذ أو علی المالک أو التفصیل فی المقام ؟

الظاهر أنّ الحق فی المقام هو التفصیل ، لأنّ الأخذ لو کان إحساناً فی حقِّ المالک -نحو أخذ المال من مواضع التلف والفناء - فهذا الآخذ محسن بالنسبة إلی المالک ، وآیة نفی السبیل علی المحسنین ینفی عن الآخذ اُجرة الفحص .

وأمّا لو لم یکن الآخذ محسناً للمالک وجعل یده علی المال علی سبیل العدوان والغصب والجهل ، فحینئذ اُجرة الفحص تکون علی الآخذ ، لأنّه لم یکن محسناً . وإطلاق الروایات الواردة فی وجوب الفحص علیه تشمل الموارد التی یلزم علیه بذل المال ، فکان البذل علیه .

ویمکن أن یقال : بأنّ الفحص عن المالک یکون وظیفة الآخذ ومن المقدمات الموصلة أو من مقدمات الإیصال أو من مقدمات حال الوصول فی بعض الموارد وکذا بذل المال للفحص ، فحینئذ یکون البذل واجباً علی الآخذ . وبالجملة فی هذا الفرض الأخیر تکون اُجرة الفحص علی الآخذ .

وذهب إلی هذا التفصیل المحقق الخوئی(1) قدس سره وشیخنا الاُستاذ(2) _ مدظله _ .

الفرع التاسع : مصرف هذا المال بعد الیأس عن الظفر بصاحبه
الوجوه المتصورة
اشارة

المال المعلوم صاحبه ولکن لا یمکن إیصاله إلی مالکه فی الحکم یشترک مع المال المجهول صاحبه ، ولذا الوجوه المتصوَّرة فیهما متعددة :

الوجه الأوّل :

یحفظه الواجد حتّی یتبیّن صاحبه ویصله إلیه ، ویوصی به عند وفاته . وذلک لأنه یجب الحفظ والإیصال إلی المالک مهما أمکن ، فیجب الإبقاء مقدمة له ، وکذا الوصیة عند موته مقدمة لحفظه .

ولکن هذا البیان لا یجری فی صورة العلم بعدم إمکان الإیصال إلی المالک ، کما نبّه علیه

ص: 343


1- (1) مصباح الفقاهة 1 / 517 .
2- (2) إرشاد الطالب 1 / 330 .

الفقیه الیزدی(1) قدس سره .

وتدلّ علی هذا الوجه جملة من الروایات :

منها : صحیحة هشام بن سالم(2) الماضیة .

ومنها : ذیل صحیحة اُخری لهشام بن سالم قال الصادق علیه السلام فیها : توصی بها فإن جاء لها طالب ، وإلاّ فهی کسبیل مالک(3) .

ومنها : صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام أنّه قال فی حدیث : وإلاّ فاجعلها فی عرض مالک یجری علیها ما یجری علی مالک حتّی یجی ء لها طالب ، فإن لم یجی ء لها طالب فأوص بها فی وصیتک(4) .

ومنها : خبر علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال : یعرّفها سنة ، فإن لم یعرف صاحبها حفظها فی عرض ماله حتّی یجیء طالبها فیعطیها إیّاه ، وإن مات اُوصی بها ، فإن أصابها شیء فهو ضامن(5) .

ورواه الصدوق(6) بسنده الصحیح عن علی بن جعفر الثقة ، فسنده إلی الروایة صحیح . وکذا رواه علی بن جعفر فی کتابه(7) ، ولصاحب الوسائل سند صحیح إلی کتابه ، فالروایة بهذین السندین صحیحة الإسناد .

أقول : الروایتان الأخیرتان مختصتان باللقطة فلا تجریان فی مطلق مجهول المالک أو ما بحکمه ، ویمکن حمل کلّها علی فرض عدم الیأس بل رجاء وجدان صاحبه ، وأمّا الإلتزام بها ولو مع الیأس عن وجدانه فمشکل جدّاً .

ص: 344


1- (1) حاشیة المکاسب 1 / 195 .
2- (2) وسائل الشیعة 26 / 296 ح 1 . الباب 6 من أبواب میراث الخنثی .
3- (3) وسائل الشیعة 26 / 254 ح 7 . الباب 4 من أبواب ضمان الجریرة .
4- (4) وسائل الشیعة 25 / 444 ح 10 ، الباب 2 من أبواب اللقطة .
5- (5) وسائل الشیعة 25 / 444 ح 13 .
6- (6) الفقیه 3 / 292 ح 4049 .
7- (7) مسائل علی بن جعفر / 165 ح 265 .

وأمّا حملها علی أنّها وردت فی الحقِّ الکلّی الثابت فی الذمة ، أو أنّها وردت فی قضیة شخصیة فلا یمکن التعدی عن موردها - کما ذکرهما المحقق الخوئی(1) قدس سره - فی الاُولیین ممکن ولکن فی الأخیرتین مشکل جداً . والروایات لا تنحصر بهما ، والاُولی حملها علی ما ذکرنا من احتمال وجدان صاحبه وعدم الیأس عن الظفر به .

وکذا حمل جملة « کسبیل مالک» فی الأولیین علی حقیقته - یعنی أنّه یدخل فی ملکک کما عن الإیروانی(2) - مشکل جداً بل الظاهر أنّ المراد بحرف التشبیه الظاهر فی الغیریة حفظه کما لک ثمّ الوصیة به . وما ذکرناه فی الأخیرتین اُوضح ، لأنّ التعبیر بعرض مالک ظاهر فی الحفظ لا الأکل وإلاّ لم یبق مصداق للوصیة ، واللّه العالم .

الوجه الثانی :

هذا المال بمنزلة مال الإمام علیه السلام ، لأنّه بمنزلة مال من لا وارث له .

عدّة من الروایات تدلّ علی أنّ من مات ولیس له وارث فما له یحسب من الأنفال والأنفال للإمام علیه السلام :

منها : صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال : من مات ولیس له وارث من قرابته ولا مولی عتاقه قد ضمن جریرته فماله من الأنفال(3) .

ومنها : صحیحة محمد الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی قول اللّه تعالی : «یَسْأَلُونَکَ عَنِ الأَنفَالِ»(4) قال : من مات ، ولیس له مولی فما له من الأنفال(5) .

ومنها : صحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : من مات وترک دیناً فعلینا دینه وإلینا عیاله ، ومن مات وترک مالاً فلورثته ، ومن مات ولیس له موالی فما له من الأنفال(6) . وقد اُلحق هذا المال ومجهول المالک بمال الإمام والأنفال فی معتبرة داود بن أبی یزید

ص: 345


1- (1) مصباح الفقاهة 1 / 521 .
2- (2) حاشیة المکاسب 1 / 338 .
3- (3) وسائل الشیعة 26 / 246 ح 1 . الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجریرة والإمامة .
4- (4) سورة الأنفال / 1 .
5- (5) وسائل الشیعة 26 / 427 ح 3 .
6- (6) وسائل الشیعة 26 / 247 ح 4 .

عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رجل : إنّی قد أصبت مالاً وإنّی قد خفت فیه علی نفسی ، ولو أصبت صاحبه دفعته إلیه وتخلّصت منه . قال : فقال له أبو عبد اللّه علیه السلام : واللّه أن لو أصبتَهُ کنتَ تدفعه إلیه ؟ قال : أی واللّه ، قال : فأنا واللّه ما له صاحب غیری ، قال : فاستحلفه أن یدفعه إلی من یأمره ، قال : فحلف ، فقال : فاذهب فاقسمه فی إخوانک ، ولک الأمن ممّا خفت منه ، قال : فقسّمته بین إخوانی(1) .

قد عبّرنا عن الروایة بالمعتبرة لأنّ موسی بن عمر المذکور فی سندها هو موسی بن عمر بن یزید بن ذبیان الصیقل بقرینة روایة أحمد بن محمد عنه وهو عن الحجال کما فی جامع الرواة(2) وعنونه النجاشی(3) وذکر کتبه وکذا الشیخ(4) ، والنجاشی مقید بذکر الغمز والقدح ، وحیث لم یذکر له قدحاً ظهر عدم ورود قدحٍ فی شأنه ، کما وافقنا علی هذا البیان بل سابقنا إلیه المحقق المیر محمد باقر الداماد فی الرواشح السماویة(5) وتبعه الفاضل الدربندی فی القوامیس(6) .

وروی عنه جماعة من المشایخ منهم : محمد بن علی بن محبوب ومحمد بن أحمد ابن یحیی و محمد بن الحسین ومحمد بن الحسن الصفار کما فی جامع الرواة(7) وسعد بن عبد اللّه الأشعری القمی کما فی النجاشی(8) وعبد الرحمن بن حماد کما فی الفهرست(9) للشیخ . وبما ذکرنا ظهر أنّه من المشاهیر والمعاریف ولم یذکر بقدح فهو معتبر عندنا .

ص: 346


1- (1) وسائل الشیعة 25 / 450 ح 1 . الباب 7 من أبواب اللقطة .
2- (2) جامع الرواة 2 / 279 .
3- (3) رجال النجاشی / 405 الرقم 1075 .
4- (4) الفهرست / 456 الرقم 727 .
5- (5) الرواشح السماویة / 115 الراشحة السابعة عشر .
6- (6) راجع المنتقی النفیس من درر القوامیس / 186 و 235 المطبوع فی العدد 24 من مجلة تراثنا .
7- (7) جامع الرواة 2 / 279 و 278 .
8- (8) رجال النجاشی / 406 .
9- (9) الفهرست / 457 .

والمراد بالحجّال هو عبد اللّه بن محمد الأسدی الثقة ، وداود بن أبی یزید أیضاً ثقة ، وباقی رجال السند ثقات ، فالسند یصیر عندنا معتبراً .

وأمّا دلالتها علی أنّ مجهول المالک للإمام علیه السلام فواضحة ، والمناقشة فیها بأنّ من المحتمل أنّ یکون المال للإمام واقعاً ، أو أنّ المال له لعلمه بموت مالکه وأنّه لم یترک وارثاً غیره ، أو أنّ المال یکون من صفو دار الحرب الذی هو خاص للإمام . وإن کان الکلّ محتمل کما فی مصباح الفقاهة(1) ولکنّ کلّها خلاف الظاهر . وظاهرها أنّ المال المجهول مالکه کان للإمام علیه السلام والإمام أمر بتقسیمه للشیعة ، وظهورها فقراؤهم لا أغنیاؤهم بقرینة الحکم والموضوع ، کما ورد الأمر بذلک فی عدّة من الروایات نحو معتبرة خلاّد السندی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : کان علی علیه السلام یقول فی الرجل یموت ویترک مالاً ولیس له أحد : أعطِ المال همشاریجة(2) .

الروایة معتبرة بخلاد لأنّه حسنٌ ومعتبر عندنا . همشاریجة کلمة معرّبة وأصلها فارسیة « همشهری» یعنی أهل بلده ومدینته .

وقد وردت فی هذا المجال روایات اُخری ، نحو : مرفوعة السری(3) ومرسلة داود(4) ومرسلة الصدوق(5) وغیرها(6) .

والحاصل ، استفیدت من مجموع الروایات أنّ مجهول المالک یصیر ملکاً للإمام علیه السلام وأجاز الإمام تقسیمه بین فقراء الشیعة .

الوجه الثالث : أن یکون لمَنْ وضع یده علیه

قد ورد فی صحیحة علی بن مهزیار عن أبی جعفر علیه السلام أنّه کتب فیما یجب فیه الخمس ...

ص: 347


1- (1) مصباح الفقاهة 1 / 519 .
2- (2) وسائل الشیعة 26 / 252 ح 1 . الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجریرة والإمامة .
3- (3) وسائل الشیعة 26 / 252 ح 2 .
4- (4) وسائل الشیعة 26 / 252 ح 3 .
5- (5) وسائل الشیعة 26 / 253 ح 4 .
6- (6) مستدرک الوسائل 17 / 209 ح 4 .

ومثل مال یؤخذ لا یُعرف له صاحب ، الکتاب(1) .

استظهر المحقق الهمدانی(2) من الصحیحة جواز تملّک مجهول المالک بعد إخراج خمسه ، وتبعه المحقق الإیروانی وقال : « وهذه الصحیحة صریحة فی جواز تملّک مجهول المالک بعد إخراج خمسه»(3) .

أقول : إطلاق هذه الفقرة من الصحیحة وإن یشمل مجهول المالک ولکن الأصحاب قدس سرهم أعرضوا عن هذا الإطلاق ، کما اعترف به المحقق الأردکانی(4) . مضافاً إلی أنّها بصدد بیان ما یجب فیه الخمس ، لا فی مقام بیان حکم مجهول المالک ، فلیس لها إطلاق حتّی یشمل مجهول المالک . وعلی فرض إطلاقها وشمولها تقیّد بالروایات الماضیة الواردة فی خصوص مجهول المالک من حفظها والوصیة بها ، أو أنّه للإمام علیه السلام ، أو وجوب التصدّق به .

أو الإطلاق یحمل علی الموارد التی یجوز تملک اللقطة إمّا ابتداءً لقلّة قیمتها - کما إذا کان دون الدرهم علی ما ورد فی بعض الروایات(5) - أو إذا وجدها فی الدار الخربة قد جلا عنها أهلها کما فی بعضها الاُخری(6) ، أو علی من اشتری دابة فوجد فی بطنها مالاً ولم یعرف البائع کما فی بعضها الاُخری(7) ، أو علی مَنْ وجد مالاً فی جوف سمکة کما فی بعضها الاُخری(8) .

والحاصل ، لا یمکن الأخذ بإطلاق الصحیحة علی فرض وجوده ، فلا یمکن الأخذ بهذا الوجه .

ولذا قال المحقق الهمدانی بعد البحث عن الصحیحة : « لکن قد یُشکل التعویل علی هذا

ص: 348


1- (1) وسائل الشیعة 9 / 501 ح 5 . الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس .
2- (2) مصباح الفقیه 14 / 168 کتاب الخمس من الطبعة الحدیثة .
3- (3) الحاشیة علی المکاسب 1 / 337 .
4- (4) غنیة الطالب 1 / 284 .
5- (5) وسائل الشیعة 25 / 446 . الباب 4 من أبواب اللقطة .
6- (6) وسائل الشیعة 25 / 447 . الباب 5 من أبواب اللقطة .
7- (7) وسائل الشیعة 25 / 452 . الباب 9 من أبواب اللقطة .
8- (8) وسائل الشیعة 25 / 453 . الباب 10 من أبواب اللقطة .

الظاهر بعد مخالفته للمشهور أو المجمع علیه(1) ... والاُولی ردّ علمها إلی أهله ، والرجوع فی حکم ما لا یعرف صاحبه إلی أخبار الصدقة ، کما هو المشهور»(2) .

الوجه الرابع : یتصدّق به

عدّة من الروایات المعتبرة المستفیضة تدلّ علی وجوب التصدّق بهذا المال :

منها : حسنة علی الصائغ(3) الماضیة وخبره(4) .

ومنها : معتبرة بل صحیحة أبی علی الحسن بن راشد(5) الماضیة .

ومنها : صحیحة محمد بن مسلم(6) الماضیة .

ومنها : خبر علی بن أبی حمزة البطائنی(7) الذی قد مرّ منّا فیما سبق .

ومنها : صحیحة هشام بن سالم(8) الماضیة .

ومنها : معتبرة داود بن أبی یزید(9) الماضیة آنفاً .

ومنها : صحیحة یونس بن عبد الرحمن(10) الماضیة .

ومنها : خبر حفص بن غیاث(11) الذی قد مرّ منّا .

ص: 349


1- (1) مصباح الفقیه 14 / 168 کتاب الخمس من الطبعة الحدیثة .
2- (2) مصباح الفقیه 14 / 169 کتاب الخمس من الطبعة الحدیثة .
3- (3) وسائل الشیعة 18 / 202 ح 2 . الباب 16 من أبواب الصرف .
4- (4) وسائل الشیعة 18 / 202 ح 1 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 364 ح 1 . الباب 17 من أبواب عقد البیع _ و _ 19 / 185 ح 1 . الباب 6 من أبواب الوقوف .
6- (6) وسائل الشیعة 17 / 223 ح 1 .
7- (7) وسائل الشیعة 17 / 199 ح 1 . الباب 47 من أبواب ما یکتسب به .
8- (8) وسائل الشیعة 26 / 254 ح 7 . الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجریرة .
9- (9) وسائل الشیعة 25 / 450 ح 1 .
10- (10) وسائل الشیعة 25 / 450 ح 2 .
11- (11) وسائل الشیعة 25 / 463 ح 1 . الباب 18 من أبواب اللقطة .

ومنها : خبر أبان بن تغلب(1) الذی قد مرّ منّا .

ومنها : صحیحة علی بن جعفر عن أخیه قال : وسألته عن الرجل یصیب اللقطة فیعرّفها سنة ثمّ یتصدّق بها ، فیأتی صاحبها ، ما حال الذی تصدّق بها ؟ ولِمَنْ الأجر ؟ هل علیه أن یردّ علی صاحبها أو قیمتها ؟ قال : هو ضامن لها ، والأجر له ، إلاّ أن یرضی صاحبها فیدعها والأجر له(2) .

وقد عبّرنا عن الروایة بالصحیحة لأنّها رواها علی بن جعفر فی کتابه(3) .

ومنها : خبر نصر أو قیصر أو فیض بن حبیب صاحب الخان قال : کتبت إلی عبد صالح علیه السلام : لقد وقعت عندی مائتا درهم وأربعة دراهم وأنا صاحب فندق ومات صاحبها ولم أعرف له ورثة ، فرأیک فی إعلامی حالها وما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعاً ، فکتب : إعمل فیها وأخرج صدقة قلیلاً قلیلاً حتّی تخرج(4) .

سند الروایة ضعیف بابن حبیب ، لأنّه مجهول أو مهمل فی الرجال ولیس له إلاّ هذه الروایة . وأمّا دلالتها علی لزوم التصدق بالمال واضحة ، ولکن بعد الفحص عن الورثة وعدم وجدانهم ، حیث قال السائل فیها : « لم أعرف له ورثةً» . ومن المحتمل أن تکون فقرة « إعلامی حالها» فی الروایة ناظرة إلی إعلام الموت وعدم وجدان الورثة إلی سلطة الوقت ، ونتیجته تصرف السلطة فی الأموال بالکلّیّة وضبطها ، ولذا أمره الإمام علیه السلام بالعمل فی الأموال بحیث لم یُعرف أنّه مال الغیر ، ثمّ یتصدق به شیئاً فشیئاً حتّی یتمّ المال ولا تعرف السلطة من أین حصل له هذا المال . فلزوم العمل فی المال وخروجه شیئاً فشیئاً مختص بالمورد الخاص ، وهذه قضیة شخصیة علی فرض ثبوت الروایة لا یجب مراعاته فی غیره من المال المجهول مالکه . وأمّا لزوم التصدق فمشترک بینها وغیرها من الروایات ، فلابدّ من الأخذ به .

ولا تنافی بین ما ذکرنا من الروایات وخبر الهیثم بن أبی روح صاحب الخان قال :

ص: 350


1- (1) وسائل الشیعة 25 / 443 ح 7 . الباب 2 من أبواب اللقطة .
2- (2) وسائل الشیعة 25 / 445 ح 14 .
3- (3) مسائل علی بن جعفر / 165 ح 266 .
4- (4) وسائل الشیعة 26 / 297 ح 3 . الباب 6 من أبواب میراث المفقود والمال المجهول المالک .

کتبت إلی عبد صالح علیه السلام : إنّی أتقبّل الفنادق فینزل عندی الرجل فیموت فجأة ولا أعرفه ، ولا أعرف بلاده ولا ورثته ، فیبقی المال عندی ، کیف أصنع به ؟ ولمن ذلک المال ؟ قال : أترکه علی حاله(1) .

لأنّه محمول علی عدم الفحص عن الورثة أو عدم الیأس عن وجدانهم ، فأمر الإمام علیه السلام بترک المال علی حاله أی حفظه . مضافاً إلی ضعف سنده ، لأنّ الهیثم صاحب الخان مجهول أو مهمل ولیس له إلاّ هذه الروایة .

والحاصل من مجموع الروایات الماضیة والوجوه المذکورة : أنه یمکن أن یقال بالنسبة إلی المال المجهول مالکه ویشترک معه المال المعلوم مالکه ولکن یتعذر ولا یمکن إیصاله إلیه ، یجب حفظه والوصیة به عند الوفاة علی فرض رجاء وجدان صاحبه وعدم الیأس منه ، وعلی فرض الیأس عن وجدان مالکه یجب التصدق به علی فقراء الشیعة . والأحوط الاستئذان من الفقیه فی التصدق ، لأنّه من المحتمل أن یکون للإمام علیه السلام ، ولکن حیث ورد فی نفس روایات ملکیته للإمام علیه السلام الأمر منهم علیهم السلام بالتصدق کما مرّ کأنّه إذن عام عنهم فیه . ومع ذلک کلّه الاحتیاط حسنٌ ولا یترک بالنسبة إلی الاستئذان . هذا کلّه فی حکم مصرف هذا المال والمجهول مالکه ، واللّه سبحانه هو العالم .

الفرع العاشر : مَنْ یستحق هذه الصدقة ؟

حیث ورد الإذن بل الأمر بالتصدق بمجهول المالک ، وظهوره بقرینة الحکم والموضوع بل ظهوره من دون هذه القرینة هو التصدق علی الفقراء فقط ولا یشمل الأغنیاء کما اعترف به الشیخ الأعظم حیث یقول : « إنّ مستحق هذه الصدقة هو الفقیر ، لأنّه المتبادر من إطلاق الأمر بالتصدق»(2) .

وتدلّ أیضاً علی أنّ المراد بالتصدق هو الصدقة علی الفقراء قوله تعالی : «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاکِینِ»(3) .

ص: 351


1- (1) وسائل الشیعة 26 / 298 ح 4 .
2- (2) المکاسب 2 / 193 .
3- (3) سورة التوبة / 60 .

والمراد بالفقراء هنا فقراء أهل الإیمان فقط ، وتدلّ علیه معتبرة داود بن أبی یزید(1) ومعتبرة یونس بن عبد الرحمن(2) الماضیتان .

ثمّ هل یجوز إعطاؤها للهاشمی أم لا ؟ وجهان بل قولان ، أظهرهما الجواز ، لأنّ المحرَّم علی الهاشمیین هی الصدقة الواجبة ، أی الزکاة المفروضة مطلقاً ، أی بلا فرق بین زکاة المال وزکاة الفطرة التی هی زکاة الأبدان ، وتدلّ علیه عدّة من الروایات :

منها : صحیحة جعفر بن إبراهیم الهاشمی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قلت له : أتحلّ الصدقة لبنی هاشم ؟ فقال : إنّما تلک الصدقة الواجبة علی الناس لا تحلّ لنا ، فأمّا غیر ذلک فلیس به بأس ، ولو کان کذلک ما استطاعوا أن یخرجوا إلی مکة ، هذه المیاه عامّتها صدقة(3) .

ومنها : صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : لو حرمت علینا الصدقة لم یحلّ لنا أن نخرج إلی مکّة لأنّ کل ماءٍ بین مکة والمدینة فهو صدقة(4) .

ومنها : معتبرة إسماعیل بن الفضل الهاشمی قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الصدقة التی حرّمت علی بنی هاشم ما هی ؟ فقال : هی الزکاة ، قلت : فتحلّ صدقة بعضهم علی بعض ؟ قال : نعم(5) .

والقاسم بن محمد المذکور فی السند هو الجوهری ، لأنّ الحسین بن سعید یروی عنه ، وذکره النجاشی(6) ولم یذکر فیه قدحاً ، وکذلک الشیخ فی الفهرست(7) ، وعنونه فی ثلاث مواضع من رجاله فی أصحاب الإمام الصادق علیه السلام (8) وأصحاب الإمام الکاظم علیه السلام (9)

ص: 352


1- (1) وسائل الشیعة 25 / 450 ح 1 .
2- (2) وسائل الشیعة 25 / 450 ح 2 .
3- (3) وسائل الشیعة 9 / 272 ح 3 . الباب 31 من أبواب المستحقین للزکاة .
4- (4) وسائل الشیعة 9 / 272 ح 1 .
5- (5) وسائل الشیعة 9 / 274 ح 5 . الباب 32 من أبواب المستحقین للزکاة .
6- (6) رجال النجاشی / 315 الرقم 832 .
7- (7) الفهرست / 371 الرقم 576 .
8- (8) رجال الطوسی / 276 الرقم 49 .
9- (9) رجال الطوسی / 358 الرقم 1 .

وصرح بکونه واقفیاً ، ومَنْ لم یرو عن الأئمة علیهم السلام (1) . ضعّفه العلاّمة فی الخلاصة(2) وتبعه العلاّمة المجلسی(3) والمامقانی(4) ، ولکن الرجل من المعاریف له أکثر من سبعین روایة فی الکتب الأربعة ، وروی عنه مشایخ الأصحاب ، وذکره النجاشی ولم یغمز علیه بقدح ، فهو معتبر عندنا ، فالسند به صار معتبراً . ورواها الکلینی(5) بسند معتبر بل صحیح ، ولذا عبّر عن الروایة شیخنا الاُستاذ(6) _ مدظله _ بالمعتبرة .

فظهر من هذه الروایات أنّ المحرَّم علی بنی هاشم هی الصدقات الواجبة ، أی الزکاة . وأمّا غیرها من الصدقات المندوبة لا سیما إذا کانت غیر مقرونة بالمنّ والأذی والإهانة فلا بأس بإعطائهم . نعم الصدقات المندوبة محرَّمة علی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم والأئمة المعصومین علیهم السلام من ولده ، ومقالة اُمّ کلثوم بنت أمیر المؤمنین علیه السلام وعملها عند ورود قافلة الاُسراء إلی الکوفة حیث « کان أهلها یناولون الأطفال الذین علی المحامل بعض التمر والخُبز والجوز ، فصاحت بهم وقالت : یا أهل الکوفة إنّ الصدقة علینا حرام ، وصارت تأخذ ذلک من أیدی الأطفال وأفواههم وترمی به إلی الأرض» کما نقله العلاّمة المجلسی فی بحاره(7) ، تحمل علی التعریف بأنّها والأطفال من أهل البیت العصمة والطهارة .

وتدلّ علیه أیضاً معتبرة أبی خدیجة سالم بن مکرم الجمّال عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : اُعطوا الزکاة من أرادها من بنی هاشم ، فإنّها تحلّ لهم ، وإنّما تحرم علی النبی صلی الله علیه و آله وسلم وعلی الإمام الذی بعده وعلی الأئمة علیهم السلام (8) .

ص: 353


1- (1) رجال الطوسی / 490 الرقم 5 .
2- (2) ترتیب خلاصة الأقوال / 341 الرقم 9 .
3- (3) الوجیزة / 141 الرقم 1464 .
4- (4) نتائج التنقیح / 122 الرقم 9602 .
5- (5) الکافی 4 / 59 ح 5 .
6- (6) إرشاد الطالب 1 / 339 .
7- (7) بحار الأنوار 45 / 114 (18 / 582) کلاهما من طبع بیروت _ وکذا نقله الطریحی فی منتخبه / 477 .
8- (8) وسائل الشیعة 9 / 269 ح 5 . الباب 29 من أبواب المستحقین للزکاة .

سند الکلینی(1) والشیخ(2) إلی الروایة معتبر ، وأبو خدیجة ثقة عندنا ، فالسند لا بأس به . والزکاة فی الروایة تحمل علی الصدقات المندوبة .

وعلی هذا یجوز إعطاء مجهول المالک إلی بنی هاشم ، وکذا یجوز إعطاؤهم من الصدقات المستحبة .

الفرع الحادی عشر : التصدق بمجهول المالک هل یوجب الضمان ، لو ظهر المالک ولم یرض به ؟

حیث ذهبنا إلی وجود الضمان فی مجهول المالک مطلقاً ، فإذا تصدّق مَنْ بیده المال خرج من تکلیفه بحسب الشریعة والأمر الاُخروی ، وأمّا بالنسبة إلی المالک إذا ظهر ورضی بالصدقة فلا ضمان ، ولکن لو لم یرض بها فالأصل یقتضی ضمانه . ویؤیده استصحاب الضمان وقاعدتا الإتلاف وجعل الید علی مال الغیر یوجب الضمان وخبر حفص بن غیاث عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث بعد الأمر بالتصدق أنّه قال : فإن جاء طالبها بعد ذلک خیّره بین الأجر والغرم ، فإن اختار الأجر فله الأجر وإن اختار الغرم غرم له ، وکان الأجر له(3) .

ولا تعارضه معتبرة داود بن أبی یزید عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث أنّه قال : فاذهب فاقسمه فی إخوانک ولک الأمن ممّا خفت منه ، قال : فقسّمته بین إخوانی(4) .

لأن فقرة « ولک الأمن ممّا خفت منه» لا تنفی الضمان ، والسائل یخاف من اشتغال ذمّته بالنسبة إلی المالک فی الآخرة ، ولذا أمر الإمام علیه السلام بالصدقة ، ومع التصدق یخرج من هذا الخوف وذمّته بریئة فی الآخرة . ولکن فی الدنیا لو ظهر المالک ولم یرض بالصدقة ، ذمّته مشغولة بالضمان الأوّل .

فعلی ما ذکرنا یثبت الضمان بمجرد جعل الید علی المال ولایرتفع بالتصدق ، ولا یردّ التصدق من جانب المالک ، بل بنفس جعل الید السابق .

ص: 354


1- (1) الکافی 4 / 59 ح 6 .
2- (2) التهذیب 4 / 160 ح 161 ، والاستبصار 2 / 36 ح 110 .
3- (3) وسائل الشیعة 25 / 436 ح 1 .
4- (4) وسائل الشیعة 25 / 450 ح 1 .

ووافقنا علی الضمان جماعة من الفقهاء ، منهم : الشهید فی البیان(1) وثانیه فی المسالک(2) ، وخالفنا سید الریاض(3) وصاحب المدارک(4) مستدلاً بأنّه أوفق بالأصل وبأنّه مأمور بذلک شرعاً .

ولو مات المالک ینتقل حقّ الردّ أو إجازة التصدق إلی ورثته ، فلو ردّوا الصدقة فذمّة المتصدِّق مشغولة بالمال .

وکذا لو مات المتصدِّق وردّ المالک الصدقة یتعلق الضمان بذمّة الدافع ویخرج من ترکته أوّلاً ، ثمّ یقسم الباقی بین ورثته .

هذا کلّه لو قام المتصدِّق بأمر الصدقة من قِبَل نفسه ، ولکن لو استجاز من الحاکم الشرعی _ وهو الفقیه العادل فی زمن الغیبة _ فلیس علیه الضمان . وکذا لیس الضمان علی الفقیه ولا علی الفقیر الذی أخذ الصدقة حتّی مع بقاء العین ، ولذا قال الشیخ الأعظم : « لم یقل أحد برجوع المالک علی الفقیر مع بقاء العین»(5) .

وکذا لا یثبت الضمان علیهم ، فلو أعطی المال مَنْ جعل یده علیه للفقیه والفقیه أعطاه للفقیر فلا ضمان ولو کانت العین باقیة فی ید الفقیر .

نعم ، لو أعطاه للفقیه وکانت العین موجودة فی ید الفقیه یجب علیه أداء المال إلی المالک لو طلبه منه ولم یرض بالصدقة ، لأنّه من مجهول المالک الذی وُجد صاحبه ، فعلی الفقیه أن یرجع ماله إلیه لو طلبه .

وهاهنا وجوه واحتمالات أغمضنا عن ذکرها روماً للإختصار .

الفرع الثانی عشر : هل هذه الأحکام تختص بالجائزة المأخوذة من ید السلطان ؟

الظاهر أنّ السلطان والظالم یُذکر فی المقام بعنوان المثال ، فلا فرق بینه وبین غیره من

ص: 355


1- (1) البیان / 218 .
2- (2) مسالک الأفهام 1 / 467 .
3- (3) ریاض المسائل 5 / 239 .
4- (4) مدارک الأحکام 5 / 389 .
5- (5) المکاسب 2 / 195 .

الآخذین للأموال بالباطل ، ولذا عمم الشیخ جعفر قدس سره الحکم إلی غیره وقال : « الآخذ للأموال بالباطل _ مع العلم بوجودها فی جملة أمواله _ من سلطان أو عامل أو عشّار أو سارق أو مُرْبٍ أو مرتشٍ إلی غیر ذلک ، وإن کان الظاهر الأوّل والثانی»(1) .

وتبعه فی الجواهر وقال : « ... وحینئذ یکون الجائر کغیره فی الحکم المزبور ، وإنّما ذُکر بالخصوص لتعرض النصوص ، ولا ریب فی أنّه الأحوط»(2) .

أقول : النصوص لا تختص بالظالم ، بل ورد فی عدّة من الروایات ذکر غیر الظالم وجواز التصرف فی جوائزه وهدایاه :

منها : صحیحة أبی بصیر قال : سألت أحدهما علیهماالسلام عن شراء الخیانة والسرقة ؟ قال : لا ، إلاّ أن یکون قد اختلط معه غیره ، الحدیث(3) .

ومنها : صحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث انّه قال : لو أنّ رجلاً ورث من أبیه مالاً وقد عرف أنّ فی ذلک المال ربا ولکن قد اختلط فی التجارة بغیره حلال کان حلالاً طیّباً فلیأکله ، وإن عرف منه شیئاً أنّه ربا فلیأخذ رأس ماله ولیرّد الربا ، الحدیث(4) .

فی الوسائل « أبی المغرا عن أبی عبد اللّه علیه السلام » ، ولکن فی الکافی(5) « أبی المغرا عن الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام » والصحیح أنّه صحیحة الحلبی لا أبی المغرا .

ومنها : صحیحة اُخری للحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال فی حدیث : وإن کان مختلطاً فکُلْه هنیئاً ، فإنّ المال مالک ، واجتنب ما کان یصنع صاحبه ، الحدیث(6) .

ومنها : مکاتبة الحمیری _ التی صححنا سندها فیما مضی _ عن صاحب الزمان عجل اللّه تعالی فرجه الشریف أنّه کتب فی جوابه : إن کان لهذا الرجل مال أو معاش غیر ما فی یده

ص: 356


1- (1) شرح القواعد 1 / 335 .
2- (2) الجواهر 22 / 176 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 90 ح 6 . الباب 4 من أبواب ما یکتسب به .
4- (4) وسائل الشیعة 18 / 128 ح 2 . الباب 5 من أبواب الربا .
5- (5) الکافی 5 / 145 ح 4 .
6- (6) وسائل الشیعة 18 / 129 ح 3 .

فکُلْ طعامه واقبل برّه وإلاّ فلا(1) .

والظاهر أنّ منشأ الحلّیّة فی الجمیع هو الإختلاط والاشتباه وعدم تعیّن الحرام فی المقام ، ولذا تأتی جمیع هذه الأقسام الأربعة فی أموال السرّاق والعشّار والمربی والمرتشی وغیرهم من الذین یأخذون أموال الناس بالباطل ولا یرعون الحدود الشرعیة وضوابطها فی تحصیل الأموال .

والحاصل ، أن جوائز السلطان وعمّاله وأمثاله من الذین یأکلون الحرام تشترک فی الحکم ویأتی فیها ما مضی من أقسامه الثلاثة ، وکذا یأتی فیها القسم الرابع الآتی . وهذا تمام الکلام فی القسم الثالث .

القسم الرابع:

اشارة

القسم الرابع : الآخذ یعلم إجمالاً أنّ فی أموال الجائر محرّماً ویعلم إجمالاً بوجود الحرام فی المأخوذ منه

هذا القسم الأخیر یشترک مع القسم الثالث ، إلاّ أنّ العلم بوجود الحرام فی المأخوذ منه فی القسم الثالث علم تفصیلی وفی القسم الرابع علم إجمالی .

صورها الثمانیة:

وهذا العلم الإجمالی یقسّم المال المأخوذ إلی صورتین رئیستین :

1 _ العلم الإجمالی الذی یوجب حصول الإشاعة والإشتراک فی المال المأخوذ .

2 _ العلم الإجمالی الذی لا یوجب حصول الإشاعة والإشتراک فی المال المأخوذ .

وعلی الصورة الاُولی فالقدر المال المأخوذ ومالکه إمّا معلومان أو مجهولان أو مختلفان ، والأخیر تارة القدر معلوم والمالک مجهول وتارة عکسه .

وعلی الصورة الثانیة -وهی ما کان المال مفروزاً واشتبه الحرام بالحلال - فحینئذ أیضاً إمّا المالک وقدر ماله معلومان أو مجهولان أو مختلفان ، والأخیر تارة القدر معلوم والمالک مجهول وتارة عکسه .

فهاتان الصورتان فی کلّ صورة منها أربعة فروض ، فصار المجموع ثمانیة فروض نتعرض لها . فظهر ممّا ذکرنا أنّ فروض الصورة الاُولی تجری فی الصورة الثانیة أیضاً ، ولکن

ص: 357


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 217 ح 15 .

ظاهر الشیخ الأعظم(1) قدس سره انحصارها بصورة مجهولیة القدر ومعلومیة المالک ، وقد نبّه علی تعمیم الفروض واشتراکها فی الصورتین الفقیه الیزدی(2) والمحقق الخوئی(3) قدس سره ، وتبعهما شیخنا الاُستاذ(4) _ مدظله _ وهو متین .

وأمّا حکم فروض الاشاعة والاشتراک :

الف : إذا کان القدر ومالکه معلومین فیجب ردّ القدر إلی مالکه المعلوم .

ب : إذا کان القدر والمالک کلاهما مجهولین فصار من صغریات المال المختلط بالحرام فیجب فیه الخمس .

وقد مرّ ذکر معتبرة السکونی(5) وصحیحة عمار بن مروان(6) وخبر الحسن بن زیاد(7) ولیراجع مرسلة الصدوق(8) وکلّها تدل علی کفایة إخراج الخمس فی المقام ، أی إذا کان القدر مجهولاً . ولکن إذا کان القدر معلوماً إجمالاً لاسیما إذا کان أزید من الخمس فیجب إخراج أزید منها کما أفاده العلامة فی التذکرة(9) ، والشهید الثانی فی المسالک(10) والمحققان الهمدانی(11) والنائینی(12) حکموا باختصاص الروایات بما إذا کان القدر مجهولاً ، وتبعهم السید الخوئی(13) .

ص: 358


1- (1) المکاسب 2 / 198 .
2- (2) حاشیة المکاسب 1 / 218 .
3- (3) مصباح الفقاهة 1 / 529 .
4- (4) إرشاد الطالب 1 / 343 .
5- (5) وسائل الشیعة 9 / 506 ح 4 وروی نظیرها فی وسائل الشیعة 18 / 130 ح 5 .
6- (6) وسائل الشیعة 9 / 494 ح 6 .
7- (7) وسائل الشیعة 9 / 505 ح 1 .
8- (8) وسائل الشیعة 9 / 506 ح 3 .
9- (9) تذکرة الفقهاء 5 / 422 .
10- (10) مسالک الأفهام 1 / 467 .
11- (11) مصباح الفقیه 14 / 172 . کتاب الخمس من الطبعة الحدیثة .
12- (12) منیة الطالب 1 / 76 .
13- (13) مصباح الفقاهة 1 / 530 .

فما ذکره السید الیزدی(1) تبعاً لصاحب المناهل(2) من إطلاق أخبار الخمس بالنسبة إلی ما لو شک فی کون الحرام بمقدار الخمس أو أقل منه أو أکثر ، غیر تام .

لأنّ جعل وجوب الخمس فی المال المختلط بالحرام للإمتنان علی العباد لتخلّصهم من الحرام ، ومن المعلوم عدم صدق الإمتنان لو کان المقدار أقل من الخمس .

وکذا لو کان الإختلاط أزید من الخمس ، صار بالنسبة إلی الزائد کغیرها من المحرَّمات لا ترفع الحرمة عنه وإلاّ کان ذلک حیلة لأکل أموال الناس ، مضافاً إلی عدم القول بالفصل بین صورتی العلم بالزیادة والنقیصة کما ذکره السید الخوئی(3) .

فالأخبار تختص بفرض مجهولیة المقدار والمالک .

ج : إذا کان القدر معلوماً والمالک مجهولاً فیصیر من مصادیق مجهول المالک الذی سبق حکمه مفصلاً .

د : وإذا کان المالک معلوماً والقدر مجهولاً ذهب جماعة إلی لزوم المصالحة مع المالک ، منهم العلامة فی النهایة(4) والشهیدان(5) والفاضل المقداد(6) والشیخ جعفر(7) والشیخ الأعظم(8) ، وزاد النائینی علی المصالحة « أو یحکم بالتنصیف بینهما قهراً»(9) واستدلّ له بصحیحة عبد اللّه بن المغیرة عن غیر واحد من أصحابنا عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی رجلین کان معهما درهمان فقال أحدهما : الدرهمان لی ، وقال الآخر : هما بینی وبینک ، فقال : أمّا الذی

ص: 359


1- (1) حاشیة المکاسب 1 / 208 .
2- (2) المناهل / 303 الطبع الحجری .
3- (3) مصباح الفقاهة 1 / 531 .
4- (4) نهایة الإحکام 2 / 525 .
5- (5) البیان / 217 ، والروضة البهیة 2 / 67 .
6- (6) التنقیح الرائع 1 / 337 .
7- (7) شرح القواعد 1 / 347 .
8- (8) المکاسب المحرمة 2 / 198 .
9- (9) منیة الطالب 1 / 76 .

قال : هما بینی وبینک فقد أقرّ بأنّ أحد الدرهمین لیس له وأنّه لصاحبه ، ویقسّم الآخر بینهما(1) .

أقول : ویؤید ما ذکره بل یدلّ علی التنصیف معتبرة السکونی عن الصادق علیه السلام عن أبیه علیه السلام فی رجل استودع رجلاً دینارین فاستودعه آخر دیناراً فضاع دینار منها ؟ قال : یعطی صاحب الدینارین دیناراً ، ویقسّم الآخر بینهما نصفین(2) .

فقد یُستفاد من الخبرین : « أنّ کلّ مالٍ کان مشاعاً بین شریکین ولم یُعلم مقدار حقّهما فالحکم التنصیف ، ومورده وإن کان مورد التنازع إلاّ أنّ المناط مطّرد فی مقامنا أیضاً» کما ذکره المحقق النائینی(3) .

واستشکل المحقق الخوئی علی إطلاق وجوب المصالحة فی کلام الشیخ الأعظم فی مورد الجهل بالمقدار ومعلومیة المالک وقال قدس سره : « لأنّ المال المذکور قد یکون فی ید أحدٍ وقد لا یکون کذلک ، وعلی الأوّل فالمقدار الذی یعلم صاحبه یردّ إلیه والمقدار الذی لا یعلم صاحبه فهو لذی الید لأنّها أمارة الملکیة . وعلی الثانی فما هو معلوم المالک أیضاً یردّ إلی صاحبه وفی المقدار المشتبه یرجع إلی القرعة . ویحتمل الحکم بالتنصیف للمصالحة القهریة ، ویستأنس حکم ذلک ممّا ورد فی الودعی ، ولکن الظاهر أنّ الروایة غیر نقیّة السند»(4) .

وتبعه شیخنا الاُستاذ _ مدظله _ فی فرضه الأوّل وقال : « ... بل یحکم بأنّ سهم المشاع فی ذلک المال هو الأقل ، أخذاً بمقتضی ید الجائر الجاریة علی جمیع المال ، فإنّه لم یعلم عدم مالکیته للمال إلاّ بالاضافة إلی السهم الأقل»(5) .

أقول : بالنسبة إلی ما ذکره المحقق الخوئی : الید أمارة الملکیة فیما إدعی ذو الید بأنّه صاحب المال ولکن إذا لم یدع ذلک أو علم أنّ مقداراً منه یکون لغیره فلا اعتبار بیده مطلقاً أو

ص: 360


1- (1) وسائل الشیعة 18 / 450 ح 1 . الباب 9 من أبواب الصلح .
2- (2) وسائل الشیعة 18 / 452 ح 1 . الباب 12 من أبواب الصلح .
3- (3) منیة الطالب 1 / 77 .
4- (4) مصباح الفقاهة 1 / 529 .
5- (5) إرشاد الطالب 1 / 342 .

فیما علم وأقرّ ، والروایة المشار إلیها فی کلامه هی معتبرة السکونی التی قد مرّ ذکرها وهی تامة السند .

وأمّا بالنسبة إلی ما ذکره الاُستاذ _ مدظله _ قد مرّ منّا عدم اعتبار ید الجائر فی أوائل البحث إذا علم سابقة ید الغیر علی المال ، أو اعترافه أو علمنا بأن جمیع المال أو المقدار المجهول منه لیس له . وبهذا یظهر الإشکال فی ما ذکره فی الفرض الثالث من الصورة الثانیة(1) .

وفی هذا الفرض یمکن الحکم بالتنصیف فی المقدار المشاع ، کما تدلّ علیه الروایتان ، أو المصالحة ، والأخیر أحوط . هذا تمام الکلام فی فروض الصورة الأولی .

وأمّا حکم فروض عدم حصول الإشاعة والإشتراک :

قد سبق أنّه یفرض فیما إذا کان المال مفروزاً واشتبه الحلال بالحرام ، وهی أیضاً علی أربعة أقسام :

الف : إذا کان المقدار والمالک کلاهما معلومین فیجب ردّه إلی مالکه ، وعلی فرض عدم التعیین یرجع فیه إلی القرعة .

ب : إذا کان المقدار والمالک کلاهما مجهولین فیجب فیه إخراج الخمس ، لأنّه من صغریات المال المختلط بالحرام ، لعدم انحصاره بصورة الإشاعة والإشتراک .

ج : وإذا کان القدر معلوماً والمالک مجهولاً فیصیر ذلک المقدار من مصادیق مجهول المالک الذی مرّ حکمه فی القسم الثالث .

د : وإذا کان المالک معلوماً والقدر مجهولاً فیتعین بالقرعة ، لأنّها لکلِّ أمر مشکل ، أو یباع المجموع ویشترکان فی الثمن . ویدلّ علی الوجه الثانی موثقة إسحاق بن عمار قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام فی الرجل یبضعه ثلاثین درهماً فی ثوب وآخر عشرین درهماً فی ثوب ، فیبعث الثوبین فلم یعرف هذا ثوبه ولا هذا ثوبه ؟ قال : یباع الثوبان فیعطی صاحب الثلاثین ثلاثة أخماس الثمن والآخر خمسی الثمن . قال : قلت : فإن صاحب العشرین قال لصاحب الثلاثین : اختر أیّهما شئت ، قال : قد أنصفه(2) .

ص: 361


1- (1) راجع کلامه فی ارشاد الطالب 1 / 343 .
2- (2) وسائل الشیعة 18 / 451 ح 1 . الباب 11 من أبواب الصلح .

أبضع الشیء : أی جعله بضاعة ، وهی من المال ما أعدّ للتجارة .

سند الصدوق والشیخ والکلینی إلی هذه الروایة ضعیفة بموسی بن سعدان ، ولکن للشیخ طریقاً آخر رواها فی التهذیب(1) بإسناده عن الحسین بن أبی العلاء عن إسحاق بن عمار ، وسند الشیخ إلی الحسین بن أبی العلاء صحیح فی الفهرست(2) . فالروایة بهذا السند موثقة علی القول بفطحیة اسحاق .

ویمکن القول باشتراکهما فی العین بعد الاشتباه بحسب المالیّة ، فلا یجب البیع بل لهما أن یقتسما العینین أو الأعیان کما ذکره الفقیه الیزدی(3) قدس سره .

وهذا تمام الکلام فی فروض الصورة الثانیة ، وبه ظهر حکم الأقسام الأربعة .

تنبیهان
اشارة

وبقی فی المقام تنبیهان تعرّض لهما الشیخ الأعظم قدس سره :

الاُولی : حکم أخذ المال من الجائر

قال الشیخ الأعظم قدس سره : « أنّ أخذ ما فی ید الظالم ینقسم باعتبار نفس الأخذ إلی الأحکام الخمسة»(4) .

أقول : الظاهر أنّ فی کلام الشیخ الأعظم نوعاً من المسامحة فی التعبیر ، لأنّ شأن الأخذ شأن سائر الأفعال التی لا تتصف بحکم إلاّ باعتبار العوارض والطواریء والإضافة ، فإنّ الأخذ بالنسبة إلیها قد یکون حراماً کأخذ مال الغیر بدون إذنه ، وقد یکون مکروهاً کأخذ المال المشتبه ، وقد یکون مباحاً کأخذ المال من الجائر مع عدم العلم بحرمته لتکثیر الثروة وإزدیاد المال ، وقد یکون مستحباً کأخذ المال منه کذلک لزیارة المشاهد المشرفة والتوسعة علی العیال ، وقد یکون واجباً کأخذ حقوق الناس من الجائر .

فرع :

قال الشیخ الأعظم : « یجب علی الحاکم الشرعی استنقاذ ما فی ذمّته (أی ذمّة الجائر)

ص: 362


1- (1) التهذیب 6 / 208 ح 13 .
2- (2) الفهرست / 140 الرقم 204 .
3- (3) حاشیة المکاسب 1 / 218 .
4- (4) المکاسب 2 / 198 .

من حقوق السادة والفقراء ولو بعنوان المقاصّة ، بل یجوز ذلک لآحاد الناس ، خصوصاً نفس المستحقین مع تعذّر استئذان الحاکم»(1) .

ووافقه علی الحکم وعمّمه المحقق الإیروانی حیث یقول : « لأنّه ولی بیت مال المسلمین ، فیجب علیه حفظه عن التلف وأخذه من ذمم الناس ولو بالمقاصّة من أموالهم»(2) . وزاد : « بل یجب ذلک علی آحادهم من باب النهی عن المنکر مع اجتماع شرائطه»(3) .

أقول : لا فرق بین الجائر وغیره فی الحقوق الشرعیة ، فتعمیم الحکم من الإیروانی فی محلّه ، ولکن الحکم بوجوب المقاصّة علی الحاکم الشرعی _ وهو الفقیه الجامع لشرائط الإفتاء _ مشکل بل معلوم العدم . ووجه ظاهر ، لعدم صدق بیت المال علیه قبل إخراجه ، وغایة ما یمکن أن یقال فی حقّه جواز المقاصّة من أموالهم لا وجوبه .

وأمّا جواز التقاصّ لآحاد الناس لاسیما المستحقین ، فلا یجوز قطعاً من دون الاستئذان من الفقیه ، فنفی وجوبه اُوضح من أن یخفی .

ولو کان الأمر کما ذکره العلمان فلم یبق حجرٌ علی حجرٍ ، ووافقنا علی عدم جواز التقاصّ لآحاد الناس من دون الاستئذان شیخنا الاُستاذ(4) _ مدظله _ .

الثانیة : هل تخرج أموال الناس من ترکة الجائر ؟

الجائر إذا کان حیّاً یجب علیه ردّ أموال الناس إلیهم وکانت ذمّته مشغولة بما أتلفه من أموالهم لقاعدة الإتلاف وغیره ، فیجب علیه إفراغ ذمّته من هذا الاشتغال بردِّ العین إن کانت موجودة أو بردِّ المثل فی المثلی أو القیمة فی القیمی إن کانت العین تالفة .

وإذا مات یجب إخراج أموال الناس من أصل ترکته ، لأنّها من دیونه ، ویدلّ علیه قوله تعالی : «مِن بَعْدِ وَصِیَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَیْنٍ»(5) ثمّ تقسیم ما بقی من الأموال بین ورثته .

ص: 363


1- (1) المکاسب 2 / 198 .
2- (2) حاشیة المکاسب 1 / 348 .
3- (3) حاشیة المکاسب 1 / 348 .
4- (4) إرشاد الطالب 1 / 343 .
5- (5) سورة النساء / 12 .

ولکن خالف فیما ذکرناه جدنا الفقیه الشیخ جعفر وقال : « وتؤخذ من الظالم قهراً مع الإمکان إنْ بقیت فی یده ، وعوضها مع التلف ، ویقاصّ بها من أمواله مع حیاته ولو کانت ودائع _ علی نحو ما سیجیء فی کتاب الغصب _ إلاّ أنّ ما فی یده من المظالم تالفاً لا یلحقه حکم الدیون فی التقدیم علی الوصایا والمواریث ، لعدم انصراف الدین إلیه وإن کان منه ، وبقاء عموم الوصیة والمواریث علی حاله ، وللسیرة المأخوذة یداً بیدٍ من مبدأ الإسلام إلی یومنا هذا . فعلی ذلک لو اُوصی بها بعد التلف خرجت من الثلث ، وما کان منها باقیّاً یجب ردّه ، ولو امتنعوا عنه حلّ الحلال وحرم الحرام»(1) .

نقل صاحب الجواهر هذا المقال من الجدّ ثمّ قال رادّاً علیه : « وفیه : مع أنّه لم نجد له موافقاً علیه منع واضح ، خصوصاً بعد معلومیة المغصوب منه ، ودعوی عدم الإنصراف کدعوی السیرة المجدیة ممنوعتان أشدّ المنع . وما فی التحریر من أنّ الأفضل للمظلوم عدم أخذه ما ظلم به وإن تمکن منه أجنبیٌّ عن ذلک ، ویمکن أن یکون وجهه مراعاة التقیة ، واللّه أعلم»(2) .

أقول : أشار صاحب الجواهر إلی ما ذکره العلامة فی التحریر بقوله : « إذا غصب الظالم شیئاً ثمّ تمکّن المظلوم من أخذه وأخذ عوضه ، کان ترکه أفضل ، ولو کان الظالم قد أودعه ففی جواز الأخذ من الودیعة بقدر ماله قولان ، أقربهما الکراهیة»(3) .

وذکر الشیخ الطوسی نحو هذا فی النهایة(4) .

وقد ناقش الشیخ الأعظم(5) فی استدلال الشیخ جعفر بعین ما ذکره صاحب الجواهر مع توضیح بمنع دعوی الإنصراف وأنّ السیرة ناشئ عن قلّة مبالاة الناس کما هو دیدنهم فی أکثر السِیَر التی استمرّوا علیها ، وزاد : « مع أنّه لا إشکال فی جریان أحکام الدَّیْن علیه فی

ص: 364


1- (1) شرح القواعد 1 / 338 .
2- (2) الجواهر 22 / 180 .
3- (3) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 272 مسألة 3061 .
4- (4) النهایة / 359 .
5- (5) راجع المکاسب 2 / 199 .

حال حیاته من جواز المقاصّة من ماله کما هو المنصوص وتعلّق الخمس والاستطاعة وغیر ذلک»(1) .

مراده من النصوص الروایات الواردة فی الباب 83 من أبواب ما یکتسب به فی وسائل الشیعة 17 / 272 ، منها : صحیحة داود بن زربی(2) وموثقة أبی العباس البقباق(3) وموثقة أبی بکر الحضرمی(4) وصحیحته(5) وخبر علی بن جعفر(6) .

وما ورد من الروایات المانعة من المقاصّة نحو صحیحة سلیمان بن خالد(7) وصحیحة معاویة بن عمار(8) وخبر ابن أخی الفضیل بن یسار(9) وخبر زید الشحام(10) تحمل علی الکراهة جمعاً بین الطائفتین .

ومراده من تعلّق الخمس : عدم تعلق الخمس بما زاد عن مؤنة سنته فیما إذا کان البدل بمقدار الزائد علیها .

ومراده من الاستطاعة : عدم حصول الاستطاعة للحج فیما إذا کان البدل مساویاً لما عنده من المال الکافی لمصارف حجه .

کما أنّ الأخیرین مذکوران فی کلام المحقق الأردکانی(11) وشیخنا الاُستاذ(12) _ مدظله _ .

ص: 365


1- (1) راجع المکاسب 2 / 199 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 214 ح 7 و 17 / 272 ح 1 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 272 ح 2 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 273 ح 4 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 274 ح 5 .
6- (6) وسائل الشیعة 17 / 276 ح 13 .
7- (7) وسائل الشیعة 17 / 274 ح 7 .
8- (8) وسائل الشیعة 17 / 275 ح 11 .
9- (9) وسائل الشیعة 17 / 273 ح 3 .
10- (10) وسائل الشیعة 17 / 276 ح 12 .
11- (11) غنیة الطالب 1 / 302 .
12- (12) ارشاد الطالب 1 / 345 .

والحاصل ، ما ذکره العلامة الجدّ لم یذهب إلیه أحدٌ من فقهائنا کما اعترف به تلمیذه صاحب الجواهر(1) . وعدم تمامیته واضحة(2) ، بل أوضح من أن یحتاج إلی بیان(3) ، فلا فرق بین حیاة الجائر ومماته ، فذمّته مشغولة بالمظالم وتخرج من أصل ترکته ، ثمّ تعمل بوصیته فی ثلث ما ترک أو فی جمیعه مع إذن الورثة ، ثمّ یقسم ما بقی بین ورثته ، واللّه سبحانه هو العالم . هذا تمام الکلام فی المسألة الثانیة من مسائل الخاتمة .

ص: 366


1- (1) الجواهر 22 / 180 .
2- (2) کما فی غنیة الطالب 1 / 302 .
3- (3) کما فی حاشیة المکاسب 1 / 219 للفقیه الیزدی .

الثالثة : ما یأخذه الجائر من الخراج والمقاسمة والزکاة

اشارة

قبل الورود فی البحث عن هذه المسألة لا بدّ بأن نعرّف الخراج والمقاسمة وأنّهما یتعلّقان بأیّ شیءٍ ولماذا ؟

تعریف الخراج والمقاسمة

اشارة

لا بدّ من تقدیم مقدمة لتبیین البحث ، وهی بیان أقسام الأرضین وأحکامها ، فنقول تبعاً لبعض أساتیذنا _ مد ظله _ :

الأرض إمّا موات وإمّا عامرة ، وکلٌّ منهما إمّا أن تکون کذلک بالأصالة أو عرض لها ذلک ، فهی أربعة أقسام :

أقسام الأرضین و أحکامها

1 _ أمّا الموات بالأصالة : فلا إشکال ولا خلاف منّا فی کونها من الأنفال وکونها للإمام بما هو إمام .

2 _ وأمّا العامرة بالأصالة : أی العامرة لا من معمِّر مثل الموات بالأصالة فی الحکم أی أنّها من الأنفال .

وأمّا هاتان لا فرق بینهما من أنّهما فی بلاد الإسلام أو فی بلاد الکفر ، إذ لم یتحقق ما هو الملاک الرئیسی للتملِّک وهو الإحیاء .

3 _ وأمّا الموات بالعرض :

ألف : فإن کانت العمارة السابقة فیها أصلیة أو من معمِّر بقصد الملک ولکن باد أهلها بالکلّیة أو أعرض عنها بالکلّیة ، فهی للإمام أیضاً وحکمها حکم الموات بالأصالة .

ب _ وإن کانت من معمّر بقصد الملک ولم یُبد أهلها ولم یعرض عنها ففی بقائها بعد الموت علی ملک معمِّرها أو خروجها عن ملکه أو یفصّل بین ما کان الملک بغیر الإحیاء کالمیراث والشراء ونحوهما فیبقی أو بالإحیاء فیزول ؟ وجوه .

ص: 367

4 _ وأمّا العامرة بالعرض :

ألف : فإن کانت العمارة بنفسها فهی أیضاً للإمام قطعاً .

ب _ وإن کانت من معمِّر بقصد التملّک فهی له ویملکها المحیی بلا فرق بین المسلم والکافر ، فلا تخرج من ملکه إلاّ بالإعراض أو المعاملات الناقلة أو النواقل القهریة کالمیراث .

وفی هذا القسم الأخیر إذا کان المالک المحیی کافراً محارباً فملکه یزول بما یزول به ملک المسلم بانضمام الاغتنام عنوة کسائر أموالهم فتصیر ملکاً للمسلمین ، والمتولّی للتصرف فیها وتقبیلها هو الإمام یصرف حاصلها فی مصالحهم .

وأمّا إن انجلی أهلها وأُخذت بغیر حرب وعنوة أو صولح علیها علی أن تکون للإمام صارت للإمام وتکون من الأنفال والفیء .

وأمّا إن صولح علیها علی أن تبقی ملکاً لأنفسهم ویؤدّوا عنها الخراج سمیّت أرض الجزیة .

وهذه الأقسام الثلاثة الأخیرة من الصورة الثانیة من القسم الرابع تُسمّی الأراضی الخراجیّة ، لأنّ کلّها مشترکة من أنّ الإمام یتصرف فیها من حیث تقبیلها ویأخذ خراجها .

ثمّ ظهر ممّا ذکرنا بأن الخراج والمقاسمة یطلقان علی الطَّسْق(1) الذی یؤخذ من الثلاثة الأخیرة ، فإن کان التقبیل بمال معیّن بنحو الإجارة سمّی خراجاً ، وإن کان بسهم مشاع من عوائد الأرض سمّی مقاسمة ، وربما یطلق علی کلیهما الخراج ، ومقداره فی جمیع الأقسام الثلاثة بید الإمام(2)(3) .

ص: 368


1- (1) قال الشهید الثانی فی حاشیته علی الإرشاد المطبوع ضمن غایة المراد 1/489 : «الطسق فارسی معرَّب والمراد به أُجرتُها» .
2- (2) فی هذا المجال راجع نظام الحکم فی الإسلام/ 529 و 528 .
3- (3) ویشیر إلی أقسام الأراضی فقهاؤنا قدیماً وحدیثاً ، فراجع إن شئت إلی النهایة للشیخ الطوسی/ (196 _ 194) ومبسوطه 2/28 ، ومنتهی العلامة 2/932 [14 / 253 ] ، وتذکرته 9/183 ، رسالة قاطعة اللجاج فی حلّ الخراج/239 للمحقق الثانی المطبوعة ضمن المجلد الأولّ من رسائل المحقق الکرکی وکذا طبعت فی ضمن الخراجیات ، والأردبیلی فی مجمع الفائدة والبرهان 7/469 ، والمحقق السبزواری فی الکفایة 1/373 وما بعدها ، وصاحب الریاض فی کتابه 8/115 ، وصاحب الجواهر فیه 21/157 ، والسید علی آل بحر العلوم فی برهان الفقه ، کتاب التجارة/58 ، والسید الحکیم فی نهج الفقاهة/ 535 ، ودراسات فی ولایة الفقیه 3/181 لبعض أساتیذنا _ مد ظله _ .

هذا معنی الخراج والمقاسمة ، ومعنی الزکاة واضحة ، ولذا نشرع فی أصل البحث :

جماعة من أصحابنا عرّفوا الخراج والمقاسمة فی کلماتهم :

کلمات الأصحاب فی الخراج و المقاسمة

منهم : الفاضل المقداد قال : «أمّا المقاسمة فهو أن یأخذ من الغلاّت باسم المقاسمة عن الأرض ، ومن الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض»(1) .

ومنهم : المحقق الثانی قال : «المقاسمة هی : مقدار معین یؤخذ من حاصل الأرض نسبته إلیه بالجزئیة کالنصف والثلث . والخراج : مقدار معین من المال یضرب علی الأرض أو علی البستان ، کأن یجعل علی کلّ جریب کذا درهماً»(2) .

ومنهم : ثانی الشهیدین قال : «المقاسمة حصة من حاصل الأرض تؤخذ عوضاً عن زراعتها ، والخراج مقدار من المال یضرب علی الأرض أو الشجر حسبما یراه الحاکم»(3) .

ومنهم : المحقق الأردبیلی قال : «المقاسمة : الحصّة المعینة من حاصل تلک الأرض (أی الأرض الخراجیة ، وهی الأرض المعمورة المفتوحة عَنْوة بإذن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أو الإمام علیه السلام علی المشهور ، أو المأخوذة بالصلح بأن تکون الأرض للمسلمین ولهم السکنی) مثل العُشر ، والخراج : المال المضروب علیها غالباً ، فلا یضرّ إطلاق الخراج علی المقاسمة کما ورد فی بعض الروایات والعبارات ، والأمر فی ذلک هیّن ، فإنّ المقصود ظاهر ، لأنّ المراد منهما ومن الطَّسْق والقبالة واحد ، وهو ما یؤخذ من الأرض المذکورة بمنزلة الأُجرة»(4) .

ص: 369


1- (1) التنقیح الرائع 2/18 .
2- (2) جامع المقاصد 4/45 .
3- (3) المسالک 3/142 .
4- (4) مجمع الفائدة والبرهان 8/97 .

وقال أیضاً فی رسالته الخراجیة _ التی کتبها تأییداً للشیخ إبراهیم القطیفی الذی هو ردّ علی رسالة قاطعة اللجاج للمحقق الکرکی فی رسالته المسماة ب_ « السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج » _ فقال الأردبیلی فی تعریف الخراج : «علی ما فهم من کلامهم : أنّه کالاُجرة المضروبة علی الأرض التی فُتحت عنوةً وکانت عامرة حین الفتح ، وفی معناه : المقاسمة ، سواء کانت عین حاصل الأرض کالثلث ، أو من النقد بل غیره أیضاً ، وقیل : إنّه مختص بالقسم الثانی ، والمقاسمة بالأوّل ، وقد یفرّق بالمضروب علی الأرض والمواشی . . . »(1) .

ومنهم :الفیض الکاشانی قال : «الخراج ما یضرب علی الأرض کالأُجرة لها وفی معناه المقاسمة ، غیر أنَّ المقاسمة یکون جزءاً من حاصل الزرع والخراج مقدار من النقد یضرب علیها ، وقد یُسمّی کلاهما بالقبالة»(2) .

ومنهم : الشیخ یحیی بن حسین بن عشیرة البحرانی قال : « . . . المقاسمة : مقدار معین من حاصل الأرض الخراجیة _ وهی المفتوحة عنوةً _ نسبته إلیه بالجزئیة کالنصف والثلث . والخراج : مقدار معیّن من المال کان یضرب لکلِّ جریب من الأرض کذا درهماً فهو کالأجرة لها»(3) .

ومنهم : الفاضل النراقی قال : «المراد بالمقاسمة : الحصّة المعینة من حاصل الأرض یؤخذ عوضاً عن زراعتها ، وبالخراج : المال المضروب علیها أو علی الشجر حسبما یراه الحاکم ، وقد یُطلق الثانی علی الأوّل »(4) .

ومنهم : الفقیه الیزدی قال : «المراد بالخراج ما جعل علی الأرض من الدرهم والدینار ونحوهما ، وبالمقاسمة الحنطة والشعیر ونحوهما إذا جعل علیه أن یزرع بالنصف أو الثلث أو نحوهما»(5) .

ص: 370


1- (1) الخراجیات/ الرسالة الأولی للمحقق الأردبیلی/ 17 .
2- (2) الوافی 18/984 .
3- (3) بهجة الخاطر ونزهة الناظر/ 93 الرقم 188 .
4- (4) مستند الشیعة 14/201 .
5- (5) حاشیة المکاسب 1/219 .

ومنهم : المحقق النائینی عممّ التعریف وقال : «والظاهر أنّ الخراج هو الأعمّ ممّا یؤخذ من حاصل الأرض وممّا یؤخذ ضریبة ، المعروف فی إیران ب_ « المالیات » وفی العراق ب_ « المیری » ، وکیف کان مورد السؤال فی الأخبار یشمل کلّ ما یؤخذ من الأرض جنساً أو نقداً»(1) .

أقول : یظهر من کلمات الأصحاب أنّ المراد بالخراج ما جعل علی الأرض الخاصة من النقود والمقاسمة ما جعل علیها من حصادها وثمرتها من نصف أو ثلث أو عشر أو غیرها ، وقد یُطلق الخراج علی المقاسمة أیضاً ، وأمَّا تعمیمه علی کلِّ ضریبة کما ذهب إلیه المحقق النائینی قدس سره ففی غایة البُعد .

تطور البحث

قال الشیخ الصدوق : «ولا بأس بشراء الطعام والثیاب من السلطان»(2) .

قال الشیخ الطوسی فی النهایة : « . . . فأمّا ما یأخذونه (أی یأخذ سلاطین الجور) من الخراج والصدقات وإن کانوا غیر مستحقَّین لها ، جاز له شِراؤها منهم»(3) .

وقال فیه أیضاً : «ولا بأس أن یشتری من السلطان الإبلِ والغنم والبقر إذا أخذها من الصدقة وإن لم یکن هو مستحِقّاً لها ، وکذلک الحکمُ فی الأطعمة والحبوب»(4) .

وقال القاضی ابن البراج : «یجوز للإنسان أن یبتاع ما یأخذه السلطان الجور من الصدقات والخراج ، وإن کانوا غیر مستحقین لأخذ شیء من ذلک ، إلاَّ أن یتعین له فی شیء منه معیّن أنّه غصب فإنَّه لا یجوز له أن یبتاعه»(5) .

وقال ابن إدریس : «یجوز للإنسان أن یبتاع ما یأخذه سلطان الجور من الزکوات :

ص: 371


1- (1) منیة الطالب 1/79 .
2- (2) المقنع/ 365 .
3- (3) النهایة/ 358 .
4- (4) النهایة/ 369 .
5- (5) المهذب 1/348 .

الإبل والبقر والغنم والغلات ، والخراج وإن کان غیر مستحق لأخذ شیء من ذلک ، إلاّ أن یتعینّ له شیء منه بانفراده أنهّ غصب ، فإنّه لا یجوز له أن یبتاعه ، وکذلک یجوز له أن یبتاع منهم ما أراد من الغلات علی اختلافها وإن کان یعلم أنّهم یغصبون أموال الناس ویأخذون ما لا یستحقونه ، إلاَّ أن یعلم أیضاً ویتعیّن له شیء منه بانفراده أنّه غصب ، فلا یجوز له أن یبتاعه منهم»(1) .

وقال المحقق : «ما یأخذه السلطان الجائر من الغلاّت باسم المقاسمة ، أو الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض ومن الأنعام باسم الزکاة یجوز ابتیاعه وقبول هبته ، ولا تجب إعادته علی أربابه وإن عُرف بعینه»(2) .

وقال فی المختصر : «یجوز أن یشتری من السلطان ما یأخذه باسم المقاسمة واسم الزکاة من ثمرة وحبوب ونَعَم وإن لم یکن مستحقّاً له»(3) .

وقال یحیی بن سعید الحلی : «یجوز شراء الغلّة والثمر والأنعام من سلطان جور أخذها علی جهة الخراج والزکاة والمقاسمة وإن أخذ فوق الواجب»(4) .

وقال السید [عمید الدین] ابن عبد الحمید الحسینی فی شرحه للنافع : «وإنّما یحلّ بعد قبض السلطان أو نائبه ولهذا قال المصنف ما یأخذه باسم المقاسمة فقیّده بالأخذ وهو علی الجائر ونائبه حرام»(5) .

وقال العلامة فی القواعد : «والذی یأخذه الجائر من الغلات باسم المقاسمة ومن الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض ، ومن الأنعام باسم الزکاة یجوز شراؤه واتّهابه ولا

ص: 372


1- (1) السرائر 2/204 .
2- (2) شرائع الإسلام 2/7 .
3- (3) المختصر النافع/ 118 .
4- (4) الجامع للشرائع/260 .
5- (5) نقل عنه الشیخ إبراهیم القطیفی فی « السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج » ، المطبوع ضمن الخراجیات/ 115 .

تجب إعادته علی أصحابه وإن عرفوا»(1) .

ونحوها فی نهایته(2) وإرشاده(3) .

وقال فی التحریر : «ما یأخذه الظالم بشبهة الزکاة من الإبل والبقر والغنم ، وما یأخذه عن حقِّ الأرض بشبهة الخراج ، وما یأخذه من الغلاّت باسم المقاسمة حلال ، وإن لم یستحق أخذ ذلک ، ولا یجب إعادته علی أربابه وإن عرفهم ، إلاَّ أن یعلم فی شیءٍ منه بعینه أنّه غصب ، فلا یجوز تناوله ولا شراؤه»(4) .

وقال فی التذکرة : «ما یأخذ الجائر من الغلاّت باسم المقاسمة ، ومن الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض ، ومن الأنعام باسم الزکاة یجوز شراؤه وأتّهابه ، ولا تجب إعادته علی أصحابه وإن عُرفوا ، لأنّ هذا المال لا یملکه الزارع وصاحب الأنعام والأرض ، فإنّه حقّ للّه أخذه غیر مستحقّه فبرئت ذمتّه وجاز شراؤه»(5) .

ونحوها فی منتهی المطلب 2/1027 من الطبع الحجری .

وقال الشهید : «ویجوز شراء ما یأخذ الجائر باسم الخراج والزکاة والمقاسمة وإن لم یکن مستحقاً له . . . ولا یجب ردّ المقاسمة وشبههاً علی المالک ولا یُعتبر رضاه ، ولا یمنع تظلّمه من الشراء . وکذا لو عَلِمَ أن العامل یظلم ، إلاَّ أن یعلم الظلم بعینه . نعم یکره معاملة الظلمة فلا یحرم . . . ، ولا فرق بین قبض الجائر إیّاها أو وکیله ، وبین عدم القبض ، فلو أحاله بها وقَبِلَ الثلاثة ، أو وکلّه فی قبضها أو باعها ، وهی فی ید المالک أو فی ذمّته جاز التناول ویحرم علی المالک المنع . وکما یجوز الشراء یجوز سائر المعاوضات والهبة والصدقة والوقف ، ولا یحل تناولها بغیر ذلک »(6) .

ص: 373


1- (1) القواعد2/12 .
2- (2) نهایة الإحکام 2/526 .
3- (3) إرشاد الأذهان 1/358 .
4- (4) تحریر الأحکام الشرعیة 2/272 مسألة 3060 .
5- (5) تذکرة الفقهاء 12/153 مسألة 659 .
6- (6) الدروس الشرعیة 3/169 و170 .

وفی هذا المجال راجع إحیاء الموات من اللمعة/ 241 .

وقال الفاضل المقداد : «إنّ الدلیل علی جواز شراء الثلاثة من الجائر _ مع کونه غیر مستحقّ _ النص الوارد عنهم علیهم السلام ، والإجماع وإن لم نعلم مستنده ، ویمکن أن یکون مستنده أنّ ذلک حقّ الأئمة علیهم السلام ، وقد أذنوا لشیعتهم فی شراء ذلک ، فیکون تصرف الجائر کتصرف الفضولی إذا انضمّ إلیه إذن المالک»(1) .

وقال محمد بن القطان الحلّی : «وما یأخذه الجائر من الغلاّت باسم المقاسمة ومن الأموال باسم الخراج ومن الأنعام باسم الزکاة و(2) لا تجب إعادته علی ربّه وإن عرفه»(3) .

وقال المحقق الثانی : «وعبّر بقوله (باسم المقاسمة) و(باسم الخراج) لأذن ذلک لا یعدّ مقاسمة ولا خراجاً حقیقة ، إذ تحقق ذلک إنّما یکون بأمر الإمام علیه السلام . ولا فرق بین قبض الجائر إیّاها وإحالته بها إجماعاً . ولا یُعتبر رضی المالک قطعاً ، لأنّ ذلک حقّ علیه لا یجوز له منعه بحال . والجائر وإن کان ظالماً بالتصرف فیه ، إلاّ أنَّ الإجماع من فقهاء الإمامیة والأخبار المتواترة عن أئمة الهدی دلّت علی جواز أخذ أهل الحقّ لها عن قول الجائر تفصّیّاً من الحرج العظیم ، فإنَّ حقّ التصرف فی ذلک لأهل البیت علیهم السلام وقد رفعوا الحجر من قبلهم . نعم لا یجوز أخذها بغیر أمر الجائر قطعاً . وکذا ثمرة الکرم والبستان ، صرّح به شیخنا الشهید فی حواشیه»(4) .

وقریب منها عبارة حاشیته علی الإرشاد المطبوعة ضمن حیاة المحقق الکرکی وآثاره 9/324 .

وقال ثانی الشهیدین : « أنّ ما یأخذه الجائر فی زمن تغلّبه قد أذن أئمتنا علیهم السلام من تناوله منه ، وأطبق علیه علماؤنا ، لا نعلم فیه مخالفاً وإن کان ظالماً فی أخذه ، ولإستلزام ترکه والقول بتحریمه الضرر والحرج العظیم علی هذه الطائفة . ولا یُشترط رضی المالک ولا یقدح فیه

ص: 374


1- (1) التنقیح الرائع 2/18 و 19 .
2- (2) الظاهر زیادة الواو .
3- (3) معالم الدین فی فقه آل یاسین 1/333 .
4- (4) جامع المقاصد 4/45 .

تظلمه ، ما لم یتحقق الظلم بالزیادة عن المعتاد أخذه من عامة الناس فی ذلک الزمان . . . وکما یجوز ابتیاعه واستیهابه ، یجوز سائر المعاوضات ، ولا یجوز تناوله بغیر إذن الجائر ، ولا یُشترط قبض الجائر له . . . فلو أحاله به أو وکلّه فی قبضه أو باعه وهو فی ید المالک أو ذمّته حیث یصح البیع کفی ووجب علی المالک الدفع . . . الظاهر أنّ الحکم مختص بالجائر المخالف للحقِّ نظراً إلی معتَقَده من استحقاقه ذلک عندهم ، فلو کان مؤمناً لم یحل أخذ ما یأخذه منهما لاعترافه بکونه ظالماً فیه ، وإنّما المرجع حینئذ إلی رأی حاکمهم الشرعی مع احتمال الجواز مطلقاً ، نظراً إلی إطلاق النص والفتوی . . .»(1) .

وذکر مختصر هذه العبارة فی حاشیته علی الشرائع/329 ، وذهب إلی الجواز فی الروضة 7/153 فی کتاب إحیاء الموات .

وقال الشیخ ماجد بن فلاح الشیبانی رحمه الله فی رسالته الخراجیة فی الردّ علی المحقق الأردبیلی المعاصر له : « . . ومن ذلک یفهم جواز غیر الشراء فتأمل ، وما ورد من الروایات التی یدلّ بعضها صریحاً وبعضها بالفکر الصائب وإن کان فی بعضها ضعف ، وعبارات الفقهاء التی هی صریحة بحلّه ممّا یدلّ علی تحلیله . . . ومن أعجب الأمور أنّ هذا الخراج لم یذهب إلی تحریمه أحدٌ من المسلمین فضلاً عن المؤمنین ، حتّی أنّ الشیخ إبراهیم رحمه الله الذی نسب إلیه الخلاف فی ذلک قال فی نقض الخراجیة بما یدلّ علی اعتقاده بأنّ الخراج حلال للمسلمین وإن حرم أخذ الجائر له . . .»(2) .

وقال المحقق السبزواری : «ما یأخذه السلطان الجائر من الغلات باسم المقاسمة أو الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض ومن الأنعام باسم الزکاة یجوز ابتیاعه وقبول هبته ، ولا یجب إعادته علی أربابه وإن علم بعینه»(3) .

وقال قبله فی کتاب الجهاد : «المعروف من مذهب الأصحاب حلّ الخراج فی زمان

ص: 375


1- (1) المسالک 3/ (144 _ 142) .
2- (2) رسالة الفاضل الشیبانی فی الخراج/15 و 14 المطبوعة ضمن الخراجیات .
3- (3) الکفایة 1/447 .

غیبة الإمام علیه السلام فی الجملة ، لا أعرف فی ذلک خلافاً بینهم »(1) وقال بعد نقل کلام الشهید الثانی : «والظاهر أنّ الأئمة علیهم السلام لمّا علموا انتفاء تسلّط السلطان العدل إلی القائم علیه السلام ، وعلموا أنّ للمسلمین حقوقاً فی الأراضی المفتوحة عنوة ، وعلموا أنّه لا یتیسّر لهم الوصول إلی حقوقهم فی تلک المدّة المتطاولة إلاّ بالتوسل والتوصل إلی السلاطین والأُمراء حکموا علیهم السلام بجواز الأخذ منهم ، إذ فی تحریم ذلک حرج وغضاضة علیهم وتفویت لحقوقهم بالکلّیَّة »(2) .

وأضاف المحدث الکاشانی فی المفاتیح(3) علی حکم المسألة أنّه لا خلاف فیه وقال : «وکذلک ما یأخذه باسم المقاسمة أو الخراج أو الزکاة ، فإنّه جائز الأخذ منه ومن مالکه بحوالته علیه بلا خلاف للنصوص . وقیل : یُشترط أن لا یزید علی المعتاد أخذه من عامة الناس فی ذلک الزمان ، وزاد آخرون إتفاق السلطان والعمال علی القدر»(4) .

وقال المحدث البحرانی : «الظاهر أنّه لا خلاف بین الأصحاب رضوان اللّه علیهم فی أنَّ ما یأخذه السلطان الجائر باسم المقاسمة والخراج من الأراضی والغلات وما یأخذه باسم الزکاة من الأنعام والغلات ونحو ذلک یجوز شراؤه وقبول إتهابه ، بل ظاهر کلام جملة من الأصحاب دعوی الإجماع علی ذلک»(5) .

وفی مصابیح العلامة الطباطبائی أنّ علیه إجماع علمائنا(6) .

وقال حفیده السید علی آل بحر العلوم : «حکی الإجماع والروایات جدی العلامة فی المصابیح علی أن ما یأخذه الجائر باسم المقاسمة والخراج من أراضی الصلح والمفتوحة عنوة وباسم الزکاة فی حکم ماله . . . »(7) .

ص: 376


1- (1) الکفایة 1/380 .
2- (2) الکفایة 1/382 .
3- (3) مفاتیح الشرائع 3/10 .
4- (4) مفاتیح الشرائع 3/10 .
5- (5) الحدائق 18/243 .
6- (6) کما نقل عنه صاحب الجواهر فی کتابه 22/180 .
7- (7) برهان الفقه . کتاب التجارة/ 54 الطبع الحجری .

قال الشیخ جعفر : « (والذی یأخذه الجائر) المتغلّب بجنوده وأتباعه ، ذا طبل أو جمعة أو عید أو لا ، فرعاً أو أصلاً ، مؤمناً أو مخالفاً ، مستحلاًّ أو لا ، من مؤمن أو مخالف _ وإن کان الوجه فی المخالفین أظهر _ للعمومات فی الروایات وأکثر العبارات وبعض منقول الإجماعات (من الغلاّت) وغیرها من حاصل الأرض (باسم المقاسمة) جری علی السیرة المألوفة أو لا _ ما لم یفرط فی التعدّی _ من غیر فرق بین ما کان فی أرض الخراج أو الصلح أو غیرهما ممّا جرت عادة السلاطین بالتسلط علیها ، مع التوافق مع العمّال أو الرعیة وبدونه ، (ومن الأموال باسم الخراج عن حقِّ الأرض) کذلک بتوزیع النقود علیها ، أو علی زروعها أو أشجارها (ومن الأنعام) وغیرها ممّا تتعلّق به الزکاة فی مذهبهم _ إن کان منهم _ وإن لم یوافق مذهب أهل الحقّ دون العکس فی وجه ، أو ولو بطریق الإبداع فی وجه ضعیف (باسم الزکاة) ومن الذمیّین باسم الجزیة ومن غیرهم من محترمی المال من الکفار باسم الشرط حیث یصحّ (یجوز) لمؤمن وغیره _ علی إشکال فی الأخیر _ (شراؤه وإتهابه) وقبول الإحالة به قبل قبضه وبعده وتملّکه بسائر وجوه التملّکات . وکذا حکم ما یأخذه المخالف من مثله علی وجه یحلّ فی مذهبه وإن حرم فی مذهبنا . (ولا یجب إعادته علی أصحابه وإن عُرفوا) ولو طلبوه مُنِعوا . ولا یجوز لهم الإمتناع عن تسلیمه . وفی إباحته لسلطان آخر وجهان . کلّ ذلک للإجماع محصّلاً _ وندرة المخالف لا تنافیه _ ومنقولاً ، وللروایات المعتبرة مع انجبارها بالإجماع والشهرة . والقدح فی دلالتها یردّه التأمل فی عباراتها وفهم الفقهاء ذلک منها . . .»(1) .

وقال أیضاً : «ولا یُشترط فی السلطان أن یکون مستطیلاً ذارایات وجماعات وجُمُعات وأعیاد وکتّاب وقضاة وعمّال بحیث یکون متصدیّاً لما یُراد من إمام الحقَّ کما ذکره بعضهم ، لأنّ اسم الجائر فی الأخبار وکلام الأصحاب یعمّ کلّ متغلّب طلب الاستقلال لنفسه ولم یدخل فی خدمة غیره ، سواء عمل شیئاً ممّا ذُکر أو لا ، ولفظ « السلطان » فیها لا یبعد انطباقه علی ذلک ، کما یظهر من أهل اللغة . . . فإنّ أکثر أهل الأطراف متغلّبون کأهل خراسان

ص: 377


1- (1) شرح القواعد 1/(344 _ 342) .

إلاّ من شذّ وأهل الهند کذلک وکثیر من بلاد الإسلام ولزوم الخراج المتعددة . . .»(1) .

وقال سید الریاض : «یجوز أن یشتری من السلطان الجائر المخالف لا مطلقاً علی الأصح ما یأخذه باسم المقاسمة والخراج واسم الزکاة من ثمرة وحبوب ونَعَم وإن لم یکن السلطان مستحقّاً ، له بشرط أن لا یزید فی الأخذ علی ما لو کان الإمام العادل ظاهراً لأخذه . وهو فی الثالث مقدّرٌ مضبوط ، وقدّر الأوّلین حیث لا تقدیر فیهما فی الشریعة بما یتراضی علیه السلطان ومُلّاک الأرضین فی ذلک الزمان . فلو أخذ الجائر زیادةً علی ذلک کلِّه حرم الزائد بعینه إن تمیّز وإلاّ حرم الکلّ من باب المقدمة . والأصل فی المسألة - بعد عدم الخلاف فی الطائفة والإجماع المستفیض حکایته فی کلام جماعة - المعتبرة المستفیضة ... »(2) .

وقال الفاضل النراقی : «الثانی : وهو جواز الأخذ من الجائر بعد أخذه من المالک قهراً أو لکونه متدیّناً بدین الجائر _ فالظاهر عدم الخلاف بل الإجماع فیه فی الجملة ، بل فی المسالک والتنقیح وشرح القواعد للمحقق الثانی ورسالته الخراجیة دعوی الإجماع علیه ، وهو الحجة فی المقام ، وإلاّ فالأخبار التی استدلّوا بها لا تخلو عن مناقشة فی الدلالة ، مع أنّ ما یمکن إتمام دلالتها _ ولو بقطع النظر عن بعض الاحتمالات _ ولا یُثبت أزید ممّا یثبته الإجماع ، وهو جواز شراء هذه الثلاثة من الجائر فی الجملة .

بل الظاهر وقوع الإجماع علی جواز الأخذ فی الجملة ، سواء کان بالشراء أو غیره ، فیجب الحکم به ، ولکن نقتصر علی موضع الإجماع ، وهو السلطان المخالف کما صرّح به الشهید الثانی . أمّا الشیعة فلا ، والتعدی إلیهم بواسطة بعض التعلیلات قیاس مستنبط العلّة ، مردودٌ عند الشیعة ، ویقتصر فی الأخذ بدون الشراء علی من یستحقّه»(3) .

وقال صاحب الجواهر : «لا خلاف أجده فی أنّ ما یأخذه أو یحول علیه أو یصالح علیه السلطان الجائر من الغلات فی زمن الغیبة ونحوها فی قصور من المؤمنین والمخالفین باسم المقاسمة التی هی قسم أیضاً من الخراج الذی هو بمعنی الاُجرة والطَّسْق أو الأموال باسم

ص: 378


1- (1) شرح القواعد 2/204 .
2- (2) ریاض المسائل 8/195 .
3- (3) مستند الشیعة 14/204 و203 .

الخراج عن حقِّ الأرض من المنتفعین بالأراضی التی مرجع التصرف فیها الإمام العدل حال بسط الید باعتبار ولایته عن المسلمین من غیر فرق بین الدراهم والغلات وغیرهما یکون خراجاً مبرئاً لذمّة من کان علیه کما لو أخذه السلطان العادل ، من غیر فرق بین قسمة الموجود وبین قبض ما کان منه فی الذمّة ، کما أنّه لا خلاف معتدّ به فی جواز شرائه منه وقبول هبته ونحو ذلک ممّا یقع علی المملوک حقیقة . . .»(1) .

وقال تلمیذه السید علی آل بحر العلوم : «یجوز أن یشتری من السلطان الجائر ما یأخذه باسم المقاسمة واسم الزکاة من ثمرة وحبوب ونَعَم ، وإن کان المستحق لقبض هذا کلّه الإمام العادل ولم یکن هو - أی الجائر - مستحقِّاً له ، لکن دلّت الأخبار المستفیضة واستفاض نقل الإجماع علی أنّ حکم تصرفات السلطان الجائر فی نحو هذه الأشیاء التی یرجع إلی الإمام حکم تصرف الإمام علیه السلام فی الصحة بالنسبة إلی غیره من الشیعة وإن کان حراماً علی نفسه بغیر إشکال . وهذا الحکم فی الجملة من مُتَّفِقات أصحابنا وإن شذّ مخالف فیه نحو الشیخ إبراهیم بن سلیمان ، ومثله لا یؤ به بخلافه ، بل المسألة کأنّها عندهم قدیماً وحدیثاً من المسلّمات التی لا تعتریها شبهة ولا ریب ، وتکثرت فیها الروایات متفرقة فی مواردها ، وأعتضدت بلزوم العسر والحرج فی الاجتناب منها کما لا یخفی . وظاهر الأصحاب المجوّزین کما اعترف به جماعة صحة جمیع أنحاء التصرفات . . .»(2) .

أقول : هذا کلّه هو القول الأوّل _ وهو القول المشهور المُدعی علیه الإجماع _ فی المقام ، وفی قباله قولٌ بالحرمة وعدم الجواز ، وهو قول إثنان من فقهائنا فقط ، وهما الشیخ إبراهیم القطیفی وتبعه المقدس الأردبیلی (قدس سرهما) :

قال الشیخ إبراهیم بن سلیمان القطیفی _ وکان حیّاً سنة 944 _ فی رسالته الخراجیة فی ردّ المحقق الثانی المسماة ب_ « السراج الوهّاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج » : «الذی أذن أئمتنا علیهم السلام لشیعتهم فی زمن الغیبة المناکح وفی وجهٍ قوی له شاهد من الأثر والمساکن والمتاجر

ص: 379


1- (1) الجواهر 22/180 .
2- (2) برهان الفقه _ کتاب التجارة/ 54 طبع الحجری .

وهو فی الأرضین مختصّ بما کان حقّهم علیهم السلام کالأنفال ، أمّا الأرض المفتوحة عنوةً فهی للمسلمین قاطبةً ، فتصرّفهم فیها جائز مع عدم ظهور الإمام . ویدلّ علیه ما یأتی من الأحادیث . . . والظاهر سقوط الخراج زمن الغیبة عن الشیعة لظاهر الأخبار ، ویؤیده أنّه لم ینقل عن السلف منهم والخلف عزل قسط من شیء من الأراضی وإن لم یؤخذ منهم الخراج مع اعتنائهم بالتقوی والتحرّز عن الإشتغال بالحقوق . وقد یُستدلّ علی سقوط الخراج عن المسلمین کافّةً مع عدم ظهور الإمام بظاهر بعض الأحادیث وسیأتی . نعم الظاهر أنّه یستقرّ الضمان علی غیر الشیعة لظاهر حدیث عمر بن یزید .

إذا عرفت هذا فقوله : «وفی حال غیبته صلی الله علیه و آله وسلم قد أذن أئمتنا علیهم السلام لشیعتهم فی تناول ذلک من سلاطین الجور»(1) إن أراد به أنّهم إذ أذنوا فی تناول الأراضی فهو ممنوع ، ولا نعرف قائلاً به ولا أثراً من الحدیث یدلّ علیه . . . ، وإن أراد أنّهم أذنوا فی ابتیاع ما یأخذه الجائر فلیس مخصوصاً بالخراج ، فإنّهم أذنوا فی ابتیاع ما یأخذه من زکاة مَن أسلم طوعاً من الأراضی بل ومن الأنعام ولا بالشیعة ، مع أنّه لا یدلّ علی ما هو فیه من حلّ القریة بشیءٍ من الدلالات . . .»(2) .

وقال أیضاً : «إنّ المراد بالجائر فی کلام الأصحاب مخصوص بمَن له شبهة الإمامة ، وقد أُجیز لنا أن نعاملهم بمقتضی مذهبهم کما جاز ابتیاع عوض الخمر من الیهود ، وحینئذٍ إذا أخذ إمامهم منهم شیئاً فهو مباح بالنسبة إلیه وإلی رعیته المعتقدین إمامته ، فیجوز ابتیاعه وإن لم یکن مستحقاً عندنا . وفی وجوب التخصیص بما أُخذ من معتقدی الإمامة نظر ینشأ : من أن جواز معاملتهم بمذهبهم هل یقتضی العموم فلایُشترط الإباحة أو لایقتضیه فیُشترط ؟ فعلی عدم الإشتراط یجوز وإن أُخذ من الشیعی ، وعلی الإشتراط لا یجوز . وظاهر الأصحاب عدم الإشتراط ، لإطلاقهم الجواز من غیر تفصیل . ولعلّ الأقرب الإشتراط ، وربمّا کان فی الخبر الذی ذکرناه سابقاً عن علی بن یقطین دلالة علیه ، حیث قال علیه السلام : فاتق أموال

ص: 380


1- (1) رسالة قاطعة اللجاج فی تحقیق حلّ الخراج/38 للمحقق الثانی المطبوعة ضمن الخراجیات .
2- (2) السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج/ 31 و30 المطبوع ضمن الخراجیات .

الشیعة(1) . . . .»(2) .

أقول : ما ذکره هذا الفقیه _ الشیخ إبراهیم القطیفی قدس سره _ فی الواقع ردّ للروایات کلِّها وکلمات الأصحاب _ رضوان اللّه تعالی علیهم _ لأنّه أخذ بقاعدة الإلزام وحمل المقام علیها ولو لم تکن شیء من الروایات أو فتوی الأصحاب کان یمکن الذهاب إلی ما ذکره بقاعدة الإلزام ، فماذا تکون نتیجة هذه الروایات والفتاوی ؟! وهل هذا البیان إلاّ طرحها وردّها ؟!

وقد قال المحقق النائینی فی شأن رسالته ولنعم ما قال : «قد أرعد وأبرق وترنّم ولم یأت بشیءٍ»(3) .

وتبعه المقدس الأردبیلی رحمه الله وقال فی مجمع الفائدة والبرهان : «وأمّا حلیتهما _ کما هو ظاهر أکثر العبارات لکلِّ أحدٍ ، مستحقّاً لذلک کالمصالح أم لا ، قلیلاً کان أو کثیراً بشرط عدم التجاوز عن العادة التی تقتضی کونهما اُجرة بإذن الجائر مطلقاً _ سواء کان مخالفاً أو موافقاً ، قبضهما أم لا _ وعدمها بدون إذنه مع کونه جائراً وظالماً فی الأخذ والإذن ، وعدم إباحتهما مع وجوب الدفع إلیه وإلی مَن یأمره ، وعدم جواز کتمان الرعیة والسرقة منهما بوجه من الوجوه ، مع کونهما اُجرة للأرض ومنوطة برأی الإمام وبرضی الرعیة للأصل کما هو فی الإجارات ، فهی بعیدة جدّاً .

یدلّ علی العدم : العقل والنقل والأصل ، ولا دلیل علیها مع الإشکال فی تحققها وثبوتها فی نفسها ، ثم العلم بها ، ثم ثبوتها بالنقل وحجیّته ، وما اُدّعی ولا نقل أیضاً الإجماع صریحاً ، بل قیل : إنّه إتفاق . ونقل عبارات البعض فی الرسالة المدوّنة لهذه المسألة بخصوصها مع کثرة الإهتمام بتحقیقها وإثبات الإباحة فیها ، ثم قال : «فهو إجماع» .

وفیه ما فیه ، لعدم ثبوت الإجماع بعبارات البعض مع خلو البعض عنه ، ولهذا تری بعض العبارات خالیة عن هذه .

وقد ذُکر إباحة الشراء فقط مثل عبارة نهایة الشیخ علی ما نقل فی هذه الرسالة ویظهر

ص: 381


1- (1) وسائل الشیعة 17/193 ح8 . الباب 46 من أبواب ما یکتسب به .
2- (2) السراج الوهاج/ 125 و124 المطبوع ضمن الخراجیات .
3- (3) منیة الطالب 1/78 .

من شرح الشرائع أیضاً دعوی الإجماع فی الجملة ، فالسماع منهما مشکل .

وقد ادّعی فیهما دلالة الأخبار المتظافرة علیه وما عرفتُها وما فهمتُها من خبر واحد ، وکأنّه لذلک ما ادّعی فی المنتهی ، بل استدلّ علی ذلک بالضرورة ودفع الحرج ، وإثبات مثله بمثله بعید کما تری »(1) .

وقال فی رسالته الخراجیة الاُولی : « . . . ثمّ علی تقدیر الثبوت فلا دلیل یعتدّ به علیه ، وإن کان ظاهر عبارات الأصحاب یفیده ، لکن بمجرد ذلک من غیر ظهور دلیل ، وثبوت إجماعهم بحیث یقنع النفس به وإن أدعی الشیخ علی ذلک الإجماع فی الخراجیة لما یعلم فی الإجماع . ودعواه فی هذا الزمان فی مثل هذه المسألة مشکلٌ ، لأنّ الظاهر أنّ المال لِمَنْ فی یده من غیر أن یکون لأحدٍ شیئاً ، إذ ثبوت الخراج فی أرضه من الإمام ، وقبوله علی ذلک المقدار المقرّر الآن غیر واضح وإن سلّم أنّ أرضها ممّا یجب فیه الخراج ، فیکون هو غاصباً یلزمه اُجرة المثل ولیس بمعلوم کونها المقدار المقرّر المأخوذ باسمه . ثمّ إنّ ذلک دَینٌ فی ذمّته ، فلا یمکن الأخذ إلاّ برضاه ، ولا یتعیّن کون المأخوذ لذلک إلاّ بأخذهم أو أخذ وکیلهم ، وهو متعذّر حینئذ ، فیکون ثابتاً فی ذمّته یوصی به إلی أن یصل إلی صاحبه أو الحاکم لو أمکن ویکون له ذلک ، إذ الإمام ناظر . ولا یلزم من کون الحاکم نائباً عنه فی الجملة کونه نائباً فی ذلک ، أو یوصل هو إلی أهله ، أی یصرفه فی مصالح المسلمین ، أو یکون ساقطاً سیّما مع الاحتیاج ، إذ هو من المسلمین فقد یکون هذا من نصیبه ، حیث إنّ المفهوم من کلام الشیخ علی رحمه الله أنّ الآخذ إنّما یأخذه لأنّه من بیت مال المسلمین وللآخذ نصیب فیه وحصّة ، ولا شک أنّ ذا الید أیضاً کذلک »(2) .

وقال أیضاً فی رسالته الثانیة فی الخراج : « . . . وبالجملة معلوم عدم جواز التصرف فی مال الناس إلاّ علی الوجه الشرعی المعلوم شرعیته عقلاً ونقلاً وکتاباً وسنة وإجماعاً ، وما رأیتُ دلیلاً منها یدلّ علی جواز أخذ واحد منّا شیئاً ممّا یأخذه الجائر باسم الخراج ، ولم نعلم

ص: 382


1- (1) مجمع الفائدة والبرهان 8/100 و 99 .
2- (2) الرسالة الأولی فی الخراج للمقدس الأردبیلی/ 20 و19 المطبوعة ضمن الخراجیات .

هل لکلِّ أحدٍ مِنَ المسلمین أو للفقراء المستحقّین له أو للصالح فی الجملة ، بقدر الحاجة وفوقها ، وهل الجائر هو المخالف أو الأعم وإن کان ظاهر ذلک العموم . ولهذا تردّد فی بعض أفراده بعض المجتهدین المدّعی للإجماع کما أشرنا إلیه ، وذلک لیس بکتاب ولا سنة ولا إجماع ولا برهان عقلی حتّی یکون حجة بالنسبة إلی مَن یدّعی الاستدلال ، وکذا بالنسبة إلی مقلّدیه کما عرفت ، مع أنّه فرع جواز تقلیده ، وهو ظاهر ، مع أنّهم یدّعون الإجماع علی بطلان تقلید الموتی . ومعلوم أنّ حلّه لیس ممّا یحتاج إلی الدلیل ولا التقلید وهو ظاهر . والعجب أنّ الآخذین الآن - وإن کانوا أغنیاء عن هذا وفوق حاجتهم - مستندهم کلام المحقق الثانی ، مع أنّه یُفهم من کلامه رحمه الله فی مواضع التردّد فی جوازه لکلّ أحدٍ مثل الغنیّ وغیر المصالح ، وأنّه مع دعواه البرهان علیه ما اکتفی بذلک فی أخذه بل شارک أهل القریة فی البذر واشتری بعض الأشجار منهم ، صرّح به فی الخراجیّة .

وأعجب منه عدم جواز الأخذ إلاّ بإذن الجائر مع عدم جواز الأخذ له ، وعدمُ جواز التصرف فی الحاصل إلاَّ بعد القسمة وإخراج الحقّ الذی یطلبه ظلماً ، فما علم جواز أخذ الخراج علی الإطلاق ولا لزومه علی الزارع . نعم یلزم أُجرة علی من تصرّف فی الأرض الخراجیّة إن ثبت ، فیکون دَیْناً فی ذمّته یأخذه الوالی أو وکیله یصرفه فی مصالح المسلمین»(1) .

أقول : المخالف فی المسألة کما مرّ منّا منحصر بهذین الفقیهین ، واعترف بالانحصار صاحب الحدائق حیث یقول : «ولم أقف علی مخالف فی الحکم المذکور إلاّ المقدس الأردبیلی فی شرح الإرشاد ، وقبله الفاضل الشیخ إبراهیم بن سلیمان القطیفی أصلاً والحلّی مسکناً . _ وهذا الشیخ کان معاصراً للمحقق الشیخ علی بن عبد العالی الکرکی وجرت بینهما مناقشات ومباحثات ، ردّ فیها کلّ منهما علی الآخر ، منها هذه المسألة ، فإنّ المحقق الشیخ علی قد صنّف فیها رسالة فی حلّ الخراج فصنف الشیخ إبراهیم ردّاً علیه رسالة فی تحریمه»(2) .

وکذا نبّه بخلافهما الفقیه الیزدی رحمه الله فی حاشیته علی المکاسب(3) .

ص: 383


1- (1) الرسالة الثانیة فی الخراج للمقدس الأردبیلی/ 28 و 27 ، المطبوعة ضمن الخراجیات .
2- (2) الحدائق 18/243 .
3- (3) حاشیة المکاسب 1/221 .

أدلة القائلین بالجواز

تدلّ علی الجواز قبل الإجماع المحصَّل الذی مرّ منّا فی تطور البحث ومضافاً إلی أن تحریمه یوجب لزوم الحرج العظیم بل اختلال نظام المعاش کما ذکرهما الشیخ الأعظم(1) ومضافاً إلی الروایات الماضیة فی أخذ الجوائز من السلطان لا سیما الجوائز العظام التی لا یحتمل عادة أن تکون من غیر الخراج کما ذکره(2) ، عدّة من الروایات المستفیضة :

منها : صحیحة أبی عبیدة عن أبی جعفر علیه السلام قال : سألته عن الرجل منّا یشتری من السلطان من إبل الصدقة وغنم الصدقة وهو یعلم أنّهم یأخذون منهم أکثر من الحقِّ الذی یجب علیهم ؟ قال : فقال : ما الإبل إلاّ مثل الحنطة والشعیر وغیر ذلک ، لا بأس به حتّی تعرف الحرام بعینه .

قیل له : فما تری فی مصدِّقٍ یجیئنا فیأخذ منّا صدقات أغنامنا فنقول : بعناها فیبیعناها ، فما تقول فی شرائها منه ؟ فقال : إن کان قد أخذها وعزلها فلا بأس .

قیل له : فما تری فی الحنطة والشعیر یجیئنا القاسم فیقسم لنا حظّنا ویأخذ حظّه فیعزله بکیل فما تری فی شراء ذلک الطعام منه ؟ فقال : إن کان قبضه بکیل وأنتم حضور ذلک فلا بأس بشرائه منه من غیر کیلٍ(3) .

وأنت تری أنّ شراء الصدقة من عمّال السلطان کان مفروغ الجواز عند السائل وکان من الواضحات التی لاتحتاج إلی السؤال ، وإنَّما سأل :

أوّلاً : عن الجواز مع العلم الإجمالی بحصول الحرام فی أیدی العمّال ، وأجابه الإمام علیه السلام بالجواز حتّی یعرف الحرام منه بعینه .

وثانیاً : سأل من جهة توهم الحرمة أو الکراهة فی شراء ما یخرج فی الصدقة من قبل نفس المزکی ، وأجابه الإمام علیه السلام بلا بأس .

ص: 384


1- (1) المکاسب 2/202 .
2- (2) المکاسب 2/202 .
3- (3) وسائل الشیعة 17/219 ح5 . الباب 52 من أبواب ما یکتسب به .

وثالثاً : سأل من جهة کفایة الکیل الأول فی المقاسمة أو الزکاة ، وأجابه الإمام علیه السلام بکفایته والمشترون حاضرون . وقد نبّه الشیخ الأعظم علی جلّ هذه الأُمور(1) .

واستشکل الفاضل القطیفی فی رسالته الخراجیة المسماة ب_ «السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج» فی الفقرة الثالثة من الصحیحة بأنّ : «القاسم یجوز أن یکون مزارعاً أو وکیل المزارع الذی منه الزرع أو منهما أو من الزرع والأرض له ، ولا إشعار فی الخبر بأنّ القاسم قاسم الجور وأن الذی یأخذه من الخراج ، سلّمنا ، لکن جوازه لهم لا یدلّ علی جوازه مطلقاً . . . وربّما کان فی قوله «وأنتم حضور» إشارة إلی ذلک ، لأنّ مع عدم الحضور یحتمل خلطه بغیر ما اُخذ منهم»(2) .

وتبعه الفاضل النراقی فذهب إلی عدم ظهور لفظ القاسم فی المقاسمة «لتحقّق القسمة فی صدقات الغلّات أیضاً ، لأنّها أیضاً کمال المقاسمة تؤخذ بالنسبة والمقابلة للمصدِّق غیر مفیدة لجواز اختصاص استعمال المصدّق عندهم بأخذ صدقات الأنعام . . . ولو سلّم الظهور فکون المأخوذ مال مقاسمة السلطان ممنوع ، لجواز أن تکون الأرض ملک القاسم قاسمها للزارع ، کما یُشعر به قوله « حظّه » ویکون المراد بالقاسم من قاسم الملک . . .»(3) .

وفیه : أوّلاً : ظهور الروایة یقتضی أنّ المراد بالقاسم هو الآخذ للمقاسمة التی قد مرّ تعریفها ، وغایة الأمر یحتمل ضعیفاً أنّ المراد به العامل الآخذ للصدقات . وأمّا کون المراد به المزارع أو وکیله أو المزارع والعامل علی الزرع الذی یزرع ویحصد أو مَن الزرع والأرض له ، کلّها خلاف ظاهر الصحیحة ، وحملها علیهم تحتاج إلی القرینة المفقودة فی المقام .

وثانیاً : ظاهر المشتق هنا هو من کانت القسمة حرفةً وعملاً له ، ولذا لا یُطلق علی المزارع أو وکیله أو مَن الزرع والأرض له أو غیرهم ، نبّه علیه المحقق الإیراونی(4) .

وثالثاً : ما ذکره أخیراً بأن «الجوازلهم لایدلّ علی جوازه مطلقاً» بعید فی الغایة بأنّ

ص: 385


1- (1) المکاسب 2/204 .
2- (2) السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج/ 109 المطبوعة ضمن الخراجیات .
3- (3) مستند الشیعة 14/207 .
4- (4) حاشیة المکاسب 1/352 .

ظهور الصحیحة فی الجواز مطلقاً وعدم دخل المالک فی هذه الشراء ، ولو کان دخیلاً لا بدَّ أن یأخذه الإمام علیه السلام فی الجواب ، لأنّ بقاعدة الإشتراک تحمل علی الجمیع وعدم اختصاص جوازها بالمالک ، وقوله علیه السلام : «وأنتم حضور» یدلّ علی کفایة الکیل الأوّل وعدم لزوم الإکتیال ثانیاً ، والشاهد علیه قوله علیه السلام : «فلا بأس بشرائه منه من غیر کیل» .

ورابعاً : ما ذکره الفاضل النراقی یردّ علیه ما ذکرناه ، مضافاً إلی کفایة الاستدلال حتّی علی القول بأنّ المراد بالقاسم قاسم الزکاة ، وجواز شراء الزکاة من السلطان یثبت جواز شراء الخراج منه ، لعدم القول بالفصل کما نبّه علیه الفقیه الیزدی(1) .

واستشکل أیضاً المحقق الأردبیلی فی دلالتها بل وفی سندها ، أذکر لک کلامه بطوله لإکمال الفائدة :

قال قدس سره : «لا دلالة فیها أیضاً علی إباحة المقاسمة بوجهٍ من الوجوه ، ویمکن أنّ لها دلالة علی جواز شراء الزکاة ، ولهذا جعلها فی المنتهی دلیلاً علیه فقط . وفی الدلالة علیه أیضاً تأمل ، إذ لا دلالة فی قوله : «لا بأس به حتّی تعرف الحرام بعینه » إلاّ علی أنّه یجوز شراء ما کان حلالاً بل مشتبهاً أیضاً ، ولا یجوز شراء ما هو معروف أنّه حرام ، ولا یدلّ علی جواز شراء الزکاة بعینها صریحاً . نعم ظاهرها ذلک ، ولکن لا ینبغی الحمل علیه لمنافاته للعقل والنقل(2) .

ویُحتمل أن یکون سبب الإجمال التقیة .

ویؤید عدم الحمل علی الظاهر أنّه غیر مراد بالإتفاق ، إذ لیس بحلال ما أخذه الجائر ، فتأمل .

وأمّا قوله : «فما تری فی مصدِّق . . . الخ » فإنَّ ظاهره یدلّ علی جواز الشراء ، ولکن لیس بمعلوم کون المصدِّق _ أی الذی یقبل الصدقة _ من قبل الجائر الظالم ، فیحمل علی کونه

ص: 386


1- (1) حاشیة المکاسب 1/225 .
2- (2) وفی هامش بعض نسخ مجمع الفائدة حاشیة من مؤلفه ، وهی : «فإنّهما یمنعان من شراء الزکاة التی هی للمستحقین من الذی أخذها باسمها ولم یصر زکاة أو صار زکاة ، برئت ذمة المالک أم لا ؟ کما هو رأی المصنف فی التحریر والشهید فی البیان . وکذا المقاسمة ، فإنّ الشراء الحقیقی إنما یتحقق من المالک أو وکیله أو ولیه ولیس الظالم الجائر أحدهم ، وهو الظاهر» .

من قبل العدل لما تقدّم . علی أنّه قد یکون المراد بجوازه حیث کان المبیع مال المشتری ، فإنّه قال : «یأخذ صدقات أغنامنا» ولم یصر متعیّناً للزکاة ، لأخذه ظلماً ، فیکون الشراء استنقاذاً لا شراءً حقیقیّاً ، ویکون الغرض من قوله : «إن کان . . . الخ» بیان شرط الشراء وهو التعیین ، ویعلم منه الکلام فی قوله : «فما تری فی الحنطة . . . . الخ» فتأمل .

ویمکن عدم الصحة أیضاً ، لإحتمال أن یکون أبوعبیدة غیر الحذّاء المشهور .

وبالجملة ، لیست هذه ممّا یصلح أن یُستدل بها علی المطلوب ، بل علی شراء الزکاة أیضاً ، لما عرفت من أنّها مخالفة للعقل والنقل مع عدم الصراحة واحتمال التقیة .

وعلی تقدیر دلالتها علی جواز الشراء من الزکاة فلا یمکن أن یقاس علیه جواز الشراء من المقاسمة .

وعلی تقدیره أیضاً لا یمکن أن یقاس علیه جواز قبول هبتها وسائر التصرفات فیها مطلقاً کما هو المدّعی ، إذ قد یکون ذلک مخصوصاً بالشراء بعد القبض بسبب ما نعرفه ، کسائر الأحکام الشرعیة . ألا تری أنَّ أخذ الزکاة لا یجوز منهم مطلقاً ویجوز شراؤها عندهم(1) .

ویؤیّده أنّه لما وصل العوض إلی السلطان الجائر یکون فی ذمّته عوض مال بیت المال ، بخلاف ما لم یکن له عوض ، فإنّه یصیر کالتضییع ، فتأمل»(2) .

وفیه : أوّلاً : الإشکال السندی فی الروایة ، بأنّ المراد بأبی عبیدة یُحتمل أن یکون غیر الحذاء المشهور ، فهو غیر تام بقرینة الراوی والمروی عنه والطبقة والشهرة ، لأنّ أبا عبیدة المعروف فی تلک الطبقة فهو الحذّاء فقط ، ولو کان المراد غیره لا بدّ من التنبیه علیه .

وثانیاً : الفقرة الاُولی تدلّ علی جواز شراء الزکاة من السلطان الجائر وعماله صریحاً ، ولو تنزلنا لقلنا ظاهراً ، وأمّا إنکار ظهورها فیه یکون مکابرة ، ولو بقرینة مخالفة العقل والنقل له ، لأنه لیس فی العقل(3) ما یقتضی قبح هذا الشراء ، ولا فارق بین هذا وبین تحلیل

ص: 387


1- (1) أی عند الأصحاب .
2- (2) مجمع الفائدة والبرهان 8/ (103 _ 101) .
3- (3) الظاهر أنّ مراده بالعقل : أنّ التصرف فی مال الغیر بدون إذنه ورضایته ظلم فی حقِّه والظلم قبیح عقلاً ، فهذا التصرف - أی الشراء من الظالم - قبیح عقلاً ، ویستتبع الحکم الشرعی بالحرمة بقاعدة الملازمة .

حقوقهم علیهم السلام للشیعة نحو تحلیل خمس المناکح والمساکن ، والید أو الطبقة الثانیة ، وإجازة تصرف الشیعة فی الأنفال ونحوها . وهکذا لیس فی النقل ما یخالف هذا الظهور إلاّ العمومات(1) التی یمکن تخصیصها بمثل هذه الصحیحة وغیرها من الروایات المشهورة بین الأصحاب روایةً وعملاً ، ومع نقل الإجماع ، بل الإجماع المحصَّل الذی قد مرّ منّا . وقد نبّه علی جلِّ هذا الشیخ الأعظم(2) .

إن قلت : الفرق بین ما أحلّوه لشیعتهم من حقوقهم من الخمس والأنفال وبین هذا (الخراج والمقاسمة) وهو حقوق المسلمین الواجب صرفها فی مصالحهم العامة واضح وبیّن ، کما ذهب إلیه المحقق الإیروانی(3) .

قلت : نعم فرق بینهما ، ولکن أمر الخراج والمقاسمة أیضاً إلی إمام المسلمین ، والإمام بما هو الإمام أباح لمصلحة ، وهی تسهیل الأمر علی الشیعة وإدارة معاشهم ، أجازهم التصرف فیها فی عصر الغیبة مثلاً .

وثالثاً : ما ذکره قدس سره من قوله : «ویحتمل أن یکون سبب الإجمال التقیة» قد مرّ منّا عدم إجمالها ، وأمّا الحمل علی التقیة فلا یجوز بمجرّد معارضة العمومات کما عن الشیخ الأعظم قدس سره (4) . ومع أنّ «الظاهر لا داعی إلیه لا سیّما مع کون الحکم من المسلّمات عند الشیعة ، ولا أقل من کونه من المشهورات عندهم» «وأنّ الحمل علیها خلاف الأصل» کما عن الوحید البهبهانی رحمه الله (5) .

ورابعاً : قوله علیه السلام : « لا بأس به حتّی تعرف الحرام بعینه» حیث ورد فی جواب مَن

ص: 388


1- (1) نحو قوله علیه السلام : لا یحل لأحد أن یتصرف فی مال غیره وبغیر إذنه ، وقوله علیه السلام : لا یحلّ مال أمرئ مسلم إلاّ بطیب نفسه .
2- (2) المکاسب 2/206 .
3- (3) حاشیة المکاسب 1/352 .
4- (4) المکاسب 2/206 .
5- (5) حاشیة مجمع الفائدة والبرهان/ 41 للوحید البهبهانی .

سأل عن شراء الزکاة من السلطان الجائر الذی یعلم أنّه یأخذ أکثر من الحقِّ ، یظهر منه جواز الشراء حتّی یُعرف أنّ المال بعینه حرام ، فتدلّ علی جواز شراء الزکاة منه حتّی تعرف الحرام بعینه .

وخامساً : قول الأردبیلی قدس سره : «لیس بمعلوم کون المصدِّق . . . من قبل الجائر فیحمل علی کونه من قبل العدل» . وفیه : بقرینة الفقرة الاُولی ظهور المصدِّق فی الذی هو من قبل الجائر لا ریب فیه . مضافاً إلی عدم معهودیة عمّال الزکاة إلاّ من قبل الجائرین فی ذلک الأوان ، کما یدلّ علیه فعل المضارع « یجیئنا » .

وسادساً : قول السائل : «مصدِّق یجیئنا فیأخذ من صدقات أغنامنا فنقول بعناها فیبیعناها» ، لا یدلّ علی أنّ المبیع مال المشتری لیکون الشراء استنقاذاً لا شراءً حقیقیّاً کما ذکره الأردبیلی قدس سره ، بل الظاهر أنّ المصدِّق یجیء إلی مدینة وقبیلة ویأخذ زکاتها ، فهل یجوز للبعض شراء زکاة البعض الآخر .

وسابعاً : وبقرینة حمل المصدِّق فی الفقرة الثانیة علی عامل الزکاة المنصوب من قبل الجائر ، تحمل لفظ « القاسم » فی الفقرة الثالثة علی الذی یجبی الخراج والمقاسمة ، لما مرّ منّا فی جواب الفاضل القطیفی . ولما کان الإمام علیه السلام ترک الاستفصال فی جواب السؤال «یجیئنا القاسم» مع قیام الاحتمال یفید العموم(1) ، بل المدار فی أراضی العراق کان علی المقاسمة غالباً ، والسائل عراقیٌّ وأراضی العراق مفتوحة عنوة ، والمدار فیها علی المقاسمة مع أنّه عبّر عن أخذ الزکاة بالمصدِّق کما نبّه علیه الوحید البهبهانی(2) ، وقد تمسک بهذه الصحیحة العلامة فی التذکرة(3) علی حلیة الثلاثة _ أی الزکاة والخراج والمقاسمة _ .

وثامناً : قوله قدس سره : «علی تقدیر دلالتها علی جواز الشراء من الزکاة فلا یمکن أن یقاس

ص: 389


1- (1) یعنی إطلاق لفظ « القاسم » وعمومه یشمل الخراج والمقاسمة المصطلحة والزکاتیة ، فلا وجه لانصرافه وتخصیصه بالثانی .
2- (2) حاشیة مجمع الفائدة والبرهان/ 40 .
3- (3) تذکرة الفقهاء 12/153 .

علیه جواز الشراء من المقاسمة» . بعد دلالة الفقرة الثالثة فلا قیاس فی البین . ثم لو قلنا بعدم دلالتها علی المقاسمة یکفینا تعرض الصحیحة لخصوص الزکاة وجواز شرائه ، فیثبت الحکم فی غیرها بعدم القول بالفصل ، لأنّ کل مَن قال بجواز شراء الزکاة وأخذها قال بجواز شراء المقاسمة والخراج وأخذهما کما نبّه علیه المحقق الخوئی(1) ، وقد مرّ آنفاً فی جواب الفاضل النراقی .

وتاسعاً : ما ذکره الأردبیلی قدس سره من قوله : «لا یمکن أن یقاس علیه جواز قبول هبتها وسائر التصرفات فیها مطلقاً کما هو المُدّعی . . .» ففیه : تعلّق نفی البأس بالأعیان فی الصحیحة من الإبل والغنم وغیرها یدلّ علی أن جمیع الأفعال والمعاملات المناسبة لتلک العین جائزة ، لأنّ الحلیة لکونها حکماً تکلیفیاً أو وضعیّاً یکون متعلقها الفعل أو المعاملة علی القاعدة ، وإضافتها إلی العین یفید جواز عموم المعاملات والتقلبات فی العین ، فلا یختص الجواز بالشراء فقط ، کما نبّه علیه شیخنا الاُستاذ _ مد ظله _(2)(3) . ومضافاً إلی عدم القول بالفصل فی المقام .

وعاشراً : قوله قدس سره : «ألا تری أنّ أخذ الزکاة لا یجوز منهم مطلقاً . . .» .

استشکل الوحید بقوله : «فیه ما فیه ، إذ لا نعلم مأخذه ولا ما یشیر إلیه ویوهمه ولا أحداً ذکره . نعم ، إذا صار منشئاً لذلَّته واستخفافه ومهانته لا شبهة فی المنع عنه حال الاختیار ، لأنَّ اللّه تعالی لم یرخّص المؤمن فی إذلال نفسه ، لکن هذا غیر مختص بأخذ الزکاة منهم ، ولا کلّ أخذ الزکاة منهم یوجب الذلّة ، سیما إذا أعطوه بعنوان الهبة والجائزة والهدیة . . .»(4) .

والحاصل : دلالة صحیحة أبی عبیدة الحذّاء علی حلّیة الزکاة والمقاسمة والخراج واضحة عندنا وعند الأصحاب إلاّ الفاضل القطیفی والمحقق الأردبیلی قدس سرهما ، وقد دفعنا ما أورداه .

ص: 390


1- (1) مصباح الفقاهة 1/537 .
2- (2) إرشاد الطالب 1/349 .
3- (3) هذا البیان من الأستاذ _ مد ظله _ یجری فی الفقرة الأولی والثانیة فقط دون الفقرة الثالثة کما هو واضح .
4- (4) حاشیة مجمع الفائدة والبرهان/ 41 .

ومنها : معتبرة بل موثقة إسحاق بن عمار قال : سألته عن الرجل یشتری من العامل وهو یظلم ؟ قال : یشتری منه ما لم یعلم أنّه ظلم فیه أحداً(1) .

الروایة مضمرة ، ولکن بقرینة أنّ إسحاق یروی عن الإمامین الصادق والکاظم علیهماالسلام فالروایة عن أحدهما علیهماالسلام . وعبرنا عنها بالموثقة لأنّه والحسن فطحیان . ودلالتها واضحة .

ولکن استشکل الفاضل القطیفی قدس سره فی دلالتها وسندها وقال : « . . . لأنّ دلالته لیس إلاَّ علی جواز الإبتیاع من العامل الذی یظلم إذا لم یعلم أنّه ظلم أحداً بعینه ، فأخذه إن کان ظلماً لم یجز وإلاّ جاز ، فأین الدلالة وهو مع ذلک مرسل وإسحاق بن عمار ضعیف»(2) .

وتبعه الأردبیلی فقال : «ولا دلالة لها أصلاً علی شراء شیءٍ لا یکون ظلم فیه أحداً ، فالاستدلال بها علی المطلوب بعید . . مع ضعف الطریق والإضمار ، لأنّه قال فیه : «أحمد بن محمد عن الحسن بن علی عن إبان عن إسحاق» ، وأحمد مشترک ، وإن سلم أنّه أحمد بن محمد بن عیسی الثقة ، والحسن بن علی بن فضال قیل : فطحی وکذا إسحاق وأبان مشترک ، والظاهر أنّه ابن عثمان قیل : هو أیضاً فطحی»(3) .

أقول : سند الروایة کما سبق معتبر بل موثق . نعم فیه جماعة من الفطحیین ، ولکن کلّهم ثقات ولیس فیها إرسالاً . نعم هی مضمرة فقط وإسحاق - لا سیما فی هذه المسألة المهمة - لم ینقل فیها إلاّ عن المعصوم والحجة ، ولذا قال الأردبیلی کما فی بعض مِن نُسَخ هامش کتابه بخطه : «وظنی أنّ الحسن وإسحاق وأبان بن عثمان کلّهم یُقبل قولهم لا بأس فی الجملة»(4) .

إن کان مراد الفاضل القطیفی أو مرادهما أنّ « العلم » المأخوذ فی کلام الإمام علیه السلام هو بعینه العلم الإجمالی المأخوذ من کلام إسحاق فلا یتم ما ذکراه ، أو ذکرهما لأن هذا خلاف ظاهر الروایة ، ولا یتمّ مع حکم الإمام فی أوّل جوابه ب_ «یشتری منه» ، لأنّ المناسب مع هذا الاعتبار « لا یشتری منه» . فنفس حکم الإمام علیه السلام بجواز الشراء یدّل علی أنّ العلم المأخوذ

ص: 391


1- (1) وسائل الشیعة 17/221 ح2 . الباب 53 من أبواب ما یکتسب به .
2- (2) السراج الوهاج/ 180 المطبوع ضمن الخراجیات .
3- (3) مجمع الفائدة والبرهان 8/106 .
4- (4) مجمع الفائدة والبرهان 8/106 .

فی کلام السائل هو العلم الإجمالی ، والعلم المأخوذ فی کلام الإمام علیه السلام العلم التفصیلی ، ولذا حکم بجواز الشراء مع العلم الإجمالی ما دام لم یبلغ إلی حدّ التفصیلی .

وهکذا دلالتها علی جواز الشراء من عامل السلطان _ فیما هو عامل فیه _ واضحة ، وحملها علی معاملة الظلمة فی أموالهم الخاصة بعید ، ویدفعه إطلاق الروایة وعدم تفصیل الإمام بین المقامین ، کما نبّه علیه المحقق الخوئی(1) .

وبعبارة اُخری : حتّی لو احتمل أن یرید السائل شراء أملاک العامل الخاصة به ، جواب الإمام علیه السلام مطلق یشمل المقامین : أموال الظالم الشخصیة ، وما فی تصرفه وتحت یده من بیت المال .

ومنها : معتبرة أبی بکر الحضرمی(2) وقد مرّ ذکر هذه الروایة فی بحث جوائز السلطان .

قال المحقق الکرکی بعد نقل الروایة : «هذا الخبر نص فی الباب ، فإنّه علیه السلام بیّن للسائل _ حیث قال إنّه ترک أخذ العطاء للخوف علی دینه _ أنّه لا خوف علیه ، فإنّه إنّما یأخذ حقّه حیث إنّه یستحقّ فی بیت المال نصیباً ، وقد تقرّر فی الأصول تعدّی الحکم بالعلّة المنصوصة»(3) .

واعترض علیه الفاضل القطیفی وقال : «هذا الخبر أورده العلّامة فی المنتهی(4) دلیلاً علی جواز تناول جوائز الظالم إذا لم یعلم أنّها حرام ، ولم یذکره فی حلّ الخراج وتناوله ، ولا شک أنّ الاستدلال یتبع الدلیل ، والدلیل لا إشعار فیه بالخراج . علی أنّ ما فهمه هذا المؤلِّف من هذا الخبر لیس علی الوجه ، وذلک أنّه علیه السلام أشار إلی الردّ علی ابن أبی سمّاک فی إعراضه عن الشیعة بقوله : «أو لا یمنع . . . الخ» ثم سأل أبا بکر عن ترک العطاء فأجابه إنّ ترکه مخافة فأقرّه علیه وأعرض عنه . ثم رجع إلی تقریع ابن أبی سمّاک وإلزامه بأنّه ترک الدفع مع أنّه یعلم لکلٍ

ص: 392


1- (1) مصباح الفقاهة 1/538 .
2- (2) وسائل الشیعة 17/214 ح6 . الباب 51 من أبواب ما یکتسب به .
3- (3) قاطعة اللجاج فی تحقیق حلّ الخراج/ 76 المطبوعة ضمن الخراجیات .
4- (4) منتهی المطلب 2/1026 من الطبعة الحجریة.

من المسلمین حقّاً فی بیت المال وهو یدفع إلی بعضهم دون بعض . . . .»(1) .

وتبعه المحقق الأردبیلی واستشکل أولاً فی سند الروایة بقوله : «أنّهم ما سموها بالصحة کأنّه لعدم ظهور توثیق أبی بکر الحضرمی . . . . _ وهو عبد اللّه بن محمد » . ثم قال : «لیس فیها دلالة أصلاً إلاّ علی الذم علی عدم إعطاء مال من بیت المال الذی للمصالح للمستحقین من الشیعة عند إعطائه لغیرهم . . . وذلک قد یکون من بیت مال یجوز أخذه وإعطاؤه للمستحقین ، مثل أن یکون منذوراً أو وصیةً لهم ، بأن یعطیه ابن أبی سماک أو غیر ذلک ، ولا یقاس علیه الخراج الذی أخذه الظالم باسم الخراج ظلماً . . .»(2) .

أقول : أمّا الإشکال من جهة أبی بکر الحضرمی فی سند الروایة فلا وجه فیه ، لأنّه من المعاریف وله أکثر من مائة وأربعین روایة ، فکان کثیر الروایة ینقل عنه مشایخ الطائفة أمثال محمد بن أبی عمیر ، ولم یرد فیه قدح ، فالرجل معتبر ، ولذا عبّرنا به عن الروایة بالمعتبرة .

وناهیک أنّ الشیخ الأعظم قدس سره عبّر عن روایة ورد فی سندها أبی بکر الحضرمی بالحسنة أو الموثقة فی فرائده(3) فراجعها .

وأمّا ما ذکره العلمان _ القطیفی والأردبیلی قدس سرهما _ من الإشکال فی دلالتها، فهو غیر تام ، لأنّ المعتبرة ظاهرة فی جواز أخذ ما فی بیت المال للشیعة _ بل نصٌّ فی ذلک کما قاله المحقق الکرکی رحمه الله _ ومن الواضح أن بیت المال فی ذلک الزمان تشتمل علی الزکاة والخراج والمقاسمة والجزیة ونحوها .

ولکن استشکل المحقق الخوئی فی دلالتها : بأنّ ظاهر التعلیل «أنّ جواز الأخذ من جهة ثبوت الحقّ فی بیت المال فیجوز له الأخذ بمقدار حقّه»(4) وتبعه تلمیذه وزاد علیه : «بل مقتضاها عدم جواز الأخذ لغیر المستحق»(5) .

ص: 393


1- (1) السراج الوهاج/ 105 المطبوع ضمن الخراجیات .
2- (2) مجمع الفائدة والبرهان 8/104 و103 .
3- (3) فرائد الأصول 1/290 ، والروایة فی الکافی 1/211 ح6 .
4- (4) مصباح الفقاهة 1/538 .
5- (5) إرشاد الطالب 1/351 .

وفیه : ظاهر التعلیل أنّ الإمام علیه السلام علّل أصل الأخذ علی أنّ للآخذ فی بیت المال نصیباً لا مقدار الأخذ أو الإعطاء ، وإلاّ لا بدّ له من التنبیه علی ذلک المقدار والنصیب وهو مفقود فی المعتبرة . ولعله إلی ما ذکرناه أشار المحقق الکرکی فی کلماته الماضیة . هذا أولاً .

وثانیاً : ما ذکره یناقض مع هذه الفقرة من الروایة : «ما منع ابن أبی السمّاک أن یبعث إلیک بعطاءک ؟ » ، ومن الواضح أنّ البعث إلی أبی بکر الحضرمی بعطائِهِ من بیت المال یزید علی نصیبه بکثیر قطعاً .

وثالثاً : ما ذکره شیخنا الاُستاذ _ مد ظله _ من عدم جواز الأخذ لغیر المستحق أیضاً ، غیر تام ، لأنّ الأخذ من بیت المال لا یُشترط فیه الاستحقاق ، بل أنّها وضعت لأجل مصالح المسلمین . والمصلحة یمکن أن تکون غیر الاستحقاق ویجوز «صرف بیت المال فی سبیل صلاح المسلمین» کما اعترف به شیخنا الاُستاذ _ مد ظله _ فی الإرشاد(1) قبل أقل من خمسین صفحة .

ورابعاً : غایة ما یقال فی هذه الفقرة ما ذکره الشیخ الأعظم قدس سره قال : «فإنّما یدلّ علی أنّ کلّ مَن له نصیب فی بیت المال یجوز له الأخذ ، لا أنّ کلّ مَن لا نصیب له یجوز أخذه»(2) . وتبعه شیخنا الاُستاذ(3) _ مد ظله _ .

ومنها : صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : قال لی أبو الحسن موسی علیه السلام : مالک لا تدخل مع علیٍّ فی شراء الطعام ، إنّی أظنّک ضیّقاً . قال : قلت : نعم ، فإن شئتَ وسعتَ علیَّ ، قال : اشتره(4) .

دلالتها علی شراء الطعام من عمّالهم واضحة ، لأنّ لا غبار فی حلیّة شراء الطعام المحض ، فظهر أنّ عبد الرحمن بن الحجاج احتمل فی نفسه أنّ شراء الطعام من عمّال سلاطین الجور الذین یأخذون الزکاة والخراج والمقاسمة محظورٌ وأمره الإمام علیه السلام بالشراء ، والأمر

ص: 394


1- (1) إرشاد الطالب 1/305 .
2- (2) المکاسب 2/237 .
3- (3) إرشاد الطالب 1/368 .
4- (4) وسائل الشیعة 17/218 ح 1 . الباب 52 من أبواب ما یکتسب به .

عقیب توهم الحظر یفید الجواز ، وحیث أن الأمر مطلق یفید إثبات الجواز فی الثلاثة . وقد تمسّک بهذه الصحیحة لإثبات الجواز العلامة فی التذکرة(1) والمحقق الثانی فی قاطعة اللجاج(2) .

ولکن استشکل فی الإستدلال الفاضل القطیفی وقال : «لا یخفی علی من له أدنی تأمل فی العلم أنّ هذا الخبر لایدلّ علی تناول ما یأخذه الجائر باسم الخراج والمقاسمة بشیء من الدلالات ، غایة دلالته أنّه یدلّ علی ابتیاع الطعام علی جهة العموم ولیس فیه تصریح بأن الابتیاع من الجائر ، ولو سلّم فنحن لا(3) نمنع من جواز ابتیاع ما یأخذه باسم الخراج .

فإن قیل : یدل من حیث عمومه .

قلنا : قد ثبت أن شرط صحة الابتیاع کون البیع حلالاً ، فالخراج إن کان حلالاً جاز ابتیاعه وإلاّ فلا . ولا دلالة فی الخبر علی أن الخراج حلال کما لا یخفی ، فإن معاملة الغاصب والإبتیاع منه - وإن کان أکثر أمواله غصباً - جائز لعموم الکتاب والسنة ، ولا یدلّ علی ما فی یده من الغصب ، وهذا واضح»(4) .

وتبعه المحقق الأردبیلی فقال : «ما فهمتُ منها الدلالة علی حلّ الخراج والمقاسمة بشیءٍ من الدلالات عقلیة وعرفیة بوجه من الوجوه ولا علی شرائهما ، إلاّ أن یُعلم أن الطعام الذی جوّز شراءه کان من الخراج . وکذا دلالتها علی جواز شراء ما أخذه الظالم باسم الزکاة ، وکأنّه لذلک ما ذکرها العلّامة فی المنتهی دلیلاً علیهما»(5) .

وفیه : أنه لو خصصنا الصحیحة بالطعام المحض تلزم اللغویة ، ولو خصصناها

ص: 395


1- (1) تذکرة الفقهاء 12/153 .
2- (2) قاطعة اللجاج/ 77 المطبوعة ضمن الخراجیات .
3- (3) الظاهر زیادة «لا» وإلاَّ تم المطلوب ، وهو حلیّة الخراج والمقاسمة والزکاة مطلقاً سواء بالشراء وغیرها ، لأنه لو ثبتت حلّیّة شرائها ثبتت حلّیّة جمیع التقلبات ، لعدم القول بالفصل ، ولکن إذا قال القطیفی بالفصل صح وجود کلمة «لا» کما لا یخفی ، والظاهر أنّه یقول به .
4- (4) السراج الوهاج/ 106 و105 المطبوع ضمن الخراجیات .
5- (5) مجمع الفائدة والبرهان 8/100 .

بالأموال الشخصیة للجائرین یلزم تخصیص الأکثر ، لأنّ الأموال الشخصیة لهم بالنسبة إلی ما فی أیدیهم من الزکاة والخراج والمقاسمة أقلّ قلیل ، فتخصیص الصحیحة بها یوجب خروج الأکثر ، وهو مستهجنٌ وقبیحٌ .

وبما ذکرنا ظهر ضعف ما ذکره بعض المعاصرین _ مد ظله _ من «أنّ المال کان ملکاً شخصیاً . . . فکان الأمر بیده وبإجازته»(1) . مضافاً إلی أن أمر الخراج أیضاً بیده . ومثله فی الضعف احتمال أنّ الطعام «من عائد الوقف المجهول أربابه أو نحوه »(2) کما عن شیخنا الاُستاذ _ مدّ ظله _ .

ومنها : صحیحة زرارة قال : إشتری ضریس بن عبد الملک وأخوه من هبیرة أُرزاً بثلاثمائة ألف ، قال : فقلت له : ویلک أو ویحک أنظر إلی خمس هذا المال فابعث به إلیه واحتبس الباقی ، فأبی علیَّ . قال : فأدی المال وقدم هؤلاء فذهب أمر بنی أمیة ، قال : قلت ذلک لأبی عبد اللّه علیه السلام فقال مبادراً للجواب : هو له هو له ، فقلت له : إنّه قد أدّاها ، فعضّ علی أصبعه(3) .

الظاهر أن هبیرة أحد عمّال الظلمة ، ویظهر من طبقات(4) ابن سعد أنّه صاحب الولید بن عبد الملک الأُموی ، وقال فی الوافی : «کان هبیرة من عمّال بنی أمیة»(5) وبیده أُرزٌ کثیرٌ من المقاسمة والخراج واشتری منه ضریس وأخوه وتوهم زرارة _ وهو عمّهما _ حرمة هذه المعاملة وبطلانها ، ولذا ظن أنّه من مصادیق المال المختلط بالحرام ، فأمر ضریساً _ وهو ابن أخیه _ بإخراج خمسه ، فأبی أوّلاً ولکن بعد ذلک قَبِلَ من زرارة وأخرج الخمس وأداه ، وبعد سقوط بنی أمیة وظهور دولة بنی العباس سأل زرارة حکم الواقعة من الإمام الصادق علیه السلام ، فقال علیه السلام : « هو له هو له » ، أی المعاملة صحیحة ولا حاجة إلی إخراج الخمس ، لأنّه لم یکن من مصادیق المال المختلط بالحرام ، وحیث قال زرارة : إنّ ضریساً قد أدی خمسها فعضّ

ص: 396


1- (1) عمدة المطالب 1/515 .
2- (2) إرشاد الطالب 1/353.
3- (3) وسائل الشیعة 17/218 ح 2 .
4- (4) الطبقات لابن سعد 8/12 .
5- (5) الوافی 17/297 وتبعه فی الحدائق 18/270 .

الإمام علیه السلام علی أصبعه من خطأ زرارة فی الحکم .

وقد مرّ منّا أن تخصیص الروایة بالأموال الشخصیة لهم یوجب خروج الأکثر ، وهو مستهجن وقبیح .

ولذا قال الشیخ الأعظم : «فإن أوضح محامل هذا الخبر أن یکون الأُرز من المقاسمة»(1) .

ولکن الإشکال فی الروایة إنّما هو من جهة أنّ أداء الخمس فی ذاک الزمان یصح بالنسبة إلی الإمام علیه السلام ، أی إنّهم یؤدونه إلی الإمام علیه السلام ، فکیف أخذه الإمام علیه السلام مع علمه بخطأ المؤدی وأنّه لم یجب علیه .

ویمکن أن یجاب عنه بوجوه :

أولاً : یمکن أن یکون أداء المال بالنسبة إلی ثمن الأُرز أی ثلاثمائة ألف لا بالنسبة إلی أداء الخمس ، فیرتفع الإشکال من رأسه . ولکنّه خلاف ظاهر الروایة وترتب عضّ الإمام علیه السلام أصبعه .

وثانیاً : الأئمة علیهم السلام لهم وکلاء بالنسبة إلی جمع الأخماس ، ولعلَّ وکیل الإمام علیه السلام أخذها وصرفها فی مواردها .

وثالثاً : یمکن القول بعدم وجوب علم الإمام علیه السلام بالنسبة إلی الموضوعات إلاّ إذا أراد وشاء ، وفی هذا المورد لم یشأ ولم یرد . واللّه العالم .

ومنها : صحیحة معاویة بن وهب قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : أشتری من العامل الشیء وأنا أعلم أنّه یظلم ؟ فقال : إشتر منه(2) .

حکم الإمام علیه السلام بصحة المعاملة مع عامل الزکاة أو المقاسمة أو الخراج ، لأنّ ظهور العامل فی جابیهم واضح والسائل یعلم أنّهم یظلمون ، ومع ذلک أمر الإمام علیه السلام بالشراء وعدم

ص: 397


1- (1) المکاسب 2/216 وإن لم یوافق معنا هو فی معنی الروایة ، وصاحبا الوافی 17/297 والحدائق 18/270 وتبعهما المحقق الإیروانی فی حاشیته علی المکاسب 1/357 ولکن لم یتم معناهم لا عندنا ولا عند الشیخ الأعظم .
2- (2) وسائل الشیعة 17/219 ح4 .

الإعتناء بهذا العلم الإجمالی ، ویدلّ قوله علیه السلام علی الجواز وأنّ العلم الإجمالی هنا لم یتنجز .

ویمکن أن یقال : بعدم تنجز العلم الإجمالی هنا حتّی لو قال صاحب الزرع أو المتصرف فی الأرض الخراجیة أنّ العامل ظلمنی ، لعدم العبرة بقوله ، لأنّه یظنّ أنّ المحصول کلّه له مع أن الزکاة والمقاسمة أو الخراج حقوق واجبة یجب علیه إخراجها ، والشاهد علیه الروایة الآتیة .

ومنها : معتبرة محمد بن أبی حمزة عن رجل قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : أشتری الطعام فیجیئنی من یتظلّم ویقول : ظلمنی ، فقال : إشتره(1) .

الروایة تدلّ علی جواز الشراء حتّی مع إظهار صاحب المال بأنّ العامل ظلمه ، لما مرّ آنفاً ، ولکن فی سندها إرسال .

ومنها : خبر عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه قال : سألته عن الرجل أیشتری من العامل وهو یظلم ؟ فقال : یشتری منه(2) .

ومن الواضح عدم إختصاص الروایة بالأموال الشخصیة للعامل الظالم ، نعم یمکن القول بأنّ إطلاقها یشملها .

ومنها : صحیحة جمیل بن صالح قال : أرادوا بیع تمر عین أبی زیاد(3) ، فأردت أن أشتریه ، فقلت : حتّی أستأذن أبا عبد اللّه علیه السلام ، فأمرتُ مصادف فسأله ؟ فقال له : قل له : فلیشتره ، فإنّه إن لم یشتره إشتراه غیره(4) .

قال المحقق الثانی : «وقد احتجّ بهذا الحدیث لحلّ ذلک العلامة فی المنتهی(5) وصحّحه . لکن قد یُسأل عن قوله : «فإن لم یشتره اشتراه غیره» ، فإنّ شراء الناس للشیء لا مدخلیة له

ص: 398


1- (1) وسائل الشیعة 17/219 ح3 .
2- (2) وسائل الشیعة 17/221 ح3 . الباب 53 من أبواب ما یکتسب به .
3- (3) فی المصدر أبی ابن زیاد نقلاً عن الفقیه ، وهو لا یتم لعدم وجود الاستعمال هکذا وهو یرادف مع زیاد ، وسیأتی منّا توضیح فی ترادفهما .
4- (4) وسائل الشیعة 17/220 ح1 . الباب 53 من أبواب ما یکتسب به .
5- (5) منتهی المطلب 2/1027 من الطبع الحجری.

فی صیرورته حلالاً علی تقدیر أن یکون حراماً ، فأیّ مناسبة له لیعلّل به ؟ ولا یبعد أن یکون ذلک إشارة منه علیه السلام إلی معنی لطیف ، وهو : أنّ کلّ من له دخل فی قیام دولة الجور ونفوذ أوامرها وقوة شوکتها وضعف دولة العدل یحرم علیه هذا النوع ونحوه بشراء وغیره ، بخلاف ما لم یکن کذلک ، فإنّ عدم دخوله فی شراء هذا کدخوله فی أنّه : لا یتعطّل أمر دولة الجور ولا یتناقص(1) بل رواجها بحاله(2) . فأشار علیه السلام بقوله : «إن لم یشتره إشتراه غیره» إلی أنّه لا مانع له من الشراء أو لا دخل له فی دولة الجور بتقویة ولا غیرها ، فإن لم یشتره لم یتفاوت الحال بل یشتریه غیره»(3) .

ویردّ علیه الفاضل القطیفی بأنّه : «لا دلالة فیه علی موضع النزاع ، بل علی ابتیاع مال الظالم ، ونحن لا نمنعه بل نکرهه » . وقال فی ردّ ما ذکره بعنوان معنی لطیف : « هذا خلاف ما أصّله من أن الخراج لجمیع المسلمین ، فإنّه إذا کان لا یفترق الحکم فیه بالنسبة إلی أهل یقوم به الدولة وغیرهم . . . والذی یخطر ببالی أنّ قوله علیه السلام «فإن لم یشتره اشتراه غیره» للإشارة إلی أنّ الإمتناع من أموال الظالم لا فائدة مهمة فیها إلاّ إذا کان أهل العصر جمیعاً أو أکثرهم علی ذلک ، لأنّ الإمتناع یفید تورعه عن المظالم حینئذ بسبب عدم معاملة الناس له ، أمّا إذا لم یکن کذلک لم تظهر فائدته ، خصوصاً أنّ أحداً لا یمنع عن معاملة مَن یعامله وإلاّ لبطل أکثر النظام ، فلا فائدة فی الإمتناع حینئذ ، فقول الإمام ذلک للتنبیه علی هذا»(4) .

وتبعه المحقق الأردبیلی وزاد : «وفی الصحة أیضاً تأمل ، لأنّ الظاهر أنّ مصادفاً نقل إلی جمیل قوله : «قل له فلیشتریه . . . الخ » ، ومصادف ضعیف ذکروه فی محلّه . ویمکن أن یکون المعنی : جواز شراء مال الظلمة مع عدم العلم بالغصب بعینه کما یدلّ علیه الأصل والأخبار

ص: 399


1- (1) کذا فی المطبوعة فی رسائل المحقق الکرکی 1/273 وهو الصحیح ، ولکن فی المطبوعة ضمن الخراجیات / 78 «أو یتناقض» وهو غلطٌ .
2- (2) کذا فی المطبوعة ضمن الخراجیات/ 78 وهو الصحیح ، ولکن فی المطبوعة فی رسائل المحقق الکرکی 1/273 «بحلاله» وهو غلط .
3- (3) قاطعة اللجاج/ 77 المطبوعة ضمن الخراجیات .
4- (4) السراج الوهاج/ 107 و106 المطبوع ضمن الخراجیات .

الکثیرة الدالة علی جواز أخذ جوائزهم مع کراهة لکن تزول عند الضیق . ویحتمل أن یکون قوله «فإن لم یشتره . . . الخ» أنّ اجتناب ذلک للتنزّه لا ینفع ، لأنّه إن لم تشتر أنت یشتریه غیرک ، وأنت مختلط معه وتأکل ممّا یأکل ، أو أنّه لا یُردّ به الظالم عن ظلمه کما قیل»(1) .

أقول : أمّا الإشکال فی السند - وقد مرّ من الأردبیلی أیضاً بأنّ مصادف ضعیف - فهو غیر تام ، لأنّ مصادفاً من موالی أبی عبد اللّه علیه السلام ، وقد ذهبنا فی علم الرجال إلی أنّ الموالی کلّهم معتبرون وحسان ما لم یرد فی حقِّهم تضعیف ، فمصادف حسنٌ عندنا کما ذهب إلیه المحقق المامقانی فی نتائج التنقیح(2) ، وتضعیف ابن الغضائری(3) له لا یثبت تضعیفه لعدم العبرة بتضعیفاته ، والعلامة فی الخلاصة(4) تبعه أیضاً وکذا ابن داود الحلّی(5) ولکنّه ، لا یثبت تضعیفه ، لأنّ مأخذ تضعیفهما قول ابن الغضائری . مع أن العلامة نفسه قد حکم فی المنتهی بصحة الحدیث ، وهذا الحکم إمّا عدول عن رأیه فی حقِّ مصادف وإمَّا بأنّه قدس سره لا یری مصادفاً فی السند ، أو یراه ولکن القرائن تدلّ علی صدقه فی النقل ، وهی قبول جمیل قوله . والحاصل أنّ الإشکال فی السند غیر تام عندنا بوجه .

وأمّا دلالتها علی حلیّة الخراج والمقاسمة والزکاة فلا أقل من إطلاقها لو لم نقل بأنّها تختص بها ظاهرة ، لأنّ تمر عین أبی زیاد _ وهو من عمّال السلطان کما فی الوافی(6) _ إمّا أن یکون من الثلاثة وإمّا أن یکون من أمواله الشخصیة وقد حکم الإمام علیه السلام بجواز الشراء .

وأمّا قوله علیه السلام : «فإنّه إن لم یشتره إشتراه غیره» . فقد علمنا عدم مدخلیة هذا الکلام

ص: 400


1- (1) مجمع الفائدة والبرهان 8/101 .
2- (2) نتائج التنقیح/ 150 الرقم 11822 .
3- (3) رجال ابن الغضائری/90 الرقم 124 ، تحقیق العلامة السید محمد رضا الجلالی ، طبعة دار الحدیث 1422 ق .
4- (4) ترتیب خلاصة الأقوال/ 420 الرقم 14 .
5- (5) رجال ابن داود/ 278 الرقم 500 ، وفیه : لیس بشیءٍ وابنه محمد ثقة . طبع عام 1392 بتحقیق العلامة السید محمد صادق بحر العلوم ، النجف الأشرف .
6- (6) الوافی 17/293 .

فی حلّیّة الشراء ، فإمّا أن یحمل علی أنّ الإمام علیه السلام قاله کذا حتّی یقرّب إلی ذهن جمیل وجه الحلّیّة ، أو یحمل علی الحکمة لا العلّة ، أو علی ما ذکره الشیخ علی المحقق الثانی ، أو علی ما ذکره الفاضل القطیفی من المبارزة المنفیة مع الظالمین ، أو غیرها من المحامل . ومع علمنا بعدم مدخلیة شراء الغیر لحلّیّته ، غایة الأمر أننا نرفع الید عن هذا التعلیل ونأخذ بجواز حکم الشراء الوارد فی الروایة ، فیثبت بها جواز حلّیّة الثلاثة ، ولا بأس بالتقطیع فی حجیّة الروایة بقبول بعضها وردّ بعضها الاُخری .

ولکن العمدة فی دلالة الروایة ما یظهر من بعض الأخبار ، وهو بسند صحیح عن یونس أو غیره عمّن ذکره عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قلت له : جعلت فداک بلغنی أنّک کنت تفعل فی غلّة عین زیاد شیئاً وأنا أُحبّ أن أسمعه منک . قال : فقال لی : نعم ، کنتُ آمر إذا أدرکت الثمرة أن یثلم فی حیطانها الثلم لیدخل الناس ویأکلوا ، وکنت آمر فی کلّ یوم أن یوضع عشر بنیات(1) ، یقعد علی کلِّ بنیة عشرة ، کلّما أکل عشرة جاء عشرة اُخری یُلقی لکلّ نفسٍ منهم مدّ من رطب ، وکنت آمر لجیران الضیعة کلّهم الشیخ والعجوز والصبی والمریض والمرأة ومن لا یقدر أن یجیء فیأکل منها لکلِّ إنسان منهم مُدّ ، فإذا کان الجَُِذاذ(2) وفیت القوّام والوکلاء والرجال أُجرتهم وأحمل الباقی إلی المدینة ، ففرّقت فی أهل البیوتات والمستحقّین الراحلتین والثلاثة والأقل والأکثر علی قدر استحقاقهم ، وحصل لی بعد ذلک أربعمائة دینار ، کان غلّتها أربعة آلاف دینار(3) .

یظهر من الروایة أنّ الأرض کانت مِلکاً للإمام الصادق علیه السلام وأنفق علیه السلام تسعة عُشرِ غلّتِها وهی الرطب والتمر مع مصارفها فبقی له عُشرها . وهذا الإنفاق والإحسان من الإمام علیه السلام کان یوجب زیادة المحبة فی قلوب الناس لهم ، ولذا أخذها الظلمة منه غصبوها ، فحینئذ استأذن جمیل لشراء تمره من أبی عبد اللّه علیه السلام ، وصح ما ورد من التعلیل فی ذیل الصحیحة : «فإنّه إن لم یشتره إشتراه غیره» . وهکذا صح التعبیر عن عین زیاد بعین أبی ابن

ص: 401


1- (1) بنیات مفردة بنیة : مصغر البناء .
2- (2) الجَُِذاذ بالجیم مثلثة : المکسَّر أو المقطوع مِن جَذَّه : أی قطعه أو کسره فانقطع أو أنکسر .
3- (3) وسائل الشیعة 9/205 ح2 . الباب 18 من أبواب زکاة الغلات .

زیاد ، وکلاهما یفیدان معنی واحد .

فعلی ما ذکرناه لا تدلّ الروایة علی حلیّة الخراج والمقاسمة والزکاة ، لأنّها مبنیّة علی کون عین زیاد أو عین أبی ابن زیاد أو عین أبی زیاد من الأراضی الخراجیة ، لکنّها کانت من الأراضی المغصوبة من الإمام علیه السلام الموقوف اشتراء حاصلها علی إذنه ، کما نبّه علیه الشیخ الأعظم رحمه الله (1) تبعاً لصاحب الحدائق(2) . ولعله أول من تعرض لهذه الروایة فی البحث .

ومنها : صحیحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام : صدقات أهل الذمة وما یؤخذ من جزیتهم من ثمن خمورهم وخنازیرهم ومیتتهم ؟ قال : علیهم الجزیة فی أموالهم ، تؤخذ من ثمن لحم الخنزیر أو الخمر ، فکلّ ما أخذوا منهم من ذلک فوزر ذلک علیهم وثمنه للمسلمین حلال یأخذونه فی جزیتهم(3) .

ومنها : طائفة من الروایات واردة فی أحکام تقبّل الخراج من السلطان ، ویُستفاد منها کون أصل التقبّل معلوم الجواز عندهم . وهکذا الروایات الواردة فی قبالة الأراضی الخراجیة واستئجارها من السلطان ثم إجارتها للغیر بأزید من ذلک ، کما نبّه علیهما الشیخ الأعظم قدس سره (4) .

فمنها : صحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : فی القبالة أن یأتی الرجل الأرض الخربة فیتقبّلها من أهلها عشرین سنة ، فإن کانت عامرة فیها علوج فلا یحلّ له قبالتها إلاّ أن یتقبّل أرضها فیستأجرها من أهلها ولا یدخل العلوج فی شیءٍ من القبالة فإنّه لا یحلّ .

وعن الرجل یأتی الأرض الخربة المیتة فیستخرجها ویجری أنهارها ویعمرها ویزرعها ماذا علیه فیها ؟ قال : الصدقة . قلت : فإن کان یعرف صاحبها ، قال : فلیرد إلیه حقّه . قال : لا بأس بأن یتقبّل الرجل الأرض وأهلها من السلطان .

وعن مزارعة أهل الخراج بالربع والنصف والثلث ، قال : نعم ، لا بأس به ، قد قبّل

ص: 402


1- (1) المکاسب 2/210 .
2- (2) الحدائق 18/248 .
3- (3) وسائل الشیعة 15/154 ح1 . الباب 70 من أبواب جهاد العدو .
4- (4) المکاسب 2/208 و209 .

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم خیبر أعطاها الیهود حین فتحت علیه بالخَِبر ، والخَِبر هو النصف(1) .

العُلُوج : جمعُ العِلج : وهو الرجل الضخم القوی من کفّار العجم ، وبعضهم یطلقه علی الکافر عموماً . الخبر بفتح الخاء وکسرها وسکون الباء بمعنی المخابرة ، وهی المزارعة ببعض ما یخرج من الأرض ، وقیل : «أصل المخابرة من خیبر ، لأنّ النبی صلی الله علیه و آله وسلم أقرّها فی أیدی أهلها علی النصف من محصولها ، فقیل خابرهم أی عاملهم فی خیبر»(2) .

ثمّ الصحیحة تدلّ علی أنّ أصل القبالة من الجائر جائز ، وقد نقلنا فیما سبق عن الفیض(3) أنه قد یُسمی کلاهما (أی الخراج والمقاسمة) بالقبالة . لا سیما مع عطف أهل الأراضی علیها وتقبّل الأهل هی المعاملة علی جزیة رؤوسهم أو ما یکون علیهم من الخراج ، کما نبّه علی الأخیر شیخنا الاُستاذ(4) _ مد ظله _ .

هذا بناءً علی التعدد من أنّ تقبّل الأرض شیءٌ وتقبّل أهل الأرض شیءٌ آخر . ویمکن أن یکونا شیئاً واحداً ، وهو تقبّل ما فی ذمم مستعملیها من الخراج . ونبّه علی هذا الاحتمال المحقق الأردکانی(5) قدس سره ، وعلی المحتملات الثلاثة تدلّ علی حلیّة الخراج ومنها المقاسمة .

فمنها : صحیحة إسماعیل بن الفضل الهاشمی عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی الرجل یتقبّل بجزیة رؤوس الرجال وبخراج النخل والآجام والطیر وهو لا یدری لعلّه لا یکون من هذا شیء أبداً ، أو یکون ، أیشتریه وفی أیِّ زمان یشتریه ویتقبّل منه ؟ قال : إذا علمت أنّ من ذلک شیئاً

ص: 403


1- (1) التهذیب 7/201 ح34 ونقل صدرها عنه فی وسائل الشیعة 19/59 ح3 . الباب 18 من أبواب المزارعة ، وذیلها فی وسائل الشیعة 19/42 ح8 . الباب 8 من أبواب المزارعة عن التهذیب ، والفقیه 3/250 ح3906 ، وفی الفقیه یوجد الذیل فقط . وقد ورد صدرها فی الکافی 5/269 ح3 ، والجمع بین الصدر والذیل یوجد فی التهذیب .
2- (2) مجمع البحرین 3/282 ونقل عنه الفقیه الیزدی فی حاشیته علی المکاسب 1/229 .
3- (3) الوافی 18/984 .
4- (4) إرشاد الطالب 1/352 .
5- (5) غنیة الطالب 1/309 .

واحداً أنّه قد أدرک فاشتره وتقبّل به(1) .

هذه الصحیحة تدلّ علی جواز تقبّل جزیة الرؤوس وخراج النخل والآجام ، بل جواز شرائها یکون مسلَّماً عند السائل وسأل عن زمان الشراء وحدوده .

ومنها : خبر الفیض بن المختار قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : جعلت فداک ما تقول فی أرض أتقبّلها من السلطان ثمّ أؤاجرها أُکرتی علی أنّ ما أخرج اللّه منها من شیءٍ کان لی من ذلک النصف أو الثلث بعد حقّ السلطان ؟ قال : لا بأس به ، کذلک أُعامل أُکرتی(2) .

رجال السند کلّهم ثقات وحسان إلاّ أبو نُجیْح المسمعی لأنّه مجهول ، والسند ضعیف به . الأکرة : الحرّاس ، مفرده : الأکّار ، قال الصدوق رحمه الله : «سمّی الأکّار لأنّه یؤاکر الأرض أی یشقّها»(3) . جواز تقبّل الأرض من السلطان مسلَّمٌ عند السائل وقرره الإمام علیه السلام علی ذلک بل قال : «کذلک أُعامل أُکرتی» .

ومنها : روایة الحلبی قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : أتقبّل الأرض بالثلث أو الربع فأقبّلها بالنصف ؟ قال : لا بأس به .

قلت : فأتقبّلها بألف درهم وأقبّلها بألفین ؟ قال : لا یجوز ، قلت : لم ؟ قال : لأنّ هذا مضمون وذلک غیر مضمون(4) .

فی الکافی(5) لم یعطف أحمد بن محمد بسهل بن زیاد خلافاً لما فی الوسائل المطبوع ، بل ینقل سهل عن أحمد بن محمد عن عبد الکریم ، فحینئذ المراد بأحمد بن محمد هو البزنطی ، وهو ینقل عن عبد الکریم الخثعمی الثقة ، فحینئذ ضعف سند الکافی یکون بسهل . وقد قیل : إنّ الأمر فی سهل سهلٌ .

ص: 404


1- (1) وسائل الشیعة 17/355 ح4 ، الباب 12 من أبواب عقد البیع وشروطه .
2- (2) وسائل الشیعة 19/52 ح3 . الباب 15 من أبواب المزارعة .
3- (3) معانی الأخبار/ 278 .
4- (4) وسائل الشیعة 19/126 ح1 . الباب 21 من أبواب کتاب الإجارة .
5- (5) الکافی 5/272 ح6 .

ولکن الشیخ رواها فی التهذیب(1) بسنده إلی أحمد بن محمد عن عبد الکریم عن الحلبی ، وقد مرّ أن المراد بأحمد هو البزنطی ، وعبد الکریم هو الخثعمی ، فصار سند الشیخ بالروایة صحیحاً .

ولکن رواها الشیخ نفسه فی الإستبصار(2) بزیادة فی السند ، وهی علی بن الحکم الزائد بین أحمد بن محمد وعبد الکریم ، وعلی بن الحکم معتبر وثقة عندنا ، ولکن فی هذه العجالة لم یتبیّن لنا أنّ علی بن الحکم هل یروی عن عبد الکریم الخثعمی أم لا ؟ وهل البزنطی یروی عنه أم لا ؟

وحیث أنّ الأصل عدم الزیادة فلا بدّ من الأخذ بسند الإستبصار _ ولعله لهذا ذکر الشیخ الحرّ فی الوسائل(3) سند الإستبصار فقط _ فیشکل أمر السند بجهالة عبد الکریم حینئذ لأنّه مشترک .

وأمّا دلالتها علی جواز تقبّل الأرض من السلطان إمّا ظاهرة فیه ومختصة به ، وإمّا تشمله بإطلاقها .

ومنها : صحیحة أُخری لإسماعیل بن الفضل الهاشمی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمّی ثمّ آجرها وشرط لِمَن یزرعها أن یقاسمه النصف أو أقل من ذلک أو أکثر ، وله فی الأرض بعد ذلک فضل ، أیصلح له ذلک ؟ قال : نعم ، إذا حفر لهم نهراً أو عمل لهم شیئاً یعینهم بذلک فله ذلک .

قال : وسألته عن الرجل استأجر أرضاً من أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام معلوم فیؤاجرها قطعةً قطعةً أو جریباً جریباً بشیءٍ معلوم فیکون له فضل فیما استأجر من السلطان ولا ینفق شیئاً ، أو یؤاجر تلک الأرض قطعاً علی أن یعطیهم البذر والنفقة فیکون له فی ذلک فضل علی إجارته وله تربة الأرض أو لیست له ؟ فقال له : إذا استأجرت أرضاً

ص: 405


1- (1) التهذیب 7/204 ح43 .
2- (2) الاستبصار 3/130 ح5 .
3- (3) وسائل الشیعة 19/127 .

فأنفقت فیها شیئاً أو رممت فیها فلا بأس بما ذکرت(1) .

رَمَّ البناء أو الأمر : أصلحه ، وکذا رمَّم .

ومنها : صحیحة یعقوب بن شعیب قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل یستأجر الأرض بشیءٍ معلوم یؤدی خراجها ویأکل فضلها ومنها قوته ؟ قال : لا بأس(2) .

الإجارة من السلطان بلا واسطة أو منه مع الواسطة ، وکلاهما تدلان علی جواز تقبّل الأرض منه و . . . .

ومنها : حسنة أبی الربیع الشامی _ وهو خلید بن أوفی _ عن أبی عبد اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : سألته عن أرض یرید رجل أن یتقبّلها فأیُّ وجوه القبالة أحلّ ؟ قال : یتقبّل الأرض من أربابها بشیءٍ معلوم إلی سنین مسماة فیعمّر ویؤدی الخراج ، فإن کان فیها علوج فلا یدخل العلوج فی قبالته ، فإن ذلک لا یحلّ(3) .

ومنها : خبر أبی بُردَة بن رجَا قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : کیف تری فی شراء أرض الخراج ؟ قال : ومن یبیع ذلک ؟! هی أرض المسلمین . قال : قلت : یبیعها الذی هی فی یده ، قال : ویصنع بخراج المسلمین ماذا ؟ ثمّ قال : لا بأس اشتری حقّه منها ویحول حقّ المسلمین علیه ، ولعلّه یکون أقوی علیها وأملأ بخراجهم منه(4) .

رجال السند کلّهم ثقات إلاَّ أبا بُردَة بن رجا لأنّه مجهول .

ومنها : موثقة محمد بن مسلم وعمر بن حنظلة عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن ذلک (أی عن الشراء من أرض الیهود والنصاری) فقال : لا بأس بشرائها ، فإنّها إذا کانت بمنزلتها فی أیدیهم تؤدی عنها کما یؤدی عنها(5) .

هذه الروایات تدلّ علی حلّیّة أخذ الخراج والمقاسمة والزکاة _ مطلق الأخذ وهو

ص: 406


1- (1) وسائل الشیعة 19/127 ح 3 و4 . الباب 21 من أبواب کتاب الإجارة .
2- (2) وسائل الشیعة 19/59 ح2 . الباب 18 من أبواب المزارعة .
3- (3) وسائل الشیعة 19/60 ح5 . الباب 18 من أبواب المزارعة .
4- (4) وسائل الشیعة 15/155 ح1 . الباب 71 من أبواب جهاد العد .
5- (5) وسائل الشیعة 15/156 ح3 .

یشمل الأخذ مع العوض وبدونه کما صرح به السید الخوئی قدس سره (1) _ من السلطان کما علیه المشهور بل الإجماع علیه ، ولعلّ فی هذا المقدار کفایة بل فوقها ، والحمد للّه .

ینبغی التنبیه علی أُمور

الأوّل : هل یعتبر أخذ السلطان خارجاً فی حلّیّة الخراج أم لا ؟

قد یظهر من کلمات الأصحاب (قدس سرهم) إطلاقها بالنسبة إلی اشتراط الأخذ خارجاً وعدمه . نعم قد ذهب إلی اشتراط الأخذ السید عمید الدین الحسینی فی شرحه للنافع _ علی ما حکی عنه الشیخ إبراهیم القطیفی فی رسالته(2) _ ولکن صرّح جماعة من الأصحاب بعدم الفرق بین الأخذ خارجاً وغیره ، منهم : الشهید فی الدروس(3) ، والفاضل المقداد فی التنقیح(4) ، والمحقق الثانی صرّح بالإجماع علی عدم الفرق فی جامع المقاصد(5) ، وثانی الشهیدین فی المسالک(6) ، والفیض الکاشانی فی المفاتیح(7) ، وجدی الشیخ جعفر فی شرح القواعد(8) ، وسید الریاض صرّح بعدم الخلاف فی عدم الفرق(9) ، وأصحاب الجواهر(10) والمناهل(11) والمکاسب(12) والمحقق النائینی(13) .

ص: 407


1- (1) مصباح الفقاهة 1/539 .
2- (2) السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج/ 115 المطبوع ضمن الخراجیات .
3- (3) الدروس 3/170 .
4- (4) تنقیح الرائع 2/19 .
5- (5) جامع المقاصد 4/45 .
6- (6) المسالک 3/143 .
7- (7) مفاتیح الشرائع 3/10 .
8- (8) شرح القواعد 1/344 .
9- (9) ریاض المسائل 8/199 .
10- (10) الجواهر 22/180 و190 .
11- (11) المناهل/ 310 .
12- (12) المکاسب 2/212.
13- (13) منیة الطالب 1/83 .

والحقّ موافقة هذه الجماعة من الأصحاب من عدم الفرق بین الأخذ خارجاً والتوکیل فی قبضها وبیعها وهی فی ید المالک أو فی ذمّته والحوالة إلی المالک ونحوها لأن یصدق علی الجمیع أخذ الثلاثة من السلطان ، وقد مرّ منّا دلیل حلّیّتها .

مضافاً إلی ذلک الأخبار الواردة فی جواز قبالة الأرض وتقبّل الخراج أو استئجار أرض الخراج من السلطان ثمّ إجارتها للزارع بأزید من ذلک ونحوها :

منها : خبر الفیض بن المختار(1) الماضی .

ومنها : صحیحة إسماعیل بن الفضل الهاشمی(2) الماضیة .

ومنها : صحیحة یعقوب بن شعیب(3) الماضیة .

ومنها : روایة الحلبی(4) الماضیة .

ومنها : صحیحة اُخری لیعقوب بن شعیب عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن الرجل تکون له الأرض من أرض الخراج فیدفعها إلی الرجل علی أن یعمرها ویصلحها ویؤدی خراجها وما کان من فضل فهو بینهما ؟ قال : لا بأس ، الحدیث(5) .

ومنها : صحیحة داود بن سرحان عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی الرجل تکون له الأرض علیها خراج معلوم ربمّا زاد وربمّا نقص فیدفعها إلی رجل علی أن یکفیه خراجها ویعطیه مائتی درهم فی السنة ، قال : لا بأس(6) .

ومنها : حسنة إبراهیم بن میمون قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن قریة لاُناس من أهل الذمّة لا أدری أصلها لهم أم لا غیر أنّها فی أیدیهم وعلیهم خراج فاعتدی علیهم

ص: 408


1- (1) وسائل الشیعة 19/52 ح3 .
2- (2) وسائل الشیعة 17/355 ح4 .
3- (3) وسائل الشیعة 19/59 ح2 .
4- (4) وسائل الشیعة 19/126 ح1 .
5- (5) وسائل الشیعة 19/45 ح2 . الباب 10 من أبواب المزارعة .
6- (6) وسائل الشیعة 19/57 ح1 . الباب 17 من أبواب المزارعة .

السلطان ، فطلبوا إلیّ فأعطونی أرضهم وقریتهم علی أن أکفیهم السلطان بما قلّ أو کثر ، ففضل لی بعد ذلک فضل بعدما قبض السلطان ما قبض ؟ قال : لا بأس بذلک ، لک ما کان من فضل(1) .

ومنها : حسنة أبی الربیع الشامی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن الرجل یتقبّل الأرض من الدهاقین فیؤاجرها بأکثر ممّا یتقبّلها ویقوم فیها بحظّ السلطان ، قال : لا بأس به ، إنّ الأرض لیست مثل الأجیر ولا مثل البیت ، إنّ فضل الأجیر والبیت حرام(2) .

وهذه الروایات تدلّ علی جواز التقبّل قبل أخذ السلطان خراجها وهکذا جواز إجارة الأرض ، فهذه تصرف فی الخراج قبل أخذها ، فکذلک یجوز أخذ الخراج قبل قبض السلطان أو وکیله .

الثانی : هل یجوز منع الجائر من الخراج وعدم إعطائه أم لا ؟
اشارة

قال الشهید : «ویحرم علی المالک المنع»(3) .

قال المحقق الثانی فی خاتمة رسالته : «لا زلنا نسمع من کثیر ممّن عاصرناهم لا سیّما شیخنا الأعظم الشیخ علی بن هلال _ قدس اللّه روحه _ وغالب ظنّی أنّه بغیر واسطة بل بالمشافهة ، أنّه لا یجوز لمن علیه الخراج والمقاسمة سرقته ولا جحوده ولا منعه ولا شیئاً منه لأنّ ذلک حقّ واجب علیه»(4) .

وقال الشهید الثانی : «وقد ذکر الأصحاب أنّه لا یجوز لأحدٍ جحدهما ولا منعهما ولا التصرف فیهما إلاّ بإذنه ، بل أدّعی بعضهم الإتفاق علیه »(5) .

ص: 409


1- (1) الکافی 5/270 ح5 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 19/57 ح2 .
2- (2) الکافی 5/271 ح1 .
3- (3) الدروس 3/170 .
4- (4) قاطعة اللجاج/ 91 المبطوعة ضمن الخراجیات .
5- (5) المسالک 3/55 والمدعی للإتفاق هو المحقق الثانی فی حاشیته علی الشرائع .

وقال أیضاً : «ووجب علی المالک الدفع»(1) .

وقال الشیخ جعفر : «ولا یجوز لهم الإمتناع عن تسلیمه»(2) . وقال أیضاً : «ویقوی حرمة سرقة الحصّة وخیانتها والإمتناع عن تسلیمها ، أو عن تسلیم ثمنها _ بعد شرائها _ إلی الجائر ، وإن حرمت علیه ودخل تسلیمها فی الإعانة علی الإثم فی البدایة والغایة ، لنصّ الأصحاب علی ذلک ، ودعوی الإجماع فیه . وجعلها من الجُعل له علی حمایة بیضة الإسلام فتحلّ له ، لم یقم علیه دلیل . . .»(3) .

وهذه أحد الأقوال فی المسألة ، وهو عدم جواز منع الجائر من الخراج ووجوب إعطائه له إذا طلبه .

وفی المسألة قول آخر ، وهو جواز منعه وعدم إعطائه له ، ذهب إلیه جمع من الفقهاء :

منهم : الشیخ إبراهیم القطیفی ، قال فی رسالته : « . . . ولو شئت أن أقول أنّ اختیار الدفع إلی الظالم مع التمکن من الکتمان والسرقة والجحود ممّا علم عدم جوازه من الدین بالضرورة . لقلتُ لأنّ ذلک حقّ للمسلمین یجب إیصاله إلی والیهم ، فإذا کان غائباً وجب أن یوصل إلی نائبه وهو حاکم الشرع ، فإن لم یکن فإلی مستحقه حسبةً کالمال الذی فی یده لغیره ، فإنّه یدفعه إلی من یستحقّ قبضه شرعاً . . .»(4) .

ومنهم : المحقق الأردبیلی قال بعد نقل روایات الزکاة : «ولعلّک فهمت من هذه الأخبار عدم وجوب إعطاء الزکاة للسلطان الجائر ، بل عدم جواز إعطائها إیَّاه مهما أمکن»(5) .

ومنهم : ملاّ فیض ، قال : «المراد أنّه لا یحل المنع والسرقة ممّن اشتراها مِن الجائر ، وأمّا الجائر فیجوز ذلک بالنسبة إلیه »(6) .

ص: 410


1- (1) المسالک 3/143 .
2- (2) شرح القواعد 1/344 .
3- (3) شرح القواعد 1/345 .
4- (4) السراج الوهاج/ 122 المطبوع ضمن الخراجیات .
5- (5) مجمع الفائدة والبرهان 8/109 .
6- (6) نقل عنه السید العاملی فی مفتاح الکرامة 13/89 ، والظاهر أنّ المراد منه هو الملاّ محسن الفیض الکاشانی قدس سره ، ولم یشتهر بهذا الاسم غیره .

ومنهم : المحقق السبزواری قال : « ... وما اُسند إلی الأصحاب من عدم جواز الجحد والمنع والتصرف فیهما إلاّ بإذنه محلّ تأمل ، إذ لا أعلم حجّة واضحة علیه ، وادّعاء بعضهم الإتفاق علیه لا یصلح حجّة شرعیة ... »(1) .

ومنهم : الفاضل النراقی قال بعد نقل کلام الشیخ إبراهیم : «ولا یخفی أن ذلک (أی جواز المنع) مقتضی الأصل ، لأنّهما کالزکاة حقّ لجماعة خاصة لیس الجائر منهم ولا قیّماً علیهم ، فالأصل عدم جواز دفع حصتهم إلیهم _ سیما مع ما هو علیه من الفسق الظاهر _ ما دام یتمکّن من عدم الدفع »(2) .

ومنهم : صاحب الجواهر بعد نقل مقال اُستاذه الشیخ جعفر نقده وقال : «وفیه أوّلاً : أنّه کغیره من الأحکام التی شُرعت للتقیة المعلوم کونها دائرة مدارها ، فمع فرض عدمها فی حال أو فی زمان أو مکان لا ینبغی التأمل فی عدم جواز مراعاتها . . . .

وثانیاً : أن أقصاها جواز الدفع ، أمّا وجوبه علی وجه بحیث لا یجزی لو دفعه إلی حاکم الشرع المنصوب من قبلهم فغیر معلوم ، بل معلوم خلافه ، ولإطلاق ما دل علی ولایته من النص والفتوی . . .»(3) .

ومنهم : الشیخ الأعظم قال بعد نقل کلام الشیخ جعفر فی شرح القواعد : « . . . وإن أرید منعها من خصوص الجائر فلا دلیل علی حرمته ، لأنّ اشتغال ذمّة مستعمل الأرض بالأُجرة لا یوجب دفعها إلی الجائر ، بل یمکن القول بأنّه لا یجوز مع التمکن ، لأنّه غیر مستحقٍّ ، فیسلّم إلی العادل أو نائبه الخاص أو العام ، ومع التعذّر یتولّی صرفه فی المصالح حسبةً »(4) .

ص: 411


1- (1) الکفایة 1/393 .
2- (2) مستند الشیعة 14/202 .
3- (3) الجواهر 22/195 .
4- (4) المکاسب 2/215 .

ومنهم : المحقق الإیروانی فی حاشیته علی المکاسب(1) .

ومنهم : المحقق النائینی قال : «ولکن الأقوی عدم وجوب الدفع إلیه مع التمکن »(2) .

ومنهم : المحقق الخوئی قال : «لا یجوز دفع الخراج إلی الجائر مع الإختیار »(3) .

أدلة القائلین بجواز المنع وعدم الإعطاء له

تمسّک هؤلاء بعدّة من الروایات :

منها : صحیحة العیص بن القاسم عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی الزکاة قال : ما أخذوا منکم بنو أُمیّة فاحتسبوا به ، ولا تعطوهم شیئاً ما استطعتم ، فإن المال لا یبقی علی هذا أن تزکیّه مرّتین(4) .

ومنها : صحیحة أبی اُسامة زید الشحام قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : جعلت فداک ، إنّ هؤلاء المصدِّقین یأتونا ویأخذون منّا الصدقة فنعطیهم إیّاها ، أتجزی عنّا ؟ فقال : لا ، إنّما هؤلاء قوم غصبوکم ، أو قال : ظلموکم أموالکم ، إنّما الصدقة لأهلها(5) .

ومن الواضح أنّ کلمتی « الغصب » و « الظلم » تدلان علی الأخذ بالقهر والغلبة والقوّة والجور ، وهذا ینافی مع الإعطاء .

ومنها : خبر علی بن یقطین قال : قلت لأبی الحسن علیه السلام : ما تقول فی أعمال هؤلاء ؟ قال : إن کنت لا بدّ فاعلاً فاتق أموال الشیعة . قال : فأخبرنی علی أنّه کان یجبیها من الشیعة علانیةً ویردّها علیهم فی السرِّ(6) .

الظاهر من ردّه رحمه الله أموال الشیعة سرّاً ، لأنّهم یأخذونها منهم ظلماً وغصباً ، والشیعة لا

ص: 412


1- (1) حاشیة المکاسب 1/356 .
2- (2) منیة الطالب 1/80 .
3- (3) مصباح الفقاهة 1/542 .
4- (4) وسائل الشیعة 9/252 ح3 . الباب 20 من أبواب المستحقین للزکاة .
5- (5) وسائل الشیعة 9/253 ح6 .
6- (6) وسائل الشیعة 17/193 ح8 . الباب 46 من أبواب ما یکتسب به .

یعطون إلاّ بالقهر والغلبة والخوف والتقیّة .

ومنها : خبر سهل بن الیسع ، أنّه حیث أنشأ سهل آباد وسأل أبا الحسن موسی علیه السلام عمّا یخرج منها ، ما علیه ؟ فقال : إن کان السلطان یأخذ خراجها فلیس علیک شیء ، وإن لم یأخذ السلطان منها شیئاً فعلیک إخراج عشر ما یکون فیها(1) .

المراد بأبی قتادة هو علی بن محمد بن حفص القمی الثقة ، والمراد بسهل بن الیسع هو ابن عبد اللّه بن سعد الأشعری الثقة ، ولکن الروایة ضعیفة سنداً بعبد اللّه بن مالک النخعی الکوفی ، وهو إمامیٌّ مجهولٌ . هذا کلّه بالنسبة إلی السند .

ولکن تدل الروایة علی أن السلطان کانت سیرته وعمله علی وجه الاستمرار علی الأخذ ، ومن الواضح أنّ الأخذ غیر الإعطاء . وإن لم یأخذ السلطان منه شیئاً أمره الإمام علیه السلام بإخراج العُشر بنفسه لا بإعطاء الخراج له طوعاً واختیاراً .

ومنها : خبر أبی کَهْمَس عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : من أخذ منه السلطان الخراج فلا زکاة علیه(2) .

ودلالتها کسابقها ، ولکن فی السند ضعف بأبی کهمس ، وهو یمکن أن یکون الهیثم بن عبد اللّه الکوفی المجهول ، ویمکن أن یکون غیره . ولا فرق فی ذلک ، لأنّ أبا کهمس کنیة لعدّة من المجاهیل .

ومنها : خبر أبی البختری عن جعفر علیه السلام عن أبیه علیه السلام أنّ علیاً علیه السلام کان یقول : أعتد فی زکاتک بما أخذ العشّار منک واخفها عنه ما استطعت(3) .

وقد ورد فی کثیر من الروایات إضافة الأخذ إمّا إلی السلطان نحو : صحیحة سلیمان بن خالد(4) وصحیحة عبید اللّه بن علی الحلبی(5) وصحیحة أبی عبیدة(6) ، وإمَّا إضافته إلی العاشر

ص: 413


1- (1) وسائل الشیعة 9/192 ح1 . الباب 10 من أبواب زکاة الغلاة .
2- (2) وسائل الشیعة 9/193 ح3 .
3- (3) وسائل الشیعة 9/254 ح8 .
4- (4) وسائل الشیعة 9/252 ح4 .
5- (5) وسائل الشیعة 9/253 ح5 .
6- (6) وسائل الشیعة 17/219 ح5 .

أو غیره من عمّال الظلمة نحو : معتبرة السکونی(1) ومرسلة الصدوق(2) . فحینئذ ظهورها یثبت فی الأخذ ظلماً أو زوراً أو قهراً أو غصباً وعدوناً . وعلیه تحمل کلمة « یؤدی » الواردة فی صحیحة رفاعة بن موسی(3) ، فإذا کان کذلک یجوز الفرار من الظلم بعدم الإعطاء والإستتار ونحوها إن أمکن .

فغایة ما یمکن أن یقال فی المستفاد من النصوص والفتاوی : إنّ الجائر إذا أخذ الخراج والمقاسمة بالقهر والغلبة یجزی ذلک عن إعطاء الخراج للإمام العدل ویجوز التصرف حینئذ فی الأراضی الخراجیة . وسیأتی حکم الإجزاء عن الزکاة أو عدمه إن شاء اللّه تعالی .

ولا یدلّ أیُّ دلیل علی وجوب إخراج الثلاثة (الخراج والمقاسمة والزکاة) إلی الجائر ، بل لا یدلّ دلیل علی جواز إخراجها إلیه مع التمکن من عدم الإعطاء . فإذا تمکن المتصرِّف أو المالک من عدم الإعطاء کلّاً أو بعضاً یجب علیه ، ولو أعطاه حینئذ فلا یجزی عنه .

وما ورد فی الروایات من حرمة شراء السرقة والخیانة نحو معتبرة جرّاح المدائنی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لا یصلح شراء السرقة والخیانة إذا عرفت(4) . تحمل علی شراء السرقة والخیانة من محترمی المال ، أو السرقة والخیانة بالحمل الشائع الصناعی . وأمّا إنقاذ مال الخراج والمقاسمة والزکاة من ید الجائر وإیصاله إلی المصالح والمستحقین الواقعیین . وعلی فلا یصدق علیه السرقة والخیانة الواقعیان . وعلی ما ذکرنا تحمل صحیحة أبی بصیر قال : سألت

ص: 414


1- (1) وسائل الشیعة 9/252 ح2 .
2- (2) وسائل الشیعة 9/254 ح7 .
3- (3) وسائل الشیعة 9/193 ح2 .
4- (4) الکافی 5/228 ح4 ، عبرنا عنها بالمعتبرة لأنّ رجال السند کلّهم ثقات إلاّ القاسم بن سلیمان لأنّه یروی عنه الأجلاء وله أکثر من مائة روایة فی الکتب الأربعة ولم یرد فیه قدح ، وأمّا الجراح المدائنی فله خمس وستون روایة مضافاً إلی أنّ النجاشی ذکره ولم یقدح فیه ، فهو أیضاً عندنا معتبر ، ولذا عبرنا بهما عن الروایة بالمعتبرة .

أحدهما علیهماالسلام عن شراء الخیانة والسرقة ؟ فقال : لا إلاّ أن یکون قد اختلط معه غیره ، فأمّا السرقة بعینها فلا إلاّ أن تکون من متاع السلطان فلا بأس بذلک(1) .

وکذلک تحمل علی شرائهما قبل أن یقعا فی ید السلطان وأن یجمعا عنده وفی بیت ماله ، وإلاّ فبعدهما مشکلٌ جدّاً . وعلیه فتحمل علی إخفاء الخراج والمقاسمة والزکاة وإنقاذها من السلطان ، وهذا عنده وعند عماله یرادف مع الخیانة والسرقة .

الثالث : هل تختص حلّیّة الخراج بما یأخذه الجائر من الأراضی الخراجیة ؟

من المعلوم أنّ السلطان کما یأخذ الخراج من الأراضی الخراجیة ، کذلک یأخذها من الأنفال وربّما یأخذها من الأراضی الشخصیة ، فهل أدلة حلیّة الخراج تشمل الجمیع أم لا ؟ وتختص بالأراضی الخراجیة ؟

إطلاق بعض الروایات تدلّ علی التعمیم :

منها : خبر الفیض بن المختار(2) وصحیحة داود بن سرحان(3) وصحیحة یعقوب بن شعیب(4) وصحیحة الحلبی(5) وخبر عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه(6) وصحیحة معاویة بن وهب(7) وصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج(8) ومعتبرة أبی بکر الحضرمی(9) وموثقة إسحاق

ص: 415


1- (1) الکافی 5/228 ح1 .
2- (2) وسائل الشیعة 19/52 ح3 .
3- (3) وسائل الشیعة 19/57 ح1 .
4- (4) وسائل الشیعة 19/59 ح2 .
5- (5) وسائل الشیعة 19/59 ح3 .
6- (6) وسائل الشیعة 17/221 ح3.
7- (7) وسائل الشیعة 17/219 ح4 .
8- (8) وسائل الشیعة 17/218 ح1 .
9- (9) وسائل الشیعة 17/214 ح6 .

بن عمار(1) والفقرة الثالثة لصحیحة أبی عبیدة(2) الماضیة کلّها .

ولکن حیث أن غایة ما یُستفاد من روایات الباب أنّ الشارع جعل تصرف الجائر فی الثلاثة بدلاً عن تصرف العادل ، «وأنّه یقوم مقام تصرف العادل فی النفوذ»(3) . فما یأخذه الجائر من الأراضی الخراجیة ومن مال المقاسمة وکذا فی قبالة الأرض ومن الزکاة یحکم بأنّه یأخذه العادل ، لأنّه بدله فی هذه الأمور . وعلی ما ذکرنا فما یأخذه من أراضی المسلمین _ وهی الخراجیة _ أو من الأنفال _ حیث کان أمرها بید الإمام العادل والآن یقوم مقامه الجائر _ فتشملها أدلة حلیّة الخراج .

ولکن لو أخذ الخراج من الأراضی الشخصیّة فلا تشمله أدلة حلیّة الخراج ، لعدم جوازه شرعاً حتّی بالنسبة إلی العادل .

والحق عندنا أنه لا تخصیص بالأراضی الخراجیة ولا تعمیم لکلّ ما یأخذه الجائر باسم الخراج بل التفصیل بین ما یجوز الخراج فیه _ وهو الأراضی الخراجیة والأنفال _ وبین ما لا یجوز الخراج فیه _ کالأراضی الشخصیّة _ وأدلة حلیّة الخراج تشمل الأوّل ولا تشمل الثانی .

ومن المعلوم أنّ الأنفال أمرها بید الإمام العادل ، ویجوز تصرفاته فیها ، فکذلک الجائر یمکن له أن یأخذ منها الخراج کما کان هو المعمول فی الأزمنة السالفة .

وأمّا التمسّک(4) لأجل التعمیم بأدلة نفی الضرر والحرج للشیعة فی المقام ، فغیر تام ، لما ثبت فی علم الأصول من عدم إثبات الحکم الشرعی بهما . نعم هما یرفعان الحکم .

وکذلک التمسک بالسیرة ، لا سیما أنّها من الأدلة اللبیّة ، فلا بدّ من لحاظ القدر المتیقَّن فیها ، وهو فی المقام الأراضی الخراجیة .

ص: 416


1- (1) وسائل الشیعة 17/221 ح2 .
2- (2) وسائل الشیعة 17/219 ح5.
3- (3) کما صرح به المحقق الإیروانی قدس سره فی حاشیته 1/361 .
4- (4) المتمسِّک بالثلاثة _ قاعدة نفی الحرج ، والسیرة واختلال النظام _ هو الفقیه الیزدی قدس سره فی حاشیته علی المکاسب 1/240 .

ونحوهما التمسک بأنّ « الاختصاص یوجب اختلال النظام » الذی وجب حفظه عقلاً ، بالمنع صغرویّاً ، لأنّ القول بالاختصاص لا یوجب اختلال النظام ، لأنّ فیما یعلم أنّه من الأراضی الخراجیة یجوز التصرف والتقلّب فیها وفیما لا یعلم أنّه منها أو من غیرها حیث لا یعلم حرمتها بعینه فیجوز التصرف فیها لإطلاق الروایات الواردة فی حلیّة الجوائز ، والشراء من العامل ، وجواز التقبّل ، وجریان أصل البراءة من الحرمة وغیرها .

الرابع : هل یختص الحکم بالسلطان المخالف ؟

ذهب جماعة من الأصحاب إلی اختصاص الحکم بالسلطان المخالف ، منهم : الفاضل القطیفی فی إیضاح النافع(1) وصرح به فی السراج الوهاج(2) والشهید الثانی فی المسالک(3) وسید الریاض جعل هذا القول الأصح(4) والفاضل النراقی جعل التعدی من المخالف إلی السلاطین الشیعة «بواسطة بعض التعلیلات قیاس مستنبط العلّة مردودٌ عند الشیعة»(5) . والشیخ الأعظم یری أن هذا القول «لا یخلو عن قوة»(6) وتبعهم المحقق النائینی فقال : «لا یمکن الجزم بالتعمیم وإن کانت الأخبار مطلقةً فتدبر»(7) ، والمحقق الخوئی(8) .

ص: 417


1- (1) إیضاح النافع/ مخطوط وحکی عنه الفقیه العاملی فی مفتاح الکرامة 13/91 .
2- (2) السراج الوهاج/ 124 المطبوع ضمن الخراجیات .
3- (3) المسالک 3/144 ، ولکنّه قدس سره احتمل الجواز وقال : «مع احتمال الجواز مطلقاً نظراً إلی إطلاق النص والفتوی» .
4- (4) ریاض المسائل 8/195 .
5- (5) مستند الشیعة 14/204 ، والعجب منه أنّه ذهب بعد صفحات إلی جواز التقبیل من سلاطین الشیعة إذا کان شیئاً من تلک الأراضی فی أیدیهم وجاز لهم التصرف فیها _ إلی أن قال _ وهؤلاء السلاطین لکونهم من الشیعة یکونون محلّلین ممّا فی أیدیهم» (مستند الشیعة 14/231) . وهذان القولان لا یمکن الجمع بینهما .
6- (6) المکاسب 2/231.
7- (7) منیة الطالب 1/85 .
8- (8) مصباح الفقاهة 1/543 .

وفی قبالهم جماعة یقولون بشمول السلطان للمؤمن أیضاً ، کما یظهر ذلک من المحقق السبزواری(1) والشیخ جعفر(2) وتلمیذیه(3) وصاحب البرهان(4) والفقیه الیزدی(5) والفقیه السبزواری(6) .

وقد استشکل بعض فی القولین ، نحو المحدث الکاشانی حیث یقول : «وفی اختصاص الحکم بالجائر المخالف للحقِّ ، نظراً إلی معتقده من استحقاق ذلک عندهم ، دون غیره لاعترافه بکونه ظالماً فیه ، ولأصالة المنع إلاّ ما أخرجه الدلیل وهو المخالف خاصةً ، لأنّه المسؤول عنه والمدلول علیه بالقرائن ، إلتفاتاً إلی الواقع أو الغالب فیبقی الباقی ، أو التعمیم نظراً إلی إطلاق النص والفتوی إشکال»(7) .

ولعلّ المحقق النائینی حذا حذوه حیث یقول : «یظهر من جماعة الاختصاص ، ویظهر من جملة منهم التعمیم ، ولا یخفی ما فی استدلال الطرفین»(8) .

والحق عندنا هو القول بالشمول ، لإطلاق النصوص والفتاوی ، وحملهما علی القضایا الشخصیة أو الخارجیة والأغلبیة ممنوعة ، ولعلّ لأجل ذلک أمر المحقق النائینی بالتدبر فی آخر کلامه . ولا یبعد شمول الحکم للمنتحلین کما قاله الشیخ جعفر(9) .

نعم ، النصوص والفتاوی منصرفة عن السلطان الکافر ، فلا یدخل فی الحکم وبعد الانصراف لا یبقی إطلاق حتی یدخل الکافر فیه ، کما أنصف فی ذلک الشیخ الأعظم قدس سره وقال :

ص: 418


1- (1) الکفایة 1/392 .
2- (2) شرح القواعد 1/342 ، و2/204 .
3- (3) وهما صاحبا مفتاح الکرامة 13/91 و92 والجواهر 22/190 وما بعدها .
4- (4) برهان الفقه ، کتاب التجارة/ 54 من الطبع الحجری .
5- (5) حاشیة المکاسب 1/242 .
6- (6) مهذب الأحکام 16/187 .
7- (7) مفاتیح الشرائع 3/10 .
8- (8) منیة الطالب 1/84 .
9- (9) شرح القواعد 1/346 .

« لکن الإنصاف انصرافهما (أی النصوص والفتاوی) إلی غیره (الکافر)»(1) .

والعجب من الفقیه الیزدی رحمه الله (2) انه أدخل الکافر فی البحث .

وکذلک النصوص والفتاوی منصرفة عمن دُعِی سلطاناً بلا شوکة وحکومة کبعض سلاطین الهند کما قال الشیخ جعفر(3) .

ولا مدخل فی النسب فی الحکم ، بأن دعی السلطان ابن السلطان والخاقان ابن الخاقان کما یظهر منه أیضاً(4) .

ثم هل « ظاهر الأخبار ومنصرف کلمات الأصحاب الإختصاص بالسلطان المدعی للرئاسة العامة وعماله ، فلا یشمل مَن تسلّط علی قریة أو بلدة خروجاً علی سلطان الوقت ، فیأخذ منهم حقوق المسلمین » ؟ کما علیه الشیخ الأعظم(5) وتبعه المحقق الخوئی(6) وشیخنا الاُستاذ _ مد ظله _(7) . أم لا یختص بل یشمل کلّ من ادعی الرئاسة فی بلدة وغلب علی الأمر مستقرَّاً ولو لم تکن رئاسته العامة ، فیدخل فیهما جمیع سلاطین المسلمین فی مختلف البلاد فی آن واحد ؟ .

الظاهر - واللّه العالم - أنه لا وجه للإختصاص ، لعدم ظهور الروایات فیه وعدم انصراف کلمات الإصحاب إلیه .

الخامس : هل یختص الحکم فی المأخوذ منه بمن یعتقد إمامة الجائر ؟

قال الفاضل القطیفی : «إنّ المراد بالجائر فی کلام الأصحاب مخصوص بمن له شبهة الإمامة ، وقد أُجیز لنا أن نعاملهم بمقتضی مذهبهم ، کما جاز ابتیاع عوض الخمر من الیهود ،

ص: 419


1- (1) المکاسب 2/231 .
2- (2) حاشیة المکاسب 1/242 .
3- (3) شرح القواعد 1/347 .
4- (4) شرح القواعد 1/347 .
5- (5) المکاسب 2/227 .
6- (6) مصباح الفقاهة 1/543 .
7- (7) إرشاد الطالب 1/363 .

وحینئذ إذا أخذ إمامهم منهم شیئاً فهو مباح بالنسبة إلیه وإلی رعیته المعتقدین إمامته ، فیجوز ابتیاعه وإن لم یکن مستحقّاً عندنا . . .»(1) .

وقد نقل المحقق الأردبیلی هذا عن الشیخ إبراهیم من دون ذکر إشکاله الظاهر فی قبوله ، قال : «وقد احتمل الشیخ إبراهیم فی النقض کون الجائر مخالفاً یظن إمامته وکذا المعطی»(2) .

أقول : لا وجه لاختصاص الحکم بأنّ المأخوذ منه لا بدّ وأن یکون من المخالفین أو القائلین بإمامة الجائر بعد إطلاق النصوص والفتاوی کما مرّ منّا ، بل فی الروایات أخبار ظاهرها أنّ المأخوذ منه یکون مؤمناً :

منها : صحیحة أبی عبیدة الحذاء(3) وصحیحة أبی بصیر(4) ومعتبرة السکونی(5) وصحیحة عیص بن القاسم(6) وصحیحة سلیمان بن خالد(7) وصحیحة أبی اُسامة(8) وغیرها من الروایات .

ولیس مدرک الحکم قاعدة الإلزام حتّی یقال :

أوّلاً : باختصاصها بالمخالف کما فی الإرث والنکاح والطلاق وجریانها فی بعض المعاملات .

ثانیاً : بعدم تمامیة دلیلها بحیث یجری فی أکثر أبواب الفقه بل له محالّ معینة وهی ما مرّت آنفاً .

ص: 420


1- (1) السراج الوهاج/ 124 المطبوع ضمن الخراجیات .
2- (2) الرسالة الأولی فی الخراج للأردبیلی/ 24 المطبوعة ضمن الخراجیات .
3- (3) وسائل الشیعة 17/219 ح5 .
4- (4) وسائل الشیعة 19/60 ح4 .
5- (5) وسائل الشیعة 9/252 ح2.
6- (6) وسائل الشیعة 9/252 ح3 .
7- (7) وسائل الشیعة 9/252 ح4 .
8- (8) وسائل الشیعة 9/253 ح6.

فالعمدة هنا أنّ مدرک التعمیم إطلاقات النصوص والفتاوی ، بل ظهور بعض الروایات فی المؤمن وظهور بعضها الآخر فی الکافر ، نحو : حسنة إبراهیم بن میمون(1) ، ولیس مدرکها قاعدة الإلزام حتّی یناقش فیها بالإشکالین . والبحث حول هذه القاعدة وتعمیمها أو عدم تعمیمها فی محلّها والحمد للّه .

السادس : لیس للخراج قدر معین

الخراج علی ما تراضی السلطان ومستعمِل الأرض ، لأنّه طسق الأرض فمنوط برضاهما .

قال الشیخ : « . . والضرب الآخر من الأرضین ما أُخذ عَنْوة بالسیف ، فإنّها تکون للمسلمین بأجمعهم ، وکان علی الإمام أن یُقَبِّلَها لِمَن یقومُ بعمارتها بما یراه من النصف أو الثلث أو الربع ، وکان علی المتقبِّل إخراج ما قد قَبِلَ به من حقِّ الرقبة وفیما یبقی فی یده وخاصّةً العشر أو نصف العشر »(2) .

وقال أیضاً فی مبسوطه : «إذا فُتح بلد من بلاد الحرب فلا یخلو من أن یفتح عنوةً أو صلحاً ، فإن فُتح عنوةً کانت الأرض المحیاة . . . وأما الأرضون المحیاة فهی للمسلمین قاطبةً وللإمام التصرف فیها بالتقبیل والضمان علی ما نراه ، وارتفاعها یعود علی المسلمین بأجمعهم وینصرف إلی مصالحهم الغانمین وغیر الغانمین فیه سواء ، فأمّا الموات فإنّها لا تغنم ، وهی للإمام خاصةً ، فإن أحیاها أحد من المسلمین کان أولی بالتصرف فیها ویکون للإمام طَسْقها . . .»(3) .

وقال العلامة فی التذکرة : «الأرض المأخوذ بالسیف عنوةً یُقبّلها الإمام لمن یقوم

ص: 421


1- (1) وسائل الشیعة 19/57 ح2 .
2- (2) النهایة/ 195 .
3- (3) المبسوط 1/29 و 28 .

بعمارتها بما یراه من النصف وغیره ، وعلی المتقبِّل إخراج مال القبالة وحق الرقبة ، وفیما یفضل فی یده إذا کان نصاباً العشر أو نصفه ، فلا یصحّ التصرف فی هذه الأرض بالبیع والشراء والوقف وغیر ذلک ، وللإمام أن ینقله من متقبّلٍ إلی غیره إذا انقضت مدّة قبالته ، وله التصرف فیه بما یراه من مصلحة المسلمین . . .»(1) .

ونحوها فی المنتهی(2) .

وقال أیضاً فی التحریر : «ما تُملک بالاستغنام ویؤخذ قهراً بالسیف فإنّها للمسلمین قاطبةً . . . ویقبّلها الإمام لمن یقوم بعمارتها بما یراه من النصف أو الثلث ، وعلی المتقبّل إخرج مال القبالة وحق الرقبة ، وفیما یفضل فی یده إذا کان نصاباً العشر أو نصف العشر . . .»(3) .

یظهر من هذه العبارات أنّ الأمر فی الخراج بید الإمام علیه السلام ، وحیث أنّه فی الواقع عالم بأمر رعیته ومملکته فلا بدّ له من لحاظ الطرفین ، وحیث أنّه عقد لابدّ من تعیّنه عندهما ، قال الفیض : «وقیل : یُشترط أن لا یزید علی المعتاد أخذه من عامة الناس فی ذلک الزمان ، وزاد آخرون إتفاق السلطان والعمال علی القدر»(4) .

وقال الشیخ الأعظم : «لو استعمل أحدٌ الأرض قبل تعیین الأُجرة تعیّن علیه أُجرة المثل ، وهی مضبوطة عند أهل الخبرة ، وأمّا قبل العمل فهو تابع لما یقع التراضی علیه ، ونُسب ما ذکرناه إلی ظاهر الأصحاب»(5) .

أقول : ما ذکره الفیض عن الآخرین من توافق السلطان والعمال علی القدر وذکره الشیخ الأعظم بعنوان التراضی ، وقبلهما الفاضل المقداد یقول به فی التنقیح(6) وتبعهم المحقق

ص: 422


1- (1) تذکرة الفقهاء 9/186 مسألة 109 .
2- (2) منتهی المطالب 14 / 255 .
3- (3) تحریر الأحکام الشرعیة 2/169 .
4- (4) مفاتیح الشرائع 3/10 .
5- (5) المکاسب 2/234 .
6- (6) التنقیح الرائع 2/19.

النائینی وقال : «الأقوی کونه موقوفاً علی تراضی السلطان والمأخوذ منه»(1) ، ....کلّ هذا غیر تام ، لما ذکره الشهید الثانی بأنّه بعید الوجه والوقوع(2) . ومراده قدس سره أنّ الأدلة لم یظهر منها الإتفاق ، بل فی جمیعها أنّ أمره راجع إلی الإمام وأنّه علیه السلام یلاحظ الحقّین : حقّ المسلمین وبیت المال وحقّ الرعیة بحیث یراعی الحقین .

نعم ، لا بدّ من التعیین ، ولو لم یعینه الإمام علیه السلام ینتقل إلی أُجرة المثل .

وتدلّ علی أنّ الأمر بید الإمام علیه السلام ما رواه حماد بن عیسی فی الصحیح عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح علیه السلام قال فی حدیث : والأرضون التی أُخذت عنوة بخیل ورجال فهی موقوفة متروکة فی ید من یعمرها ویحییها ویقوم علیها علی ما یصالحهم الوالی علی قدر طاقتهم من الحقِّ النصف أو الثلث أو الثلثین وعلی قدر ما یکون لهم صلاحاً ولا یضرّهم ، فإذا أخرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر من الجمیع ممّا سقت السماء أو سقی سیحاً ونصف العشر ممّا سقی بالدوالی والنواضح فأخذه الوالی فوجّهه فی الجهة التی وجّهها اللّه علی ثمانیة أسهم ، الحدیث(3) .

الروایة دلالتها علی أنّ الأمر بید الإمام وأنّه یصالحهم علی قدر طاقتهم واضحة ولکن فی سندها إرسالٌ ، ولذا تعرف بمرسلة حماد الطویلة عند الفقهاء ، ولکن عمل المشهور علی طبقها جابر لضعف سندها .

وکذلک تدلّ علیه صحیحة أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی قال : ذکرت لأبی الحسن الرضا علیه السلام الخراج وما سار به أهل بیته ، فقال فی حدیث : وما أُخذ بالسیف فذلک إلی الإمام یقبّله بالذی یری کما صنع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بخیبر قبّل أرضها ونخلها ، والناس یقولون لا تصلح قبالة الأرض والنخل إذا کان البیاض أکثر من السواد ، وقد قبّل رسول اللّه علیه السلام خیبر وعلیهم فی حصصهم العشر ونصف العشر(4) .

ص: 423


1- (1) منیة الطالب 1/86 .
2- (2) المسالک 3/143 .
3- (3) الکافی 1/541 ح4 ونقل عنه مختصراً فی وسائل الشیعة 15/111 ح2 .
4- (4) وسائل الشیعة 15/158 ح2 . الباب 72 من أبواب جهاد العدو _ 9/189 ح3 .

وکذا یدلّ علیه خبر صفوان بن یحیی والبزنطی(1) ودلالته بعین صحیحة البزنطی ولکن فی سنده ضعف بعلی بن أحمد بن أشیم لأنّه مجهول .

ثم قال الشیخ الأعظم قدس سره : «یُستفاد منه (أی من قول أبی الحسن فی مرسلة حماد الطویلة الماضیة) أنّه إذا جعل علیهم من الخراج أو المقاسمة ما یضرّ بهم لم یجز ذلک کالذی یؤخذ من بعض مزارعی بعض بلادنا ، بحیث لا یختار الزارع الزراعة من کثرة الخراج فیجبرونه علی الزراعة ، وحینئذ ففی حرمة کلّ ما یؤخذ أو المقدار الزائد علی ما تضرّ الزیادة علیه ، وجهان»(2) . ثم اختار الشیخ الأعظم القول بالتفصیل : بأنّ مستعمل الأرض لو کان مختاراً فی استعمالها بلا حرج علیه فی ترکها کان مقدار الخراج ما تراضیا علیه قلیلاً کان أو کثیراً ، وإن کان لا بدّ له من استعمال الأرض - بأن کان ترکها حرجاً علیه ، لأنّها کانت تلک الأرض مزرعة له مدّة سنین بحیث یتضرّر بالإرتحال عن تلک القریة إلی غیرها - ففیها یحکم بفساد المعاملة أو فساد الزائد(3) .

ولکن قال قبله صاحب الجواهر : «وکیف کان فالخراج والمقاسمة لیس لهما مقدار معین فی الشرع ، بلا خلاف أجده فیه ، بل هو راجع إلی نظر الإمام علیه السلام علی حسب ما تقتضیه مصلحة جمیع المسلمین بحسب الأزمنة والأمکنة والأحوال التی تختلف معها الرغبات وغیرها من المنتفعین بالأرض أو بخراجها ، کما فعله أمیر المؤمنین علیه السلام فی أیام خلافته . ثم ذکر مرسلة حماد الطویلة الماضیة وقال : بل فی رسالة الکرکی(4) الإجماع علی ذلک ، وحینئذ فالخراج مقاسمة کان أو غیره ، أُجرة الأرض علی حسب مقتضی المصلحة الجامعة بین الطرفین .

وإلی ذلک یرجع ما قیل من أنّ الخراج ما ینص به الجائر قلَّ أو کثر ما لم یصل إلی حدِّ الظلم ، وحینئذ فمتی زاد الجائر علی ذلک کان حراماً تناوله منه ، وإن سماه باسم الخراج ،

ص: 424


1- (1) وسائل الشیعة 15/157 ح1 _ 9/188 ح2 .
2- (2) المکاسب 2/235 و234 .
3- (3) المکاسب 2/235 .
4- (4) قاطعة اللجاج/ 71 المطبوعة ضمن الخراجیات .

ضرورة کونه ظلماً وإن کان هو حلالاً فی مذهبه ، وإن کان لا یُعتبر فیها الإتفاق بین السلطان والرعیة علی الأقوی ، خلافاً لما عن بعضهم(1) من اعتبار ذلک ، وهو بعید الوجه والوقوع کما اعترف به فی ذلک المسالک(2) وغیرها ، فما عن السید العمید : «من أنّه یصح بشرط أن یأخذ الجائر بقدر ما یأخذ سلطان الحق لا أزید إلاّ مع رضی المالک ، وإن زاد ولم یرض المالک حرم الجمیع»(3) . إن أراد به القول المزبور [أی لزوم الإتفاق] کان واضح الضعف ، وإلاّ فهو راجع إلی ما قلناه ، غیر أن قوله أخیراً « حرم الجمیع » فیه ما لا یخفی»(4) .

وتبعه الفقیه الیزدی فی عدم حرمة الجمیع وقال : «والأولی أن یقال : إنّ المحرَّم المقدار الزائد علی أُجرة المثل ، لأنّ المعاملة باطلة من جهة عدم رضاهم بها ، فیکون کما لو استعملوها قبل تعیّن الأُجرة ، ومن ذلک یظهر حکم ما إذا کانوا مجبورین علی الزراعة مع جعله علیهم ما لا یضرّ بهم ، فإنّ فی هذه الصورة أیضاً یتعین علیهم أُجرة المثل ویکون الزائد علیها حراماً وإن لم یکن مضرّاً بهم»(5) .

وذهب شیخنا الاُستاذ _ مد ظله _ إلی «بطلان المعاملة فی الصورتین ، فإن السلطان وعماله لیست لهم ولایة التصرف فی تلک الأراضی بما یکون فیه إضرار بالمسلمین . . . وأمّا احتمال بطلانها بالإضافة إلی المقدار الزائد فضعیف ، فإنّ التبعیض فی المعاملة بحسب صحتها یختص بموارد انحلالها ، کما إذا باع شیئین بصفقة واحدة أو آجر العین مدّة ، فإنّ انحلال البیع بالإضافة إلی کلِّ منهما وانحلال الإجارة بحسب أبعاض المدّة صحیح . وأمّا انحلالهما بالإضافة إلی بعض الثمن أو بعض الأجرة - بأن تتم المعاملة ویقع تمام المبیع بإزاء بعض الثمن أو تمام المدّة بإزاء بعض الاُجرة - فهذا لیس من انحلال المعاملة . وعلی ذلک یبتنی الحکم ببطلان البیع الربوی وعدم اختصاص البطلان بالمقدار الزائد . . . بخلاف الربا فی باب القرض ، فإنّه لا

ص: 425


1- (1) ذکر القول بالاعتبار الفاضل المقداد فی التنقیح الرائع 2/19 .
2- (2) المسالک 3/143 .
3- (3) نقل السید العاملی فی مفتاح الکرامة 13/89 عن السید عمید الدین .
4- (4) الجواهر 22/199 .
5- (5) حاشیة المکاسب 1/243 .

یوجب بطلان عقد القرض ، فإنّ القرض والاقتراض فی حقیقتهما تملیک المال وتملکه بالضمان ، ومعنی الضمان اشتغال الذمة بمثل ذلک المال فی المثلیات وبقیمته فی القیمیات ، فالزیادة تکون شرطاً فیهما . وبما أن بطلان الشرط لا یوجب بطلان أصل العقد یصح القرض والاقتراض ویبطل الشرط . . .»(1) .

أقول : نعم ، المعاملة فی الصورتین تکون باطلة لعین ما ذکره الاُستاذ _ مد ظله _ ولکن ذمّة العامل فیهما مشغولة بأُجرة المثل ، لأنّ الأرض للمسلمین وحیث انتفت أُجرة المسمی ببطلان المعاملة ینتقل إلی أُجرة المثل لئلا تبطل حقوقهم . کما ذهب إلیه الفقیه الیزدی فیما نقلناه من کلامه قدس سره .

ولعله یؤید ما ذکرناه بعض الروایات ، منها : معتبرة إسماعیل بن الفضل الهاشمی أو موثقته قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل إکتری أرضاً من أرض أهل الذمة من الخراج وأهلها کارهون ، وإنّما یقبّلها السلطان بعجز أهلها أو غیر عجز ؟ فقال : إذا عجز أربابها عنها فلک أن تأخذها إلاّ أن یضارّوا ، وإن أعطیتهم شیئاً فسخت أنفسهم بها لکم فخذوها ، الحدیث(2) .

تدلّ الروایة علی جواز تقبّل الأرض من السلطان إذا عجز أهلها عن إعطاء الخراج ، إلاّ أن یجعل علیهم خراجاً کثیراً بحیث یتضرّرون فحینئذ لا یجوز أخذ أرضهم من السلطان ، لبطلان جعل الخراج وعدم صدق العجز ، فإذاً إن أراد التقبّل یجب علی المتقبِل إعطاء شیء لهم لترضی نفوسهم علی تحویل الأرض له .

هذا تمام الکلام فی التنبیه السادس والحمد للّه .

السابع : هل یشترط أخذها من الجائر بالاستحقاق ؟

قال المحقق الکرکی : «قد عرفت أنّ الخراج والمقاسمة والزکاة مأخوذة بأمر الجائر أو نائبه حلال تناولها ، فهل تکون حلالاً للآخذ مطلقاً حتی لو لم یکن مستحقّاً للزکاة ولاذا

ص: 426


1- (1) إرشاد الطالب 1/366 و365 .
2- (2) وسائل الشیعة 15/159 ح4 . الباب 72 من أبواب جهاد العدو .

نصیب فی بیت المال حین وجود الإمام علیه السلام ؟ أم إنّما یکون حلالاً بشرط الاستحقاق ، حتّی أنّ غیر مستحق یجب علیه صرف ذلک إلی مستحقیه ؟ إطلاق الأخبار وکلام الأصحاب یقتضی الأوّل ، وتعلیلاتهم بأنّ للآخذ نصیباً فی بیت المال ، وأنّ هذا الحق للّه تعالی یُشعر بالثانی .

وللتوقف فیه مجال ، وإن کان ظاهر کلامهم هو الأوّل ، لأنّ رفع الضرورة لا یکون إلاّ بالحلّ مطلقاً»(1) .

وقال فی جامع المقاصد : «وهل یجوز أخذ الزکاة من الجائر لکلّ أحدٍ وإن کان غنّیاً ؟ ظاهر الأخبار والعبارات الإطلاق »(2) .

وقال ثانی الشهیدین : «ولکن یُشترط هنا (أی فی الزکاة) أن لا یأخذ الجائر زیادةً عن الواجب شرعاً فی مذهبه ، وأن یکون صرفه لها علی وجهها المعتبر عندهم ، بحیث لا یعدّ عندهم غاصباً ، إذ یمتنع الأخذ منه عندهم أیضاً . ویحتمل الجواز مطلقاً نظراً إلی إطلاق النص والفتوی . ویجیء مثله فی المقاسمة والخراج ، لأنّ مصرفهما بیت المال ، وله أرباب مخصوصون عندهم أیضاً»(3) .

وقال المحقق الأردبیلی : «وبعد القول بالجواز (أی جواز أخذ الزکاة والخراج من الجائر) یمکن جواز أخذ الزکاة للفقراء والمستحقین منه لا غیر ، وأنّ الظاهر أنّه یبرأ ذمّة المالک . . .»(4) .

وقال الفاضل النراقی : «ویقتصر فی الأخذ بدون الشراء علی مَن یستحقّه»(5) .

أقول : علی القاعدة الأوّلیة أخذ الزکاة فی غالب مواردها یحتاج إلی الإستحقاق وأخذ الخراج یحتاج إلی المصلحة للمسلمین ، ولکن الإطلاقات الواردة فی حلّ جوائز السلطان

ص: 427


1- (1) قاطعة اللجاج/ 89 المطبوعة ضمن الخراجیات .
2- (2) جامع المقاصد 4/45 .
3- (3) المسالک 3/143 .
4- (4) مجمع الفائدة والبرهان 8/107 .
5- (5) مستند الشیعة 14/204 .

تشمل المقام ، نحو : صحیحة أبی ولاّد(1) وصحیحة أبی المغرا(2) وحسنة أو صحیحة محمد بن مسلم وزرارة(3) وخبر محمد بن هشام أو غیره(4) ، وخبر عمر أخی عذافر(5) وصحیحة محمد بن عیسی(6) .

لأنّ ما یُجمع فی بیت المال فی ذاک الزمان لیس سوی الخراج والمقاسمة والزکاة والجزیة ، وربّما یضاف إلیها بعض الغنائم ونحوها .

وعلی هذا یجوز للآخذ أخذ جوائز الظالم إذا لم یعلم أنّه من أیّ شیءٍ أعطاه ، ومع علمه لو أعطاه من الخراج فلا بأس بأخذه لأنّه للمسلمین ومصالحهم وهو أحدهم ، ولو أعطاه من الزکاة ولم یکن الآخذ من مصارفها الثمانیة ، الحکم بجواز التصرف فیها بهذه الإطلاقات مشکل . نعم یجوز له الأخذ وإیصاله إلی مصرفه الخاص ، واللّه العالم .

فظهر ممّا ذکرنا مواقع النظر فی کلام المحقق النائینی حیث یقول : «فإنّ الزکاة وإن کان لها مصرف خاص ولا تدخل فی مصالح المسلمین إلاّ بعض مصارفها إلاّ أنّ مقتضی النصوص دخولها فی الخراج والمقاسمة حکماً ، وهذا لا إشکال فیه»(7) ، وقال أیضاً : «عدم اختصاص جواز الأخذ بمن کان مستحقّاً له ، أو کان مصرفاً له فإنّ بعض الأخبار وإن کان ظاهره الاختصاص . . . إلاَّ أن ظاهر جملة من الأخبار الإطلاق . . . .»(8) . وتبعه شیخنا الاُستاذ(9) وبعض المعاصرین(10) _ مد ظلهما _ .

ص: 428


1- (1) وسائل الشیعة 17/213 ح1 . الباب 51 من أبواب ما یکتسب به .
2- (2) وسائل الشیعة 17/213 ح2.
3- (3) وسائل الشیعة 17/214 ح5 .
4- (4) وسائل الشیعة 17/214 ح3 .
5- (5) وسائل الشیعة 17/215 ح8 .
6- (6) وسائل الشیعة 17/218 ح16 .
7- (7) منیة الطالب 1/85 .
8- (8) منیة الطالب 1/82 .
9- (9) إرشاد الطالب 1/368 .
10- (10) عمدة المطالب 1/524 .
الثامن : هل یجوز للجائر إقطاع شخص خاص من الأراضی الخراجیة ؟

الأراضی الخراجیة کانت ملکاً للمسلمین وللإمام علیه السلام أن یتصرف فیها بما هو رئیس المسلمین ، یعطیها للغیر ویأخذ منهم الخراج ویصرفه فی مصالح المسلمین وسدّ خلاّتهم . وأمّا الجائر لم یکن ولی الأمر فی زمن الغیبة ولم یکن مأذوناً من قبل الإمام علیه السلام ، فتصرفاته فی الأراضی الخراجیة غیر نافذة . فیحرم علیه التصرف وضعاً وتکلیفاً .

وأجاز الأئمة علیهم السلام تسهیلاً للأمر علی المکلّفین أخذ الخراج والزکاة منه بلا عوض أو مع العوض .

وکذا یظهر من الروایات إجازتهم بشراء الأراضی الخراجیة من أصحابها أو المسلّطین علیها فعلیاً وینتقل إلیه الخراج منهم ، وکذا أخذها من الجائر مع إعطاء الخراج .

تدلّ علی ماذهبنا إلیه عدّة من الروایات :

منها : موثقة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الشراء من أرض الیهود والنصاری ؟ فقال : لیس به بأس ، الحدیث(1) .

ومنها : موثقة أُخری له ولعمر بن حنظلة _ عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن ذلک ؟ فقال : لا بأس بشرائها ، فإنّها إذا کانت بمنزلتها فی أیدیهم تؤدی عنها کما یؤدّی عنها(2) .

ومنها : حسنة إبراهیم بن أبی زیاد _ الکرخی _ قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الشراء من أرض الجزیة ؟ قال : فقال : إشترها ، فإنّ لک من الحق ما هو أکثر من ذلک(3) .

ومنها : خبر أبی بُرْدَة بن رجَا قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : کیف تری فی شراء أرض الخراج ؟ قال : ومن یبیع ذلک ؟! هی أرض المسلمین . قال : قلت : یبیعهاالذی هو فی یده ، قال : ویصنع بخراج المسلمین ماذا ؟ ثم قال : لا بأس ، إشتری حقّه منها ویحول حقّ المسلمین علیه ،

ص: 429


1- (1) وسائل الشیعة 15/156 ح2 . الباب 71 من أبواب جهاد العدو .
2- (2) وسائل الشیعة 15/156 ح3 . الباب 71 من أبواب جهاد العدو .
3- (3) وسائل الشیعة 15/156 ح4 . الباب 71 من أبواب جهاد العدو .

ولعلّه یکون أقوی علیها وأملأ بخراجهم منه(1) .

ولذا قال الشهید الثانی : «ولو أقطع الجائر أرضاً ممّا تقسّم أو تخرّج أو عاوض علیهما ، فهو تسلیط منه علیهما ، فیجوز للمقطَع أو المعاوِض أخذهما من الزارع والمالک کما یجوز إحالته علیه»(2) .

وقد اعترف بجواز التصرف الفقیه العاملی فی مفتاح الکرامة ونسبه فی الظاهر إلی المعظم ، قال قدس سره : «وإنّ من صار فی یده شیء من الخراج أو أقطعه الجائر أرضاً وکان مصلحة للمسلمین کالقاضی والغازی والمشتغل فی طلب العلم لتحصیل الاجتهاد جاز له الاستبداد به من دون کراهیة ، وأمّا مَن سوی ذلک فالأولی له مشارکة بعض إخوانه ، وإن کان مجتهداً مستغنیاً عنه وجب علیه صرفه فی مصالح المسلمین علی الظاهر ، ویصحّ له الاستبداد به عند المعظم علی الظاهر»(3) .

أقول : یتمّ ما ذکرناه من النسبة إذا أرجع الضمیر فی «ویصح له» فی آخر کلامه إلی من «صار فی یده شیء من الخراج أو أقطعه الجائر أرضاً» ولکن إذا أرجع إلی المجتهد - کما هو ظاهر عبارته - فلا یتم ، ولکن حینئذٍ لا وجه لتقییده بالمستغنی ، فتأمل .

التاسع : إذا أخذ الجائر الزکاة فهل یجزی عن المأخوذ منه ؟

بالنسبة إلی الخراج کأنه لا خلاف فی الإجزاء إذا أخذها الجائر ، وإنّما الخلاف وقع بالنسبة إلی الزکاة ، قال المحقق الثانی : «وهل تبرأ ذمّة المالک من إخراج الزکاة مرّة اُخری ؟ یلوح من تجویز الأخذ والتعلیل بکون دفع ذلک حقّاً واجباً علی المالک ، ذلک کما فی الخراج والمقاسمة بلا فرق ، فتعتبر هاهنا النیّة کما یُعتبر فی إخراج مطلق الزکاة . ویُحتمل العدم ، لأنّ الجائر لیس نائب الفقراء ، فتتعذر النیّة ، ولا یصح الإخراج بدونها»(4) .

ص: 430


1- (1) وسائل الشیعة 15/155 ح1 .
2- (2) المسالک 3/143 .
3- (3) مفتاح الکرامة 13/100 .
4- (4) جامع المقاصد 4/45 .

والشهید الثانی نقل الاحتمالین فی کلام الکرکی ثمَّ اختار عدم الإجزاء ، قال : « وهل تبرأ ذمّة المالک من إخراج الزکاة مرةً أُخری ؟ یحتمله کما فی الخراج والمقاسمة ، مع أنّ حقّ الأرض واجب لمستحق مخصوص ، وللتعلیل بکون دفع ذلک حقّاً واجباً علیه وعدمه ، لأنّ الجائر لیس نائب المستحقین فیتعذّر النیّة ، ولا یصح الإخراج بدونها . وعلی الأوّل تُعتبر النیّة عند الدفع إلیه کما تعتبر فی سائر الزکوات . والأقوی عدم الإجتزاء بذلک ، بل غایته سقوط الزکاة عمّا یأخذه إذا لم یفرّط فیه ، ووجوب دفعه إلیه أعمّ من کونه علی وجه الزکاة أو المضی معهم فی أحکامهم والتحرز علی الضرر بمباینتهم »(1) .

ولکن المحقق الأردبیلی مع خلافه مع القوم فی أصل البحث ذهب إلی الإجزاء فی الزکاة ، قال : «وإنّ الظاهر أنّه یبرأ ذمّة المالک . . . . ویؤیده الأخبار »(2) . ثم ذکر روایات الباب .

وقال صاحب الحدائق : «والأظهر فی وجه الجمع ، إنّما هو حمل ما دلّ علی الإجزاء علی عدم التمکن من إنکارها ومنعها وإنّما تؤخذ منه قهراً ، وما دلّ علی العدم علی مَن تمکن من عدم الدفع ودفعها لهم اختیاراً ، کما تدلّ علیه صحیحة العیص المذکورة ، واللّه العالم»(3) .

وقال سید الریاض : «ثم إنّ فی سقوط الزکاة بأخذ الحاکم لها قولین : للأوّل ظواهر الصحاح المستفیضة . . . بل یُستفاد من کثیر من المعتبرة وفیها الصحیح وغیره جواز إحتساب ما یأخذه باسم الخراج مکان الزکاة(4) ، إلاّ أن ظاهر الأصحاب الإطباق علی ردّها ، بل علیه إجماعنا عن المنتهی(5) ، فتکون ، شاذّة ومع ذلک محتملة للتقیة ، فقد حکی القول بمضمونها عن أبی حنیفة(6) .

ص: 431


1- (1) المسالک 3/143 .
2- (2) مجمع الفائدة والبرهان 8/108 و107 وکذا فی مجمع الفائدة 4/116 حمل صحیحة الشحام علی الإعطاء للجائر اختیاراً .
3- (3) الحدائق 18/260 وراجع أیضاً الحدائق 12/129 .
4- (4) وسائل الشیعة 9/253 ح5 .
5- (5) منتهی المطلب 1/500 من الطبع الحجری (8/210 من الطبعة الحدیثة) .
6- (6) حکاه عنه ابن قدامة فی المغنی 2/587 والمحدث البحرانی فی الحدائق 12/129 .

وللثانی : الأصل والعمومات وخصوص الصحیح . . . ویخصّ الأوّلان بما مرّو یحمل الثالث لقصوره عن مقاومته علی الاستحباب تارة کما عن الشیخ(1) وعلی الإعطاء اختیاراً اُخری کما ذکره جماعة من أصحابنا(2) . وفیهما بُعدٌ ، سیما الثانی جدّاً ، لمکان التعلیل بالظلم ، فالعمل به أحوط»(3) .

وذهب الشیخ جعفر إلی عدم الإجزاء وقال : «والأقوی عدم سقوط حقِّ الزکاة لو أخذها ، لکنّه یحتسب ما بقی بعد أخذها فیزکّی وإن نقص عن النصاب بعده»(4) .

وتبعه تلمیذه السید جواد العاملی وحمل الصحاح الثلاث علی أنّها شاذة أو فیها تقیة ، ثمّ قال : «ویؤیّد صحیحة الشحام الأصل والعموم ، وحملها علی الاستحباب تارة کما عن الشیخ وعلی الإعطاء اختیاراً کما ذکره جماعة بعید جدّاً»(5) .

والفاضل النراقی(6) ذهب إلی عدم الإجزاء مع التمکن من عدم الدفع والإجزاء فی صورة عدم التمکن .

وصاحب الجواهر أیضاً ذهب إلی الإجزاء(7) مطلقاً .

وذهب إلی الإجزاء أیضاً المحقق النائینی حیث یقول : «خروج من اُخذ منه الزکاة والخراج عن عهدة ما یجب علیه إذا لم یتمکّن من دفعه إلی مستحقه وصرفه فی مصالح المسلمین »(8) .

أقول : القائل بعدم الإجزاء هو الشهید الثانی ، وتبعه الشیخ جعفر تلمیذه والسید

ص: 432


1- (1) راجع الاستبصار 2/27 والتهذیب 4/40 ذیل ح13 .
2- (2) کما مرّ عن مجمع الفائدة 4/116 والحدائق 12/129 و18/260 .
3- (3) ریاض المسائل 8/(201 _ 199) .
4- (4) شرح القواعد 1/347 .
5- (5) مفتاح الکرامة 11/342 .
6- (6) راجع تفصیل کلامه فی مستند الشیعة 14/205 و204 .
7- (7) الجواهر 22/203 و202 .
8- (8) منیة الطالب 1/82 .

العاملی ، والقائل بالإجزاء هو المحقق الأردبیلی وتبعه أصحاب الحدائق والمستند(1) والجواهر والمنیة .

والکرکی ذکر الاحتمالین فقط من دون اختیار ، وجعل سید الریاض القول بعدم الإجزاء هو الأحوط ، هذا حصیلة الأقوال فی المقام .

وقد سبق عدم جواز إعطائهم اختیاراً ، وأمّا ما أخذوه ظلماً وجوراً من الزکاة تدلّ علی إجزائه عن الزکاة عدّة من الروایات :

منها : صحیحة عیص بن القاسم(2) الماضیة .

ومنها : صحیحة سلیمان بن خالد(3) الماضیة أیضاً .

ومنها : صحیحة عبید اللّه بن علی الحلبی قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن صدقة المال یأخذه السلطان ؟ فقال : لا آمرک أن تعید(4) .

یُستشم من هذه الصحیحة استحباب الإعادة لا وجوبها .

ومنها : مرسلة الصدوق قال : سُئل أبو عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یأخذ منه هؤلاء زکاة ماله أو خمس غنیمته أو خمس ما یخرج له من المعادن ، أیحسب ذلک له فی زکاته وخمسه ؟ فقال : نعم(5) .

وفی قبال هذه الروایات صحیحة أبی أسامة زید الشحام قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : جعلت فداک ، إنّ هؤلاء المصدّقین یأتونا ویأخذون منّا الصدقة فنعطیهم إیّاها أتجزی عنّا ؟

ص: 433


1- (1) قد ذکرنا صاحبی الحدائق والمستند من القائلین بالإجزاء مطلقاً مع أنّهما ذکرا الإجزاء فی صورة عدم التمکن من عدم الدفع إلی الظالم ، وهما یقولان بعدم الإجزاء فی صورة التمکن من عدم الدفع إلی الظالم ، لأنه قد مرّ منّا سابقاً عدم جواز إعطاء الزکاة والخراج والمقاسمة إلی الظالم إذا تمکن من عدم دفعه إلیه ، وحینئذ لو دفعه لم یجزئ عند الکل ، والکلام یقع فی صورة عدم التمکن من عدم الدفع .
2- (2) وسائل الشیعة 9/252 ح3 . الباب 20 من أبواب المستحقین للزکاة .
3- (3) وسائل الشیعة 9/252 ح4 .
4- (4) وسائل الشیعة 9/253 ح5 .
5- (5) وسائل الشیعة 9/254 ح7 .

فقال : لا ، إنّما هؤلاء قوم غصبوکم ، أو قال : ظلموکم أموالکم ، وإنّما الصدقة لأهلها(1) .

حمل هذه الصحیحة علی الإعطاء اختیاراً بعیدٌ ، لوجود کلمة « الغصب » أو « الظلم » الموجودة فیها ، فلا بدّ من حملها علی الاستحباب جمعاً بینها وبین غیرها ، فحینئذ إعادة الزکاة بعد أخذها بتوسط الظالم مستحبة .

فرع آخر یرتبط بالمقام : هل فی الأرض الخراجیة زکاة ؟

بعد ما أخذ السلطان خراج الأرض هل علی الزارع إخراج زکاته إن بلغ إلی حدِّ النصاب سهمه ؟ أم لا ، ویکفی إعطاء الخراج عن الزکاة ؟ .

قال العلامة فی المنتهی : «خراج الأرض یخرج وسطاً ثم یزکّی ما بقی إن بلغ نصاباً ، إذا کان المالک مسلِّماً ، وهو مذهب علمائنا وأکثر الجمهور .

وقال أبو حنیفة : لا زکاة فی الأرض الخراجیة .

لنا : قوله تعالی : «وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَکُمْ مِنْ الاْءَرْضِ»(2) .

وما رواه الجمهور عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : فیما سقت السماء العشر(3) . وذلک عام _ ثم ذکر الروایتین من طریقنا _ وقال : ولأنّهما حقّان مختلفان لمستحقّین متغایرین یجوز وجوب کلّ واحد منهما علی المسلم ، فجاز اجتماعهما کالکفارة والقیمة فی الصید المملوک . . .»(4) .

هذه المسألة هی التی تعرض لها ولکلام العلامة فیها صاحبا الریاض(5) والمفتاح(6) ، وتدلّ علی لزوم إخراج الزکاة بعد إعطاء الخراج إن بلغ نصیبه إلی النصاب عدّة من الروایات :

منها : صحیحة أبی بصیر ومحمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قالا له : هذه الأرض التی یزارع أهلها ما تری فیها ؟ فقال : کلّ أرض دفعها إلیک السلطان فما حرثته فیها فعلیک ممّا

ص: 434


1- (1) وسائل الشیعة 9/253 ح6 .
2- (2) سورة البقرة/ 267 .
3- (3) صحیح البخاری 2/155 ، سنن أبی داود 2/108 ح1596 وغیرهما .
4- (4) منتهی المطلب 8 / (213 _ 210) .
5- (5) ریاض المسائل 8/200 .
6- (6) مفتاح الکرامة 11/342 .

أخرج اللّه منها الذی قاطعک علیه ، ولیس علی جمیع ما أخرج اللّه منها العشر ، إنّما علیک العشر فیما یحصل فی یدک بعد مقاسمته لک(1) .

ومنها : خبر صفوان بن یحیی وأحمد بن محمد بن أبی نصر قالا : ذکرنا له الکوفة وما وضع علیها من الخراج وما سار فیها أهل بیته ، فقال فی حدیث : وعلی المتقبّلین سوی قبالة الأرض العشر ونصف العشر فی حصصهم . . . ، الحدیث(2) .

ومنها : صحیحة البزنطی _ فی حدیث _ قال : ذکرت لأبی الحسن الرضا علیه السلام الخراج وما سار به أهل بیته ، فقال : ما اُخذ بالسیف فذلک إلی الإمام یقبّله بالذی یری ، وقد قبّل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم خیبر ، وعلیهم فی حصصهم العشر ونصف العشر(3) .

«واو» العاطفة تدلّ علی أنّ بعد وجه قبالة الأرض ، لابدّ للزارع من إخراج العشر ونصف العشر وهی الزکاة ، والعطف علامة التعدد والتغایر .

وفی قبال هذه الروایات عدّة اُخری منها تدلّ علی کفایة إخراج الخراج عن الزکاة :

منها : صحیحة محمد بن مسلم قال : سألته عن الرجل یتکاری الأرض من السلطان بالثلث أو النصف ، هل علیه فی حصّته زکاة ؟ قال : لا ، الحدیث(4) .

ومنها : صحیحة رفاعة بن موسی(5) .

ومنها : خبر أبی کَهْمَس(6) .

ومنها : خبر سهل بن الیسع(7) . الماضیات .

ومنها : مرسلة عبد اللّه بن بکیر عن أحدهما قال فی زکاة الأرض : إذا قبّلها النبی أو

ص: 435


1- (1) وسائل الشیعة 9/188 ح1 ، الباب 7 من أبواب زکاة الغلاّت .
2- (2) وسائل الشیعة 9/188 ح2 _ 15/157 ح1 .
3- (3) وسائل الشیعة 9/189 ح3 _ 15/158 ح2 .
4- (4) وسائل الشیعة 9/190 ح5 .
5- (5) وسائل الشیعة 9/193 ح2 . الباب 10 من أبواب زکاة الغلات .
6- (6) وسائل الشیعة 9/193 ح3 .
7- (7) وسائل الشیعة 9/192 ح1 .

الإمام بالنصف أو الثلث أو الربع فزکاتها علیها ، ولیس علی المتقبّل زکاة إلاّ أن یشترط صاحب الأرض أنّ الزکاة علی المتقبّل ، فإن اشترط فإنّ الزکاة علیهم ولیس علی أهل الأرض الیوم زکاة إلاّ علی من کان فی یده شیء ممّا أقطعه الرسول صلی الله علیه و آله وسلم (1) .

وهذه الطائفة الأخیرة أعرض عنها الأصحاب ، لما قد عرفت من العلاّمة قدس سره أنّ الإخراج للزکاة بعد الخراج إن بلغ إلی حد النصاب «هو مذهب علمائنا»(2) وإعراضهم یوجب الوهن فیها .

ویمکن حملها علی أنه لم یجب علیه الزکاة فی جمیع ما خرج من الأرض ، وإن کان یلزمه زکاة ما یحصل فی یده بعد الخراج إن بلغ حدّ النصاب ، کما حملها الشیخ هکذا فی التهذیب(3) والعلاّمة فی المنتهی(4) .

ویمکن حملها علی عدم بلوغ الباقی فی یده إلی حدّ النصاب ، کما قاله الشیخ الحر العاملی(5) .

وأمّا ما ورد فی ذیل الخبر الأخیر من قوله علیه السلام : «ولیس علی أهل الأرض الیوم زکاة» ، حملها الشیخ فی التهذیب علی أنّ الإمام علیه السلام «رخّص الیوم لمن وجبت علیه الزکاة وأخذ منه السلطان الجائر أن یحتسب به من الزکاة وإن کان الأفضل إخراجه ثانیاً»(6) . وإلاّ فلا یمکن الأخذ به لمخالفته مع الکتاب بالتباین ، ویلزم منه تعطیل حکم الزکاة الذی لم یتفوه به أحدٌ ، واللّه العالم .

العاشر : مَن الوالی علی الخراج فی عصر الغیبة ؟

الولایة علی الأراضی الخراجیة فی زمن الحضور للإمام صلی الله علیه و آله وسلم بلا کلام ، وفی عصر

ص: 436


1- (1) وسائل الشیعة 9/189 ح4 .
2- (2) منتهی المطلب 8/210.
3- (3) التهذیب 4/39 ذیل ح9 .
4- (4) منتهی المطلب 8/213 .
5- (5) وسائل الشیعة 9/190 .
6- (6) التهذیب 4/39 .

الغیبة للفقیه الجامع لشرائط الإفتاء إن کان متمکناً وله بسط یدٍ ، ولذا قال المحقق السبزواری : « وإذا تمکن الحاکم الشرعی من التصرف فیه فالظاهر جواز ذلک له ، والأحوط أن یستأذن الحاکم الشرعی فیما یعطیه الجائر إنّ تمکّن من ذلک »(1) .

وقال قبله المحقق الکرکی فی رسالته قاطعة اللجاج : «فإن قلت : فهل یجوز أن یتولّی من له النیابة حال الغیبة ذلک ، أعنی الفقیه الجامع للشرائط ؟

قلنا : لا نعرف للأصحاب فی ذلک تصریحاً ، ولکن مَن جوّز للفقهاء _ فی حال الغیبة _ تولّی استیفاء الحدود وغیر ذلک من توابع منصب الإمامة ینبغی تجویزه لهذا بطریق اُولی ، لأنّ هذا أقلّ خطراً ، لا سیّما والمستحقّون لذلک موجودون فی کلّ عصر ، إذ لیس هذا الحقّ مقصوراً علی الغزاة والمجاهدین کما یأتی ، ومن تأمّل فی کثیر من أحوال الکبراء من علمائنا السالفین مثل السید الشریف علم الهدی ، وأعلم المحققین من المتقدمین والمتأخرین نصیر الحقّ والدین الطوسی ، وبحر العلوم مفتی العراق جمال الملّة والدین الحسن بن مطهر وغیرهم _ رضوان اللّه علیهم _ نظر متأمِّلٍ منصفٍ لم یعترضه الشک فی أنّهم کانوا یسلکون هذا المنهج ویفتحون هذا السبیل ، وما کانوا لیودعوا بطون کتبهم إلاّ ما یعتقدون صحته»(2) .

وأیَّد صاحب الجواهر کلامه وقال : «قلت : قد عرفتَ أنّه لا ینبغی الشک فی الحکم المزبور ، فله حینئذ تسلیم الخراج له إذا لم تکن تقیّة تنافیه ، بل الظاهر تعمیمه لعدم ثبوت الإذن فی التسلیم للجائر فی هذا الحال . . .»(3) .

أقول : یظهر أنّ الولایة علی الخراج فی عصر الغیبة للفقیه ، والعجب من الشیخ جعفر حیث یقول : « . . . ومع عدم السلطان الجائر فالمرجع إلی الفقیه المأمون فیما یتعلّق بأمور المسلمین ، والقول بجواز أخذ الجمیع للمؤمنین فیما یکتسبونه بزراعتهم عند عدم تسلّط الجائر

ص: 437


1- (1) الکفایة 1/394 .
2- (2) قاطعة اللجاج/ 74 المطبوعة ضمن الخراجیات .
3- (3) الجواهر 22/196 .

هو الأقوی . . . لظاهر الأخبار»(1) .

وکذا قال فیه : « وأمّا مع غیبة الإمام العادل وفقد سلطان الجور أو ضعفه عن التسلط _ فلم یبق له سوی اسم إکتسبه بالنسب کسلطان الهند _ فالرجوع إلی النائب العام من علماء آل محمد علیهم السلام ویلزم تسلیم الخراج إلیهم علی الترتیب المذکور ، ومع فقد الجمیع فللمسلمین أن یتصرفوا فی الأرض . . . »(2) .

وقد علّق علیه تلمیذه صاحب الجواهر بقوله : «وظاهره ترتب ولایة الفقیه علی عدم السلطان الجائر ، کما أنّ ظاهره سقوط الخراج عن المؤمنین حینئذ ، وفیهما معاً منع واضح ، وإن کان ربّما یشهد للثانی فی الجملة نصوص التحلیل(3) ، وما ورد أیضاً(4) من أنّ الأرض کلّها لنا وأنّه قد أبحنا ذلک لشیعتنا إلی ظهور قائمنا ، فیأخذ طَسْقها من الشیعة ویترکها فی أیدیهم ، کما أنّه یأخذ الأرض جمیعاً من أیدی أعدائهم . إلاّ أنّ ذلک مطّرح عند الأصحاب بالنسبة إلی ذلک ، وربّما کان المراد منها خصوص الموات الذی هو لهم من الأنفال أو غیر ذلک دون الأراضی الخراجیة التی للمسلمین ، فإنّ خراجها غیر ساقط عمّن انتفع بها ، ولذا جاز تناوله من ید الجائر ، فإن قضت التقیة بتسلیمه للجائر دفعه إلیه وبرئت ذمّته وإلاّ دفعه إلی حاکم الشرع صرفه فی مصارفه . ودعوی عدم الولایة لحاکم الشرع مع السلطان الجائر _ وإن لم تقض التقیة بالدفع إلیه _ واضحة المنع کما عرفته فیما تقدّم ، مضافاً إلی أنّه لا شک فی أنّ للإمام حال قصور یده ذلک ، کما صُرّح به فی بعض النصوص ، وکلّما کان له صار لنائبه المنصوب من

ص: 438


1- (1) شرح القواعد 1/346 .
2- (2) شرح القواعد 2/201 .
3- (3) وسائل الشیعة 9/ 543 . الباب 4 من أبواب الأنفال .
4- (4) الکافی 1/407 ح1 معتبرة أبی خالد الکابلی ، وهی مرویة مکررة فی الکافی 5/279 ح5 أیضاً ونقل عنه فی وسائل الشیعة 25/414 ح2 ، والروایة تدلّ علی لزوم الخراج فی عصر الغیبة ، ولکن تدل علی التحلیل صحیحة عمر بن یزید المرویة فی الکافی 1/408 ح3 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 9/548 ح12 .

قبله»(1) .

وما ذکره صاحب الجواهر تام عندنا فی الجملة .

الحادی عشر : شرائط الأراضی الخراجیة
اشارة

إنما ثبتت الأراضی الخراجیة باُمور ثلاثة :

الأوّل : أن تکون الأرض مفتوحة عنوة أو صُلحاً علی أن تکون الأرض للمسلمین أو من الأنفال
اشارة

(2)

وهذه العناوین للأرض تثبت بالعلم والبیّنة ولو کانت من قبیل الشهادة علی الشهادة والشیاع الموجب للعلم ، ویمکن أن یلحق به الشیاع المفید للظنّ المتآخم للعلم المعبَّر عنه بالإطمئنان ، بناءً علی کفایة الأخیر فی کلّ ما یعسر إقامة البیّنة علیه کالنسب والوقف والملک المطلق ونحوها ، أو علی القول بحجیته مطلقاً ، لأنّه علمٌ عادیٌّ . وأمّا ثبوتها بخبر العدل الواحد أو غیره من الأمارات الظنیة حتّی قول من یوثق به من المؤرّخین فمحلّ منع ، والأصل عدم الفتح عَنْوة وعدم تملّک المسلمین .

نعم ، الأصل عدم تملّک غیرهم أیضاً ، وبذلک یدخل فی الأنفال ، وقد ألحقناها بالأراضی الخراجیة فی الحکم ، ویأتی بحث الخراج فیه .

وأمّا ثبوت الفتح عنوة بالسیرة وحمل فعل الجائر علی الصحة أیضاً لا یتم ، لأن المراد بها إن کانت سیرة الظالمین فلا یفید شیئاً ، لأنّهم لا یقیدون بالشریعة ، وإن کانت سیرة الفقهاء علی معاملة جملة من الأراضی الخراجیة فی الجملة وإن کانت صحیحة ولکن لا تفید شیئاً ، لأنّها ثبتت فی الجملة ، مع أنّ إثبات الصغری حینئذٍ مشکلٌ جدّاً .

وحمل فعل الجائر علی الصحة أیضاً لا یتم ، لأنّ أصالة الصحة تجری فی حق الغیر إذا کان الفاعل یحتمل فی حقّه الصحة ، ولکن هذا الاحتمال فی حقِّ الجائرین منفیٌ کما هو واضح .

ص: 439


1- (1) الجواهر 22/197 .
2- (2) علی المختار فی الأخیر کما مرّ فی التنبیه الثالث من هذه التنبیهات .

ثم یقع الکلام فی صغری البحث ، وهی تعیین الأراضی التی فتحت عَنْوة من غیرها :

قال الشیخ : «ظاهر المذهب أنّ النبی صلی الله علیه و آله وسلم فتح مکة عَنْوة بالسیف ثم أمنّهم بعد ذلک ، وإنّما لم یقسّم الأرضین والدور لأنّها لجمیع المسلمین کما نقوله فی کلِّ ما یُفتح عنوة إذا لم یمکن نقله إلی بلد الإسلام ، فإنّه یکون للمسلمین قاطبة ، ومَنَّ النبی صلی الله علیه و آله وسلم علی رجال من المشرکین فأطلقهم ، وعندنا أنّ للإمام أن یفعل ذلک وکذلک أموالهم مَنَّ علیهم لما رآه من المصلحة .

وأمّا أرض السواد فهی الأرض المغنومة من الفرس التی فتحها عمر ، وهی سواد العراق ، فلمّا فتحت بعث عمار بن یاسر أمیراً وابن مسعود قاضیاً ووالیاً علی بیت المال وعثمان بن حنیف ماسحاً ، فمسح عثمان الأرض واختلفوا فی مبلغها ، فقال البیاجی : إثنان وثلاثون ألف ألف جریب ، وقال أبوعبیدة : ستة وثلاثون ألف ألف جریب ، وهی ما بین عبّادان والموصل طولاً وبین القادسیة وحلوان عرضاً ، ثمّ ضرب علی کلِّ جریب نخل ثمانیة دراهم والرطبة ستة والشجر کذلک والحنطة أربعة والشعیر درهمین ، وکتب إلی عمر فأمضاه .

وروی أن ارتفاعها کان من عهد عمر مائة وستین ألف ألف درهم فلمّا کان فی زمن الحجاج رجع إلی ثمانیة عشر ألف ألف درهم ، فلمّا ولّی عمر بن عبد العزیز رجع إلی ثلاثین ألف ألف درهم فی أوّل سنة وفی الثانیة بلغ إلی ستین ألف ألف ، فقال : لو عشت سنة أُخری لرددّتُها إلی ما کان فی أیّام عمر فمات تلک السنة . وکذلک أمیر المؤمنین علیه السلام لما أفضی الأمر إلیه أمضی ذلک لأنّه لم یمکنه أن یخالف ویحکم بما یجب عنده فیه .

والذی یقتضیه المذهب أنّ هذه الأراضی وغیرها من البلاد التی فتحت عنوة أن یکون خمسها لأهل الخمس ، فأربعة أخماسها یکون للمسلمین قاطبةً للغانمین وغیر الغانمین فی ذلک سواء ، ویکون للإمام النظر فیها وتقبیلها وتضمینها بما شاء ، ویأخذ ارتفاعها ویصرفه فی مصالح المسلمین وما ینوبهم مِن سدّ الثغور ومعونة المجاهدین وبناء القناطر وغیر ذلک من المصالح . ولیس للغانمین فی هذه الأرضین خصوصاً شیء ، بل هم والمسلمون فیه سواء .

ولا یصحّ بیع شیء من هذه الأرضین ولا هبته ولا معاوضته ولا تملیکه ولا وقفه ولا رهنه ولا إجارته ولا إرثه ، ولا یصحّ أن یبنی دوراً ومنازل ومساجد وسقایات ، ولا غیر ذلک من أنواع التصرف الذی یتبّع الملک ، ومتی فعل شیء من ذلک کان التصرف باطلاً ، وهو باقٍ

ص: 440

علی الأصل .

وعلی الروایة التی رواها أصحابنا : أنّ کلّ عسکر أو فرقة غزت بغیر أمر الإمام فغنمت یکون الغنیمة للإمام خاصةً ، هذه الأرضون وغیرها ممّا فتحت بعد الرسول ، إلاّ ما فتح فی أیام أمیر المؤمنین إن صحّ شیء من ذلک یکون للإمام خاصةً ، ویکون من جملة الأنفال التی له خاصّة لا یشرکه فیها غیره»(1) .

وقال فی الخلاف : «مکة فتحت عَنْوة بالسیف ، وبه قال الأوزاعی وأبو حنیفة وأصحابه ومالک . وقال الشافعی : أنّها فتحت صلحاً وبه قال مجاهد . دلیلنا : إجماع الفرقة وأخبارهم ، . . . ومن قرأ السیر والأخبار وکیفیة دخول النبی صلی الله علیه و آله وسلم مکة علم أنّ الأمر علی ما قلناه . . .»(2) .

قال العلامة فی التذکرة : «وأمّا أرض مکّة : فالظاهر من المذهب أنّ النبی صلی الله علیه و آله وسلم فتحها بالسیف ثم آمنهم بعد ذلک ، وبه قال أبوحنیفة ومالک والأوزاعی . . . وقال الشافعی : إنّه صلی الله علیه و آله وسلم فتحها صُلحاً بأمانٍ قدّمه لهم قبل دخوله ، وهو منقول عن أبی سلمة بن عبد الرحمن المجاهد .

وأمّا أرض السواد _ وهی الأرض المغنومة من الفُرس التی فتحها عمر بن الخطاب - وهی سواد العراق وحدّها فی العرض من منقطع الجبال بحلوان إلی طرف القادسیة المتصل بعُذیب من أرض العرب ، ومن تخوم الموصل طولاً إلی ساحل البحر ببلاد عبّادان من شرقی دجلة ، فأمّا الغربی الذی تلیه البصرة إنّما هو إسلامی مثل شط عثمان بن أبی العاص وما والاها کانت سباخاً ومواتاً فأحیاها عثمان بن أبی العاص ، وسمّیت سواداً لأنّ الجیش لمّا خرجوا من البادیة رأوا هذه الأرض والتفاف شجرها سمّوها السواد لذلک ، ولمّا فتحها عمر بعث عمار بن یاسر علی صلاتهم أمیراً ، وابن مسعود قاضیاً ، والیاً علی بیت المال ، وعثمان بن حُنیف علی مساحة الأرض ، وفرض للثلاثة فی کلِّ یوم شاة شطرها مع السواقط(3) لعمار وشطرها

ص: 441


1- (1) المبسوط 2/34 و33 .
2- (2) الخلاف 5/527 مسألة 13 .
3- (3) المراد بالسواقط هو مثل الکبد والکرش والأمعاء .

للآخرَیْن وقال : ما أری قریة تؤخذ منها کلّ یوم شاة إلاّ سریع فی خرابها _ ثم تعرَّض لکلام الشیخ _ »(1) .

وذکر العلامة فی المنتهی(2) والتحریر(3) نحو ما ذکره فی التذکرة .

وقال ثانی الشهیدین : «ویثبت کونها مفتوحة عَنْوة بنقل من یوثق بنقله واشتهاره بین المؤرّخین ، وقد عدّوا من ذلک مکّة المشرفة وسواد العراق وبلاد خراسان والشام . . .»(4) .

وقال : «إنّ أکثر بلاد الإسلام فُتحت عنوةً»(5) .

وتبعه فی هذه الأکثریة الفیض الکاشانی فی المفاتیح 3/21 والشیخ جعفر فی شرح القواعد 2/198 .

وقال المحقق السبزواری : «الظاهر أنّ أرض السواد مفتوحةٌ عنوةً وأنّها خراجیة للمسلمین ، کما یُستفاد من الکتب والتواریخ المعتبرة ، ویُستفاد منها استثناء شیء یسیر منها کالحیرة(6) . . . والظن قد یحصل بالتواریخ المعتبرة إذا کان صاحب الکتاب اشتهر بصحة النقل واشتهر الاعتماد علی کتابه والعمل بقوله بین الناس کابن جریر الطبری وصاحب المغازی و(7) الواقدی والبلاذری والمدائنی وابن الأثیر والمسعودی وأضرابهم ، وقد یحصل باستمرار أخذ السلاطین الخراج منه وأخذ المسلمین من السلاطین . . .»(8) .

وقال صاحب الحدائق : «نقل بعض فضلائنا عن بعض کتب التواریخ قال : وکأنّه من الکتب المعتبرة فی هذا الفن ، أنّ الحیرة وهی من قری العراق تقرب الکوفة فتحت صلحاً ، وأنّ

ص: 442


1- (1) تذکرة الفقهاء 9/189 _ 188 .
2- (2) منتهی المطلب 2/937 من الطبع الحجری [14 / 266 من الطبعة الحدیثة] .
3- (3) تحریر الأحکام الشرعیة 2/173 و172 .
4- (4) المسالک 3/54 .
5- (5) الروضة البهیة 7/136 کتاب إحیاء الموات .
6- (6) الکفایة 1/388 .
7- (7) فی المطبوعة «واو» موجودة ولکنها زائدة لأن صاحب المغازی هو الواقدی .
8- (8) الکفایة 1/390 .

نیسابور من بلاد خراسان فتحت صلحاً ، وقیل : عنوة ، وبلخ وهرات منها ، وقوشج والتوابع فتحت صلحاً ، وبعض آخر فتح صلحاً ، وبعض عنوة . وبالجملة فإنّ بلاد خراسان مختلفة فی کیفیة الفتح . وأمّا بلاد الشام ونواحیها فحکی أنّ حلب وحمی وحمص وطرابلس فتحت صلحاً ، وأنّ دمشق فتحت بالدخول من بعض الأبواب غفلةً بعد أن کانوا طلبوا الصلح ، وأنّ أهل طبرستان صالحوا أهل الإسلام ، وإنّ آذربیجان فتحت صلحاً ، وأنّ أهل أصفهان عقدوا أماناً ، والری فتحت عنوة »(1) .

أقول : وفی هذا المجال راجع إلی شرح القواعد 2/(198 و197) للشیخ جعفر والجواهر 21/167 و166 من کتاب الجهاد .

وبعض الروایات تدلّ علی أنّ مکة وسواد العراق فتحت عنوة :

منها : خبر صفوان بن یحیی والبزنطی عن الرضا علیه السلام قال فی حدیث : وإنّ مکة دخلها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عنوة وکانوا اُسراء فأعتقهم وقال صلی الله علیه و آله وسلم : إذهبوا فأنتم الطلقاء(2) .

ومنها : صحیحة الحلبی قال : سئل أبو عبد اللّه علیه السلام عن السواد ما منزلته ؟ فقال : هو لجمیع المسلمین ، لمن هو الیوم ولمن یدخل فی الإسلام بعد الیوم ولمَنْ لم یخلق بعد ، الحدیث(3) .

ومنها : حسنة أبی الربیع الشامی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لا تشتر من أرض السواد شیئاً إلاّ من کانت له ذمّة ، فإنّما هو فیء للمسلمین(4) .

ومنها : صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عمّا أختلف فیه ابن أبی لیلی وابن شبرمة فی السواد وأرضه ، فقلت : إنّ ابن أبی لیلی قال : إنّهم إذا أسلموا أحرار وما فی أیدیهم من أرضهم لهم ، وأمّا ابن شبرمة فزعم أنّهم عبید وأنّ أرضهم التی بأیدیهم لیست لهم ، فقال فی الأرض ما قال ابن شبرمة وقال فی الرجال ما قال ابن أبی لیلی

ص: 443


1- (1) الحدائق 18/310 و309 .
2- (2) وسائل الشیعة 9/182 ح1 . الباب 4 من أبواب زکاة الغلات .
3- (3) وسائل الشیعة 17/369 ح4 . الباب 21 من أبواب عقد البیع .
4- (4) وسائل الشیعة 17/369 ح5 .

إنّهم إذا أسلموا فهم أحرار ، ومع هذا کلام لم أحفظه(1) .

فظهر ممّا ذکرنا من کلمات الفقهاء ونصوص الروایات أنّ أرض مکة وسواد العراق فتحت عَنْوة بلا شکٍ وریب ، وقال المحقق النائینی : «وأمّا بلاد إیران فالری ونهاوند فتحت عنوة ، وأمّا باقی الأمصار فالتواریخ مختلفة فیها ، سیّما أصفهان وخراسان وآذربایجان ، وأمّا بلاد الشام ونواحیه فکذلک»(2) .

والحاصل ، کل أرض ظهر أنّها مفتوحة عنوة أو مفتوحة صلحاً علی أن تکون الأرض للمسلمین أو الأنفال یجوز علی مسلکنا جعل الخراج علیه شرعاً ولکن دون إثباتها فی الأوّلین خرط القتاد .

الثانی : أن یکون الفتح بإذن الإمام علیه السلام
اشارة

قد مرّ کلام الشیخ فی المبسوط حیث قال : «وعلی الروایة التی رواها أصحابنا أنّ کلّ عسکر أو فرقة غزت بغیر أمر الإمام فغنمت یکون الغنیمة للإمام خاصةً ، هذه الأرضون وغیرها ممّا فتحت بعد الرسول إلاّ ما فتح فی أیام أمیر المؤمنین علیه السلام _ إن صح شیء من ذلک _ یکون للإمام خاصةً ، ویکون من جملة الأنفال التی له خاصة لا یشرکه فیها غیره»(3) .

وقال المحقق الأردبیلی : « علی أنّه قد اشترط فی المشهور عند أصحابنا بل کاد أن یکون إجماعاً فی المفتوحة عنوة کون الفتح بإذن الإمام علیه السلام حتّی یکون غنیمة واشترک فیه المسلمون کلّهم ولا یکون للإمام خاصةً »(4) .

أقول : الروایة التی أشار إلیها شیخ الطائفة هی مرسلة عباس الوراق عن رجل سمّاه عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إذا غزا قوم بغیر إذن الإمام فغنموا کانت الغنیمة کلّها للإمام ، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا کان للإمام الخمس(5) .

ص: 444


1- (1) وسائل الشیعة 25/417 ح3 . الباب 4 من أبواب إحیاء الموات .
2- (2) منیة الطالب 1/80 .
3- (3) المبسوط 2/34 .
4- (4) مجمع الفائدة والبرهان 7/473 .
5- (5) وسائل الشیعة 9/529 ح16 . الباب 1 من أبواب الأنفال .

دلالة الروایة تامة ، ولکن سندها ضعیف بالحسن بن أحمد بن یسار أو بشار وهو مهمل ، مضافاً إلی إرسالها . ولکن الأصحاب أفتوا بها ، والشهرة جابرة لضعف سندها .

وتدلّ علیه أیضاً صحیحة معاویة بن وهب قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : السریة یبعثها الإمام فیصیبون غنائم ، کیف یقسّم ؟ قال : إن قاتلوا علیها مع أمیر أمّره الإمام علیهم أخرج منها الخمس للّه وللرسول وقسّم بینهم أربعة(1) أخماس ، وإن لم یکونوا قاتلوا علیها المشرکین کان کلّ ما غنموا للإمام یجعله حیث أحبّ(2) .

سندها تام ودلالتها أیضاً کذلک ، لأنّ المراد بالفقرة الثانیة بقرینة الفقرة الأولی هو : وإن لم یکونوا قاتلوا مع أمیر أمّره الإمام علیهم قاتلوا علیها المشرکین - الخ ، فالصحیحة أیضاً تدلّ علی الحکم .

والعجب من المحقق الإیروانی حیث استشکل فی دلالة الصحیحة بقوله : «فلا تخلو عن إجمال ، فإنّ فقرة الذیل لا إشکال فی أنّها تصریح بمفهوم فقرة الصدر ، وحینئذ فالأمر یدور بین أن لا یکون قید (مع أمیر أمّره الإمام) فی الصدر احترازیاً ، فتکون فقرة المفهوم محفوظة عن التصرف ، فلا تجد ما ینافی المقام ، وبین العکس بحفظ فقرة الصدر والتصرف فی فقرة الذیل بالتقدیر وحذف قید (مع أمیر أمّر الإمام) ، وحیث لا ترجیح لأحد التصرفین تخرج الحسنة عن قابلیة الاستدلال»(3) .

وفیه : إن لم تکن قید (مع أمیر أمّره الإمام) احترازیاً یصیر معنی الفقرة الثانیة عدم القتال للمشرکین ، ومع فرض عدم القتال فکیف غنموا ، وهذه القرینة القطعیة تدلّ علی احترازیة القید وترجیح المعنی الثانی فی کلامه ، وهو الذی مرّ منا فی دلالة الصحیحة .

وعلی هذا یلزم فی کون الأرض مفتوحة عَنْوة من ثبوت إذن الإمام علیه السلام ، ومن المعلوم أنّ الإذن غیر الرضی ، وما هو المعتبر فی المعاملات بالمعنی العام هو الإذن لا الرضی ، وقد تمسّکوا لإثبات إذن الإمام بعدّة من الوجوه :

ص: 445


1- (1) هکذا فی الکافی 5/43 ح1 ، ولکن نقل عنه فی الوسائل « ثلاثة » ومن الواضح أنّها غلط أو تصحیف .
2- (2) وسائل الشیعة 9/524 ح3 .
3- (3) حاشیة المکاسب 1/370 .
منها : خبر جابر الجعفی

المروی فی الخصال عن أبی جعفر علیه السلام فی حدیث طویل عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال : یا أخا الیهود فإنّ القائم بعد صاحبه کان یشاورنی فی موارد الأمور فیصدرها عن أمری ویناظرنی فی غوامضها فیمضیها عن رأی ، لا أعلم أحداً ولا یعلمه أصحابی یناظره فی ذلک غیری ، الحدیث(1) .

قال الشیخ الأعظم فی دلالة الروایة وسندها : «الظاهر أنّ عموم الاُمور إضافی بالنسبة الی ما لا یقدح فی رئاسته ممّا یتعلق بالسیاسیة ، ولا یخفی أنّ الخروج إلی الکفار ودعاءَهم إلی الإسلام من أعظم تلک الأمور بل لا أعظم منه .

وفی سند الروایة جماعة تخرجها عن حدّ الاعتبار ، إلا أنّ اعتماد القمیین علیها وروایتهم لها - مع ما عُرف من حالهم لمن تتبّعها _ مِنْ أنّهم لا یخرّجون فی کتبهم روایة راویها ضعف إلا بعد احتفافها بما یوجب الاعتماد علیها ، جابر لضعفها فی الجملة»(2) .

وفیه : المشورة فی بعض الأمور غیر الإستئذان . نعم قد شاور أمیر المؤمنین علیه السلام فی خروجه مع المقاتلین وعدمه وأمره علیه السلام ببقائه فی المدینة لجهات وقبل قوله علیه السلام ولکن أین هذا من الإذن فی الحرب ، بل هذه المشورة لا تثبت حتّی رضاه علیه السلام . هذا کلّه بالنسبة إلی الدلالة ، وأمّا السند فضعیف بعدّة من الضعاف ، کما اعترف بذلک الشیخ الأعظم ، ولکن نقل القمیین الروایة لا یوجب الاعتماد علیها وإلاّ کانت جمیع روایات الصدوق وأبیه وعلی بن إبراهیم وأبیه وغیرهم منهم معتبرة ولم یقل به أحدٌ . نعم قد ذکرنا فی أبحاثنا الرجالیة أنّ اعتماد القمیین علی الراوی مع کونهم فی أمر الروایة شدیدی الإنکار یدخله فی الحسن الإصطلاحی لو لم یدل علی وثاقته ، وهم أمثال أحمد بن محمد بن عیسی الذی أخرج جماعةً من قم لروایتهم عن الضعفاء واعتمادهم علی المراسیل کأحمد بن محمد بن خالد البرقی ، ومحمد بن الحسن ابن الولید(3) وکان یستثنی من روایات محمد بن أحمد بن یحیی الأشعری عن جماعة ، وغیرهم .

ص: 446


1- (1) الخصال 2/374 ح58 .
2- (2) المکاسب 2/245 .
3- (3) عطف علی أحمد بن محمّد بن عیسی .

مضافاً إلی أنّ هذا الوجه ، لو تم _ ولم یتم _ یجری بالنسبة إلی الفتوحات التی وقعت فی زمن الثانی فقط لا غیرها .

ومنها : ما هو المشهور من حضور الإمام أبی محمد الحسن علیه السلام فی بعض الغزوات .

بل ورد فی تاریخ الطبری(1) والکامل(2) من حضور الحسنین علیهماالسلام ، وما ورد من دخول بعض خواص أمیر المؤمنین علیه السلام من الصحابة کسلمان وعمار بن یاسر فی أمرهم ، ومن المعلوم أنّهما لایعملان شیئاً إلاّ بعد الاستئذان من إمامهما .

وفیه : نعم ، قد ورد فی بعض التواریخ حضور الإمام الحسن علیه السلام فی إیران أو الحسنین علیهماالسلام ، ولکن ما ذکره أرباب التواریخ لا یوجب إلاّ ظنّاً والظن لا یغنی من الحقِّ شیئاً ولم یدل دلیل علی اعتباره . وعلی فرض ثبوت ورود الحسنین علیهماالسلام بإیران لعلّ ورودهما وحضورهما فی الحرب کان لرعایة التقیة کما ذکره شیخنا الأستاذ(3) _ مد ظله _ أو أنّهما کانا مضطرین أو مجبورین للحضور ، کما ثبت ذلک بالنسبة إلی أخیهما عبید اللّه بن علی بن أبی طالب وهو ابن النهشلیة قد خرج فی جیش مصعب بن الزبیر لأجل مقاتلة مختار بن أبی عبید الثقفی فی المذار وقتل هناک وقبره مزار . ولکن مصعب قدّمه لأنْ یحارب المختار وبعد قتله یشنع علی المختار ویقول قتل ابن إمامه ، کما کتبتُ تفصیل ذلک قبل خمس عشرة سنة فی کتابی «یوم الطف»(4) فراجعه إن شئت .

وأمّا دخول سلمان وعمار فی أمرهم کان بإذن أمیر المؤمنین علیه السلام قطعاً ، وقد ورد استئذانهما عنه علیه السلام . ولکن الفرق بین الدخول فی أمرهم بعد الفتح لأجل إدارة الأمور وغیرها ، وبین أن یکون الفتح بإذن الإمام علیه السلام واضح ، ولایثبت أحدهما الآخر .

ومنها : العلم بشاهد الحال برضی أمیر المؤمنین علیه السلام .

ص: 447


1- (1) تاریخ الطبری 3/323 .
2- (2) الکامل فی التاریخ 3/109 .
3- (3) إرشاد الطالب 1/379 .
4- (4) یوم الطف/ 184 وما بعدها .

بالفتوحات الإسلامیة الموجبة لتأیید هذا الدین کما ذکره الشیخ الأعظم(1) ، وأنّ الأئمة علیهم السلام راضون بالفتوحات الواقعة فی زمن خلفاء الجور لکونها موجبة لقوة الإسلام وعظمته .

وقد ورد فی خبر أبی عمرو الزبیری عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث طویل أنّه قال : إنّ اللّه ینصر هذا الدین بأقوام لاخلاق لهم ، فلیتق اللّه عز وجل أمرؤ ولیحذر أن یکون منهم ، الحدیث(2) .

وفی صحیحة یونس بن یعقوب عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه کتب إلیه بعض أصحابه یسأله أن یدعو اللّه أن یجعله ممّن ینتصر به لدینه ، فأجابه وکتب فی أسفل کتابه : یرحمک اللّه ، إنّما ینتصر اللّه لدینه بشرّ خلقه(3) .

وقد ورد فی روایات العامة : إنّ اللّه یؤید هذا الدین بالرجل الفاجر(4) .

ورواها العلامة الحلی فی تذکرة الفقهاء 9/49 مسألة 20 مرسلاً ، وهکذا فی منتهی المطلب 2/906 من الطبع الحجری (14 / 69 من الطبعة الحدیثة) .

وفیه أولاً : إدعاء العلم بشاهد الحال برضی أمیر المؤمنین علیه السلام لیس إلا دعوی بلا شاهد وبرهان ، والروایات المذکورة لا تدلّ علیها بأیّ وجه کان .

وثانیاً : ما هو المستند فی المعاملات بالمعنی الأعم هو الإذن وهو غیر الرضی ، وعلی فرض تمامیة الرضی لا ینتج منها الإذن الذی یفید فی المقام . ومن هنا ظهر ما ذکره المحقق الخوئی من قوله : « إذ المناط فی ذلک هو الکشف عن رضاء المعصوم علیه السلام بأیّ طریق کان ، ولا

ص: 448


1- (1) المکاسب 2/246 .
2- (2) وسائل الشیعة 15/40 ح1 . الباب 9 من أبواب جهاد العدو .
3- (3) وسائل الشیعة 7/138 ح1 . الباب 60 من أبواب الدعاء .
4- (4) صحیح البخاری 4/88 و 5/169 و8/155 ، صحیح مسلم 1/105 ، سنن الدارمی 2/241 ، مسند أحمد 2/309 و5/45 ، کنز العمال 1/45 ح115 ، المغنی لابن قدامة 10/371 ، شرح شهاب الأخبار 368 ح763 .

موضوعیة للإذن الصریح »(1) غیر تام عندنا . وما هو الموضوع فی المعاملات هو الإذن لا الرضی .

وثالثاً : قوة الإسلام وعظمته مرضیّة للإمام علیه السلام قطعاً ، ولکن یمکن أن یکون حرباً خاصاً لیس له بمرضی لأجل عدم مناسبة الوقت أو لتوقفه علی إتلاف نفوس الأبریاء أو الأموال الکثیرة ، ولکن لو یؤخر إلی وقت آخر لم تترتب علیه هذه الأمور ، کما أشار إلی هذا المعنی شیخنا الأستاذ(2) _ مد ظله _ .

ورابعاً : ما ذکره المحقق الخوئی قدس سره من قوله : «فإنّه لیس کلُّ فتح مرضیّاً للأئمة حتّی ما کان من الفتوح موجباً لکسر الإسلام وضعفه »(3) .

ومنها : قول الشیخ الأعظم : «یمکن أن یقال بحمل الصادر من الغزاة من فتح البلاد علی الوجه الصحیح وهو کونه بأمر الإمام علیه السلام »

(4) .

قد ناقشه المحقق الإیروانی صغرویاً بقوله : «حمل فعل الغزاة علی الصحة عجیب ، فإنّهم هم الذین ترکوا بیعة أمیر المؤمنین علیه السلام وعدلوا به إلی مَن سواه ، فکیف یستأذنوا مع ذلک من أمیر المؤمنین . ولو فرض وجود بعض خواصه وشیعته تحت رایتهم مسترخصاً منه علیه السلام فذلک لا یجدی ، لأنّ الفتح لم یکن بفعل ذلک النفر المعدود ، هذا إن اُرید من الغزاة الجیش ، وإن اُرید أمیرهم وسلطانهم فذلک أشنع»(5) .

ویمکن أن یناقش علی الشیخ الأعظم کبرویاً ب_ « أنّ مورد حمل فعل المسلم علی الصحة ما إذا کان الفعل ذا وجهین : الصلاح والفساد ، ودار الأمر بین حمله علی الصحیح أو الفاسد ، فإنّه یحمل علی الأول للقاعدة المذکورة ، وأمّا إذا کان کلا وجهی الفعل صحیحاً - کما فی المقام - فلا مورد لها أصلاً ، فإنّ الغزوات الواقعة إن کانت بإذن الإمام علیه السلام فالغنائم

ص: 449


1- (1) مصباح الفقاهة 1/548 .
2- (2) إرشاد الطالب 1/379 .
3- (3) مصباح الفقاهة 1/548 .
4- (4) المکاسب 2/246 .
5- (5) حاشیة المکاسب 1/371 .

للمسلمین ، وإلاّ فهی للإمام ، ولا شبهة أنّ کلا الوجهین صحیح ، فلا مورد لنفی أحدهما وإثبات الآخر بتلک القاعدة» ، کما ذکره المحقق الخوئی(1) .

فقد ظهر مما ذکرنا عدم تمامیة الوجوه التی أقاموها لإستناد الفتوحات بإذن الأئمة علیهم السلام ، فحینئذ الفتح محرز بالوجدان ، وحیث لم یثبت أنّه بإذن الإمام یحرز عدم الإذن بالأصل ، فیترتب الأثر وهو ملکیة الإمام لمطلق الغنائم من المنقول وغیر المنقول ، فتدخل الأراضی المفتوحة بعد زمن النبی صلی الله علیه و آله وسلم فی ملک الإمام خاصةً ولم تدخل فی ملک المسلمین ، وحیث صارت ملکاً للإمام فیجوز له التصرف فیها بأیّ نحو کان . ولکن قد ثبت بأنّ أمیر المؤمنین علیه السلام قد اکتفی فیها بأخذ الجزیة منها ، وفعله حجة لنا ، حیث ورد فی صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال : سألته عن سیرة الإمام فی الأرض التی فتحت بعد رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ؟ فقال : إنّ أمیر المؤمنین قد سار فی أهل العراق سیرةً فهم إمام لسائر الأرضین ، وقال : إنَّ أرض الجزیة لا ترفع عنهم الجزیة ، الحدیث(2) .

وهذه الصحیحة تدلّ علی جواز أخذ الجزیة من أرض العراق وغیرها من الفتوحات الإسلامیة مع أنّها تدخل فی ملک الإمام مع عدم ثبوت إذنه فی الفتح . ومن هنا وجّه ما ذکرناه سابقاً من جواز أخذ الجزیة من الأنفال التی کانت ملکاً للإمام ، حیث کان أمرها بیده ، فیجوز له أخذ الجزیة منها . هذا تمام الکلام فی الشرط الثانی والحمد للّه .

الثالث : أن تکون الأرض محیاة حین الفتح

لتدخل فی الغنائم ویصیر ملکاً للمسلمین بعد إخراج خمسه علی المشهور ، کما أفتی بهذا الشرط الشیخ فی الخلاف(3) والحلی فی السرائر(4) وابن زهرة فی الغنیة(5) والمحقق فی

ص: 450


1- (1) مصباح الفقاهة 1/549 .
2- (2) وسائل الشیعة 15/153 ح2 . الباب 69 من أبواب جهاد العدو .
3- (3) الخلاف 3/525 .
4- (4) السرائر 1/481 .
5- (5) غنیة النزوع / 293 إطلاق کلامه یدل علیه حیث یقول: «إنّ الموات من الأرض للإمام...».

الشرائع(1) وتلمیذه العلامة فی التذکرة(2) والمنتهی(3) والتحریر(4) والمحقق الثانی فی جامع المقاصد(5) إدعی الإجماع علی ذلک ، والشهید الثانی فی المسالک(6) والمحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة(7) والسبزواری فی الکفایة(8) والشیخ یوسف فی الحدائق(9) وسید الریاض(10) ، وقال فی الجواهر : «بلا خلاف أجده بل الإجماع بقسمیه علیه»(11) .

یدل علیه إطلاق ما ورد من الروایات فی أبواب الأنفال بأنّ موات الأرض مطلقاً من الأنفال وملک للإمام علیه السلام :

منها : صحیحة حفص بن البختری عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : الأنفال ما لم یوجف علیه بخیل ولا رکاب ، أو قوم صالحوا ، أو قوم أعطوا بأیدیهم ، وکل أرض خربة وبطون الأودیة ، فهو لرسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وهو للإمام من بعده یضعه حیث یشاء(12) .

ومنها : مرسلة حماد الطویلة عن العبد الصالح علیه السلام فی حدیث قال : وللإمام . . . وله بعض الخمس الأنفال . . . کلّ أرض میتة لا ربّ لها ، الحدیث(13) .

ص: 451


1- (1) شرائع الإسلام 3/216 .
2- (2) تذکرة الفقهاء 9/187 .
3- (3) منتهی المطلب 2/936 من الطبع الحجری [14 / 261 من الطبعة الحدیثة] .
4- (4) تحریر الأحکام الشرعیة 2/172 مسألة 2766 .
5- (5) جامع المقاصد 7/9 .
6- (6) مسالک الأفهام 12/391.
7- (7) مجمع الفائدة والبرهان 7/470 .
8- (8) الکفایة 1/375 .
9- (9) الحدائق 18/299 .
10- (10) ریاض المسائل 8/118 .
11- (11) الجواهر 21/169 .
12- (12) وسائل الشیعة 9/523 ح1 . الباب 1 من أبواب الأنفال
13- (13) وسائل الشیعة 9/524 ح4 .

ومنها : موثقة سماعة قال : سألته عن الأنفال ؟ فقال : کل أرض خربة ، الحدیث(1) .

ومنها : صحیحة محمد بن مسلم عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه سمعه یقول : إنّ الأنفال : . . . وما کان من أرض خربة ، الحدیث(2) .

ومنها : صحیحة اُخری له عن أبی جعفر علیه السلام قال : سمعته یقول : الفیء والأنفال . . . وما کان من أرض خربة ، الحدیث(3) .

یظهر من هذه الروایات أنّ الأرض الموات ملک للإمام علیه السلام بلا فرق بین موات دار الإسلام ودار الکفر ، وما یغنم من الکفار فی الحرب هو ما یکون ملکاً لهم ، وأمّا ما لا یکون ملکاً لهم فلا یصح أخذه بعنوان الغنیمة . وحیث کانت الأراضی الموات ملکاً للإمام فلا تدخل فی ملک الکفار فی دار الکفر ، فلا یصح أخذها غنیمة حتّی صارت ملکاً للمسلمین ، وحینئذ الأراضی الموات فی دار الکفر باقیة علی ملکیة الإمام من باب الأنفال .

ولو فرض جریان أیدی الکفار علیها کانت من المغصوبة فلا تعدّ من الغنیمة .

لا یقال : إطلاق أنّ الأرض الموات للإمام علیه السلام یعارض مع إطلاق أنّ الأراضی المفتوح عنوة ملک للمسلمین ، فلا یمکن الأخذ بإطلاق الأوّل لوجود المعارض فی المقام .

لأنّا نقول : علی فرض وجود تعارض الإطلاقین ، یرجّح إطلاق الأوّل لذهاب المشهور إلیه بل الإجماع بقسمیه علیه کما سمعت من صاحب الجواهر آنفاً .

إن قلت : لا نسلم هذا الترجیح بل الإطلاقان متعارضان فیتساقطان .

قلت : علی فرض التعارض والتساقط ، المرجع هو العام الفوق ، أی الروایات الواردة بأنَّ الأرض کلّها للإمام(4) ، فتدخل تحت تصرفه علیه السلام . هذا ما یظهر بالبال .

والحاصل ، إن ثبتت هذه الأمور الثلاثة ثبت أنّ الأرض تکون مفتوحة عنوة وإلاّ فلا ، وأنت تری عدم إمکان إثباتها بل دون إثباتها خرط القتاد ، واللّه العالم .

ص: 452


1- (1) وسائل الشیعة 9/526 ح8 .
2- (2) وسائل الشیعة 9/526 ح10 .
3- (3) وسائل الشیعة 9/527 ح12 .
4- (4) الکافی 1/407 باب أنّ الأرض کلّها للإمام علیه السلام .
فرع : لو ماتت الأرض المحیاة فهل تبقی علی ملکیة مالکها أم لا ؟
اشارة

بل تخرج عنها وتدخل فی الموات وتجری علیها ما یجری علیه ،

وجوه بل أقوال ثمانیة :

الأول : بقاء الأرض علی ملک صاحبها الأول مطلقاً ، یقول صاحب الجواهر : «المحکی عن المبسوط(1) والمهذب(2) والسرائر(3) والجامع(4) والتحریر(5) والدروس(6) وجامع المقاصد(7) أنّها باقیة علی ملکه أو ملک وارثه ، بل قیل(8) : إنّه لم یعرف الخلاف فی ذلک قبل الفاضل فی التذکرة(9)»(10) .

أقول : إختاره المحقق الثانی فی رسالته المعمولة لذلک المسماة ب_ « رسالة الأرض المندرسة »(11) .

الثانی : القول بالتفصیل بین ما کان ملکها بالإحیاء فتزول بزوال الحیاة وبین ما کان بغیره من الشراء أو الوراثة أو الإتهاب أو نحوها فتبقی علی ملکه ، قال فی الجواهر : «قیل : ربّما أشعرت به (أی بهذا القول ) عبارة الوسیلة(12) ، واختاره فی المسالک(13) والروضة(14) بعد أن

ص: 453


1- (1) المبسوط 3/269 .
2- (2) المهذب 1/183 .
3- (3) السرائر 1/480 .
4- (4) الجامع للشرائع/ 374 .
5- (5) تحریر الأحکام الشرعیة 4/483.
6- (6) الدروس 3/57 و56 .
7- (7) جامع المقاصد 7/18 و17 .
8- (8) القائل به هو السید جواد العاملی فی مفتاح الکرامة 7/10 من الطبعة القدیمة .
9- (9) تذکرة الفقهاء 2/401 من الطبع الحجری .
10- (10) الجواهر 38/21 .
11- (11) رسالة الأرض المندرسة ، المطبوعة ضمن رسائل المحقق الکرکی 2/(206 _ 199) .
12- (12) الوسیلة/ 133 .
13- (13) المسالک 12/400 .
14- (14) الروضة البهیة 7/139 و138 .

حکاه عن جماعة منهم العلامة فی بعض فتاواه ، ومال إلیه فی التذکرة(1) ، وفی الکفایة : «أنه أقرب»(2) ، وفی المفاتیح : «أنّه أوفق بالجمع بین الأخبار»(3) بل فی جامع المقاصد : «إنّ هذا القول مشهور بین الأصحاب»(4)»(5) .

الثالث : إنّ عملیة الإحیاء توجب ملکیة رقبة الأرض إذا کانت بإذن الإمام علیه السلام ، ولکن إذا لم تکن بإذن الإمام فلا تفید إلاّ الأولویة فی التصرف ، ولکن کل هذا یجری بالنسبة إلی أراضی الأنفال فقط کما ذهب إلیه الشیخ فی المبسوط(6) وابن إدریس فی السرائر(7) ویأتی تفصیل ذلک .

الرابع : وهو القول الثالث ولکن انحصاره فی زمن الحضور فقط وفی زمن غیبة الإمام عملیة الإحیاء لا تفید إلا الأولویة ، ذهب إلیه المحقق فی الشرائع(8) والمختصر(9) وتبعه تلمیذه العلامة فی التذکرة(10) والتحریر(11) والقواعد(12) .

الخامس : من المحتمل أن یقال : بعدم خروجها عن ملکه بمجرد موتها ولکنّها تخرج عن ملکه بإحیاء الغیر لها واستیلائه علیها ، ویوجّهه الجمع بین استصحاب ملکیة الأوّل وبین ما

ص: 454


1- (1) تذکرة الفقهاء 2/401 من الطبع الحجری .
2- (2) الکفایة 2/547 .
3- (3) مفاتیح الشرائع 3/24 ، ولکن نص عبارة الفیض الکاشانی هکذا : «والجمع بینهما بحمل حدیث أحقیّة الأوّل علی ما إذا کان قد ملکها بغیر الإحیاء أوفق» وکأنّ صاحب الجواهر نقلها بمفادها ومضمونها .
4- (4) جامع المقاصد 7/17 .
5- (5) الجواهر 38/21 .
6- (6) المبسوط 3/270 و 269 .
7- (7) السرائر 1/481 .
8- (8) الشرائع 3/216 و215.
9- (9) المختصر النافع/ 259 .
10- (10) تذکرة الفقهاء : 2/401 من الطبع الحجری .
11- (11) تحریر الأحکام الشرعیة 4/484 .
12- (12) قواعد الأحکام 2/267 .

دلّ علی مالکیة الثانی بالإحیاء ، فتبقی ملکیة الأوّل إلی زمن إحیاء الثانی .

السادس : القول ببقائها علی ملک الأوّل ولکن یجوز للغیر إحیاؤها وأداء طسقها إلی الأوّل أو وارثه ، ذهب إلیه العلامة فی الإرشاد(1) والمنتهی(2) ، ونسبه الشهید الثانی فی المسالک : إلی «المبسوط»(3) والمحقق فی کتاب الجهاد(4) والأکثر»(5) ، ونحوها فی حاشیته علی الإرشاد(6) .

السابع : وهو القول الرابع بانضمام لزوم الاستئذان من المالک أو الحاکم إن أمکن وإلاّ فیحیها بنفسه ، وبه قال فی الدروس(7) .

الثامن : خروجها عن ملک الأوّل مطلقاً فیجوز لکلِّ أحد إحیاؤها کسائر الموات ، ولا حقَّ للأوّل فیها أصلاً . لم أجد القائل بهذا القول وإن کان ربّما یلوح من بعض العبائر ، وعدّ أبو الصلاح الحلبی(8) من الأنفال کلُّ أرضٍ عطّلها مالکها ثلاث سنین .

کلمات الأعلام فی المقام
اشارة

وبعد ذکر هذه الوجوه والأقوال الثمانیة ، فلا بدّ من ملاحظة کلمات الأعلام ثمَّ ملاحظة أدلة الأقوال حتّی تبیّن ما هو المختار فی المقام :

قال الشیخ الطوسی فی التهذیب : « . . .وأمّا الأنفال وما یجری مجراها فلیس یصح تملّکها بالشراء والبیع وإنّما أبیح لنا التصرف حسب . . .»(9) .

وقال فی الاستبصار : « قال محمد بن الحسن : الوجه فی هذه الأخبار وما جری مجراها

ص: 455


1- (1) الإرشاد 1/348 .
2- (2) منتهی المطالب 14 / 274 .
3- (3) لم أجده فی المبسوط ولکن قال به فی النهایة/ 420 .
4- (4) الشرائع 1/294 .
5- (5) المسالک 12/401 .
6- (6) حاشیة الإرشاد المطبوعة ضمن غایة المراد 1/490 .
7- (7) الدروس 3/57 .
8- (8) الکافی/ 170 .
9- (9) التهذیب 4/146 .

ممّا أوردنا کثیراً منها فی کتابنا الکبیر أنّ من أحیا أرضاً فهو أولی بالتصرف فیها دون أن یملک تلک الأرض ، لأنّ هذه الأرضین من جملة الأنفال التی هی خاصة للإمام إلاّ أنّ من أحیاها أولی بالتصرف فیها إذا أدّی واجبها للإمام ، وقد دللنا علی ذلک فی کتابنا المذکور بأدلة مستوفاة وأخبار کثیرة . . . »(1) .

وأنت تری کلام الشیخ فی الکتابین ینحصر بالأنفال فقط ، وهی غیر الأرض التی یسلم أهلها وغیر الأرض التی تؤخذ عنوة أو یصالح علیها .

وقال فی متاجر النهایة بعد تقسیم الأرض إلی أربعة أقسام : « أرض الخراج . . . وأرض الصلح . . . وأرض من أسلم علیها طوعاً . . . ومنها : أرض الأنفال وهی کلّ أرض انجلی أهلها عنها من غیر قتال والأرضون الموات ورؤوس الجبال والآجام والمعادن وقطائعُ الملوک . وهذه کلّها خاصة للإمام یُقَبِّلُها من شاء بما أراد ویَهَبُها ویَبِیعُها إن شاء حسب ما أراد . ومن أحیا أرضاً میتاً کان أملک بالتصرف فیها من غیره ، فإن کانت الأرض لها مالک معروف کان علیه أن یُعطی صاحبَ الأرض طَسقَ الأرض ولیس للمالک انتزاعها من یده ما دام هو راغباً فیها ، وإن لم یکن لها مالک وکانت للإمام وجب علی من أحیاها أن یؤدِّی إلی الإمام طسقها ، ولا یجوز للإمام انتزاعها من یده إلی غیره إلاّ أن لا یقوم بعمارتها کما یقوم غیره أو لا یقبل علیها ما یقبله الغیر »(2) .

ولکن کأنّه عدل عن إطلاق هذا الرأی بعد حدود عشرین صفحة ، لأنّه قال : «ومن أخذ أرضاً میتة فأحیاها کانت له ، وهو أولی بالتصرف فیها إذا لم یُعرف لها ربّ وکان للسلطان طَسْق الأرض ، وإن عُرف لها ربّ کان له خراج الأرض وطسقها ، فإن شرط علی صاحب الأرض أنّه یحییها ویکون إرتفاعها مدّة من الزمان ثم یُسَلِّمُها إلیه کان ذلک جائزاً ، وکذلک إن شرط أن یکون علی صاحب الأرض مؤونة ما علیه للسلطان کان ذلک جائزاً ولصاحب الأرض أن یأخذها منه أیّ وقتٍ شاء»(3) .

ص: 456


1- (1) الاستبصار 3/108 .
2- (2) النهایة/ (420 _ 418) .
3- (3) النهایة/ 443 .

والوجه فی العدول أنّه ذهب إلی ملکیة الأرض المیتة حیث قال : «کانت له» ، وذهب إلی أنّه «صاحب الأرض» الظاهران فی الملکیة ، وبهذا أفتی فی إحیاء الموات من المبسوط حیث قال : «الأرضون الموات عندنا للإمام خاصةً لا یملکها أحدٌ بالإحیاء إلاّ أن یأذن له الإمام»(1) .

ویظهر منه حصول الملکیة بالإحیاء إذا کان بإذن الإمام .

ولکن مع ذلک قال فی جهاد المبسوط فی حکم موات المفتوحة عَنْوة : «فأمّا الموات فإنّها لا تغنم وهی للإمام خاصةً ، فإن أحیاها أحدٌ من المسلمین کان أولی بالتصرف فیها ویکون للإمام طسقها . . .»(2) .

أقول : یمکن الجمع بین قولیه بأنّ عملیة الإحیاء إذا لم تکن بإذن الإمام فلا تفید إلاّ الأولویة بالتصرف ، وأمّا إذا کانت بالإذن فتفید الملکیة . والشاهد علیه قوله فی إحیاء الموات من المبسوط : «لا یملکها أحدٌ بالإحیاء إلاّ أن یأذن له الإمام»(3) .

ویدلّ علیه قوله قدس سره فیه : «أمّا الغامر فعلی ضربین : غامر لم یجر علیه ملک المسلم وغامر جری علیه ملک المسلم . . . وأمّا الذی جری علیه ملک المسلم فمثل قری المسلمین التی خربت وتعطّلت ، فإنّه ینظر فإن کان صاحبه معیّناً فهو أحقّ بها وهو فی معنی العامر وإن لم یکن معیّنا فإنّه یملک بالإحیاء لعموم الخبر ، وعند قوم لا یملک . ثم لا یخلو أن یکون لمالکها عقب أو لا عقب له ، فإن کان له عقب فهی لهم وإن لم یکن له عقب فهی للإمام خاصةً ، فإذا ثبت ذلک ثبت أنّها مملوکة لا یحییها أحدٌ إلاّ بإذن الإمام»(4) .

وقال فی غامر بلاد الشرک : «وأما الغامر فعلی ضربین : . . .وأما الذی جری علیه ملک فإنّه ینظر فإن کان صاحبه معیّناً فهو له ولا یملک بالإحیاء بلا خلاف وإن لم یکن معیّناً فهو

ص: 457


1- (1) المبسوط 3/270 .
2- (2) المبسوط 2/29 .
3- (3) المبسوط 3/270 .
4- (4) المبسوط 3/269 .

للإمام عندنا . . .»(1) .

والحاصل ، أنّ الشیخ قدس سره عدل عمّا ذکره فی التهذیبین والنهایة بما ذکره فی المبسوط ، وفیه ذهب إلی مالکیة أراضی الموات إذا کانت عملیة الإحیاء بإذن الإمام علیه السلام ، وذهب أیضاً أنّ طرو الموات علی الأرض لا یوجب خروجها عن ملک مالکها بل یبقی فی ملکه وملک وراثه .

قال القاضی ابن البراج فی ذکر الأنفال : « . . وکلّ أرض کانت آجاماً فاستحدثت مزارع أو کانت مواتاً فأحییت ، فجمیع ذلک من الأنفال . . . وله بعد أنقضاء مدّة القبالة أن یقبضها وینزعها ممّن هی فی یده بالقبالة ، ویقبّلها لغیره إلاّ أن یکون ممّا کانت مواتاً فأحییت ، فإنّها إذا کانت کذلک لم ینتزع من ید من أحیاها ، وهو أولی بالتصرف فیها ما دام یتقبلها بما یتقبلها به غیره ، فإن لم یتقبلها بذلک جاز للإمام علیه السلام أن ینتزعها من یده ویقبّلها لغیره کما یراه ، ویجب علی المتقبل فیما یبقی فی یده بعد إخراج مال القبالة وما لحقه علیها من المؤن العشر أو نصف العشر حسب ما یراه الإمام علیه السلام »(2) .

قال ابن زهرة : «ومن أحیی أرضاً بإذن مالکها ، أو سبق إلی التحجیر علیها کان أحقّ بالتصرف فیها من غیره ولیس للمالک أخذها منه ، وإلاّ أن لایقوم بعمارتها أو لایقبّل علیها ما یقبّل غیره بالإجماع المشار إلیه ، ویحتجّ علی المخالف بما رووه من قوله علیه السلام : من أحیی أرضاً میتة فهی له ، وقوله : من أحاط حائطاً علی أرض فهی له ، والمراد بذلک ما ذکرناه من کونه أحقّ بالتصرف ، لأنّه لا یملک رقبة الأرض بالإذن فی إحیائها»(3) .

أقول : أنت تری هذین الفقیهین ذهبا إلی ما ذهب إلیه الشیخ فی التهذیبین من أن الإحیاء یوجب أولویة التصرف فقط ولا یوجب الملکیة .

ولکن ابن إدریس قال : «والأرضون الموات عندنا للإمام خاصةً لا یملکها أحدٌ

ص: 458


1- (1) المبسوط 3/269 .
2- (2) المهذب 1/183 .
3- (3) غنیة النزوع/ 293 .

بالإحیاء إلا أن یأذن الإمام له»(1) .

وهذا بعینه التفصیل الذی مرّ عن الشیخ وتبعه المحقق ، ولکن زاد وقال : « وأمّا الموات . . . فهو للإمام علیه السلام لا یملکه أحدٌ وإن أحیاه ما لم یأذن له الإمام وإذنه شرط ، فمتی أذن ملکه المحیی له إذا کان مسلماً . . . وکلّ أرض جری علیها ملک لمسلم فهی له أو لورثته بعده ، وإن لم یکن لها مالک معروف معیّنٌ فهی للإمام ولا یجوز إحیاؤها إلاّ بإذنه ، فلو بادر مبادر فأحیاها من دون إذنه لم یملک . وإن کان الإمام علیه السلام غائباً کان المحیی أحقّ بها ما دام قائماً بعمارتها ، فلو ترکها فبادت آثارها فأحیاها غیره ملکها»(2) .

وقال فی المختصر : «الموات . . . فهو للإمام لا یجوز إحیاؤه إلاّ بإذنه ومع إذنه یملک بالإحیاء ، ولو کان الإمام غائباً فمن سبق إلی إحیائه کان أحقّ به»(3) .

أقول : أنت تری أنّ المحقق فصّل بین زمنی الظهور والغیبة ، ذهب فی الظهور إلی ملکیة عملیة الإحیاء مع الإذن وفی الغیبة ذهب إلی الأولویة فقط ، کأنّه لم یثبت لدیه الإذن العام فی عصر الغیبة . وتبعه العلامة الحلّی فی بعض کتبه(4) ، ولکن هذا التفصیل غیر تام ، لورود الإذن العام عنهم علیهم السلام ، ولذا قال سید الریاض فی شأن تفصیله : «ووجهه غیر واضح إن لم ینعقد الإجماع علیه»(5) . وقال فی الجواهر : ( ولکن _ مع أنّه لا دلیل علی ذلک _ لا تخلو من تنافٍ بین قوله أوّلاً « أحقّ » مشعراً بعدم الملک وبین قوله ثانیاً « ملکها » )(6) .

وقال العلامة الحلی فی إحیاء الموات من التذکرة : «ولا یجوز لأحدٍ إحیاؤها إلا بإذنه ، فإن بادر إلیها إنسان وأحیاها من دون إذنه لم یملکها ، ولو کان الإحیاء حال غیبة الإمام علیه السلام کان المحیی أحق بها ما دام قائماً بعمارتها ، فإن ترکها فزالت آثارها فأحیاها غیره ملکها ، فإذا

ص: 459


1- (1) السرائر 1/481 .
2- (2) الشرائع 3/216 و215 .
3- (3) المختصر النافع/ 259 .
4- (4) نحو تحریر الأحکام الشرعیة 4/484 .
5- (5) ریاض المسائل 14/109 .
6- (6) الجواهر 38/28 .

ظهر الإمام علیه السلام یکون له رفع یده عنها لما تقدم »(1) .

أقول : أنت تری تبع العلاّمةُ أستاذَه المحقق فی التفصیل الذی اختاره ، وقد مرّ الإشکال فیه ، ولکن العلاّمة ذکره فی نفس الکتاب(2) مرّة أُخری وکذا اختاره فی التحریر وقال : «إنّ البلاد ضربان : بلاد الإسلام وبلاد الشرک ، فبلاد الإسلام إمّا عامرةٌ وهی لأربابها خاصةً ، وإمّا موات فإن لم یجر علیها ملکُ مسلمٍ فهی للإمام خاصةً وإن جری علیها ملک ثم عطلت فإن کان المالک أو وارثه معلوماً فهو أحقّ بها ولا تخرج بخرابها عن التملک لصاحبها ولا یصح لغیره إحیاؤها ، وإن لم یکن صاحبها معیّناً فهی للإمام خاصةً لا یملکها المحیی من دون إذن الإمام . . . ولو کان الإمام غائباً کان المحیی أحقّ بها ما دام قائم بعمارتها ، فإن ترکها فزالت آثاره فأحیاها غیره کان الثانی أحقّ ، فإذا ظهر الإمام کان له رفع یده عنها»(3) .

أقول : ونحوها معنیً فی القواعد 2/267 .

وقال الشیخ علی بن محمد بن محمد القمی السبزواری : «ومن أحیی أرضاً بإذن مالکها أو سبق إلی التحجیر علیها ، کان أحقّ بالتصرف فیها من غیره ولیس للمالک أخذها منه ، إلاّ أن لا یقوم بعمارتها [أ] ولا یقبّل علیها ما یقبل غیره ، لقوله علیه السلام : من أحیی أرضاً میتة فهی له ، والمراد بذلک ما ذکرناه من کونه أحقّ بالتصرف فیها ، لأنّه لا یملک رقبة الأرض بالإذن فی إحیائها»(4) .

وقال الشهید : «عامر الأرض ملک لأربابه ، ولو عرض له الموات لم یصح لغیرهم أحیاؤه إلاّ بإذنهم ، ولو لم یعرفوا فهو للإمام ، وکذا کلّ موات من الأرض لم یجر علیه ملک أو ملک وباد أهله ، سواء کان فی بلاد الإسلام أو بلاد الکفر»(5) .

وقال فی رابع شرائط التملّک بالإحیاء : «ورابعها : أن لا یکون مملوکاً لمسلم أو معاهد ،

ص: 460


1- (1) تذکرة الفقهاء 2/401 من طبع الحجری .
2- (2) تذکرة الفقهاء 2/403 من الطبع الحجری .
3- (3) تحریر الأحکام الشرعیة 4/484 و483 .
4- (4) جامع الخلاف والوفاق/ 362 .
5- (5) الدروس 3/55 .

فلو سبق ملک واحد منهما لم یصحّ الإحیاء . نعم لو تعطّلت الأرض وجب علیه أحد الأمرین : إمّا الإذن لغیره أو الانتفاع ، فلو امتنع فللحاکم الإذن وللمالک طَسْقها علی المأذون ، فلو تعذّر الحاکم فالظاهر جواز الإحیاء مع الإمتناع من الأمرین وعلیه طَسْقها . . . ومجرد ثبوت ید محترمة کافٍ فی منع الغیر من الإحیاء وإن لم یعلم وجود سبب الملک . نعم لو علم إثبات الید بغیر سبب ملک ولا موجب أولویة فلا عبرة به»(1) .

وقال ابن فهد الحلی بعد نقل روایات الإحیاء وجوازها : «وأجمعت الأُمّة علی تملک الأرض المیتة مع إحیائها إذا خلت عن الموانع»(2) .

واختار المحقق الثانی القول ببقاء الملکیة بعد الخراب وعدم جواز إحیاء الثانی إلاّ بإذن الأوّل ، قال : « . . . واللام تقتضی الملک ، وخروج الملک یحتاج إلی سبب ناقل وهو محصور ، ولیس من جملة الأسباب الخراب ، ولأنّ ما ملک ببیع أو إرث ونحوهما لا یخرج عن الملک بخرابه _ صرح به فی التذکرة(3) _ والظاهر أنّه إتفاقیٌّ ، فکذا ما هنا للإستواء فی الملک ولأنّ مطلق الملک لا بدّ أن ینتهی إلی الإحیاء ، وهذا متین»(4) .

وکذا ذهب فی رسالته المفردة التی کتب فی هذه المسألة _ أی رسالة الأرض المندرسة _ إلی نفس هذا القول وقال : « . . . ولأنّ الملک واستحقاق التصرف ومنع الغیر منه کان ثابتاً قبل عروض خراب الأرض ، والأصل بقاؤه ، لأنّ أسباب زوال المِلْک محصورة شرعاً ولیس هذا واحداً منها . . . وکأنّ القول بملکیة هذه الأرض بالإحیاء ، مع القول بعدم ملکیة المملوکة بسبب غیر الإحیاء إذا خربت فأحیاها غیر مالکها لا یجتمعان ، والثانی ثابت بالإجماع فینتفی الأول .

بیان التنافی : إنّ عروض الموت للأرض إن کان سبباً للخروج عن الملک وجب الحکم

ص: 461


1- (1) الدروس 3/57 و56 .
2- (2) المهذب البارع 4/285 .
3- (3) تذکرة الفقهاء 2/401 من الطبع الحجری .
4- (4) جامع المقاصد 7/18 .

بالخروج فی الموضعین معاً ، وإلاّ وجب الحکم بعدم الخروج فیهما معاً»(1) .

وأمّا الشهید الثانی قوّی القول بخروج الأرض عن الملکیة لطرو الخراب وأنّها یملکه الثانی بعد الإحیاء ، قال فی توجیهه بعد ذکر الروایات الواردة فی المقام : « . . .ولأنّ هذه الأرض أصلها مباح ، فإذا ترکها حتّی عادت إلی ما کانت علیه صارت مباحة ، کما لو أخذ ماءً من دجلة ثم ردّه إلیها . ولأنّ العلّة فی تملک هذه الأرض الإحیاء والعمارة ، فإذا زالت العلّة زال المعلول وهو الملک ، فإذا أحیاها الثانی فقد أوجد سبب الملک ، فیثبت الملک له ، کما لو التقط شیئاً ثمّ سقط من یده وضاع عنه فالتقطه غیره ، فإن الثانی یکون أحقّ به . وهذا القول قوی لدلالة الروایات الصحیحة علیه . . .»(2) .

وقال فی الروضة فی شرح قول الشهید : « (وغامرها . . . للإمام) فلا یصح إحیاؤه بغیر إذنه مع حضوره ، أمّا مع غیبته فیملکها المحیی . . . (وکذا کل ما) أی موات من الأرض (لم یجر علیه ملک المسلم) فإنّه للإمام علیه السلام ولا یصح إحیاؤه إلاّ بإذنه مع حضوره ویباح فی غیبته . ومثله ما جری علیه ملکه ثم باد أهله (ولو جری علیه ملک مسلم) معروف (فهو له ولوارثه بعده) کغیره من الأملاک (ولا ینتقل عنه بصیرورته مواتاً) مطلقاً ، لأصالة بقاء الملک وخروجه یحتاج إلی سبب ناقل وهو محصور ولیس منه الخراب . وقیل : یملکها المحیی بعد صیرورتها مواتاً ویبطل حقّ السابق لعموم « من أحیی أرضاً میتة فهی له » و . . . وهذا هو الأقوی . وموضع الخلاف ما إذا کان السابق قد ملکها بالإحیاء ، فلو کان قد ملکها بالشراء ونحوه لم یزل ملکه عنها إجماعاً علی ما نقله العلامة فی التذکرة عن جمیع أهل العلم (وکل أرض ترک أهلها عمارتها فالمحیی أحقّ بها) منهم ، لا بمعنی ملکه لها بالإحیاء لما سبق من أنّ ما جری علیه ملک مسلم لا ینتقل عنه بالموت فبترک العمارة التی هی أعم من الموت أولی ، بل بمعنی استحقاقه التصرف فیها ما دام قائماً بعمارتها (وعلیه طَسْقها) أی أجرتها (لأربابها) الذین ترکوا عمارتها . أمّا عدم خروجها عن ملکهم فقد تقدّم ، وأما جواز إحیائها مع القیام بالأُجرة

ص: 462


1- (1) رسالة الأرض المندرسة ، المطبوعة ضمن رسائل المحقق الکرکی 2/203 و202 .
2- (2) المسالک 12/400 .

فلروایة سلیمان بن خالد . . .»(1) .

وقال فی حاشیته علی الإرشاد معلقاً علی قوله العلامة (وللإمام تقبیل کلّ أرضٍ میتة ترک أهلها عمارتها) ، « هکذا أطلق المصنف رحمه اللّه وجماعة ، والأقوی التفصیل ، وهو أنّ الأرض التی جرت علیها یدُ مالکٍ ثمّ خَرِبَتْ لا تخلو إمّا أن تکون قد انتقلت إلیه بالشراء ونحوه أو بالإحیاء ، والأولی لا یزول ملکه عنها بالخراب إجماعاً نقله المصنف فی التذکرة عن جمیع أهل العلم ، والثانیة _ وهی التی مُلِکَتْ بالإحیاء _ لا تخلو إمّا أن یکون ملکها مُعَیَّناً أو غیر معیّنٍ ، والثانیة تکون للإمام علیه السلام من جملة الأنفال یملکها الُمحیی لها فی حالة الغیبة ، فإن ترکها حتّی خربت زال ملکه عنها وجاز لغیره تملّکها ، وهکذا الأولی _ وهی التی قد خربت ولها مالک معروف _ قد اختلف فیها الأصحاب علی أقوال أجودها أنّها تخرج عن ملک الأوّل ویسوغ أحیاؤها لغیره ویملکها الُمحْیی»(2) .

وذهب الشیخ محمّد نظام الدین الساوجی تلمیذ الشیخ بهاء الدین محمد العاملی فی تکملة کتاب جامع عباسی لأستاذه : إلی حصول الملکیة بعملیة الإحیاء وأنّ مِلک المسلم لم یزل بطرو الخراب ، ولا یجوز للغیر إحیاؤه من دون إذن مالکه لو کان حاضراً ، وأمّا إذا کان المالک غائباً فعمّرها الثانی کان هو (أی الثانی) أحقّ بها من غیره ما دام قائم بعمارتها(3) .

وقال المحقق الأردبیلی فی شرح قول العلامة فی الإرشاد (وکل من سبق إلی إحیاء میتة فهو أحقّ بها ولو کان لها مالک معروف فعلیه طسقها له) : «ظاهره یدل علی جواز التصرف بالتعمیر والزراعة فی أرض الغیر ، وصیرورة المتصرف أولی بها إذا ترک عمارتها من غیر إذنه وإن کان معلوماً بعینه ومعروفاً ، إلاّ أنه یلزمه أُجرة المثل . وفیه تأمل ، إلاّ أن یقال : عُلم الإذن من الإعراض والترک کما یُعلم ذلک فی سائر الأموال المعروض عنها غیر الأرض .

وأمّا لزوم الأجرة حینئذ کأنّه لعدم العلم بالإعراض عنها ، مع إمکان العدم ما لم

ص: 463


1- (1) الروضة البهیة 2/210 من الطبع الحجری (7/140 _ 136) .
2- (2) حاشیة الإرشاد ، المطبوعة ضمن غایة المراد 1/490 و489 .
3- (3) جامع عباسی/ 231 من الطبع الحجری عام 1321 ق ، و ص 597 و 598 من الطبعة الحدیثة عام 1386 ش من منشورات جماعة المدرسین بقم المقدسة ، والکتاب یکون باللغة الفارسیة .

یطلب(1) ، وإمکان عدم فهم عدم الإذن(2) ، إلاّ أنه ما ذکره لأنّ ذلک معلوم من الخارج بأنّه إن کان بالإذن فهو جائز ولا عقاب ، وإلاّ فلا یجوز ویستلزم استحقاقه ، وعلی التقدیرین الاُجرة لازمة»(3) .

أقول : فی العبارة تشویش ، ومع ذلک ذهب الأردبیلی إلی عدم جواز إحیاء الثانی إلا إذا کان مأذوناً من المالک ، فهو یری بقاء الملک لمالکه الأوّل مطلقاً بعد طرو الخراب علیه .

وقال المحقق السبزواری : «الثالثة : إذا جری علی الأرض ملک أو ما فی حکمه لمسلم معروف ومن بحکمه فما دامت عامرة فهی له ولورثته بعده وإن ترک الانتفاع بها بلا خلاف فی ذلک ، وإن خربت فإن کانت من الأراضی المفتوحة عنوة لم یزل ملک المسلمین عنها ، وإن ملکها بالشراء والعطیّة ونحوها لم یزل ملکه عنها علی المعروف ، ونقله فی التذکرة عن جمیع أهل العلم . وإن ملکها بالإحیاء ثم ترکها حتی رجعت مواتاً ففیه للأصحاب قولان :

أحدهما : ما ذهب إلیه جماعة منهم الشیخ ، وهو بقاؤها علی ملک مالکها .

وثانیهما : ما ذهب إلیه العلامة فی بعض فتاواه ومال إلیه فی التذکرة ، وهو صحة إحیائها وکون الثانی أحقّ بها من الأوّل . وهذا القول أقرب»(4) .

وقال أیضاً : «الرابعة : إذا لم یکن للأرض مالک معروف ، فإن کانت الأرض حیّة فهی مال مجهول المالک یجری فیها حکمه ، وإن کانت مواتاً وکانت فی الأصل لمالک معیّن ثم جهل مالکها فهی للإمام ، فإن کان حاضراً لم یصح إحیاؤها إلاّ بإذنه وإن کان غائباً لم یتوقّف الإحیاء علی الإذن وکان المحیی أحقّ بها من غیره ما دام قائماً بعمارتها ، ولو ترکها فبادت آثارها فأحیاها غیره ملکها ، ومع ظهور الإمام یکون له رفع یده عنها . . .»(5) .

وقال الآقا جمال الدین الخوانساری فی حواشیه علی الروضة : « . . . وبالجملة فالظاهر

ص: 464


1- (1) أی مع إمکان عدم لزوم الأُجرة ما دام لم یطالبها المالک .
2- (2) أی ویمکن لزوم الأُجرة ما دام لم یفهم عدم إذن المالک الأول لإحیاء الثانی .
3- (3) مجمع الفائدة والبرهان 7/486 .
4- (4) الکفایة 2/547 و546 .
5- (5) الکفایة 2/548 .

فیما کان السابق بالإحیاء هو القول بأحقیّة الثانی غیر لزوم الطسق ، واللّه تعالی یعلم»(1) .

وقال سید الریاض : « (وکلّ أرض موات سبق إلیها سابق وأحیاها) وأخرجها من عطلتها (فهو أحقّ بها وإن کان لها مالک) ومعروف (فعلیه طَسْقها له) بلا خلاف فی جواز إحیائها مع عدم معروفیة صاحبها ، ولا فی وجوب الأجرة له إذا کان معروفاً وملکها بغیر الإحیاء .

وفی وجوبها له إذا ملکها بالإحیاء خلاف مبنیّ علی الاختلاف فی زوال ملک الأوّل الحاصل له بالإحیاء ، بإحیاء المحیی الثانی أم لا ؟ فقد اختلفوا فیه علی أقوال :

قیل : نعم ولا یستحق شیئاً ویملکه المحیی الثانی لعموم الصحاح . . . .

وقیل : لا ، لأصالة بقاء الملک والصحیح . . . .

فمقتضی الجمع بینهما صرف ظهور الصحیحة الأولی من الملکیة للثانی إلی الأحقیّة جمعاً وإلا لزم طرح الثانیة رأساً . ویُراد من الحق فیها الاُجرة لا الرقبة ، لصراحة الأُولی فی عدم لزوم أدائها وأحقیّة الثانی بها .

والحاصل ، أنّ العمل بالروایتین معاً یقتضی صرف ظاهر کل منهما أو مجمله إلی صریح الآخر أو مبیّنه ، وهذا الجمع أولی من الجموع الأخر . . . .

وعلی المختار ففی توقف الإحیاء علی استئذان المالک مع الإمکان وإلاّ فالحاکم وإلاّ فیحیی هو حِسْبةً ، کما هو مقتضی الاُصول الشرعیة وأفتی به الشهید فی الدروس أم لا کما هو ظاهر الأخبار وأکثر الأصحاب ، وجهان . ولا ریب أنّ الأول إنْ لم نقل بکونه أقوی فهو أحوط واُولی»(2) .

وقال جدی الشیخ جعفر قدس سره : «الأرض التی کانت محیاة بأیدی المسلمین ، والحکم فیها : أنّها إن کانت مملوکة بالإحیاء ثم ماتت ، کان إحیاؤها کإحیاء موات الأصل ، یملکها الُمحیی ، کما أنّ سبب التحجیر فیها إذا اندرس رجعت إلی أصلها . وإن کان الملک لا عن إحیاء ،

ص: 465


1- (1) حاشیته علی الروضة البهیة/ الطبع الحجری من دون الترقیم بل قبل سبعة أوراق بنهایة الکتاب .
2- (2) ریاض المسائل 8/ (126 _ 124) .

بل عن بیع وشراء أو میراث أو غیر ذلک من الأسباب ، فإن عمرّها المالک فهو أولی بها ، وإن ترک عمارتها أعطاها ولی الأمر لمن یعمرها وعیّن علیه قدراً من الحاصل لصاحبها»(1) .

وعَدّ من أرض الأنفال : «أرض مُلکت بالإحیاء ثم ماتت»(2) .

وقال فی شرح القواعد فی شأن أرض الأنفال : «وهذه الأرض بأقسامها للإمام علیه السلام ، لا یجوز التصرف بها مع الحضور ورخصّ بذلک مع الغیبة مجاناً ، ویملک المحیی للموات بما یُسمّی إحیاءً عرفاً ما لم یسبق علیه تحجیر أو حریم لعامر . . . وإذا ظهر المالک _ روحی له الفداء _ رجع الملک إلی أهله . . .»(3) .

وقال فی الأرض المفتوحة عَنْوة : «وأمّا ما عُلم موته حینه فالأقوی أنّه للإمام ویملکه المحیی له بعد الغیبة کافرّاً کان أو مسلماً مخالفاً کان أو مؤمناً _ علی إشکال فی القسمین الأوّلین _ ملکاً مشروطاً ببقاء التعمیر ویزول بزواله علی الأصح وبغیبة الإمام روحی له الفداء ، فإذا ظهر (عج) رجع المال إلی أهله ولا یجوز التصرف إلا بإذنه ، والظاهر أنّه یأخذ منه ضریبة ویبقیه فی یده»(4) .

وتبعه تلمیذه السید العاملی یری أوّلاً جواز الإحیاء للثانی ولکنه لا یملک ، ثم یری ثانیاً قول المحقق الثانی _ أی لا یجوز التصرف فیها أصلاً إلاّ بإذن المالک _ هو الأوفق بالضوابط ، ثمّ یری ثالثاً أنّ تفصیل الشهید قوی ، قال قدس سره : «وکیف کان قالترجیح لما علیه الأصحاب من أنّه یجوز إحیاؤها للثانی ولکنه لا یملکها لما عرفت ، بل الأوفق بالضوابط قول المحقق الثانی وتفصیل الشهید قویٌّ جداً»(5) .

وقال المحقق الهمدانی : « ثمّ إنّ التقیید بکون الأرض المیتة المملوکة ممّا باد أهلها فی المتن وغیره بحسب الظاهر للإحتراز عمّا کان لها مالک معروف ، فإنّها له بلا خلاف فیه علی الظاهر

ص: 466


1- (1) کشف الغطاء 4/399 .
2- (2) کشف الغطاء 4/407 .
3- (3) شرح القواعد 2/211 و212 .
4- (4) شرح القواعد 2/209 .
5- (5) مفتاح الکرامة 7/10 الطبعة القدیمة .

ولا إشکال لو لم یکن ملکه لها بالإحیاء . وأمَّا لو کانت مملوکةً بالإحیاء ففی زوال ملکیتها بعروض الخراب لها ورجوعها إلی ملک الإمام کما کان قبل الإحیاء وعدمه قولان فی باب الإحیاء ، لا یخلو ثانیهما عن قوة ، وتحقیقه موکول إلی محلّه»(1) .

وقال المحقق الخوئی : « . . . فیعلم من ذلک أنّ مجرد الخراب لا یستوجب الخروج عن ملک المالک والدخول فی ملک الإمام علیه السلام لیعدّ من الأنفال ، بل هو مشروط بالإعراض والإنجلاء . . .»(2) .

وأمّا الروایات الواردة فی المقام

طائفة منها تدلّ علی مالکیة الأرض لمحییها بلا فرق بین زمنی الحضور والغیبة :

منها : صحیحة الفضلاء عن أبی جعفر وأبی عبد اللّه علیهماالسلام قالا : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من أحیی أرضاً مواتاً فهی له(3) .

ظهور اللام فی الملکیة واضح ، وضمیر «هی» ترجع إلی الأرض ظاهرة فی ثبوت ملکیته لرقبة الأرض ، وصدور هذا البیان وعدم تقییده بزمن الحضور وعدم ورود المخصص یدلّ علی أنّ الحکم عام یشمل زمنی الحضور والغیبة .

ومنها : صحیحة زرارة عن أبی جعفر صلی الله علیه و آله وسلم قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من أحیی مواتاً فهو له(4) .

ومنها : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من غرس شجراً أو حفر وادیاً بدّیاً لم یسبقه إلیه أحد ، وأحیی أرضاً میتة فهی له قضاء من اللّه

ص: 467


1- (1) مصباح الفقیه 14/242 .
2- (2) مستند العروة الوثقی . کتاب الخمس/ 357 .
3- (3) وسائل الشیعة 25/412 ح5 . الباب 1 من أبواب إحیاء الموات .
4- (4) وسائل الشیعة 25/412 ح6 .

ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم (1) .

وهذا القضاء من اللّه ورسوله فی زمن الحضور والغیبة ، وأنت تری أنّ التفصیل بینهما لا وجه له .

ومنها : صحیحة عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سئل _ وأنا حاضر _ عن رجل أحیی أرضاً مواتاً فکری فیها نهراً ، وبنی بیوتاً وغرس نخلاً وشجراً ، فقال : هی له وله أجر بیوتها وعلیه فیها العشر فیما سقت السماء ، أو سیل وادٍ أو عین ، وعلیه فیما سقت الدوالی والقرب نصف العشر(2) .

ومنها : معتبرة محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : أیّما قوم أحیوا شیئاً من الأرض وعمروها فهم أحقّ بها وهی لهم(3) .

وفی هذه المعتبرة قد فسّر الإمام علیه السلام أنّ المراد بالأحقیّة فی إحیاء الأرض هی المالکیة ، بقرینة اللام الظاهرة فی الملکیة ، ومثلها :

صحیحة محمد بن مسلم قال : سألته عن الشراء من أرض الیهود والنصاری ؟ قال : لیس به بأس _ إلی أن قال : _ وأیّما قوم أحیوا شیئاً من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها وهی لهم(4) .

ظهر من هذه الصحیحة _ وقد ذکرها صاحب الوسائل بتمامها فی کتاب الجهاد(5) _ وتطبیق الإمام علیه السلام أنّ المراد بمَن فیها مطلق ، ولا یشمل المؤمن أو المسلم فقط بل یشمل الیهود والنصاری ، وبعدم الفرق بین الکافر الکتابی وغیره یظهر حکم الکافر غیر الکتابی .

ونحوها مرسلة الصدوق قال : قد ظهر رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم علی خیبر فخارجهم علی أن یکون الأرض فی أیدیهم یعملون فیها ویعمرونها ، وما بأس لو اشتریت منها شیئاً ، وأیمّا قوم

ص: 468


1- (1) وسائل الشیعة 25/413 ح1 . الباب 2 من أبواب إحیاء الموات .
2- (2) وسائل الشیعة 25/412 ح8 .
3- (3) وسائل الشیعة 25/412 ح4 .
4- (4) وسائل الشیعة 25/411 ح1 .
5- (5) وسائل الشیعة 15/156 ح2 . الباب 71 من أبواب جهاد العدو .

أحیوا شیئاً من الأرض فعمروه فهم أحقّ به وهو لهم(1) .

ومن هنا ظهر معنی کلمة « الأحقیّة » فی غیرها من الروایات الواردة فی شأن الإحیاء أنّ المراد بها هی الملکیة :

ومنها : صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال : أیّما قوم أحیوا شیئاً من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها(2) .

فقد ظهر ممّا ذکرنا أنّ المراد بأداء الحقّ الوارد فی صحیحة سلیمان بن خالد هو ردّ رقبة الأرض للمحیی الأول ، لأنّ حقّه هو ملکیته للأرض ، وإلیک نصها :

صحیحة سلیمان بن خالد قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یأتی الأرض الخربة فیستخرجها ویجری أنهارها ویعمرها ویزرعها ماذا علیه ؟ قال : الصدقة ، قلت : فإن کان یعرف صاحبها ؟ قال : فلیؤدّ إلیه حقّه(3) .

وفی هذه الصحیحة یسأل السائل عن أرضٍ کان لها مالک ولکنّه ترک إحیاءها فصار مواتاً وأحیاها الثانی فماذا علیه ؟ أجاب الإمام بأنّ علیه الصدقة - أی الزکاة فقط - إن کان لا یعرف صاحبها أو یعلم إعراضه عنها ولکنه إذا عرف صاحبها فلیودّ إلیه حقّه أی أرضه ، لأنّه مالک لرقبة الأرض . هذا ما استفدتُهُ منها .

وکذا یُحمل الترک علی الإعراض فی الروایات الآتیة بقرینة أنّ المحیی یصیر مالکاً لرقبة الأرض .

نحو : صحیحة معاویة بن وهب قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : أیّما رجل أتی خربة بائرة فاستخرجها وکری أنهارها وعمرّها فإنّ علیه فیها الصدقة ، فإن کانت أرض لرجل قبله فغاب عنها وترکها فأخرجها ، ثم جاء بعد یطلبها فإن الأرض للّه ولمن عمّرها(4) .

بل لابدّ أن تُحمل فی هذه الصحیحة کلمة « ترکها » ب_ « أعرض عنها » ، وإلاّ لا یتم

ص: 469


1- (1) وسائل الشیعة 25/412 ح7 .
2- (2) وسائل الشیعة 25/411 ح2 .
3- (3) وسائل الشیعة 25/415 ح3 .
4- (4) وسائل الشیعة 25/414 ح1 .

تطبیق الکبری الموجودة فی آخرها علی المطلوب ، وهو ملکیة المحیی الثانی علی الأرض ، وهی قوله علیه السلام : « فإنّ الأرض للّه ولمن عمّرها » .

ولأنه لو لم یعرض المحیی الأوّل عن الأرض فالکبری تنطبق علیه لا علی الثانی ، فلابدّ من حمل کلمة « ترکها » فیها علی الإعراض حتّی تنطبق الکبری علی الثانی . والأمر هکذا فی الصحیحة الآتیة ، فلابدّ من حمل کلمة « ترکها أهلها » فی کلام السائل علی إعراض أهلها ، وإلاّ لم تنطبق الکبری الواردة فی کلام الإمام علیه السلام ، وهی قوله : « مَنْ أحیی أرضاً من المؤمنین فهی له » علی المحیی الثانی ، بل تنطبق علی المحیی الأوّل ، وهو خلاف المطلوب . هذا ما ظهر لی عند التأمل .

ومنها : صحیحة عمر بن یزید قال : سمعت رجلاً من أهل الجبل یسأل أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل أخذ أرضاً مواتاً ترکها أهلها فعمّرها وکری أنهارها وبنی فیها بیوتاً وغرس فیها نخلاً وشجراً ؟ قال : فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : کان أمیر المؤمنین علیه السلام یقول : من أحیی أرضاً من المؤمنین فهی له وعلیه طَسْقها یؤدّیه إلی الإمام فی حالة الهدنة ، فإذا ظهر القائم فلیوطن نفسه علی أن تؤخذ منه(1) .

یُحمل بقرینة ما ذکرنا « الترک » الوارد فی کلام السائل علی الإعراض ، ولکن الوارد فی جواب الإمام علیه السلام تقیید المحیی بالإیمان ، ولا یمکن تقیید المطلقات به لأنّهما مثبتان . والظاهر بعد قبول أنّ عملیة الإحیاء توجب الملکیة لا بدّ من حمل الطسق الوارد فیها علی الزکاة ، کما تظهر من صحیحتی سلیمان بن خالد(2) وعبد اللّه بن سنان(3) الماضیتان .

ویمکن أن یبقی علی ظاهره فیصیر معنی کلمة « الطسق » الاُجرة ، لأنّ الأرض الموات من الأنفال ، والأنفال کلّها للإمام علیه السلام ، فیمکن له أن یأذن فی عملیة الإحیاء ولکن مع جعل الطَسْق ، أی الأجرة علی المحیی ، فله أنّ یجعل الطسق والاُجرة . ولکن لم یعهد منهم هذا الجعل ، ویمکن أن یجعله صاحب العصر (عجل اللّه تعالی فرجه الشریف) بعد ظهوره .

ص: 470


1- (1) وسائل الشیعة 9/549 ح13 .
2- (2) وسائل الشیعة 25/415 ح3 .
3- (3) وسائل الشیعة 25/412 ح8 .

وأما التفصیل الوارد فیها بین زمان ظهور القائم (عجل اللّه تعالی فرجه الشریف) وبین غیره فلا بأس به ، أی للقائم (عج) أن یأخذ الأرض من المحیی أو له أن یجعل علیه الطسق أو الأجرة . کما یمکن دعوی أنّ المراد بالهدنة زمن حکومة غیر الأئمة علیهم السلام ، والمراد بزمن الظهور زمن حکومتهم ، لأنّ کلَّهم القائمون بالحقّ .

ویمکن أن یقال بأنّ الضمیر المستتر فی کلمة «تؤخذ» یرجع إلی الزکاة ، فیصیر المعنی : أنّ القائم _ بالمعنیین _ یأخذ الزکاة فی زمن ظهوره أو اقتداره ولکن فی غیرها من الزمن علی المالک أن یؤدیها . هذا ما ظهر لنا بعد التأمل فی الروایة .

ومنها : خبر أبی خالد الکابلی عن أبی جعفر علیه السلام قال : وجدنا فی کتاب علی علیه السلام : «إِنَّ الاْءَرْضَ للّه ِِ یُورِثُهَا مَنْ یَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ»(1) ، أنا وأهل بیتی الذین أورثنا الأرض ونحن المتقون والأرض کلّها لنا ، فمن أحیی أرضاً من المسلمین فلیعمرها ولیؤدّ خراجها إلی الإمام من أهل بیتی وله ما أکل منها ، فإن ترکها وأخربها فأخذها رجل من المسلمین من بعده فعمّرها وأحیاها فهو أحقّ بها من الذی ترکها ، فلیؤدّ خراجها إلی الإمام من أهل بیتی وله ما أکل منها حتی یظهر القائم (عج) من أهل بیتی بالسیف ، فیحویها ویمنعها ویخرجهم منها کما حواها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ومنعها ، إلاّ ما کان فی أیدی شیعتنا ، فإنّه یقاطعهم علی ما فی أیدیهم ویترک الأرض فی أیدیهم(2) .

عبّرنا عن الروایة بالخبر لأنَّ أبا خالد الکابلی إثنان :

أحدهما : الکبیر اسمه کنکر وقیل وردان ، وقد ذکره الشیخ فی أصحاب علی بن الحسین زین العابدین علیه السلام (3) . وهذا الرجل ثقة بلا ریب عندنا .

ثانیهما : الصغیر واسمه وردان ذکره الشیخ فی أصحاب الباقر علیه السلام وقال : «وردان أبو خالد الکابلی الأصغر ، روی عنه علیه السلام وعن أبی عبد اللّه علیه السلام ، والکبیر اسمه کنکر(4)» . وکذا

ص: 471


1- (1) سورة الأعراف/ 128 .
2- (2) وسائل الشیعة 25/414 ح2 .
3- (3) رجال الشیخ/ 100 الرقم 2 .
4- (4) رجال الشیخ/ 139 الرقم 5 .

ذکره فی أصحاب الصادق علیه السلام وقال فی شأنه : «وردان أبو خالد الکابلی الأصغر روی عنهما علیهماالسلام والأکبر کنکر»(1) . وهذا الأصغر لم یرد توثیقه ، ولذا استشکل فی سند الروایة بأن أبا خالد الکابلی إمّا مشترک أو أنّ الراوی عن أبی جعفر علیه السلام هو الأصغر فقط _ کما هو الصحیح _ ولذا لا یمکن الحکم باعتبار سندها . بل هی ضعیفة الإسناد لعدم اعتبار أبی خالد الکابلی الأصغر الراوی عن أبی جعفر علیه السلام ، ولذا تعجّب الشیخ الحر فی حاشیة الوسائل(2) من الشهید الثانی فی محلِّه » .

وأمّا المذکور فی رجال الشیخ فی أصحاب الصادق علیه السلام بعنوان «کنکر أبو خالد القماط کوفی »(3) ، وکذلک عنونه فی الفهرست وقال : «أبو خالد القماط له کتاب وقال ابن عقدة : اسمه کنکر»(4) . یکون غیرهما لأنّهما الکابلیان وهذا الرجل کوفی بتصریح الشیخ ، ویبعد إتحاد الأخیر مع أبی خالد الکوفی المذکور فی رجال الشیخ فی أصحاب الرضا علیه السلام (5) لبُعد الزمان .

وأمّا دلالتها : فیمکن حملها علی ما ذکرنا ، بأنّ للإمام علیه السلام أن یجعل علی الأراضی الأنفال الخراج أو الطَسْق أو الاُجرة ، والمراد بجملة «وله ما أکل منها» أنّه مالکها ، ولکن لو ترکها وأعرض عنها یجوز للغیر إحیاؤها وتملکها مع أداء الخراج . ولا یمکن الحکم بتقیید مطلقات الإحیاء بالمسلمین ، لأنّهما کما مر مثبتتان . والروایة تدلّ علی أنّ القائم (عجل اللّه تعالی فرجه الشریف) بعد ظهوره یأخذ الأرض من غیر شیعته ویأخذ منهم الخراج .

ولا بأس بالأخذ بما فیها بالنسبة إلی ما بعد الظهور لو تمّ سندها . والأمر فیه سهلٌ ، لأنّ الإمام علیه السلام عالم بوظیفته وعلینا أن نطیعه . ویمکن اختلاف الحکم بین زمنی ما قبل الظهور وما بعده .

والحاصل : ما یظهر لنا من الروایات هو القول بملکیة رقبة الأرض للمحیی _ بلا فرق

ص: 472


1- (1) رجال الشیخ/ 328 الرقم 26 .
2- (2) وسائل الشیعة 25/415 .
3- (3) رجال الشیخ / 277 الرقم 9 .
4- (4) الفهرست/ 522 الرقم 830 .
5- (5) رجال الشیخ/ 396 الرقم 2 .

بین کونه مؤمناً أو مسلماً أو کتابیاً أو مشرکاً _ ولا تخرج عن ملکه إلاّ بالإعراض أو الأسباب الناقلة للملک ، کما علیه المشهور من أصحابنا ، ولا یجوز لأحد إحیاؤها أو التصرف فیها إلاّ بإذنه .

نعم ، لو لم یکن للأرض مالک معلوم یجوز إحیاؤها ولکن لو علم المحیی أو حضر المالک یجب علی المحیی ردّ رقبة الأرض والاُجرة له .

ومن المعلوم أنّ النزاع یختص بأراضی الأنفال ، وأمّا غیرها من الأراضی لا یختلف أحدٌ بأنّها باقیة علی ملک مالکها ولو طرأ علیه الموات . ومن هنا ظهر حکم الأراضی المفتوحة عَنْوة لو طرأ علیها الخراب ، فهی باقیة علی ملک المسلمین بلا خلاف عند الأصحاب (قدس اللّه أسرارهم) . هذا ما أدی إلیه نظری القاصر بعد التتبع والتأمل فی الروایات ، واللّه سبحانه هو العالم .

الثانی عشر : هل تلحق الضرائب بالخراج والمقاسمة أم لا ؟
اشارة

قد مرّ فی أوّل البحث تعریف الخراج والمقاسمة ، وقد ظهر منه أنّهما غیر الضریبة والمالیات والمیری ، وبعد ثبوت الغیریة فهل تلحق الضرائب بهما من جهة جواز أخذها للغیر أم لا ؟

من المعلوم أنّ جواز أخذ مال الغیر حکم علی خلاف الأصل والقاعدة الأوّلیة ، فلا بدّ من القول به عند مایکون دلیل علیه ، وحیث لم یرد دلیل بالنسبة إلی الضریبة فلا یمکن القول بجواز أخذ الضریبة بأدلة جواز أخذ الخراج والمقاسمة ، لا سیما مع ما ذکرنا من وجود الفارق الموضوعی بینهما وأنّهما (الخراج والضریبة) شیئان مختلفان .

فلا بدّ فیالمقام من البحث حول جهتین :

1 _ جواز أخذ الضریبة للحاکم وعدمه .

2 _ جواز أخذ هذه الضریبة من الحاکم للغیر .

أمّا الجهة الأولی : هل یجوز للحاکم أن یأخذ الضرائب من رعایاه ؟

قد ورد فی روایاتنا ذمّ العشارین ، وهم الذین یأخذون من الناس العشر لدی إیرادهم

ص: 473

الأمتعة والأموال فی البلاد المسمی الیوم بالجمارک ، وهذه إحدی الضرائب التی یأخذها الحکام فیما سبق من الأیام ، فهل یمکن استفادة حرمة أخذ جمیع الضرائب منها أم لا ؟

من هذه الروایات مرسلة الرضی رفعه عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال فی حدیث : یا نوف ، إنّ داود علیه السلام قام فی مثل هذه الساعة من اللیل فقال : إنّها ساعة لا یدعو فیها عبد إلا استجیب له إلا أن یکون عشاراً أو عریفاً أو شرطیاً أو صاحب عرطبة _ وهی الطنبور _ أو صاحب کوبة _ وهی الطبل _(1) .

ومنها : حسنة نوف عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال : یا نوف إیّاک أن تکون عشّاراً أو شاعراً أو شرطیّاً أو عریفاً أو صاحب عرطبة _ وهی الطنبور _ أو صاحب کوبة _ وهی الطبل _ ، فإنّ نبی اللّه علیه السلام خرج ذات لیلة فنظر إلی السماء فقال : إنّها الساعة التی لا یردّ فیها دعوة إلا دعوة عریف أو دعوة شاعر أو شرطیّ أو صاحب عرطبة أو صاحب کوبة(2) .

ومنها : خبر نوف عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال : یا نوف إقبل وصیتی ، لا تکوننَّ نقیباً أو عریفاً أو عشّاراً أو بریداً(3) .

ومنها : مرفوعة محمد بن الحسین عن رسول اللّه علیه السلام أنّه قال : لا یدخل الجنة مدمن خمر ولا سکیّر ولا عاقّ ولا شدید السواد ولا دیّوث ولا قلّاع _ وهو الشرطی _ ولا زنوق _ وهو الخنثی _ ولا خیوق _ وهو النبّاش _ ولا عشّار ولا قاطع رحم ولا قدریّ(4) .

ومنها : خبر أبی هریرة وعبد اللّه بن عباس عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فی آخر خطبة خطبها النبی صلی الله علیه و آله وسلم بالمدینة : ومَن منع طالباً حاجته وهو قادر علی قضائها فعلیه مثل خطیئة عشّار . فقام إلیه عوف بن مالک فقال : ما یبلغ خطیئة عشّار یا رسول اللّه ؟ قال : علی العشار کلّ یوم

ص: 474


1- (1) نهج البلاغة _ الحکمة/ 104 .
2- (2) الخصال 1/338 ح40 ونقل عنه فی بحار الأنوار 72/342 ح30 (30/31) .
3- (3) أمالی الصدوق . المجلس 37 ح9/ 278 الرقم 309 ونقل عنه فی بحار الأنوار 72/343 ح33 (30/32) .
4- (4) الخصال 2/436 ح23 ، ونقل فی بحار الأنوار 72/343 ح32 (30/32) .

ولیلة لعنة اللّه والملائکة والناس أجمعین ، ومن یلعن اللّه فلن تجد له نصیراً(1) .

إنک تری بأنّ هذه الروایات تنهی عن أخذ العشور ، والنهی یدلّ علی الحرمة . ولا بأس بضعف إسنادها بعد استفاضتها أو القول بتواترها الإجمالی .

وأمّا العشور ما هی ؟

قال أبو یوسف : «یؤخذ من المسلمین ربع العشر ومن أهل الذمة نصف العشر ومن أهل الحرب العشر من کلّ ما مرّ به علی العاشر وکان للتجارة وبلغ قیمة ذلک مأئتی درهم فصاعداً أخذ منه العشر ، وإن کانت قیمة ذلک أقل من مأئتی درهم لم یؤخذ منه شیء ، وکذلک إذا بلغت القیمة عشرین مثقالاً أخذ منه العشر . . . [ثم] قال أبو یوسف : فإنّ عمر بن الخطاب وضع العشور ، فلا بأس بأخذها إذا لم یتعدّ فیها علی الناس ویؤخذ بأکثر ممّا یجب علیهم . وکلّ ما أخذ من المسلمین من العشور فسبیله سبیل الصدقة ، وسبیل ما یؤخذ من أهل الذمة جمیعاً وأهل الحرب سبیل الخراج . . .»(2) .

وقال ابن قدامة فی العشر : «إشتهر هذا عن عمر وصحت الروایة عنه به . . .»(3) .

وفی بدائع الصنائع فی فقه الحنفیة : « . . . وأصله ما روینا عن عمر أنه کتب إلی العُشّار فی الأطراف أن خذوا من المسلم ربع العشر ومن الذمی نصف العشر ومن الحربی العشر ، وکان ذلک بمحضر من الصحابة ولم یخالفه أحد منهم ، فیکون إجماعاً منهم علی ذلک . وروی أنّه قال : «خذوا منهم ما یأخذون من تجّارنا ، فقیل له : إن لم نعلم ما یأخذون من تجارنا ؟ فقال : خذوا منهم العشر . . .»(4) .

من هذا یظهر أن عمر أوّل مَن وضع العشور بالکیفیة الخاصة عندهم من مال التجارة وهی نفس الجمارک فی یومنا هذا ، وقد ورد فی روایاتنا عدم جواز أخذها وأنّ آخذها من

ص: 475


1- (1) عقاب الأعمال/ 341 ونقل عنه فی بحار الأنوار 73/369 (30/364) .
2- (2) الخراج/ (134 _ 132) .
3- (3) المغنی لابن قدامة 10/597 .
4- (4) بدائع الصنائع 2/38 .

العاصین . فلا یبعد القول بحرمة أخذ العشور المسماة الیوم بالجمارک بدلالة هذه الروایات المستفیضة أو المتواترة إجمالاً . نعم یجوز أخذها من الکافر الحربی ، وأمّا الذمّی فجواز أخذها منه تابع لعقد الذمّة ، وأمّا المعاهد والمسلم فلا یجوز أخذها منهما . وأمّا التعدی من العشور إلی غیرها من الضرائب والحکم بحرمتها بالأدلة الواردة فی حرمة العشور مشکل جداً .

وکذا الحکم بجواز أخذ الضرائب لفعل أمیر المؤمنین علیه السلام من أنّه وضع الزکاة فی أیام خلافته الظاهریة علی الخیل والبراذین لاحتیاج دولته بالأموال . أشکل من سابقه ، وقد ورد فعله فی صحیحة محمد بن مسلم وزرارة عنهما جمیعاً علیهماالسلام قالا : وضع أمیر المؤمنین علیه السلام علی الخیل العتاق الراعیة فی کلّ فرس فی کل عام دینارین وجعل علی البراذین دیناراً(1) .

وقد رواها المفید مرسلاً إلا أنّه قال : وجعل علی البراذین السائمة الإناث فی کلِّ عامٍ دیناراً(2) .

وقد ورد تقیید الخیل بالإناث أیضاً فی صحیحة زرارة قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : هل فی البغال شیءٌ ؟ فقال : لا ، فقلت : فکیف صار علی الخیل ولم یصر علی البغال ؟ فقال : لأنّ البغال لا تلقح والخیل الأُناث ینتجن ، ولیس علی الخیل الذکور شیء . قال : فما فی الحمیر ؟ قال : لیس فیها شیء . قال : قلت : هل علی الفرس أو البعیر یکون للرجل یرکبهما شیء ؟ فقال : لا ، لیس علی ما یعلف شیء ، إنّما الصدقة علی السائمة المرسلة فی مرجها عامها الذی یقتنیها فیه الرجل ، فأمّا ما سوی ذلک فلیس فیه شیء(3) .

هذه الصحیحة تخص الزکاة بالخیل الأناث السائمة المرسلة فی مرجها عامها وتنفیها عن الحمیر ، والصحیحة الأولی تثبتها فیها ، فصارت النتیجة عدم وجوبها وثبوت الاستحباب فی الحمیر . وبعدم القول بالفصل بین الحمیر والخیل ثبت استحباب الزکاة فی الخیل أیضاً . هذا ما تفیدنا الروایات .

وأمّا أمیر المؤمنین علیه السلام بما أنَّ له الولایة فی التشریع فیجوز له أن یجعل حکماً خاصاً فی زمن خلافته ، فإنّه علیه السلام بدّل الاستحباب فی الخیل والحمیر بالوجوب لمصلحة اقتضت ذلک .

ص: 476


1- (1) وسائل الشیعة 9/77 ح1 . الباب 16 من أبواب ما تجب فیه الزکاة .
2- (2) وسائل الشیعة 9/78 ح2 .
3- (3) وسائل الشیعة 9/78 ح3 .

ولکن لیس لغیره علیه السلام هذه الولایة ، فالحکم یختص بزمن خلافته فقط وبه علیه السلام .

ولذا استفادة جواز جعل الضرائب للحاکم من صحیحة محمد بن مسلم وزرارة ، وفعل أمیر المؤمنین علیه السلام مشکل جداً .

ثم هل یمکن تصحیح أخذ الضریبة للحاکم الشرعی بطرق اُخری من العقود الشرعیة أم لا ؟ ذهب المؤسس الحائری قدس سره إلی الجواز بدعوی إمکان خروج سلاطین الشیعة عن عنوان الظالم الوارد فی أخبار منع معونة الظالمین ، ثم قال : « . . . فتبیّن أنّ أصل العمل لیس ظلماً ، ثم إنّه یمکن تمشیته أیضاً علی وجه لا یخالف الشرع من جهات اُخری ، بأن یعلِن هذا السلطان فی جمیع البلاد التی تحت اقتداره وسلطنته بأنّ مَن أراد أن یشمله کفایتی وحفظی وحمایتی فلیدفع إلیَّ فی کلِّ سنة مقداراً من المال وإلاّ فلستُ أنا محامیّاً عنه مجّاناً . ولیس الوجوب أیضاً منافیّاً لجواز أخذ الاُجرة والجعل کما تقدم بیانه سابقاً ، وحینئذ فیکون أخذ المالیة عن الرعیة علی طبق الشرع لأنّها جُعْلٌ له علی عمله . . .»(1) .

وأنت تری بأنّ هذا المحقق الجلیل صحح أخذ الضریبة من الحاکم علی نحو الجعالة .

وکذا یمکن تصحیحها علی نحو الهبة المعوَّضة أو الصلح المعوَّض ، بأنْ وهب الحاکم حمایته وفعاله بإیجاد الأمن والطرق ووسائل العیش للرعیة فی مقابل أنّ الرعیة تهب فی کلّ سنة مبلغاً من المال . أو صالح الحاکم هکذا فی مقابل أن صالحته الرعیة مبلغاً من المال .

والأمر سهل بالنسبة إلی الضرائب التی أخذها الحاکم فی مقابل إعطاء الخدمات ، نحو : الماء والکهرباء والهاتف (التلیفون) والغاز والطرق والبرید والمستشفیات والمستوصفات ونحوها ، لأنّه أخذٌ للمال فی مقابل خدمة ، وأخذ المال فی مقابل العمل والخدمة یمکن تصحیحه شرعاً فی الجملة بوجوه عدیدة ، نحو : البیع والصلح والهبة والجعالة وغیرها .

ویمکن الإشکال فی الکلّ : بأنّ البیع والإجارة والصلح والهبة وکذا الجعالة تحتاج إلی رضایة الطرفین ، وإذا لم تکن الرعیة راضیاً _ کما هو الغالب فی إعطاء الضریبة _ فیصیر العقد باطلاً .

والجعالة من العقود الجائزة قبل الإتیان بالعمل ، فللرعیة فسخها قبل الإتیان بالعمل من قبل الحاکم أو قبل حلول السنة الآتیة مثلاً .

اللهم إلاّ أن یقال : بأنّ هذه مبادلة قهریة من الطرفین ولا تحتاج إلی رضایتهما بعد

ص: 477


1- (1) المکاسب المحرمة/ 95 بقلم شیخنا آیة اللّه الشیخ محمد علی الأراکی قدس سره .

إعطاء الطرفین ، کما فی بدل الحیلولة علی القول بالإنتقال القهری إلی المُتلِف فیها ، فتأمل .

نعم ، یمکن للحاکم اشتراط الضریبة فی عقد بیعته ، وإذا قبلت الرعیة هذا الشرط وبایع مع الحاکم یجوز له أن یأخذ الضریبة وفاءً بالشرط .

ولکن هل یصدق علی الإنتخابات أنّها بیعة أم لا ؟ الظاهر هو الثانی .

وأمّا الحاکم فیأخذ أیضاً بعضَ الضرائب ولکنّه لیس فی مقابلها أیّ خدمة أو عمل ، نحو : الجمارک کلّها وما یأخذها بالنسبة إلی رواتب الموظفین أو الاستثمارات والفوائد التی تحصل للرعیة والمدنیین ، أو ما یأخذها بالنسبة إلی البیع والشراء والإنتقالات المالیة ، أو ما یأخذها بالنسبة إلی الضریبة علی المیراث ، أو ما تأخذها البلدیة من السیارات والبیوت والمعامل ولم تقم بأیّ خدمة أو عمل ، وفی هذه القسم الأخیر الحکم بالجواز شرعاً مشکل جدّاً .

والحاصل ، نحن قسّمنا الضرائب إلی قسمین :

1 _ ما تقابل الخدمة والعمل فلا بأس بها بشرط وجود التناسب العرفی بین الخدمة والضریبة وقبول الرعیة ذاک ، وإذا لم تقبل فتصحیحه مشکل جدّاً .

2 _ ما أخذها ولیس فی قبالها أیّ خدمة أو عمل فلا یجوز له أخذها .

هذا ما ظهر ببالی القاصر علی سبیل العجالة فی الجهة الاُولی .

الجهة الثانیة : هل یجوز للغیر أخذ هذه الضریبة من الحاکم ؟

الآخذ تارة یعلم أنّها بعینها ضریبة وتارة لا یعلم . فإذا علم أنها بعینها من الضرائب تارة یعلم بأنّها ممّا تقابل الخدمة والعمل فلا بأس بأخذها إذا کانت الرعیة راضیاً و تارة یعلم بأنّها ممّا لا تقابل بالخدمة والعمل فلا یجوز أخذها .

وأمّا إذا هو لا یعلم أنّ المأخوذ منه بعینه هل هو من الضرائب أو غیرها ؟ فلا بأس بجواز أخذها للآخذ ، وتشملها الإطلاقات والعمومات الواردة فی أخذ جوائز الظالمین .

والذی یسّهل الخطب أنّ الغالب فی هذه الموارد عدم علم الآخذ بأنّ المال من أین حصل للحاکم ، فلذا یجوز له أخذه منه ، واللّه سبحانه هو العالم .

إلی هنا فرغنا من الفرع الثانی عشر ، وقد تمت مسائل الخاتمة وبحث المکاسب المحرّمة من کتابنا الآراء الفقهیَّة ، وقد استوعبت نصف عقد من حیاتی علی ید مؤلِّفها العبد هادی النجف_ی فی یوم الخمیس منتصف شهر رجب الأصب عام 1427 ببلدة أصبهان صانها اللّه

ص: 478

تعالی عن الحدثان ، والحمد للّه أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلی اللّه علی سیدنا محمد وآله الطیبین الطاهرین المعصومین .

ص: 479

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.